المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 8

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

المحتويات

المقدّمة 9

ت م م 11

ت ن و ر 53

ت و ب 63

ت و ر 201

ت وراة 207

ت ي ن 217

ت ي ه 227

حرف الثّاء 241

ث ب ت 243

ث ب ر 273

ث ب ط 289

ث ب ي 295

ث ج ج 303

ث خ ن 309

ث ر ب 319

ث ر ي 327

ث ع ب 337

ث ق ب 355

ث ق ف 365

ث ق ل 375

ث ل ث 437

ث ل ل 515

ث م ر 529

ث م م 563

ث م ن 575

ث م و د 591

ث ن ى 609

ث و ب 687

ث و ر 733

ث و ي 749

ث ي ب 763

حرف الجيم 769

جالوت 771

ج أ ر 775

ج ب ب 781

ج ب ت 793

ج ب ر 799

جبريل 837

ج ب ل 845

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم 909

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 915

ص: 7

ص: 8

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.

ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد الثّامن من موسوعتنا القرآنيّة:

«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.

و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(37)مفردة قرآنيّة من حرف الباء،ابتداء من (ت م م)و انتهاء ب(ج ب ل)من حرف الجيم،و أوسع الكلمات فيه بحثا و تنقيبا هي (ت و ب).

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا بما يضارع الأمل في استمرار العمل،إنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف التاء

ت م م

اشارة

13 لفظا،22 مرّة:10 مكّيّة،12 مدنيّة

في 12 سورة:6 مكّيّة،6 مدنيّة

تمّ 1:1 أتممت 1:-1

تمّت 3:3 أتممناها 1:1

تماما 1:1 يتمّ 6:2-4

أتمّها 1:1 لأتمّ 1:-1

أتمّهنّ 1:-1 أتمم 1:-1

أتممت 1:1 أتمّوا 3:-3

متمّ 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :تمّ الشّيء يتمّ تماما،و تمّمه اللّه تتميما و تتمّة.

و تتمّة كلّ شيء:ما يكون تماما لغايته،كقولك:

هذه الدّراهم تمام هذه المئة،و تتمّة هذه المئة.

و التّمّ:الشّيء التّامّ،يقال:جعلته تمّا،أي بتمامه.

و التّميمة:قلادة من سيور،و ربّما جعلت«العوذة» الّتي تعلّق في أعناق الصّبيان.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث ابن مسعود:«إنّ التّمائم و الرّقى و التّولة من الشّرك».

و أتممته إتماما:علّقت عليه التّميمة.

و استتمّ نعمة اللّه بالشّكر.

و التّمتمة في الكلام:ألاّ يبيّن اللّسان،يخطئ موضع الحرف فيرجع إلى لفظ،كأنّه التّاء و الميم.و رجل تمتام.

و تمّم الرّجل،إذا صار تميميّ الرّأي و الهوى.

و التّمام:أطول ليلة في السّنة،و يقال:ليلة التّمام ثلاث،لا يستبان فيها نقصان من زيادة.

و قيل:بل ليلة أربع عشرة،و هي ليلة البدر،و هي اللّيلة الّتي يتمّ فيها القمر فيصير بدرا.

و التميم في لغة:التّمام.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّميم:الشّديد.

و يقال:أبى قائلها إلاّ تمّا،أي أبى إلاّ أن يتمّ على

ص: 11

ما قال.(8:111)

سيبويه :و أمّا تقيّس و تنزّر و تتمّم،فإنّما يجري على نحو:كسّرته فتكسّر،كأنّه قال:تمّم فتتمّم،و قيّس فتقيّس،كما قالوا:نزّرهم فتنزّروا.(4:66)

من العرب من يقول:هذه تميم،يجعله اسما للأب و يصرف،و منهم من يجعله اسما للقبيلة فلا يصرف.

قالوا:تميم بنت مرّ،فأنّثوا،و لم يقولوا:ابن.

(ابن منظور 12:71)

الضّبّيّ: أبى قائلها إلاّ تمّا و تمّا و تمّا،ثلاث لغات، يعني تمام الكلام.(إصلاح المنطق:86)

أبو عمرو الشّيبانيّ: ليل تمام،إذا كان اللّيل ثلاث عشرة ساعة إلى خمس عشرة ساعة.

(الأزهريّ 14:262)

ليل التّمام:ستّة أشهر؛ثلاثة أشهر حين تزيد على ثنتي عشرة ساعة،و ثلاثة أشهر حين ترجع.

(الأزهريّ 14:262)

باب«فعال و فعال»بمعنى واحد،ألقت ولدها لغير تمام و تمام،و لغير تمّ.(إصلاح المنطق:104)

ابن شميّل: ليل التمام في الشّتاء:أطول ما يكون اللّيل،و يكون لكلّ نجم هويّ من اللّيل يطلع فيه حتّى تطلع كلّها فيه،فهذا ليل التّمام.(الأزهريّ 14:262)

مثله ابن السّكّيت.(414)

ليلة السّواء:ليلة ثلاث عشرة،و فيها يستوي القمر،و هي ليلة التّمام.

و ليلة تمام القمر هذا بفتح التّاء،و الأوّل بالكسر.

(الأزهريّ 14:263)

أبو زيد:التّمتام:هو الّذي يعجل في الكلام، و لا يكاد يفهمك.(الأزهريّ 14:261)

تمام الشّيء:ما تمّ به،بالفتح لا غير.

(ابن سيده 9:469)

الأصمعيّ: ليل التّمام في الشّتاء:أطول ما يكون من اللّيل.و يطول ليل التّمام حين تطلع فيه النّجوم كلّها،و هي ليلة ميلاد عيسى عليه السّلام،و النّصارى تعظّمها و تقوم فيها.(الأزهريّ 14:262)

ولدته للتّمام بالألف و اللاّم،و لا يجيء نكرة إلاّ في الشّعر.(ابن منظور 12:68)

اللّحيانيّ: التّميم في الأيسار:أن ينقص الأيسار في الجزور،فيأخذ رجل ما بقي حتّى يتمّم الأنصباء.

(الأزهريّ 14:263)

أبو عبيد: في حديث عبد اللّه:«إنّ التّمائم و الرّقى و التّولة من الشّرك»إنّما أراد بالرّقى و التّمائم عندي:

ما كان بغير لسان العربيّة ممّا لا يدرى ما هو،فأمّا الّذي يحبّب المرأة إلى زوجها فهو عندنا من السّحر.

(2:190)

التّميم:الصّلب.[ثمّ استشهد بشعر]

ولد فلان لتمام و تمام،و ليل التّمام بالكسر لا غير.

(الأزهريّ 14:261)

التّميم:الشّديد.

و التّميمة:عوذة تعلّق على الإنسان.

(الجوهريّ 5:1878)

ابن الأعرابيّ: تمّ،إذا كسر،و تمّ،إذا بلغ.

(الأزهريّ 14:261)

ص: 12

كلّ ليلة طالت عليك فلم تنم فهي ليلة التّمام،أو هي كليلة التّمام.(الأزهريّ 14:262)

إذ فاز قدح الرّجل مرّة بعد مرّة فأطعم لحمه المساكين،سمّي متمّما.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:263)

التّمّ:النّاس (1)،و جمعه:تممة.

و التّميم:الطّويل،و التّميم:العوذ،واحدتها:تميمة.

(الأزهريّ 14:263)

و تمّمهم:أطعمهم نصيب قدحه.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 9:470)

ابن السّكّيت: قالوا:تمّمت الكسر تتميما، و ذلك إذا كان عنتا فأبنته.(128)

مثله القاليّ.(2:30)

و ليلة ثلاث عشرة عفراء،و هي ليلة السّواء فيها يستوي القمر،و هي ليلة التّمام.يقال:هذه ليلة تمام القمر و ليلة التّمام،و هو وفاء ثلاث عشرة.(397)

الرّيّاشيّ: نهار نحب،مثل ليل تمام:أطول ما يكون.

(الأزهريّ 14:262)

المبرّد: [في حكاية]«فرجعا عنه و أتمّ إلى قومه» يروى أتمّ بألف و تمّ بغير ألف و نمّ بالنّون،و معنى«تمّ إلى قومه»أي نفذ.(1:359)

ثعلب :تمّمت المولود:علّقت عليه التّمائم.

(ابن سيده 9:470)

الزّجّاج: يقال:تمّ اللّه عليه النّعمة و أتمّ عليه،إذا أسبغها.(فعلت و أفعلت:6)

ابن دريد :تمّ يتمّ تماما.

و امرأة حبلى:متمّ.و ولد الغلام لتمّ و تمام.

و بدر تمام بالكسر،و كذلك ليل تمام.و كلّ شيء بعد هذا فهو تمام،بفتح التّاء.(1:42)

ليل التّمام:أطول ليلة في السّنة،و هو السّابع عشر من كانون الأوّل،و يقال:ليل التّمام:ليل الغموم.

(1:230)

ناقة متمّ،و كذلك المرأة،إذا تمّت أيّام حملها.

(3:445)

ليل التّمام بالكسر لا غير،و لا تنزع منه الألف و اللاّم فيقال:ليل تمام.

فأمّا في الولد فيجوز الكسر و الفتح و نزع الألف و اللاّم،فيقال:ولد الولد لتمام و لتمام.

و أمّا ما سواهما فلا يكون فيه إلاّ الفتح،يقال:خذ تمام حقّك و بلغ الشّيء تمامه.

فأمّا المثل فبالكسر،و هو قولهم:«أبى قائلها إلاّ تمّا».

(ذيل الأماليّ: 6)

الأزهريّ: في حديث ابن مسعود:«إنّ التّمائم و الرّقى و التّولة من الشّرك».

قلت:التّمائم:واحدتها تميمة،و هي خرزات كانت الأعراب يعلّقونها على أولادهم،يتّقون بها النّفس و العين بزعمهم،و هو باطل.[ثمّ استشهد بشعر]

و جعلها ابن مسعود:«من الشّرك»لأنّهم جعلوها واقية من المقادير و الموت،فكأنّهم جعلوا للّه شريكا فيما قدّر و كتب من آجال العباد و الأعراض الّتي تصيبهم.س.

ص: 13


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر«الفأس»كما جاء في المحيط(9:417)و اللّسان و القاموس.

و لا دافع لما قضى،و لا شريك له عزّ و جلّ فيما قدّر.

قلت:و من جعل التّمائم سيورا فغير مصيب.و أمّا قول الفرزدق:

و كيف يضلّ العنبريّ ببلدة

بها قطعت عنه سيور التّمائم

فإنّه أضاف السّيور إلى التّمائم،لأنّ التّمائم خرز يثقب و يجعل فيها سيور و خيوط تعلّق بها،و لم أر بين الأعراب خلافا أنّ التّميمة هي الخرزة نفسها.[إلى أن قال:]

و روي عن عائشة أنّها قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقوم اللّيلة التّمام فيقرأ سورة البقرة و آل عمران و سورة النّساء،و لا يمرّ بآية إلاّ دعا اللّه فيها.

و يقال:سافرنا شهرنا ليل التّمام لا نعرّسه.

و هذه ليالي التّمام،أي شهرا في ذلك الزّمان.

و يقال:ليل التّمام،و ليل تماميّ أيضا.

(14:260)

الصّاحب:[قال نحو ما تقدّم عن الخليل و أضاف:]

و التّمم:التّام الخلق،و كذلك التّميم،و هو الشّديد الخلق أيضا.

و حملته المرأة لتمام و لتمام.

و المتمّ:الّتي تمّت أيّام حملها،أتمّت إتماما.

و تتاممت الشّيء أتتاممه،إذا رجّيته و تبلّغت به.

و بقيت فيه تمامة و تمّة.

و التّمّ:المسحاة.و قيل:الفأس،و جمعه:تممة.

و تمّ الشّيء:أي كسر.و التّتمّم:التّكسّر.

و تمّم على الجريح،إذا أجهز عليه.

و التّمّة و التّمّى:ما تطلبه المرأة من صوف أو شعر لتتمّ به نسجها،و هي المستتمّة.و يقولون:أتمّونا من جزاز غنمكم.و يسمّى الجزاز:التّمّيّ و التّميمة.

و تمّى:اسم امرأة سمّيت بذلك.

و المتمّ في البطن:منقطع عرق السّرّة.

و الصّالغ من الشّتاء يقال له:التّمم،و جمعه:أتمام.

و هو في الخيل:بعد القروح.

و المتمّم:الّذي يتمّم للقوم ثمن جزورهم.و هو أيضا أن يطعم فوز قدحه تامّا.(9:417)

الخطّابيّ: في حديث سليمان أنّه قال:«الجذع التّامّ التّمم يجزئ».

التّمم:التّامّ،و أصله:تمّ،فأظهروا الميمين لمّا ردّوه إلى الأصل.يقال:تامّ و تمّ بمعنى واحد.(3:52)

ابن جنّيّ: و التّميمة:خرزة رقطاء تنظم في السّير، ثمّ تعقد في العنق،و هي التّمائم و التّميم.

(ابن سيده 9:470)

الجوهريّ: تمّ الشّيء تماما،و أتمّه غيره،و تمّمه و استتمّه بمعنى.

و أتمّت الحبلى فهي متمّ،إذا تمّت أيّام حملها.

و ولدت لتمام و تمام،و ولد المولود لتمام و تمام.و قمر تمام و تمام،إذا تمّ ليلة البدر.

و ليل التّمام مكسور لا غير،و هو أطول ليلة في السّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أبى قائلها إلاّ تمّا و تمّا و تمّا،ثلاث لغات،أي تماما،و مضى على قوله و لم يرجع عنه، و الكسر أفصح.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 14

و في الحديث:«من علّق تميمة فلا أتمّ اللّه له».

و يقال:هي خرزة.و أمّا المعاذات إذا كتب فيها القرآن و أسماء اللّه عزّ و جلّ فلا بأس بها.

و التّمتام:الّذي فيه تمتمة،و هو الّذي يتردّد في التّاء.

و تتامّوا،أي جاءوا كلّهم و تمّوا.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:1877)

ابن فارس: التّاء و الميم أصل واحد منقاس،و هو دليل الكمال،يقال:تمّ الشّيء،إذا كمل،و أتممته أنا.

و من هذا الباب التّميمة،كأنّهم يريدون أنّها تمام الدّواء و الشّفاء المطلوب.[إلى أن قال:]

و تتميم الأيسار:أن تطعمهم فوز قدحك، فلا تنتقص منه شيئا.[ثمّ استشهد بشعر]

و المستتمّ:الّذي يطلب شيئا من صوف أو وبر يتمّ به نسج كسائه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الموهوب:تمّة و تمّة.

و أمّا قوله:المتتمّم المتكسّر،فقد يكون من هذا، لأنّه يتناهى حتّى يتكسّر.و يجوز أن يكون التّاء بدلا من ثاء،كأنّه متثمّم،و هو الوجه.و ينشد فيه:

*كانهياض المتعب المتتمّم*(1:339)

أبو هلال :الفرق بين قولك:تماما له،و تماما عليه،في قوله تعالى: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ الأنعام:154،أنّ«تماما له»يدلّ على نقصانه قبل تكميله،و«تماما عليه»يدلّ على نقصانه فقط،لأنّه يقتضي مضاعفة عليه.(256)

أبو سهل الهرويّ: و ولد المولود لتمام و تمام،إذا ولد تمّت شهوره تسعة.

و ليل التّمام مكسور التّاء لا غير،و هي أتمّ ما يكون اللّيل،أي أطول.

و قيل:ليل التّمام أن تكون ساعاتها ثلاث عشرة إلى أربع عشرة.(التّلويح في شرح الفصيح:84)

ابن سيده: تمّ الشّيء يتمّ تمّا،و تمّا،و تمّا، و تمامة،و تماما،و تمّة.

و تمام الشّيء،و تمامته،و تتمّته:ما تمّ به.

و أتمّ الشّيء،و أتمّ به،و تمّمه،و تمّ به يتمّ:جعله تامّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و ليل التّمام بالكسر لا غير:أطول ما يكون من ليالي الشّتاء.و قيل:هي ثلاث لا يستبان نقصانها.

و قيل:هو إذا بلغت اثنتي عشرة ساعة فما زاد.

و ولدت المرأة لتمّ،و تمام،و تمام،إذا ولدته و قد تمّ خلقه.

و أتمّت المرأة و هي متمّ:دنا ولادها.

و أتمّت النّاقة و هي متمّ:دنا نتاجها.

و أتمّ النّبت:اكتهل.

و أتمّ القمر:امتلأ فبهر،و هو بدر تمام،و بدر تمام، و تمام.

و تمّم على الجريح،أجهز.

و تمّ على الشّيء:أكمله.[ثمّ استشهد بشعر]

و استتمّ النّعمة:سأل إتمامها.

و جعله تمّا،أي تماما.

و تمّم الكسر فتمّم،و تتمّم:انصدع و لم يبن، و قيل:إذا انصدع ثمّ بان.

ص: 15

و قالوا:أبى قائلها إلاّ تمّا،و تمّا،و تمّا.

و التّميم:التّامّ الخلق.

و التّميم:الشّديد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:التّميم:التّامّ الخلق الشّديد،من النّاس و الخيل.

و قيل:هي[التّميمة]قلادة يجعل فيها سيور و عوذ.

و المتمّ:منقطع عرق السّرّة.

و التّمم و التّمم من الشّعر و الوبر و الصّوف كالجزز، الواحدة:تمّة.فأمّا التّمم فأراه اسما للجمع.

و استتمّه:طلب منه التّمم.

و أتمّه:أعطاه إيّاها.

و التّامّ من الشّعر:ما يمكن أن يدخله الزّحاف فيسلم منه.و قد تمّ الجزء تماما.

و قيل:المتمّم:كلّ ما زدت عليه بعد اعتدال البيت حرفين،و كانا من الجزء الّذي زدته عليه،نحو:

«فاعلاتن»في ضرب الرّمل،سمّي متمّما لأنّك تمّمت أصل الجزء.

و رجل متمّم،إذا فاز قدحه مرّة بعد مرّة،فأطعم لحمه المساكين.

و تمّم الرّجل:صار هواه تميميّا.و تمّم:انتسب إلى تميم.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّمتمة:ردّ الكلام إلى التّاء و الميم،و قيل:هو أن يعجل بكلامه فلا يكاد يفهمك و قيل:هو أن يعجل بكلامه،و قيل:هو أن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى.

و رجل تمتام،و الأنثى:تمتامة.(9:469)

ليلة السّواء:هي ليلة أربع عشرة من الشّهر،أو ثلاث عشرة،فيها يستوي القمر و يكمل؛و ذلك إذا اتّسق،و اتّساقه:استواؤه.

و قيل:لأنّه يستوي في ليلها و نهارها.

و أسوينا:صرنا في ليلة السّواء.

ليلة التّمام:ليلة السّواء.(الإفصاح 2:918)

الطّوسيّ: و التّمام و الكمال و الوفاء نظائر.

و ضدّ التّمام:النّقصان.يقال:تمّ تماما،و أتمّ إتماما، و استتمّ استتماما،و تمّم تتميما و تتمّة.

و تتمّة كلّ شيء:ما يكون تمامه بغايته،كقولك:هذه الدّراهم تمام هذه المئة،و تتمّة هذه المئة.

التّمّ:الشّيء التّمام،تقول:جعلته لك تماما،أي بتمامه.[إلى أن قال:]

و أصل الباب:التّمام و هو الكمال.(1:446)

نحوه الطّبرسيّ.(1:199)

الرّاغب: تمام الشّيء:انتهاؤه إلى حدّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه،و النّاقص:ما يحتاج إلى شيء خارج عنه.و يقال ذلك للمعدود و الممسوح،تقول:عدد تامّ و ليل تامّ.[ثمّ ذكر آيات](75)

الزّمخشريّ: سليمان بن يسار رضي اللّه عنه:

«الجذع التّام التّمم يجزئ في الصّدقة».أراد بالتّامّ:

الّذي استوفى الوقت الّذي يسمّى فيه جذعا كلّه،و بلغ أن يسمّى ثنيّا.و بالتّمم:التّامّ الخلق.و مثله في الصّفات خلق عمم و بطل و حسن يجزئ،أي يقضي في الأضحيّة.

(الفائق 1:155)

تمّ تماما،و أتمّه و تمّمه،و استتمّه،و استتمّ نعمة اللّه

ص: 16

بالشّكر.و ذهبت فلانة إلى جارتها تستتمّها،أي تطلب منها تمّة و هي ما تتمّ به نسجها من صوف أو شعر أو وبر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه الدّراهم تمام المئة و تتمّتها.و قد تمّمت المئة تتمّة.

و رجل تميم،و امرأة تميمة:تامّا الخلق وثيقاه.

و اجتمعوا فتتامّوا عشرة.و جعلته لك تمّا،أي بتمامه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبى قائلها إلاّ تمّا،أي تماما و مضيّا فيها.

و أحيا ليل التّمام و التّمام،و هو أطول ليلة في السّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه ليلة التّمام و التّمام:للّيلة تمام القمر.و ولدت لتمام و تمام.و ألقت ولدها لغير تمام و تمام.و قد أتمّت فهي متمّ،كما تقول:مقرب و مدن للّتي دنا نتاجها.[ثمّ استشهد بشعر]

و صبيّ متمّم:علّقت عليه التّمائم.و تممت عنه العين أتمّها تمّا،أي دفعتها عنه بتعليق التّميمة عليه.و في الحديث:«من علّق تميمة فلا أتمّ اللّه له».

و من المجاز:تمّم على الجريح،إذا أجهز عليه.و تمّ على أمره:مضى عليه.و تمّ على أمرك،و تمّ إلى مقصدك.و تمّ تمامه.(أساس البلاغة:39)

المدينيّ: في حديث أسماء:«خرجت و أنا متمّ».

المتمّ،من ذوات الحمل:الّتي تمّت مدّة حملها و شارفت الوضع،و التّمام بالكسر فيها،و في ليل التّمام،فأمّا سائرهما فتمام بالفتح.

و في الحديث:«أعوذ بكلمات اللّه التّامّات».إنّما وصف كلامه تبارك و تعالى بالتّمام،لأنّه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب،كما يكون في كلام الآدميّين.

و وجه آخر:و هو أنّ كلّ كلمة كانت على حرفين فهي عند العرب ناقصة.و التّامّة:ما كانت في الأصل على ثلاثة أحرف.و قد أخبر اللّه سبحانه و تعالى أنّه: إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،و كلمة (كن)ناقصة في الهجاء،فنفى صلّى اللّه عليه و سلّم النّقص عن كلمات اللّه تعالى قطعا للأوهام،و إعلاما أنّ حكم كلامه خلاف كلام الآدميّين،و إن نقص هجاؤه في الكتابة لا يسلبه صفة التّمام و الكمال.

و قيل:معنى التّمام هاهنا أنّها تنفع المتعوّذ بها و تشفيه و تحفظه من الآفات و تكفيه.

و كان أحمد بن حنبل:يستدلّ به على أنّ القرآن غير مخلوق،لأنّه ما من مخلوق إلاّ و فيه نقص.

و في حديث الدّعاء عند الأذان:«اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة».إنّما وصفها بالتّمام،لأنّها أيضا ذكر اللّه عزّ و جلّ،يدعى بها إلى عبادة اللّه تعالى،و هذه الأشياء هي الّتي تستحقّ صفة الكمال و التّمام،و ما سواها من أمور الدّنيا يعرض له النّقص و الفساد.

في الحديث:«فتتامّت إليه قريش»أي توافرت.

و من حديث معاوية:«إن تممت على ما تريد» مخفّف.يقال:تمّ على الأمر،أي استمرّ عليه و تمّمه.

(1:241)

ابن الأثير: في حديث عائشة رضي اللّه عنها:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقوم ليلة التّمام»هي ليلة أربع

ص: 17

عشرة من الشّهر،لأنّ القمر يتمّ فيها نوره.و تفتح تاؤه و تكسر.

و قيل:ليل التّمام بالكسر،أطول ليلة في السّنة.

[ثمّ ذكر أحاديث و قال:]

و الحديث الآخر:«من علّق تميمة فلا أتمّ اللّه له».

كأنّهم كانوا يعتقدون أنّها تمام الدّواء و الشّفاء،و إنّما جعلها شركا،لأنّهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم،فطلبوا دفع الأذى من غير اللّه الّذي هو دافعه.

(1:197)

الفيّوميّ: تمّ الشّيء يتمّ بالكسر:تكمّلت أجزاؤه، و تمّ الشّهر:كملت عدّة أيّامه ثلاثين فهو تامّ.و يعدّى بالهمزة و التّضعيف،فيقال:أتممته و تمّمته،و الاسم:

التّمام بالفتح.

و تتمّة كلّ شيء بالفتح:تمام غايته.

و استتمّه مثل أتمّه،و قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ البقرة:196،قال ابن فارس:معناه ائتوا بفروضهما.

و إذا تمّ القمر يقال:ليلة التّمام بالكسر و قد يفتح، و ولد الولد لتمام الحمل بالفتح و الكسر.و ألقت المرأة الولد لغير تمام بالوجهين.

و تمّ الشّيء يتمّ،إذا اشتدّ و صلب فهو تميم،و به سمّي الرّجل.

و تمتم الرّجل تمتمة،إذا تردّد في التّاء،فهو تمتام بالفتح.و قال أبو زيد:هو الّذي يعجل في الكلام و لا يفهمك.(1:77)

الفيروزآباديّ: تمّ يتمّ تمّا و تماما مثلّثتين و تمامة و يكسر.

و أتمّه و تمّمه و استتمّه و تمّ به و عليه:جعله تامّا، و تمام الشّيء و تمامته و تتمّته:ما يتمّ به.

و ليل التّمام ككتاب و ليل تماميّ: أطول ليالي الشّتاء،أو هي ثلاث لا يستبان نقصانها،أو هي إذا بلغت اثنتي عشرة ساعة فصاعدا.

و ولدته لتمّ و تمام و يفتح الثّاني،أي تمام الخلق.

و أتمّت فهي متمّ:دنا ولادها،و النّبت:اكتهل، و القمر:امتلأ فبهر،فهو بدر تمام،و يكسر و يوصف به.

و استتمّ النّعمة:سأل إتمامها.

و تمّم الكسر:انصدع و لم يبن،أو انصدع ثمّ بان، كتمّ (1)فيهما.

و على الجريح:أجهز،و القوم:أعطاهم نصيب قدحه،و صار هواه أو رأيه أو محلّته تميميّا،كتتمّم.

و الشّيء:أهلكه و بلّغه أجله.

و التّميم:التّامّ الخلق،و الشّديد،و جمع تميمة كالتّمائم،لخرزة رقطاء تنظم في السّير،ثمّ يعقد في العنق.

و تمّم المولود تتميما،علّقها عليه.

و المتمّ بفتح التّاء:منقطع عرق السّرّة.

و التّمم كصرد و عنب:الجزز من الشّعر و الوبر و الصّوف،الواحدة:تمّة.

و التّمّ بالفتح:اسم الجمع:و بالكسر:الفأس و المسحاة.

و استتمّه:طلبها منه،فأتمّه:أعطاه إيّاها.

و التّمّة و التّمّى بضمّهما ذلك الموهوب.م.

ص: 18


1- كتتمّم.

و كسحاب:ثلاثة صحابيّون...

و من العروض:ما استوفى نصفه نصف الدّائرة، و كان نصفه الأخير بمنزلة الحشو يجوز فيه ما جاز فيه،أو ما يمكن أن يدخله الزّحاف فيسلم منه.

و المتمّم كمعظّم:كلّ ما زدت عليه بعد اعتدال.

و كمحدّث:من فاز قدحه مرّة بعد مرّة،فأطعم لحمه المساكين،أو نقص أيسار جزور الميسر فأخذ ما بقي حتّى يتمّم الأنصباء.

و التّمتمة:ردّ الكلام إلى التّاء و الميم،أو أن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى،فهو تمتام و هي تمتامة، و كثمامة:البقيّة.

و التّمتام لقب محمّد بن غالب الصّبيّ التّمّار، و كشدّاد:جماعة.

و تتامّوا،أي جاءوا كلّهم و تمّوا.

و التّتمّم بالضّمّ:من كان به كسر يمشي به ثمّ أبتّ فتتمّم.

و التّمتم:السّمّاق.(4:85)

السّيوطيّ: قاعدة في الألفاظ يظنّ بها التّرادف، و ليست منه؛و من ذلك:التّمام و الكمال،و قد اجتمعا في قوله: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي المائدة:3.

فقيل:الإتمام:نقصان لإزالة نقصان الأصل، و الإكمال:لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل،و لهذا كان قوله تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ البقرة:196،أحسن من«تامّة»،فإنّ التّمام من العدد قد علم،من«تامّة»، فإنّ التّمام من العدد قد علم،و إنّما نفى احتمال نقص في صفاتها.

و قيل:«تمّ»يشعر بحصول نقص قبله،و«كمل» لا يشعر بذلك.

و قال العسكريّ: الكمال:اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به،و التّمام:اسم للجزء الّذي يتمّ به الموصوف،و لهذا يقال:القافية تمام البيت،و لا يقال:

كماله،و يقولون:البيت بكماله،أي باجتماعه.[لاحظ ك م ل](2:367)

الطّريحيّ: فيه:«اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة» أي دعوة إلى الصّلاة تامّة،في إلزام الحجّة و إيجاب الإجابة.أو التّامّة الّتي لا يدخلها تغيير بل باقية إلى يوم النّشور.

و قيل:وصفها بالتّمام لأنّها ذكر اللّه،و يدعى بها إلى عبادته؛و ذلك هو الّذي يستحقّ صفات الكمال و التّمام.

و في حديث الكفن:«المفروض ثلاثة أثواب تامّ لا أقلّ منه».قوله:«تامّ»خبر مبتدإ محذوف،أي و هو تامّ،و الضّمير للكفن.

و في حديث عبد اللّه بن جعفر الجعفريّ: «قال لمّا نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممت الصّلاة،ثمّ جاءني خبر من المنزل فلم أدر أتمّ أم أقصّر؟فقصصت القصّة على أبي الحسن عليه السّلام،قال:ارجع إلى التّقصير» هكذا صحّ الحديث.و لا يخفى منافاته لما اشتهر به الفتوى.

و حمل الشّيخ[الطّوسيّ]:الإتمام فيه على صلاة النّافلة،و بعض المتأخّرين«فأتمّ»بقرينة قوله:«لمّا نفرت من منى نويت المقام»و النّيّة في ذلك الوقت ليس

ص: 19

إلاّ للإتمام،انتهى،و هو قريب.(6:22)

العدنانيّ: في تمام السّاعة الثّامنة و النّصف.

و يخطّئون من يقول:جاء في تمام السّاعة الثّامنة و النّصف،و يقولون:إنّ كلمة«تمام»لا تستعمل إلاّ مع العدد الصّحيح،و لم أعثر على المصدر المعقول،و السّبب المنطقيّ اللّذين اعتمدوا عليهما في تخطئتهم هذه.

فتمام الشّيء لغة،هو ما يتمّ به الشّيء،و مثله:تمامته، و تمامته،و تتمّته.فنصف السّاعة تمامه الدّقيقة الثّلاثون، و الدّقيقة نفسها تمامها الثّانية السّتّون.

و هذا يجعلني عاجزا عن إيجاد مسوّغ لتضييقهم هذا.و لا أرى بأسا في قولنا:

1-سيزورني في تمام السّاعة الثّامنة.

أو:2-سيزورني في تمام السّاعة الثّامنة و الرّبع.

أو:3-سيزورني في تمام الثّامنة و النّصف.

أو:4-سيزورني في تمام السّاعة الثّامنة و الدّقيقة العاشرة.

فما هو رأي مجامعنا؟(100)

محمّد إسماعيل إبراهيم:تمّ الشّيء تمّا و تماما:

كملت أجزاؤه،و تمّ الأمر:تحقّق و نفذ،و أتمّ العمل و تمّمه:جعله تامّا،و تماما،أي إتماما للمراد،أو زيادة.

(1:92)

نحوه مجمع اللّغة.(1:161)

المصطفويّ: فالتّمام:ما كملت أجزاؤه، و لا يحتاج إلى شيء خارج في اكتماله،و يقابله النّاقص، و هو ما لم يتمّ.و أغلب استعمال التّمام في الكمّيّات،كما أنّ أغلب استعمال الكمال في الكيفيّات.

و أيضا:أنّ التّمام يصدق حيث كملت الأجزاء، و الكمال إذا أضيفت إليها خصوصيّات أخر،يزيدها حسنا و بهاء و تماما على تمام.(1:376)

النّصوص التّفسيريّة

تمّ

وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... الأعراف:142

ابن جريج:فبلغ ميقات ربّه أربعين ليلة.

(الطّبريّ 9:48)

الطّبريّ: فكمل الوقت الّذي واعد اللّه موسى أربعين ليلة و بلغها.(9:8)

الماورديّ: يعني أنّ اجتماع الأجلين تمام أربعين ليلة،ليدلّ بذلك على أنّ العشر هي ليال و ليست ساعات.

فإن قيل:فمعلوم أنّ العشر مع الثّلاثين مستكملة أربعين،فما معنى قوله: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة:

أحدها:أنّه تأكيد في الذّكر فلم يمتنع.

و الثّاني:كان وعده إلى الجبل الّذي كلّمه فيه.

و الثّالث:لينفي تمام الثّلاثين بالعشر أن يكون من جملة الثّلاثين،لأنّ تمام الشّيء بعض منه.(2:256)

الطّوسيّ: و معناه فتمّ الميقات أربعين ليلة.

و إنّما قال ذلك،مع أنّ ما تقدّم دلّ على هذا العدد، لأنّه لو لم يورد الجملة بعد التّفصيل-و هو الّذي يسمّيه

ص: 20

الكتّاب الفذلكة-لظنّ قوله: وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ أي كمّلنا الثّلاثين بعشر حتّى كملت ثلاثين،كما يقال:تمّمت العشرة بدرهمين و سلّمها إليه.(4:565)

نحوه الطّبرسيّ.(2:473)

الفخر الرّازيّ: [طرح سؤالين:الأوّل:ما الحكمة في ذكر الثّلاثين ثمّ إتمامها بعشر؟و أجاب عنه بوجوه:

1-أمر اللّه بصوم ثلاثين يوما من ذي القعدة،فلمّا أتمّها أنكر خلوف فيه فاستاك،فقالت له الملائكة:كنّا نشمّ من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسّواك فأمره اللّه بعشرة أيّام أخرى.

2-أنزلت التّوراة بعد إتمام الثّلاثين فزاده عشرة أخرى.

3-إنّه بادر إلى ميقات ربّه قبل قومه،فلمّا أعلمه اللّه خبر السّامريّ رجع إلى قومه،ثمّ عاد في عشرة أخرى.

4-الوعد الأوّل حضره موسى وحده،و الثّاني مع قومه.

و الثّاني:قوله: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً كلام عار عن الفائدة؟و أجاب عنه بأنّه إزالة لتوهّم أنّ العشرة من تمام الثّلاثين هذا ملخّص كلامه.]

(14:226)

الآلوسيّ: من قبيل الفذلكة لما تقدّم،و كأنّ النّكتة في ذلك أنّ إتمام الثّلاثين بعشر يحتمل المعنى المتبادر، و هو ضمّ عشرة إلى ثلاثين لتصير بذلك أربعين.

و يحتمل أنّها كانت عشرين فتمّت بعشرة ثلاثين، كما يقال:أتممت العشرة بدرهمين،على معنى لو لا الدّرهمان لم تصر عشرة؛فلدفع توهّم الاحتمال الثّاني جيء بذلك.

و قيل:إنّ الإتمام بعشر مطلق يحتمل أن يكون تعيينها بتعيين اللّه تعالى أو بإرادة موسى عليه السّلام،فجيء بما ذكر ليفيد أنّ المراد الأوّل.

و قيل:جيء به رمزا إلى أنّه لم يقع في تلك العشر ما يوجب الجبر.(9:43)

تمّت

1- وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. الأنعام:115

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و كملت كلمة ربّك، يعني القرآن.(8:9)

الهرويّ: أي حقّت و وجبت.(1:262)

مثله الطّريحيّ.(6:21)

الماورديّ: يعني القرآن،و في تمامه أربعة أوجه محتملة:

أحدها:تمام حججه و دلائله.

و الثّاني:تمام أحكامه و أوامره.

و الثّالث:تمام إنذاره بالوعد و الوعيد.

و الرّابع:تمام كلامه و استكمال صوره.(2:160)

الطّوسيّ: و معنى وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ أنّها بتمامها موافقة لما توجبه المصلحة،من غير زيادة و لا نقصان.

و التّمام و الكمال و الاستيفاء نظائر،و أنّ جميعه صدق لا كذب فيه،كما يقال:كمل فلان إذا تمّت محاسنه.

و في الآية دلالة على أنّ كلام اللّه محدث،لأنّه وصفه بالتّمام و العدل؛و ذلك لا يكون إلاّ حادثا.[إلى أن قال:]

ص: 21

و يجوز أن يكون المراد بقوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ أنّها أتتك شيئا بعد شيء حتّى كملت.(4:267)

ابن عطيّة: (تمّت)في هذا الموضع بمعنى استمرّت و صحّت في الأزل صدقا و عدلا،و ليس بتمام من نقص، و مثله ما وقع في كتاب السّيرة من قولهم:و تمّ حمزة على إسلامه،في الحديث مع أبي جهل.(2:337)

الطّبرسيّ: أي كملت على وجه لا يمكن أحدا الزّيادة فيه و النّقصان منه.(2:354)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ كلمة اللّه تعالى موصوفة بصفات كثيرة:

الصّفة الأولى:كونها تامّة،و إليه الإشارة بقوله:

وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ. و في تفسير هذا التّمام وجوه:

الأوّل:ما ذكرنا أنّها كافية وافية،بكونها معجزة دالّة على صدق محمّد عليه الصّلاة و السّلام.

و الثّاني:أنّها كافية في بيان ما يحتاج المكلّفون إليه إلى قيام القيامة،عملا و علما.

و الثّالث:أنّ حكم اللّه تعالى هو الّذي حصل في الأزل،و لا يحدث بعد ذلك شيء،فذلك الّذي يحصل في الأزل هو التّمام،و الزّيادة عليه ممتنعة.

و هذا الوجه هو المراد من قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة».(13:160)

نحوه النّيسابوريّ(8:9)،و البروسويّ(3:90).

البيضاويّ: بلغت الغاية أخباره و أحكامه و مواعيده.(1:328)

مثله الشّربينيّ.(1:446)

رشيد رضا :أمّا تمامها صدقا فهو وقوع مضمونها من حيث كونها خبرا.و أمّا تمامها عدلا فمن حيث كونها جزاء للكافرين المعاندين للحقّ بما يستحقّون، و للمؤمنين المهتدين بما يستحقّون،و إن كانوا بمقتضى الفضل يزادون.

و إذا كانت هذه الآية نزلت بمكّة قبل نصر اللّه تعالى نبيّه على طغاة قومه في بدر و غيرهما فالفعل الماضي فيها (تمّت)بمعنى المستقبل،فهو لتحقّق وقوعه كأنّه وقع، و هذا من ضروب المبالغة البليغة.

و فيه وجه آخر:و هو أنّ المراد بالخبر هنا لازمه، و هو تأكيد ما تضمّنته هذه الآيات من تسلية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن كفر هؤلاء المعاندين،و إيذائهم له و لأصحابه، و إيئاس الطّامعين من المسلمين في إيمانهم بإيتائهم الآيات المقترحة،كأنّه يقول:كما أنّ سنّتي مضت بأن يكون للرّسول أعداء من شياطين الإنس و الجنّ قد تمّت كلمتي بنصر المرسلين،و خذلان هؤلاء الأعداء الطّغاة المفسدين.(8:12)

المراغيّ: و تمام الشّيء،كما قال الرّاغب:انتهاؤه إلى حدّ لا يحتاج معه إلى شيء خارج عنه،و تمامها هنا:

أنّها كافية وافية في الإعجاز و الدّلالة على صدق الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(8:8)

مثله الحجازيّ.(8:5)

الطّباطبائيّ: [بعد بيان المراد من الكلمة قال:]

فالمراد بتمام الكلمة-و اللّه أعلم-بلوغ هذه الكلمة، أعني ظهور الدّعوة الإسلاميّة بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و نزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب،مرتبة الثّبوت و استقرارها في مستقرّ التّحقّق،بعد ما كانت تسير دهرا

ص: 22

طويلا في مدارج التّدريج بنبوّة بعد نبوّة و شريعة بعد شريعة،فإنّ الآيات الكريمة دالّة على أنّ الشّريعة الإسلاميّة تتضمّن جمل ما تقدّمت عليه من الشّرائع، و تزيد عليها بما ليس فيها،كقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى الشّورى:13.

و بذلك يظهر معنى«تمام الكلمة»و أنّ المراد به انتهاء تدرّج الشّرائع من مراحل النّقص إلى مرحلة الكمال، و مصداقه الدّين المحمّديّ،قال تعالى: وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ الصّفّ:8،9.

و تمام هذه الكلمة الإلهيّة(صدقا)هو أن يصدق القول بتحقّقها في الخارج،بالصّفة الّتي بيّن بها،و(عدلا) أن تتّصف بالتّقسيط على سواء،فلا يتخلّف بعض أجزائه عن بعض،و تزن الأشياء على النّحو الّذي من شأنها أن توزن به من غير إخسار أو حيف و ظلم، و لذلك بيّن هذين القيدين،أعني (صِدْقاً وَ عَدْلاً) بقوله:

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.

فإنّ الكلمة الإلهيّة إذا لم تقبل تبديلا من مبدّل سواء كان المبدّل هو نفسه تعالى،كأن ينقض ما قضى بتبدّل إرادة،أو يخلف ميعاده،أو كان المبدّل غيره تعالى،كأن يعجزه غيره و يقهره على خلاف ما يريد،كانت كلمته (صدقا)تقع كما قال،و(عدلا)لا تنحرف عن حالها الّتي كانت عليها وصفها الّذي وصفت به؛فالجملة أعني قوله:

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ بمنزلة التّعليل يعلّل بها قوله:

صِدْقاً وَ عَدْلاً. (7:329)

محمّد حسنين مخلوف: أي كمل كلامه تعالى و هو القرآن،و بلغ الغاية،صادقا في أخباره،عادلا في أحكامه.(1:238)

2- ...وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا... الأعراف:137

مجاهد :المعنى ما سبق لهم في علمه و كلامه في الأزل،من النّجاة من عدوّهم و الظّهور عليه.

(أبو حيّان 4:376)

الماورديّ: فيها قولان:

أحدهما:أنّ تمام كلمة الحسنى:ما وعدهم من هلاك عدوّهم و استخلافهم في الأرض،بقوله: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ الأعراف:129، و سمّاها(الحسنى)لأنّه وعد بما يحبّون.

و الثّاني:و هو قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ...

القصص:5.(2:254)

الطّوسيّ: و قوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ يعني صحّ كلامه بإنجاز الوعد الّذي تقدّم بإهلاك عدوّهم،و استخلافهم في الأرض،و إنّما كان الإنجاز تمام للكلام لتمام النّعمة به.(4:559)

مثله الطّبرسيّ.(2:470)

الزّمخشريّ: و معنى تمّت على بني إسرائيل:مضت عليهم و استمرّت،من قولك:تمّ على الأمر،إذا مضى عليه.(2:109)

ص: 23

مثله النّسفيّ(2:73)،و أبو حيّان(4:376).

الفخر الرّازيّ: [نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و الطّوسيّ](14:122)

مثله النّيسابوريّ(9:37)،و الشّربينيّ(1:510).

البروسويّ: و تمامها[الكلمة]:مضيّها و انتهاؤها إلى الإنجاز،لأنّ العدة بالشّيء التزام لإيقاعه بالعبارة و اللّسان،و تمامها لا يكون إلاّ بوقوع الموعود في الخارج و العيان.(3:224)

الآلوسيّ: أي مضت عليهم و استمرّت من قولهم:

مضى على الأمر،إذا استمرّ.[إلى أن قال:]

و قيل:المراد بها علمه تعالى الأزليّ،و المعنى مضى و استمرّت عليهم ما كان مقدّرا من إهلاك عدوّهم و توريثهم الأرض.(9:38)

رشيد رضا :تمام الشّيء:وصوله إلى آخر حدّه، و كلمة اللّه:وعده لبني إسرائيل بإهلاك عدوّهم و استخلافهم في الأرض.

و في مجاز«الأساس»:و تمّ على أمر:مضى عليه، و تمّ على أمرك،و تمّ إلى مقصدك.

و المعنى نفذت كلمة اللّه و مضت على بني إسرائيل تامّة كاملة،بسبب صبرهم على الشّدائد الّتي كابدوها من فرعون و قومه؛إذ كان وعد اللّه تعالى إيّاهم بما وعدهم مقرونا بأمرهم بالصّبر و الاستعانة به و التّقوى له،كما أمرهم نبيّهم عليه السّلام تبليغا عنه تعالى.(9:100)

الطّباطبائيّ: يريد به ما قضاه في حقّهم أنّه سيورّثهم الأرض و يهلك عدوّهم،و إليه إشارة موسى عليه السّلام في قوله لهم و هو يسلّيهم و يؤكّد رجاءهم:

عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ الأعراف:129،و يشير سبحانه إليه في قوله:

وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ...

القصص:5.

و تمام الكلمة:خروجها من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعليّة،و علّل ذلك بصبرهم.(8:228)

3- إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ.

هود:119

ابن عبّاس: وجب قول ربّك.(الطّبرسيّ 3:204)

نحوه البروسويّ.(4:202)

الحسن :مضى حكم ربّك.(الطّبرسيّ 3:204)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة،و المراد هاهنا بتمام كلمة اللّه سبحانه:صدق وعيده الّذي تقدّم الخبر به، و تمام وقوع مخبره مطابقا لخبره.(تلخيص البيان:168)

ابن عطيّة: أي نفذ قضاؤه و حقّ أمره.(3:216)

الطّبرسيّ: أي وصل وحيه و وعيده الّذي لا خلف فيه بتمامه إلى عباده.(3:204)

القرطبيّ: معنى(تمّت)ثبت ذلك كما أخبر و قدّر في أزله،و تمام الكلمة:امتناعها عن قبول التّغيير و التّبديل.(9:115)

الآلوسيّ: أي أحكمت و أبرمت.(12:169)

نحوه القاسميّ.(9:3499)

محمّد حسنين مخلوف: وجب حكمه و قضاؤه الأزليّ.(1:377)

ص: 24

اتمّهنّ

وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً... البقرة:124

ابن عبّاس: أي فأدّاهنّ.(الطّبريّ 1:529)

مثله قتادة.(أبو حيّان 1:376)

الضّحّاك: أقام بهنّ.(أبو حيّان 1:376)

الحسن :وفى بهنّ.(الطّوسيّ 1:446)

مثله الرّبيع.(أبو حيّان 1:376)

قتادة :أي عمل بهنّ فأتمّهنّ.(الطّبريّ 1:529)

مثله الرّبيع(الطّوسيّ 1:446)،و ابن أبي اليمان (أبو حيّان 1:376)،و الفرّاء(1:76)،و ابن قتيبة(63).

الطّبريّ: فأتمّ إبراهيم الكلمات،و إتمامه إيّاهنّ:

إكماله إيّاهنّ بالقيام للّه بما أوجب عليه فيهنّ،و هو الوفاء الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى النّجم:

37،يعني وفى بما عهد إليه بالكلمات،فأمره به من فرائضه و محنه فيها.(1:528)

الطّوسيّ: قال البلخيّ:الضّمير في(اتمّهنّ) راجع إلى اللّه،و هو اختيار الحسين بن عليّ المغربيّ.

قال البلخيّ: الكلمات هي الإمامة على ما قال مجاهد،قال:لأنّ الكلام متّصل،و لم يفصل بين قوله:

إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً البقرة:124،و بين ما تقدّمه ب(واو)،فأتمّهنّ اللّه بأن أوجب بها الإمامة له بطاعته،و اضطلاعه،و منع أن ينال العهد الظّالمين من ذرّيّته.(1:446)

الزّمخشريّ: و قرأ أبو حنيفة رضي اللّه عنه،و هي قراءة ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: (إبراهيم ربّه) رفع إبراهيم و نصب ربّه.[إلى أن قال:]

و المستكنّ في(فاتمّهنّ)في إحدى القراءتين ل(إبراهيم)بمعنى فقام بهنّ حقّ القيام و أدّاهنّ أحسن التّأدية،من غير تفريط و توان،و نحوه: وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى النّجم:37،و في الأخرى للّه تعالى،بمعنى فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا.(1:309)

مثله الفخر الرّازيّ(4:43)،و النّسفيّ(1:73)، و النّيسابوريّ(1:437)،و نحوه البيضاويّ(1:80)، و الخازن(1:89)،و أبو السّعود(1:193)،و البروسويّ (1:221).

أبو حيّان :(فاتمّهنّ)الضّمير المستكنّ في فَأَتَمَّهُنَّ يظهر أنّه يعود إلى اللّه تعالى،لأنّه هو المسند إليه الفعل قبله،على طريق الفاعليّة، (فاتمّهنّ)معطوف على(ابتلى)فالمناسب التّطابق في الضّمير.

و على هذا فالمعنى،أي أكملهنّ له من غير نقص،أو بيّنهنّ؛و البيان به يتمّ المعنى و يظهر،أو يسّر له العمل بهنّ،و قوّاه على إتمامهنّ،أو أتمّ له أجورهنّ،أو أدامهنّ سنّة فيه و في عقبه إلى يوم الدّين،أقوال خمسة.

و يحتمل أن يعود الضّمير المستكنّ على(إبراهيم)، فالمعنى على هذا:أدامهنّ أو أقام بهنّ قاله الضّحّاك،أو عمل بهنّ قاله يمان،أو وفى بهنّ قاله الرّبيع،أو أدّاهنّ قاله قتادة.خمسة أقوال تقرب من التّرادف؛إذ محصولها أنّه أتى بهنّ على الوجه المأمور به.(1:376)

الآلوسيّ: الضّمير المنصوب للكلمات لا غير، و المرفوع المستكنّ يحتمل أن يعود ل(إبراهيم)و أن يعود

ص: 25

ل(ربّه)على كلّ من قراءتي الرّفع و النّصب،فهناك أربعة احتمالات:

الأوّل:عوده على(إبراهيم)منصوبا،و معنى (اتمّهنّ)حينئذ:أتى بهنّ على الوجه الأتمّ،و أدّاهنّ كما يليق.

الثّاني:عوده على(ربّه)مرفوعا،و المعنى حينئذ:

يسّر له العمل بهنّ و قوّاه على إتمامهنّ أو أتمّ له أجورهنّ، أو أدامهنّ سنّة فيه و في عقبه إلى يوم الدّين.

الثّالث:عوده على(إبراهيم)مرفوعا،و المعنى عليه:

أتمّ إبراهيم الكلمات المدعوّ بها،بأن راعى شروط الإجابة فيها،و لم يأت بعدها بما يضيّعها.

الرّابع:عوده إلى(ربّه)منصوبا،و المعنى عليه فأعطى سبحانه(إبراهيم)جميع ما دعاه.

و أظهر الاحتمالات الأوّل و الرّابع؛إذ التّمدّح غير ظاهر في الثّاني،مع ما فيه من حذف المضاف على أحد محتملاته،و الاستعمال المألوف غير متّبع في الثّالث،لأنّ الفعل الواقع في مقابلة الاختبار يجب أن يكون فعل المختبر اسم مفعول.(1:374)

الطّباطبائيّ: [بعد بيان المراد من الكلمات قال:]

و أمّا إتمامهنّ فإن كان الضّمير في قوله تعالى:

(فاتمّهنّ)راجعا إلى إبراهيم،كان معنى إتمامهنّ إتيانه عليه السّلام ما أريد منه،و امتثاله لما أمر به،و إن كان الضّمير راجعا إليه تعالى-كما هو الظّاهر-كان المراد توفيقه لما أريد منه،و مساعدته على ذلك.(1:270)

محمّد حسنين مخلوف:أتى بهنّ على الوجه الأكمل،و أدّاهنّ كما يليق به عليه السّلام،قال تعالى: وَ إِبْراهِيمَ اَلَّذِي وَفّى النّجم:37.(1:46)

اتممت

...اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. المائدة:3

ابن عبّاس: إتمام النّعمة:منع المشركين من الحجّ.

مثله ابن جبير و قتادة.(أبو حيّان 3:426)

السّدّيّ: هو الإظهار على العدوّ.(أبو حيّان 3:426)

ابن زيد :بالهداية إلى الإسلام.(أبو حيّان 3:426)

الطّوسيّ: خاطب اللّه تعالى جميع المؤمنين بأنّه أتمّ نعمته عليهم بإظهارهم على عدوّهم المشركين،و نفيهم إيّاهم عن بلادهم،و قطعه طمعهم من رجوع المؤمنين، و عودهم إلى ملّة الكفر،و انفراد المؤمنين بالحجّ و البلد الحرام.(3:436)

الزّمخشريّ: وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بفتح مكّة،و دخولها آمنين ظاهرين،و هدم منار الجاهليّة و مناسكهم،و أن لم يحجّ معكم مشرك،و لم يطف بالبيت عريان،و أتممت نعمتي عليكم بإكمال أمر الدّين و الشّرائع،كأنّه قال:اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي بذلك،لأنّه لا نعمة أتمّ من نعمة الإسلام.

(1:593)

نحوه النّسفيّ(1:270)،و النّيسابوريّ(6:40)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

قيل:معناه أتممت عليكم نعمتي بأن أعطيتكم من العلم و الحكمة ما لم يعط قبلكم نبيّ و لا أمّة.و قيل:إنّ تمام النّعمة دخول الجنّة.(2:159)

ص: 26

الفخر الرّازيّ: و معنى وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بإكمال أمر الدّين و الشّريعة،كأنّه قال:اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي بسبب ذلك الإكمال، لأنّه لا نعمة أتمّ من نعمة الإسلام.[إلى أن قال:]

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون المراد بإتمام النّعمة جعلهم قاهرين لأعدائهم،أو المراد به جعل هذا الشّرع بحيث لا يتطرّق إليه نسخ؟

قلنا:أمّا الأوّل:فقد عرف بقوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ المائدة:3،فحمل هذه الآية عليه أيضا يكون تكريرا.

و أمّا الثّاني:فلأنّ إبقاء هذا الدّين لمّا كان إتماما للنّعمة وجب أن يكون أصل هذا الدّين نعمة لا محالة، فثبت أنّ دين الإسلام نعمة.(11:139)

القرطبيّ: أي بإكمال الشّرائع و الأحكام و إظهار دين الإسلام كما وعدتكم؛إذ قلت: وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ البقرة:150،و هي دخول مكّة آمنين مطمئنّين،و غير ذلك ممّا انتظمته هذه الملّة الحنيفيّة إلى دخول الجنّة،في رحمة اللّه تعالى.(6:62)

نحوه أبو حيّان.(3:426)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:بإتمام الهداية،و التّوفيق بإتمام سببها.

و قيل:بإكمال الدّين.

و قيل:معنى وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي أنجزت لكم وعدي.(6:61)

الطّباطبائيّ: الإكمال و الإتمام متقاربا المعنى،قال الرّاغب:كمال الشّيء:حصول ما هو الغرض منه.و قال:

تمام الشّيء:انتهاؤه إلى حدّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه،و النّاقص:ما يحتاج إلى شيء خارج عنه.

و لك أن تحصل على تشخيص معنى اللّفظين من طريق آخر،و هو أنّ آثار الأشياء الّتي لها آثار على ضربين:فضرب منها ما يترتّب على الشّيء عند وجود جميع أجزائه-إن كان له أجزاء-بحيث لو فقد شيئا من أجزائه أو شرائطه لم يترتّب عليه ذلك الأمر،كالصّوم فإنّه يفسد إذا أخلّ بالإمساك في بعض النّهار،و يسمّى كون الشّيء على هذا الوصف بالتّمام،قال تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:187،و قال: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً الأنعام:115.

و ضرب آخر:الأثر الّذي يترتّب على الشّيء من غير توقّف على حصول جميع أجزائه،بل أثر المجموع كمجموع آثار الأجزاء،فكلّما وجد جزء ترتّب عليه من الأثر ما هو بحسبه،و لو وجد الجميع ترتّب عليه كلّ الأثر المطلوب منه،قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ البقرة:

196،و قال: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ البقرة:185،فإنّ هذا العدد يترتّب الأثر على بعضه كما يترتّب على كلّه، و يقال:تمّ لفلان أمره و كمل عقله،و لا يقال:تمّ عقله و كمل أمره.

و أمّا الفرق بين الإكمال و التّكميل،و كذا بين الإتمام و التّتميم،فإنّما هو الفرق بين بابي الإفعال و التّفعيل، و هو أنّ«الإفعال»بحسب الأصل يدلّ[على]الدّفعة، و«التّفعيل»على التّدريج و إن كان التّوسّع الكلاميّ أو التّطوّر اللّغويّ ربّما يتصرّف في البابين،بتحويلهما إلى

ص: 27

ما يبعد من مجري المجرّد أو من أصلهما،كالإحسان و التّحسين،و الإصداق و التّصديق،و الإمداد و التّمديد،و الإفراط و التّفريط،و غير ذلك.فإنّما هي معان طرأت بحسب خصوصيّات الموارد،ثمّ تمكّنت في اللّفظ بالاستعمال.

و ينتج ما تقدّم أنّ قوله: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، يفيد أنّ المراد ب«الدّين»هو مجموع المعارف و الأحكام المشرّعة،و قد أضيف إلى عددها اليوم شيء،و أنّ النّعمة أيّا ما كانت أمر معنويّ واحد،كأنّه كان ناقصا غير ذي أثر فتمّم،و ترتّب عليه الأثر المتوقّع منه.(5:179)

المصطفويّ: فالدّين كان تماما قبل الولاية،و بها كمل و زيد له نور على نور،و لم يكن مستحسنا أن يبقى الدّين ناقصا.

و أمّا النّعم الإلهيّة الموجبة للتّنعّم،و الدّخلية في السّعة في الحياة،فالقدر اللاّزم منها في عيشهم و حياتهم كان موجودا؛و بالولاية قد تمّ العيش و السّعادة ظاهرا و معنا،كما قال تعالى: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ يوسف:6، وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ البقرة:150، وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ المائدة:6،يريد إتمام النّعمة المتعلّقة عليهم،أي بالنّسبة إلى اقتضاء استعداداتهم و ظرفيّة وجودهم.(1:376)

يتمّ

1- ...ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. المائدة:6

الطّوسيّ: و يريد اللّه مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إيّاه،فيما فرض عليكم من الوضوء و الغسل إذا قمتم إلى الصّلاة مع وجود الماء،و التّيمّم مع عدمه،أن يتمّ نعمته بإباحته لكم التّيمّم،و تصييره لكم الصّعيد الطّيّب طهورا،رخصة منه لكم في ذلك،مع سوابغ نعمه الّتي أنعم بها عليكم.(3:459)

الزّمخشريّ: و ليتمّ برخصه إنعامه عليكم بعزائمه.

(1:598)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجهان:

الأوّل:أنّ الكلام متعلّق بما ذكر من أوّل السّورة إلى هنا؛و ذلك لأنّه تعالى أنعم في أوّل السّورة بإباحة الطّيّبات من المطاعم و المناكح،ثمّ إنّه تعالى ذكر بعده كيفيّة فرض الوضوء،فكأنّه قال:إنّما ذكرت ذلك لتتمّ النّعمة المذكورة أوّلا و هي نعمة الدّنيا،و النّعمة المذكورة ثانيا و هي نعمة الدّين.

الثّاني:أنّ المراد و ليتمّ نعمته عليكم أي بالتّرخّص في التّيمّم و التّخفيف في حال السّفر و المرض،فاستدلّوا بذلك على أنّه تعالى يخفّف عنكم يوم القيامة،بأن يعفو عن ذنوبكم و يتجاوز عن سيئاتكم.(11:178)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قيل:تبيين الشّرائع و أحكامها،فيكون مؤكّدا لقوله: وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي المائدة:3،و قيل:

بغفران ذنوبهم.

و في الخبر تمام النّعمة:بدخول الجنّة،و النّجاة من

ص: 28

النّار.(3:439)

البروسويّ: بشرعه ما هو مطهّرة لأبدانكم و مكفّرة لذنوبكم (نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) في الدّين.

أو ليتمّ برخصته إنعامه عليكم بعزائمه.و الرّخصة:

ما شرّع بناء على الأعذار،و العزيمة:ما شرّع أصالة.

(2:357)

مثله الآلوسيّ.(6:82)

2- ...وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. يوسف:6

عكرمة :فنعمته على إبراهيم أن نجّاه من النّار، و على إسحاق أن نجّاه من الذّبح.(الطّبريّ 12:154)

الحسن :هذا شيء أعلمه اللّه يعقوب من أنّه سيعطي يوسف النّبوّة.(أبو حيّان 5:281)

مقاتل:بإعلاء كلمتك و تحقيق رؤياك.

(الماورديّ 3:8)

الطّبريّ: باجتبائه إيّاك،و اختياره و تعليمه إيّاك تأويل الأحاديث كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ باتّخاذه هذا خليلا،و تنجيته من النّار،و فدية هذا بذبح عظيم.

(12:154)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:باختيارك للنّبوّة.الثّاني:[قول مقاتل و قد تقدّم]

و فيه وجه ثالث:أن أخرج إخوته إليه حتّى أنعم عليهم بعد إساءتهم إليه.(3:8)

الطّوسيّ: فإتمام النّعمة هو أن يحكم بدوامها على إخلاصها من شائب بها،فهذه النّعمة التّامّة بخلوصها ممّا ينغّصها،و لا تطلب إلاّ من اللّه تعالى،لأنّه لا يقدر عليها سواه.

و قوله: كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إخبار من يعقوب ليوسف أنّ اللّه تعالى يديم عليه هذه النّعمة،كما أدامها على أبويه قبله إبراهيم و إسحاق،و اصطفاؤه إيّاهما و جعله لهما نبيّين رسولين إلى خلقه.(6:98)

الزّمخشريّ: و معنى إتمام النّعمة عليهم:أنّه وصل لهم نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة،بأن جعلهم أنبياء في الدّنيا و ملوكا،و نقلهم عنها إلى الدّرجات العلى في الجنّة.

و قيل:أتمّها على إبراهيم بالخلّة و الإنجاء من النّار و عن ذبح الولد،و على إسحاق بإنجائه من الذّبح و فدائه بذبح عظيم،و إخراج يعقوب و الأسباط من صلبه.

(2:303)

نحوه البيضاويّ(1:487)،و النّسفيّ(2:213).

الطّبرسيّ: بالنّبوّة،لأنّها منتهى نعيم الدّنيا[ثمّ ذكر مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:معناه و يتمّ نعمته عليك بأن يحوج إخوتك إليك حتّى تنعم عليهم،بعد إساءتهم إليك.

كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ أي كما أتمّ النّعمة على إبراهيم بالخلّة و النّبوّة و النّجاة من النّار،و على إسحاق بأن فداه عن الذّبح بذبح عظيم،عن عكرمة،و قال:إنّه الذّبيح.

و قيل:بإخراج يعقوب و أولاده من صلبه عن أكثر

ص: 29

المفسّرين،قالوا:و ليس هو الذّبيح،و إنّما الذّبيح إسماعيل.(3:210)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ من فسّر الاجتباء بالنّبوّة لا يمكنه أن يفسّر إتمام النّعمة هاهنا بالنّبوّة أيضا،و إلاّ لزم التّكرار،بل يفسّر إتمام النّعمة هاهنا بسعادات الدّنيا و سعادات الآخرة.

أمّا سعادات الدّنيا:فالإكثار من الأولاد و الخدم و الأتباع،و التّوسّع في المال و الجاه و الحشم،و إجلاله في قلوب الخلق و حسن الثّناء و الحمد.

و أمّا سعادات الآخرة:فالعلوم الكثيرة،و الأخلاق الفاضلة،و الاستغراق في معرفة اللّه تعالى.

و أمّا من فسّر الاجتباء بنيل الدّرجات العالية، فهاهنا يفسّر إتمام النّعمة بالنّبوّة،و يتأكّد هذا بأمور:

الأوّل:أنّ إتمام النّعمة عبارة عمّا به تصير النّعمة تامّة كاملة خالية عن جهات النّقصان.و ما ذاك في حقّ البشر إلاّ بالنّبوّة،فإنّ جميع مناصب الخلق دون منصب الرّسالة ناقص بالنّسبة إلى كمال النّبوّة،فالكمال المطلق و التّمام المطلق في حقّ البشر ليس إلاّ النّبوّة.

و الثّاني:قوله: كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ و معلوم أنّ النّعمة التّامّة الّتي بها حصل امتياز إبراهيم و إسحاق عن سائر البشر ليس إلاّ النّبوّة، فوجب أن يكون المراد بإتمام النّعمة هو النّبوّة.

و اعلم أنّا لمّا فسّرنا هذه الآية بالنّبوّة لزم الحكم بأنّ أولاد يعقوب كلّهم كانوا أنبياء؛و ذلك لأنّه قال: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ و هذا يقتضي حصول تمام النّعمة لآل يعقوب.فلمّا كان المراد من إتمام النّعمة هو النّبوّة لزم حصولها لآل يعقوب ترك العمل به في حقّ من عدا أبناءه،فوجب أن لا يبقى معمولا به في حقّ أولاده.

[إلى أن قال:]

القول الثّاني:أنّ المراد من قوله: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ خلاصه من المحن،و يكون وجه التّشبيه في ذلك بإبراهيم و إسحاق عليهما السّلام هو إنعام اللّه تعالى على إبراهيم بإنجائه من النّار،و على ابنه إسحاق بتخليصه من الذّبح.

و القول الثّالث:أنّ إتمام النّعمة وصل نعمة اللّه عليه في الدّنيا بنعمة الآخرة،بأن جعلهم في الدّنيا أنبياء و ملوكا،و نقلهم عنها إلى الدّرجات العلى في الجنّة.

و اعلم أنّ القول الصّحيح هو الأوّل،لأنّ النّعمة التّامّة في حقّ البشر ليست إلاّ النّبوّة،و كلّ ما سواها فهي ناقصة بالنّسبة إليها.(18:90)

نحوه النّيسابوريّ(12:83)،و الشّربينيّ(1:90).

القرطبيّ: أي بالنّبوّة.و قيل:بإخراج إخوتك إليك.و قيل:بإنجائك من كلّ مكروه، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ بالخلّة،و إنجائه من النّار.(9:129)

أبو حيّان :[ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:بأن يحوج إخوتك إليك،فتقابل الذّنب بالغفران،و الإساءة بالإحسان.(5:281)

أبو السّعود :بأن يضمّ إلى النّبوّة المستفادة من الاجتباء الملك و يجعله تتمّة لها،و توسيط ذكر التّعليم المذكور بينهما لكونه من لوازم النّبوّة و الاجتباء،و لرعاية ترتيب الوجود الخارجيّ،و لما أشرنا إليه من كون أثره وسيلة إلى تمام النّعمة.

و يجوز أن يعدّ نفس الرّؤيا من نعم اللّه تعالى عليه،

ص: 30

فيكون جميع النّعم الواصلة إليه يحسبها مصداقا لهما، تماما لتلك النّعمة. كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ نصب على المصدريّة،أي و يتمّ نعمته عليك إتماما كائنا كإتمام نعمته على أبويك،و هي نعمة الرّسالة و النّبوّة.

و إتمامها على إبراهيم عليه السّلام باتّخاذه خليلا،و إنجائه من النّار و من ذبح الولد،و على إسحاق بإنجائه من الذّبح و فدائه بذبح عظيم،و بإخراج يعقوب و الأسباط من صلبه.

و كلّ ذلك نعم جليلة وقعت تتمّة لنعمة النّبوّة، و لا يجب في تحقيق التّشبيه كون ذلك في جانب المشبّه به، مثل ما وقع في جانب المشبّه من كلّ وجه.(3:366)

نحوه البروسويّ(4:216)،و الآلوسيّ(12:186- 188)

رشيد رضا :بالنّبوّة و الرّسالة و الملك و الرّئاسة.

(12:256)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ... إشارة إلى أنّه سبحانه سيختاره للنّبوّة،و هذا هو تمام النّعمة،و كمالها لمن أنعم اللّه عليهم من عباده،و كذلك سيكون إخوته(آل يعقوب)أنبياء كما كان أبواهم إبراهيم و إسحاق نبيّين.

(6:1236)

الطّباطبائيّ: فقوله: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ... يريد أنّ اللّه أنعم عليكم بما تسعدون به في حياتكم،لكنّه يتمّ ذلك في حقّك و في حقّ(آل يعقوب)و هم يعقوب و زوجه و سائر بنيه،كما كان رآه في رؤياه.

و قد جعل(يوسف عليه السّلام)أصلا و(آل يعقوب) معطوفا عليه؛إذ قال: عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ...

كما يدلّ عليه الرّؤيا؛إذ رأى يوسف نفسه مسجودا له، و رأى آل يعقوب في هيئة الشّمس معها القمر و أحد عشر كوكبا سجّدا له.

و قد ذكر اللّه تعالى ممّا أتمّ به النّعمة على يوسف عليه السّلام أنّه آتاه الحكم و النّبوّة و الملك و العزّة في مصر،مضافا إلى أن جعله من المخلصين،و علّمه من تأويل الأحاديث،و ممّا أتمّ به النّعمة على آل يعقوب أنّه أقرّ عين يعقوب بابنه يوسف عليهما السّلام،و جاء به و بأهله جميعا من البدو،و رزقهم الحضارة بنزول مصر.

و قوله: كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ أي نظير ما أتمّ النّعمة من قبل على إبراهيم و إسحاق،و هما أبواك،فإنّه آتاهما خير الدّنيا و الآخرة.فقوله:(من قبل)متعلّق بقوله:(اتمّها)،و ربّما احتمل كونه ظرفا مستقرّا، وصفا لقوله:(ابويك)،و التّقدير كما أتمّها على أبويك الكائنين من قبل.[إلى أن قال:]

و التّدبّر في الآية الكريمة يعطي:

أوّلا:أنّ يعقوب أيضا كان من المخلصين.

و ثانيا:أنّ جميع ما أخبر به يعقوب عليه السّلام منطبق على متن ما رآه يوسف عليه السّلام من الرّؤيا.

و ثالثا:أنّ المراد بإتمام النّعمة تعقيب الولاية،برفع سائر نواقص الحياة السّعيدة،و ضمّ الدّنيا إلى الآخرة، و لا تنافي بين نسبة إتمام النّعمة إلى الجميع و بين اختصاص الاجتباء،و تعليم تأويل الأحاديث بيعقوب و يوسف عليهما السّلام من بينهم،لأنّ النّعمة و هي الولاية مختلفة الدّرجات متفاوتة المراتب؛و حيث نسبت إلى الجميع

ص: 31

يأخذ كلّ منهم نصيبه منها.

على أنّ من الجائز أن ينسب أمر إلى المجموع باعتبار اشتماله على أجزاء بعضها قائم بمعنى ذلك الأمر،كما في قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ الجاثية:16،و إيتاء الكتاب و الحكم و النّبوّة مختصّ ببعضهم دون جميعهم،بخلاف الرّزق من الطّيّبات.

و رابعا:أنّ يوسف كان هو الوسيلة في إتمام اللّه سبحانه نعمته على آل يعقوب،و لذلك جعله يعقوب أصلا في الحديث،و عطف عليه غيره حتّى ميّزه من بين آله،و أفرده بالذّكر حيث قال: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ...

و لذلك أيضا نسب هذه العناية و الرّحمة إلى ربّه؛ حيث قال مرّة بعد مرّة:(ربّك)و لم يقل:«يجتبيك اللّه» و لا«انّ اللّه عليم حكيم»فهذا كلّه يشهد بأنّه هو الأصل في إتمام النّعمة على آل يعقوب.

و أمّا أبواه إبراهيم و إسحاق فإنّ التّعبير بما يشعر بالتّنظير كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ يخرجهما من تحت أصالة يوسف،فافهم ذلك.

(11:82-85)

3- يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. التّوبة:32

راجع «مُتِمُّ نُورِهِ» و«ن و ر».

4- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَ.. .كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ. النّحل:81

الطّوسيّ: كما أنعم عليكم بهذه النّعم ينعم عليكم بجميع ما تحتاجون إليه،و هو إتمام نعمه في الدّنيا.و بيّن أنّه فعل ذلك لتسلموا.(6:413)

نحوه الطّبرسيّ.(3:378)

القرطبيّ: قرأ ابن محيصن و حميد (تتمّ) بتاءين (نعمته) رفعا على أنّها الفاعل.الباقون (يتمّ) بضمّ الياء على أنّ اللّه هو يتمّها.(10:161)

أبو حيّان :أي مثل ذلك الإتمام للنّعمة فيما سبق يتمّ نعمته في المستقبل.و قرأ ابن عبّاس (تتمّ) بتاء مفتوحة (نعمته) بالرّفع،أسند التّمام إليها اتّساعا.(5:524)

نحوه الآلوسيّ.(14:205)

الطّباطبائيّ: امتنان عليهم بإتمام النّعم الّتي ذكرها،و كانت الغاية المرجوّة من ذلك إسلامهم للّه عن معرفتها،فإنّ المترقّب المتوقّع ممّن يعرف النّعم و إتمامها عليه آن يسلم لإرادة منعمه،و لا يقابله بالاستكبار، لأنّ منعما هذا شأنه لا يريد به سوء.(12:315)

5- لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ... الفتح:2

ابن عبّاس: إنّه بالنّبوّة و المغفرة.

(ابن الجوزيّ 7:423)

في الجنّة.(القرطبيّ 16:263)

أبو سليمان الدّمشقيّ: بإظهار دينك على سائر الأديان.(ابن الجوزيّ 7:423)

الطّبريّ: بإظهاره إيّاك على عدوّك،و رفعه ذكرك

ص: 32

في الدّنيا،و غفرانه ذنوبك في الآخرة.(26:71)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:بفتح مكّة و الطّائف و خيبر.

الثّاني:بخضوع من استكبر،و طاعة من تجبّر.

(5:310)

الطّوسيّ: فإتمام النّعمة فعل ما يقتضيها من تبقيتها على صاحبها و الزّيادة منها،فاللّه تعالى قد أنعم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تمّمها بنصره على أعدائه،الرّادّين لها المكذّبين بها،حتّى علا بالحجّة و القهر لكلّ من ناوأه.

و قيل:يتمّ نعمته عليك بفتح مكّة و خيبر و الطّائف.

و قيل:بخضوع من تكبّر،و طاعة من تجبّر.(9:315)

الميبديّ: تمام النّعمة هاهنا النّبوّة و ثوابها،نظيره في سورة يوسف:6، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ.

و قيل: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بإعلاء دينك،و فتح البلاد على يدك.(9:207)

نحوه النّسفيّ.(4:157)

ابن عطيّة: و إتمام النّعمة عليه هو إظهاره و تغلّبه على عدوّه و الرّضوان في الآخرة.(5:126)

الطّبرسيّ: معناه و يتمّ نعمته عليك في الدّنيا بإظهارك على عدوّك،و إعلاء أمرك،و نصرة دينك، و بقاء شرعك،و بالآخرة برفع محلّك.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](5:111)

الفخر الرّازيّ: يحتمل وجوها:

أحدها:هو أنّ التّكاليف عند الفتح تمّت حيث وجب الحجّ،و هو آخر التّكاليف،و التّكاليف نعم.

ثانيها:يتمّ نعمته عليك بإخلاء الأرض لك عن معانديك،فإنّ يوم الفتح لم يبق للنّبيّ عليه الصّلاة و السّلام عدوّ ذو اعتبار،فإنّ بعضهم كانوا أهلكوا يوم بدر،و الباقون آمنوا و استأمنوا يوم الفتح.

ثالثها:و يتمّ نعمته عليك في الدّنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح،و في الآخرة بقبول شفاعتك في الذّنوب، و لو كانت في غاية القبح.(28:78)

مثله النّيسابوريّ(26:41)،و الشّربينيّ(4:38).

القرطبيّ: قيل:بالنّبوّة و الحكمة.[ثمّ ذكر مثل الماورديّ](16:263)

البيضاويّ: بإعلاء الدّين و ضمّ الملك إلى النّبوّة.

(2:399)

أبو حيّان :بإظهارك على عدوّك،و رضاه عنك، و بفتح مكّة و الطّائف و خيبر.(8:90)

البقاعيّ: بنقلتك من عالم الشّهادة إلى عالم الغيب،و من عالم الكون و الفساد إلى عالم الثّبات و الصّلاح الّذي هو أخصّ بحضرته،و أولى برحمته، و إظهار أصحابك من بعدك على جميع أهل الملل.

(الشّربينيّ 4:38)

أبو السّعود :بإعلاء الدّين و ضمّ الملك إلى النّبوّة و غيرهما،ممّا أفاضه عليه من النّعم الدّينيّة و الدّنيويّة.

(6:98)

مثله الآلوسيّ.(26:91)

المراغيّ: بإعلاء شأن دينك،و انتشاره في البلاد، و رفع ذكرك في الدّنيا و الآخرة.(26:83)

محمّد جواد مغنية: بانتصارك على أعداء اللّه

ص: 33

و أعدائك،و بعلوّ شأنك دنيا و آخرة.(7:84)

الطّباطبائيّ: قيل:أي يتمّها عليك في الدّنيا بإظهارك على عدوّك و إعلاء أمرك و تمكين دينك،و في الآخرة برفع درجتك.

و قيل:أي يتمّها عليك بفتح خيبر و مكّة و الطّائف.

(18:257)

لاتمّ

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.

البقرة:150

الإمام عليّ عليه السّلام:تمام النّعمة الموت على الإسلام.

(البغويّ 1:182)

ابن عبّاس: و لأتمّ نعمتي عليكم في الدّنيا و الآخرة.أمّا في الدّنيا فأنصركم على أعدائكم و أورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم،و أمّا في الآخرة فجنّتي و رحمتي.(الطّبرسيّ 1:233)

سعيد بن جبير: لا يتمّ نعمته على المسلم إلاّ أن يدخل الجنّة.(البغويّ 1:182)

الطّبريّ: و لأتمّ بذلك من هدايتي لكم إلى قبلة خليلي إبراهيم عليه السّلام الّذي جعلته إماما للنّاس،نعمتي، فأكمل لكم به فضلي عليكم،و أتمم به شرائع ملّتكم الحنيفيّة المسلمة الّتي وصّيت بها نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى و سائر الأنبياء غيرهم؛و ذلك هو نعمته الّتي أخبر جلّ ثناؤه أنّه متمّها على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين به من أصحابه.(2:35)

نحوه البغويّ.(1:182)

أبو مسلم الأصفهانيّ: هو أنّ القوم كانوا يفتخرون باتّباع إبراهيم في جميع ما كانوا يفعلون،فلمّا حوّل صلّى اللّه عليه و سلّم إلى بيت المقدس لحقهم ضعف قلب،و لذلك كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحبّ التّحوّل إلى الكعبة لما فيه من شرف البقعة،فهذا موضع النّعمة.(الفخر الرّازيّ 4:158)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:فيما هديناكم إليه من القبلة.

و الثّاني:ما أعددته لكم من ثواب الطّاعة.(1:207)

الزّمخشريّ: و متعلّق اللاّم محذوف،معناه و لإتمامي النّعمة عليكم و إرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك،أو يعطف على علّة مقدّرة،كأنّه قيل:و اخشوني لأوفّقكم و لأتمّ نعمتي عليكم.

و قيل:هو معطوف على(لئلاّ يكون)،و في الحديث:

«تمام النّعمة دخول الجنّة».(1:323)

نحوه البيضاويّ(1:90)،و الشّربينيّ(1:104)، و أبو السّعود(1:218).

الطّبرسيّ: عطف على قوله:(لئلاّ)،و تقديره:لئلاّ يكون لأحد عليكم حجّة،و لأتمّ نعمتي عليكم بهدايتي إيّاكم إلى قبلة إبراهيم عليه السّلام.

بيّن سبحانه أنّه حوّل القبلة لهذين الغرضين:زوال القالة،و تمام النّعمة.(1:232)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فإن قيل:إنّه تعالى أنزل عند قرب وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي فبيّن أنّ تمام النّعمة إنّما حصل ذلك اليوم،فكيف

ص: 34

قال قبل ذلك اليوم بسنين كثيرة في هذه الآية: وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي.

قلنا:تمام النّعمة اللاّئقة في كلّ وقت هو الّذي خصّه به،و في الحديث:«تمام النّعمة دخول الجنّة».و عن عليّ رضي اللّه عنه:«تمام النّعمة الموت على الإسلام».

(4:158)

نحوه النّيسابوريّ.(2:28)

القرطبيّ: معطوف على (لِئَلاّ يَكُونَ) أي و لأن أتمّ، قاله الأخفش.

و قيل:مقطوع في موضع رفع بالابتداء و الخبر مضمر،التّقدير:و لأتمّ نعمتي عليكم عرّفتكم قبلتي، قاله الزّجّاج.

و إتمام النّعمة:الهداية إلى القبلة،و قيل:دخول الجنّة.(2:170)

النّسفيّ: أي عرّفتكم لئلاّ يكون عليكم حجّة، و لأتمّ نعمتي عليكم بهدايتي إيّاكم إلى الكعبة.(1:83)

أبو حيّان :الظّاهر أنّه معطوف على قوله: (لِئَلاّ يَكُونَ) ،و كان المعنى عرفناكم وجه الصّواب في قبلتكم، و الحجّة لكم لانتفاء حجج النّاس عليكم و لإتمام النّعمة، فيكون التّعريف معلّلا بهاتين العلّتين،و الفصل بالاستثناء و ما بعده كلا فصل؛إذ هو من متعلّق العلّة الأولى.

و قيل:هو معطوف على علّة محذوفة،و كلاهما معلولهما الخشية السّابقة،كأنّه قيل:و اخشوني لأوفّقكم و لأتمّ نعمتي عليكم.

و قيل:تتعلّق اللاّم بفعل مؤخّر،التّقدير:و لأتمّ نعمتي عليكم عرّفتكم قبلتي.و من زعم أنّ الواو زائدة، فقوله ضعيف.

و إتمام النّعمة بما هداهم إليه من القبلة،أو بما أعدّه لهم من ثواب الطّاعة،أو بما حصل للعرب من الشّرف بتحويل القبلة إلى الكعبة،أو بإبطال حجج المحتجّين عليهم،أو بإدخالهم الجنّة،أو بالموت على الإسلام أو النّعمة ستّة:الإسلام،و القرآن،و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و السّتر، و العافية،و الغنى عن النّاس أو بشرائع الملّة الحنيفيّة، أقوال ثمانية صدرت مصدر المثال لا مصدر التّعيين،و كلّ فيها نعمة.(1:442)

البروسويّ: علّة لمحذوف،أي أمرتكم بتولية الوجوه شطره،لإتمامي النّعمة عليكم،لما أنّه نعمة جليلة،و ما وقع من أوامر اللّه تعالى و تكاليفه،و ائتمار المكلّف بالتّوجّه إلى حيث وجّهه اللّه تعالى،و إن كان نعمة يتوصّل به إلى الثّواب الجزيل،إلاّ أنّ أمره تعالى بالتّوجّه إلى قبلة إبراهيم تمام النّعمة في أمر القبلة،فإنّ القوم كانوا يفتخرون باتّباع إبراهيم في جميع ما كانوا يفعلونه،فلمّا وجّهوا إلى قبلته بعد ما صرفوا عنها لمصلحة حادثة،فقد أصابوا تمام النّعمة في أمر القبلة.

فإنّ نعمة اللّه تعالى على عباده ضربان:موهوب و مكتسب،فالموهوب نحو صحّة البدن و سلامة الأعضاء و غيرهما،و المكتسب نحو الإيمان و العمل الصّالح، بامتثال الأوامر و الاجتناب عن المناهي،فإنّ ذلك كلّه يؤدّي إلى سعادة الدّارين.(1:255)

الآلوسيّ: الظّاهر من حيث اللّفظ أنّه عطف على قوله تعالى: (لِئَلاّ يَكُونَ) ،كأنّه قيل:فولّوا وجوهكم

ص: 35

شطره لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّة و لأتمّ إلخ.فهو علّة لمذكور،أي أمرتكم بذلك لأجمع لكم خير الدّارين؛أمّا دنيا فلظهور سلطانكم على المخالفين،و أمّا عقبى فلإثابتكم الثّواب الأوفى.

و لا يرد الفصل بالاستثناء و ما بعده لأنّه كلا فصل؛إذ هو من متعلّق العلّة الأولى،نعم اعترض ببعد المناسبة، و بأنّ إرادة الاهتداء المشعر بها التّرجّي إنّما تصلح علّة للأمر بالتّولية لا لفعل المأمور به،كما هو الظّاهر في المعطوف عليه.

فالظّاهر معنى جعله علّة لمحذوف،أي و أمرتكم بالتّولية-و الخشية-لإتمام نعمتي عليكم و إرادتي اهتداءكم.و الجملة المعلّلة معطوفة على الجملة المعلّلة السّابقة،أو عطف على علّة مقدّرة مثل (وَ اخْشَوْنِي) لأحفظكم و لأتمّ إلخ.

و رجّح بعضهم هذا الوجه بما أخرجه البخاريّ في الأدب المفرد،و التّرمذيّ من حديث معاذ بن جبل«تمام النّعمة دخول الجنّة».و لا يخفى أنّه على الوجه الأوّل قد يؤول الكلام إلى معنى:فاعبدوا،و صلّوا متّجهين شطر المسجد الحرام،لأدخلكم الجنّة.و الحديث لا يأبى هذا بل يطابقه حذو القذّة بالقذّة،فكونه مرجّحا لذلك بمعزل عن التّحقيق.(2:18)

رشيد رضا :باستقلال قبلتكم في بيت ربّكم الّذي بناه جدّكم،و جعل الأمم فيها تبعا لكم.

و بيانه أنّ هذا النّبيّ عربيّ من ولد إبراهيم،و بلسان العرب نزل عليه الكتاب،و هم قومه الّذين بعث فيهم أوّلا،و ظهرت دعوته فيهم،و امتدّت منهم و بهم إلى سائر الأمم،و كانوا إذا آمنوا يحبّون أن تكون وجهتهم في عبادتهم بيتهم الحرام.

و أن يحيوا سنّة إبراهيم،بتطهيره من عبادة الأصنام، لأنّه معبدهم،و أشرف أثر عندهم،ينسب إلى أبيهم إبراهيم الّذي بناه،و رفع قواعده لعبادة اللّه تعالى،و هو شرفهم و مجدهم و موطن عزّهم و فخرهم،فأتمّ اللّه عليهم النّعمة بإعطائهم ما يحبّون،و توجيه جميع شعوب الإسلام إلى بلادهم،إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.و في ذلك من الفوائد المادّيّة و المعنويّة ما لا يحصى من النّعم.

نعم إنّ كلّ أمر من اللّه تعالى فامتثاله نعمة،و لكنّه إذا كان فيه حكمة ظاهرة و شرف للأمّة يتعلّق بتاريخها الماضي،و بمجدها الآتي،و كان أثره حميدا نافعا فيها، تكون النّعمة به أتمّ و المنّة أكمل،و لذلك عبّر بالإتمام.

و ذكر الأستاذ الإمام[محمّد عبده]:من الحكمة في جعل القبلة في أوّل الأمر بيت المقدس،أنّ الكعبة كانت في أوّل الإسلام مشغولة بالأصنام و الأوثان،و كان سلطان أهل الشّرك متمكّنا فيها،و الأمل في انكشافه عنها بعيدا،فصرفه اللّه أوّلا عن استقبال بيت مدنس بعبادة الشّرك-و قد كان اللّه أمر إبراهيم بتطهيره للطّائفين و العاكفين و الرّكّع السّجود-إلى بيت المقدس قبلة اليهود الّذين هم أقرب من المشركين إلى ما جاء به من التّوحيد و التّنزيه.

و لمّا قرب زمن تطهير البيت الحرام من الأصنام و الأوثان و عبادتها و إزالة سلطة الوثنيّين عنه،جعله اللّه تعالى قبلة للموحّدين،ليوجّه النّفوس إليه؛فيكون ذلك

ص: 36

مقدّمة لتطهيره،و إتمام النّعمة بالاستيلاء عليه،و السّير فيه على ملّة إبراهيم من التّوحيد و العبادة الصّحيحة للّه تعالى وحده.

أقول:و يؤيّد ما قرّره الأستاذ الإمام في تفسير «الإتمام»و كون تحويل القبلة مقدّمة له،قوله تعالى بعد ذكر الفتح في سورة الفتح: وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً الفتح:2 فكان في الآية بشارة فتح مكّة و نصر اللّه التّوحيد على الشّرك،و ما يتلو ذلك من نشر الإسلام،و انتشار نوره في الأنام،و لذلك قال في سورة الفتح بعد ما ذكر: وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً الفتح:3.(2:25)

نحوه المراغيّ.(2:18)

محمّد جواد مغنية:أي أنعمت عليكم بالإسلام، و أتممت النّعمة بإعطائي إيّاكم قبلة مستقلّة توحّد كلمتكم،و تجمع شملكم،و تتّجه إليها شعوب العالم من أقطار الأرض،على اختلاف ألوانها و ألسنتها.(1:237)

الطّباطبائيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ اشتمال هذه الآية-و هي آية تحويل القبلة-على قوله: وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ مع اشتمال قوله تعالى في سورة الفتح في ذكر فتح مكّة على هاتين الجملتين؛إذ قال تعالى: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً الفتح:1،2،يدلّ على كونها مشتملة على البشارة بفتح مكّة.

بيان ذلك:أنّ الكعبة كانت مشغولة في صدر الإسلام بأصنام المشركين و أوثانهم،و كان السّلطان معهم، و الإسلام لم يقو بعد بحيث يظهر قهره و قدرته،فهدى اللّه رسوله إلى استقبال بيت المقدس،لكونه قبلة لليهود، الّذين هم أقرب في دينهم من المشركين إلى الإسلام.

ثمّ لمّا ظهر أمر الإسلام بهجرة رسول اللّه إلى المدينة، و قرب زمان الفتح،و توقّع تطهير البيت من أرجاس الأصنام،جاء الأمر بتحويل القبلة و هي النّعمة العظيمة الّتي اختصّ به المسلمون،و وعد في آية التّحويل إتمام النّعمة و الهداية و هو خلوص الكعبة من أدناس الأوثان، و تعيّنها لأن تكون قبلة يعبد اللّه إليها،و يكون المسلمون هم المختصّون بها،و هي المختصّة بهم،فهي بشارة بفتح مكّة،ثمّ لمّا ذكر فتح مكّة حين فتحت أشار إلى ما وعدهم به من إتمام النّعمة و البشارة بقوله: وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً.

و هذا الكلام و إن كان بظاهره وجيها،لكنّه خال عن التّدبّر،فإنّ ظاهر الآيات لا يساعد عليه؛إذ الدّالّ على وعد إتمام النّعمة في هذه الآية: وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ البقرة:150،إنّما هو لام الغاية،و آية سورة الفتح الّتي أخذها إنجازا لهذا الوعد و مصداقا لهذه البشارة،أعني قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ... مشتملة على هذه اللاّم بعينها، فالآيتان جميعا مشتملتان على الوعد الجميل بإتمام النّعمة؛على أنّ آية الحجّ مشتملة على وعد إتمام النّعمة لجميع المسلمين،و آية الفتح على ذلك لرسول اللّه خاصّة،فالسّياق في الآيتين مختلف.

و لو كان هناك آية تحكي عن إنجاز الوعد الّذي تشتمل عليه الآيتان،لكان هو قوله تعالى: اَلْيَوْمَ

ص: 37

أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً المائدة:3.

و نظير هاتين الآيتين في الاشتمال على عدة إتمام النّعمة قوله تعالى: وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة:6،و قوله تعالى:

كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ النّحل:81.

(1:329)

اتمّوا

1- وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. البقرة:196

ابن مسعود:إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك، و هو المرويّ عن الإمام عليّ عليه السّلام و ابن عبّاس.

(الزّمخشريّ 1:343)

مثله سعيد بن جبير و طاوس.(الماورديّ 1:254)

أتمّوهما إلى البيت.(ابن العربيّ 1:117)

الإمام عليّ عليه السّلام:أقيموهما إلى آخر ما فيهما،و هو المرويّ عن الإمام زين العابدين عليه السّلام،و مسروق، و سعيد بن جبير،و السّدّيّ.(الطّبرسيّ 1:290)

مثله عطاء.(الطّوسيّ 2:154)

أحرموا بهما من دياركم.

مثله الثّوريّ.(ابن العربيّ 1:117)

مسروق:إنّ إتمامهما واجب بالدّخول فيهما.

مثله ابن زيد،و الشّعبيّ،و أبي بردة.

(الماورديّ 1:254)

ابن عبّاس: إنّه إذا شرع في أحدهما لم يفسخه حتّى يتمّ.(ابن الجوزيّ 1:204)

أي أتمّوهما بمناسكهما و حدودهما و تأدية كلّ ما فيهما.

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 1:290)

نحوه علقمة،و النّخعيّ.(ابن عطيّة 1:266)

عبد اللّه بن عمر: إتمامهما:إفرادهما.

(الجصّاص 1:264)

الشّعبيّ: إتمامهما:أن لا تفسخ و أن تتمّهما إذا بدأت بهما.

مثله ابن زيد.(ابن عطيّة 1:265)

مجاهد :إنّه يجب أن يبلغ آخر أعمالهما بعد الدّخول فيهما.

مثله المبرّد و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:154)

أنّه فعل ما أمر اللّه فيهما.(ابن الجوزيّ 1:204)

الضّحّاك: إتمامهما:أن تكون النّفقة حلالا،و ينتهي عمّا نهى اللّه عنه.(البغويّ 1:241)

طاوس: تمامهما:إفرادهما مؤتنفتين من أهلك.

(الطّبريّ 2:207)

قتادة :إنّ إتمام العمرة:أن نخدم بها في غير الأشهر الحرم،و إتمام الحجّ:أن تأتي بجميع مناسكه حتّى لا يلزم دم لجبران نقصان.(الماورديّ 1:254)

السّدّيّ: أقيموا الحجّ و العمرة.(144)

الإمام الصّادق عليه السّلام: يعني بتمامهما أداؤهما و اتّقاء ما يتّقي المحرم فيهما.(العروسيّ 1:182)

تمام الحجّ:لقاء الإمام[تأويل](العروسيّ 1:183)

إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه كثيرا،و قلّة الكلام إلاّ بخير.فإنّ من تمام الحجّ و العمرة أن يحفظ المرء

ص: 38

لسانه إلاّ من خير،كما قال اللّه تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:

197.(العروسيّ 1:183)

مقاتل: إتمامهما:ألاّ تستحلّوا فيهما ما لا ينبغي لكم؛ و ذلك أنّهم كانوا يشركون في إحرامهم،فيقولون:لبّيك اللّهمّ لبّيك،لا شريك لك إلاّ شريكا هو لك،تملكه و ما ملك.فقال:فأتمّوهما و لا تخلطوهما بشيء آخر.

(القرطبيّ 2:366)

الثّوريّ: إتمامهما:أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة و لا لغير ذلك.(ابن عطيّة 1:265)

الطّبريّ: [اكتفى بنقل أقوال بعض من تقدّم عليه](2:206)

الزّجّاج: إتمامهما:أن تكون النّفقة حلالا،و ينتهي عمّا نهى اللّه عنه.

و قال بعضهم:إنّ الحجّ و العمرة لهما مواقف و مشاعر،كالطّواف و الموقف بعرفة و غير ذلك؛فإتمامهما:

تأدية كلّ ما فيهما،و هذا بيّن.(1:266)

أبو مسلم الأصفهانيّ: المعنى أنّ من نوى الحجّ و العمرة للّه وجب عليه الإتمام،و يدلّ على صحّة هذا التّأويل أنّ هذه الآية إنّما نزلت بعد أن منع الكفّار النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في السّنة الماضية عن الحجّ و العمرة،فاللّه تعالى أمر رسوله في هذه الآية أن لا يرجع حتّى يتمّ هذا الفرض.

و يحصل من هذا التّأويل فائدة فقهيّة و هي أنّ تطوّع الحجّ و العمرة كفرضيهما في وجوب الإتمام.

(الفخر الرّازيّ 5:157)

الأصمّ: إنّ اللّه تعالى فرض الحجّ و العمرة ثمّ أمر عباده أن يتمّوا الآداب المعتبرة.(الفخر الرّازيّ 5:157)

الجصّاص :[ذكر أقوال المتقدّمين إلى أن قال:]

و روي عن طاوس عن أبيه،قال:العمرة واجبة، و احتجّ من أوجبها بظاهر قوله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ.

قالوا:و اللّفظ يحتمل إتمامهما بعد الدّخول فيهما، و يحتمل الأمر بابتداء فعلهما،فالواجب حمله على الأمرين بمنزلة عموم يشتمل على مشتمل،فلا يخرج منه شيء إلاّ بدلالة.

قال أبو بكر: و لا دلالة في الآية على وجوبها؛و ذلك لأنّ أكثر ما فيها:الأمر بإتمامهما،و ذلك إنّما يقتضي نفي النّقصان عنهما إذا فعلت،لأنّ ضدّ التّمام هو النّقصان لا البطلان،أ لا ترى أنّك تقول للنّاقص:إنّه غير تامّ، و لا تقول مثله لما لم يوجد منه شيء.

فعلمنا أنّ الأمر بالإتمام إنّما اقتضى نفي النّقصان، و لذلك قال عليّ و عمر:إتمامهما:أن تحرم بهما من دويرة أهلك،يعني الأبلغ في نفي النّقصان:الإحرام بهما من دويرة أهلك.

و إذا كان ذلك على ما وصفنا كان تقديره:أن لا يفعلهما ناقصين:و قوله:لا يفعلهما ناقصين لا يدلّ على الوجوب،لجواز إطلاق ذلك على النّوافل.أ لا ترى أنّك تقول:لا تفعل الحجّ التّطوّع و لا العمرة التّطوّع ناقصين و لا صلاة النّفل ناقصة،فإذا كان الأمر بالإتمام يقتضي نفي النّقصان،فلا دلالة فيه إذا على وجوبها.

و يدلّ على صحّة ذلك أنّ العمرة التّطوّع و الحجّ

ص: 39

النّفل مرادان بهذه الآية في النّهي عن فعلهما ناقصين، و لم يدلّ ذلك على وجوبهما في الأصل.

و أيضا فإنّ الأظهر من لفظ«الإتمام»إنّما يطلق بعد الدّخول فيه،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:187،فأطلق عليه لفظ «الإتمام»بعد الدّخول.قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فأتمّوا»فأطلق لفظ«الإمام»عليها بعد الدّخول فيها.

و يدلّ على أنّ المراد إيجاب إتمامهما بعد الدّخول فيهما أنّ الحجّ و العمرة النّافلتين يلزمه إتمامهما بعد الدّخول فيهما بالآية،فكان بمنزلة قوله:أتمّوهما بعد الدّخول فيهما.فغير جائز إذا ثبت أنّ المراد لزوم الإتمام بعد الدّخول حمله على الابتداء لتضادّ المعنيين.

أ لا ترى أنّه إذا أراد به الإلزام بالدّخول انتفى أن يريد به الإلزام قبل الدّخول،لأنّ إلزامه قبل الدّخول ناف لكونه واجبا بالدّخول،أ لا ترى أنّه لا يجوز أن يقال:إنّ حجّة الإسلام إنّما تلزم بالدّخول و إنّ صلاة الظّهر متعلّق لزومها بالدّخول فيها.و هذا يدلّ على أنّه غير جائز إرادة إيجابهما بالدّخول و إيجابهما ابتداء قبل الدّخول فيهما.

فثبت بما وصفنا أنّه لا دلالة في هذه الآية على وجوب العمرة قبل الدّخول فيها،و ممّا يدلّ على أنّها ليست بواجبة ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:العمرة هي الحجّ الأصغر،و روي عن عبد اللّه بن شدّاد و مجاهد قالا:

العمرة هي الحجّ الأصغر...[ثمّ ذكر روايات على عدم وجوب العمرة فلاحظ](1:264)

الغزاليّ: الأمور المعتبرة قبل الخروج إلى الإحرام ثمانية: (1)

الأوّل:في المال،فينبغي أن يبدأ بالتّوبة،و ردّ المظالم، و قضاء الدّيون،و إعداد النّفقة لكلّ من تلزمه نفقته إلى وقت الرّجوع،و يردّ ما عنده من الودائع،و يستصحب من المال الطّيّب الحلال ما يكفيه لذهابه و إيابه من غير تقتير.بل على وجه يمكنه مع التّوسّع في الزّاد و الرّفق بالفقراء،و يتصدّق بشيء قبل خروجه،و يشتري لنفسه دابّة قويّة على الحمل أو يكتريها.فإن اكتراها فليظهر للمكاري كلّ ما يحصل رضاه فيه.

الثّاني:في الرّفيق،فينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبّا للخير،معينا عليه،إن نسي ذكّره،و إن ذكر ساعده، و إن جبن شجّعه،و إن عجز قوّاه،و إن ضاق صدره صبّره.و أمّا الإخوان و الرّفقاء المقيمون فيودّعهم، و يلتمس أدعيتهم،فإنّ اللّه تعالى جعل في دعائهم خيرا.

و السّنّة في الوداع أن يقول:أستودع اللّه دينك و أمانتك و خواتيم عملك.

الثّالثة:في الخروج من الدّار،فإذا همّ بالخروج صلّى ركعتين،يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الكافرون:1،و في الثّانية«الإخلاص» و بعد الفراغ يتضرّع إلى اللّه بالإخلاص.

الرّابعة:إذا حصل على باب الدّار قال:بسم اللّه توكّلت على اللّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،و كلّما كانت الدّعوات أزيد كانت أولى.ّ.

ص: 40


1- الظّاهر هي عشرة كما في النّصّ.

و الخامسة:في الرّكوب،فإذا ركب الرّاحلة قال:

بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر،توكّلت على اللّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،ما شاء اللّه كان،و ما لم يشأ لم يكن، سبحان اللّه الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين،و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون.

السّادسة:في النّزول،و السّنّة أن يكون أكثر سيره باللّيل،و لا ينزل حتّى يحمى النّهار،و إذا نزل صلّى ركعتين و دعا اللّه كثيرا.

السّابعة:إن قصده عدوّ أو سبع في ليل أو نهار، فليقرأ آية الكرسيّ،و شهد اللّه،و الإخلاص، و المعوّذتين،و يقول:تحصّنت باللّه العظيم،و استعنت بالحيّ الّذي لا يموت.

الثّامنة:مهما علا شرفا من الأرض في الطّريق، فيستحبّ أن يكبّر ثلاثا.

التّاسعة:أن لا يكون هذا السّفر مشوبا بشيء من أثر الأغراض العاجلة،كالتّجارة و غيرها.

العاشرة:أن يصون الإنسان لسانه عن الرّفث و الفسوق و الجدال.ثمّ بعد الإتيان بهذه المقدّمات،يأتي بجميع أركان الحجّ على الوجه الأصحّ الأقرب إلى موافقة الكتاب و السّنّة،و يكون غرضه في كلّ هذه الأمور ابتغاء مرضاة اللّه تعالى،فقوله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ كلمة شاملة جامعة لهذه المعاني،فإذا أتى العبد بالحجّ عل هذا الوجه كان متّبعا ملّة إبراهيم؛حيث قال تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ البقرة:124.

(الفخر الرّازيّ 5:157)

البغويّ: و تأوّلوا قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ على معنى أتمّوهما إذا دخلتم فيها،أمّا ابتداء الشّروع فيها فتطوّع.

و احتجّ من لم يوجبها بما روي عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه سئل عن العمرة أ واجبة هي؟فقال:لا،و أن تعتمروا خير لكم.و القول الأوّل أصحّ.

و معنى قوله: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ أي ابتدءوهما فإذا دخلتم فيهما فأتمّوهما.فهو أمر بالإبداء و الإتمام،أي أقيموهما،كقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:187،أي ابتدءوه و أتمّوه.

(1:241)

الزّمخشريّ: ائتوا بهما تامّين كاملين بمناسكهما و شرائطهما لوجه اللّه،من غير توان و لا نقصان يقع منكم فيهما.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إتمامهما:أن تحرم بهما من دويرة أهلك.روي ذلك عن عليّ و ابن عبّاس و ابن مسعود رضي اللّه عنهم.

و قيل:أن تفرد لكلّ منهما سفرا،كما قال محمّد:

حجّة كوفيّة و عمرة كوفيّة.و قيل:أن تكون النّفقة حلالا.و قيل:أن تخلصوهما للعبادة،و لا تشوبهما بشيء من التّجارة و الأغراض الدّنيويّة.

فإن قلت:هل فيه دليل على وجوب العمرة؟

قلت:ما هو إلاّ أمر بإتمامهما،و لا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوّعين،فقد يؤمر بإتمام الواجب و التّطوّع جميعا،إلاّ أن نقول:الأمر بإتمامهما أمر بأدائهما، بدليل قراءة من قرأ: (و اقيموا الحجّ و العمرة) و الأمر للوجوب في أصله إلاّ أن يدلّ دليل على خلاف

ص: 41

الوجوب،كما دلّ في قوله:(فاصطادوا)المائدة:2، (فانتشروا)الأحزاب:53،و نحو ذلك،فيقال لك:فقد دلّ الدّليل على نفي الوجوب،و هو ما روي أنّه قيل:

«يا رسول اللّه العمرة واجبة مثل الحجّ؟قال:لا،و لكن أن تعتمر خير لك».[ثمّ ذكر روايات على عدم وجوب العمرة فلاحظ](1:343)

نحوه البيضاويّ(1:106)،و النّسفيّ(1:99)، و الشّربينيّ(1:128).

ابن عطيّة: قالت فرقة:إتمامهما أن تفرد كلّ واحدة من حجّة و عمرة و لا تقرن،و هذا على أنّ الإفراد أفضل.

و قالت فرقة:القران أفضل،و ذلك هو الإتمام عندهم.

(1:265)

ابن العربيّ: [نقل سبعة أقوال من المتقدّمين ثمّ قال:]

حقيقة الإتمام للشّيء:استيفاؤه بجميع أجزائه و شروطه،و حفظه من مفسداته و منقصاته.و كلّ الأقوال محتمل في معنى الآية،إلاّ أنّ بعضها مختلف فيه.

أمّا قوله:«أحرم بها من دويرة أهلك»فإنّها مشقّة رفعها الشّرع،و هدّمتها السّنّة بما وقّت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من المواقيت.

و أمّا قول ابن مسعود: إلى البيت،فذلك واجب، و فيه تفصيل،و له شروط،بيانها في موضعها.

و أمّا قول مجاهد فصحيح.

و أمّا ألاّ يجمع بينهما فالسّنّة الجمع بينهما،كذلك فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد بيّنّاه في مسائل الخلاف.

و أمّا ألاّ يحرم بالعمرة في أشهر الحجّ فهو التّمتّع.

و أمّا إتمامهما إذا دخل فيهما،فلا خلاف بين الأمّة فيهما،حتّى بالغوا فقالوا:يلزمه إتمامهما و إن أفسدهما.

و أمّا ألاّ يتّجر فيهما فهو مذهب الفقراء،ألاّ تمتزج الدّنيا بالآخرة،و هو أخلص في النّيّة و أعظم للأجر، و ليس ذلك بحرام.و الكلّ يبيّن في موضعه بحول اللّه و عونه.(1:117)

الفخر الرّازيّ: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ و هذا اللّفظ يحتمل أن يكون المراد منه إيجاب كلّ واحد منهما، أو يكون المراد منه إيجاب الجمع بينهما على سبيل التّمام،فلو حملناه على الأوّل لا يفيد الثّاني،و لو حملناه على الثّاني أفاد الأوّل،فكان الثّاني أكثر فائدة فوجب حمل اللّفظ عليه،لأنّ الأولى حمل كلام اللّه على ما يكون أكثر فائدة.[إلى أن قال:]

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ أنّ المراد أفردوا كلّ واحد منهما بسفر.و هذا تأويل من قال بالإفراد،و قد بيّنّاه بالدّليل.و هذا التّأويل يروى عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،و قد يروى مرفوعا عن أبي هريرة،و كان عمر يترك القران و التّمتّع،و يذكر أنّ ذلك أتمّ للحجّ و العمرة،و أن يعتمر في غير شهور الحجّ، فإنّ اللّه تعالى يقول: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ البقرة:

197.و روى نافع عن ابن عمر أنّه قال:فرّقوا بين حجّكم و عمرتكم.(5:157)

القرطبيّ: اختلف العلماء في المعنى المراد:بإتمام الحجّ و العمرة للّه،فقيل:أداؤهما و الإتيان بهما،كقوله:

(فاتمّهنّ)،و قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:

ص: 42

187،أي ائتوا بالصّيام.و هذا على مذهب من أوجب العمرة على ما يأتي.

و من لم يوجبها قال:المراد تمامهما بعد الشّروع فيهما،فإنّ من أحرم بنسك وجب عليه المضيّ فيه و لا يفسخه،قال معناه الشّعبيّ و ابن زيد.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين فلاحظ](2:365)

النّيسابوريّ: [نقل قول أبي مسلم الأصفهانيّ و الأصمّ و الغزاليّ ثمّ قال:]

و قيل:المراد من قوله:(و اتمّوا)أفردوا كلّ واحد منهما بسفره،و يؤيّد هذا تأويل من قال:الإفراد أفضل.

و أقرب هذه الأقوال ما يرجع حاصله إلى معنى:

ائتوا بالحجّ و العمرة تامّين كاملين بمناسكهما و شرائطهما و آدابهما لوجه اللّه،بدليل قوله:(فان احصرتم).(2:154)

أبو حيّان :الإتمام كما تقدّم:ضدّ النّقص،و المعنى افعلوهما كاملين،و لا تأتوا بهما ناقصين شيئا من شروطهما و أفعالهما الّتي تتوقّف وجود ماهيّتهما عليهما، كما قال غيلان:

تمام الحجّ أن تقف المطايا

على خرقاء واضعة اللّثام

جعل وقوف المطايا على محبوبته و هي«ميّ»كبعض مناسك الحجّ الّذي لا يتمّ إلاّ به،هذا ظاهر اللّفظ.و قد فسّر الإتمام بغير ما يقتضيه الظّاهر.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين فلاحظ](2:71)

فاضل المقداد: [بعد نقل بعض الأقوال قال:]

و الحقّ أنّ المراد أن يؤتى بجميع أجزائهما و كيفيّات تلك الأجزاء.لكن لكون كلّ واحد منهما مركّبا من أجزاء مختلفة ربّما يوهم أنّ من أتى ببعض تلك الأجزاء و أخلّ بالباقي عمدا،يصحّ منه ذلك المأتيّ به،و يجب عليه قضاء الباقي،كمن صام بعض رمضان و ترك الباقي، و ذلك و هم باطل.

فإنّ كلّ واحد من تلك الأجزاء شرط في صحّة الباقي كأجزاء الصّلاة،فإذا لم يأت الحاجّ أو المصلّي بكلّ الأجزاء بطل حجّه و صلاته.بخلاف الصّوم،فإنّ كلّ يوم من أيّام رمضان عبادة مستقلّة لا ارتباط لها بيوم آخر، و لا شرطيّة لأحدهما بالآخر،و لذلك قال المحقّقون من أصحابنا:إنّ كلّ يوم من أيّام رمضان يفتقر إلى نيّة مستقلّة.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّه يلزم من ذلك أحكام:

1-ما قاله أصحابنا:إنّ من أفسد حجّه وجب عليه إتمامه و الحجّ من قابل،لوجوب إتمام الحجّ،و الإفساد غير مانع منه.ثمّ إنّ الإفساد عندنا سبب مستقلّ لوجوب الحجّ كغيره من الأسباب كالنّذر و الاستئجار، فيجب حجّ آخر غير الأوّل و لو كان مندوبا،و كذا نقول فيمن أفسد صومه الواجب المعيّن أنّه يجب إتمامه و قضاؤه.

2-استدلّ أصحابنا بالآية أيضا على وجوب إتمام الحجّ و العمرة المندوبين،و تقريره يعلم ممّا تقدّم.

3-إنّ الأمر بإتمامهما قد يستدلّ به على وجوب كلّ واحد منهما،لأنّ الأمر للوجوب،و وجوب كلّ واحد من الأجزاء يستلزم وجوب الماهيّة المركّبة من تلك الأجزاء ضرورة،فتكون العمرة واجبة خلافا لأبي حنيفة،فإنّه جعلها سنّة،و كذا قال مالك،و أوّلا الآية

ص: 43

بأنّ المراد:إذا شرعتم فيهما.فإنّ الشّروع في النّدب يوجب إتمامه عندهم أيضا.(2:272)

نحوه الطّريحيّ.(6:22)

أبو السّعود :بيان لوجوب إتمام أفعالهما عند التّصدّي لأدائهما،و إرشاد للنّاس إلى تدارك ما عسى يعتريهم من العوارض المخلّة بذلك من الإحصار و نحوه، من غير تعرّض لحالهما في أنفسهما من الوجوب و عدمه، كما في قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:

187،فإنّه بيان لوجوب مدّ الصّيام إلى اللّيل من غير تعرّض لوجوب أصله،و إنّما هو بقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ... البقرة:183،كما أنّ وجوب الحجّ بقوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...

آل عمران:97.

فإنّ الأمر بإتمام فعل من الأفعال ليس أمرا بأصله و لا مستلزما له أصلا،فليس فيه دليل على وجوب العمرة قطعا.و ادّعاء أنّ الأمر بإتمامهما أمر بإنشائهما تامّين كاملين حسبما تقتضيه قراءة (و اقيموا الحجّ و العمرة) و أنّ الأمر للوجوب ما لم يدلّ على خلافه دليل ممّا لا سداد له ضرورة،أن ليس البيان مقصورا على أفعال الحجّ المفروض حتّى يتصوّر ذلك،بل الحقّ أنّ تلك القراءة أيضا محمولة على المشهورة،ناطقة بوجوب إقامة أفعالهما كما ينبغي،من غير تعرّض لحالهما في أنفسهما.

فالمعنى أكملوا أركانهما و شرائطهما و سائر أفعالهما المعروفة شرعا لوجه اللّه تعالى،من غير إخلال منكم بشيء منها.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](1:248)

الآلوسيّ: أي اجعلوهما تامّين إذا تصدّيتم لأدائهما لوجه اللّه تعالى.فلا دلالة في الآية على أكثر من وجوب الإتمام بعد الشّروع فيهما،و هو متّفق عليه بين الحنفيّة و الشّافعيّة رضي اللّه تعالى عنهم،فإنّ إفساد الحجّ و العمرة مطلقا يوجب المضيّ في بقيّة الأفعال و القضاء، و لا تدلّ على وجوب الأصل.

و القول بالدّلالة بناء على أنّ الأمر بالإتمام مطلقا يستلزم الأمر بالأداء،لما تقرّر من أنّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به فهو واجب،ليس بشيء،لأنّ الأمر بالإتمام يقتضي سابقيّة الشّروع،فيكون الأمر بالإتمام مقيّدا بالشّروع،و ادّعاء أنّ المعنى:ائتوا بهما حال كونهما تامّين مستجمعي الشّرائط و الأركان.و هذا يدلّ على وجوبهما،لأنّ الأمر ظاهر فيه،و يؤيّده قراءة (و اقيموا الحجّ و العمرة) ليس بسديد.

أمّا أوّلا:فلأنّه خلاف الظّاهر،و بتقدير قبوله في مقام الاستدلال يمكن أن يجعل الوجوب المستفاد من الأمر فيه متوجّها إلى القيد،أعني تامّين،لا إلى أصل الإتيان،كما في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«بيعوا سواء بسواء».

و أمّا ثانيا:فلأنّ الأمر في القراءة محمول على المعنى المجازيّ المشترك بين الواجب و المندوب،أعني طلب الفعل،و القرينة على ذلك الأحاديث الدّالّة على استحباب العمرة.[ثمّ ذكر الأحاديث فلاحظ](2:78)

رشيد رضا :فالعطف و التّعبير بالإتمام ظاهران في أنّ السّياق في الكلام عن الحجّ،و لذلك لم يقل هنا هذا:

كتب عليكم الحجّ،كما قال في الصّيام.و قد كان الحجّ معروفا في الجاهليّة،لأنّه فرض على عهد إبراهيم

ص: 44

و إسماعيل،فأقرّه الإسلام في الجملة.و لكنّه أزال ما أحدثوا فيه من الشّرك و المنكرات،و زاد ما زاد فيه من المناسك و العبادات.فالآية ليست في فرضيّته و فرضيّة العمرة بل هي في واقعة تتعلّق بهما و بقاصديهما.و قد كانوا توجّهوا إلى ذلك قبل نزولها بعام،كما تقدّم،فدلّ ذلك على أنّ المشروعيّة سابقة لنزول هذه الآيات.

و المراد بإتمام الحجّ و العمرة:الإتيان بهما تامّين ظاهرا:بأداء المناسك على وجهها،و باطنا:بالإخلاص للّه تعالى وحده،دون قصد الكسب و التّجارة أو الرّياء و السّمعة فيهما.و لا ينافي الإخلاص البيع و الشّراء في أثناء الحجّ،إذا لم تكن التّجارة هي المقصودة في الأصل.

(2:217)

نحوه المراغيّ.(2:96)

الطّباطبائيّ: تمام الشّيء هو الجزء الّذي بانضمامه إلى سائر أجزاء الشّيء يكون الشّيء هو هو،و يترتّب عليه آثاره المطلوبة منه.فالإتمام هو ضمّ تمام الشّيء إليه بعد الشّروع في بعض أجزائه،و الكمال هو حال أو وصف أو أمر إذا وجده الشّيء ترتّب عليه من الأثر بعد إتمامه ما لا يترتّب عليه لو لا الكمال؛فانضمام أجزاء الإنسان بعضها إلى بعض هو تمامه،و كونه إنسانا عالما أو شجاعا أو عفيفا كماله،و ربّما يستعمل التّمام مقام الكمال بالاستعارة،بدعوى كون الوصف الزّائد على الشّيء داخلا فيه اهتماما بأمره و شأنه.

و المراد بإتمام الحجّ و العمرة هو المعنى الأوّل الحقيقيّ، و الدّليل عليه قوله تعالى بعده: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فإنّ ذلك تفريع على التّمام،بمعنى إيصال العمل إلى آخر أجزائه و ضمّه إلى أجزائه المأتيّ بها بعد الشّروع،و لا معنى يصحّح تفريعه على الإتمام بمعنى الإكمال،و هو ظاهر.(2:75)

2- ...فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. التّوبة:4

الطّوسيّ: و الإتمام:بلوغ الحدّ في العدة من غير زيادة و لا نقصان،فهاهنا معناه إمضاء الأمر على ما تقدّم به العهد إلى انقضاء أجل العقد.(5:201)

الزّمخشريّ: فأدّوه إليهم تامّا كاملا.(2:175)

نحوه الفخر الرّازيّ(15:224)،و النّيسابوريّ (10:42)،و الآلوسيّ(10:49)،و النّسفيّ(2:116).

أبو حيّان :و تعدّى(اتمّوا)ب«الى»لتضمّنه معنى (فأدّوا)أي فأدّوه تامّا كاملا.(5:9)

مثله البروسويّ.(3:385)

متمّ

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ. الصّفّ:8

ابن عبّاس: يظهر دينه.(الفخر الرّازيّ 29:314)

الفرّاء: قرأها يحيى أو الأعمش: وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ بالإضافة،و نوّنها أهل الحجاز (متمّ نوره) و كلّ صواب.(3:153)

الطّبريّ: يقول:اللّه معلن الحقّ،و مظهر دينه و ناصر محمّدا عليه الصّلاة و السّلام على من عاداه، فذلك إتمام نوره.[إلى أن قال:]

ص: 45

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى: وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض الكوفيّين: (متمّ نوره) بالنّصب.و قرأ بعض قرّاء مكّة و عامّة قرّاء الكوفة (متمّ) بغير تنوين (نوره) خفضا، و هما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا.(28:88)

نحوه القاسميّ(16:5791)،و المراغيّ(28:87).

الطّوسي:[نقل القراءتين و أضاف:]

و القراءتان متقاربتان،إلاّ أنّ اسم الفاعل إذا كان لما مضى لا يعمل و لا يجوز إلاّ الإضافة،و إذا كان للحال و الاستقبال جاز فيه التّنوين و الإضافة.(9:593)

الميبديّ: قرئ بالتّنوين،و بالإضافة مُتِمُّ نُورِهِ فحقّ ما وقع الإضافة و حقّ لما لم يقع التّنوين، فالمعنى:أتمّ نوره و يتمّه أبدا.(10:87)

الزّمخشريّ: أي متمّ الحقّ و مبلّغه غايته،و قرئ بالإضافة.(4:99)

نحوه البيضاويّ(2:474)،و النّسفيّ(4:252).

ابن عطيّة: و قرأ نافع و أبو عمرو و ابن عامر و أبو بكر عن عاصم و ابن محيصن و الحسن و طلحة و الأعرج:(و اللّه متمّ)بالتّنوين، (نوره) بالنّصب.و قرأ ابن كثير و حمزة و الكسائيّ و حفص عن عاصم و الأعمش:(متمّ نوره)بالإضافة،و هي في معنى الانفصال،و في هذا نظر.(5:303)

نحوه النّيسابوريّ(28:45)،و أبو حيّان(8:263).

الطّبرسيّ: أي مظهر كلمته و مؤيّد نبيّه و معلن دينه و شريعته،و مبلّغ ذلك غايته.(5:280)

الفخر الرّازيّ: و التّمام لا يكون إلاّ عند النّقصان، فكيف نقصان هذا النّور؟

فنقول:إتمامه بحسب النّقصان في الأثر،و هو الظّهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب؛إذ الظّهور لا يظهر إلاّ بالإظهار و هو الإتمام،يؤيّده قوله تعالى:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ المائدة:3.

و عن أبي هريرة:أنّ ذلك عند نزول عيسى من السّماء،قاله مجاهد.

قال هاهنا: مُتِمُّ نُورِهِ و قال في موضع آخر:

مَثَلُ نُورِهِ النّور:35،و هذا عين ذلك أو غيره؟

نقول:هو غيره،لأنّ نور اللّه في ذلك الموضع هو اللّه تعالى عند أهل التّحقيق،و هاهنا هو الدّين أو الكتاب أو الرّسول.(29:315)

القرطبيّ: أي بإظهاره في الآفاق.[ثمّ نقل القراءتين](18:85)

البروسويّ: أي مبلّغه إلى غايته بنشره في الآفاق و إعلائه.جملة حاليّة من فاعل(يريدون)أو(يطفئوا).

(9:503)

رشيد رضا :أي و الحال أنّ اللّه تعالى متمّ نوره بالفعل،فلا يطفئه الافتراء،بل هو كمن ينفخ في نور قويّ ليطفئه فيزيده بذلك اشتعالا،أو كمن يحاول إطفاء نور الشّمس فلا ينال منها منالا.

فالفرق بين الآيتين أنّ آية سورة الصّفّ تعليل لافترائهم،بإرادتهم إطفاء النّور به.و آية براءة لمّا جاءت بعد بيان شركهم بمضاهاتهم لأقوال الوثنيّين من قبلهم،جعل ذلك نفسه،بمعنى إرادة إطفاء النّور

ص: 46

بلا واسطة.

ثمّ إنّ بينهما فرقا آخر و هو التّعبير في آية الصّفّ بقوله: وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ و في سورة براءة:32، وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ و الأوّل يفيد أنّه متمّه بالفعل في الحال،و الثّاني وعد بأن يتمّه في الاستقبال،فيجتمع منهما إثبات هذا الإتمام في الحال و الاستقبال،فهو النّور التّامّ الكامل الّذي لا ينطفئ بالقيل و القال،بل يبقى مشرقا إلى أن يأذن اللّه لهذا العالم بالزّوال.

و لمّا كان هذا الوعد الّذي يتعلّق بالمستقبل المغيب عن علم الخلق من شأنه أن يرتاب فيه النّاس،أكّده اللّه تعالى بما لم يؤكّد به الخبر الأوّل،لأنّ صدقه مشاهد لا يحتاج إلى التّأكيد.و ناهيك بقوله: وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أي أنّه لا يرضى و لا تتعلّق إرادته بشيء في هذا الشّأن إلاّ شيئا واحدا و هو أن يتمّ نوره،فلا يجعل في قدرة أحد أن يطفئه.

و الآية تشعر بأنّ هؤلاء الكافرين الكارهين له سيحاولون في المستقبل إطفاء هذا النّور،كما حاولوا ذلك في عصر من أتمّه و أكمله بوحيه إليه و بيانه له.

(10:387)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: بصيرة في«الإتمام».

و قد ورد في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأوّل:بمعنى الوفاء،نحو الأمر و النّهي(فاتمّهنّ) البقرة:124،أي و فى بحقّهنّ.

الثّاني:بمعنى إتمام النّعمة و المنّة وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي المائدة:3.

الثّالث:بمعنى إكمال الأمر فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ القصص:27،و بمعناه الاستتمام،يقال:استتمام المعروف خير من ابتدائه.

إنّ ابتداء العرف مجد باسق

و الخير كلّ الخير في استتمامه

هذا الهلال يرى لأبصار الورى

حسنا و ليس لحسنه كتمامه

و أصل المادّة موضوع لانتهاء الشّيء إلى حدّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه.

(بصائر ذوي التّمييز 2:160)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّمام،يقال:تمّ الشّيء يتمّ تمّا و تمّا و تماما و تماما و تماما و تمامة و تمامة و تمّة:

كمل،و أتمّه و تمّمه و استتمّ به و تمّ به:جعله تامّا،و تمّمه اللّه تتميما و تتمّة،و استتمّ النّعمة:سأل إتمامها،و تمّ على الشّيء و تمم عليه:استمرّ عليه و أكمله،و تمّم على الجريح:أجهز،و أتمّ النّبت:اكتمل.و تمام الشّيء و تمامته و تتمّته:ما تمّ به،يقال:هذه الدّراهم تمام و تتمّة هذه المئة.

و التّمّ:الشّيء التّامّ،يقال:جعلته لك تمّا،أي بتمامه، و ولدت المرأة لتمّ،أي ألقته و قد تمّ خلقه،و ولد الغلام لتمّ و تمام،و ولدت لتمام و لتمام و للتّمام،و يقال أيضا:

أتمّت المرأة و هي متمّ:دنا ولادها،و أتمّت النّاقة و هي متمّ:دنا نتاجها.و رئي الهلال لتمّ الشّهر،و أتمّ القمر:

ص: 47

امتلأ فبهر،و هو بدر تمام و تمام،و بدر تمام.

و التّمّة:الجزّة من الصّوف أو الشّعر أو الوبر و هي صوف شاة خلال سنة،و الجمع:تمم،و المستتمّ:الّذي يطلب الصّوف و الوبر ليتمّ به نسج كسائه،يقال:

استتمّه،أي طلب منه التّمم،و أتمّه:أعطاه إيّاها.

و التّميمة:خرزة رقطاء تنظم في السّير و كأنّهم يريدون أن تكون تمام الدّواء و الشّفاء المطلوب،ثمّ يعقد في العنق تتّخذ عوذة،و الجمع تمائم و تميم،يقال:تمّمت المولود،أي علّقت عليه التّمائم،و كان الأعراب يعلّقونها في الجاهليّة على أولادهم،ينفون بها النّفس و العين بزعمهم،فأبطله الإسلام.

و المتتمّم:المتكسّر،يقال:تمّم الكسر فتمّم و تتمّم،أي انصدع و لم يبن،أو انصدع ثمّ بان.و ظلع فلان ثمّ تتمّم تتمّما،أي تمّ عرجه كسرا،من قولهم:تمّ أي كسر،و لأجل هذا سمّي المتتمّم بالمتكسّر،و كأنّ تمام الكسر به.

و التّامّ من الشّعر:ما يمكن أن يدخله الزّحاف (1)فيسلم منه،و قد تمّ الجزء تماما،و المتمّم:كلّ ما زيد عليه بعد اعتدال البيت،و سمّي بذلك لأنّه تمّم أصل الجزء.

و التّتميم في الأيسار:أن ينقص في الأيسار في الجزور،فيأخذ رجل ما بقي حتّى يتمّم الأنصباء،و رجل متمّم:فاز قدحه مرّة بعد مرّة،فأطعم لحمه المساكين، و قد تمّمهم.

و قولهم:تمّم الرجل،أي صار تميميّ الرّأي و الهوى و المحلّة،و تمّم أيضا:انتسب إلى تميم.

2-و ليل التّمام:قيل:هو أطول ما يكون من ليالي الشّتاء،حينما يزيد اللّيل على اثنتي عشرة ساعة،و هو ليل السّابع عشر من كانون الأوّل الّذي يصادف-كما قيل-ميلاد عيسى عليه السّلام،يقال:سافرنا شهرنا ليل التّمام لا نعرّسه-أي لا ننزل آخر اللّيل للرّاحة-و هو ليل تمام، و ليل تمام،و ليل التّمام،و ليل تماميّ.

و قالوا أيضا:هي اللّيلة الّتي يتمّ فيها القمر فيصير بدرا،و هو الصّواب،لأنّه يوافق الاشتقاق.أمّا القول الأوّل فلا يناسب الحال فضلا عن الاشتقاق،لأنّ ميلاد عيسى عليه السّلام يصادف في الخامس و العشرين من كانون الأوّل،و ليس في السّابع عشر منه،كما قيل.و يعدّ الإيرانيّون ليلة الثّاني و العشرين من كانون الأوّل أطول ليلة في العام،و هم يطلقون عليها اسم«يلدا»و لا يزالون يحتفلون بها إلى هذا اليوم.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من المجرّد ماضيا(4)مرّات(1 و 2 و 3 و 6)، و مصدرا مرّة(20)،و من باب الإفعال ماضيا(5)مرّات (4-8)،و مضارعا(7)مرّات(8-14)،و أمرا(4) مرّات(13 و 16 و 17 و 19)،و اسم الفاعل مرّة(15)في خمسة محاور:

أ-إتمام الكلمة:

1- وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الأنعام:115

2- وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي

ص: 48


1- و هو في علم العروض تغيير يلحق ثاني السّبب الخفيف أو الثّقيل.

إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا... الأعراف:137

3- وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ هود:119

4- وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً... البقرة:124

ب:إتمام السّنين و الميقات:

5- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ... القصص:27

6- وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... الأعراف:142

ج:إتمام النّعمة:

7- ...اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً المائدة:3

8- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يوسف:6

9- لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً الفتح:2

10- ...فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ البقرة:150

11- ...ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

المائدة:6

12- ...وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ

النّحل:81

د:إتمام النّور:

13- ...وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التّحريم:8

14- يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ التّوبة:32

15- يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ الصّفّ:8

ه:إتمام الأحكام و العهود و الكتاب:

16- ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ البقرة:187

17- وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... البقرة:196

18- وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ... البقرة:233

19- إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ التّوبة:4

20- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ الأنعام:154

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة جاءت دائما في سياق الإحسان و الإكرام و الإكمال،فتعلّقت بكلمات اللّه في(1 -4)،و بسني عمل موسى لشعيب عليهما السّلام في(5)،

ص: 49

و بميقات اللّه في(6)،و بنعمة اللّه في(7-12)و بنور اللّه في (13-15)،و بالصّيام في(16)،و بالحجّ و العمرة في (17)،و بالرّضاعة في(18)،و بالعهد في(19)، و بالكتاب في(20).

فاللّفظ و المعنى متناسقان مع السّياق،و لهذا قد ضمّت إليها(صدقا و عدلا)في(1)،و(الحسنى)في (2)،و(جاعلك للنّاس اماما)في(4)،و مواجهة شعيب و نكاح ابنته في(5)،و مواعدة اللّه موسى في(6)،و إكمال الدّين في(7)،و الاجتباء و تعليم الأحاديث في(8)، و الاهتداء في(9)و(10)،و الشّكر في(11)،و التّسليم في(12)و هلمّ جرّا.

ثانيا:الآية(3): وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ وعيد لأهل النّار،فيختلف سياقها عن غيرها عند أوّل وهلة،إلاّ أنّ سياق ما قبلها تركيز لعدل اللّه و حكمته،و هما كمال للّه و رحمة للنّاس وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ* وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ... هود:117-119،و بذلك يتلاءم سياق الآيات.فالتّعبير ب تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ في الجميع يحكي حكمة اللّه البالغة و رحمته التّامّة،لاحظ«ك ل م».

ثالثا:تمام كلمة في كلّ آية بحسبها،ففي(1)تمامها (صِدْقاً وَ عَدْلاً) ،أي بلغت نهاية الصّدق و العدل، فلا توجد كلمة أصدق و أعدل منها.

و في(2)وقوعها على بني إسرائيل كما شاء اللّه تماما دون زيادة أو نقصان،و كذلك في(4)تحقّق جزاء أهل النّار تماما،كما شاء اللّه دون نقصان.

و في(3)أتى إبراهيم بما أمره اللّه تماما لم ينقص منه شيء،و لا وجه لما اختلفوا في وجه التّمام في هذه الآيات.

رابعا:قالوا في(6): فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً خالية من الفائدة،لأنّها من قبيل توضيح الواضحات، و أجابوا عنه بوجوه لا تخلو من ضعف.و الحقّ أنّها فذلكة لما قبلها،و الفذلكة تكرار لما سبقها دائما.إلاّ أنّها لا تخلو من فائدة،و لعلّ الفائدة في الآية إزالة الخلاف بينها و بين وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً البقرة:51،أي لا فرق بينهما إلاّ بالإجمال و التّفصيل.

خامسا:إتمام النّعمة في الآيات(7-12)كلّ بحسبها،ففي(7)هو إكمال الدّين،و من كماله ما جاء في تفسير الآية من أمر الولاية،و في(8)موهبة النّبوّة ليوسف و آل يعقوب،و في(9)و(10)نصرة اللّه نبيّه على أعدائه،و في(11)إكمال حكم الطّهارة الّتي بنيت عليها الصّلاة،و في(13)إعطاء النّاس نعمة اللّباس و السّراويل وقاء من البأس و من الحرّ و البرد،لاحظ «ن ع م».

سادسا:للطّباطبائيّ بحث في اشتمال الآيتين(9) و(10)على الوعد بفتح مكّة و نقضه،فلاحظ.

سابعا:إتمام النّور في(13)هو نور المؤمنين في طريقهم إلى الجنّة،و قد نطق به الكتاب في آيات،لاحظ «ن و ر».و في(14)و(15)هو نور الإسلام،فاللّه وعدنا بحفظه و بسطه بين الأنام و غلبته على الأديان،لاحظ «الإسلام»من«س ل م».

ص: 50

ثامنا:جاء في(16)و(17)إتمام الصّيام و الحجّ و العمرة-و قد سبق في(11)إتمام الطّهارة-و في(18) إتمام الرّضاعة،و في(19)إتمام عهد المشركين إلى مدّتهم،و في(20)إتمام الكتاب على موسى عليه السّلام.

تاسعا:جاء في النّصوص خلاف كثير حول هذه الآيات،و ليس الخلاف في الحقيقة في معنى التّمام،بل في مصاديقه و كيفيّته،أو في ما تعلّق به من معاني الكلمة و الكلمات و النّعمة و النّور و غيرها،فلاحظ.

عاشرا:اختلفوا في(17): وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... اختلافا كثيرا في معنى الإتمام،مستشهدين بالآثار و أقاويل الصّحابة و التّابعين.و لا شاهد لشيء منها في الآية سوى استمرارهما إلى آخرهما و إكمال مناسكهما،فلاحظ.تلك عشرة كاملة.

ص: 51

ص: 52

ت ن و ر

اشارة

التّنّور

لفظ واحد،مرّتان مكّيّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :«التّنّور»عمّت بكلّ لسان،و صاحبه تنّار،و جمعه:تنانير.(8:114)

أبو حاتم: «التّنّور»ليس بعربيّ صحيح، و لم تعرف له العرب اسما غير«التّنّور»فلذلك جاء في التّنزيل وَ فارَ التَّنُّورُ هود:40،لأنّهم قد خوطبوا بما قد عرفوا.(ابن دريد 2:14)

نحوه ابن دريد(3:52)،و الفيّوميّ(1:77).

ثعلب :وزنه«تفعول»من النّور،و أصله«تنوور» فهمزت الواو ثمّ خفّفت،و شدّد الحرف الّذي قبله.[ثمّ استشهد بشعر](أبو حيّان 5:199)

الأزهريّ: و قول من قال[الخليل]:«إنّ التّنّور عمّت بكلّ لسان»يدلّ على أنّ الأصل في الاسم عجميّ فعرّبتها العرب،فصار عربيّا على بناء«فعّول»و الدّليل على ذلك أنّ أصل بنائه«تنر»و لا يعرف في كلام العرب، لأنّه مهمل،و هو نظير ما دخل في كلام العرب من كلام العجم،مثل الدّيباج و الدّينار و السّندس و الإستبرق و ما أشبهها،و لمّا تكلّمت بها العرب صارت عربيّة.

قلت:ذات التّنانير:عقبة بحذاء زبالة ممّا يلي المغرب منها.(14:269)

الصّاحب: التّنّور معروف،و صاحبه تنّار،و هو وجه الأرض في قوله عزّ و جلّ: وَ فارَ التَّنُّورُ هود:

40،و قيل:هو الموضع الّذي ينبع منه الماء من العين.

و ذات التّنانير:اسم موضع بالبادية.(9:425)

الجوهريّ: التّنّور:الّذي يخبز فيه،و قوله تعالى:

وَ فارَ التَّنُّورُ قال عليّ رضي اللّه عنه:هو وجه الأرض.(2:602)

نحوه أبو سهل الهرويّ.(التّلويح في شرح الفصيح:47)

الهرويّ: التّنّور:عين ماء معروف،و قيل:هو تنّور الخابزة،وافق لغة العرب لغة العجم.(1:263)

ص: 53

الثّعالبيّ: في ذكر أسماء قائمة في لغتي العرب و الفرس على لفظ واحد:التّنّور،الخمير،الزّمان، الدّين،الكنز،الدّينار،الدّرهم.(305)

ابن سيده: التّنّور:نوع من الكوانين.قال أحمد بن يحيى:التّنّور«تفعول»من النّار.و هذا من الفساد بحيث تراه،و إنّما هو أصل لم يستعمل إلاّ في هذا الحرف، و بالزّيادة،و صاحبه تنّار.

و التّنّور:وجه الأرض،فارسيّ معرّب.و قيل:هو بكلّ لغة،و في التّنزيل: وَ فارَ التَّنُّورُ هود:40، المؤمنون:27.

و كلّ مفجر ماء:تنّور.

و تنانير الوادي:محافله.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:475)

التّنّور:الكانون يخبز فيه.(الإفصاح 1:410)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله«أتاه رجل و عليه ثوب معصفر،فقال له:لو أنّ ثوبك هذا كان في تنّور أهلك،أو تحت قدر أهلك،لكان خيرا لك.فذهب الرّجل فجعله في التّنّور أو تحت القدر.

ثمّ غدا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:ما فعل الثّوب؟فقال:

صنعت ما أمرتني به.فقال:ما كذا أمرتك!أ فلا ألقيته على بعض نسائك؟»

قال أبو الفتح الهمدانيّ: كان الأصل فيه«نوّور» فاجتمع واوان و ضمّة و تشديد فاستثقل ذلك،فقلبوا (1)عين الفعل إلى فائه فصار و نوّر،فأبدلوا من الواو تاء، كقولهم:تولج في و ولج.

أراد لو صرفت ثمنه إلى دقيق تختبزه أو حطب تطبخ به،كان خيرا لك.و المعنى:أنّه كره الثّوب المعصفر للرّجال.(الفائق 1:155)

مثله المدينيّ.(1:244)

ابن الأثير: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و التّنّور:الّذي يخبز فيه،يقال:إنّه في جميع اللّغات كذلك.(1:199)

الصّغانيّ: التّنّار:صاحب التّنّور و صانعه.

(2:433)

القرطبيّ: و التّنّور:اسم أعجميّ عرّبته العرب، و هو على بناء«فعّل»لأنّ أصل بنائه«تنّر»و ليس في كلام العرب نون قبل راء.(9:34)

أبو حيّان :التّنّور:مستوقد النّار،و وزنه«فعّول» عند أبي عليّ،و هو أعجميّ و ليس بمشتقّ.(5:199)

الفيروزآباديّ: التّنّور:الكانون يخبز فيه، و صانعه تنّار،و وجه الأرض،و كلّ مفجر ماء،و محفل ماء الوادي،و جبل قرب المصيصة.و ذات التّنانير:عقبة بحذاء زبالة.(1:395)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:92)

المصطفويّ: إنّ هذه الكلمة مستعملة في اللّغة العبريّة و العربيّة و الفارسيّة و التّركيّة باختلاف يسير.

فإذا قلنا:إنّ الأصل هو الفارسيّة،فلا بدّ أن يكون مأخوذا من«تن و نور»أي جسم النّور و بدنه،فعبّر بها عن محلّ توقد فيها النّار للطّبخ،ثمّ خفّف فقيل:تنور، و قيل:باللّهجة التّركيّة:تندور،و باللّهجة العربيّة:تنّور،ا.

ص: 54


1- كذا،و الظّاهر فنقلوا.

و كذلك في العبريّة.

و إذا قلنا إنّ الأصل فيها العبريّة،فلا يبعد أن يكون هذا اللّفظ مأخوذا من كلمة«تاء»و«نور»ثمّ انقلبت الهمزة نونا و أدغمت.

قع- [تاء]-حجيرة،غرفة [نور]-«آراميّة»نار.

فيكون معنى التّنّور:حجيرة النّار،ثمّ،استعمل في لغة العرب أيضا.(1:377)

النّصوص التّفسيريّة

التّنّور

حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ... هود:40

الإمام عليّ عليه السّلام:هو تنوير الصّبح.

(الطّبريّ 12:38)

إذا طلع الفجر.(الطّبريّ 12:39)

إنّه طلوع الشّمس.(ابن الجوزيّ 4:105)

إنّه مسجد بالكوفة من قبل أبواب كندة.

(الماورديّ 2:472)

أي برز النّور و ظهر الضّوء،و تكاثفت حرارة دخول النّهار و تقضّي اللّيل.(أمالي المرتضى 2:170)

إنّه في مسجد الكوفة،و قد صلّى فيه سبعون نبيّا.

(النّيسابوريّ 12:26)

المراد بالتّنوير:وجه الأرض.(النّيسابوريّ 12:27)

مثله عكرمة(الطّبريّ(12:38)،و ابن عبّاس و الزّجّاج(الطّوسيّ 5:556).

أما و اللّه ما هو تنّور الخبز،ثمّ أومأ بيده إلى الشّمس، فقال:طلوعها.(العروسيّ 2:356)

ابن عبّاس: التّنّور:وجه الأرض.قيل له:إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت و من معك.

و العرب تسمّي وجه الأرض:تنّور الأرض.

(الطّبريّ 12:38)

نحوه عكرمة و الزّهريّ و ابن عيينة.

(القرطبيّ 9:33)

إذا رأيت تنّور أهلك يخرج منه الماء،فإنّه هلاك قومك.(الطّبريّ 12:38)

فار التّنّور بالهند.(الطّبريّ 12:40)

يعني خروج الماء من موضع لم يعهد خروجه منه علامة لنوح عليه السّلام،و هو تنّور الخبز.

مثله مجاهد و الحسن.(الطّوسيّ 5:556)

التّنّور الّذي بالجزيرة،و هي عين الورد.

(الأزهريّ 14:269)

مثله عكرمة.(الماورديّ 2:472)

إنّ التّنّور هو تنّور الخبز الحقيقيّ.

مثله مجاهد و الحسن.(الشّريف المرتضى:170)

إنّه تنّور آدم عليه السّلام،وهبه اللّه لنوح.

(ابن الجوزيّ 4:105)

نحوه مجاهد و الحسن.(النّيسابوريّ 12:26)

زرّ بن حبيش:فار التّنّور من زاوية مسجد الكوفة اليمنى.(ابن الجوزيّ 4:105)

الشّعبيّ: موضع تنّور نوح كان في ناحية الكوفة.

ص: 55

(ابن عطيّة 3:171)

مثله مجاهد.(النّيسابوريّ 12:26)

مجاهد :التّنّور:الّذي يخبز فيه،و كان من حجارة،و كان لحوّاء حتّى صار لنوح.

مثله الحسن.(أبو حيّان 5:222)

نحوه الفرّاء و مقاتل.(ابن الجوزيّ 4:105)

التّنّور:حيث ينبجس الماء فيه،أمر نوح أن يركب و من معه السّفينة.(الأزهريّ 14:269)

الحسن :إنّه موضع اجتماع الماء في السّفينة.

(القرطبيّ 9:34)

قتادة :كنّا نحدّث أنّه أعلى الأرض و أشرفها، و كان علما بين نوح و بين ربّه.(الطّبريّ 12:39)

كان تنّور نوح،أو أعلى الأرض و المواضع المرتفعة.

(أبو حيّان 5:222)

و التّنّور:ما زاد على وجه الأرض فأشرف منها.

(الماورديّ 2:472)

الإمام الصّادق عليه السّلام: عن المفضّل بن عمر قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ، فأين كان موضعه و كيف كان؟

فقال:كان التّنّور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد.

فقلت له:فإنّ ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم، ثمّ قلت له:و كان بدو خروج الماء من ذلك التّنّور؟

فقال:نعم،إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبّ أن يري قوم نوح آية،ثمّ إنّ اللّه تبارك و تعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضا،و فاض الفرات فيضا،و العيون كلّهنّ فيضا؛ فغرّقهم اللّه عزّ و جلّ و أنجى نوحا و من معه في السّفينة.

(العروسيّ 2:355)

جاءت امرأة نوح إليه،و هو يعمل السّفينة،فقالت له:إنّ التّنّور قد خرج منه ماء.فقام إليه مسرعا حتّى جعل الطّبق عليه فختمه بخاتمه،فقام الماء،فلمّا فرغ نوح من السّفينة،جاء إلى خاتمه ففضّه و كشف الطّبق،ففار الماء.(العروسيّ 2:356)

مقاتل: فار من أقصى دار نوح بعين وردة من أرض الشّام.(الماورديّ 2:472)

كان ذلك تنّور آدم،و إنّما كان بالشّام بموضع يقال له:عين وردة.(القرطبيّ 9:34)

الفرّاء: هو تنّور الخابز،إذا فار الماء من أحرّ مكان في دارك فهي آية العذاب،فأسر بأهلك.(2:14)

ابن قتيبة :التّنوير عند الصّلاة.

(ابن الجوزيّ 4:105)

الطّبريّ: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و أولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله:(التّنّور) قول من قال:هو التّنّور الّذي يخبز فيه،لأنّ ذلك هو المعروف من كلام العرب،و كلام اللّه لا يوجّه إلاّ إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب،إلاّ أن تقوم حجّتهم على شيء منه،بخلاف ذلك فيسلم لها.(12:39)

الزّجّاج: أعلم اللّه جلّ و عزّ:نوحا أنّ وقت إهلاكهم فور التّنّور.و قيل:في التّنّور أقوال:[و قد مرّ ذكرها]

(3:51)

النّقّاش: اسم المستوقد التّنّور،بكلّ لغة.

ص: 56

(ابن عطيّة 3:171)

الشّريف المرتضى:[نقل أقوال الإمام عليّ عليه السّلام و ابن عبّاس و قتادة و عكرمة ثمّ قال:]

و خامسها:أن يكون معنى ذلك اشتدّ غضب اللّه تعالى عليهم،و حلّ وقوع نقمته بهم،فذكر تعالى التّنّور مثلا لحضور العذاب،كما تقول العرب:«قد حمي الوطيس»إذا اشتدّ الحرب،و عظم الخطب.و الوطيس هو التّنّور.و تقول العرب أيضا:«قد فارت قدر القوم» إذا اشتدّ حربهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و سادسها:أن يكون«التّنّور»الباب الّذي يجتمع فيه ماء السّفينة،فجعل فوران الماء منه و السّفينة على الأرض علما على ما أنذر به من إهلاك قومه.

و أولى الأقوال بالصّواب قول من حمل الكلام على التّنّور الحقيقيّ،[و هو قول ابن عبّاس]لأنّه الحقيقة و ما سواه مجاز،و لأنّ الرّوايات الظّاهرة تشهد له، و أضعفها و أبعدها من شهادة الأثر قول من حمل ذلك على شدّة الغضب،و احتداد الأمر تمثيلا و تشبيها،لأنّ حمل الكلام على الحقيقة الّتي تعضدها الرّواية،أولى من حمله على المجاز و التّوسّع،مع فقد الرّواية.

و أيّ المعاني أريد بالتّنّور فإنّ اللّه تعالى جعل فوران الماء منه علما لنبيّه،و آية تدلّ على نزول العذاب بقومه، لينجو بنفسه و بالمؤمنين.(2:171)

نحوه الطّبرسيّ.(3:163)

الطّوسيّ: و في التّنّور أقوال:

منها:أنّ الماء فار من التّنّور الّذي يخبز فيه.

و قيل:التّنّور عين ماء معروفة،و تنّور الخابزة وافقت فيه لغة العرب لغة العجم.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين](5:556)

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في التّنّور:

فقالت:فرقة:كانت هذه أمارة جعلها اللّه لنوح،أي إذا فار التّنّور فاركب في السّفينة،و يشبه أن يكون وجه الأمارة أنّ مستوقد النّار إذا فار بالماء فغيره أشدّ فورانا، و أحرى بذلك.[ثمّ أدام البحث بنقل الأقوال أو الحمل على المجاز](3:170)

الفخر الرّازيّ: في التّنّور قولان:

أحدهما:أنّه التّنّور الّذي يخبز فيه،و الثّاني:أنّه غيره.

أمّا الأوّل و هو أنّه التّنّور الّذي يخبز فيه،فهو قول جماعة عظيمة من المفسّرين كابن عبّاس و الحسن و مجاهد.

و هؤلاء اختلفوا،فمنهم من قال:إنّه تنّور نوح عليه السّلام، و قيل:كان لآدم.قال الحسن:كان تنّورا من حجارة، و كان لحوّاء حتّى صار لنوح عليه السّلام.

و اختلفوا في موضعه،فقال الشّعبيّ:إنّه كان بناحية الكوفة.و عن عليّ رضي اللّه عنه:أنّه في مسجد الكوفة، قال:و قد صلّى فيه سبعون نبيّا.و قيل:بالشّام بموضع يقال له:عين وردان،و هو قول مقاتل.و قيل:فار التّنّور بالهند.و قيل:إنّ امرأته كانت تخبز في ذلك التّنّور،فأخبرته بخروج الماء من ذلك التّنّور،فاشتغل في الحال بوضع تلك الأشياء في السّفينة.

القول الثّاني:ليس المراد من التّنّور تنّور الخبز، و على هذا التّقدير ففيه أقوال:

ص: 57

الأوّل:أنّه انفجر الماء من وجه الأرض،كما قال:

فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ* وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ القمر:11،12، و العرب تسمّي وجه الأرض تنّورا.

الثّاني:أنّ التّنّور أشرف موضع في الأرض و أعلى مكان فيها،و قد أخرج إليه الماء من ذلك الموضع، ليكون ذلك معجزة له،و أيضا المعنى أنّه لمّا نبع الماء من أعالي الأرض،و من الأمكنة المرتفعة فشبّهت لارتفاعها بالتّنانير.

الثّالث: (فارَ التَّنُّورُ) أي طلع الصّبح،و هو منقول عن عليّ رضي اللّه عنه.

الرّابع: (فارَ التَّنُّورُ) يحتمل أن يكون معناه أشدّ الأمر،كما يقال:«حمي الوطيس».و معنى الآية إذا رأيت الأمر يشتدّ و الماء يكثر فانج بنفسك و من معك إلى السّفينة.

فإن قيل:فما الأصحّ من هذه الأقوال؟

قلنا:الأصل حمل الكلام على حقيقته،و لفظ التّنّور حقيقة في الموضع الّذي يخبز فيه،فوجب حمل اللّفظ عليه.

و لا امتناع في العقل في أن يقال:إنّ الماء نبع أوّلا من موضع معيّن،و كان ذلك الموضع تنّورا.

فإن قيل:ذكر التّنّور بالألف و اللاّم،و هذا إنّما يكون معهود سابق معيّن،معلوم عند السّامع،و ليس في الأرض تنّور هذا شأنه،فوجب أن يحمل ذلك على أنّ المراد:إذا رأيت الماء يشتدّ نبوعه و الأمر يقوى فانج بنفسك و بمن معك.

قلنا:لا يبعد أن يقال:إنّ ذلك التّنّور كان لنوح عليه السّلام،بأن كان تنّور آدم أو حوّاء،أو كان تنّورا عيّنه اللّه تعالى لنوح عليه السّلام،و عرّفه أنّك إذا رأيت الماء يفور فاعلم أنّ الأمر قد وقع،و على هذا التّقدير فلا حاجة إلى صرف الكلام عن ظاهره.(17:225)

نحوه البيضاويّ(1:468)،و النّيسابوريّ(12:

26)،و أبو السّعود(3:312)،و القرطبيّ(9:34)، و البروسويّ(4:126).

النّسفيّ: هو كناية عن اشتداد الأمر و صعوبته، و قيل:معناه جاش الماء من تنّور الخبز،و كان من حجر لحوّاء،فصار إلى نوح عليه السّلام.و قيل:التّنّور وجه الأرض.

(2:188)

الخازن :و التّنّور فارسيّ معرّب،لا تعرف له العرب اسما غير هذا،فلذلك جاء في القرآن بهذا اللّفظ، فخوطبوا بما يعرفون.و قيل:إنّ لفظ التّنّور جاء هكذا بكلّ لفظ عربيّ و عجميّ.و قيل:إنّ لفظ التّنّور أصله أعجميّ،فتكلّمت به العرب فصار عربيّا مثل الدّيباج و نحوه،و اختلفوا في المراد بهذا التّنّور.[ثمّ ذكر نحو الفخر الرّازيّ](3:189)

أبو حيّان :[ذكر أقوال المتقدّمين و أضاف:]

و الظّاهر من هذه الأقوال حمله على التّنّور الّذي هو مستوقد النّار،و يحتمل أن تكون«أل»فيه للعهد لتنّور مخصوص،و يحتمل أن تكون للجنس،ففار الماء من التّنانير،و كان ذلك من أعجب الأشياء أن يفور الماء من مستوقد النّيران.

و لا تنافي بين هذا و بين قوله: وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ

ص: 58

عُيُوناً القمر:12؛إذ يمكن أن يراد ب(الارض)أماكن التّنانير،و التّفجير غير الفوران،فحصل الفوران للتّنّور و التّفجير للأرض.(5:222)

الشّربينيّ: [اكتفى بذكر الأقوال السّابقة](2:57)

و مثله الآلوسيّ.(12:52)

رشيد رضا :اشتدّ غضب اللّه تعالى عليهم،فهو مجاز كحمي الوطيس.أو فار الماء من التّنّور عند نوح، لأنّه بدأ ينبع من الأرض.و التّنّور الّذي يخبز فيه الخبز معروف عند العرب.

قيل:إنّ التّاء أصليّة فيه،و قيل:زائدة و قد اتّفقت فيه لغة العرب و العجم.

و قيل:أوّل من صنعه حوّاء أمّ البشر،و أنّ تنّورها بقي إلى زمن نوح،و أنّه هو المراد هنا،و هذا ممّا لا يوثق به.[إلى أن قال:]

و قد روي فيه عن مفسّري الصّحابة و التّابعين بضعة أقوال ما أراها إلاّ من الإسرائيليّات،أقربها إلى اللّغة:أنّ التّنّور أطلق في اللّغة على تنّور الفجر،و أنّ المراد من فورانه هنا ظهور نوره،و هو مرويّ عن عليّ كرّم اللّه وجهه،يعني أنّ هذا الوقت موعدهم كقوم لوط.

و الثّاني:أنّ المراد منه فوران الماء من تنّور الخبز، و كان ذلك علامة لنوح عليه السّلام،و هو يتوقّف على رواية مرفوعة،و ينسب إلى ابن عبّاس رضي اللّه عنه.و أقرب منه أن يكون أوّل نبع ماء الطّوفان من الأرض.و لا يصحّ في هذه الآثار و لا في أمثالها رواية مرفوعة يحتجّ بها.

(12:76)

الطّباطبائيّ: و التّنّور تنّور الخبز،و هو ممّا اتّفقت فيه اللّغتان:العربيّة و الفارسيّة،أو الكلمة فارسيّة في الأصل.

و فوران التّنّور:نبع الماء و ارتفاعه منه،و قد ورد في الرّوايات أنّ أوّل ما ابتدأ الطّوفان يومئذ كان ذلك بتفجّر الماء من تنّور،و على هذا فاللاّم في التّنّور للعهد،يشار بها إلى تنّور معهود في الخطاب.و يحتمل اللّفظ أن يكون كناية عن اشتداد غضب اللّه تعالى،فيكون من قبيل قولهم:«حمي الوطيس»إذا اشتدّ الحرب.[إلى أن قال:]

و في التّنّور أقوال أخر بعيدة من الفهم،كقول من قال:إنّ المراد به طلوع الفجر،و كان عند ذلك أوّل ظهور الطّوفان.و قول بعضهم:إنّ المراد به أعلى الأرض و أشرفها،أي انفجر الماء من الأمكنة المرتفعة و نجود الأرض.و قول آخرين:إنّ التّنّور وجه الأرض هذا.

(10:226)

محمّد جواد مغنية: و للتّنّور معان في اللّغة،منها وجه الأرض،و هو المراد هنا.(4:232)

المصطفويّ: حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ ظاهر الكلام ابتداء الفوران من التّنّور،و بقرينة التّكليف الخاصّ فيما بعده المتوجّه إلى نوح عليه السّلام اِحْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ يفهم أنّ المراد هو التّنّور المخصوص في بيت نوح عليه السّلام،أو في محلّ كان تحت نظره.

و أمّا خصوصيّة التّنّور:فإنّه حجرة للنّار و مركز للحرارة،فلا مناسبة بينه و بين فوران الماء منه إلاّ بأمر خارق للطّبيعة،مضافا إلى أنّ التّنّور محلّ لخروج الخبز، و هو أعلى طعام للإنسان في إدامة حياته،فيكون ابتداء الفوران من ذلك المحلّ،إشارة إلى انقضاء أيّام حياتهم.

ص: 59

و لا يبعد أن يكون المراد ظاهرا أو باطنا،هو فوران القوّة الغضبيّة و ظهورها،و بدوّ حرارة السّخط و العذاب الأليم،فيكون التّنّور عبارة عن صفة و حالة قهّاريّة جبّاريّة للّه المتعال،فإنّ أخذه لشديد.(1:378)

مكارم الشّيرازيّ: «التّنّور»بتشديد النّون،هو المكان الّذي ينضج الخبز فيه بعد أن كان عجينا.لكن ما مناسبة فوران الماء في التّنّور و اقتراب الطّوفان؟

اختلف المفسّرون فكانت لهم أقوال كثيرة في ذلك:

قال بعضهم:كانت العلامة بين نوح و ربّه لحلول الطّوفان أن يفور التّنّور،ليلتفت نوح و أصحابه إلى ذلك فيركبوا في السّفينة مع وسائلهم و أسبابهم.

و قال جماعة آخرون:إنّ كلمة(التّنّور)استعملت هنا مجازا و كناية عن غضب اللّه،و ذلك لأنّ غضب اللّه اشتدّت شعلته و فار،و هذا يوحي بقرب حلول العذاب المدمّر،و هذا التّعبير مطّرد حيث يشبهون شدّة الغضب بالفورة و الاشتعال.

و لكن يبدو أنّ الاحتمال الّذي يرى أنّ(التّنّور)هو بمعناه الحقيقيّ المعروف.هذا الاحتمال أقوى،و المراد ب(التّنّور)ليس تنّورا خاصّا بل المقصود بيان هذه المسألة الدّقيقة،و هي أنّه حين فار التّنّور بالماء-و هو محلّ النّار عادة-التفت نوح عليه السّلام و أصحابه إلى أنّ الأوضاع بدأت تتبدّل بسرعة و أنّه حدثت المفاجأة، فأين«الماء من النّار»؟!

و بتعبير آخر:حين رأوا أنّ سطح الماء ارتفع من تحت الأرض و أخذ يفور من داخل التّنّور الّذي يصنع في مكان يابس و محفوظ،علموا أنّ أمرا مهمّا قد حدث و أنّه قد ظهر في التّكوين أمر خطير،و كان ذلك علامة لنوح و أصحابه أن ينهضوا و يتهيّئوا.

و لعلّ قوم نوح (1)الغفلة رأوا هذه الآية،و هي فوران التّنّور بالماء في بيوتهم،و لكن غضّوا أجفانهم و صمّوا آذانهم كعادتهم عند مثل هذا الإخطار،أي الدّلالة الكبيرة،حتّى أنّهم لم يسمحوا لأنفسهم بالتّفكير في هذا الأمر،و أنّ إنذارات نوح و إخطاراته كانت لها واقعيّة.في هذه الحالة بلغ الأمر الإلهيّ نوحا قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ (6:498)

الأصول اللّغويّة

1-اختلف اللّغويّون و المفسّرون في معنى«التّنّور» على أقوال،هي:الموقد الّذي يخبز فيه،و طلوع الفجر و نور الصّبح،و وجه الأرض،و موضع اجتماع الماء في سفينة نوح،و مسجد الكوفة،و الموضع المرتفع من الأرض،و عين في الجزيرة و هي عين الوردة.

2-و كما اختلفوا في معناه فقد اختلفوا في أصله أيضا،فقالوا:هو عربيّ،أو فارسيّ،أو آراميّ.بيد أنّه لفظ معروف في كثير من اللّغات،حتّى قيل:إنّه في جميع اللّغات كذلك،فقد جاء في اللّغة الفارسيّة و التّركيّة و العبريّة بلفظ«تنور»،و في الآراميّة و السّريانيّة«تنورا»،و في الأفغانيّة«تنارة»،و في الأبستاق(أوستا)«تنوره».

ص: 60


1- كذا،و الظّاهر حين الغفلة،أو هي جمع غافل-مثل فاسق و فسقة-وصف لقوم نوح.

و يرى«آرثر جفري»أنّ هذا اللّفظ من مخلّفات أقوام كانت تقطن المنطقة السّاميّة،قبل هجرة السّاميّين و الآريّين إليها،ثمّ دخل بعد ذلك لغتي هذين الشّعبين.

3-و أمّا من قال بعربيّته فقد ذهب إلى أنّه من قولهم:نوّر الفجر تنويرا،و هو قول الإمام عليّ عليه السّلام كما تقدّم في معنى التّنور.و أصله على هذا القول«نوّور»على وزن«فعّول)،فاجتمع واوان و ضمّة و تشديد،فاستثقل ذلك،فقلبوا عين الفعل إلى فائه،فصار«ونّور»،فأبدلوا من الواو تاء،كقولهم:تولج،في«و ولج»،و التّولج:كناس الوحش.

و قيل:أصله«تنوور»على وزن(تفعول)من«ت ن ر»، فهمزت الواو الأولى،ثمّ حذفت تخفيفا،و شدّد الحرف الّذي قبلها-أي النّون-فصار«تنّور».

و القول الأوّل أرجح،لأنّ«ت ن ر»مهمل في اللّغة العربيّة،و النّون قبل الرّاء نادر في كلام العرب،كقولهم:

زنر الإناء،أي ملأه،و سنر الرّجل:ضاق خلقه و ساء، و شنّر فلان فلانا و عليه:فضحه و عابه.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مرّتين في قصّة نوح:

1- حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ

هود:40

2- فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ

المؤمنون:27

يلاحظ أوّلا:أنّ التّنّور في القرآن خاصّ بقصّة نوح،و ذكر مرّتين كعلامة لحلول العذاب في سياق واحد،سوى أنّه جاء في الأولى قُلْنَا احْمِلْ فِيها، و في الثّانية فَاسْلُكْ فِيها، و أضيف في الثّانية(منهم)، و لا تفاوت في ذلك سوى مزيد من التّوضيح.

و كونه علامة للعذاب مفهوم من(فار التّنّور)، حيث إنّ ما بعدها جواب لها و مترتّب عليها.

ثانيا:اختلفوا في المراد ب(التّنّور)كما مرّ في النّصوص من دون شاهد في القرآن على شيء منها، سوى ما هو صريح الآيتين:أنّ فوران التّنّور كان علامة لحلول العذاب،فأمر نوح بحمل ما ذكر في السّفينة،و هو الّذى قوّاه بعضهم.

ثالثا:اختلفوا أيضا في محلّ التّنّور بين بلدين:

الكوفة و الشّام،و إنّي أرى أنّه ناشئ من تلك المنافسة و العداوة الّتي كانت بين أهالي البلدين في العصر الأمويّ،فكان هوى أهل الكوفة مع أهل البيت،و أهل الشّام مع بني أميّة،فأراد كلّ منهما أن يكون له حظّ من هذه القصّة.و يلحظ هذا الخلاف بوضوح في كثير من المسائل،فينبغي التّبيّن فيها و قبولها بحذر.

رابعا:لقد أخبر القرآن بقصّة الطّوفان،و كشف آثارها العلم الحديث،و سنبحثها في«طوفان»إنشاء اللّه فانتظر.

ص: 61

ص: 62

ت و ب

اشارة

25 لفظا،87 مرّة:19 مكّيّة،68 مدنيّة

في 25 سورة:13 مكّيّة،12 مدنيّة

تاب 18:7-11 توبوا 7:4-3

تابا 1:-1 التّائبون 1:-1

تابوا 10:3-7 تائبات 1:-1

تبتم 2:-2 توّاب 2:-2

تبت 3:1-2 التّوّاب 6:-6

يتوب 12:1-11 توّابا 3:-3

يتب 1:-1 التّوّابين 1:-1

يتوبون 3:-3 متاب 1:-1

يتوبوا 3:1-2 متابا 1:1

تتوبا 1:-1 توبة 2:-2

أتوب 1:-1 التّوبة 4:-4

تب 1:-1 توبتهم 1:-1

التّوب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :تبت إلى اللّه توبة و متابا،و أنا أتوب إلى اللّه ليتوب عليّ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:3،أي قابل التّوبة، تطرح الهاء.

و التّوبة:الاستحياء،يقال:ما طعامك بطعام توبة، أي لا يستحى منه و لا يحتشم.(8:138)

اللّيث: تاب الرّجل إلى اللّه يتوب توبة و متابا، و اللّه التّوّاب يتوب على عبده،و العبد تائب إلى اللّه، و قال اللّه جلّ و عزّ: وَ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:3،أراد التّوبة.(الأزهريّ 14:332)

أبو حاتم: و التّوّاب:التّائب الفاعل،و التّوّاب:اللّه تعالى،قال: وَ أَنَّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ النّور:10،و قال:

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ البقرة:222.

(الأضداد:131)

المبرّد: و قوله:[عمر بن عبد اللّه في شعره]

ص: 63

*ما لقاتلي من متاب*

أي من توبة،و المصدر إذا كان بزيادة الميم من:فعل يفعل فهو على«مفعل»قال اللّه جلّ و عزّ: فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً الفرقان:71.

و أمّا قوله جلّ ذكره: غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:3،فيكون على ضربين:يكون مصدرا و يكون جماعا،فالمصدر قولك:تاب يتوب توبا،كقولك:قال يقول قولا،و الجمع:توبة و توب،مثل تمرة و تمر و جمرة و جمر.(1:383)

الأخفش: التّوب:جمع توبة،مثل عومة و عوم.

(الجوهريّ 1:91)

ابن دريد :و التّوب:مصدر تاب يتوب توبا، و يمكن أن يكون«التّوب»جمع توبة،و رجل تائب و توّاب.(3:199)

تقول العرب:اللّهمّ تقبّل تابتي و توبتي،و ارحم حابتي و حوبتي،و يقولون:قامتي و قومتي و قيامتي.[ثمّ استشهد بشعر](3:488)

الأزهريّ: [نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

قلت:أصل تاب:عاد إلى اللّه و رجع و أناب،و تاب اللّه عليه،أي عاد عليه بالمغفرة،و قال جلّ و عزّ:

وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً النّور:31،أي عودوا إلى طاعته و أنيبوا.

و اللّه التّوّاب:يتوب على عبده بفضله إذا تاب إليه من ذنبه.

و استتبت فلانا،أي عرضت عليه التّوبة ممّا اقترف، أي الرّجوع و النّدم على ما فرط منه.[إلى أن قال:]

و التّوّاب:من صفات اللّه تعالى،هو الّذي يتوب على عباده.و التّوّاب من النّاس:هو الّذي يتوب إلى ربّه.(14:332)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و التّوبة:الإسلام،يقال:أدرك فلان زمن التّوبة.

و التّابة:التّوبة.(9:473)

الجوهريّ: التّوبة:الرّجوع من الذّنب،و في الحديث:

«النّدم توبة»و كذلك التّوب مثله.

و تاب إلى اللّه توبة و متابا،و قد تاب اللّه عليه:وفّقه لها.

و في كتاب سيبويه:التّتوبة على«تفعلة»:التّوبة.

و استتابه:سأله أن يتوب.(1:92)

ابن فارس: التّاء و الواو و الباء كلمة واحدة تدلّ على الرّجوع...(1:357)

أبو هلال :الفرق بين التّوبة و الاعتذار:أنّ التّائب مقرّ بالذّنب الّذي يتوب منه،معترف بعدم عذره فيه.

و المعتذر يذكر أنّ له فيما آتاه من المكروه عذرا،و لو كان الاعتذار التّوبة لجاز أن يقال:اعتذر إلى اللّه،كما يقال:تاب إليه.

و أصل العذر:إزالة الشّيء عن جهته،اعتذر إلى فلان فعذّره،أي أزال ما كان في نفسه عليه في الحقيقة أو في الظّاهر،و يقال:عذرته عذيرا،و لهذا يقال:من عذيري من فلان،و تأويله من يأتيني بعذر منه،و منه قوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً المرسلات:6،و النّذر:

جمع نذير.

الفرق بين النّدم و التّوبة:أنّ التّوبة أخصّ من النّدم،

ص: 64

و ذلك أنّك قد تندم على الشّيء و لا تعتقد قبحه، و لا تكون التّوبة من غير قبح،فكلّ توبة ندم و ليس كلّ ندم توبة.

الفرق بين الاستغفار و التّوبة:أنّ الاستغفار:طلب المغفرة بالدّعاء و التّوبة أو غيرهما من الطّاعة.و التّوبة:

النّدم على الخطيئة مع العزم على ترك المعاودة.فلا يجوز الاستغفار مع الإصرار،لأنّه مسلبة للّه ما ليس من حكمه و مشيئته ما لا تفعله ممّا قد نصب الدّليل فيه،و هو تحكّم عليه،كما يتحكّم المتأمّر المتعظّم على غيره،بأن يأمره بفعل ما أخبر أنّه لا يفعله.(194)

الهرويّ: التّوبة و المتاب واحد،يقال:تاب و ثاب و أناب،إذا راجع الجميل.و توبة اللّه على خلقه:الرّجوع بهم من المعصية إلى الطّاعة،و منه قوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ البقرة:54.

و يكون الرّجوع بهم من التّشديد إلى التّخفيف، و من الحظر إلى الإباحة.(1:265)

ابن سيده: تاب إلى اللّه توبا،و توبة و متابا:أناب و رجع عن المعصية إلى الطّاعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تاب هو عليه.

و رجل توّاب:تائب إلى اللّه.

و اللّه توّاب:يتوب على عبده.

و التّتوبة:«تفعلة»من ذلك.(9:541)

التّوبة:رجوع المذنب عن ذنبه بالنّدم عليه.

تاب إلى اللّه تعالى من كذا و عن كذا يتوب توبا و توبة و متابا و تابة:أقلع و أناب و رجع عن المعصية إلى الطّاعة.

و أصل تاب:عاد إلى اللّه و رجع و أناب.

و تاب اللّه على فلان:عاد عليه بالمغفرة،أو وفّقه للتّوبة،أو رجع به من التّشديد إلى التّخفيف أو رجع عليه بفضله و قبوله.

و استتاب فلان فلانا:عرض عليه التّوبة ممّا اقترف،أي الرّجوع و النّدم على ما فرط منه.

و استتابه أيضا:سأله أن يتوب.

و اللّه توّاب:يتوب على عبده إذا تاب إليه من ذنبه.

(الإفصاح 2:1281)

الطّوسيّ: فالتّوبة،و الإنابة،و الإقلاع نظائر في اللّغة،و ضدّ التّوبة:الإصرار.يقال:تاب يتوب توبة و توّابا و استتابة.

و اللّه تعالى يوصف بالتّوّاب،و معناه أنّه يقبل التّوبة عن عباده.

و أصل التّوبة:الرّجوع عمّا سلف،و النّدم على ما فرط.

و اللّه تعالى تائب على العبد بقبول توبته،و العبد تائب إلى اللّه،بمعنى نادم على معصيته.

و التّائب:صفة مدح لقوله: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ التّوبة:112.(1:169)

مثله الطّبرسيّ.(1:88)

الرّاغب: التّوب:ترك الذّنب على أجمل الوجوه، و هو أبلغ وجوه الاعتذار.

فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه:إمّا أن يقول المعتذر:

لم أفعل،أو يقول:فعلت لأجل كذا،أو فعلت و أسأت و قد أقلعت.و لا رابع لذلك،و هذا الأخير هو التّوبة.

ص: 65

و التّوبة في الشّرع:ترك الذّنب لقبحه،و النّدم على ما فرط منه،و العزيمة على ترك المعاودة،و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة،فمتى اجتمعت هذه الأربع،فقد كمل شرائط التّوبة.

و تاب إلى اللّه:تذكّر ما يقتضي الإنابة.[ثمّ ذكر آيات]

و التّائب:يقال لباذل التّوبة و لقابل التّوبة،فالعبد تائب إلى اللّه،و اللّه تائب على عبده.

و التّوّاب:العبد الكثير التّوبة،و ذلك بتركه كلّ وقت بعض الذّنوب على التّرتيب،حتّى يصير تاركا لجميعه، و قد يقال للّه ذلك لكثرة قبوله توبة العباد حالا بعد حال.

و قوله: وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً الفرقان:71،أي التّوبة التّامّة،و هو الجمع بين ترك القبيح و تحرّي الجميل، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ الرّعد:30، إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:

54.(76)

الزّمخشريّ: تاب العبد إلى اللّه من ذنبه،و تاب اللّه على عبده،و اللّه توّاب،و إلى اللّه المتاب.

و استتاب الحاكم فلانا:عرض عليه التّوبة،و المرتدّ يستتاب.

و أدرك فلان زمن التّوبة،أي الإسلام،لأنّه يتاب فيه من الشّرك.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:40)

الطّبرسيّ: أصل التّوبة:الرّجوع،و حقيقتها النّدم على القبح مع العزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح.

و قيل:يكفي في حدّها النّدم على القبيح،و العزم على أن لا يعود إلى مثله.(1:21)

الصّغانيّ: التّوّاب:من صفات اللّه تعالى،أي يتوب على عبده بفضله إذا تاب إليه من ذنبه،و التّوّاب:

التّائب.

التّابة:التّوبة.و يتيب:جبل من جبال المدينة.

(1:75)

التّوّاب:التّائب،و الّذي يتوب على عباده،و هو اللّه جلّ جلاله.(الأضداد:225)

الفيّوميّ: تاب من ذنبه يتوب توبا و توبة و متابا:

أقلع.

و قيل:التّوبة هي التّوب،و لكن الهاء لتأنيث المصدر.و قيل:التّوبة واحدة كالضّربة،فهو تائب.

و تاب اللّه عليه:غفر له و أنقذه من المعاصي،فهو توّاب مبالغة.

و استتابه:سأله أن يتوب.(1:78)

الفيروزآباديّ: تاب إلى اللّه توبا و توبة و متابا و تابة و تتوبة:رجع عن المعصية،و هو تائب و توّاب.

و تاب اللّه عليه:وفّقه للتّوبة،أو رجع به من التّشديد إلى التّخفيف،أو رجع عليه بفضله و قبوله، و هو توّاب على عباده.

و استتابه:سأله أن يتوب.

و التّابة:التّوبة.(1:41)

نحوه مجمع اللّغة.(1:162)

الطّريحيّ: التّوب و التّوبة:الرّجوع من الذّنوب، و في اصطلاح أهل العلم:النّدم على الذّنب لكونه ذنبا.

و في الحديث:«النّدم توبة».

و فيه عن عليّ عليه السّلام:«التّوبة يجمعها ستّة أشياء:على

ص: 66

الماضي من الذّنوب النّدامة،و للفرائض الإعادة،و ردّ المظالم،و استحلال الخصوم،و أن تعزم أن لا تعود،و أن تربّي نفسك في طاعة اللّه كما ربّيتها في معصية اللّه،و أن تذيقها مرارات الطّاعة كما أذقتها حلاوة المعصية».

و التّوبة:الرّجوع من التّشديد إلى التّخفيف،و منه قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ المزّمّل:

20،و من الحظر إلى الإباحة،و منه قوله تعالى:

تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ البقرة:187.

(2:15)

الكفويّ الحنفيّ: التّوبة:النّدم على الذّنب تقرّ بأنّ لا عذر لك في إتيانه.و الاعتذار:إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك في إتيانه عذرا.فكلّ توبة ندم و لا عكس.

و التّوبة:الرّجوع عن المعصية إلى اللّه.و الإنابة:الرّجوع عن كلّ شيء إلى اللّه.و الأوب:الرّجوع بالطّاعات إلى اللّه.و التّوبة النّدم:كالحجّ عرفة.و التّوبة إذا استعملت ب«على»دلّت على معنى القبول،و اسم الفاعل منه توّاب.يستعمل في اللّه لكثرة قبول التّوبة من العباد،و إذا استعملت ب«عن»كان اسم الفاعل منه تائبا.

(المصطفويّ 1:379)

الجزائريّ: «الإنابة و التّوبة»قيل:التّوبة هي النّدم على فعل ما سبق،و الإنابة ترك المعاصي في المستقبل.

قلت:و يشهد لذلك قول سيّد السّاجدين عليه السّلام في الصّحيفة الشّريفة:«اللّهمّ إن يكن النّدم توبة فأنا أندم النّادمين،و إن يكن التّرك لمعصيتك إنابة فأنا أوّل المنيبين».(24)

محمّد إسماعيل إبراهيم: [نحو الفيروزآباديّ و أضاف:]

و التّوّاب:اسم من أسماء اللّه الحسنى،و معناه أنّه هو الّذي يوفّق عباده إلى أسباب التّوبة و يقبلها منهم، و يقال للعبد:توّاب،أي كثير التّوبة و النّدم و الاستغفار من الذّنوب.(1:92)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّجوع من الذّنب و النّدم عليه،و هذا المعنى إذا انتسب إلى العبد.

و أمّا إذا انتسب إلى اللّه المتعال فتستعمل بحرف «على»فتدلّ على الرّجوع بطريق الاستعلاء و الاستيلاء،و يلازم هذا المعنى الرّحمة و العطوفة و المغفرة.

و ظهر الفرق بينها و بين الإنابة و الأوب و الرّجوع و الاعتذار و النّدم.[ثمّ ذكر الآيات](1:379)

النّصوص التّفسيريّة

تاب

1- فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. البقرة:37

الطّبريّ: يعني على آدم،و الهاء الّتي في(عليه) عائدة على آدم،و قوله: فَتابَ عَلَيْهِ يعني رزقه التّوبة من خطيئته،و التّوبة معناها الإنابة إلى اللّه، و الأوبة إلى طاعته ممّا يكره من معصيته.(1:245)

القفّال:لا بدّ في التّوبة من ترك ذلك الذّنب،و من النّدم على ما سبق،و من العزم على أن لا يعود إلى مثله،

ص: 67

و من الإشفاق فيما بين ذلك كلّه.

أمّا أنّه لا بدّ من التّرك،فلأنّه لو لم يترك لكان فاعلا له،فلا يكون تائبا.

و أمّا النّدم فلأنّه لو لم يندم لكان راضيا بكونه فاعلا له،و الرّاضي بالشّيء قد يفعله،و الفاعل للشّيء لا يكون تائبا عنه.

و أمّا العزم على أن لا يعود إلى مثله،فلأنّ فعله معصية،و العزم على المعصية معصية.

و أمّا الإشفاق فلأنّه مأمور بالتّوبة،و لا سبيل له إلى القطع بأنّه أتى بالتّوبة كما لزمه،فيكون خائفا،و لهذا قال تعالى: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ الزّمر:9، و قال عليه السّلام:«لو وزن خوف المؤمن و رجاؤه لاعتدلا».

(الفخر الرّازيّ 3:20)

عبد الجبّار: إذا كانت هذه المعصية صغيرة فكيف تلزم التّوبة؟

و الجواب:إنّها تلزمه،لأنّ المكلّف متى علم أنّه قد عصى لم يحد (1)فيما بعد و هو مختار،و لا مانع من أن يكون نادما أو مصرّا.لكنّ الإصرار قبيح فلا تتمّ مفارقته لهذا القبيح إلاّ بالتّوبة،فهي إذن لازمة سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة،و سواء ذكرها و قد تاب عنها من قبل أو لم يتب.(الفخر الرّازيّ 3:21)

الماورديّ: أي قبل توبته،و التّوبة:الرّجوع،فهي من العبد رجوعه عن الذّنب بالنّدم عليه،و الإقلاع عنه، و هي من اللّه تعالى على عبده رجوع له إلى ما كان عليه.

فإن قيل:فلم قال: فَتابَ عَلَيْهِ و لم يقل:فتاب عليهما،و التّوبة قد توجّهت إليهما؟

قيل عنه جوابان:

أحدهما:لمّا ذكر آدم وحده بقوله: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ذكر بعده قبول توبته،و لم يذكر توبة حوّاء و إن كانت مقبولة التّوبة،لأنّه لم يتقدّم ذكرها.

و الثّاني:أنّ الاثنين إذا كان معنى فعلهما واحدا،جاز أن يذكر أحدهما و يكون المعنى لهما،كما قال تعالى:

وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها الجمعة:11، و كما قال عزّ و جلّ: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62.(1:109)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:70)

الطّوسيّ: و التّوبة شرطها النّدم على ما مضى من القبيح،و العزم على أن لا يعود إلى مثله من القبيح،لأنّ هذه التّوبة هي المجمع على سقوط العقاب عندها، و ما عداها فمختلف فيه.

و قد يقول القائل:قد تبت من هذا الأمر،أي عزمت على ألاّ أفعله،و صرت بمنزلة التّائب،لأنّها طاعة،فأمّا إسقاط العقاب عنده فتفضّل منه تعالى.

و قالت المعتزلة و من وافقها:و ذلك واجب،و قد بيّنّا الصّحيح من ذلك في«شرح الجمل».

و التّوبة إذا كانت من ترك ندب عندنا تصحّ،و تكون على وجه الرّجوع إلى فعله.و على هذا تحمل توبة الأنبياء كلّهم في جميع ما نطق به القرآن،لأنّه قد بيّنّا أنّه لا يجوز عليهم فعل القبيح.

و المطبوع على قلبه له توبة،و به قال أهل العدل.

و قالت البكريّة:لا توبة له.و هو خطأ،من قبل أنّهه.

ص: 68


1- حاد عن الطّريق:عدل عنه.

لا يصحّ تكليفه إلاّ و هو متمكّن من أن يتخلّص من ضرر عقابه.و ذلك لا يتمّ إلاّ بأن يكون له طريق إلى إسقاط عقابه.و قد وعد اللّه بذلك-و إن كان تفضّلا-إذا حصلت التّوبة.

و اختلفوا في التّوبة من الغصب،هل تصحّ مع الإقامة على منع المغصوب؟فقال قوم:لا تصحّ.و قال آخرون:تصحّ-و هو الأقوى-إلاّ أن يكون فاسقا بالمنع،فيعاقب عقاب المانع،و إن سقط عنه عقاب الغصب.

و الصّحيح أنّ القاتل عمدا تصحّ توبته،و قال قوم:

لا تصحّ.

و التّوبة من القتل الّذي يوجب القود:قال قوم:

لا تصحّ إلاّ بالاستسلام لوليّ المقتول،و حصول النّدم، و العزم على أن لا يعود.و قال قوم آخرون:تصحّ التّوبة من نفس القتل،و يكون فاسقا بترك الاستسلام.و هذا هو الأقوى،و اختاره الرّمّانيّ.

فأمّا التّوبة من قبيح بفعل آخر،فلا تصحّ على أصلنا كالتّائب من الإلحاد بعبادة المسيح.و قال قوم:تصحّ، و أجراه مجرى معصيتين يترك بإحداهما الأخرى،فإنّه لا يؤاخذ بالمتروكة.

و قال قوم:التّوبة من اعتقاد جهالة إذا كان صاحبها لا يعلم أنّها معصية بأنّه يعتقد أنّه لا محجوج إلاّ عارف، فإنّه يتخلّص من ضرر تلك المعصية إذا رجع عنها إلى المعرفة،و إن لم يوقع معها توبة.

و قال آخرون:لا يتخلّص إلاّ بالتّوبة،لأنّه محجوج فيه،مأخوذ بالنّزوع عن الإقامة عليه،و هو الأقوى.

فأمّا ما نسي من الذّنوب،فإنّه يجري مجرى التّوبة منه على وجه الجملة،و قال قوم:لا يجري.و هو خطأ، لأنّه ليس عليه في تلك الحال أكثر ممّا عمل.فأمّا ما نسي من الذّنوب ممّا لو ذكر،لم يكن عنده معصية.

و هل يدخل في الجملة إذا أوقع التّوبة من كلّ خطيئة؟قال قوم:يدخل فيها،و قال آخرون:لا يدخل فيها،لكنّه يتخلّص من ضرر المعصية،لأنّه ليس عليه أكثر ممّا علم في تلك السّاعة.و الأوّل أقوى،لأنّ العبد إذا لم يذكر صرف توبته إلى كلّ معصية،هي في معلوم اللّه معصية.

فأمّا المشرك إذا كان يعرف قبل توبته بفسق-إذا تاب من الشّرك-هل يدخل فيه التّوبة من الفسق في الحكم،و إن لم يظهر التّوبة منه؟قال قوم:لا يزول عنه حكم الفسق،و هو قول أكثر المعتزلة.و قال قوم:يزول عنه حكم الفسق.و قال الأخشيذ:القول في هذا باجتهاد.و الّذي يقوى في نفسي أنّه يزول،لأنّ الإسلام الأصل فيه العدالة إلى أن يتجدّد منه بعد الإسلام ما يوجب تفسيقه.

فأمّا التّوبة من قبيح مع الإقامة على قبيح آخر، يعلم و يعتقد قبحه.فعند أكثر من تقدّم صحيح،و قال أبو هاشم و أصحابه:لا تصحّ،و قد قلنا ما عندنا في ذلك في«شرح الجمل»و اعتمد الأوّلون على أن قالوا:كما يجوز أن يمتنع عن قبيح لقبحه،و يفعل قبيحا آخر و إن علم قبحه،كذلك جاز أن يندم من القبيح،مع المقام على قبيح آخر يعلم قبحه.و هذا إلزام صحيح معتمد.

و اختلفوا في التّوبة عند ظهور أشراط السّاعة،هل

ص: 69

تصحّ أم لا؟فقال الحسن:يحجب عنها عند الآيات السّتّ.و رواه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«بادروا الأعمال قبل ستّ:طلوع الشّمس من مغربها،و الدّجّال، و الدّخان،و دابّة الأرض،و خويصة أحدكم يعني الموت،و أمر العامّة يعني القيامة».و قال قوم:لا شكّ أنّ بعض الآيات يحجب،و باقيها محجوز،و هو الأقوى.

و قوله: فَتابَ عَلَيْهِ يعني قبل توبته،لأنّه لمّا عرضه للتّوبة بما ألقاه من الكلمات فعل التّوبة،و قبلها اللّه تعالى منه.

و قيل: فَتابَ عَلَيْهِ أي وفّق للتّوبة و هداه إليها، فقال:اللّهمّ تب عليّ،أي وفّقني للتّوبة،فلقّنه الكلمات حتّى قالها.فلمّا قالها قبل توبته.[إلى أن قال:]

و إنّما قال: فَتابَ عَلَيْهِ و لم يقل:فتاب عليهما؟ [أجاب كما تقدّم في الوجه الثّاني من كلام الماورديّ]

(1:170)

نحوه الطّبرسيّ.(1:89)

الغزاليّ: اعلم أنّ التّوبة عبارة عن معنى ينتظم و يلتئم من ثلاثة أمور مرتّبة:علم،و حال،و فعل.

فالعلم الأوّل،و الحال الثّاني،و الفعل الثّالث.و الأوّل موجب للثّاني،و الثّاني موجب للثّالث إيجابا اقتضاه اطّراد سنّة اللّه في الملك و الملكوت.

أمّا العلم فهو معرفة عظم ضرر الذّنوب،و كونها حجابا بين العبد و بين كلّ محبوب،فإذا عرف ذلك معرفة محقّقة بيقين غالب على قلبه،ثار من هذه المعرفة تألّم للقلب بسبب فوات المحبوب.فإنّ القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألّم،فإن كان فواته بفعله تأسّف على الفعل المفوّت،فيسمّى تألّمه بسبب فعله المفوّت لمحبوبه ندما.

فإذا غلب هذا الألم على القلب و استولى،انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمّى إرادة و قصدا إلى فعل له تعلّق بالحال و بالماضي و بالاستقبال.

أمّا تعلّقه بالحال فبالتّرك للذّنب الّذي كان ملابسا، و أمّا بالاستقبال فبالعزم على ترك الذّنب المفوّت للمحبوب إلى آخر العمر،و أمّا بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر و القضاء إن كان قابلا للجبر.

فالعلم هو الأوّل،و هو مطلع هذه الخيرات،و أعني بهذا العلم:الإيمان و اليقين.فإنّ الإيمان عبارة عن التّصديق بأنّ الذّنوب سموم مهلكة،و اليقين عبارة عن تأكّد هذا التّصديق،و انتفاء الشّكّ عنه و استيلائه على القلب،فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار النّدم،فيتألّم بها القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنّه صار محجوبا عن محبوبه،كمن يشرق عليه نور الشّمس و قد كان في ظلمة،فيسطع النّور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب،فرأى محبوبه و قد أشرف على الهلاك فتشتعل نيران الحبّ في قلبه،و تنبعث تلك النّيران بإرادته للانتهاض للتّدارك.

فالعلم و النّدم و القصد المتعلّق بالتّرك في الحال و الاستقبال و التّلافي للماضي،ثلاثة معان مرتّبة في الحصول،فيطلق اسم«التّوبة»على مجموعها.

و كثيرا ما يطلق اسم«التّوبة»على معنى النّدم وحده،و يجعل العلم كالسّابق و المقدّمة و التّرك كالثّمرة،و التّابع المتأخّر،و بهذا الاعتبار قال عليه السّلام:

«النّدم توبة»إذ لا يخلو النّدم عن علم أوجبه و أثمره،

ص: 70

و عن عزم يتبعه و يتلوه،فيكون النّدم محفوفا بطرفيه، أعني ثمرته مثمر...

و بهذا الاعتبار قيل في حدّ التّوبة:أنّه ذو بان الحشا لما سبق من الخطإ،فإنّ هذا يعرض لمجرّد الألم،و لذلك قيل:هو نار في القلب تلتهب،و صدع في الكبد لا ينشعب.و باعتبار معنى التّرك قيل في حدّ التّوبة:إنّه خلع لباس الجفاء و نشر بساط الوفاء.

و قال سهل بن عبد اللّه التّستريّ: التّوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة،و لا يتمّ ذلك إلاّ بالخلوة و الصّمت و أكل الحلال.و كأنّه أشار إلى المعنى الثّالث من التّوبة.

و الأقاويل في حدود التّوبة لا تنحصر،و إذا فهمت هذه المعاني الثّلاثة و تلازمها و ترتيبها،عرفت أنّ جميع ما قيل في حدودها قاصر عن الإحاطة بجميع معانيها، و طلب العلم بحقائق الأمور أهمّ من طلب الألفاظ المجرّدة...راجع.(4:3)

الزّمخشريّ: و اكتفى بذكر توبة آدم دون توبة حوّاء،لأنّها كانت تبعا له،كما طوى ذكر النّساء في أكثر القرآن و السّنّة لذلك،و قد ذكرها في قوله: قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الأعراف:23، فَتابَ عَلَيْهِ: فرجع عليه بالرّحمة و القبول.(1:274)

ابن عطيّة: معناه رجع به،و التّوبة من اللّه تعالى:

الرّجوع على عبده بالرّحمة و التّوفيق،و التّوبة من العبد:

الرّجوع عن المعصية و النّدم على الذّنب،مع تركه فيما يستأنف.

و إنّما خصّ اللّه تعالى آدم بالذّكر هنا في التّلقّي و التّوبة،و حوّاء مشاركة له في ذلك بإجماع،لأنّه المخاطب في أوّل القصّة بقوله: اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ البقرة:35،فلذلك كملت القصّة بذكره وحده.

و أيضا فلأنّ المرأة حرمة و مستورة فأراد اللّه السّتر لها،و لذلك لم يذكرها في المعصية،في قوله: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه:121.(1:131)

ابن شهرآشوب:أي قبل توبته و ضمن الثّواب، لأنّ التّوبة غير موجبة لإسقاط العقاب،و إنّما يسقط اللّه تعالى العقاب عندها تفضّلا،و التّوبة هي الرّجوع، فيجوز أن تقع ممّن لا يعهد من نفسه قبيحا،و وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثّواب بها،أو كونها لطفا.(متشابه القرآن:214)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه لا يجوز أن يكون المراد أنّ اللّه تعالى عرّفه حقيقة التّوبة،لأنّ المكلّف لا بدّ و أن يعرف ماهيّة التّوبة،و يتمكّن بفعلها من تدارك الذّنوب، و يميّزها عن غيرها فضلا عن الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،بل يجب حمله على أحد أمور:

أحدها:التّنبيه على المعصية الواقعة منه على وجه، صار آدم عليه السّلام عند ذلك من التّائبين المنيبين.

و ثانيها:أنّه تعالى عرّفه وجوب التّوبة،و كونها مقبولة لا محالة،على معنى أنّ من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا ثمّ ندم على موضع ما صنع،و عزم على أن لا يعود، فإنّي أتوب عليه،قال اللّه تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أي أخذها و قبلها و عمل بها.

و ثالثها:أنّه تعالى ذكّره بنعمه العظيمة عليه،فصار

ص: 71

ذلك من الدّواعي القويّة إلى التّوبة.

و رابعها:أنّه تعالى علّمه كلاما لو حصلت التّوبة معه،لكان ذلك سببا لكمال حال التّوبة.[ثمّ نقل قول الغزاليّ و القفّال و قال:]

و اعلم أنّ كلام الغزاليّ رحمه اللّه أبين و أدخل في التّحقيق،إلاّ أنّه يتوجّه عليه إشكال،و هو أنّ العلم بكون الفعل الفلانيّ ضررا،مع العلم بأنّ ذلك الفعل صدر منه،يوجب تألّم القلب،و ذلك التّألّم يوجب إرادة التّرك في الحال و الاستقبال،و إرادة تلافي ما حصل منه في الماضي،و إذا كان بعض هذه الأشياء مرتّبا على البعض ترتّبا ضروريّا،لم يكن ذلك داخلا تحت قدرته، فاستحال أن يكون مأمورا به.

و الحاصل:أنّ الدّاخل في الوسع ليس إلاّ تحصيل العلم،فأمّا ما عداه فليس للاختيار إليه سبيل.لكن لقائل أن يقول:تحصيل العلم ليس أيضا في الوسع،لأنّ تحصيل العلم ببعض المجهولات لا يمكن إلاّ بواسطة معلومات متقدّمة على ذلك المجهول،فتلك العلوم الحاضرة المتوسّل بها إلى اكتساب ذلك المجهول إمّا أن تكون مستلزمة للعلم بذلك المجهول،أو لم تكن مستلزمة.

فإن كان الأوّل كان ترتّب المتوسّل إليه على المتوسّل به ضروريّا،فلا يكون ذلك داخلا في القدرة و الاختيار،و إن كان الثّاني لم يكن استنتاج المطلوب المجهول عن تلك المعلومات الحاضرة،لأنّ المقدّمات القريبة لا بدّ و أن تكون بحال يلزم من تسليمها في الذّهن تسليم المطلوب،فإذا لم تكن كذلك لم تكن تلك المقدّمات منتجة لتلك النّتيجة.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يقال:تلك المقدّمات و إن كانت حاضرة في الذّهن إلاّ أنّ كيفيّة التّوصّل بها إلى تلك النّتيجة غير حاضرة في الذّهن،فلا جرم لا يلزم من العلم بتلك المقدّمات العلم بتلك النّتيجة لا محالة؟

قلنا:العلم بكيفيّة التّوصّل بها إلى تلك النّتيجة إمّا أن يكون من البديهيّات أو من الكسبيّات،فإن كان من البديهيّات لم يكن في وسعه،و إن كان من الكسبيّات كان القول في كيفيّة اكتسابه كما في الأوّل.فإمّا أن يفضي إلى التّسلسل و هو محال،أو يفضي إلى أن يصير من لوازمه فيعود المحذور المذكور،و اللّه أعلم.[ثمّ نقل قول عبد الجبّار و أضاف:]

أمّا أبو هاشم فإنّه يجوّز أن يخلو العاصي من التّوبة و الإصرار،و يقول:لا يصحّ أن تكون التّوبة واجبة على الأنبياء لهذا الوجه،بل يجب أن تكون واجبة لإحدى خلال.فإمّا أن تجب لأنّ بالصّغيرة قد نقص ثوابهم، فيعود ذلك النّقصان بالتّوبة.و إمّا لأنّ التّوبة نازلة منزلة التّرك،فإذا كان التّرك واجبا عند الإمكان،فلا بدّ من وجوب التّوبة مع عدم الإمكان.

و ربّما قال:تجب التّوبة عليهم من جهة السّمع،و هذا هو الأصحّ على قوله،لأنّ التّوبة و هو كونه نطفة إلى أشرف أحواله،و هو كونه خصيما مبينا.(3:19-21)

القرطبيّ: أي قبل توبته،أو وفّقه للتّوبة.و كان ذلك في يوم عاشوراء في يوم جمعة.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم في النّصوص](1:324)

البيضاويّ: رجع عليه بالرّحمة و قبول التّوبة، و إنّما رتّبه بالفاء على تلقّي الكلمات،لتضمّنه معنى التّوبة،

ص: 72

و هو الاعتراف بالذّنب و النّدم عليه،و العزم على أن لا يعود.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ](1:50)

نحوه الشّربينيّ(1:51)،و أبو السّعود(1:123)، و البروسويّ(1:113).

النّيسابوريّ: [لخّص كلام الغزاليّ و قال:]

و التّوبة لغة:الرّجوع،فيشترك فيه الرّبّ و العبد، فإذا وصف بها العبد فالمعنى راجع إلى ربّه،لأنّ العاصي هارب عن ربّه.و قد يفارق الرّجل خدمة سيّده فيقطع السّيّد معروفه عنه،فإذا عاد إلى السّيّد عاد السّيّد عليه بإحسانه و معروفه.و هذا معنى قبول التّوبة من اللّه، و غفران ذنوب العباد«التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له».(1:285)

أبو حيّان :أي تفضّل عليه بقبول توبته.و أفرده بالإخبار عنه بالتّوبة عليه و إن كانت زوجته مشاركة له في الأمر بالسّكنى و النّهي عن قربان الشّجرة و تلقّي الكلمات و التّوبة لأنّه هو المواجه بالأمر و النّهي و هي تابعة له في ذلك،فكملت القصّة بذكره وحده.

كما جاء في قصّة موسى و الخضر؛إذ جاء حتّى إذا ركبا في السّفينة فحملاهما بغير (1)نول،و كان مع موسى يوشع لكنّه كان تابعا لموسى،فلم يذكره و لم يجمع معهما في الضّمير،أو اكتفى بذكر أحدهما؛إذ كان فعلهما واحدا، نحو قوله تعالى: وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62،و فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى طه:

117.

أو طوى ذكرها كما طواه عند ذكر المعصية في قوله:

وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه:121،و قد جاء طيّ ذكر النّساء في أكثر القرآن و السّنّة،و قد ذكرها في قوله:

قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الأعراف:23.

و إنّما لم يراع هذا السّتر في امرأتي نوح و لوط،لأنّهما كانتا كافرتين،و قد ضرب بهما المثل للكفّار،لأنّ ذنوبهما كانت غاية في القبح و الفحش،و الكافر لا يناسب السّتر عليه و لا الإغضاء عن ذنبه،بل ينادى عليه ليكون ذلك أخزى له و أحطّ لدرجته،و حوّاء ليست كذلك.

و لأنّ معصيتهما تكرّرت و استمرّ منهما الكفر و الإصرار على ذلك،و التّوبة متعذّرة لما سبق في علم اللّه أنّهما لا يتوبان،و ليست حوّاء كذلك،لخفّة ما وقع منها أو لرجوعها إلى ربّها،و لأنّ التّبكيت للمذنب شرع رجاء الإقلاع،و هذا المعنى معقود فيهما.

و ذكرهما بالإضافة إلى زوجيهما،فيه من الشّهرة ما لا يكون في ذكر اسميهما غير مضافين إليهما.

و توبة العبد رجوعه عن المعصية،و توبة اللّه على العبد رجوعه عليه بالقبول و الرّحمة.(1:166)

الكاشانيّ: التّوبة:بمعنى الرّجوع و الإنابة،فإذا نسب إلى اللّه تعالى تعدّت ب«على»و إذا نسبت إلى العبد تعدّت ب«إلى».و لعلّ الأوّل لتضمين معنى الإشفاق و العطف.

و معنى التّوبة من العبد:رجوعه إلى اللّه بالطّاعة و الانقياد بعد ما عصى و عتا،و معناها من اللّه:رجوعه بالعطف على عبده بإلهامه التّوبة أوّلا،ثمّ قبوله إيّاها منه آخرا.فللّه توبتان و للعبد واحدة بينهما،قال اللّه: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا التّوبة:118،أي ألهمهم التّوبةة.

ص: 73


1- أجرة السّفينة.

ليرجعوا ثمّ إذا رجعوا قبل توبتهم،لأنّه هو التّوّاب الرّحيم.(1:105)

الآلوسيّ: التّوبة:أصلها الرّجوع،و إذا أسندت إلى العبد كانت-كما في الإحياء-عبارة عن مجموع أمور ثلاثة.[و قد مرّ ذكرها]

و أتى سبحانه بالفاء،لأنّ تلقّي الكلمات عين التّوبة، أو مستلزم لها،و لا شكّ أنّ القبول مترتّب عليه،فهي إذا لمجرّد السّببيّة.و قد يقال:إنّ التّوبة لمّا دام عليها صحّ التّعقيب،باعتبار آخرها إذ لا فاصل حينئذ.

و على كلّ تقدير لا ينافي هذا ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،أنّهما بكيا مائتي سنة على ما فاتهما، و لم يقل جلّ شأنه-فتاب عليهما-لأنّ النّساء تبع يغني عنهنّ ذكر المتبوع،و لذا طوى ذكرهنّ في كثير من الكتاب و السّنّة.(1:237)

رشيد رضا :أي قبل توبته،و عاد عليه بفضله و رحمته،و بيّن سبب ذلك بأنّه تعالى هو التّوّاب،أي الّذي يقبل التّوبة كثيرا.فمهما يذنب العبد و يندم و يتب، يتب الرّبّ عليه.و بأنّه هو الرّحيم بعباده،مهما يسيء أحدهم بما هو سبب لغضبه تعالى و يرجع إليه،فإنّه يحفّه برحمته.(1:279)

المراغيّ: التّوب:الرّجوع،فإذا وصف به العبد كان رجوعا عن المعصية إلى الطّاعة،و إذا وصف به الباري تعالى أريد به الرّجوع عن العقوبة إلى المغفرة.

و لا تكون التّوبة مقبولة من العبد إلاّ بالنّدم على ما كان،و بترك الذّنب الآن،و بالعزم على ألاّ يعود إليه في مستأنف الزّمان،و بردّ مظالم العباد،و بإرضاء الخصم بإيصال حقّه إليه،و الاعتذار له باللّسان.

و الخلاصة إنّه تعالى قبل توبته و عاد إليه بفضله و رحمته.(1:92)

الطّباطبائيّ: التّوبة:توبتان:توبة من اللّه تعالى و هي الرّجوع إلى العبد بالرّحمة،و توبة من العبد و هي الرّجوع إلى اللّه بالاستغفار،و الانقلاع من المعصية.

و توبة العبد محفوفة بتوبتين من اللّه تعالى،فإنّ العبد لا يستغني عن ربّه في حال من الأحوال،فرجوعه عن المعصية إليه يحتاج إلى توفيقه تعالى و إعانته و رحمته حتّى يتحقّق منه التّوبة،ثمّ تمسّ الحاجة إلى قبوله تعالى و عنايته و رحمته.فتوبة العبد إذا قبلت كانت بين توبتين من اللّه،كما يدلّ عليه قوله تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا التّوبة:118.(1:132)

2- ...عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ... البقرة:187

أبو مسلم:التّوبة من العباد:الرّجوع إلى اللّه بالعبادة،و من اللّه:الرّجوع إلى العبد بالرّحمة و الإحسان.(النّيسابوريّ 2:122)

فرجع عليكم بالإذن في هذا الفعل و التّوسعة عليكم.

(الفخر الرّازيّ 5:117)

الطّوسيّ: أي قبل توبتكم.(2:133)

مثله المراغيّ(2:79)،و الشّربينيّ(1:123).

البغويّ: تجاوز عنكم.(1:229)

الزّمخشريّ: حين تبتم ممّا ارتكبتم من المحظور.

(1:338)

ص: 74

الطّبرسيّ: أي قبل توبتكم،و قيل:معناه فرخّص لكم و أزال التّشديد عنكم.(1:281)

القرطبيّ: يحتمل معنيين:أحدهما:قبول التّوبة من خيانتهم لأنفسهم،و الآخر:التّخفيف عنهم بالرّخصة و الإباحة،كقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ المزّمّل:20،يعني خفّف عنكم.

(2:317)

أبو حيّان :[مثل القرطبيّ و أضاف:]

فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ التّوبة:117،معناه كلّه التّخفيف.

و قيل:معناه أسقط عنكم ما افترضه من تحريم الأكل و الشّرب و الجماع بعد العشاء أو بعد النّوم على الخلاف.و هذا القول راجع لمعنى القول الثّاني.

(2:49)

البروسويّ: عطف على(علم)أي قبل توبتكم و تجاوز عنكم لمّا تبتم ممّا اقترفتموه.(1:299)

مثله الآلوسيّ.(2:65)

رشيد رضا :فإن كان ذنبهم تحريم ما أباح اللّه لهم في ليالي الصّوم أو التّورّع عنه ليوافق صيامهم صيام أهل الكتاب من كلّ وجه،فتفسّر التّوبة بالرّجوع عليهم ببيان الرّخصة بعد ذكر فرض الصّيام مجملا،و التّشبيه فيه مبهما،و يكون العفو عن الخطإ في الاجتهاد الّذي أدّى إلى التّضييق على النّفس و إيقاعها في الحرج.

و إن كان الذّنب هو مخالفة الاعتقاد بأن كانوا فهموا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أو من قوله تعالى: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ البقرة:183،تحريم ملامسة النّساء ليلا مطلقا أو تحريمه كالأكل و الشّرب بعد النّوم في اللّيل، فالتّوبة على ظاهر معناها،أي إنّ اللّه قبل توبتكم،و عفا عن خيانتكم أنفسكم.(2:177)

3- ...مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. الأنعام:54

ابن عطيّة: و التّوبة:الرّجوع،و صحّتها مشروطة باستدامة الإصلاح بعدها في الشّيء الّذي تيب منه.

(2:297)

الطّبرسيّ: أي رجع عن ذنبه،و لم يصرّ على ما فعل،و أصلح عمله.(2:308)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا لا يتناول التّوبة من الكفر،لأنّ هذا الكلام خطاب مع الّذين وصفهم بقوله:

وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا الأنعام:54، فثبت أنّ المراد منه توبة المسلم عن المعصية.

و المراد من قوله:(بجهالة)ليس هو الخطأ أو الغلط، لأنّ ذلك لا حاجة إلى التّوبة،بل المراد منه أن تقدم على المعصية بسبب الشّهوة،فكان المراد منه بيان أنّ المسلم إذا أقدم على الذّنب مع العلم بكونه ذنبا ثمّ تاب منه توبة حقيقيّة،فإنّ اللّه تعالى يقبل توبته.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فقوله:

(تاب)إشارة إلى النّدم على الماضي.و قوله:(اصلح) إشارة إلى كونه آتيا بالأعمال الصّالحة في الزّمان المستقبل.(13:4)

البروسويّ: أي رجع عنه.(3:39)

ص: 75

رشيد رضا: أي ثمّ رجع عن ذلك السّوء بعد أن عمله شاعرا بقبحه،نادما عليه،خائفا من عاقبته.

(7:450)

مثله المراغيّ.(7:139)

الطّباطبائيّ: و الآية ظاهرة الاتّصال بالآية الّتي قبلها،يأمر اللّه سبحانه فيها نبيّه صلّى اللّه عليه و آله-بعد ما نهاه عن طرد المؤمنين عن نفسه-أن يتلطّف بهم و يسلّم عليهم، و يبشّر من تاب منهم عن سيّئة توبة نصوحا بمغفرة اللّه و رحمته،فتطيب بذلك نفوسهم و يسكن طيش قلوبهم.

و يتبيّن بذلك أوّلا:أنّ الآية-و هي من آيات التّوبة- إنّما تتعرّض للتّوبة عن المعاصي و السّيّئات دون الكفر و الشّرك،بدليل قوله: مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ أي المؤمنين بآيات اللّه.[إلى أن قال:]

و ثالثا:أنّ تقييد قوله:(تاب)بقوله:(اصلح) للدّلالة على تحقّق التّوبة بحقيقتها،فإنّ الرّجوع حقيقة إلى اللّه سبحانه و اللّواذ بجنابه لا يجامع،لطهارة موقفه التّقذّر بقذارة الذّنب الّذي ظهر منه التّائب الرّاجع، و ليست التّوبة قول:«اتوب الى اللّه»قولا لا يتعدّى من اللّسان إلى الجنان،و قد قال تعالى: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة:284.

(7:105)

4- لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.

التّوبة:117

ابن عبّاس: كانت التّوبة على النّبيّ لأجل إذنه للمنافقين في القعود،دليله قوله: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:43،و على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التّخلّف عنه.(القرطبيّ 8:278)

يريد ازداد عنهم رضا،ثمّ أكّد هذه المعاني بقوله:

إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (النّيسابوريّ 11:33)

الطّبريّ: لقد رزق اللّه الإنابة إلى أمره و طاعته نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،و المهاجرين ديارهم و عشيرتهم إلى دار الإسلام،و أنصار رسوله في اللّه،الّذين اتّبعوا رسول اللّه في ساعة العسرة منهم،من النّفقة و الظّهر و الزّاد و الماء... ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يقول:ثمّ رزقهم جلّ ثناؤه الإنابة و الرّجوع إلى الثّبات على دينه،و إبصار الحقّ الّذي كان قد كاد يلتبس عليهم.(11:54)

الماورديّ: و في هذه التّوبة من اللّه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المهاجرين و الأنصار وجهان محتملان:

أحدهما:استنقاذهم من شدّة العسر،الثّاني:أنّها خلاصهم من نكاية العدوّ.و عبّر عن ذلك بالتّوبة و إن خرج عن عرفها،لوجود معنى التّوبة فيه،و هو الرّجوع إلى الحالة الأولى...

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ... و هذه التّوبة غير الأولى و فيها قولان:

أحدهما:أنّ التّوبة الأولى في الذّهاب،و التّوبة الثّانية في الرّجوع.

و القول الثّاني:أنّ الأولى في السّفر،و الثّانية بعد العودة إلى المدينة.

فإن قيل بالأوّل:أنّ التّوبة الثّانية في الرّجوع،

ص: 76

احتملت وجهين:

أحدهما:أنّها الإذن لهم بالرّجوع إلى المدينة.

الثّاني:أنّها بالمعونة لهم في إمطار السّماء عليهم حتّى حيوا،و تكون التّوبة على هذين الوجهين عامّة.

و إن قيل:إنّ التّوبة الثّانية بعد عودهم إلى المدينة، احتملت وجهين:

أحدهما:أنّها العفو عنهم من ممالأة من تخلّف عن الخروج معهم.

الثّاني:غفران ما همّ به فريق منهم من العدول عن الحقّ،و تكون التّوبة على هذين الوجهين خاصّة.

(2:412)

نحوه القرطبيّ.(8:278)

الطّوسيّ: أقسم اللّه تعالى في هذه الآية-لأنّ لام (لقد)لام القسم-بأنّه تاب على النّبيّ و المهاجرين و الأنصار،بمعنى أنّه رجع إليهم و قبل توبتهم.[إلى أن قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ أي رجع عليهم بقبول توبتهم.

(5:362)

البغويّ: أي تجاوز و صفح،و معنى توبته على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بإذنه للمنافقين بالتّخلّف عنه.و قيل:افتتح الكلام به،لأنّه كان سبب توبتهم فذكره معهم،كقوله تعالى: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ الأنفال:41،و نحوه.

[إلى أن قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ فإن قيل:كيف أعاد ذكر التّوبة و قد قال في أوّل الآية: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ؟

قيل:ذكر التّوبة في أوّل الآية قبل ذكر الذّنب،و هو محض الفضل من اللّه عزّ و جلّ،فلمّا ذكر الذّنب أعاد التّوبة،و المراد منه قبولها.(3:128)

نحوه الميبديّ(4:224)،و ابن الجوزيّ(3:

511)،و الشّربينيّ(1:655).

الزّمخشريّ: تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ كقوله:

لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح:2، و قوله: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ المؤمن:55،و هو بعث للمؤمنين على التّوبة،و أنّه ما من مؤمن إلاّ هو محتاج إلى التّوبة و الاستغفار حتّى النّبيّ و المهاجرون و الأنصار، و إبانة لفضل التّوبة و مقدارها عند اللّه،و أنّ صفة التّوّابين الأوّلين صفة الأنبياء كما وصفهم بالصّالحين،ليظهر فضيلة الصّلاح.

و قيل:معناه تاب اللّه عليه من إذنه للمنافقين في التّخلّف عنه،كقوله: عَفَا اللّهُ عَنْكَ التّوبة:43.[إلى أن قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ تكرير للتّوكيد،و يجوز أن يكون الضّمير للفريق،تاب عليهم لكيد ودتهم.(2:218)

نحوه البيضاويّ(1:435)،و النّسفيّ(2:148).

ابن عطيّة: التّوبة من اللّه:رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها،فقد تكون في الأكثر رجوعا من حالة طاعة إلى أكمل منها.و هذه توبته في هذه الآية على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه رجع به من حاله قبل تحصيل الغزوة و أجرها و تحمّل مشقّاتها إلى حاله بعد ذلك كلّه.

و أمّا توبته على المهاجرين و الأنصار،فحالها معرضة لأن تكون من تقصير إلى طاعة و جدّ في الغزو و نصرة الدّين.

ص: 77

و أمّا توبته على الفريق الّذي كاد أن يزيغ،فرجوعه من حالة محطوطة إلى حال غفران و رضا.(3:92)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و إنّما ذكر اسم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مفتاحا للكلام و تحسينا له، و لأنّه سبب توبتهم،و إلاّ فلم يكن منه ما يوجب التّوبة.

و قد روي عن الرّضا عليّ بن موسى عليه السّلام أنّه قرأ (لقد تاب اللّه بالنّبىّ على المهاجرين و الانصار) .(3:80)

نحوه فضل اللّه.(11:23)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا استقصى في شرح أحوال غزوة تبوك،و بيّن أحوال المتخلّفين عنها، و أطال القول في ذلك على التّرتيب الّذي لخّصناه في هذا التّفسير،عاد في هذه الآية إلى شرح ما بقي من أحكامها.

و من بقيّة الأحكام أنّه قد صدر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نوع زلّة جارية مجرى ترك الأولى،و صدر عن المؤمنين نوع زلّة،فذكر تعالى أنّه تفضّل عليهم و تاب عليهم في تلك الزّلاّت،فقال: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:دلّت الأخبار على أنّ هذا السّفر كان شاقّا شديدا على الرّسول عليه الصّلاة و السّلام و على المؤمنين،على ما سيجيء شرحها،و هذا يوجب الثّناء، فكيف يليق بها قوله: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ.

و الجواب من وجوه:أنّه صدر عن النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام شيء من باب ترك الأفضل،و هو المشار إليه بقوله تعالى: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:

43،و أيضا لمّا اشتدّ الزّمان في هذه الغزوة على المؤمنين فربّما وقع في قلبهم نوع نفرة عن تلك السّفرة،و ربّما وقع في خاطر بعضهم أنّا لسنا نقدر على الفرار.و لست أقول:

عزموا عليه،بل أقول:وساوس كانت تقع في قلوبهم، فاللّه تعالى بيّن في آخر هذه السّورة أنّه بفضله عفا عنها، فقال: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ.

و الوجه الثّاني في الجواب:أنّ الإنسان طول عمره لا ينفكّ عن زلاّت و هفوات،إمّا من باب الصّغائر،و إمّا من باب ترك الأفضل.ثمّ إنّ النّبيّ عليه السّلام و سائر المؤمنين لمّا تحمّلوا مشاقّ هذا السّفر و متاعبه،و صبروا على تلك الشّدائد و المحن،أخبر اللّه تعالى أنّ تحمّل تلك الشّدائد صار مكفّرا لجميع الزّلاّت الّتي صدرت عنهم في طول العمر،و صار قائما مقام التّوبة المقرونة بالإخلاص عن كلّها،فلهذا السّبب قال تعالى: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ.

و الوجه الثّالث في الجواب:أنّ الزّمان لمّا اشتدّ عليهم في ذلك السّفر،و كانت الوساوس تقع في قلوبهم،فكلّما وقعت وسوسة في قلب واحد منهم تاب إلى اللّه منها، و تضرّع إلى اللّه في إزالتها عن قلبه،فلكثرة إقدامهم على التّوبة بسبب خطرات تلك الوساوس ببالهم قال تعالى:

لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ الآية.

و الوجه الرّابع:لا يبعد أن يكون قد صدر عن أولئك الأقوام أنواع من المعاصي،إلاّ أنّه تعالى تاب عليهم و عفا عنهم،لأجل أنّهم تحمّلوا مشاقّ ذلك السّفر،ثمّ إنّه تعالى ضمّ ذكر الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،إلى ذكرهم تنبيها على عظم مراتبهم في الدّين.و أنّهم قد

ص: 78

بلغوا إلى الدّرجة الّتي لأجلها ضمّ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام إليهم في قبول التّوبة.[إلى أن قال:]

فإن قيل:ذكر التّوبة في أوّل الآية و في آخرها فما الفائدة في التّكرار؟

قلنا:فيه وجوه:

الوجه الأوّل:أنّه تعالى ابتدأ بذكر التّوبة قبل ذكر الذّنب تطييبا لقلوبهم،ثمّ ذكر الذّنب،ثمّ أردفه مرّة أخرى بذكر التّوبة،و المقصود منه تعظيم شأنهم.

و الوجه الثّاني:أنّه إذا قيل:عفا السّلطان عن فلان ثمّ عفا عنه،دلّ ذلك على أنّ ذلك العفو عفو متأكّد بلغ الغاية القصوى في الكمال و القوّة،قال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ اللّه ليغفر ذنب الرّجل المسلم عشرين مرّة»و هذا معنى قول ابن عبّاس في قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يريد ازداد عنهم رضا.

و الوجه الثّالث:أنّه قال: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ و هذا التّرتيب يدلّ على أنّ المراد أنّه تعالى تاب عليهم من الوساوس الّتي كانت تقع في قلوبهم في ساعة العسرة،ثمّ إنّه تعالى زاد عليه فقال: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فهذه الزّيادة أفادت حصول وساوس قويّة،فلا جرم أتبعها تعالى بذكر التّوبة مرّة أخرى لئلاّ يبقى في خاطر أحدهم شكّ،في كونهم مؤاخذين بتلك الوساوس.(16:214)

نحوه النّيسابوريّ.(11:32)

أبو حيّان :[نقل قول ابن عطيّة و الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ الضّمير في(عليهم)عائد على الأوّلين أو على الفريق،فالجملة كرّرت تأكيدا،أو يراد بالأوّل:إنشاء التّوبة و بالثّاني:استدامتها،أو لأنّه لمّا ذكر أنّ فريقا منهم كادت قلوبهم يزيغ نصّ على التّوبة ثانيا، رفعا لتوهّم أنّهم مسكوت عنهم في التّوبة،ثمّ ذكر سبب التّوبة،و هو رأفته بهم و رحمته.(5:109)

البروسويّ: قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:هو العفو عن إذنه للمنافقين في التّخلّف عنه،و هذا الإذن و إن صدر عنه عليه السّلام وحده إلاّ أنّه أسند إلى الكلّ،لأنّ فعل البعض يسند إلى الكلّ لوقوعه فيما بينهم،كما يقال:

بنو فلان قتلوا زيدا.

و هذا الذّنب من قبيل الزّلّة،لأنّ الأنبياء معصومون من الكبائر و الصّغائر عندنا،لأنّ ركوب الذّنوب ممّا يسقط حشمة من يرتكبها و تعظيمه من قلوب المؤمنين، و الأنبياء يجب أن يكونوا مهابين موقّرين،و لذا عصموا من الأمراض المنفرة كالجذام و غيره.

فليس معنى الزّلّة أنّهم زلّوا عن الحقّ إلى الباطل، و لكن معناها أنّهم زلّوا عن الأفضل إلى الفاضل،و أنّهم يعاتبون به لجلال قدرهم،و مكانتهم من اللّه تعالى،كما قال أبو سعيد الخرّاز قدّس سرّه:«حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين».

و قال السّلميّ: «ذكر توبة النّبيّ عليه السّلام،لتكون مقدّمة لتوبة الأمّة،و توبة التّابع إنّما تقبل التّصحيح بالمقدّمة».

و قال في«التّأويلات النّجميّة»:التّوبة فضل من اللّه و رحمة مخصوصة به،لينعم بذلك على عباده،فكلّ نعمة و فضل يوصله اللّه إلى عباده يكون عبوره على ولاية

ص: 79

النّبوّة،فمنها يفيض على المهاجرين و الأنصار و جميع الأمّة،فلهذا قال: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ. [إلى أن قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ أي تجاوز عن ذنبهم الّذي فرط منهم،و هو تكرير للتّأكيد و تنبيه على أنّه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة.(3:525)

الآلوسيّ: قال أصحاب المعاني:المراد ذكر التّوبة على المهاجرين و الأنصار،إلاّ أنّه جيء في ذلك بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تشريفا لهم و تعظيما لقدرهم،و هذا كما قالوا في ذكره تعالى في قوله سبحانه: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ الأنفال:41،أي عفا سبحانه عن زلاّت سبقت منهم يوم أحد و يوم حنين.

و قيل:المراد ذكر التّوبة عليه-عليه الصّلاة و السّلام- و عليهم،و الذّنب بالنّسبة إليه صلّى اللّه عليه و سلّم من باب خلاف الأولى نظرا إلى مقامه الجليل،و فسّر هنا على ما روي عن ابن عبّاس:بالإذن للمنافقين في التّخلّف،و بالنّسبة إليهم رضي اللّه تعالى عنهم لا مانع من أن يكون حقيقيّا؛إذ لا عصمة عندنا لغير الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام، و يفسّر بما فسّر أوّلا.

و جوّز أيضا أن يكون من باب خلاف الأولى بناء على ما قيل:إنّ ذنبهم كان الميل إلى القعود عن غزوة تبوك؛حيث وقعت في وقت شديد،و قد تفسّر التّوبة بالبراءة عن الذّنب و الصّون عنه مجازا؛حيث إنّه لا مؤاخذة في كلّ،و ظاهر الإطلاق الحقيقة.و في الآية ما لا يخفى من التّحريض و البعث على التّوبة للنّاس كلّهم.

[إلى أن قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ تكرير للتّأكيد بناء على أنّ الضّمير للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المهاجرين و الأنصار رضي اللّه تعالى عنهم،و التّأكيد يجوز عطفه ب«ثمّ»كما صرّح به النّحاة و إن كان كلام أهل المعاني يخالفه ظاهرا.و فيه تنبيه على أنّ توبته سبحانه في مقابلة ما قاسوه من الشّدائد،كما دلّ عليه التّعليق بالموصول.

و يحتمل أن يكون الضّمير للفريق،و المراد أنّه تاب عليهم لكيدودتهم و قربهم من الزّيغ،لأنّه جرم محتاج إلى التّوبة عليه،فلا تكرار لما سبق.(11:39)

رشيد رضا :هذا خبر مؤكّد بلام القسم على حرف التّحقيق،بيّن به تعالى فضل عطفه على نبيّه و أصحابه المؤمنين الصّادقين من المهاجرين و الأنصار، و تجاوزه عن هفواتهم في هذه الغزوة و في غيرها لاستغراقها في حسناتهم الكثيرة على كونهم لا يصرّون على شيء منها.و إنّما كانت هفواتهم هذه مقتضى الطّباع البشريّة و اجتهاد الرّأي فيما لم يبيّنه اللّه تعالى لهم بيانا قطعيّا يعدّ مخالفه عاصيا.

و قد بيّنّا في تفسير الآية:104[من سورة التّوبة]أنّ للتّوبة درجات تختلف باختلاف طبقات التّوّابين الرّجّاعين إلى اللّه من كلّ إعراض عنه.و توبته تعالى على عباده لها معنيان:عطفه عليهم-و هذا أعلاهما- و توفيقهم للتّوبة و قبولها منهم،و إنّما يتوبون من ذنب، و ما كلّ ذنب معصية للّه عزّ و جلّ.

و قد فسّر ابن عبّاس التّوبة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هنا بقوله تعالى،في سياق هذه الغزوة: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:43،و حقّقنا في تفسيرها مسألة ذنوب

ص: 80

الأنبياء و كونها من الاجتهاد الّذي لم يقرّهم اللّه عليه، لأنّ غيره خير منه.

و أمّا المهاجرون و الأنصار رضي اللّه عنهم و هم خلّص المؤمنين اَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ فمنهم من كان ذنبه التّثاقل في الخروج حتّى ورد الأمر الحتم فيه،و التّوبيخ على التّثاقل إلى الأرض،و منهم من كان ذنبهم السّماع للمنافقين فيما كانوا يبغون من فتنة المؤمنين بالقوّة و الاستدراك،و بالفعل.(11:64)

نحوه المراغيّ.(11:39)

الطّباطبائيّ: و الآيتان[التّوبة:117،118]و إن كانت كلّ واحدة منهما ناظرة إلى جهة دون جهة أخرى، فالأولى تبيّن التّوبة على النّبيّ و المهاجرين و الأنصار، و الثّانية[و هي عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا و سيأتي ذكرها]تبيّن التّوبة على الثّلاثة المخلّفين مضافا إلى أنّ نوع التّوبة على أهل الآيتين مختلف،فأهل الآية الأولى أو بعضهم تاب اللّه عليهم من غير معصية منهم،و أهل الآية الثّانية تيب عليهم و هم عاصون مذنبون.

و بالجملة:الآيتان مختلفتان غرضا و مدلولا،غير أنّ السّياق يدلّ على أنّهما مسوقتان لغرض واحد، و متّصلتان كلاما واحدا تبيّن فيه توبته تعالى للنّبيّ و المهاجرين و الأنصار و الثّلاثة الّذين خلّفوا،و من الدّليل عليه قوله: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ إلى أن قال:

وَ عَلَى الثَّلاثَةِ إلخ.فالآية الثّانية غير مستقلّة عن الأولى بحسب اللّفظ و إن استقلّت عنها في المعنى،و ذلك يستدعي نزولهما معا،و تعلّق غرض خاصّ بهذا الاتّصال و الامتزاج.

و لعلّ الغرض الأصليّ بيان توبة اللّه سبحانه لأولئك الثّلاثة المخلّفين،و قد ضمّ إليها ذكر توبته تعالى للمهاجرين و الأنصار حتّى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لتطيب قلوبهم بخلطهم بغيرهم،و زوال تميّزهم من سائر النّاس،و عفو أثرهم ذلك عنهم،حتّى يعود الجميع على نعت واحد، و هو أنّ اللّه تاب عليهم برحمته،فهم فيه سواء من غير أن يرتفع بعضهم عن بعض،أو ينخفض بعضهم عن بعض.

و بهذا تظهر النّكتة في تكرار ذكر التّوبة في الآيتين، فإنّ اللّه سبحانه يبدأ بذكر توبته على النّبيّ و المهاجرين و الأنصار،ثمّ يقول: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ و على الثّلاثة الّذين خلّفوا ثمّ يقول: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا فليس إلاّ أنّ الكلام مسوق على منهج الإجمال و التّفصيل،ذكر فيه توبته تعالى على الجميع إجمالا،ثمّ أشير إلى حال كلّ من الفريقين على حدته،فذكرت عند ذلك توبته الخاصّة به.

و لو كانت كلّ واحدة من الآيتين ذات غرض مستقلّ من غير أن يجمعهما غرض جامع،لكان ذلك تكرارا من غير نكتة ظاهرة.

على أنّ في الآية الأولى دلالة واضحة على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يكن له في ذلك ذنب و لا زيغ،و لا كاد أن يزيغ قلبه.فإنّ في الكلام مدحا للمهاجرين و الأنصار باتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلم يزغ قلبه و لا كاد أن يزيغ حتّى صار متّبعا يقتدى به،و لو لا ما ذكرناه من الغرض لم يكن لذكره صلّى اللّه عليه و آله مع سائر المذكورين وجه ظاهر.

فيؤول معنى الآية إلى أنّ اللّه-أقسم لذلك-تاب

ص: 81

و رجع برحمته رجوعا إلى النّبيّ و المهاجرين و الأنصار و الثّلاثة الّذين خلّفوا.فأمّا توبته و رجوعه بالرّحمة على المهاجرين و الأنصار فإنّهم اتّبعوا النّبيّ في ساعة العسرة و زمانها-و هو أيّام مسيرهم إلى تبوك-اتّبعوه من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم و يميل عن الحقّ بترك الخروج أو ترك السّير،فبعد ما اتّبعوه تاب اللّه عليهم إنّه بهم لرءوف رحيم.

و أمّا الثّلاثة الّذين خلّفوا فإنّهم آل أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و وسعت-و كان ذلك بسبب أنّ النّاس لم يعاشروهم و لا كلّموهم حتّى أهلهم فلم يجدوا أنيسا يأنسون به-و ضاقت عليهم أنفسهم- من دوام الغمّ عليهم-و أيقنوا أن لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه بالتّوبة و الإنابة،فلمّا كان ذلك كلّه تاب اللّه عليهم و انعطف و رجع برحمته إليهم ليتوبوا إليه،فيقبل توبتهم إنّه هو التّوّاب-كثير الرّجوع إلى عباده يرجع إليهم بالهداية و التّوفيق للتّوبة إليه ثمّ بقبول تلك التّوبة- و الرّحيم بالمؤمنين.

و قد تبيّن بذلك كلّه أوّلا:أنّ المراد بالتّوبة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:محض الرّجوع إليه بالرّحمة،و من الرّجوع إليه بالرّحمة:الرّجوع إلى أمّته بالرّحمة،فالتّوبة عليهم:

توبة عليه،فهو صلّى اللّه عليه و آله الواسطة في نزول الخيرات و البركات إلى أمّته.

و أيضا فإنّ من فضله تعالى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ كلّما ذكر أمّته أو الّذين معه بخير أفرده من بينهم،و صدّر الكلام بذكره تشريفا له،كما في قوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ البقرة:285، و قوله: ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ التّوبة:26،و قوله: لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا التّوبة:88،إلى غير ذلك من الموارد.

و ثانيا:أنّ المراد بما ذكر ثانيا و ثالثا من التّوبة بقوله:

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ في الموضعين،هو تفصيل ما ذكره إجمالا بقوله: لَقَدْ تابَ اللّهُ.

و ثالثا:أنّ المراد بالتّوبة في قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ في الموضعين:رجوعه تعالى إليهم بالهداية إلى الخير و التّوفيق.فقد ذكرنا مرارا في الأبحاث السّابقة أنّ توبة العبد محفوفة بتوبتين من الرّبّ تعالى،و أنّه يرجع إليه بالتّوفيق و إفاضة رحمة الهداية و هو التّوبة الأولى منه، فيهتدي العبد إلى الاستغفار و هو توبته،فيرجع تعالى إليه بقبول توبته و غفران ذنوبه،و هو التّوبة الثّانية منه تعالى.

و الدّليل على أنّ المراد بها في الموضعين ذلك،أمّا في الآية الأولى فلأنّه لم يذكر منهم فيها ذنبا يستغفرون له حتّى تكون توبته عليهم توبة قبول،و إنّما ذكر أنّه كان من المتوقّع زيغ قلوب بعضهم،و هو يناسب التّوبة الأولى منه تعالى دون الثّانية،و أمّا في الآية الثّانية فلأنّه ذكر بعدها قوله:(ليتوبوا)و هو الاستغفار،أخذ غاية لتوبته تعالى،فتوبته تعالى قبل توبتهم ليست إلاّ التّوبة الأولى منه.

و ربّما أيّد ذلك قوله تعالى:في مقام تعليل توبته عليهم: إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث لم يذكر من أسمائه ما يدلّ بلفظه على قبول توبتهم،كما لم يذكر منهم توبة

ص: 82

بمعنى الاستغفار.

و رابعا:أنّ المراد بقوله في الآية الثّانية:(ليتوبوا):

توبة الثّلاثة الّذين خلّفوا،المترتّب على توبته تعالى الأولى عليهم،فالمعنى ثمّ تاب اللّه على الثّلاثة ليتوب الثّلاثة فيتوب عليهم و يغفر لهم،إنّه هو التّوّاب الرّحيم.

فإن قلت:فالآية لم تدلّ على قبول توبتهم،و هذا مخالف للضّرورة الثّابتة من جهة النّقل أنّ الآية نزلت في توبتهم.

قلت:القصّة ثابتة نقلا غير أنّها لا توجد دلالة في لفظ الآية،إلاّ أنّ الآية تدلّ بسياقها على ذلك،فقد قال تعالى في مقام الإجمال: لَقَدْ تابَ اللّهُ و هو أعمّ بإطلاقه من التّوبة بمعنى التّوفيق و بمعنى القبول،و كذا قوله بعد: إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ التّوبة:118، و خاصّة بالنّظر إلى ما في الجملة من سياق الحصر النّاظر إلى قوله: وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ التّوبة:

118،فإذا كانوا أقدموا على التّوبة ليأخذوا ملجأ من اللّه يأمنون فيه و قد هداهم اللّه إليه بالتّوبة فتابوا،فمن المحال أن يردّهم اللّه من بابه خائبين و هو التّوّاب الرّحيم، و كيف يستقيم ذلك؟و هو القائل عزّ من قائل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ النّساء:17.

و ربّما قيل:إنّ معنى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ثمّ سهّل اللّه عليهم التّوبة ليتوبوا،و هو سخيف.و أسخف منه قول من قال:إنّ المراد بالتّوبة في(ليتوبوا):الرّجوع إلى حالتهم الأولى قبل المعصية.و أسخف منه قول آخرين:إنّ الضّمير في(ليتوبوا)راجع إلى المؤمنين، و المعنى ثمّ تاب على الثّلاثة و أنزل توبتهم على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأنّ اللّه قابل التّوب.

(9:399)

محمّد جواد مغنية: إذا قيل:تاب فلان،فهم النّاس من هذا القول أنّ المذكور كان قد ارتكب ذنبا ثمّ ندم و عزم جادّا على تركه و عدم العودة إليه.و إذا قيل:

تاب اللّه عليه،فهموا أنّ اللّه قبل توبته.

و قد يراد من توبة اللّه على الإنسان رحمته تعالى و رضوانه مع القرينة الدّالّة على ذلك،و المعنى الأوّل،أي قبول اللّه سبحانه التّوبة هو المراد بتوبته على الثّلاثة الّذين خلّفوا،و المعنى الثّاني،أي الرّحمة و الرّضوان هو المراد بتوبته تعالى على النّبيّ و الصّحابة الّذين اتّبعوه و ائتمروا بأمره حتّى في ساعة العسرة.

أمّا القرينة على إرادة الرّضوان من توبته تعالى على النّبيّ و صحابته فهي طبيعة الحال،و نعني بها عصمة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الذّنوب،و طاعة من تابعه في ساعة العسرة.[إلى أن قال:]

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ ممّا كانوا قد همّوا به من مفارقة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و المراد بالتّوبة هنا أنّ اللّه سبحانه يعاملهم معاملة من لم يهمّ بالذّنب،لأنّ من همّ بالسّيّئة و لم يفعلها فلا تكتب عليه.(4:113)

مكارم الشّيرازيّ: قرأنا في الآية الأولى أنّ اللّه سبحانه قد تاب على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المهاجرين و الأنصار، و قبل توبتهم.و لا شكّ أنّ النّبيّ معصوم من الذّنوب،و لم يرتكب معصية ليتوب فيقبل اللّه توبته،و إن كان بعض مفسّري أهل السّنّة قد اعتبروا التّعبير في هذه الآية

ص: 83

دليلا على صدور السّهو و المعصية من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في أحداث تبوك.

إلاّ أنّ التّدقيق في نفس هذه الآية و سائر آيات القرآن سيرشدنا إلى عدم صحّة هذا التّفسير،لأنّ:

أوّلا:إنّ معنى توبة اللّه سبحانه:رجوعه بالرّحمة و الرّعاية على عباده،و لا يوجد في هذا المعنى أثر للزّلل أو المعصية،كما قال في سورة النّساء:26،بعد ذكر قسم من الأحكام: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ففي هذه الآية،و الّتي قبلها لم يرد حديث عن الزّلل و المعصية،بل الكلام-كما تصرّح به هذه الآية-عن تبيين الأحكام و الإرشاد إلى سنن الماضين القيّمة المفيدة،و هذا بنفسه يوضّح أنّ التّوبة هنا بمعنى شمول رحمة اللّه سبحانه لعباده.

ثانيا:لقد ورد في كتب اللّغة أنّ أحد معاني التّوبة هو ما ذكرناه،ففي كتاب«القاموس»المعروف ورد في أنّ هذا هو أحد معاني التّوبة ما لفظه:رجع عليه بفضله و قبوله.

و ثالثا:إنّ الآية تحصر الانحراف عن طريق الحقّ و التّخلّف عنه بجماعة من المؤمنين،مع أنّها تصرّح بأنّ الرّحمة الإلهيّة تعمّ الجميع،و هو بنفسه يبيّن أنّ توبة اللّه هنا ليست بمعنى قبول عذر العباد،بل هي الرّحمة الإلهيّة الخاصّة الّتي أدركت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كلّ المؤمنين بدون استثناء،من المهاجرين و الأنصار،في اللّحظات الحسّاسة،و ثبتت أقدامهم في أمر الجهاد.(6:231)

5- وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. التّوبة:118

الحسن :جعل لهم التّوبة ليتوبوا بها،و المخرج ليخرجوا به.(الطّوسيّ 5:365)

أما و اللّه ما سفكوا من دم،و لا أخذوا من مال، و لا قطعوا من رحم،و لكنّ المسلمين تسارعوا في الشّخوص مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تخلّف هؤلاء،و كان أحدهم تخلّف بسبب ضيعة له،و الآخر لأهله،و الآخر طلبا للرّاحة،ثمّ ندموا و تابوا،فقبل اللّه توبتهم.

(الطّبرسيّ 3:80)

الطّوسيّ: و قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا قيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:لطف لهم في التّوبة،كما يقال في الدّعاء:

تاب اللّه عليه.

الثّاني:قبل توبتهم ليتمسّكوا بها في المستقبل.

الثّالث:قبل توبتهم ليرجعوا إلى حال الرّضا عنهم.

[إلى أن قال:]

فإن قيل:ما معنى التّوبة عليهم و اللاّئمة لهم و هم قد خلّفوا فهلاّ عذّروا؟

قيل:ليس المعنى أنّهم أمروا بالتّخلّف و رضي منهم به،كقولك لصاحبك:أين خلّفت فلانا؟فيقول:بموضع كذا،ليس يريد أنّه أمره بالتّخلّف هناك بل لعلّه أن يكون نهاه،و إنّما يريد أنّه تخلّف هناك.(5:365)

الميبديّ: أعاد التّوبة للتّوكيد،لأنّ ذكر التّوبة على هؤلاء مضى في قوله:(و على الثّلثة)،و في معنى

ص: 84

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا لطف بهم في التّوبة و وفّقهم لها.(4:228)

الزّمخشريّ: ثمّ رجع عليهم بالقبول و الرّحمة كرّة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم و يثبتوا،و ليتوبوا أيضا فيما يستقبل إن فرطت منهم خطيئة،علما منهم أنّ اللّه توّاب على من تاب و لو عاد في اليوم مائة مرّة.

(2:218)

نحوه البيضاويّ.(1:435)

ابن عطيّة: لمّا كان هذا القول في تعديد نعمه بدأ في ترتيبه بالجهة الّتي هي عن اللّه عزّ و جلّ،ليكون ذلك منبّها على تلقّي النّعمة من عنده لا ربّ غيره.و لو كان القول في تعديد ذنب لكان الابتداء بالجهة الّتي هي عن المذنب،كما قال اللّه تعالى: فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ الصّفّ:5،ليكون هذا أشدّ تقريرا للذّنب عليهم،و هذا من فصاحة القرآن و بديع نظمه و معجز اتّساقه.(3:94)

الطّبرسيّ: أي ثمّ سهّل اللّه عليهم التّوبة حتّى تابوا.

و قيل:(ليتوبوا)أي ليعودوا إلى حالتهم الأولى قبل المعصية.

و قيل:معناه ثمّ تاب على الثّلاثة و أنزل توبتهم على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله ليتوب المؤمنون من ذنوبهم،لعلمهم بأنّ اللّه سبحانه قابل التّوبة.(3:80)

ابن الجوزيّ: أعاد التّوبة تأكيدا(ليتوبوا).قال ابن عبّاس:ليستقيموا.و قال غيره:وفّقهم للتّوبة ليدوموا عليها و لا يرجعوا إلى ما يبطلها.

و سئل بعضهم عن التّوبة النّصوح فقال:أن تضيق على التّائب الأرض،و تضيق عليه نفسه،كتوبة كعب و صاحبيه.(3:513)

الفخر الرّازيّ: و لمّا وصفهم اللّه بهذه الصّفات الثّلاث قال: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ و فيه مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّه لا بدّ هاهنا من إضمار، و التّقدير:حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و ظنّوا أن لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه،تاب عليهم ثمّ تاب عليهم،فما الفائدة في هذا التّكرار؟

قلنا:هذا التّكرير حسن للتّأكيد كما أنّ السّلطان إذا أراد أن يبالغ في تقرير العفو لبعض عبيده يقول:عفوت عنك ثمّ عفوت عنك.

فإن قيل:فما معنى قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا؟

قلنا:فيه وجوه:

الأوّل:قال أصحابنا:المقصود منه بيان أنّ فعل العبد مخلوق للّه تعالى،فقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يدلّ على أنّ التّوبة فعل اللّه،و قوله:(ليتوبوا)يدلّ على أنّها فعل العبد،فهذا صريح قولنا،و نظيره فَلْيَضْحَكُوا التّوبة:

82،مع قوله: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى النّجم:43، و قوله: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ الأنفال:5،مع قوله:

إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا التّوبة:40،و قوله: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ يونس:22،مع قوله: قُلْ سِيرُوا الأنعام:11.

و الثّاني:المراد تاب اللّه عليهم في الماضي،ليكون ذلك داعيا لهم إلى التّوبة في المستقبل.

ص: 85

و الثّالث:أصل التّوبة:الرّجوع،فالمراد ثمّ تاب عليهم ليرجعوا إلى حالهم و عادتهم في الاختلاط بالمؤمنين،و زوال المباينة،فتسكن نفوسهم عند ذلك.

الرّابع: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي ليدوموا على التّوبة،و لا يراجعوا ما يبطلها.

الخامس: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لينتفعوا بالتّوبة و يتوفّر عليهم ثوابها،و هذان النّفعان لا يحصلان إلاّ بعد توبة اللّه عليهم.

المسألة الثّانية:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ قبول التّوبة غير واجب على اللّه عقلا،قالوا:لأنّ شرائط التّوبة في حقّ هؤلاء قد حصلت من أوّل الأمر.

ثمّ إنّه عليه الصّلاة و السّلام ما قبلهم و لم يلتفت إليهم، و تركهم مدّة خمسين يوما أو أكثر،و لو كان قبول التّوبة واجبا عقلا لما جاز ذلك.

أجاب الجبّائيّ عنه بأن قال:يقال:إنّ تلك التّوبة صارت مقبولة من أوّل الأمر،لكنّه يقال:أراد تشديد التّكليف عليهم لئلاّ يتجرّأ أحد على التّخلّف عن الرّسول فيما يأمر به من جهاد و غيره.و أيضا لم يكن نهيه عليه الصّلاة و السّلام عن كلامهم عقوبة،بل كان على سبيل التّشديد في التّكليف.

قال القاضي:و إنّما خصّ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام هؤلاء الثّلاثة بهذا التّشديد،لأنّهم أذعنوا بالحقّ و اعترفوا بالذّنب فالّذي يجري عليهم،و هذه حالهم يكون في الزّجر أبلغ ممّا يجري على من يظهر العذر من المنافقين.

و الجواب:أنّا متمسّكون بظاهر قوله تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ و كلمة(ثمّ)للتّراخي،فمقتضى هذا اللّفظ تأخير قبول التّوبة،فإن حملتم ذلك على تأخير إظهار هذا القبول كان ذلك عدولا عن الظّاهر من غير دليل.

فإن قالوا:الموجب لهذا العدول قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25.

قلنا:صيغة(يقبل)للمستقبل،و هو لا يفيد الفور أصلا بالإجماع،ثمّ إنّه تعالى ختم الآية بقوله: إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. (16:219)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(11:34)

القرطبيّ: المعنى ثمّ تاب عليهم ليثبتوا على التّوبة، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا النّساء:

136،و قيل:أي فسح لهم و لم يعجّل عقابهم كما فعل بغيرهم،قال جلّ و عزّ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160.

(8:288)

أبو حيّان :و يكون قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ بعد قوله: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ التّوبة:117،و دعوى أنّ(ثمّ)زائدة،و جواب(اذا)ما بعد(ثمّ)بعيد جدّا و غير ثابت من لسان العرب زيادة«ثمّ».

و من زعم أنّ(اذا)بعد(حتّى)قد تجرّد من الشّرط و تبقى لمجرّد الوقت،فلا تحتاج إلى جواب،بل تكون غاية للفعل الّذي قبلها،و هو قوله:(خلّفوا)أي خلّفوا إلى هذا الوقت.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:معنى(ليتوبوا)ليدوموا على التّوبة و لا يراجعوا ما يبطلها.

و قيل:(ليتوبوا)ليرجعوا إلى حالهم و عادتهم من

ص: 86

الاختلاط بالمؤمنين و تستكنّ نفوسهم عند ذلك.

(5:110)

البروسويّ: أي وفّقهم للتّوبة(ليتوبوا)ليرجعوا عن المعصية.و اعلم أنّ هاهنا أمورا ثلاثة:التّوفيق للتّوبة و هو ما دلّ عليه قوله:(ثمّ تاب)،و نفس التّوبة و هو ما دلّ عليه قوله:(ليتوبوا)،و قبول اللّه تعالى إيّاها و هو ما دلّ عليه قوله:(و على الثّلثة).

و إنّما عطف الأمر الأوّل على الثّالث بكلمة(ثمّ) لكونه أصل الجميع مقدّما على الأمر الثّالث بمرتبتين، فتكون كلمة(ثمّ)للتّراخي الرّتبيّ.

و يجوز أن يكون المعنى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ أي أنزل قبول توبتهم(ليتوبوا)أي ليصيروا من جملة التّوّابين و يعدّوا منهم،فتكون كلمة(ثمّ)على أصل معناها،لأنّ إنزال القبول متفرّع على نفس القبول المذكور بقوله:

(و على الثّلثة).(3:528)

الآلوسيّ: أي وفّقهم للتّوبة(ليتوبوا)أو أنزل قبول توبتهم في القرآن و أعلمهم بها ليعدّهم المؤمنون في جملة التّائبين،أو رجع عليهم بالقبول و الرّحمة مرّة بعد أخرى ليستقيموا على التّوبة و يستمرّوا عليها.

و قيل:التّوبة ليست هي المقبولة،و المعنى قبل توبتهم من التّخلّف ليتوبوا في المستقبل؛إذ صدرت منهم هفوة،و لا يقنطوا من كرمه سبحانه.(11:42)

نحوه رشيد رضا(11:66)،و المراغيّ(11:42).

محمّد جواد مغنية:و تسأل أنّ الظّاهر من قوله تعالى: تابَ عَلَيْهِمْ أنّهم قد تابوا و قبلت توبتهم، و الظّاهر من قوله:(ليتوبوا)أنّهم لم يتوبوا بعد،فما هو وجه الجمع؟

و أجيب بأجوبة أرجحها أنّ المراد ب تابَ عَلَيْهِمْ أنّه تعالى يقبل توبتهم لكي يتوبوا و لا يصرّوا على الذّنب،و يقولوا:لو قبل اللّه منّا التّوبة لتبنا،فهو أشبه بما لو أساء إليك من تحبّ و أنت تريد أن تغفر له،و لكن بسبب،فتلقّنه العذر ليعتذر هو،و تغفر أنت.(4:115)

الطّباطبائيّ: [مضى نصّه خلال آية(4)]

6- إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً... *وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً.

الفرقان:70،71

ابن عبّاس: المعنى من آمن من أهل مكّة و هاجر و لم يكن قتل وزنى،بل عمل صالحا و أدّى الفرائض، فإنّه يتوب إلى اللّه متابا.(القرطبيّ 13:79)

ابن الأنباريّ: معناه من أراد التّوبة و قصد حقيقتها،فينبغي له أن يريد اللّه بها و لا يخلط بها ما يفسدها،و هذا كما يقول الرّجل:من تجر فإنّه يتّجر في البزّ،و من ناظر فإنّه يناظر فى النّحو،أي من أراد ذلك فينبغي أن يقصد هذا الفنّ.

و يجوز أن يكون معنى هذه الآية:و من تاب و عمل صالحا فإنّ ثوابه و جزاءه يعظمان له عند ربّه الّذي أراد بتوبته.فلمّا كان قوله: فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً يؤدّي عن هذا المعنى كفى منه،و هذا كما يقول الرّجل للرّجل:إذا تكلّمت فاعلم أنّك تكلّم الوزير،أي تكلّم من يعرف كلامك و يجازيك،و مثله قوله تعالى: إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ

ص: 87

تَوَكَّلْتُ يونس:71،أي فإنّي أتوكّل على من ينصرني و لا يسلمني.

و قال قوم:معنى الآية فإنّه يرجع إلى اللّه مرجعا يقبله منه.(ابن الجوزيّ 6:108)

القفّال: يحتمل أن تكون الآية الأولى[الفرقان:

70]فيمن تاب من المشركين،و لهذا قال: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ ثمّ عطف عليه من تاب من المسلمين و أتبع توبته عملا صالحا فله حكم التّائبين أيضا.

(القرطبيّ 13:79)

الطّوسيّ: (و من تاب)من معاصيه و أقلع عنها و ندم عليها و أضاف إلى ذلك الأعمال الصّالحات فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً أي يرجع إليه مرجعا عظيما جميلا.

و فرّق الرّمّانيّ بين التّوبة إلى اللّه و التّوبة من القبيح لقبحه،بأنّ التّوبة إلى اللّه تقتضي طلب الثّواب،و ليس كذلك التّوبة من القبيح لقبحه.(7:510)

البغويّ: قال بعض أهل العلم:هذا في التّوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل و الزّنى،يعني من تاب من الشّرك و عمل صالحا،أي أدّى الفرائض ممّن لم يقتل و لم يزن فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ أي يعود إليه بعد الموت(متابا)حسنا،يفضّل به على غيره ممّن قتل وزنى،فالتّوبة الأولى و هو قوله:(و من تاب)رجوع عن الشّرك،و الثّاني رجوع إلى اللّه للجزاء و المكافأة.

قال بعضهم:هذه الآية أيضا في التّوبة عن جميع السّيّئات،و معناه و من أراد التّوبة و عزم عليها فليتب لوجه اللّه،و قوله: يَتُوبُ إِلَى اللّهِ خبر بمعنى الأمر، أي ليتب إلى اللّه.و قيل:معناه فليعلم أنّ توبته و مصيره إلى اللّه.(3:459)

مثله الميبديّ(7:67)،و الخازن(5:90).

الزّمخشريّ: و من يترك المعاصي و يندم عليها و يدخل في العمل الصّالح،فإنّه بذلك تائب إلى اللّه(متابا) مرضيّا عنده،مكفّرا للخطايا محصّلا للثّواب،أو فإنّه تائب متابا إلى اللّه الّذي يعرف حقّ التّائبين،و يفعل بهم ما يستوجبون و الّذي يحبّ التّوّابين و يحبّ المتطهّرين.

و في كلام بعض العرب:اللّه أفرح بتوبة العبد من المظلّ الواجد و الظّمآن الوارد،و العقيم الوالد.أو فإنّه يرجع إلى اللّه و إلى ثوابه مرجعا حسنا،و أيّ مرجع.(3:101)

نحوه النّيسابوريّ(19:35)،و أبو السّعود(5:26).

ابن عطيّة: أكّد بهذه الألفاظ أمر التّوبة و المعنى (و من تاب)فإنّه قد تمسّك بأمر وثيق و هكذا،كما تقول لمن تستحسن قوله في أمره:لقد قلت يا فلان قولا، فكذلك الآية معناها مدح المتاب،كأنّه قال:فإنّه يجد بابا للفرج و المغفرة عظيما.(4:221)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

فعلى هذا يكون المعنى:من عزم على التّوبة من المعاصي فإنّه ينبغي أن يوجّه توبته إلى اللّه بالقصد إلى طلب جزائه و رضائه عنه،فإنّه يرجع إلى اللّه فيكافئه.

و قيل:معناه من تاب و عمل صالحا فقد انقطع إلى اللّه فأعرفوا ذلك له:فإنّ من انقطع إلى خدمة بعض الملوك فقد أحرز شرفا،فكيف المنقطع إلى اللّه سبحانه؟

(4:181)

الفخر الرّازيّ: ففيه سؤالان:

ص: 88

السّؤال الأوّل:ما فائدة هذا التّكرير؟

الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ هذا ليس بتكرير،لأنّ الأوّل لمّا كان في تلك الخصال بيّن تعالى أنّ جميع الذّنوب بمنزلتها في صحّة التّوبة منها.

الثّاني:أنّ التّوبة الأولى رجوع عن الشّرك و المعاصي،و التّوبة الثّانية رجوع إلى اللّه تعالى للجزاء و المكافأة،كقوله تعالى: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ الرّعد:30،أي مرجعي.

السّؤال الثّاني:هل تكون التّوبة إلاّ إلى اللّه تعالى فما فائدة قوله: فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً؟

الجواب من وجوه:

الأوّل:ما تقدّم من أنّ التّوبة الأولى الرّجوع عن المعصية،و الثّانية الرّجوع إلى حكم اللّه تعالى و ثوابه.

الثّاني:معناه أنّ من تاب إلى اللّه فقد أتى بتوبة مرضيّة للّه مكفّرة للذّنوب محصّلة للثّواب العظيم.

الثّالث:قوله:(و من تاب)يرجع إلى الماضي،فإنّه سبحانه ذكر أنّ من أتى بهذه التّوبة في الماضي على سبيل الإخلاص فقد وعده بأنّه سيوفّقه للتّوبة في المستقبل، و هذا من أعظم البشارات.(24:113)

القرطبيّ: لا يقال:«من قام فإنّه يقوم»فكيف قال:من تاب فإنّه يتوب؟[نقل قولي ابن عبّاس و القفّال ثمّ قال:]

و قيل:أي من تاب بلسانه و لم يحقّق ذلك بفعله فليست تلك التّوبة نافعة،بل من تاب و عمل صالحا فحقّق توبته بالأعمال الصّالحة فهو الّذي تاب إلى اللّه متابا،أي تاب حقّ التّوبة و هي النّصوح،و لذا أكّد بالمصدر،ف(متابا)مصدر معناه التّأكيد،كقوله: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،أي فإنّه يتوب إلى اللّه حقّا فيقبل اللّه توبته حقّا.(13:79)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ(و من تاب)أي أنشأ التّوبة، فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ أي يرجع إلى ثوابه و إحسانه.[ثمّ ذكر قولي ابن عطيّة و الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:من عزم على التّوبة فإنّه يتوب إلى اللّه فليبادر إليها و يتوجّه بها إلى اللّه.

و قيل:من تاب من ذنوبه فإنّه يتوب إلى من يقبل التّوبة عن عباده،و يعفو عن السّيّئات.

و قيل:و من تاب استقام على التّوبة،فإنّه يتوب إلى اللّه،أي فهو التّائب حقّا عند اللّه.(6:516)

الشّربينيّ: أي عن ذنوبه غير ما ذكر...(فانّه يتوب)أي يرجع واصلا(الى اللّه)،أي الّذي له صفات الكمال فهو يقبل التّوبة عن عباده و يعفو عن السّيّئات (متابا)أي رجوعا مرضيّا عند اللّه بأن يرغّبه تعالى في الأعمال الصّالحة،فلا يزال كلّ يوم في زيادة بنيّته و عمله،فيخفّ عليه ما كان ثقيلا و يتيسّر عليه ما كان عسيرا،و يسهل عليه ما كان صعبا،كما مرّ في: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يونس:9،و لا يزال كذلك حتّى يحبّه فيكون سمعه الّذي يسمع به،و بصره الّذي يبصر به، و يده الّتي يبطش بها،و رجله الّتي يمشي بها بأن يوفّقه للخير،فلا يسمع إلاّ ما يرضيه و هكذا.(2:676)

البروسويّ: أي رجع عن المعاصي مطلقا بتركها

ص: 89

بالكلّيّة و النّدم عليها، وَ عَمِلَ صالِحاً يتدارك به ما فرط منه،أو خرج عن المعاصي و دخل في الطّاعات، (فإنّه)بما فعل(يتوب الى اللّه)يرجع إليه تعالى بعد الموت.قال الرّاغب:ذكر(الى)يقتضي الإنابة.(متابا) أي متابا عظيم الشّأن مرضيّا عنده،ماحيا للعقاب محصّلا للثّواب،فلا يتّحد الشّرط و الجزاء،لأنّ في الجزاء معنى زائدا على ما في الشّرط،فإنّ الشّرط هو التّوبة بمعنى الرجوع عن المعاصي،و الجزاء هو الرّجوع إلى اللّه رجوعا مرضيّا.

قال الرّاغب: (متابا)أي التّوبة التّامّة،و هو الجمع بين ترك القبيح و تحرّي الجميل،انتهى.و هذا تعميم بعد التّخصيص،لأنّ متعلّق التّوبة في الآية الأولى الشّرك و القتل و الزّنى فقط،و هاهنا مطلق المعاصي.

و التّوبة في الشّرع:ترك الذّنب لقبحه و النّدم على ما فرط منه،و العزيمة على ترك المعاودة،و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من الإعادة،فمتى اجتمع هذه الأربع فقد كمل شرائط التّوبة.

قال ابن عطاء: التّوبة:الرّجوع من كلّ خلق مذموم و الدّخول في كلّ خلق محمود،أي و هي توبة الخواصّ.

و قال بعضهم:التّوبة أن يتوب من كلّ شيء سوى اللّه تعالى أي و هي توبة الأخصّ،فعليك بالتّوبة و الاستغفار فإنّها صابون الأوزار.(6:248)

نحوه الآلوسيّ(19:50)،و المراغيّ(19:40).

الطّباطبائيّ: «المتاب»مصدر ميميّ للتّوبة، و سياق الآية يعطي أنّها مسوقة لرفع استغراب تبدّل السّيّئات حسنات بتعظيم أمر التّوبة،و أنّها رجوع خاصّ إلى اللّه سبحانه،فلا بدع في أن يبدّل السّيّئات حسنات،و هو اللّه يفعل ما يشاء.

و في الآية-مع ذلك-شمول للتّوبة من جميع المعاصي،سواء قارنت الشّرك أم فارقته.و الآية السّابقة [الفرقان:70]كانت خفيّة الدّلالة على حال المعاصي إذا تجرّدت من الشّرك.(15:243)

7- ...عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ.... المزّمّل:20

الطّوسيّ: أي لم يلزمكم إثما كما لا يلزم التّائب،أي رفع التّبعة فيه كرفع التّبعة عن التّائب.(10:69)

البغويّ: فعاد عليكم بالعفو و التّخفيف.(5:170)

الزّمخشريّ: عبارة عن التّرخيص في ترك القيام المقدّر،كقوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ البقرة:187،و المعنى:أنّه رفع التّبعة في تركه عنكم كما يرفع التّبعة عن التّائب.(4:179)

مثله الفخر الرّازيّ(30:186)،و نحوه أبو السّعود (6:324).

القرطبيّ: أي فعاد عليكم بالعفو.و هذا يدلّ على أنّه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به.و قيل:أي فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم.و أصل التّوبة:

الرّجوع كما تقدّم.

فالمعنى رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف،و من عسر إلى يسر.و إنّما أمروا بحفظ الأوقات على طريق التّحرّي،فخفّف عنهم ذلك التّحرّي.(19:52)

نحوه أبو حيّان.(8:367)

النّيسابوريّ: ما فرط منكم في مساهلة حصر

ص: 90

الأوقات،و رفع تبعته عنكم.(29:81)

الشّربينيّ: أي رجع بكم إلى التّخفيف بالتّرخّص لكم،في ترك القيام المقدّر أوّل السّورة.(4:422)

نحوه المراغيّ.(29:120)

الآلوسيّ: أي بالتّرخيص في ترك القيام المقدّر، و رفع التّبعة عنكم في تركه.فالكلام على الاستعارة حيث شبّه التّرخيص بقبول التّوبة في رفع التّبعة، و استعمل اللّفظ الشّائع في المشبّه به في المشبّه كما في قوله تعالى: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ البقرة:187.

و زعم بعضهم أنّه على ما يتبادر منه فقال:فيه دليل على أنّه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به،و ليس بشيء.

(29:111)

الطّباطبائيّ: توبته تعالى و رجوعه إليهم بمعنى انعطاف الرّحمة الإلهيّة عليهم بالتّخفيف،فللّه سبحانه توبة على عباده ببسط رحمته عليهم،و أثرها توفيقهم للتّوبة أو لمطلق الطّاعة،أو رفع بعض التّكاليف أو التّخفيف.قال تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا التّوبة:

118،كما أنّ له توبة عليهم بمعنى الرّجوع إليهم بعد توبتهم،و أثرها مغفرة ذنوبهم،و قد تقدّمت الإشارة إليه.

(20:75)

عبد الكريم الخطيب :أي فقبل منكم هذا التّقصير،قبول التّائب من ذنبه،فيرفع عنه وزره، و يغسل ذنوبه،كما يغسل الثّوب ممّا علّق به.

(15:1272)

فضل اللّه :أي خفّف عنكم فلم يلزمكم بقيام اللّيل،فلو تركتموه لم يكن عليكم حرج،كما هو الأمر بالنّسبة إلى التّائب الّذي لا يبقى عليه شيء من ذنبه بعد التّوبة.(23:191)

مكارم الشّيرازيّ: و المراد ب(تاب عليكم)خفّف عليكم التّكاليف،و ليس التّوبة من الذّنب.و يحتمل أن لا يتّخذ الذّنب صورة في حال رفع الحكم الوجوبي فتتمّ بذلك المغفرة الإلهيّة.(19:132)

تابوا

1- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ. البقرة:160

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف يتاب على من تاب،و ما وجه قوله: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ، و هل يكون تائب إلاّ و هو متوب عليه،أو متوب عليه إلاّ و هو تائب؟

قيل:ذلك ممّا لا يكون أحدهما إلاّ و الآخر معه، فسواء قيل:إلاّ الّذين تيب عليهم فتابوا،أو قيل:إلاّ الّذين تابوا فإنّي أتوب عليهم.و قد بيّنّا وجه ذلك فيما جاء من الكلام هذا المجيء في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا،فكرهنا إعادته في هذا الموضع.(2:57)

الزّجّاج: و المعنى أنّ من تاب بعد هذا،و تبيّن منهم أنّ ما أتى به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حقّ،قبل اللّه توبته فأعلم اللّه عزّ و جلّ:أنّه يقبل التّوبة و يرحم و يغفر الذّنب الّذي لا غاية بعده.(1:235)

الطّوسيّ: أقبل توبتهم،و الأصل في(اتوب):

أفعل التّوبة،إلاّ أنّه لمّا وصل بحرف الإضافة دلّ على أنّ

ص: 91

معناه أقبل التّوبة،و إنّما كان لفظه مشتركا بين فاعل التّوبة و القابل لها،للتّرغيب في صفة التّوبة؛إذ وصف بها القابل لها،و هو اللّه؛و ذلك من إنعام اللّه على عباده،لئلاّ يتوهّم بما فيها من الدّلالة على مقارفة الذّنب أنّ الوصف بها عيب،فلذلك جعلت في أعلى صفات المدح.

و التّوبة هي النّدم الّذي يقع موقع التّنصّل من الشّيء؛و ذلك بالتّحسّر على موافقته،و العزم على ترك معاودته إن أمكنت المعاودة،و اعتبر قوم المعاودة إلى مثله في القبح.و هو الأقوى،لإجماع الأمّة على سقوط العقاب عندها،و ما عداها فمختلف فيه.

فإن قيل:ما الفائدة في هذا الإخبار،و قد علمنا أنّ العبد متى تاب لا بدّ أن يتوب اللّه عليه؟

قلنا:أمّا على مذهبنا،فله فائدة واضحة،و هو أنّ إسقاط العقاب عندها ليس بواجب عقلا،فإذا أخبر بذلك أفادنا ما لم نكن عالمين به.و من خالف في ذلك قال:وجه ذلك أنّه لمّا كانت توبة مقبولة و توبة غير مقبولة،صحّت الفائدة بالدّلالة على أنّ هذه التّوبة مقبولة.و معنى قبول التّوبة:حصول الثّواب عليها، و إسقاط العقاب عندها.(2:48)

نحوه الطّبرسيّ.(1:242)

البغويّ: أتجاوز عنهم جميع سيّئاتهم،و أقبل توبتهم.(1:194)

نحوه الشّربينيّ.(1:108)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن عظيم الوعيد في الّذين يكتمون ما أنزل اللّه كان يجوز أن يتوهّم أنّ الوعيد يلحقهم على كلّ حال،فبيّن تعالى أنّهم إذا تابوا تغيّر حكمهم،و دخلوا في أهل الوعد.

و قد ذكرنا أنّ التّوبة عبارة عن النّدم على فعل القبيح،لا لغرض سواه،لأنّ من ترك ردّ الوديعة ثمّ ندم عليه-لأنّ النّاس ذمّوه،أو لأنّ الحاكم ردّ شهادته-لم يكن تائبا.و كذلك لو عزم على ردّ كلّ وديعة،و القيام بكلّ واجب،لكي تقبل شهادته،أو يمدح بالثّناء عليه لم يكن تائبا،و هذا معنى الإخلاص في التّوبة.

ثمّ بيّن تعالى أنّه لا بدّ له بعد التّوبة من إصلاح ما أفسده،مثلا لو أفسد على غيره دينه بإيراد شبهة عليه،يلزمه إزالة تلك الشّبهة،ثمّ بيّن ثالثا أنّه بعد ذلك يجب عليه فعل ضدّ الكتمان و هو البيان،و هو المراد بقوله:(و بيّنوا)فدلّت هذه الآية على أنّ التّوبة لا تحصل إلاّ بترك كلّ ما لا ينبغي،و بفعل كلّ ما ينبغي.

قالت المعتزلة:الآية تدلّ على أنّ التّوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على البعض لا تصحّ،لأنّ قوله:

(و اصلحوا)عامّ في الكلّ.

و الجواب عنه:أنّ اللّفظ المطلق يكفي في صدقه حصول فرد واحد من أفراده.

قال أصحابنا:تدلّ الآية على أنّ قبول التّوبة غير واجب عقلا،لأنّه تعالى ذكر ذلك في معرض المدح و الثّناء على نفسه،و لو كان ذلك واجبا لما حسن هذا المدح.

و معنى(اتوب عليهم)أقبل توبتهم،و قبول التّوبة يتضمّن إزالة عقاب ما تاب منها.

فإن قيل:هلاّ قلتم:إنّ معنى فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ هو قبول التّوبة بمعنى المجازاة و الثّواب كما تقولون

ص: 92

في قبول الطّاعة.

قلنا:الطّاعة إنّما أفاد قبولها استحقاق الثّواب،لأنّه لا يستحقّ بها سواه و هو الغرض بفعلها،و ليس كذلك التّوبة لأنّها موضوعة لإسقاط العقاب،و هو الغرض بفعلها،و إن كان لا بدّ من أن يستحقّ بها الثّواب إذا لم يكن مخطئا.(4:186)

القرطبيّ: استثنى تعالى التّائبين الصّالحين لأعمالهم و أقوالهم،المنيبين لتوبتهم.و لا يكفي في التّوبة عند علمائنا قول القائل:قد تبت،حتّى يظهر منه في الثّاني خلاف الأوّل.

فإن كان مرتدّا رجع إلى الإسلام مظهرا شرائعه، و إن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصّالح، و جانب أهل الفساد و الأحوال الّتي كان عليها،و إن كان من أهل الأوثان جانبهم و خالط أهل الإسلام،و هكذا يظهر عكس ما كان عليه.(2:187)

أبو حيّان :أي أعطف عليهم.و من تاب اللّه عليه لا تلحقه لعنة.(1:460)

الشّربينيّ: أي رجعوا عن الكتمان،و سائر ما يجب أن يتاب منه.(1:108)

أبو السّعود :(اتوب)أي بالقبول و إفاضة المغفرة و الرّحمة.(1:224)

البروسويّ: أي بالقبول و إفاضة الرّحمة و المغفرة.

فإنّ التّوبة إذا أسندت إليه تعالى بأن قيل:تاب اللّه أو يتوب،تكون بمعنى المقبول،و قبول التّوبة يتضمّن المغفرة،أي إزالة عقاب من تاب.(1:265)

الآلوسيّ: أي رجعوا عن الكتمان أو عنه،و عن سائر ما يجب أن يتاب عنه،بناء على أنّ حذف المعمول يفيد العموم.و فيه إشارة إلى أنّ التّوبة عن الكتمان فقط لا يوجب صرف اللّعن عنهم ما لم يتوبوا عن الجميع،فإنّ للعنهم أسبابا جمّة.

(و اصلحوا)ما أفسدوا بالتّدارك فيما يتعلّق بحقوق الحقّ و الخلق،و من ذلك أن يصلحوا قومهم بالإرشاد إلى الإسلام بعد الإضلال،و أن يزيلوا الكلام المحرّف و يكتبوا مكانه ما كانوا أزالوه عند التّحريف.(و بيّنوا)أي أظهروا ما بيّنه اللّه تعالى للنّاس معاينة،و بهذين الأمرين تتمّ التّوبة.

و قيل:أظهروا ما أحدثوه من التّوبة،ليمحوا سمة الكفر عن أنفسهم،و يقتدي بهم أضرابهم،فإنّ إظهار التّوبة ممّن يقتدي به شرط فيها على ما يشير إليه بعض الآثار.

و فيه أنّ الصّحيح أنّ إظهار التّوبة إنّما هو لدفع معصية المتابعة و ليس شرطا في التّوبة عن أصل المعصية،فهو داخل في قوله تعالى:(و اصلحوا) فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بالقبول و إفاضة المغفرة و الرّحمة.(2:28)

نحوه المراغيّ.(2:31)

رشيد رضا :أي أرجع و أعود عليهم بالرّحمة و الرّأفة بعد الحرمان المعبّر عنه باللّعنة.

قال الأستاذ:و هذا من ألطف أنواع التّأديب الإلهيّ، فإنّه لم يذكر أنّه يقبل توبتهم كما هو الواقع،بل أسند إلى ذاته العليّة فعل التّوبة الّذي أسنده إليهم.(2:50)

فضل اللّه :و أنابوا إلى اللّه و غيّروا و بدّلوا،و بدءوا

ص: 93

بحمل الرّسالة و الدّعوة إليه تعالى.[إلى أن قال:]

فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ فأغفر لهم ما أسلفوه من الذّنوب.(3:137)

مكارم الشّيرازيّ: لمّا كان القرآن كتاب هداية، فإنّه لا يغلق منافذ الأمل و التّوبة أمام الأفراد،و لا يقطع أملهم في العودة مهما ارتكسوا في الذّنوب،لذلك تبيّن الآية التّالية طريق النّجاة من هذا الذّنب الكبير،و تقول:

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ.

عبارة: وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ جاءت بعد عبارة فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ للدّلالة على كثرة محبّة اللّه، و سبق عطفه على عباده التّائبين،فيقول اللّه سبحانه لهؤلاء:إن تبتم،أي عدتم إلى نشر الحقائق،فأنا أعود أيضا إلى إغداق الرّحمة و المواهب عليكم.

و من الملفت للنّظر أنّ اللّه لم يقل أنّه يقبل التّوبة ممّن تاب،بل يقول:من تاب فأنا أيضا أتوب عليه.و الفرق في التّعبيرين واضح،فالثّاني فيه من التّودّد و التّحنّن و إغداق اللّطف ما لا يمكن وصفه.(1:402)

2- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. آل عمران:89

الطّوسيّ: إن قيل:إذا كانت التّوبة من الذّنب لا تصلح إلاّ بعد فعله،فلم قال:(من بعد ذلك).

قيل:فائدته أنّه يفيد معنى تابوا منه،لأنّ توبتهم من غيره لا تنفع في التّخلّص منه،كما لا تنفع التّوبة من الكبير في التّخلّص من الصّغير.فأمّا من قال:إنّ التّوبة من معصية لا تصحّ مع الإقامة على معصية أخرى،فإنّه يقول ذلك على وجه التّأكيد.

فإن قيل:إذا كانت التّوبة وحدها تسقط العقاب و تحصّل الثّواب فلم شرط معها الإصلاح؟

قيل:الوجه في ذلك إزالة الإبهام لئلاّ يعتقد،أنّه إذا حصل الإيمان،و التّوبة من الكفر لا يضرّ معه شيء من أفعال القبائح،كقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فصّلت:8،فذكر مع الإيمان عمل الصّالحات،لإزالة الإيهام بأنّ من كان مؤمنا في الحكم،لم يضرّه مع ذلك ما عمله من المعاصي.

و قبول التّوبة واجب،لأنّها طاعة،و استحقاق الثّواب بها ثابت عقلا.فأمّا سقوط العقاب عندها،فإنّما هو تفضّل من اللّه،و لو لا أنّ السّمع ورد بذلك،و إلاّ فلا دلالة في العقل على ذلك.(2:526)

الميبديّ: كلّما ذكرت التّوبة في القرآن قرنت بالإصلاح لأنّ حقيقة التّوبة شيئان:الإخلاص و إصلاح الأعمال،و باجتماعهما تصحّ التّوبة.

فإن قيل:لم قال في البقرة:160 إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا، و هنا لم يقل:(و بيّنوا)؟

قيل في الجواب:إنّ الآية في البقرة نزلت في شأن أحبار اليهود الّذين كتموا وصف محمّد في التّوراة،عن عوامّهم،و هذا معظم ذنبهم،لذا لم يقبل توبتهم حتّى بيّنوه و أظهروه.و لم يكن هذا المعنى فيمن نزلت هذه الآية في شأنهم و ما كان ذنبهم إلاّ الرّدّة،لذا لم يقل:

و بيّنوا.(2:194)

الطّبرسيّ: أي تابوا من الكفر و رجعوا إلى الإيمان،

ص: 94

و أصلحوا ضمائرهم و عزموا على أن يثبتوا على الإسلام.

و هذا أحسن من قول من قال:و أصلحوا أعمالهم بعد التّوبة و صلّوا و صاموا،فإنّ ذلك ليس بشرط في صحّة التّوبة؛إذ لو مات قبل فعل الصّالحات مات مؤمنا بالإجماع.(1:472)

الفخر الرّازيّ: و المعنى إلاّ الّذين تابوا منه،ثمّ بيّن أنّ التّوبة وحدها لا تكفي،حتّى ينضاف إليها العمل الصّالح،فقال:(و اصلحوا)أي أصلحوا باطنهم مع الحقّ بالمراقبات،و ظاهرهم مع الخلق بالعبادات؛و ذلك بأن يعلنوا بأنّا كنّا على الباطل حتّى أنّه لو اغترّ بطريقتهم الفاسدة مغترّ رجع عنها.(8:138)

نحوه النّيسابوريّ(3:244)،و رشيد رضا(3:366)، و عبد الكريم الخطيب(2:518)،و فضل اللّه(6:

143)،و مكارم الشّيرازيّ 2:441).

البروسويّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و هذا النّدم و التّوبة إنّما يحصل لمن لم ترسخ فيه بعد هيئة استيلاء النّفس الأمّارة على قلبه و لم تصر رينا، و بقي فيه من وراء حجاب صفات النّفس مسكة من نور استعداده،فيتداركه اللّه برحمته و توفيقه فيندم، و يواظب على الرّياضات من باب التّزكية و التّصفية.

(2:59)

الآلوسيّ: أي الكفر الّذي ارتكبوه بعد الإيمان، (و اصلحوا)أي دخلوا في الصّلاح،بناء على أنّ الفعل لازم من قبيل«أصبحوا»أي دخلوا في الصّباح.و يجوز أن يكون متعدّيا و المفعول محذوف،أي أصلحوا ما أفسدوا.

ففيه إشارة-كما قيل-إلى أنّ مجرّد النّدم على ما مضى من الارتداد،و العزم على تركه في الاستقبال غير كاف لما أخلّوا به من الحقوق.

و اعترض بأنّ مجرّد التّوبة يوجب تخفيف العذاب و نظر الحقّ إليهم،فالظّاهر أنّه ليس تقييدا،بل بيان لأن يصلح ما فسد.

و أجيب بأنّه ليس بوارد،لأنّ مجرّد النّدم و العزم على ترك الكفر في المستقبل لا يخرجه منه،فهو بيان للتّوبة المعتدّ بها،فالمآل واحد عند التّحقيق.

(3:217)

الطّباطبائيّ: أي دخلوا في الصّلاح،و المراد به كون توبتهم نصوحا تغسل عنهم درن الكفر و تطهّر باطنهم بالإيمان.و أمّا الإتيان بالأعمال الصّالحة فهو و إن كان ممّا يتفرّع على ذلك و يلزمه،غير أنّه ليس بمقوّم لهذه التّوبة و لا ركنا منها،و لا في الآية دلالة عليه.

(3:340)

3- وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَ آمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. الأعراف:153

الطّبريّ: ما ملخّصه:إنّ اللّه يقبل توبة العباد من ذنوبهم صغيرة كانت أو كبيرة،كما قبل توبة عبدة العجل،و إنّهم إذا عملوا السّيّئات ثمّ رجعوا إلى ما يرضي اللّه بإنابتهم إلى ما يحبّ ممّا يكره،و إلى ما يرضى ممّا يسخطه،و صدّقوا بأنّ قابل توبة المذنبين المنيبين إليه بإخلاص قلوبهم و يقين منهم بذلك،يغفر لهم.(9:71)

الماورديّ: التّوبة من السّيّئات هي النّدم على

ص: 95

ما سلف و العزم على ألاّ يفعل مثلها.

فإن قيل:فالتّوبة إيمان فما معنى قوله: ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَ آمَنُوا الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:

أحدها:يعني أنّهم تابوا من المعصية،و استأنفوا عمل الإيمان بعد التّوبة.

و الثّاني:يعني أنّهم تابوا بعد المعصية و آمنوا بتلك التّوبة.

و الثّالث:و آمنوا بأنّ اللّه قابل التّوبة.(2:265)

الطّوسيّ: قد بيّنّا فيما مضى أنّ التّوبة الّتي أجمعوا على سقوط العقاب عندها هي النّدم على القبيح،و العزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح،و في غيرها خلاف.

[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ الآية نزلت فيمن تاب من الّذين كانوا عبدوا العجل فإنّهم تابوا و ندموا،و أكثرهم تعبّدهم اللّه بأن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضا،و استسلموا لذلك،فقتل في يوم واحد سبعون ألفا،ثمّ رفع عنهم ذلك و قبل توبتهم.(4:585)

القشيريّ: وصفهم بالتّوبة بعد عمل السّيّئات ثمّ بالإيمان بعدها،ثمّ قال: مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

و الإيمان الّذي هو بعد التّوبة يحتمل آمنوا بأنّه يقبل التّوبة،أو آمنوا بأنّ الحقّ سبحانه لم يضرّه عصيان،أو آمنوا بأنّهم لا ينجون بتوبتهم من دون فضل اللّه،أو آمنوا،أي عدّوا ما سبق عنهم من نقض العهد شركا.

(2:269)

ابن عطيّة: تضمّنت هذه الآية الوعد بأنّ اللّه عزّ و جلّ يغفر للتّائبين،و الإشارة إلى من تاب من بني إسرائيل.و في الآية ترتيب الإيمان بعد التّوبة،و المعنى في ذلك أنّه أراد،و آمنوا أنّ التّوبة نافعة لهم منجية فتمسّكوا بها،فهذا إيمان خاصّ بعد الإيمان على الإطلاق.

و يحتمل أن يريد بقوله:(و آمنوا)أي و عملوا عمل المؤمنين حتّى وافوا على ذلك.

و يحتمل أن يريد التّأكيد فذكر التّوبة و الإيمان إذ هما متلازمان،إلاّ أنّ التّوبة على هذا تكون من كفر و لا بدّ، فيجيء(تابوا و آمنوا)بمعنى واحد،و هذا لا يترتّب في توبة المعاصي فإنّ الإيمان متقدّم لتلك و لا بدّ و هو و توبة الكفر متلازمان.

و يحتمل قوله:(تابوا و آمنوا)أن يكون لم تقصد رتبة الفعلين على عرف الواو في أنّها لا توجب رتبة،و يكون (و آمنوا)بمعنى و هم مؤمنون قبل و بعد،فكأنّه قال:و من صفتهم أن آمنوا.(2:458)

الفخر الرّازيّ: هذا يفيد أنّ من عمل السّيّئات فلا بدّ و أن يتوب عنها أوّلا؛و ذلك بأن يتركها أوّلا و يرجع عنها،ثمّ يؤمن بعد ذلك.و ثانيا يؤمن باللّه تعالى، و يصدّق بأنّه لا إله غيره إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

و هذه الآية تدلّ على أنّ(السّيّئات)بأسرها مشتركة في أنّ التّوبة منها توجب الغفران،لأنّ قوله:

وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يتناول الكلّ،و التّقدير:أنّ من أتى بجميع السّيّئات ثمّ تاب فإنّ اللّه يغفرها له،و هذا من أعظم ما يفيد البشارة و الفرح للمذنبين.(15:13)

النّيسابوريّ: ظاهر الآية تدلّ على أنّ التّوبة شرط العفو،و أنّه لا بدّ مع التّوبة من تجديد الإيمان فما

ص: 96

أصعب شأن المذنبين،لكن عموم لفظ(السّيّئات)يدلّ على أنّ من أتى بجميع المعاصي ثمّ تاب فإنّ اللّه يغفرها له،فما أحسن حال التّائبين.(9:55)

أبو حيّان :أي رجعوا إلى اللّه من بعدها،أي من بعد عمل السّيّئات،(و آمنوا):داموا على إيمانهم و أخلصوا فيه.أو تكون«الواو»حاليّة،أي و قد آمنوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي من بعد عمل السّيّئات،هذا هو الظّاهر.

و يحتمل أن يكون الضّمير في(من بعدها)عائدا على التّوبة،أي إنّ ربّك من بعد توبتهم،فيعود على المصدر المفهوم من قوله: ثُمَّ تابُوا. و هذا عندي أولى،لأنّك إذا جعلت الضّمير عائدا على(السّيّئات)احتجت إلى حذف مضاف و حذف معطوف؛إذ يصير التّقدير:من بعد عمل السّيّئات و التّوبة منها.(4:397)

البروسويّ: و اعلم أنّ التّوبة عند المعتزلة علّة موجبة للمغفرة،و عندنا سبب محض للمغفرة،و التّوبة:

الرّجوع،فإذا وصف بها العبد كان المراد بها الرّجوع عن المعصية،و إذا وصف بها الباري تعالى أريد بها الرّجوع عن العذاب بالمغفرة.

و التّوبة على ضربين:ظاهر و باطن.

فالظّاهر:هو التّوبة من الذّنوب الظّاهرة،و هي مخالفات ظواهر الشّرع،و توبتها ترك المخالفات و استعمال الجوارح بالطّاعات.

و الباطن:هو توبة القلب من ذنوب الباطن،و هي الغفلة عن الذّكر حتّى يتّصف به؛بحيث لو صمت لسانه لم يصمت قلبه.و توبة النّفس:قطع علائق الدّنيا و الأخذ باليسير و التّعفّف،و توبة العقل:التّفكّر في بواطن الآيات و آثار المصنوعات،و توبة الرّوح:التّحلّي بالمعارف الإلهيّة،و توبة السّرّ:التّوجّه إلى الحضرة العليا بعد الإعراض عن الدّنيا و العقبى.(3:248)

فضل اللّه :فقد جعل اللّه على نفسه قبول التّوبة ممّن تاب إليه بإخلاص،و قد سبقت رحمته غضبه تماما،كما تاب على المشركين الّذين تمرّدوا على الرّسالة و حاربوها،ثمّ أخلصوا للّه الإيمان،و ساروا في الخطّ المستقيم،و جاهدوا في سبيله.(10:252)

4- ...فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ... التّوبة:5

الطّبريّ: فإن رجعوا عمّا هم عليه من الشّرك باللّه، و جحود نبوّة نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى توحيد اللّه،و إخلاص العبادة له،دون الآلهة و الأنداد،و الإقرار بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(10:78)

الجصّاص :لا يخلو قوله تعالى: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ من أن يكون وجود هذه الأفعال منهم شرطا في زوال القتل عنهم،و يكون قبول ذلك و الانقياد لأمر اللّه تعالى فيه هو الشّرط دون وجود الفعل،و معلوم أنّ وجود التّوبة من الشّرك شرط لا محالة في زوال القتل،و لا خلاف أنّهم لو قبلوا أمر اللّه في فعل الصّلاة و الزّكاة و لم يكن الوقت وقت صلاة أنّهم مسلمون و أنّ دماءهم محظورة.

فعلمنا أنّ شرط زوال القتل عنهم هو قبول أوامر اللّه و الاعتراف بلزومها دون فعل الصّلاة و الزّكاة،و لأنّ إخراج الزّكاة لا يلزم بنفس الإسلام إلاّ بعد حول،فغير

ص: 97

جائز أن يكون إخراج الزّكاة شرطا في زوال القتل، و كذلك فعل الصّلاة ليس بشرط فيه و إنّما شرطه قبول هذه الفرائض و التزامها و الاعتراف بوجوبها.

فإن قيل:لمّا قال اللّه تعالى: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فشرط مع التّوبة فعل الصّلاة و الزّكاة.و معلوم أنّ التّوبة إنّما هي الإقلاع عن الكفر و الرّجوع إلى الإيمان،فقد عقل بذكره التّوبة التزام هذه الفرائض و الاعتراف بها؛إذ لا تصحّ التّوبة إلاّ به.ثمّ لمّا شرط مع التّوبة الصّلاة و الزّكاة دلّ على أنّ المعنى المزيل للقتل هو اعتقاد الإيمان بشرائطه و فعل الصّلاة و الزّكاة، فأوجب ذلك قتل تارك الصّلاة و الزّكاة في وقت وجوبهما،و إن كان معتقدا للإيمان معترفا بلزوم شرائعه.

قيل له:لو كان فعل الصّلاة و الزّكاة من شرائط زوال القتل لما زال القتل عمّن أسلم في غير وقت الصّلاة و عمّن لم يؤدّ زكاته مع إسلامه،فلمّا اتّفق الجميع على زوال القتل عمّن وصفنا أمره بعد اعتقاده للإيمان للزوم شرائعه،ثبت بذلك أنّ فعل الصّلاة و الزّكاة ليس من شرائط زوال القتل،و إنّ شرطه إظهار الإيمان و قبول شرائعه،أ لا ترى أنّ قبول الإيمان و التزام شرائعه لمّا كان شرطا في ذلك لم يزل عنه القتل عند إخلاله ببعض ذلك.

(3:81)

القشيريّ: حقيقة التّوبة:الرّجوع بالكلّيّة من غير أن تترك بقيّة،فإذا أسلم الكافر بعد شركه،و لم يقصّر في واجب عليه من قسمي فعله و تركه،حصل الإذن في تخلية سبيله و فكّه.

و كذلك النّفس إذا انخنست،و آثار البشرية إذا اندرست فلا حرج-في التّحقيق-في المعاملات في أوان مراعاة الخطرات مع اللّه عند حصول المكاشفات.

و الجلوس مع اللّه أولى من القيام بباب اللّه تعالى،قال تعالى فيما ورد به الخبر:«أنا جليس من ذكرني».

(3:8)

ابن عطيّة: (فَإِنْ تابُوا) يريد من الكفر فهي متضمّنة الإيمان،ثمّ قرن بها إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة، تنبيها على مكان الصّلاة و الزّكاة من الشّرع.(3:8)

الطّبرسيّ: أي رجعوا من الكفر و انقادوا للشّرع.

(3:7)

القرطبيّ: هذه الآية فيها تأمّل،و ذلك أنّ اللّه علّق القتل على الشّرك،ثمّ قال: (فَإِنْ تابُوا) ،و الأصل أنّ القتل متى كان للشّرك يزول بزواله،و ذلك يقتضي زوال القتل بمجرّد التّوبة،من غير اعتبار إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة،و لذلك سقط القتل بمجرّد التّوبة قبل وقت الصّلاة و الزّكاة.

و هذا بيّن في هذا المعنى،غير أنّ اللّه تعالى ذكر التّوبة و ذكر معها شرطين آخرين،فلا سبيل إلى إلغائهما،نظيره قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه و يقيموا الصّلاة و يؤتوا الزّكاة،فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها و حسابهم على اللّه».(8:74)

أبو حيّان :أي عن الكفر و الغدر،و التّوبة تتضمّن الإيمان،و ترك ما كانوا فيه من المعاصي.ثمّ نبّه على أعظم الشّعائر الإسلاميّة،و ذلك إقامة الصّلاة و هي أفضل الأعمال البدنيّة،و إيتاء الزّكاة و هي أفضل الأعمال

ص: 98

الماليّة،و بها تظهر القوّة العمليّة كما بالتّوبة تظهر القوّة العلميّة عن الجهل.(5:10)

أبو السّعود : (فَإِنْ تابُوا) عن الشّرك بالإيمان بعد ما اضطرّوا بما ذكر من القتل و الأسر و الحصر.(3:124)

نحوه الآلوسيّ.(10:51)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و رجعوا إلى اللّه،أي رجعت النّفوس عن هواها إلى طلب الحقّ تعالى.(3:388)

رشيد رضا :أي فإن تابوا عن الشّرك،و هو الّذي يحملهم على عداوتكم و قتالكم؛بأن دخلوا في الإسلام، و عنوانه العامّ النّطق بالشّهادتين،و كان يكتفي منهم بإحداهما.(10:168)

الطّباطبائيّ: و المراد بالتّوبة معناها اللّغويّ،و هو الرّجوع،أي إن رجعوا من الشّرك إلى التّوحيد بالإيمان، و نصبوا لذلك حجّة من أعمالهم و هي الصّلاة و الزّكاة، و التزموا أحكام دينكم الرّاجعة إلى الخالق جميعا،فخلّوا سبيلهم.(9:153)

عبد الكريم الخطيب :هو تحريض للمشركين على المبادرة بالتّوبة،و خلع نير الشّرك من رقابهم، و ذلك قبل أن يقعوا ليد المسلمين،و تصل إليهم سيوفهم.

فإنّهم إن وصلوا إلى تلك الحال،فلن تكون لهم نجاة، و لن تقبل منهم توبة،شأنهم في هذا شأن الّذين يحاربون اللّه و رسوله،و يسعون في الأرض فسادا.(5:702)

تبت

...فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. الأعراف:143

ابن عبّاس: تُبْتُ إِلَيْكَ من مسألتي الرّؤية.

(137)

نحوه مجاهد(القرطبيّ(7:279)،و الطّبريّ(9:

55)،و البغويّ(2:231)،و الميبديّ(3:727).

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّه تاب من الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها.

و الثّاني:أنّه تاب من اعتقاده جواز رؤيته في الدّنيا.

و الثّالث:أنّه قال ذلك على جهة التّسبيح،و عادة المؤمنين عند ظهور الآيات الدّالّة على عظيم قدرته.

(2:259)

الطّوسيّ: قيل في معنى توبته ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّه تاب لأنّه سأل قبل أن يؤذن له في المسألة،و ليس للأنبياء ذلك.

الثّاني:أنّه تاب من صغيرة ذكرها.

الثّالث:أنّه قال ذلك على وجه الانقطاع إليه و الرّجوع إلى طاعته،و إن كان لم يعص،و هذا هو المعتمد عندنا دون الأوّلين،على أنّه يقال لمن جوّز الرّؤية على اللّه تعالى:إذا كان موسى عليه السّلام إنّما سأل ما يجوز عليه فمن أيّ شيء تاب؟فلا بدّ لهم من مثل ما قلناه من الأجوبة.(4:570)

نحوه الطّبرسيّ.(2:476)

القشيريّ: و يقال:لمّا ردّ موسى إلى حال الصّحو و أفاق رجع إلى رأس الأمر فقال: تُبْتُ إِلَيْكَ يعني

ص: 99

إن لم تكن الرّؤية هي غاية المرتبة فلا أقلّ من التّوبة، فقبله تعالى،لسموّ همّته إلى الرّتبة العليّة.

هذه إناخة بعقوة العبوديّة،و شرط الإنصاف ألاّ تبرح محلّ الخدمة و إن حيل بينك و بين وجود القربة، لأنّ القربة حظّ نفسك،و الخدمة حقّ ربّك،و هي تتمّ بألاّ تكون بحظّ نفسك.(2:262)

الزّمخشريّ: من طلب الرّؤية وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنّك لست بمرئيّ و لا مدرك بشيء من الحواسّ.

فإن قلت:فإن كان طلب الرّؤية للغرض الّذي ذكرته فممّ تاب؟

قلت:من إجرائه تلك المقالة العظيمة و إن كان لغرض صحيح على لسانه،من غير إذن فيه من اللّه تعالى.فانظر إلى إعظام اللّه تعالى أمر الرّؤية في هذه الآية،و كيف أرجف الجبل بطالبيها و جعله دكّا،و كيف أصعقهم،و لم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر،و كيف سبّح ربّه ملتجئا إليه،و تاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه.(2:115)

ابن عطيّة: معناه من أن أسألك الرّؤية في الدّنيا و أنت لا تبيحها.

و يحتمل عندي أنّه لفظ قاله عليه السّلام لشدّة هول ما اطّلع،و لم يعن به التّوبة من شيء معيّن،و لكنّه لفظ يصلح لذلك المقام.

و الّذي يتحرّز منه أهل السّنّة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة.(2:451)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى حكاية عن موسى لمّا أفاق أنّه قال: تُبْتُ إِلَيْكَ و لو لا أنّ طلب الرّؤية ذنب لما تاب منه،و لو لا أنّه ذنب ينافي صحّة الإسلام لما قال:

وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.

و اعلم أنّ أصحابنا قالوا:الرّؤية كانت جائزة،إلاّ أنّه عليه السّلام سألها بغير الإذن،و حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،فكانت التّوبة توبة عن هذا المعنى لا عمّا ذكروه، فهذا جملة الكلام في هذه الآية،و اللّه أعلم بالصّواب.

(14:233)

القرطبيّ: أجمعت الأمّة على أنّ هذه التّوبة ما كانت عن معصية،فإنّ الأنبياء معصومون.و أيضا عند أهل السّنّة و الجماعة الرّؤية جائزة،و عند المبتدعة سأل لأجل القوم ليبيّن لهم أنّها غير جائزة،و هذا لا يقتضي التّوبة، فقيل:أي تبت إليك من قتل القبطيّ،ذكره القشيريّ.(7:279)

النّيسابوريّ: من طلب الرّؤية بغير إذن منك و إن كان لغرض صحيح،هو تنبيه القوم على استحالة ذلك بنصّ من عندك.(9:46)

الآلوسيّ: لاحظ(رأي)(9:50)

القاسميّ: أمّا التّوبة في حقّ الأنبياء،فلا يستلزم كونها عن ذنب،لأنّ منصبهم الجليل ينبغي أن يكون منزّها مبرّأ من كلّ ما ينحطّ به،و لا شكّ أنّ التّوقّف في سؤال الرّؤية على الإذن كان أكمل،قد ورد«سيّئات المقرّبين حسنات الأبرار».(7:2851)

الطّباطبائيّ: توبة و رجوع منه عليه السّلام بعد الإفاقة؛ إذ تبيّن له أنّ الّذي سأله وقع في غير موقعه،فأخذته العناية الإلهيّة بتعريفه ذلك،و تعليمه عيانا بإشهاده دكّ

ص: 100

الجبل بالتّجلّي أنّه غير ممكن.

فبدأ بتنزيهه تعالى و تقديسه عمّا كان يرى من إمكان ذلك،ثمّ عقّبه بالتّوبة عمّا أقدم عليه،و هو يطمع في أن يتوب عليه،و ليس من الواجب في التّوبة أن تكون دائما عن معصية و جرم بل هو الرّجوع إليه تعالى لشائبة بعد كيف كان.(8:243)

فضل اللّه :في إحساس عميق بالعظمة الإلهيّة يدفعه إلى التّسبيح،و في شعور بالنّدم يدعوه إلى التّوبة.(10:240)

مكارم الشّيرازيّ: ممّ تاب موسى عليه السّلام؟

سؤال يطرح نفسه هنا هو:أنّ موسى عليه السّلام بعد أن أفاق قال: تُبْتُ إِلَيْكَ في حين أنّه لم يرتكب إثما أو معصية،لأنّ هذا الطّلب كان من جانب بني إسرائيل، و كان طرحه بتكليف من اللّه،فهو أدّى واجبه إذن،ثمّ إذا كان هذا الطّلب لنفسه و كان مراده الشّهود الباطنيّ لم يحسب هذا العمل إثما؟

و لكن يمكن الجواب على هذا السّؤال من جانبين:

الأوّل:أنّ موسى طلب مثل هذا الطّلب بالنّيابة عن بني إسرائيل،و مع ذلك طلب من اللّه أن يتوب عليه، و أظهر الإيمان.

الآخر:أنّ موسى عليه السّلام و إن كان مكلّفا بأن يطرح طلب بني إسرائيل،و لكنّه عند ما تجلّى ربّه للجبل و اتّضحت حقيقة الأمر،انتهت مدّة هذا التّكليف،و في هذا الوقت لا بدّ من العودة إلى الحالة الأولى يعني الرّجوع إلى ما قبل التّكليف،و إظهار إيمانه حتّى لا تبقى شبهة لأحد،و قد بيّن ذلك بجملة:إنّى تبت إليك و أنا أوّل المؤمنين.(5:195)

يتوب

1- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ. آل عمران:128

الفرّاء: في نصبه وجهان،إن شئت جعلته معطوفا على قوله: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ آل عمران:127،أي أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ و إن شئت جعلت نصبه على مذهب«حتّى»،كما تقول:

لا أزال ملازمك أو تعطيني،أو إلاّ أن تعطيني حقّي.

(1:234)

نحوه الزّجّاج.(1:468)

الطّبريّ: منصوب عطفا على قوله:(او يكبتهم)، و قد يحتمل أن يكون تأويله:ليس لك من الأمر شيء حتّى يتوب عليهم،فيكون نصب(يتوب)بمعنى«أو» الّتي هي في معنى«حتّى».و القول الأوّل أولى بالصّواب، لأنّه لا شيء من أمر الخلق إلى أحد سوى خالقهم قبل توبة الكفّار و عقابهم،و بعد ذلك...(4:86)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:ليس لك من الأمر شيء في عقابهم و استصلاحهم،و إنّما ذلك إلى اللّه تعالى في أن يتوب عليهم أو يعذّبهم.

و الثّاني:ليس لك من الأمر شيء فيما تريده و تفعله في أصحابك و فيهم،و إنّما ذلك إلى اللّه تعالى فيما يفعله من اللّطف بهم في التّوبة و الاستصلاح،أو في العذاب و الانتقام.

ص: 101

و الثّالث:أنزلت على سبب لمّا كسرت رباعيّته صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:422)

الشّريف الرّضيّ: أمّا ما انتصب عليه قوله تعالى:

أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ فهو على ضربين:

أحدهما:أن يكون عطفا على قوله تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ ثمّ قال: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ، فيكون قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراضا بين المعطوف و المعطوف عليه،كما يقول القائل:ضربت زيدا-فافهم-و عمرا.

و الوجه الثّاني:أن تكون(او)هي الّتي بمعنى«إلاّ أن» فكأنّه قيل له:ليس لك من الأمر شيء إلاّ أن يتوب اللّه عليهم أو يعذّبهم،فيكون أمرك تابعا لأمر اللّه تعالى في ذلك،لرضاك بمصارف أقداره و مواقع تدابيره،أو تكون بمعنى«حتّى»،كأنّه قال:حتّى يتوب عليهم أو يعذّبهم، كما يقول القائل:لا أزال ملازمك أو تعطيني ديني،أي حتّى تعطيني ديني.

و قد قيل في ذلك وجه آخر:و هو أن يكون تقدير الكلام:ليس لك من الأمر شيء أو من أن يتوب عليهم، فأضمر«من»هاهنا اكتفاء ب(من)الأولى،و أضمر(أن) لبيان معناها،و هي مع الفعل الّذي بعدها بمنزلة المصدر.

و هذا مذهب غير سديد،و قول غير مستقيم،لأنّه ليس من كلام العرب قولك:عجبت من أخيك و تقوم، على معنى من أخيك و من أن تقوم،و الدّلائل على فساد ذلك كثيرة لا يحتمل الموضع شرحها،و في ما ذكرناه من ذلك كاف بحمد اللّه.(حقايق التّأويل:356)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:أو يلطف لهم بما يقع معه توبتهم،فيتوب عليهم بلطفه لهم.

و الآخر:أو يقبل توبتهم إذا تابوا،كما قال تعالى:

غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:3،و لا تصحّ هذه الصّفة إلاّ للّه عزّ و جلّ،لأنّه يملك الجزاء بالثّواب و العقاب.[و أدام نحو الشّريف الرّضيّ](2:585)

الزّمخشريّ: (او يتوب)عطف على ما قبله و لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراض،و المعنى:أنّ اللّه مالك أمرهم فإمّا يهلكهم أو يهزمهم،أو يتوب عليهم إن أسلموا،أو يعذّبهم إن أصرّوا على الكفر،و ليس لك من أمرهم شيء إنّما أنت عبد مبعوث لإنذارهم و مجاهدتهم.

و قيل:إنّ(يتوب)منصوب بإضمار«أن»،و أنّ يتوب في حكم اسم معطوف ب(او)على الأمر أو على شيء،أي ليس لك من أمرهم شيء أو من التّوبة عليهم أو من تعذيبهم،أو ليس لك من أمرهم شيء أو التّوبة عليهم أو تعذيبهم.

و قيل:(أو)بمعنى«إلاّ أن»كقولك:لألزمنّك أو تعطيني حقّي،على معنى ليس لك من أمرهم شيء إلاّ أن يتوب عليهم،فتفرح بحالهم أو يعذّبهم فتتشفّى منهم.

(1:462)

نحوه أبو السّعود.(2:30)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ مفسّر عند أصحابنا بخلق التّوبة فيهم،و ذلك عبارة عن خلق النّدم فيهم على ما مضى،و خلق العزم فيهم على أن لا يفعلوا مثل ذلك في المستقبل.

ص: 102

قال أصحابنا:و هذا المعنى متأكّد ببرهان العقل؛ و ذلك لأنّ النّدم عبارة عن حصول إرادة في المضيّ متعلّقة بترك فعل من الأفعال في المستقبل،و حصول الإرادات و الكراهات في القلب لا يكون بفعل العبد،لأنّ فعل العبد مسبوق بالإرادة،فلو كانت الإرادات فعلا للعبد لافتقر العبد في فعل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى، و يلزم التّسلسل و هو محال.فعلمنا أنّ حصول الإرادات و الكراهات في القلب ليس إلاّ بتخليق اللّه تعالى و تكوينه ابتداء.

و لمّا كانت التّوبة عبارة عن النّدم و العزم،و كلّ ذلك من جنس الإرادات و الكراهات،علمنا أنّ التّوبة لا تحصل للعبد إلاّ بخلق اللّه تعالى،فصار هذا البرهان مطابقا لما دلّ عليه ظاهر القرآن،و هو قوله: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ.

و أمّا المعتزلة فإنّهم فسّروا قوله: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إمّا بفعل الألطاف،أو بقبول التّوبة.(8:234)

نحوه النّيسابوريّ.(4:62)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و على هذا التّأويل تكون الجملة المنفيّة للتّأسيس لا للتّأكيد.

و قيل:(او يتوب)معطوف على(الامر)،و قيل:

على(شىء)أي ليس لك من الأمر أو من توبتهم أو تعذيبهم شيء،أو ليس لك من الأمر شيء أو توبتهم أو تعذيبهم.

و الظّاهر من هذه التّخاريج الأربعة هو الأوّل،و أبعد من ذهب إلى أنّ قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ أي أمر الطّائفتين اللّتين همّتا أن تفشلا.

و قرأ أبيّ (او يتوب عليهم او يعذّبهم) برفعهما على معنى أو هو يتوب عليهم.(3:53)

الآلوسيّ: عطف إمّا على(الامر)أو على(شىء) بإضمار«أن»أي ليس لك من أمرهم شيء أو من التّوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء،أو ليس لك من أمرهم شيء أو التّوبة عليهم أو تعذيبهم.و فرّقوا بين الوجهين بأنّه على الأوّل سلب ما يتّبع التّوبة و التّعذيب منه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بالكلّيّة من القبول و الرّدّ و الخلاص من العذاب،و المنع من النّجاة.

و على الثّاني سلب نفس التّوبة و التّعذيب منه عليه الصّلاة و السّلام،يعني لا يقدر أن يجبرهم على التّوبة و لا يمنعهم عنها،و لا يقدر أن يعذّبهم،و لا أن يعفو عنهم، فإنّ الأمور كلّها بيد اللّه تعالى.و على التّقديرين هو من عطف الخاصّ على العامّ-كما قال العلاّمة الثّاني-لكن في مجيء مثل هذا العطف بكلمة(أو)نظر.

و تعقّبه بعضهم بأنّ هذا إذا كان(الامر)بمعنى الشّأن، و لك أن تجعله بمعنى التّكليف و الإيجاب،أي ليس ما تأمرهم به من عندك،و ليس الأمر بيدك و لا التّوبة و لا التّعذيب،فليس هناك عطف الخاصّ على العامّ.

و فيه أنّ الحمل على التّكليف تكلّف،و الحمل على الشّأن أرفع شأنا.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ قوله تعالى:(او يتوب)إلخ عطف على (ينقلبوا)أي يكون ثمرة خزيهم انقلابهم خائبين،أو التّوب عليهم أو تعذيبهم.[ثمّ أدام نحو أبي حيّان]

(4:50)

ص: 103

الطّباطبائيّ: و قوله: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ معطوف على قوله:(يقطع)و الكلام متّصل،و قوله:

وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ بيان لرجوع أمر التّوبة و المغفرة إلى اللّه تعالى.

و المعنى:أنّ هذا التّدبير المتقن منه تعالى إنّما هو ليقطع طرفا من المشركين بالقتل و الأسر،أو ليخزيهم و يخيبهم في سعيهم،أو ليتوب عليهم أو ليعذّبهم.

أمّا القطع و الكبت فلأنّ الأمر إليه لا إليك حتّى تمدح أو تذمّ،و أمّا التّوبة و العذاب فلأنّ اللّه هو المالك لكلّ شيء فيغفر لمن يشاء،و يعذّب من يشاء،و مع ذلك فإنّ مغفرته و رحمته تسبقان عذابه و غضبه،فهو الغفور الرّحيم.(4:9)

2- يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً. النّساء:26،27

الطّبرسيّ: إذا قيل:لم كرّر قوله تعالى: يَتُوبَ عَلَيْكُمْ؟

فجوابه:أنّه للتّأكيد،و أيضا فإنّ في الأوّل بيان أنّه يريد الهداية و الإنابة،و في الثّاني بيان أنّ إرادته خلاف إرادة أصحاب الأهواء،و أيضا أنّه أتي في الثّاني ب(أن) ليزول الإبهام أنّه يريد ليتوب و لا يريد أن يتوب.

(2:36)

الكاشانيّ: كرّره للتّأكيد و المقابلة.(1:409)

الآلوسيّ: عطف على ما قبله،و حيث كانت التّوبة ترك الذّنب مع النّدم و العزم على عدم العود،و هو ممّا يستحيل إسناده إلى اللّه تعالى.ارتكبوا تأويل ذلك في هذا المقام بأحد أمور:فقيل:إنّ التّوبة هنا بمعنى المغفرة مجازا لتسبّبها عنها،أو بمعنى الإرشاد إلى ما يمنع عن المعاصي على سبيل الاستعارة التّبعيّة،لأنّ التّوبة تمنع عنها كما أنّ إرشاده تعالى كذلك،أو مجاز عن حثّه تعالى عليها،لأنّه سبب لها عكس الأوّل،أو بمعنى الإرشاد إلى ما يكفّرها على التّشبيه أيضا،و إلى جميع ذلك أشار ناصر الدّين البيضاويّ.

و قرّر العلاّمة الطّيّبيّ إنّ هذا من وضع المسبّب موضع السّبب،و ذلك لعطف(و يتوب)على(و يهديكم)إلخ على سبيل البيان،كأنّه قيل:ليبيّن لكم و يهديكم و يرشدكم إلى الطّاعات،فوضع موضعه(و يتوب عليكم)،و ما يرد على بعض الوجوه من لزوم تخلّف المراد عن الإرادة،و هي علّة تامّة يدفعه كون الخطاب ليس عامّا لجميع المكلّفين بل لطائفة معيّنة حصلت لهم هذه التّوبة. وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ جعله بعضهم تكرارا لما تقدّم للتّأكيد و المبالغة،و هو ظاهر إذا كان المراد من التّوبة هناك و هنا شيئا واحدا.و أمّا إذا فسّر (يتوب)أوّلا بقبول التّوبة و الإرشاد مثلا،و ثانيا بأن يفعلوا ما يستوجبون به القبول،فلا يكون تكرارا.

و أيضا إنّما يتمشّى ذلك على كون(ليبيّن لكم) مفعولا و إلاّ فلا تكرار أيضا،لأنّ تعلّق الإرادة بالتّوبة في الأوّل على جهة العلّيّة،و في الثّاني على جهة المفعوليّة، و بذلك يحصل الاختلاف لا محالة.(5:14)

رشيد رضا :قيل:إنّه تكرير لأجل التّأكيد، و قيل:إنّ التّوبة فيه غير التّوبة في الآية السّابقة،بأن

ص: 104

يراد بالأولى القبول و بالثّانية العمل الّذي يكون سبب القبول.و هو تكلّف غير مقبول.

و الصّواب أنّ التّوبة الأولى ذكرت في تعليل أحكام محرّمات النّكاح،فكان معناها أنّ العمل بتلك الأحكام يكون توبة و رجوعا عمّا كان قبلها من أنكحتهم الباطلة الضّارّة،و أنّ اللّه شرّعها لأجل ذلك.

ثمّ أسند إرادة التّوبة إلى اللّه تعالى في جملة مستأنفة، ليبيّن لنا أنّ ذلك ما يريد اللّه تعالى أن نكون عليه دائما في مستقبل أيّامنا بعد الإسلام،و يقابله بما يريده منّا متّبعو الشّهوات،كأنّه يقول:ما جعل إرادة التّوبة علّة لتلك الأحكام إلاّ و هو يريد ذلك دائما منكم،لتزكوا نفوسكم و تطهر قلوبكم و تصلح أحوالكم.(5:36)

الطّباطبائيّ: التّوبة المذكورة هو رجوعه إلى عبده بالنّعمة و الرّحمة،و تشريع الشّريعة،و بيان الحقيقة، و الهداية إلى طريق الاستقامة،كلّ ذلك توبة منه سبحانه،كما أنّ قبول توبة العبد و رفع آثار المعصية توبة.

قوله تعالى: وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ إلخ،كأنّ تكرار ذكر توبته للمؤمنين للدّلالة على أنّ قوله: وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً إنّما يقابل من الفقرات الثّلاث في الآية السّابقة الفقرة الأخيرة فقط؛إذ لو ضمّ قوله: وَ يُرِيدُ الَّذِينَ إلخ إلى الآية السّابقة من غير تكرار قوله:

وَ اللّهُ يُرِيدُ إلخ أفاد المقابلة في معنى جميع الفقرات و لغي المعنى قطعا.(4:281)

محمّد جواد مغنية:قيل:إنّ اللّه سبحانه أراد بقوله: وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ أنّه تعالى شرّع تلك الأحكام لتعلموا بها تائبين ممّا سلف منكم في زمن الجاهليّة و أوّل الإسلام من نكاح حلائل الآباء،و الجمع بين الأختين، و ما إلى ذلك من المحرّمات.و مهما يكن فإنّ التّائب و غير التّائب لا يمكنه أن يطيع اللّه،و يمتثل أحكامه إلاّ بعد بيانها و العلم بها،فبيان أحكامه لعباده فضل منه و نعمة عليهم.

[إلى أن قال:]

و تسأل:لقد كرّر اللّه سبحانه التّوبة في آيتين لا فاصل بينهما؛حيث قال: وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ فما هو القصد من ذلك؟

الجواب:جاءت التّوبة الأولى تعليلا لبيان الحلال و الحرام من النّساء،بصرف النّظر عن أمر اللّه بالتّوبة و إرادته لها.أمّا التّوبة الثّانية فهي تعبير عن أمره تعالى و إرادته التّوبة بترك المحرّمات،و تقابلها إرادة متّبعي الشّهوات،و نظير ذلك أن تقول لولدك:اشتريت لك هذا الكتاب لتقرأه،فاقرأه.فذكرت القراءة أوّلا لبيان السّبب الموجب للقراءة،و أعدتها ثانية،لأنّك تريدها منه،و تأمره بها.(2:301)

فضل اللّه :هل التّوبة الّتي هي إرادة اللّه لنا،هي المغفرة عمّا سلف من ذنوبنا،لتكون الكلمة توجيها للإنسان في أن يفتّش عن طريق التّوبة،فيحاسب نفسه على الأخطاء الّتي قد ارتكبها،ليقف بين يدي اللّه حاملا مشاعر النّدم،و يطلب منه التّوبة على ذلك كلّه،أم هي أسلوب قرآنيّ في التّعبير عن المعنى الّذي توحي به التّوبة،و هو السّير على الخطّ المستقيم الّذي يؤدّي إلى رضا اللّه بكلمة التّوبة،فكأنّه يقول:إنّ اللّه يريد أن

ص: 105

يرضى عنكم من خلال استقامتكم،من خلال ما يثيره أمامكم من فرص المعرفة و الهداية الّتي تؤدّي بكم إلى العمل الصّالح؟

لا نريد أن نرجّح أحد المعنيين،فلكلّ منهما أساس من اللّفظ و الجوّ و السّياق،و حسبنا أن نستوحي منهما الوقوف عند الحدود الّتي نستطيع من خلالها الحصول على رضا اللّه في ما يحبّه و يرضاه.

وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ و تعود كلمة التّوبة في خطّ إرادة اللّه،و لكن هل هي تكرير و تأكيد؟ربّما كان الأمر كذلك،و ربّما كانت التّوبة في الآية الأولى بيانا للمنهج الّذي وضعه اللّه لعباده،من أجل أن تتكامل لهم المعرفة و الهداية و السّير على الخطّ المستقيم،بعيدا عن كلّ المقارنات و المعادلات في ما حولهم و من حولهم.

أمّا في هذه الآية،فقد جاءت لتدخل الإنسان في عمليّة موازنة و مقارنة،في ما يواجهه الإنسان من العناصر الشّرّيرة المنحرفة الّتي تريد أن تضلّه و تبعده عن اللّه،ليوازن بين ما يريده اللّه له و بين ما يريده له الآخرون،فإنّ اللّه يريد أن يبلغ بالإنسان إلى الدّرجات العليا الّتي يحصل بها على رضا اللّه تعالى،من خلال ما تعنيه كلمة التّوبة من مقدّمات و نتائج.(7:196)

[لاحظ:رود]

تتوبا

إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. التّحريم:4

ابن عبّاس: توبا إلى اللّه يا عائشة و يا حفصة من إيذائكما رسول اللّه،و معصيتكما له.(477)

نحوه الفرّاء(3:166)،و الزّجّاج(5:193).

الطّبريّ: إن تتوبا إلى اللّه أيّتها المرأتان،فقد مالت قلوبكما إلى محبّة ما كرهه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من اجتناب جاريته،و تحريمها على نفسه،أو تحريم ما كان له حلالا ممّا حرّمه على نفسه بسبب حفصة.(28:161)

الماورديّ: يعني بالتّوبة اللّتين تظاهرتا و تعاونتا من نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على سائرهنّ،و هما عائشة و حفصة.

(6:40)

الطّوسيّ: و ترجعا إلى طاعته.(10:47)

القشيريّ: و العتاب في الآية مع عائشة و حفصة رضي اللّه عنهما؛إذ تكلّمتا في أمر مارية.(6:175)

الواحديّ: أي من التّعاون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالإيذاء.

(4:319)

نحوه البغويّ(5:119)،و الخازن(7:98).

الميبديّ: هذا خطاب لعائشة و حفصة،و جواب الشّرط محذوف،أي إن تتوبا إلى اللّه فهذا الواجب.

(10:158)

نحوه أبو الفتوح(19:294)،و النّسفيّ(4:270).

الزّمخشريّ: خطاب لحفصة و عائشة على طريقة الالتفات،ليكون أبلغ في معاتبتهما.(4:127)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:44)،و البيضاويّ(2:

486)،و أبو حيّان(8:290)،و أبو السّعود(6:267)، و المشهديّ(10:508)،و البروسويّ(10:52).

ابن عطيّة: و معنى الآية،إن تبتما فقد كان منكما

ص: 106

ما ينبغي أن يتاب منه،و هذا الجواب الّذي للشّرط هو متقدّم في المعنى،و إنّما ترتّب جوابا في اللّفظ.

(5:331)

الطّبرسيّ: من التّعاون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالإيذاء و التّظاهر عليه،فقد حقّ عليكما التّوبة،و وجب عليكما الرّجوع إلى الحقّ.(5:316)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:331)

العكبريّ: جواب الشّرط محذوف،تقديره:

فذلك واجب عليكما،أو يتب اللّه عليكما،و دلّ على المحذوف(فقد صغت)لأنّ إصغاء القلب إلى ذلك ذنب.

(2:1229)

القرطبيّ: يعني حفصة و عائشة حثّهما على التّوبة، على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(18:188)

النّيسابوريّ: أي فقد وجد منكما ما يوجب التّوبة،و هو ميل قلوبكما عن إخلاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، من حبّ ما يحبّه،و بغض ما يكرهه.(28:81)

نحوه الشّربينيّ(4:326)،و الطّنطاويّ(24:198).

الآلوسيّ: خطاب لحفصة و عائشة رضي اللّه تعالى عنهما على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في المعاتبة،فإنّ المبالغ في العتاب يصير المعاتب أوّلا بعيدا عن ساحة الحضور،ثمّ إذا اشتدّ غضبه توجّه إليه و عاتبه بما يريد.(28:152)

نحوه القاسميّ.(16:5863)

عزّة دروزة :أمّا الآيتان الرّابعة و الخامسة[من سورة التّحريم]فقد احتوتا إنذارا يتضمّن معنى التّنديد أيضا،موجّها لزوجات النّبيّ عامّة،و لاثنتين منهنّ خاصّة،كما احتوتا تطمينا و تأييدا للنّبيّ،كما يلي:

1-فعلى الزّوجين أن تتوبا إلى اللّه،فقد كان منهما من الزّيغ و الكيد ما يوجب عليهما ذلك.

2-و إذا كانتا قد تظاهرتا و تعاونتا على الكيد للنّبيّ فلتعلما أنّ اللّه نصيره و ظهيره،و أنّ جبريل و الملائكة و الصّالحين المخلصين من المؤمنين أيضا نصراؤه و ظهراؤه.

3-و أنّ ربّه ليستطيع إذا تراءى له أن يطلّق نساءه بسبب أمثال هذه المكايدات،أن يبدّله بهنّ أزواجا خيرا منهنّ ثيّبات و أبكارا،متّصفات بأحسن الصّفات و أطهرها،من إسلام و إيمان و خشوع و خضوع و عبادة و صوم أو هجرة.(10:143)

المراغيّ: أي إن تتوبا من ذنبكما و تقلعا عن مخالفة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم فتحبّا ما أحبّ و تكرها ما كرهه.(28:158)

عبد الكريم الخطيب :هو دعوة إلى اللّتين دبّرتا هذا الكيد للنّبيّ،سواء أ كانتا حفصة و عائشة،أم غيرهما من أزواجه-صلوات اللّه و سلامه عليه-هو دعوة إليهما من اللّه سبحانه و تعالى،أن يتوبا إليه جلّ شأنه،ممّا كان منهما في حقّ النّبيّ،و فيما وقع في نفسه الشّريفة من أذى من فعلهما،و إن كانتا لم تقصدا للنّبيّ بأذى،و إنّما كان ذلك عن تنافس في حبّه،و حرص على أن تنال كلّ واحدة من نسائه أكبر قدر من القرب منه،و الاستظلال بظلّ جلال النّبوّة و عظمتها.(14:1027)

فضل اللّه : إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ ممّا قمتما به من تصرّف،لا ينسجم مع الدّائرة الأخلاقيّة في التّعامل مع

ص: 107

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،في نطاق المسئوليّة الزّوجيّة الخاصّة، و تتراجعا عن ذلك.(22:313)

تب

رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. البقرة:128

الطّبريّ: إن قال لنا قائل:و هل كان لهما ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربّهما التّوبة؟

قيل:إنّه ليس أحد من خلق اللّه إلاّ و له من العمل فيما بينه و بين ربّه ما يجب عليه الإنابة منه و التّوبة،فجائز أن يكون ما كان من قبلهما ما قالا من ذلك،و إنّما خصّا به الحال الّتي كانا عليها من رفع قواعد البيت،لأنّ ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب اللّه فيها دعاءهما، و ليجعلا ما فعلا من ذلك سنّة يقتدى بها بعدهما،و تتّخذ النّاس تلك البقعة بعدهما موضع تنصّل من الذّنوب إلى اللّه.

و جائز أن يكونا عنيا بقولهما: وَ تُبْ عَلَيْنا: و تب على الظّلمة من أولادنا و ذرّيّتنا،الّذين أعلمتنا أمرهم من ظلمهم و شركهم،حتّى ينيبوا إلى طاعتك.فيكون ظاهر الكلام على الدّعاء لأنفسهما،و المعنيّ به ذرّيّتهما، كما يقال:أكرمني فلان في ولدي و أهلي،و برّني فلان،إذا برّ ولده.(1:556)

الطّوسيّ: أي ارجع علينا بالرّحمة و المغفرة.

و ليس فيه دلالة على جواز الصّغيرة،أو فعل القبيح عليهم،و من ادّعى ذلك،فقد أبطل.

و قال قوم:معناه تب على ظلمة ذرّيّتنا.و قيل:بل قالا ذلك:انقطاعا إليه تعالى تعبّدا ليقتدى بهما فيه،و هو الّذي نعتمده.(1:465)

القشيريّ: وَ تُبْ عَلَيْنا بعد قيامنا بجميع ما أمرتنا حتّى لا نلاحظ حركاتنا و سكناتنا،و نرجع إليك عن شهود أفعالنا لئلاّ يكون خطر الشّرك الخفيّ في توهّم شيء منّا بنا.(1:137)

الزّمخشريّ: ما فرط منّا من الصّغائر أو استتابا لذرّيّتهما.(1:312)

ابن عطيّة: و التّوبة:الرّجوع،و عرفه[بعض العلماء]شرعا من الشّرّ إلى الخير،و توبة اللّه على العبد:

رجوعه به و هدايته له.

و اختلف في معنى طلبهم التّوبة و هم أنبياء معصومون،فقالت طائفة:طلبا التّثبيت و الدّوام.

و قيل:أرادا من بعدهما الذّرّيّة،كما تقول:برّني فلان و أكرمني،و أنت تريد في ولدك و ذرّيّتك.

و قيل،و هو الأحسن عندي:إنّهما لمّا عرفا المناسك و بنيا البيت و أطاعا،أرادا أن يسنّا للنّاس أنّ ذلك الموقف و تلك المواضع مكان التّنصّل من الذّنوب و طلب التّوبة.[ثمّ حكى كلام الطّبريّ و أضاف:]

و أجمعت الأمّة على عصمة الأنبياء في معنى التّبليغ و من الكبائر و من الصّغائر الّتي فيها رذيلة،و اختلف في غير ذلك من الصّغائر،و الّذي أقول به:أنّهم معصومون من الجميع،و أنّ قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي لأتوب إلى اللّه في اليوم و أستغفره سبعين مرّة»إنّما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها،لتزيد علومه و اطّلاعه على أمر اللّه،فهو

ص: 108

يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى،و التّوبة هنا لغويّة.(1:211)

نحوه القرطبيّ.(2:130)

الطّبرسيّ: وَ تُبْ عَلَيْنا فيه وجوه:

أحدها:أنّهما قالا هذه الكلمة على وجه التّسبيح و التّعبّد و الانقطاع إلى اللّه سبحانه،ليقتدي بهما النّاس فيها،و هذا هو الصّحيح.

و ثانيها:أنّهما سألا التّوبة على ظلمة ذرّيّتهما.

و ثالثها:أنّ معناه:ارجع إلينا بالمغفرة و الرّحمة، و ليس فيه دلالة على جواز الصّغيرة عليهم أو ارتكاب القبيح منهم،لأنّ الدّلائل القاهرة قد دلّت على أنّ الأنبياء معصومون منزّهون عن الكبائر و الصّغائر، و ليس هنا موضع بسط الكلام في ذلك.(1:210)

الفخر الرّازيّ: وَ تُبْ عَلَيْنا ففيه مسائل:

احتجّ من جوّز الذّنب على الأنبياء بهذه الآية،قال:

لأنّ التّوبة مشروطة بتقدّم الذّنب،فلو لا تقدّم الذّنب و إلاّ لكان طلب التّوبة طلبا للمحال.

و أمّا المعتزلة فقالوا:إنّا نجوّز الصّغيرة على الأنبياء، فكانت هذه التّوبة توبة من الصّغيرة.

و لقائل أن يقول:إنّ الصّغائر قد صارت مكفّرة بثواب فاعلها،و إذا صارت مكفّرة فالتّوبة عنها محال، لأنّ تأثير التّوبة في إزالتها و إزالة الزّائل محال.

و هاهنا أجوبة أخر تصلح لمن جوّز الصّغائر و لمن لم يجوّزها،و هي من وجوه:

أوّلها:يجوز أن يأتي بصورة التّوبة تشدّدا في الانصراف عن المعصية،لأنّ من تصوّر نفسه بصورة النّادم العازم على التحرّز الشّديد،كان أقرب إلى ترك المعاصي،فيكون ذلك لطفا داعيا إلى ترك المعاصي.

و ثانيها:أنّ العبد و إن اجتهد في طاعة ربّه،فإنّه لا ينفكّ عن التّقصير من بعض الوجوه:إمّا على سبيل السّهو،أو على سبيل ترك الأولى،فكان هذا الدّعاء لأجل ذلك.

و ثالثها:أنّه تعالى لمّا أعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ في ذرّيّته من يكون ظالما عاصيا،لا جرم سأل هاهنا أن يجعل بعض ذرّيّته أمّة مسلمة،ثمّ طلب منه أن يوافق أولئك العصاة المذنبين للتّوجّه،فقال: وَ تُبْ عَلَيْنا أي على المذنبين من ذرّيّتنا.(4:70)

نحوه النّيسابوريّ(1:455)

احتجّ الأصحاب بقوله: وَ تُبْ عَلَيْنا على أنّ فعل العبد خلق اللّه تعالى.[ثمّ ذكر مذهب المعتزلة و ردّها إن شئت فراجع](4:71)

الشّربينيّ: سأله التّوبة مع عصمتها،هضما لأنفسهما و إرشادا لذرّيّتهما أو لما سلف منهما سهوا قبل النّبوّة.(1:93)

أبو السّعود :استتابة لذرّيّتهما،و حكايتها عنهما لترغيب الكفرة في التّوبة و الإيمان،أو توبة لهما عمّا فرط منهما سهوا،و لعلّهما قالاه هضما لأنفسهما و إرشادا لذرّيّتهما.(1:199)

نحوه البروسويّ.(1:234)

الآلوسيّ: أي وفّقنا للتّوبة أو أقبلها منّا،و التّوبة تختلف باختلاف التّائبين،فتوبة سائر المسلمين:النّدم و العزم على عدم العود،و ردّ المظالم إذا أمكن،و نيّة الرّدّ

ص: 109

إذا لم يكن.و توبة الخواصّ:الرّجوع عن المكروهات من خواطر السّوء،و الفتور في الأعمال،و الإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال،و توبة خواصّ الخواصّ:لرفع الدّرجات،و التّرقّي في المقامات.

فإن كان إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام طلبا التّوبة لأنفسهما خاصّة،فالمراد بها ما هو من توبة القسم الأخير.و إن كان الضّمير شاملا لهما و للذّرّيّة،كان الدّعاء بها منصرفا لمن هو من أهلها،ممّن يصحّ صدور الذّنب المخلّ بمرتبة النّبوّة منه.

و إن قيل:إنّ الطّلب للذّرّيّة فقط و ارتكب التّجوّز في النّسبة إجراء للولد مجرى النّفس بعلاقة البعضيّة، ليكون أقرب إلى الإجابة،أو في الطّرف حيث عبّر عن الفرع باسم الأصل،أو قيل:بحذف المضاف-أي على عصاتنا-زال الإشكال كما إذا قلنا:إنّ ذلك عمّا فرط منهما من الصّغائر سهوا.

و القول بأنّهما لم يقصدا الطّلب حقيقة،و إنّما ذكرا ذلك للتّشريع و تعليم النّاس إنّ تلك المواضع مواضع التّنصّل،و طلب التّوبة من الذّنوب بعيد جدّا،و جعل الطّلب للتّثبيت،لا أراه هنا يجدي نفعا،كما لا يخفى.

و قرأ عبد اللّه (و تب عليهم) بضمير جمع الغيبة أيضا.

(1:386)

الطّباطبائيّ: فقد تبيّن أنّ المراد بالإسلام و البصيرة في العبادة،غير المعنى الشّائع المتعارف، و كذلك المراد بقوله تعالى: وَ تُبْ عَلَيْنا لأنّ إبراهيم و إسماعيل كانا نبيّين معصومين بعصمة اللّه تعالى، لا يصدر عنهما ذنب حتّى يصحّ توبتهما منه،كتوبتنا من المعاصي الصّادرة عنّا.(1:284)

توبوا

1- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. البقرة:54

ابن عيينة: التّوبة:نعمة من اللّه أنعم اللّه بها على هذه الأمّة دون غيرها من الأمم،و كانت توبة بني إسرائيل القتل.(القرطبيّ 1:401)

الماورديّ: فارجعوا إلى طاعة خالقكم.(1:122)

القشيريّ: الإشارة إلى حقيقة التّوبة بالخروج إلى اللّه بالكلّيّة.

قوله جلّ ذكره: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ التّوبة بقتل النّفوس غير... (1)إلاّ أنّ بني إسرائيل كان لهم قتل أنفسهم جهرا،و هذه الأمّة توبتهم بقتل أنفسهم في أنفسهم سرّا،فأوّل قدم في القصد إلى اللّه الخروج عن النّفس.

و لقد توهّم النّاس أنّ توبة بني إسرائيل كانت أشقّ، و لا كما توهّموا،فإنّ ذلك كان مقاساة القتل مرّة واحدة، و أمّا أهل الخصوص من هذه الأمّة ففي كلّ لحظة قتل، و لهذا:

ليس من مات فاستراح بميّت

إنّما الميّت ميّت الأحياء

ص: 110


1- كتب في الهامش:هنا كلمة مشتبهة.

و قتل النّفس في الحقيقة:التّبرّي عن حولها و قوّتها أو شهود شيء منها،و ردّ دعواها إليها،و تشويش تدبيرها عليها،و تسليم الأمور إلى الحقّ سبحانه بجملتها،و انسلاخها من اختيارها و إرادتها،و إمحاء آثار البشريّة عنها،فأمّا بقاء الرّسوم و الهياكل فلا خطر له و لا عبرة به.(1:104)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما الفرق بين الفاءات؟

قلت:الأولى للتّسبيب لا غير،لأنّ الظّلم سبب التّوبة،و الثّانية للتّعقيب،لأنّ المعنى فاعزموا على التّوبة فاقتلوا أنفسكم،من قبل أنّ اللّه تعالى جعل توبتهم قتل أنفسهم.

و يجوز أن يكون القتل تمام توبتهم،فيكون المعنى:

(فتوبوا)فأتبعوا التّوبة القتل تتمّة لتوبتكم.و الثّالثة متعلّقة بمحذوف.و لا يخلو إمّا أن ينتظم في قول موسى لهم فتتعلّق بشرط محذوف كأنّه قال:فإن فعلتم فقد تاب عليكم،و إمّا أن يكون خطابا من اللّه تعالى لهم على طريقة الالتفات،فيكون التّقدير:ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم.(1:281)

نحوه أبو حيّان.(1:206)

الطّبرسيّ: أي ارجعوا إلى خالقكم و منشئكم بالطّاعة و التّوحيد،و جعل توبتهم النّدم مع العزم و قتل النّفس جميعا.و هنا إضمار اختصار كأنّه لمّا قال لهم:

فتوبوا إلى بارئكم قالوا:كيف؟قال: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ.

(1:113)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:

السّؤال الأوّل:يقتضي كون التّوبة مفسّرة بقتل النّفس،كما أنّ قوله عليه السّلام:«لا يقبل اللّه صلاة أحدكم حتّى يضع الطّهور مواضعه فيغسل وجهه ثمّ يديه».يقتضي أن وضع الطّهور مواضعه مفسّر بغسل الوجه و اليدين.

و لكن ذلك باطل،لأنّ التّوبة عبارة عن النّدم على الفعل القبيح الّذي مضى،و العزم على أن لا يأتي بمثله بعد ذلك، و ذلك مغاير لقتل النّفس و غير مستلزم له،فكيف يجوز تفسيره به؟

و الجواب:ليس المراد تفسير التّوبة بقتل النّفس بل بيان أنّ توبتهم لا تتمّ و لا تحصل إلاّ بقتل النّفس.و إنّما كان كذلك لأنّ اللّه تعالى أوحى إلى موسى عليه السّلام أنّ شرط توبتهم قتل النّفس،كما أنّ القاتل عمدا لا تتمّ توبته إلاّ بتسليم النّفس حتّى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه، فلا يمتنع أن يكون من شرع موسى عليه السّلام أنّ توبة المرتدّ لا تتمّ إلاّ بالقتل.

إذا ثبت هذا فنقول:شرط الشّيء قد يطلق عليه اسم ذلك الشّيء مجازا،كما يقال للغاصب إذا قصد التّوبة:أنّ توبتك ردّ ما غصبت،يعني أنّ توبتك لا تتمّ إلاّ به،فكذا هاهنا.

السّؤال الثّاني:ما معنى قوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ و التّوبة لا تكون إلاّ للبارئ؟

و الجواب:المراد منه النّهي عن الرّياء في التّوبة، كأنّه قال لهم:لو أظهرتم لا عن القلب فأنتم ما تبتم إلى اللّه الّذي هو مطّلع على ضميركم،و إنّما تبتم إلى النّاس؛ و ذلك ممّا لا فائدة فيه،فإنّكم إذا أذنبتم إلى اللّه وجب أن تتوبوا إلى اللّه.

السّؤال الثّالث:كيف اختصّ هذا الموضع بذكر

ص: 111

البارئ؟[تقدّم في(برأ)فراجع]

السّؤال الرّابع:ما الفرق بين[الفاءات في الآية؟تقدّم في قول الزّمخشريّ فراجع](3:80)

الشّربينيّ: أي ارجعوا عن عبادة العجل.(1:60)

أبو السّعود :أي فاعزموا على التّوبة.(1:135)

نحوه البروسويّ(1:137)،و المراغيّ(1:120).

رشيد رضا :إنّها[التّوبة]محو أثر الرّغبة في الذّنب من لوح القلب،و الباعث عليها هو شعور التّائب بعظمة من عصاه و ما له من السّلطان عليه في الحال،و كون مصيره إليه في المآل،لا جرم أنّ الشّعور بهذا السّلطان الإلهيّ بعد مقارفة الذّنب يبعث في قلب المؤمن الهيبة و الخشية،و يحدث في روحه انفعالا ممّا فعل،و ندما على صدوره عنه،و يزيد هذا الحال في النّفس تذكّر الوعيد على ذلك الذّنب،و ما رتّبه اللّه عليه من العقوبة في الدّنيا و الآخرة.هذا أثر التّوبة في النّفس،و هذا الأثر يزعج التّائب إلى القيام بأعمال تضادّ ذلك الذّنب الّذي تاب منه،و تمحو أثره السّيّئ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.

فمن علامة التّوبة النّصوح:الإتيان بأعمال تشقّ على النّفس،و ما كانت لتأتيها لو لا ذلك الشّعور الّذي يحدثه الذّنب.و هذه العلامة لا تتخلّف عن التّوبة سواء كان الذّنب مع اللّه تعالى أو مع النّاس.

أ لا ترى أنّ أهون ما يكون من إنسان يذنب مع آخر يباهي به أي يجيء معترفا بالذّنب معتذرا عنه!و هذا ذلّ يشقّ على النّفس لا محالة،و قد أمر بنو إسرائيل بأشقّ الأعمال في تحقيق التّوبة من أكبر الذّنوب،و هو الرّغبة عن عبادة من خلقهم و برأهم إلى عبادة ما عملوا بأيديهم،و قد قال: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ لينبّههم إلى أنّ الإله الحقيقيّ هو الخالق البارئ ليتضمّن الأمر الاحتجاج عليهم و البرهان على جهلهم.

ذلك العمل الّذي أمرهم به موسى هو قتل أنفسهم، و القصّة في التّوراة الّتي بين أيديهم إلى اليوم:دعا موسى إليه من يرجع إلى الرّبّ،فأجابه بنو لاوي فأمرهم بأن يأخذوا السّيوف و يقتل بعضهم بعضا ففعلوا،و قتل في ذلك اليوم«نحو ثلاثة آلاف».(1:320)

2- وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... هود:3

الفرّاء: (ثمّ)هنا بمعنى«الواو»أي و توبوا إليه لأنّ الاستغفار هو التّوبة،و التّوبة هي الاستغفار.

(البغويّ 2:438)

نحوه الميبديّ.(4:351)

الطّبريّ: ثمّ ارجعوا إلى ربّكم بإخلاص العبادة له، دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد،و براءتكم من عبادتها،و لذلك قيل: ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ و لم يقل:و توبوا إليه،لأنّ التّوبة معناها الرّجوع إلى العمل بطاعة اللّه.و الاستغفار:استغفار من الشّرك الّذي كانوا عليه مقيمين،و العمل للّه لا يكون عملا له إلاّ بعد ترك الشّرك به.فأمّا الشّرك فإنّ عمله لا يكون إلاّ للشّيطان،فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتّوبة إليه بعد الاستغفار من الشّرك،لأنّ أهل الشّرك كانوا يرون أنّهم يطيعون اللّه بكثير من أفعالهم،و هم على شركهم

ص: 112

مقيمون.(11:181)

نحوه الزّمخشريّ.(2:258)

الطّوسيّ: إنّما ذكرت التّوبة بعد الاستغفار،لأنّ المعنى اطلبوا المغفرة بأن تجعلوها غرضكم ثمّ توصّلوا إلى مطلوبكم بالتّوبة.(5:514)

نحوه الطّبرسيّ.(3:142)

ابن عطيّة: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ أي اطلبوا مغفرته لكم،و ذلك بطلب دخولكم في الإسلام،ثمّ توبوا من الكفر،أي انسلخوا منه و اندموا على سالفه.و(ثمّ)مرتّبة لأنّ الكافر أوّل ما ينيب فإنّه في طلب مغفرة ربّه،فإذا تاب و تجرّد من الكفر تمّ إيمانه.(3:149)

الفخر الرّازيّ: [لاحظ غ ف ر(استغفروا)]

و النّيسابوريّ(12:7)،و الشّربينيّ(2:44)، و أبو حيّان(5:210)،و أبو السّعود(3:282)

البروسويّ: ثمّ أخلصوا التّوبة و استقيموا عليها، كما في«بحر العلوم»للسّمرقنديّ.ف(ثمّ)أيضا على بابها في الدّلالة على التّراخي الزّمانيّ.و يجوز أن يكون(ثمّ) لتفاوت ما بين الأمرين و بعد المنزلة بينهما من غير اعتبار تعقيب و تراخ،فإنّ بين التّوبة و هي انقطاع العبد إليه بالكلّيّة و بين طلب المغفرة بونا بعيدا،كذا ذكره الرّضيّ.

قال الفرّاء:(ثمّ)هاهنا بمعنى الواو لأنّ الاستغفار توبة انتهى.

يقول الفقير: فرّقوا بينهما،كما قال الحدّاديّ عند قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ النّساء:110،أي بالتّوبة الصّادقة،و شرطت التّوبة،لأنّ الاستغفار لا يكون توبة بالإجماع ما لم يقل معه:تبت و أسأت و لا أعود إليه أبدا فاغفر لي يا ربّ.

(4:91)

الآلوسيّ: عطف على(استغفروا).و اختلف في توجيه توسيط(ثمّ)بينهما،مع أنّ الاستغفار بمعنى التّوبة في العرف،فقال الجبّائيّ:إنّ المراد بالاستغفار هنا:

التّوبة عمّا وقع من الذّنوب،و بالتّوبة:الاستغفار عمّا يقع منها بعد وقوعه،أي استغفروا ربّكم من ذنوبكم الّتي فعلتموها ثمّ توبوا إليه من ذنوب تفعلونها.فكلمة(ثمّ) على ظاهرها من التّراخي في الزّمان.

و قال الفرّاء:إنّ(ثمّ)بمعنى«الواو».[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:لا نسلّم أنّ الاستغفار هو التّوبة بل هو ترك المعصية،و التّوبة هي الرّجوع إلى الطّاعة،و لئن سلّم أنّهما بمعنى،ف(ثمّ)للتّراخي في الرّتبة،و المراد بالتّوبة:

الإخلاص فيها و الاستمرار عليها،و إلى هذا ذهب صاحب«الفرائد».

و قال بعض المحقّقين:الاستغفار هو التّوبة إلاّ أنّ المراد بالتّوبة في جانب المعطوف التّوصّل إلى المطلوب مجازا من إطلاق السّبب على المسبّب،و(ثمّ)على ظاهرها و هي قرينة على ذلك.و أنت تعلم أنّ أصل معنى الاستغفار:طلب الغفر،أي السّتر،و معنى التّوبة:

الرّجوع،و يطلق الأوّل على طلب ستر الذّنب من اللّه تعالى و العفو عنه،و الثّاني على النّدم عليه مع العزم على عدم العود،فلا اتّحاد بينهما بل و لا تلازم عقلا لكن اشترط شرعا لصحّة ذلك الطّلب و قبوله النّدم على الذّنب،مع العزم على عدم العود إليه.

ص: 113

و جاء أيضا استعمال الأوّل في الثّاني،و الاحتياج إلى توجيه العطف على هذا ظاهر،و أمّا على ذاك فلأنّ الظّاهر أنّ المراد من الاستغفار المأمور به:الاستغفار المسبوق بالتّوبة بمعنى النّدم،فكأنّه قيل:استغفروا ربّكم بعد التّوبة ثمّ توبوا إليه.

و لا شبهة في ظهور احتياجه إلى التّوجيه حينئذ، و القلب يميل فيه إلى حمل الأمر الثّاني على الإخلاص في التّوبة و الاستمرار عليها،و التّراخي عليه يجوز أن يكون رتبيّا و أن يكون زمانيّا،كما لا يخفى.(11:207)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ المراد بالتّوبة في الآية:

الإيمان،كما في قوله تعالى: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ المؤمن:7،فيستقيم الجمع بين الاستغفار و التّوبة مع عطف التّوبة عليه ب(ثمّ)،و المعنى اتركوا عبادة الأصنام بعد هذا،و اطلبوا من ربّكم غفران ما قدّمتم من المعصية،ثمّ آمنوا بربّكم.

و قيل:إنّ المعنى اطلبوا المغفرة و اجعلوها غرضكم، ثمّ توصّلوا إليه بالتّوبة،و هو غير جيّد.

و من التّكلّف ما ذكره بعضهم أنّ المعنى:استغفروا من ذنوبكم الماضية ثمّ توبوا إليه كلّما أذنبتم في المستقبل، و كذا قول آخر:إنّ(ثمّ)في الآية بمعنى«الواو»لأنّ التّوبة و الاستغفار واحد.(10:141)

عبد الكريم الخطيب :و في العطف ب(ثمّ)إشارة إلى أنّ الاستغفار مطلوب دائما من كلّ مؤمن؛إذ كان الإنسان في معرض الزّلل و الانحراف،و هو يعالج شئون الحياة.

أمّا التّوبة فهي رجوع إلى اللّه بعد أن يبعد الإنسان كثيرا عنه،بارتكاب منكر من المنكرات،فالتّوبة يكون الإنسان فيها في مواجهة موقف محدّد،يراجع فيه الإنسان نفسه،فيرجع إلى ربّه من قريب،قبل أن تشطّ به الطّريق،و يبعد عن ربّه.

أمّا الاستغفار فهو دعاء متّصل بين الإنسان و ربّه، و هذا يعني أنّ الإنسان و إن اجتهد في الطّاعة،و أخلص في العبادة،و بالغ في تحرّي الاستقامة،لا يسلم أبدا من أن تقع منه هنات و زلاّت.و إذن فهو على شعور بالنّقص دائما،و في مداومة الاستغفار التجاء إلى اللّه أن يطهّره، و أن يمحو ما علق به من ذنوب.(6:1101)

3- وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. (النّور:31)

الفيروزآباديّ: التّوبة من أفضل مقامات السّالكين،لأنّها أوّل المنازل،و أوسطها،و آخرها، فلا يفارقها العبد أبدا،و لا يزال فيها إلى الممات.و إن ارتحل السّالك منها إلى منزل آخر ارتحل به،و نزل به.

فهي بداية العبد و نهايته.و حاجته إليها في النّهاية ضروريّة؛كما حاجته إليها في البداية كذلك.

و قد قال تعالى: وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً النّور:

31،و هذه الآية في سورة مدنيّة،خاطب اللّه تعالى بها أهل الإيمان،و خيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم، و صبرهم،و هجرتهم،و جهادهم،ثمّ علّق الفلاح بالتّوبة تعلّق (1)المسبّب بسببه،و أتى بأداة(لعلّ)المشعر بالتّرجّي؛إيذانا بأنّكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح،ق.

ص: 114


1- كذا،و الأولى:تعليق.

فلا يرجو الفلاح إلاّ التّائبون،جعلنا اللّه منهم.

و قد قال-تعالى-: وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ الحجرات:11،قسّم العباد إلى تائب،و ظالم -و ما قسم ثالث البتّة-و أوقع الظّلم على من لم يتب، و لا أظلم منه بجهله بربّه،و بحقّه،و بعيب نفسه،و بآفات أعماله،و في الصّحيح:«يا أيّها النّاس توبوا إلى اللّه؛فإنّي أتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة»و كان أصحابه يعدّون له في المجلس الواحد قبل أن يقوم:«ربّ اغفر لي و تب عليّ إنّك أنت التّواب الرّحيم»مائة مرّة،و ما صلّى صلاة قطّ بعد نزول سورة النّصر إلاّ قال في صلاته:

سبحانك اللّهمّ ربّنا و بحمدك،اللّهمّ اغفر لي.

و قوله تعالى: وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ يريد بالتّوبة تمييز البقيّة من العزّة،بأن يكون المقصود من التّوبة تقوى اللّه، و هو خوفه،و خشيته،و القيام بأمره،و اجتناب نهيه، فيعمل بطاعته على نور من اللّه،يرجو ثواب اللّه،و يترك معصية اللّه على نور من اللّه،يخاف عقاب اللّه،لا يريد بذلك عزّ الطّاعة؛فإنّ للطّاعة و التّوبة عزّا ظاهرا و باطنا، فلا يكون مقصوده العزّة،و إن علم أنّها تحصل له بالطّاعة و التّوبة.فمن تاب لأجل أمر فتوبته مدخولة.

و سرائر التّوبة ثلاثة أشياء هذا أحدها،و الثّاني نسيان الجناية،و الثّالث التّوبة من الإسلام و الإيمان (1).

قلنا:المراد منه التّوبة من رؤية التّوبة و أنّها إنّما حصلت له بتوفيق اللّه و مشيئته،و لو خلّي و نفسه لم يسمح بها البتّة.فإذا رآها من نفسه،و غفل عن منّة اللّه عليه،تاب من هذه الرّؤية و الغفلة.و لكن هذه الرّؤية ليست التّوبة و لا جزؤها،و لا شرطها،بل جناية أخرى حصلت له بعد التّوبة،فيتوب من هذه الجناية،كما تاب من الجناية الأولى،فما تاب إلاّ من ذنب أوّلا و آخرا.و المراد التّوبة من نقصان التّوبة و عدم توفيتها حقّها.

و وجه ثالث لطيف،و هو أنّه من حصل له مقام الأنس باللّه تعالى،و صفاء وقته مع اللّه تعالى؛بحيث يكون إقباله على اللّه،و اشتغاله بذكر آلائه و أسمائه و صفاته،أنفع شيء له،متى نزل عن هذا الحال اشتغل بالتّوبة من جناية سالفة،قد تاب منها،و طالع الجناية، و اشتغل بها عن اللّه تعالى،فهذا نقص ينبغي أن يتوب إلى اللّه منه.و هي توبة من هذه التّوبة،لأنّه نزول من الصّفاء إلى الجفاء،فالتّوبة من التّوبة إنّما تعقل على أحد هذه الوجوه الثّلاثة،و اللّه أعلم.

و اعلم أنّ صاحب البصيرة إذا صدرت منه الخطيئة، فله في توبته،نظر إلى أمور:

أحدها:النّظر إلى الوعد و الوعيد،فيحدث له ذلك خوفا و خشية تحمله على التّوبة.

الثّاني:أن ينظر إلى أمره تعالى و نهيه فيحدث له ذلك الاعتراف بكونها خطيئة،و الإقرار على نفسه بالذّنب.

الثّالث:أن ينظر إلى تمكين اللّه تعالى إيّاه منها، و تخليته بينه و بينها،و تقديرها عليه،و أنّه لو شاء لعصمه منها،فيحدث له ذلك أنواعا من المعرفة باللّه، و أسمائه و صفاته،و حكمته و رحمته،و مغفرته و عفوه، و حلمه و كرمه،و توجب له هذه المعرفة عبوديّة بهذه الأسماء،لا تحصل بدون لوازمها،و يعلم ارتباط الخلق،ن.

ص: 115


1- يريد ألاّ يرى له فضلا بأعمال الإسلام و الإيمان.

و الأمر و الجزاء،بالوعد و الوعيد بأسمائه و صفاته،و أنّ ذلك موجب الأسماء و الصّفات،و أثرها في الوجود،و أنّ كلّ اسم مفيض لأثره.و هذا المشهد يطلعه على رياض مؤنقة المعارف و الإيمان،و أسرار القدر و الحكمة،يضيق عن التّعبير عنها نطاق الكلم و النّظر.

الرّابع:نظره إلى الآمر له بالمعصية،و هو شيطانه الموكّل به،فيفيده النّظر إليه اتّخاذه عدوّا،و كمال الاحتراز منه،و التّحفّظ و التّيقّظ لما يريده منه عدوّه، و هو لا يشعر؛فإنّه يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض:عقبة الكفر باللّه و دينه و لقائه،ثمّ عقبة البدعة،إمّا باعتقاده خلاف الحقّ،و إمّا بالتّعبّد بما لم يأذن به اللّه من الرّسوم المحدثة-قال بعض مشايخنا:تزوّجت الحقيقة الكافرة،بالبدعة الفاجرة، فولد بينهما خسران الدّنيا و الآخرة-ثمّ عقبة الكبائر يزيّنها له و أنّ الإيمان فيه الكفاية.ثمّ عقبة الصّغائر بأنّها مغفورة ما اجتنبت الكبائر و لا يزال يجنيها حتّى يصرّ عليها،ثمّ عقبة المباحات،فيشغله بها عن الاستكثار من الطّاعات.و أقلّ ما يناله منه تفويت الأرباح العظيمة،ثمّ عقبة الأعمال المرجوحة،المفضولة يزيّنها له،و يشغله بها عمّا هو أفضل و أعظم ربحا.و لكن أين أصحاب هذه العقبة!فهم الأفراد في العالم.و الأكثرون قد ظفر بهم في العقبة الأولى.فإن عجز عنه في هذه العقبات جاء في عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى،على حسب مرتبته في الخير.و هذه نبذة من لطائف أسرار التّوبة، رزقنا اللّه تعالى إيّاها بمنّه و فضله إنّه حقيق بذلك.

و يقال:إنّ التّوبة من طريق المعنى على ثلاثة أنواع، و من طريق اللّفظ و سبيل اللّطف على ثلاثة و ثلاثين درجة:

أمّا المعنى،فالأوّل:التّوبة من ذنب يكون بين العبد و بين الرّبّ،و هذا يكون بندامة الجنان،و استغفار اللّسان.

و الثّاني:التّوبة من ذنب يكون بين العبد و بين طاعة الرّبّ،و هذا يكون بجبر النّقصان الواقع فيها.

الثّالث:التّوبة من ذنب يكون بين العبد و بين الخلق، و هذه تكون بإرضاء الخصوم بأيّ وجه أمكن.

و أمّا درجات اللّطف،فالأولى:أنّ اللّه أمر الخلق بالتّوبة،و أشار بأنّها الّتي تليق بحال المؤمن وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.

الثّانية:لا تكون التّوبة مثمرة حتّى يتمّ أمرها تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً التّحريم:8.

الثّالثة:لا تنظر أنّك فريد في طريق التّوبة،فإنّ أباك آدم كان مقدّم التّائبين فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ البقرة:37،و الكليم موسى لم يكن له لمّا علا على الطّور تحفة غير التّوبة سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ الأعراف:143.

ثمّ إنّه بشّر النّاس بالتّمتّع من الأعمار،و استحقاق فضل الرّءوف الغفّار ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً هود:3،و أشار صالح على قومه بالتّوبة، و بشّرهم بالقربة و الإجابة ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ هود:61،و سيّد المرسلين مع الأنصار و المهاجرين سلكوا طريق النّاس لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ التّوبة:117،و الصّدّيق الأكبر اقتدى في التّوبة بسائر النّبيّين تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ

ص: 116

اَلْمُسْلِمِينَ الأحقاف:15.

أصحاب النّبيّ ما نالوا التّوبة إلاّ بتوفيق اللّه ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا التّوبة:118،تحرّزا من انتشار العصمة أمرن بالتّوبة إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:4،و من توقّف عن سلوك طريق النّاس وسم جبين حاله بميسم الخائبين وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ الحجرات:11،الأزواج اللاّئقة بخاتم النّبيّين تعيّن بالتّوبة قانِتاتٍ تائِباتٍ التّحريم:5.

الرّجال لا يقعدهم على سرير السّرور إلاّ التّوبة اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ التّوبة:112،و لا يظنّ التّوّاب اختصاص النّعت به فإنّا جعلنا هذا الوصف من جملة صفات العليّ: إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً النّساء:16،و إذا وفّقنا العبد للتّوبة تارة قرّبناه بالحكمة وَ أَنَّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ النّور:10،و إذا قبلنا منه التّوبة قرّبناه بالرّحمة وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:160،و المؤمن إذا تاب أقبلنا عليه بالقبول،و تكفّلنا له بنيل المأمول وَ يَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ الأحزاب:73.

و إن أردت أن تكون في أمان الإيمان،مصاحبا لسلاح الصّلاح،فعليك بالتّوبة وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً طه:82، إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً...* وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً...

الفرقان:70،71.

و إذا أقبل العبد على باب التّوبة استحكم عقد أخوّته،مع أهل الإسلام فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ التّوبة:11.و من تاب،و قصد الباب،حصل له الفرج بأفضل الأسباب فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ التّوبة:5،و من أثار غبار المعاصي،و أتبعه برشاش النّدم،غلّبت حكمتنا الطّاعة على المعصية، و سترت الزّلّة بالرّحمة خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ التّوبة:102.

السّارق المارق إذا لاذ و تحرّم بالتّوبة قبل القدرة عليه،فلا سبيل للإيذاء إليه إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ المائدة:34،و إذا أردت التّوبة فأنا المريد لتوبتك قبل وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ النّساء:27،و إذا تبت بتوبتي عليك،و توفيقي لك، جازيتك بالمحبّة إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ البقرة:222، و إنّا لا نقبل توبة من يؤخّر توبته إلى آخر الوقت:

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18،و إنّما يتقبّل توبة من تتّصل توبته بزلّته،و تقترن بمعصيته إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ النّساء:17.

أعظم الذّنوب قتل النّفس و إذا حصل خطأ من غير عمد فبالتّوبة و الصّيام كفّر فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ النّساء:92،نهينا سيّد المرسلين عن التّحكّم على عبادنا،فإنّ ذلك إلينا.و نحن نتوب عليهم لو نشاء لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ آل عمران:128،لا تفرّ من التّوبة؛فإنّها خير لك في الدّارين فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ التّوبة:74، فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ البقرة:54،و من

ص: 117

رمى بنفسه في هوّة الكفر فلا توبة له لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ آل عمران:90،أ يظنّون أنّا لا نقبل توبة المخلص من عبادنا أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ التّوبة:104،نحن نأخذ بيد المذنب،و نقبل باللّطف توبته غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ المؤمن:3، وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25.

و لهذا قيل:التّوبة قصّار المذنبين،و غسّال المجرمين، و قائد المحسنين،و عطّار المريدين،و أنيس المشتاقين، و سائق إلى ربّ العالمين.

(بصائر ذوي التّمييز 2:304-312)

التّائبون

اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. التّوبة:112

ابن عبّاس: (التّائبون)هم الّذين تابوا من الشّرك،و تبرّءوا عن النّفاق.

مثله الحسن.(النّيسابوريّ 11:27)

نحوه البغويّ.(2:392)

الحسن :تابوا إلى اللّه من الذّنوب كلّها.

(الطّبريّ 11:36)

قتادة :تابوا من الشّرك،ثمّ لم ينافقوا في الإسلام.

(الطّبريّ 11:36)

ابن جريج: الّذين تابوا من الذّنوب،ثمّ لم يعودوا فيها.(الطّبريّ 11:36)

الطّبريّ: و معنى(التّائبون):ممّا كرهه اللّه و سخطه، إلى ما يحبّه و يرضاه.(11:36)

الزّجّاج: يصلح أن يكون رفعه على وجوه:أحدها:

المدح،كأنّه قال:هؤلاء التّائبون،أو هم التّائبون؟

و يجوز أن يكون على البدل،المعنى:يقاتل التّائبون، و هذا مذهب أهل اللّغة.

و الّذي عندي،و اللّه أعلم أنّ قوله: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ رفع بالابتداء،و خبره مضمر،المعنى:

اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ... لهم الجنّة أيضا،أي من لم يجاهده غير معاند و لا قاصد لترك الجهاد،لأنّ بعض المسلمين يجزي عن بعض في الجهاد،فمن كان هذه صفته فله الجنّة أيضا.

التّائبون:الّذين تابوا من الكفر.(2:471)

الماورديّ: يعني من الذّنوب.

و يحتمل أن يراد بهم الرّاجعون إلى اللّه تعالى في فعل ما أمر و اجتناب ما حظر،لأنّها صفة مبالغة في المدح، و التّائب هو الرّاجع،و الرّاجع إلى الطّاعة أفضل من الرّاجع عن المعصية،لجمعه بين الأمرين.(2:406)

الطّوسيّ: قيل في ارتفاع قوله:(التّائبون)ثلاثة أقوال:

أحدها:إنّه ارتفع بالمدح،و التّقدير هم التّائبون.

الثّاني:بالابتداء و خبره محذوف بعد قوله:

وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ لهم الجنّة.

الثّالث:على أن يكون بدلا من الضّمير في (يقاتلون)أي إنّما يقاتل في سبيل اللّه من هذه صفته.

و قيل:هو كقوله: لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ

ص: 118

التّوبة:88،التّائبون.

و قرأ أبيّ كلّ ذلك بالنّصب على أنّه صفة للمؤمنين.

وصف اللّه تعالى المؤمنين الّذين اشتروا منه أنفسهم و أموالهم بأنّهم التّائبون،و معناه الرّاجعون إلى طاعة اللّه المنقطعون إليه و النّادمون على ما فعلوا من قبيح.

(5:354)

القشيريّ: (التّائبون)أي الرّاجعون إلى اللّه،فمن راجع يرجع عن زلّته إلى طاعته،و من راجع يرجع عن متابعة هواه إلى موافقة رضاه،و من راجع يرجع عن شهود نفسه إلى شهود لطفه،و من راجع يرجع عن الإحساس بنفسه و أبناء جنسه إلى الاستغراق في حقائق حقّه.

و يقال:تائب يرجع عن أفعاله إلى تبديل أحواله، فيجد غدا فنون أفضاله،و صنوف لطفه و نواله،و تائب يرجع عن كلّ غير و ضدّ إلى ربّه بربّه لربّه بمحو كلّ أرب،و عدم الإحساس بكلّ طلب.

و تائب يرجع لحظّ نفسه من جزيل ثوابه،أو حذرا على نفسه،من أليم عذابه،و تائب يرجع لأمره برجوعه و إيابه،و تائب يرجع طلبا لفرح نفسه حين ينجو من أوضاره،و يخلص من شؤم أوزاره،و تائب يرجع لمّا سمع أنّه قال:«إنّ اللّه أفرح بتوبة عبده من الأعرابيّ الّذي وجد ضالّته»كما في الخبر،و شتّان ما هما.

أيا قادما من سغرة الهجر مرحبا

أناديك لا أنساك ما هبّت الصّبا

(3:66)

الزّمخشريّ: (التّائبون)رفع على المدح،أي هم التّائبون،يعني المؤمنين المذكورين،و يدلّ عليه قراءة عبد اللّه و أبيّ رضي اللّه عنهما «التّائبين» بالياء،إلى «و الحافظين» نصبا على المدح،و يجوز أن يكون جرّا صفة للمؤمنين.

و جوّز الزّجّاج أن يكون مبتدأ خبره محذوف،أي التّائبون العابدون من أهل الجنّة أيضا و إن لم يجاهدوا، كقوله: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى النّساء:95.

و قيل:هو رفع على البدل من الضّمير في(يقاتلون).

و يجوز أن يكون مبتدأ و خبره(العابدون)و ما بعده خبر بعد خبر،أي التّائبون من الكفر على الحقيقة،الجامعون لهذه الخصال.(2:216)

نحوه الآلوسيّ(11:30)،و النّيسابوريّ(11:27)، و أبو السّعود(3:196).

ابن عطيّة: و(التّائبون)لفظ يعمّ الرّجوع من الشّرّ إلى الخير،كان ذلك من كفر أو معصية،و الرّجوع من حالة إلى ما هي أحسن منها،و إن لم تكن الأولى شرّا بل خيرا،و هكذا توبة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و استغفاره سبعين مرّة في اليوم.

و التّائب هو المقلع عن الذّنب،العازم على التّمادي على الإقلاع،النّادم على ما سلف.و التّائب عن ذنب يسمّى تائبا و إن قام على غيره إلاّ أن يكون من نوعه فليس بتائب.

و التّوبة و نقضها دائبا خير من الإصرار،و من تاب ثمّ نقض و وافى على النّقض فإنّ ذنوبه الأولى تبقى عليه، لأنّ توبته منها علم اللّه أنّها منقوضة،و يحتمل الأمر غير ذلك،و اللّه أعلم.(3:88)

ص: 119

نحوه القرطبيّ.(8:269)

الطّبرسيّ: أي الرّاجعون إلى طاعة اللّه،و المنقطعون إليه،النّادمون على ما فعلوه من القبائح.(3:75)

نحوه فضل اللّه(11:218)،و مكارم الشّيرازيّ(6:

214).

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:المسألة الأولى في رفع قوله:(التّائبون...).[و ذكر كما تقدّم عن الزّمخشريّ]

المسألة الثّانية:في تفسير هذه الصّفات التّسعة:

الصّفة الأولى:قوله:(التّائبون)،قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه:التّائبون من الشّرك،و قال الحسن:

التّائبون من الشّرك و النّفاق،و قال الأصوليّون:التّائبون من كلّ معصية.و هذا أولى،لأنّ التّوبة قد تكون توبة من الكفر،و قد تكون من المعصية.و قوله:(التّائبون)صيغة عموم محلاّة بالألف و اللاّم،فتتناول الكلّ،فالتّخصيص بالتّوبة عن الكفر محض التّحكّم.

و اعلم أنّا بالغنا في شرح حقيقة التّوبة،في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ البقرة:37.

و اعلم أنّ التّوبة إنّما تحصل عند حصول أمور أربعة:

أوّلها:احتراق القلب في الحال على صدور تلك المعصية عنه.

و ثانيها:ندمه على ما مضى.

و ثالثها:عزمه على التّرك في المستقبل.

و رابعها:أن يكون الحامل له على هذه الأمور الثّلاثة طلب رضوان اللّه تعالى و عبوديّته،فإن كان غرضه منها دفع مذمّة النّاس و تحصيل مدحهم أو سائر الأغراض، فهو ليس من التّائبين.(16:202)

نحوه الشّربينيّ.(1:653)

البروسويّ: و أصل التّوبة:الرّجوع،فإذا وصف بها العبد يراد بها الرّجوع من العقوبة إلى المغفرة و الرّحمة،و هي واجبة على الفور،و يتقدّمها معرفة الذّنب المرجوع عنه أنّه ذنب.

و علامة قبولها أربعة أشياء:أن ينقطع عن الفاسقين، و يتّصل بالصّالحين بالتّردّد إلى مجالسهم الشّريفة أينما كانوا،و أن يقبل على جميع الطّاعات؛إذ الرّجوع إذا صحّ من القلب ترى الأعضاء تنقاد لما خلقت له،كالشّجرة إذا صلح أصلها أثمر فرعها،و أن يذهب عنه فرح الدّنيا؛إذ المقبل على اللّه لا يفرح بشيء ممّا سواه.(3:517)

رشيد رضا :أي هم التّائبون الكاملون في توبتهم، و هي الرّجوع إلى اللّه عن كلّ ما يبعد عن مرضاته.

و تختلف باختلاف أحوال أهلها؛فتوبة الكفّار الّذين يدخلون في الإسلام:هي الرّجوع عن الكفر الّذي كانوا عليه من شرك و غيره،كما تقدّم في قوله تعالى: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ التّوبة:11.

و توبة المنافق من النّفاق،و تقدّم ذكرها في هذه السّورة أيضا.

و توبة العاصي من المعصية،و منه توبة من تخلّف عن غزوة تبوك من المؤمنين،و تقدّم قريبا ذكر من تاب منهم و من أرجئ أمره.

و توبة المقصّر في شيء من البرّ و عمل الخير،إنّما

ص: 120

تكون في التّشمير فيه و الاستزادة منه.

و توبة من يغفل عن ربّه،و إنّما تكون في الإكثار من ذكره و شكره.(11:51)

نحوه المراغيّ.(11:33)

الطّباطبائيّ: يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم،و الصّفات مرفوعة بالقطع،أي المؤمنون هم التّائبون العابدون إلخ،فهم التّائبون لرجوعهم من غير اللّه إلى اللّه سبحانه.(9:396)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(6:901)

تائبات

عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً. التّحريم:5

ابن عبّاس: أي تائبات من الذّنوب.(477)

الطّبريّ: راجعات إلى ما يحبّه اللّه منهنّ من طاعته عمّا يكرهه منهنّ.(28:164)

الميبديّ: راجعات من الذّنوب.(10:159)

الطّبرسيّ: (تائبات)من الذّنوب،و قيل:راجعات إلى أمر الرّسول تاركات لمحابّ أنفسهنّ،و قيل:نادمات على تقصير وقع منهنّ.(5:316)

نحوه النّسفيّ(4:270)،و الشّربينيّ(4:332).

الخازن :أي تاركات للذّنوب لقبحها،أو كثيرات التّوبة.(7:101)

الآلوسيّ: مقلعات عن الذّنب.(28:155)

القاسميّ: أي من الذّنوب لا يصررن عليها.

(16:5864)

التّوّاب

1- فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:37

ابن عبّاس: المتجاوز.(7)

أبو عبيدة :أي يتوب على العباد،و التّوّاب من النّاس:الّذي يتوب من الذّنب.(1:39)

الطّبريّ: إنّ اللّه جلّ ثناؤه هو التّوّاب على من تاب إليه من عباده المذنبين من ذنوبه،التّارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته،بما سلف من ذنبه.[ثمّ ذكر معنى التّوبة](1:246)

الماورديّ: أي الكثير القبول للتّوبة،و عقّبه بالرّحمة،لئلاّ يخلّي اللّه تعالى عباده من نعمه.(1:11)

الطّوسيّ: و«توّاب»بمعنى أنّه قابل التّوبة،لا يطلق إلاّ عليه تعالى،و لا يطلق في الواحد منّا.(1:172)

الواحديّ: أي يتوب على عبده بفضله إذا تاب إليه من ذنبه.(1:126)

البغويّ: يقبل توبة عباده.(1:108)

الميبديّ: «توّاب»اسم من أسماء اللّه،و هو الّذي يرجع إلى تيسير أسباب التّوبة لعباده مرّة بعد أخرى،بما يظهر لهم من آياته،و يسوق إليهم من تنبيهاته،و يطّلعهم عليه من تخفيفاته و تحذيراته،حتّى إذا اطّلعوا بتعريفه على غوائل الذّنوب استشعروا الخوف بتخويفه،فرجعوا إلى التّوبة،فرجع إليهم فضل اللّه بالقبول.(1:156)

ابن عطيّة: قرأ ابن أبي عقرب: «أنّه» بفتح الهمزة

ص: 121

على معنى(لأنّه)و بنية(التّوّاب)للمبالغة و التّكثير،و في قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ تأكيد،فائدته أنّ التّوبة على العبد إنّما هي نعمة من اللّه،لا من العبد وحده لئلاّ يعجب التّائب،بل الواجب عليه شكر اللّه تعالى في توبته عليه.(1:131)

مثله الثّعالبيّ.(1:67)

ابن العربيّ: و لعلمائنا في وصف الرّبّ بأنّه توّاب ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّه يجوز في حقّ الرّبّ سبحانه و تعالى، فيدعى به كما في الكتاب و السّنّة،و لا يتأوّل.

و قال آخرون:هو وصف حقيقيّ للّه سبحانه و تعالى،و توبة اللّه على العبد:رجوعه من حال المعصية إلى حال الطّاعة.

و قال آخرون:توبة اللّه على العبد قبوله توبته؛ و ذلك يحتمل أن يرجع إلى قوله سبحانه و تعالى:قبلت توبتك،و أن يرجع إلى خلقه الإنابة و الرّجوع في قلب المسيء،و إجراء الطّاعات على جوارحه الظّاهرة.

(القرطبيّ 1:325)

الطّبرسيّ: أي كثير القبول للتّوبة يقبل مرّة بعد مرّة،و هو في صفة العباد الكثير التّوبة.و قيل:إنّ معناه إنّه يقبل التّوبة و إن عظمت الذّنوب فيسقط عقابها.

(1:89)

القرطبيّ: وصف نفسه سبحانه و تعالى بأنّه التّوّاب،و تكرّر في القرآن معرّفا و منكّرا و اسما و فعلا.

و قد يطلق على العبد أيضا توّاب،قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222.

[ثمّ نقل كلام ابن العربيّ و أضاف:]

لا يجوز أن يقال في حقّ اللّه تعالى:تائب،اسم فاعل من تاب يتوب،لأنّه ليس لنا أن نطلق عليه من الأسماء و الصّفات إلاّ ما أطلقه هو على نفسه أو نبيّه عليه السّلام أو جماعة المسلمين،و إن كان في اللّغة محتملا جائزا.

هذا هو الصّحيح في هذا الباب،على ما بيّنّاه في «الكتاب الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى»قال اللّه تعالى: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ التّوبة:117،و قال: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25.

و إنّما قيل للّه عزّ و جلّ:(توّاب)لمبالغة الفعل،و كثرة قبوله توبة عباده لكثرة من يتوب إليه.

اعلم أنّه ليس لأحد قدرة على خلق التّوبة،لأنّ اللّه سبحانه و تعالى هو المنفرد بخلق الأعمال،خلافا للمعتزلة و من قال بقولهم.و كذلك ليس لأحد أن يقبل توبة من أسرف على نفسه و لا أن يعفو عنه.

قال علماؤنا:و قد كفرت اليهود و النّصارى بهذا الأصل العظيم في الدّين اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ التّوبة:31،و جعلوا لمن أذنب أن يأتي الحبر أو الرّاهب فيعطيه شيئا،و يحطّ عنه ذنوبه اِفْتِراءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ الأنعام:

140.(1:325)

البيضاويّ: الرّجّاع على عباده بالمغفرة،أو الّذي يكثر إعانتهم على التّوبة.و أصل التّوبة:الرّجوع،فإذا وصف بها العبد كان رجوعا عن المعصية،و إذا وصف بها البارئ تعالى أريد بها الرّجوع عن العقوبة إلى المغفرة.

ص: 122

(1:50)

نحوه الشّربينيّ(1:51)،و أبو السّعود(1:123)، و الخازن(1:44).

النّسفيّ: الكثير القبول للتّوبة.(1:44)

النّيسابوريّ: و معنى المبالغة في التّوّاب:أنّ واحدا من ملوك الدّنيا إذا عصاه إنسان ثمّ تاب قبل توبته،ثمّ إذا عاد إلى المعصية و إلى الاعتذار فربّما لم يقبل عذره،لأنّ طبعه يمنعه من قبول العذر.و اللّه تعالى بخلاف ذلك،لأنّه إنّما يقبل التّوبة لا لأمر يرجع إلى رقّة طبع أو جلب نفع أو دفع ضرّ،بل لمحض الإحسان و اللّطف و الرّحمة و الجود،فإنّ فيضه لا ينقطع،و لا تقصير إلاّ من القابل، فكلّما ارتفع المانع من قبل القابل وصل الفيض إليه لا محالة.

و أيضا يستحقّ المبالغة من جهة أخرى،و هي كثرة عدد المذنبين،المستلزمة لكثرة التّائبين،المستتبعة لكثرة قبول التّوبة و وصفه بالرّحمة.(1:285)

أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و أضاف:]

و ذهب بعضهم إلى أنّه تعالى لا يوصف به إلاّ تجوّزا، و أجمعوا أنّه لا يوصف تعالى بتائب و لا آئب و لا رجّاع و لا منيب،و فرق بين إطلاقه على اللّه تعالى و على العبد، و ذلك لاختلاف صلتيهما،أ لا ترى (فَتابَ عَلَيْهِ) (وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ) ،فالتّوبة من اللّه على العبد هي العطف و التّفضّل عليه،و من العبد هي الرّجوع إلى طاعته تعالى،لطلب ثواب أو خشية عقاب أو رفع درجات.

و أعقب الصّفة الأولى بصفة الرّحمة،لأنّ قبول التّوبة سببه رحمة اللّه لعبده،و تقدّم(التّوّاب)لمناسبة(فتاب عليه)و لحسن ختم الفاصلة بقوله:(الرّحيم).(1:167)

الآلوسيّ: و في الجملة الاسميّة ما يقوّي رجاء المذنبين و يجبر كسر قلوب الخاطئين؛حيث افتتحها ب(انّ)و أتى بضمير الفصل و عرّف المسند،و أتى به من صيغ المبالغة إشارة إلى قبوله التّوبة كلّما تاب العبد.

و يحتمل أنّ ذلك لكثرة من يتوب عليهم،و جمع بين وصفي كونه توّابا و كونه رحيما إشارة إلى مزيد الفضل، و قدّم(التّوّاب)لظهور مناسبته لما قبله.(1:237)

القاسميّ: في الجمع بين الاسمين وعد للتّائب بالإحسان مع العفو.(2:110)

المراغيّ: (التّوّاب)هو الّذي يقبل التّوبة عن عباده كثيرا،فمهما اقترف العبد من الذّنوب و ندم على ما فرط منه و تاب،تاب اللّه عليه.[إلى أن قال:]

و قد جمع بين الوصفين(التّوّاب الرّحيم)للإشارة إلى عدة اللّه تعالى للعبد التّائب بالإحسان إليه،مع العفو عنه و المغفرة له.(1:92)

مكارم الشّيرازيّ: التّوبة في اللّغة بمعنى العودة، و هي في التّعبير القرآنيّ بمعنى العودة عن الذّنب،إن نسبت إلى المذنب؛و إن نسبت كلمة التّوبة إلى اللّه،فتعني عودته سبحانه إلى الرّحمة الّتي كانت مسلوبة عن العبد المذنب،و لذلك فهو تعالى«توّاب»في التّعبير القرآنيّ.

بعبارة أخرى توبة العبد:عودته إلى اللّه،لأنّ الذّنب فرار من اللّه و التّوبة رجوع إليه،و توبة اللّه:إغداق رحمته على عبده الآئب.(1:153)

و بهذا المعنى جاءت كلمة«التّوّاب»في الآية 45 و 128 من سورة البقرة.

ص: 123

متاب

...قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ.

الرّعد:30

ابن عبّاس: المرجع في الآخرة.(208)

مجاهد :يعني بالمتاب:التّوبة.(الماورديّ 3:111)

الطّبريّ: و إليه مرجعي و أوبتي،و هو مصدر من قول القائل:تبت متابا و توبة.(13:150)

نحوه البغويّ.(3:23)

الطّوسيّ: أي إلى اللّه الرّحمن توبتي،و هو النّدم على ما سلف من الخطيئة،مع العزم على ترك المعاودة إلى مثله في القبح.و المتاب و التّوبة مصدران،يقال:تاب يتوب توبة و متابا.(6:252)

نحوه الطّبرسيّ.(3:293)

الميبديّ: أي و إليه أتوب من خطاياي،و الأصل:

متابي،فحذفت الياء،لأنّ الكسرة تدلّ عليها.

(5:200)

الزّمخشريّ: فيثيبني على مصابرتكم و مجاهدتكم.

(2:360)

نحوه الفخر الرّازيّ(19:52)،و النّيسابوريّ(13:

89)،و أبو حيّان(5:391).

أبو البركات: أصل(متابا):متوب،فنقلت الفتحة من الواو إلى التّاء،فتحرّكت في الأصل،و انفتح ما قبلها الآن،فقلبت ألفا.(2:209)

البيضاويّ: مرجعي و مرجعكم.(1:520)

أبو السّعود :أي توبتي،كقوله تعالى: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ محمّد:19،و المؤمن:55،أمر عليه السّلام بذلك إبانة لفضل التّوبة و مقدارها عند اللّه تعالى،و أنّها صفة الأنبياء،و بعثا للكفرة على الرّجوع عمّا هم عليه بأبلغ وجه و ألطفه،فإنّه عليه السّلام حيث أمر بها و هو منزّه عن شائبة اقتراف ما يوجبها من الذّنب،و إن قلّ،فتوبتهم و هم عاكفون على أنواع الكفر و المعاصي ممّا لا بدّ منه أصلا.

و قد فسّر«المتاب»بمطلق الرّجوع،فقيل:مرجعي و مرجعكم،و زيد:فيحكم بيني و بينكم،و قد قيل:

فيثيبني على مصابرتكم،فتأمّل.(3:458)

نحوه المراغيّ.(13:104)

البروسويّ: مصدر تاب يتوب،و أصله:متابي، أي مرجعي و مرجعكم،فيرحمني و ينتقم لي منكم، و الانتقام من الرّحمن أشدّ،و لذا قيل:نعوذ باللّه من غضب الحليم.(4:375)

الآلوسيّ: أي مرجعي فيثيبني على مصابرتكم و مجاهدتكم.[إلى أن قال:]

ثمّ لا يخفى أنّ حمل(و اليه متاب)على:إليه رجوعي في سائر أموري خلاف الظّاهر،و أنّه على ذلك يكون كالتّأكيد لما قبله.[ثمّ نقل كلام أبي السّعود و قال:]

و فيه أنّ هذا إنّما يصلح باعثا للإقلاع عن الذّنب على أبلغ وجه و ألطفه لو كان الكلام مع غير الكفرة الّذين يحسبون أنّهم يحسنون صنعا،و لعلّ ذلك ظاهر عند المنصف.

و قال العلاّمة البيضاويّ في ذلك:أي إليه مرجعي و مرجعكم.و كأنّه أراد أيضا فيرحمني و ينتقم منكم، و الانتقام من الرّحمن أشدّ،كما قيل:أعوذ باللّه تعالى من

ص: 124

غضب الحليم.

و تعقّب بأنّه إنّما يتمّ لو كان المضاف إليه المحذوف ضمير المتكلّم و معه غيره،أي متابنا إذ يكون حينئذ مرجعي و مرجعكم تفصيلا لذلك،و لا يكاد يقول به أحد مع قوله:بكسر الباء،فإنّه يقتضي أن يكون المحذوف الياء،على أنّ ذلك الضّمير لا يناسب ما قبله،و لعلّ العلاّمة اعتبر أنّ في الآية اكتفاء على ما قيل،أي متابي و متابكم،أو أنّ الكلام دالّ عليه التزاما.و هذا أولى على ما قيل،فتأمّل.(13:153)

الطّباطبائيّ: أي هو وحده ربّي من غير شريك، كما تقولون،و لربوبيّته لي وحده أتّخذه القائم على جميع أموري و بها،و أرجع إليه في حوائجي.و بذلك يظهر أنّ قوله: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ من آثار الرّبوبيّة المتفرّعة عليها،فإنّ الرّبّ هو المالك المدبّر،فمحصّل المعنى هو وكيلي و إليه أرجع.

و قيل:إنّ المراد ب«المتاب»هو التّوبة من الذّنوب، لما في المعنى الأوّل من لزوم كون (إِلَيْهِ مَتابِ) تأكيدا لقوله: (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) و هو خلاف الظّاهر.

و فيه منع رجوعه إلى التّأكيد،ثمّ منع كونه خلاف الظّاهر،و هو ظاهر.

و ذكر بعضهم:أنّ المعنى:إليه متابي و متابكم،و فيه أنّه مستلزم لحذف و تقدير لا دليل عليه،و مجرّد كون مرجعهم إليه في الواقع لا يوجب التّقدير،من غير أن يكون في الكلام ما يوجب ذلك.(11:358)

فضل اللّه :فأوجّه إليه التّوبة من ذنوبي الّتي أسلفتها،و أفتح له كلّ حياتي المستقبليّة،الّتي أثير فيها كلّ تاريخ حياتي الماضية بالتّوبة و الإيمان.

(13:55)

توبة

1- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ... النّساء:92

ابن عبّاس: تجاوزا من اللّه لقاتل الخطأ إن فعل ذلك.(77)

الجبّائيّ: إنّما قال: تَوْبَةً مِنَ اللّهِ تعالى بهذه الكفّارة الّتي يلتزمها بدرء عقاب القاتل و ذمّه،لأنّه يجوز أن يكون عاصيا في السّبب،و إن لم يكن عاصيا في القتل،من حيث إنّه رمى في موضع هو منهيّ عنه بأن يكون رجمه،و إن لم يقصد القتل.(الطّوسيّ 3:293)

الطّبريّ: يعني تجاوزا من اللّه لكم إلى التّيسير عليه،بتخفيفه عنكم،ما خفّف عنكم،من فرض تحرير الرّقبة المؤمنة،إذا أعسرتم بها،بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين.(5:215)

الزّجّاج: و نصب تَوْبَةً مِنَ اللّهِ على جهة نصب «فعلت ذلك حذار الشّرّ».المعنى فعليه صيام شهرين و عليه دية إذا وجد توبة من اللّه،أي فعل ذلك توبة من اللّه.(2:91)

نحوه النّيسابوريّ.(5:117)

الطّوسيّ: قوله: تَوْبَةً مِنَ اللّهِ نصب على القطع،معناه:رجعة من اللّه لكم.[ثمّ أدام نحو الطّبريّ و نقل قول الجبّائيّ ثمّ قال:]

و هذا ليس بشيء،لأنّ الآية عامّة في كلّ خطإ،

ص: 125

و ما ذكره ربّما اتّفق في الآحاد...(3:293)

الواحديّ: أي اعملوا بما أوجبه للتّوبة من اللّه،أي ليقبل اللّه توبتكم فيما اقترفتموه من ذنوبكم.(2:95)

البغويّ: أي جعل اللّه ذلك توبة القاتل الخطأ.

(1:676)

مثله الخازن.(1:478)

الزّمخشريّ: قبولا من اللّه و رحمة منه،من تاب اللّه عليه،إذا قبل توبته،يعني شرع ذلك توبة منه.أو نقلكم من الرّقبة إلى الصّوم توبة منه.(1:554)

نحوه النّسفيّ.(1:244)

ابن عطيّة: (توبة)نصب على المصدر،و معناه رجوعا بكم إلى التّيسير و التّسهيل.(2:94)

الطّبرسيّ: أي ليتوب اللّه به عليكم،فتكون التّوبة من فعل اللّه.

و قيل:إنّ المراد بالتّوبة هنا:التّخفيف من اللّه،لأنّ اللّه إنّما جوّز للقاتل العدول إلى الصّيام تخفيفا عليه، و يكون كقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ المزّمّل:20.(2:91)

الفخر الرّازيّ: قوله: تَوْبَةً مِنَ اللّهِ انتصب بمعنى صيام ما تقدّم،كأنّه قيل:اعملوا بما أوجب اللّه عليكم لأجل التّوبة من اللّه،أي ليقبل اللّه توبتكم،و هو كما يقال:فعلت كذا حذر الشّرّ.

فإن قيل:قتل الخطإ لا يكون معصية،فما معنى قوله:

تَوْبَةً مِنَ اللّهِ؟

قلنا:فيه وجوه:الأوّل:أنّ فيه نوعين من التّقصير، فإنّ الظّاهر أنّه لو بالغ في الاحتياط لم يصدر عنه ذلك الفعل،أ لا ترى أنّ من قتل مسلما على ظنّ أنّه كافر حربيّ،فلو أنّه بالغ في الاحتياط و الاستكشاف فالظّاهر أنّه لا يقع فيه.و من رمى إلى صيد فأخطأ و أصاب إنسانا،فلو احتاط فلا يرمي إلاّ في موضع يقطع بأنّه ليس هناك إنسان فإنّه لا يقع في تلك الواقعة،فقوله:

تَوْبَةً مِنَ اللّهِ تنبيه على أنّه كان مقصّرا في ترك الاحتياط.

الوجه الثّاني في الجواب:أنّ قوله: تَوْبَةً مِنَ اللّهِ راجع إلى أنّه تعالى أذن له في إقامة الصّوم مقام الإعتاق عند العجز عنه؛و ذلك لأنّ اللّه تعالى إذا تاب على المذنب فقد خفّف عنه،فلمّا كان التّخفيف من لوازم التّوبة أطلق لفظ التّوبة لإرادة التّخفيف،إطلاقا لاسم الملزوم على اللاّزم.

الوجه الثّالث في الجواب:أنّ المؤمن إذا اتّفق له مثل هذا الخطإ فإنّه يندم،و يتمنّى أن لا يكون ذلك ممّا وقع، فسمّى اللّه تعالى ذلك:النّدم،و ذلك التّمنّي:توبة.

(10:236)

نحوه البروسويّ.(2:260)

العكبريّ: (توبة)مفعول من أجله،و التّقدير:

شرع ذلك لكم توبة منه.و لا يجوز أن يكون العامل فيه صوم،إلاّ على تقدير حذف مضاف،تقديره:لوقوع توبة،أو لحصول توبة من اللّه.

و قيل:هو مصدر منصوب بفعل محذوف،تقديره:

تاب عليكم توبة منه.

و لا يجوز أن يكون في موضع الحال،لأنّك لو قلت:

فعليه صيام شهرين تائبا من اللّه،لم يجز.فإن قدّرت

ص: 126

حذف مضاف جاز،أي صاحب توبة من اللّه.(1:381)

نحوه البيضاويّ(1:237)،و أبو حيّان(3:326)، و السّمين الحلبيّ(2:415)،و الشّربينيّ(1:323).

القرطبيّ: نصب على المصدر،و معناه رجوعا.

و إنّما مسّت حاجة المخطئ إلى التّوبة،لأنّه لم يتحرّز، و كان من حقّه أن يتحفّظ.

و قيل:أي فليأت بالصّيام تخفيفا من اللّه تعالى عليه بقبول الصّوم بدلا عن الرّقبة،و منه قوله تعالى: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ البقرة:187،أي خفّف،و قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ المزّمّل:20.(5:328)

النّيسابوريّ: جذبة منه.(5:130)

أبو السّعود :نصب على أنّه مفعول له،أي شرع لكم ذلك توبة،أي قبولا لها،من تاب اللّه عليه،إذا قبل توبته،أو مصدر مؤكّد لفعل محذوف،أي تاب عليكم توبة.

و قيل:على أنّه حال من الضّمير المجرور في(عليه) بحذف المضاف،أي فعليه صيام شهرين حال كونه ذا توبة.(2:179)

نحوه المشهديّ(2:574)،و الشّوكانيّ(1:636)، و الآلوسيّ(5:114).

رشيد رضا :أي شرع اللّه لكم ما ذكر توبة منه عليكم،فهو يريد به أن يتوب عليكم لتتوبوا و تطهّر نفوسكم من التّهاون و قلّة التّحرّي الّتي تفضي إلى قتل الخطإ.(5:337)

نحوه المراغيّ.(5:122)

الطّباطبائيّ: تَوْبَةً مِنَ اللّهِ إلخ،أي هذا الحكم و هو إيجاب الصّيام توبة و عطف رحمة من اللّه لفاقد الرّقبة،و ينطبق على التّخفيف،فالحكم تخفيف من اللّه في حقّ غير المستطيع.

و يمكن أن يكون قوله:(توبة)قيدا راجعا إلى جميع ما ذكر في الآية من الكفّارة،أعني قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إلخ،و المعنى:أنّ جعل الكفّارة للقاتل خطأ توبة و عناية من اللّه للقاتل فيما لحقه من درن هذا الفعل قطعا، و ليتحفّظ على نفسه في عدم المحاباة في المبادرة إلى القتل، نظير قوله تعالى: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:

179.

و كذا هو توبة من اللّه للمجتمع و عناية لهم؛حيث يزيد به في أحرارهم واحدا بعد ما فقدوا واحدا،و يرمّم ما ورد على أهل المقتول من الضّرر المالي بالدّية المسلّمة.

(5:40)

عبد الكريم الخطيب :أي أنّ صيام هذين الشّهرين لأجل التّوبة المتنزّلة على القاتل من اللّه، و الرّحمة به من أن يقتل نفسه أسفا و ندما؛إذ علم اللّه أنّه لم يعمد إلى القتل،فاقتضت حكمته تعالى أن يرحم هذا القاتل،و يجعل له من همّه فرجا،و من ضيقه مخرجا.

(3:864)

مكارم الشّيرازيّ: و العبارة الأخيرة من الآية الكريمة الّتي هي(توبة من اللّه)قد تكون إشارة إلى أنّ وقوع الخطإ يكون غالبا بسبب التّهاون و قلّة الحذر،و إنّ الخطأ إذا كان كبيرا كالقتل يجب التّعويض عنه أوّلا و إرضاء أهل القتيل،لكي تشمل القاتل أو الخاطئ بعد

ص: 127

ذلك التّوبة الإلهيّة.(3:339)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً...

التّحريم:8

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:قال معاذ بن جبل:يا رسول اللّه ما التّوبة النّصوح؟

قال:أن يتوب التّائب،ثمّ لا يرجع في ذنب،كما لا يعود اللّبن إلى الضّرع.(الواحديّ 4:322)

شهر بن حوشب:أن لا يعود و لو حزّ بالسّيف و أحرق بالنّار.(الشّربينيّ 4:332)

ابن مسعود:التّوبة النّصوح:تكفّر كلّ سيّئة،و هو في القرآن.(الواحديّ 4:322)

الرّجل يذنب الذّنب ثمّ لا يعود فيه.

(الطّبريّ 28:167)

ابن عبّاس: تَوْبَةً نَصُوحاً خالصا صادقا من قلوبكم،و هو النّدم بالقلب،و الاستغفار باللّسان، و الإقلاع بالبدن و الضّمير،على أن لا يعود إليه أبدا.

(477)

أن لا يعود صاحبه لذلك الذّنب الّذي يتوب منه.

(الطّبريّ 28:167)

أنس بن مالك:هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح،و قلب عن المعاصي جموح.

(القرطبيّ 18:198)

ابن المسيّب: توبة تنصحون بها أنفسكم.

(البغويّ 5:123)

سعيد بن جبير: هي التّوبة المقبولة،و لا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط:خوف ألاّ تقبل،و رجاء أن تقبل،و إدمان الطّاعات.(القرطبيّ 18:198)

مجاهد :يستغفرون ثمّ لا يعودون.

(الطّبريّ 28:168)

الضّحّاك: أن تحول عن الذّنب،ثمّ لا تعود له أبدا.

(الطّبريّ 28:168)

الحسن :إنّ النّصوح أن يبغض الذّنب الّذي أحبّه، و يستغفر منه إذا ذكره.(الماورديّ 6:45)

هي أن يكون العبد نادما على ما مضى،مجمعا على أن لا يعود فيه.(الشّربينيّ 4:332)

القرظيّ: يجمعها أربعة أشياء:الاستغفار باللّسان، و الإقلاع بالأبدان،و إضمار ترك العود بالجنان،و مهاجرة سيّئ الإخوان.(البغويّ 5:123)

قتادة :هي الصّادقة النّاصحة.(الطّبريّ 28:168)

سماك: أن تنصب الذّنب الّذي أقللت فيه الحياء من اللّه تعالى أمام عينيك،و تتبعه نظرك.

(الشّربينيّ 4:332)

السّدّيّ: لا تصحّ إلاّ بنصيحة النّفس و نصيحة المؤمنين،لأنّ من صحّت توبته أحبّ أن يكون النّاس مثله.(الشّربينيّ 4:332)

نحوه سريّ السّقطيّ.(القرطبيّ 18:198)

الكلبيّ: أن يستغفر باللّسان و يندم بالقلب و يمسك بالبدن.(الشّربينيّ 4:332)

الإمام الصّادق عليه السّلام: التّوبة النّصوح:أن يكون باطن الرّجل كظاهره و أفضل.(المشهديّ 10:516)

الثّوريّ: علامة التّوبة النّصوح أربعة:القلّة،

ص: 128

و العلّة،و الذّلّة،و الغربة.(القرطبيّ 18:198)

ابن زيد :التّوبة النّصوح:الصّادقة،يعلم أنّها صدق ندامة على خطيئته،و حبّ الرّجوع إلى طاعته، فهذا النّصوح.(الطّبريّ 28:168)

الفضيل بن عياض: هو أن يكون الذّنب بين عينيه،فلا يزال كأنّه ينظر إليه.(القرطبيّ 18:198)

شقيق البلخيّ: هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة،و لا ينفكّ من النّدامة،لينجو من آفاتها بالسّلامة.

(القرطبيّ 18:198)

الفرّاء: جعلوه من صفة التّوبة،و معناها:يحدّث نفسه إذا تاب من ذلك الذّنب ألاّ يعود إليه أبدا.

(3:168)

أبو زيد :توبة نصوح:صادقة،يقال:نصحته،أي صدقته.(الواحديّ 4:321)

ذو النّون المصريّ: علامة التّوبة النّصوح ثلاث:

قلّة الكلام،و قلّة الطّعام،و قلّة المنام.

(القرطبيّ 18:198)

التّوبة:إدمان البكاء على ما سلف من الذّنوب و الخوف من الوقوع فيها،و هجران إخوان السّوء، و ملازمة أهل الجنّة.(البروسويّ 10:62)

التّستريّ: هي التّوبة لأهل السّنّة و الجماعة،لأنّ المبتدع لا توبة له،بدليل قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«حجب اللّه على كلّ صاحب بدعة أن يتوب».(القرطبيّ 18:199)

المبرّد: أراد توبة ذا نصح،يقال:نصحت نصحا و نصاحة و نصوحا.(القرطبيّ 18:199)

الجنيد البغداديّ: التّوبة النّصوح هو أن ينسى الذّنب فلا يذكره أبدا،لأنّ من صحّت توبته صار محبّا للّه، و من أحبّ اللّه نسي ما دون اللّه.(القرطبيّ 18:198)

الطّبريّ: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة اللّه،و إلى ما يرضه عنكم تَوْبَةً نَصُوحاً رجوعا لا تعودون فيها أبدا.(28:167)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير أنّ التّوبة النّصوح:الّتي لا يعاود التّائب معها المعصية،و قال بعضهم:الّتي لا ينوي معها معاودة المعصية.(5:195)

رويم:هو أن تكون للّه وجها بلا قفا،كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه.(القرطبيّ 18:198)

الشّريف الرّضيّ: و قرأ أبو بكر ابن عيّاش منفردا عن سائر القرّاء،عن عاصم (نصوحا) بضمّ النّون، و معناه:توبة تنصحون فيها نصوحا،و هو مصدر «نصح».و من قرأ«نصوحا»بفتح النّون،فإنّما أراد به صفة التّوبة،و معناه:توبة مبالغة في النّصح لأنفسكم، و«فعول»من أسماء الفاعلين يستعمل للمبالغة في الوصف،يقال:رجل شكور و صبور،و سيف قطوع، و جمل حمول.

فإذا كان(نصوحا)صفة للتّوبة-و المراد به المبالغة على ما قلنا-علمنا أنّ هناك توبة قد تقع على غير هذه الصّفة،و يشملها جميعا اسم التّوبة،حتّى يصحّ أن يوصف إحداهما بالمبالغة،و إلاّ لم يكن لزيادة هذه الصّفة معنى.(حقائق التّأويل:277)

الماورديّ: [ذكر خمسة من الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و هي على هذه التّأويلات مأخوذة من النّصاحة

ص: 129

و هي الخياطة،و في أخذها منها وجهان:

أحدهما:لأنّها توبة قد أحكمت طاعته و أوثقتها، كما يحكم الخيّاط الثّوب بخياطته و توثيقه.

الثّاني:لأنّها قد جمعت بينه و بين أولياء اللّه و ألصقته بهم،كما يجمع الخيّاط الثّوب و يلصق بعضه ببعض.

(6:45)

القشيريّ: التّوبة النّصوح:هي الّتي لا يعقبها نقض.

و يقال:هي الّتي لا تراها من نفسك،و لا ترى نجاتك بها،و إنّما تراها بربّك.

و يقال:هي أن تجد المرارة في قلبك عند ذكر الزّلّة، كما كنت تجد الرّاحة لنفسك عند فعلها.(6:176)

الواحديّ: يعني ينصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه.(4:321)

نحوه الخازن.(7:101)

الزّمخشريّ: وصفت التّوبة بالنّصح على الإسناد المجازيّ.و النّصح صفة التّائبين،و هو أن ينصحوا بالتّوبة أنفسهم،فيأتوا بها على طريقها،متداركة للفرطات ماحية للسّيّئات؛و ذلك أن يتوبوا عن القبائح لقبحها نادمين عليها،مغتمّين أشدّ الاغتمام لارتكابها،عازمين على أنّهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلى أن يعود اللّبن في الضّرع،موطّنين أنفسهم على ذلك.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

و قيل:(نصوحا)من نصاحة الثّوب،أي توبة ترفو خروقك في دينك و ترمّ خللك.و قيل:خالصة من قولهم:عسل ناصح،إذا خلص من الشّمع.

و يجوز أن يراد:توبة تنصح النّاس،أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها،و استعماله الجدّ و العزيمة في العمل على مقتضياتها.

و قرأ زيد بن عليّ: (توبا نصوحا) .(4:129)

نحوه أبو السّعود(6:269)،و المشهديّ(10:

516)،و النّسفيّ(2:271)،و الشّوكانيّ(5:310).

ابن عطيّة: أمر عباده بالتّوبة،و التّوبة فرض على كلّ مسلم.و تاب معناه رجع؛فتوبة العبد:رجوعه من المعصية إلى الطّاعة،و توبة اللّه تعالى على العبد:إظهار صلاحه و نعمته عليه في الهداية إلى الطّاعة،و قبول توبة الكفّار يقطع بها على اللّه إجماعا من الأمّة.

و اختلف النّاس في توبة العاصي؛فجمهور أهل السّنّة على أنّه لا يقطع بقبولها و لا ذلك على اللّه بواجب، و الدّليل على ذلك دعاء كلّ واحد من المذنبين في قبول التّوبة.و لو كانت مقطوعا بها لما كان معنى للدّعاء في قبولها،و ظواهر القرآن في ذلك هي كلّها بمعنى المشيئة.

و روي عن أبي الحسن الأشعريّ أنّه قال:التّوبة إذا توفّرت شروطها قطع على اللّه بقبولها،لأنّه تعالى أخبر بذلك.

و هذا المسلك[موافق]بظواهر القرآن،و على هذا القول أطبقت المعتزلة.

و التّوبة:النّدم على فارط المعصية،و العزم على ترك مثلها في المستقبل،و هذا من المتمكّن،و أمّا غير المتمكّن كالمجبوب في الزّنى فالنّدم وحده يكفيه.

و التّوبة عبادة كالصّلاة و نحوها،فإذا تاب العبد و حصلت توبته بشروطها و قبلت ثمّ عاود الذّنب، فتوبته الأولى لا تفسدها عوده بل هي كسائر ما تحصل

ص: 130

من العبادات.(5:333)

الطّبرسيّ: أي خالصة لوجه اللّه.[ثمّ نقل بعض ما تقدّم من أقوال المفسّرين](5:318)

الفخر الرّازيّ: أي توبة بالغة في النّصح.(30:47)

القرطبيّ: أمر بالتّوبة،و هي فرض على الأعيان في كلّ الأحوال و كلّ الأزمان.[إلى أن قال:]

اختلفت عبارة العلماء و أرباب القلوب في التّوبة النّصوح على ثلاثة و عشرين قولا،فقيل:هي الّتي لا عودة بعدها كما لا يعود اللّبن إلى الضّرع.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

و قال أبو بكر الورّاق:هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت،و تضيق عليك نفسك،كالثّلاثة الّذين خلّفوا.

و قال أبو بكر الواسطيّ: هي توبة لا لفقد عوض، لأنّ من أذنب في الدّنيا لرفاهيّة نفسه ثمّ تاب طلبا لرفاهيّتها في الآخرة،فتوبته على حفظ نفسه لا للّه.

و قال أبو بكر الدّقّاق المصريّ: التّوبة النّصوح هي ردّ المظالم و استحلال الخصوم،و إدمان الطّاعات.[إلى أن قال:]

و قال فتح الموصليّ: علامتها ثلاث:مخالفة الهوى، و كثرة البكاء،و مكابدة الجوع و الظّمأ.

و أصل التّوبة النّصوح:من الخلوص،يقال:هذا عسل ناصح،إذا خلص من الشّمع.و قيل:هي مأخوذة من«النّصاحة»و هي الخياطة.و في أخذها منها وجهان:

[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الماورديّ و أضاف:]

و في الأشياء الّتي يتاب منها و كيف التّوبة منها؛قال العلماء:الذّنب الّذي تكون منه التّوبة لا يخلو:إمّا أن يكون حقّا للّه أو للآدميّين،فإن كان حقّا للّه كترك صلاة فإنّ التّوبة لا تصحّ منه حتّى ينضمّ إلى النّدم قضاء ما فات منها.و هكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزّكاة.

و إن كان ذلك قتل نفس بغير حقّ فأن يمكّن من القصاص إن كان عليه و كان مطلوبا به.و إن كان قذفا يوجب الحدّ فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به.

فإن عفي عنه،كفاه النّدم و العزم على ترك العود بالإخلاص.و كذلك إن عفي عنه بالقتل بمال،فعليه أن يؤدّيه إن كان واجدا له،قال اللّه تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ البقرة:178.

و إن كان ذلك حدّا من حدود اللّه-كائنا ما كان-فإنّه إذا تاب إلى اللّه تعالى بالنّدم الصّحيح سقط عنه،و قد نصّ اللّه تعالى على سقوط الحدّ عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم.و في ذلك دليل على أنّها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم،حسب ما تقدّم بيانه.

و كذلك الشّرّاب و السّرّاق و الزّناة إذا أصلحوا و تابوا و عرف ذلك منهم،ثمّ رفعوا إلى الإمام،فلا ينبغي له أن يحدّهم.و إن رفعوا إليه فقالوا:تبنا،لم يتركوا،و هم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا.هذا مذهب الشّافعيّ.

فإن كان الذّنب من مظالم العباد،فلا تصحّ التّوبة منه إلاّ بردّه إلى صاحبه،و الخروج عنه-عينا كان أو غيره- إن كان قادرا عليه.فإن لم يكن قادرا،فالعزم أن يؤدّيه إذا قدر في أعجل وقت و أسرعه.

و إن كان أضرّ بواحد من المسلمين،و ذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتي،فإنّه يزيل ذلك

ص: 131

الضّرر عنه،ثمّ يسأله أن يعفو عنه و يستغفر له،فإذا عفا عنه فقد سقط الذّنب عنه.و إن أرسل من يسأل ذلك له، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه-عرفه بعينه أو لم يعرفه- فذلك صحيح.

و إن أساء رجل إلى رجل بأن فزّعه بغير حقّ، أو غمّه أو لطمه،أو صفعه بغير حقّ،أو ضربه بسوط فآلمه،ثمّ جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه،عازما على أن لا يعود،فلم يزل يتذلّل له حتّى طابت نفسه فعفا عنه،سقط عنه ذلك الذّنب و هكذا إن كان شانه بشتم لا حدّ فيه.(18:197-200)

نحوه أبو حيّان.(8:293)

الشّربينيّ: قال الفقهاء:التّوبة الّتي لا تعلّق لحقّ آدميّ فيها لها ثلاثة شروط:أحدها:أن يقلع عن المعصية،و ثانيها:أن يندم على ما فعله،و ثالثها:أن يعزم على أن لا يعود إليها.فإذا اجتمعت هذه الشّروط في التّوبة كانت نصوحا،و إن فقد شرط منها لم تصحّ توبته.

و إن كانت تتعلّق بآدميّ،فشروطها أربعة،هذه الثّلاثة المتقدّمة.و الرّابع:أن يبرأ من حقّ صاحبها،فان كانت المعصية مالا و نحوه ردّه إلى مالكه،و إن كانت حدّ قذف و نحوه مكّنه من نفسه أو طلب العفو منه،و إن كانت غيبة استحلّه منها.

قال العلماء:التّوبة واجبة من كلّ معصية،كبيرة أو صغيرة على الفور،و لا يجوز تأخيرها،و تجبّ من جميع الذّنوب.و إن تاب من بعضها صحّت توبته عمّا تاب منه، و بقي عليه الّذي لم يتب منه.هذا مذهب أهل السّنّة و الجماعة،و قد قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا أيّها النّاس توبوا إلى اللّه فإنّي أتوب إليه في اليوم مائة مرّة».(4:332)

نحوه المراغيّ.(28:164)

البروسويّ: [حكى بعض الأقوال المتقدّمة و قال:]

قال الشّيخ أبو عبد اللّه ابن خفيف قدّس سرّه:

طالب عباده بالتّوبة،و هو الرّجوع إليه من حيث ذهبوا عنه.و النّصوح في التّوبة:الصّدق فيها و ترك ما منه تاب سرّا و علنا،و قولا و فكرا.

و قال القاشانيّ رحمه اللّه:مراتب التّوبة كمراتب التّقوى،فكما أنّ أوّل مراتب التّقوى هو الاجتناب عن المنهيّات الشّرعيّة،و آخرها الاتّقاء عن الأنانيّة و البقيّة (1)،فكذلك التّوبة أوّلها الرّجوع عن المعاصي، و آخرها الرّجوع عن ذنب الوجود الّذي هو من أمّهات الكبائر عند أهل التّحقيق.

و في«التّأويلات النّجميّة»:يشير إلى المؤمنين الّذين لم تترسّخ أقدامهم في أرض الإيمان ترسّخ أقدام الكمّل، و يحثّهم على التّوبة إلى اللّه بالرّجوع عن الدّنيا و محبّتها، و الإقبال على اللّه و طاعته توبة بحيث ترفو جميع خروق وقعت في ثوب دينه،بسبب استيفاء اللّذّات الجسمانيّة، و استقصاء الشّهوات الحيوانيّة.

و يقال:توبة العوامّ عن الزّلاّت،و الخواصّ عن الغفلات،و الأخصّ عن رؤية الحسنات.(10:62)

الآلوسيّ: [ذكر كما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

الكلام في التّوبة كثير،و حيث كانت أهمّ الأوامر الإسلاميّة و أوّل المقامات الإيمانيّة و مبدأ طريق السّالكين و مفتاح باب الواصلين،لا بأس في ذكر شيءا.

ص: 132


1- كذا.

ممّا يتعلّق بها،فنقول:

هي لغة الرّجوع،و شرعا وصفا لنا على ما قال السّعد:النّدم على المعصية لكونها معصية،لأنّ النّدم عليها بإضرارها بالبدن أو إخلالها بالعرض أو المال مثلا لا يكون توبة،و أمّا النّدم لخوف النّار أو للطّمع في الجنّة ففي كونه توبة تردّد.و مبناه على أنّ ذلك هل يكون ندما عليها لقبحها و لكونها معصية أم لا؟و كذا النّدم عليها لقبحها مع غرض آخر.

و الحقّ أنّ جهة القبح إن كانت بحيث لو انفردت لتحقّق النّدم فتوبة،و إلاّ فلا،كما إذا كان الغرض مجموع الأمرين لا كلّ واحد منهما،و كذا في التّوبة عند مرض مخوف بناء على أنّ ذلك النّدم هل يكون لقبح المعصية بل للخوف،و ظاهر الأخبار قبول التّوبة ما لم تظهر علامات الموت،و يتحقّق أمره عادة.

و معنى النّدم تحزّن و توجّع على أن فعل و تمنّى كونه لم يفعل.و لا بدّ من هذا للقطع بأنّ مجرّد التّرك كالماجن إذا ملّ مجونه فاستروح إلى بعض المباحات،ليس بتوبة، و لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«النّدم توبة»و قد يزاد قيد العزم على ترك المعاودة.

و اعترض بأنّ فعل المعصية في المستقبل قد لا يخطر بالبال لذهول أو جنون أو نحوه،و قد لا يقدر عليه لعارض آفة كخرس في القذف مثلا أو جبّ في الزّنى، فلا يتصوّر العزم على التّرك لما فيه من الإشعار بالقدرة و الاختيار.

و أجيب:بأنّ المراد العزم على التّرك على تقدير الخطور و الاقتدار،حتّى لو سلب القدرة لم يشترط العزم على التّرك،و بذلك يشعر كلام إمام الحرمين حيث قال:

إنّ العزم على ترك المعاودة إنّما يقارن التّوبة في بعض الأحوال و لا يطّرد في كلّ حال؛إذ العزم إنّما يصحّ ممّن يتمكّن من مثل ما قدّمه،و لا يصحّ من المجبوب العزم على ترك الزّنى،و من الأخرس العزم على ترك القذف.

و قال بعض الأجلّة:التّحقيق أنّ ذكر العزم إنّما هو للبيان و التّقرير لا للتّقييد و الاحتراز؛إذ النّادم على المعصية لقبحها لا يخلو من ذلك العزم البتّة على تقدير الخطور و الاقتدار،و علامة النّدم طول الحسرة و الخوف و انسكاب الدّمع.و من الغريب ما قيل:إنّ علامة صدق النّدم عن ذنب كالزّنى:أن لا يرى في المنام أنّه يفعله اختيارا؛إذ يشعر ذلك ببقاء حبّه إيّاه و عدم انقلاع أصوله من قبله بالكلّيّة،و هو ينافي صدق النّدم.

و قال المعتزلة:يكفي في التّوبة أن يعتقد أنّه أساء و أنّه لو أمكنه ردّ تلك المعصية لردّها،و لا حاجة إلى الأسف و الحزن لإفضائه إلى التّكليف بما لا يطاق.

و قال الإمام النّوويّ: التّوبة ما استجمعت ثلاثة أمور:أن يقلع عن المعصية،و أن يندم على فعلها،و أن يعزم عزما جازما على أن لا يعود إلى مثلها أبدا.فإن كانت تتعلّق بآدميّ لزم ردّ الظّلامة إلى صاحبها أو وارثه أو تحصيل البراءة منه،و ركنها الأعظم النّدم.

و في«شرح المقاصد»قالوا:إن كانت المعصية في خالص حقّ اللّه تعالى فقد يكفي النّدم،كما في ارتكاب الفرار من الزّحف و ترك الأمر بالمعروف،و قد تفتقر إلى أمر زائد كتسليم النّفس للحدّ في الشّرب و تسليم ما وجب في ترك الزّكاة،و مثله في ترك الصّلاة.

ص: 133

و إن تعلّقت بحقوق العباد لزم مع النّدم،و العزم إيصال حقّ العبد أو بدله إليه إن كان الذّنب ظلما كما في الغصب و القتل العمد،و لزم إرشاده إن كان الذّنب إضلالا له،و الاعتذار إليه إن كان إيذاء كما في الغيبة إذا بلغته،و لا يلزم تفصيل ما اغتابه به إلاّ إذا بلغه على وجه أفحش.

و التّحقيق أنّ هذا الزّائد واجب آخر خارج عن التّوبة-على ما قاله إمام الحرمين-من أنّ القاتل إذا ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحّت توبته في حقّ اللّه تعالى،و كان منعه القصاص من مستحقّه معصية متجدّدة تستدعي توبة،و لا يقدح في التّوبة عن القتل،ثمّ قال:

و ربّما لا تصحّ التّوبة بدون الخروج من حقّ العبد كما في الغصب،ففرق بين القتل و الغصب،و وجهه لا يخفى على المتأمّل.

و لم يختلف أهل السّنّة و غيرهم في وجوب التّوبة على أرباب الكبائر،و اختلف في الدّليل،فعندنا السّمع كهذه الآية و غيرها،و حمل الأمر فيها على الرّخصة و الإيذان بقولها و دفع القنوط-كما جوّزه الآمديّ احتمالا و بنى عليه عدم الإثابة عليها-ممّا لا يكاد يقبل.و عند المعتزلة العقل.

و أوجبت الجهميّة التّوبة عن الصّغائر سمعا لا عقلا، و أهل السّنّة على ذلك.و مقتضى كلام النّوويّ، و المازريّ،و غيرهما وجوبها حال التّلبّس بالمعصية، و عبارة المازريّ:«اتّفقوا على أنّ التّوبة من جميع المعاصي واجبة،و أنّها واجبة على الفور،و لا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة».

و في«شرح الجوهرة»أنّ التّمادي على الذّنب بتأخير التّوبة منه معصية واحدة ما لم يعتقد معاودته، و صرّحت المعتزلة بأنّها واجبة على الفور حتّى يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر تجب التّوبة عنه،و ساعتين إثمان و هلمّ جرّا.بل ذكروا أنّ بتأخير التّوبة عن الكبيرة ساعة واحدة يكون له كبيرتان:المعصية،و ترك التّوبة، و ساعتين أربع:الأوليان،و ترك التّوبة على كلّ منهما، و ثلاث ساعات ثمان و هكذا،و تصحّ عن ذنب دون ذنب لتحقّق النّدم و العزم على عدم العود.و خالف أبو هاشم محتجّا بأنّ النّدم على المعصية يجب أن يكون لقبحها و هو شامل لها كلّها،فلا يتحقّق النّدم على قبيح مع الإصرار على آخر.

و أجيب بأنّ الشّامل للكلّ هو القبح لا خصوص قبح تلك المعصية،و هذا الخلاف في غير الكافر إذا أسلم و تاب من كفره مع استدامته بعض المعاصي،أمّا هو فتوبته صحيحة و إسلامه كذلك بالإجماع،و لا يعاقب إلاّ عقوبة تلك المعصية.

نعم اختلف في أنّ مجرّد إيمانه هل يعدّ توبة أم لا بدّ من النّدم على سالف كفره؟فعند الجمهور مجرّد إيمانه توبة.

و قال الإمام و القرطبيّ:لا بدّ من النّدم على سالف الكفر، و عدم اشتراط العمل الصّالح مجمع عليه عند الأئمّة، خلافا لابن حزم،و كذا تصحّ التّوبة عن المعاصي إجمالا من غير تعيين المتوب عنه و لو لم يشقّ عليه تعيينه.

و خالف بعض المالكيّة فقال:إنّما تصحّ إجمالا ممّا علم إجمالا،و أمّا ما علم تفصيلا فلا بدّ من التّوبة منه تفصيلا.

و لا تنتقض التّوبة الشّرعيّة بالعود فلا تعود عليه ذنوبه

ص: 134

الّتي تاب منها بل العود و النّقض معصية أخرى يجب عليه أن يتوب منها.

و قالت المعتزلة: من شروط صحّتها أن لا يعاود الذّنب،فإن عاوده انتقضت توبته و عادت ذنوبه،لأنّ النّدم المعتبر فيها لا يتحقّق إلاّ بالاستمرار،و وافقهم القاضي أبو بكر.و الجمهور على أنّ استدامة النّدم غير واجبة بل الشّرط أن لا يطرأ عليه ما ينافيه و يدفعه،لأنّه حينئذ دائم حكما كالإيمان حال النّوم،و يلزم من اشتراط الاستدامة مزيد الحرج و المشقّة،و قال الآمديّ:يلزم أيضا اختلال الصّلوات و سائر العبادات،و يلزم أيضا أن لا يكون بتقدير عدم استدامة النّدم و تذكّره تائبا،و أن يجب عليه إعادة التّوبة و هو خلاف الإجماع.

نعم اختلف العلماء فيمن تذكر المعصية بعد التّوبة منها،هل يجب عليه أن يجدّد النّدم؟و إليه ذهب القاضي منّا،و أبو عليّ من المعتزلة زعما منهما أنّه لو لم يندم كلّما ذكرها لكان مشتهيا لها فرحا بها،و ذلك إبطال للنّدم و رجوع إلى الإصرار،و الجواب المنع إذ ربّما يضرب عنها صفحا من غير ندم عليها و لا اشتهاء لها و ابتهاج بها.و لو كان الأمر كما ذكر للزم أن لا تكون التّوبة السّابقة صحيحة.و قد قال القاضي نفسه:إنّه إذا لم يجدّد ندما كان ذلك معصية جديدة يجب النّدم عليها،و التّوبة الأولى مضت على صحّتها؛إذ العبادة الماضية لا ينقضها شيء بعد ثبوتها.

و بعدم وجوب التّجديد عند ذكر المعصية صرّح إمام الحرمين،و يفهم من كلامهم أنّ محلّ الخلاف إذا لم يبتهج عند ذكر الذّنب به و يفرح و يتلذّذ بذكره أو سماعه،و إلاّ وجب التّجديد اتّفاقا.و ظاهر كلامهم أنّ المعاودة غير مبطلة و لو كانت في مجلس التّوبة بل و لو تكرّرت تكرارا يلتحق بالتّلاعب،و في هذا الأخير نظر.فقد قال القاضي عياض:«إنّ الواقع في حقّ اللّه تعالى بما هو كفر تنفعه توبته مع شديد العقاب،ليكون ذلك زجرا له و لمثله،إلاّ من تكرّر ذلك منه و عرف استهانته بما أتى به، فهو دليل على سوء طويته و كذب توبته».

و ينبغي عليه أن يقيّد ذلك بأن لا تكثر كثرة تشعر بالاستهانة و تدخل صاحبها في دائرة الجنون.

و اختلف في صحّة التّوبة الموقّتة بلا إصرار،كأن لا يلابس الذّنوب أو ذنب كذا سنة،فقيل:تصحّ،و قيل:

لا.و في«شرح الجوهرة»قياس صحّتها من بعض الذّنوب دون بعض صحّتها فيما ذكر.

ثمّ إنّ للتّوبة مراتب من أعلاها ما روي عن يعسوب المؤمنين كرّم اللّه تعالى وجهه أنّه سمع أعرابيّا يقول:اللّهمّ إنّي استغفرك و أتوب إليك،فقال:يا هذا إنّ سرعة اللّسان بالتّوبة توبة الكذّابين،فقال الأعرابيّ:

و ما التّوبة؟قال كرّم اللّه تعالى وجهه:«يجمعها ستّة أشياء:على الماضي من الذّنوب النّدامة،و للفرائض الإعادة،و ردّ المظالم،و استحلال الخصوم،و أن تعزم على أن لا تعود،و أن تذيب نفسك في طاعة اللّه كما ربّيتها في المعصية،و أن تذيقها مرارة الطّاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي».

و أريد بإعادة الفرائض:أن يقضي منها ما وقع في زمان معصيته كشارب الخمر يعيد صلاته قبل التّوبة لمخامرته للنّجاسة غالبا،و هذه توبة نحو الخواصّ،

ص: 135

فلا مستند في هذا الأثر لابن حزم و أضرابه،كما لا يخفى.

(28:158-160)

القاسميّ: أي توبة ترقع الخروق،و ترتق الفتوق، و تصلح الفاسد،و تسدّ الخلل،من«النّصح»بمعنى الخياطة.أو توبة خالصة عن شوب الميل إلى الحال الّذي تاب عنه،و النّظر إليه بعدم الالتفات،و قطع النّظر عنه.

(16:5868)

عزّة دروزة :التّوبة الّتي ينصح الإنسان بها نفسه أي ينقذها،و هي التّوبة الّتي يندم بها صاحبها عمّا فرط منه،و يعتزم على عدم العودة.(10:150)

الطّباطبائيّ: التّوبة النّصوح:ما يصرف صاحبه عن العود إلى المعصية،أو ما يخلص العبد للرّجوع عن الذّنب فلا يرجع إلى ما تاب منه.(19:335)

عبد الكريم الخطيب :و التّوبة النّصوح:هي التّوبة الصّادرة عن قلب مفعم بالنّدم،و عن ضمير مثقل بما خالطه من إثم،و من وراء ذلك عزيمة صادقة و نيّة منعقدة على عدم العودة،لما كان منه التّوبة.

(14:1033)

فضل اللّه :و هي التّوبة الحقيقيّة الّتي تتحرّك من النّدم العميق على ما أسلفتموه من عمل لا يرضي اللّه، و من العزم الأكيد على عدم العودة إليه في المستقبل، و التّخطيط للسّير في الخطّ المستقيم في طاعة اللّه.

(22:322)

مكارم الشّيرازيّ: نعم إنّ أوّل خطوة على طريق النّجاة هي التّوبة و الإقلاع عن الذّنب،التّوبة الّتي يكون هدفها رضا اللّه و الخوف منه،التّوبة الخالصة من أيّ هدف آخر كالخوف من الآثار الاجتماعيّة و الآثار الدّنيويّة للذّنوب،و أخيرا التّوبة الّتي يفارق بها الإنسان الذّنب،و يتركه إلى الأبد.

و من المعلوم أنّ حقيقة التّوبة إنّما هي النّدم على الذّنب.و شرطها التّصميم على التّرك في المستقبل.و أمّا إذا كان العمل قابلا لأن يجبر و يعوّض فلا بدّ من الجبران و التّعويض،و التّعبير ب يُكَفِّرَ عَنْكُمْ التّحريم:8، إشارة إلى هذا المعنى.

و بناء على هذا يمكننا تلخيص أركان التّوبة بخمسة أمور:ترك الذّنب،النّدم،التّصميم على الاجتناب في المستقبل،جبران ما مضى،الاستغفار.

«نصوح»من مادّة«نصح»بمعنى طلب الخير بإخلاص،و لذلك يقال للعسل الخالص بأنّه«ناصح» و الّذي يطلب الخير حقّا يجب أن يقرن طلبه بالعزم على التّرك،و«التّوبة»تستبطن كلا المعنيين.

و أمّا حول المعنى الحقيقيّ للتّوبة النّصوح فقد وردت تفاسير مختلفة و متعدّدة حتّى قال البعض:إنّها بلغت (23)تفسيرا.غير أنّ جميع هذه التّفاسير تجتمع على محور واحد،هو حقيقة التّوبة و فروعها،و الأمور المتعلّقة بها،و شرائطها المختلفة.

من هذه التّفاسير القول:بأنّ التّوبة النّصوح يجب أن تتوفّر فيها أربعة شروط:النّدم الدّاخليّ،الاستغفار باللّسان،ترك الذّنب،و التّصميم على الاجتناب في المستقبل.

و قال البعض الآخر:بأنّها-أي التّوبة النّصوح- ذات شروط ثلاثة:الخوف من أنّها لا تقبل،و الاستمرار

ص: 136

على طاعة اللّه (1).أو أنّ التّوبة النّصوح:هو أن تكون الذّنوب دائما أمام أعين أصحابها،ليشعر الإنسان بالخجل منها.

أو أنّها تعني إرجاع المظالم و الحقوق إلى أصحابها، و طلب التّحليل،و براءة الذّمّة من المظلومين،و المداومة على طاعة اللّه.

أو هي الّتي تشتمل على أمور ثلاثة:قلّة الأكل،قلّة القول،قلّة النّوم.

أو التّوبة النّصوح:هي الّتي يرافقها بكاء العين، و اشمئزاز القلب من الذّنوب،و ما إلى ذلك من فروع التّوبة الواقعيّة،و هي التّوبة الخالصة التّامّة الكاملة.

جاء في حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند ما سأله معاذ بن جبل عن«التّوبة النّصوح»أجابه قائلا:أن يتوب التّائب ثمّ لا يرجع في الذّنب،كما لا يعود اللّبن إلى الضّرع».

و بهذا التّعبير اللّطيف يتّضح أنّ«التّوبة»يجب أن تحدث انقلابا في داخل النّفس الإنسانيّة،و تسدّ عليها أيّ طريق للعودة إلى الذّنب،و تجعل من الرّجوع أمرا مستحيلا،كما يستحيل إرجاع اللّبن إلى الضّرع و الثّدي.

و قد جاء هذا المعنى في روايات أخرى،و كلّها توضح الدّرجة العالية للتّوبة النّصوح،فإنّ الرّجوع ممكن في المراتب الدّنيا من التّوبة النّصوح،و تتكرّر التّوبة حتّى يصل الإنسان إلى المرحلة الّتي لا يعود بعدها إلى الذّنب.

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى آثار التّوبة الصّادقة بقوله: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ.

و هنا يتوجّهون إلى اللّه بطلب العفو: يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التّحريم:8.

و التّوبة النّصوح لها في الحقيقة خمس ثمرات مهمّة:

الأولى:غفران الذّنوب و السّيّئات.

الثّانية:دخول الجنّة المملوءة بنعم اللّه.

الثّالثة:عدم الفضيحة في ذلك اليوم العصيب الّذي ترتفع فيه الحجب و تظهر فيه حقائق الأشياء،و يذلّ و يفتضح الكاذبون الفجّار.نعم في ذلك اليوم سيكون للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين شأن عظيم،لأنّهم لم و لن يقولوا إلاّ ما هو واقع.

الرّابع:أنّ نور إيمانهم و عملهم يتحرّك بين أيديهم، فيضيء طريقهم إلى الجنّة.و اعتبر بعض المفسّرين أنّ النّور الّذي يتحرّك أمامهم إنّما هو نور العمل،و كان لنا تفسير آخر أوردناه في ذيل الآية(12)من سورة الحديد.

الخامس:يتّجهون إلى البارئ أكثر من ذي قبل، و يرجونه تكميل نورهم،و الغفران الكامل لذنوبهم.[إلى أن قال:]

التّوبة باب إلى رحمة اللّه.

كثيرا ما تهجم على الإنسان الشّكوك و الذّنوب،!!

ص: 137


1- ذكر شرطين.دون الثّالث!!

خاصّة في بدايات توجّهه إلى اللّه،و إذا أغلقت جميع أبواب العودة و الرّجوع عن هذه الذّنوب بوجهه،فإنّه سيبقى في نهجه هذا إلى الأبد،و لهذا نجد الإسلام قد فتح بابا للعودة و سمّاه التّوبة،و دعا جميع المذنبين و المقصّرين إلى دخول هذا الباب لتعويض و جبران الماضي.

يقول الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام في مناجاة التّائبين:

إلهي أنت الّذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك سمّيته التّوبة،فقلت: تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً التّحريم:8، فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه!!

و قد شدّدت الرّوايات على أهمّيّة التّوبة إلى الحدّ الّذي نقرأ في الحديث عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:«إنّ اللّه تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته و زاده في ليلة ظلماء فوجدها».

كلّ هذه الرّوايات العظيمة تحثّ و تؤكّد على هذا الأمر الحياتي المهمّ.لكن ينبغي التّأكيد على أنّ«التّوبة» ليست مجرّد لقلقة لسان،و تكرار قول«استغفر اللّه»و إنّما للتّوبة شروطا و أركانا،مرّت الإشارة إليها في تفسير التّوبة النّصوح،في الآيات السّابقة.و كلّما حصلت التّوبة بتلك الشّروط و الأركان فإنّها ستؤتي ثمارها و تعفّي آثار الذّنب في قلب الإنسان روحه تماما.و لذا ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السّلام:«التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له،و المقيم على الذّنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ».

و قد وردت بحوث أخرى عن التّوبة في ذيل الآية (17)من سورة النّساء،و في ذيل الآية(53)من سورة الزّمر.(18:417-422)

التّوبة
اشارة

1 و 2- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ... النّساء:17،18

الطّبريّ: ما التّوبة على اللّه لأحد من خلقه إلاّ للّذين يعملون السّوء من المؤمنين بجهالة ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، يقول:ما اللّه براجع لأحد من خلقه،إلى ما يحبّه من العفو عنه،و الصّفح عن ذنوبه الّتي سلفت عنه،إلاّ للّذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم،جهالة منهم،و هم بربّهم مؤمنون،ثمّ يراجعون طاعة اللّه و يتوبون منه،إلى ما أمرهم اللّه به من النّدم عليه و الاستغفار،و ترك العود إلى مثله،من قبل نزول الموت بهم،و ذلك هو القريب الّذي ذكره اللّه تعالى ذكره،فقال: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ. (4:298)

الطّوسيّ: التّوبة هي النّدم على القبيح مع العزم على ألاّ يعود إلى مثله في القبح،و في النّاس من قال:

يكفي النّدم على ما مضى من القبيح،و العزم على ألاّ يعود إلى مثله.

و الأوّل أقوى،لإجماع الأمّة على أنّها إذا حصلت على ذلك الوجه أسقطت العقاب،و إذا حصلت على الوجه الثّاني ففي سقوط العقاب عنها خلاف،و قد ذكر اللّه تعالى في هذه الآية أنّ التّوبة إنّما يقبلها ممّن يعمل

ص: 138

السّوء بجهالة[إلى أن قال:]

و ظاهر الآية يدلّ على أنّ اللّه يقبل التّوبة من جميع المعاصي كفرا كان أو قتلا أو غيرهما من المعاصي، و يقربه أيضا قوله: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ -إلى قوله- إِلاّ مَنْ تابَ الفرقان:68-70،فاستثنى من القتل كما استثنى من الزّنى و الشّرك.و حكي عن الحسن أنّه قال:

لا يقبل اللّه توبة القاتل.

و روي أنّه إنّما قال ذلك لرجل كان عزم على قتل رجل،على أن يتوب فيما بعد،فأراد صدّه عن ذلك.

و قوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ بعد قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ معناه أنّ اللّه يقبل توبتهم إذا تابوا و أنابوا،و قوله: مِنْ قَرِيبٍ حثّ على أنّ التّوبة يجب أن تكون عقيب المعصية،خوفا من الاخترام،و ليس المراد بذلك أنّها لو تأخّرت لما قبلت.[إلى أن قال:]

أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه لا يقبل التّوبة من الّذي يعمل المعاصي حتّى إذا حضره الموت،قال: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ. و أجمع أهل التّأويل على أنّ الآية تناولت عصاة أهل الصّلاة،إلاّ ما حكي عن الرّبيع أنّه قال:إنّها في المنافقين.و هذا غلط لأنّ المنافقين كفّار،و قد بيّن اللّه الكفّار بقوله: وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ.

و قال الرّبيع أيضا:إنّ الآية منسوخة بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،و هذا خطأ،لأنّ النّسخ لا يدخل في الخبر الّذي يجري هذا المجرى.

و من جوّز العفو بلا توبة يمكنه أن يقول:إنّ التّوبة الّتي وعد اللّه بإسقاط العقاب عندها قطعا متى حصلت في هذا الوقت لا يسقط العقاب،و لا يمنع ذلك من أن يتفضّل اللّه بإسقاط العقاب ابتداء بلا توبة،كما لو خرج من دار الدّنيا من غير توبة أصلا،لم يمنع ذلك من جواز العفو عنه،فليس في الآية ما ينافي القول بجواز العفو من غير توبة.

و قال جميع المفسّرين،كابن عبّاس،و ابن عمر، و إبراهيم،و ابن زيد،و غيرهم:إنّ الّذين يحتضرون لا تقبل لهم توبة،غير أنّ الّذين يحضرون الميّت لا يعرفون تلك الحال معرفة يمكن بها الإشارة إليها.

فإن قيل:فلم لم تقبل التّوبة في الآخرة؟قيل:لرفع التّكليف و حصول الإلجاء إلى فعل الحسن دون القبيح، و الملجأ لا يستحقّ بفعله ثوابا و لا عقابا،لأنّه يجري مجرى الاضطرار.

و حكى الرّمّانيّ عن قوم أنّهم قالوا:بتكليف أهل الآخرة،و أنّ التّوبة إنّما لم يجب قبولها،لأنّ صاحبها هناك في مثل حال المتعوّذ بها،لا المخلص فيها.و هذا خطأ،لأنّ اللّه تعالى يعلم أسرارهم كما يعلم إعلانهم.(3:145)

الزّمخشريّ: (التّوبة)من تاب اللّه عليه،إذا قبل توبته و غفر له،يعني إنّما القبول و الغفران واجب على اللّه تعالى لهؤلاء.[إلى أن قال:]

فإن قلت:ما معنى(من)في قوله:من قريب)؟

قلت:معناه التّبعيض،أي يتوبون بعض زمان قريب،كأنّه سمّي ما بين وجود المعصية و بين حضرة الموت زمانا قريبا،ففي أيّ جزء تاب من أجزاء الزّمان فهو تائب من قريب،و إلاّ فهو تائب من بعيد.

ص: 139

فإن قلت:ما فائدة قوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ بعد قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لهم؟

قلت:قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ إعلام بوجوبها عليه،كما يجب على العبد بعض الطّاعات، و قوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ عدة بأنّه يفي بما وجب عليه،و إعلام بأنّ الغفران كائن لا محالة،كما يعد العبد الوفاء بالواجب، وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عطف على اَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ سوّى بين الّذين سوّفوا توبتهم إلى حضرة الموت و بين الّذين ماتوا على الكفر في أنّه لا توبة لهم لأنّ حضرة الموت أوّل أحوال الآخرة، فكما أنّ المائت على الكفر قد فاتته التّوبة على اليقين، فكذلك المسوّف إلى حضرة الموت،لمجاوزة كلّ واحد منهما أوان التّكليف و الاختيار.(1:512)

نحوه القرطبيّ(5:90)،و الشّربينيّ(1:281)، و النّسفيّ(1:214).

ابن عطيّة: (انّما)حاصرة،و هو مقصد المتكلّم بها أبدا،فقد تصادف من المعنى ما يقتضي العقل فيه الحصر،كقوله تعالى: إِنَّمَا اللّهُ إِلهٌ واحِدٌ النّساء:

171،و قد تصادف من المعنى ما لا يقتضي العقل فيه الحصر،كقوله:إنّما الشّجاع عنترة،فيبقى الحصر في مقصد المادح،و يتحصّل من ذلك لكلّ سامع تحقيق هذه الصّفة للموصوف بمبالغة.و هذه الآية ممّا يوجب النّظر فيها أنّها حاصرة،و هي في عرف الشّرع:الرّجوع من شرّ إلى خير.

و حدّ التّوبة:النّدم على فارط فعل،من حيث هو معصية اللّه عزّ و جلّ،و إن كان النّدم من حيث أضرّ ذلك الفعل في بدن أو ملك فليس بتوبة،فإن كان ذلك الفعل ممّا يمكن هذا النّادم فعله في المستأنف فمن شروط التّوبة العزم على ترك ذلك الفعل في المستأنف،و إلاّ فثمّ إصرار لا توبة معه،و إن كان ذلك الفعل لا يمكنه،مثل أن يتوب من الزّنى فيجبّ بأثر ذلك و نحو ذلك،فهذا لا يحتاج إلى شرط العزم على التّرك.

و التّوبة فرض على المؤمنين بإجماع الأمّة،و الإجماع هي القرينة الّتي حمل بها قوله تعالى: وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً النّور:31،على الوجوب.

و تصحّ التّوبة من ذنب من الإقامة على غيره من غير نوعه،خلافا للمعتزلة في قولهم:لا يكون تائبا من أقام على ذنب،و تصحّ التّوبة و إن نقضها التّائب في ثاني حال بمعاودة الذّنب،فإنّ التّوبة الأولى طاعة قد انقضت و صحّت،و هو محتاج بعد موافقة الذّنب إلى توبة أخرى مستأنفة.و الإيمان للكافر ليس نفس توبته،و إنّما توبته ندمه على سالف كفره.

و قوله تعالى:(على اللّه)فيه حذف مضاف،تقديره:

على فضل اللّه و رحمته لعباده،و هذا نحو قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمعاذ بن جبل:«يا معاذ أ تدري ما حقّ اللّه على العباد؟ قال:اللّه و رسوله أعلم،قال:أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا،ثمّ سكت قليلا،ثمّ قال:يا معاذ أ تدري ما حقّ العباد على اللّه؟قال:اللّه و رسوله أعلم،قال:أن يدخلهم الجنّة».فهذا كلّه إنّما معناه:ما حقّهم على فضل اللّه و رحمته.

و العقيدة:أنّه لا يجب على اللّه تعالى شيء عقلا، لكن إخباره تعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي

ص: 140

وجوب تلك الأشياء سمعا،فمن ذلك تخليد الكفّار في النّار،و من ذلك قبول إيمان الكافر،و التّوبة لا يجب قبولها على اللّه تعالى عقلا،فأمّا السّمع فظاهره قبول توبة التّائب.قال أبو المعالي و غيره:فهذه الظّواهر إنّما تعطي غلبة ظنّ لا قطعا على اللّه بقبول التّوبة.

و قد خولف أبو المعالي و غيره في هذا المعنى،فإذا فرضنا رجلا قد تاب توبة نصوحا تامّة الشّروط،فقول أبي المعالي يغلب على الظنّ قبول توبته،و قال غيره:

يقطع على اللّه تعالى بقبول توبته،كما أخبر عن نفسه عزّ و جلّ.

و كان أبي رحمة اللّه عليه يميل إلى هذا القول و يرجّحه،و به أقول،و اللّه تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التّائب المفروض معنى قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25،و قوله:

وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ طه:82.[ثمّ ذكر معنى الجهالة و قال:]

فابن عبّاس رضي اللّه عنه ذكر أحسن أوقات التّوبة،و الجمهور حدّدوا آخر وقتها،و قال إبراهيم النّخعي:كان يقال:التّوبة مبسوطة لأحدكم ما لم يؤخذ بكظمه،و روى بشير بن كعب و الحسن أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«إنّ اللّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر و يغلب على عقله».لأنّ الرّجاء فيه باق و يصحّ منه النّدم و العزم على ترك الفعل في المستأنف،فإذا غلب تعذّرت التّوبة،لعدم النّدم و العزم على التّرك.

و قوله تعالى:(من قريب)إنّما معناه:من قريب إلى وقت الذّنب،و مدّة الحياة كلّها قريب،و المبادر في الصّحّة أفضل،و ألحق لأمله من العمل الصّالح،و البعد كلّ البعد الموت.

و قوله تعالى: وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً أي بمن يتوب و ييسّره هو للتّوبة حكيما فيما ينفذه من ذلك، و في تأخير من يؤخّر حتّى يهلك.

ثمّ نفى بقوله تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ أن يدخل في حكم التّائبين من حضره موته و صار في حيّز اليأس، و حضور الموت هو غاية قربه،كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء و الغرق،فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان، و بهذا قال ابن عبّاس و ابن زيد و جماعة المفسّرين، و قال الرّبيع:الآية الأولى قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ هي في المؤمنين،و الآية الثّانية قوله: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ الآية،نزلت في المسلمين ثمّ نسخت بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،116،فحتّم أن لا يغفر للكافر، و أرجأ المؤمنين إلى مشيئته لم ييئسهم من المغفرة.

و طعن بعض النّاس في هذا القول بأنّ الآية خبر، و الأخبار لا تنسخ.و هذا غير لازم،لأنّ الآية لفظها الخبر،و معناه تقرير حكم شرعيّ فهي نحو قوله تعالى:

وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة:284،و نحو قوله تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ الأنفال:65،و إنّما يضعف القول بالنّسخ من حيث تنبني الآيتان و لا يحتاج إلى تقرير نسخ،لأنّ هذه الآية لم تنف أن يغفر للعاصي الّذي لم يتب من قريب،فنحتاج أن نقول:إنّ قوله: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ النّساء:48،نسخها و إنّما نفت هذه الآية

ص: 141

أن يكون تائبا،من لم يتب إلاّ مع حضور الموت.

فالعقيدة عندي في هذه الآيات:أنّ من تاب من قريب فله حكم التّائب،فيغلب الظّنّ عليه أنّه ينعم و لا يعذّب،و هذا مذهب أبي المعالي و غيره.و قال غيرهم:بل هو مغفور له قطعا،لإخبار اللّه تعالى بذلك، و أبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة.

و من لم يتب حتّى حضره الموت فليس في حكم التّائبين،فإن كان كافرا فهو يخلّد،و إن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة،لكن يغلب الخوف عليه،و يقوى الظّنّ في تعذيبه،و يقطع من جهة السّمع أنّ من هذه الصّنيفة من يغفر اللّه له تعالى تفضّلا منه و لا يعذّبه.

و أعلم اللّه تعالى أيضا أنّ اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ، فلا مستعتب لهم و لا توبة في الآخرة.(2:23)

الطّبرسيّ: لمّا وصف تعالى نفسه بالتّوّاب الرّحيم، بيّن عقيبه شرائط التّوبة،فقال:(انّما التّوبة)،و لفظة (انّما)يتضمّن النّفي و الإثبات،فمعناه لا توبة مقبولة(على اللّه)أي عند اللّه إلاّ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ. [ثمّ ذكر معنى الجهالة و قال:]

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ التّوبة المقبولة الّتي ينتفع بها صاحبها، لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أي المعاصي و يصرّون عليها و يسوّفون التّوبة، حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ أي أسباب الموت من معاينة ملك الموت و انقطع الرّجاء عن الحياة،و هو حال اليأس الّتي لا يعلمها أحد غير المحتضر،قال: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ أي فليس عند ذلك اليأس التّوبة.

و أجمع أهل التّأويل على أنّ هذه قد تناولت عصاة أهل الإسلام إلاّ ما روي عن الرّبيع أنّه قال:إنّها في المنافقين.و هذا لا يصحّ لأنّ المنافقين من جملة الكفّار، و قد بيّن الكفّار بقوله: وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ و معناه و ليست التّوبة أيضا للّذين يموتون على الكفر ثمّ يندمون بعد الموت.(2:22)

العكبريّ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ مبتدأ،و في الخبر وجهان:

أحدهما:هو(على اللّه)أي ثابتة على اللّه،فعلى هذا يكون لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ حالا من الضّمير في الظّرف،و هو قوله:(على اللّه)و العامل فيها الظّرف أو الاستقرار،أي كائنة(للّذين).و لا يجوز أن يكون العامل في الحال التّوبة:136،لأنّه قد فصل بينهما بالجارّ.

و الوجه الثّاني:أن يكون الخبر لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ و أمّا(على اللّه)فيكون حالا من شيء محذوف،تقديره:

إنّما التّوبة إذ كانت على اللّه،أو إذا كانت على اللّه،ف«إذ أو إذا»ظرفان،العامل فيهما«الّذين يعملون السّوء»، لأنّ الظّرف يعمل فيه المعنى و إن تقدّم عليه.و(كان) التّامّة،و صاحب الحال ضمير الفاعل في(كان).

و لا يجوز أن يكون(على اللّه)حالا يعمل فيها (الّذين)لأنّه عامل معنويّ،و الحال لا يتقدّم على المعنويّ،و نظير هذه المسألة قولهم:هذا بسرا أطيب منه رطبا.(1:339)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر في الآية الأولى أنّ المرتكبين للفاحشة إذا تابا و أصلحا زال الأذى عنهما،و أخبر على الإطلاق أيضا أنّه توّاب رحيم،ذكر وقت التّوبة و شرطها،و رغّبهم في تعجيلها

ص: 142

لئلاّ يأتيهم الموت و هم مصرّون فلا تنفعهم التّوبة،و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:أمّا حقيقة التّوبة فقد ذكرناها في سورة البقرة:37،في تفسير قوله تعالى: فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ، و احتجّ القاضي على أنّه يجب على اللّه عقلا قبول التّوبة بهذه الآية من وجهين:

الأوّل:أنّ كلمة(على)للوجوب،فقوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يدلّ على أنّه يجب على اللّه عقلا قبولها.

الثّاني:لو حملنا قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ على مجرّد القبول لم يبق بينه و بين قوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ فرق،لأنّ هذا أيضا إخبار عن الوقوع،أمّا إذا حملنا ذلك على وجوب القبول و هذا على الوقوع،يظهر الفرق بين الآيتين،و لا يلزم التّكرار.

و اعلم أنّ القول بالوجوب على اللّه باطل،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ لازمة الوجوب استحقاق الذّمّ عند التّرك.فهذه اللاّزمة إمّا أن تكون ممتنعة الثّبوت في حقّ اللّه تعالى،أو غير ممتنعة في حقّه،و الأوّل باطل لأنّ ترك ذلك الواجب لمّا كان مستلزما لهذا الذّمّ،و هذا الذّمّ محال الثّبوت في حقّ اللّه تعالى،وجب أن يكون ذلك التّرك ممتنع الثّبوت في حقّ اللّه،و إذا كان التّرك ممتنع الثّبوت عقلا كان الفعل واجب الثّبوت،فحينئذ يكون اللّه تعالى موجبا بالذّات لا فاعلا بالاختيار،و ذلك باطل.

و أمّا إن كان استحقاق الذّمّ غير ممتنع الحصول في حقّ اللّه تعالى،فكلّ ما كان ممكنا لا يلزم من فرض وقوعه محال،فيلزم جواز أن يكون الإله مع كونه إلها يكون موصوفا باستحقاق الذّمّ،و ذلك محال لا يقوله عاقل،و لمّا بطل هذان القسمان ثبت أنّ القول بالوجوب على اللّه تعالى باطل.

الحجّة الثّانية:أنّ قادريّة العبد بالنّسبة إلى فعل التّوبة و تركها إمّا أن يكون على السّويّة،أو لا يكون على السّويّة،فإن كان على السّويّة لم يترجّح فعل التّوبة على تركها إلاّ لمرجّح،ثمّ ذلك المرجّح إن حدث لا عن محدث لزم نفي الصّانع،و إن حدث عن العبد عاد التّقسيم،و إن حدث عن اللّه فحينئذ العبد إنّما أقدم على التّوبة بمعونة اللّه و تقويته،فتكون تلك التّوبة إنعاما من اللّه تعالى على عبده،و إنعام المولى على عبده لا يوجب عليه أن ينعم عليه مرّة أخرى؛فثبت أنّ صدور التّوبة عن العبد لا يوجب على اللّه القبول،و أمّا إن كانت قادريّة العبد لا تصلح للتّرك و الفعل فحينئذ يكون الجبر ألزم،و إذا كان كذلك كان القول بالوجوب أظهر بطلانا و فسادا.

الحجّة الثّالثة:التّوبة عبارة عن النّدم على ما مضى و العزم على التّرك في المستقبل،و النّدم و العزم من باب الكراهات و الإرادات و الكراهة و الإرادة لا يحصلان باختيار العبد،و إلاّ افتقر في تحصيلهما إلى إرادة أخرى و لزم التّسلسل.و إذا كان كذلك كان حصول هذا النّدم و هذا العزم بمحض تخليق اللّه تعالى،و فعل اللّه لا يوجب على اللّه فعلا آخر؛فثبت أنّ القول بالوجوب باطل.

الحجّة الرّابعة:أنّ التّوبة فعل يحصل باختيار العبد على قولهم،فلو صار ذلك علّة للوجوب على اللّه لصار فعل العبد مؤثّرا في ذات اللّه و في صفاته،و ذلك لا يقوله

ص: 143

عاقل.

فأمّا الجواب عمّا احتجّوا به،فهو أنّه تعالى وعد قبول التّوبة من المؤمنين،فإذا وعد اللّه بشيء و كان الخلف في وعده محالا كان ذلك شبيها بالواجب.فبهذا التّأويل صحّ إطلاق كلمة(على)و بهذا الطّريق ظهر الفرق بين قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ و بين قوله:

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ.

إن قيل:فلمّا أخبر عن قبول التّوبة و كلّ ما أخبر اللّه عن وقوعه كان واجب الوقوع،فيلزمكم أن لا يكون فاعلا مختارا.

قلنا:الإخبار عن الوقوع تبع للوقوع،و الوقوع تبع للإيقاع،و التّبع لا يغيّر الأصل،فكان فاعلا مختارا في ذلك الإيقاع.أمّا أنتم تقولون:بأنّ وقوع التّوبة من حيث أنّها هي تؤثّر في وجوب القبول على اللّه تعالى،و ذلك لا يقوله عاقل،فظهر الفرق.

المسألة الثّانية:أنّه تعالى شرط قبول هذه التّوبة بشرطين:

أحدهما قوله: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ و فيه سؤالان:

أحدهما:أنّ من عمل ذنبا و لم يعلم أنّه ذنب لم يستحقّ عقابا،لأنّ الخطأ مرفوع عن هذه الأمّة،فعلى هذا:الّذين يعملون السّوء بجهالة فلا حاجة بهم إلى التّوبة.

و السّؤال الثّاني:أنّ كلمة(انّما)للحصر،فظاهر هذه الآية يقتضي أنّ من أقدم على السّوء مع العلم بكونه سوء أن لا تكون توبته مقبولة،و ذلك بالإجماع باطل.

و الجواب عن السّؤال الأوّل:أنّ اليهوديّ اختار اليهوديّة،و هو لا يعلم كونها ذنبا مع أنّه يستحقّ العقاب عليها.

و الجواب عن السّؤال الثّاني:أنّ من أتى بالمعصية مع الجهل بكونها معصية،يكون حاله أخفّ ممّن أتى بها مع العلم بكونها معصية،و إذا كان كذلك لا جرم خصّ القسم الأوّل بوجوب قبول التّوبة وجوبا على سبيل الوعد و الكرم.و أمّا القسم الثّاني فلمّا كان ذنبهم أغلظ لا جرم لم يذكر فيهم هذا التّأكيد في قبول التّوبة،فتكون هذه الآية دالّة من هذا الوجه على أنّ قبول التّوبة غير واجب على اللّه تعالى.[ثمّ ذكر معنى الجهالة إلى أن قال:]

و أمّا الشّرط الثّاني فهو قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ و قد أجمعوا على أنّ المراد من هذا القرب حضور زمان الموت و معاينة أهواله،و إنّما سمّى تعالى هذه المدّة قريبة لوجوه:

أحدها:أنّ الأجل آت و كلّ ما هو آت قريب.

و ثانيها:للتّنبيه على أنّ مدّة عمر الإنسان و إن طالت فهي قليلة قريبة،فإنّها محفوفة بطرفي الأزل و الأبد،فإذا قسّمت مدّة عمرك إلى ما على طرفيها صار كالعدم.

و ثالثها:أنّ الإنسان يتوقّع في كلّ لحظة نزول الموت به،و ما هذا حاله فإنّه يوصف بالقرب.

فإن قيل:ما معنى(من)في قوله:(من قريب)؟

الجواب:أنّه لابتداء الغاية،أي يجعل مبتدأ توبته زمانا قريبا من المعصية،لئلاّ يقع في زمرة المصرّين،فأمّا من تاب بعد المعصية بزمان بعيد و قبل الموت بزمان بعيد،

ص: 144

فإنّه يكون خارجا عن المخصوصين بكرامة حتم قبول التّوبة على اللّه،بقوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ، و بقوله:

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ. و من لم تقع توبته على هذا الوجه،فإنّه يكفيه أن يكون من جملة الموعودين بكلمة (عسى)في قوله: عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، و لا شكّ أنّ بين الدّرجتين من التّفاوت ما لا يخفى.

و قيل:معناه التّبعيض،أي يتوبون بعض زمان قريب،كأنّه تعالى سمّى ما بين وجود المعصية و بين حضور الموت زمانا قريبا،ففي أيّ جزء من أجزاء هذا الزّمان أتى بالتّوبة فهو تائب من قريب،و إلاّ فهو تائب من بعيد.

و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر هذين الشّرطين قال:

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ، فإن قيل:فما فائدة قوله:

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ بعد قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ؟

قلنا:فيه وجهان:

الأوّل:أنّ قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ إعلام بأنّه يجب على اللّه قبولها،وجوب الكرم و الفضل و الإحسان،لا وجوب الاستحقاق،و قوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ إخبار بأنّه سيفعل ذلك.

و الثّاني:أنّ قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ يعني إنّما الهداية إلى التّوبة و الإرشاد إليها و الإعانة عليها على اللّه تعالى في حقّ من أتى بالذّنب على سبيل الجهالة،ثمّ تاب عنها عن قريب و ترك الإصرار عليها و أتى بالاستغفار عنها.ثمّ قال: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ يعني أنّ العبد الّذي هذا شأنه إذا أتى بالتّوبة قبلها اللّه منه،فالمراد بالأوّل:التّوفيق على التّوبة،و بالثّاني:قبول التّوبة.

ثمّ قال: وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً أي و كان اللّه عليما بأنّه إنّما أتى بتلك المعصية لاستيلاء الشّهوة و الغضب و الجهالة عليه.حكيما بأنّ العبد لمّا كان من صفته ذلك،ثمّ إنّه تاب عنها من قريب،فإنّه يجب في الكرم قبول توبته.

قوله تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر شرائط التّوبة المقبولة أردفها بشرح التّوبة الّتي لا تكون مقبولة،و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:الآية دالّة على أنّ من حضره الموت و شاهد أهواله فإن توبته غير مقبولة،و هذه المسألة مشتملة على بحثين:

البحث الأوّل:الّذي يدلّ على أنّ توبة من وصفنا حاله غير مقبولة وجوه:

الأوّل:هذه الآية و هي صريحة في المطلوب.

الثّاني:قوله تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا المؤمن:85.

الثّالث:قال في صفة فرعون: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:90،91،فلم يقبل اللّه توبته عند مشاهدة العذاب،و لو أنّه أتى بذلك الإيمان قبل تلك السّاعة بلحظة لكان مقبولا.

ص: 145

الرّابع:قوله تعالى: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها المؤمنون:99،100.

الخامس:قوله تعالى: وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ* وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها المنافقون:10،11، فأخبر تعالى في هذه الآيات أنّ التّوبة لا تقبل عند حضور الموت.

السّادس:روى أبو أيّوب عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ اللّه تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر،أي ما لم تتردّد الرّوح في حلقه،و عن عطاء:و لو قبل موته بفواق النّاقة.و عن الحسن:إنّ إبليس قال حين أهبط إلى الأرض:و عزّتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده،فقال:و عزّتي لا أغلق عليه باب التّوبة ما لم يغرغر.

و اعلم أنّ قوله: حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ أي علامات نزول الموت و قربه،و هو كقوله تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ البقرة:180.

البحث الثّاني:قال المحقّقون:قرب الموت لا يمنع من قبول التّوبة،بل المانع من قبول التّوبة مشاهدة الأحوال الّتي عندها يحصل العلم باللّه تعالى على سبيل الاضطرار.

و إنّما قلنا:إنّ نفس القرب من الموت لا يمنع من قبول التّوبة لوجوه:

الاوّل:أنّ جماعة أماتهم اللّه تعالى ثمّ أحياهم مثل قوم من بني إسرائيل،و مثل أولاد أيّوب عليه السّلام،ثمّ إنّه تعالى كلّفهم بعد ذلك الإحياء،فدلّ هذا على أنّ مشاهدة الموت لا تخلّ بالتّكليف.

الثّاني:أنّ الشّدائد الّتي يلقاها من يقرب موته تكون مثل الشّدائد الحاصلة عند القولنج،و مثل الشّدائد الّتي تلقاها المرأة عند الطّلق أو أزيد منها،فإذا لم تكن هذه الشّدائد مانعة من بقاء التّكليف فكذا القول في تلك الشّدائد.

الثّالث:أنّ عند القرب من الموت إذا عظمت الآلام صار اضطرار العبد أشدّ،و هو تعالى يقول: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ النّمل:62،فتزايد الآلام في ذلك الوقت بأن يكون سببا لقبول التّوبة أولى من أن يكون سببا لعدم قبول التّوبة؛فثبت بهذه الوجوه أنّ نفس القرب من الموت و نفس تزايد الآلام و المشاقّ،لا يجوز أن يكون مانعا من قبول التّوبة.

و نقول:المانع من قبول التّوبة أنّ الإنسان عند القرب من الموت إذا شاهد أحوالا و أهوالا صارت معرفته باللّه ضروريّة عند مشاهدته تلك الأهوال.و متى صارت معرفته باللّه ضروريّة سقط التّكليف عنه، أ لا ترى أنّ أهل الآخرة لمّا صارت معارفهم ضروريّة سقط التّكليف عنهم،و إن لم يكن هناك موت و لا عقاب،لانّ توبتهم عند الحشر و الحساب و قبل دخول النّار،لا تكون مقبولة.

و اعلم أنّ هاهنا بحثا عميقا أصوليّا؛و ذلك لأنّ أهل القيامة لا يشاهدون إلاّ أنّهم صاروا أحياء بعد أن كانوا أمواتا،و يشاهدون أيضا النّار العظيمة و أصناف الأهوال،و كلّ ذلك لا يوجب أن يصير العلم باللّه ضروريّا،لأنّ العلم بأنّ حصول الحياة بعد أن كانت

ص: 146

معدومة يحتاج إلى الفاعل علم نظريّ عند أكثر شيوخ المعتزلة،و بتقدير أن يقال:هذا العلم ضروريّ لكنّ العلم بأنّ الإحياء لا يصحّ من غير اللّه لا شكّ أنّه نظريّ، و أمّا العلم بأنّ فاعل تلك النّيران العظيمة ليس إلاّ اللّه، فهذا أيضا استدلاليّ.

فكيف يمكن ادّعاء أنّ أهل الآخرة لأجل مشاهدة أهوالها يعرفون اللّه بالضّرورة،ثمّ هب أنّ الأمر كذلك، فلم قلتم:بأنّ العلم باللّه إذا كان ضروريّا منع من صحّة التّكليف،و ذلك أنّ العبد مع علمه الضّروريّ بوجود الإله المثيب المعاقب قد يقدم على المعصية لعلمه بأنّه كريم،و أنّه لا ينفعه طاعة العبد و لا يضرّه ذنبه.و إذا كان الأمر كذلك،فلم قالوا:بأنّ هذا يوجب زوال التّكليف؟

و أيضا فهذا الّذي يقوله هؤلاء المعتزلة:من أنّ العلم باللّه في دار التّكليف يجب أن يكون نظريّا،فإذا صار ضروريّا سقط التّكليف.كلام ضعيف،لأنّ من حصل في قلبه العلم باللّه إن كان تجويز نقيضه قائما في قلبه،فهذا يكون ظنّا لا علما،و إن لم يكن تجويز نقيضه قائما،امتنع أن يكون علم آخر أقوى منه و آكد منه.

و على هذا التّقدير لا يبقى البتّة فرق بين العلم الضّروريّ و بين العلم النّظريّ؛فثبت أنّ هذه الأشياء الّتي تذكرها المعتزلة كلمات ضعيفة واهية،و أنّه تعالى يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،فهو بفضله وعد بقبول التّوبة في بعض الأوقات،و بعد له أخبر عن عدم قبول التّوبة في وقت آخر،و له أن يقلب الأمر فيجعل المقبول مردودا،و المردود مقبولا لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء:23.

المسألة الثّانية:أنّه تعالى ذكر قسمين:فقال في القسم الأوّل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ و هذا مشعر بأنّ قبول توبتهم واجب، و قال في القسم الثّاني: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ فهذا جزم بأنّه تعالى لا يقبل توبة هؤلاء، فبقي بحكم التّقسيم العقليّ فيما بين هذين القسمين قسم ثالث،و هم الّذين لم يجزم اللّه تعالى بقبول توبتهم،و لم يجزم بردّ توبتهم.فلمّا كان القسم الأوّل:هم الّذين يعملون السّوء بجهالة،و القسم الثّاني:هم الّذين لا يتوبون إلاّ عند مشاهدة البأس،وجب أن يكون القسم المتوسّط بين هذين القسمين:هم الّذين يعملون السّوء على سبيل العمد،ثمّ يتوبون،فهؤلاء ما أخبر اللّه عنهم أنّه يقبل توبتهم،و ما أخبر عنهم أنّه يردّ توبتهم، بل تركهم في المشيئة،كما أنّه تعالى ترك مغفرتهم في المشيئة؛حيث قال: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،116.

المسألة الثّالثة:أنّه تعالى لمّا بيّن أنّ من تاب عند حضور علامات الموت و مقدّماته لا تقبل توبته قال:

وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ، و فيه وجهان:

الأوّل:معناه الّذين قرب موتهم،و المعنى أنّه كما أنّ التّوبة عن المعاصي لا تقبل عند القرب من الموت،كذلك الإيمان لا يقبل عند القرب من الموت.

الثّاني:المراد أنّ الكفّار إذا ماتوا على الكفر فلو تابوا في الآخرة لا تقبل توبتهم.

المسألة الرّابعة:تعلّقت الوعيديّة بهذه الآية على صحّة مذهبهم من وجهين:

ص: 147

الأوّل:قالوا:إنّه تعالى قال: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ فعطف اَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ على اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ و المعطوف مغاير للمعطوف عليه،فثبت أنّ الطّائفة الأولى ليسوا من الكفّار،ثمّ إنّه تعالى قال في حقّ الكلّ:

أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً فهذا يقتضي شمول هذا الوعيد للكفّار و الفسّاق.

الثّاني:أنّه تعالى أخبر أنّه لا توبة لهم عند المعاينة، فلو كان يغفر لهم مع ترك التّوبة لم يكن لهذا الإعلام معنى.

و الجواب:أنّا قد جمعنا جملة العمومات الوعيديّة في سورة البقرة:81،في تفسير قوله تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ و أجبنا عن تمسّكهم بها،و ذكرنا وجوها كثيرة من الأجوبة،و لا حاجة إلى إعادتها في كلّ واحد من هذه العمومات،ثمّ نقول:الضّمير يجب أن يعود إلى أقرب المذكورات،و أقرب المذكورات من قوله: أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً هو قوله:

وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ فلم لا يجوز أن يكون قوله: أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً عائدا إلى الكفّار فقط، و تحقيق الكلام فيه أنّه تعالى أخبر عن الّذين لا يتوبون إلاّ عند الموت أنّ توبتهم غير مقبولة،ثمّ ذكر الكافرين بعد ذلك،فبيّن أنّ إيمانهم عند الموت غير مقبول، و لا شكّ أنّ الكافر أقبح فعلا و أخسّ درجة عند اللّه من الفاسق،فلا بدّ و أن يخصّه بمزيد إذلال و إهانة،فجاز أن يكون قوله: أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً مختصّا بالكافرين،بيانا لكونهم مختصّين بسبب كفرهم بمزيد العقوبة و الإذلال.

أمّا الوجه الثّاني ممّا عوّلوا عليه:فهو أنّه أخبر أنّه لا توبة عند المعاينة،و إذا كان لا توبة حصل هناك تجويز العقاب و تجويز المغفرة،و هذا لا يخلو عن نوع تخويف، و هو كقوله: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،116،على أنّ هذا تمسّك بدليل الخطاب،و المعتزلة لا يقولون به،و اللّه أعلم.

المسألة الخامسة:أنّه تعالى عطف على الّذين يتوبون عند مشاهدة الموت،الكفّار.و المعطوف مغاير للمعطوف عليه،فهذا يقتضي أنّ الفاسق من أهل الصّلاة ليس بكافر،و يبطل به قول الخوارج:إنّ الفاسق كافر، و لا يمكن أن يقال:المراد منه المنافق،لأنّ الصّحيح أنّ المنافق كافر قال تعالى: وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ المنافقون:1،و اللّه أعلم.

المسألة السّادسة:(اعتدنا)أي أعددنا و هيّأنا، و نظيره قوله تعالى في صفة نار جهنّم: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ آل عمران:131،احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ النّار مخلوقة،لأنّ العذاب الأليم ليس إلاّ نار جهنّم و برده،و قوله:(اعتدنا)إخبار عن الماضي،فهذا يدلّ على كون النّار مخلوقة من هذا الوجه،و اللّه أعلم.

(10:2-9)

البيضاويّ: أي إنّ قبول التّوبة كالمحتوم على اللّه، بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ملتبسين بها سفها،فإنّ ارتكاب

ص: 148

الذّنب سفه و تجاهل،و لذلك قيل:من عصى اللّه فهو جاهل حتّى ينزع عن جهالته ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ من زمان قريب،أي قبل حضور الموت،لقوله تعالى:

حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر».

و سمّاه قريبا،لأنّ أمد الحياة قريب،لقوله تعالى:

قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ النّساء:77،أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبّه فيطبع عليها،فيتعذّر عليهم الرّجوع.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المراد بالّذين يعملون السّوء،عصاة المؤمنين و بالّذين يعملون السّيئات،المنافقون،لتضاعف كفرهم و سوء أعمالهم،و ب اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ الكفّار.(2091)

أبو حيّان :و قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ هو على حذف مضاف من المبتدإ و الخبر،و التّقدير:إنّما قبول التّوبة مترتّب على فضل اللّه،فتكون(على)باقية على بابها.

و قال الزّمخشريّ: يعني إنّما القبول و الغفران واجب على اللّه تعالى لهؤلاء،انتهى.

و هذا الّذي قاله هو على طريق المعتزلة،و الّذي نعتقده أنّ اللّه لا يجب عليه تعالى من جهة العقل.فأمّا ما ظاهره الوجوب من جهة السّمع على نفسه كتخليد الكفّار و قبول الإيمان من الكافر بشرطه،فذلك واقع قطعا.و أمّا قبول التّوبة فلا يجب على اللّه عقلا.و أمّا من جهة السّمع فتظافرت ظواهر الآي و السّنّة على قبول اللّه التّوبة،و أفادت القطع بذلك.

و قد ذهب أبو المعالي الجوينيّ و غيره إلى أنّ هذه الظّواهر إنّما تفيد غلبة الظّنّ لا القطع بقبول التّوبة،و التّوبة فرض بإجماع الأمّة،و تصحّ و إن نقضها في ثاني حال بمعاودة الذّنب،و من ذنب و إن أقام على ذنب غيره، خلافا للمعتزلة و من نحا نحوهم ممّن ينتمي إلى السّنّة،إذ ذهبوا إلى أنّه لا يكون تائبا من أقام على ذنب.و قيل:

(على)بمعنى عند،و قال الحسن:بمعنى«من».[إلى أن قال:]

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ لمّا ذكر تعالى أنّ قبول التّوبة على اللّه لمن ذكر،ذكر أنّه تعالى هو يتعطّف عليهم و يرحمهم،و لذلك اختلف متعلّقا التّوبة باختلاف المجرور،لأنّ الأوّل على اللّه،و الثّاني عليهم،ففسّر كلّ بما يناسبه و لمّا ضمّن(يتوب)معنى ما يعدّى ب«على» عدّاه ب(على)كأنّه قال:يعطف عليهم.و في(على) الأولى روعي فيها المضاف المحذوف و هو قبول.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو مشير إلى طريق الاعتزال في قولهم:إنّ اللّه يجب عليه،و تقدّم ذكر مذهبهم في ذلك.

و قال محمّد بن عمر الرّازيّ ما ملخّصه:أنّ قوله:

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ إعلام بأنّه يجب قبولها لزوم إحسان لا استحقاق،«و يتوب عليهم»إخبار بأنّه سيفعل ذلك.أو يكون الأولى بمعنى الهداية إلى التّوبة و الإرشاد،(و يتوب عليهم)بمعنى يقبل توبتهم.

(3:197)

الآلوسيّ: أي إنّ قبول التّوبة،و(على)و إن استعملت للوجوب حتّى استدلّ بذلك الواجبة عليه، فالمراد أنّه لازم متحقّق الثّبوت البتّة،بحكم سبق الوعد،

ص: 149

حتّى كأنّه من الواجبات،كما يقال:واجب الوجود.

و قيل:(على)بمعنى«من»،و قيل:هي بمعنى «عند»،و عليه الطّبرسيّ أي إنّما التّوبة عند اللّه، لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ أي المعصية،صغيرة كانت أو كبيرة.

(4:238)

رشيد رضا :الأستاذ الإمام:ذكر في الآية السّابقة «التّوبة»و بيّن في هذه الآية حكمها و حالها ترغيبا فيها و تنفيرا عن المعصية،بما شدّد في شرط قبولها.و فيه إرشاد لأولياء الأمر إلى الطّريق الّذي يسلكونه مع العصاة في معاقبتهم و تأديبهم،فإنّه فرض في الآية السّابقة معاقبة أهل الفواحش،و أمر بالإعراض عمّن تاب بشرط إصلاح العمل.و كأنّ هذه الآية شرح لذلك الإصلاح،أي إن تابوا مثل هذه التّوبة،فأعرضوا عنهم و كفّوا عن عقابهم.

و يذكرون هاهنا مسألة الخلاف بين المعتزلة و أهل السّنّة في وجوب الصّلاح عليه تعالى،و القول الفصل في ذلك:أنّ قبول هذه التّوبة على اللّه تعالى ليس بإيجاب موجب له سلطة،يوجب بها على اللّه،تعالى اللّه عن ذلك،و إنّما ذلك من جملة الكمال الّذي أوجبه تعالى على نفسه بمشيئته و اختياره.

و هذه العبارة و أمثالها ممّا ظاهره وجوب بعض الأشياء على اللّه،قد جاءت على طريق العرب في التّخاطب،و لا يفهم منها إلاّ أنّ ذلك واقع ما له من دافع، و لكن بإيجاب اللّه تعالى له،و لا يمكن أن يظنّ عاقل أنّ قانونا يحكم على الألوهيّة؛فجعل الخلاف في هذه المسألة لفظيّا ظاهر لا تكلّف فيه.(4:442)

الطّباطبائيّ: مضمون الآيتين لا يخلو عن ارتباط بما تقدّمهما من الآيتين،فإنّهما قد اختتمتا بذكر«التّوبة» فمن الممكن أن يكون هاتان نزلتا مع تينك،و هاتان الآيتان مع ذلك متضمّنتان لمعنى مستقلّ في نفسه،و هو إحدى الحقائق العالية الإسلاميّة و التّعاليم الرّاقية القرآنيّة،و هي حقيقة التّوبة و شأنها و حكمها.

قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ التّوبة هي الرّجوع،و هي رجوع من العبد إلى اللّه سبحانه بالنّدامة،و الانصراف عن الإعراض عن العبوديّة،و رجوع من اللّه إلى العبد رحمة بتوفيقه للرّجوع إلى ربّه أو بغفران ذنبه،و قد مرّ مرارا أنّ توبة واحدة من العبد محفوفة بتوبتين من اللّه سبحانه،على ما يفيده القرآن الكريم.

و ذلك أنّ التّوبة من العبد حسنة تحتاج إلى قوّة و الحسنات من اللّه،و القوّة للّه جميعا فمن اللّه توفيق الأسباب حتّى يتمكّن العبد من التّوبة،و يتمشّى له الانصراف عن التّوغّل في غمرات البعد و الرّجوع إلى ربّه،ثمّ إذا وفّق للتّوبة و الرّجوع احتاج في التّطهّر من هذه الألواث،و زوال هذه القذارات،و الورود و الاستقرار في ساحة القرب إلى رجوع آخر من ربّه إليه،بالرّحمة و الحنان و العفو و المغفرة.

و هذان الرّجوعان من اللّه سبحانه هما التّوبتان الحافّتان لتوبة العبد و رجوعه،قال تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا التّوبة:118،و هذه هي التّوبة الأولى، و قال تعالى: فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ البقرة:160، و هذه التّوبة الثّانية،و بين التّوبتين منه تعالى توبة العبد،

ص: 150

كما سمعت.

و أمّا قوله: عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ لفظة(على) و«اللاّم»تفيدان معنى النّفع و الضّرر،كما في قولنا:دارت الدّائرة لزيد على عمرو،و كان السّباق لفلان على فلان، و وجه إفادة(على)و«اللاّم»معنى الضّرر،و النّفع،أنّ (على)تفيد معنى الاستعلاء،و«اللاّم»معنى الملك و الاستحقاق،و لازم ذلك أنّ المعاني المتعلّقة بطرفين ينتفع بها أحدهما و يتضرّر بها الآخر،كالحرب و القتال و النّزاع و نحوها،فيكون أحدهما الغالب و الآخر المغلوب،ينطبق على الغالب منهما معنى الملك و على المغلوب معنى الاستعلاء،و كذا ما أشبه ذلك كمنى التّأثير بين المتأثّر و المؤثّر،و معنى العهد و الوعد بين المتعهّد و المتعهّد له،و الواعد و الموعود له و هكذا،فظهر أنّ كون (على)و«اللاّم»كمعنى الضّرر و النّفع،إنّما هو أمر طار من ناحية مورد الاستعمال،لا من ناحية معنى اللّفظ.

و لمّا كان نجاح التّوبة إنّما هو لوعد وعده اللّه عباده فأوجبها بحسبه على نفسه لهم،قال هاهنا: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ فيجب عليه تعالى قبول التّوبة لعباده.لكن لا على أنّ لغيره أن يوجب عليه شيئا أو يكلّفه بتكليف،سواء سمّي ذلك الغير بالعقل أو نفس الأمر أو الواقع أو الحقّ أو شيئا آخر،تعالى عن ذلك و تقدّس،بل على أنّه تعالى وعد عباده أن يقبل توبة التّائب منهم و هو لا يخلف الميعاد، فهذا معنى وجوب قبول التّوبة على اللّه فيما يجب،و هو أيضا معنى وجوب كلّ ما يجب على اللّه من الفعل.

و ظاهر الآية أوّلا أنّها لبيان أمر التّوبة الّتي للّه،أعني رجوعه تعالى بالرّحمة إلى عبده دون توبة العبد،و إن تبيّن بذلك أمر توبة العبد بطريق اللّزوم فإنّ توبة اللّه سبحانه إذا تمّت شرائطها لم ينفكّ ذلك من تمام شرائط توبة العبد،و هذا أعني كون الآية في مقام بيان توبة اللّه سبحانه لا يحتاج إلى مزيد توضيح.

و ثانيا أنّها تبيّن أمر التّوبة أعمّ ممّا إذا تاب العبد من الشّرك و الكفر بالإيمان،أو تاب من المعصية إلى الطّاعة بعد الإيمان،فإنّ القرآن يسمّي الأمرين جميعا بالتّوبة، قال تعالى: اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ المؤمن:7،يريد:للّذين آمنوا بقرينة أوّل الكلام فسمّى الإيمان توبة،و قال تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ التّوبة:118.

و الدّليل على أنّ المراد هي التّوبة أعمّ من أن تكون من الشّرك أو المعصية:التّعميم الموجود في الآية التّالية:

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ إلخ فإنّها تتعرّض لحال الكافر و المؤمن معا،و على هذا فالمراد بقوله: يَعْمَلُونَ السُّوءَ ما يعمّ حال المؤمن و الكافر معا،فالكافر كالمؤمن الفاسق ممّن يعمل السّوء بجهالة،إمّا لأنّ الكفر من عمل القلب،و العمل أعمّ من عمل القلب و الجوارح، أو لأنّ الكفر لا يخلو من أعمال سيّئة من الجوارح،فالمراد من للّذين يعملون السّوء بجهالة:الكافر و الفاسق،إذا لم يكونا معاندين في الكفر و المعصية.[ثمّ ذكر معنى الجهالة و قال:]

و من هنا يظهر معنى قوله تعالى: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ

ص: 151

قَرِيبٍ أي إنّ عامل السّوء بجهالة لا يقيم عاكفا على طريقته،ملازما لها مدى حياته،من غير رجاء في عدوله إلى التّقوى و العمل الصّالح،كما يدوم عليه المعاند اللّجوج بل يرجع عن عمله من قريب،فالمراد بالقريب:

العهد القريب أو الزّمان القريب،و هو قبل ظهور آيات الآخرة و قدوم الموت.

و كلّ معاند لجوج في عمله إذا شاهد ما يسوؤه من جزاء عمله و وبال فعله ألزمته نفسه على النّدامة و التّبرّي من فعله،لكنّه بحسب الحقيقة ليس بنادم عن طبعه و هداية فطرته،بل إنّما هي حيلة يحتالها نفسه الشّريرة للتّخلّص من وبال الفعل،و الدّليل عليه أنّه إذا اتّفق تخلّصه من الوبال المخصوص عاد ثانيا إلى ما كان عليه من سيّئات الأعمال،قال تعالى: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ الأنعام:28.

و الدّليل على أنّ المراد ب«القريب»في الآية،هو ما قبل ظهور آية الموت،قوله تعالى في الآية التّالية:

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ إلى قوله: قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، و على هذا يكون قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ كناية عن المساهلة المفضية إلى فوت الفرصة.

و يتبيّن ممّا مرّ أنّ القيدين جميعا،أعني قوله:

(بجهالة)،و قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ احتراز بأن يراد بالأوّل منهما أن لا يعمل السّوء عن عناد و استعلاء على اللّه،و بالثّاني منهما أن لا يؤخّر الإنسان التّوبة إلى حضور موته كسلا و توانيا و مماطلة؛إذ التّوبة هي رجوع العبد إلى اللّه سبحانه بالعبوديّة،فيكون توبته تعالى أيضا قبول هذا الرّجوع،و لا معنى للعبوديّة إلاّ مع الحياة الدّنيويّة الّتي هي ظرف الاختيار و موطن الطّاعة و المعصية،و مع طلوع آية الموت لا اختيار تتمشّى معه طاعة أو معصية،قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً الأنعام:158،و قال تعالى:

فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ المؤمن:84،85،إلى غير ذلك من الآيات.

و بالجملة يعود المعنى إلى أنّ اللّه سبحانه إنّما يقبل توبة المذنب العاصي إذا لم يقترف المعصية استكبارا على اللّه،بحيث يبطل منه روح الرّجوع و التّذلّل للّه،و لم يتساهل و يتسامح في أمر التّوبة تساهلا يؤدّي إلى فوت الفرصة بحضور الموت.

و يمكن أن يكون قوله:(بجهالة)قيدا توضيحيّا، و يكون المعنى:للّذين يعملون السّوء و لا يكون ذلك إلاّ عن جهل منهم،فإنّه مخاطرة بالنّفس و تعرّض لعذاب أليم،أو لا يكون ذلك إلاّ عن جهل منهم بكنه المعصية و ما يترتّب عليها من المحذور،و لازمه كون قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ إشارة إلى ما قبل الموت لا كناية عن المساهلة في أمر التّوبة،فإنّ من يأتي بالمعصية استكبارا و لا يخضع لسلطان الرّبوبيّة يخرج على هذا الفرض، بقوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ لا بقوله:(بجهالة)و على هذا لا يمكن الكناية بقوله:(ثمّ يتوبون)عن التّكاهل و التّواني،فافهم ذلك.و لعلّ الوجه الأوّل أوفق لظاهر الآية.

ص: 152

و قد ذكر بعضهم:أنّ المراد بقوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ أن تتحقّق التّوبة في زمان قريب من وقت وقوع المعصية عرفا،كزمان الفراغ من إتيان المعصية أو ما يعدّ عرفا متّصلا به،لا أن يمتدّ إلى حين حضور الموت،كما ذكر.

و هو فاسد لإفساده معنى الآية التّالية،فإنّ الآيتين في مقام بيان ضابط كلّيّ لتوبة اللّه سبحانه،أي لقبول توبة العبد،على ما يدلّ عليه الحصر الوارد في قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ إلخ،و الآية الثّانية تبيّن الموارد الّتي لا تقبل فيها التّوبة،و لم يذكر في الآية إلاّ موردان:

هما التّوبة للمسيء المتسامح في التّوبة إلى حين حضور الموت،و التّوبة للكافر بعد الموت،و لو كان المقبول من التّوبة هو ما يعدّ عرفا قريبا متّصلا بزمان المعصية،لكان للتّوبة غير المقبولة مصاديق أخر لم تذكر في الآية.

قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً الإتيان باسم الإشارة الموضوع للبعيد لا يخلو من إشارة إلى ترفيع قدرهم و تعظيم أمرهم،كما يدلّ قوله: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ على المساهلة في إحصاء معاصيهم على خلاف ما في الآية الثّانية:

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ.

و قد اختير لختم الكلام قوله: وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً دون أن يقال:و كان اللّه غفورا،رحيما، للدّلالة على أنّ فتح باب التّوبة إنّما هو لعلمه تعالى بحال العباد،و ما يؤدّيهم إليه ضعفهم و جهالتهم،و لحكمته المقتضية لوضع ما يحتاج إليه إتقان النّظام و إصلاح الأمور،و هو تعالى لعلمه و حكمته لا يغرّه ظواهر الأحوال بل يختبر القلوب،و لا يستزلّه مكر و لا خديعة، فعلى التّائب من العباد أن يتوب حقّ التّوبة حتّى يجيبه اللّه حقّ الإجابة.

قوله تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ في عدم إعادة قوله:(على اللّه)مع كونه مقصودا ما لا يخفى من التّلويح إلى انقطاع الرّحمة الخاصّة و العناية الإلهيّة عنهم،كما أنّ إيراد السّيّئات بلفظ الجمع يدلّ على العناية بإحصاء سيّئاتهم و حفظها عليهم،كما تقدّمت الإشارة إليه.

و تقييد قوله: يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ بقوله: حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ المفيد لاستمرار الفعل،إمّا لأنّ المساهلة في المبادرة إلى التّوبة و تسويفها في نفسه معصية مستمرّة متكرّرة،أو لأنّه بمنزلة المداومة على الفعل،أو لأنّ المساهلة في أمر التّوبة لا تخلو غالبا عن تكرّر معاص،مجانسة للمعصية الصّادرة أو مشابهة لها.

و في قوله: حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ دون أن يقال:حتّى إذا جاءهم الموت،دلالة على الاستهانة بالأمر و الاستحقار له،أي حتّى يكون أمر التّوبة هيّنا هذا الهوان سهلا هذه السّهولة،حتّى يعمل النّاس ما يهوونه و يختاروا ما يشاءونه و لا يبالون،و كلّما عرض لأحدهم عارض الموت قال: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ فتندفع مخاطر الذّنوب و مهلكة مخالفة الأمر الإلهيّ،بمجرّد لفظ يردّده ألسنتهم،أو خطور يخطر ببالهم في آخر الأمر.

و من هنا يظهر معنى تقييد قوله: قالَ إِنِّي تُبْتُ بقوله:(الآن)فإنّه يفيد أنّ حضور الموت و مشاهدة هذا القائل سلطان الآخرة هما الموجبان له أن يقول:(تبت)

ص: 153

سواء ذكره أو لم يذكره،فالمعنى:إنّي تائب لمّا شاهدت الموت الحقّ و الجزاء الحقّ.و قد قال تعالى في نظيره حاكيا عن المجرمين يوم القيامة: وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ السّجدة:12.

فهذه التّوبة لا تقبل من صاحبها،لأنّ اليأس من الحياة الدّنيا و هول المطّلع هما اللّذان أجبراه على أن يندم على فعله،و يعزم على الرّجوع إلى ربّه،و لات حين رجوع؛حيث لا حياة دنيويّة و لا خيرة عمليّة.

قوله تعالى: وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ هذا مصداق آخر لعدم قبول التّوبة،و هو الإنسان يتمادى في الكفر ثمّ يموت و هو كافر،فإنّ اللّه لا يتوب عليه،فإنّ إيمانه و هو توبته لا ينفعه يومئذ.و قد تكرّر في القرآن الكريم أنّ الكفر لا نجاة معه بعد الموت؛و أنّهم لا يجابون و إن سألوا،قال تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ* خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ البقرة:160،162، و قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ آل عمران:91، و نفي النّاصرين نفي للشّفاعة في حقّهم،كما تقدّم في الكلام على الآية في الجزء الثّالث من الكتاب.

و تقييد الجملة بقوله:(و هم كفّار)يدلّ على التّوبة للعاصي المؤمن إذا مات على المعصية من غير استكبار و لا تساهل،فإنّ التّوبة من العبد بمعنى رجوعه إلى عبوديّة اختياريّة و إن ارتفع موضوعها بالموت كما تقدّم،لكن التّوبة منه تعالى بمعنى الرّجوع بالمغفرة و الرّحمة يمكن أن يتحقّق بعد الموت لشفاعة الشّافعين.

و هذا في نفسه من الشّواهد على أنّ المراد بالآيتين:بيان حال توبة اللّه سبحانه لعباده لا بيان حال توبة العبد إلى اللّه إلاّ بالتّبع.

قوله تعالى: أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً اسم الإشارة يدلّ على بعدهم من ساحة القرب و التّشريف، و الإعتاد:الإعداد أو الوعد.

كلام في التّوبة

التّوبة بتمام معناها الوارد في القرآن من التّعاليم الحقيقيّة المختصّة بهذا الكتاب السّماويّ،فإنّ التّوبة بمعنى الإيمان عن كفر و شرك و إن كانت دائرة في سائر الأديان الإلهيّة كدين موسى و عيسى عليهما السّلام،لكن لا من جهة تحليل حقيقة التّوبة،و تسريتها إلى الإيمان بل باسم أنّ ذلك إيمان.

حتّى أنّه يلوح من الأصول الّتي بنوا عليها الدّيانة المسيحيّة المستقلّة عدم نفع التّوبة و استحالة أن يستفيد منها الإنسان،كما يظهر ممّا أوردوه في توجيه الصّلب و الفداء،و قد تقدّم نقله في الكلام على خلقة المسيح،في الجزء الثّالث من هذا الكتاب.

هذا و قد انجرّ أمر الكنيسة بعد إلى الإفراط في أمر التّوبة إلى حيث كانت تبيع أوراق المغفرة و تتّجر بها، و كان أولياء الدّين يغفرون ذنوب العاصين فيما اعترفوا به عندهم.لكنّ القرآن حلّل حال الإنسان بحسب وقوع

ص: 154

الدّعوة عليه و تعلّق الهداية به،فوجده بالنّظر إلى الكمال و الكرامة و السّعادة الواجبة له في حياته الأخرويّة -عند اللّه سبحانه الّتي لا غنى له عنها في سيره الاختياريّ إلى ربّه-فقيرا كلّ الفقر في ذاته،صفر الكفّ بحسب نفسه،قال تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ فاطر:15،و قال: وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً الفرقان:3.

فهو واقع في مهبط الشّقاء و منحطّ البعد و منعزل المسكنة،كما يشير إليه قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ التّين:4، 5،و قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا مريم:71،72،و قوله: فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى طه:117.

و إذا كان كذلك فوروده منزلة الكرامة و استقراره في مستقرّ السّعادة،يتوقّف على انصرافه عمّا هو فيه من مهبط الشّقاء و منحطّ البعد،و انقلاعه عنه برجوعه إلى ربّه،و هو توبته إليه في أصل السّعادة و هو الإيمان،و في كلّ سعادة فرعيّة و هي كلّ عمل صالح،أعني التّوبة و الرّجوع عن أصل الشّقاء و هو الشّرك باللّه سبحانه، و عن فروعات الشّقاء و هي سيّئات الأعمال بعد الشّرك.

فالتّوبة بمعنى الرّجوع إلى اللّه و الانخلاع عن ألواث البعد و الشّقاء يتوقّف عليها الاستقرار في دار الكرامة بالإيمان،و التّنعّم بأقسام نعم الطّاعات و القربات.

و بعبارة أخرى يتوقّف القرب من اللّه و دار كرامته على التّوبة من الشّرك و من كلّ معصية،قال تعالى: وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النّور:

31،فالتّوبة بمعنى الرّجوع إلى اللّه تعمّ التّوبتين جميعا بل تعمّهما،و غيرهما،على ما سيجيء إن شاء اللّه.

ثمّ إنّ الإنسان لمّا كان فقيرا في نفسه لا يملك لنفسه خيرا و لا سعادة قطّ إلاّ بربّه،كان محتاجا في هذا الرّجوع أيضا إلى عناية من ربّه بأمره،و إعانة منه له في شأنه، فيحتاج رجوعه إلى ربّه بالعبوديّة و المسكنة إلى رجوع من ربّه إليه بالتّوفيق و الإعانة،و هو توبة اللّه سبحانه لعبده المتقدّمة على توبة العبد إلى ربّه،كما قال تعالى:

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا التّوبة:118،و كذلك الرّجوع إلى اللّه سبحانه يحتاج إلى قبوله بمغفرة الذّنوب و تطهيره من القذارات و ألواث البعد،و هذه هي التّوبة الثّانية من اللّه سبحانه المتأخّرة عن توبة العبد إلى ربّه، كما قال تعالى: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ.

و إذا تأمّلت حقّ التّأمّل وجدت أنّ التّعدّد في توبة اللّه سبحانه إنّما عرض لها من حيث قياسها إلى توبة العبد،و إلاّ فهي توبة واحدة هي رجوع اللّه سبحانه إلى عبده بالرّحمة،و يكون ذلك عند توبة العبد رجوعا إليه قبلها و بعدها،و ربّما كان مع عدم توبة من العبد،كما تقدّم استفادة ذلك من قوله: وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ و أنّ قبول الشّفاعة في حقّ العبد المذنب يوم القيامة من مصاديق التّوبة،و من هذا الباب قوله تعالى: وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً النّساء:27.

ص: 155

و كذلك القرب و البعد لمّا كانا نسبيّين أمكن أن يتحقّق البعد في مقام القرب بنسبة بعض مواقفه و مراحله إلى بعض،و يصدق حينئذ معنى التّوبة على رجوع بعض المقرّبين من عباد اللّه الصّالحين من موقفه الّذي هو فيه إلى موقف أرفع منه و أقرب إلى ربّه،كما يشهد به ما يحكيه تعالى من توبة الأنبياء و هم معصومون بنصّ كلامه،كقوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ البقرة:37،و قوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ -إلى قوله -وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:127،128،و قوله تعالى:حكاية عن موسى عليه السّلام: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143،و قوله تعالى خطابا لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ المؤمن:

55،و قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ التّوبة:117.

و هذه التّوبة العامّة من اللّه سبحانه هي الّتي يدلّ عليها إطلاق آيات كثيرة من كلامه تعالى،كقوله تعالى:

غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:3،و قوله تعالى:

يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25،إلى غير ذلك.

فتلخّص ممّا مرّ أوّلا:أنّ نشر الرّحمة من اللّه سبحانه على عبده لمغفرة ذنوبه،و إزالة ظلمة المعاصي عن قلبه -سواء في ذلك الشّرك و ما دونه-توبة منه تعالى لعبده، و أنّ رجوع العبد إلى ربّه لمغفرة ذنوبه و إزالة معاصيه -سواء في ذلك الشّرك و غيره-توبة منه إلى ربّه.

و يتبيّن به أنّ من الواجب في الدّعوة الحقّة أن تعتني بأمر المعاصي كما تعتني بأصل الشّرك،و تندب إلى مطلق التّوبة الشّامل للتّوبة عن الشّرك و التّوبة عن المعاصي.

و ثانيا:أنّ التّوبة من اللّه سبحانه لعبده أعمّ من المبتدئة و اللاّحقة فضل منه،كسائر النّعم الّتي يتنعّم بها خلقه من غير إلزام و إيجاب يرد عليه تعالى من غيره، و ليس معنى وجوب قبول التّوبة عليه تعالى عقلا إلاّ ما يدلّ عليه أمثال قوله تعالى: وَ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:

3،و قوله: وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النّور:31،و قوله: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ الآية، «البقرة:222،و قوله: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ الآية،من الآيات المتضمّنة لتوصيفه تعالى بقبول التّوبة، و النّادبة إلى التّوبة،الدّاعية إلى الاستغفار و الإنابة، و غيرها المشتملة على وعد القبول بالمطابقة أو الالتزام، و اللّه سبحانه لا يخلف الميعاد.

و من هنا يظهر أنّ اللّه سبحانه غير مجبور في قبول التّوبة،بل له الملك من غير استثناء،يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،فله أن يقبل ما يقبل من التّوبة على ما وعد،و يردّ ما يردّ منها،كما هو ظاهر قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ آل عمران:90،و يمكن أن يكون من هذا الباب قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً النّساء:137.

و من عجيب ما قيل في هذا الباب قول بعضهم في قوله تعالى في قصّة غرق فرعون و توبته: ...حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:90،91.

ص: 156

و من عجيب ما قيل في هذا الباب قول بعضهم في قوله تعالى في قصّة غرق فرعون و توبته: ...حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:90،91.

قال ما محصّله:إنّ الآية لا تدلّ على ردّ توبته،و ليس في القرآن أيضا ما يدلّ على هلاكه الأبديّ،و أنّه من المستبعد عند من يتأمّل سعة رحمة اللّه و سبقتها غضبه أن يجوّز عليه تعالى أنّه يردّ من التجأ إلى باب رحمته و كرامته متذلّلا مستكينا بالخيبة و اليأس.و الواحد منّا إذا أخذ بالأخلاق الإنسانيّة الفطريّة،من الكرم و الجود و الرّحمة،ليرحم أمثال هذا الإنسان النّادم حقيقة على ما قدّم من سوء الفعال،فكيف بمن هو أرحم الرّاحمين و أكرم الأكرمين و غياث المستغيثين؟

و هو مدفوع بقوله تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ الآية،و قد تقدّم أنّ النّدامة حينئذ ندم كاذب،يسوق الإنسان إلى إظهاره مشاهدته وبال الذّنب و نزول البلاء.

و لو كان كلّ ندم توبة و كلّ توبة مقبولة لدفع ذلك قوله تعالى حكاية لحال المجرمين يوم القيامة: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ سبأ:33،إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الحاكية لندمهم على ما فعلوا،و سؤالهم الرّجوع إلى الدّنيا ليعملوا صالحا،و الرّدّ عليهم بأنّهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه و إنّهم لكاذبون.

و إيّاك أن تتوهّم أنّ الّذي سلكه القرآن الكريم من تحليل التّوبة-على ما تقدّم توضيحه-تحليل ذهنيّ لا عبرة به في سوق الحقائق؛و ذلك أنّ البحث في باب السّعادة و الشّقاء و الصّلاح و الطّلاح الإنسانيّين لا ينتج غير ذلك.فإنّا إذا اعتبرنا حال الإنسان العاديّ في المجتمع على ما نراه من تأثير التّعليم و التّربية في الإنسان، وجدناه خاليا في نفسه عن الصّلاح و الطّلاح الاجتماعيّين،قابلا للأمرين جميعا،ثمّ إذا أراد أن يتحلّى بحلية الصّلاح،و يتلبّس بلباس التّقوى الاجتماعيّ لم يمكن له ذلك إلاّ بتوافق الأسباب على خروجه من الحال الّذي فيه،و ذلك يحاذي التّوبة الأولى من اللّه سبحانه في باب السّعادة المعنويّة،ثمّ انتزاعه و انصراف نفسه عمّا هو فيه من رثاث الحال و قيد و التّثبّط و الإهمال،و هو توبة بمنزلة التّوبة من العبد فيما نحن فيه.ثمّ زوال هيئة الفساد و وصف الرّذالة المستولية على قلبه حتّى يستقرّ فيه وصف الكمال و نور الصّلاح،فإنّ القلب لا يسع الصّلاح و الطّلاح معا.و هذا يحاذي قبول التّوبة و المغفرة فيما نحن فيه،و كذلك يجري في مرحلة الصّلاح الاجتماعيّ الّذي يسير فيه الإنسان بفطرته جميع ما اعتبره الدّين،في باب التّوبة من الأحكام و الآثار،جريا على الفطرة الّتي فطر اللّه النّاس عليها.

و ثالثا:أنّ التّوبة-كما يستفاد من مجموع ما تقدّم من الآيات المنقولة و غيرها-إنّما هي حقيقة ذات تأثير في النّفس الإنسانيّة،من حيث إصلاحها و إعدادها للصّلاح الإنسانيّ الّذي فيه سعادة دنياه و آخرته و بعبارة أخرى التّوبة إنّما تنفع-إذا نفعت-في إزالة السّيّئات النّفسانيّة الّتي تجرّ إلى الإنسان كلّ شقاء في حياته الأولى و الأخرى،و تمنعه من الاستقرار على أريكة السّعادة، و أمّا الأحكام الشّرعيّة و القوانين الدّينيّة فهي بحالها

ص: 157

لا ترتفع عنه بتوبة،كما لا ترتفع عنه بمعصية.

نعم ربّما ارتبط بعض الأحكام بها فارتفعت بالتّوبة بحسب مصالح الجعل،و هذا غير كون التّوبة رافعة لحكم من الأحكام،قال تعالى: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً النّساء:16،و قال تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ* إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:33، 34،إلى غير ذلك.

و رابعا:أنّ الملاك الّذي شرّعت لأجله التّوبة-على ما تبيّن ممّا تقدّم-هو التّخلّص من هلاك الذّنب و بوار المعصية،لكونها وسيلة الفلاح و مقدّمة الفوز بالسّعادة، كما يشير إليه قوله تعالى: وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النّور:31،و من فوائدها -مضافة إلى ذلك-أنّ فيها حفظا لروح الرّجاء من الانخماد و الرّكود،فإنّ الإنسان لا يستقيم سيره الحيويّ إلاّ بالخوف و الرّجاء المتعادلين،حتّى يندفع عمّا يضرّه و ينجذب إلى ما ينفعه،و لو لا ذلك لهلك،قال تعالى:

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ الزّمر:53،54،و لا يزال الإنسان-على ما نعرف من غريزته-على نشاط من الرّوح الفعّالة،وجد في العزيمة و السّعي ما لم تخسر صفقته في متجر الحياة،و إذا بدا له ما يخسر عمله و يخيب سعيه و يبطل أمنيّته،استولى عليه اليأس،و انسلّت به أركان عمله،و ربّما انصرف بوجهه عن مسيره آيسا من النّجاح خائبا من الفوز و الفلاح،و التّوبة هي الدّواء الوحيد الّذي يعالج داءه،و يحيي به قلبه،و قد أشرف على الهلكة و الرّدى.

و من هنا يظهر سقوط ما ربّما يتوهّم أنّ في تشريع التّوبة و الدّعوة إليها إغراء بالمعصية،و تحريصا على ترك الطّاعة،فإنّ الإنسان إذا أيقن أنّ اللّه يقبل توبته إذا اقترف أيّ معصية من المعاصي لم يخلف ذلك في نفسه أثرا،دون أن تزيد جرأته على هتك حرمات اللّه، و الانغمار في لجج المعاصي و الذّنوب،فيدقّ باب كلّ معصية قاصدا أن يذنب ثمّ يتوب.

وجه سقوطه:أنّ التّوبة إنّما شرّعت-مضافا إلى توقّف التّحلّي بالكرامات على غفران الذّنوب-للتّحفّظ على صفة الرّجاء و تأثيره حسن أثره.و أمّا ما ذكر من استلزامه أن يقصد الإنسان كلّ معصية بنيّة أن يعصي ثمّ يتوب،فقد فاته أنّ التّوبة بهذا النّعت لا يتحقّق معها حقيقة التّوبة،فإنّها انقلاع عن المعصية،و لا انقلاع في هذا الّذي يأتي به.و الدّليل عليه أنّه كان عازما على ذلك قبل المعصية و مع المعصية و بعد المعصية،و لا معنى للنّدامة«أعني التّوبة»قبل تحقّق الفعل،بل مجموع الفعل و التّوبة في أمثال هذه المعاصي مأخوذ فعلا واحدا مقصود بقصد واحد مكرا و خديعة يخدع بها ربّ العالمين، و لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله.

و خامسا:أنّ المعصية و هي الموقف السّوء من

ص: 158

الإنسان ذو أثر سيّئ في حياته لا يتاب منها و لا يرجع عنها إلاّ مع العلم و الإيقان بمساءتها،و لا ينفكّ ذلك عن النّدم على وقوعها أوّلا،و النّدم تأثّر خاصّ باطنيّ من فعل السّيّئ.و يتوقّف على استقرار هذا،الرّجوع ببعض الأفعال الصّالحة المنافية لتلك السّيّئة،الدّالّة على الرّجوع و التّوبة ثانيا.

و إلى هذا يرجع جميع ما اعتبر شرعا من آداب التّوبة،كالنّدم و الاستغفار و التّلبّس بالعمل الصّالح، و الانقلاع عن المعصية،إلى غير ذلك ممّا وردت به الأخبار،و تعرّض له كتب الأخلاق.

و سادسا:أنّ التّوبة و هي الرّجوع الاختياريّ عن السّيّئة إلى الطّاعة و العبوديّة،إنّما تتحقّق في ظرف الاختيار،و هو الحياة الدّنيا الّتي هي مستوى الاختيار.

و أمّا فيما لا اختيار للعبد هناك في انتخاب كلّ من طريقي الصّلاح و الطّلاح و السّعادة و الشّقاوة فلا مسرح للتّوبة فيه،و قد تقدّم ما يتّضح به ذلك.

و من هذا الباب التّوبة فيما يتعلّق بحقوق النّاس، فإنّها إنّما تصلح ما يتعلّق بحقوق اللّه سبحانه.و أمّا ما يتعلّق من السّيّئة بحقوق النّاس ممّا يحتاج في زواله إلى رضاهم فلا يتدارك بها البتّة،لأنّ اللّه سبحانه احترم النّاس بحقوق جعلها لهم في أموالهم و أعراضهم و نفوسهم،و عدّ التّعدّي الى أحدهم في شيء من ذلك ظلما و عدوانا،و حاشاه أن يسلبهم شيئا ممّا جعله لهم من غير جرم صدر منهم،فيأتي هو نفسه بما ينهى عنه و يظلمهم بذلك،و قد قال عزّ من قائل: إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً يونس:44.

إلاّ أنّ الإسلام و هو التّوبة من الشّرك،يمحو كلّ سيّئة سابقة و تبعة ماضية متعلّقة بالفروع،كما يدلّ عليه قوله عليه السّلام:«الإسلام يجبّ ما قبله»و به تفسّر الآيات المطلقة الدّالّة على غفران السّيّئات جميعا،كقوله تعالى:

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ الزّمر:53،54.

و من هذا الباب أيضا توبة من سنّ سنّة سيّئة أو أضلّ النّاس عن سبيل الحقّ،و قد وردت الأخبار أنّ عليه مثل أوزار من عمل بها أو ضلّ عن الحقّ،فإنّ حقيقة الرّجوع لا تتحقّق في أمثال هذه الموارد،لأنّ العاصي أحدث فيها حدثا،له آثار يبقى ببقائها، و لا يتمكّن من إزالتها،كما في الموارد الّتي لا تتجاوز المعصية ما بينه و بين ربّه عزّ اسمه.

و سابعا:أنّ التّوبة و إن كانت تمحو ما تمحوه من السّيّئات،كما يدلّ عليه قوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ البقرة:

275،على ما تقدّم من البيان في الجزء الثّاني من هذا الكتاب،بل ظاهر قوله تعالى: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً* وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً الفرقان:70،71،و خاصّة بملاحظة الآية الثّانية أنّ التّوبة بنفسها أو بضميمة الإيمان و العمل الصّالح،توجب تبدّل السّيّئات حسنات،إلاّ أنّ اتّقاء السّيّئة أفضل من اقترافها ثمّ إمحائها بالتّوبة،فإنّ اللّه سبحانه أوضح في كتابه أنّ المعاصي كيفما كانت إنّما

ص: 159

تنتهي إلى وساوس شيطانيّة نوع انتهاء،ثمّ عبّر عن المخلصين المعصومين عن زلّة المعاصي و عثرة السّيّئات بما لا يعادله كلّ مدح،ورد في غيرهم،قال تعالى: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ... الحجر:39-42،و قال تعالى حكاية عن إبليس أيضا في القصّة: وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ الأعراف:17.

فهؤلاء من النّاس مختصّون بمقام العبوديّة التّشريفيّة،اختصاصا لا يشاركهم فيه غيرهم من الصّالحين التّائبين.(4:237-251)

محمّد جواد مغنية:(إنّما التّوبة)الأصل إنّما قبول التّوبة،لأنّ على الإنسان التّوبة،و على اللّه القبول،ثمّ حذف و أقيم المضاف إليه مقامه،و هو مبتدأ و ما بعده خبر،و(بجهالة)في موضع الحال،أي جاهلين، وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ في محلّ جرّ عطفا على قوله: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ.

المعنى:السّوء:العمل القبيح،و الجهالة:السّفاهة بترك الهدى إلى الضّلال،و المراد بالتّوبة عن قريب:أن يتوب المذنب قبل أن يساق إلى الموت،لأنّ الموت آت لا ريب فيه،و كلّ آت قريب.أمّا قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ فهو على حذف مضاف،كما بيّنّا في فقرة الإعراب،أي قبول التّوبة عليه جلّ و علا،و المعنى المحصّل أنّ من أساء ثمّ ندم و أناب،يقبل اللّه إنابته، و يصفح عنه،حتّى كأنّه لا ذنب له،بل إنّ اللّه سبحانه يثيبه ثوابا حسنا.

و تسأل:أنّ ظاهر الآية يدلّ على أنّه يجب على اللّه أن يقبل التّوبة من النّادمين،مع العلم بأنّ اللّه يوجب على غيره ما يشاء،و لا يوجب أحد عليه شيئا؛إذ ليس كمثله شيء.

الجواب:ليس المراد أنّ الغير يوجب على اللّه أن يقبل التّوبة-تعالى اللّه-و إنّما المراد أنّ فضله و كرمه يستوجب هذا القبول تماما،كما تقول للكريم:إنّ كرمك يفرض عليك البذل و العطاء،و من ذلك قوله تعالى:

كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام:12.

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ ما داموا راغبين رغبة حقيقيّة في العودة إلى صفوف المؤمنين الأخيار، وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً عليم بالتّوبة النّصوحة و الزّائفة، حكيم بقبول الأولى من التّائب.

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ الآية.أنّ اللّه يقبل من تاب إليه،على شريطة أن يتوب قبل أن تظهر له أمارات الموت.أمّا من تاب،و هو يساق إلى القبر فلا تقبل توبته، لأنّها توبة العاجز،عمّا يئس من نواله.

و تسأل:و ما ذا أنت صانع بما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله«من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه،و أنّ السّاعة لكثير،من تاب،و قد بلغت الرّوح هذه-مشيرا إلى حلقه-تاب اللّه عليه»؟

الجواب:في هذه الرّواية نظر،لأمور:

الأوّل:أنّها تخالف كتاب اللّه،و قد ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«قد كثرت عليّ الكذّابة في حياتي، و ستكثر بعد وفاتي،فمن كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من

ص: 160

النّار،فإذا أتاكم الحديث عنّي فاعرضوه على كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فخذوه،و ما خالف كتاب اللّه فلا تأخذوا به»،و من أجل هذا لا نأخذ بحديث قبول التّوبة إذا بلغت الرّوح الحلقوم.

و غير بعيد أنّ حكّام الجور في عهد الأمويّين و العبّاسيّين قد أوعزوا إلى بعض أذنابهم أن يضع لهم هذا الحديث،ليحتجّوا به أمام المحكومين بأنّ لهم مندوحة عند اللّه،مهما جاروا و أفسدوا.فلقد كان لكلّ حاكم منهم حزمة من فقهاء السّوء يبرّرون أعمالهم،و يكيّفون الدين طبقا لأهواء الشّياطين.

الأمر الثّاني:أنّ قبول التّوبة عند الموت إغراء بارتكاب الذّنب و المعصية،و هذا من عمل الشّيطان، لا من عمل الرّحمن.

الأمر الثّالث:أنّ اللّه سبحانه إنّما يقبل العمل من العامل إذا صدر منه عن إرادة و حرّيّة كاملة.و بديهة أنّ الإنسان إنّما يكون حرّا بالنّسبة إلى العمل إذا كان قادرا على فعله و تركه معا،أمّا إذا قدر على الفعل دون التّرك، أو على التّرك دون الفعل فإنّه يكون مسيّرا لا مخيّرا،و من هذا الباب التّوبة عند الموت؛إذ المفروض أنّ التّائب في هذه الحال يعجز عن اقتراف الذّنب و المعصية تماما،كما يعجز عنها من يقول غدا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ الدّخان:12.

فإن قبل اللّه التّوبة ممّن يساق إلى القبر،فينبغي أن يقبلها ممّن يعذّب في النّار.و الفرق تحكّم،و لذا سوّى اللّه بينهما،و عطف أحدهما على الآخر؛حيث قال: وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ أي إنّ اللّه سبحانه لا يقبل التّوبة أيضا من الّذين يموتون على الكفر،و لا يندمون إلاّ حين يرون العذاب يوم القيامة،بل لا يقبلها منهم،و هم في طريقهم إلى هذا اليوم،كما دلّت الآية(99،100)من سورة المؤمنون: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

أجل،يجوز في نظر العقل أن يعفو جلّ و عزّ و يصفح عن المذنبين،و إن لم يتوبوا تفضّلا منه و كرما،و لكن هذا شيء و قبول التّوبة عند الموت شيء آخر.

التّوبة و الفطرة:

التّوبة فرع عن وجود الذّنب،لأنّها طلب للصّفح عنه،و لا يخلو الإنسان من ذنب ما كبيرا كان أو صغيرا إلاّ من عصم اللّه،و قد نسب إلى الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله قوله:

إن تغفر اللّهمّ تغفر جمّا و أيّ عبد لك ما ألمّا

و قد أوجب سبحانه التّوبة على من أذنب تماما،كما أوجب الصّوم و الصّلاة،و من الآيات الدّالّة على وجوبها هذه الآية: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ، و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً التّحريم:8،و قوله: وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً هود:3،و قوله: وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ الحجرات:11.

و الحقيقة أنّ وجوب التّوبة لا يحتاج إلى دليل،لأنّه من القضايا الّتي تحمل دليلها معها،فكلّ إنسان يدرك بفطرته أنّ على المسيء أن يعتذر عن إساءته،و يطلب الصّفح ممّن أساء إليه،و قد جرى على ذلك عرف الدّول

ص: 161

و الشّعوب،حتّى و لو حصل التّعدّي خطأ،و من غير قصد.فإذا اخترقت طائرة دولة أجواء دولة أخرى،أو تجاوز زورق من زوارقها المياه الإقليميّة دون إذن سابق،وجب أن تعلن اعتذارها،و إلاّ أدانها العرف و القانون.إذن كلّ آية أو رواية دلّت على وجوب التّوبة فهي تقرير و تعبير عن حكم الفطرة،و ليست تأسيسا و تشريعا جديدا لوجوب التّوبة.

و على هذا فمن أذنب و لم يتب،فقد أساء مرّتين:مرّة على فعل الذّنب،و مرّة على ترك التّوبة،و أسوأ حالا ممّن ترك التّوبة من فسخها،و عاد إلى الذّنب بعد أن عاهد اللّه على الوفاء بالطّاعة و الامتثال،قال تعالى: عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَ اللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ المائدة:95.و في الحديث:«المقيم على الذّنب،و هو مستغفر منه كالمستهزئ»، اَللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ البقرة:15.

و يتحقّق الذّنب بترك ما أمر اللّه به،أو فعل ما نهى عنه عن قصد و تصميم.و بديهة أنّ أحكام العقل هي أحكام اللّه بالذّات،لأنّه جلّ و عزّ يبلّغ أحكامه بوسيلتين:العقل،و لسان رسله و أنبيائه.و النّتيجة الحتميّة لهذا المبدأ أنّه لا ذنب و لا عقاب بلا بيان،على حدّ تعبير الفقهاء المسلمين،أو بلا نصّ على حدّ تعبير أهل القوانين الوضعيّة.

إذا تمهّد هذا تبيّن معنى أنّ الإنسان إنّما يكون مذنبا و عاصيا إذا فعل ما نهى اللّه عنه،أو ترك ما أمر اللّه به عن تعمّد و علم،فإذا فعل أو ترك ناسيا،أو مكرها،أو جاهلا،من غير تقصير و إهمال فلا يعدّ مذنبا،و ينتفي السّبب الموجب للتّوبة،قال: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ المائدة:39،أي بعد ذنبه،لأنّ كلّ من أقدم على الذّنب فقد ظلم نفسه بتعريضها للحساب و العقاب.

أمّا تحديد التّوبة فهي أن يندم المذنب على ما كان منه،و يطلب من اللّه العفو و المغفرة،و لا يعود إلى الذّنب ثانية،فإن عاد بطلت التّوبة،و احتاج إلى استئنافها بعهد أحكم،و قلب أسلم.قال الإمام زين العابدين عليه السّلام:

«اللّهمّ إن يكن النّدم توبة إليك فأنا أوّل التّائبين،و إن يكن التّرك لمعصيتك إنابة فأنا أوّل المنيبين،و إن يكن الاستغفار حطّة للذّنوب فإنّي لك من المستغفرين».

و المراد بالاستغفار:الاستغفار بالفعل،لا بالقول، فيبدأ قبل كلّ شيء بتأدية حقوق النّاس،و ردّ ظلامتهم، فإذا كان قد اغتصب درهما من إنسان أعاده إليه،و إن كان قد أساء إليه بقول أو فعل طلب منه السّماحة ثمّ يقضي ما فاته من الفرائض،كالحجّ و الصّوم و الصّلاة.

سمع أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام رجلا يقول:استغفر اللّه، فقال الإمام:أ تدري ما الاستغفار؟إنّه درجة العلّيّين، و هو واقع على ستّة معان،و ذكرها الإمام،منها:العزم على ترك العودة إلى الذّنب،و تأدية الحقوق إلى المخلوقين،و قضاء الفرائض،و متى توافرت هذه العناصر للتّائب كان من الّذين عناهم اللّه بقوله: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى طه:82،أي استمرّ على الهداية،و هي الإيمان و العمل الصّالح،و في الحديث:«التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له»بل يصبح من المحسنين،قال تعالى: تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً هود:3،و قال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ

ص: 162

البقرة:222،و قال الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:«من رأى أنّه مسيء فهو محسن».

أمّا السّرّ لإحسان التّائب،و عظيم منزلته عند اللّه سبحانه،فهو معرفته بنفسه،و محاسبتها على كلّ عيب و نقص،و جهادها على الكمال و الطّاعة،هذا الجهاد الّذي عبّر عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجهاد الأكبر.و قديما قال الأنبياء و الحكماء:«اعرف نفسك».و مرادهم أن يعرف الإنسان ما في نفسه من عيوب،و يعمل على تطهيرها من كلّ شائبة.

و قد يقول قائل:إنّ الإنسان نتيجة لعوامل كثيرة:

منها أبواه،و مدرسته،و مجتمعه،و مناخه،و ما إلى ذلك ممّا يؤثّر في تكوين شخصيّته،و لا حول معه و لا طول، و عليه فلا يتّصف الإنسان بأنّه أذنب و أساء،لأنّ الذّنب ذنب المجتمع و الظّروف،و متى انتفى الذّنب انتفى موضوع التّوبة من الأساس.

الجواب:صحيح أنّ محيط الإنسان و ظروفه تؤثّر به، و لكن صحيح أيضا أنّ ذات الإنسان و إرادته تؤثّر في ظروفه و بيئته،كما يتأثّر هو بها،لأنّ لكلّ من الإنسان و ظروفه واقعا ملموسا،و كلّ شيء له واقع ملموس لا بدّ أن يكون له أثر كذلك،و إلاّ لم يكن شيئا،و على هذا يستطيع الإنسان أن يؤثّر في ظروفه،بل يستطيع أن يقلبها رأسا على عقب،إذا كان عبقريّا،و الشّاهد الحسّ و الوجدان.

إنّ شأن الظّروف الّتي يعيشها الإنسان أن تبعث في نفسه الميل و الرّغبة في ثمار الظّروف و نتاجها،و على الإنسان أن ينظر و يراقب هذه الثّمار،و تلك الرّغبة، فإن كانت متّجهة إلى الحسن من الثّمار اندفع مع رغبته، و إلاّ أوقفها و كبح جماحها،و ليس هذا بالأمر العسير.

و لو لم يكن للإنسان مع ظروفه حول و طول لما اتّصف بأنّه محسن،و بأنّه سيّئ،و لبطل العقاب و الثّواب، و سقط المدح و الذّمّ،و لما كان لوجود الأديان و الأخلاق و الشّرائع و القوانين وجه و مبرّر.

سؤال ثان:قلت:إنّ التّوبة فرع الذّنب،مع العلم بأنّ الأنبياء و الأئمّة كانوا يتوبون إلى اللّه،و هم مبرءون عن العيوب و الذّنوب.

الجواب:أنّ الأنبياء و الأئمّة مطهّرون من الدّنس و المعاصي،ما في ذلك ريب.و لكنّهم كانوا لمعرفتهم باللّه، و شدّة خوفهم منه يتصوّرون أنفسهم مذنبين،فيتوبون من ذنب وهميّ لا وجود له.و هذا مظهر و أثر من آثار عصمتهم و علوّ مكانتهم،لأنّ العظيم من لا يرى نفسه عظيما،بل لا يراها شيئا مذكورا في جنب اللّه،و يتّهمها دائما بالتّقصير في طاعته و عبادته،و من أجل هذا يسأله العفو،و يستعين به على حسن العاقبة،على العكس من اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104.

و خير ما قرأته في هذا الباب قطعة من مناجاة الإمام زين العابدين عليه السّلام،يطلب فيها من اللّه أن يسخّر له عبدا من عباده الصّالحين مستجاب الدّعوة لديه تعالى،كي يرى هذا العبد سوء حال الإمام من شدّة خوفه من اللّه، فيتأثّر،و تأخذه الرّقّة على الإمام،و يتوسّل إلى الخالق الجليل أن يرفق بالإمام،فيسمع اللّه دعوة هذا العبد الصّالح،و ينجو الإمام من غضب اللّه و سخطه،و يفوز

ص: 163

برضاه و مغفرته،و هذا ما قاله الإمام بالحرف:«فلعلّ بعضهم برحمتك يرحمني لسوء موقفي،و تدركه الرّقّة عليّ لسوء حالي،فينالني منه بدعوة هي أسمع لديك من دعائي،أو شفاعة أوكد عندك من شفاعتي،تكون بها نجاتي من غضبك،و فوزي برضاك».

قال الإمام زين العابدين،و سيّد السّاجدين مخاطبا ربّه:«لعلّ بعضهم أوكد عندك من شفاعتي تكون بدعوته نجاتي».قال هذا يوم لا أحد على وجه الأرض يدانيه في فضيلة واحدة من فضائله الجلّى،و هنا يكمن سرّ الجلال و العظمة و الكمال.

و بعد،فإنّ التّوبة متشعّبة الأطراف،و تتّسع لكتاب مستقلّ،و قد نعود إلى الكلام عنها في مناسبة ثانية.

(2:272)

فضل اللّه :لمن التّوبة؟

للتّوبة-في المفهوم الإسلاميّ القرآنيّ-معنى العمق الإيمانيّ في الانفتاح على اللّه بالعودة إليه-في حالة الخطيئة-بالإحساس العميق بالنّدم على التّمرّد العمليّ على أوامره و نواهيه،و الإرادة القويّة الواعية في تغيير المسار في خطّ الانحراف إلى خطّ الاستقامة،و من تحويل الموقف من واقع المعصية إلى واقع الطّاعة،في روحيّة إيمانيّة،تتمثّل الإخلاص في العلاقة باللّه.

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ الّذي يتقبّل التّوبة عن عباده،ممّا فرضه لهم من الحقّ في قبولها بالعفو عن الخطيئة،و غفران الذّنب و إدخالهم في رحمته من جديد، لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ الذّنب(بجهالة)بالسّير في خطّ الانحراف عن خطّه المستقيم،انطلاقا من خلل في التّصوّر،أو في تقدير الأمور،أو في حسابات الرّبح و الخسارة،أو غفلة عن النّتائج السّلبيّة على قضيّة المصير الأخرويّ،أو الخضوع لسلطان الشّهوة تحت تأثير النّفس الأمّارة بالسّوء،ممّا يدخل في عنوان «السّفاهة»العقليّة أو العمليّة،في غياب الوعي الصّافي الّذي ينظر إلى الأمور بوضوح،و يتحرّك معها باتّزان.

ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ قبل أن يعاينوا الموت؛ و ذلك في الحالة الّتي يملكون فيها التّراجع عن الانحراف، لأنّ السّاحة تحمل الكثير من الفرص للتّغيير،لأنّ التّوبة في مثل هذه الحالة تعني وعي خطورة الخطيئة،و إرادة العودة الواعية إلى اللّه،ممّا يوحي بأنّ هذا الإنسان يتحرّك في نطاق العودة إلى معنى إيمانه،في حركة الطّاعة للّه.

و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بقوله:(من قريب)الزّمان القريب من وقت حصول المعصية، فيكون المعنى:التّوبة الفوريّة و النّدم السّريع،لأنّ ذلك هو الّذي يمنع من (1)زوال أثر المعصية من النّفس،و عدم تجذّرها في عمق الشّخصيّة،فتكون الآية واردة على سبيل الإيحاء بالتّوجيه الإلهيّ بضرورة السّرعة في التّوبة،فإنّها أقرب إلى القبول،و لا يمنع ذلك من قبول التّوبة بعد مرور زمان على المعصية،باعتبار أنّه يؤدّي دورا مهمّا في تصحيح المسار،لكنّ الحالة الأولى أقرب إلى الاستقامة.

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ من موقع رحمته الّتي تتّسع للخاطئين التّائبين الّذين ابتعدوا عنه بفعل نقاطة.

ص: 164


1- كذا،و الظّاهر:من تمكّن أثر المعصية.

الضّعف الّتي سيطرت على شخصيّاتهم و أرادوا العودة إليه،بفعل التّمرّد على الضّعف في اتّجاه الانفتاح على القوّة،لأنّ اللّه يريد أن يمنح الإنسان الفرصة في كلّ وقت،لتحويل نقاط الضّعف في ذاته إلى نقاط قوّة،فإنّ ذلك يوحي بأنّ هذا الإنسان قد بدأ الرّحلة الجديدة إلى اللّه في عمليّة إخلاص و توحيد.

وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً بالواقع الإنسانيّ الّذي تختبئ الغرائز في داخله لتقود كلّ حركته،و تتحرّك النّوازع في حياته لتوجّه هذه الغرائز إلى دائرة الانحراف، ممّا يجعل للإنسان بعض العذر في خطاياه،تحت تأثير الضّغوط الدّاخليّة و الخارجيّة،الأمر الّذي يريد اللّه فيه أن يساعده على الوقوف في خطّ المواجهة و الانتصار على الذّات.

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ و يستغرقون فيها و يخلدون إلى الأرض في غفلة مستمرّة،لا تدع مجالا لأيّ تغيير في الدّاخل،و تمرّد على أيّة حالة من حالات التّوعية و اليقظة الرّوحيّة،لأنّ المسألة عندهم هي أن يعيشوا العمر في دائرة الشّهوات و الأطماع و الملذّات و الأنانيّات،بعيدا عن أيّة رسالة و عن أيّة عودة إلى اللّه و إنابة إليه و رغبة في الحصول على رضوانه،فهم سادرون في غيّهم،مصرّون على خطاياهم، متمرّدون على ربّهم،غافلون عن آخرتهم و عن النّتائج المهلكة الّتي يواجهونها هناك،فلا يفكّرون في توبة، و لا يعملون للتّراجع عن الذّنب.

حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ و عاين الأهوال القادمة،و رأى تهاويل الواقع الجديد،و عرف أنّ الفرصة قد انتهت،و أنّه يدخل في عالم جديد يواجه فيه نتائج أعماله،و يقدّم فيه حساب عمره كلّه، قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ كوسيلة من وسائل التّجربة في الخروج من المأزق و التّعبير عن الإحباط.فلم تكن المسألة لديه مسألة وعي و إرادة للتّغيير،لأنّ الوقت قد ذهب،بل هي مسألة اضطرار خائف،لا عمق له في الاختيار.

وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ فلم يأخذوا من الإيمان بأيّ سبب في كلّ مجالات حياتهم،مع قيام الحجّة عليهم في ذلك كلّه، أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً في الدّنيا و الآخرة،جزاء لتمرّدهم على اللّه،في الخطّ الفكريّ و العمليّ.

و هكذا أراد اللّه التّوبة لعباده رحمة بهم،و تشجيعا لهم على التّراجع عن مواقف الخطإ من موقع الإرادة الواعية المسئولة،لينفصلوا بذلك عن الأجواء المنحرفة في كلّ ما تحتويه من مشاعر و أحاسيس و علاقات و ظروف و نزوات و نزعات،فيقف الإنسان موقف المتأمّل الّذي يحسب حساب ذلك كلّه في جميع نتائجه و آثاره،بعيدا عن كلّ الضّغوط الحسّيّة و المعنويّة؛ فيفكّر كيف يستقبل عواقب ذلك بوعي و مسئوليّة.

و على ضوء ذلك،كان لا بدّ للتّوبة من وعي للموقف و من إرادة للتّغيير،فينطلق الإنسان ليدخل في عمليّة مقارنة بين المبادئ الّتي يؤمن بها،من خلال ما يمثّله إيمانه باللّه و طاعته له،من تخطيط للعمل في صعيد الواقع، و بين الممارسات القلقة المنحرفة الّتي تحرّكت في واقع حياته العمليّة.

و هنا تبدأ عمليّة الشّعور بالضّغط الرّوحيّ الّذي

ص: 165

يثير في داخله الإحساس بالنّدم،في حركة المسئوليّة في فكره و ضميره،و تتحرّك إرادة التّحوّل و التّغيير في داخل نفسه.و لعلّ من البديهيّ أن يكون للإنسان امتداد في حياته العمليّة في المستقبل،ليعيش هذا الوعي و هذه الإرادة،و ليتحقّق له الصّدق الواعي الحرّ،و لهذا جاءت هاتان الآيتان لتجيبا عن السّؤال:«لمن التّوبة»؟

و كان الجواب،حديثا عن نموذجين من النّاس، فهناك النّموذج الّذي عمل السّوء بجهالة،و ربّما كانت كلمة«الجهالة»تعطي معنى عدم العلم،و ربّما كانت تعبّر عن السّفاهة و عدم الوعي و عدم المسئوليّة،على أساس العلم الّذي لا يترك تأثيره في عمليّة الوعي الدّاخليّ لا يبتعد عن الجهل في طبيعة النّتائج السّلبيّة.

و قد كثر في القرآن،و في غيره،استخدام كلمة «الجهالة»للتّعبير عن ذلك،بل ربّما قال بعض العلماء:إنّ كلمة«الجهالة»تعني السّفاهة بشكل أساسيّ.و ربّما كان هذا المعنى هو الأقرب للفكرة الّتي تعالجها الآية،لأنّ التّوبة لا تنحصر بأولئك الّذين يعصون اللّه عن غير علم بما يفعلون،بل تشمل كلّ أولئك الّذين ينحرفون عن الخطّ جهلا أو عمدا،من دون وعي عمليّ داخليّ للنّتائج،بالمستوى الّذي يحرّك الإحساس و الشّعور، و يحوّل المعرفة إلى حالة شعوريّة داخليّة قويّة.فقد فتح اللّه لكلّ أولئك باب التّوبة،إذا تراجعوا عن انحرافهم و تابوا عن قريب،أي قبل أن يدهمهم الموت فيلاقوه وجها لوجه.

فإنّ التّوبة تمثّل-في مثل هذا النّموذج-الموقف الّذي يعبّر عن يقظة الإيمان داخل النّفس،و حركته في آفاق الضّمير،و ينطلق بالإنسان في عمليّة التّغيير،لأنّ السّاحة الزّمنيّة المفتوحة أمامه تترك له المجال لتجربة جديدة و عمل جديد،من أجل التّصحيح و التّقويم.

و هؤلاء الّذين يمارسون موقف التّوبة في هذا الاتّجاه،هم الّذين يتقبّل اللّه توبتهم،و يفتح لهم باب رحمته و مغفرته،على أساس علمه بهم و بمنطلقاتهم و تطلّعاتهم، من خلال ما تقتضيه الحكمة من إفساح المجال للإنسان الّذي يعيش حركة التّجربة في حياته بين الخطإ و الصّواب،أن يبدأ عمليّة التّصحيح في كلّ فرصة مناسبة لذلك.

و هناك النّموذج الّذي تمتدّ به المعصية في نطاق التّمرّد في عمر الزّمن،فهو لا يفكّر أبدا أن يتوقّف ما دامت الحياة مفتوحة،و الفرصة متاحة له،لأنّ القضيّة عنده-في كلّ طموحاته-هي إرواء شهواته،و تحقيق مطامعه الذّاتيّة.أمّا حسابات اللّه و الدّار الآخرة،فهي مؤجّلة دائما،بل ربّما كانت من الأمور الثّانويّة المغفول عنها الّتي لا يدخلها في حسابه،حتّى إذا واجه الموت و ضاقت عليه نواحي الحياة قال: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ و لكنّها ليست توبة،بل هي محاولة هروب من حراجة الموقف بالانطلاق بالكلمة السّريعة الّتي يواجه بها الكثيرون من النّاس المواقف الصّعبة،من أجل أن يتخفّفوا بذلك من حراجة المشكلة،ثمّ يرجعون عنها إذا كان هناك مجال للرّجوع.

و بذلك لا تكون هذه الكلمة تعبيرا عن موقف وعي و إرادة تغيير،بل تكون تعبيرا عن حالة تخلّص من المأزق الصّعب.و يتمثّل هذا النّموذج في نوعين من

ص: 166

النّاس:المؤمنين الّذين يعيشون الإيمان فكرا بعيدا عن الممارسة،و الكافرين الّذين يواجهون الموت بالكفر،من دون عمق في الفكر و الشّعور،و امتداد في مجال الالتزام و الممارسة.و قد أكّدت الآية أنّ هؤلاء لا تقبل توبتهم بل ينتظرهم العذاب الأليم.

و قد جاء في الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في آخر خطبة خطبها:«من تاب قبل موته بسنة،تاب اللّه عليه.

ثمّ قال:إنّ السّنة لكثيرة،من تاب قبل موته بشهر،تاب اللّه عليه،ثمّ قال:إنّ الشّهر لكثير،و من تاب قبل موته بجمعة،تاب اللّه عليه،ثمّ قال:إنّ الجمعة لكثيرة،و من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه،ثمّ قال:إنّ يوما لكثير،و من تاب قبل موته بساعة،تاب اللّه عليه.ثمّ قال:و إنّ السّاعة لكثيرة،و من تاب و قد بلغت نفسه هذه-و أهوى بيده إلى حلقه-تاب اللّه عليه».

و سئل الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:

18،قال:ذلك إذا عاين أمر الآخرة.و يقول صاحب «الميزان»-تعليقا على ذلك:«و الرّواية الثّانية تفسّر الآية و تفسّر الرّوايات الواردة في عدم قبول التّوبة عند حضور الموت،بأنّ المراد من حضور الموت:العلم به، و مشاهدة آيات الآخرة،و لا توبة عندئذ.و أمّا الجاهل بالأمر،فلا مانع من قبول توبته».

و ما استوحيناه من الآية أنّ المقصود بها التّوبة الّتي تعبّر عن موقف وعي،و إرادة تغيير في ما ينتظره الإنسان من السّاحة الجديدة الزّمنيّة الّتي تتحرّك فيها خطواته العمليّة في المستقبل،و لن يكون ذلك إلاّ في المجال الّذي ينتظر فيه المستقبل في انطلاقات الأمل الكبير بالحياة، و في ضوء ذلك لا تكون أمثال هذه الرّوايات بعيدة عن الجوّ العامّ للآية.

التّوبة في خطّ التّربية الإسلاميّة:

و من خلال هذا العرض،نستطيع اعتبار التّوبة وسيلة عمليّة من وسائل التّربية الرّوحيّة و العمليّة،لأنّ الإنسان قد يعيش في أغلب مواقفه الوقوع في خطإ التّجربة،و يعاني من عقدة الشّعور بالنّقص أمام المنحدر السّحيق الّذي تقوده إليه أخطاؤه،و ربّما يقوده ذلك إلى التّعقيد الدّاخليّ و الضّياع الرّوحي،عند ما يصطدم بالحقيقة،و يواجه النّتائج الحاسمة وجها لوجه،من دون أن يتمكّن من تغيير الواقع،فيبقى أسير عقدته.و يتحوّل ذلك إلى موقف سلبيّ من الحياة و الأشخاص من حوله، نتيجة ما تثيره العقدة الدّاخليّة من أحاسيس و مشاعر، و تحرّكات و تعقيدات.

و جاءت التّوبة الإلهيّة لتقول للإنسان،بأنّ الخطأ حالة طبيعيّة في حياته،انطلاقا من نوازع الضّعف الكامنة في داخل نفسه،الّتي قد يستسلم لها تارة،و قد يتمرّد عليها أخرى،فكان لا بدّ له من أن يسقط أمام حالات الضّعف.و لكن ليس معنى ذلك أنّها ضريبة لازمة له،لا يستطيع الفكاك منها و التحرّر من عبوديّتها، بل هي قضيّة طبيعيّة تماما،كما هي الحالات الطّبيعيّة العارضة للإنسان الّتي قد يحتاج إلى التّعامل معها بفعّاليّة، و معالجتها بحكمة و قوّة،كما يحتاج إلى عدم مواجهتها

ص: 167

باللاّمبالاة و السّلبيّة و الاستمرار في أجواء الضّياع.

و هكذا كانت التّوبة من أجل مساعدة الإنسان على مواجهة المعصية و الخطإ.كحالة طارئة لتزول و تذهب و تذوب،فلا تبقى في حياته كعقدة،لتتجدّد له مشاعر الثّقة بإنسانيّته،و بقدرته على ردّ التّحدّي،و ممارسة التّغيير،و البدء من جديد.فلا يبقى أسير العقدة،بل يقف أمام اللّه بكلّ حرّيّة الإرادة،و إرادة التّغيير،في ثياب بيضاء،و قلب مفتوح للحقّ و الخير،و الأمل الكبير بالمستقيل الأبيض الّذي يبدأ من جديد تماما،كما لو لم يكن هناك أيّ ماض معقّد أسود،لأنّ«التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له»،فيخرج منه كما ولدته أمّه.

و إذا تاب اللّه على الإنسان،و عاش مشاعر التّوبة، و أحسّ باللّطف الإلهيّ يغمره بالمغفرة و الرّضوان،فإنّه يعيش الشّعور الملائكيّ الرّوحيّ في نفسه،كما لو كان ملاكا يطير بجناحين،من طهر و نقاء و فرح روحيّ كبير غامر،فيتجدّد و يتحوّل إلى إنسان جديد،يبدأ الحياة مع اللّه،في انطلاقة عمر جديد.

و في ضوء ذلك،لن تكون التّوبة-كما يخيّل للبعض- وسيلة من وسائل تشجيع الإنسان على الامتداد في الخطإ و الاستغراق في الجريمة،لأنّه يجد في التّوبة طريقة للهروب كلّما أراد ذلك،و هكذا حتّى تكون حياته كلّها جريمة و تراجعا.الأمر الّذي يجعل الشّخصيّة الإنسانيّة في مستوى الميوعة الرّوحيّة و الأخلاقيّة،باسم التّصحيح و التّراجع.و قد أوضحنا الموضوع-من خلال مفهومنا للآية-و قلنا:بأنّ التّوبة ليست حالة طارئة سريعة،تتحرّك في نطاق الممارسة الشّكليّة،بل هي موقف وعي للمبادئ و إرادة للتّغيير،و محاولة جادّة لتركيز الشّخصيّة على أساس متين،ممّا يجعل من التّصوّر الإنسانيّ للمستقبل،تصوّرا للموقف الجديد الثّابت الممتدّ في كلّ خطوات الزّمن.و هذا ما عبّر عنه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام في دعاء التّوبة،في الصّحيفة السّجّاديّة في مناجاته للّه:

«اللهمّ أيّما عبد تاب إليك،و هو في علم الغيب عندك فاسخ لتوبته و عائد في ذنبه و خطيئته فإنّي أعوذ به أن أكون كذلك،فاجعل توبتي هذه توبة لا أحتاج بعدها إلى توبة موجبة،لمحو ما سلف و السّلامة في ما بقي».

ثمّ يؤكّد التّصميم على الثّبات على التّوبة-الموقف- فيعمل على الاستعانة باللّه على أن يمنحه القوّة للاستمرار على هذا الخطّ:

«اللّهمّ و لا وفاء لي بالتّوبة إلاّ بعصمتك، و لا استمساك بي عن الخطايا إلاّ بقوّتك،فقوّني بقوّة كافية،و تولّني بعصمة مانعة».

و هذا ما أثارته الآيتان الكريمتان في تحديدهما للتّوبة المقبولة و غير المقبولة و اللّه العالم.(7:147)

مكارم الشّيرازيّ: شرائط قبول التّوبة:

و في هذه الآية يشير سبحانه إلى شرائط قبول التّوبة،إذ يقول: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ.

و هنا يجب أن نرى ما ذا تعني«الجهالة»هل هي الجهل و عدم المعرفة بالمعصية،أم هي عدم المعرفة بالآثار السّيّئة و العواقب المؤلمة للذّنوب و المعاصي؟

إنّ كلمة«الجهل»و ما يشتقّ منها و إن كانت لها معان

ص: 168

مختلفة،و لكن يستفاد من القرائن أنّ المراد منها-في الآية المبحوثة هنا-هو طغيان الغرائز،و سيطرة الأهواء الجامحة،و غلبتها على صوت العقل و الإيمان.و في هذه الصّورة و إن لم يفقد المرء العلم بالمعصية،إلاّ أنّه حينما يقع تحت تأثير الغرائز الجامحة،ينتفي دور العلم و يفقد مفعوله و أثره،و فقدان العلم لأثره مساو للجهل عملا.

و أمّا إذا لم يكن الذّنب عن جهل و غفلة،بل كان عن إنكار لحكم اللّه سبحانه و عناد و عداء،فإنّ ارتكاب مثل هذا الذّنب ينبئ عن الكفر،و لهذا لا تقبل التّوبة منه،إلاّ أن يتخلّى عن عناده و عدائه و إنكاره و تمرّده.

و في الحقيقة إنّ هذه الآية تبيّن نفس الحقيقة الّتي يذكرها الإمام السّجّاد عليه السّلام في دعاء أبي حمزة ببيان أوضح؛إذ يقول:«إلهي لم أعصك حين عصيتك و أنا بربوبيّتك جاحد و لا بأمرك مستخفّ،و لا لعقوبتك متعرّض،و لا لوعيدك متهاون،لكن خطيئة عرضت و سوّلت لي نفسي و غلبني هواي».

ثمّ إنّ اللّه سبحانه يشير إلى شرط آخر من شروط قبول التّوبة؛إذ يقول: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ.

هذا و قد وقع كلام بين المفسّرين في المراد من (قريب)فقد ذهب كثيرون إلى أنّ معناه التّوبة قبل أن تظهر آثار الموت و طلائعه،و يستشهدون لهذا الرّأي بقوله تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ الّذي جاء في مطلع الآية اللاّحقة،و يشير إلى أنّ التّوبة لا تقبل إذ ظهرت علامات الموت.

و لعلّ استعمال لفظة(قريب)إنّما هو لأجل أنّ نهاية الحياة الدّنيويّة مهما بعدت فهي قريبة.

و لكن استعمال لفظة(قريب)إنّما هو لأجل أنّ نهاية الحياة الدّنيويّة مهما بعدت فهي قريبة.

و لكن بعض المفسّرين ذهب إلى تفسير لفظة(من قريب):بالزّمان القريب من وقت حصول المعصية، فيكون المعنى أن يتوبوا فورا،و يندموا على ما فعلوه بسرعة،و يتوبوا إلى اللّه،لأنّ التّوبة الكاملة هي الّتي تغسل آثار الجريمة و تزيل رواسبها من الجسم و الرّوح بشكل مطلق حتّى لا يبقى أيّ أثر منه في القلب،و لا يمكن هذا إلاّ إذا تاب الإنسان و ندم قبل أن تتجذّر المعصية في كيانها،و تتعمّق آثارها في وجوده،فتكون له طبيعة ثانية؛إذ في غير هذه الصّورة ستبقى آثار المعصية في زوايا الرّوح الإنسانيّة،و تعشعش في خلايا قلبه،فالتّوبة الكاملة إذن هي الّتي تتحقّق عقيب وقوع الذّنب في أقرب وقت،و لفظة(قريب)أنسب مع هذا المعنى من حيث اللّغة و الفهم العرفيّ.

صحيح أنّ التّوبة الّتي تقع بعد زمن طويل من ارتكاب المعصية تقبل أيضا إلاّ أنّها ليست التّوبة الكاملة.و لعلّ التّعبير بجملة(على اللّه)،أي على اللّه قبولها،كذلك إشارة إلى هذا المعنى،لأنّ مثل هذا التّعبير لم يرد في غير هذا المورد من القرآن الكريم.و مفهومه هو أنّ قبول التّوبة القريبة من زمن المعصية حقّ من حقوق العباد،في حين أنّ قبول التّوبة البعيدة عن زمن المعصية تفضّل من اللّه و ليس حقّا.

ثمّ إنّه سبحانه-بعد ذكر شرائط التّوبة-يقول:

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً

ص: 169

مشيرا بذلك إلى نتيجة التّوبة الّتي توفّرت فيها الشّروط المذكورة.

ثمّ يقول تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ... و هو إشارة إلى من لا تقبل توبته.

و علّة عدم قبول هذا النّوع من التّوبة واضحة،لأنّ الإنسان عند الاحتضار في رحاب الموت تنكشف له الأستار،فيرى ما لم يكن يراه من قبل،فهو يرى بعد انكشاف الغطاء عن عينيه بعض الحقائق المتعلّقة بالعالم الآخر،و يشاهد بعينيه نتائج أعماله الّتي ارتكبها في هذه الدّنيا،و تتّخذ القضايا الّتي كان يسمع بها صفة محسوسة،و في هذه الحالة من الطّبيعيّ أن يندم كلّ مجرم على جرمه و أفعاله السّيّئة و يفرّ منها فرار الّذي يرى اقتراب ألسنة اللّهب من جسمه.

و من المسلّم أنّ التّكليف الإلهيّ و الاختيار الرّبّانيّ للبشر لا يقوم على أساس هذا النّوع من المشاهدات و المكاشفات،بل يقوم على أساس الإيمان بالغيب، و المشاهدة بعيني العقل و القلب.

و لهذا نقرأ في الكتاب العزيز:أنّ أبواب التّوبة كانت تغلق فى وجه بعض الأقوام العاصية،عند ظهور طلائع العذاب الدّنيويّ و النّقمة العاجلة،و للمثال نقرأ قول اللّه سبحانه عن فرعون إذ يقول: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ* آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:90،91.

كما يستفاد من بعض الآيات القرآنيّة،مثل الآية (12)من سورة السّجدة:أنّ العصاة يندمون عند ما يشاهدون العذاب الإلهيّ في الآخرة،و لكن لات حين مندم،فلا فائدة لندمهم في ذلك الوقت،إنّ هؤلاء أشبه ما يكونون بالمجرمين الّذين إذا شاهدوا أعواد المشنقة و أحسّوا بالحبل على رقابهم ندموا على جرائمهم و أفعالهم القبيحة،فمن الواضح أنّ مثل هذه التّوبة و هذا النّدم لا يعدّ فضيلة،و لا مفخرة و لا تكاملا،و لهذا لا يكون لها أيّ تأثير.

على أنّ هذه الآية لا تنافي الرّوايات الّتي نصّت على إمكان قبول التّوبة حتّى عند اللّحظة الأخيرة من الحياة، لأنّ المراد في هذه الرّوايات هي اللّحظات الّتي لم تظهر فيها بعد ملامح الموت و آثاره و طلائعه،و بعبارة أخرى لم تحصل لدى الشّخص العين البرزخيّة الّتي يقف بها على حقائق العالم الآخر.

هذا عن الطّائفة الأولى الّذين لا تقبل توبتهم،و هم من يتوبون عند ما تظهر أمام عيونهم ملامح الموت،و تبدو عليهم آثاره.

و أمّا الطّائفة الثّانية الّذين لا تقبل توبتهم،فهم الّذين يموتون كفّارا؛إذ يقول سبحانه:

وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ. و لقد ذكر اللّه سبحانه بهذه الحقيقة في آيات أخرى في القرآن الكريم.

و هنا ينطرح سؤال و هو:متى لا تقبل توبة الّذين يموتون كفّارا؟

احتمل البعض أن لا تقبل توبتهم في العالم الآخر، و احتمل آخرون أن يكون المراد من التّوبة-في هذا

ص: 170

المقام-ليس هو توبة العباد،بل توبة اللّه،يعني عود اللّه على العبد و عفوه و رحمته له.

و لكنّ الظّاهر هو أنّ الآية تهدف أمرا آخر،و تقول:

إنّ الّذين يتوبون من ذنوبهم حال العافية و الإيمان، و لكنّهم يموتون و هم كفّار لا تقبل توبتهم و لا يكون لها أيّ أثر.

و توضيح ذلك:إنّنا نعلم أنّ من شرائط قبول الأعمال:الموافاة على الإيمان،بمعنى أن يموت الإنسان مؤمنا،فالّذين يموتون و هم كفّار تحبط أعمالهم السّابقة حتّى الصّالحة منها،حسب صريح الآيات القرآنيّة.

و تنتفي فائدة توبتهم من ذنوبهم،حتّى إذا تابوا حال الإيمان في هذه الصّورة أيضا.

و خلاصة القول:أنّ قبول التّوبة مشروط بأمرين:

الأوّل:أن تتحقّق التّوبة قبل أن يرى الشّخص علائم الموت،و الثّاني:أن يموت و هو مؤمن.

ثمّ إنّه يستفاد من هذه الآية أيضا أنّ على الإنسان أن لا يؤخّر توبته؛إذ يمكن أن يأتيه أجله على حين غفلة فتغلق في وجهه أبواب التّوبة،و لا يتمكّن منها حينئذ.

و الملفت للنّظر أنّ تأخير التّوبة الّذي يعبّر عنه بالتّسويف قد أردف في الآية الحاضرة بالموت حال الكفر،و هذا يكشف عن أهمّيّة التّسويف و خطورته البالغة في نظر القرآن.

ثمّ يقول سبحانه في ختام الآية: أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً، و لا حاجة إلى التّذكير بأنّ للتّوبة مضافا إلى ما قيل شرائط أخرى مذكورة في آيات مشابهة من الكتاب العزيز.(3:139)

3- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. التّوبة:104

راجع«ق ب ل»يقبل.

4- وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ. الشّورى:25

الإمام عليّ عليه السّلام: روى جابر أنّ أعرابيّا دخل مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال:اللّهمّ إنّي أستغفرك و أتوب إليك،و كبّر.

فلمّا فرغ من صلاته قال له عليّ رضي اللّه عنه:

يا هذا إنّ سرعة اللّسان بالاستغفار توبة الكذّابين، و توبتك تحتاج إلى التّوبة.

فقال:يا أمير المؤمنين و ما التّوبة؟

قال:اسم يقع على ستّة معان:على الماضي من الذّنوب النّدامة،و لتضييع الفرائض الإعادة،و ردّ المظالم،و إذابة النّفس في الطّاعة كما ربّيتها في المعصية، و إذاقة النّفس مرارة الطّاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، و البكاء بدل كلّ ضحك ضحكته.(الزّمخشريّ 3:468)

السّدّيّ: هو صدق العزيمة على ترك الذّنوب، و الإنابة بالقلب إلى علاّم الغيوب.(النّسفيّ 4:106)

سريّ السّقطيّ: التّوبة:العزم على ترك الذّنوب، و الإقبال بالقلب إلى علاّم الغيوب.(ابن عطيّة 5:35)

التّستريّ: التّوبة:الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة.(البغويّ 4:145)

جنيد البغداديّ: هو الإعراض عمّا دون اللّه.

ص: 171

(النّسفيّ 4:106)

الطّبريّ: و اللّه الّذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد اللّه و طاعته،من بعد كفره.(25:28)

البغويّ: قيل:التّوبة:ترك المعاصي نيّة و فعلا، و الإقبال على الطّاعة نيّة و فعلا.(4:145)

الزّمخشريّ: التّوبة:أن يرجع عن القبيح و الإخلال بالواجب بالنّدم عليهما،و العزم على أن لا يعاود،لأنّ المرجوع عنه قبيح و إخلال بالواجب،و إن كان فيه لعبد حقّ لم يكن بدّ من التّقصّي على طريقه.

(3:468)

ابن عطيّة: ثمّ ذكر النّعمة في تفضّله بقبول التّوبة عن عباده،و قبول التّوبة فيما يستأنف العبد من زمنه و أعماله مقطوع به بهذه الآية.و أمّا ما سلف من أعماله فينقسم:فأمّا التّوبة من الكفر فماحية كلّ ما تقدّمها من مظالم العباد الفانية.

و أمّا التّوبة من المعاصي فلأهل السّنّة قولان:هل تذهب المعاصي السّالفة للعبد بينه و بين خالقه؟

فقالت فرقة:هي مذهبة لها،و قالت فرقة:هي في مشيئة اللّه تعالى،و أجمعوا على أنّها لا تذهب مظالم العباد.

[ثمّ ذكر معنى التّوبة كما تقدّم عنه في النّصوص اللّغويّة]

(5:35)

الفخر الرّازيّ: قد سبق البحث المستقصى عن حقيقة التّوبة في سورة البقرة،و أقلّ ما لا بدّ منه النّدم على الماضي و التّرك في الحال،و العزم على أن لا يعود إليه في المستقبل.(27:168)

نحوه أبو السّعود(6:18)،و البروسويّ(8:314).

الآلوسيّ: التّوبة:أن يرجع عن القبيح و الإخلال بالواجب في الحال،و يندم على ما مضى،و يعزم على تركه في المستقبل.

و زادوا التّقصّي منه بأيّ وجه أمكن إن كان الذّنب لعبد فيه حقّ،و ذلك بالرّدّ إليه أو إلى وكيله أو الاستحلال منه إن كان حيّا،و بالرّدّ إلى ورثته إن كان ميّتا و وحدوا،ثمّ القاضي لو كان أمينا و هو كالإكسير و من رأى الإكسير؟فإن لم يقدر على شيء من ذلك يتصدّق عنه،و إلاّ يدع له و يستغفر.

و في«الكشف»التّقصّي داخل في الرّجوع؛إذ لا يصحّ الرّجوع عنه و هو ملتبس به بعد،و اختير أنّ حقيقتها الرّجوع و إنّما النّدم و العزم ليكون الرّجوع إقلاعا،و يتحقّق أنّه التّوبة الّتي ندبنا إليها،و هو موافق لما في«الإحياء»من أنّها اسم لتلك الحالة بالحقيقة، و الباقي شروط التّحقّق.

و يشترط أيضا أن يكون الباعث على الرّجوع مع النّدم و العزم دينيّا،فلو رجع لمانع آخر من ضعف بدن أو غرم لذلك لم يكن من التّوبة من شيء.

و أشار الزّمخشريّ إلى ذلك بكون الرّجوع،لأنّ المرجوع عنه قبيح و إخلال بالواجب و خرج عنه ما لو رجع طلبا للثّناء أو رياء أو سمعة،لأنّ قبح القبيح معناه كونه مقتضيا للعقاب آجلا،و للذّمّ عاجلا،فلو رجع لما سبق لم يكن رجوعا لذلك.[ثمّ نقل كلام عليّ عليه السّلام في التّوبة و قال:]

و هذا يحتمل أن تكون التّوبة مجموع هذه الأمور، فالمراد أكمل أفرادها.و يحتمل أنّها اسم لكلّ واحد

ص: 172

منها،و الأوّل أظهر.

و اختلف في التّوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على البعض هل صحيحة أم لا؟و الّذي عليه الأصحاب أنّها صحيحة لظواهر الآيات و الأحاديث و صدق التّعريف عليها،و أكثر المعتزلة على أنّها غير صحيحة.

قال أبو هاشم منهم:لو تاب عن القبيح لكونه قبيحا وجب أن يتوب عن كلّ القبائح،و إن تاب عنه لا لمجرّد قبحه بل لغرض آخر لم تصحّ توبته.و تعقّب بأنّه يجوز أن يكون الباعث شدّة القبح أو أمرا دينيّا آخر،و أيضا يجري نظير هذا في فعل الحسن بل يقال:لو فعل الحسن لكونه حسنا وجب أن يفعل كلّ حسن،و إن فعله لغرض آخر لم يقبل،و فيه بحث.

و استدلّ المعتزلة بالآية على أنّه يجب عليه تعالى قبول التّوبة،و استدلّ أهل السّنّة بها على عدم الوجوب، لمكان التّمدّح و لا تمدّح بالواجب،و فيه أيضا بحث.

و الأنفع في هذا المقام أدلّة نفي الوجوب مطلقا عليه، عزّ و جلّ.(25:35)

المراغيّ: و التّوبة:النّدم على المعصية،و الإقلاع عنها،و العزم على عدم العودة إليها.و هذه شروط ثلاثة فيما بين العبد و ربّه،فإذا كملت صحّت التّوبة،و إن فقد واحد منها لم تكن توبة صحيحة،أمّا فيما يتعلّق بحقوق العباد فيزاد على ذلك أن يبرأ من حقّ صاحبها.

و من علامات التّوبة النّصوح:صدق العزيمة على ترك الذّنب،و ألاّ يجد له حلاوة في قلبه عند ذكره.

(25:41)

توبتهم

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ. آل عمران:90

ابن عبّاس: لن تقبل توبتهم لأنّها توبة غير خالصة؛إذ هم مرتدّون و عزموا على إظهار التّوبة لستر أحوالهم،و في ضمائرهم الكفر.(أبو حيّان 2:519)

لأنّها لم تكن عن قلب،و إنّما كانت نفاقا.

(الآلوسيّ 3:218)

لأنّها أظهرت الإسلام توبة فاطّلع اللّه تعالى و رسوله على سرائرهم.(الطّبرسيّ 1:472) أبو العالية :لن تقبل توبتهم من تلك الذّنوب الّتي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(ابن عطيّة 1:470)

تابوا من بعض،و لم يتوبوا من الأصل.

(الطّبريّ 3:343)

مجاهد :لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر.(أبو حيّان 2:519)

نفي توبتهم مختصّ بالحشرجة و الغرغرة و المعاينة.

(أبو حيّان 2:519)

مثله الحسن و قتادة و السّدّيّ(أبو حيّان 2:519)، و الجبّائيّ(الطّبرسيّ 1:472)،و نحوه الطّبريّ(3:

342)،و البغويّ(1:467).

الحسن :اليهود و النّصارى لن تقبل توبتهم عند الموت.(الطّبريّ 3:343)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 3:343)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين و قال:]

ص: 173

و أولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل هذه الآية، قول من قال:عني بها اليهود و أن يكون تأويله:أنّ الّذين كفروا من اليهود بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم عند مبعثه،بعد إيمانهم به قبل مبعثه،ثمّ ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذّنوب في كفرهم،و مقامهم على ضلالتهم،لن تقبل توبتهم من ذنوبهم الّتي أصابوها في كفرهم،حتّى يتوبوا من كفرهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يراجعوا التّوبة منه،بتصديق ما جاء به من عند اللّه.

و إنّما قلنا:ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصّواب، لأنّ الآيات قبلها و بعدها فيهم نزلت،فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها و بعدها إذ كانت في سياق واحد.

و إنّما قلنا:معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا في كفرهم من المعاصي،لأنّه جلّ ثناؤه قال: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ فكان معلوما أنّ معنى قوله: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ إنّما هو معنيّ به:لن تقبل توبتهم ممّا ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم،لا من كفرهم،لأنّ اللّه تعالى ذكره وعد أن يقبل التّوبة من عباده،فقال: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25،فمحال أن يقول عزّ و جلّ:أقبل و لا أقبل في شيء واحد.

و إذ كان ذلك كذلك،و كان من حكم اللّه في عباده أنّه قابل توبة كلّ تائب من كلّ ذنب،و كان الكفر بعد الإيمان أحد تلك الذّنوب الّتى وعد قبول التّوبة منها بقوله: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:89،علم أنّ المعنى الّذي لا تقبل التّوبة منه،غير المعنى الّذي تقبل منه.

و إذ كان ذلك كذلك،فالّذي لا تقبل منه التّوبة هو الازدياد على الكفر بعد الكفر،لا يقبل اللّه توبة صاحبه ما أقام على كفره،لأنّ اللّه لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه و ضلاله،فأمّا إن تاب من شركه و كفره و أصلح،فإنّ اللّه كما وصف به نفسه غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فإن قال قائل:و ما ينكر أن يكون معنى ذلك،كما قال من قال:فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله،أو توبته الأولى؟

قيل:أنكرنا ذلك،لأنّ التّوبة من العبد غير كائنة إلاّ في حال حياته،فأمّا بعد مماته فلا توبة،و قد وعد اللّه عزّ و جلّ عباده قبول التّوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم،و لا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عين،أنّ حكمه حكم المسلمين،في الصّلاة عليه و الموارثة،و سائر الأحكام غيرهما،فكان معلوما بذلك أنّ توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة،لم ينتقل حكمه من حكم الكفّار إلى حكم أهل الإسلام،و لا منزلة بين الموت و الحياة،يجوز أن يقال:لا يقبل اللّه فيها توبة الكافر.فإذا صحّ أنّها في حال حياته مقبولة،و لا سبيل بعد الممات إليها،بطل قول الّذي زعم أنّها غير مقبولة عند حضور الأجل.

و أمّا قول من زعم أنّ معنى ذلك:التّوبة الّتي كانت قبل الكفر فقول لا معنى له،لأنّ اللّه عزّ و جلّ لم يصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر،ثمّ كفر بعد إيمان.بل إنّما وصفهم بكفر بعد إيمان،فلم يتقدّم ذلك الإيمان كفر،كان للإيمان لهم توبة منه.فيكون تأويل ذلك على ما تأوّله قائل ذلك،و تأويل القرآن على ما كان موجودا في ظاهر التّلاوة-إذا لم تكن حجّة تدلّ على باطن خاصّ-أولى

ص: 174

من غيره،و إن أمكن توجيهه إلى غيره.(3:344)

الشّريف الرّضيّ: و من سأل عن معنى[الآية]

فقال:فحوى هذه الآية مخالفة لقولكم في وجوب التّوبة،لأنّ من مذهبكم أنّه سبحانه لا بدّ أن يقبل توبة التّائب مع بقاء التّكليف،و قد قال سبحانه: هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ... الشّورى:25،و ظاهر هذا الكلام يدلّ على أنّ قبول التّوبة غير واجب،و أنّه سبحانه متفضّل بذلك،و له ألاّ يفعله كسائر ما يتفضّل به.

فالجواب:أنّ إطلاق اسم التّوبة هاهنا من غير صفة تدلّ على صحّتها أو بطلانها لا تعلّق فيه لخصومنا،لأنّ التّوبة عندنا لها شرائط،متى لم تكن مطابقة لها و واقعة عليها كانت غير مقبولة.و يجري ذلك مجرى قولهم:

«حجّة»،في أنّها قد تكون صحيحة لازمه،و قد تكون باطلة داحضة.فإذا كانت على الوجوه الّتي يجب أن تكون عليها،وصفت بالصّحّة و الثّبات،و إن كانت على ضدّ ذلك وصفت بالبطلان و الاندحاض،أ لا ترى إلى قوله تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الشّورى:

16،فسمّاها:حجّة،و وصفها مع ذلك بأنّها داحضة، لا تنصر قائلها و لا تنفع المدلي بها.

فلهذا قد تسمّى التّوبة:توبة،و هي مع ذلك غير مقبولة،لأنّها لم تقع مطابقة لشرائطها،و على ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً التّحريم:8.[إلى أن قال:]

فبان أنّ التّوبة قد تقع على وجوه فتكون مقبولة، و قد تقع على خلاف تلك الوجوه فتكون غير مقبولة، و هذا يوضّح الغرض الّذي رمينا إليه.

و بعد،فإنّه سبحانه أخبر في هذه الآية-الّتي كلامنا فيها-أنّه لا يقبل توبة القوم الّذي وصفهم بما وصفهم به، و لم يخبر سبحانه على أيّ وجه وقعت توبتهم؛و قد ثبت أنّه لا يجب قبول كلّ ما يقع عليه اسم التّوبة.أ لا ترى أنّ التّائب لو تاب من القبيح لا لقبحه بل لأمر آخر لم تكن تلك التّوبة مقبولة،و كذلك المعاين عند حضور أجله، و انقطاع أمله و زوال لوازم التّكليف عنه،و حصوله مضطرّا إلى المعرفة ملجأ إلى التّحرّز من ضرر العقوبة، لا تقبل توبته،و يصحّح ذلك قوله سبحانه: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18،و كذلك توبة أهل النّار،لأنّهم ملجئون إلى ألاّ يفعلوا القبيح،و لذلك لا يلزم من أساء إليه غيره أن يقبل اعتذاره،و هو عاجز من الاساءة في المستقبل.

فإذا صحّ ذلك فمن أين للخصوم أنّه سبحانه لا يقبل توبة هؤلاء الّذين تابوا،و قد وقعت توبتهم على الوجه الّذي يوجب قبولها منهم!فظاهر هذا الكلام على ما قدّمناه لا يدلّ على ذلك،لأنّه تعالى أضاف«التّوبة» إليهم و هي لا تقع منهم على كلّ وجه يصحّ وقوعها، فادّعاء العموم في جهاتها لا يصحّ.

و قد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك:أنّ التّوبة المتقدّمة الّتي كانت قبل الكفر و قبل الازدياد منه لا تقبل منهم،و قد ازدادوا الآن كفرا،لأنّه تعالى قد أخبر أنّهم كانوا قبل ذلك مؤمنين بقوله: كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فبيّن سبحانه بهذا أنّ توبتهم وقعت محبطة بالكفر الّذي ردفها و وقع في عقبها،و إنّما تكون التّوبة نافعة إذا استمرّ

ص: 175

التّائب على طريقة الصّلاح،و بعد من قبائح الأفعال، و خرج عن الإصباب (1)و الإصرار،إلى الإشفاق و الحذار،أ لا ترى إلى قوله تعالى: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ المؤمن:7،فلم يجتز بقوله:(تابوا) حتّى قال: وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، أي لازموا الطّريقة الصّالحة،و فارقوا الأعمال الموبقة.

و يحتمل ذلك أيضا أن يكون هؤلاء القوم أظهروا التّوبة و لم يعتقدوها بل عزموا في المستقبل على إثبات أمثال ما تابوا منه،و لم يندموا على ما فعلوه لقبحه،و هذان الأمران-أعني النّدم على فعل القبيح لأنّه قبيح،و العزم على ترك معاودة مثله في المستقبل-طنبا التّوبة و عموداها اللّذان بهما تقوم و عليهما تستقيم،فإذا أخلّ بهما أو بواحد منهما كانت التّوبة معتلّة غير سليمة، و معوجّة غير قويمة.

و قد روي أنّ هذه الآية نزلت في قوم ارتدّوا مع الحارث بن سويد بن الصّامت الأنصاريّ و لحقوا بمكّة،ثمّ راجع الحارث الإسلام و وفد إلى المدينة،فتقبّل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله توبته،فقال من بقي من أصحابه على الرّدّة:

«نقيم بمكّة ما أردنا،فإذا صرنا إلى أهلنا رجعنا إلى المدينة و أظهرنا التّوبة،فقبلت منّا كما قبلت من الحارث قبلنا.

فهذا الخبر يدلّ على أنّهم عزموا على إظهار التّوبة بألسنتهم عياذا و ليسوا بعاقدين عليها إخلاصا،فلذلك قال سبحانه: وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ، لأنّهم لو حقّقوا التّوبة و أخلصوا فيها،لكانت مقبولة منهم و محسوبة لهم.

يبيّن ذلك قوله تعالى أمام هذه الآية: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:89،و معنى الإصلاح هاهنا:الإخلاص في التّوبة،حتّى يكون الباطن كالظّاهر و الخافي كالعالن، فأخبر سبحانه أنّه لا يقبل من التّوبة إلاّ ما عقدت عليه القلوب و الضّمائر،و صدّقته الأفعال و الظّواهر.

و قال بعضهم:إنّما قال سبحانه: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، لأنّهم تابوا من الكفر الزّائد،و ثبتوا على الأصل الثّابت، فلذلك كانت توبتهم غير مقبولة،و قيل:بل تابوا من الكفر الأوّل و لم يتوبوا من الكفر الثّاني،فكان كفرهم واقعا بعد التّوبة،فلذلك لم يقبل منهم.

و قد يجوز عندي-و اللّه أعلم-أن يكون المراد بذلك لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ أي لا تقبل توبتهم و هم على هذه الصّفة من كونهم ضالّين،فيكون قوله تعالى: وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ حالا،و لا يكون ابتداء و خبرا.فنفى تعالى قبول التّوبة منهم و هم في حال الضّلال،لأنّ التّوبة-كما بيّنّا أوّلا-لا يجب قبولها إلاّ مع الإخلاص و التّحقيق،و بقاء العقد و الضّمير.أ لا ترى إلى قوله تعالى في الآية الّتي فيها يذكر النّساء: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:145،فذكر تعالى بعد ذكر التّوبة،الإصلاح و الإخلاص،لأنّ التّوبة إن لم يتبعها ذلك لم تسمّ توبة و لم تسقط عقوبة.

و قد دخلت على بعض العلماء (2)شبهة،فزعم أنّهر.

ص: 176


1- الإصباب بالمهملة:مصدر أصب،إذا أخذ في الصّبب بفتحتين و هو ما انحدر من الأرض،و يحتمل الإضباب بالمعجمة من أضب الشّيء أو على الشّيء إذا لزمه فلم يفارقه أو أمسكه فيكون بمعنى الإصرار.
2- هو:ابن جرير.

لا يجوز أن يكون أراد بقوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ عند حضور الموت،و جعل علّته في ذلك أنّ الكافر إذا أسلم قبل موته و لو بطرفة عين،فحكمه حكم من أسلم قبل ذلك بالأيّام الكثيرة و المدّة الطّويلة:في الصّلاة عليه و الدّفن له،و في الموارثة،و سائر الأحكام الجارية في الشّريعة.و ذهب عليه أنّه قد يجوز تعبّدنا بذلك كلّه فيه مع كونه ملجأ إلى إظهار الإيمان،كما تعبّدنا في المنافقين بإجراء أحكام المسلمين عليهم،و إن كانوا كفّارا بنفاقهم، فكان العمل على صلاح الظّواهر مع العلم بفساد البواطن.

(حقائق التّأويل:277-282)

عبد الجبّار: مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّ التّوبة لا يجب قبولها،و أنّه متفضّل بذلك، و له أن يمنع منها.[و ذكر الآية]

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهر قوله: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ لا يدلّ على أنّ التّوبة على أيّ وجه وقعت، و قد تقع عندنا على وجه لا يجب قبولها،لأنّ المعاين إذا حضره الموت و حصل مضطرّا إلى معرفة اللّه تعالى، لا تقبل توبته،كما قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18،و لذلك لا تقبل توبة أهل النّار لما كانوا ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح،و لذلك لا يلزم المساء إليه أن يقبل الاعتذار من العاجز عن إساءته.

فإذا صحّ ذلك،فمن أين أنّه تعالى لا يقبل توبتهم و قد وقعت على الوجه الّذي يجب قبولها،و ظاهر الكلام -على ما بيّنّاه-لا يدلّ على ذلك،لأنّه أضاف التّوبة إليهم،و هي لا تقع منهم على كلّ وجه يصحّ وقوعها، فادّعاء العموم في جهاتها لا يصحّ.

و يجوز أن يكون المراد بذلك:أنّ التّوبة المتقدّمة لا تقبل،و قد ازدادوا الآن كفرا،ليتبيّن بذلك أنّ التّوبة وقعت محبطة بالكفر الّذي وليها،و أنّها إنّما تنفع إذا استمرّ التّائب على الصّلاح.و بيّن أنّه تعالى إذا لم يقبل توبتهم و قد ازدادوا كفرا،فهم ضالّون،لأنّ العقاب-على ما بيّنّاه-هو الضّلال و الهلاك.(متشابه القرآن 1:151)

الطّوسيّ: إن قيل:لم لم تقبل التّوبة من هذه الفرقة؟

قيل:لأنّها كفرت بعد إيمانها ثمّ ازدادت كفرا إلى انقضاء أجلها،فحصلت على ضلالتها،فلم تقبل منها التّوبة الأولى في حال كفرها بعد إيمانها،و لا التّوبة الثّانية في حال إيجابها.

و قيل:إنّما لم تقبل توبتهم لأنّهم لم يكونوا فيها مخلصين،بدلالة قوله: وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ [ثمّ نقل كلام الطّبريّ و جواب السّيّد الرّضيّ و قال:]

و إنّما لم يجز قبول التّوبة في حال الإلجاء إليه،لأنّ فعل الملجأ كفعل المكره في سقوط الحمد و الذّمّ،و قد قال اللّه تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ...

النّساء:17،و قال: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا المؤمن:84،85.

فأمّا إذا عاد في الذّنب،فلا يعود إليه العقاب الّذي سقط بالتّوبة،لأنّه إذا تاب منه صار بمنزلة ما لم يعمله، فلا يجوز عقابه عليه،كما لا يجوز عقابه على ما لم يعمله، سواء قلنا:إنّ سقوط العقاب عند التّوبة كان تفضّلا أو

ص: 177

واجبا.و قد دلّ السّمع على وجوب قبول التّوبة و عليه إجماع الأمّة،و قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الشّورى:25،و قال: غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ المؤمن:3،و غير ذلك من الآي.(2:527)

الزّمخشريّ: إن قلت:قد علم أنّ المرتدّ كيفما ازداد كفرا فإنّه مقبول التّوبة إذا تاب،فما معنى لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ؟

قلت:جعلت عبارة«عن الموت»على الكفر،لأنّ الّذي لا تقبل توبته من الكفّار هو الّذي يموت على الكفر، كأنّه قيل:إنّ اليهود أو المرتدّين الّذين فعلوا ما فعلوا مائتون على الكفر،داخلون في جملة من لا تقبل توبتهم.

فإن قلت:فأيّ فائدة في هذه الكناية،أعني أن كنّي «عن الموت»على الكفر بامتناع قبول التّوبة؟

قلت:الفائدة فيها جليلة و هي التّغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفّار،و إبراز حالهم في صورة حال الآيسين من الرّحمة الّتي هي أغلظ الأحوال و أشدّها، أ لا ترى أنّ الموت على الكفر إنّما يخاف من أجل اليأس من الرّحمة.(1:443)

ابن عطيّة: عند المعاينة[ثمّ نقل قول أبي العالية و قال:]

فإنّهم كانوا يقولون في بعض الأحيان:نحن نتوب من هذه الأفعال،و هم مقيمون على كفرهم،فأخبر اللّه تعالى أنّه لا يقبل تلك التّوبة.

و تحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدّين،ختم اللّه عليهم بالكفر،و جعل ذلك جزاء لجريمتهم و نكايتهم في الدّين،و هم الّذين أشار إليهم بقوله: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً آل عمران:

86،فأخبر عنهم أنّهم لا تكون لهم توبة فيتصوّر قبولها، فتجيء الآية بمنزلة قول الشّاعر:

*على لا حب لا يهتدي بمناره*

أي قد جعلهم اللّه من سخطه في حيّز من لا تقبل له توبة إذ ليست لهم،فهم لا محالة،يموتون على الكفر، و لذلك بيّن حكم الّذين يموتون كفّارا بعقب الآية،فبانت منزلة هؤلاء،فكأنّه أخبر عن هؤلاء المعيّنين أنّهم يموتون كفّارا.(1:470)

الطّبرسيّ: لأنّها لم تقع على وجه الإخلاص، و يدلّ عليه قوله: وَ أُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ. و لو حقّقوا في التّوبة لكانوا مهتدين.[ثمّ نقل بعض أقوال المفسّرين و أضاف:]

و قد دلّ السّمع على وجوب قبول التّوبة إذا حصلت شرائطها،و عليه إجماع الأمّة.(1:472)

الفخر الرّازيّ: [ذكر أقوال بعض المفسّرين و أضاف:]

و أقول:جملة هذه الجوابات إنّما تتمشّى على ما إذا حملنا قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً على المعهود السّابق لا على الاستغراق،و إلاّ فكم من مرتدّ تاب عن ارتداده توبة صحيحة،مقرونة بالإخلاص في زمان التّكليف.

فأمّا الجواب الّذي حكيناه عن القفّال و القاضي (1)، فهو جواب مطّرد،سواء حملنا اللّفظ على المعهود السّابق أو على الاستغراق.(8:139)ر.

ص: 178


1- تقدّم في كلام القاضي عبد الجبّار.

النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

أقول:و يحتمل أن يكون لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ جعل كناية عن الموت على الكفر،كأنّه قيل:إنّ اليهود و المرتدّين المصرّين على الكفر ما يتوبون عن الكفر،لما في فعلهم من قساوة القلوب و الإفضاء إلى الرّين، و انجراره إلى الموت على حالة الكفر.

و فائدة هذه الكناية تصوير كونهم آيسين من الرّحمة.هذا إذا خصّصنا اليهود و المرتدّين بالمصرّين.

و أمّا على تقدير التّعميم،فنقول:إنّما يجعل الموت على الكفر لازما لازدياد كفرهم،لأنّ القضيّة حينئذ لا تكون كلّيّة،فكم من مرتدّ أو يهوديّ مزداد للكفر لا بمعنى الإصرار،يرجع إلى الاسلام و لا يموت على الكفر.فاكتفى بذكر لازم الموت على الكفر،و هو عدم قبول التّوبة،حتّى برز الكلام في معرض الكناية.

و من المعلوم أنّها ذكر اللاّزم و إرادة الملزوم،و أنّه لا بدّ للعدول من فائدة،فصحّ أن نبيّن فائدة العدول على وجه يصيّر القضيّة كلّيّة،و هي التّغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفّار،و إبراز حالهم في صورة حال الآيسين من الرّحمة،الّتي هي أغلظ الأحوال و أشدّها.

أ لا ترى أنّ الموت على الكفر إنّما يخاف لأجل اليأس من الرّحمة،و هذا هو الّذي عوّل عليه في«الكشّاف».

و الحاصل أنّه كأنّه قيل:إنّ اليهود و المرتدّين الّذين فعلوا ما فعلوا من حقّهم،أن لا تقبل توبتهم.(3:245)

أبو حيّان :و يحتمل قوله: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وجهين:

أحدهما:أنّه تكون منهم توبة و لا تقبل،و قد علم أنّ توبة كلّ كافر تقبل سواء كفر بعد إيمان و ازداد كفرا أم كان كافرا أوّل مرّة،فاحتيج في ذلك إلى تخصيص.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

و قيل:لن تقبل توبتهم الّتي تابوها قبل أن كفروا، لأنّ الكفر قد أحبطها.

و قيل:لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر، و إنّما تقبل إذا تابوا إلى الإسلام،و فاصل هذا التّخصيص أنّه تخصيص بالزّمان أو بوصف في التّوبة.

و الوجه الثّاني:أن يكون المعنى لا توبة لهم فتقبل، فنفى القبول و المراد نفي التّوبة،فيكون من باب قوله:

*على لاحب لا يهتدى لمناره*

أي لا منار له فيهتدى به،و يكون ذلك في قوم بأعيانهم،حتم اللّه عليهم بالكفر،أي ليست لهم توبة، فهم لا محالة يموتون على الكفر.(2:519)

الشّربينيّ: إن قيل:قد وعد اللّه تعالى قبول توبة من تاب فما معنى قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ؟

أجيب:بأنّ محلّ القبول إذا كان قبل الغرغرة و هؤلاء توبتهم كانت بعدها،و إنّهم لم يتوبوا أصلا،فكنّى عن عدم توبتهم بعدم قبولها،أو أنّ توبتهم لا تكون إلاّ نفاقا.

(1:230)

أبو السّعود :لأنّهم لا يتوبون إلاّ عند إشرافهم على الهلاك،فكنّى عن عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظا في شأنهم،و إبرازا لحالهم في صورة حال الآيسين من الرّحمة،أو لأنّ توبتهم لا تكون إلاّ نفاقا لارتدادهم و ازديادهم كفرا،و لذلك لم تدخل فيه الفاء.(1:389)

مثله البروسويّ(2:61)،و نحوه القاسميّ(4:

ص: 179

884)،و عبد الكريم الخطيب(2:521).

الآلوسيّ: و قيل:إنّ هذا من قبيل:

*و لا ترى الضّبّ بها ينجحر*

أي لا توبة لهم حتّى تقبل،لأنّهم لم يوفّقوا لها،فهو من قبيل الكناية-كما قال العلاّمة[أبو السّعود]-دون المجاز حيث أريد بالكلام معناه،لينتقل منه إلى الملزوم.

و على كلّ تقدير لا ينافي هذا ما دلّ عليه الاستثناء و تقرّر في الشّرع،كما لا يخفى.

و قيل:إنّ هذه التّوبة لم تكن عن الكفر و إنّما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه،فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر،فردّت عليهم لذلك.

و يؤيّده ما أخرجه ابن جرير عن أبي العالية.[و قد تقدّم]

و تجيء على هذا مسألة تكليف الكافر بالفروع، و قد بسط الكلام عليها في«الأصول».(3:218)

رشيد رضا :يعدّونه من المشكلات؛إذ هو مخالف في الظّاهر للآية السّابقة،و لمثل قوله: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ... الشّورى:25.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

فأنت ترى أنّ هذه الأقوال-و هي أظهر ما قيل في الآية-منها ما يرجع إلى وقت التّوبة،و منها ما يتعلّق بالذّنب الّذي تيب عنه.و للأستاذ الإمام وجه يتعلّق بصفة التّوبة و كيفيّتها،فقد ذكر في الدّرس أنّ أولئك الكافرين الّذين ازدادوا كفرا قد يحدث لهم في أنفسهم ألم من مقاومة الحقّ،و قد يحملهم ذلك الألم على ترك بعض الذّنوب و الشّرور.

قال:فهذا النّوع من التّوبة لا يقبل منهم ما لم يصلحوا أمرهم و يخلصوا للّه في اتّباع الحقّ و نصرته.فالتّوبة الّتي يزعمونها على ما هم عليه من مقاومة المحقّين لا يقبلها اللّه تعالى،يعني أنّه قد يقع من هؤلاء نوع من التّوبة لا يكون مطهّرا لأنفسهم من جميع ما لصق بها من الكفر و الأوزار.

و ليس هذا عين قول من قال:إنّ توبتهم هذه الّتي لا تقبل هي توبة في الظّاهر دون الباطن،و باللّسان دون القلب، فإنّ ذلك نفي للتّوبة و هذا إثبات لها،بل هو قريب من قول ابن جرير الّذي هو أظهر الأقوال السّابقة.

و قد يكون مراد الأستاذ الإمام:أنّ النّفوس قد توغل في الشّرّ و تتمكّن في الكفر حتّى تحيط بها خطيئتها،و تصل إلى ما عبّر عنه القرآن:بالرّين و الطّبع و الختم على القلوب.فإذا كان صاحب هذه النّفس قد جحد الحقّ عنادا و استكبارا و ضلّ على علم،فلا يبعد أن تحدّثه نفسه بالتّوبة و أن يحاولها،و لكن يكون له في نفسه من الموانع و الحوائل دون قبولها للخير و الحقّ ما يكون هو السّبب لعدم قبولها.

فإنّ قبول التّوبة المستلزم لمغفرة ذنب التّائب،ليس من قبيل العطاء الجزاف و الأمر الأنف،و إنّما بموافقة سنن اللّه في الفطرة الإنسانيّة،ذلك أنّ من مقتضى الفطرة السّليمة أن يحدث لها-العلم بقبح الذّنب و سوء عاقبته- ألما يحملها على تركه و محو أثره المدنّس لها،بعمل صالح يحدث فيها أثرا مضادّا لذلك الأثر.

و بهذا تكون التّوبة معدّة صاحبها و مؤهّلة له للمغفرة الّتي هي ترك العقوبة على الذّنب المترتّب على محو سببه، و هو تدنيس النّفس و تدسيتها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:9،10.

ص: 180

و بهذا تكون التّوبة معدّة صاحبها و مؤهّلة له للمغفرة الّتي هي ترك العقوبة على الذّنب المترتّب على محو سببه، و هو تدنيس النّفس و تدسيتها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:9،10.

فإذا بلغت التّدسية من بعضها مبلغا تتعذّر معه التّزكية على مريدها أو محاولها،صحّ أن يعبّر عن ذلك بعدم قبول توبة صاحب هذه النّفس،مثال ذلك الثّوب الأبيض النّاصع يصيبه لوث،فيستقبح ذلك صاحبه فيغسله فينظف.فإذا كان اللّوث قليلا و بادر إلى غسله بعيد طروئه،يرجى أن يزول حتّى لا يبقى له أثر.و لكن هذا الثّوب إذا دسّ في الأقذار سنين كثيرة حتّى تخلّلت جميع خيوطه،و تمكّنت منها فاصطبغ بها صبغة جديدة ثابتة،تعذّر تنظيفه و إعادته إلى نصاعته الأولى.

و بين هذه الدّرجة و ما قبلها درجات كثيرة،و قد أشير إلى الطّرفين بقوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:17، وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18.(3:366)

نحوه المراغيّ.(3:208)

عزّة دروزة :و لقد تعدّدت تأويلات المفسّرين لمفهوم الآية:90 من سورة آل عمران الّذي يمنع قبول توبة الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا،فقال بعضهم:إنّها تعني أن لا تقبل توبتهم ما داموا مشتدّين في كفرهم.

و قال بعضهم:لا تقبل منهم أعمال خير و هم على كفرهم،و هذا و ذاك من تحصيل الحاصل.

و قال بعضهم:لا تقبل توبتهم حين الظّفر بهم،لأنّ توبتهم تكون غير صادقة.

و قال بعضهم:لا تقبل توبتهم إذا تابوا حين الموت.

و قد يكون في القولين الأخيرين الوجاهة و الصّواب.و في سورة النّساء آيات تؤيّد القول الأخير خاصّة،حيث جاء فيها إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ الآية، النّساء:17،18.

و يتبادر لنا إلى ذلك أنّ أسلوب الآية و الآية الّتي تليها هو أسلوب تعبيريّ في صدد شدّة الإنذار،تتناسب مع فضاعة العمل.(8:126)

الطّباطبائيّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً إلى آخر الآيتين،تعليل لما يشتمل عليه قوله أوّلا: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا... آل عمران:

86،و هو من قبيل التّعليل بتطبيق الكلّيّ العامّ على الفرد الخاصّ.

و المعنى أنّ الّذي يكفر بعد ظهور الحقّ و تمام الحجّة عليه،و لا يتوب بعده توبة مصلحة إنّما هو أحد رجلين:

إمّا كافر يكفر ثمّ يزيد كفرا فيطغى،و لا سبيل للصّلاح إليه،فهذا لا يهديه اللّه و لا يقبل توبته،لأنّه لا يرجع بالحقيقة بل هو منغمر في الضّلال،و لا مطمع في اهتدائه.

و إمّا كافر يموت على كفره و عناده من غير توبة يتوبها،فلا يهديه اللّه في الآخرة بأن يدخله الجنّة؛إذ لم يرجع إلى ربّه،و لا بدل لذلك حتّى يفتدي به،و لا شفيع و لا ناصر حتّى يشفع له أو ينصره.(3:341)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر الوجوه المذكورة عن المفسّرين،في عدم قبول التّوبة و أضاف:]

لا بدّ أن نضيف هنا أنّ التّفاسير المذكورة آنفا

ص: 181

لا تعارض بينها،و قد تشملها الآية جميعا،و أن يكون التّفسير الأوّل[و هو التّوبة الظّاهريّة لا الواقعيّة] أقرب إلى الآيات السّابقة و إلى سبب نزول هذه الآية.

(2:443)

التّوب

غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ... المؤمن:3

الطّبريّ: إنّ(التّوب)قد يكون جمع توبة،كما يجمع الدّومة دوما،و العومة عوما،من عومة السّفينة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يكون مصدر:تاب يتوب توبا.(24:41)

نحوه الماورديّ(5:142)،و الطّوسيّ(9:54)، و البغويّ(4:104)،و الميبديّ(8:448).

الزّمخشريّ: التّوب و الثّوب و الأوب:أخوات، في معنى الرّجوع.(3:412)

الفخر الرّازيّ: في لفظ(التّوب)قولان:الأوّل:أنّه مصدر،و هو قول أبي عبيدة.و الثّاني:أنّه جماعة التّوبة، و هو قول الأخفش.

قال المبرّد: يجوز أن يكون مصدرا،يقال:تاب يتوب توبا و توبة،مثل قال يقول قولا و قولة.و يجوز أن يكون جمعا ل«توبة»فيكون:توبة و توب،مثل ثمرة و ثمر إلاّ أنّ المصدر أقرب،لأنّ على هذا التّقدير يكون تأويله أنّه يقبل هذا الفعل.(27:27)

نحوه القرطبيّ.(15:291)

أبو حيّان :و(التّوب)يحتمل أن يكون كالذّنب اسم جنس،و يحتمل أن يكون جمع«توبة»كبشر و بشرة و ساع و ساعة.(7:449)

البروسويّ: و(التّوب)مصدر كالتّوبة و هو ترك الذّنب،على أحد الوجوه،و هو أبلغ وجوه الاعتذار، فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه:إمّا أن يقول المعتذر:لم أفعل،أو يقول:فعلت لأجل كذا،أو فعلت و أسأت و قد اقلعت،و لا رابع لذلك،و هذا الثّالث هو التّوبة.[ثمّ بيّن معنى التّوبة،كما تقدّم](8:150)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: التّوبة على ثلاثة أوجه:

أحدها:الرّجوع من الذّنب،كقوله: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا البقرة:160،و نظيرها في النّساء:146، إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ، و قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ النّساء:17، و قوله: أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ المائدة:74، و قوله: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ المائدة:34،و قوله: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ التّوبة:5،11،و قوله: ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:54،و قوله: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ مريم:60،و الفرقان:70.

و الثّاني:التّجاوز،كقوله: إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:37،54،و قوله: فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ البقرة:160،و قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ... فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ النّساء:17،و قوله: يَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ الأحزاب:73.

و الثّالث:النّدامة،كقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا

ص: 182

التّوبة:118.(152)

نحوه الدّامغانيّ.(177)

الفيروزآباديّ: ورد«التّوبة»في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأوّل:بمعنى التّجاوز و العفو،و هذا مقيّد ب«على»:

فَتابَ عَلَيْكُمْ البقرة:54، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ الأحزاب:24، وَ يَتُوبُ اللّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ التّوبة:15.

الثّاني:بمعنى الرّجوع و الإنابة،و هذا مقيّد ب«إلى»:

تُبْتُ إِلَيْكَ الأحقاف:15، تُوبُوا إِلَى اللّهِ التّحريم:8، فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ البقرة:54.

الثّالث:بمعنى النّدامة على الزّلّة،و هذا غير مقيّد لا ب«إلى»و لا ب«على»: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا البقرة:160، فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ التّوبة:3.

(2:308)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّوبة،و هي الرّجوع إطلاقا ثمّ خصّت بالرّجوع إلى اللّه عن المعصية،يقال:

تاب إلى اللّه يتوب توبا و توبة و متابا،أي أناب و رجع عن المعصية إلى اللّه،فهو تائب و توّاب.و تاب اللّه عليه:

عاد عليه بالمغفرة،فهو توّاب،لأنّ توبته عليه بفضله إذا تاب إليه من ذنبه،و استتبت فلانا:عرضت عليه التّوبة ممّا اقترف،أي الرّجوع و النّدم على ما فرط منه.

2-و يبدو أنّ التّوبة بهذا المعنى من الألفاظ الإسلاميّة،كالإيمان و الإسلام و الكفر و النّفاق و غيرها، رغم أنّ ابن فارس لم يذكرها في باب«الأسباب الإسلاميّة»من كتاب«الصّاحبيّ»،و لا السّيوطيّ في «معرفة الألفاظ الإسلاميّة»من كتاب«المزهر»؛إذ يعضده ما ذكره ابن عبّاد في«المحيط»أنّ«التّوبة:

الإسلام،يقال:أدرك فلان زمن التّوبة».و عقّب الزّمخشريّ في«الأساس»معلّلا:«لأنّه يتاب فيه من الشّرك».

3-و من الغريب أنّ«آرثر جفري»قد فرّق بين «تاب»و«توّاب»في«مفرداته»،و أفرد لكلّ منهما فصلا،فزعم جازما أنّ«تاب»لفظ آراميّ الأصل، و نقل عن ندّه«بارسكي»أنّ لفظ«توّاب»ليس مشتقّا من«تاب»،بل هو لفظ مستقلّ،دخل العربيّة من الآراميّة أيضا!

و لكن غاب عن ذهنه الوقّاد أنّه لم يأت الفعل «تاب»في اللّغات السّاميّة إلاّ في العربيّة،و ما ذكر هو «ثاب»بالثّاء بنفس المعنى في هذه اللّغات و منها العربيّة، يقال:ثاب يثوب ثوبا و ثوبانا:رجع،فقلبت الثّاء تاء في الآراميّة و السّريانيّة،و شينا في العبريّة،كما هو مطّرد في هذه اللّغات،لعدم وجود الثّاء فيها،فجاء في الآراميّة بلفظ«توب»و في السّريانيّة«تب»،و في العبريّة «شوب».

و أمّا لفظ«التّوّاب»المشتقّ من هذه المادّة،فلم نعثر عليه في سائر اللّغات السّاميّة،اللّهمّ إلاّ كلام لبعض المستشرقين-مثل«بارسكي»الآنف الذّكر-يشوبه تمحّل واضح،لا يسمن و لا يغني من جوع.

ص: 183

الاستعمال القرآنيّ

جاء ماضيا و مضارعا و أمرا و مصدرا و اسم فاعل في (59)آية،و لها محوران،و قد يتداخلان:

ألف:التّوبة من اللّه على العباد:(20)آية و تضاف إليها آيات التّوّاب وصفا للّه و هي(8)آيات:

1- فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:37

2- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:54

3- ...عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ... البقرة:187

4- فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:39

5- وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ... المائدة:71

6- لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:117

7- وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ التّوبة:118

8- ...وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:121،122

9- أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المجادلة:13

10- ...وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ... المزّمّل:20

11- رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:128

12-13- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً النّساء:17،18

14- يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّساء:26

15- وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً النّساء:27

16- وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:15

17- ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:27

18- لِيُعَذِّبَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ وَ يَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:73

ص: 184

18- لِيُعَذِّبَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ وَ يَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:73

19- وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:102

20- وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:106

ب:التّوبة إلى اللّه:(39)آية:

21- إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً مريم:60

22- وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى طه:82

23- إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان:70

24- وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً الفرقان:71

25- فَأَمّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ القصص:67

26- وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً

النّساء:16

27- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ البقرة:160

28- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:89

29- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:146

30- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. النّور:5

31- وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَ آمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الأعراف:153

32- ...كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:54

33- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ النّحل:119

34- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:34

35- ...فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:5

36- فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

التّوبة:11

37- رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ

المؤمن:7

38- ...فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143

39- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ... التّحريم:4

ص: 185

39- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ... التّحريم:4

40- ...فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ التّوبة:74

41- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ

البروج:10

42- أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ التّوبة:126

43- وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً... هود:3

44- وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ هود:52

45- ...هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ

هود:61

46- وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ هود:90

47- وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النّور:31

48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً... التّحريم:8

49- وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ الشّورى:25

50- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ التّوبة:104

51- وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ وَ أَنَّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ النّور:10

52- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ... وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ الحجرات:12

53- ...فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً النّساء:64

54- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً النّصر:3

55- ...إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ

البقرة:222

56- اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ...

التّوبة:112

57- ...مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ التّحريم:5

58- ...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ... النّساء:92

59- ...قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ الرّعد:30

يلاحظ أوّلا:أنّ«التّوبة»صنفان:توبة من اللّه على العباد،و توبة من العباد إلى اللّه،و الآيات(1-20) و(26)و(27)و(49)إلى(54)ترجع إلى الصّنف الأوّل،و هي(29)آية،و الآيات(21-48)و(2)و(4) و(7)و(12)و(13)من الصّنف الثّاني،و المجموع(32) آية،فهناك آيات جمع فيها الصّنفان،و سنتحدّث عنها.

ثانيا:أنّ«التّوبة»في الصّنف الأوّل تعدّت في كثير من آياتها ب«على»،و معناها رجوع اللّه على العباد

ص: 186

رجوع رحمة،و«على»لاستعلاء اللّه على العباد حين يتوب عليهم،لأنّه المتعال على كلّ شيء.

و جاءت أكثر آيات الصّنف الثّاني بدون متعلّق، مثل: وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً... و قد تعدّت بعضها ب«إلى»،مثل:(24): فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً، و(38): سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ و(39): إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ، و في(43-46): ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، و في(47) و(48): تُوبُوا إِلَى اللّهِ، و في(59): وَ إِلَيْهِ مَتابِ.

و معنى ذلك أنّ العباد يرجعون من الموضع الدّاني إلى اللّه المتعالي،و هذا هو الفارق بين«تاب على»و«تاب إلى»،فالأوّل خاصّ باللّه ربّ العباد،و الثّاني خاصّ بالعباد.

ثالثا:و قد يتغيّر الأسلوب فيهما،ففي صدر(12):

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فانعكس الأمر،حيث تعلّق«على» باللّه،و«اللاّم»بالنّاس،فيتوهّم أنّها صنف ثالث بإزائهما.و ليست كذلك،بل معناها أنّ اللّه أخذ على نفسه للنّاس أن يتوب لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، فتدلّ على أنّ توبة اللّه عليهم تتحقّق عقيب توبتهم،فهي من القسم الأوّل كما سيأتي.

رابعا:«التّوبة»إلى اللّه قسمان:ففي بعض الآيات مقدّمة على توبة اللّه عليهم،و في بعضها متأخّرة عنها.

فمن الأوّل الآية(12)،فإنّ الّذين يعملون السّوء بجهالة إذا تابوا إلى اللّه فعند ذلك يتوب اللّه عليهم،كما قال في ذيلها: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ. و مثلها(2):

فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ... فَتابَ عَلَيْكُمْ، و(4): فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ، و(26): وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا... إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً، و(27): إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ، و هذا هو طبيعة التّوبتين،فإنّ توبة العباد مجلبة لتوبة اللّه عليهم.

و من الثّاني الآية(7): ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا، و قد فسّروها بوجوه:

1-لطف بهم في التّوبة،و وفّقهم لها فتابوا،و الأصل فيه قول الحسن:«جعل لهم التّوبة ليتوبوا بها»و المخرج ليخرجوا به».فالتّوبة نعمة من اللّه أنعمها عليهم،كما أنّ الدّعاء نعمة منه.و إليه يؤول كلام الطّبرسيّ:«ثمّ سهّل اللّه عليهم التّوبة حتّى تابوا».و بهذا احتجّ الفخر الرّازيّ على أنّ فعل العبد فعل اللّه،فنسب التّوبة إليهما،و قد ذكر لها نظائر من القرآن،فلاحظ و تأمّل.

2-قبل توبتهم ليستقيموا على توبتهم،و يثبتوا عليها في المستقبل.

3-تاب اللّه عليهم لينتفعوا بها فيتوبوا،و عليه فللّه توبتان تتوسّطهما توبة العباد،فتاب عليهم ليتوبوا،ثمّ قال: أَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. و لعلّ الوجه الأخير أقرب إلى السّياق،و أليق بكرامة اللّه تعالى للعباد و هو الّذي اعتمد عليه الطّباطبائيّ.

خامسا:تنقسم آيات التّوبة إلى توبة عن معصية -و هي الأكثر-و توبة عن كفر و نفاق،و هي الأقلّ، و يشخّصهما السّياق:

فالقسم الأوّل خطاب للمؤمنين،و يقارن بأمور

ص: 187

كالعفو(3): فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ، و(49):

وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ، و الإصلاح(4): فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ، و الزّيغ(6): مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ، و الضّيق و الالتجاء إليه(7): حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ...، و الاجتباء و الهداية(8):

ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى، و ترك الصّدقة عند النّجوى(9): أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ...، و التّقصير(10): عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ، و المناسك(11): وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا، و السّيّئات و الجهالة(12): إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، و سنخصّها بالبحث،و البيان و الهداية(14): يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، و نحوها.

أمّا القسم الثّاني فخطاب للكفّار و المنافقين،و قد يقارن بالإيمان و العمل الصّالح،مثل:(21-25): إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً، أو بالإيمان وحده.

و العمدة في ذلك ملاحظة المخاطبين و أعمالهم(31):

وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَ آمَنُوا.

و بالصّلاة و الزّكاة(35): فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ. و نظيرها(36).

سادسا:حصرت الآية(12)التّوبة بالّذين يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، ففيها ثلاثة عناصر:عمل السّوء،و الجهالة،و التّوبة من قريب.

و معنى ذلك أنّ من كفر أو نافق،أو عمل السّوء بعلم،أو لم يتب من قريب،فلا توبة له!و نظيرها الآيتان(32) و(33): ...مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ...، ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا....

فلنتناول تلك العناصر الثّلاثة بالبحث أوّلا:ثمّ وجه الحصر ثانيا.

1-عمل السّوء في تلك الآيات الثّلاث،و عمل السّيّئات في(31)ظاهر في المعصية،كبيرة كانت أو صغيرة،و خصّها بعضهم بالصّغيرة بحسب السّياق،و هو لا يبعد دون الشّرك و الكفر و النّفاق،لاحظ السّوء من «س و ء».

2-الجهالة:و هو يقابل الجهل بإزاء العلم تارة،و هو الشّائع في الكلام،و بإزاء العقل تارة أخرى،و هو الغالب عليه في القرآن؛إذ لم يأت من الأوّل حسب السّياق، سوى«الجاهل»في يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ البقرة:

273،و«الجهالة»في أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ الحجرات:6،و كذلك في السّنّة.و قد بدأ الكلينيّ المحدّث الإماميّ الكبير(م 329 ه)كتابه«الكافي»ب«كتاب العقل و الجهل»،فالمراد منها في آيات التّوبة السّفاهة،و قديما قالوا:«من عصى اللّه فهو جاهل»،لاحظ«ج ه ل»، و على هذا فقيد«الجهالة»توضيحيّ.

3-«من قريب»،أي دون إصرار عليه دهرا طويلا، و قيل:قبل موته،بقرينة ما بعدها في(13): حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، و هذا

ص: 188

توضيحيّ أيضا.

أمّا وجه الحصر فيها فيبيّنه ما بعدها وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ...، أي يشترط في قبول التّوبة أن لا تتأخّر إلى أوان الموت،و لا تصدر عن الكافر،فالحصر هنا إضافيّ و ليس حقيقيّا،و لم يأت المفسّرون-رغم إسهابهم فيه-بيانا واضحا،فلاحظ النّصوص.

سابعا:أشكلت توبة الأنبياء على المفسّرين من كلا الفريقين في(1)و(6)و(8)و(11)و(39)،لاقتضائها صدور المعصية منهم،و هم منزّهون عنها لعصمتهم!و قد احتلّت أجوبتهم مساحات واسعة من كتب التّفسير، و نوجزها بما يلي:

1-إنّها ليست معصية،و إنّما هي ترك الأولى،و ترك الأولى منهم-قد يعبّر عنه بالعصيان،كما في شأن آدم وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه:121-و إن قيل:إنّ عصيانه كان قبل هبوطه إلى الأرض-فإنّ للنّاس درجات،و إنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.و إليه يرجع ما يقال:إنّ الأنبياء يرون طاعتهم لا تليق بجلال اللّه،فيتوبون عنها كأنّها معصية صدرت عنهم.

فالتّوبة تختلف باختلاف التّائبين،فتوبة عامّة المؤمنين:النّدم على ما صدر عنهم من المعصية،و العزم على عدم العود إليه.و توبة الخواصّ:الرّجوع من المكروهات و خواطر السّوء و من الفتور في الأعمال، و الإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال.و توبة خواصّ الخواصّ-و هم الأنبياء عليهم السّلام-لرفع الدّرجات،و التّرقّي في المقامات،و إلى أمثالها ممّا جاء في النّصوص.و هذه اختلفت ألفاظها فإنّها جميعا ترجع إلى وجه واحد،و هو عندنا أحسن الوجوه.

2-ليس أحد من خلق اللّه إلاّ و له من العمل فيما بينه و بين اللّه ما يوجب عليه التّوبة،و لا بدّ من إرجاع هذا إلى ما قبله،و إلاّ فهو اعتراف بصدور المعصية منهم.

3-قالوا في(11): وَ تُبْ عَلَيْنا في دعاء إبراهيم و إسماعيل،أي تب على الظّلمة من أولادنا،و إليه يرجع كلّ ما قيل:إنّ الأنبياء إنّما يتوبون عن سيّئات أممهم دون أنفسهم.

4-إنّها تعليم للنّاس ليقتدوا بهم و يجعلوهم أسوة.

5-إنّها طلب لمزيد من رحمة اللّه بلسان التّوبة إليه، كما قال النّبيّ:«و إنّي لأتوب إلى اللّه في اليوم،و أستغفر سبعين مرّة»،و هو رجوع من حالة إلى أرفع منها.

6-إنّها توبة عمّا فرط منهم سهوا من الصّغائر الّتي ليست فيها رذيلة،و هذا قول بعض أهل السّنّة من المعتزلة دون جمهورهم،و عامّة الإماميّة.

7-التّوبة لغة:الرّجوع إلى اللّه،و هو لا يستلزم صدور معصية عنهم،و هذا لا يتماشى مع سياق بعض الآيات،كيف و قد قال تعالى: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه:121.

8-إنّها طلب التّثبّت و الدّوام في طاعة اللّه.

9-إنّها جاءت بصورة التّوبة تشدّدا في الانصراف عن المعصية.

10-طلبوا التّوبة هضما لأنفسهم أمام اللّه، و إرشادا لذرّيّتهم،و هذا راجع إلى الوجهين:(1)و(2).

ثامنا:من جملة تلك الآيات الآية(6): لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ... فلا يأتي فيها شيء من التّوجيهات المذكورة في سائر الآيات،لأنّها راجعة جميعا إلى توبة الأنبياء دون توبة اللّه عليهم.و قد زاد الطّين بلّة أنّها ضمّت النّبيّ إلى المهاجرين و الأنصار، فتاب اللّه عليهم جميعا،كما جاء فيها بصيغة واحدة، فظاهرها صدور ذنب عنه عليه السّلام و عنهم في عرض واحد.

ص: 189

ثامنا:من جملة تلك الآيات الآية(6): لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ... فلا يأتي فيها شيء من التّوجيهات المذكورة في سائر الآيات،لأنّها راجعة جميعا إلى توبة الأنبياء دون توبة اللّه عليهم.و قد زاد الطّين بلّة أنّها ضمّت النّبيّ إلى المهاجرين و الأنصار، فتاب اللّه عليهم جميعا،كما جاء فيها بصيغة واحدة، فظاهرها صدور ذنب عنه عليه السّلام و عنهم في عرض واحد.

و قد أوّلوها بوجوه بعد اتّفاقهم على نزول الآية في شأن غزوة تبوك،و كانت شاقّة عليهم جدّا،كما صرّح به القرآن فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ:

1-توبته على النّبيّ من أجل أنّه أذن للمنافقين في القعود،و كان يرى فيه مصلحة،و دليله قوله قبلها في هذه السّورة: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ التّوبة:43،فأرشده اللّه إلى ما هو أعلى من ذلك،فمرجعه إلى ترك الأولى.

و ما أحسن قول الطّبرسيّ فيها(5:65):«و هذا من لطيف المعاتبة،بدأ بالعفو قبل العتاب».

و أمّا التّوبة على المؤمنين فمن أجل ميل قلوب بعضهم إلى التّخلّف عنه من شدّة العناء،أو من أجل زيغ قلوب فريق منهم،كما صرّحت به الآية،أو تثاقل بعضهم في الخروج،أو استماعهم إلى المنافقين،فيما كانوا يبغون من فتنة المؤمنين.

2-ازداد عنهم رضا،فأكّده بقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.

3-رزق اللّه النّبيّ و المهاجرين و الأنصار الإنابة إلى اللّه في ساعة العسرة،و الثّبات على دينه،و الصّمود في طاعته.

4-استنقاذهم من شدّة العسر و تخليصهم من نكاية العدوّ،و عبّر عنها بالتّوبة،لأنّها لغة رجوع إلى الحالة الأولى.

5-لقد أقسم لهم-لأنّ اللاّم في«لقد»للقسم-بأنّه رجع عليهم مرّتين:مرّة قبل توبتهم،و مرّة بعد توبتهم؛ حيث قال: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ، فقبل توبتهم عمّا صدر عنهم من ترك الأولى في النّبيّ و خواطر السّوء في المؤمنين.

6-افتتح اللّه توبته على النّبيّ،فذكره مفتاحا للكلام و تحسينا له،أو لأنّه كان سبب توبتهم فذكره معهم، كقوله: فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ الأنفال:41،عند من جعل ذكر اللّه تبرّكا،لا استحقاقا للخمس.

7-إنّه بعث للمؤمنين على التّوبة،و أنّه ما من مؤمن -حتّى النّبيّ-إلاّ و هو محتاج إلى التّوبة،كما أنّه إبانة لفضل التّوبة عند اللّه،و أنّ صفة التّوّابين صفة الأنبياء، كما وصفهم بالصّالحين ليظهر فضيلة الصّلاح،و لهذا كرّرها.

8-إنّهم لمّا تحمّلوا مشاقّ هذا السّفر و متاعبه، و صبروا على تلك الشّدائد و المحن،جعلها اللّه مكفّرة لجميع الزّلاّت الّتي صدرت عنهم طيلة حياتهم،و قامت مقام التّوبة منهم.

9-ضمّ إليهم اسم النّبيّ تنبيها على عظم مراتبهم في الدّين،و أنّهم قد بلغوا إلى الدّرجة الّتي ضمّ فيها النّبيّ إليهم.

10-و نحوها ممّا يرجع إلى إحدى هذه،أو إلى ما أحصيناه من الوجوه قبلها.

ص: 190

11-فرّق الطّباطبائيّ بين الآيتين:(117)و(118) من هذه السّورة،و أنّ نوع التّوبة على أهل الآيتين مختلف،فقد تاب على جميع أهل الآية الأولى-و هم النّبيّ و المهاجرون و الأنصار-أو على بعضهم من غير معصية منهم،و تاب على أهل الثّانية-أي الثّلاثة الّذين خلّفوا-و هم عاصون.

غير أنّ السّياق يدلّ على أنّهما مسوقتان لغرض واحد،و متّصلتان بكلام واحد،لأنّ الثّانية عطفت على الأولى،أي«على الثّلاثة»عطف على«النّبيّ و المهاجرين»،فهي غير مستقلّة عنها لفظا،بل مستقلّة عنها معنى،و في الأولى دلالة واضحة على أنّه لم يكن للنّبيّ ذنب...إلى آخر ما ذكره مطوّلا،و هو خلاف سياق الآيات،و لا سيّما قوله: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ.

تاسعا:لقد كرّرت التّوبة في بعض الآيات،و هي أقسام:

أ-ما كرّرت مرّتين،و كلاهما من اللّه:

1- فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (1).

2- لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ... ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ (6).

3- وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (11).

4- أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ... وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (50).

و لا ريب أنّ تكرار التّوبة من اللّه للتّأكيد،و لا سيّما بلفظ(التّوّاب الرّحيم)،دلالة على أنّها صفة ثابتة للّه، و أنّه مستعدّ دائما لقبول توبة العباد،و العطف عليهم بلا حدّ و لا منتهى إذا أذنبوا و تابوا،و سنوضّح ذلك في معنى«التّوّاب».

و للمفسّرين وجوه في تكرار التّوبة في الآية(6)، و حاصلها ما يلي:

1-التّأكيد لقبول توبتهم تطييبا لقلوبهم،و إزالة لوساوسهم،و هو بمثابة:عفا السّلطان عن فلان،ثمّ عفا عنه.فدلّ على أنّ ذلك العفو عفو متأكّد،بلغ الغاية في الكمال و القوّة.

2-أو أنّ الأولى في الذّهاب إلى«تبوك»،و الثّانية في الرّجوع عنها.

3-الأولى في السّفر،و الثّانية بعد العودة إلى المدينة.

4-الأولى قبل توبتهم و الثّانية بعدها.

5-الأولى قبل ذكر الذّنب و الثّانية بعده.

6-الأولى للنّبيّ و المهاجرين و الأنصار جميعا،و هي لطف و تكريم لهم من دون ذنب منهم،و الثّانية خاصّة بالمهاجرين و الأنصار أو ببعضهم بإزاء ما صدر عنهم من ذنب،و هو الّذي يستفاد من كلام الطّباطبائيّ على طوله.

7-الأولى إنشاء للتّوبة،و الثّانية استدامتها.

8-إنّه لمّا ذكر أنّ فريقا منهم كادت قلوبهم تزيغ، نصّ على التّوبة ثانيا،رفعا لتوهّم أنّه سكوت عنهم في التّوبة فكرّرها،و ذكر سببها،و هو رأفته بهم و رحمته لهم.

و من هذا القبيل الآيتان(14)و(15)،فالثّانية من تتمّة الأولى في سورة النّساء(26)و(27)،و قد كرّر فيهما يَتُوبَ عَلَيْكُمْ.

ب-ما كرّرت مرّتين،و كلاهما من العباد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (48).

و قد جاء في النّصوص تفسير«التّوبة النّصوح»

ص: 191

و شروطها فلاحظ.و النّصوح:مبالغة في النّصح،أي التّوبة الّتي تنصح الإنسان العاصي مرّة بعد مرّة،حتّى ينوي ألاّ يعود إلى الذّنب أبدا،لاحظ«ن ص ح».

ج-ما كرّرت مرّتين:مرّة من اللّه و مرّة من العباد:

1- فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ (4).

2- فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا... إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً (26).

و هذا الأسلوب موافق لطبيعة التّوبة؛حيث يبدأ العبد بالتّوبة إلى اللّه،فيتوب اللّه عليه،و هو بمنزلة الدّعاء من العبد و الإجابة من اللّه تعالى.

د-ما كرّرت ثلاث مرّات،و كلّها من العباد:

وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً (24).

و هذه الآية من تتمّة ما قبلها(23): إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فقد كرّرت التّوبة فيهما أربع مرّات،و كلّها من قبل العبد.أمّا وجه تكرارها في الآيتين فيحتمل أن تكون الأولى في من تاب من المشركين المذكورين فيها، و لهذا قال فيها: مَنْ تابَ وَ آمَنَ. و الثّانية في من تاب من المسلمين عن سيّئاته،و ليس فيه(و آمن)،لأنّه مؤمن بالفعل.

و أمّا وجه تكرارها في الثّانية ثلاث مرّات:مرّة في الشّرط(من تاب)،و مرّتين في الجزاء فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً -و(متابا)فيها مصدر ميميّ،و هو مفعول مطلق جاء تأكيدا للفعل-فقيل في وجهها:إنّ الجزاء تكرار للشّرط للتّنبيه على عظمها،و هو من قبيل:من ناظر فإنّه يناظر في النّحو.

أي من تاب فينبغي أن يتوب متابا لا يعود إلى ذنبه أبدا،أو من تاب فقد عمل عملا عظيما،و ثوابه و جزاؤه عظيمان،كما يقال:إذا تكلّمت فاعلم أنّك تكلّم الوزير،أى تكلّم من يعرف كلامك و يجازيك.

و قيل:معناها من تاب عن سيّئاته فإنّه يرجع إلى ربّه مرجعا يقبله منه.و عليه فالأولى هي التّوبة،و الثّانية جزاؤها.

و قيل:الأولى الرّجوع عن القبيح،و الثّانية الرّجوع إلى اللّه،و هما شيئان،و الثّاني مترتّب على الأوّل،أي من يرجع عن عمل قبيح فلا بدّ أن يرجع إلى اللّه،لكي يقبله منه و يجزيه عليه،لاحظ النّصوص.

ه-ما كرّرت ثلاث مرّات:مرّة من العبد و مرّتين من اللّه:

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ (27).

فهذه من قبيل(ج)توبة من العبد و جزاء من اللّه، و ذيله وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ، تأكيد لما قبله بذكر «التّوّاب»،و هو للمبالغة،أي أنّها صفة دائمة له تعالى.

و-ما كرّرت أربع مرّات:ثلاث من اللّه،و واحدة من العباد.

وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا... ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (7).

فقوله:(و على الثّلثة)عطف على ما قبله لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ...، فهذه توبة واحدة من اللّه في صدر

ص: 192

الآية،و اثنان في ذيلها تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ... هُوَ التَّوّابُ، و يتوسّطها قوله:(ليتوبوا)،و هي للعباد.

و إذا ضمّت هذه الآية إلى ما قبلها لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ -و قد تكلّمنا حولها-فيرتقي ذكر التّوبة فيهما إلى ستّ مرّات.و معلوم أنّ تكرار التّوبة من اللّه على الّذين خلّفوا صدرا و ذيلا تطييب لقلوبهم،و تأكيد للطف اللّه بهم،و قد سبق بيانه في الآية(6).

إنّما الكلام هنا في قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا، حيث ترتّبت و تعاقبت فيها توبة العباد على توبة اللّه، و هو خلاف المعتاد الّذي مرّ في(ج)،فأوّلوها بوجوه:

1-لطف اللّه بهم في التّوبة و وفّقهم لها.

2-قبل توبتهم ليتمسّكوا بها في المستقبل.

3-قبل توبتهم ليرجعوا إلى حال الرّضا عنهم،أو إلى حالتهم الأولى قبل المعصية،أو ليرجعوا إلى حالهم في الاختلاط بالمؤمنين،لأنّهم كانوا منعزلين عنهم، فلا يكلّمهم أحد منهم.

4-رجع عليهم بالرّحمة و قبول العذر،ليستقيموا و يثبتوا على توبتهم في المستقبل،و لا يرجعوا إلى ما يبطلها،و يتوبوا لو فرطت منهم خطيئة أيضا،علما منهم أنّ اللّه توّاب رحيم.

5-سهّل لهم التّوبة حتّى تابوا.

6-تاب عليهم في الماضي ليكون داعيا لهم في المستقبل.

7-تاب عليهم لينتفعوا بالتّوبة،و يتوفّر لهم ثوابها.

8-قال الفخر الرّازيّ:لتدلّ على أنّ فعل العبد فعل اللّه،(فتاب عليهم)فعل اللّه،و(ليتوبوا)فعل العباد، و نظيرها فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً التّوبة:82،مع قوله:

وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى النّجم:43،و ذكر له في القرآن شواهد أخرى.

هذا رأي الأشاعرة،و ينكره المعتزلة و الإماميّة و من ينحو نحوهم،مع أنّه بعيد عن سياق الآية،بل هي على خلاف هذا القول أدلّ؛إذ ظاهرها أنّ هناك توبتين:توبة من اللّه،و توبة من العبد،و هما مختلفتان تماما،و الأولى داعية إلى الثّانية و باعثة عليها.

9-ما أفاده الطّباطبائيّ أنّ للّه توبتين:توبة قبل توبة العبد،و توبة بعدها،و توبة العبد محفوفة بهما،و أنّ اللّه يرجع إلى العبد بالتّوفيق لهم و إفاضة رحمة الهداية عليهم -و هو التّوبة الأولى منه-فيهتدي العبد إلى الاستغفار، و هو توبته،فيرجع اللّه تعالى إليه بقبول توبته و غفران ذنوبه،و هو التّوبة الثّانية منه تعالى.و مآل هذا الوجه إلى بعض الوجوه السّابقة،و لا بأس به.

ز-ما كرّرت خمس مرّات:مرّتين من اللّه،و ثلاث مرّات من العباد:

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ... وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ... حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ (12)و(13).

فظهر أنّ التّوبة الأولى و الثّالثة من اللّه،و الثّانية و الرّابعة و الخامسة من العبد،و كلّها مثبتة سوى الرّابعة (و ليست التّوبة)فمنفيّة،أي لا تصحّ توبة العبد إذا أخّرها إلى وقت حضور الموت.و جاز أن تكون هذه من اللّه أيضا،لتكون نفيا بإزاء إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ، أي

ص: 193

لا يقبل اللّه توب العبد لو أخّرها إلى هذا الوقت،و الأوّل أقرب.

عاشرا:جاءت توبة اللّه في جملة من الآيات بلفظ (الغفور الرّحيم)أو(رؤف رحيم)و نحوهما في خواتم الآيات،مثل: إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ في(4)و(19)و (28)و(30)و(32)و(34)و(35)، وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ في(17)، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ في (33)، وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً في(18)و(23)، إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ في(6)، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ في(46)،فهذه نظير ما جاء فيه بلفظ (التّوّاب الرّحيم)مثل(2)و غيرها.و(الرّحيم)فيها يشعر بأنّ غفران اللّه و توبته على العباد تنشأ من رحمته تعالى عليهم.

و نظيرها قوله: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً في(22)،و قوله: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا... في (37).فالغفّار بمثابة التّوّاب،و قد قام مقامه،أو هو مقدّمة لقبول التّوبة،كما سنتكلّم عنه.

الحادي عشر:اجتمع الاستغفار و التّوبة من العباد في جملة من الآيات،مثل: وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ في(43-46)،فجاءا مفصولين ب«ثمّ»، فيدلّ على أنّ الاستغفار شيء سوى التّوبة،مقدّم عليه كمقدّمة لها.

و ما يفضّ النّزاع و يحلّ المشكلة هو أنّ هذه الآيات كلّها في سورة هود؛إذ خاطب هود قومه عاد،و خاطب صالح قومه ثمود،و شعيب قومه أهل مدين،و كانوا كلّهم مشركين.فاستغفارهم رجوع من الشّرك إلى التّوحيد أوّلا،و توبتهم رجوع عن الذّنب ثانيا.

و الشّاهد عليه-مع وضوحه-أنّ ما قبلها جميعا نهي عن الشّرك و دعوة إلى التّوحيد،فقبل الآية(43):

أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ هود:2،و قبل سائر الآيات:

يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ الأعراف:59

و هناك أقوال أخرى غير موجّهة:

1-(ثمّ)بمعنى«الواو»،قاله الفرّاء و تبعه بعضهم.

2-اطلبوا المغفرة كغرض لكم،ثمّ توصّلوا إليه بالتّوبة،فالغفران هدف و التّوبة وسيلة له،قاله الطّوسيّ و من تبعه.

3-استغفروا ربّكم،ثمّ أخلصوا له التّوبة،و بينهما تراخ زمانيّ و رتبيّ.فالاستغفار طلب غفران الذّنوب، و التّوبة انقطاع العبد إلى اللّه بالكلّيّة،و هو مرويّ عن الشّريف الرّضيّ.و وجّهوه بأنّ الاستغفار لا يكون توبة ما لم يقل المستغفر:«تبت»،و ينوي أن لا يعود إليه أبدا، و هو التّوبة الصّادقة.

4-الاستغفار توبة عمّا وقع من الذّنوب،و التّوبة استغفار عمّا يقع بعدها في الحال أو في المستقبل.

5-الاستغفار طلب الغفر،أي السّتر من اللّه و العفو عنه،و التّوبة الرّجوع إليه مع النّدم عمّا مضى،و العزم على عدم العود.

6-الاستغفار ترك المعصية،و التّوبة الرّجوع إلى الطّاعة.

7-الاستغفار المأمور به مسبوق بالتّوبة الّتي بمعنى النّدم،و يتلوه التّوبة،فهناك ثلاثة أمور متتابعة:ندم، و استغفار،ثمّ توبة.

ص: 194

8-الاستغفار دعاء متّصل مستمرّ بين الإنسان و ربّه،فإنّه و إن اجتهد في الطّاعة و أخلص في العبادة، لا يسلم أبدا من أن تصدر عنه زلاّت.أمّا التّوبة فهي رجوع إلى اللّه بعد أن يبعد الإنسان عنه كثيرا بالمعاصي، فهي في مواجهة موقف محدّد.فالاستغفار عمل مستمرّ، و التّوبة خاصّة بحالة ارتكاب منكر من المنكرات.

هذه جهود مشكورة في فهم الآيات من غير ملاحظة سياقها،و ما اخترناه أوّلا هو الموافق للسّياق.

و بذلك يعلم أنّ هناك علاقة ماسّة بين المادّتين«ت و ب» و«غ ف ر»،و كثيرا ما يحلّ أحدهما محلّ الآخر.

الثّاني عشر:جاءت التّوبة من اللّه بألفاظ مثل:

(تاب اللّه)،(يتوب اللّه)،(توّاب)،(انّما التّوبة على اللّه) و نحوها.و جاءت في(49)و(50)مرّتين بلفظ(هو يقبل التّوبة عن عباده)،فهل هما شيء واحد،أو شيئان؟أي إذا تاب العبد و قبل اللّه توبته فقد تاب عليه،أو أنّ التّوبة من اللّه عمل منه يلي قبول توبة العبد؟و الأوّل هو الأقرب،و يؤيّده ما يأتي:

1-سبق أن قلنا:إنّ للّه توبتين:توبة قبل توبة العبد، و هي توفيقه للتّوبة أو نحوه،ممّا قد سبق الكلام فيه، و توبة بعد توبة العبد،و لا يتصوّر له معنى سوى قبول توبة العبد بغفران ذنوبه،و سوى إعطائه مزيدا من الأجر،و الثّواب.و لا يسمّى هذا توبة إلاّ مجازا بعلاقة سببيّة.

2-وصف اللّه ب«التّواب»،أي أنّه-كما سيأتي- بمعنى كثير القبول لتوبة العبد.

3-جاء في ذيل الآية(45): ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ هود:61،و ما بعد الآية(49):

وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ...

الشّورى:26.و معنى ذلك أنّ التّوبة من العبد دعاء منه، و من اللّه استجابة له،فقوله: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ حلّ محلّ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ أو تَوّابٌ حَكِيمٌ و نحوهما في سائر الآيات.فقد جاء في ذيل: هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ (50)،قوله: (وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ، و هو تأكيد لما قبله،و وصف عامّ للّه،كدليل على فعله الخاصّ.

4-إنّ توبة العبد ليست سوى استغفار ذنوبه من اللّه، و ليست توبة اللّه عليه سوى غفران ذنوبه،و لهذا جاءت «انه غفور رحيم»و نحوها ذيلا لتوبة العباد في كثير من الآيات كما جاء عكسه،أي جاء(توّابا رحيما)ذيلا للاستغفار في الآيتين(53)و(54): فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ... لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً، وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً. و جاء فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ في(3)، و يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ في (49)،فتوبته قبول توبتهم،و عفوه غفران ذنوبهم.

5-و فيها تأكيد أنّ غفران الذّنوب و قبول توبة العباد خاصّ باللّه،و لا حظّ لغيره فيه،حتّى الملائكة و الأنبياء و الأولياء.و هذا من أركان التّوحيد و دعائمه، كما أنّ قبول الشّفاعة و استجابة الدّعاء و العبادة و الاستعانة و أمثالها كلّها للّه سبحانه،لا يشركه فيها أحد.

الثّالث عشر:وصف اللّه ب(التّوّاب)في إحدى عشرة آية،و هي الآيات(1)و(2)(7)و(11)و(26) و(27)و(50-54)،و جاءت كلّها ذيل الآيات،

ص: 195

كفذلكة أو دليل لما قبلها.و قد فسّروه بالمتجاوز عن ذنوب العباد،أو التّارك مجازاتهم،أو قابل التّوب،أو الكثير القبول للتّوبة،أو ميسّر أسباب توبتهم مرّة بعد أخرى،أو المكثر لإعانتهم على التّوبة-و هذا يرجع إلى التّوبة الأولى منه تعالى-أو قابل التّوبة و إن عظمت الذّنوب،أو الرّجّاع على عباده بالمغفرة،لأنّه إنّما يقبل التّوبة-لا لأمر يرجع إلى رقّة طبع،أو جلب نفع،أو دفع ضرر،كما هو ديدن الملوك و الرّؤساء؛إذ هم يقبلون توبة عبيدهم و خدّامهم مرّة،و يرفضونها أخرى،بحسب اختلاف حالتهم النّفسيّة من الرّضى و الغضب،بل لمحض الإحسان و اللّطف و الرّحمة و الجود،فإنّ فيضه لا ينقطع.

و لا تقصير إلاّ من القابل،أي العبد،فكلّما ارتفع المانع من قبل القابل وصل الفيض إليه.

و عليه فالتّوّاب هو الغفّار،و قد أعقب(التّوّاب)في كثير من الآيات ب«الرّحيم»في جمل اسميّة،لأنّ رحمته سبب قبوله التّوبة.و رحمته صفة ثابتة له،و راسخة في ذاته،فتدلّ على الدّوام،كما أنّ الجملة الاسميّة تدلّ على الثّبات أيضا.

و يشهد على ما ذكرنا في معنى(التّوّاب)أنّه جاء محلّه في اثنتي عشرة آية(الغفور الرّحيم)،و هي:(4)و(17) و(18)و(19)و(23)و(27)و(28)و(31-35)، و هي تزيد(التّوّاب الرّحيم)بواحدة.و في(6):(رؤف رحيم)،و في(46):(رحيم ودود)،و اكتفي في هذين ببيان سبب الغفران،و هو الرّحمة و الودّ من اللّه تعالى لعباده.

و قد جاء محلّ هذه الأوصاف أوصاف تحكي علمه تعالى بذنوب العباد و بصدق نيّتهم في المتاب،و عن حكمته في الثّواب و العقاب.ففي(9): وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، و في(12): وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً، و في(14)و(16)و(20):(عليم حكيم)،فدلّت على أنّ اللّه لا يغفر ذنوب عباده جهلا بها و بهم،بل غفرانه عن علم كامل و حكمة بالغة.

الرّابع عشر:وصف اللّه ب«التّوّاب»(11)مرّة و وصف العباد بالتّوّابين مرّة واحدة في(55): إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و إن دلّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على البون الشّاسع بين اللّه و عباده بنسبة 11/1،أي إذا كرّر العبد التّوبة فسيتلقّى أضعافها من اللّه،لدوام فيضه و استمرار رحمته،و فيه أبحاث:

1-هناك فرق آخر بينهما،و هو أنّ العباد يتّصفون بلفظ التّائب و التّائبين و التّائبات،كما يوصفون بلفظ الآئب و المنيب و نحوهما،دون اللّه،لأنّ أوصاف اللّه توقيفيّة،و لم يوصف في القرآن إلاّ بالتّوّاب،دون التّائب و نحوه.و كأنّه-مفردا و جمعا-منصرف إلى العباد و خاصّ بهم،أمّا(التّوّاب)فمشترك بينهما لفظا و مختلف معنى،كما علمت.

2-و هناك نكات أخرى في صيغة الجمع،فجاء (التّوّاب)في جانب اللّه(11)مرّة:(7)مرّات مرفوعا، و(4)مرّات منصوبا،فتفوّق الرّفع-و هو رمز العلوّ و التّأثير-على النّصب بنسبة 7/4.و جاء في جانب العباد (3)مرّات:مرّة بلفظ(توّابين)في(55)منصوبا و شاملا للرّجال و النّساء،و مرّة بلفظ(التّائبون)في(56)مرفوعا للرّجال،و مرّة بلفظ(تائبات)في(57)منصوبا للنّساء،

ص: 196

فقد روعي فيها موضع الجنسين إلى جانب مقام الرّبّ المتعال.

3-و جاء(التّوّاب)أيضا وصفا للّه،معرّفا باللاّم في جملة مؤكّدة إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ ثلاث مرّات في (1)و(2)و(7):و إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ مرّة في (11).و منكّرا مع التّأكيد مرّتين: إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ في(52)،و إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً في (26)،و بلا تأكيد مرّتين: لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً في(53) وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ في 27.

4-و قد جمع الوصفان(التّوّاب)و(الرّحيم)فيها جميعا.و جاء مرّة منفردا عنه مع التّأكيد إِنَّهُ كانَ تَوّاباً في(54)،و مرّة مع(حكيم)بدل(رحيم): وَ أَنَّ اللّهَ تَوّابٌ حَكِيمٌ في(52).و معلوم أنّ لكلّ من وصفي (الرّحيم)و(الحكيم)حسب مرّاتها دخلا في وصفه بالتّوّاب،و الغالب عليه التّأكيد.

و قد أعقب(التّوّابين)ب(المتطهّرين)في الآية، تنبيها و تأكيدا أنّ التّوّابين حقّا هم المتطهّرون،أي الّذين يريدون و يحبّون أن يتطهّروا عن ذنوبهم أمام اللّه،و قد تطهّروا بالفعل،و أنّ اللّه إنّما يحبّ التّوّابين لأنّه يحبّ المتطهّرين،و في ذلك ألوان من الحكمة و الودّ بين اللّه و العباد.

الخامس عشر:هناك بحث طويل في التّفاسير في وجوب التّوبة على اللّه،و هو بحث كلاميّ سرى إلى التّفاسير من قبل المعتزلة الّذين يحمّلون قواعدهم العقليّة على اللّه،و يطبّقونها عليه بنفس أسلوب تطبيقها في حقّ العباد.و قد أيّدوا حججهم العقليّة،بما تمكّنوا من تأويل الكتاب و السّنّة،و هذا ديدنهم في أصول العقيدة و أصول الفقه.و من أجل ذلك احتجّ القاضي عبد الجبّار بقوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ... في(12)على وجوب قبول التّوبة على اللّه عقلا،و أبطل حجّته الفخر الرّازيّ في كلام طويل،لاحظ النّصوص.

و الحقّ أنّه لا يجب على اللّه شيء إلاّ ما أوجبه على نفسه و وعد به،فإنّه لا يخلف الميعاد،و قد وعد اللّه عباده بقبول توبتهم إذا أحرزت الشّروط الّتي شرطها اللّه.

و هذا البحث جار في الآيات عامّة،و في هذه الآية خاصّة: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ...؛ حيث أنّ ظاهرها أنّه تعالى أوجب على نفسه القبول،كما أوجب على نفسه الرّحمة في قوله: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام:

12.

و مع ذلك فلسان الآيات مختلف،فبعضها يعطي الرّجاء في قبول توبتهم دون قطع و بتّ،مثل الآيتين (19)و(20)،فقال في(19): عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، و مثلها(25): فَأَمّا مَنْ تابَ... فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، و في(20): وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ. و علّق القبول على مشيئته أيضا في(16)و(17): وَ يَتُوبُ اللّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ.

و الحقّ أنّ الآيات إذا ضمّ بعضها إلى بعض تعطي الرّجاء دون قطع للعصاة من المؤمنين حسب مراتبهم من الطّاعة و العصيان،فلاحظ الآيات من آخر التّوبة،ففيها تفسير أصناف التّائبين.

ص: 197

و هذا كلّه جار في ما لسانه الوعد و الإرجاء،و هو أكثرها،أمّا في ما أخبر اللّه بأنّه تاب على نبيّ أو على جماعة،فلا ريب في وقوعها،كجملة من آيات المحور الأوّل.و عليه فالآيات من هذه الجهة صنفان أيضا:

إخبار عمّا وقع،و وعد بما سيقع.و البحث في وجوب قبول التّوبة على اللّه موضعه الصّنف الثّاني دون الأوّل.

و هناك بحث آخر في وجوب التّوبة على العباد، و لا ريب فيه حسب الكتاب و السّنّة،لاحظ نصّ«محمّد جواد مغنية».بيد أنّ لسان الآيات يختلف فيه وضوحا و خفاء،و شدّة و ضعفا أيضا.

السّادس عشر:جاء المصدر بلفظ التّوبة(6)مرّات في(12)و(13)و(48)و(49)و(50)و(58)،و بلفظ (متابا)مرّتين في(24)و(59)،و فيها أبحاث:

1-إطلاق التّوبة يحكي أنّها كانت في عصر النّبيّ، و في عرف القرآن مفهومة بكلا معنييها،أي توبة العباد -و هي الظّاهر منها-و توبة اللّه،على العباد.

2-و قد وزّعت الآيات بين المعنيين في بدء النّظر بنسبة 4/2،أربع من العباد،و اثنتان من اللّه،فالتّوبة في (12)من اللّه،و في(13)من العباد،و قد تقدّم البحث فيهما في الملاحظة الثّالثة و الرّابعة.و في(49)و(50) وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ من العباد ظاهرا و من اللّه باطنا،لما تقدّم في الملاحظة الثّانية عشرة أنّ توبة اللّه هي نفس قبول توبة العبد.و في(48)خاصّ بالعباد،لأنّهم مأمورون فيها بالتّوبة،أمّا تَوْبَةً مِنَ اللّهِ في(58)فخاصّة باللّه،على أثبت الأقوال،كما يأتي.

3-اختلفوا في«توبة من اللّه»من جهات:

الأولى:في وجه نصبها،فهم بين من جعلها مفعولا لأجله،أي إنّما اكتفى بصيام شهرين متتابعين بدلا من عتق رقبة،من أجل توبته عليكم و قبوله توبتكم،فهي مثل:«فعلت ذلك حذار الشّرّ».و من جعلها مصدرا مؤكّدا لفعل مقدّر،أي تاب عليكم توبة منه.و من جعلها حالا،أي جعل الصّيام حال كونه توبة منه تعالى عليكم،أو حال كونه توبة منكم إليه؛و الأوّل هو الأقرب.

الثّانية:هل هذه التّوبة توبة اللّه على العباد كما هو ظاهرها؛حيث قال: تَوْبَةً مِنَ اللّهِ، و اختاره أكثرهم؟أو توبة العباد،أي ليقبل توبتكم؟و هو تحميل للآية،إلاّ إذا أريد بتوبة اللّه دائما قبول توبة العباد بالذّات،و قد اخترناه.و لكن هذا لا يحوّل تَوْبَةً مِنَ اللّهِ إلى توبة العباد.

الثّالثة:إطلاق التّوبة هنا بكلا معنييها يقتضي صدور التّقصير عن العبد في قتل الخطإ،مع أنّه لا تقصير له.و برّروا ذلك بوجوه،جمعها الفخر الرّازيّ كما يلي.

أوّلا:أنّه كان مقصّرا في ترك الاحتياط.

و ثانيا:أنّ اللّه خفّف عنه بإقامة الصّوم مقام الإعتاق عند العجز،و التّخفيف من لوازم التّوبة،فأطلق التّوبة و أريد به التّخفيف إطلاقا للملزوم على اللاّزم.

و ثالثا:أنّ المؤمن إذا اتّفق له ذلك يندم على فعله، فسمّى اللّه ذلك النّدم توبة من العبد.

و الأقرب أنّ التّوبة هنا-كما اختاره الطّبريّ و غيره- هي التّجاوز عن الإعتاق إلى الصّيام،تخفيفا على العباد

ص: 198

و على المجتمع البشريّ،فهذا نظير قوله: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ المزّمّل:20،و احتمل بعضهم التّخفيف راجعا إلى كلّ ما تقدّم من الصّوم و غيره،و كلّها تخفيف عن القصاص.

السّابع عشر:و بعد ذلك كلّه بقي الكلام في حقيقة التّوبة و شروطها،و قد أطال المفسّرون الكلام في تعريفها ذيل الآيات فلاحظ.و نحن نفضّل أن نغضّ النّظر عنها،و نكتفي بما جاء من القيود و الشّروط في الآيات:

1-أن يصدر العمل عن جهالة:(12)و(32)و(33).

2-أن يصدر عنه السّوء أو السّيّئة أو السّيّئات:

(12)و(13)و(23)و(32)و(31)و(34)و(49).

و قد خصّها بعضهم بالمعاصي الصّغيرة،فلا تعمّ الكبائر، و هذا ليس ببعيد،و قد جاء في(23): يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ، و هذا مزيد في العطاء.

3-أن يحسّ في نفسه ترك الطّاعة(10): عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ.

4-أن تكون التّوبة قبل أن يقدر المسلمون عليهم (34)،و هذا خاصّ بالمحاربين.

و هذه شروط العمل الّذي يتوب عنه،و أمّا شروط التّوبة نفسها فهي:

1-أن يسبق إلى التّوبة قبل حضور الموت(12) و(13).

2-أن يحسّ أنّه لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه(7).

3و4-الاعتصام باللّه و الإخلاص في الدّين(29).

5-الإصلاح و العمل الصّالح،و هذا جاء في كثير من الآيات:(4)و(19)و(21-30)و(32)و(33).

6-اتّباع سبيل اللّه(37).

7-التّقوى(52).

8-الإيمان باللّه(21)إلى(25).

9-الاستغفار قبل التّوبة(43)إلى(46)،و هذا و ما قبله خاصّ بالكفّار و المشركين كما سبق.

10-أن تكون توبة نصوحا(48).

11-أن يضمّ إلى استغفارهم استغفار الرّسول (53)،و هذا خاصّ بالمنافقين حسب السّياق.

12-التّسبيح بحمد اللّه قبل الاستغفار(54)،و هذا جاء خطابا للنّبيّ عليه السّلام خاصّة.

13-صفات أخرى للتّائبين(56): اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ....

14-صفات أخرى للتّائبات(57): مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً، و هذه صفات أزواج النّبيّ اللاّتي بهنّ وعده اللّه.

فبعض هذه الشّروط خاصّ بالكفّار و المنافقين، و كثير منها جار في عامّة المؤمنين،فبعضها شرط للقبول،و بعضها شرط للأجر و العطاء الكامل للنّبيّ و أزواجه و للصّالحين من أتباعه،و بملاحظتها تعرف التّوبة حقّ معرفتها.

الثّامن عشر:لا يكمل التّحقيق في كلمة التّوبة -و لا سيّما التّوبة من اللّه-إلاّ بملاحظة آيات المغفرة الّتي تبلغ(162)آية.و في(91)آية منها وصف اللّه ب«الغفور»،و في خمس منها ب«الغفّار»،و جمعت في أربع منها التّوبة و الاستغفار من العباد،و قد تكلّمنا حولها في

ص: 199

الملاحظة الحادية عشرة.

و لهذه المادّة أيضا علاقة ماسّة بمادّة«ع ف و»، و فيها(24)كلمة،و اجتمع في آيتين منها العفو و التّوبة، و قد أشرنا إلى ذلك في الملاحظة الثّانية عشرة.كما جاء «الصّفح»مع«العفو»في ثلاث من آيات الصّفح،فلاحظ «غ ف ر»و«ع ف و»و«ص ف ح».

التّاسع عشر:المكّيّات من هذه المادّة(19)آية، و المدنيّات منها(40)آية،أي ضعف المكّيّات بزيادة ثلاث آيات،و إن دلّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على أنّ باب التّوبة في مدينة الرّسول-و كانت تعدّ حينذاك دار الإسلام بلا منازع-كان مفتوحا بكلا مصراعيه للعباد بيمن النّبيّ عليه السّلام،فكان المؤمنون فيها كثيرين مع قلّتهم في مكّة؛حيث كانت إلى قبيل رحيل النّبيّ عليه السّلام عن الدّنيا دار الشّرك و الكفر،رغم وجود الكعبة فيها.

ص: 200

ت و ر

اشارة

تارة

لفظ واحد،مرّتان مكّيّتان في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :«التّور»تذكّره العرب،و«تارة»ألفها واو،و الجميع:التّير.

و استوأر القوم:فزعوا،و الوحش أيضا إذا نفرت.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أتأرت إليه النّظر،إذا حدّدته.(8:134)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقال للرّسول:تور.

(الأزهريّ 14:310)

فلان يتار على أن يؤخذ،أي يدار على أن يؤخذ.

(الجوهريّ 2:602)

الفرّاء: أتأرت إليه النّظر-بهمز في الألفين غير ممدود-إذا أحددته.(الأزهريّ 14:309)

ابن الأعرابيّ: «تأرة»مهموزة،فلمّا كثر استعمالهم لها تركوا همزها.(الأزهريّ 14:309)

التّورة:الجارية الّتي ترسل بين العشّاق.

التّائر:المداوم على العمل بعد فتور،و التّير:جمع تارة،مرّة بعد مرّة.(الأزهريّ 14:310)

ابن دريد :و التّور:عربيّ معروف،هكذا يقول قوم،و قال آخرون:بل هو دخيل.

و التّور:الرّسول بين القوم،عربيّ صحيح.(2:14)

و الطّست و التّور:فارسيّان.(3:502)

الأزهريّ: [حكى قول ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

قلت:و قال غيره:جمع تأرة:تئر مهموزة،و منه يقال:أتأرت إليه النّظر إتآرا:أدمته تارة بعد تارة.[ثمّ نقل قول الفرّاء و قال:]

و يقال:أتأرته بصري أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و من ترك الهمز قال:أترت إليه الرّمي و النّظر أتيره إتارة،و أترت إليه الرّمي،إذا رميته تارة بعد تارة،فهو متار.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّور:إناء معروف،تذكّره العرب.

ص: 201

و التّيّار:تيّار البحر،و هو آذيّه و موجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّيّار«فيعال»من تار يتور،مثل القيّام من قام يقوم،غير أنّ فعله ممات.(14:309)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و التّؤور:اتّباع الشّرط (1).

و هو يتار على كذا،أي يدار عليه.و منه فراء متار، أي يرمى بالأبصار.

و أترته بصري:بمعنى أتأرته.و يقولون:أفردوني و أتاروني.

و أترت الشّيء:فعلته تارة بعد تارة.

و يقال:تاورته،و هما يتتاوران.(9:458)

الجوهريّ: التّور:إناء يشرب فيه،و التّور:

الرّسول بين القوم.(2:602)

ابن فارس: التّاء و الواو و الرّاء ليس أصلا يعمل عليه.أمّا الخليل فذكر في بنائه ما ليس من أصله،و هو استوأرت الوحش.و هذا مذكور في بابه (2).

و ذكر ابن دريد كلمة لو أعرض عنها كان أحسن، قال:التّور:الرّسول بين القوم،عربيّ صحيح.[ثمّ استشهد بشعر](1:357)

ابن سيده: و التّور:من الأواني،مذكّر،قيل:هو عربيّ،و قيل:دخيل.

و التّارة:الحين و المرّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أترت الشّيء:جئت به تارة أخرى،أي مرّة بعد مرّة.

و حكى[اللّحيانيّ]«يا تارات فلان»و لم يفسّره.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تير الرّجل:أصيب التّار منه،هكذا جاء على صيغة ما لم يسمّ فاعله.[ثمّ استشهد بشعر](9:530)

الزّمخشريّ: فعل ذلك تارات و تارة بعد أخرى، و هذه شرّ تاراتك.و منها قولهم:تاورته؛بمعنى عاودته.

«و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتوضّأ بالتّور»و هو إناء صغير،و هو مذكّر عند أهل اللّغة.

و مررت بباب العمرة على امرأة تقول لجارتها:

«أعيريني تويرتك».و سمّي بذلك،لأنّه يتعاور و يردّد.

أو سمّي بالتّور،و هو الرّسول الّذي يتردّد و يدور بين العشّاق.[ثمّ استشهد بشعر]

و مأخذه من«التّارة»،لأنّه تارة عند هذا و تارة عند هذا.(أساس البلاغة:40)

المدينيّ: في حديث أمّ سليم:«أنّها صنعت حيسا في تور».

قيل:هو إناء شبه إجّانة من صفر أو حجارة،يتوضّأ فيه و يؤكل،و الجمع:أتوار.

و التّور أيضا:الرّسول،و التّورة:الجارية الّتي تتوسّل و تترسّل بين العشّاق،و تور المخانيث من ذلك.

و تاورته فهما يتتاوران،إذا فعل ذلك مرّة بعد أخرى، و تاورته فهما يتتاوران،إذا فعل هذا مرّة و ذاك أخرى.

و في حديث معاوية:«فهمه تارات»أي يكرّر عليه مرّات حتّى يفهمه.و جمع التّارات:تير،كقامات و قيم.

(1:246)».

ص: 202


1- و في المعجمات:التّؤرور:أتباع الشّرط.
2- سيأتي في مادّة«و أ ر».

ابن الأثير:[نقل حديث أمّ سليم ثمّ قال:]

منه حديث سلمان رضي اللّه عنه:«لمّا احتضر دعا بمسك،ثمّ قال لامرأته:أوحفيه في تور»أي اضربيه بالماء.(1:199)

الفيّوميّ: و تور الماء:الطّحلب،و هو شيء أخضر يعلو الماء الرّاكد.

و التّار:المرّة،و أصلها الهمز،لكنّه خفّف لكثرة الاستعمال.

و ربّما همزت على الأصل،و جمعت بالهمز،فقيل:

تأرة و تئار و تئر.قال ابن السّرّاج:و كأنّه مقصور من «تئار».و أمّا المخفّف فالجمع تارات.

و التّيّار:الموج،و قيل:شدّة الجريان،و هو«فيعال» أصله:تيوار،فاجتمعت الواو و الياء،فأدغم بعد القلب.

و بعضهم يجعله من«تير»فهو فعّال.(1:78)

الفيروزآباديّ: التّور:الجريان،و الرّسول بين القوم،و إناء يشرب فيه،مذكّر.

و بهاء:الجارية ترسل بين العشّاق.

و التّارة:الحين و المرّة،الجمع:تارات و تير.

و أتاره:أعاده مرّة بعد مرّة.

و أترت النّظر:أتأرته.

و تاراء:موضع بالشّام قرب تبوك،و منه مسجد «تاراء»لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و تاران:جزيرة بين القلزم و أيلة.

و«يا تارات فلان»مقلوب من«الوتر»للدّم.

و توران بالضّمّ:اسم لجميع ما وراء النّهر،و يقال لملكها:توران شاه.

و التّائر:المداوم على العمل بعد فتور.(1:395)

مجمع اللّغة :التّارة:المرّة و الكرّة،يقال:فعل ذلك تارة بعد تارة،أي مرّة بعد مرّة.و عاد إلى هذا الأمر تارة أخرى،أي كرّة أخرى.(1:165)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:39)

المصطفويّ: و الّذي ينبغي أن نقول:أنّ موادّ التّور و التّئر و التّير و هكذا الوتر،بينها اشتقاق،و هي قريبة المفاهيم،و يقرب منها أيضا:الطّور،و الكور،و يجمعها الحركة و التّحوّل.

يقال:تارة بعد تارة،أي كذلك جرى و تحوّل.

و التّيّار:جريان الأمواج و تحوّلها إلى حالات.و الإناء المخصوص إذا يتعاور و يردّد،و هكذا من يتردّد و يدور بين جمع،و هكذا المعاودة،و هكذا الأطوار و الأكوار المختلفة.و التّواتر:تتابع الشّيء مرّات بعد أخرى.

و الالتيام:حصول حالة بعد حالة.و الحين في تعاقب الأزمنة.

و لا يبعد أن نقول:إنّ الأصل في هذه المادّة:هو المهموز،ثمّ قلبت الهمزة واوا أو ياء للتّخفيف،و يدلّ عليه اللّغة العبريّة القريبة منها.

قاموس عربيّ تاءر:طوّق،أحاط،وضع حدودا.

تئر:وصف،صور،رسم،خطّ،قصّ،حدّد.

توأر:شكل،صورة،وصف،درجة،مظهر.

فهذه المعاني كما ترى تناسب مفهوم التّحوّل.

و قد ضبط للتّور واويّا و للتّير يائيّا معاني متناسبة أيضا،إلاّ أنّ معاني المهموز أنسب،مضافا إلى أنّ قلب

ص: 203

الواو أو الياء همزة غير وجيه،و ليس فيه تخفيف.[إلى أن قال:]

و يستفاد من موارد استعمال هذه المادّة:أنّ التّحوّل فيها لازم أن يكون إلى حالة مثل سابقها،كما في الأمواج و المعاودة و الالتيام،لحصول وصف أو شكل أو صورة أو حالة كسابقها.

و هذا هو الفرق بينها و بين التّحوّل و التّنوّع و التّطوّر.(1:381)

النّصوص التّفسيريّة

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى... الإسراء:69

قتادة :أي في البحر مرّة أخرى.(الطّبريّ 15:124)

أبو عبيدة :مرّة أخرى،و الجميع:تارات و تير.

(1:385)

الطّوسيّ: في البحر دفعة أخرى،بأن يجعل لكم إلى ركوبه حاجة.(6:502)

أبو حيّان :و انتصب(تارة)على الظّرف،أي وقتا غير الوقت الأوّل.(6:60)

الآلوسيّ: أي مرّة غير المرّة الأولى،و هو منصوب على الظّرفيّة،و يجمع على تارات و تير،كما في قوله:

*يقوم تارات و يمشي تيرا*

و ربّما حذفوا منه الهاء،كقوله:

*بالويل تارا و الثّبور تارا*

(15:117)

و جاء(تارة)بمعنى المرّة في سائر التّفاسير.و بهذا المعنى جاءت كلمة(تارة)في سورة طه:55.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّارة،أي الحين و المرّة، و جمعها:تارات و تير،يقال:أترت الشّيء،أي جئت به مرّة بعد مرّة،و أترت إليه الرّمي أتيره تارة:رميته تارة بعد تارة فهو متار،و كذا أترت إليه النّظر:عدته مرّة بعد مرّة،و التّائر:المداوم على العمل بعد فتور.

و منه:التّور:الرّسول بين القوم،لأنّه يتردّد بين جماعتين،مرّة بعد مرّة لسفارة أو زيارة.

و التّورة:مؤنّث التّور،إلاّ أنّه يقال للجارية الّتي ترسل بين العشّاق خاصّة.

و التّور:إناء يشرب فيه،و قد يتوضّأ منه،يصنع من صفر أو حجر كالإجّانة،و في حديث أمّ سليم«أنّها صنعت حيسا في تور».

و اختلف في أصله،فقيل:عربيّ،و قيل:دخيل، و تردّد ابن دريد فيه أوّل الأمر،ثمّ قطع بأنّه فارسيّ، تبعا لأبي عبيد الّذي تبع أبا عبيدة أيضا.

2-قال ابن الأعرابيّ: «تأرة مهموز،فلمّا كثر استعمالهم لها تركوا همزها»،يقال منه:أتأرت النّظر إليه، أي أدمته مرّة بعد مرّة.و هو خلاف ما ذهب إليه الخليل؛ حيث قال:«تارة ألفها واو»،و هو ما اخترناه.

3-و ذهب الجوهريّ إلى أنّ لفظ«تير»-جمعه تارة- مقصور من«تيار»،و هو مذهب واضح المسلك؛إذ الأصل فيه«توار»،فقلبت الواو ياء لمجاراة الياء،كما في «جياع»من(ج و ع)و«نيام»من(ن و م)،ثمّ حذفت الألف منه فصار«تير».

و لا ينقاس حذف ألف«فعال»في كلّ ما كان مفرده

ص: 204

«فعلة»بل يحذف إذا وقع بعد حرف علّة،فلا يقال في السّالم:صعبة و صعب،و رحبة و رحب،و إنّما يقال:

صعبة و صعاب،و رحبة و رحاب.

و لا ينكر أنّ ما عينه حرف علّة قليل في«فعل» و«فعال»،و«فعلة»و«فعال»،و لا سيّما ما كان عينه ياء، مثل:ضيف و ضياف،و ضيعة و ضياع.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة«تارة»مرّتين:

1- أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ الإسراء:69

2- مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى طه:55

يلاحظ أوّلا:أنّ(تارة)هي اللّفظة الوحيدة من هذه المادّة في القرآن،و قد جاءت مرّتين:مرّة في(1)بشأن الدّنيا،و مرّة في(2)بشأن الآخرة،و لا ثالث لها،كما لا ثالث لعالمي الدّنيا و الآخرة.حسب وجهة نظر القرآن، و فيهما إنذار و وعيد بالعذاب في الدّارين.

ثانيا:في(1): أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى، أي يعيدكم في البحر مرّة أخرى بعد أن كنتم فيه في الأولى؛ و ذلك لأنّ ما قبلها رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ...* وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ...* أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً الإسراء:66-68.

فالكلام كان في عذاب البرّ و البحر.و جاء في الأوّل يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً، و في الثّاني فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ.

قال الطّبرسيّ: (3:312):«و قيل:الحاصب:الرّيح المهلكة في البرّ،و القاصف:المهلكة في البحر».فكيف ما كان فقوله:(فيغرقكم)صريح في ذلك،فالمعنى أم أمنتم أن يغرقكم في البحر تارة أخرى بعد ما أصابكم فيه في المرّة الأولى من الضّرّ.

ثالثا:في(2): وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى، أي خلقكم من الأرض و أخرجكم منها في بدء الخلقة، فسيخرجكم منها مرّة أخرى عند البعث بعد أن أعادكم فيها عند الموت.

رابعا:جاءت«مرّة»مكان«تارة»في آيات الخلق و البعث:

1- وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

الأنعام:94

2- فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الإسراء:51

3- وَ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الكهف:48

4- قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يس:79

5- قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فصّلت:21

و الفرق بينهما أنّ«تارة»جاءت في الآيتين بلفظ (تارة اخرى)للمرّة الثّانية،و جاءت«مرّة»دائما بلفظ «اوّل مرّة»للمرّة الأولى،و النّكتة فيهما أنّ«تارة» للمستقبل،و«مرّة»للماضي كما يشاهد في الأفعال قبلهما.

لاحظ«م ر ر».

ص: 205

ص: 206

ت وراة

اشارة

التّورية

لفظ واحد،18 مرّة:1 مكّيّة،17 مدنيّة

في 7 سور:1 مكّيّة،6 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الفرّاء: التّوراة من الفعل:التّفعلة،كأنّها أخذت من:أوريت الزّناد،و ورّيتها،فتكون«تفعلة»في لغة طيّئ،لأنّهم يقولون في«التّوصية»:توصاة،و للجارية:

جاراة،و للنّاصية:ناصاة.(الأزهريّ 15:307)

التّوراة:معناها الضّياء و النّور،من قول العرب ورى الزّند يري،إذا قدح و ظهرت النّار فَالْمُورِياتِ قَدْحاً العاديات:2.

و يقولون:وريت بك زنادي،و معناه:ظهر بك الخير لي،فالتّوراة سمّيت بهذا الاسم لظهور الحقّ بها.و يدلّ على هذا المعنى قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً الأنبياء:48.(الفخر الرّازيّ:7:170)

الزّجّاج: و قد اختلف النّحويّون في«توراة»فقال الكوفيّون:توراة يصلح أن يكون«تفعلة»من وريت بك زنادي،فالأصل عندهم«تورية»إلاّ أنّ الياء قلبت ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها.و«تفعلة»لا تكاد توجد في الكلام،إنّما قالوا في تتفلة:«تتفلة».

و قال بعضهم: يصلح أن يكون«تفعلة»مثل توصية،و لكن قلبت من تفعلة إلى تفعلة.و كأنّه يجيز في توصية توصاة.و هذا رديء و لم يثبت في توفية توفاة، و لا في توقية توقاة.

و قال البصريّون: أصلها«فوعلة»،و فوعلة كثير في الكلام مثل الحوقلة،و دوخلة،و ما أشبه ذلك.و كلّ ما قلت فيه:«فوعلت»فمصدره«فوعلة»،فأصلها عندهم«و ورية»و لكن الواو الأولى قلبت تاء كما في «تولج»و إنّما هو«فوعل»من ولجت،كما قلبت في «تراث».الياء الأخيرة قلبت أيضا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها بإجماع.(1:374)

ص: 207

الصّاحب: و ورّيت النّار:استخرجتها تورية، و منه أخذت التّوراة-كما قيل للنّاصية:ناصاه-كأنّها ضياء يهتدى به،كما سمّي القرآن ضياء.(10:291)

الرّاغب: التّوراة:التّاء فيه مقلوب،و أصله من الوري،و بناؤه عند الكوفيّين ووراة«تفعلة»،و قال بعضهم:هي«تفعل»نحو:تنفل.و ليس في كلامهم «تفعل»اسما،و عند البصريّين وورى هي«فوعل»نحو حوقل.(76)

الزّمخشريّ: التّوراة و الإنجيل اسمان أعجميّان، و تكلّف اشتقاقهما من:الوري و النّجل،و وزنهما ب«تفعلة»و«إفعيل»،إنّما يصحّ بعد كونهما عربيّين.

(1:410)

الفخر الرّازيّ: لهم في وزنه ثلاثة أقوال:[و نقل كلام الفرّاء و الزّجّاج و أضاف:]

ثمّ طعنوا في قول الفرّاء،أمّا الأوّل:فقالوا:هذا البناء نادر أمّا«فوعلة»فكثير،نحو:صومعة و حوصلة، و دوسرة،و الحمل على الأكثر أولى.و أمّا الثّاني:فلأنّه لا يتمّ إلاّ بحمل اللّفظ على لغة طيّئ،و القرآن ما نزل بها البتّة.(7:170)

الفيّوميّ: و«التّوراة»قيل:مأخوذة من:ورى الزّند،فإنّها نور و ضياء،و قيل:من التّورية»و إنّما قلبت الياء ألفا على لغة طيّئ.و فيه نظر،لأنّها غير عربيّة.

(1:657)

الفيروزآباديّ: و ورى الزّند كوعي و ولي،وريا و وريّا ورية و وريّ:خرجت ناره،و أوريته و ورّيته و استوريته،و ورية النّار وريتها:ما تورى به من خرقة أو حطبة،و التّوراة«تفعلة»منه.(4:402)

الآلوسيّ: و اختلف في اشتقاق التّوراة و الإنجيل فقيل:اشتقاق الأوّل من:وري الزّناد،إذا قدح فظهر منه النّار،لأنّها ضياء و نور-بالنّسبة لما عدا القرآن-تجلو ظلمة الضّلال.و قيل:من ورى في كلام،إذا عرّض،لأنّ فيها رموزا كثيرة و تلويحات جليلة.

و وزنها عند الخليل و سيبويه«فوعلة»كصومعة، و أصله«و ورية»بواوين،فأبدلت الأولى تاء،و تحرّكت الياء و انفتح ما قبلها،فقلبت ألفا،فصارت«توراة» و كتبت بالياء تنبيها على الأصل،و لذلك أميلت.

و قال الفرّاء: وزنها«تفعلة»بكسر العين،فأبدلت الكسرة فتحة،و قلبت الياء ألفا،و فعل ذلك تخفيفا،كما قالوا في توصية:توصاة.

و اعترضه البصريّون بأنّ هذا البناء قليل،و بأنّه يلزم منه زيادة التّاء أوّلا،و هي لا تزاد كذلك إلاّ في مواضع ليس هذا منها.

و ذهب بعض الكوفيّين إلى أنّ وزنها«تفعلة»بفتح العين،فقلبت الياء ألفا.[إلى أن قال:]

و لا يخفى أنّ أمر الاشتقاق و الوزن على تقدير عربيّة اللّفظين ظاهر.و أمّا على تقدير أنّهما أعجميّان،أوّلهما عبرانيّ و الآخر سريانيّ-و هو الظّاهر-فلا معنى له على الحقيقة،لأنّ الاشتقاق من ألفاظ أخر أعجميّة ممّا لا مجال لإثباته،و من ألفاظ عربيّة-كما سمعت-استنتاج للضّبّ من الحوت،فلم يبق إلاّ أنّه بعد التّعريب أجروه مجرى أبنيتهم في الزّيادة و الأصالة،و فرضوا له أصلا ليتعرّف ذلك،كما أشرنا إليه فيما قبل.

ص: 208

و الاستدلال على عربيّتهما بدخول«اللاّم»لأنّ دخولها في الأعلام العجميّة محلّ نظر،لأنّهم ألزموا بعض الأعلام الأعجميّة الألف و اللاّم علامة للتّعريف-كما في الإسكندريّة-فإنّ أبا زكريّا التّبريزيّ قال:إنّه لا يستعمل بدونها،مع الاتّفاق على أعجميّته.(3:76)

مجمع اللّغة :(التّورية):ما أنزله اللّه تعالى على سيّدنا موسى من الوحي ليبلّغه قومه.(1:165)

المصطفويّ: توراة:سمّيت بها الأسفار الخمسة:

التّكوين،و الخروج،و الأعداد،و اللاّويان،و التّثنية، من العهد العتيق،المنسوبة إلى موسى عليه السّلام.

و في الحقيقة أنّها اسم لكتاب منزل،و قوانين و أحكام نازلة من اللّه المتعال إلى حضرته عليه السّلام.

و هذه كلمة عبرانيّة بمعنى القانون و التّعليم.

قاموس عبريّ: توراة-قانون،مبدأ، عقيدة،تعليم،شريعة موسى،أسفار موسى الخمسة، نواميس،تقاليد،تعاليم،نظام.

تورانيّ: واسع المعرفة،متضلّع في التّوراة،دينيّ توراتيّ.

توراتيّ: نظريّ.(1:382)

النّصوص التّفسيريّة

1- نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ. آل عمران:3

ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و ابن عامر و عاصم (التّوراة)مفتوحة الرّاء،و كان حمزة و نافع يلفظان بالرّاء بين اللّفظين بين الفتح و الكسر،و كذلك فعلا في قوله:

مَعَ الْأَبْرارِ آل عمران:193،و مِنَ الْأَشْرارِ ص:62،و قَرارٍ إبراهيم:26،إذا كان الحرف مخفوضا.

و روى المسيّبيّ عن نافع فتح الرّاء من(التّورية) و روى ورش عنه كسرها،و كان أبو عمرو و الكسائيّ يكسران الرّاء من(التّورية)و يميلان من(الابرار) و غيرها أشدّ من إمالة حمزة و نافع.(1:398)

نحوه أبو حيّان.(2:378)

الفخر الرّازيّ: في(التّورية)قراءتان:الإمالة و التّفخيم،فمن فخّم فلأنّ الرّاء حرف يمنع الإمالة،لما فيه من التّكرير.(7:170)

الشّربينيّ: و اختلف النّاس في هذين اللّفظين هل يدخلهما الاشتقاق و التّصريف أو لا يدخلانهما لكونهما أعجميّين فلا يناسب كونهما مشتقّين؟و رجّح هذا الزّمخشريّ،و قال:قالوا:لأنّ هذين اللّفظين اسمان عبرانيّان لهذين الكتابين الشّريفين.(1:194)

البروسويّ: اسمان أعجميّان،الأوّل عبريّ و الثّاني سريانيّ(2:3)

الآلوسيّ: ذكرهما تعيينا لما بين يديه و تبيينا لرفعة محلّه،بذلك تأكيد لما قبل و تمهيد لما بعد،و لم يذكر المنزل عليه فيهما،لأنّ الكلام في الكتابين لا فيمن نزلا عليه.(3:76)

القاسميّ: و«التّوراة»اسم عبرانيّ معناه الشّريعة، و«الإنجيل»لفظة يونانيّة معناها البشرى،أي الخبر الحسن.هذا هو الصّواب كما نصّ عليه علماء الكتابين في مصنّفاتهم.و قد حاول بعض الأدباء تطبيقهما على أوزان

ص: 209

لغة العرب و اشتقاقهما منها،و هو خبط بغير ضبط.(4:749)

رشيد رضا :«التّوراة»كلمة عبرانيّة،معناها المراد:الشّريعة أو النّاموس.و هي تطلق عند أهل الكتاب على خمسة أسفار،يقولون:إنّ موسى كتبها، و هي:سفر التّكوين؛و فيه الكلام عن بدء الخليقة و أخبار بعض الأنبياء،و سفر الخروج،و سفر اللاّويّين أو الأخبار،و سفر العدد،و سفر تثنية الاشتراع،و يقال:

التّثنية فقط.

و يطلق النّصارى لفظ«التّوراة»على جميع الكتب الّتي يسمّونها العهد العتيق،و هي كتب الأنبياء و تاريخ قضاة بني إسرائيل و ملوكهم قبل المسيح،و منها ما لا يعرفون كاتبه،و قد يطلقونه عليها و على العهد الجديد معا،و هو المعبّر عنه ب«الإنجيل»و سيأتي تفسيره.

أمّا«التّوراة»في عرف القرآن فهي ما أنزله اللّه تعالى من الوحي على موسى عليه الصّلاة و السّلام،ليبلّغه قومه لعلّهم يهتدون به.و قد بيّن تعالى أنّ قومه لم يحفظوه كلّه؛إذ قال: وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ المائدة:13، كما أخبر عنهم في آيات أنّهم حرّفوا الكلم عن مواضعه، و ذلك فيما حفظوه و اعتقدوه.

و هذه الأسفار الخمسة الّتي في أيديهم تنطق بما يؤيّد ذلك،و منه ما في سفر التّثنية من أنّ موسى كتب التّوراة و أخذ العهد على بني إسرائيل بحفظها و العمل بها،ففي الفصل الإصحاح الحادي و الثّلاثين منه ما نصّه:

«(24)فعند ما كمّل موسى كتابة كلمات هذه التّوراة في كتاب إلى تمامها(25)أمر موسى اللاّويّين حاملي تابوت عهد الرّبّ،قائلا(26):خذوا كتاب التّوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرّبّ إلهكم،ليكون هناك شاهدا عليكم(27)لأنّي أنا عارف تمرّدكم و رقابكم الصّلبة.هو ذا و أنا بعد حيّ معكم،اليوم قد صرتم تقاومون الرّبّ،فكم بالحريّ بعد موتي(28)أجمعوا إليّ كلّ شيوخ أسباطكم و عرفاءكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات،و أشهد عليهم السّماء و الأرض(29)لأنّي عارف أنّكم بعد موتي تفسدون و تزيغون من الطّريق الّذي أوصيتكم(30)و يصيبكم الشّرّ في آخر الأيّام، لأنّكم تعملون الشّرّ أمام الرّبّ حتّى تغيظوه بأعمال أيديكم(30)فنطق موسى في مسامع كلّ جماعة إسرائيل بكلمات هذا النّشيد إلى تمامه».

و هاهنا ذكر النّشيد في الفصل الثّاني و الثّلاثين،ثمّ قال،أي الكاتب لسفر التّثنية:«(44)فأتى موسى و نطق بجميع كلمات هذا النّشيد في مسامع الشّعب هو و يشوع ابن نون(45)و لمّا فرغ موسى من مخاطبة جميع بني إسرائيل بهذه الكلمات(46)قال لهم:وجّهوا قلوبكم إلى جميع الكلمات الّتي أنا أشهد عليكم بها اليوم،لكي توصوا بها أولادكم ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التّوراة،لأنّها ليست أمرا باطلا عليكم بل هي حياتكم،و بهذا الأمر تطيلون الأيّام على الأرض الّتي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها».

و منه خبر موت موسى،و كونه لم يقم في بني إسرائيل نبيّ مثله بعد،أي إلى وقت الكتابة.فهذان الخبران عن كتابة موسى للتّوراة و عن موته معدودان عندهم من التّوراة،و ما هما في الحقيقة من الشّريعة

ص: 210

المنزلة على موسى الّتي كتبها و وضعها بجانب التّابوت بل كتبا كغيرهما بعده.و قد ظهر تأويل علم موسى في بني إسرائيل فإنّهم فسدوا و زاغوا بعده كما قال،و أضاعوا التّوراة الّتي كتبها ثمّ كتبوا غيرها.و لا ندري عن أيّ شيء أخذوا ما كتبوه على أنّه فقد أيضا.و في الفصل الرّابع و الثّلاثين من أخبار الأيّام الثّاني:أنّ حلقيا الكاهن وجد سفر شريعة الرّبّ و سلّمه إلى شافان الكاتب،فجاء به شافان إلى الملك.

قال صاحب دائرة المعارف العربيّة:إنّهم ادّعوا أنّ هذا السّفر الّذي وجده حلقيا هو الّذي كتبه موسى، و لا دليل لهم على ذلك،على أنّهم أضاعوه أيضا،ثمّ إنّ عزرا الكاهن الّذي هيّأ قلبه لطلب شريعة الرّبّ و العمل بها،و ليعلم إسرائيل فريضة و قضاء،قد كتب لهم الشّريعة بأمر أرتحشستا ملك فارس الّذي أذن لهم-أي لبني إسرائيل-بالعودة إلى أورشليم.

و قد أمر هذا الملك بأن تقام شريعتهم و شريعته كما في سفر عزرا-راجع الفصل السّابع منه-فجميع أسفار التّوراة الّتي عند أهل الكتاب قد كتبت بعد السّبي كما كتب غيرها من أسفار العهد العتيق،و يدلّ على ذلك كثرة الألفاظ البابليّة فيها.و قد اعترف علماء اللاّهوت من النّصارى بفقد توراة موسى الّتي هي أصل دينهم و أساسه.

قال صاحب كتاب«خلاصة الأدلّة السّنيّة على صدق أصول الدّيانة المسيحيّة»:و الأمر مستحيل أن تبقى نسخة موسى الأصليّة في الوجود إلى الآن،و لا نعلم ما ذا كان من أمرها،و المرجّح أنّها فقدت مع التّابوت لمّا خرب بخت نصّر الهيكل،و ربّما كان ذلك سبب حديث كان جاريا بين اليهود على أنّ الكتب المقدّسة فقدت و أنّ عزرا الكاتب الّذي كان نبيّا جمع النّسخ المتفرّقة من الكتب المقدّسة و أصلح غلطها،و بذلك عادت إلى منزلتها الأصليّة،انتهى بحروفه.

و لقد نعلم أنّهم يجيبون من يسأل:من أين جمع عزرا تلك الكتب بعد فقدها و إنّما يجمع الموجود،و على أيّ شيء اعتمد في إصلاح غلطها؟قائلين:إنّه كتب ما كتب بالإلهام فكان صوابا،و لكن هذا الإلهام ممّا لا سبيل إلى إقامة البرهان عليه،و لا هو ممّا يحتاج فيه إلى جمع ما في أيدي النّاس الّذين لا ثقة بنقلهم،و لو كتب عزرا بالإلهام الصّحيح لكتب شريعة موسى مجرّدة من الأخبار التّاريخيّة،و منها ذكر كتابته لها و وضعها في جانب التّابوت،و ذكر موته و عدم مجيء مثله،و قد بيّن بعض علماء أوربّا أنّ أسفار التّوراة كتبت بأساليب مختلفة لا يمكن أن تكون كتابة واحد.

و ليس من غرضنا أن نطيل في ذلك و إنّما نقول:إنّ التّوراة الّتي يشهد لها القرآن هي ما أوحاه اللّه إلى موسى ليبلّغه قومه بالقول و الكتاب،و أمّا التّوراة الّتي عند القوم فهي كتب تاريخيّة مشتملة على كثير من تلك الشّريعة المنزلة،لأنّ القرآن يقول في اليهود:إنّهم أوتوا نصيبا من الكتاب،كما يقول:إنّهم نسوا حظّا ممّا ذكّروا به،و لأنّه يستحيل أن تنسى تلك الأمّة بعد فقد كتاب شريعتها جميع أحكامها.فما كتبه عزرا و غيره مشتمل على ما حفظ منها إلى عهده و على غيره من الأخبار،و هذا كاف للاحتجاج على بني إسرائيل بإقامة التّوراة،و للشّهادة

ص: 211

بأنّ فيها حكم اللّه كما في سورة المائدة.و بهذا يجمع بين الآيات الواردة في التّوراة و بين المعقول و المعروف في تاريخ القوم.(3:155)

المراغيّ: و«التّوراة»كلمة عبريّة،معناها الشّريعة.و يريد بها اليهود خمسة أسفار،يقولون:إنّ موسى كتبها،و هي:سفر التّكوين،و سفر الخروج، و سفر اللاّويّين،و سفر العدد،و سفر تثنية الاشتراع، و يريد بها النّصارى جميع الكتب الّتي تسمّى العهد العتيق،و هي كتب الأنبياء و تاريخ قضاة بني إسرائيل و ملوكهم قبل المسيح،و قد يطلقونه عليها و على العهد الجديد معا،و هو المعبّر عنه ب«الإنجيل».و يريد بها القرآن:ما أنزل على موسى ليبلّغه قومه.(3:92)

محمّد جواد مغنية: يطلق القرآن لفظ«التّوراة» على ما أنزله اللّه تعالى من الوحي على موسى عليه السّلام، و يطلق لفظ«الإنجيل»على الوحي الّذي أنزله على عيسى عليه السّلام.و لكنّ القرآن قد بيّن و سجّل أنّ(التّورية و الانجيل)اللّذين يعترف بهما هما غير التّوراة و الإنجيل الموجودين الآن عند اليهود و النّصارى.قال تعالى في الآية(45)من سورة النّساء: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ و قال في الآية(14)من سورة المائدة: وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ و في الآية(15)من السّورة المذكورة: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ.

و المبشّرون المسيحيّون أعرف النّاس بهذه الحقيقة، و مع ذلك يدلّسون و يوهمون العوامّ بأنّ القرآن يعترف بالتّوراة و الإنجيل اللّذين لعبت بهما يد التّحريف.إنّ القرآن بكامله هو كلام واحد،و جملة واحدة،لا يجوز الإيمان ببعضه و الكفر ببعضه الآخر.

و«التّوراة»كلمة عبرانيّة،و معناها الشّريعة، و تطلق عند أهل الكتاب على خمسة أسفار:

الأوّل:سفر التّكوين،و فيه الكلام عن بدء الخليقة، و أخبار الأنبياء.

و الثّاني:سفر الخروج،و فيه تاريخ بني إسرائيل و قصّة موسى.

الثّالث:سفر التّثنية،و فيه أحكام الشّريعة اليهوديّة.

الرّابع:سفر اللاّويّين،و اللاّويّون هم نسل لاوي أحد أبناء يعقوب،و فيه العبادات و المحرّمات من الطّيور و الحيوانات.

الخامس:سفر العدد،و فيه إحصاء لقبائل لبني إسرائيل و جيوشهم.

و هذه الأسفار الخمسة هي من مجموعة أسفار تبلغ تسعة و ثلاثين سفرا،و يطلق النّصارى عليها اسم:العهد القديم.(2:6)

مكارم الشّيرازيّ: «التّوراة»لفظة عبريّة،تعني «الشّريعة و القانون».و أطلقت على الكتاب الّذي أنزل اللّه على موسى بن عمران عليه السّلام،و قد تطلق أيضا على مجموعة كتب العهد القديم،أو أسفاره الخمسة.

إنّ مجموعة كتب العهد القديم تتألّف من التّوراة و عدد من الكتب الأخرى.و«التّوراة»تتألّف من خمسة أقسام،كلّ قسم يسمّى«سفرا»و هي:سفر التّكوين، و سفر الخروج،و سفر لاوي،و سفر الأعداد،و سفر

ص: 212

التّثنية.هذه الأقسام من العهد القديم تشرح تكوين العالم و الإنسان و المخلوقات،و بعضا من سير الأنبياء السّابقين،و موسى بن عمران و بني إسرائيل و الأحكام.

أمّا الكتب الأخرى فهي ما كتبه المؤرّخون بعد موسى عليه السّلام،في شرح أحوال الأنبياء و الملوك و الأقوام الّتي جاءت بعد موسى بن عمران عليه السّلام.

بديهيّ أنّ هذه الكتب-عدا الأسفار الخمسة- ليست كتبا سماويّة،و اليهود أنفسهم لا يدّعون ذلك.

و حتّى«زبور»داود الّذي يطلقون عليه اسم«المزامير» هو شرح مناجات داود و مواعظه.

أمّا أسفار التّوراة الخمسة ففيها دلائل تشير إلى أنّها ليست من الكتب السّماويّة،بل هي كتب تاريخيّة دوّنت بعد موسى بن عمران عليه السّلام؛إذ فيها بيان موت موسى عليه السّلام و مراسيم دفنه،و بعض الحوادث الّتي وقعت بعده،على الأخصّ الفصل الأخير من سفر التّثنية الّذي يثبت أنّ هذا الكتاب قد كتب بعد موت موسى عليه السّلام.

يضاف إلى ذلك أنّ في هذه الكتب الكثير من الخرافات،و هي تنسب أمورا فاضحة للأنبياء،و بعض الأقوال الصّبيانيّة،ممّا يؤكّد زيف هذه الكتب.

و الشّواهد التّاريخيّة تؤكّد أنّ التّوراة الأصليّة قد ضاعت،و أنّ أتباع موسى هم الّذين كتبوا هذه الكتب بعده.(2:278)

المصطفويّ: [ذكر بعض الآيات و قال:]

هذه الآيات الكريمة تدلّ على أنّ التّوراة كالإنجيل و القرآن اسم لكتاب أنزل على موسى عليه السّلام،لاحتوائه على أحكام و قوانين و علوم سماويّة.

و أمّا أنّ هذا الكتاب كيف انمحى و لم يبق منه أثر و لا خبر،فبحث تاريخيّ.

و الموجود بين أيدينا من الأسفار الخمسة المسمّاة بالتّوراة؛فلا شكّ في كونها من الكتب المؤلّفة في القرون بعد رحلة موسى عليه السّلام،بعنوان قضايا تاريخيّة و حوادث مربوطة بالتّكوين و حياة الأنبياء و كلماتهم و حالاتهم، إلى زمان منتهى حياة موسى عليه السّلام و فوته.

سفر العدد 36:13:هذه هي الوصايا و الأحكام الّتي أوصى بها الرّبّ إلى بني إسرائيل عن يد موسى في عربات موآبات على أرض أردن أريحا.

سفر لاويّين 37:34:هذه في الوصايا الّتي أوصى الرّبّ بها موسى إلى بني إسرائيل في جبل سينا.

سفر التّثنية 34:5:فمات موسى هناك عبد الرّبّ في أرض موآب حسب قول الرّبّ،و دفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور،و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم،و كان موسى ابن مائة و عشرين سنة حين مات،و لم تكلّ عينه و لا ذهبت نضارته.فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوما،فكملت أيّام بكاء مناحة موسى.و يشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمته إذ وضع موسى يده عليه،فسمع له بنو إسرائيل و عملوا كما أوصى الرّبّ موسى.و لم يقم بعد نبيّ في بني إسرائيل مثل موسى الّذي عرّفه الرّبّ وجها لوجه.

فيظهر من هذه الكلمات أنّ كتابة هذا السّفر قد كان بعد نبوّة يوشع وصيّ موسى عليه السّلام،بل و بعد نبوّة جمع من الأنبياء؛حيث قال:و لم يقم بعد نبيّ في بني إسرائيل مثل

ص: 213

موسى عليه السّلام.

ثمّ إنّ التّوراة سفر واحد و نازل من السّماء،و فيها حكم اللّه و فيها هدى و نور.و يظهر من بعض الآيات أنّها كانت موجودة عندهم في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و كانوا يخفونها مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها الجمعة:5 اَلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ الأعراف:157، لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ المائدة:68، قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آل عمران:93، وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ المائدة:43.

و للتّحقيق في أصل«التّوراة»،و في الأسفار المؤلّفة باسم التّوراة و تطوّرها و تحوّلها و خصوصيّات كلّ منها؛ موضع آخر.(1:382)

2- وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ.

آل عمران:48

ابن عطيّة: (و التّورية)هي المنزلة على موسى عليه السّلام.

و يروى أنّ عيسى كان يستظهر التّوراة و كان أعمل النّاس بما فيها.و يروى أنّه لم يحفظها عن ظهر قلب إلاّ أربعة:موسى،و يوشع بن نون،و عزير،و عيسى عليه السّلام.

(1:438)

الطّباطبائيّ: (و الحكمة)هي المعرفة النّافعة المتعلّقة بالاعتقاد أو العمل،و على هذا فعطف(التّورية و الانجيل)على(الكتاب و الحكمة)مع كونهما كتابين مشتملين على الحكمة،من قبيل ذكر الفرد بعد الجنس، لأهمّيّة في اختصاصه بالذّكر.

و أمّا(التّورية)فالّذي يريده القرآن منها هو الّذى نزّله اللّه على موسى عليه السّلام في الميقات في ألواح،على ما يقصّه اللّه سبحانه في سورة الأعراف.

و أمّا الّذي عند اليهود من الأسفار،فهم معترفون بانقطاع اتّصال السّند ما بين بخت نصّر من ملوك بابل و كورش من ملوك الفرس.

غير أنّ القرآن يصدّق أنّ التّوراة الموجود بأيديهم في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله غير مخالفة للتّوراة الأصل بالكلّيّة و إن لعبت بها يد التّحريف،و دلالة آيات القرآن على ذلك واضحة.(3:197)

تقدّم أكثر نصوص المفسّرين و بعض من كلام الطّباطبائيّ في«إنجيل»فلاحظ.

الأصول اللّغويّة

1-ذهب الرّعيل الأوّل من اللّغويّين و المفسّرين قاطبة إلى أنّ«التّوراة»لفظ عربيّ،و انشعبوا في أصله شعبتين،قال البصريّون:هو«فوعلة»،مثل:حوصلة و دوخلة،و مثله كثير في اللّغة،و من قولهم:ورى الزّند و وري وريا،أي خرجت ناره،لأنّ معنى التّوراة الضّياء و النّور.فالأصل فيه على هذا القول«و ورية»،قلبت الواو الأولى تاء،كما قلبت في«تولج»،ثمّ قلبت الياء ألفا لتحرّكها،و انفتاح ما قبلها.

و قال الكوفيّون:هو«تفعلة»من المعنى المتقدّم أيضا،و أصله«تورية»،فالتّاء زائدة،و قلبت الياء ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها.أو هو«تفعلة»،ثمّ قلب إلى

ص: 214

«تفعلة»على لغة طيّئ،فهم يقولون في جارية:جاراة، و في ناصية:ناصاة،و في توصية:توصاة.

و قيل:هو مشتقّ من التّورية،و هي التّعريض بالشّيء و الكتمان لغيره،فكأنّ أكثر التّوراة معاريض و تلويحات من غير تصريح و إيضاح،و في الحديث:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد سفرا ورّى بغيره».

2-و قال الزّمخشريّ: التّوراة و الإنجيل:اسمان أعجميّان،و تكلّف اشتقاقهما من«الوري»و«النّجل»، و وزنهما ب«تفعلة»و«إفعيل»،إنّما يصحّ بعد كونهما عربيّين.

و يبدو أنّ القول ما قاله الزّمخشريّ،و هو لفظ عبريّ على الأصحّ،فقد جاء في هذه اللّغة بلفظ«توراه»،أي الشّريعة و القانون.و زعم«فرانكل»أنّ العبريّين أخذوه من الآراميّة،و ليس بشيء.

الاستعمال القرآنيّ

لقد تقدّمت آيات التّوراة و جملة من نصوصها و البحث حولها في(الانجيل)فلاحظ.

و نتعرّض هنا تتميما للبحث حول«التّوراة»لتفنيد قول اليهود و دعاة النّصارى:إنّ كتاب التّوراة الحالي هو من عند اللّه،فنقول:

أوّلا:تكرّرت في«التّوراة»-و هي عند أهل الكتاب خمسة أسفار:التّكوين،و الخروج،و اللاّويّون و العدد، و التّثنية-عبارتا«قال الرّبّ لموسى»و«قال موسى للرّبّ»بصيغه الغيبة أكثر من سبعمائة مرّة،و لو كانتا ممّا أملاه موسى عليه السّلام وحيا من اللّه لقال:«قال الرّبّ لي» و«قلت للرّبّ»،و هذا يعني أنّ شخصا آخر غير موسى قد كتبها.

ثانيا:جاء في آخر سفر التّثنية:أنّ موسى صعد إلى جبل«نبو»،و أراه اللّه من هناك الأرض من«جلعاد» إلى«دان»،«فمات هناك موسى عبد الرّبّ في أرض موآب حسب قول الرّبّ،و دفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور،و لم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم»،«و لم تكلّ عينه،و لا ذهبت نضارته»،«و لم يقم بعد نبيّ في بني إسرائيل مثل موسى الّذي عرّفه الرّبّ وجها لوجه».التّثنية(34:5-10)

فسياق هذا النّصّ ينبئ بوضوح عن أنّ موسى عليه السّلام لم يكتبه قطّ.

ثالثا:حوت هذه الأسفار كثيرا من الخرافات و الأباطيل الّتي نسبوها إلى الأنبياء و الأولياء،و منها:أنّ النّبيّ لوطا زنى بابنتيه فولدت ذكرين،اسم أحدهما موآب،و هو أبو الموآبيّين إلى اليوم،و اسم الآخر عمّي، و هو أبو بني عمّون إلى اليوم.التّكوين(19:30-38).

و منها:أنّ يهودا بن يعقوب و أبا اليهود زنى بكنّته، فولدت توأمين:فارص و زارح.التّكوين(38:13-30)، و غيرها من التّخرّصات و الافتراءات الّتي تطفح بها هذه الأسفار.و لا نريد أن نتوغّل فيها،فهي كالمستنقع،كلّما خاض الإنسان في لجّته امتلأت خياشيمه نتنا و ذفرة.

و لعمري إنّ جبين الغيور يندى خجلا و حياء عند سماع هذه التّرّهات،فكيف يعتقدها اليهود و النّصارى، و يتقرّبون إلى اللّه بتلاوتها؟!

لقد تحدّى الدّكتور أحمد ديدات القسّ«جيمي

ص: 215

سواجرت»خلال مناظرة في أمريكا بأن يقرأ نصّا من هذه النّصوص أمام الحاضرين،و كان يظنّ أنّ«الأب الرّوحيّ»يحجم أو ينكص خجلا،و كان المكان مكتظّا بحشد عظيم من المسلمين و النّصارى،و لكنّ الأمر لم يكن على ما توهّمه؛إذ سارع القسّ إلى تلبية رغبة متحدّيه،و شرع يتلو النّصّ بنشوة و غبطة،وسط ذهول المسلمين و تصفيق المسيحيّين!و هو يلتفت إلى ندّه بين فينة و أخرى قائلا:أ تريد المزيد؟!!

رابعا:قال مستر هاكس في الصّفحة(718)من قاموسه:«إنّ النّسخ الأصليّة للكتاب المقدّس الّتي كتبها النّبيّ أو كتّابه ليست في أيدينا اليوم،بل أنّ ما بين أيدينا نسخة مقتبسة من الأصل،و يلحظ فيها اختلافات جزئيّة،رغم أنّهم قد أمعنوا في الكتابة إمعانا بالغا».

و قد عرّف العهد القديم«عزرا»-المعروف في القرآن بلفظ«عزير»-بأنّه«كاتب شريعة إلى السّماء الكامل إلى آخره»حسب رسالة الملك الفارسيّ«أرتحشستا»، سفر عزرا(7:11 و 12)،فقد جمع كلّ أسفار التّوراة و العهد القديم و أصلح غلطها كما يقول علماؤهم.و لكنّ بعضهم يقول:إنّ أسفار التّوراة كتبت بأساليب مختلفة، لا يمكن أن تكون كتابة واحد.

و شكّك علماء المسلمين في«عزرا»هذا،و منهم العلاّمة الطّباطبائيّ،فقال في الميزان(3:310):

«لا نعرفه أوّلا،و لا نعرف كيفيّة اطّلاعه و تعمّقه ثانيا، و لا نعرف مقدار أمانته ثالثا،و لا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التّوراة رابعا،و لا ندري بالاستناد إلى أيّ مستند صحّح الأغلاط الواقعة أو الدّائرة خامسا».

فالشّكّ-كما ترى-يحوم حول الكاتب و المكتوب من قبل المسلمين و النّصارى على السّواء،و ما أصدق قول القرآن الكريم فيهم: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ البقرة:79.

خامسا:يلهج دعاة النّصرانيّة دائما عند مخاطبتهم لعوامّ المسلمين أنّ ما جاء به محمّد في القرآن بقوله:

وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ المائدة:46،شهادة للتّوراة و الإنجيل بالسّلامة من التّحريف!

لقد تقدّم في النّقطة السّابعة من الاستعمال القرآنيّ للفظ«الإنجيل»أنّ التّوراة و الإنجيل كتابان تاريخيّان لحياة موسى و عيسى و ما قبلهما و ما بينهما،و تتخلّلهما شرائع و أحكام و مواعظ و غيرها،فلاحظ.

ص: 216

ت ي ن

اشارة

التّين

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :واحد التّين:تينة.

و التّينة:الرّمّاعة،من أسماء الدّبر ترمع،أي تتحرّك.

و التّنّين:حيّة.(8:136)

الدّينوريّ: أجناسه[التّين]كثيرة:برّيّة و ريفيّة و سهليّة و جبليّة،و هو كثير بأرض العرب.

و أخبرني رجل من أعراب السّراة،و هم أهل تين، قال:التّين بالسّراة كثير جدّا،مباح.

قال:و تأكله رطبا و تزبّبه فتدّخره،و قد يكسّر على التّين.

هو[التّين]جبل في بلاد غطفان،و ليس قول من قال:هو جبل بالشّام بشيء،لأنّه ليس بالشّام جبل يقال له:التّين.و أين الشّأم من بلاد غطفان!

و التّينة:مويهة في أصل هذا الجبل.(ابن سيده 9:521)

ابن دريد :التّين:ثمر معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّين:جبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّي الذّئب:تينانا في بعض اللّغات.[ثمّ استشهد بشعر](2:31)

الصّاحب: التّين:من الفواكه،الواحدة:تينة.

و التّينة:الدّبر.(9:465)

الجوهريّ: التّين:هذا الّذي يؤكل رطبا و يابسا، الواحدة:تينة.(5:2087)

ابن فارس: التّاء و الياء و النّون ليس أصلا،إلاّ التّين،و هو معروف.و التّين:جبل.(1:361)

ابن سيده: التّين:شجرة البلس،و قيل:هو البلس نفسه،واحدته:تينة.

و التّينة:الدّبر.

و التّين:جبل بالشّام.

و التّينة:مويهة في أصل هذا الجبل[الّذي بغطفان] هكذا حكاه أبو حنيفة:مويهة،كأنّه تصغير الماءة.

ص: 217

و طور تينا،و تيناء و تيناء،كسيناء.

و التّينان:الذّئب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:جاء الأخطل بحرفين لم يجئ بهما غيره، و هما:التّينان:الذّئب،و العيثوم:أنثى الفيلة.(9:521)

التّين:شجر معروف،و ثمره:التّين،و يعرف في مصر بالتّين البرشوميّ،و رطبه النّضيج أحسن الفاكهة و أكثرها غذاء و أقلّها نفخا،واحدته:تينة.

و التّين الشّوكيّ: ضرب من الصّبّار،و ثمره أسطوانيّ بيضيّ تقريبا نحو ملء الكفّ،ذو حبوب صلبة منبثّة في مادّة حلوة،و قشره غليظ ذو شوك دقيق حادّ.

(الإفصاح 2:1156)

الزّمخشريّ: أرض متانة:كثيرة التّين.

(أساس البلاغة:41)

الفيّوميّ: التّين:المأكول معروف،و هو عربيّ، و جمهور المفسّرين على أنّه المراد بقوله تعالى: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ التّين:1،الواحدة:تينة.(1:79)

الفيروزآباديّ: التّين بالكسر:مأكول،و رطبه النّضيج:أحد الفاكهة،و أكثرها غذاء،و أقلّها نفخا، جاذب محلّل،مفتّح سدد الكبد و الطّحال مليّن،و الإكثار منه مقمل.

و جبل بالشّام،و مسجد بها،و جبل لغطفان،و اسم دمشق.

و طور تينا بالفتح و الكسر و المدّ و القصر،بمعنى سيناء.

و التّينة بالكسر:الدّبر،و ماءة.(4:208)

محمّد إسماعيل إبراهيم:التّين:شجر له ثمر معروف يؤكل.(1:93)

مجمع اللّغة :اسم فاكهة معروفة،و قد سمّي به بعض الجبال و غيرها.(1:165)

المصطفويّ: إحياء التّذكرة-تين:و التّين من الثّمار ذات القيمة الكبرى.فهو قلويّ يزيل من حموضة الجسم الّتي هي منشأ الأمراض،و هبوط القوّة و الشّعور بالوهن.و هو كغيره من الفواكه القلويّة يغسل الكلى و المسالك البوليّة،و مطبوخه في الماء أو اللّبن شراب ملطّف لمرضى لحصبة و الجدري و الحمّى القرمزيّة،و هو مفيد جدّا للنّزولات الصّدريّة و نزولات المسالك الهوائيّة،و يستعمل غرغرة و مضمضة في تقرّحات الفم و اللّثة.

و التّين من الفواكه النّافعة جدّا في تقوية جهاز التّنفّس،و تلطيف مجاري الدّم،و المحلّل و جالي القوى و المقوّي،و مليّن الطّبع.و مع هذا فهو سهل التّناول، و لا فضول لها.(1:384)

النّصوص التّفسيريّة

وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ* وَ طُورِ سِينِينَ* وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. التّين:1-3

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: (التِّينِ) المدينة، (وَ الزَّيْتُونِ) :البيت المقدّس، (وَ طُورِ سِينِينَ) :الكوفة، (وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) مكّة.(الكاشانيّ 5:346)

ابن عبّاس: يعني مسجد نوح الّذي بني على الجوديّ، (وَ الزَّيْتُونِ) :بيت المقدس.

و يقال: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ* وَ طُورِ سِينِينَ:

ص: 218

ثلاثة مساجد بالشّام.(الطّبريّ 30:239)

هو تينكم هذا و زيتونكم،و يقال:إنّهما جبلان بالشّام،[أو]مسجدان بالشّام،أحدهما الّذي كلّم اللّه تبارك و تعالى موسى عليه السّلام.(الفرّاء 3:276)

هو تينكم الّذي تأكلون،و زيتونكم الّذي تعصرون منه الزّيت.مثله الحسن و مجاهد و مقاتل و الكلبيّ و عطاء بن أبي رباح.(الميبديّ 10:542)

كعب الأحبار:(التّين):مسجد دمشق، (و الزّيتون):بيت المقدس.(الطّبريّ 30:239)

النّخعيّ: (التّين):الّذي يؤكل،(و الزّيتون):الّذي يعصر.(الطّبريّ 30:239)

شهر بن حوشب:(التّين):الكوفة،و(الزّيتون):

الشّأم.(النّيسابوريّ 30:128)

عكرمة :(التّين):هو التّين،و(الزّيتون):الّذي تأكلون.(الطّبريّ 30:238)

هما جبلان.(الطّبريّ 30:239)

الضّحّاك: (التّين):مسجد الحرام،(و الزّيتون):

المسجد الأقصى.(القرطبيّ 20:110)

القرظيّ: (التّين):مسجد أصحاب الكهف، (و الزّيتون):مسجد إيليا.(الميبديّ 10:542)

مجاهد : وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ: الفاكهة الّتي يأكل النّاس.(الطّبريّ 30:239)

قتادة :(التّين):الجبل الّذي عليه دمشق، (و الزّيتون):الّذي عليه بيت المقدس،و هما ينبتان التّين و الزّيتون.(الميبديّ 10:542)

الرّبيع: هما جبلان من بين همذان و حلوان.

(النّيسابوريّ 30:128)

الكلبيّ: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ: هو الّذي ترون.

(الطّبريّ 30:239)

ابن زيد :(التّين):مسجد دمشق،(و الزّيتون):

مسجد إيلياء.(الطّبريّ 30:239)

(التّين):مسجد دمشق،(و الزّيتون)مسجد:بيت المقدس.(القرطبيّ 20:111)

الإمام الرّضا عليه السّلام: التّين:يزيل نكهة الفم، و يطوّل الشّعر،و هو أمان من الفالج.

(النّيسابوريّ 30:127)

الفرّاء: سمعت رجلا من أهل الشّام و كان صاحب تفسير قال:(التّين):جبال ما بين حلوان إلى همدان، (و الزّيتون):جبال الشّام، (وَ طُورِ سِينِينَ) :جبل.

(3:276)

ابن قتيبة : (التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ) :جبلان بالشّام، يقال لهما:طور تينا،و طور زيتا بالسّريانيّة،سمّيا بالتّين و الزّيتون:لأنّهما ينبتانهما.(532)

الطّبريّ: [نقل بعض أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال:

(التّين)هو التّين الّذي يؤكل،(و الزّيتون):هو الزّيتون الّذي يعصر منه الزّيت،لأنّ ذلك هو المعروف عند العرب.و لا يعرف جبل يسمّى تينا،و لا جبل يقال له:

زيتون،إلاّ أن يقول قائل:أقسم ربّنا جلّ ثناؤه بالتّين و الزّيتون.

و المراد من الكلام:القسم بمنابت التّين،و منابت الزّيتون،فيكون ذلك مذهبا،و إن لم يكن على صحّة

ص: 219

ذلك أنّه كذلك،دلالة في ظاهر التّنزيل،و لا من قول من لا يجوّز خلافه،لأنّ دمشق بها منابت التّين،و بيت المقدس منابت الزّيتون.(30:238)

الماورديّ: هما قسمان،و فيهما ثمانية تأويلات.

[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين و قال:]

الثّامن:أنّه أراد بهما نعم اللّه تعالى على عباده الّتي منها التّين و الزّيتون،لأنّ التّين طعام،و الزّيتون إدام.

(60:300)

الرّاغب: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ: قيل:هما جبلان، و قيل:هما المأكولان.(76)

الميبديّ: خصّ(التّين)بالقسم،لأنّه يشبه ثمار الجنّة ليس فيه ما يبقى و يطرح.(10:542)

الزّمخشريّ: أقسم بهما لأنّهما عجيبان من بين أصناف الأشجار المثمرة،روي«أنّه أهدي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم طبق من تين فأكل منه،و قال لأصحابه:كلوا، فلو قلت:إنّ فاكهة نزلت من الجنّة لقلت:هذه،لأنّ فاكهة الجنّة بلا عجم،فكلوها فإنّها تقطع البواسير و تنفع من النّقرس».(4:268)

الطّبرسيّ: أقسم اللّه سبحانه ب(التّين)الّذي يؤكل و(الزّيتون)الّذي يعصر منه الزّيت،عن ابن عبّاس و الحسن و مجاهد و عكرمة و قتادة و عطاء،و هو الظّاهر.

و إنّما أقسم بالتّين لأنّه فاكهة مخلصة من شائب التّنغيص،و فيه أعظم عبرة،لأنّه عزّ اسمه جعلها على مقدار اللّقمة،و هيّأها على تلك الصّفة إنعاما على عباده بها.(5:510)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الإشكال هو أنّ(التّين و الزّيتون)ليسا من الأمور الشّريفة،فكيف يليق أن يقسم اللّه تعالى بهما؟فلأجل هذا السّؤال حصل فيه قولان:

الأوّل:أنّ المراد من(التّين و الزّيتون)هذان الشّيئان المشهوران.قال ابن عبّاس:هو تينكم و زيتونكم هذا، ثمّ ذكروا من خواصّ التّين و الزّيتون أشياء.

أمّا التّين فقالوا:إنّه غذاء و فاكهة و دواء.أمّا كونه غذاء فالأطبّاء زعموا أنّه طعام لطيف سريع الهضم، لا يمكث في المعدة،يلين الطّبع و يخرج بطريق التّرشّح، و يقلّل البلغم،و يطهّر الكليتين،و يزيل ما في المثانة من الرّمل،و يسمّن البدن،و يفتح مسامّ الكبد و الطّحال، و هو خير الفواكه و أحمدها.[إلى أن قال:]

و أمّا كونه دواء،فلأنّه يتداوى به في إخراج فضول البدن.

و اعلم أنّ لها بعد ما ذكرنا خواصّ:

أحدها:أنّ ظاهرها كباطنها ليست كالجوز ظاهره قشر،و لا كالتّمر باطنه قشر،بل نقول:إنّ من الثّمار ما يخبث ظاهره و يطيب باطنه،كالجوز و البطّيخ،و منه ما يطيب ظاهره دون باطنه كالتّمر و الإجّاص.و أمّا التّين فأنّه طيّب الظّاهر و الباطن.

و ثانيها:أنّ الأشجار ثلاثة:شجرة تعد و تخلف و هي شجرة الخلاف،و ثانية تعد و تفي و هي الّتي تأتي بالنّور أوّلا و بعده بالثّمرة كالتّفّاح و غيره،و شجرة تبذل قبل الوعد،و هي التّين لأنّها تخرج الثّمرة قبل أن تعد بالورد.

بل لو غيّرت العبارة لقلت:هي شجرة تظهر المعنى

ص: 220

قبل الدّعوى،بل لك أن تقول:إنّها شجرة تخرج الثّمرة قبل أن تلبس نفسها بورد أو بورق،و التّفّاح و المشمش و غيرهما تبدأ بنفسها،ثمّ بغيرها،أمّا شجرة التّين فإنّها تهتمّ بغيرها قبل اهتمامها بنفسها.

فسائر الأشجار كأرباب المعاملة في قوله عليه السّلام:«ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول»و شجرة التّين كالمصطفى عليه السّلام كان يبدأ بغيره،فإن فضل صرفه إلى نفسه،بل من الّذين أثنى اللّه عليهم في قوله: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر:9.

و ثالثها:أنّ من خواصّ هذه الشّجرة أنّ سائر الأشجار إذا سقطت الثّمرة من موضعها لم تعد في تلك السّنة،إلاّ التّين فإنّه يعيد البذر،و ربّما سقط ثمّ يعود مرّة أخرى.

و رابعها:أنّ التّين في النّوم رجل خير غنيّ،فمن نالها في المنام نال ما لا وسعة،و من أكلها رزقه اللّه أولادا.

و خامسها:روي أنّ آدم عليه السّلام لمّا عصى و فارقته ثيابه تستّر بورق التّين،و روي أنّه لمّا نزل و كان متّزرا بورق التّين استوحش،فطاف الظّباء حوله فاستأنس بها،فأطعمها بعض ورق التّين،فرزقها اللّه الجمال صورة،و الملاحة معنى،و غيّر دمها مسكا.فلمّا تفرّقت الظّباء إلى مساكنها رأى غيرها عليها من الجمال ما أعجبها،فلمّا كانت من الغد جاءت الظّباء على أثر الأولى إلى آدم فأطعمها من الورق،فغيّر اللّه حالها إلى الجمال دون المسك،و ذلك لأنّ الأولى جاءت لآدم لا لأجل الطّمع،و الطّائفة الأخرى جاءت للطّمع سرّا و إلى آدم ظاهرا،فلا جرم غيّر الظّاهر دون الباطن.[إلى أن قال:]

القول الثّاني:أنّه ليس المراد هاتين الثّمرتين،ثمّ أدركوا وجوها:

أحدها:قال ابن عبّاس:هما جبلان من الأرض المقدّسة،يقال لهما بالسّريانيّة:طور تينا و طور زيتا، لأنّهما منبتا التّين و الزّيتون،فكأنّه تعالى أقسم بمنابت الأنبياء،فالجبل المختصّ ب(التّين)لعيسى عليه السّلام، (و الزّيتون):الشّأم مبعث أكثر أنبياء بني إسرائيل و(الطّور):مبعث موسى عليه السّلام و(البلد الامين)مبعث محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.فيكون المراد من القسم في الحقيقة:تعظيم الأنبياء،و إعلاء درجاتهم.

و ثانيها:أنّ المراد من(التّين و الزّيتون):مسجدان، ثمّ قال ابن زيد:(التّين):مسجد دمشق.(و الزّيتون):

مسجد بيت المقدس.و قال آخرون:(التّين):مسجد أصحاب أهل الكهف،(و الزّيتون):مسجد إيليا.و عن ابن عبّاس:(التّين):مسجد نوح المبنيّ على الجوديّ، (و الزّيتون):مسجد بيت المقدس.

و القائلون بهذا القول إنّما ذهبوا إليه،لأنّ القسم بالمسجد أحسن،لأنّه موضع العبادة و الطّاعة.فلمّا كانت هذه المساجد في هذه المواضع الّتي يكثر فيها التّين و الزّيتون،لا جرم اكتفى بذكر التّين و الزّيتون.

و ثالثها:المراد من(التّين و الزّيتون):بلدان،فقال كعب:(التّين):دمشق،(و الزّيتون):بيت المقدس، و قال شهر بن حوشب:(التّين):الكوفة،(و الزّيتون):

الشّام،و عن الرّبيع:هما جبلان بين همدان و حلوان.

و القائلون بهذا القول،إنّما ذهبوا إليه لأنّ اليهود

ص: 221

و النّصارى و المسلمين و مشركي قريش كلّ واحد منهم يعظّم بلدة من هذه البلاد،فاللّه تعالى أقسم بهذه البلاد بأسرها،أو يقال:إنّ دمشق و بيت المقدس فيهما نعم الدّنيا،و الطّور و مكّة فيهما نعم الدّين.(32:8)

نحوه النّيسابوريّ(30:127)،و الخازن(7:221).

القرطبيّ: فيه ثلاث مسائل:

الأولى:[نقل أقوال المفسّرين السّابقة ثمّ قال:]

و يجوز أن يكون ذلك على حذف مضاف،أي و منابت التّين و الزّيتون.و لكن لا دليل على ذلك من ظاهر التّنزيل،و لا من قول من لا يجوز خلافه،قاله النّحّاس.

الثّانية:أصحّ هذه الأقوال الأوّل:[قول من قال:هو تينكم الّذي تأكلون...]،لأنّه الحقيقة،و لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلاّ بدليل،و إنّما أقسم اللّه ب(التّين)، لأنّه كان ستر آدم في الجنّة،لقوله تعالى: يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ الأعراف:22،و كان ورق التّين.

و قيل:أقسم به ليبيّن وجه المنّة العظمى فيه،فإنّه جميل المنظر،طيّب المخبر،نشر الرّائحة،سهل الجني، على قدر المضغة.[إلى أن قال:]

الثّالثة:قال ابن العربيّ:و لامتنان البارئ سبحانه، و تعظيم المنّة في التّين،و أنّه مقتات مدّخر،فلذلك قلنا بوجوب الزّكاة فيه.[راجع البحث](20:110)

ابن كثير :[نقل اختلاف المفسّرين و آرائهم ثمّ قال:]

و قال بعض الأئمّة:هذه محالّ ثلاثة بعث اللّه في كلّ واحد منها نبيّا مرسلا من أولي العزم،أصحاب الشّرائع الكبار:

فالأوّل محلّة التّين و الزّيتون،و هي بيت المقدس الّتي بعث اللّه فيها عيسى بن مريم عليه السّلام.

الثّاني:طور سينين،و هو طور سيناء الّذي كلّم اللّه عليه موسى بن عمران.

و الثّالث:مكّة،و هو البلد الأمين الّذي من دخله كان آمنا،و هو الّذي أرسل فيه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم.

قالوا:و في آخر التّوراة ذكر هذه الأماكن الثّلاثة:

«جاء اللّه من طور سيناء-يعني الّذي كلّم اللّه عليه موسى ابن عمران-و أشرق من ساعير-يعني جبل بيت المقدس الّذي بعث اللّه منه عيسى-و استعلن من جبال فاران-يعني جبال مكّة-الّتي أرسل اللّه منها محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم».

فذكرهم مخبرا عنهم على التّرتيب الوجوديّ،بحسب ترتيبهم في الزّمان،و لهذا أقسم بالأشرف ثمّ الأشرف منه،ثمّ بالأشرف منهما.(7:324)

أبو السّعود :هما هذا التّين و هذا الزّيتون،خصّهما اللّه سبحانه من بين الثّمار بالإقسام بهما،لاختصاصهما بخواصّ جليلة.فإنّ التّين فاكهة طيّبة لا فضل له،و غذاء لطيف سريع الهضم،و دواء كثير النّفع يلين الطّبع و يحلّل البلغم،و يطهّر الكليتين،و يزيل ما في المثانة من الرّمل،و يسمّن البدن،و يفتح سدد الكبد و الطّحال.[ثمّ ذكر الرّوايات و الأقوال المتقدّمة فراجع](6:445)

نحوه البروسويّ.(10:466)

الآلوسيّ: خصّهما اللّه تعالى على هذا القول بالإقسام بهما من بين الثّمار،لاختصاصهما بخواصّ جليلة،فإنّ(التّين)فاكهة طيّبة لا فضل لها،و غذاء

ص: 222

لطيف سريع الانهضام،بل قيل:إنّه أصحّ الفواكه غذاء إذا أكل على الخلاء و لم يتبع بشيء،و هو دواء كثير النّفع يفتح السّدد و يقوّى الكبد،و يذهب الطّحال و عسر البول و هزال الكلى و الخفقان و الرّبو،و عسر النّفس و السّعال،و أوجاع الصّدر و خشونة القصبة،إلى غير ذلك.[ثمّ نقل حديث أبي ذرّ الّذي أورده الزّمخشريّ و قال:]

و لم أقف للمحدّثين على شيء في هذا الحديث،لكن قال داود الطّبيب بعد سرد نبذة من خواصّ التّين:و في نفعه من البواسير حديث حسن،و ذكر أنّ نفعه من النّقرس إذا دقّ مع دقيق الشّعير أو القمح أو الحلبة.

و ذكر أنّه حينئذ ينفع من الأورام الغليظة و أوجاع المفاصل،و له مفردا و مركّبا خواصّ أخرى كثيرة،و كذا لشجرته،كما لا يخفى على من راجع كتب الطّبّ.

(30:174)

القاسميّ: [نقل قول الطّبريّ و قال:]

و فيه نظر،لأنّ من حفظ حجّة على من لم يحفظ.

كيف و جبل الزّيتون هو من جبال فلسطين،معروف ذلك عند علماء أهل الكتاب و المؤلّفين في تقويم البلاد.

قال صاحب«الذّخيرة»في تعداد جبال فلسطين:

و يتّصل بجبال إسرائيل جبل الزّيتون.قال:و قد دعي كذلك لكثرة الزّيتون،و هو قريب المسافة من أورشليم، و فيه صعد المسيح لكي يرتفع إلى السّماء،انتهى.

و يسمّى أيضا طور زيتا إلى الآن،على أنّ فيما صوّبه ابن جرير،تبقى المناسبة بينهما و بين طور سينين و البلد الأمين،و حكمة جمعهما معهما في نسق واحد غير مفهومة، كما قاله الإمام.فالأرجح أنّهما موضعان أو موضع واحد معظّم،و يكون المقسم به ثلاثة مواضع مقدّسة.[ثمّ ذكر قول ابن كثير الّذي تقدّم](17:6196)

المراغيّ: المراد ب(التّين)كما قال الأستاذ الإمام هنا:عهد الإنسان الأوّل الّذي كان يستظلّ فيه بورق التّين حينما كان يسكن الجنّة،و المراد ب(الزّيتون):عهد نوح عليه السّلام و ذرّيّته حينما أرسل الطّير فحمل إليه ورقة من شجر الزّيتون،فاستبشر و علم بأنّ الطّوفان انحسر عن الأرض.(30:193)

عزّة دروزة :و لقد تعدّدت الأقوال في التّين و الزّيتون،فمن قائل:إنّهما الثّمرتان المعروفتان،و إنّ اللّه قد أقسم بهما لمنافعهما الكثيرة.و من قائل:إنّ(التّين) ترمز إلى مسجد دمشق،(و الزّيتون)إلى مسجد القدس، فضلا عن أقوال أخرى فيها تكلّف و غرابة.

و الّذي يتبادر لنا أنّه قد أريد بهما الإشارة إلى فلسطين الّتي كانت منذ القديم مشهورة بكروم التّين و الزّيتون-و كان هذا ممّا يعرفه السّامعون أيضا-و الّتي بعث فيها عيسى عليه السّلام و أنبياء عديدون قبله،و أنّه بذلك يتمّ التّساوق في أعلام القسم الرّبّانيّ؛حيث يكون اللّه عزّ و جلّ قد أقسم بالأماكن الثّلاثة الّتي شرّفها برسالاته و وحيه،و هي مكّة و فلسطين و طور سيناء.(1:262)

الطّباطبائيّ: [اكتفى بنقل بعض أقوال السّابقين]

(20:319)

عبد الكريم الخطيب :أختلف في معنى وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ و كثرت مقولات المفسّرين فيهما،و يروون عن ابن عبّاس أنّه قال فيهما:«هو تينكم الّذي تأكلون،

ص: 223

و زيتونكم الّذي تعصرون منه الزّيت»قال تعالى:

وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ المؤمنون:20.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

و يرجّح القرطبيّ أنّهما التّين و الزّيتون على الحقيقة، و قال:لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلاّ بدليل.

و لكن إذا أخذنا بالقول بأنّ وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ هما هاتان الثّمرتان،لا نجد جامعة بين التّين و الزّيتون، و بين طور سينين و البلد الأمين.و عادة القرآن أنّه لا يجمع بين الأقسام إلاّ إذا كانت بينهما علاقة تشابه أو تضادّ،و هنا لا نجد علاقة واضحة بين هاتين الفاكهتين، و بين طور سينين و البلد الأمين،اللّهمّ إلاّ إذا قلنا:إنّ طور سيناء ينبت فيه التّين و الزّيتون،و يطيب ثمره، فتكون العلاقة بينهما علاقة نسبة إلى المكان.

و يقوّي هذه النّسبة أنّ القرآن الكريم أشار في موضع آخر إلى منبت شجرة الزّيتون،و أنّ طور سيناء هو أطيب منبت لها؛إذ يقول سبحانه: وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ المؤمنون:20.

و قيل:إنّ وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ فاكهتان،و لكن لم يقسم بهما هنا لفوائدهما،بل لما يذكّران به من الحوادث العظيمة الّتي لها آثارها الباقية،و ذلك أنّ اللّه سبحانه و تعالى أراد أن يذكّرنا بأربعة فصول من كتاب الإنسان الطّويل،من أوّل نشأته إلى مبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

ف(التّين)إشارة إلى عهد الإنسان الأوّل،فإنّ آدم- كما تقول التّوراة-كان يستظلّ في الجنّة بشجر التّين، و عند ما بدت له و لزوجه سوءاتهما طفقا يخصفان عليهما من ورق التّين،فهذا أوّل فصل من فصول حياة الإنسان.

و(الزّيتون)إشارة إلى الفصل الثّاني،و هو عهد نوح؛ و ذلك أنّه بعد أن فسد البشر،و أهلك اللّه من أهلك بالطّوفان،و نجّى نوحا و من معه في السّفينة،و استقرّت السّفينة على اليابسة نظر نوح-كما تقول التّوراة-إلى ما حوله،فرأى المياه لا تزال تغطّي وجه الأرض،فأرسل حمامة تأتي له بدليل على انحسار المياه عن وجه الأرض، فجاءت إليه و في فمها وريقات من شجر الزّيتون،فعرف أنّ الحياة بدأت تظهر على وجه الأرض من جديد.

أمّا طُورِ سِينِينَ فهو إشارة إلى الفصل الثّالث من حياة الإنسان،و هو ظهور الشّريعة الموسويّة،و قد كانت تلك الشّريعة دعوة لكثير من أنبياء اللّه و رسله إلى عهد المسيح عليه السّلام،الّذي كان خاتمة هذه الشّريعة.

و أمّا اَلْبَلَدِ الْأَمِينِ و هو مكّة،فقد كان مطلع الرّسالة الخاتمة لما شرع اللّه للنّاس،و بهما يختتم الفصل الأخير من حياة الإنسان على هذه الأرض.

و هذه كلّها أقوال متقاربة،يمكن أن يؤخذ بأيّ منها، أو بها جميعا.(15:1613)

فضل اللّه :الظّاهر من هاتين الكلمتين اللّتين أقسم اللّه بهما،أنّ المراد بهما:الفاكهتان المعروفتان المتميّزتان بخصائص غذائيّة و مذاقيّة معيّنة،تجعلهما في موقع الإبداع من خلق اللّه،و في موقع النّعمة من نعم اللّه.

و قد جاء في بعض التّفاسير،أنّ المراد بهما:شجر التّين و الزّيتون.و قيل:المراد ب(التّين):الجبل الّذي عليه دمشق،(و الزّيتون):الجبل الّذي عليه بيت المقدس.

و قيل:إنّ المناسبة في إطلاق الفاكهتين على الجبلين

ص: 224

باعتبار أنّهما منبتاهما،و لعلّ القسم بهما لكونهما مبعثي جمّ غفير من الأنبياء.

و ربّما كان هذا التّوجيه ناشئا من محاولة إيجاد نوع من التّناسب بين هاتين الكلمتين و بين الكلمتين التّاليتين،و لكن ذلك خلاف الظّاهر في طبيعة مدلول الكلمتين.و قد لا يكون هناك أيّ ابتعاد عن التّناسب في الجمع بين هاتين الفاكهتين اللّتين تمثّلان موضع نعمة اللّه المادّيّة،كما هما الكلمتان التّاليتان اللّتان تمثّلان منطلق نعمة اللّه الرّوحيّة،و اللّه العالم.(24:322)

مكارم الشّيرازيّ: [نقل أقوال السّابقين و قال:]

ظاهر الآية يدلّ على أنّ المقصود هو الفاكهتان المعروفتان،و لكن القسمين التّاليين يجعلان تفسير (التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ) بالجبلين أو المركزين المقدّسين أنسب.

(20:282)

المصطفويّ: هذه الآية تناسب ما بعدها لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فإنّ تقويم البدن من جهة المادّة يؤثّر فيها التّين و الزّيتون،و يفيدان فيها و في اعتدالها كثير فائدة.(1:285)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّين،و هو الثّمر المعروف أو شجرته،واحدته:تينة،و التّينة أيضا:الدّبر،و لعلّه تشبيه بوقب التّين.و لم يشتقّ منها فعل و لا مصدر و لا اسم سوى ما ذكر.و أطلق عليه أيضا البلس و الكعر و الجلداسيّ و القلاّريّ و الطّبّار و الفيلحانيّ و الصّدى و الملاحيّ و الأزغب و الوحشيّ و الجمّيز،و هي أصناف منه.

2-و لم يتعرّض أحد من اللّغويّين و المفسّرين لأصله،و كأنّهم سلّموا بأنّه عربيّ،إلاّ أنّ الفيّوميّ صرّح بذلك،فقال:«هو عربيّ»،و قال ابن قتيبة في تفسير وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ: «جبلان بالشّام يقال لهما:طور تينا و طور زيتا بالسّريانيّة»،و هذا تعريض لأعجميّته.و لكنّ«تينا»-بتاءين و بكسر التّاء الأولى كما ورد-و«زيتا»في السّريانيّة شجرتا التّين و الزّيتون، و ليسا منبتهما كما ذهب إليه ابن قتيبة.

و قد احتمل«آرثرجفري»أن يكون آراميّ الأصل،بيد أنّه سلم بوروده في الشّعر العربيّ القديم، و أيقن أنّه كان مستعملا في الجزيرة العربيّة قبل الإسلام.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منه لفظ واحد،مرّة واحدة:

وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ التّين:1.

يلاحظ أوّلا:أنّهم اختلفوا في اَلتِّينِ وَ الزَّيْتُونِ اختلافا فاحشا،أ هما الفاكهتان المعروفتان أم غيرهما؟ و الّذي دعاهم إلى ذلك أنّه لا مناسبة بينهما و بين طُورِ سِينِينَ و اَلْبَلَدِ الْأَمِينِ. و نحن نفضّل إبقاءهما على معناهما هذا ما لم تقم على غيرها حجّة من الكتاب و السّنّة،و لم تقم،إذ ليس هناك ما يمنع من ذلك،فأقسم اللّه بفاكهتين لهما دور كبير في معيشة النّاس،و بجبلين أو بلدين لهما دور كبير في هداية النّاس.

ثانيا:ينبغي أن نفتّش في أقسام القرآن عن المناسبة

ص: 225

بينها و بين ما بعدها ممّا أقسم له،فما هي العلاقة هنا بين هذه الأشياء و بين لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ و قد بحث حوله الأستاذ شريعتي في تفسير«نوين»مفصّلا،و حاصله أنّ الإنسان جسد و روح،و لكلّ منهما غذاء،فغذاء الجسد التّين و الزّيتون،لما لهما من الخواصّ-و قد ذكرها-و لما لهما من دور في حياة العرب.أمّا غذاء الرّوح فالهداية الإلهيّة الّتي جاءت إلى موسى في الطّور و إلى محمّد في مكّة،و هي أكمل ما نزل على الأنبياء،و قد قرن القرآن اسمه بالتّوراة عند التّحدّي قائلا: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ القصص:49.

و نضيف إلى ذلك أنّ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ في الآية يشمل الجسد و الرّوح،و كذلك أَسْفَلَ سافِلِينَ، و هي إشارة إلى جفاء الإنسان لنعم ربّه؛حيث انحطّ و رجع إلى الورى إلى أن بلغ أسفل سافلين،من موضعه الّذي خلق له،و هو أحسن تقويم.

ثالثا:جاءت الكوفة و الشّام في بعض النّصوص في تفسير وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ و يبدو أنّ هذا أيضا كالتّنّور،يصف المنافسة بين أهل العراق و أهل الشّام في الدّور الأمويّ و العبّاسيّ،تحت مظلّة القرآن الكريم.

و هذه كالمنافسة بين الفريقين:«الشّيعة و الخوارج»في قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ البقرة:207،في تأويلها على الإمام عليّ عليه السّلام،و قاتله.

ص: 226

ت ي ه

اشارة

يتيهون

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّيه و التّوه،لغتان،يقال:تاه يتيه تيها، و تاه يتوه توها،و التّيه أعمّ من التّوه.

و يقال:توّهته و تيّهته،و الواو أعمّ.

و أرض تيه و تيهاء،و فلاة أتاويه،كأنّها جماعة الجماعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض متيهة و متيهة،كأنّها«مفعلة»:لا يهتدى فيها.[ثمّ استشهد بشعر](4:80)

ابن شميّل: التّيهاء:المضلّة الواسعة بين الأرضين، الّتي لا أعلام فيها،و لا جبال و لا آكام.(الأزهريّ 6:397)

أبو زيد :قال لي رجل من بني كلاب:ألقيتني في التّوه،يريد في التّيه.

و يقال:ما أتيه فلانا!(الأزهريّ 6:396)

طاح يطيح طيحا،و تاه يتيه تيها و تيهانا، و ما أطوحه و أتوهه،و أطيحه و أتيهه،و قد طوّح نفسه و توّهها.(الأزهريّ 6:397)

شمر: يقال:أرض تيهاء و تيه و متيهة،أي يتيه فيها الإنسان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:397)

ابن دريد :تاه يتيه تيها من التّكبّر فهو تائه،و تاه على وجهه يتيه تيها و تيهانا.

و أرض تيهاء:لا يهتدى لها،و كذلك:أرض تيه.

و أحسبهم قد قالوا:بلد أتيه،و ليس بالثّبت.

و قد سمّت العرب:تيهان.(2:31)

تاه الرّجل يتيه تيها من التّكبّر،و هو رجل تيّاه.

و تاه في الأرض،إذا ذهب فيها و هو التّيه.و رجل تيهان،إذا تاه في الأرض.

فأمّا من التّيه في معنى«الكبر»فلا يقال إلاّ تائه و تيّاه.و أرض متيهة و تيه:يتاه فيها،و كذلك تيهاء.

(3:217)

الأزهريّ: [نقل كلام الخليل و قال:]

ص: 227

و قال غيره:تيهان و تيّهان،إذا كان جسورا،يركب رأسه في الأمور.و ناقة تيهانة.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:مكان متيه:الّذي يتيّه الإنسان.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن الفرج:سمعت عرّاما يقول:تاه بصر الرّجل و تاف،إذا نظر إلى الشّيء في دوام.[ثمّ استشهد بشعر]

و تاف عنّي بصرك و تاه،إذا تخطّى.(6:396)

الصّاحب:التّيه و التّوه:لغتان،تاه يتيه تيها، و تيّهته و توّهته.

و التّيهاء من الأرض:الّتي لا يهتدى فيها.

و فلاة أتاويه و أرض متيهة.

و التّيهانة:الجريئة من الإبل.

و التّيه:الصّلف،تاه الرّجل يتاه.(4:49)

الجوهريّ: تاه يتيه تيها،و هو أتيه النّاس.

و تاه في الأرض:أي ذهب متحيّرا،يتيه تيها و تيهانا.

و تيّه نفسه و توّه،بمعنى،أي حيّرها و طوّحها.

و ما أتيهه و أتوهه!

و تاه،أي تكبّر.و ما أتيه فلانا و ما أطيحه!

و التّيه:المفازة يتاه فيها،و الجمع:أتياه و أتاويه.

و فلاة تيهاء،و أرض متيهة،مثال معيشة،و أصله «مفعلة».(6:2229)

نحوه الرّازيّ.(95)

ابن فارس: التّاء و الواو و الهاء ليس أصلا،قالوا:

تاه يتوه،مثل تاه يتيه و هو من الإبدال،و قد ذكر.

(1:359)

التّاء و الياء و الهاء،كلمة صحيحة،و هي جنس من الحيرة،و التّيه و التّيهاء:المفازة يتيه فيها الإنسان.

(1:361)

أبو هلال :الفرق بين الكبر و التّيه:أنّ الكبر هو إظهار عظم الشّأن،و هو في صفات اللّه تعالى مدح،لأنّ شأنه عظيم.و في صفاتنا ذمّ،لأنّ شأننا صغير،و هو أهل للعظمة،و لسنا لها بأهل.[إلى أن قال:]

و التّيه أصله:الحيرة و الضّلال،و إنّما سمّي المتكبّر تائها،على وجه التّشبيه بالضّلال و التّحيّر،و لا يوصف اللّه به.

و التّيه من الأرض:ما يتحيّر فيه،و في القرآن:

يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ المائدة:26،أي يتحيّرون.

(204)

الهرويّ: يقال:أرض تيهاء،و بلاد تيه،إذا كانت يتاه فيها،أي لا يهتدى فيها بعلم و لا طريق.و فلان تيّاه:

مترفّع عن طريق القصد.(1:269)

ابن سيده: التّيه:الصّلف و الكبر،و قد تاه، و رجل تائه،و تيّاه،و تيّهان،و تيّهان.

و تاه في الأرض تيها و تيها و تيهانا و هو تيّاه:ضلّ.

[إلى أن قال:]

و بلد أتيه،و أرض تيه،و تيهاء،و متيهة و متيهة و متيهة،و متيه:مضلّة،و قد تيّهه.

و التّيه:حيث تاه بنو إسرائيل،أي حاروا فلم يهتدوا للخروج منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تيّه الشّيء:ضيّعه.(4:378)

ص: 228

الطّوسيّ: و أصل التّيه:التّحيّر الّذي لا يهتدى لأجله،للخروج عن الطّريق إلى الغرض المقصود.

و أصله:الحيرة،يقال:تاه يتيه تيها،إذا تحيّر.و تيّهته.

و توّهته،و الياء أكثر.

و التّيهاء من الأرض هي الّتي لا يهتدى فيها،يقال:

أرض تيه و تيهاء.[ثمّ استشهد بشعر](3:490)

نحوه الطّبرسيّ.(2:181)

الرّاغب: التّيه،يقال:تاه يتيه،إذا تحيّر،و تاه يتوه:لغة في تاه يتيه،و في قصّة بني إسرائيل أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ المائدة:26.

و توّهه و تيّهه،إذا حيّره و طرحه.و وقع في التّيه و التّوه،أي في مواضع الحيرة.

و مفازة تيهاء:تحيّر سالكوها.(76)

الزّمخشريّ: تاه في أمره:تحيّر،و تيّهته.و أرض متيهة:يتاه فيها.و وقعوا في تيه و تيهاء.و تاه علينا فلان:تكبّر،و هو يتيه على قومه.و كان في الفضل تيه عظيم.و قيل له:ته ما شئت فلا يصلح التّيه لغيرك.

و رجل تيّهان و تيهان:جسور يركب رأسه في الأمور.و جمل تيهان،و ناقة تيهانة.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:41)

ابن الأثير: فيه«إنّك امرؤ تائه»أي متكبّر أو ضالّ متحيّر.و منه الحديث:«فتاهت به سفينته»و قد تاه يتيه تيها،إذا تحيّر و ضلّ،و إذا تكبّر،و قد تكرّر في الحديث.(1:203)

الفيّوميّ: التّيه،بكسر التّاء:المفازة،و التّيهاء بالفتح و المدّ:مثله،و هي الّتي لا علامة فيها يهتدى بها.

و تاه الإنسان في المفازة يتيه تيها:ضلّ عن الطّريق؛ و تاه يتوه توها:لغة،و قد تيّهته و توّهته.

و منه يستعار لمن رام أمرا فلم يصادف الصّواب، فيقال:إنّه تائه.(1:79)

الفيروزآباديّ: التّيه،بالكسر:الصّلف و الكبر، تاه فهو تائه و تيّاه و تيهان و تيّهان-مشدّدة الياء و تكسر-و ما أتوهه و أتيهه!و المفازة،جمعه:أتياه، و أتاويه.

و الضّلال،تاه تيها و يكسر،و تيهانا محرّكة،فهو تيّاه،و تيّهان.

و أرض تيه بالكسر و تيهاء و متيهة كسفينة،و تضمّ الميم.و كمرحلة و مقعد:مضلّة.

و تيّهه ضيّعه.و تاه بصره يتيه:تاف.(4:284)

الطّريحيّ: و تاه،أي تكبّر،و منه حديث عليّ عليه السّلام:

«ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء!و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالا على اللّه».(6:344)

مجمع اللّغة :تاه في الأرض يتوه و يتيه توها و تيها و تيهانا:ضلّ الطّريق و تحيّر،و منه يستعار لمن رام أمرا فلم يصادف الصّواب،فيقال:إنّه تائه.(1:165)

محمّد إسماعيل إبراهيم: تاه في الأرض يتيه تيهانا:ضلّ الطّريق و سار متحيّرا،و أرض تيه،أي مضلّة،و منه سمّيت هذه الأرض البرّيّة الّتي بين مصر و الشّام بالتّيه.(1:93)

محمود شيت:[نحو ما تقدّم و أضاف:]

1-تاه الجنديّ: ارتفعت معنويّاته،فيقال:تاه على أقرانه.

ص: 229

و تاه العسكريّ: ضلّ طريقه.

و تاهت مفرزة الاستطلاع:ضلّت طريقها و لم تعد إلى قواعدها.(1:115)

العدنانيّ: تاه في الصّحراء يتيه و يتوه.

و يخطّئون من يقول:يتوه الإنسان في الصّحاري، و يقولون:إنّ الصّواب هو يتيه الإنسان...و كلا الفعلين تاه يتيه و تاه يتوه صواب.

فممّن قال:تاه الأرض يتيه:القرآن الكريم؛إذ قال سبحانه و تعالى في ذيل:الآية(26)من سورة المائدة:

قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ... الآية.

و ممّن ذكروا الفعل يتيه أيضا:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أبو زيد الأنصاريّ،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و ابن سيده،و ولاّدة بنت المستكفي القائلة:

*و أمشي مشيتي و أتيه تيها*

و أبو عبيد البكريّ،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و النّهاية،و ابن الفارض القائل:

*ته دلالا فأنت أهل لذاكا*

و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّن قال تاه يتوه:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و أبو زيد الأنصاريّ،و معجم مقاييس اللّغة الّذي قال:

«مثل:تاه يتيه و هو من الإبدال»و ابن سيده،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و مستدرك التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ، و المتن،و الوسيط.

و قال الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»و المصباح:

إنّ«يتوه»لغة.

أمّا فعله فهو:تاه يتيه تيها،و تيها و تيهانا في الأرض:ضلّ و ذهب متحيّرا،فهو تائه،و تيّاه، و تيهان،و تيّهان،و تيّهان.

أو:تاه يتوه توها،و توها:ضلّ الطّريق.و تاه في الأرض:ذهب متحيّرا.

و في المعاجم:توّهت الصّحراء القافلة:جعلتها تتوه.

و تقول العامّة:توّهنا فلانا من المنزل،بمعنى:طردناه، و معنى المطرود قريب من معنى الضّالّ.(103)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّحيّر.و التّكبّر نوع من التّحيّر،و المتكبّر يظهر من نفسه ما لا يدري حقيقة نفسه،و لا يتوجّه إلى مبدإ تكوّنه و مرجعه،و هو غافل عن وظيفته.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ«التّيه»هو الحيرة في حال المشي و الحركة،لا مطلق التّحيّر،و الضّلال في الطّريق نوع من التّيه قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ... المائدة:26،أي يمشون متحيّرين لا يدرون أين يقيمون،و إلى أين يتوجّهون.

(1:386)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

يتيهون

قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. المائدة:26

ابن عبّاس: يتحيّرون في أرض التّيه،و هي سبع

ص: 230

فراسخ لا يقدرون أن يخرجوا،و لا يهتدون سبيلا.(92)

مجاهد :تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة،يصبحون حيث أمسوا،و يمسون حيث أصبحوا في تيههم.

(الطّبريّ 6:185)

نحوه الحسن.(الطّبرسيّ 2:181)

الإمام الباقر عليه السّلام: لمّا انتهى بهم موسى إلى الأرض المقدّسة قال لهم: اُدْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ*... المائدة:21-28.[إلى أن قال:]

فلمّا أبوا أن يدخلوها حرّمها اللّه عليهم،فتاهوا في أربع فراسخ أربعين سنة يتيهون في الأرض،فلا تأس على القوم الفاسقين.(الاختصاص للمفيد:265)

الرّبيع:يعني يتحيّرون في المسافة الّتي بينهم و بينها،لا يهتدون إلى الخروج منها،و كان مقداره ستّة فراسخ.(الطّبرسيّ 2:181)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث قال:]

و كانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم الرّحيل فيرتحلون بالحداء و الزّجر،حتّى إذا أسحروا أمر اللّه الأرض فدارت بهم فيصبحوا في منزلهم الّذي ارتحلوا منه،فيقولون:قد أخطأتم الطّريق،فمكثوا بهذا أربعين سنة،و نزل عليهم المنّ و السلوى حتّى هلكوا جميعا إلاّ رجلين:يوشع بن نون و كالب بن يوفنا و أبناؤهم، و كانوا يتيهون في نحو من أربع فراسخ.فإذا أرادوا أن يرتحلوا ثبت ثيابهم عليهم و خفافهم؛و كان معهم حجر إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه،فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا،لكلّ سبط عين،فإذا ارتحلوا رجع الماء فدخل في الحجر،و وضع الحجر على الدّابّة.

(الاختصاص للمفيد:265)

مقاتل:كان مسافة الأرض الّتي تاهوا فيها ثلاثين فرسخا في عرض تسعة فراسخ.(الآلوسيّ 6:109)

أبو عبيدة :أي يحورون و يحارون و يضلّون.

(1:160)

الطّبريّ: يحارون فيها و يضلّون،و من ذلك قيل للرّجل الضّالّ عن سبيل الحقّ:تائه،و كان تيههم ذلك أنّهم كانوا يصبحون أربعين سنة كلّ يوم جادّين في قدر ستّة فراسخ للخروج منه،فيمسون في الموضع الّذي ابتدءوا السّير منه.(6:185)

الزّجّاج: قيل:عذّبهم اللّه بأن مكثوا في التّيه أربعين سنة سيّارة لا يقرّهم قرار،إلى أن مات البالغون الّذين عصوا اللّه،و نشأ الصّغار و ولد من لم يدخل في جملتهم في المعصية.

و قيل:إنّ موسى و هارون كانا معهم في التّيه.قال بعضهم:لم يكن موسى و هارون في التّيه،لأنّ التّيه عذاب و الأنبياء لا يعذّبون.

و جائز أن يكون كانا في التّيه و أنّ اللّه جلّ اسمه سهّل عليهما ذلك،كما سهّل على إبراهيم النّار فجعلها عليه بردا و سلاما،و شأنها الإحراق.(2:165)

الطّوسيّ: فإن قيل:يجوز على جماعة عقلاء كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها؟

قلنا عنه جوابان:

أحدهما:قال أبو عليّ:يكون ذلك بأن تحوّل الأرض

ص: 231

الّتي هم عليها إذا ناموا فيردّهم إلى المكان الّذي ابتدءوا منه.

الثّاني:أن يكون بالاشتباه.و الأسباب المانعة من الخروج عنها إمّا بأن يمحو العلامات الّتي يستدلّ بها أو بأن يلقي شبه بعضها على بعض،و يكون ذلك معجزة خارقة للعادة.

و قيل:إنّ التّيه كان عقوبة لهم بعدد الأيّام الّتي عبدوا فيها العجل عن كلّ يوم سنة.و من قال هذا قال:

لم يكن موسى و هارون فيها،أو كانا فيها غير متوهين، كما كان إبراهيم في نار نمرود غير متألّم بها.(3:491)

نحوه الطّبرسيّ.(2:181)

الزّمخشريّ: يسيرون فيها لا يهتدون طريقا.

و التّيه:المفازة الّتي يتاه فيها.روي أنّهم لبثوا أربعين سنة في ستّة فراسخ يسيرون كلّ يوم جادّين،حتّى إذا سئموا و أمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه.و كان الغمام يظلّلهم من حرّ الشّمس،و يطلع لهم عمود من نور باللّيل يضيء لهم،و ينزل عليهم المنّ و السّلوى،و لا تطول شعورهم.و إذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظّفر يطول بطوله.

فإن قلت:فلم كان ينعم عليهم بتظليل الغمام و غيره و هم معاقبون؟

قلت:كما ينزل بعض النّوازل على العصاة عركا لهم، و عليهم مع ذلك النّعمة متظاهرة،و مثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده و يؤذيه ليتأدّب و يتثقّف، و لا يقطع عنه معروفه و إحسانه.

فإن قلت:هل كان معهم في التّيه موسى و هارون عليهما السّلام؟

قلت:اختلف في ذلك،فقيل:لم يكونا معهم،لأنّه كان عقابا،و قد طلب موسى إلى ربّه أن يفرّق بينهما و بينهم.

و قيل:كانا معهم إلاّ أنّه كان ذلك روحا لهما و سلامة،لا عقوبة كالنّار لإبراهيم و ملائكة العذاب.

و روي أنّ هارون مات في التّيه و مات موسى بعده فيه بسنة،و دخل يوشع أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر، و مات النّقباء في التّيه بغتة إلاّ كالب و يوشع.(1:605)

نحوه القرطبيّ.(6:129)

ابن عطيّة: أي في أرض تلك النّازلة،و هو فحص التّيه،و هو على ما يحكى طول ثمانين ميلا في عرض ستّة فراسخ و هو ما بين مصر و الشّام.

و يروى أنّه اتّفق أنّه مات كلّ من كان قال:إنّا لن ندخلها أبدا،و لم يدخل المدينة أحد من ذلك الجيل إلاّ يوشع و كالوث.

و يروى أنّ هارون عليه السّلام مات في فحص التّيه في خلال هذه المدّة،و لم يختلف فيها.

و روي أنّ موسى عليه السّلام مات فيه بعد هارون بثمانية أعوام،و قيل:ستّة أشهر و نصف،و أنّ يوشع نبّئ بعد كمال الأربعين سنة.و خرج ببني إسرائيل و قاتل الجبّارين و فتح المدينة،و في تلك الحرب وقفت له الشّمس ساعة حتّى استمرّ هزم الجبّارين.

و روي أنّ موسى عليه السّلام عاش حتّى كملت الأربعون، و خرج بالنّاس و حارب الجبّارين.و يوشع و كالب على مقدّمته،و أنّه فتح المدينة،و قتل بيده عوج بن عناق.

ص: 232

[إلى أن قال:]

و هذا كلّه ضعيف...و التّيه:الذّهاب في الأرض إلى غير مقصد معلوم.

و يروى أنّ بني إسرائيل كانوا يرحلون باللّيل و يسيرون ليلهم أجمع،في تحليق و نحوه من التّردّد و قلّة استقامة السّير،حتّى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الّذي كانوا فيه أوّل اللّيل.

قال مجاهد و غيره: كانوا يسيرون النّهار أحيانا و اللّيل أحيانا،فيمسون حيث أصبحوا و يصبحون حيث أمسوا،و ذلك في مقدار ستّة فراسخ.

و يحتمل أن يكون تيههم بافتراق الكلمة و قلّة اجتماع الرّأي،و إنّ اللّه تعالى رماهم بالاختلاف،و علموا أنّها قد حرّمت عليهم«أربعين سنة».فتفرّقت منازلهم في ذلك الفحص و قاموا ينتقلون من موضع إلى موضع على غير نظام و اجتماع،حتّى كملت هذه المدّة و أذن اللّه بخروجهم،و هذا تيه ممكن محتمل على عرف البشر.

و الآخر الّذي ذكر مجاهد إنّما هو خرق عادة و عجب من قدرة اللّه تعالى،و في ذلك التّيه ظلّل عليهم الغمام، و رزقوا المنّ و السّلوى إلى غير ذلك ممّا روي من ملابسهم،و قد مضى ذلك في سورة البقرة.(2:176)

نحوه أبو حيّان.(3:458)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في التّيه،فقال الرّبيع:

مقدار ستّة فراسخ،و قيل:تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا،و قيل:ستّة في اثني عشر فرسخا،و قيل:كانوا ستّمائة ألف فارس.

فإن قيل:كيف يعقل بقاء هذا الجمع العظيم في هذا القدر الصّغير من المفازة أربعين سنة؛بحيث لا يتّفق لأحد منهم أن يجد طريقا إلى الخروج عنها،و لو أنّهم وضعوا أعينهم على حركة الشّمس أو الكواكب لخرجوا منها، و لو كانوا في البحر العظيم،فكيف في المفازة الصّغيرة؟

قلنا:فيه وجهان:

الأوّل:أنّ انخراق العادات في زمان الأنبياء غير مستبعد؛إذ لو فتحنا باب الاستبعاد لزم الطّعن في جميع المعجزات،و إنّه باطل.

الثّاني:إذا فسّرنا ذلك التّحريم بتحريم التّعبّد فقد زال السّؤال،لاحتمال أنّ اللّه تعالى حرّم عليهم الرّجوع إلى أوطانهم،بل أمرهم بالمكث في تلك المفازة أربعين سنة مع المشقّة و المحنة جزاء لهم على سوء صنيعهم، و على هذا التّقدير فقد زال الإشكال.

قال الحسن: كانوا يصبحون حيث أمسوا،و يمسون حيث أصبحوا،و كانت حركتهم في تلك المفازة على سبيل الاستدارة.و هذا مشكل فإنّهم إذا وضعوا أعينهم على مسير الشّمس و لم ينعطفوا و لم يرجعوا فإنّهم لا بدّ و أن يخرجوا عن المفازة،بل الأولى حمل الكلام على تحريم التّعبّد على ما قرّرناه،و اللّه أعلم.(11:202)

نحوه النّيسابوريّ(6:76)،و الخازن(2:28).

البيضاويّ: أي يسيرون فيها متحيّرين لا يرون طريقا،فيكون التّحريم مطلقا.و قد قيل:لم يدخل الأرض المقدّسة أحد ممّن قال:إنّا لن ندخلها بل هلكوا في التّيه،و إنّما قاتل الجبابرة أولادهم.[ثمّ أدام الكلام نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ](1:270)

نحوه النّسفيّ.(1:279)

ص: 233

أبو السّعود:أي يتحيّرون في البرّيّة،استئناف لبيان كيفيّة حرمانهم،أو حال من ضمير(عليهم).

و قيل:الظّرف متعلّق ب(يتيهون)فيكون التّيه موقّتا و التّحريم مطلقا.

قيل:كانوا ستّمائة ألف مقاتل،و كان طول البرّيّة تسعين فرسخا،و قد تاهوا في ستّة فراسخ أو تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا،و قيل:في ستّة فراسخ في اثني عشر فرسخا.[ثمّ حكى كلام الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و روي أنّ هارون مات في التّيه،و مات موسى بعده فيه بسنة،و دخل يوشع أريحا بعد موته بثلاثة أشهر.

و لا يساعده ظاهر النّظم الكريم،فإنّه تعالى بعد ما أقبل على بني إسرائيل و عذّبهم بالتّيه،بعيد أن ينجّي بعض المدعوّ عليهم أو ذراريهم،و يقدّر وفاتهما في محلّ العقوبة ظاهرا،و إن كان ذلك لهما منزل روح و راحة.

و قد قيل:إنّهما لم يكونا معهم في التّيه،و هو الأنسب بتفسير الفرق بالمباعدة.و من قال:بأنّهما كانا معهم فيه، فقد فسّر الفرق بما ذكر من الحكم بما يستحقّه كلّ فريق.

(2:258)

الكاشانيّ: يسيرون فيها متحيّرين،لا يرون طريقا.(2:25)

الآلوسيّ: و روي أنّه كان الغمام يظلّهم من حرّ الشّمس،و ينزل عليهم المنّ و السّلوى،و جعل معهم حجر موسى عليه السّلام يتفجّر منه الماء دفعا لعطشهم.قيل:

و يطلع باللّيل عمود من نور يضيء لهم،و لا يطول شعرهم،و لا تبلى ثيابهم،كما روي عن الرّبيع بن أنس، و كانت تشبّ معهم إذا شبّوا،كما روي عن طاوس.

و ذكر غير واحد من القصّاص أنّهم كانوا إذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظّفر،يطول بطوله و لا يبلى،إلى غير ذلك ممّا ذكروه.

و العادة تبعد كثيرا منه،فلا يقبل إلاّ ما صحّ عن اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلم.

و لقد سألت بعض أحبار اليهود عن لباس بني إسرائيل في التّيه،فقال:إنّهم خرجوا من مصر و معهم الكثير من ثياب القبط و أمتعتهم،و حفظها اللّه تعالى لكبارهم و صغارهم.

فذكرت له حديث الظّفر،فقال:لم نظفر به و أنكره، فقلت له:هي فضيلة فهلاّ أثبتها لقومك؟فقال:لا أرضى بالكذب ثوبا،و استشكل معاملتهم بهذه النّعم مع معاقبتهم بالحيرة.و أجيب بأنّ تلك المعاقبة من كرمه تعالى،و تعذيبهم إنّما كان للتّأديب كما يضرب الرّجل ولده مع محبّته له،و لا يقطع عنه معروفه،و لعلّهم استغفروا من الكفر إذا كان قد وقع منهم.

و أكثر المفسّرين على أنّ موسى و هارون عليهما السّلام كانا معهم في التّيه لكن لم ينلهما من المشقّة ما نالهم،و كان ذلك لهما روحا و سلامة كالنّار لإبراهيم عليه السّلام،و لعلّ الرّجلين أيضا كانا كذلك.(6:109)

القاسميّ: أي:يتردّدون في البرّيّة متحيّرين في الأرض حتّى يهلكوا كلّهم.و التّيه:المفازة الّتي يتيه فيها سالكها فيضلّ عن وجه مقصده.

قال العلاّمة البقاعيّ: ثمّ بعد هلاكهم أدخلها بنيهم الّذين ولدوا في التّيه.و في هذه القصّة أوضح دليل على نقضهم للعهود الّتي بنيت السّورة على طلب الوفاء بها،

ص: 234

و افتتحت بها.و صرّح بأخذها عليهم في قوله: وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ... المائدة:12،و في ذلك تسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيما يفعلونه معه،و تذكير له بالنّعمة على قومه بالتّوفيق،و ترغيب لمن أطاع منهم،و ترهيب لمن عصى.و مات في تلك الأربعين كلّ من قال ذلك القول أو رضيه حتّى النّقباء العشرة.و كان الغمام يظلّهم من حرّ الشّمس،و يكون لهم عمود من نور باللّيل يضيء عليهم،و غير هذا من النّعم،لأنّ المنع بالتّيه كان تأديبا لهم،لا غضب؛إذ أنّهم تابوا.ثمّ ساق البقاعيّ رحمه اللّه شرح هذه القصّة من التّوراة الّتي بين أيديهم بالحرف، و نحن نأتي على ملخّصها تأثّرا له،فنقول:

جاء في سفر العدد في الفصل الثّالث عشر:إنّ شعب بني إسرائيل لمّا ارتحلوا من حصيروت و نزلوا ببرّيّة فاران،كلّم الرّبّ موسى بأن يبعث رجالا يجسّون أرض كنعان،من كلّ سبط رجلا واحدا.و كلّهم يكونون من رؤساء بني إسرائيل؛فأرسلهم موسى و أمرهم أن ينظروا إلى الأرض،أ جيّدة أم رديئة؟و إلى أهلها،أ شديدون أم ضعفاء؟قليلون أم كثيرون؟و أن يوافوه بشيء من ثمرها.

فساروا و اجتسّوا الأرض من برّيّة صين إلى رحوب عند مدخل حماة،ثمّ رجعوا بعد أربعين يوما.و كان موسى و قومه في برّيّة فاران في قادش،فأروهم ثمر الأرض،و قصّوا عليهم ما شاهدوه من جودة الأرض، و أنّها تدرّ لبنا و عسلا.و من شدّة أهلها و قوّتهم و تحصّن مدنهم؛فاضطرب قوم موسى.فأخذ كالب-أحد النّقباء- يسكتهم عن موسى،و يقول:نصعد و نرث الأرض فإنّا قادرون عليها.و خالفه بقيّة النّقباء،و قالوا:لا نقدر أن نصعد إليهم لأنّهم أشدّ منّا.و هوّلوا على بني إسرائيل الأمر و قالوا:شاهدنا أناسا طوال القامات،سيّما بني عناق،فصرنا في عيوننا كالجراد،و كذلك كنّا في عيونهم.

فعند ذلك ضجّ قوم موسى و رفعوا أصواتهم و بكوا، و قالوا:ليتنا متنا في أرض مصر أو في هذه البرّيّة، و لا تكون نساؤنا و أطفالنا غنيمة للجبابرة،و خير لنا أن نرجع إلى مصر،و قالوا:لنقم لنا رئيسا و نرجع إلى مصر.

فلمّا شاهد موسى ذلك منهم وقع هو و أخوه هارون على وجوههما أمام الإسرائيليّين،و مزّق من النّقباء يوشع بن نون و كالب ثيابهما،و كلّما بني إسرائيل قائلين:

إنّ الأرض الّتي مررنا فيها جيّدة،و إذا كان ربّنا راضيا عنّا فإنّه يدخلنا إيّاها،فلا تتمرّدوا و لا تخافوا أهلها فسيكونون طعمة لنا؛إذ الرّبّ معنا.فلمّا سمع بنوا إسرائيل كلام يوشع و كالب قالوا:ليرجما بالحجارة، و كاد حينئذ أن يحيق ببني إسرائيل العذاب الإلهيّ،لو لا تضرّع موسى إلى ربّه بأن يعفو عنهم،كيلا يكونوا أحدوثة عند أعدائهم المصريّين.فعفا تعالى عنهم.

و أعلم موسى أنّ قومه لن يروا الأرض الّتي أقسم عليها لآبائهم،و أنّهم يموتون جميعا في التّيه،إلاّ كالبا، فإنّه لحسن انقياده سيدخل الأرض،و كذلك يوشع، و أعلمه تعالى أيضا بأنّ أطفال قومه الّذين سيهلكون في التّيه يكونون رعاة فيه أربعين سنة بعدد الأيّام الّتي تجسّس النّقباء فيها أرض الكنعانيّين،كلّ يوم وزره سنة ليعرفوا انتقامه،عزّ سلطانه.

ثمّ هلك النّقباء العشرة،الّذين شنّعوا لدى قومهم

ص: 235

تلك الأرض،بضربة عجّلت لهم،ثمّ همّ قوم موسى بالصّعود إلى الكنعانيّين لمّا أخبرهم موسى بما أعلمه تعالى،فنهاهم موسى و قال لهم:لا فوز لكم الآن بالنّصر الرّبّانيّ.و إن فعلتم فإنّ العدوّ يهزمكم و تسقطون تحت سيفه.فتجبّروا و صعدوا إلى رأس الجبل،فنزل العمالقة و الكنعانيّون عليهم فضربوهم و حطّموهم،ثمّ بعد انقضاء الأربعين سنة فتحت الأرض المقدّسة على يد يوشع،كما شرح في«سفره»،و اللّه أعلم.(6:1936)

رشيد رضا :أي يسيرون في برّيّة من الأرض تائهين متحيّرين،لا يدرون أين ينتهون في سيرهم.

فالتّيه:الحيرة،يقال:تاه يتيه-و يتوه لغة-و يقال:

مفازة تيهاء،إذا كان سالكوها يتحيّرون فيها لعدم الأعلام الّتي يهتدي بها.[إلى أن قال:]

ذكرنا قبل أنّ هذه القصّة مفصّلة في الفصلين الثّالث عشر و الرّابع عشر من سفر العدد،و ذكرنا شيئا منهما.

و في الفصل الرّابع عشر أنّ بني إسرائيل لمّا تمرّدوا و عصوا أمر ربّهم،سقط موسى و هارون على وجوههما أمامهم،و أنّ يوشع و كالب مزّقا ثيابهما و نهيا الشّعب عن التّمرّد و عن الخوف من الجبّارين ليطيع،فهمّ الشّعب برجمهما،و ظهر مجد الرّبّ لموسى في خيمة الاجتماع«11 و قال الرّبّ لموسى:حتّى متى يهينني هذا الشّعب؟و حتّى متى لا يصدّقونني بجميع الآيات الّتي عملت في وسطهم؟ 12 إنّي أضربهم بالوباء و أبيدهم و أصيّرك شعبا أكبر و أعظم منهم».

فشفع موسى فيهم لئلاّ يشمت بهم المصريّون و به، فقبل الرّبّ شفاعته،ثم قال:«22 إنّ جميع الرّجال الّذين رأوا مجدي و آياتي الّتي عملتها في مصر و في البرّيّة،و جرّبوني الآن عشر مرّات و لم يسمعوا قولي 23 لن يروا الأرض الّتي حلفت لآبائهم،و جميع الّذين أهانوني لا يرونها»و استثنى الرّبّ كالبا فقط.

ثمّ قال لموسى و هارون:«27 حتّى متى أغفر لهذه الجماعة الشّرّيرة المتذمّرة عليّ؟قد سمعت تذمّر بني إسرائيل الّذي يتذمّرونه عليّ 28 قل لهم:«حيّ أنا» يقول الرّبّ:لأفعلنّ بكم كما تكلّمتم في أذنيّ 29 في هذا القفر تسقط جثثكم جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدا،الّذين تذمّروا عليّ 30 لن تدخلوا الأرض الّتي رفعت يدي، لأسكننّكم فيها ما عدا كالب بن يفنة و يشوع بن نون.

31 و أمّا أطفالكم الّذين قلتم إنّهم يكونون غنيمة فأنّي سأدخلهم،فيعرفون الأرض الّتي احتقرتموها 32 فجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر 33 و بنوكم يكونون رعاة في القفر أربعين سنة،و يحملون فجوركم حتّى تنفى جثثكم في القفر 34 كعدد الأيّام الّتي تجسّستم فيها الأرض أربعين يوما للسّنة،يوم تحملون ذنوبكم أربعين سنة فتعرفون ابتعادي 35 أنا الرّبّ قد تكلّمت لأفعلنّ هذا بكلّ هذه الجماعة الشّرّيرة المتّفقة عليّ،في هذا القفر يفنون،و فيه يموتون».

لا نبحث هنا في هذه العبارات الّتي أثبتناها،و لا في ترك ما تركناه من الفصل في موضوعها،لا من حيث التّكرار،و لا من حيث الاختلاف و التّعارف،و لا من حيث تنزيه الرّبّ و تعالى،و لا نبحث عن كاتب هذه الأسفار بعد سبي بني إسرائيل.و إنّما نكتفي بما ذكرناه

ص: 236

شاهدا،و نقول كلمة في حكمة هذا العقاب،تبصرة و ذكرى لأولى الألباب،و هي:

إنّ الشّعوب الّتي تنشأ في مهد الاستبداد،و تساس بالظّلم و الاضطهاد،تفسد أخلاقها،و تذلّ نفوسها، و يذهب بأسها،و تضرب عليها الذّلّة و المسكنة، و تألف الخضوع،و تأنس بالمهانة و الخنوع.و إذا طال عليها أمد الظّلم تصير هذه الأخلاق موروثة و مكتسبة، حتّى تكون كالغرائز الفطريّة،و الطّبائع الخلقيّة،إذا أخرجت صاحبها من بيئتها،و رفعت عن رقبته نيرها، ألفيته ينزع بطبعه إليها،و يتفلّت منك ليتقحّم فيها.

و هذا شأن البشر في كلّ ما يألفونه و يجرون عليه من خير و شرّ،و إيمان و كفر،و قد ضرب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مثلا لهدايته و ضلال الرّاسخين في الكفر من أمّة الدّعوة، فقال:«مثلي و مثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش و هذه الدّوابّ الّتي تقع في النّار يقعن فيها،و يجعل يحجزهنّ و يغلبنّه فيتقحّمن فيها،فأنا آخذ بحجزكم عن النّار و أنتم تقحّمون فيها» رواه الشّيخان.

أفسد ظلم الفراعنة فطرة بني إسرائيل في مصر، و طبع عليها بطابع المهانة و الذّلّ،و قد أراهم اللّه تعالى ما لم ير أحدا من الآيات الدّالّة على وحدانيّته و قدرته و صدق رسوله موسى عليه السّلام،و بيّن لهم أنّه أخرجهم من مصر لينقذهم من الذّلّ و العبوديّة و العذاب،إلى الحرّيّة و الاستقلال و العزّ و النّعيم.و كانوا على هذا كلّه إذا أصابهم نصب أو جوع،أو كلّفوا أمرا يشقّ عليهم، يتطيّرون بموسى و يتململون منه،و يذكرون مصر و يحنّون إلى العودة إليها.و لمّا غاب عنهم أيّاما لمناجاة ربّه اتّخذوا لهم عجلا من حليّهم الّذي هو أحبّ شيء إليهم و عبدوه لما رسخ في نفوسهم من إكبار سادتهم المصريّين و إعظام معبودهم العجل«أبيس»و كان اللّه تعالى يعلم أنّهم لا تطيعهم نفوسهم المهينة على دخول أرض الجبّارين،و إنّ وعده تعالى لأجدادهم إنّما يتمّ على وفق سنّته في طبيعة الاجتماع البشريّ إذا هلك ذلك الجيل الّذي نشأ في الوثنيّة و العبوديّة للبشر و فساد الأخلاق.

و نشأ بعده جيل جديد في حرّيّة البداوة،و عدل الشّريعة و نور الآيات الإلهيّة-و ما كان اللّه ليهلك قوما بذنوبهم،حتّى يبيّن لهم حجّته عليهم،ليعلموا أنّه لم يظلمهم و إنّما يظلمون أنفسهم-و على هذه السّنّة العادلة أمر اللّه تعالى بني إسرائيل بدخول الأرض المقدّسة،بعد أن أراهم عجائب تأييده لرسوله إليهم، فأبوا و استكبروا فأخذهم اللّه تعالى بذنوبهم،و أنشأ من بعدهم قوما آخرين،جعلهم هم الأئمّة الوارثين، جعلهم كذلك بهممهم و أعمالهم،الموافقة لسننه و شريعته المنزلة عليهم.فهذا بيان حكمة عصيانهم لموسى بعد ما جاءهم بالبيّنات،و حكمة حرمان اللّه تعالى لذلك الجيل منهم من الأرض المقدّسة.

فعلينا أن نعتبر بهذه الأمثال الّتي بيّنها اللّه تعالى لنا، و نعلم أنّ إصلاح الأمم بعد فسادها بالظّلم و الاستبداد، إنّما يكون بإنشاء جيل جديد،يجمع بين حرّيّة البداوة و استقلالها و عزّتها،و بين معرفة الشّريعة و الفضائل و العمل بها.و قد كان يقوم بهذا في العصور السّالفة

ص: 237

الأنبياء،و إنّما يقوم بها بعد ختم النّبوّة ورثة الأنبياء، الجامعون بين العلم بسنن اللّه في الاجتماع،و بين البصيرة و الصّدق و الإخلاص في حبّ الإصلاح،و إيثاره على جميع الأهواء و الشّهوات وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ الرّعد:33.(6:336)

محمّد جواد مغنية:هذا هو جزاؤهم،التّيه في صحراء سيناء الجرداء،يسيرون فيها لا يهتدون إلى طريق الخروج،و لا يدرون أين المصير،و هكذا يضربون في مجاهلها أربعين عاما،حتّى يفنى كبراؤهم و ينشأ بعدهم جيل جديد.(3:44)

الطّباطبائيّ: و المعنى أنّ الأرض المقدّسة أي دخولها و تملّكها محرّمة عليهم،أي قضينا أن لا يوفّقوا لدخولها أربعين سنة،يسيرون فيها في الأرض متحيّرين،لا هم مدنيّون يستريحون إلى بلد من البلاد، و لا هم بدويّون يعيشون عيشة القبائل و البدويّين.[إلى أن قال بعد نقل كلام الإمام الباقر و الصّادق عليهما السّلام:]

أقول:و الرّوايات فيما يقرب من هذه المعاني كثيرة، من طرق الشّيعة و أهل السّنّة.و هذه الرّوايات و إن اشتملت في معنى التّيه و غيره على أمور،لا يوجد في كلامه تعالى ما تتأيّد به،لكنّها مع ذلك لا تشتمل على شيء ممّا يخالف الكتاب.و أمر بني إسرائيل في زمن موسى عليه السّلام كان عجيبا تحتفّ بحياتهم خوارق العادة من كلّ ناحية،فلا ضير في أن يكون تيههم على هذا النّحو المذكور في الرّوايات.(5:294)

فضل اللّه :لقد كان القضاء الإلهيّ عليهم بالتّيه مدّة أربعين سنة عقوبة لهم على التّمرّد،و هم بذلك لم يحصلوا على الاستقرار،و لم يطمئنّوا في حياة مدنيّة مستقرّة في بلد معيّن،و لم يعيشوا عيشة البدو،بل كانوا في حالة قلق و اهتزاز،ممّا يؤدّي إلى حالة مدمّرة من الضّياع النّفسيّ،و التّيه الحركيّ.

و نلاحظ أنّ هذه العقوبة الدّنيويّة لم تقتصر على الّذين تمرّدوا أو ظلموا أنفسهم بالمعصية،بل امتدّت إلى موسى عليه السّلام و المؤمنين معه،لأنّ البلاء إذا حلّ بالأمّة من خلال سلوكها عمّ جميع أفرادها حتّى الصّالحين.

(8:122)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّيه،و هو المفازة لا يهتدى فيها،و الجمع:أتياه و أتاويه،يقال:تاه الرّجل في الأرض يتيه تيها و تيها و تيهانا،أي ضلّ و ذهب متحيّرا،و هو تيّهان.و فلاة تيهاء:مضلّة واسعة لا أعلام فيها و لا جبال و لا إكام،و أرض تيه و تيهاء و متيهة و متيهة و متيهة و متيّهة:مضلّة،أي يتيه فيها الإنسان.

و منه أيضا:تاه الرّجل يتيه تيها:تكبّر،فهو تائه و تيّاه و تيّهان،و كأنّ المتكبّر قد سلك التّيه،فضلّ و تحيّر،يقال:هو أتيه النّاس،و ما أتيهه!و قد تيّه نفسه:

حيّرها و طوّحها.و رجل تيهان و تيّهان:جسور يركب رأسه في الأمور،و ناقة تيهانة:جريئة.

2-و يطلق على التّيه في اللّغة العبريّة لفظ«تهو»، أي المفازة،و قد سردت قصّته في الإصحاحين(13) و(14)من سفر العدد.

ص: 238

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظ واحد،مرّة واحدة:

قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ المائدة:26

يلاحظ أوّلا:أنّهم سألوا:كيف يتيهون فيها-و هي مساحة محدّدة تتراوح في الآثار بين أربعة فراسخ و ثلاثين فرسخا-أربعين سنة،و لا يجدون سبيلا إلى الخروج؟و أحسن ما أجيب عنه:

أنّهم كانوا يجدون السّبيل،إلاّ أنّ اللّه حرّمه عليهم عقوبة لهم،حتّى انقرض الّذين تخلّفوا عن أمر اللّه.ثمّ سمح لأولادهم الخروج منها و الدّخول في الأرض الموعودة.و هذا الرّأي موقوف على حمل فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ على التّحريم التّشريعيّ دون التّكوينيّ.

و نحن لا نرى به بأسا،سوى أنّه أوّلا خلاف ما رواه المفسّرون،و ما جاء في سفر العدد،و لعلّه مصدر تلك الرّوايات،فالتّشكيك في صحّته يسري إلى الرّوايات.

و ثانيا:أنّ لفظ يَتِيهُونَ منصرف إلى الحيرة و الضّلال،و أنّهم لم يجدوا سبيلا للخلاص منه.

فالأحسن حملها على أنّه كان من جملة ما جاء في قضايا بني إسرائيل،من خوارق العادات.

ثانيا:طرح في النّصوص سؤال آخر،و هو:هل كان موسى و هارون مع بني إسرائيل في التّيه أم لا؟ و الجواب:ينبغي الإجابة عن هذا السّؤال في لفظي «موسى»و«هارون»،فلاحظ.

ثالثا:مجيء المادّة مرّة واحدة بلفظ المضارع يتناسق مفهومها الّذي يعبّر عن الغربة و الحيرة،المستمرّتين زمانا مبهما لا يعلم مداه إلاّ بأربعين سنة في علم اللّه،لا يعرفها بنو إسرائيل،بل هم في حيرة مطلقة مكانا و زمانا.

ص: 239

ص: 240

حرف الثّاء

اشارة

و فيه 23 لفظا

ثبت

ثبر

ثبط

ثبى

ثجج

ثخن

ثرب

ثري

ثعب

ثقب

ثقف

ثقل

ثلث

ثلل

ثمر

ثمم

ثمن

ثمود

ثني

ثوب

ثور

ثوى

ثيب

ص: 241

ص: 242

ث ب ت

اشارة

12 لفظا،18 مرّة:8 مكّيّة،10 مدنيّة

في 11 سورة:5 مكّيّة،6 مدنيّة

فاثبتوا 1:-1 ثبّتناك 1:-1

ثابت 1:1 يثبّت 4:2-2

الثّابت 1:1 نثبّت 2:2

ثبوتها 1:1 ثبّت 2:-2

يثبت 1:-1 فثبّتوا 1:-1

ليثبتوك 1:1 تثبيتا 2:-2

النّصوص اللّغويّة

اللّيث: يقال:ثبت فلان بالمكان يثبت ثبوتا فهو ثابت،إذا أقام به.و تثبّت في رأيه و أمره،إذا لم يعجل و تأنّى فيه.و استثبت في أمره،إذا شاور و فحص عنه.

و أثبت فلان فهو مثبت،إذا اشتدّت به علّته،و أثبتته جراحه فلم يتحرّك.

و رجل ثبت و ثبيت،إذا كان شجاعا وقورا.

و أثبيت:اسم موضع،أو جبل.

و يصغّر ثابت من الأسماء:ثبيتا.و أمّا الثّابت إذا أردت به نعت شيء فتصغيره:ثويبت.

(الأزهريّ 14:267)

ابن الأعرابيّ: يقال للجراد إذا رزّ أذنابه ليبيض:

ثبت و أثبت و تثبّت.(الأزهريّ 14:267)

ابن أبي اليمان :و الثّبت:هو الرّجل الوقور القليل التّوثّب،و الثّابت على ظهور الخيل أيضا.(218)

ابن دريد :ثبت يثبت ثباتا و ثبوتا فهو ثابت.

و رجل ثبت المقام و ثبيت المقام،إذا كان شجاعا لا يبرح موقفه.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل ثابت أيضا،إذا ثبت.و يقال:ثابت الجنان، إذا كان ثبت الفؤاد.و قد سمّت العرب:ثابتا.

و أثبتّه نظرا،إذا تبيّنته،و ثبّته،إذا وقّفته.

(1:193)

و رجل ثبت بيّن الثّباتة و الثّبوتة.(3:427)

ص: 243

الأزهريّ: يقال:رجل ثابت في الحرب و ثبيت و ثبت،و يقال للرّاوي:إنّه لثبت،و هم الأثبات،أي الثّقات.

رماه فأثبته،إذا حبسه مكانه.و أصبح المريض مثبتا،أي لا حراك به.(14:267)

الصّاحب:ثبت الجنان:ماض في الأمر و الحرب.

و أثبت حجّته:أقامها،و ثبت القول و الأمر:وضح.

و رجل ثبت،أي حجّة.

و الثّابت:اللاّزم الواقف.

و الثّبت:المتثبّت في الأمور.

و أثبت اللّه لبدك،و ثبت لبدك،أي دام أمرك.

و داء ثبات:تثبت الإنسان حتّى لا يتحرّك.

و الثّبات:الإثخان في القتل.

و مريض مثبت:ليس به حراك.

و الثّبات:السّير الّذي يشدّ به الشّيء،أثبت به إثباتا،و جمعه:ثبت.و هو أيضا شبام البرقع،و هي خيوطه.

و الثّبيت:ضدّ الهبيت،و هو العاقل المتمسّك.

و الثّبتة:الثّبات.

و يوم إثبيت:يوم معروف،و كان لكلب على بني نمير.و إثبيت:اسم موضع.(9:422)

الجوهريّ: ثبت الشّيء ثباتا و ثبوتا،و أثبته غيره و ثبّته بمعنى.

و يقال:أثبته السّقم،إذا لم يفارقه.و قوله تعالى:

(ليثبتوك)الأنفال:30،أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها.

و تثبّت الرّجل في الأمر،و استثبت بمعنى.و رجل ثبت،أي ثابت القلب.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال أيضا:فلان ثبت الغدر،إذا كان لا يزلّ لسانه عند الخصومات.

و رجل له ثبت عند الحملة،بالتّحريك،أي ثبات.

و تقول أيضا:لا أحكم بكذا إلاّ بثبت،أي بحجّة.

و الثّبيت:الثّابت العقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و نقول منه:ثبت بالضّمّ،أي صار ثبيتا.(1:245)

ابن فارس: الثّاء و الباء و التّاء كلمة واحدة،و هي دوام الشّيء،يقال:ثبت ثباتا و ثبوتا،و رجل ثبت و ثبيت.[ثمّ استشهد بشعر](1:399)

الطّوسيّ: و الثّبوت:حصول الشّيء في المكان على استمرار،يقال لمن استمرّ على صفة:قد ثبت كثبوت الطّين.(5:154)

الإثبات:الإخبار بوجود الشّيء،و نقيضه النّفي و هو الإخبار بعدم الشّيء.(6:263)

الرّاغب: الثّبات:ضدّ الزّوال،يقال:ثبت يثبت ثباتا،قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا الأنفال:45.

و رجل ثبت و ثبيت في الحرب،و أثبت السّهم، و يقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة،فيقال:فلان ثابت عندي،و نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثابتة.

و الإثبات و التّثبيت تارة يقال بالفعل؛فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود نحو:أثبت اللّه كذا،و تارة لما يثبت بالحكم؛فيقال:أثبت الحاكم على فلان كذا و ثبّته، و تارة لما يكون بالقول سواء كان ذلك صدقا أو كذبا؛

ص: 244

فيقال:أثبت التّوحيد و صدق النّبوّة،و فلان أثبت مع اللّه إلها آخر.(78)

الزّمخشريّ: فلان ثابت القدم،من رجال ثبّت.

و رجل ثبت الجنان و ثبت الغدر،إذا لم يزلّ في خصام أو قتال.و فارس ثبت و ثبيت.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل ثبت و ثبيت:عاقل متماسك،و قيل:هو القليل السّقط في جميع خصاله،و قد ثبت ثباتة.

و فلان له ثبت عند الحملة،أي ثبات.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو ثبت من الأثبات،إذا كان حجّة لثقته في روايته.و وجدت فلانا من الثّقات،و الأعلام الأثبات.

و تثبّت في الأمور و استثبت فيه،إذا تأنّى.

و رجل ثبت في الأمور:متثبّت.و تثبّت الشّيء و استثبته.و ضرب الوتد في الحائط فأثبته فيه.

و من المجاز:أثبتوه:حبسوه،و ضربوه حتّى أثبتوه، أي أثخنوه.

و أثبتته الجراحات و أثبته السّقم،إذا لم يقدر على الحراك.

و به ثبات لا ينجو منه.

و نظرت إليه فما أثبتّه ببصري.

و أثبت اسمه في الدّيوان:كتبه.

و أثبت الشّيء معرفة،إذا قتله علما.

و ثبت لبدك و أثبت اللّه لبدك:دعاء بدوام الأمر.

(أساس البلاغة:42)

الطّبرسيّ: و التّثبيت:تمكين الشّيء في مكانه للزومه إيّاه،و قد يقال:ثبّته،بمعنى حكم بوجوده.

و رجل ثبت المقام،إذا كان شجاعا لا يبرح موقفه.

و طعنه فأثبت فيه الرّمح،أي نفذ فيه،لأنّه يلزم فيه.

و أثبت حجّته،أي أقامها.

و رجل ثبت،أي ثقة مأمون فيما روى.(1:356)

و الإثبات:الحبس،يقال:رماه فأثبته،أي حبسه مكانه.و أثبته في الحرب،إذا جرحه جراحة مثقلة.

(2:537)

و التّثبيت:تمكين إقامة الشّيء من الثّبوت،يقال:

ثبّته بتسكينه.و ثبّته بتمكينه،و ثبّته بالدّلالة على ثبوته،و ثبّته بالخبر عن وجوده.(3:203)

ابن الأثير: في حديث أبي قتادة رضي اللّه عنه:

«فطعنته فأثبته»أي حبسته و جعلته ثابتا في مكانه لا يفارقه.

و منه حديث مشورة قريش في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«قال بعضهم:إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق».

و في حديث صوم يوم الشّكّ:«ثمّ جاء الثّبت أنّه من رمضان»الثّبت بالتّحريك:الحجّة و البيّنة.(1:205)

الفيّوميّ: ثبت الشّيء يثبت ثبوتا:دام و استقرّ فهو ثابت،و به سمّي.

و ثبت الأمر:صحّ،و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف، فيقال:أثبته و ثبّته،و الاسم:الثّبات.

و أثبت الكاتب الاسم:كتبه عنده.

و أثبت فلانا:لازمه فلا يكاد يفارقه.

و رجل ثبت ساكن الباء:متثبّت في أموره.

و ثبت الجنان،أي ثابت القلب.

و ثبت في الحرب فهو ثبيت،مثال قرب فهو قريب،

ص: 245

و الاسم:ثبت بفتحتين،و منه قيل للحجّة:ثبت.و رجل ثبت.بفتحتين أيضا،إذا كان عدلا ضابطا،و الجمع:

أثبات،مثل سبب و أسباب.(80)

الفيروزآباديّ: ثبت ثباتا و ثبوتا،فهو ثابت و ثبيت و ثبت،و أثبته و ثبّته.

و الثّبيت:الفارس الشّجاع كالثّبت،و قد ثبت ككرم ثباتة و ثبوتة.

و الثّابت:العقل،و من الخيل:الثّقف في عدوه كالثّبيت.

و الثّبات بالكسر:شبام البرقع،و سير يشدّ به الرّحل.

و المثبت كمكرم:الرّحل المشدود به،و من لا حراك به من المرض.و بكسر الباء:الّذي ثقل فلم يبرح الفراش،و داء ثبات بالضّمّ:معجز عن الحركة.

و ثابته و أثبته:عرفه حقّ المعرفة.

و إثبيت كإزميل:أرض أو ماء لبني يربوع أو لبني المحلّ بن جعفر...[إلى أن قال:]

و قوله تعالى:(ليثبتوك)الأنفال:30،أي ليجرحوك جراحة لا تقوم معها،أو ليحبسوك.

و الأثبات:الثّقات.و استثبت:تأنّى.(1:150)

مجمع اللّغة :1-ثبت يثبت ثبوتا من باب«دخل» رسخ و استقرّ،ضدّ تزلزل و اضطرب.

2-ثبّته تثبيتا:فعل ما يوجب ثباته و استقراره، و يدفع عنه أسباب الوهن و التّزعزع.

3-أثبت اللّه الشّيء:أبقاه ثابتا مستقرّا.

4-و أثبته:حبسه أو قيّده.(1:166)

محمّد إسماعيل إبراهيم: ثبت ثباتا و ثبوتا:

رسخ و استقرّ،ثبت على الأمر:داومه و واظبه فهو ثابت،ثبت الأمر عنده:تحقّق و تأكّد.

و أثبت فلانا:حبسه،و أثبت الشّيء:أقرّه.

و ثبّت الشّيء تثبيتا:أبقاه ثابتا راسخا،و ثبّت الحقّ:

أكّده و أيّده بالبيّنات.

و القول الثّابت:قول لا إله إلاّ اللّه.

و التّثبيت:التّثبّت.(1:94)

العدنانيّ: «الثّبت»و يسمّون الفهرس الّذي يجمع فيه المحدّث مرويّاته و أشياخه:ثبتا،و الصّواب هو «الثّبت»كما جاء في«تثقيف اللّسان»لابن مكّيّ الصّقلّيّ، و المغرب،و مستدرك التّاج،و المدّ،و ذيل أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و ممّا جاء في مستدرك التّاج:«الثّبت»هو الّذي يجمع فيه المحدّث مرويّاته و أشياخه،كأنّه أخذ من الحجّة،لأنّ أسانيده و شيوخه حجّة له،و قد ذكره كثير من المحدّثين.

و قيل:إنّه من اصطلاحاتهم،و يمكن تخريجه على المجاز.

و يجمع الثّبت:على أثبات.

و من معاني الثّبت:

1-الحجّة،جاء في«النّهاية»و في حديث صوم يوم الشّكّ:«ثمّ جاء الثّبت أنّه من رمضان»الثّبت:الحجّة و البيّنة.

و جاء في هامش القاموس،و مستدرك التّاج،و المدّ و المتن،أنّ باءها قد تسكّن:الثّبت.

ص: 246

2-الصّحيفة تثبت فيها الأدلّة.

3-رجل ثبت في اللّغة و غيرها:من أعلامها.

و من معاني الثّبت:

1-الشّجاع الثّابت القلب.

2-العاقل الثّابت الرّأي.

3-فلان ثبت الخصومة:لا يزلّ لسانه عند الخصومة.

4-الثّبت من الخيل:الظّافر المدرك في عدوه.

(104)

محمود شيت: أ-ثبت في موضعه:صمد،يقال:

ثبت الجيش في مواضعه.

ب-الثّبات:الصّمود.

ج-أثبت التّهمة:حقّقها،و أقام الحجّة على مرتكبها.

د-اثبت:إيعاز عسكريّ،يعطى للانتباه قبل إعطاء الإيعازات التّالية.(1:119)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاستقرار و استدامة ما كان،و هو في مقابل الزّوال.و هذا المعنى إمّا في الموضوع،أو في الحكم،أو في القول،أو في الرّأي،أو غيرها؛فيقال:حكمة ثابت،أو قوله ثابت،أو رأيه ثابت،و هو ثابت.

و قد ذكر في كلامه تعالى في مقابل:المحو و الخروج و القتل و الزّلّة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و التّعبير ب«التّفعيل»إذا كان النّظر إلى جهة الوقوع، أي النّسبة إلى المفعول به،و ب«الإفعال»إذا كان النّظر إلى جهة الصّدور-كما في آية يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ الرّعد:39،فالنّظر إلى جهة صفة الفاعل و قدرته و عظمته و اختياره التّامّ،و على هذا لم تحتج إلى ذكر المفعول.

و لا يخفى ما فيما بين:الثّبت و الثّبط،من الاشتقاق الأكبر،راجع«الثّبط».(2:3)

النّصوص التّفسيريّة

ثابت

أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ... إبراهيم:24

الواحديّ: (ثابت)في الثّرى.(3:30)

الزّمخشريّ: يعني في الأرض ضارب بعروقه فيها قرأ أنس بن مالك (كشجرة طيّبة ثابت اصلها). فإن قلت:أيّ فرق بين القراءتين؟

قلت:قراءة الجماعة أقوى معنى،لأنّ في قراءة أنس أجريت الصّفة على«الشّجرة»،و إذا قلت:مررت برجل أبوه قائم،فهو أقوى معنى من قولك:مررت برجل قائم أبوه،لأنّ المخبر عنه إنّما هو الأب لا رجل.(2:376)

نحوه أبو حيّان(5:422)،و أبو السّعود(3:483).

الفخر الرّازيّ: أي راسخ باق آمن الانقلاع و الانقطاع و الزّوال و الفناء؛و ذلك لأنّ الشّيء الطّيّب إذا كان في معرض الانقراض و الانقضاء،فهو و إن كان يحصل الفرح بسبب وجدانه إلاّ أنّه يعظم الحزن بسبب الخوف من زواله و انقضائه.أمّا إذا علم من حاله أنّه باق دائم لا يزول و لا ينقضي فإنّه يعظم الفرح بوجدانه، و يكمل السّرور بسبب الفوز به.(19:117)

ص: 247

نحوه النّيسابوريّ.(13:124)

الآلوسيّ: أَصْلُها ثابِتٌ أي ضارب بعروقه في الأرض.

و قرأ أنس بن مالك (كشجرة طيّبة ثابت اصلها) و قراءة الجماعة على الأصل،و ذكروا أنّها أقوى معنى.

قال ابن جنّيّ: لأنّك إذا قلت:(ثابت اصلها)فقد أجريت الصّفة على(شجرة)و ليس الثّبات لها إنّما هو للأصل،و الصّفة إذا كانت في المعنى لما هو من سبب الموصوف قد تجرى عليه،لكنّها أخصّ بما هي له لفظا و معنى،فالأحسن تقديم الأصل عناية به.و من ثمّ قالوا:

زيد ضربته،فقدّموا المفعول عناية به؛حيث إنّ الغرض ليس ذكر الفاعل و إنّما هو ذكر المفعول،ثمّ لم يقنعوا بذلك حيث أزالوه عن لفظ الفضلة و جعلوه ربّ الجملة لفظا، فرفعوه بالابتداء،و صار«ضربته»ذيلا له و فضلة ملحقة به.و كذلك قولك:مررت برجل أبوه قائم،أقوى معنى من قولك:مررت برجل قائم أبوه،لأنّ المخبر عنه بالقيام إنّما هو الأب لا الرّجل،مع ما في التّقديم هنا من حسن التّقابل و التّقسيم،إلاّ أنّ لقراءة أنس وجها حسنا،و هو أنّ(ثابت اصلها)صفة«الشّجرة»و أصل الصّفة أن تكون اسما مفردا،لأنّ الجملة إذا وقعت صفة حكم على موضعها بإعراب المفرد،و ذاك لم يبلغ مبلغ الجملة،بخلاف(اصلها ثابت)فإنّه جملة قطعا،و قال بعضهم:إنّها أبلغ،و لم يذكر وجه ذلك،فزعم من زعم أنّه ما أشير إليه من وجه الحسن و هو بمعزل عن الصّواب.

و قال ابن تمجيد: هو أنّه كوصف الشّيء مرّتين:مرّة صورة و مرّة معنى،مع ما فيه من الإجمال و التّفصيل،كما في أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الانشراح:1،فإنّه لمّا قيل:(كشجرة طيّبة ثابت)تبادر الذّهن من جعل (ثابت)صفة ل(شجرة)صورة،أنّ شيئا من الشّجرة متّصف بالثّبات،ثمّ لمّا قيل:(اصلها)علم صريحا أنّ «الثّبات»صفة أصل«الشّجرة».و قيل:كونها أكثر مبالغة،لجعل الشّجرة بثبات أصولها ثابتة بجميع أغصانها،فتدبّر.(13:213)

الطّباطبائيّ: أي مرتكز في الأرض،ضارب بعروقه فيها.(12:50)

و فيها بحوث أخرى،لاحظ«ك ل م»:كلمة طيّبة.

الثّابت-يثبّت

يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ... إبراهيم:27

ابن عبّاس: من داوم على الشّهادة في الحياة الدّنيا يثبّته اللّه عليها في قبره،و يلقّنه إيّاها.

(النّيسابوريّ 13:126)

الطّبريّ: يحقّق اللّه أعمالهم و إيمانهم بِالْقَوْلِ الثّابِتِ يقول:بالقول الحقّ،و هو فيما قيل:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه.(13:213)

الزّمخشريّ: الّذي ثبت بالحجّة و البرهان في قلب صاحبه و تمكّن فيه،فاعتقده و اطمأنّت إليه نفسه.

(2:377)

نحوه النّيسابوريّ(13:126)،و أبو حيّان(5:

423)،و أبو السّعود(3:125)،و الكاشانيّ(3:86)، و القاسميّ(10:3728).

ص: 248

البروسويّ: هو كلمة التّوحيد،لأنّها راسخة في قلب المؤمن.(4:415)

و هناك بحوث أخرى راجع«ق و ل»:بالقول الثّابت.

ثبوتها

وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها... النّحل:94

راجع«ز ل ل»

يثبت

يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ. الرّعد:39

لاحظ«أ م م»(امّ الكتاب)و«م ح و».

ليثبتوك

وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ... الأنفال:30

ابن عبّاس: ليوثقوك.مثله مجاهد.

(الطّبريّ 9:226)

ليثبتوك في الوثاق.(الماورديّ 2:312)

ليقيّدوك.(الزّمخشريّ 2:155)

عطاء: يسجنوك.(الطّبريّ 9:226)

نحوه ابن زيد(الطّبريّ 9:226)،و ابن عطيّة(2:

519).

ليثبتوك في الحبس.(الماورديّ 2:312)

قتادة :ليشدّوك وثاقا.(الطّبريّ 9:226)

السّدّيّ: الإثبات هو الحبس و الوثاق.(281)

أبان بن تغلب: ليثخنوك بالجراحات،و الضّرب الشّديد.

مثله أبو حاتم.(القرطبيّ 7:397)

الفرّاء: ليحبسوك في البيت.(1:409)

ابن قتيبة :أي يحبسوك،و منه يقال:فلان مثبت وجعا،إذا لم يقدر على الحركة.و كانوا أرادوا أن يحبسوه في بيت و يسدّوا عليه بابه،و يجعلوا له خرقا يدخل عليه منه طعامه و شرابه...(179)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله (ليثبتوك)فقال بعضهم:معناه ليقيّدوك.

و قال آخرون:بل معناه الحبس.

و قال آخرون:بل معناه ليسحروك.(9:226)

الماورديّ: [ذكر قول ابن عبّاس و عطاء ثمّ قال:]

و الثّالث:معنى يثبتوك،أي يخرجوك،كما يقال:

أثبتّه في الحرب،إذا أخرجته،قاله بعض المتأخّرين.

(2:312)

الواحديّ: أي ليوثقوك و يشدّوك،و كلّ من شدّ فقد أثبت،لأنّه لا يقدر على الحركة في الذّهاب و المجيء.

(2:454)

البغويّ: ليحبسوك و يسجنوك و يوثقوك.(2:288)

نحوه الخازن.(3:22)

الزّمخشريّ: ليسجنوك أو يوثقوك أو يثخنوك بالضّرب و الجرح،من قولهم:ضربوه حتّى أثبتوه لا حراك به و لا براح،و فلان مثبت وجعا.

و قرئ (ليثبّتوك) بالتّشديد.و قرأ النّخعيّ

ص: 249

(ليبيتوك)من البيات.(2:155)

البروسويّ: (ليثبتوك)بالوثاق و الحبس،فإنّ إثبات الشّيء و تثبيته عبارة عن إلزامه بموضع،و من شدّ فقد أثبت،لأنّه لا يقدر على الحركة.(3:339)

نحوه القاسميّ.(8:2983)

رشيد رضا :فأمّا الإثبات فالمراد به الشّدّ بالوثاق و الإرهاق بالقيد،و الحبس المانع من لقاء النّاس، و دعوتهم إلى الإسلام.(9:650)

عبد الكريم الخطيب :أي يفسدوا عليه أمره، و يعجزوه عن القيام بدعوته.(5:597)

لاحظ«م ك ر»(يمكر).

ثبّتناك

وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً.

الإسراء:74

عبد الجبّار: مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّه يثبّت المطيع على الطّاعة،و لو لم يكن من فعله لما صحّ ذلك،فقال: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً.

و الجواب عن ذلك:أنّ التّثبيت على الشّيء ليس هو الشّيء بنفسه،لأنّ الفعل قد يحصل و لا يثبت الفاعل عليه،و قد يحصل و يثبت عليه،فلا يدلّ ظاهره على أنّه تعالى إذا ثبّته فقد فعل فيه الإيمان.و على هذه الطّريقة تجري هذه اللّفظة،لأنّه يقال:فلان قد ثبت على هذا الأمر،و قد ثبت على الفعل،و يراد بذلك غير الفعل، لكنّا قد علمنا أنّ الفاعل لا يجوز أن يثبت على فعله لعلّة سوى فعله،فلا بدّ من أن تحمل الآية على أنّه تعالى يثبّته بالألطاف و المعونة و التّأييد و العصمة،فلا تدلّ الآية على ما قاله القوم.و لو كان تعالى ثبّته صلّى اللّه عليه و سلّم بأن خلق فيه الفعل و نهاه،لم يكن لقوله: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً معنى،لأنّه كان يجب أن يكون ممنوعا من هذا الرّكون،فإنّما يصحّ على ما قلناه.

(متشابه القرآن 2:467)

الواحديّ: على الحقّ بعصمتنا إيّاك.(3:120)

نحوه البروسويّ(5:189)،و الآلوسيّ(15:128).

ابن عطيّة: و قوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ تعديد نعمه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا نزلت هذه الآية قال:«اللّهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

(3:475)

الطّبرسيّ: أي ثبّتنا قلبك على الحقّ و الرّشد بالنّبوّة و العصمة و المعجزات،و قيل:بالألطاف الخفيّة.

(3:431)

الفخر الرّازيّ: [مثل الواحديّ ثمّ قال:]

احتجّ الطّاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السّلام بهذه الآية، فقالوا:هذه الآية تدلّ على صدور الذّنب العظيم عنهم من وجوه:الأوّل:أنّ الآية دلّت على أنّه عليه السّلام قرب من أن يفتري على اللّه،و الفرية على اللّه من أعظم الذّنوب.

و الثّاني:أنّها تدلّ على أنّه لو لا أنّ اللّه تعالى ثبّته و عصمه لقرب من أن يركن إلى دينهم،و يميل إلى مذهبهم.

و الثّالث:أنّه لو لا سبق جرم و جناية و إلاّ فلا حاجة إلى ذكر هذا الوعيد الشّديد.

ص: 250

و الجواب عن الأوّل:أنّ«كاد»معناه المقاربة،فكان معنى الآية أنّه قرب وقوعه في الفتنة،و هذا القدر لا يدلّ على الوقوع في تلك الفتنة،فإنّا إذا قلنا:كاد الأمير أن يضرب فلانا،لا يفهم منه أنّه ضربه.

و الجواب عن الثّاني:أنّ كلمة(لو لا)تفيد انتفاء الشّيء لثبوت غيره،تقول:«لو لا عليّ لهلك عمر»معناه أنّ وجود عليّ منع من حصول الهلاك لعمر،فكذلك هاهنا قوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ معناه أنّه حصل تثبيت اللّه تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فكان حصول ذلك التّثبيت مانعا من حصول ذلك الرّكون.

و الجواب عن الثّالث:أنّ ذلك التّهديد على المعصية لا يدلّ على الإقدام عليها،و الدّليل عليه آيات،منها قوله: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ الحاقّة:44-46، و منها قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:

65،و منها قوله: وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ الأحزاب:48،و اللّه أعلم.

احتجّ أصحابنا على صحّة قولهم:بأنّه لا عصمة عن المعاصي إلاّ بتوفيق اللّه تعالى،بقوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً قالوا:إنّه تعالى بيّن أنّه لو لا تثبيت اللّه تعالى له لمال إلى طريقة الكفّار، و لا شكّ أنّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كان أقوى من غيره في قوّة الدّين و صفاء اليقين،فلمّا بيّن اللّه تعالى أنّ بقاءه معصوما عن الكفر و الضّلال لم يحصل إلاّ بإعانة اللّه تعالى و إغاثته، كان حصول هذا المعنى في حقّ غيره أولى.

قالت المعتزلة:المراد بهذا التّثبيت:الألطاف الصّارفة له عن ذلك،و هي ما خطر بباله من ذكر وعده و وعيده،و من ذكر أنّ كونه نبيّا من عند اللّه تعالى يمنع من ذلك.

و الجواب:لا شكّ أنّ هذا التّثبيت عبارة عن فعل فعله اللّه يمنع الرّسول من الوقوع في ذلك العمل المحذور، فنقول:لو لم يوجد المقتضي للإقدام على ذلك العمل المحذور في حقّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،لما كان إلى إيجاد هذا المانع حاجة؛و حيث وقعت الحاجة إلى تحصيل هذا المانع علمنا أنّ المقتضي قد حصل في حقّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و أنّ هذا المانع الّذي فعله اللّه تعالى منع ذلك المقتضي من العمل،و هذا لا يتمّ إلاّ إذا قلنا:إنّ القدرة مع الدّاعي توجب الفعل،فإذا حصلت داعية أخرى معارضة للدّاعية الأولى اختلّ المؤثّر فامتنع الفعل،و نحن لا نريد إلاّ إثبات هذا المعنى،و اللّه أعلم.(21:21)

النّيسابوريّ: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ بالقول الثّابت، و هو قول:«لا إله إلاّ اللّه»إلى أن بلغت حقيقة«لا إله إلاّ اللّه».(15:80)

محمّد جواد مغنية: (و لو لا)حرف امتناع تدخل على جملتين،و تربط امتناع الجملة الثّانية بوجود الأولى،و الجملة الممتنعة هي لَقَدْ كِدْتَ، و الجملة المانعة هي(ثبّتناك)أي عصمناك.و عليه يكون المعنى أنّك يا محمّد لو لا عنايتنا بك بالعصمة عن الذّنب لأوشكت أن تركن إلى المشركين،و تستجيب لهم، فالعصمة هي الّتي منعتك عن الاستجابة،و هذا تماما كقول القائل:لو لا فلان لهلكت.(5:71)

الطّباطبائيّ: التّثبيت-كما يفيد السّياق-هو

ص: 251

العصمة الإلهيّة،و جعل جواب(لو لا)قوله: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ دون نفس الرّكون،و الرّكون هو الميل أو أدنى الميل كما قيل،دليل على أنّه صلّى اللّه عليه و آله لم يركن و لم يكد، و يؤكّده إضافة«الرّكون»إليهم دون إجابتهم إلى ما سألوه.

و المعنى:و لو لا أن ثبّتناك بعصمتنا دنوت من أن تميل إليهم قليلا،لكنّا ثبّتناك فلم تدن من أدنى الميل إليهم.

فضلا من أن تجيبهم إلى ما سألوا،فهو صلّى اللّه عليه و آله لم يجبهم إلى ما سألوا،و لا مال إليهم شيئا قليلا،و لا كاد أن يميل.

(13:173)

مكارم الشّيرازيّ: و مفهوم التّثبيت الإلهيّ و الّذي نعتبره بأنّه العصمة،أنّه منع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من التّوجّه إلى مزالق عبدة الأصنام،و لا يعني ظاهر الآية- في حال-أنّه صلّى اللّه عليه و آله مال إلى المشركين،ثمّ نهي عن ذلك بوحي من اللّه تعالى.

الآية الأولى و الثّانية[من سورة الإسراء:73،74 وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ...* وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ... ]هما في الحقيقة إشارة إلى حالتين مختلفتين للرّسول صلّى اللّه عليه و آله،الحالة الأولى هي الحالة البشريّة و الإنسانيّة و الّتي انكشفت بشكل واضح في الآية الأولى،و بمقتضى هذه الحالة يمكن تأثير وساوس الأعداء في الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،خاصّة إذا كانت ثمّة مرجّحات في إظهار اللّيونة و التّوجّه إليهم،من مثل رغبته صلّى اللّه عليه و آله في أن يسلم زعماء الشّرك بعد إظهار اللّيونة، أو أن يمنع بذلك سفك الدّماء.و الآية تكشف عن احتمال وقوع الإنسان العادي-و مهما كان قويّا-تحت تأثير الأعداء.

أمّا الآية الثّانية فهي ذات طبيعة معنويّة؛إذ هي تبيّن العصمة الإلهيّة و لطفه الخاصّ سبحانه و تعالى الّذي يشمل به الأنبياء،خصوصا نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله حينما يمرّ بمنعطفات و مزالق دقيقة.

و النّتيجة أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بالطّبع البشريّ قد وصل إلى حافّة القبول ببعض وساوس الأعداء،إلاّ أنّ التّأييد الإلهيّ«العصمة»ثبّته و حفظه و أنقذه من الانزلاق.

و هذا التّعبير نفسه نقرأه في سورة يوسف؛حيث جاء البرهان الإلهيّ في أدقّ اللّحظات و أخطرها،في مقابل الإغواء الخطير و غير الاعتيادي لامرأة العزيز، حيث قوله تعالى في الآية(24)من سورة يوسف:

وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ.

و في اعتقادنا أنّ الآيات أعلاه ليست لا تصلح أن تكون دليلا على نفي العصمة و حسب،بل هي واحدة من الآيات الّتي تدلّ على العصمة،لأنّ التّثبيت الإلهيّ هذا، و الّذي هو كناية عن العصمة أو التّثبيت الفكريّ و العاطفيّ و السّلوكيّ لا يخصّ فقط هذه الحالة،و هذا الموقف،بل هو يشمل الحالات المشابهة الأخرى،و على هذا الأساس تعتبر الآية شاهدا على عصمة الأنبياء و القادة الإلهيّين.

أمّا الآية الثّالثة الّتي نبحثها و الّتي تقول: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً الإسراء:75،فهي دليل على صحّة

ص: 252

البحوث الخاصّة بعصمة الأنبياء؛حيث إنّ العصمة ليست حالة جبريّة يلتزم فيها النّبيّ بلا إرادة منه أو وعي،و إنّما هي توأم مع نوع من الوعي الذّاتيّ،و الّتي تنفذ مع الحرّيّة،لذا فإنّ ارتكاب ذنب في مثل هذه الحالات ليس محالا عقلا،و لكن بسبب هذا الإيمان و الوعي الخاصّ سوف لا يكون لهذا الذّنب وجود خارجيّ.و إذا أصبح له على سبيل الفرض وجود خارجيّ،فإنّه سيخضع لنفس عقوبات الجزاء الإلهيّ.(9:69)

فضل اللّه :تحدّثت[الآية]عن تثبيت اللّه للنّبيّ، الّذي لولاه لتأثّر بتلك الأساليب.و من الطّبيعيّ أنّ التّثبيت لم يكن حالة طارئة،كما توحي به الرّوايات الّتي تضمّنت نزول الآية للتّحذير من هذه الحالة،مع أنّ الظّاهر هو أنّها جاءت إخبارا عن حالة سابقة بل كان التّثبيت ناشئا من قوّة الإيمان في شخصيّته الّتي أودعها اللّه فيه من خلال لطفه و رعايته له.(14:194)

يثبّت

...وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ. الأنفال:11

ابن عبّاس: ذلك أنّه كانت بينهم و بين القوم رملة،فبعث اللّه عليها المطر،فضربها حتّى اشتدّت، و ثبّتت عليها الأقدام.(الطّبريّ 9:195)

السّدّيّ: حتّى تشتدّون على الرّمل،و هو كهيئة الأرض.(الطّبريّ 9:197)

أبو عبيدة :مجازه:يفرغ عليهم الصّبر،و ينزله عليهم،فيثبتون لعدوّهم.(1:242)

الطّبريّ: إنّ ذلك مطر أنزله اللّه من السّماء يوم بدر، ليطهّر به المؤمنين لصلاتهم،لأنّهم كانوا أصبحوا يومئذ مجنبين على غير ماء،فلمّا أنزل اللّه عليهم الماء، اغتسلوا و تطهّروا،و كان الشّيطان وسوس لهم بما حزنهم به،من إصباحهم مجنبين على غير ماء،فأذهب اللّه ذلك من قلوبهم بالمطر،فذلك ربطه على قلوبهم و تقويته أسبابهم و تثبيته بذلك المطر أقدامهم،لأنّهم كانوا التقوا مع عدوّهم على رملة هشّاء،فلبّدها المطر،حتّى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها،توطئة من اللّه عزّ و جلّ لنبيّه عليه السّلام و أوليائه أسباب التّمكّن من عدوّهم و الظّفر بهم.(9:194)

[و قال بعد نقل قول أبي عبيدة:]

و ذلك قول خلاف لقول جميع أهل التّأويل من الصّحابة و التّابعين،و حسب قول خطأ أن يكون خلافا لقول من ذكرنا.و قد بيّنّا أقوالهم فيه،و أنّ معناه:و يثبّت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرّمل،حتّى لا تسوخ فيه أقدامهم و حوافر دوابّهم.(9:197)

الزّجّاج: أي يثبّت بالماء الّذي أنزله على الرّمل حتّى استوى،و جائز أن يكون زيّن به للرّبط على قلوبهم،فيكون المعنى«و ليربط على قلوبكم و يثبّت» بالرّبط الأقدام.(2:404)

الواحديّ: و ذلك أنّ المسلمين كانوا قد نزلوا على كثيب تغوص فيه أرجلهم،فلبّده المطر حتّى تثبت عليه الأقدام.(2:447)

البغويّ: حتّى لا تسوخ في الرّمل بتلبيد الأرض.

ص: 253

و قيل:يثبّت به الأقدام بالصّبر و قوّة القلب للقتال.

(2:274)

نحوه البروسويّ.(3:320)

ابن عطيّة: أي في الرّملة الدّهسة الّتي كان المشي فيها صعبا.(2:506)

الفخر الرّازيّ: ذكروا فيه وجوها:

أحدها:أنّ ذلك المطر لبّد ذلك الرّمل و صيّره بحيث لا تغوص أرجلهم فيه،فقدروا على المشي عليه كيف أرادوا،و لو لا هذا المطر لما قدروا عليه،و على هذا التّقدير فالضّمير في قوله:(به)عائد إلى«المطر».

و ثانيها:أنّ المراد أنّ ربط قلوبهم أوجب ثبات أقدامهم،لأنّ من كان قلبه ضعيفا فرّ و لم يقف،فلمّا قوّى اللّه تعالى قلوبهم لا جرم ثبّت أقدامهم،و على هذا التّقدير فالضّمير في قوله:(به)عائد إلى«الرّبط».

ثالثها:روي أنّه لمّا نزل المطر حصل للكافرين ضدّ ما حصل للمؤمنين،و ذلك لأنّ الموضع الّذي نزل الكفّار فيه كان موضع التّراب و الوحل،فلمّا نزل المطر عظم الوحل،فصار ذلك مانعا لهم من المشي كيفما أرادوا، فقوله: وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ يدلّ دلالة المفهوم على أنّ حال الأعداء كانت بخلاف ذلك.(15:134)

نحوه النّيسابوريّ.(9:131)

القرطبيّ: الضّمير في(به)عائد على الماء الّذي شدّ دهس الوادي،و قيل:هو عائد على ربط القلوب، فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النّصر و المعونة في موطن الحرب.(7:377)

نحوه أبو السّعود(3:83)،و الآلوسيّ(9:176).

أبو حيّان:و الظّاهر أنّ تثبيت الأقدام هو حقيقة، لأنّ المكان الّذي وقع فيه اللّقاء كان رملا تغوص فيه الأرجل،فلبّده المطر حتّى تثبت عليه الأقدام،و الضّمير في(به)عائد على المطر.

و قيل:التّثبيت للأقدام معنويّ،و المراد به كونه لا يفرّ وقت القتال،و الضّمير في(به)عائد على المصدر الدّالّ عليه(و ليربط).(4:469)

محمّد جواد مغنية: قال أكثر المفسّرين:إنّ ضمير(به)يعود إلى الماء،و أنّ المراد ب(الاقدام):

الأرجل:و ذلك أنّ المسلمين كانوا في رملة لا تثبت فيها قدم،فلمّا نزل المطر تلبّدت الرّملة و تماسكت،و ثبتت عليها أقدام المسلمين.

هذا ما جاء في أكثر التّفاسير،أمّا نحن فنختار أنّ الضّمير(به)يعود إلى مصدر متصيّد من ليربط قلوبكم و أنّ المراد بتثبيت الأقدام:الثّبات في ميدان القتال و عدم الفرار منه،و المعنى أنّ اللّه يثبّتكم في القتال بما منحكم من ربط القلوب و اطمئنانها.(3:458)

الطّباطبائيّ: هو كناية عن التّشجيع،و ليثبّت بالمطر أقدامكم في الحرب بتلبّد الرّمل أو بثبات القلوب.

(9:22)

مكارم الشّيرازيّ: ...و يمكن أن يكون المراد من تثبيت الأقدام:هو رفع المعنويّات،و زيادة الثّبات و الاستقامة ببركة تلك النّعمة،أو إشارة إلى هذين الأمرين.(5:346)

2- يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ...

إبراهيم:27

ص: 254

راجع«الثّابت».

3- قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ. النّحل:102

الطّبريّ: قل:نزّل هذا القرآن ناسخه و منسوخه روح القدس عليّ من ربّي،تثبيتا للمؤمنين،و تقوية لإيمانهم،ليزدادوا بتصديقهم لناسخه و منسوخه إيمانا لإيمانهم...(14:177)

الزّمخشريّ: ليبلوهم بالنّسخ حتّى إذا قالوا فيه:

هو الحقّ من ربّنا و الحكمة،حكم لهم بثبات القدم و صحّة اليقين و طمأنينة القلوب،على أنّ اللّه حكيم،فلا يفعل إلاّ ما هو حكمة و صواب.(2:429)

نحوه الفخر الرّازيّ(20:116)،و النّسفيّ(2:300).

الطّبرسيّ: بما فيه من الحجج و الآيات،فيزدادوا تصديقا و يقينا.و معنى تثبيته:استدعاؤه لهم بالطّاقة، و معونته إلى الثّبات على الإيمان و الطّاعة.(3:386)

البيضاويّ: ليثبّت اللّه الّذين آمنوا على الإيمان بأنّه كلامه،و أنّهم إذا سمعوا النّاسخ و تدبّروا ما فيه من رعاية الصّلاح و الحكمة رسخت عقائدهم و اطمأنّت قلوبهم.(1:570)

نحوه أبو السّعود(4:93)،و البروسويّ(5:82).

النّيسابوريّ: فيقول:كلّ من النّاسخ و المنسوخ من عند ربّنا،و كلّ منهما في وقته خير و صلاح،لأنّ الّذي نزّله حكيم لا يفعل إلاّ ما هو خير في أوانه، و صواب بالنّسبة إلى المكلّف حين ما يكلّف به.

(14:121)

أبو حيّان :و(ليثبّت)معناه أنّهم لا يضطربون في شيء منه لكونه نسخ،بل النّسخ مثبت لهم على إيمانهم، لعلمهم أنّه جميعه من عند اللّه،لصحّة إيمانهم و اطمئنان قلوبهم يعلمون أنّه حكيم،و أنّ أفعاله كلّها صادرة عن حكمة،فهي صواب كلّها.(5:536)

الطّباطبائيّ: التّثبيت:تحكيم الثّبات،و تأكيده بإلقاء الثّبات بعد الثّبات عليهم،كأنّهم بأصل إيمانهم باللّه و رسوله و اليوم الآخر ثبتوا على الحقّ،و بتجدّد الحكم حسب تجدّد المصلحة يؤتون ثباتا على ثبات،من غير أن يضعف ثباتهم الأوّل بالمضيّ على أعمال لا تطابق مصلحة الوقت.

فإنّ من الواضح أنّ من أمر بسلوك سبيل لمصلحة غاية،فأخذ بسلوكه عن إيمان بالآمر الهادي،فقطع قطعة منه على حسب ما يأمره به رعاية لمصلحة الغاية، بسرعة أو بطء أو في ليل أو نهار،ثمّ تغيّر نحو المصلحة، فلو لم يغيّر الآمر الهادي نحو السّلوك و استمرّ على أمره السّابق لضعف إيمان السّالك و انسلب أركانه،لكن لو أمر بنحو جديد من السّلوك يوافق المصلحة و يضمن السّعادة،زاد إيمانه ثباتا على ثبات.

ففي تنزيل القرآن بالنّسخ و تجديد الحكم حسب تجدّد المصلحة تثبيت للّذين آمنوا و إعطاء لهم ثباتا على ثبات.(12:346)

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ. محمّد:7

الطّبريّ: و يقوّكم عليهم و يجرّئكم،حتّى لا تولّوا عنهم و إن كثر عددهم و قلّ عددكم.(26:45)

ص: 255

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:و يثبّت أقدامكم في نصره.الثّاني:عند لقاء عدوّه.

ثمّ فيه وجهان:أحدهما:يعني تثبيت الأقدام بالنّصر،الثّاني:يريد تثبيت القلوب بالأمن.(5:295)

الطّوسيّ: وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ في حال الحرب.قيل: وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ يوم الحساب.

(9:293)

القشيريّ: بإدامة التّوفيق لئلاّ ينهزم من صولة أعداء الدّين.(5:405)

الزّمخشريّ: في مواطن الحرب أو على محجّة الإسلام.(3:532)

مثله أبو حيّان(8:76)،و البروسويّ(8:501)، و نحوه النّيسابوريّ(26:24).

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس: (وَ يُثَبِّتْ) بفتح الثّاء المثلّثة و شدّ الباء.و قرأ المفضّل عن عاصم (و يثبت) بسكون الثّاء و تخفيف الباء.و هذا التّثبيت هو في مواطن الحرب على الإسلام،و قيل:على الصّراط في القيامة.

(5:112)

نحوه الخازن.(6:147)

الطّبرسيّ: أي يشجّعكم و يقوّي قلوبكم لتثبتوا.

و قيل:ينصركم في الآخرة و يثبّت أقدامكم عند الحساب و على الصّراط.

و قيل:ينصركم في الدّنيا و الآخرة،و يثبّت أقدامكم في الدّارين،و هو الوجه.(5:98)

الفخر الرّازيّ: جاز أن يتوهّم أن الكافر أيضا يصبر و يثبت للقتال،فيدوم القتال و الحراب و الطّعان و الضّراب،و فيه المشقّة العظيمة فقال تعالى:لكم الثّبات و لهم الزّوال و التّغيّر و الهلاك فلا يكون الثّبات.

و سببه ظاهر،لأنّ آلهتهم جمادات لا قدرة لها و لا ثبات عند من له قدرة،فهي غير صالحة لدفع ما قدّره اللّه تعالى عليهم من الدّمار،و عند هذا لا بدّ عن زوال القدم و العثار.

و قال في حقّ المؤمنين:(و يثبّت)بصيغة الوعد،لأنّ اللّه تعالى لا يجب عليه شيء،و قال في حقّهم بصيغة الدّعاء،و هي أبلغ من صيغة الإخبار من اللّه،لأنّ عثارهم واجب،لأنّ عدم النّصرة من آلهتهم واجب الوقوع؛إذ لا قدرة لها،و التّثبيت من اللّه ليس بواجب الوقوع،لأنّه قادر مختار يفعل ما يشاء.(28:49)

القرطبيّ: أي عند القتال،و قيل:على الإسلام، و قيل:على الصّراط.

و قيل:المراد تثبيت القلوب بالأمن،فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النّصر و المعونة في موطن الحرب.

(16:232)

البيضاويّ: في القيام بحقوق الإسلام،و المجاهدة مع الكفّار.(2:393)

مثله الكاشانيّ(5:22)،و نحوه الشّربينيّ(4:25).

الآلوسيّ: في مواطن الحرب و مواقفها أو على محجّة الإسلام،و المراد يقوّيكم أو يوفّقكم للدّوام على الطّاعة.

(26:43)

القاسميّ: أي بدوام الظّفر و التّمكين في الأرض، و إرث ديار العدوّ.(15:5378)

محمّد جواد مغنية:تثبيت الأقدام:كناية عن

ص: 256

الصّلابة و الثّبات.(7:63)

الطّباطبائيّ: عطف تثبيت الأقدام على النّصر من عطف الخاصّ على العامّ،و تخصيص تثبيت الأقدام، و هو كناية عن التّشجيع و تقوية القلوب لكونه من أظهر أفراد النّصر.(18:229)

نثبّت

1- وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ... هود:120

ابن عبّاس: ما نشدّ به قلبك.(القرطبيّ 9:116)

نحوه الضّحّاك.(أبو حيّان 5:274)

(نثبّت):نسكّن.(أبو حيّان 5:274)

ابن جريج:لتعلم ما لقيت الرّسل قبلك من أممهم.

(الطّبريّ 12:145)

نصبّر به قلبك حتّى لا تجزع.(القرطبيّ 9:116)

نقوّي،و تثبيت الفؤاد هو بما جرى الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام و لأتباعهم المؤمنين،و ما لقوا من مكذّبيهم من الأذى.(أبو حيّان 5:274)

الطّبريّ: فلا تجزع من تكذيب من كذّبك من قومك،و ردّ عليك ما جئتهم به،و لا يضيق صدرك، فتترك بعض ما أنزلت إليك من أجل أن قالوا: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ هود:12،إذا علمت ما لقي من قبلك من رسلي من أممها.(12:145)

البغويّ: لنزيدك يقينا و نقوّي قلبك،و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا سمعها كان ذلك تقوية لقلبه على الصّبر على أذى قومه.(2:472)

نحوه الخازن.(3:212)

الزّمخشريّ: و ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بدل من (كلاّ).و يجوز أن يكون المعنى:و كلّ اقتصاص نقصّ عليك،على معنى:و كلّ نوع من أنواع الاقتصاص نقصّ عليك،يعني على الأساليب المختلفة.و ما(نثبّت به) مفعول(نقصّ)،و معنى تثبيت فؤاده:زيادة يقينه و ما فيه طمأنينة قلبه،لأنّ تكاثر الأدلّة أثبت للقلب و أرسخ للعلم.(2:299)

نحوه البيضاويّ(1:485)،و أبو السّعود(3:

360)،و الكاشانيّ(2:478).

ابن عطيّة: أي نؤنسك فيما تلقاه،و نجعل لك الأسوة في من تقدّمك من الأنبياء.(3:216)

الزّجّاج: و معنى تثبيت الفؤاد:تسكين القلب،و هو هاهنا ليس للشّكّ،و لكن كلّما كان الدّلالة و البرهان أكثر كان القلب أثبت،كما قال إبراهيم: وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة:260.(3:84)

الماورديّ: أي نقوّي به قلبك و تسكن إليه نفسك،لأنّهم بلوا فصبروا،و جاهدوا فظفروا.

(2:512)

الطّبرسيّ: أي ما نقوّي به قلبك و نطيّب به نفسك و نزيدك به ثباتا على ما أنت عليه من الإنذار،و الصّبر على أذى قومك الكفّار.(3:204)

نحوه القاسميّ(9:3499)،و الطّباطبائيّ(11:71).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر القصص الكثيرة في هذه السّورة،ذكر في هذه الآية نوعين من الفائدة،الفائدة الأولى:تثبيت الفؤاد على أداء الرّسالة

ص: 257

و على الصّبر و احتمال الأذى،و ذلك لأنّ الإنسان إذا ابتلى بمحنة و بليّة فإذا رأى له فيه مشاركا خفّ ذلك على قلبه،كما يقال:المصيبة إذا عمّت خفّت،فإذا سمع الرّسول هذه القصص،و علم أنّ حال جميع الأنبياء صلوات اللّه عليهم مع أتباعهم هكذا،سهل عليه تحمّل الأذى من قومه،و أمكنه الصّبر عليه.

الفائدة الثّانية:[راجع«ح ق ق»](18:79)

نحوه الشّربينيّ(2:86)،و محمّد جواد مغنية(4:

280)

القرطبيّ: أي على أداء الرّسالة،و الصّبر على ما ينالك فيها من الأذى.

و قال أهل المعاني:نطيّب،و المعنى متقارب.

(9:116)

نحوه محمّد جواد مغنية.(4:280)

أبو حيّان :[حكى أقوال ابن عبّاس و الضّحّاك و ابن جريج ثمّ قال:]

ففي هذا كلّه أسوة بهم؛إذ المشاركة في الأمور الصّعبة تهوّن ما يلقي الإنسان من الأذى،ثمّ الإعلام بما جرى على مكذّبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب،من غرق و ريح و رجفة و خسف و غير ذلك،فيه طمأنينة للنّفس و تأنيس بأن يصيب اللّه من كذّب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بالعذاب،كما جرى لمكذّبي الرّسل،و إنباء له عليه الصّلاة و السّلام بحسن العاقبة له و لأتباعه،كما اتّفق للرّسل و أتباعهم.(5:274)

البروسويّ: ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ مفعول(نقصّ) أي ما نشدّ به قلبك حتّى يزيد يقينك و يطيّب به نفسك.

[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](4:203)

رشيد رضا :أي نقصّ منها عليك ما نثبّت به فؤادك،أي نقوّيه و نجعله راسخا في ثباته كالجبل،في القيام بأعباء الرّسالة و نشر الدّعوة،بما في هذه القصص من زيادة العلم بسنن اللّه في الأقوام،و ما قاساه رسلهم من الإيذاء،فصبروا صبر الكرام.(12:195)

نحوه المراغيّ.(12:100)

2- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً.

الفرقان:32

ابن عبّاس: لنطيّب به نفسك و نحفظ به قلبك.

(303)

ابن جريج:لنصحّح به عزيمة قلبك،و يقين نفسك و نشجّعك به.(الطّبريّ 19:10)

السّدّيّ: لنشجّع به قلبك،لأنّه معجز يدلّ على صدقك.(الماورديّ 4:144)

أبو عبيدة :مجازه لنطيّب به نفسك و نشجّعك.

(2:74)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول السّدّيّ و قد تقدّم]

الثّاني:معناه كذلك أنزلناه مفرّقا لنثبّته في فؤادك.

و فيه وجهان:

أحدهما:لأنّه كان أمّيّا و لم ينزل القرآن عليه مكتوبا،فكان نزوله مفرّقا أثبت في فؤاده،و أعلق بقلبه.

الثّاني:لنثبّت فؤادك باتّصال الوحي و مداومة

ص: 258

نزول القرآن،فلا تصير بانقطاع الوحي مستوحشا.

(4:144)

الواحديّ: لنقوّي به قلبك فيزداد بصيرة،و ذلك أنّه إذا كان يأتيه الوحي متجدّدا في كلّ أمر و حادثة كان ذلك أزيد في بصيرته و أقوى لقلبه.(3:340)

نحوه الطّبرسيّ(4:169)،و ابن الجوزيّ(6:88)

البغويّ: يعني أنزلناه متفرّقا ليقوى به قلبك،فتعيه و تحفظه...(3:445)

نحوه القرطبيّ(13:28)،و طه الدّرّة(10:19).

الزّمخشريّ: أي كذلك أنزل مفرّقا،و الحكمة فيه أن نقوّي بتفريقه فؤادك حتّى تعيه و تحفظه،لأنّ المتلقّن إنّما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شيء،و جزء عقيب جزء.(3:91)

نحوه الكاشانيّ.(4:12)

القاسميّ: أي نقوّيه به على القيام بأعباء الرّسالة، و النّهوض لنشر الحقّ بين قادة الجهالة.فإنّ ما يتواتر إنزاله لذلك،أبعث للهمّة و أثبت للعزيمة و أنهض للدّعوة، من نزوله مرّة واحدة.(12:4576)

الطّباطبائيّ: الثّبات:ضدّ الزّوال،و الإثبات و التّثبيت بمعنى واحد،و الفرق بينهما بالدّفعة و التّدريج.

[إلى أن قال:]

فقوله: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ بيان تامّ لسبب تنزيل القرآن نجوما متفرّقة.(15:210)

و فيها بحوث لاحظ«ج م ل»(جملة واحدة).

ثبّت

1- ...رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. البقرة:250

الطّبريّ: قوّ قلوبنا على جهادهم،لتثبّت أقدامنا فلا ننهزم عنهم.(2:625)

نحوه الواحديّ(1:361)،و ابن الجوزيّ(1:299).

الطّوسيّ: تثبيت الأقدام يكون بشيئين:أحدهما:

بتقوية قلوبهم،و الثّانية:بإلقاء الرّعب في قلوب أعدائهم،حتّى يظهر منهم الخوف في قتالهم.و قيل:

باختلاف كلمتهم حتّى يقع التّخاذل منهم.(2:298)

الزّمخشريّ: وهب لنا ما نثبّت به في مداحض الحرب من قوّة القلوب و إلقاء الرّعب في قلب العدوّ، و نحو ذلك من الأسباب.(1:381)

الطّبرسيّ: أي وفّقنا للثّبوت على الأمر.(1:356)

أبو السّعود :في مداحض القتال و مزالّ النّزال، و ثبات القدم عبارة عن كمال القوّة و الرّسوخ عند المقارعة و عدم التّزلزل وقت المقاومة لا مجرّد التّقرّر في حيّز واحد.(1:290)

مثله البروسويّ(1:390)،و الآلوسيّ(2:172)

الطّباطبائيّ: تثبيت الأقدام:كناية عن الثّبات و عدم الفرار.(2:293)

2- ...رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.

آل عمران:147

الطّبريّ: اجعلنا ممّن يثبت لحرب عدوّك و قتالهم، و لا تجعلنا ممّن ينهزم فيفرّ منهم،و لا يثبت قدمه في مكان واحد لحربهم.(4:121)

الطّبرسيّ: في جهاد عدوّك بتقوية القلوب و فعل

ص: 259

الألطاف الّتي معها تثبت الأقدام،فلا تزول للانهزام.

و قيل:معناه ثبّتنا على الدّين فتثبت به أقدامنا.

(1:517)

الفخر الرّازيّ: يدلّ على أنّ فعل العبد خلق اللّه تعالى،و المعتزلة يحملونه على فعل الألطاف.(9:27)

القرطبيّ: دعوا في الثّبات حتّى لا ينهزموا، و بالنّصر على أعدائهم.و خصّوا الأقدام بالثّبات دون غيرها من الجوارح،لأنّ الاعتماد عليها.(4:231)

النّيسابوريّ: و المراد بتثبيت الأقدام:إزالة الخوف عن قلوبهم و إماطة الخواطر الفاسدة عن صدورهم.(4:85)

أبو حيّان :و الأقدام هنا قيل حقيقة:دعوا بتثبيت الأقدام في مواطئ الحرب و لقاء العدوّ كي لا تزلّ.و قيل:

المعنى شجّع قلوبنا على لقاء العدوّ،و قيل:ثبّت قلوبنا على دينك.

و الأحسن حمله على الحقيقة،لأنّه من مظانّها، و ثبوت القدم في الحرب لا يكون إلاّ من ثبوت صاحبها في الدّين،و كثيرا ما جاءت هذه اللّفظة دائرة في الحرب و مع النّصرة.(3:75)

أبو السّعود :أي في مواطن الحرب بالتّقوية و التّأييد من عندك،أو ثبّتنا على دينك الحقّ.

(2:46)

نحوه البروسويّ.(2:107)

الآلوسيّ: أي عند جهاد أعدائك بتقوية قلوبنا، و إمدادنا بالمدد الرّوحانيّ من عندك.(4:84)

رشيد رضا :على الصّراط المستقيم الّذي هديتنا إليه حتّى لا تزحزحنا عنه الفتن،و في موقف القتال حتّى لا يعرونا الفشل.(4:172)

نحوه المراغيّ.(4:93)

ثبّتوا

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا... الأنفال:12

الحسن :بقتالكم معهم يوم بدر.

(الماورديّ 2:301)

مقاتل: يعني بشّروهم بالنّصر،و كان الملك يسير أمام الصّفّ في صورة الرّجل،و يقول:أبشروا فإنّ اللّه ناصركم.(الطّبرسيّ 2:526)

ابن إسحاق :أي فآزروا الّذين آمنوا.

(الطّبريّ 9:197)

الطّبريّ: قوّوا عزمهم،و صحّحوا نيّاتهم في قتال عدوّهم من المشركين.

و قد قيل:إنّ تثبيت الملائكة المؤمنين،كان حضورهم حربهم معهم.

و قيل:كان ذلك معونتهم إيّاهم بقتال أعدائهم.

و قيل:كان ذلك بأنّ الملك يأتي الرّجل من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:سمعت هؤلاء القوم-يعني المشركين- يقولون:و اللّه لئن حملوا علينا لننكشفنّ،فيحدّث المسلمون بعضهم بعضا بذلك،فتقوى أنفسهم،قالوا:

و ذلك كان وحي اللّه إلى ملائكته.(9:197)

الزّجّاج: جائز أن يكون أنّهم يثبّتوهم بأشياء يلقونها في قلوبهم تقوى بها،و جائز أن يكونوا يرونهم

ص: 260

مددا،فإذا عاينوا نصر الملائكة ثبتوا.(2:404)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:فثبّتوهم بحضوركم معهم في الحرب.

و الثّاني:[تقدّم في قول الحسن]

و الثّالث:بإخبارهم أنّه لا بأس عليهم من عدوّهم.

(2:301)

الطّوسيّ: احضروا معهم الحرب...و قال قوم:

معنى ذلك الإخبار بأنّه لا بأس عليهم من عدوّهم.

(5:104)

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون بالقتال معهم على ما روي.و يحتمل بالحضور في حيّزهم و التّأنيس لهم بذلك.و يحتمل أن يريد:فثبوتهم بأقوال مؤنسة مقوّية للقلب.

و روي في ذلك أنّ بعض الملائكة كان في صورة الآدميّين،فكان أحدهم يقول للّذي يليه من المؤمنين:

لقد بلغني أنّ الكفّار قالوا:لئن حمل المسلمون علينا لننكشفنّ،و يقول آخر:ما أرى الغلبة و الظّفر إلاّ لنا، و يقول آخر:أقدم يا فلان،و نحو هذا من الأقوال المثبتة.

و يحتمل أيضا أن يكون التّثبيت الّذي أمر به:

ما يلقيه الملك في قلب الإنسان بلمّته من توهّم الظّفر و احتقار الكفّار،و يجري عليه من خواطر تشجيعه.

و يقوّي هذا التّأويل مطابقة قوله تعالى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، و إن كان إلقاء الرّعب يطابق التّثبيت على أيّ صورة كان التّثبيت،و لكنّه أشبه بهذا؛إذ هي من جنس واحد.(2:507)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في كيفيّة هذا التّثبيت على وجوه:

الأوّل:أنّهم عرّفوا الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ اللّه ناصر المؤمنين،و الرّسول عرّف المؤمنين ذلك،فهذا هو التّثبيت.

و الثّاني:أنّ الشّيطان كما يمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان،فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهام إليه،فهذا هو التّثبيت في هذا الباب.

و الثّالث:أنّ الملائكة كانوا يتشبّهون بصور رجال من معارفهم،و كانوا يمدّونهم بالنّصر و الفتح و الظّفر.

(15:135)

نحوه طه الدّرّة.(5:197)

القرطبيّ: أي بشّروهم بالنّصر أو القتال معهم أو الحضور معهم من غير قتال،فكان الملك يسير أمام الصّفّ في صورة الرّجل،و يقول:سيروا فإنّ اللّه ناصركم و يظنّ المسلمون أنّه منهم،فكانوا يرون رءوسا تندر (1)عن الأعناق من غير ضارب يرونه.

و سمع بعضهم قائلا يسمع قوله و لا يرى شخصه:أقدم حيزوم (2).و قيل:كان هذا التّثبيت ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للمؤمنين نزول الملائكة مددا.(7:378)

النّيسابوريّ: في هذا التّثبيت وجوه:

أحدها:أنّه مفسّر لقوله:(سالقى-فاضربوا) و لا معونة أعظم من إلقاء الرّعب في قلوب الكفرة، و لا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم،و اجتماعهما غاية النّصرة.[و الوجهان الآخران هما ما مرّ عن الفخر الرّازيّة.

ص: 261


1- تسقط.
2- حيزوم:اسم فرس من خيل الملائكة.

في الوجهين الثّاني و الثّالث](9:132)

ابن كثير :أي ثبّتوا أنتم المؤمنين و قوّوا أنفسهم على أعدائهم عن أمري لكم بذلك،سألقي الرّعب و الذّلّة و الصّغار على من خالف أمري و كذّب رسولي.(3:290)

أبو السّعود :و الفاء في قوله تعالى:(فثبّتوا...) لترتيب ما بعدها على ما قبلها،فإنّ إمداده تعالى إيّاهم من أقوى موجبات التّثبيت.

و اختلفوا في كيفيّة التّثبيت،فقالت جماعة:إنّما أمروا بتثبيتهم بالبشارة و تكثير السّواد و نحوهما،ممّا تقوى به قلوبهم،و تصحّ عزائمهم و نيّاتهم،و يتأكّد جدّهم في القتال،و هو الأنسب بمعنى التّثبيت،و حقيقته الّتي هي عبارة عن الحمل على الثّبات في موطن الحرب،و الجدّ في مقاساة شدائد القتال.(3:84)

نحوه البروسويّ.(3:322)

القاسميّ: أي بدفع الوسواس،و بالقتال معهم، و الحضور مددا و عونا.(8:2961)

المراغيّ: أي يثبّت اللّه الأقدام بالمطر وقت الكفاح الّذي يوحي فيه ربّك إلى الملائكة،آمرا لهم أن يثبّتوا به قلوب المؤمنين و يقوّوا عزائمهم،فيلهموها تذكّر وعد اللّه لرسوله،و أنّه لا يخلف الميعاد.(9:176)

تثبيتا

1- وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ... البقرة:265

الشّعبيّ: تصديقا و يقينا.(الطّبريّ 3:69)

مجاهد: يتثبّتون أين يضعون أموالهم.

(الطّبريّ 3:69)

الحسن :كانوا يتثبّتون أين يضعون أموالهم،يعني زكاتهم.(الطّبريّ 3:70)

كان الرّجل إذا همّ بصدقة تثبّت،فإن كان للّه مضى، و إن خالطه شكّ أمسك.(الطّبريّ 3:70)

قتادة :يقينا من أنفسهم.و التّثبّت:اليقين.

(الطّبريّ 3:69)

احتسابا من أنفسهم.(الطّبريّ 3:70)

السّدّيّ: معناه:تيقّنا،أي نفوسهم لها بصائر تثبّتهم على الإنفاق في طاعة اللّه تعالى تثبيتا.(165)

ابن زيد :بقوّة اليقين و البصيرة في الدّين.

(الطّوسيّ 2:338)

ابن قتيبة :أي تحقيقا من أنفسهم.(97)

الطّبريّ: يعني بذلك: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني:لهم على إنفاق ذلك في طاعة اللّه،و تحقيقا من قول القائل:ثبّتّ فلانا في هذا الأمر،إذا صحّحت عزمه و حقّقته،و قوّيت فيه رأيه،أثبتّه تثبيتا.[ثمّ استشهد بشعر]

و لذلك قال من قال من أهل التّأويل في قوله:

(و تثبيبتا):و تصديقا،و من قال منهم:و يقينا،لأنّ تثبيت أنفس المنفقين أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه إيّاهم،إنّما كان عن يقين منها،و تصديق بوعد اللّه.

و قال آخرون:معنى قوله: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ أنّهم كانوا يتثبّتون في الموضع الّذي يضعون فيه صدقاتهم.[ثمّ نقل قول مجاهد و الحسن و قال:]

ص: 262

و هذا التّأويل الّذي ذكرناه عن مجاهد و الحسن تأويل بعيد المعنى،ممّا يدلّ عليه ظاهر التّلاوة؛و ذلك أنّهم تأوّلوا قوله: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ بمعنى:و تثبّتا، فزعموا أنّ ذلك إنّما قيل كذلك،لأنّ القوم كانوا يتثبّتون أين يضعون أموالهم.

و لو كان التّأويل كذلك لكان:و تثبّتا من أنفسهم، لأنّ المصدر من الكلام إن كان على تفعّلت:التّفعّل، فيقال:تكرّمت تكرّما،و تكلّمت تكلّما،و كما أن قال جلّ ثناؤه: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ النّحل:47،من قول القائل:تخوّف فلان هذا الأمر تخوّفا،فكذلك وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ لو كان من تثبيت القوم في وضع صدقاتهم مواضعها،لكان الكلام:و تثبّتا من أنفسهم لا:و تثبيتا،و لكن معنى ذلك ما قلنا:من أنّه و تثبيت من أنفس القوم إيّاهم بصحّة العزم،و اليقين بوعد اللّه تعالى ذكره.

فإن قال قائل:و ما تنكر أن يكون ذلك نظير قول اللّه عزّ و جلّ: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً المزّمّل:8،و لم يقل:

تبتّلا؟

قيل:إنّ هذا مخالف لذلك،و ذلك أنّ هذا إنّما جاز أن يقال فيه:(تبتيلا)،لظهور و تبتّل إليه،فكان في ظهوره دلالة على متروك من الكلام الّذي منه قيل:(تبتيلا) و ذلك أنّ المتروك هو تبتّل،فيبتّلك اللّه إليه تبتيلا.

و قد تفعل العرب مثل ذلك أحيانا،تخرج المصادر على غير ألفاظ الأفعال الّتي تقدّمتها،إذا كانت الأفعال المتقدّمة تدلّ على ما أخرجت منه،كما قال جلّ و عزّ:

وَ اللّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17،و قال:

وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً آل عمران:37،و النّبات:مصدر نبت،و إنّما جاز لمجيء أنبت قبله،فدلّ على المتروك الّذي منه قيل:(نباتا)،و المعنى:و اللّه أنبتكم،فنبتّم من الأرض نباتا.

و ليس قوله: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كلاما يجوز أن يكون متوهّما به أنّه معدول عن بنائه.و معنى الكلام:

و يتثبّتون في وضع الصّدقات مواضعها،فيصرف إلى المعاني الّتي صرف إليها قوله: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً المزّمّل:8،و ما أشبه ذلك من المصادر المعدولة عن الأفعال الّتي هي ظاهرة قبلها.

و قال آخرون:معنى قوله: تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ:

و احتسابا من أنفسهم.[و نقل قول قتادة ثمّ قال:]

و هذا القول أيضا بعيد المعنى من معنى التّثبيت،لأنّ التّثبيت لا يعرف في شيء من الكلام بمعنى الاحتساب إلاّ أن يكون أراد مفسّره كذلك،أنّ أنفس المنفقين كانت محتسبة في تثبيتها أصحابها،فإن كان ذلك كان عنده معنى الكلام،فليس الاحتساب بمعنى حينئذ للتّثبيت، فيترجم عنه به.(3:69)

الزّجّاج: أي ينفقونها مقرّين أنّها ممّا يثيب اللّه عليها.(1:347)

نحوه النّحّاس.(1:291)

الجبّائيّ: توطينا لنفوسهم على الثّبوت،على طاعة اللّه.(الطّوسيّ 2:338)

الزّمخشريّ: و ليثبّتوا منها ببذل المال الّذي هو شقيق الرّوح،و بذله أشقّ شيء على النّفس على سائر العبادات الشّاقّة و على الإيمان،لأنّ النّفس إذا ريضت

ص: 263

بالتّحامل عليها و تكليفها ما يصعب عليها،ذلّت خاضعة لصاحبها،و قلّ طمعها في اتّباعه لشهواتها.و بالعكس فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان و اليقين.

و يجوز أن يراد:و تصديقا للإسلام و تحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم،لأنّه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل اللّه علم أنّ تصديقه و إيمانه بالثّواب من أصل نفسه و من إخلاص قلبه.

و(من)على التّفسير الأوّل للتّبعيض،مثلها في قولهم:هزّ من عطفه و حرّك من نشاطه،و على الثّاني لابتداء الغاية،كقوله تعالى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ البقرة:109.

و يحتمل أن يكون المعنى:و تثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنّها صادقة الإيمان مخلصة فيه،و تعضده قراءة مجاهد (و تبيينا من أنفسهم) .

فإن قلت:فما معنى التّبعيض؟

قلت:معناه أنّ من بذل ماله لوجه اللّه فقد ثبّت بعض نفسه،و من بذل ماله و روحه معا فهو الّذي ثبّتها كلّها.

(1:394)

نحوه أبو السّعود(1:308)،و الآلوسيّ(3:35)، و رشيد رضا(3:67).

العكبريّ: قوله تعالى:(ابتغاء)مفعول من أجله، (و تثبيتا)معطوف عليه.و يجوز أن يكونا حالين،أي مبتغين و متثبّتين.

(من انفسهم):يجوز أن يكون(من)بمعنى اللاّم،أي تثبيتا لأنفسهم،كما تقول:فعلت ذلك كسرا من شهوتي.و يجوز أن تكون على أصلها،أي تثبيتا صادرا من أنفسهم.و التّثبيت:مصدر فعل متعدّ.

فعلى الوجه الأوّل يكون(من انفسهم)مفعول المصدر،و على الوجه الثّاني يكون المفعول محذوفا، تقديره:و يثبّتون أعمالهم،بإخلاص النّيّة.

و يجوز أن يكون(تثبيتا)بمعنى تثبّت،فيكون لازما، و المصادر قد تختلف و يقع بعضها موقع بعض،و مثله قوله تعالى: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً أي تبتّلا.

(1:215)

الفخر الرّازيّ: و الغرض الثّاني:هو تثبيت النّفس، و فيه وجوه:

أحدها:أنّهم يوطّنون أنفسهم على حفظ هذه الطّاعة و ترك ما يفسدها،و من جملة ذلك ترك اتّباعها بالمنّ و الأذى،و هذا قول القاضي.

و ثانيها:و تثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنّها صادقة في الإيمان مخلصة فيه،و يعضده قراءة مجاهد و تثبيتا من بعض انفسهم .

و ثالثها:أنّ النّفس لا ثبات لها في موقف العبوديّة،إلاّ إذا صارت مقهورة بالمجاهدة.و معشوقها أمران:الحياة العاجلة و المال،فإذا كلّفت بإنفاق المال فقد صارت مقهورة من بعض الوجوه،و إذا كلّفت ببذل الرّوح فقد صارت مقهورة من جميع الوجوه.فلمّا كان التّكليف في هذه الآية ببذل المال صارت النّفس مقهورة من بعض الوجوه فلا جرم حصل بعض التّثبيت،فلهذا دخل فيه (من)الّتي هي للتّبعيض.

و المعنى أنّ من بذل ماله لوجه اللّه فقد ثبّت بعض نفسه،و من بذل ماله و روحه معا فهو الّذي ثبّتها كلّها،

ص: 264

و هو المراد من قوله: وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ الصّفّ:11،و هذا الوجه ذكره صاحب «الكشّاف»،و هو كلام حسن و تفسير لطيف.

و رابعها-و هو الّذي خطر ببالي وقت كتبة هذا الموضوع-:أنّ ثبات القلب لا يحصل إلاّ بذكر اللّه،على ما قال: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28،فمن أنفق ماله في سبيل اللّه لم يحصل له اطمئنان القلب في مقام التّجلّي،إلاّ إذا كان إنفاقه لمحض غرض العبوديّة.و لهذا السّبب حكى عن عليّ رضي اللّه عنه أنّه قال في إنفاقه:

إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً الدّهر:9،و وصف إنفاق أبي بكر فقال:

وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى* إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى* وَ لَسَوْفَ يَرْضى الليل:19-21،فإذا كان إنفاق العبد لأجل عبوديّة الحقّ،لا لأجل غرض النّفس و طلب الحضّ،فهناك اطمأنّ قلبه،و استقرّت نفسه،و لم يحصل لنفسه منازعة مع قلبه،و لهذا قال أوّلا في هذا الإنفاق:إنّه لطلب مرضاة اللّه،ثمّ أتبع ذلك بقوله:

وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

و خامسها:أنّه ثبت في العلوم العقليّة،أنّ تكرير الأفعال سبب لحصول الملكات.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّ من يواظب على الإنفاق مرّة بعد أخرى لابتغاء مرضاة اللّه،حصل له من تلك المواظبة أمران:أحدهما:حصول هذا المعنى،و الثّاني:

صيرورة هذا الابتغاء و الطّلب ملكة مستقرّة في النّفس، حتّى يصير القلب بحيث لو صدر عنه فعل على سبيل الغفلة و الاتّفاق،رجع القلب في الحال إلى جناب القدس؛و ذلك بسبب أنّ تلك العبادة صارت كالعادة و الخلق للرّوح،فإتيان العبد بالطّاعة للّه،و لابتغاء مرضاة اللّه،يفيد هذه الملكة المستقرّة،الّتي وقع التّعبير عنها في القرآن بتثبيت النّفس،و هو المراد أيضا بقوله:

يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إبراهيم:27،و عند حصول هذا التّثبيت تصير الرّوح في هذا العالم من جوهر الملائكة الرّوحانيّة و الجواهر القدسيّة،فصار العبد كما قاله بعض المحقّقين:غائبا حاضرا،ظاعنا مقيما.

و سادسها:قال الزّجّاج:المراد من التّثبيت:أنّهم ينفقونها جازمين بأنّ اللّه تعالى لا يضيع عملهم، و لا يخيّب رجاءهم،لأنّها مقرونة بالثّواب و العقاب و النّشور بخلاف المنافق،فإنّه إذا أنفق عدّ ذلك الإنفاق ضائعا.لأنّه لا يؤمن بالثّواب،فهذا الجزم هو المراد بالتّثبيت.

و سابعها:قال الحسن و مجاهد و عطاء:المراد أنّ المنفق يتثبّت في إعطاء الصّدقة فيضعها في أهل الصّلاح و العفاف.قال الحسن:كان الرّجل إذا همّ بصدقة تثبّت، فإذا كان للّه أعطى،و إن خالطه أمسك.قال الواحديّ:

و إنّما جاز أن يكون التّثبيت،بمعنى التّثبّت،لأنّهم ثبّتوا أنفسهم في طلب المستحقّ،و صرف المال في وجهه.(7:59)

البروسويّ: أي جعل بعض أنفسهم ثابتا على الإيمان و الطّاعة،ليزول عنها رذيلة البخل و حبّ المال و إمساكه،و الامتناع عن إنفاقه،فإنّ النّفس و إن كانت مجبولة على حبّ المال و استثقال الطّاعات البدنيّة إلاّ أنّها ما عوّدتها تتعوّد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 265

فمتى أهملتها فقد تمرّنت و اعتادت الكسل و البطالة و البخل و إمساك المال عن صرفه إلى وجوه الطّاعات و مقتضيات الإيمان،و حيث كلّفتها و حملتها على مشاقّ العبادات البدنيّة و الماليّة تنقاد لك و تتزكّى عن عاداتها الجبلّيّة.ف(من)تبعيضيّة كما في قولهم:«هزّ من عطفه و حرّك من نشاطه».

فإن قلت:كيف يكون المال بعضا من النّفس حتّى تكون الطّاعة ببذله طاعة لبعض النّفس و تثبيتا لها على الثّمرة الإيمانيّة.

قلت:إنّ النّفس لشدّة تعلّقها بالمال كأنّه بعض منها، فالمال شقيق الرّوح فمن بذل ماله لوجه اللّه فقد ثبّت بعض نفسه،و من بذل ماله و روحه فقد ثبّتها كلّها.

و يجوز أن يكون«التّثبيت»بمعنى جعل الشّيء صادقا محقّقا ثابتا،و المعنى تصديقا للإسلام ناشئا من أصل أنفسهم و تحقيقا للجزاء،فإنّ الانفاق أمارة أنّ الإسلام ناشئ من أصل النّفس و صميم القلب.ف(من) لابتداء الغاية،كما في قوله: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ البقرة:109،و لعلّ تحقيق الجزاء عبارة عن الإيقان بأنّ العمل الصّالح،ممّا يثيب اللّه و يجازي عليه أحسن الجزاء.

(1:424)

محمّد جواد مغنية:إنّه إشارة إلى أمرين:الأوّل:

أنّ المؤمنين يطلبون مرضاة اللّه من الإنفاق،الثّاني:أنّ هذا الإنفاق كان بدافع من أنفسهم لا بدافع خارجيّ.

و قيل: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ معناه أنّهم يجاهدون أنفسهم و يمرّنونها على الطّاعة بالبذل.و هذا المعنى يصحّ إذا كانت(من)هنا بمعنى اللاّم.(1:416)

الطّباطبائيّ: [بعد الإشارة إلى أقوال المفسّرين قال:]

و من هنا يظهر أنّ المراد بابتغاء مرضاة اللّه أن لا يقصد بالعمل رئاء و نحوه،ممّا يجعل النّيّة غير خالصة لوجه اللّه،و بقوله: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ تثبيت الإنسان نفسه على ما نواه من النّيّة الخالصة،و هو تثبيت ناشئ من النّفس واقع على النّفس.فقوله:(تثبيتا)تمييز، و كلمة(من)نشويّة،و قوله:(انفسهم)في معنى الفاعل، و ما في معنى المفعول مقدّر.

و التّقدير:تثبيتا من أنفسهم لأنفسهم،أو مفعول مطلق لفعل من مادّته.(2:391)

و فيها بحوث لاحظ«ن ف ق».

2- ..وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً. النّساء:66

السّدّيّ: أي تصديقا.(208)

الطّوسيّ: و قيل:في معناه قولان:

أحدهما:أنّ البصيرة أثبت من اعتقاد الجهالة،لما يعتري فيها من الحيرة و اضطراب النّفس الّذي يتميّز من حال المعرفة بسكون النّفس إليه.

الثّاني:أنّ اتّباع الحقّ أثبت منفعة،لأنّ الانتفاع بالباطل يضمحلّ بما يعقب من المضرّة و عظيم الحسرة.

فالأوّل لأجل البصيرة،و الثّاني لأجل دوام المنفعة.[إلى أن قال:]

فإنّ ذلك خير لهم و أشدّ تثبيتا لهم على الإيمان،و في الدّعاء«اللّهمّ ثبّتنا على ملّة رسولك»و معناه اللّهمّ ألطف

ص: 266

لنا ما نثبت معه على التّمسّك بطاعة رسولك و المقام على ملّته.(3:247)

البغويّ: تحقيقا أو تصديقا لإيمانهم.(1:658)

الزّمخشريّ: لإيمانهم و أبعد من الاضطراب فيه.

(1:539)

ابن عطيّة: معناه يقينا و تصديقا و نحو هذا،أي يثبّتهم اللّه.(2:75)

الطّبرسيّ: أي بصيرة في أمر الدّين،كنّى عن «البصيرة»بهذا اللّفظ،لأنّ من كان على بصيرة من أمر دينه كان ذلك أدعى له إلى الثّبات عليه،و كان هو أقوى في اعتقاده الحقّ و أدوم عليه ممّن لم يكن على بصيرة منه.

و قيل:معناه أنّ قبولهم وعظ اللّه و وعظ رسوله في أمور الدّين و الدّنيا أشدّ تثبيتا لهم على الحقّ و الصّواب، و أمنع لهم من الضّلال،و أبعد من الشّبهات،كما قال:

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً محمّد:17.

و قيل:إنّ معناه و أكثر انتفاعا بالحقّ،لأنّ الانتفاع بالحقّ يدوم و لا يبطل،لأنّه يتّصل بثواب الآخرة، و الانتفاع بالباطل يبطل و يضمحلّ و يتّصل بعقاب الآخرة.

(2:71)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:أنّ المراد أنّ هذا أقرب إلى ثباتهم عليه و استمرارهم،لأنّ الطّاعة تدعو إلى أمثالها،و الواقع منها في وقت يدعو إلى المواظبة عليه.

الثّاني:أن يكون أثبت و أبقى،لأنّه حقّ و الحقّ ثابت باق و الباطل زائل.

الثّالث:أنّ الإنسان يطلب أوّلا تحصيل الخير،فإذا حصّله فإنّه يطلب أن يصير ذلك الحاصل باقيا ثابتا، فقوله: لَكانَ خَيْراً لَهُمْ إشارة إلى الحالة الأولى، و قوله: وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً إشارة إلى الحالة الثّانية.

(10:168)

نحوه النّيسابوريّ.(5:76)

البيضاويّ: في دينهم،لأنّه أشدّ لتحصيل العلم و نفي الشّكّ،أو تثبيتا لثواب أعمالهم،و نصبه على التّمييز.(1:228)

رشيد رضا : وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً لهم في أمر دينهم.

التّثبيت:التّقوية بجعل الشّيء ثابتا راسخا،و إنّما كان العمل و إتيان الأمور الموعوظ بها في الدّين يزيد العامل قوّة و ثباتا،لأنّ الأعمال هي الّتي يكون بها العلم الإجماليّ المبهم تفصيليّا جليّا،و هي الّتي تطبع الأخلاق و الملكات في نفس العامل،و تبدّد المخاوف و الأوهام من نفسه.(5:241)

الطّباطبائيّ: أي لنفوسهم و قلوبهم بالإيمان،لأنّ الكلام فيه،قال تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ إبراهيم:27.(4:407)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّبات،و هو سير يشدّ به الرّحل،و جمعه:أثبتة،يقال:رحل مثبت،أي مشدود بالثّبات.ثمّ استعير هذا المعنى لكلّ ما يدوم و يبقى،يقال:

ثبت الشّيء يثبت ثباتا و ثبوتا،فهو ثابت و ثبيت و ثبت، و أثبته هو و ثبّته أيضا.و ثبت فلان في المكان يثبت ثبوتا:أقام به،و رجل ثبت المقام:لا يبرح.

ص: 267

و المثبت:الّذي ثقل فلم يبرح الفراش،يقال:أثبته السّقم،أي لم يفارقه،و أثبت فلان فهو مثبت،أي اشتدّت به علّته،أو أثبتته جراحة فلم يتحرّك،يقال:

طعنه فأثبت فيه الرّمح،أي أنفذه.

و رجل ثبت الغدر،إذا كان ثابتا في قتال أو كلام، و قد ثبت ثباتة و ثبوتة،و رجل ثبت:ثابت القلب، و الثّبت و الثّبيت:الفارس الشّجاع،و رجل له ثبت عند الحملة،أي ثبات.

و تثبّت الرّجل في الأمر و الرّأي و استثبت:تأنّى فيه فلم يعجل،و استثبت في أمره:شاور و فحص عنه، و الثّبيت:الثّابت العقل،يقال:ثبت يثبت،إذا صار ثبيتا.

و قول ثابت:صحيح،و أثبت فلان حجّته:أقامها و أوضحها،يقال:لا أحكم بكذا إلاّ بثبت،أي بحجّة، و ثابته و أثبته:عرفه حقّ المعرفة.

2-و جاءت أسماء تضارع«الثّبات»وزنا و معنى، سواء حبلا أم سيرا أم رباطا،و قد أحصينا منها عشرين لفظا،و هي:الإسار و البطان و الجعار و الحباك و الحزام و الذّناب و الرّباط و الرّشاء و الزّوار و الزّيار و السّناف و الشّداد و الشّكال و الشّناق و الصّفاد و الظّعان و العصام و النّصاح و الوثاق و الوكاء.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المجرّد:مصدرا و فعلا و اسم فاعل(4) مرّات،و من باب الإفعال فعلا مرّتين،و من باب التّفعيل فعلا و مصدرا(12)مرّة:

1- وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً الإسراء:74

2- وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ هود:120

3- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً

الفرقان:32

4- يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ إبراهيم:27

5- قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:102

6- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ الأنفال:12

7- إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ

الأنفال:11

8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ محمّد:7

9- وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ البقرة:250

ص: 268

10- وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ آل عمران:147

11- وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ... البقرة:265

12- وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً

النّساء:66

13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ الأنفال:45

14- يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ

الرّعد:39

15- وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ الأنفال:30

16- أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ

إبراهيم:24

17- وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ النّحل:94

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء مجرّدا أربع مرّات:مرّة بصيغة الأمر في(9): إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا، و مرّتين اسم فاعل،ففي(4): يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ، و في(17): أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ، و مرّة مصدرا في(14): فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها.

و معلوم أنّ المعنى في الجميع الاستقرار و الثّبات،إلاّ أنّ فيها فرقا،موردا و كيفا،فأريد به في(9)الثّبات أمام الأعداء في القتال،و في(4)الثّبات في العقيدة و الإيمان و العمل،و كذا في(14).و هذه كلّها سكون نفسانيّ للنّاس و تطمين لهم،أمّا في(17)فأريد به السّكون المادّيّ و الجسمانيّ للشّجرة الطّيّبة في تخوم الأرض.و لمّا وقع بإزاء فَرْعُها فِي السَّماءِ الحاكي عن الارتفاع و الاعتلاء يتداعى الرّسّ في التّراب و الانخفاض،إلاّ أنّ مرجعه إلى الثّبات المعنويّ،لأنّه يمثّل ثبات كلمة اللّه في النّفوس الطّيّبة.

ثانيا:و جاء مزيدا من باب«الإفعال»فعلا مضارعا مرّتين،ففي(15): يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ، و هو إثبات معنويّ عند اللّه،و لأجل وقوعه بإزاء(يمحوا) يتداعى الدّوام و الانكشاف،و في(16): لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ، و هذا إثبات و إبقاء جسمانيّ،و لمّا وقع بإزاء (او يقتلوك)يتداعى استمرار الحياة له عليه السّلام.

و هناك فرق آخر بينهما،و هو أنّ الإثبات في(15) من فعل اللّه،و في(16)من فعل الكفّار،و هما على طرفي نقيض،و من أجل ذلك تلاه في(15)قوله: وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ، و هذا خاصّ باللّه،و في(16): وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ، فبدأ بمكرهم تمهيدا و تسبيبا لمكر اللّه فيهم.

ثالثا:و جاء من باب التّفعيل(12)مرّة:فعلا ماضيا مرّة في(1)،و مضارعا(6)مرّات في(2-5)و(7) و(8)،و أمرا(4)مرّات في(6)و(9)و(10)و(13).

ص: 269

و مصدرا مرّتين في(11)و(12).

رابعا:لا ريب أنّ التّثبيت في جميع الآيات يتضمّن المبالغة و التّأكيد المفهومين من صيغة(التّفعيل)،كما أنّ أكثرها-لو لا جميعها-معنويّ و نفسانيّ،إلاّ أنّ بينها تفاوتا ملموسا من جهات:

1-جاء في(1): وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، و هو تثبيت قلب النّبيّ لئلاّ يميل إليهم و يركن،لا على حساب الإيمان،فإنّه كان ثابتا في إيمانه،لم يختلج قلبه شكّ،و لم يساور فكره شرك قطّ، و لم ينح نحوهم بعد إيمانه طرفة عين.فهذا يخفّف الخطأ المحتمل منه،و رغم ذلك فقد كان ميلا قليلا جدّا،و هذا الميل القليل إلى الكفّار كاد يصدر عنه.استجلابا لقومه إلى الإيمان بربّه-بطبيعته البشريّة،لا بوصفه نبيّا مرسلا،و مع ذلك أعقبه الوعيد بالعذاب على تقدير صدوره عنه،و لكنّ اللّه تعالى عصمه بلطفه من هذا الميل الضّئيل بوصفه نبيّا معصوما،فلم يصدر عنه،و هذا أجدر بالعصمة و أحسن تآلفا معها.

و قد حملها المفسّرون على الرّكون إليهم في رفض الإيمان باللّه،فأشكل عليهم الأمر،فأوّلوها بوجوه، لاحظ النّصوص.

و وصل بعضهم الآية بما قبلها،و هو قوله: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً الإسراء:73،و معنى ذلك أنّه كاد أن يلبّي طلبهم بالافتراء على اللّه غير القرآن، و هذا منه في غاية البعد؛إذ هو أعظم من رفض الإيمان الّذي أنكرناه.

و قد حكى الطّبرسيّ(3:432)عن ابن عبّاس أنّه قال:«رسول اللّه معصوم،و لكنّ هذا تخويف لأمّته،لئلاّ يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام اللّه و شرائعه».

و بهذا الوجه أوّلوا هذا القبيل من الآيات الّتي تناقض العصمة.و روي عنه أيضا«أنّه لمّا نزلت هذه الآية،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:اللّهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا».

2-جاء في(2)و(3)تثبيت فؤاد النّبيّ بالقرآن:

وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ و كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً، و هذا دليل على أنّ النّبيّ كان يتذكّر بالقرآن و يتثبّت به،و يعتبر بقصصه كلّما نزلت آية أو قصّة نجوما،و هذا مقتضى الطّبيعة البشريّة،و حقيقة هذا التّثبيت لفؤاده عليه السّلام مزيد اطمئنانه بمستقبل الإسلام، و الانبعاث الرّوحيّ لحياته بتلقّيه الوحي نجوما، و الاستمرار بجهاده في سبيل اللّه،و صموده أمام الأعداء.

3-جاء في(4)و(5)و(6)تثبيت المؤمنين على الحقّ إطلاقا،فيعمّ تثبيت قلوبهم و أعمالهم،ففي(4):

يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ و هذا تثبيت من اللّه لهم في الدّارين تماما، و لا يختصّ القول الثّابت فيها بالاعتراف باللّسان فحسب،بل يعمّ العقيدة و العمل جميعا.و هذا تعبير شائع عن الصّمود المطلق،و لعلّ أصله القرآن.

و في(5) نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا... و في(6): إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى

ص: 270

اَلْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا....

و التّثبيت في هاتين فعل روح القدس و الملائكة،إلاّ أنّه من عند الرّبّ المتعال و بأمره،و لعلّه فيما سبقهما كذلك، لكن نسب إلى اللّه،و هو السّبب الآمر،نظير«بنى الأمير المدينة»،إلاّ أنّه على كلّ حال أفضل و أسمى،و يستدعي فضلا أكبر للمؤمنين.

و بينهما تفاوت أيضا،ففي(5)آلة روح القدس في عمله هو القرآن،دون(6)فهي مطلقة.

4-التّثبيت في(11)و(12)-و قد جاء بلفظ المصدر -عمل المؤمنين،فإنّ عملهم-و هو الإنفاق في مرضاة اللّه في(11)،و فعلهم ما يوعظون به في(12)-يستتبع تثبيتهم،و هاتان أيضا تعمّان التّثبيت الشّامل للقلب و القالب،كما في(5)و(6)تماما.

5-و جاء في أربع منها-و هي(7-10)-تثبيت الأقدام من اللّه تعالى،و هو تعبير شائع عن الثّبات الشّامل و الصّمود الكامل روحا و جسما،و استعارة لطيفة تشبيها لمن لا يزول قدمه في مشيه.و مثلها الآية (17)،إلاّ أنّها تعكس الثّبات بالزّوال و الأقدام بالقدم، ففيها: فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها. و ما يدرينا فلعلّ «تثبيت الأقدام»تعبير قرآنيّ شاع في الأدب العربيّ و الإسلاميّ،و مثله كثير،فينبغي استقراءها خدمة للقرآن و بيان أثره على الأدب.

خامسا:أنّ هذه المادّة«ث ب ت»ميمونة الطّالع في القرآن،لأنّ سياقها جميعا مدح و ترغيب و هداية، و حتّى(17)،فإنّها ذمّ للعثرة و زوال القدم،و هذا عكس مادّة«ث ب ر»الآتية،فكلّها ذمّ و تفنيد،و هذه المادّة كلّها ثبات في سبيل اللّه و في الإيمان و طاعة اللّه و الجهاد، و هو خير ثبات و أفضل صمود.

سادسا:أنّ سبعا من الآيات-و هي(1-5)، و(16)و(17)-مكّيّة،و الباقي-و هي أكثرها-مدنيّة.

و هذا يكشف عن أنّ المؤمنين في ساحة المدينة-و قد شكّلوا فيها حكومة،و دافعوا عن أنفسهم بالقتال و الجهاد،و تقلّدوا السّلاح-كانوا يحتاجون التّوصية بالصّمود،و كان فضل اللّه عليهم بالثّبات في سبيله أكثر من مكّة،إلاّ أنّ سيطرة المشركين عليها تستدعي أيضا صمودا باطنيّا،بلا أيّ سلاح سوى سلاح العقيدة و التّوحيد و الإخلاص و الرّجاء بوعد اللّه،فالثّبات في مكّة نفسانيّ تماما،و في المدينة شامل لكلّ الأبعاد،على أنّها أوسع ميدانا،و آمن جنابا.

ص: 271

ص: 272

ث ب ر

اشارة

لفظان،5 مرّات مكّيّة،في 3 سور مكّيّة

مثبورا 1:1 ثبورا 4:4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّبر:أرض حجارتها كحجارة الحرّة إلاّ أنّها بيض،تقول:انتهينا إلى ثبرة كذا،أي حرّة كذا.

و ثبير:اسم جبل.

و الثّبور:الهلاك.

و المثابر:الملحّ المداوم على الشّيء.[ثمّ استشهد بشعر]

و المثبر:مسقط الولد بالأرض إذا ولد،للنّاقة و المرأة أيضا.

و ثبر البحر،إذا جزر بعد ما مدّ،يثبر ثبرا.(8:222)

الفرّاء: الثّبور:مصدر،فلذلك قال: ثُبُوراً كَثِيراً الفرقان:14،لأنّ المصادر لا تجمع،أ لا ترى أنّك تقول:قعدت قعودا طويلا،و ضربته ضربا كثيرا، فلا تجمع.

و العرب تقول:ما ثبرك عن ذا؟أي ما صرفك عنه؟ و كأنّهم دعوا بما فعلوا،كما يقول الرّجل:وا ندامتاه.

(2:263)

أبو زيد :ثبرت فلانا عن الشّيء أثبره:رددته عنه.

(الأزهريّ 15:80)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المثبر:الموضع الّذي تلد فيه المرأة من الأرض،و كذلك حيث تضع فيه النّاقة.

(الأزهريّ 15:81)

الأصمعيّ: الثّبرة:حفرة.(الأزهريّ 15:79)

ابن الأعرابيّ: المثبور:الملعون المطرود المعذّب.

و المثبور:الممنوع من الخير.ما ثبرك عن كذا؟أي ما منعك؟(الأزهريّ 15:81)

شمر:مثل للعرب:«إلى أمّه يأوي من ثبر»أي من أهلك.(الأزهريّ 15:80)

ابن قتيبة :ثبرت،أي انفتحت.

و الثّبرة:النّقرة في الشّيء و الهزمة،و منه قيل للنّقرة

ص: 273

في الجبل يكون فيها الماء:ثبرة.

(الأزهريّ 15:80)

الدّينوريّ: هي[الثّبرة]حجارة بيض تقوم، و يبنى بها.(ابن سيده 10:143)

الزّجّاج: و ثبر اللّه العدوّ:أهلكه،فهو مثبور.

(فعلت و أفعلت:54)

ابن دريد :ثبرة:موضع معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّبرة:تراب شبيه بالنّورة يكون بين ظهري الأرض،فإذا بلغ عرق النّخلة إليه وقف،فيقولون:

بلغت النّخلة ثبرة من الأرض.

و رجل مثبور:مهلك.

و ثبير:جبل معروف،و هي أربعة أثبرة كلّها بالحجاز.و كانوا يقولون في الجاهليّة إذا وقفوا بعرفة:

«أشرق ثبير كيما نغير».

و مثبر النّاقة:الموضع الّذي تطرح فيه ولدها، و ما يخرج معه.

و ثبر البحر،إذا جزر.

و تثابرت الرّجال في الحرب،إذا تواثبت.

و المثابر على الشّيء:المواظب عليه.

و الثّبور:الويل و الهلاك،و كذلك فسّر في التّنزيل:

دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً الفرقان:13،أي ويلا،و اللّه أعلم.(1:200)

نفطويه:ثبره عن الأمر،أي منعه.فمعنى المثبور:

الممنوع من الخير؛و ذلك هلاك له.يقال:ما ثبرك عن هذا الأمر؟أي ما صرفك عنه؟(الهرويّ 1:272)

الأزهريّ: عن الأصمعيّ:«الثّبرة:حفرة».قلت:

و رأيت في البادية ركيّة غير مطويّة يقال لها:ثبرة، و كانت واسعة كثيرة الماء.[ثمّ نقل قول القتيبيّ و قال:]

و قال غيره:هو على صير أمر و ثبار أمر،بمعنى واحد.

و قال نصير:«مثبر النّاقة:حيث تعضّى و تنحر».

قلت:و هذا صحيح،و من العرب مسموع.

غيره:ثابر فلان على الأمر مثابرة،و حارض محارضة،إذا واظب عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

(15:79-81)

الصّاحب:الثّبرة:أرض حجارتها كحجارة الحرّة إلاّ أنّها بيض،و النّقرة في الجبل.

و هي الثّبراء أيضا.و هي أيضا:مناقع الماء في القيعان و السّهول،و جمعها:ثبرات و ثبار.

و هي الثّبرة أيضا بمنزلة الحفرة و النّقرة في الجبل.

ثبرته ثبرا:حبسته،و ما ثبرك عنّي؟أي ما حبسك؟ و المثبور:الممنوع من الخير،و قيل:هو الملعون.

و المثبّر:المحدود المحروم،و ثبّرته عن كذا:عوّقته عنه.

و اثباررت عن الأمر:تثاقلت عنه.

و الثّبور:الهلاك،ثبره اللّه،و ثبر الرّجل،إذا هلك.

و امرأة ثبرى:عبرى (1).

و أمر مثبور:عوّار.

و المثابر:المداوم،و ثابر على أمره.

و ثبرت القرحة:انفتحت.ج.

ص: 274


1- كذا في الأصل.و هي(غيرى)في التّكملة و التّاج.

و التّثبّر:الزّحير.

و المثبر:منتج النّاقة.

و مثبر الجزور:منحرها،و دفعة من الدّم يخرج على إثر الولد.

و الثّابرة:الزّاحرة.

و ثبرة من حنطة،أي صبرة.

و ثبير:جبل.و يقولون:«لا أفعل و ربّ أثبرة الغبر» جمع ثبير،و لم يصرفه،و هي أربعة أثبرة،منها:ثبير غيناء.و قيل:«أشرق ثبير كيما نغير».

و الثّبراء:اسم شجر،و قيل:جبل.(10:141)

الجوهريّ: و الثّبرة:الأرض السّهلة،يقال:بلغت النّخلة إلى ثبرة من الأرض.

و المثبر،مثال المجلس:الموضع الّذي تلد فيه المرأة من الأرض،و كذلك حيث تضع النّاقة.و ربّما قيل لمجلس الرّجل:مثبر.(2:604)

ابن فارس: ثبر:الثّاء و الباء و الرّاء أصول ثلاثة:

الأوّل:السّهولة،و الثّاني:الهلاك،و الثّالث:المواظبة على الشّيء.

فالأرض السّهلة هي الثّبرة.فأمّا ثبرة فموضع معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثبر البحر:جزر،و ذلك يبدي عن مكان ليّن سهل.

و أمّا الهلاك فالثّبور،و رجل مثبور:هالك.

و أمّا الثّالث فيقال:ثابرت على الشّيء،أي واظبت.

(1:400)

الهرويّ: المثبر:مسقط الولد،و أكثر ما يقال في الإبل.(1:272)

ابن سيده: ثبره يثبره ثبرا،و ثبرة،كلاهما:

حبسه[ثمّ استشهد بشعر]

و ثبره اللّه:أهلكه إهلاكا لا ينتعش بعده.فمن هنالك يدعو أهل النّار:«وا ثبوراه»فيقال لهم: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً الفرقان:14.

و المثبر:الموضع الّذي تلد فيه المرأة،و تضع النّاقة من الأرض،و ليس له فعل.أرى إنّما هو من باب المخدع.

و في الحديث:«أنّهم وجدوا النّاقة المنتجة تفحص في مثبرها».

و الثّبرة:تراب شبيه بالنّورة،يكون بين ظهري الأرض،فإذا بلغ عرق النّخلة إليه وقف،يقال:لقيت عروق النّخلة ثبرة فردّتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّبرة:نقرة تكون في الجبل،تمسك الماء،يصفو فيها كالصّهريج،إذا دخلها الماء خرج فيها عن غثائه و صفا.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثبير:جبل بمكّة،و هي أربعة أثبرة:ثبير غيناء، و ثبير الأعرج،و ثبير الأحدب،و ثبير حراء.(10:142)

ثابر على الأمر:واظب عليه و لزمه،مشتقّ من ثبرته بالشّيء أثبره ثبرا:حبسته عليه،و ثبّرته عن الأمر:حبسته عنه.(الإفصاح 1:155)

الطّوسيّ: أصل الثّبور:الهلاك،يقال:ثبره اللّه يثبره ثبرا،إذا أهلكه.

و مثبر النّاقة:الموضع الّذي تطرح ولدها فيه،لأنّها تشفى به على الهلاك.

و ثبر البحر،إذا جزر لهلاكه بانقطاع مائه،يقال:

ص: 275

تثابرت الرّجال في الحرب،إذا تواثبت،لإشفائها على الهلاك بالمواثبة.

و المثابر على الشّيء:المواظب عليه،لحمله نفسه على الهلاك بشدّة المواظبة.

و ثبره اللّه،فهو يثبره و يثبره،لغتان.

و رجل مثبور:محبوس عن الخيرات.[ثمّ استشهد بشعر](6:528)

الزّمخشريّ: ثابر على الأمر مثابرة:داوم عليه، و هو مثابر على التّعلّم:مواظب.

و ثبره اللّه:أهلكه هلاكا دائما لا ينتعش بعده،و من ثمّ يدعو أهل النّار:وا ثبوراه.

و ما ثبرك عن حاجتك:ما ثبّطك؟

و هذا مثبر فلانة:لمكان ولادتها،حيث يثبرها النّفاس.و هذا مثبر النّاقة:لمنتجها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:لا أفعل و ربّ الأثبرة الغبر،و هو جمع ثبير، و هي أربعة.(أساس البلاغة:43)

أبو موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال لأنس بن مالك:ما ثبر النّاس؟ما بطّأ بهم؟فقال أنس:الدّنيا و شهواتها،أي ما صدّهم و قطعهم عن طاعة اللّه؟

و منه:ثبره اللّه ثبرا و ثبورا،إذا أهلكه،و قطع دابره.

و ثبر البحر:جزر،و الأصل فيه الثّبرة،و هي تراب شبيه بالنّورة،يكون بين ظهري الأرض،إذا بلغه عرق النّخلة وقف،و لم يسر فيه،فضعفت.[إلى أن قال:]

قال أبو بردة:دخلت عليه[معاوية]حين أصابته قرحة فقال:هلمّ يا ابن أخي فانظر.فتحوّلت فإذا هي قد ثبرت،فقلت:ليس عليك يا أمير المؤمنين بأس.

أي انفتحت و نضجت و سالت مدّتها،لأنّ عاديتها تذهب و تنقطع عند ذلك.

و هذا من باب فعلته ففعل،يقال:ثبره اللّه فثبر؛أي هلك و انقطع.فتحوّلت:أي نهضت من مكاني إليه.[إلى أن قال:]

المثبر:حيث يسقط الولد و ينفصل عن أمّه، و حقيقته:موضع الثّبر،و هو القطع و الفصل،و منه قيل:

مثبر الجزور:لمجزرها.(الفائق 1:162)

المدينيّ: في حديث أبي موسى:«أ تدري ما ثبر النّاس»؟أي ما الّذي صدّهم و منعهم عن طاعة اللّه عزّ و جلّ،و أصله من الثّبرة،و هي أرض حجارتها كحجارة الحرّة إلاّ أنّها بيض.

و قيل:هو شيء بين ظهرانيّ الأرض أبيض كالنّورة،فإذا بلغه عرق النّخلة وقف و لم ينفذ،فيقولون عند ذلك:بلغت النّخلة الثّبرة فضعفت.

و قيل:هو مجتمع الماء و مناقعه في القيعان و السّهولة.

و المثبور:المحبوس،و قيل:الملعون.يقال:اثباررت عن الأمر:تثاقلت عنه و احتبست.(1:258)

ابن الأثير: في حديث الدّعاء:«أعوذ بك من دعوة الثّبور»هو الهلاك،و قد ثبر يثبر ثبورا.و فيه:«من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السّنّة».

المثابرة:الحرص على الفعل و القول،و ملازمتهما.

و فيه ذكر«ثبير»و هو الجبل المعروف عند مكّة.

و هو اسم ماء في ديار مزينة،أقطعه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم شريس بن ضمرة.(1:206)

الصّغانيّ: و المثبّر:المحدود المحروم.

ص: 276

و امرأة ثبرى،أي غيرى.

و سوى«ثبير منى»عدّة أثبرة،و هي:ثبير غينى -و قد يمدّ-و ثبير الأعرج،و ثبير الأحدب.

و ثبير أيضا،في ديار مزينة،أقطعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم شريس بن ضمرة المزنيّ،و سمّاه شريحا.

و تبر،و ثبر:هلك.(2:434)

الفيّوميّ: ثبير:جبل بين مكّة و منى،و يرى من منى،و هو على يمين الدّاخل منها إلى مكّة.

و ثبرت زيدا بالشّيء ثبرا،من باب«قتل»:حبسته عليه،و منه اشتقّت«المثابرة»و هي المواظبة على الشّيء و الملازمة له.

و ثبر اللّه تعالى الكافر ثبورا من باب«قعد»:

أهلكه.

ثبر هو ثبورا يتعدّى و لا يتعدّى.(1:80)

الفيروزآباديّ: الثّبر:الحبس كالتّثبير،و المنع، و الصّرف عن الأمر،و التّخبيب،و اللّعن،و الطّرد، و جزر البحر.

و الثّبور:الهلاك،و الويل،و الإهلاك.

و ثابر:واظب،و تثابرا:تواثبا.

و الثّبرة:الأرض السّهلة،و تراب شبيه بالنّورة، و الحفرة في الأرض.

و ثبرة:واد بديار ضبّة،و بالضّمّ:الصّبرة.

و ثبير الأثبرة،و ثبير الخضراء،و النّصع،و الزّنج، و الأعرج،و الأحدب،و غيناء:جبال بظاهر مكّة.

و ثبير:ماءة بديار مزينة،أقطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم شريس بن ضمرة،و سمّاه شريحا.

و المثبر،كمنزل:المجلس،و المقطع،و المفصل، و الموضع تلد فيه المرأة و النّاقة،و مجزر الجزور.

و ثبرت القرحة كفرح:انفتحت.

و اثباررت عنه:تثاقلت.

و هو على ثبار أمر ككتاب:على إشراف من قضائه.

(1:396)

مجمع اللّغة :1-ثبره اللّه يثبره ثبورا،من باب «قعد»:أهلكه،و اسم المفعول منه:مثبور.

و دعوة الثّبور:هي ما ينادي به المحرج،الواقع في شدّة،يرى أنّ هلاكه أهون عليه من الاستمرار فيها، و ذلك بقوله:وا ثبوراه.

2-ثبر فلانا عن الشّيء يثبره ثبرا،من باب «قتل»:صدّه عنه،و منعه،و اسم المفعول منه:مثبور.

(1:167)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:94)

محمود شيت: أ-ثبر الجنديّ:هلك.ثبرت الدّوريّة:هلكت،و لم تعد إلى قواعدها.

ب-ثابر الجيش على الهجوم:واظب عليه و داوم، دون انقطاع.

ج-تثابروا:قاتل بعضهم بعضا.(1:120)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو إحاطة المشقّة و الابتلاء و الشّدّة؛بحيث يكون في محدوديّة كمال الشّدّة،لا يدري طريق نجاته و لا يهتدي إلى الرّشد و التّخلّص،أي التّورّط في الشّدّة.

و يدلّ على هذا المعنى قرب مادّتها من مادّة:الثّبت، و الثّبط المستفاد منهما مفهوم المحدوديّة،و الحبس،

ص: 277

و الضّبط.

و في موارد استعمال المادّة في الآيات الكريمة أيضا:

دلالة على هذا المعنى.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و أمّا المثابرة بمعنى المراقبة:لرجوعها إلى التّضييق و التّحديد،و جعل الطّرف تحت النّظر الدّقيق،و التّشديد في برنامج أموره.

و أمّا الثّبير بمعنى الجبل قريبا من منى:فكأنّه لوقوعه بمضيق من طريق مكّة.

و أمّا المثبر بمعنى مكان الولادة:من جهة وقوع الوالدة في شدّة و مضيقة و ألم أليم،و مشقّة عسرة،إلى أن تضع حملها.

و أمّا الثّبرة بمعنى الأرض السّهلة:من جهة وقوع العابر و المسافر في مضيق الضّلال،و شدّة الخوف و الانحراف،و عسرة الجوع و العطش،و لا سيّما في بوادي جزيرة العرب و براريها.

فظهر أنّ«الهلاك»ليس بمفهوم المادّة،نعم قد ينتهي الضّيق و الشّدّة و المحدوديّة إلى الهلاك،و ليس بأصل.

و أمّا جزر البحر:من جهة عوده إلى التّجمّع و المحدوديّة.(2:5،6)

النّصوص التّفسيريّة

مثبورا

وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً. الإسراء:102

ابن عبّاس: ملعونا.(الطّبريّ 15:175)

مثله الضّحّاك(النّحّاس 4:203)،و أبان بن تغلب.

(الماورديّ 3:278)

مغلوبا.(الطّبريّ 15:175)

مثله الضّحّاك(ابن الجوزيّ 5:94)،و الكلبيّ و مقاتل(الماورديّ 3:278).

المثبور:الّذي لا عقل له في دينه و معاشه.

(الميبديّ 5:630)

المهلك.(ابن الجوزيّ 5:94)

مثله الحسن و قتادة(القرطبيّ 10:337)،و مجاهد (ابن عطيّة 3:489)،و أبو عبيدة و ابن قتيبة(ابن الجوزيّ 5:94)،و الهرويّ(1:272)،و المراغيّ(5:

102).

النّاقص العقل.(ابن الجوزيّ 5:94)

ملعونا محبوسا من الخير.(السّيوطيّ 2:70)

مثله الفرّاء.(النّيسابوريّ 15:90)

أنس بن مالك: مخالفا.(الآلوسيّ 15:186)

سعيد بن جبير: سلاّحا في القطيفة.

(أبو الفتوح 12:297)

مجاهد :هالكا.

مثله الضّحّاك(النّحّاس 4:203)،و الحسن(المراغيّ 15:102)،و قتادة(الطّبريّ 15:176)،و الزّمخشريّ (2:469).

مسحورا.(القرطبيّ 15:338)

العوفيّ: مبدّلا.(الطّبريّ 1:176)

مبتلى.(الماورديّ 3:278)

ابن زيد :الإنسان إذا لم يكن له عقل فما ينفعه؟ يعني إذا لم يكن له عقل ينتفع به في دينه و معاشه دعته

ص: 278

العرب مثبورا.(الطّبريّ 15:175)

مخبولا لا عقل له.(الطّوسيّ 6:528)

الفرّاء: ممنوعا من الخير.(2:132)

مصروفا عن الخير،مطبوعا على قلبك.

(الزّمخشريّ 2:469)

أي مصروفا عن الخير،مطبوعا على الشّرّ.

(الآلوسيّ 15:186)

مثله البيضاويّ(1:599)،و أبو السّعود(3:

235)،و البروسويّ(5:208)

الطّبريّ: إنّي لأظنّك يا فرعون ملعونا ممنوعا من الخير.(15:175)

نحوه الطّوسيّ(6:528)،و الميبديّ(5:630)، و أبو الفتوح(12:297).

الزّجّاج: أي لأظنّك مهلكا،يقال:ثبر الرّجل فهو مثبور،إذا هلك.(3:263)

ابن كيسان :بعيدا عن الخيرات.

(أبو الفتوح 12:297)

القمّيّ: أي هالكا تدعو بالثّبور.(2:29)

النّحّاس: [نقل قول ابن عبّاس و غيره ثمّ قال:]

و هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد،لأنّه حكى أهل اللّغة:ما ثبرك عن هذا؟أي ما منعك منه،و صرفك عنه؟فالمعنى ممنوع من الخير.(4:203)

نحوه الميبديّ.(5:630)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ فرعون لمّا وصف موسى بكونه مسحورا،أجابه موسى بأنّك مثبور،يعني هذه الآيات ظاهرة،و هذه المعجزات قاهرة،و لا يرتاب العاقل في أنّها من عند اللّه،و في أنّه تعالى إنّما أظهرها لأجل تصديقي و أنت تنكرها،فلا يحملك على هذا الإنكار إلاّ الحسد و العناد و الغيّ و الجهل و حبّ الدّنيا.

و من كان كذلك كانت عاقبته الدّمار و الثّبور.(21:66)

القرطبيّ: و الثّبور:الهلاك و الخسران أيضا.

(10:337)

الشّربينيّ: أي ملعونا مطرودا،ممنوعا من الخير فاسد العقل.(2:342)

الكاشانيّ: مصروفا عن الخير[الحقّ]أو هالكا، قابل ظنّه المكذوب بظنّه الصّحيح.(3:225)

البروسويّ: مصروفا عن الخير مطبوعا على الشّرّ،من قولهم:ما ثبرك عن هذا؟أي ما صرفك؟أو هالكا،فإنّ الثّبور الهلاك.(5:208)

نحوه حسنين محمّد مخلوف.(1:467)

الآلوسيّ: أي هالكا.[إلى أن قال:]

عن مالك بن أنس (1)أنّه سئل عن(مثبورا)في الآية،فقال:مخالفا،ثمّ قال:الأنبياء عليهم السّلام[مبرّءون] من أن يلعنوا أو يسبّوا،و أنت تعلم أنّ هذا معنى مجازيّ له،و كذا:ناقص العقل،و لا داعي إلى ارتكابه،و ما ذكره الإمام مالك فيه ما فيه.

نعم قيل:إنّ تفسيره«هالكا»و نحوه ممّا فيه خشونة،ينافي قوله تعالى خطابا لموسى و هارون عليهما السّلام:

فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.

و أشار أبو حيّان إلى جوابه بأنّ موسى عليه السّلام كان أوّلا يتوقّع من فرعون المكروه،كما قال: إِنَّنا نَخافُ أَنْأ.

ص: 279


1- في الأصل:أنس بن مالك،و هو خطأ.

يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى طه:46،فأمر أن يقول له قولا ليّنا.فلمّا قال سبحانه له:(لا تخف)وثق بحماية اللّه تعالى،فصال عليه صولة المحميّ،و قابله من الكلام بما لم يكن ليقابله به قبل ذلك.

و بالجملة التّفسير الأوّل أظهر التّفاسير،و لا ضير فيه لا سيّما مع تعبير موسى عليه السّلام بالظّنّ،ثمّ إنّه عليه السّلام قد قارع ظنّه بظنّه.و شتّان ما بين الظّنّين،فإنّ ظنّ فرعون إفك مبين،و ظنّ موسى عليه السّلام يحوم حول اليقين.

(15:186)

عزّة دروزة :هالكا،و قيل:إنّها بمعنى مصروفا عن الخير،و أنّ ثبر بمعنى صرف أيضا.(3:271)

بنت الشّاطئ:و سأل نافع بن الأزرق عن معنى قوله تعالى:(مثبورا)،فقال ابن عبّاس:ملعونا محبوسا من الخير.

و لمّا سأله:و هل تعرف العرب ذلك؟أجاب:نعم، أ ما سمعت قول عبد اللّه بن الزّبعرى:

إذ أباري الشّيطان في سنن الغيّ

و من مال ميله مثبور

الكلمة من آية(الإسراء:102)حكاية عن موسى و فرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً.

وحيدة الصّيغة في القرآن،و من مادّتها جاء(ثبورا) بالنّصب أربع مرّات،في آيات الفرقان و الانشقاق،في سياق عذاب جهنّم:[و ذكرت الآيات ثمّ قالت:]

و هذا هو كلّ ما في القرآن من المادّة،فسّرها ابن عبّاس هنا باللّعنة و الحبس عن الخير.و نقل الرّاغب في «المفردات»في الكلمة نفسها بآية الإسراء:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه:يعني ناقص العقل،و نقصان العقل أعظم هلك.

و التّفسير على القولين،تقريب،لا يفوتنا معه ما في «الثّبور»من حسّ الهلاك الّذي لا ينفكّ و لا يتراخى.

و هو ما لم يفت«الرّاغب»في تفسير«الثّبور»بالهلاك و الفساد المثابر على الإتيان.

و من صيغ المادّة«المثابرة»و فيها معنى الدّأب و الاستمرار.(الإعجاز البيانيّ:288)

الطّباطبائيّ: المثبور:الهالك،و هو من الثّبور، بمعنى الهلاك.(13:218)

ثبورا

1-2- وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً. الفرقان:13،14

ابن عبّاس: لا تدعوا اليوم ويلا واحدا و ادعوا ويلا كثيرا.(الطّبريّ 18:188)

(ثبورا):ويلا،يقولون:وا ويلاه،وا ثبوراه.(301)

قتادة :ويلا و هلاكا.(الأزهريّ 15:80)

الضّحّاك: (الثّبور):الهلاك.(الطّبريّ 18:187)

مثله مجاهد.(النّحّاس 5:12)

أبو عبيدة :أي هلكة،و هو مصدر ثبر الرّجل أي هلك.[ثمّ استشهد بشعر](2:71)

ابن قتيبة :أي بالهلكة،كما يقول القائل:وا هلاكاه.

(310)

ص: 280

الطّبريّ: و الثّبور في كلام العرب:أصله انصراف الرّجل عن الشّيء،يقال منه:ما ثبرك عن هذا الأمر؟ أي ما صرفك عنه،و هو في هذا الموضع دعاء هؤلاء القوم بالنّدم،على انصرافهم عن طاعة اللّه في الدّنيا، و الإيمان بما جاءهم به نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،حتّى استوجبوا العقوبة منه،كما يقول القائل:وا ندامتاه،وا حسرتاه على ما فرّطت في جنب اللّه.

و كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول في قوله: دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً أي هلكة،و يقول:هو مصدر من ثبر الرّجل:أي أهلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ أيّها المشركون ندما واحدا،أي مرّة واحدة،و لكن ادعوا ذلك كثيرا.

و إنّما قيل: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً لأنّ الثّبور مصدر،و المصادر لا تجمع،و إنّما توصف بامتداد وقتها و كثرتها،كما يقال:قعد قعودا طويلا،و أكل أكلا كثيرا.(18:188)

الزّجّاج: و قوله: دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً في معنى «هلاكا».و نصبه على المصدر،كأنّهم قالوا:ثبرنا ثبورا لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً، أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرّة واحدة.

[قيل] ثُبُوراً كَثِيراً لأنّ(ثبورا)مصدر،فهو للقليل و الكثير على لفظ الواحد،كما تقول:ضربته ضربا كثيرا،و ضربته واحدا،تريد ضربته ضربا واحدا.

(4:59)

مثله القرطبيّ.(13:9)

الهرويّ: أي هلاكا،هو ينادي فيقول:وا ثبوراه.

و قوله تعالى: وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً إنّما وحّد(ثبورا) لأنّه مصدر،و هو للقليل و الكثير سواء،يقال:ضربه ضربا كثيرا.(1:272)

الطّوسيّ: يقال:ما ثبرك عن هذا الأمر؟أي ما صرفك عنه صرف المهلك عنه؟

فيقولوا:وا انصرافاه عن طاعة اللّه،و قيل:

وا هلاكاه.فقال اللّه تعالى إنّه يقال لهم عند ذلك:

لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً، أي لا تدعوا ويلا واحدا،بل ادعوا ويلا كثيرا.

و المعنى أنّ ذلك لا ينفعكم سواء دعوتم بالويل قليلا أو كثيرا.(7:476)

الميبديّ: الثّبور:المصدر،أي يقولون:ثبرنا ثبورا.و قيل:هو دعاؤهم بالنّدم:يا ثبوراه،يا ويلتاه.

و الثّبور:الهلاك،كأنّهم قالوا:يا هلاكاه.(7:10)

الزّمخشريّ: و الثّبور:الهلاك،و دعاؤه أن يقال:

وا ثبوراه،أي تعال يا ثبور فهذا حينك و زمانك، (لا تدعوا)أي يقال لهم ذلك،أو هم أحقّاء بأن يقال لهم و إن لم يكن ثمّة قول.

و معنى وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً أنّكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا،إنّما هو ثبور كثير،إمّا لأنّ العذاب أنواع و ألوان،كلّ نوع منها ثبور لشدّته و فظاعته،أو لأنّهم كلّما نضجت جلودهم بدّلوا غيرها، فلا غاية لهلاكهم.(3:84)

نحوه البيضاويّ.(2:139)

الطّبرسيّ: أي دعوا بالويل و الهلاك على أنفسهم،

ص: 281

كما يقول القائل:وا ثبورا،أي وا هلاكاه.

و قيل:وا انصرافاه عن طاعة اللّه.(4:164)

الفخر الرّازيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

أو لأنّ ذلك العذاب دائم خالص عن الشّوب،فلهم في كلّ وقت من الأوقات الّتي لا نهاية لها ثبور.أو لأنّهم ربّما يجدون بسبب ذلك القول نوعا من الخفّة،فإنّ المعذّب إذا صاح و بكى وجد بسببه نوعا من الخفّة فيزجرون عن ذلك،و يخبرون بأنّ هذا الثّبور سيزداد كلّ يوم،ليزداد حزنهم و غمّهم،نعوذ باللّه منه.

(24:57)

مثله النّيسابوريّ.(18:143)

أبو حيّان :و الظّاهر دعاء الثّبور و هو الهلاك، فيقولون:وا ثبوراه،أي يقال:يا ثبور فهذا أوانك.

و قيل:المدعوّ محذوف،تقديره:دعوا من لا يجيبهم قائلين:ثبرنا ثبورا.[إلى أن قال:]

و قرأ عمرو بن محمّد (ثبورا) بفتح الثّاء في ثلاثتها، و«فعول»بفتح الواو في المصادر قليل،نحو البتول.

(6:485)

أبو السّعود :(ثبورا)أي يتمنّون هلاكا،و ينادونه يا ثبوراه،تعال فهذا حينك و أوانك.

لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً على تقدير قول:

إمّا منصوب على أنّه حال من فاعل دعوا،أي دعوه مقولا لهم،ذلك حقيقة بأن يخاطبهم الملائكة به، لتنبيههم على خلود عذابهم،و أنّهم لا يجابون إلى ما يدعونه و لا ينالون ما يتمنّونه من الهلاك المنجّي.

أو تمثيلا و تصويرا لحالهم بحال من يقال له ذلك،من غير أن يكون هناك قول و لا خطاب،أي دعوه حال كونهم أحقّاء بأن يقال لهم ذلك.

و إمّا مستأنف وقع جوابا عن سؤال ينسحب عليه الكلام،كأنّه قيل:فما ذا يكون عند دعائهم المذكور؟ فقيل:يقال لهم ذلك إقناطا ممّا علّقوا به أطماعهم من الهلاك،و تنبيها على أنّ عذابهم الملجئ لهم إلى استدعاء الهلاك بالمرّة أبديّ لاخلاص لهم منه.

أي لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً، أي بحسب كثرة الدّعاء المتعلّق به، لا بحسب كثرته في نفسه،فإنّ ما يدعونه ثبور واحد في حدّ ذاته،لكنّه كلّما تعلّق به دعاء من تلك الأدعية الكثيرة صار كأنّه ثبور مغاير لما تعلّق به دعاء آخر منها.

و تحقيقه:لا تدعوه دعاء واحدا و ادعوه أدعية كثيرة،فإنّ ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدّته و طول مدّته،مستوجب لتكرير الدّعاء في كلّ آن.و هذا أدلّ على فظاعة العذاب و هوله،من جعل تعدّد الدّعاء و تجدّده لتعدّد العذاب بتعدّد أنواعه و ألوانه،أو لتعدّده بتجدّد الجلود،كما لا يخفى.

و أمّا ما قيل من أنّ المعنى:إنّكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا إنّما هو ثبور كثير،إمّا لأنّ العذاب أنواع و ألوان،كلّ نوع منها ثبور لشدّته و فظاعته،أو لأنّهم كلّما نضجت جلودهم بدّلوا غيرها فلا غاية لهلاكهم،فلا يلائم المقام.

كيف لا،و هم إنّما يدعون هلاكا ينهي عذابهم و ينجيهم منه،فلا بدّ أن يكون الجواب إقناطا لهم من ذلك،ببيان استحالته،و دوام ما يوجب استدعاءه من

ص: 282

العذاب الشّديد.و تقييد النّهي و الأمر باليوم لمزيد التّهويل و التّفظيع و التّنبيه،على أنّه ليس كسائر الأيّام المعهودة.(4:498)

البروسويّ: (ثبورا)هو الويل و الهلاك،أي يتمنّون هلاكا،و ينادون فيقولون:يا ثبوراه يا ويلاه يا هلاكاه،تعال فهذا أوانك.

و في الحديث:«أوّل من يكسى يوم القيامة إبليس حلّة من النّار بعضها على حاجبيه،فيسحبها من خلفه و ذرّيّته خلفه،و هو يقول:وا ثبوراه،و هم ينادون يا ثبورهم،حتّى يقفوا على النّار،فينادي يا ثبوراه و ينادون يا ثبورهم.

فيقول اللّه تعالى،أو فيقال لهم على ألسنة الملائكة تنبيها على خلود عذابهم: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً، أي لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً أي بحسب كثرة الدّعاء المتعلّق به لا بحسب كثرته في نفسه.

فإنّ ما يدعون ثبورا واحدا في حدّ ذاته:و تحقيقه لا تدعوه دعاء واحدا،و ادعوا أدعية كثيرة،فإنّ ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدّته و طول مدّته،مستوجب لتكرير الدّعاء في كلّ آن.(6:195)

الآلوسيّ: دَعَوْا هُنالِكَ أي في ذلك المكان الهائل(ثبورا)أي هلاكا،كما قال الضّحّاك و قتادة.و هو مفعول(دعوا)أي نادوا ذلك،فقالوا:يا ثبوراه،على معنى احضر فهذا وقتك.

و جعل غير واحد النّداء بمعنى التّمنّي،فيتمنّون الهلاك ليسلموا ممّا هو أشدّ منه،كما قيل:أشدّ من الموت ما يتمنّى معه الموت.

و جوّز أبو البقاء نصب(ثبورا)على المصدريّة ل(دعوا)على معنى دعوا دعاء.و قيل:على المصدريّة لفعل محذوف،و مفعول(دعوا)مقدّر،أي دعوا من لا يجيبهم قائلين:ثبرنا ثبورا.

و كلا القولين-كما ترى-و لا اختصاص لدعاء الثّبور بكفرة الإنس،فإنّه يكون للشّيطان أيضا.(18:244)

القاسميّ: دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً أي هلاكا،أي نادوه نداء المتمنّي الهلاك،ليسلموا ممّا هو أشدّ منه،كما قيل:أشدّ من الموت ما يتمنّى معه الموت.فيقال لهم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً لكثرة أنواعه المتوالية،فإنّ عذاب جهنّم ألوان و أفانين، أو كثرته باعتبار تجدّد أفراده،و إن كان متّحدا.

أو كثرته:كناية عن دوامه،لأنّ الكثير شأنه ذلك، كما قيل في ضدّه: وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ الواقعة:32،33.و قيل:وصف الثّبور بالكثرة،لكثرة الدّعاء أو المدعوّ به.(12:4569)

الطّباطبائيّ: و الثّبور:الويل و الهلاك.

و قوله تعالى: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً الاستغاثة بالويل،و الثّبور:نوع احتيال للتّخلّص من الشّدّة،و إذ كان اليوم يوم الجزاء فحسب، لا ينفع فيه عمل و لا يجدي فيه سبب،البتّة لم ينفعهم الدّعاء بالثّبور أصلا،و لذا قال تعالى: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ إلخ.

فهو كناية عن أنّ الثّبور لا ينفعكم اليوم سواء استقللتم منه أو استكثرتم،فهو في معنى قوله تعالى:

ص: 283

اِصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ الطّور:

16،و قوله حكاية عنهم: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ إبراهيم:21.

و قيل:المراد أنّ عذابكم طويل مؤبّد لا ينقطع بثبور واحد بل يحتاج إلى ثبورات كثيرة،و هو بعيد.

(15:188)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(15:37)

3- وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. الانشقاق:10،11

ابن عبّاس: يقول:وا ويلاه وا ثبوراه.(506)

الضّحّاك: يدعو بالهلاك.(الطّوسيّ 10:310)

نحوه ابن قتيبة(521)،و القرطبيّ(19:272)، و النّسفيّ(4:343)،و الشّربينيّ(4:507)،و شبّر(6:

385).

الفرّاء: الثّبور:أن يقول:وا ثبوراه،وا ويلاه، و العرب تقول:فلان يدعو لهفه إذا قال:وا لهفاه.

(3:250)

نحوه الطّبريّ.(30:117)

ابن قتيبة :أي بالثّبور،و هو:الهلكة.(521)

الزّجّاج: أي يقول:يا ويلاه،يا ثبوراه.و هذا يقوله من وقع في هلكة،أي من أوتي كتابه وراء ظهره.و دليل ذلك على أنّه من المعذّبين قوله: وَ يَصْلى سَعِيراً الانشقاق:12.(5:304)

القمّيّ: الثّبور:الويل.(2:412)

الطّوسيّ: الثّبور:الهلاك،أي يقول:وا هلاكاه.

و المثبور:الهالك.[إلى أن قال:]

و إنّما يقول:وا ويلاه وا لهفاه وا هلاكاه،لأنّه ينزله من المكروه لأجله مثل ما ينزل بالمتفجّع عليه.

(10:310)

البغويّ: ينادي بالويل و الهلاك،إذا قرأ كتابه يقول:يا ويلاه يا ثبوراه.(5:229)

نحوه الخازن.(7:187)

ابن عطيّة: معناه:يصيح منتحبا:وا ثبوراه، وا خزياه،و نحو هذا ممّا معناه:هذا وقتك و زمانك،أي احضرني،و الثّبور:اسم جامع للمكاره كالويل.

(5:457)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الثّبور هو الهلاك،و المعنى:

أنّه لمّا أوتي كتابه من غير يمينه علم أنّه من أهل النّار، فيقول:وا ثبوراه.قال الفرّاء:العرب تقول:فلان يدعو لهفه،إذا قال:وا لهفاه.

و فيه وجه آخر ذكره القفّال،فقال:الثّبور مشتقّ من المثابرة على الشّيء،و هي المواظبة عليه،فسمّي هلاك الآخرة ثبورا،لأنّه لازم لا يزول،كما قال: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً الفرقان:65،و أصل الغرام:اللّزوم و الولوع.(31:107)

الميبديّ: أي إذا قرأ كتابه ينادي بالويل و الهلاك، فيقول:وا هلاكاه وا ثبوراه.(10:428)

نحوه الطّبرسيّ.(10:345)

البيضاويّ: يتمنّى الثّبور،و يقول:يا ثبوراه،و هو الهلاك.(2:548)

مثله الكاشانيّ.(5:305)

ص: 284

النّيسابوريّ: و الثّبور:الهلاك،و دعاؤه أن يقول:

وا ثبوراه،و سمّي الموطّأ على الشّيء مثابرة،لأنّه كأنّه يريد أن يهلك نفسه في طلبه،و النّفس تمنعه عن ذلك.

(30:58)

أبو حيّان :يدعو ثبورا يقول:وا ثبوراه،و الثّبور:

الهلاك،و هو جامع لأنواع المكاره.(8:447)

نحوه الآلوسيّ.(30:81)

ابن كثير :أي خسارا و هلاكا.(7:247)

أبو السّعود :أي يتمنّى الثّبور و هو الهلاك، و يدعوه:يا ثبوراه تعال فإنّه أوانك،و أنّى له ذلك.

(5:249)

نحوه البروسويّ(1:378)،و الطّنطاويّ(25:

100)،و المراغيّ(30:88).

القاسميّ: أي ينادي بالهلاك،و هو أن يقول:

وا ثبوراه و وا ويلاه،و هو من قولهم:دعا فلان لهفه،إذا قال:وا لهفاه.(17:6109)

الحجازيّ: هلاكا و موتا،و المراد أنّه يقول:

وا ثبوراه وا هلاكاه.(30:31)

الطّباطبائيّ: الثّبور كالويل:الهلاك،و دعاؤهم الثّبور قولهم:وا ثبوراه.(20:243)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الثّبرة،أي الحفرة،ثمّ أطلقت على النّقرة في الشّيء و الهزمة،و منه قيل للنّقرة في الجبل يكون فيها الماء:ثبرة.و منه قولهم:ثبرت القرحة،أي انفتحت،فكأنّها أشبهت الحفرة في ذلك.

ثمّ توسّعوا في هذا المعنى،حتّى سمّوا التّراب الّذي يشبه النّورة ثبرة،لأنّه في عمق من الأرض،يقال:

بلغت النّخلة إلى ثبرة من الأرض.

و الثّبرة أيضا:أرض رخوة ذات حجارة بيض، يقال:انتهينا إلى ثبرة كذا،أي حرّة كذا.

و المثبر:موضع الولادة من الأرض،كلّ ذلك على التّوسّع.

و الثّبر:جزر البحر،يقال:ثبر البحر يثبر ثبرا،و هو من هذا الأصل،لأنّ ماءه أبعد في الانحسار عن أرض الشّاطئ،كما أبعدت الحفرة في العمق عن سطح الأرض.

و لعلّ علّة تسمية جبل ثبير بثبير لإبعاد قمّته في العلوّ عن سفحه.

و المجاز:ثبرت فلانا عن الشّيء أثبره:رددته عنه، و ما ثبرك عن هذا الأمر؟أي ما صرفك عنه؟

و ثبر اللّه العدوّ يثبره ثبورا:أهلكه و طرده فهو مثبور،أي ملعون مطرود معذّب،يقال:إلى أمّه يأوي من ثبر.

و المثابر:الملحّ المداوم على الشّيء،يقال:ثابر فلان على الأمر مثابرة،أي أبعد فيه.

و تثابرت الرّجال في الحرب:تواثبت،و هو من الإبعاد و الإمعان أيضا.

2-و بين الثّبور و التّبار اشتقاق أكبر،فكلاهما يعني الهلاك،يقال:تبر يتبر تبارا،فهو متبور،أي هالك كالمثبور،لاحظ«ت ب ر».

و بهذا المعنى جاء في سائر اللّغات السّاميّة كالعبريّة و الآراميّة و السّريانيّة و الآشوريّة و الأكديّة،كما ورد

ص: 285

«الثّبور»في السّريانيّة بلفظ«تبرا»بنفس المعنى أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظان هما:«ثبورا»أربع مرّات في الثّلاث الأولى،و«مثبورا»مرّة في الأخيرة:

1- وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً الفرقان:13

2- لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً الفرقان:14

3- فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً الانشقاق:11

4- قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً. الإسراء:102

يلاحظ أوّلا:أنّ«ثبورا»جاء مصدرا مفعولا للفعل «دعا»في الثّلاث الأولى.و قد كرّر الفعل و فاعله و مفعوله في(1)و(2)-و هما متّصلان معا-ثلاث مرّات، تأكيدا و تشديدا للوعد بعذاب السّعير في الآخرة.فقبلهما بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً* إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً* وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها... الفرقان:11-13،و هذا عند دخول السّعير و ذوق ألم النّار.

و أمّا في(3)فلم يتكرّر الدّعاء بالثّبور،لأنّه قبل حلول العذاب عند تلقّي كتاب الأعمال،فقبلها وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ....

و دعاء الثّبور عند العرب مثل:«و وا ويلاه،وا ثبوراه» أو«وا هلاكاه»مع تكرار الدّعاء عند مواجهة الضّيق و المشقّة،و هجوم البلاء و الآلام عليهم،شكاية من شدّة البلاء.و كلّما اشتدّ العناء،و عظم البلاء،دامت الأرزاء، و تكرّر الدّعاء.و لهذا قال في(2): لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً، أي أنّ العذاب بلغ مبلغا من الشّدّة،يستدعي أن تدعوا ثبورا كثيرا لا ثبورا واحدا.

و قال فيه الزّمخشريّ: «لأنّ العذاب أنواع و ألوان، لكلّ نوع منها ثبور لشدّته و فظاعته،أو لأنّهم كلّما نضجت جلودهم بدّلوا غيرها،فلا غاية لهلاكهم».و زاد عليه الفخر الرّازيّ«بأنّ ذلك العذاب دائم خالص عن الشّوب،فلهم في كلّ وقت من الأوقات الّتي لا نهاية لها ثبور...».

ثانيا:قال الزّمخشريّ و غيره بأنّ معنى الدّعاء:

«تعال يا ثبور فهذا حينك و زمانك».و عليه فالدّعاء منهم حقيقيّ،لأنّهم يلتمسون الهلاك ليخلصوا من العذاب،فهو نوع احتيال للتّخلّص من الشّدّة.و هذا مثل قول الرّجل عند الشّدّة:«اللّهمّ ارزقني الممات،و خلّصني من هذه الحياة»،لأنّ الموت عنده حينئذ أحلى من الحياة، كما قيل:«أشدّ من الموت ما يتمنّى معه الموت».و هذا معنى يتلائم مع المعنى الأصليّ للثّبور،و هو الانصراف، لأنّه بالموت ينصرف عن الحياة.

و هناك رأي بأنّ الدّعاء هنا ليس حقيقيّا،بل هو عبارة عن تمنّي الموت،فهو حاك عن حالتهم النّفسيّة، لا عن مقالتهم اللّسانيّة،فهو لسان حال،لا نقل مقال.

و مثله يقال في وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً، أي هم بحسب حالتهم أحقّاء بأن يقال لهم ذلك،و إن لم يكن ثمّة قول.

و هذا وجه حسن،و أحسن منه ما احتمله الرّازيّ خلال كلامه:أنّهم يجدون بهذا القول خفّة،فإنّ المعذّب إذا

ص: 286

صاح و بكى يحسّ بخفّة و راحة في نفسه.

ثالثا:قوله: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً... توبيخ و تقريع و نوع تهكّم لهؤلاء،سواء كان لسان حال أم مقال،أي كرّروا هذا القول ما استطعتم،فإنّه لا ينفعكم اليوم،سواء استقللتم منه أم استكثرتم.فهو في معنى قوله: اِصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ الطّور:16،و قوله حكاية عنهم: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ إبراهيم:21،كذا أفاد الطّباطبائيّ.

رابعا:«ثبور»مصدر مثل:قعود و حضور،و هو مفعول«دعا»كما سبق،و قيل:مفعول مطلق للفعل «ادعوا»أي ادعوا دعاء ثبورا،أو لفعل محذوف،أي ادعوا قائلين ثبورا،و هو بعيد.

خامسا:«المثبور»في(4)اسم مفعول،يحكي عن أنّ الفعل«ثبر»جاء متعدّيا أيضا،كما جاء لازما في باقي الآيات،لأنّه فيها بمعنى الهلاك دون الإهلاك.قال الزّجّاج:«ثبر الرّجل،فهو مثبور»،و ذكروا في معناه:

ملعون،و مغلوب،و مهلك،و مجنون أو مخبول لا عقل له، و لا عقل له في دينه و معاشه،و ناقص العقل،و ملعون محبوس أو ممنوع من الخير،و مخالف،و هالك،و مسحور، و مبدل،و مبتلى،و مصروف عن الخير مطبوع على عقله،مطبوع على الشّرّ،و بعيد عن الخير،و هالك يدعو بالثّبور.و جمع بعضهم بين هذه الأقوال،و قد أرجعها النّحّاس إلى معنى واحد،بحجّة أنّه بمعنى الصّرف و المنع في أصل اللّغة.

سادسا:نبّه الرّازيّ على أنّ فرعون قال لموسى في الآية السّابقة: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً، فأجابه موسى بنفس السّياق: وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً، أي أنت تنكر هذه الآيات الباهرات حسدا و بغيا و صبوا إلى الدّنيا،و من كان كذلك فعاقبته الدّمار و الثّبور.و قد قابل الآلوسيّ بين القولين،فقال:«و قد قارع موسى ظنّه بظنّه،و شتّان ما بين الظّنّين،و إنّ ظنّ فرعون إفك مبين،و ظنّ موسى عليه السّلام يحوم حوم اليقين».

و نقول:لا يبعد أنّ(مثبورا)جاء بهذه الصّيغة رويّا متلائما مع(مسحورا)على خلاف المعتاد،و له نظير في القرآن،مثل: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّات:

130،و قد سبق في«إلياس»فلاحظ.

سابعا:استبعد الآلوسيّ تفسيره ب«هالك»،لأنّ فيه خشونة تنافي ما أمر اللّه موسى و هارون بقوله: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.

و أجاب عنه أبو حيّان بأنّ موسى كان أوّل الأمر يتوقّع من فرعون المكروه،كما قال: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى طه:46،فأمر أن يقول له قولا ليّنا.فلمّا قال له اللّه:(لا تخف)،وثق بحماية اللّه تعالى،فتشدّد في مجابهته بمثل هذا الكلام.

ثامنا:أطالت بنت الشّاطئ البحث في هذه المادّة، حتّى استقرّ رأيها على أنّ الثّبور هو الهلاك المستمرّ.و لذا فسّره الرّاغب بالهلاك و الفساد و المثابرة على الإتيان، و في المثابرة معنى الدّأب و الاستمرار.

تاسعا:تخصّ الآيات الأولى الهلاك في الآخرة-كما سبق-أمّا هذه الآية فتخصّ الهلاك في الدّنيا،و إن استتبعه الهلاك في الآخرة،إلاّ أنّها مشتركة في كونها مكّيّة،تلائم جوّ الإنذار الشّاسع للمشركين.

ص: 287

ص: 288

ث ب ط

اشارة

فثبّطهم

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ثبّطه عن الأمر تثبيطا،إذا شغله عنه.

(7:412)

ابن السّكّيت: قد أثقله و أثبطه.(112)

ابن دريد :«ب ث ط»استعمل من وجوهها الثّبط،ثبطت الرّجل عن الشّيء و ثبّطته عنه،إذا ربّثته تثبيطا و ثبطا.و الرّجل مثبّط و مثبوط،إذا أراد شيئا فرددته عنه و صددته،و الفاعل مثبّط و ثابط.

و في بعض اللّغات ثبطت شفة الإنسان ثبطا،إذا و رمت.و ليس بالثّبت.(1:201)

الصّاحب: ثبّطه عن الأمر تثبيطا:شغله عنه، و تثبّط هو.

و فرس ثبط:و هو الثّقيل النّزو،و جمعه:ثباط و أثباط.و هو من الرّجال:الأحمق في عمله الضّعيف، و قوم ثبطون.

و اثباططت عن الأمر:استأخرت تاركا له.

(9:156)

الجوهريّ: ثبّطه عن الأمر تثبيطا:شغله عنه.

أثبطه المرض،إذا لم يكد يفارقه.(3:1117)

الهرويّ: و التّثبيط:التّعويق،و هو أن تحول بين الإنسان و بين ما يريده و يهواه،يقال:ثبّطته عن الشّيء، إذا بطّأت به عنه.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«كانت سودة رضي اللّه عنها امرأة ثبطة».

قلت:أرادت:بطيئة،من قولك:ثبّطته عن الأمر.

(1:273)

نحوه ابن الأثير.(1:207)

ابن سيده: ثبطه عن الشّيء ثبطا،و ثبّطه:ريّثه، و ثبّته.

و ثبّطه على الأمر فتثبّط:وقفه عليه فتوقّف.[ثمّ

ص: 289

استشهد بشعر](9:144)

الرّاغب: يقال:ثبّطه المرض و أثبطه،إذا حبسه و منعه،و لم يكد يفارقه.(78)

الزّمخشريّ: ثبّطه عن الأمر:ريّثه فتثبّط، و ما ثبّطك عن ذلك؟

و غلام ثبط و جارية ثبطة:فيهما كسل و ثقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس ثبط:ثقيل النّزو على الحجر.

(أساس البلاغة:43)

استأذنت سودة رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و آله و سلّم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله،و قبل حطمة النّاس، و كانت امرأة ثبطة،فأذن لها.و الثّبط:من التّثبّط كالفقير من الافتقار،و القياس في فعلهما:ثبط و فقر.

(الفائق 1:163)

الطّبرسيّ: التّثبيط:التّوقيف عن الأمر بالتّزهيد فيه،و مثله التّربيث.(3:34)

مثله الطّباطبائيّ.(9:289)

النّيسابوريّ: و التّثبيط:ردّ الإنسان عن الفعل الّذي همّ به.(10:97)

أبو حيّان :ثبطه عن الأمر:أبطأ به عنه،و ناقة ثبطة أي بطيئة السّير.و أصل التّثبيط:التّعويق،و هو أن يحول بين الإنسان و بين أمر يريده بالتّزهيد فيه.(5:35)

الفيّوميّ: ثبّطه تثبيطا:قعد به عن الأمر،و شغله عنه،و منعه تخذيلا و نحوه.(1:80)

الفيروزآباديّ: ثبطه عن الأمر:عوّقه،و بطّأ به عنه كثبّطه فيهما،و شفته و رمت ثبطا و ثبطا،و على الأمر:

وقفه عليه،فتثبّط:توقّف.

و الثّبط ككتف:الأحمق في عمله،و الضّعيف، و الثّقيل منّا و من الخيل،و هي بهاء،و قد ثبط كفرح، الجمع:أثباط و ثباط.

و أثبطه المرض:لم يكد يفارقه.(2:365)

محمود شيت: ثبط يثبط ثبطا:ضعف و ثقل، و يثبط:حمق في عمله،فهو ثبط،جمعه:أثباط و ثباط.

ثبط الجنديّ عن الهجوم:عوّقه و بطّأ به.

ثبّطه عن الواجب:عوّقه و بطّأ به،يقال:يعمل العدوّ على تثبيط المعنويّات:يعمل على إضعافها.

(1:121)

المصطفويّ: قد سبق قولنا في«ثبت»:أنّ بينه و بين«الثّبط»اشتقاق أكبر،و إنّ مفهومهما من نوع واحد،و يظهر من موارد استعمال هذه المادّة:أنّها حقيقة في الثّبوت الباطنيّ،و المعنويّ،و الفكريّ.

و يدلّ عليه سابق الآية وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً التّوبة:46،فمورد الكلام في ثبوت الإرادة و نفيها،ثمّ بعد انتفاء الإرادة قيل لهم في المرتبة الثّانية:اقعدوا و اثبتوا مع القاعدين.

و يؤيّد ما ذكرنا كون حرف الطّاء من حروف الاستعلاء و التّفخيم،و حرف التّاء من حروف الاستفال و التّرقيق.

فهذه الحيثيّة«الثّبوت و المحدوديّة قلبا»محفوظة في موارد استعمالها،و كلّ من معاني الحبس و التّوقيف و البطء و الثّقل و الرّيث و الثّبوت و الشّغل و القعود و الملازمة؛منظور من هذه الحيثيّة.

ص: 290

فالنّظر الأصيل في«الثّبوت»إلى الاستقرار المادّيّ، و في«الثّبط»إلى الاستقرار القلبيّ و المعنويّ.فلا يخفى اللّطف في انتخاب هذه الكلمة في الآية الكريمة،في حقّ المخالفين المنافقين.(2:7)

النّصوص التّفسيريّة

وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ.

التّوبة:46

ابن عبّاس: كسلهم و فتّر نيّاتهم.(أبو حيّان 5:48)

الطّبريّ: فثقل عليهم الخروج حتّى استخفّوا القعود في منازلهم خلافك،و استثقلوا السّفر و الخروج معك،فتركوا لذلك الخروج.(10:144)

الزّجّاج: أي كره اللّه أن يخرجوا معكم،فردّهم عن الخروج.(2:450)

البغويّ: منعهم و حبسهم عن الخروج.(2:355)

الميبديّ: أي حبسهم و خذّلهم و كسلهم.

(4:141)

الزّمخشريّ: فكسلهم و خذّلهم و ضعّف رغبتهم في الانبعاث.(2:193)

نحوه الفخر الرّازيّ(16:79)،و القاسميّ(8:

3167)،و الطّنطاويّ(5:135).

الطّبرسيّ: فَثَبَّطَهُمْ عن الخروج الّذي عزموا عليه،لا عن الخروج الّذي أمرهم به،لأنّ الأوّل كفر و الثّاني طاعة.

و معنى(ثبّطهم):بطّأ بهم و خذّلهم،لما يعلم منهم من الفساد.(3:35)

النّيسابوريّ: حبسهم في سجن البشريّة.

(10:102)

البروسويّ: أي حبسهم بالجبن و الكسل فتثبّطوا عنه،و لم يستعدّوا له.و التّثبيط:صرف الإنسان عن الفعل الّذي يهمّ به.(3:442)

الآلوسيّ: أي حبسهم و عوّقهم عن ذلك.(10:111)

الطّباطبائيّ: أي جزاء بنفاقهم،و امتنانا عليك و على المؤمنين،لئلاّ يفسدوا جمعكم،و يفرّقوا كلمتكم بالتّفتين،و إلقاء الخلاف.(9:290)

فضل اللّه : فَثَبَّطَهُمْ و أخّرهم عن الخروج، وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ العاجزين،أو المتكاسلين الّذين لا يعيشون مسئوليّة القضايا الكبيرة في ما يفرضه الإيمان على الإنسان في الحياة.

و قد أوضحنا-أكثر من مرّة-أنّ نسبة تأخير الأشياء إلى اللّه في أعمال السّوء الّتي يقوم بها الإنسان، لا تمثّل حالة جبريّة قسريّة في حركة الإرادة لدى الإنسان،بل تمثّل الحالة الّتي يملك فيها الإنسان موقع السّبب المباشر في المسألة،الّتي ترتبط بأدوات العمل و قانون السّببيّة،الّذي يربط بين الأشياء و مقدّماتها.

و هكذا أبقاهم اللّه في دائرة التّثبيط،فلم يخرجهم منها بطريقة غير عاديّة،لما في ذلك من مصلحة الإسلام و المسلمين،لأنّهم يمثّلون في مواقع عقدة النّفاق في نفوسهم،الخطر الدّاخليّ على المجتمع الإسلاميّ الّذي يعملون على الكيد له،بمختلف الوسائل في الحالة العاديّة في أوقات السّلم،فكيف يكون الأمر في الحالات

ص: 291

الشّديدة الاستثنائيّة في أوقات الحرب،فإنّ الخطر عندئذ يزداد أضعافا،نظرا لخطورة النّتائج على مستقبل الأمّة في حالة الحرب،أكثر من حالة السّلم.

(11:128)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّبط،و هو البطء و التّريّث،يقال:ثبطت الرّجل عن الشّيء ثبطا،أي ريّثته،فهو مثبوط.و ثبطت الرّجل ثبطا:حبسته،أي حملته على التّريّث و البطء.و غلام ثبط،و جارية ثبطة:

ثقيلان بطيئان،و فرس ثبط:ثقيل النّزو على الحجر.

و ثبّطه عن الشّيء تثبيطا:ريّثه و بطّأ به عنه،فهو مثبّط.

و أثبطه المرض:لم يكد يفارقه.

و قول ابن سيده:«ثبّطه على الأمر فتثبّط:وقفه عليه فتوقّف»لم نقف عليه في أقوال من سبقه.

و أمّا قولهم:ثبطت شفة الإنسان،أي ورمت،فهو مقلوب«بثطت».

2-و يبدو أنّ هذه المادّة قليلة الاستعمال في اللّغة العربيّة،إذ لم يذكر الخليل منها إلاّ قولهم:ثبّطه عن الأمر تثبيطا،إذا شغله عنه.و زاد عليه الجوهريّ قوله:و أثبطه المرض،إذ لم يكد يفارقه،و أهملها الأزهريّ كلّها.

و فضلا عن ذلك فإنّ هذه المادّة غير معروفة في سائر اللّغات السّاميّة،كما أنّ تقاليبها الخمسة الباقية مهملة في العربيّة أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة«ثبّط»فقط،حول المنافقين الّذين تخلّفوا عن غزوة«تبوك»،ثمّ اعتذروا إلى الرّسول بأعذار واهية: وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ التّوبة:46

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت مرّة واحدة في سورة مدنيّة،نزلت في أواخر البعثة،فهل يعني ذلك أنّ هذه المادّة كانت شاذّة قليلة الاستعمال في البلدين:مكّة و المدينة؟فلم تأت طبعا هنا إلاّ لنكتة،سوى مراعاة الرّويّ،كما ذكرنا في نظائرها ممّا جاء مرّة واحدة في عجز الآيات،و قد مرّ و سيمرّ-فيما بعد-و ذلك أنّها جاءت هنا في وسط الآية دون آخرها.و النّكتة هي-كما يأتي- أنّ في معناها خصوصيّة لا يؤدّيها إلاّ هذا اللّفظ.

ثانيا:لقد فسّرها المفسّرون بألفاظ مختلفة،يبدو أنّها ترمز إلى شيء واحد،و الاختلاف بينها لفظيّ لا معنويّ،مثل:كسلهم و فتّر نيّاتهم،فثقل عليهم الخروج،حتّى استخفّوا القعود في منازلهم،و استثقلوا السّفر و الخروج.و مثل:ردّهم اللّه عن الخروج و منعهم و حبسهم عن الخروج،و خذّلهم و كسلهم و ضعّف رغبتهم في الانبعاث،و بطّأ بهم و خذّلهم،و حبسهم بالجبن و الكسل،و حبسهم و عوّقهم،و أخّرهم عن الخروج و نحو ذلك.

ثالثا:يظهر من خلال النّصوص اللّغويّة أنّ«الثّبط» كسل الإنسان عمّا يريد أن يفعله،لغلبة الثّقل عليه، فأخذ فيه عنصران:ثقل عارض يتبعه كسل و ضعف في

ص: 292

إرادته،فعزوف عمّا يريد.فليس«الثّبط»مطلق الحبس و المنع و الصّرف و ما يراد فيها،و إنّما هو انصراف عن عمل أراده،فكسل و ثقل،و وهنت إرادته.و هذا المعنى المزدوج من الثّقل و ضعف الإرادة لا يؤدّيه إلاّ الثّبط.

أمّا التّثبيط فهو إيجاد الثّقل و تضعيف الإرادة في الإنسان من الغير،أو كلا الثّبط و التّثبيط متعدّ،لمجيء المثبوط في اللّغة.و قد لاحظها بعضهم في تفسيرها مع تفاوت في تقديم الاستثقال على وهن الإرادة أو تأخيره عنه،و لكلّ منهما وجه.

و عليه فصيغة«تفعيل»هنا للتّأكيد و التّشديد دون التّعدية،و لعلّ هذه هي النّكتة في الإتيان ب«ثبّط»، إضافة إلى الجناس النّاقص بين«الانبعاث»و«ثبط»في حرف«الثّاء».

رابعا:نسب التّثبيط هنا إلى اللّه؛حيث قال: كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ، أي أنّ اللّه كرّه خروجهم معكم،فسلّط عليهم الثّقل،و وهّن عزيمتهم،و بذلك قويت شبهة الجبر.

و قد استخلص منها الطّبرسيّ بقوله:«فثبّطهم عن الخروج الّذي عزموا عليه-و هو الإفساد و التّفتين بين المجاهدين المذكورين في الآية اللاّحقة-لا عن الخروج الّذي أمرهم به،لأنّ الأوّل كفر،و الثّاني طاعة».

و قال الطّباطبائيّ: «أي جزاهم بنفاقهم،و امتنانا عليك و على المؤمنين،لئلاّ يفسدوا جمعكم،و يفرّقوا كلمتكم بالتّفتين و إلقاء الخلاف».

و أمّا السّيّد فضل اللّه فحلّ المشكلة بما ذكره مرارا من أنّ نسبة ما يقوم به الإنسان من أعمال السّوء في القرآن إلى اللّه،جريا على قانون السّببيّة الّذي يمرّ من خلال الأسباب المباشرة،الّتي منها إرادة الإنسان،و تنتهي إلى اللّه،فلاحظ.

أمّا المعتزلة و الشّيعة و أتباعهم،فعندهم تأويلات مختلفة يكرّرونها ذيل الآيات.و أمّا الأشاعرة و معهم السّلفيّة-فيحتفظون بظاهرها،و يستدلّون بها على مذهبهم بأنّ أفعال العباد هي فعل اللّه،و يستخلصون من شبهة الجبر بالقول بالكسب،لاحظ«ك س ب».

خامسا:قوله: كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ، فالتّثبيط متفرّع على كراهة الانبعاث،أي لمّا كره اللّه انبعاث المنافقين بعد البعث إلى القتال،و لم يرض بخروجهم و نهوضهم للقتال،فثبّطهم.و الانبعاث مطاوعة البعث،و عدم الانبعاث عبارة أخرى عن تثاقلهم و عدم تحرّكهم،و تأثّرهم بالأمر بالقتال.

فجاءهم التّثبيط،و هو ضعف الإرادة و الكسل مع الثّقل، فما أحسن الالتئام و الانسجام بين الانبعاث و الثّبط معنى، كما أنّ بينهما جناسا ما لفظا بتكرار حرف«الثّاء»فيهما كما سبق.

سادسا:لعلّ قوله: وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ بلفظ«قيل»مجهولا إشارة إلى هذا الوهن النّفسيّ الّذي جاءهم من دون أن يعلموا مصدره،دون أن يخاطبوا بخطاب يسمعونه بمسامعهم.

ص: 293

ص: 294

ث ب ي

اشارة

ثبات

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّبة:العصبة من الفرسان،و يجمع:ثبات و ثبين.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّبى أيضا:مثل الثّبات.و ما كان من المنقوص مضموما أو مكسورا فإنّه لا يجمع بالتّمام.

و الثّبة:وسط الحوض،يثوب إليه بقيّة الماء.و من العرب من يصغّرها:ثويبة،يقول:هو من ثاب يثوب.

و العامّة يصغّرونها على:ثبيّة،يتبعون اللّفظ.و الثّبة من الخيل،لا يختلفون في تصغيرها على:ثبيّة.

و الّذين يقولون:ثويبة في تصغير:ثبة الحوض، لزموا القياس،فردّوا إليها النّقصان في موضعها،كما قالوا في تصغير«رئة»:رويّة.و الّذين يلزمون اللّفظ يقولون:

رييّة،على قياس:قوّة و قويّة.

و إنّما تكتب الهمزة على التّليين،لأنّها لا حظّ لها في الهجاء و الكتابة،إنّما تردّ في ذلك إلى الياء و الواو و الألف اللّيّنة.

فإذا جاءت في كلمة فليّنها،فإن صارت ياء فاكتبها ياء،نحو:الرّيات.و إن صارت واوا في التّليين فأسقطها من الكتابة،نحو:المسألة،و يجرون،أي يجأرون،و لذلك لا نكتب في«الجزء»واوا لسكون ما قبلها،و تقول بغير الهمزة:جزو.و من كتب الواو في«جزو»فإنّما ذلك تحويل،و ليس تليينا.

و البصراء من الكتبة يحذفون الواو من«جزو» لأنّهم يكتبونها على التّليين،فإذا قلت:جزء،حوّلت صرفها على الزّاي،و سقطت الهمزة،و إذا قلت:جزو، حوّلت الهمزة واوا.(8:248)

سيبويه :ثبة:تجمع ثبون و ثبين،في الرّفع و النّصب و الجرّ.و إنّما جمعت بالواو و النّون-و كذلك عزة و عضة- كقوله عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91، لأنّ الواو و النّون جعلتا عوضا من حذف آخر الكلمة.

ص: 295

و ثبة الّتي هي الجماعة،محذوف آخرها،تصغّر:ثبيّة.

و ثبة الحوض:وسطه،حيث يثوب الماء إليه،تصغّر ثويبة،لأنّ هذا محذوفة منه عين الفعل،و إنّما اشتقّت«ثبة الجماعة»من ثبّيت على الرّجل،إذا أثنيت عليه في حياته،و تأويله أنّك جمعت ذكر محاسنه.

فأمّا الثّبة:الجماعة من فرقة.(الزّجّاج 2:75)

أبو عمرو الشّيبانيّ: التّثبية:الثّناء على الرّجل في حياته.(الجوهريّ 6:2291)

الأصمعيّ: ثبّيت على الشّيء تثبية،أي دمت عليه.(الجوهريّ 6:2290)

التّثبية:الدّراية على الشيء.(الأزهريّ 15:157)

ابن الأعرابيّ: التّثبية:لزومك طريق أبيك.

(الأزهريّ 15:157)

شمر:التّثبية:إصلاح الشّيء،و الزّيادة عليه.

(الأزهريّ 15:156)

ابن أبي اليمان :الثّبة:الفرقة من النّاس، و الجمع:ثبون.(209)

كراع النّمل:ثبّيت المال:حفظته.

(ابن سيده:10:202)

الأزهريّ: الثّبة:هي الجماعة من النّاس،و تجمع:

ثبات،و ثبى و ثبين.و قد اختلف أهل اللّغة،فقال بعضهم:هي مأخوذة من«ثاب»أي عاد و رجع،و كان أصلها:ثوبة،فلمّا ضمّت الثّاء حذفت الواو، و تصغيرها:ثويبة.و من هذا أخذ:ثبة الحوض،و هو وسطه الّذي يثوب إليه بقيّة الماء.

و الثّبات:جماعات في تفرقة:و كلّ فرقة:ثبة،فهذا من باب«ثاب».[إلى أن قال:]

و قال آخرون:الثّبة:من الأسماء النّاقصة،و في الأصل:ثبية،فالسّاقط هو لام الفعل في هذا القول،و أمّا في القول الأوّل فالسّاقط عين الفعل.

و من جعل الأصل:ثبية،فهو من ثبّيت على الرّجل،إذا أثنيت عليه في حياته،و تأويله:جمع محاسنه.

و إنّما الثّبة:الجماعة.

يقال:ثبّ معروفك،أي أتمّه و زد عليه.[ثمّ نقل قول الأصمعيّ و قال:]

و قال غيره:أنا أعرفه تثبية،أي أعرفه معرفة أعجمها و لا أستيقنها.

و قال أبو خيرة:الثّبة:ما اجتمع إليه الماء في الوادي أو في الغائط،و إنّما سمّيت«ثبة»لأنّ الماء يثوب إليها.

و قال أبو خيرة:ثاب الحوض يثوب ثوبا و ثئوبا،إذا امتلأ،أو كاد يمتلئ.(15:155)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و التّثبية:الثّناء على الإنسان في حياته،و الدّوام على الشّيء،و الزّيادة فيه.

و ثبّيت معروفي عنده تثبية،أي ربّيته.و يقولون:

ما يعدله عندي مال مثبّى و لا ولد مربّى،أي مال دائم نام.

و التّثبية:أن تسير بسيرة أبيك و تفعل فعله.

و فلان لا يثبّي على الذّنوب،إذا كان يحييها بذكره.

و ثبّى عليّ،أي قرف عليّ.

و الثّبى:الضّغينة و الذّحل (1)،في قول الأفوه:د.

ص: 296


1- العداوة و الحقد.

...*و قد عظم الثّبى*

و قيل:الرّماد.

و مرّ يثبّي ما لا يفعل،أي لا يذكر من نفسه ما لا يفعل.

و أُثبيّة من النّاس،أي جماعة.

و الأثابيّ: جماعة الخيل،كالثّبين.(10:187)

ابن جنّيّ: هذا الباب كلّه من الواو[ل]أنّ أكثر ما ذهبت لامه إنّما هو من الواو،نحو:أب،و غد،و أخ، و هن.(ابن سيده 10:203)

الجوهريّ: الثّبة:الجماعة،و أصلها:ثبي،و الجمع:

ثبات و ثبون و ثبون و أثابيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّبة أيضا:وسط الحوض الّذي يثوب إليه الماء، و الهاء هاهنا عوض من الواو الذّاهبة من وسطه،لأنّ أصله:ثوب،كما قالوا:أقام إقامة،و أصله:إقواما، فعوّضوا الهاء من الواو الذّاهبة من عين الفعل.

(6:2291)

ابن فارس: الثّاء و الباء و الياء أصل واحد،و هو الدّوام على الشّيء،قاله الخليل.و قال أيضا:التّثبية:

الدّوام على الشّيء،و التّثبية:الثّناء على الإنسان في حياته.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا أصل صحيح.و أمّا الثّبة:فالعصبة من الفرسان،يكونون ثبة،و الجمع:ثبات و ثبون.[ثمّ استشهد بشعر]

قال الخليل :و الثّبة أيضا ثبة الحوض،و هو وسطه الّذي يثوب إليه الماء.و هذا تعليل من الخليل للمسألة، و هو يدلّ على أنّ السّاقط من«الثّبة»واو قبل الباء،لأنّه زعم أنّه من«يثوب».

و قال بعد ذلك:أمّا العامّة فإنّهم يصغّرونها على «ثبيّة»يتبعون اللّفظ.و الّذين يقولون:«ثويبة»في تصغير:ثبة الحوض،فإنّهم لزموا القياس،فردّوا إليها النّقصان في موضعه،كما قالوا في تصغير رويّة:رويّئة، لأنّها من روّأت.

و الّذي عندي أنّ الأصل في:ثبة الحوض و ثبة الخيل واحد،لا فرق بينهما.و التّصغير فيهما«ثبيّة»و قياسه ما بدأنا به الباب في ذكر«التّثبية»و هو من:ثبّى على الشّيء،إذا دام.و أمّا اشتقاقه«الرّويّة»و أنّها من «روّأت»ففيه نظر.(1:401)

الهرويّ: «ثبات»الواحدة:ثبة،و كانت في الأصل:الثّبية.و قد ثبّيت الجيش:جعلته ثبة ثبة.

يقال:تثبّيت على الرّجل في حياته،و ذلك أنّك جمعت ذكر محاسنه.(1:274)

ابن سيده: الثّبة:العصبة من الفرسان.و الجمع:

ثبات،و ثبوت،و ثبون،على حدّ ما يطّرد في هذا النّحو.

و تصغيرها:ثبيّة.

و الثّبة،و الأثبيّة:الجماعة من النّاس.و الجمع:

أثابيّ،و أثابية،الهاء فيها بدل من الياء الأخيرة.

و ثبّيت الشّيء:جمعته ثبة ثبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثبّيت الرّجل:مدحته،و أثنيت عليه في حياته.

و هو من ذلك،لأنّه جمع لمحاسنه،و حشد لمناقبه.

و التّثبية:الدّوام على الشّيء.

و التّثبية:أن تفعل مثل فعل أبيك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثبيّة:الجماعة،كالثّبة.

و إنّما قضينا على ما لم تظهر فيه الياء من هذا الباب

ص: 297

بالياء،لأنّها لام.(10:201)

الرّاغب: ثبات:جمع ثبة،أي جماعة منفردة.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:ثبت على فلان،أي ذكرت متفرّق محاسنه.

و يصغّر«ثبيّة»،و يجمع على:ثبات و ثبين،و المحذوف منه الياء.

و أمّا ثبة الحوض:فوسطه الّذي يثوب إليه الماء، و المحذوف منه عينه لا لامه.(78)

الزّمخشريّ: نفروا إلى العدوّ ثبات و ثبين،أي جماعات متفرّقة.و عنده أُثبيّة من الخيل و أثابيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:قولهم:ما يعدله عندي مال مثبّى، و لا ولد مربّى،أي مجموع مجعول ثبات.و ثبّى اللّه لك النّعم:ساقها إليك ثبات.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثبّى على الرّجل:أثنى عليه ثناء كثيرا،كأنّما أورد عليه ثبات منه.(أساس البلاغة:43)

الطّبرسيّ: الثّبات:جماعات في تفرقة،واحدتها:

ثبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يجمع الثّبة:ثبون.و إنّما جمع على الواو-و إن كان هذا الجمع مختصّا بما يعقل-للتّعويض عن النّقص الّذي لحقه،لأنّ أصله«ثبوة»و مثله:عضون و سنون و عزون،فإن صغّرت قلت:ثبيّات و سنيّات،لأنّ النّقص قد زال.(2:73)

ابن برّيّ: الاختيار عند المحقّقين أنّ«ثبة»من الواو،و أصلها:ثبوة،حملا على أخواتها،لأنّ أكثر هذه الأسماء الثّنائيّة أن تكون لامها واوا،نحو عزة و عضة، و لقولهم:ثبوت له خيرا بعد خير أو شرّا،إذا وجّهته إليه،كما تقول:جاءت الخيل ثبات،أي قطعة بعد قطعة.

و ثبّيت الجيش،إذا جعلته ثبة ثبة،و ليس في «ثبّيت»دليل أكثر من أنّ لامه حرف علّة.

و«أثابيّ»ليس جمع ثبة،و إنّما هو جمع:أُثبيّة،و أُثبيّة في معنى ثبه.(ابن منظور 14:108)

العكبريّ: ثبات:جمع ثبة،و هي الجماعة، و أصلها:ثبوة،تصغيرها:ثبيّة.فأمّا ثبة الحوض-و هي وسطه-فأصلها:ثوبة،من ثاب يثوب،إذا رجع، و تصغيرها:ثويبة.(1:371)

أبو حيّان :الثّبة:الجماعة الاثنان و الثّلاثة في كلام العرب،قاله الماتريديّ.و قيل:هي فوق العشرة من الرّجال.

وزنها«فعلة»و لامها قيل:واو،و قيل:ياء،مشتقّة من:تثبّيت على الرّجل،إذا أثنيت عليه،كأنّك جمعت محاسنه.

و من قال:إنّ لامها واو جعلها من:ثبا يثبو،مثل حلا يحلو،و تجمع بالألف و التّاء و بالواو و النّون،فتضمّ في هذا الجمع تاؤها أو تكسر.

و ثبة الحوض:وسطه الّذي يثوب الماء إليه،المحذوف منه عينه،لأنّه من ثاب يثوب.و تصغيره:ثويبة،كما تقول:في سه سييهة.و تصغير تلك:ثبيّة.(3:282)

نحوه أبو السّعود.(2:162)

الفيروزآباديّ: التّثبية:الجمع و الدّوام على الأمر، و الثّناء على الحيّ،و إصلاح الشّيء و الزّيادة و الإتمام و التّعظيم،و أن تسير بسيرة أبيك،و الشّكاية من حالك

ص: 298

و حاجتك،و الاستعداء،و جمع الشّرّ و الخير ضدّ.

و الثّبة:وسط الحوض،و الجماعة كالأثبيّة و العصبة من الفرسان،الجمع:ثبات و ثبون بضمّهما.(4:309)

مجمع اللّغة :الثّبة بضمّ ففتح:الجماعة المنفردة من النّاس،و جمعها:ثبات.(1:167)

محمّد إسماعيل إبراهيم: ثبى الشّيء ثبيا:

جمعه،و ثبات:جمع ثبة،و هي الجماعة،و العصبة من الفرسان.(1:95)

المصطفويّ: لا يخفى ما فيما بين موادّ:ثبت،ثبر، ثبط،ثبي،ثبو،من التّناسب لفظا و معنى،و الاشتقاق الأكبر.

و مفهوم المحدوديّة محفوظ في كلّ منها،فإنّ المحدوديّة من جهة الظّواهر يعبّر عنها غالبا بالثّبت، و من جهة البواطن بالثّبط،و من جهة الابتلاء و المضيقة بالثّبر،و من جهة الكمّيّة و المقدار بالثّبي و الثّبو.

فالأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّجمّع و التّوجّه إلى أمر:من إدامة أمر،أو العمل لشخص،أو جمع شيء و تحديده.

فالثّبى هو الشّيء المحدود المتجمّع،أو القطعة المحدودة من النّاس أو الخيل أو الماء،و جمعه:ثبات و ثبوت،أي القطعات المحدودة،و الجماعات المتعيّنة المختلفة،يجمعها عنوان واحد.

و قد ذكرت في الآية الكريمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً النّساء:71، في مقابل الجميع،و هو القطعة الواحدة المتجمّعة،بخلاف الثّبات فهي بمعنى القطعات.

فظهر أنّ الثّناء و المدح باعتبار التّحديد و الجمع فكرا،و حفظ المقام و الانصراف عن المقالات المتفرّقة و المفرّقة في حقّ الممدوح.

و هكذا الدّوام على الشّيء باعتبار التّحديد و الثّبوت في الأمر السّابق،و ترك الخلاف و التّفرّق.(2:8)

محمود شيت:ثبّى الجنود:جمعهم.

ثبّى الجيش:جعله جماعات.

الثّبّة:الجماعة من الفرسان خاصّة،و ثبات:

الجماعات من الفرسان.(1:121)

النّصوص التّفسيريّة

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً. النّساء:71

ابن عبّاس: عصبا،يعني سرايا متفرّقين.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 5:165)

أن ينفردوا فرقا،فرقة بعد فرقة،فرقة في جهة و فرقة في جهة.(الجصّاص 2:214)

مثله مجاهد و الضّحّاك و قتادة(الجصّاص 2:214)، و الطّبرسيّ(2:73).

مجاهد :فرقا قليلا قليلا.(الطّبريّ 5:165)

الإمام الباقر عليه السّلام: المراد بالثّبات:السّرايا، و بالجميع:العسكر.(الطّبرسيّ 2:73)

السّدّيّ: فهي العصبة.(208)

الفرّاء: عصبا،يقول:إذا دعيتم إلى السّرايا أو دعيتم لتنفروا جميعا.(1:275)

أبو عبيدة :واحدتها:ثبة،و معناها جماعات في

ص: 299

تفرقة.(1:132)

ابن قتيبة :جماعات،واحدتها:ثبة،يريد جماعة بعد جماعة.(130)

الطّبريّ: و هي جمع ثبة،و الثّبة:العصبة،و معنى الكلام:فانفروا إلى عدوّكم جماعة بعد جماعة متسلّحين.

(5:164)

الزّجّاج: انفروا جماعات متفرّقة.(2:75)

القيسيّ: حالان من المضمر في(انفروا)في اللّفظتين،و معنى(ثبات):مفترقين،واحدها:ثبة، و تصغيرها:ثبيّة.(1:196)

الماورديّ: معنى الآية:فانفروا عصبا و فرقا أو جميعا.(1:506)

الطّوسيّ: أي يأتون متفرّقين.(3:252)

الميبديّ: تذهبون متفرّقين فرقا بعد فرق،لأنّ رسول اللّه ليس معكم.(2:578)

الزّمخشريّ: إذا نفرتم إلى العدوّ،إمّا(ثبات) جماعات متفرّقة سريّة بعد سريّة،و إمّا(جميعا).

(1:541)

نحوه الفخر الرّازيّ(10:177)،و النّسفيّ(1:

235)،و أبو السّعود(2:162)،و البروسويّ(2:

235)،و القاسميّ(5:1392).

ابن عطيّة: معناه:جماعات متفرّقات،فهي كناية عن السّرايا.(2:77)

النّيسابوريّ: جماعات متفرّقة،سريّة بعد سريّة،واحدها:ثبة،محذوفة اللاّم،و أصلها«ثبي» فعوّضت الهاء عن الياء المحذوفة،و التّركيب يدلّ على الاجتماع.(5:82)

أبو حيّان :و انتصاب(ثبات)و(جميعا)على الحال، و لم يقرأ(ثبات)فيما علمناه إلاّ بكسر التّاء.و قال الفرّاء:

العرب تخفض هذه التّاء في النّصب و تنصبها.(3:290)

رشيد رضا :و المعنى:فانفروا جماعة في إثر جماعة،بأن تكونوا فصائل و فرقا،و هو الّذي يتعيّن إذا كان الجيش كثيرا أو كان موقع العدوّ يقتضي ذلك،و هو الغالب.

أو انفروا كلّكم مجتمعين إذا قضت الحال بذلك.

أو المعنى فانفروا سرايا و طوائف على قدر الحاجة، أو نفيرا عامّا.و يجب هذا إذا دخل العدوّ أرضنا،كما قال الفقهاء.(5:253)

نحوه المراغيّ.(5:88)

الطّباطبائيّ: و الثّبات:جمع ثبة،و هي الجماعة على تفرقة.فالثّبات الجماعة بعد الجماعة؛بحيث تتفصّل ثانية عن أولى،و ثالثة عن ثانية.و يؤيّد ذلك مقابلة قوله: فَانْفِرُوا ثُباتٍ قوله: أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً.

(4:416)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّبة،أي الجماعة من النّاس و الفرسان،و الجمع:ثبات،و ثبون،و ثبون، و أثابيّ.يقال منه:جاءت الخيل ثبات،أي قطعة بعد قطعة،و ثبّيت الجيش:جعلته ثبة ثبة.

و الثّبة أيضا:ما اجتمع إليه الماء في الوادي أو في الغائط أو في الحوض.

ص: 300

و من المجاز:ثبوت له خيرا بعد خير،أو شرّا بعد شرّ،إذا وجّهته إليه.و ثبّيت على الرّجل و ثبّتته أيضا تثبية:مدحته و أثنيت عليه في حياته دفعة بعد دفعة، و الثّبيّ:الكثير المدح للنّاس،و هو من هذا الباب،لأنّه جمع لمحاسنه و حشد لمناقبه.

و التّثبية:حفظ المال؛يقال:ثبّيت المال.و إصلاح الشّيء و الزّيادة عليه؛يقال:ثبّ معروفك،أي أتمّه و زد عليه.و الدّوام على الشّيء،يقال:ثبّيت على الشّيء تثبية،أي دمت عليه.و التّثبية أيضا:لزومك طريق أبيك.

و يمكن تأويل كلّ ذلك بضرب من الجمع المجازيّ.

2-و قد انقسم اللّغويّون في أصل«الثّبة»إلى فريقين،فالفريق الأوّل يرى أنّها«ثوبة»،فلمّا ضمّت الثّاء حذفت الواو-و هي عين الكلمة-للتّخفيف.

و تصغيرها على قول هؤلاء«ثويبة»،و منه:ثبة الحوض،و هو وسطه الّذي يثوب إليه بقيّة الماء.

و يرى الفريق الثّاني أنّها«ثبي»على من جعل لامها الياء،أو«ثبوة»على من جعل لامها الواو.ثمّ حذفت اللاّم-سواء كانت واوا أم ياء-و عوّض عنها الهاء.

و تصغيرها على هذا القول«ثبيّة».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اللّفظ التّالي في قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً النّساء:71

يلاحظ أوّلا:أنّ(ثبات)جاءت مرّة واحدة في سورة مدنيّة،خلال سياق النّفر إلى قتال العدوّ،و ذلك -حسب العادة-لا يكون إلاّ جماعة،لا منفردا.إلاّ أنّ الجماعة النّافرة إلى القتال تنقسم إلى جماعات متعدّدة إذا كانت كثيرة،فتنفر جماعة خلف جماعة،و إذا كانت قليلة تنفر في جماعة واحدة.

و الآية تبيّن هاتين الحالتين،فجملة فَانْفِرُوا ثُباتٍ تعني المعنى الأوّل،أي جماعة جماعة،و جملة أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً تعني الثّاني،أي جماعة واحدة.

ثانيا:(ثبات):جمع«ثبة»،و هي معتلّة اللاّم المحذوفة،سواء كانت واوا أم ياء،و عوّض عنها الهاء و شاعت عند العرب-كما سبق-في الحروب و الجيوش.

قال الهرويّ و ابن برّيّ:«ثبّيت الجيش:جعلته ثبة ثبة»، و قال ابن فارس و ابن سيده:«الثّبة:العصبة من الفرسان...»،و قال محمود شيت:«الثّبة:الجماعة من الفرسان خاصّة،و ثبات:الجماعات من الفرسان».فقد وقعت في القرآن في محلّها في آية مدنيّة-و كانت موضع القتال-ترسم كيفيّة النّفر إلى القتال.و لم يتكرّر هذا الموضوع في القرآن،فلم تتكرّر(ثبات)فيه.

ص: 301

ص: 302

ث ج ج

اشارة

ثجّاجا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّجّ:شدّة انصباب المطر و الدّم،و مطر ثجّاج.(6:13)

ابن شميّل: الثّجّة:الرّوضة إذا كان فيها حياض للماء،تصوب في الأرض.لا تدعى ثجّة ما لم يكن فيها حياض،و جمعها:ثجّات.(الأزهريّ 10:472)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في المستحاضة أنّه قال لها:«احتشي كرسفا.قالت:إنّه أكثر من ذلك إنّي أثجّه ثجّا،قال:تلجّمي و تحيضي في علم اللّه ستّا أو سبعا ثمّ اغتسلي و صلّي»...و قولها:«أثجّه ثجّا»هو من الماء الثّجّاج،و هو السّائل.

و منه الحديث المرفوع أنّه سئل عن برّ الحجّ،فقال:

«هو العجّ و الثّجّ».فالعجّ:رفع الصّوت بالتّلبية،و الثّجّ:

سيلان دماء الهدي.(1:168)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الحجّ المبرور ليس له ثواب دون الجنّة،قالوا:يا رسول اللّه و ما برّه؟قال:العجّ و الثّجّ».[إلى أن قال:]

و قوله:«و الثّجّ»يعني نحر الإبل و غيرها،و أن يثجّوا دماءها و هو السّيلان،و منه قول اللّه عزّ و جلّ: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14.

و كذلك حديثه الآخر صلّى اللّه عليه و سلّم حين سألته المستحاضة فقالت:«إنّي أثجّه ثجّا»يعني سيلانه و كثرته.(1:441)

شمر: الثّجّة:بفتح الثّاء و تشديد الجيم:الرّوضة الّتي حفرت[فيها]الحياض،و جمعها:ثجّات.سمّيت بذلك،لثجّها الماء فيها.(ابن منظور 2:222)

الدّينوريّ: الثّجّة:الأرض الّتي لا سدر بها،يأتيها النّاس فيحفرون فيها حياضا،و من قبل الحياض سمّيت ثجّة،و لا تدعى من قبل ذلك ثجّة،و جمعها:ثجّات.

(ابن سيده 7:195)

ابن أبي اليمان :و الثّجّ:الصّبّ،قال اللّه جلّ

ص: 303

و عزّ: ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14،أحسبه أراد مثجوجا، و اللّه أعلم،كما قال: مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6،أي مدفوق.(240)

الخطّابيّ: و الثّجيج:الماء السّائل.[ثمّ استشهد بشعر و أدام نحو ابن أبي اليمان](1:441)

ابن دريد :ثججت الماء أثجّه ثجّا،إذا صببته كثيرا.و كذلك فسّر في التّنزيل،في قوله جلّ و عزّ:

ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14،و هذا ممّا جاء في لفظ«فاعل» و الموضع«مفعول»لأنّ السّحاب يثجّ الماء و هو مثجوج.

و قال بعض أهل اللّغة:ثججت الماء و ثجّ الماء و انثجّ الماء،كما قالوا:ذرفت العين الدّمع و ذرف الدّمع،فهو ذارف و مذروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«تمام الحجّ العجّ و الثّجّ».فالعجّ:

العجيج في الدّعاء،و الثّجّ:سفك دماء البدن و غيرها.

(1:43)

الأزهريّ: قيل:ثججت الماء ثجّا أثجّه،و قد ثجّ يثجّ ثجوجا.و يجوز:أثججته،بمعنى ثججته.

ثجّ الماء يثجّ،إذا انصبّ.

و رجل مثجّ،إذا كان خطيبا مفوّها.(10:472)

الصّاحب:الثّجّ:شدّة انصباب المطر و الدّم،مطر ثجّاج.

و الثّجّة:الرّوضة.

و وطب مثجّج:صرد،و هو من الألبان ما لم يجتمع زبده.

و الثّجيجة:مثل القفيخة،و هما زبدة اللّبن الّتي تلزق باليد و السّقاء.

و تثجثج الماء،بمعنى ثجّ.(6:399)

الجوهريّ: ثججت الماء و الدّم أثجّه ثجّا،إذا سيّلته.

و أتانا الوادي بثجيجه،أي بسيله.

و مطر ثجّاج،إذا انصبّ جدّا.(1:302)

ابن فارس: «ثجّ»الثّاء و الجيم أصل واحد،و هو صبّ الشّيء،يقال:ثجّ الماء،إذا صبّه.و ماء ثجّاج،أي صبّاب،قال اللّه تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14.

يقال:اكتظّ الوادي بثجيج الماء،إذا بلغ ضريريه (1).

[ثمّ استشهد بشعر](1:367)

الهرويّ: يقال:ثججته أثجّه ثجّا.ف«ثجّ» يستوي فيه لفظ اللاّزم و الواقع (2).

و منه حديث أمّ معبد:«فحلب فيه ثجّا»فالثّجّ:هو السّيلان.

و قال الحسن: «كان مثجّا»يعني ابن عبّاس،أي كان يصبّ الكلام صبّا.(1:274)

ابن سيده: الثّجّ:الصّبّ الكثير.و خصّ بعضهم به:صبّ الماء الكثير.

ثجّه يثجّه ثجّا،فثجّ،و انثجّ،و ثجثجه فتثجثج.

و مطر مثجّ،و ثجّاج،و ثجيج.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثجيج الماء:صوت انصبابه.

و ماء ثجوج و ثجّاج:مصبوب،و في التّنزيل:

وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14.

(7:194)

الطّوسيّ: يقال:ثججت دمه أثجّه ثجّا،و قد ثجّي.

ص: 304


1- الضّريران:جانبا الوادي.
2- المتعدّي.

الدّم يثجّ ثجوجا.(10:241)

الزّمخشريّ: ثجّ الماء و الدّم يثجّه ثجّا.و سحاب ثجّاج.و ثجّ الماء بنفسه يثجّ بالكسر ثجيجا.يقال:اكتظّ الوادي بثجيجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:خطيب مثجّ مسحّ،و فلان غيثه ثجّاج، و بحره عجّاج.(أساس البلاغة:43)

ابن عبّاس رضي اللّه عنهما ذكره الحسن فقال:كان أوّل من عرف بالبصرة،صعد المنبر فقرأ البقرة و آل عمران ففسّرهما حرفا حرفا،و كان مثجّا يسيل غربا.

و هو«مفعل»من الثّجّ،و هو السّيل و الصّبّ الغزير.

شبّه فصاحته و غزارة منطقه بماء يثجّ ثجّا.

و مثله قولهم:مثجّ،للفرس الكثير الجري و هذا لبناء الآلات،فاستعمل فيمن يكثر منه الفعل،كأنّه آلة لذلك.و منه رجل محرب،و مدره و مصقع،و فرس مكرّ مفرّ.(الفائق 1:163)

الفيّوميّ: ثجّ الماء من باب«ضرب»:همل،فهو ثجّاج.و يتعدّى بالحركة،فيقال:ثججته ثجّا من باب «قتل»إذا صببته و أسلته.(80)

الفيروزآباديّ: ثجّ الماء:سال كانثجّ و تثجثج، و ثجّه:أساله.

و الثّجّ:سيلان دم الهدي،و الثّجّة:الرّوضة فيها حياض و مساكات للماء،الجمع:ثجّات.

و المثجّ كمسلّ:الخطيب المفوّه،و الثّجيج:السّيل، و الثّجيجة:زبدة اللّبن تلزق باليد و السّقاء.

و وطب مثجّج:لم يجتمع زبده.(1:187)

مجمع اللّغة:ثجّ يثجّ ثجّا من بابي ضرب و قتل، يكون متعدّيا و يكون لازما.

يقال:ثجّ السّحاب الماء:صبّه و همره.

و ثجّ الماء:انصبّ و انهمر.(1:168)

المصطفويّ: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً، أي ماء ينصبّ بكثرة و شدّة،و ماء يسيل في الأرض و يجري في وجهها حتّى يخرج النّبات.

فالشّدّة و الكثرة تستفاد من التّضعيف و صيغة المبالغة.و مفهوم اللّزوم و التّعدّي كلّ منهما باعتبار،ففيه انصباب و إسالة.

فالفرق بين الثّجّ و الانصباب و السّيلان:أنّ الثّجّ هو الانصباب بشدّة و سيلان مخصوص و فيضان،بخلاف الانصباب و السّيلان فإنّ كلاّ منهما مطلق في مفهومه الخاصّ به.(2:10)

النّصوص التّفسيريّة

وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14

ابن عبّاس: ماء من السّماء منصبّا.(الطّبريّ 30:6)

مجاهد :منصبّا.

مثله الرّبيع،و قتادة.(الطّبريّ 30:6)

مدرارا.(البغويّ 5:200)

قتادة :متتابعا يتلو بعضه بعضا.(البغويّ 5:200)

الثّوريّ: متتابعا.(الطّبريّ 30:6)

ابن زيد :الكثير.(الماورديّ 6:184)

نحوه ابن وهب.(الطّبريّ 30:6)

ابن قتيبة :أي سيّالا.(508)

ص: 305

الطّبريّ: ماء منصبّا يتبع بعضه بعضا كثجّ دماء البدن،و ذلك سفكها.[و نقل قول ابن وهب:«كثيرا»ثمّ قال:]

و لا يعرف في كلام العرب من صفة الكثرة الثّجّ،و إنّما الثّجّ:الصّبّ المتتابع.(30:6)

الزّجّاج: معنى ثجّاج:صبّاب.(5:272)

نحوه البغويّ(5:200)،و الخازن(7:167).

الطّوسيّ: الثّجّاج:الدّفّاع في انصبابه كثجّ دماء البدن.(1:241)

الزّمخشريّ: منصبّا بكثرة،يقال:ثجّه و ثجّ بنفسه.[إلى أن قال:]

و قرأ الأعرج (ثجّاحا) و مثاجح الماء:مصابّه،و الماء ينثجح في الوادي.(4:208)

نحوه البيضاويّ(2:533)،و النّيسابوريّ(30:

7)،و أبو حيّان(8:412).

ابن عطيّة: و الثّجّاج:السّريع الاندفاع،كما يندفع الدّم عن عروق الذّبيحة.(5:424)

الطّبرسيّ: أي صبّابا دفّاعا في انصبابه.(5:422)

الفخر الرّازيّ: و أمّا الثّجّاج،فاعلم أنّ«الثّجّ» شدّة الانصباب،يقال:مطر ثجّاج و دم ثجّاج،أي شديد الانصباب.

و اعلم أنّ«الثّجّ»قد يكون لازما،و هو بمعنى الانصباب كما ذكرنا،و قد يكون متعدّيا بمعنى الصّبّ.

[إلى أن قال:]

و قد فسّروا«الثّجّاج»في هذه الآية على الوجهين:

قال الكلبيّ و مقاتل و قتادة:الثّجّاج هاهنا:التدفّق المنصبّ،و قال الزّجّاج:معناه الصّبّاب،كأنّه يثجّ نفسه، أي يصبّ.و بالجملة فالمراد تتابع القطر حتّى يكثر الماء، فيعظم النّفع به.(31:9)

أبو السّعود :أي منصبّا بكثرة،يقال:ثجّ الماء،أي سال بكثرة،و ثجّه،أي أساله.(6:356)

البروسويّ: أي منصبّا بكثرة،و المراد تتابع القطر حتّى يكثر الماء فيعظم النّفع به،يقال:ثجّ الماء،أي سال بكثرة و انصبّ،و ثجّه غيره،أي أساله و صبّه،فهو لازم و متعدّ.(10:297)

الآلوسيّ: أي منصبّا بكثرة،يقال:ثجّ الماء،إذا سال بكثرة.و ثجّه أي أساله فثجّ،ورد لازما و متعدّيا.

و اختير جعل ما في النّظم الكريم من اللاّزم،لأنّه الأكثر في الاستعمال.

و جعله الزّجّاج من المتعدّي،و كأنّ الماء المنزل لكثرته يصبّ نفسه،و من المتعدّي ما في قوله صلّى اللّه تعالى عليه السّلام:«أفضل الحجّ العجّ و الثّجّ»أي رفع الصّوت بالتّلبية،و صبّ دماء الهدي.(30:11)

الطّباطبائيّ: الثّجّاج:الكثير الصّبّ للماء.

(20:163)

مكارم الشّيرازيّ: و الثّجّاج من«الثّجّ»بمعنى سيلان الماء بكمّيّة كبيرة.

و ثجّاج صيغة مبالغة،و يراد بها هنا غزارة الأمطار المنهمرة،نتيجة العصر الحاصل.(19:296)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الثّجّ،و هو الصّبّ،يقال:

ص: 306

ثججت الماء أثجّه ثجّا،أي صببته كثيرا،و ثجّ الماء نفسه يثجّ ثجوجا،و انثجّ انثجاجا:انصبّ،فهو ماء ثجّاج و ثجوج،أي مصبوب.و أثججت الماء:صببته،«فعل» و«أفعل»بمعنى.

و الثّجيج:الماء السّائل،يقال:أتانا الوادي بثجيجه، أي بسيله.

و مطر ثجّاج و ثجيج و مثجّ:شديد الانصباب جدّا، و دم ثجّاج أيضا:منصبّ،و عين ثجوج:غزيرة الماء.

و الثّجّة:الرّوضة الّتي فيها حياض للماء،و الجمع:

ثجّات،سمّيت بذلك لثجّها الماء فيها،أي صبّها الماء في حفرها.

2-و أصل المعنى عند قتادة،و الثّوريّ،و الطّبريّ، و الفخر الرّازيّ،و الآلوسيّ،و غيرهم:تتابع الماء،و هو الانصباب،لا للكثرة،بل الكثرة لازمة له،قال الطّبريّ:«و لا يعرف في كلام العرب من صفة الكثرة الثّجّ،و إنّما الثّجّ:الصّبّ المتتابع»فتفسيره في كلامهم بالكثرة تفسير باللاّزم،و كذا تفسير الثّجّاج ب«الدّفّاع».

و منه إطلاق«الثّجّة»على الرّوضة الّتي فيها حياض يصبّ منها الماء،و كذلك إطلاقها على نحر الإبل،و ثجج الماء:صوت انصبابه،كلّ ذلك تفسير باللاّزم.

3-و من المجاز قولهم:رجل مثجّ،أي خطيب مفوّه، تشبيه بالمطر المثجّ،و هو-كما تقدّم-الشّديد الانصباب،لطلاقة لسانه و بسطه.و مثله في مدح بلاغة الخطيب:هو بحر لا ينزف،و غمر لا يسبر،و غور لا يدرك.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظ واحد مكّيّ:

وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً النّبأ:14

يلاحظ أوّلا:أنّ القرآن حدّثنا كثيرا عن إنزال ماء السّماء و إحياء الأرض و إخراج الثّمرات به،مثل:

وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها النّحل:65،و قوله: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ إبراهيم:32، لاحظ«ن ز ل»و«م و ه-ماء».و ليس في شيء منها وصف الماء النّازل من السّماء ب«الثّجّاج»،و الإتيان به إلاّ في سورة النّبأ يكاد يتشخّص في رويّ الآيات.

فهذا الرّويّ جاء في(34)آية،ابتداء من أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً النّبأ:6،و انتهاء بآخر السّورة يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً النّبأ:40،و ليس فيها لفظ مشدّد سوى«وهّاجا»و«ثجّاجا»و«غسّاقا»،كلّ منها مرّة واحدة:(13)و(14)و(25)،و(كذّابا)مرّتين:

(28)و(35).

و هذه الألفاظ نوعان:مفرد مثل:(سرابا) و(مرصادا)و(كتابا)و(حسابا)و نحوها،و هي خمسة عشر،و جمع مثل:(ابوابا)و(احقابا)و(اعنابا)و(اترابا) و نحوها،و هي تسعة.

ثانيا:بعد اتّفاق اللّغويّين و المفسّرين على أنّ أصل المادّة هو الصّبّ و الانصباب،و جاء لازما و متعدّيا، اختلفوا في إفادته الشّدّة و الكثرة و التّوالي،فاعترف به بعضهم،و أنكره بعض آخر كالطّبرسيّ.

و قال بعضهم:إنّ الشّدّة و الكثرة مستفادان من

ص: 307

التّضعيف مادّة،و من صيغة المبالغة لفظا،و يؤيّده تفسيره ب«سيّالا و صبّابا»،و هو المتبادر منه،ملاءمة لسياق سائر الآيات.

ثالثا:عدد هذه الآيات بهذا الرّويّ خمس و ثلاثون، إحدى عشرة منها-من(6-16)-تختصّ ببيان ما خلق اللّه في الدّنيا رحمة و نعمة للعباد،و الباقية و هي أربع و عشرون-من(17-40)-تختصّ بالآخرة و نعيمها و عذابها،ابتداء من إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً النّبأ:

17،و انتهاء إلى وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20،وصفا للدّار الآخرة.

ثمّ من إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً النّبأ:21،إلى فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً النّبأ:30،وصفا لعذاب الطّاغين.ثمّ من إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً النّبأ:

31،إلى جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:36، جزاء للمتّقين،فلوصفهم ستّ آيات،و لوصف الطّاغين عشر آيات متقدّمة على(المتّقين).و أمّا الآيات من(37 -40)فخاصّة ببيان موقف النّاس أمام اللّه في يوم القيامة.

ص: 308

ث خ ن

اشارة

لفظان مرّتان،في سورتين مدنيّتين

أثخنتموهم 1:-1 يثخن 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ثخن الشّيء ثخانة.

و الرّجل الحليم الرّزين:ثخين.

و الثّوب المكتنز اللّحمة و السّدى-من جودة نسجه-ثخين.

و قد أثخنته،أي أثقلته.

و أثخن الرّجل،إذا اتّخذ شيئا،أو ما به ثخانة و ثخن.

(4:248)

الأحمر:ثخن و ثخن.(ابن سيده 5:165)

أبو زيد :يقال:استثخن منّي الإعياء و المرض و استثخن منّي النّوم،إذا غلبك النّوم.(218)

يقال:أثخنت فلانا معرفة،أي قتلته معرفة.

(الأزهريّ 7:335)

ابن الأعرابيّ: أثخن،إذا غلب و قهر.

(الأزهريّ 7:334)

الزّجّاج: و ثخن الشّيء،إذا غلظ.و أثخن الرّجل في العدوّ،إذا بلغ في القتل.(فعلت و أفعلت:7)

ابن دريد :ثخن الشّيء ثخانة و ثخونة،إذا كثف و غلظ.و أثخن في العدوّ،إذا أوجع فيهم.و تركت فلانا مثخنا،إذا تركته وقيذا.(2:36)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و قد أثخنته ضربا،أي أثقلته به،و أثخنته معرفة.

و المثخنة من النّساء:الضّخمة اللّحيمة.(4:324)

الجوهريّ: ثخن الشّيء ثخانة،أي غلظ و صلب، فهو ثخين.

و رجل ثخين السّلاح،أي شاك.

و أثخنته الجراحة:أوهنته.

و يقال:أثخن في الأرض قتلا،إذا أكثر.[ثمّ استشهد بشعر](5:2087)

ص: 309

ابن فارس: الثّاء و الخاء و النّون يدلّ على رزانة الشّيء في ثقل.[ثمّ ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و تركته مثخنا،أي وقيذا.و قال قوم:يقال للأعزل الّذي لا سلاح معه:ثخين،و هو قياس الباب،لأنّ حركته تقلّ،خوفا على نفسه.(1:372)

الهرويّ: يقال:أوقع بهم فأثخن فيهم،إذا أكثر القتل.

يقال:أثخنه المرض،إذا اشتدّ عليه،و كذلك أثخنته الجراح.(1:276)

ابن سيده: ثخن الشّيء ثخونة و ثخانة و ثخنا،فهو ثخين:كثف.

و ثوب ثخين:جيّد النّسج كثير اللّحمة.و رجل ثخين:رزين ثقيل في مجلسه.

و الثّخنة و الثّخن:البقلة.[ثمّ استشهد بشعر]

استثخن الرّجل:ثقل من نوم أو إعياء.

و أثخن في العدوّ:بالغ.(5:165)

الرّاغب: يقال:ثخن الشّيء فهو ثخين،إذا غلظ فلم يسل،و لم يستمرّ في ذهابه،و منه استعير قولهم:

أثخنته ضربا و استخفافا.[ثمّ ذكر الآيات](79)

الزّمخشريّ: ثخن الشّيء:كثف و غلظ،ثخنا و ثخانة و ثخونة،و ثوب ثخين،و هذا ثوب له ثخن و بصر.

و من المجاز:أثخنته الجراحات،و تركه مثخنا، وقيذا،و أثخن في العدوّ:بالغ في قتلهم و غلّظ،و أثخن في الأرض:أكثر القتل،و أثخن في الأمر:بالغ فيه،و أثخنته معرفة،و رصنته معرفة،إذا قتلته علما،و أثخنه قوله:بلغ منه،و امرأة مثخنة:ضخمة،و استثخن منّي الإعياء و المرض:غلباني،و استثخن منّي النّوم:غلبني،و فلان رزين ثخين الحلم،و هو أعزل ثخين،و مؤد ثخين.

(أساس البلاغة:43)

ابن الأثير: في حديث عمر: «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الأنفال:67، ثمّ أحلّ لهم الغنائم».

الإثخان في الشّيء:المبالغة فيه،و الإكثار منه، يقال:أثخنه المرض،إذا أثقله و وهنه.و المراد به هاهنا المبالغة في قتل الكفّار.

و منه حديث أبي جهل:«و كان قد أثخن»أي أثقل بالجراح.

و حديث عليّ رضي اللّه عنه:«و أوطأكم إثخان الجراحة».

و حديث عائشة و زينب رضي اللّه عنهما:«لم أنشبها حتّى أثخنت عليها»أي بالغت في جوابها،و أفحمتها.

(1:308)

الفيّوميّ: ثخن الشّيء بالضّمّ-و الفتح لغة- ثخونة و ثخانة فهو ثخين.

و أثخن في الأرض إثخانا:سار إلى العدوّ و أوسعهم قتلا.

و أثخنته:أوهنته بالجراحة و أضعفته.(1:80)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:95)

الفيروزآباديّ: ثخن ككرم ثخونة و ثخانة و ثخنا كعنب:غلظ و صلب،فهو ثخين.

و أثخن في العدوّ:بالغ الجراحة فيهم،و فلانا:أوهنه، حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ أي غلبتموهم و كثر فيهم

ص: 310

الجراح.

و الثّخين:الحليم.

و استثخن منه النّوم:غلبه.

و المثخنة كمكرمة:المرأة الضّخمة.(4:208)

الطّريحيّ: يقال:أثخن في الأرض إثخانا:سار إلى العدوّ و أوثقهم قتالا.(6:222)

محمود شيت: أثخن الجيش في أعدائه:كبّدهم خسائر فادحة في الأرواح و الأموال.(1:122)

العدنانيّ: ثخانة الجدار و ثخونته و ثخنه و ثخنه و غلظه،و صلابته.

و يقولون:إنّ الصّواب هو إمّا:

1-ثخانة الجدار:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و التّهذيب،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و الأساس،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

أو 2-ثخونته:ابن سيده،و الأساس،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

أو 3-ثخنه:الأساس،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و لكن:

يجيز لنا أن نقول:ثخن الجدار:الأساس، و مستدرك التّاج،و المدّ.

و ممّا قاله الأساس و التّاج:ثوب له ثخن.

أمّا فعله فهو:ثخن يثخن ثخانة،و ثخونة،و ثخنا، فهو ثخين.

و هنالك الفعل:ثخن يثخن ثخنا:خلف الأحمر، و اللّحيانيّ،و ابن سيده،و المصباح،و مستدرك التّاج، و ذيل أقرب الموارد،و المتن.(104)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل و الحقيقة في هذه المادّة:هو الثّقل في جهة إعمال القدرة و القوّة،أي التّوقّف في الحركة و الوهن و المغلوبيّة.

و هذا المعنى غير الضّخامة في المقدار،و الغلظة و الكثافة في الكيفيّة المربوطة إلى الأجزاء و المادّة، و الرّزانة في المقام و المرتبة المعنويّة.

و انطباق هذا المفهوم على:القتيل و المريض و الجريح و الضّعيف واضح.و أمّا الحليم فباعتبار اقتضاء الحلم:

السّكون و الوقار و الرّزانة،في قبال إعمال القوّة و إظهار القدرة و الحركة.و أمّا الثّوب الجيّد الغالي فباعتبار توقّف الجريان في معاملته،و قلّة البيع و الشّرى فيه.(2:11)

النّصوص التّفسيريّة

اثخنتموهم

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها... محمّد:4

ابن عبّاس: قهرتموهم و أسرتموهم.(427)

الطّبريّ: يقول:حتّى إذا غلبتموهم و قهرتم من لم تضربوا رقبته منهم،فصار في أيديكم أسرى.(26:40)

نحوه القاسميّ.(15:5374)

ص: 311

الطّوسيّ: أي أثقلتموهم بالجراح و ظفرتم بهم.

(9:291)

نحوه الطّبرسيّ.(5:97)

البغويّ: بالغنم في القتل،و قهرتموهم.(4:209)

الزّمخشريّ: أكثرتم قتلهم و أغلظتموه من الشّيء الثّخين و هو الغليظ،أو أثقلتموهم بالقتل و الجراح حتّى أذهبتم عنهم النّهوض.(3:531)

مثله أبو السّعود(6:84)،و نحوه القرطبيّ(16:

226)،و البيضاويّ(2:393)،و النّسفيّ(4:149)، و النّيسابوريّ(26:22)،و البروسويّ(8:498)، و الطّنطاويّ(21:221).

ابن عطيّة: معناه:بالقتل.و الإثخان في القوم:أن يكثر فيهم القتلى و الجرحى،و المعنى:فشدّوا الوثاق بمن لم يقتل و لم يترتّب عليه إلاّ الأسر.(5:110)

الفخر الرّازيّ: (حتّى)لبيان غاية الأمر لا لبيان غاية القتل،أي حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ لا يبقى الأمر بالقتل،و يبقى الجواز.و لو كان لبيان القتل لما جاز القتل، و القتل جائز إذا التحق المثخن بالشّيخ الهرم،و المراد كما إذا قطعت يداه و رجلاه،فنهي عن قتله.(28:44)

نحوه الشّربينيّ.(4:23)

الآلوسيّ: أي أوقعتم القتل بهم بشدّة و كثرة،على أنّ ذلك مستعار من ثخن المائعات لمنعه عن الحركة.

و المراد حتّى إذا أكثرتم قتلهم و تمكّنتم من أخذ من لم يقتل.

أو المعنى حتّى إذا أثقلتموهم بالجراح و نحوه؛بحيث لا يستطيعون النّهوض فأسرّوهم و احفظوهم،فالشّدّ و كذا ما بعده في حقّ المثخن،لأنّه بهذا المعنى هو الّذي لم يصل إلى حدّ القتل لكن ثقل عن الحركة فصار كالشّيء الثّخين الّذي لم يسل و لم يستمرّ في ذهابه،و الإثخان عليه مجاز أيضا.(26:39)

سيّد قطب :«و الإثخان:شدّة التّقتيل،حتّى تتحطّم قوّة العدوّ و تتهاوى،فلا تعود به قدرة على هجوم أو دفاع،و عندئذ لا قبله يؤسر من استأسر و يشدّ وثاقه.

فأمّا العدوّ ما يزال قويّا فالإثخان و التّقتيل يكون الهدف لتحطيم ذلك الخطر.

و على هذا لا يكون هناك اختلاف كما رأى معظم المفسّرين بين مدلول هذه الآية،و مدلول آية الأنفال الّتي عاتب اللّه فيها الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المسلمين،لاستكثارهم من الأسرى في غزوة بدر.و التّقتيل كان أولى؛و ذلك حيث يقول تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ الأنفال:67،68.

فالإثخان أوّلا لتحطيم قوّة العدوّ و كسر شوكته، و بعد ذلك يكون الأسر.و الحكمة ظاهرة،لأنّ إزالة القوّة المعتدية المعادية للإسلام هي الهدف الأوّل من القتال، و بخاصّة حين كانت القوّة العدديّة للأمّة المسلمة قليلة محدودة،و كانت الكثرة للمشركين،و كان قتل محارب يساوي شيئا كبيرا في ميزان القوى حينذاك،و الحكم ما يزال ساريا في عمومه في كلّ زمان بالصّورة الّتي تكفل تحطيم قوّة العدوّ،و تعجيزه عن الهجوم و الدّفاع.

(6:3282)

ص: 312

الطّباطبائيّ: المعنى:فاقتلوهم حتّى إذا أكثرتم القتل فيهم فأسرّوهم بشدّ الوثاق و إحكامه.فالمراد بشدّ الوثاق:الأسر،فالآية في ترتيب الأسر فيها على الإثخان،في معنى قوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الأنفال:67.

(18:225)

عزّة دروزة :أكثرتم فيهم القتل و قهرتموهم و انتصرتم عليهم.[إلى أن قال:]

و ينطوي في جملة إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ حكم قرآنيّ في هدف القتال،و هو أنّه ليس للإبادة و إنّما هو للتّأديب و التّنكيل و القهر.فحينما تتحقّق هذه الغاية وجب الكفّ عن القتل،و الجنوح إلى الأسر.

و ليس من تعارض بين هذا الحكم و بين ما ورد في جملة ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الواردة في آية الأنفال:67،بل و بينهما توافق.فهذه الجملة لم تمنع الأسر و إنّما نبّهت إلى أنّه لا ينبغي أن يكون إلاّ بعد أن تكون هيبة النّبيّ و قوّته قد توطّدتا في قلوب الأعداء،و لم يبق من حرج في الأسر منهم بدلا من إبادتهم بالقتل.و حكم الجملة الّتي نحن في صددها قد سمحت بالأسر إذا ما أوغل المسلمون في قتل أعدائهم و قهروهم،و تحقّقت لهم الغلبة عليهم.(9:216)

مكارم الشّيرازيّ: (اثخنتموهم)من مادّة ثخن، بمعنى الغلظة و الصّلابة،و لهذا تطلق على النّصر و الغلبة الواضحة،و السّيطرة الكاملة على العدوّ.

و بالرّغم من أنّ أغلب المفسّرين قد فسّروا هذه الجملة بكثرة القتل في العدوّ و شدّته،إلاّ أنّ هذا المعنى لا يوجد في أصلها اللّغويّ-كما قلنا-و لكن لمّا كان دفع خطر العدوّ غير ممكن أحيانا إلاّ بكثرة القتل فيه، فيمكن أن تكون مسألة القتل أحد مصاديق هذه الجملة في مثل هذه الظّروف،لا أنّها معناها الأصليّ.

و على كلّ حال،فإنّ الآية المذكورة تبيّن تعليما عسكريّا دقيقا،و هو أنّه يجب أن لا يقدم على أسر الأسرى قبل تحطيم صفوف العدوّ،و القضاء على آخر حصن لمقاومته،لأنّ الإقدام على الأسر قد يكون سببا في تزلزل وضع المسلمين،في الحرب،و سيعوّق المسلمين الاهتمام بأمر الأسرى و نقلهم إلى خلف الجبهات،عن أداء واجبهم الأساسيّ.(16:298)

يثخن

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:67

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: قال لأصحابه يوم بدر في الأسارى:

إن شئتم قتلتموهم و إن شئتم فاديتموهم و استشهد (1)منكم بعدّتهم،و كانت الأسارى سبعين،فقالوا:بل نأخذ الفداء،و نتمتّع به،و نتقوّى به على عدوّنا و يستشهد منّا بعدّتهم.(العروسيّ 2:167)

ابن عبّاس: ذلك يوم بدر،و المسلمون يومئذ قليل،فلمّا كثروا،و اشتدّ سلطانهم،أنزل اللّه تبارك

ص: 313


1- أي يؤخذ منكم شهداء يحتجّون عند اللّه بعدّتهم،مأخوذ من قوله تعالى: لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ آل عمران:140.

و تعالى بعد هذا في الأسارى فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً فجعل اللّه النّبيّ و المؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم،و إن شاءوا استعبدوهم،و إن شاءوا فادوهم.(الطّبريّ 10:42)

حتّى يغلب.(151)

نحوه الفرّاء.(1:418)

مجاهد :الإثخان:القتل.(الطّبريّ 10:43)

ابن إسحاق :أي يثخن عدوّه،حتّى ينفيهم من الأرض.(الطّبريّ 10:43)

أبو عبيدة :مجازه:حتّى يغلب و يغالب و يبالغ.

(1:250)

الطّبريّ: يقول:حتّى يبالغ في قتل المشركين فيها، و يقهرهم،غلبة و قسرا،يقال منه:أثخن فلان في هذا الأمر،إذا بالغ فيه،و حكي:أثخنته معرفة،بمعنى:قتلته معرفة.(10:42)

نحوه البغويّ.(2:310)

الزّجّاج: معناه حتّى يبالغ في قتل أعدائه،و يجوز أن يكون حتّى يتمكّن في الأرض،و الإثخان في كلّ شيء:

قوّة الشّيء و شدّته،يقال:قد أثخنته.(2:425)

مثله القشيريّ(2:333)،و نحوه الخازن(3:42)

الطّوسيّ: و المعنى:ما كان لنبيّ أن يحبس كافرا للفداء و المنّ حتّى يثخن في الأرض.و الإثخان في الأرض:تغليظ الحال بكثرة القتل.و الثّخن و الغلظ و الكثافة نظائر.(5:182)

الميبديّ: أي حتّى يكثر القتل،و الإثخان:

الإكثار من القتل،مشتقّ من الثّخانة و هي الصّلابة و الكثافة،و قيل:الشّدّة و القوّة.(4:80)

الزّمخشريّ: و قرئ و (يثخّن) بالتّشديد،و معنى الإثخان:كثرة القتل و المبالغة فيه،من قولهم:أثخنته الجراحات،إذا أثبتته حتّى تثقل عليه الحركة،و أثخنه المرض،إذا أثقله،و من الثّخانة الّتي هي الغلظ و الكثافة، يعني حتّى يذلّ الكفر و يضعه بإشاعة القتل في أهله، و يعزّ الإسلام و يقوّيه بالاستيلاء و القهر،ثمّ الأسر بعد ذلك.(2:168)

نحوه البيضاويّ(1:401)،و النّسفيّ(2:111)، و أبو حيّان(4:496)،و أبو السّعود(3:113)،و حسنين مخلوف(1:308)،و الطّنطاويّ(5:83).

الفخر الرّازيّ: معناه حتّى يقوى و يشتدّ و يغلب و يبالغ و يقهر.[ثمّ نقل بعض أقوال المتقدّمين و أضاف:]

إنّ كلمة(حتّى)لانتهاء الغاية،فقوله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ يدلّ على أنّ بعد حصول الإثخان في الأرض له أن يقدم على الأسر.

(15:201)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل بعض أقوال المفسّرين]

(8:45)

البروسويّ: يكثر القتل و يبالغ فيه حتّى يذلّ الكفر و يقلّ حزبه و يعزّ الإسلام و يستولي أهله.و(حتّى) لانتهاء الغاية،فدلّ الكلام على أنّ له أن يقدم على الأسر و الشّدّ بعد حصول الإثخان.

و هو مشتقّ من الثّخانة و هي الغلظة و الكثافة في الأجسام،ثمّ استعير في كثرة القتل و المبالغة فيه،لأنّ الإمام إذا بالغ في القتل يكون العدوّ كشيء ثقيل يثبت في

ص: 314

مكانه و لا يقدر على الحركة،يقال:أثخنه المرض،إذا أضعفه و أثقله،و سلب اقتداره على الحركة.(3:373)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و قيل:إنّ الاستعارة مبنيّة على تشبيه المبالغة المذكورة بالثّخانة،في أنّ في كلّ منهما شدّة في الجملة، و ذكر في«الأرض»للتّعميم،و قرئ (يثخّن) بالتّشديد للمبالغة في المبالغة.(10:33)

رشيد رضا: ما كان من شأن نبيّ من الأنبياء، و لا من سنّته في الحرب أن يكون له أسرى يتردّد أمره فيهم بين المنّ و الفداء إلاّ بعد أن يثخن في الأرض،أي حتّى يعظم شأنه فيها و يغلظ و يكثف بأن تتمّ له القوّة و الغلب،فلا يكون اتّخاذه الأسرى سببا لضعفه أو قوّة أعدائه و هو في معنى قول ابن عبّاس رضي اللّه عنه:حتّى يظهر على الأرض،و قول البخاريّ:حتّى يغلب في الارض.و فسّره أكثر المفسّرين بالمبالغة في القتل.

و روي عن مجاهد.و هو تفسير بالسّبب لا بمدلول اللّفظ.

[ثمّ ذكر قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]

أقول:إنّ من المجرّبات الّتي لا شكّ فيها أنّ الإثخان في قتل الأعداء في الحرب سبب من أسباب الإثخان في الأرض،أي التّمكّن و القوّة و عظمة السّلطان فيها.و قد يحصل هذا الإثخان بدون ذلك أيضا،يحصل بإعداد كلّ ما يستطاع من القوى الحربيّة و مرابطة الفرسان، و الاستعداد التّامّ للقتال الّذي يرهب الأعداء،كما تقدّم في تفسير وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ الأنفال:60، و ما هو ببعيد.و قد يجتمع السّببان فيكمل بهما إثخان العزّة و السّلطان،كما أنّ الإسراف في القتل قد يكون سببا لجمع كلمة الأعداء و استبسالهم.

و أمّا قوله تعالى في سورة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي تسمّى سورة القتال أيضا: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية،فهو في إثخان القتلى الّذي يطلب في معركة القتال بعد الإثخان في الأرض.فإذا التقى الجيشان فالواجب علينا بذل الجهد في قتل الأعداء دون أخذهم أسرى،لئلاّ يفضي ذلك إلى ضعفنا و رجحانهم علينا،إذا كان هذا القتل قبل أن نثخن في الأرض بالعزّة و القوّة الّتي ترهب أعداءنا،حتّى إذا أثخنّاهم في المعركة جرحا و قتلا،و تمّ لنا الرّجحان عليهم فعلا،رجّحنا الأسر المعبّر عنه بشدّ الوثاق،لأنّه يكون حينئذ من الرّحمة الاختياريّة،و جعل الحرب ضرورة تقدّر بقدرها،لا ضراوة بسفك الدّماء، و لا تلذّذا بالقهر و الانتقام.

و لذلك خيّرنا اللّه تعالى فيهم بين المنّ عليهم و إعتاقهم بفكّ وثاقهم و إطلاق حرّيّتهم،و إمّا بفداء أسرانا عند قومهم و دولتهم إن كان لنا أسرى عندهم بمال نأخذه منهم.و لم يأذن في هذه الحال بقتلهم،فقد وضع الشّدّة في موضعها و الرّحمة في موضعها،و إذا كان بيننا و بين دولة عهد يتضمّن اتّفاقا على الأسرى وجب الوفاء به،و بطل التّخيير بينه و بين غيره.(10:83)

المراغيّ: [نحو رشيد رضا و أضاف:]

و خلاصة ذلك أنّ اتّخاذ الأسرى إنّما يكون خيرا و رحمة و مصلحة للبشر إذا كان الظّهور و الغلب لأهل الحقّ و العدل،ففي المعركة الواحدة بإثخانهم لأعدائهم من المشركين و المعتدين،و في الحالة العامّة الّتي تعمّ كلّ

ص: 315

معركة و كلّ قتال،فبإثخانهم في الأرض بالقوّة العامّة و السّلطان الّذي يرهب الأعداء.(10:35)

الطّباطبائيّ: المراد بإثخان النّبيّ في استقرار دينه بين النّاس،كأنّه شيء غليظ انجمد فثبت بعد ما كان رقيقا سائلا مخشيّ الزّوال بالسّيلان.(9:134)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّخونة،أي الثّقل،و منه:

ثخن الشّيء يثخن ثخونة و ثخانة و ثخنا:ثقل و كثف فهو ثخين.

يقال:ثوب ثخين،أي جيّد النّسج و السّدى،كثير اللّحمة،و قد أثخنته:أثقلته،و أثخن الرّجل:اتّخذ شيئا ثخينا.

و الثّخين:الشّاكي السّلاح،و المثخنة من النّساء:

الضّخمة اللّحيمة.

ثمّ توسّعوا فيه،فقالوا مجازا:رجل ثخين،أي حليم رزين،ثقيل في مجلسه.

و أثخن الرّجل:غلب و قهر،و أثخن في العدوّ:بالغ في القتل،و أثخن في الأرض قتلا:أكثره.

و أثخنته ضربا:أثقلته ضربا،و تركت فلانا مثخنا:

تركته وقيذا ثقيلا.

و أثخنته الجراحة:أوهنته،و أثخنه المرض:اشتدّ عليه،و استثخن:ثقل من نوم أو إعياء أو مرض.

و أثخنت فلانا معرفة:قتلته معرفة،و أثخنه الهمّ:

أثقله و غلبه.

2-و روى ابن سيده عن الأحمر قوله:ثخن و ثخن، و على هذا فإنّ قياس الفعل الثّاني:ثخن يثخن ثخونا و ثخونة،مثل:بخع يبخع بخوعا،لأنّ«فعل يفعل»يطّرد في كلّ فعل عينه حرف حلق.كما أنّ«فعولا»و«فعولة» مصدر للفعل اللاّزم في الباب المذكور قياسا.

و هو مقيس أيضا على:ثخن يثخن ثخونة،مثل:

سخن يسخن سخونة.

و لم نلحظ لهذا الفعل استعمالا في المعاجم الحديثة، و نحن نهيب بالأدباء و الكتّاب المعاصرين إلى استعماله، لئلاّ تمات صيغة هذا الفعل،و بذا يحفظ تراث لغة القرآن من الاندراس.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظان في القرآن:

1- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ... الأنفال:67

2- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها... محمّد:4

يلاحظ أوّلا:أنّ الآية(1)نزلت في غزوة بدر خلال السّنة الثّانية من الهجرة،و هي أوّل غزوة انتصر فيها المسلمون على أعدائهم«قريش»،فغنموا منهم أموالا، و أسروا رجالا،و وبّخهم اللّه في الأسرى قبل الإثخان في الأرض.و نزلت الآية(2)بعد سنين مضت من غزوة بدر،و لا نعلم بالتّحديد زمان نزولها،إلاّ أنّها نزلت بعد سورة الحديد،و قد صرّحت بأنّ«الأسر»إنّما يجوز بعد ضرب رقاب الأعداء و إثخانهم.

ص: 316

ثانيا:كلتا الآيتين مدنيّة متعلّقة بالحرب و القتال، و نحن نعلم أنّ المدينة كانت بعد الهجرة دار الحرب و الدّعوة معا.أمّا مكّة فكانت دار الدّعوة فقط،و لم تكن دار حرب،لأنّ السّلطة فيها كانت للمشركين دون المسلمين،فلم يأذن اللّه فيها بالقتال،بل أمر النّبيّ و المسلمين فيها بالصّبر و الانتظار في عدّة آيات.

ثالثا:جاء فعل«الإثخان»فيهما مرّتين:مضارعا في (1): يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ دون مفعول،مع فِي الْأَرْضِ ظرفا له،و فاعله الضّمير الرّاجع إلى النّبيّ، و ماضيا في(2):(اثخنتموهم)،و فاعله المؤمنون، و مفعوله الكفّار،فجاء الفعلان فيهما بتفاوت ملحوظ،له دخل في المعنى.

و بيان ذلك أنّ«الإثخان»-كما سبق-لا يعني القتل أو الإكثار في القتل،كما زعمه بعضهم،بل أصله الثّقل في الأرض،أي ملازمتها.و الثّقل-كالجرح و المرض- سبب للثّخونة،كما قال: فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ، فالإثخان فيها نهاية لضرب الرّقاب و غايته،و ليس عينه.فمعنى(اثخنتموهم)غلبتموهم حتّى أثخنوا في الأرض،و سلبت منهم القدرة على الحرب و المقاومة.

أمّا«الإثخان»في(1)فيحتمل هذا المعنى،أي ليس لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن عدوّه في الأرض، فحذف المفعول،و أضيف إليه(فى الارض)توضيحا لما يستفاد من نفس الفعل.

و يحتمل معنى آخر-و هو أولى بالسّياق-أي حتّى يثقل النّبيّ،و يتمكّن في الأرض،و تستقرّ له الغلبة فيها.

و هذا عكس الأوّل فلوحظ الفعل في الأوّل متعدّيا و أريد به الغلبة على الأعداء،و في الثّاني لازما و أريد به تمكّن النّبيّ في الأرض.

غير أنّ النّتيجة واحدة،و هي أنّه لا يجوز اتّخاذ الأسرى في ساحة القتال،إلاّ بعد إضعاف العدوّ و سيطرة المؤمنين عليه،و استقرارهم في الأرض.

رابعا:و بهذا ظهر توافق الآيتين مغزى و معنى توافقا تامّا،كما صرّح به غير واحد منهم.و قد بسط السّيّد قطب القول فيه،إلاّ أنّ هناك قولا باختلافهما،قال الطّبرسيّ(5:97)ما خلاصته:«قيل:كان الأسر محرّما بآية الأنفال،ثمّ أبيح بهذه الآية«آية محمّد»،لأنّ هذه السّورة نزلت بعدها.

و المرويّ عن أئمّة الهدى صلوات الرّحمن عليهم:

«أنّ الأسارى ضربان:ضرب يؤخذون قبل انتهاء القتل-و الحرب قائمة-و ضرب يؤخذون بعد أن تضع الحرب أوزارها،و ينتهي القتال.فالإمام يخيّر في الأوّل بين قتلهم و بين قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، و يتركهم حتّى ينزفوا،و في الثّاني بين المنّ و الفداء...»

و يستفاد من رشيد رضا:أنّ آية الأنفال تمنع الأسر قبل«الإثخان»،و آية محمّد تجيزه بعد«الإثخان»،فهو قريب ممّا اخترناه،و لكن يلوح منه الاختلاف فلاحظ، و تمام الكلام في«الأسرى»من«أ س ر».

ص: 317

ص: 318

ث ر ب

اشارة

تثريب

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّرب:شحم رقيق يغشّي الكرش و الأمعاء،و الجمع:ثروب.و قوله عزّ و جلّ: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يوسف:92،أي لا لوم عليكم.

و التّثريب:الإفساد،و التّثريب بالذّنب،لا أثرب عليك.

(8:222)

الفرّاء: نصل يثربيّ و أثربيّ،منسوب إلى يثرب، و هي المدينة.و إنّما فتحوا الرّاء استيحاشا لتوالي الكسرات.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 1:92)

الأصمعيّ: ثرّبت عليه و عرّبت عليه بمعنى،إذا قبّحت عليه فعله.(الجوهريّ 1:92)

ابن الأعرابيّ: الثّارب:الموبّخ.(الأزهريّ 15:79)

التّثريب:التّوبيخ،يقال:ثرب و أثرب و ثرّب.

(الطّبرسيّ 3:260)

شمر: التّثريب:الإفساد و التّخليط،يقال:ثرب يثرب،و ثرب يثرّب،و أثرب يثرب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:79)

ابن قتيبة :أصل التّثريب:الإفساد،يقال:ثرّب علينا،إذا أفسد.و في الحديث:«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ و لا يثرّب»أي لا يعيّرها بالزّنى.(222)

ثعلب :ثرب و أثرب فلان على فلان،أي عدّد عليه ذنوبه.(الطّبرسيّ 3:260)

ابن دريد :و الثّرب:الشّحم الّذي على الكرش.

و التّثريب:الأخذ على الذّنب.

و أثارب:موضع بالشّام.(1:201)

الثّرب:ما كان على كرش الشّاة من الشّحم،و من الإنسان شحم بطنه.(1:280)

أبو مسلم الأصفهانيّ: التّثريب:مأخوذ من الثّرب،و هو شحم الجوف،فكأنّه موضوع للمبالغة في اللّوم و التّعنيف،و البلوغ بذلك إلى أقصى

ص: 319

غاياته.(الطّبرسيّ 3:260)

الأزهريّ: ثرّب فلان على فلان،إذا بكّته و عدّد عليه ذنوبه.

يقال:ثرب،و ثرّب،و أثرب،إذا وبّخ.

و في الحديث:«إذا زنت...»قلت:معناه أنّه لا يبكّتها و لا يقرّعها بعد الضّرب.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه نهى أن يقال للمدينة:

«يثرب»و سمّاها:طيبة،كأنّه كره ذكر الثّرب.

(15:79)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و ثربت المريض أثربه،إذا نزعت عنه ثوبه.

و ثرّبتها:طويتها.

و ثرّبت على فلان،إذا هيّجت عليه قوما يحاربونه و يخاصمونه.

و التّثريب:اللّوم.

و ثرّبت عليه:خالفت عليه.

و الثّربات:الأصابع و أطرافها.

و أثارب:موضع بالشّام.و أثرب و يثرب:اسم موضع.(10:140)

الجوهريّ: الثّرب:شحم قد غشي الكرش و الأمعاء رقيق.

و التّثريب:كالتّأنيب و التّعيير و الاستقصاء في اللّوم.يقال:لا تثريب عليك،و هو من الثّرب كالشّغف من الشّغاف.[ثمّ استشهد بشعر](1:92)

ابن فارس: الثّاء و الرّاء و الباء كلمتان متباينتان الأصل،لا فروع لهما.فالتّثريب:اللّوم و الأخذ على الذّنب،قال اللّه تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يوسف:92،فهذا أصل واحد.

و الآخر الثّرب،و هو شحم قد غشّى الكرش و الأمعاء رقيق،و الجمع:ثروب.(1:375)

الهرويّ: في الحديث:«نهي عن الصّلاة إذا صارت الشّمس كالأثارب»أي إذا تفرّقت،و خصّت في مواضع دون مواضع.شبّهت بسماحيق الشّحم،و هي الثّروب، واحدها:ثرب.و الأثارب جمع الجمع.(1:277)

ابن سيده: و ثرّب عليه:لامه،و عيّره بذنبه، و ذكّره به.

و المثرّب:المعيّر،و قيل:المخلّط المفسد.

و يثرب:مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم النّسب إليها:يثربيّ، و يثربيّ،و أثربيّ،و أثربيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:142)

الرّاغب: التّثريب:التّقريع و التّقهير بالذّنب،قال تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يوسف:92.

و روي:«إذا زنت...»و لا يعرف من لفظه إلاّ قولهم:

الثّرب،و هو شحمة رقيقة.

و قوله تعالى: يا أَهْلَ يَثْرِبَ (1)الأحزاب:13، أي أهل المدينة.يصحّ أن يكون أصله من هذا الباب، و الياء تكون فيه زائدة.(79)

الزّمخشريّ: «إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحدّ و لا يثرّب»،و روي:«و لا يعيّرها»،و روي:

«و لا يعنّفها»و معنى الثّلاثة واحد.[ثمّ ذكر الحديث المتقدّم في قول الهرويّ و قال:]».

ص: 320


1- لاحظ«يثرب».

هي جمع أثرب جمع ثرب،و هو الشّحم الرّقيق المبسوط على الكرش و الأمعاء،شبّه بها ضياء الشّمس إذا رقّ عند العشيّ.(الفائق 1:165)

ابن عطيّة: التّثريب:اللّوم و العقوبة،و ما جرى معهما من سوء معتقد و نحوه.و قد عبّر بعض النّاس عن التّثريب:بالتّعيير.(3:278)

ابن الأثير: فيه:إذا زنت...»أي لا يوبّخها و لا يقرّعها بالزّنى بعد الضّرب.

و قيل:أراد لا يقنعن في عقوبتها بالتّثريب،بل يضربها الحدّ،فإنّ زنى الإماء لم يكن عند العرب مكروها و لا منكرا،فأمرهم بحدّ الإماء،كما أمرهم بحدّ الحرائر.

و منه الحديث:«إنّ المنافق يؤخّر العصر حتّى إذا صارت الشّمس كثرب البقرة صلاّها».(1:209)

الصّغانيّ: ثرب يثرب،مثال ضرب يضرب، و أثرب يثرب،مثل أفعل يفعل:لغتان في ثرّب يثرّب مثال جرّب يجرّب.[ثمّ استشهد بشعر]

المثرب:القليل العطاء،و هو الّذي يمنّ بما أعطى.

و شاة ثرباء:سمينة عظيمة الثّرب.

و جمع الثّرب:أثرب و ثروب،ثمّ تجمع الأثرب:

أثارب،و منه الحديث:«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن الصّلاة إذا صارت الشّمس كالأثارب»شبّه بها ضياء الشّمس إذا رقّ عند العشيّ.

و ثربان:حصن من أعمال صنعاء.و ثرب:ركيّة في بلاد محارب.

و«أثارب»المذكور في المتن هو على ثلاثة فراسخ من حلب.(1:75)

الفيّوميّ: ثرب عليه يثرب،من باب«ضرب»:

عتب و لام.

و بالمضارع بياء الغائب سمّي رجل من العمالقة،و هو الّذي بنى مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فسمّيت المدينة باسمه،قاله السّهيليّ.

و ثرّب بالتّشديد:مبالغة و تكثير،و منه قوله تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يوسف:92.

و الثّرب وزان فلس:شحم رقيق على الكرش و الأمعاء.(1:81)

نحوه الطّريحيّ(2:17)،و مجمع اللّغة(1:168)، و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:94).

الفيروزآباديّ: الثّرب:شحم رقيق يغشّي الكرش و الأمعاء،جمعه:ثروب و أثرب.و أثارب جمع الجمع.

و الثّربات محرّكة:الأصابع.

و ثربه يثربه و ثرّبه،و عليه و أثربه:لامه و عيّره بذنبه.

و المثرب:القليل العطاء،و بالتّشديد:المخلّط المفسد.

و ثرب المريض يثربه:نزع عنه ثوبه.

و ثرب ككتف:ركيّة لمحارب.

و ثربان محرّكة:حصن باليمن.

و أثرب الكبش:زاد شحمه،و شاة ثرباء:سمينة.

و أثارب:قرية بحلب.و يثرب و أثرب:مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو يثربيّ و أثربيّ،بفتح الرّاء و كسرها فيهما.

و التّثريب:الطّيّ.(1:42)

ص: 321

المصطفويّ: أنّ معنى هذه المادّة هو المؤاخذة على الذّنب و اللّوم،أو إحاطة اللّوم و التّوبيخ على شخص.

و هو قريب من معنى الثّبر،أي التّورّط في الشّدّة،و هكذا الرّبث بمعنى الحبس و المنع.[ثمّ ذكر الآيتين يوسف:

92 و الأحزاب:13 و قال:]

و أمّا معنى الشّحم الّذي في الكرش و الأمعاء،فكأنّه باعتبار تغشيته و إحاطته الكرش و الأمعاء رقيقا،يقع مصداقا للإفساد و التّخليط.(2:13)

النّصوص التّفسيريّة

قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ. يوسف:92

ابن عبّاس: يقول:لا أعيّركم بعد اليوم.(202)

نحوه الكلبيّ(الواحديّ 2:631)،و ابن عيينة (الطّبريّ 13:56).

يريد لا لوم عليكم.(الواحديّ 2:631)

مجاهد :لا إباء عليكم في قولكم.(الماورديّ 3:75)

قتادة :لم يثرّب عليهم أعمالهم.(الطّبريّ 13:56)

السّدّيّ: اعتذروا إلى يوسف،فقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يقول:لا أذكر لكم ذنبكم.

(الطّبريّ 13:56)

ابن إسحاق :أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم.(الطّبريّ 13:56)

مثله الثّوريّ.(ابن كثير 4:47)

أبو عبيدة :أي لا تخليط،و لا شغب،و لا إفساد و لا معاقبة.(1:318)

ابن قتيبة:لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم.(222)

الطّبريّ: لا تعيير عليكم،و لا إفساد لما بيني و بينكم من الحرمة،و حقّ الأخوّة.و لكن لكم عندي الصّفح و العفو.(13:56)

نحوه الزّجّاج(3:128)،و الميبديّ(5:127).

ابن الأنباريّ: قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذّنب.(الواحديّ 2:631)

الماورديّ: لا عقاب عليكم.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:75)

الطّوسيّ: هذا إخبار من اللّه تعالى عمّا قال يوسف لإخوته،حين اعترفوا بأنّ اللّه فضّله عليهم، و أنّهم خطئوا فيما فعلوه،بأن قال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ و معناه لا بأس عليكم بما سلف له منكم.

و التّثريب تعليق الضّرر بصاحبه،من أجل جرم كان منه.

و قيل:معناه لا تخليط بعائده مكروه.و قيل:معناه لا تثريب مكروه بتوبيخ،و لا غيره.(6:191)

الواحديّ: لا تعيير و لا توبيخ،يقال:ثرّبه،إذا عيّره.(2:631)

البغويّ: لا تعيير عليكم،و لا أذكر لكم ذنبكم بعد اليوم.(2:512)

الزّمخشريّ: لا تأنيب عليكم و لا عتب.و أصل التّثريب:من الثّرب،و هو الشّحم الّذي هو غاشية الكرش،و معناه إزالة الثّرب،كما أنّ التّجليد و التّقريع إزالة الجلد و القرع،لأنّه إذا ذهب كان ذلك غاية الهزال

ص: 322

و العجف الّذي ليس بعده،فضرب مثلا للتّقريع الّذي يمزّق الأعراض،و يذهب بماء الوجوه.

فإن قلت:بم تعلّق(اليوم)؟قلت:بالتّثريب،أو بالمقدّر في(عليكم)من معنى الاستقرار،أو ب(يغفر)، و المعنى:لا أثربكم اليوم،و هو اليوم الّذي هو مظنّة التّثريب،فما ظنّكم بغيره من الأيّام!(2:342)

نحوه البيضاويّ(1:507)،و النّيسابوريّ(13:

45)،و أبو السّعود(3:426)،و البروسويّ(4:313).

الطّبرسيّ: (تثريب)نكرة مفردة مبنيّة مع(لا) على الفتح.و لا يجوز أن يتعلّق(عليكم)به؛إذ لو كان كذلك لكان مشتبها بالمضاف،من حيث يكون عاملا فيما بعده،و يكون(عليكم)من تمامه،و كان يجب أن يكون منصوبا منوّنا،كما تقول:لا مرورا بزيد عندك.

و إذا عرفت هذا فإنّ(عليكم)هاهنا فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون في موضع الخبر،على تقدير:

لا تثريب يثبت عليكم أو ثابت عليكم،ثمّ حذف ذلك، و انتقل الضّمير منه إلى(عليكم)حيث سدّ مسدّه.

و الآخر:أن يتعلّق بمضمر،ذلك المضمر وصف ل(تثريب)و على هذا فيجوز فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون في محلّ رفع،تقديره:لا تثريب ثابت عليكم،كما تقول:لا رجل ظريف.

و الآخر:أن يكون في محلّ نصب،تقديره:لا تثريب ثابتا عليكم،كما تقول:لا رجل ظريفا،ثمّ حذفت الصّفة،و قام الظّرف مقامه،و يكون(اليوم)على هذا الوجه خبر(لا).

و على الوجه الأوّل يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، و يجوز أن يكون متعلّقا بالضّمير الّذي في الخبر،و يجوز أن يكون قد تمّ الكلام عند قوله:(عليكم)،و تعلّق (اليوم)بما بعده،فيكون تقديره:اليوم يغفر اللّه لكم، و هذا اختيار الأخفش.و هكذا الكلام في قوله: لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2.(3:260)

الفخر الرّازيّ: أي لا توبيخ و لا عيب.

قال عطاء الخراسانيّ: طلب الحوائج إلى الشّباب أسهل منها إلى الشّيوخ،أ لا ترى إلى قول يوسف عليه السّلام لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ، و قول يعقوب: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يوسف:98.(18:205)

أبو حيّان :لا لوم و لا عقوبة.و(تثريب)اسم(لا)، و(عليكم)الخبر،و(اليوم)منصوب بالعامل في الخبر، أي لا تثريب مستقرّ عليكم اليوم.(5:343)

شبّر:أي لا تعيير و لا توبيخ و لا تقريع عليكم.

(3:305)

نحوه القاسميّ.(9:3589)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ في معنى التّثريب و استعارته للّوم و أضاف:]

فالجامع بينهما طريان النّقص بعد الكمال،و إزالة ما به الكمال و الجمال،و هو اسم(لا).و(عليكم)متعلّق؛ بمقدّر وقع خبرا.(13:50)

عزّة دروزة :لا لوم و لا عتاب اليوم،و الجملة بمعنى أنّه صفح عنهم،و سأل اللّه أن يغفر لهم.(4:117)

الطّباطبائيّ: التّثريب:التّوبيخ،و المبالغة في اللّوم،و تعديد الذّنوب.و إنّما قيّد نفي التّثريب باليوم ليدلّ على مكانة صفحه،و إغماضه عن الانتقام منهم.

ص: 323

و الظّرف هذا الظّرف:هو عزيز مصر،أوتي النّبوّة و الحكم و علّم الأحاديث و معه أخوه،و هم أذلاّء بين يديه:معترفون بالخطيئة.و أنّ اللّه آثره عليهم بالرّغم من قولهم أوّل يوم: لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف:8.

(11:237)

عبد الكريم الخطيب :أي لا لوم عليكم،و لا مذمّة منذ اليوم،فقد بلغ الأمر بي و بكم غايته،و انتهى إلى تلك النّهاية المسعدة الّتي تستوجب منّا جميعا حمد اللّه و شكره.(7:42)

ابن عاشور :و التّثريب:التّوبيخ و التّقريع.

و الظّاهر أنّ منتهى الجملة هو قوله:(عليكم)لأنّ مثل هذا القول ممّا يجري مجرى المثل،فيبنى على الاختصار، فيكتفي ب لا تَثْرِيبَ مثل قولهم:لا بأس،و قوله تعالى: لا وَزَرَ القيمة:11.(12:114)

مكارم الشّيرازيّ: أي أنّ العتاب و العقاب مرفوع عنكم اليوم،اطمئنّوا و كونوا مرتاحي الضّمير،و لا تجعلوا للآلام و المصائب السّابقة منفذا إلى نفوسكم،ثمّ لكي يبيّن لهم أنّه ليس وحده الّذي أسقط حقّه و عفا عنهم، بل إنّ اللّه سبحانه و تعالى أيضا عفا عنهم حينما أظهروا النّدامة و الخجل،قال لهم: يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ. (7:258)

فضل اللّه :أي لا عقوبة و لا تعنيف بل المسامحة و العفو،و الاستغفار لكم و الابتهال إلى اللّه أن يعفو عنكم،و سيستجيب اللّه منّي ذلك.(12:262)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّرب،و هو شحم رقيق يغشّي الكرش و الأمعاء،و الجمع:ثروب و أثرب و أثارب،يقال:شاة ثرباء،أي عظيمة الثّرب.

و الثّرب أيضا:أرض حجارة كحجارة الحرّة إلاّ أنّها بيض،و هذا تشبيه بلون الثّرب.

2-ثمّ استعملوا«الثّرب»في اللّوم و الإفساد،لأنّهم كانوا إذا أزروا بأحد و نقموا عليه،ألقوا عليه الثّرب و الشّلو و الرّحم و غيرها.و قد فعل ذلك أهل مكّة بنبيّنا صلّى اللّه عليه و آله في بدء الدّعوة؛إذ ذكر ابن هشام في السّيرة:

«فكان أحدهم-فيما ذكر لي-يطرح عليه صلّى اللّه عليه و سلّم رحم الشّاة و هو يصلّي (1)».

و لذا عدّيت جميع أفعال هذه المادّة ب«على»،يقال:

ثرب علينا يثرب ثربا،أي وبّخ و أفسد فهو ثارب.

و أثرب فلان و ثرّب على فلان:وبّخه فهو مثرّب،يقال:

«لا تثريب عليك»و هذا الاستعمال مجازيّ.

و أمّا«الثّربان»بمعنى الأصابع،فأصله«التّاء»،أي التّربات،جمع تربة،انظر«ت ر ب».

الاستعمال القرآنيّ

جاء لفظ واحد من هذه المادّة في سورة مكّيّة:

قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ يوسف:92

يلاحظ أوّلا:أنّ كلمة(تثريب)هي الوحيدة الّتي جاءت عقيب قصّة قرآنيّة منفردة في القرآن،و بعد

ص: 324


1- سيرة ابن هشام(2:57).

عناء طويل تحمّله يوسف النّبيّ من إخوته.فالقصّة و العناء من الإخوة،و نفي«التّثريب»عنهم،كلّ ذلك متناسق في انعدام النّظير و الحدة.

ثانيا:فسّروا«التّثريب»بالتّعيير،و التّوبيخ، و التّأنيب،و التّقريع،و التّخليط،و العتاب،و العيب، و الشّغب،و الإفساد،و المعاقبة،و البأس،و اللّوم، و تعديد الذّنوب و نحوها،و هي نظائر،و المراد هاهنا غضّ النّظر عن ذنوبهم.

بيد أنّ الزّمخشريّ-و تبعه الفخر الرّازيّ و الآلوسيّ- عدّ صيغة«التّفعيل»فيه للسّلب و الإزالة،أي إزالة «الثّرب»-و هو الشّحم الّذي في الكرش كما سبق- كالتّجليد و التّقريع بمعنى إزالة الجلد و القرع،و هو غير بعيد.و عليه فترجع المادّة إلى أصل واحد،خلافا لابن فارس،حيث جعل لها أصلين.

و لهذا عدّه الزّمخشريّ-و تبعه الآلوسيّ-مجازا استعارة عن اللّوم،و عدّه الباقون حقيقة.

ثالثا:هناك خلاف في إعراب الآية،فاحتمل الطّبرسيّ أن يكون(عليكم)في موضع الخبر،و الأصل:

لا تثريب يثبت عليكم.أو يتعلّق بمضمر هو وصف ل«تثريب»،أي لا تثريب ثابت عليكم،مثل:لا رجل ظريف،فمحلّه رفع.أو ثابتا عليكم،مثل:لا رجل ظريفا،فمحلّه نصب.

و كلمة«اليوم»على هذا الوجه خبر(لا)،و على الوجه الأوّل إمّا خبر بعد خبر،أو متعلّق بالخبر.كما جاز أن يتمّ الكلام عند«عليكم»،و«اليوم»متعلّق بما بعده «يغفر»،و هو نظير(لا ريب فيه)في البقرة.

و هذا ما اختاره ابن عاشور،و قال:إنّه نظير «لا بأس»و«لا وزر»ممّا بناؤه على الاختصار.

و المرجّح عندنا أنّه في معنى:لا تثريب ثابت عليكم اليوم،فإنّ«عليكم»و«اليوم»متعلّقان ب«ثابت»،و هو خبر«لا»،و«تثريب»اسمها.

ص: 325

ص: 326

ث ر ي

اشارة

الثّرى

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و الثّرى،مقصور:التّراب،و كلّ طين لا يكون لازبا إذا بلّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و تثرّى الفرس بالعرق تثرّيا،و ثرى أيضا ثرى شديدا،إذا ندي بعرقه.(8:232)

الكسائيّ: يقال:قد ثرى بنو فلان بني فلان،إذا كثروهم فكانوا أكثر منهم.(أبو عبيد 1:376)

ثريت بفلان،فأنا ثربه،أي غنيّ عن النّاس.

(الأزهريّ 15:115)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و ثرّى اللّه القوم،أي كثّرهم.

و ثري الرّجل يثرى ثرا و ثراء،ممدود،و هو ثريّ، إذا كثر ماله.و كذلك أثرى،فهو مثر.

(الأزهريّ 15:115)

ثرا القوم يثرون ثراء،إذا كثروا و نموا.

و أثروا يثرون،إذا كثرت أموالهم.

و ثرا المال نفسه يثروا،إذا كثر.

و ثرونا القوم،أي كنّا أكثر منهم.

مثله الأصمعيّ و أبو زيد.(الأزهريّ 15:114)

أبو عبيدة :من أمثالهم في تخوّف الرّجل هجر صاحبه:لا توبس الثّرى بيني و بينك،أي لا يقطع الأمر بيننا.(ابن فارس 1:374)

الأصمعيّ: يقال:ما بيني و بين فلان مثر،أي إنّه لم ينقطع.و أصل ذلك أن يقول:لم ييبس الثّرى بيني و بينه.(الأزهريّ 15:114)

ثرّى فلان التّراب و السّويق،إذا بلّه.

و يقال:ثرّ هذا المكان ثمّ قف عليه،أي بلّه.

و أرض مثرية،إذا لم يجفّ ثراها.

(الأزهريّ 15:116)

العرب تقول:شهر ثرى،و شهر ترى،و شهر مرعى،أي تمطر أوّلا ثمّ يطلع النّبات فتراه،ثمّ يطول

ص: 327

فترعاه النّعم.(الجوهريّ 6:2292)

ابن الأعرابيّ: إنّ فلانا لقريب الثّرى بعيد النّبط:

للّذي يعد و لا وفاء له.(الأزهريّ 15:115)

لبس رجل فروا دون قميص،فقيل:التقى الثّريان:

يعنى شعر العانة و وبر الفرو.(ابن سيده 10:188)

أبو عبيد: و الثّريّ:الكثير من المال و غيره.

(1:376)

الثّرياء،على فعلاء:الثّرى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:115)

ابن السّكّيت: أثرى يثري إثراء،إذا كثر ماله.

و قد أثرت الأرض تثري،إذا كثر ثراها.و قد ثري بذلك يثرى به،إذا فرح به.و قد ثرونا القوم نثروهم،إذا كثرناهم.(إصلاح المنطق:260)

الدّينوريّ: أرض ثريّة:إذا اعتدل ثراها.فإذا أردت أنّها اعتقدت ثرى،قلت:أثرت.

(ابن سيده 10:187)

ابن أبي اليمان :و الثّرى:التّراب الرّطب،يقال:

أثر القبر،أي بلّ ترابه ليكون ثرى.

و يقال:أرض ثريّة،إذا كان فيها الثّرى.

و يقال:ثرى الأقط،أي خلطه بماء.

و يقال للرّجل:ما أقرب ثراه!أي خيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للفرس إذا عرق:قد بدا ثرى الماء فيه.[ثمّ استشهد بشعر](117)

الطّبريّ: الثّرى:النّدى،يقال للتّراب الرّطب المبتلّ:ثرى،منقوص،يقال منه:ثريت الأرض تثرى ثرى،منقوص.و الثّرى:مصدر.(16:138)

الزّجّاج: و ثرى المكان و أثرى،إذا ندي بعد يبس، و كثر فيه النّدى،و كذلك ثري القوم و اثروا،إذا كثرت أموالهم.(فعلت و أفعلت:7)

ابن دريد :الثّراء،ممدود:الغنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع الثّراء:أثرية إن كانوا قد تكلّموا به،و الإثراء المصدر أثرى يثري إثراء،إذا استغنى.و ثرى الأرض مقصور،و الجمع:أثراء،و هو التّراب النّديّ.و أرض ثرياء:كثيرة الثّرى.

و تقول العرب:«إذا التقى الثّريان فهو الحيا»يريدون ثرى المطر و ثرى باطن الأرض.

و أرض ثرية في وزن«فعلة».(3:218)

الأزهريّ: و المال الثّري،مثل عم،خفيف:الكثير.

و منه سمّي الرّجل:ثروان.

و المرأة ثريّا،و هو تصغير:ثروى.

و ثرّيت التّربة،أي بللتها.

و ثرّيت الأقط:صببت عليه ماء،ثمّ لثثته به.

و قد بدا ثرى الماء من الفرس،و هو حين يندى بعرقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:التقي الثّريان؛و ذلك أن يجيء المطر فيرشح في الأرض حتّى يلتقي هو و ندى الأرض.

و يقال:أرض ثريا،أي ذات ندى.(15:114)

يقال:إنّي لأرى ثرى الغضب في وجه فلان،أي أثره.

و يقال:ثريت بك،أي فرحت بك.و ثريت بك،أي

ص: 328

كثرت بك.[ثمّ استشهد بشعر](15:115)

الصّاحب: الثّرى،مقصور:التّراب المبتلّ، و دعص مثريّ.

و يقولون عند تتابع الأمطار:«التقى الثّريان»و هو مثل يضرب في سرعة اتّفاق الأخوين في المودّة.

و أرض مثرية:لم يجفّ ثراها.

و الثّرياء:لغة في الثّرى.و هي أيضا من الأرضين:

الكثيرة الثّرى.

و قوله عزّ و جلّ: وَ ما تَحْتَ الثَّرى طه:6،يعني الأرض السّفلى.

و يقولون:هو ابن ثراها،أي العالم بها.

و ثرّيت الأقط:صببت عليه ماء.

و ثريت به أثرى،أي فرحت به.

و إنّي لأرى ثرى الغضب في وجهه،أي أثره.

و بدا منه ثرى الماء،إذا عرق.[و قد استشهد في الهامش بشعر طفيل]

و بلغت ثرى فلان،إذا أدركت ما تطلب منه.

و ثرى القوم:أصلهم.

و في المثل:«إنّه لقريب الثّرى بعيد النّبط»للّذي يعطي بلسانه و لا يفي بقوله.

و يقولون:شهر ثرى،و شهر مرعى،أي أوّل ما يكون من المطر فيبتلّ التّراب،ثمّ يطلع النّبات.

و ثراه يثريه فانثرى،إذا ماثه.

و ما يثريه شيء،و لا يثريه شيء،و لا يثري فيه، أي لا ينجع.

و في الحديث:«يقعي و يثري في الصّلاة»هو من الثّرى.(10:170)

الجوهريّ: الثّرى:التّراب النّديّ.و أرض ثرياء:

ذات ندى.

و يقال:التقى الثّريان،و ذلك أن يجيء المطر فيرسخ (1)في الأرض،حتّى يلتقي هو و ندى الأرض.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّراء:كثرة المال.[ثمّ استشهد بشعر]

و المال الثّريّ،على«فعيل»هو الكثير،و منه رجل ثروان و امرأة ثروى،و تصغيرها:ثريّا.

و ثريّا:اسم امرأة من أميّة الصّغرى،شبّب بها عمر ابن أبي ربيعة.

و الثّريّا:النّجم.

و الثّروة:كثرة العدد.

و أثرت الأرض:كثر ثراها.و أثرى المطر:بلّ الثّرى.

و قولهم:«ما بيني و بينك مثر»أي إنّه لم ينقطع،و هو مثل،كأنّه قال:لم ييبس الثّرى بيني و بينك،كما قال عليه السّلام:«بلّوا أرحامكم و لو بالسّلام».[ثمّ استشهد بشعر]

و ثرّيت الموضع تثرية،أي رششته.

و ثرّيت السّويق أيضا:بللته.(6:2291)

ابن فارس: الثّاء و الرّاء و الحرف المعتلّ أصل واحد،و هو الكثرة،و خلاف اليبس.(1:374)

الهرويّ: الثّرى:التّراب النّديّ الّذي تحت التّراب الظّاهر.ح.

ص: 329


1- و عند الأزهريّ:يرشّح.

و في الحديث:«فأتي بالسّويق فأمر به فثرّي»أي بلّ،يقال:ثرّى التّراب يثرّيه تثرية.و يقال:ثرّ المكان، أي رشّه.(1:279)

الثّعالبيّ: لا يقال:ثرى،إلاّ إذا كان نديّا،و إلاّ فهو تراب.(51)

الثّرى:التّراب النّديّ،و هو كلّ تراب لا يصير طينا لازبا إلاّ إذا بلّ.(287)

ابن سيده: الثّرى:التّراب النّديّ.

و قيل:هو التّراب الّذي إذا بلّ لم يصر طينا لازبا.

و قوله تعالى: وَ ما تَحْتَ الثَّرى طه:6،جاء في التّفسير أنّه أراد و ما تحت الأرض.

و تثنيته ثريان و ثروان،الأخيرة عن اللّحيانيّ.

و الجمع:أثراء.

و ثرى مثريّ:بالغوا بلفظ المفعول،كما بالغوا بلفظ الفاعل.

و إنّما قلنا هذا؛لأنّه لا فعل له فيحمل مثريّ عليه.

و ثريت الأرض ثرى،فهي ثريّة:نديت و لانت بعد الجدوبة و اليبس.

و أثرت:كثر ثراها.

و أرض ثريّة و ثرياء:ذات ثرى.

و ثرّى التّربة:بلّها.

و ثرّى الأقط،و السّويق:صبّ عليه ماء،ثمّ لتّه.

و كلّ ما ندّيته فقد ثرّيته.

و الثّرى:النّدى.

و«التقى الثّريان»و ذلك أن يجيء المطر فيرسخ في الأرض حتّى يلتقي هو و ندى الأرض.

و بدا ثرى الماء من الفرس:و ذلك حين يندى بالعرق.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما بيني و بين فلان مثر:أي لم ينقطع.و أصل ذلك أن تقول:لم ييبس الثّرى بيني و بينه.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تقول:«شهر ثرى،و شهر ترى،و شهر مرعى،و شهر استوى».

فأمّا قولهم:«ثرى»فهو أوّل ما يكون المطر،فيرسخ في الأرض،و تبتلّ التّربة و تلين،فهذا معنى قولهم ثرى.

و المعنى:شهر ذو ثرى،فحذفوا المضاف.

و قولهم:«شهر ترى»فأرادوا ترى فيه رءوس النّبات،فحذفوا؛أي:أنّ النّبت ينقف فيه،حتّى ترى رءوسه.و هو من باب:كلّه لم أصنع.

و أمّا قولهم:«مرعى»فهو إذا طال بقدر ما يمكن النّعم أن ترعاه،ثمّ يستوي النّبات،و يكتهل في الرّابع،فذلك وجه قولهم:استوى.

و فلان قريب الثّرى:أي الخير.(10:187)

الزّمخشريّ: شهر ثرى،و شهر ترى،و شهر مرعى،أي تكون الأرض نديّة أوّلا،ثمّ ترى الخضرة، ثمّ يطول النّبات حتّى يصلح للرّاعية.

و ثرى المطر التّراب يثريه،و هو مثريّ،و ثري التّراب فهو ثر،و ثرّيت التّراب:ندّيته،و ثرّيت السّويق.

و من المجاز:أثرى الرّجل نحو أترب،أي صار ذا ثرى و ذا تراب،و المراد كثرة المال.و رجل مثر و ذو ثروة و ثراء،و منه ثرى القوم يثرون،إذا كثر عددهم،و هم في ثروة و ثراء.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 330

و«التقى الثّريان»مثل في سرعة توادّ الرّجلين، و أصله أن يسقط الغيث الجود فيلتقي نداه و ندى الأرض العتيق تحتها.و لا توبس الثّرى بيني و بينك،أي لا تقاطعني.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدا ثرى الماء من الفرس،إذا ندي بالعرق.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّي أرى ثرى الغضب في وجهه.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّ فلانا لقريب الثّرى،بعيد النّبط:لمن يعطي بلسانه و لا يفي بما يقول.و بلغت ثرى فلان،إذا أدركت ما تطلب منه.و ثريت بك،إذا فرحت به و سررت.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان ما يثريه شيء،و ما يثري فيه،أي ما ينجع فيه لقساوته.(أساس البلاغة:44)

عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما: «اللّهمّ صلّ على محمّد عدد البرى و الثّرى و الورى»...الثّرى:النّدى الّذي تحت البرى،و منه قولهم:«التقى الثّريان»أي ندى المطر و ندى الثّرى.(الفائق 1:103)

المدينيّ: في الحديث:«ما بعث اللّه تبارك و تعالى نبيّا بعد لوط إلاّ في ثروة من قومه».الثّروة:العدد الكثير،و منه سمّي الثّريّا،و هو تصغير ثروى لكثرة كواكبها.

و قيل:هي ستّة أنجم في خلالها نجوم كثيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه الحديث:«إنّه قال للعبّاس رضي اللّه عنه:يملك من ولدك بعدد الثّريّا».

يقال:ثرا القوم:كثر عددهم،و ثرا المال:كثر، و أثرى القوم:كثر ثراهم و مالهم،و الثّراء:المال الكثير.

قال الجبّان:الأصل في كثرة عدد الرّجال:الثّورة، بتقديم الواو،و في كثرة المال:الثّروة،و ربّما يتداخلان.

(1:262)

ابن منظور :الثّروة:كثرة العدد من النّاس و المال،يقال:ثروة رجال و ثروة مال،و الفروة كالثّروة فاؤه بدل من الثّاء.(14:110)

الفيّوميّ: الثّروة:كثرة المال،و أثرى إثراء:

استغنى،و الاسم منه:الثّراء بالفتح و المدّ.

و الثّرى وزان الحصى:ندى الأرض.و أثرت الأرض بالألف:كثر ثراها.

و الثّرى أيضا:التّراب النّديّ.فإن لم يكن نديّا فهو تراب،و لا يقال حينئذ:ثرى.

و ثريت الأرض ثرى،فهي ثرية و ثرياء-مثل عميت عمى فهي عمية و عمياء-إذا وصل المطر إلى نداها.(81)

الفيروزآباديّ: الثّروة:كثرة العدد من النّاس و المال،و ليلة يلتقي القمر و الثّريّا.

و هذا مثراة للمال:مكثرة.

و ثرى القوم ثراء:كثروا و نموا،و المال كذلك،و بنوا فلان بني فلان:كانوا أكثر منهم مالا.

و ثري كرضي:كثر ماله كأثرى،و مال ثريّ كغنيّ:

كثير،و رجل ثريّ و أثرى كأحوى:كثيره.

و الثّروان:الغزير الكثير،و بلا لام:رجل.

و امرأة ثروى:متموّلة.

ص: 331

و الثّريّا:تصغيرها،و النّجم لكثرة كواكبه مع ضيق المحلّ.

الثّرى:النّدى،و التّراب النّديّ،أو الّذي إذا بلّ لم يصر طينا لازبا كالثّريّاء ممدودة،و الخير،و الأرض و هما ثريان و ثروان،جمعهما:أثراء.

و ثريت الأرض كرضي ثرى فهي ثريّة كغنيّة، و ثرياء:نديت و لانت بعد الجدوبة و اليبس.و أثرت:

كثر ثراها.

و ثرّى التّربة تثرية:بلّها،و الأقط:صبّ عليه ماء ثمّ لتّه،و المكان:رشّه.

و فلان ألزم يديه الثّرى.

و لبس أعرابيّ عريان فروة،فقال:التقى الثّريان، أي شعر العانة و وبر الفروة.و يقال ذلك أيضا إذا رسخ المطر في الأرض حتّى التقى و نداها.(4:309)

الطّريحيّ: الثّرى:التّراب النّديّ،و هو الّذي تحت الظّاهر من وجه الأرض،فإن لم يكن فهو تراب، و لا يقال:ثرى.

و المال الثّريّ-على فعيل-:الكثير.و منه:رجل ثروان،و امرأة ثروى.

و في حديث عليّ عليه السّلام: «صلة الرّحم مثراة للمال» بالفتح فالسّكون على«مفعلة»مكثرة للمال.(1:73)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القطعة العظيمة المرتبطة المتّصلة أجزاء بالرّطوبة.و هذه القيود تناسب إطلاقها على ما يكثر و يجلّ،و على ما يرتبط و يتّصل،و على النّدى و المطر.

و لا يخفى أنّ التّراب اليابس أجزاؤه منفصلة و غير مرتبطة.

ثمّ أنّ هذا المعنى يناسب مفاهيم موادّ«ثوى»:أقام و اتّصل،و«رثى»:أظهر التّأثّر في فقدان الميّت و توسّل به،و«الرّيث»:الاستبطاء و عدم الانفصال.و يجمعها مفهوم:حفظ الارتباط.(2:14)

النّصوص التّفسيريّة

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى. طه:6

ابن عبّاس: الأرضين السّابعة السّفلى.(260)

الضّحّاك: ما حفر من التّراب مبتلاّ.

(الطّبريّ 16:139)

إنّه التّراب في بطن الأرض.(الماورديّ 3:394)

نحوه عزّة دروزة.(3:69)

ابن كعب القرظيّ: (الثّرى):سبع أرضين.

(الطّبريّ 16:139)

قتادة :و(الثّرى):كلّ شيء مبتلّ.

(الطّبريّ 16:139)

السّدّيّ: هي الصّخرة الّتي تحت الأرض السّابعة، و هي صخرة خضراء،و هو سجّين الّذي فيه كتاب الكفّار.(344)

الطّبريّ: يعني ب(الثّرى):النّدى.[إلى أن قال:]

و إنّما عنى بذلك:و ما تحت الأرضين السّبع.

السّجستانيّ: أي التّراب النّديّ،و هو الّذي تحت الظّاهر من وجه الأرض.(119)

نحوه الطّوسيّ(7:161)،و البغويّ(3:255)،

ص: 332

و الخازن(4:213).

الميبديّ: و(الثّرى)هو التّراب النّديّ.و قيل:

(الثّرى):اسم لأسفل الأرض.(6:99)

البيضاويّ: و(الثّرى):الطّبقة التّرابيّة من الأرض،و هي آخر طبقاتها.(2:46)

النّيسابوريّ: و التّحقيق أنّ(الثّرى):هو التّراب النّديّ:و هو ما جاوز البحر من جرم الأرض،الّذي تحته هو ما بقي من جرم الأرض إلى المركز،فيحتمل أن يكون هناك أشياء لا يعلمها إلاّ اللّه سبحانه من المعادن و غيرها.

(16:91)

أبو حيّان :و قيل: ما تَحْتَ الثَّرى: ما هو في باطن الأرض،فيكون ذلك توكيدا لقوله(و ما فى الارض)إلاّ إن كان المراد ب(فى الارض)ما هو عليها، فلا يكون توكيدا.(6:226)

الشّربينيّ: و هو التّراب النّديّ،و المراد الأرضون السّبع،لأنّها تحته.(2:449)

أبو السّعود :أي ما وراء التّراب،و ذكره مع دخوله تحت ما في الأرض،لزيادة التّقرير.(3:298)

نحوه الآلوسيّ.(16:162)

البروسويّ: (الثّرى):التّراب النّديّ،أي الرّطب و الأرض،كما في«القاموس».و يجوز الحمل على كليهما في هذا المقام،فإنّ ظاهر الأرض تراب جافّ،و ما هو أسفل منه تراب مبتلّ.(5:366)

الطّنطاويّ: أي الطّبقة التّرابيّة.و هذا دالّ على عظيم قدرته.

و قوله: وَ ما تَحْتَ الثَّرى يشير لعلمين لم يعرفا إلاّ في زماننا،و هما علم طبقات الأرض المتقدّم مرارا في هذا التّفسير،و علم الآثار المتقدّم بعضه في سورة يونس، و الآتي بعضه في سورة سبأ.[إلى أن قال:]

فاللّه هنا يقول: وَ ما تَحْتَ الثَّرى ليحرّض المسلمين على دراسة علوم المصريّين الّتي تظهر الآن تحت الثّرى،المذكورين في هذه السّورة،و أنّ سحرتهم شهدوا بصدق النّبوّة الموسومة،لأنّهم وجدوا علما فوق علمهم و هو علم النّبوّة،فجدير بعلوم هؤلاء أن تدرس و تعلم،لهذا كلّه قال: وَ ما تَحْتَ الثَّرى

(10:61 و 66)

المراغيّ: أي له ما في السّماوات و الأرض و ما بينهما ملكا و تدبيرا و تصرّفا،و له ما واراه التّراب و أخفاه من المعادن و الفلزّات و غيرها.(16:96)

الطّباطبائيّ: (الثّرى)على ما قيل:هو التّراب الرّطب أو مطلق التّراب،فالمراد ب ما تَحْتَ الثَّرى:

ما في جوف الأرض دون التّراب.(14:122)

مكارم الشّيرازيّ: (الثّرى)في الأصل بمعنى التّراب الرّطب،و لمّا كانت قشرة الأرض فقط هي الّتي تجفّ نتيجة لأشعّة الشّمس و هبوب الرّياح،و تبقى الطّبقة السّفلى-غالبا رطبة،فإنّه يقال لهذه الطّبقة:

ثرى،و على هذا فإنّ وَ ما تَحْتَ الثَّرى تعني أعماق الأرض و جوفها،و كلّها مملوكة لمالك الملك و خالق عالم الوجود.(9:467)

المصطفويّ: أي تحت قطعات الأرض.و لا يبعد أن يكون المراد من(السّماوات):مراتب الرّوحانيّين و ما فوق عالم المادّة،و من(الارض):عوالم المادّة من

ص: 333

الثّوابت و السّيّارات و الحيوان و النّبات،و من(الثّرى):

مقام العظمة و الاقتدار و الجبروت،و يقع تحتها عالم الأمر.فتشمل الآية الكريمة جميع طبقات الخلق و الأمر أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ الأعراف:54.

فعلى هذا التّفسير لا يبقى إشكال:من جهة شمول ما في الأرض:على ما تحت الثّرى و فوقها،و من جهة أن خروج عوالم الرّوحانيّة و الأمر عن مفهوم الآية الكريمة يوجب الضّعف،و من جهة أنّ حقيقة السّماء و الأرض بالنّسبة إلى اللّه المتعال و بلحاظ الحقيقة هو ذلك التّفسير، لا الاختصاص بالمادّة.(2:14)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّرى،أي النّدى، و التّثنية كثريان،و الجمع أثراء،يقال:ثريت الأرض ثرى،أي نديت و لانت بعد الجدوبة و اليبس،فهي ثرية و ثرياء.و أثرت أيضا:كثر ثراها،أي نداها،فهي مثرية.

و ثرّى فلان التّراب:بلّه،و ثرّى الموضع تثرية:

رشّه بالماء،يقال:ثرّ هذا المكان ثمّ قف عليه،و ثرّى الأقط و السّويق:صبّ عليه ماء ثمّ لتّه به.

و بدا ثرى الماء من الفرس،أي ندي بالعرق،و ثرى الفرس بالعرق ثرى شديدا،و تثرّى تثرّيا.

بيد أنّه توسّع استعماله في العربيّة فأطلق على التّراب،فقالوا:أثرى المطر،إذا بلّ الثّرى،و الثّرى:

التّراب و كلّ طين لا يكون لازبا إذا بلّ.و قيّده بعض بالتّراب الرّطب،يقال:أثر القبر،أي بلّ ترابه ليكون ثرى.

و من المجاز:فلان قريب الثّرى:قريب الخبر،يقال:

ما أقرب ثراه!و ما بيني و بين فلان مثر،أي لم ينقطع،و هو مثل،و أصل ذلك أن يقول:لم ييبس الثّرى بيني و بينه.

و ثريت بفلان:سررت به و فرحت.و إنّي لأرى ثرى الغضب فى وجه فلان،أي أثره.و إنّ فلانا لقريب الثّرى بعيد النّبط،يقال للّذي يعد و لا وفاء له.

2-و يكاد يلحظ هذا المعنى-أي الثّرى بمعنى النّدى- في سائر اللّغات السّاميّة أيضا،فقد جاء«الثّرى»في الآراميّة و السّريانيّة بلفظ«ترى»،أي البلل و الرّطوبة.

3-و قد خلط كثير من اللّغويّين بين(ث ر و)و (ث ر ي)،و لم يفرّقوا بينهما،إلاّ أنّهم ترجموا الأوّل بالبلل غالبا و الثّاني بالكثرة.و هناك من ترجم(ث ر ي) بالكثرة فقط؛إذ قال الكسائيّ:«ثريت بفلان،فأثر به، أي غنيّ عن النّاس».و قال أبو عمرو:«ثري الرّجل يثرى ثرا و ثراء-ممدود-و هو ثريّ،إذا كثر ماله».

و قال أبو عبيد:«الثّريّ:الكثير من المال و غيره».و قال ابن أبي اليمان:«الثّرى:التّراب الرّطب...و ما أقرب ثراه، أي خيره».و قال الزّجّاج:«ثرى المكان و أثرى،إذا ندي بعد يبس و كثر فيه النّدى،و كذلك ثرى القوم و أثروا،إذا كثرت أموالهم».و قال ابن دريد:«الثّراء -ممدود-:الغنى...و ثرى الأرض-مقصور-و الجمع أثراء،و هو التّراب النّديّ،و أرض ثرياء:كثيرة الثّرى».و قال ابن فارس:«الثّاء و الرّاء و الحرف المعتلّ أصل واحد،و هو الكثرة و خلاف اليبس»،فلم يفرّق بين أن يكون الحرف المعتلّ واوا أو ياء.

ص: 334

و هكذا يلحظ هذا الخلط في كلام من تقدّمه، كالجوهريّ و من تأخّر عنه كالفيروزآباديّ و غيره، و نحن حذونا حذوهم في ذكر نصوصهما معا،فهل هما يرجعان إلى أصل واحد لفظا و معنى،و هو الكثرة أو الرّطوبة لتلازمهما غالبا؟إلاّ أنّ المعنى الأوّل غلب على «الثّرى»الواويّ،و الثّاني على اليائيّ،و مثله كثير في اللّغة.أو نذهب إلى أنّهما أصلان مختلفان لفظا و معنى، و نخطّئ هؤلاء القوم في الخلط بينهما،و الأوّل أولى و أظهر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظ واحد:في سورة مكّيّة

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى طه:6

يلاحظ أوّلا:أنّه رغم كثرة مجيء صدر الآية في القرآن،فإنّها منفردة بإضافة ذيلها وَ ما تَحْتَ الثَّرى إلى الصّدر،و ذلك رعاية لرويّ الآيات.كما أنّ تأخير اَلسَّماواتِ الْعُلى عن(الارض)فيما قبلها تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّماواتِ الْعُلى طه:5،لذلك السبب أيضا،رغم تأخّر(الارض)عنها في أكثر الآيات،و قد نبّهنا على سرّه في موضعه،لاحظ «أرض».

ثانيا:أنّ(الثّرى)أيّا كان معناه:مطلق التّراب،أو التّراب النّديّ أو غيرهما،فالمراد به هنا الأرض لا غير.

و ما تكلّفوه من أنّ التّراب تحت الأرض ذو ندى،لا وجه له.

ثالثا:و هناك مناسبة أخرى في«ثاء»الثّرى،ففيه نوع جناس مع حرف«س»و«ش»و«ص»في آيات صدر سورة«طه»،إلى الآية(22)و بعدها أيضا، فلاحظ.

ص: 335

ص: 336

ث ع ب

اشارة

ثعبان

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين،مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ثعبت الماء أثعبه ثعبا،أي فجّرته فانثعب، و منه اشتقّ«المثعب»و هو المرزاب.و انثعب الدّم من الأنف.

و الثّعبان:الحيّة الطّويل الضّخم،و يقال:أثعبان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثعبان:الوجه الضّخم الفخم في حسن و بياض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّعبة:ضرب من الوزغ،لا تلقى أبدا إلاّ فاتحة فاها،شبه سامّ أبرص،غير أنّها خضراء الرّأس و الحلق،جاحظة العينين،و الجميع:الثّعب.

و الثّعب:الّذي يجتمع في مسيل المطر من الغثاء.

و ربّما قالوا:هذا ماء ثعب،أي جار،للواحد،و يجمع على ثعبان.(2:111)

الثّعبان:ماء،الواحد:ثعب.و قيل:هو الثّغب بالغين.(الأزهريّ 2:333)

ابن شميّل: الحيّات كلّها ثعبان،الصّغير و الكبير و الإناث و الذّكران.(الأزهريّ 2:333)

قطرب: الثّعبان:الحيّة الذّكر الأصفر الأشقر،و هو من أعظم الحيّات.(الأزهريّ 2:333)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الثّعب:مسيل الوادي، و جمعه:ثعبان.(الأزهريّ 2:332)

الفرّاء: الثّعب و الوقيعة و الغدير كلّ ذا من مجامع الماء.(الأزهريّ 2:332)

الأصمعيّ: فوه يجري ثعابيب و سعابيب،و هو أن يجري منه ماء صاف فيه تمدّد.(الجوهريّ 1:93)

اللّحيانيّ: الأثعب:ما انثعب.(ابن سيده 2:95)

ابن الأعرابيّ: من أسماء الفأر:البرّ و الثّعبة و العرم.(الأزهريّ 2:333)

شمر:قال بعضهم:الثّعبان من الحيّات ضخم عظيم

ص: 337

أحمر يصيد الفأر.و هي ببعض المواضع تستعار للفأر، و هي أنفع في البيت من السّنانير.(الأزهريّ 2:333)

الدّينوريّ: و الثّعبة:نبتة شبيهة بالثّعلة إلاّ أنّها أخشن ورقا،و ساقها أغبر،و ليس لها حمل و لا منفعة فيها،و هي من شجر الجبل،تنبت في منابت الثّوع،و لها ظلّ كثيف.(ابن سيده 2:96)

ابن دريد :و الثّعب:انثعاب الماء،و ماء مثعب و أثعوب،إذا سال.

و الثّعبان:ضرب من الحيّات،قال أبو حاتم:زعموا أنّها حيّات عظام،تكون بناحية مصر،و قد جاء في التّنزيل: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الشّعراء:

32.

و الثّعبة:دابّة أغلظ من الوزغة،لها عينان جاحظتان خضراوان تلسع،و ربّما قتل.و مثل يتداوله أهل اليمن بينهم«ما الخوافي كالقلبة و لا الخنّاز كالثّعبة» فالخوافي:سعف النّخل الّذي دون القلبة،و الخنّاز:

الوزغة.(1:201)

و دم أثعوب و أسكوب،إذا انسكب.[ثمّ استشهد بشعر](3:378)

الأزهريّ: و قال اللّيث:الثّعب الّذي يجتمع في مسيل المطر من الغثاء.

قلت:لم يجوّد اللّيث في تفسير الثّعب،و هو عندي:

المسيل نفسه،لا ما يجتمع في المسيل من الغثاء.

قال اللّيث: الأثعبيّ:الوجه الضّخم في حسن و بياض.

قلت:و منهم من يقول:وجه أثعبانيّ.

و قال:أبو خيرة:الثّعبان:الحيّة الذّكر و نحو ذلك.

و مثعب الحوض:صنبوره،و هو ثقبه الّذي يخرج منه الماء.(2:332)

الصّاحب: ثعبت الماء ثعبا:فجرته،و منه سمّي:

مثعب المطر.و ماء ثعب،أي جار،و يجمع على الثّعبان.

و يقال:فوه يجري ثعابيب:لماء صاف فيه تمدّد.

و سيل أثعوب:جار ينثعب،و منه:شدّ أثعوب،أي سريع كثير.

و انثعب إليه:وثب.

و الثّعب:مسيل الماء،و الغدير الصّغير،و جمعه:

ثعبان،مثل ورل و ورلان.

و الأثعبان:حيث ينثعب الماء من المنجنون و غيره.

و ثعب عليهم الغارة:صبّها.

و ثعب البعير شقشقته:أخرجها.(2:14)

الجوهريّ: ثعبت الماء ثعبا:فجّرته،و الثّعب، بالتّحريك:مسيل الماء في الوادي،و جمعه:ثعبان.

و الثّعبان أيضا:ضرب من الحيّات طوال،و الجمع:

ثعابين.

و الثّعبة:ضرب من الوزغ.

و المثعب،بالفتح:واحد مثاعب الحياض.

و انثعب الماء:جرى في المثعب.و انثعب الدّم من الأنف.(1:92)

ابن فارس: الثّاء و العين و الباء أصل يدلّ على امتداد الشّيء و انبساطه،يكون ذلك في ماء و غيره.

الثّعبان:الحيّة الضّخم الطّويل،و هو من القياس،في انبساطه و امتداده خلقا و حركة.

ص: 338

و ربّما قيل:ماء ثعب،و يجمع على الثّعبان.

(1:378)

الهرويّ: و في الحديث:«جاء يوم القيامة و جرحه يثعب دما»يقال:ثعبت الماء،إذا فجّرته فانثعب.

(1:281)

ابن سيده: ثعب الماء و الدّم و نحوهما يثعبه ثعبا فانثعب:فجّره.و انثعب المطر كذلك.

و ماء ثعب و ثعب و أثعوب و أثعبان:سائل،و كذلك الدّم.الأخيرة مثّل بها سيبويه و فسّرها السّيرافيّ.

و الثّعب:مسيل الوادي،و الجمع:ثعبان.

و جرى فمه ثعابيب،كسعابيب،و قيل:هو بدل.

و الثّعبان:الحيّة الضّخم الطّويل،الذّكر خاصّة.

و قيل:كلّ حيّة ثعبان،و قوله تعالى: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الأعراف:107.

و الأثعبان:الوجه الفخم في حسن بياض،و قيل:

هو الوجه الضّخم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّعبة:ضرب من الوزغ،غير أنّها خضراء الرّأس و الحلق جاحظة العينين،لا تلقاها أبدا إلاّ فاتحة فاها،و هي من شرّ الدّوابّ،تلدغ فلا يكاد يبرأ سليمها.

و في المثل:«ما الخوافي كالقلبة و لا الخنّاز كالثّعبة» فالخوافي:السّعفات اللّواتي يلين القلبة،و الخنّاز:

الوزغة.(2:95)

الثّعب:مسيل الوادي،الجمع:ثعبان.ثعب الماء و الدّم يثعبه ثعبا:فجّره فانثعب،أي جرى كما ينثعب الدّم من الأنف.(الإفصاح 2:1000)

الرّاغب: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الأعراف:107، يجوز أن يكون سمّي بذلك من قولهم:ثعبت الماء فانثعب، أي فجّرته و أسلته فسال،و منه ثعب المطر.

و الثّعبة:ضرب من الوزغ،و جمعها:ثعب،كأنّه شبّه بالثّعبان في هيئته،فاختصر لفظه من لفظه،لكونه مختصرا منه في الهيئة.(79)

الزّمخشريّ: ثعب الماء:فجّره فانثعب،و منه مثعب السّطح،و مثعب الحوض.و تقول:اقبلت أعناق السّيل الزّاعب،فأصلحوا خراطيم المثاعب.و سيل أثعوب.و سالت الثّعبان كما انساب الثّعبان،جمع ثعب و هو المسيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:«صاح به فانثعب إليه»إذا وثب يجري إليه.و شدّ أثعوب.[ثمّ استشهد بشعرين و قال:]

و كلاهما من باب الاستعارة إلاّ أنّ الطّريق مختلف.

و ثعب عليهم الغارة:شنّها،و ثعب البعير شقشقته:

أخرجها.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:44)

الصّغانيّ: الأثعبيّ بالفتح:الوجه الفخم في حسن و بياض،و منهم من يقول:وجه أثعبانيّ بالضّمّ و بزيادة النّون،و كذلك الأثعبان بغير ياء النّسب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأثعوب:السّائل.[ثمّ استشهد بشعر]

و رأيت القوم مثعابّين و مذعابّين كأنّهم عرف ضبعان،و هو أن يتلو بعضهم بعضا.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:76)

الفيّوميّ: الثّعبان:الحيّة العظيمة،و هو«فعلان» و يقع على الذّكر و الأنثى،و الجمع:الثّعابين.(1:81)

ص: 339

الفيروزآباديّ: ثعب الماء و الدّم كمنع:فجّره فانثعب،و ماء ثعب و ثعب و أثعوب و أثعبان:سائل.

و الثّعب:مسيل الوادي،جمعه:ثعبان.و مثاعب المدينة:مسايل ماءها.

و الثّعبة بالضّمّ أو كهمزة-و وهم الجوهريّ-:وزغة خبيثة خضراء الرّأس،و الفأرة،و شجر.

و الثّعبان:الحيّة الضّخمة الطّويلة،أو الذّكر خاصّة أو عامّ.

و الأثعبيّ بالفتح و الأثعبان و الأثعبانيّ بضمّهما:

الوجه الفخم في حسن و بياض.

و فوه ثعابيب،أي ماء صاف متمدّد.

و الثّعوب المرّة.(1:42)

الطّريحيّ: و الثّعبان:يقع على الذّكر و الأنثى، و الجمع:ثعابين.

و في الحديث:«يجيء الشّهيد و جرحه يثعب دما» أي يسيل و يجري،من«الثّعب»بالتّحريك و هو سيل الماء في الوادي.

و أثعب:جرى في المثعب بفتح الميم،أعني واحد مثاعب الحياض،و منه حديث المستحاضة:«و إن سال مثل المثعب فكذا».(2:17)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الانفجار و الامتداد و الجريان مأخوذة في مفهوم المادّة،و معناها قريب من مفهوم البعث و العبث و الثّعب و السّعب.و بهذه المناسبة إطلاق الثّعبان على الحيّة الخارجة من الحجر الممتدّة الجارية،و لعلّ هذه الكلمة كانت في الأصل مصدرا ثمّ جعلت اسما.[ثمّ ذكر الآيات](2:15)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

اشارة

1- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ.

الأعراف:107

ابن عبّاس: ألقى العصا فصارت حيّة،فوضعت فقما لها أسفل القبّة،و فقما لها أعلى القبّة.

(الطّبريّ 9:14)

ألقى عصاه،فتحوّلت حيّة عظيمة فاغرة فاها، مسرعة إلى فرعون.فلمّا رأى فرعون أنّها قاصدة إليه،اقتحم عن سريره،فاستغاث بموسى أن يكفّها عنه، ففعل.(الطّبريّ 9:14)

ثُعْبانٌ مُبِينٌ: الحيّة الذّكر.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 9:15)

وهب بن منبّه:لمّا دخل موسى على فرعون،قال له موسى:أعرفك؟قال:نعم،قال: أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً الشّعراء:18،؟قال:فردّ إليه موسى الّذي ردّ، فقال فرعون:خذوه.فبادره موسى،فألقى عصاه،فإذا هي ثعبان مبين،فحملت على النّاس فانهزموا،فمات منهم خمسة و عشرون ألفا،قتل بعضهم بعضا،و قام فرعون منهزما حتّى دخل البيت.(الطّبريّ 9:15)

قتادة :يقول:فإذا هي حيّة كادت تتسوّره،يعني كادت تثب عليه.(الطّبريّ 9:14)

السّدّيّ: و الثّعبان:الذّكر من الحيّات،فاتحة فاها، واضعة لحيها الأسفل في الأرض و الأعلى على سور القصر،ثمّ توجّهت نحو فرعون لتأخذه،فلمّا رآها ذعر منها،و وثب فأحدث،و لم يكن يحدث قبل ذلك و صاح:يا موسى،خذها و أنا مؤمن بك،و أرسل معك

ص: 340

بني إسرائيل،فأخذها موسى،فعادت عصا.(268)

الفرّاء: هو الذّكر،و هو أعظم الحيّات.(1:387)

نحوه الواحديّ(2:392)،و القرطبيّ(7:256).

أبو عبيدة :أي حيّة.(1:225)

مثله الطّبريّ.(9:14)

الطّوسيّ: الثّعبان هو الحيّة الضّخمة الطّويلة.[إلى أن قال:]

و معنى(مبين)أي بيّن أنّه حيّة،لا لبس فيه.

(4:523)

البغويّ: و الثّعبان:الذّكر العظيم من الحيّات،فإن قيل:أ ليس قد قال في موضع آخر: كَأَنَّها جَانٌّ النّمل:10،و الجانّ:الحيّة الصّغيرة؟قيل:إنّها كانت كالجانّ في الحركة و الخفّة،و هي في جثّتها حيّة عظيمة.

[ثمّ نقل كلام ابن عبّاس و السّدّيّ و أضاف:]

و روي أنّها أخذت قبّة فرعون بين نابيها،فوثب فرعون من سريره هاربا و أحدث.

و قيل:أخذه البطن في ذلك اليوم أربعمائة مرّة و حملت على النّاس،فانهزموا و صاحوا،و مات منهم خمسة و عشرون ألفا و قتل بعضهم بعضا،و دخل فرعون البيت و صاح:يا موسى أنشدك بالّذي أرسلك خذها،و أنا أؤمن بك و أرسل معك بني إسرائيل.

فأخذها موسى،فعادت عصا كما كانت.(2:218)

الزّمخشريّ: ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر أمره لا يشكّ في أنّه ثعبان.

و روي أنّه كان ثعبانا ذكرا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا،وضع لحيه الأسفل في الأرض و لحيه الأعلى على سور القصر،ثمّ توجّه نحو فرعون ليأخذه.

[ثمّ ذكر مثل البغويّ](2:101)

نحوه الطّبرسيّ(2:458)،و البيضاويّ(1:362)

ابو الفتوح :أي صار ثعبانا على الحقيقة ظاهرا لدى أعينهم،و ما كانت لهم شبهة فيها.[ثمّ ذكر القصّة فلاحظ](8:324)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ فرعون لمّا طالب موسى عليه السّلام بإقامة البيّنة على صحّة نبوّته،بيّن اللّه تعالى أنّ معجزته كانت قلب العصا ثعبانا،و إظهار اليد البيضاء.

و الكلام في هذه الآية يقع على وجوه.[ثمّ ذكر شبهة الطّبيعيّين في استحالة انقلاب العصا حيّة،و بسط القول في الجواب فراجع](14:192)

الخازن :[نحو البغويّ و أضاف:]

و في كون الثّعبان مبينا وجوه:

الأوّل:أنّه تميّز و تبيّن ذلك عمّا عملته السّحرة من التّمويه و التّلبيس،و بذلك تتميّز معجزات الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام من تمويه السّحرة و تخييلهم.

الوجه الثّاني:أنّهم شاهدوا العصا قد انقلبت حيّة و لم يشتبه ذلك عليهم،فلذلك قال:(ثعبان مبين)أي بيّن.

الوجه الثّالث:أنّ ذلك الثّعبان لمّا كان معجزة لموسى عليه الصّلاة و السّلام،كان من أعظم الآيات الّتي أبانت صدق قول موسى عليه الصّلاة و السّلام في أنّه رسول من ربّ العالمين.(2:221)

أبو حيّان :و انقلابها ثعبانا و انقلاب خشبة لحما و دما قائما به الحياة من أعظم الإعجاز،و يحصل من

ص: 341

انقلابها ثعبانا من التّهويل ما لا يحصل في غيره،و ضربه بها الحجر فينفجر عيونا،و ضربه بها فتنبت-قاله ابن عبّاس-و محاربته بها اللّصوص و السّباع القاصدة غنمه، و اشتعالها في اللّيل كاشتعال الشّمعة،و صيرورتها كالرّشا لينزح بها الماء من البئر العميقة،و تلقّفها الحبال و العصا الّتي للسّحرة،و إبطالها لما صنعوه من كيدهم و سحرهم.[إلى أن قال:]

و ذكروا من اضطراب فرعون و فزعه و هربه و وعده موسى بالإيمان إن عادت إلى حالها،و كثرة من مات من قوم فرعون فزعا،أشياء لم تتعرّض إليها الآية،و لا تثبت في حديث صحيح،فاللّه أعلم بها.(4:357)

الشّربينيّ: (مبين)أي ظاهر أمره لا شكّ فيه أنّه ثعبان،و الثّعبان:الذّكر العظيم من الحيّات.

فإن قيل:أ ليس قال اللّه تعالى في موضع: كَأَنَّها جَانٌّ و الجانّ الحيّة الصّغيرة؟

أجيب بأنّها كانت كالجانّ في الخفّة و الحركة،و هي في جثّتها حيّة عظيمة.[ثمّ ذكر القصّة فراجع]

(1:498)

أبو السّعود :[نحو الشّربينيّ و أضاف:]

و إيثار الجملة الاسميّة للدّلالة على كمال سرعة الانقلاب،و ثبات وصف الثّعبانيّة فيها،كأنّها في الأصل كذلك.[ثمّ ذكر القصّة](3:15)

البروسويّ: و هو الحيّة الصّفراء الذّكر أعظم الحيّات،لها عرف كعرف الفرس.(3:211)

الآلوسيّ: أي حيّة ضخمة طويلة.

(مبين)أي ظاهر أمره لا يشكّ في كونه ثعبانا،فهو إشارة إلى أنّ الصّيرورة حقيقيّة لا تخييليّة.[ثمّ قال نحو أبي السّعود و بعد نقل القصص و الرّوايات قال:]

و على جميع الرّوايات لا تعارض بين ما هنا و قوله سبحانه: كَأَنَّها جَانٌّ بناء على أنّ الجانّ هي الحيّة الصّغيرة لما قالوا:إنّ القصّة غير واحدة،أو أنّ المقصود من ذلك تشبيهها في خفّة الحركة بالجانّ لا بيان جثّتها،أو لما قيل:إنّها انقلبت جانّا و صارت ثعبانا فحكيت الحالتان في آيتين،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيق ذلك.

و الآية من أقوى أدلّة جواز انقلاب الشّيء عن حقيقة كالنّحاس إلى الذّهب،إذ لو كان ذلك تخييلا لبطل الإعجاز،و لم يكن لذكر(مبين)معنى مبين،و ارتكاب غير الظّاهر غير ظاهر،و يدلّ لذلك أيضا أنّه لا مانع في القدرة من توجّه الأمر التّكوينيّ إلى ما ذكر و تخصيص الإرادة له.و القول بأنّ قلب الحقائق محال و القدرة لا تتعلّق به فلا يكون النّحاس ذهبا رصاص مموّه.

و الحقّ جواز الانقلاب إمّا بمعنى أنّه تعالى يخلق بدل النّحاس ذهبا على ما هو رأي المحقّقين،أو بأن يسلب عن أجزاء النّحاس الوصف الّذي صار به نحاسا،و يخلق فيه الوصف الّذي يصير به ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلّمين من تجانس الجواهر و استوائها في قبول الصّفات،و المحال إنّما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا، لامتناع كون الشّيء في الزّمن الواحد نحاسا و ذهبا، و على أحد هذين الاعتبارين توكّأ أئمّة التّفسير في أمر (العصا).(9:20)

رشيد رضا :و هو الذّكر العظيم من الحيّات(مبين) أي ظاهر بيّن لا خفاء في كونه ثعبانا حقيقيّا،يسعى

ص: 342

و ينتقل من مكان إلى آخر،تراه الأعين من غير أن يسحرها ساحر،فيخيّل إليها أنّها تسعى،كما سيأتي من أعمال سحرة فرعون.(9:44)

المراغيّ: [نحو رشيد رضا و أضاف:]

و قد ذكر رواة التّفسير بالمأثور روايات غاية في الغرابة في وصف الثّعبان،ليس لها سند يوثق به،و ما هي إلاّ إسرائيليّات تلقّفها المفسّرون من أهل الكتاب الّذين كانوا يكيدون للإسلام و للعرب،كروايات وهب بن منبّه،و هو فارسيّ الأصل أخرج كسرى والده إلى بلاد اليمن،فأسلم في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و كان ابنه من بعده يختلف إلى بلاده بعد فتحها،و مثله روايات كعب الأحبار الإسرائيليّ،و قد كان كلاهما كثير الرّواية للغرائب الّتي لا يعرف لها أصل معقول و لا منقول،و قومهما كانوا يكيدون للمسلمين الّذين فتحوا بلاد الفرس و أجلوا اليهود من الحجاز.[ثمّ تعرّض لما صدر:من الفرس و اليهود و من عبد اللّه بن سبأ من الفتن للإسلام و في بعض ما ذكره نظر فلاحظ](9:25)

الطّباطبائيّ: و الثّعبان:الحيّة العظيمة،و لا تنافي بين وصفه هاهنا بالثّعبان المبين و بين ما في موضع آخر من قوله تعالى: فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ القصص:31،و الجانّ هي الحيّة الصّغيرة لاختلاف القصّتين كما قيل.فإنّ ذكر الجانّ إنّما جاء في قصّة ليلة الطّور،و قد قال تعالى فيها في موضع آخر:

فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:20 و أمّا ذكر الثّعبان فقد جاء في قصّة إتيانه لفرعون بالآيات حين سأله ذلك.(8:213)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب«المبين»إشارة إلى أنّ تلك العصا الّتي تبدلّت إلى ثعبان حقّا،و لم يكن سحرا و شعبذة و ما شاكل ذلك.على العكس من فعل السّحرة الّذي فعلوه فيما بعد،لأنّه يقول في شأنهم:إنّهم مارسوا الشّعبذة و السّحر،و عملوا ما تصوّره النّاس حيّات تتحرّك،و ما هي بحيّات حقيقة و واقعا.

إنّ ذكر هذه النّقطة أمر ضروريّ،و هي أنّنا نقرأ في الآية(10)من سورة النّمل،و الآية(31)من سورة القصص،أنّ العصا تحرّكت كالجانّ،و«الجانّ»هي الحيّات الصّغيرة السّريعة السّير،و إنّ هذا التّعبير لا ينسجم مع عبارة«ثعبان»الّتي تعني الحيّة العظيمة ظاهرا.

و لكن مع الالتفات إلى أنّ تينك الآيتين ترتبطان ببداية بعثة موسى،و الآية المبحوثة هنا ترتبط بحين مواجهته لفرعون،تنحلّ المشكلة،و كأنّ اللّه أراد أن يوقف موسى على هذه المعجزة العظيمة تدريجا،فهي تظهر في البداية أصغر،و في الموقف اللاّحق تظهر أعظم.

هل يمكن قلب العصا إلى حيّة عظيمة؟!

على كلّ حال لا شكّ في أنّ تبديل«العصا»إلى حيّة عظيمة معجزة،و لا يمكن تفسيرها بالتّحليلات المادّيّة المتعارفة،بل هي من وجهة نظر الإلهيّ الموحّد-الّذي يعتبر جميع قوانين المادّة محكومة للمشيئة الرّبّانيّة- ليس فيها ما يدعو للعجب،أي لا مكان لاستغراب أن تتبدّل قطعة من الخشب إلى حيوان،و هذا الأمر شيء طبيعيّ في ظلّ قدرة عمليّا.

و لكن يجب أن لا ننسى أنّ جميع الحيوانات فى عالم

ص: 343

الطّبيعة توجد من التّراب؛و الأخشاب و النّباتات هي الأخرى من التّراب.غاية ما هنالك أنّ تبديل التّراب إلى حيّة عظيمة يحتاج عادة إلى ملايين السّنين،و لكن في ضوء الإعجاز تقصر هذه المدّة قصرا كبيرا حتّى تتحقّق كلّ تلك التّحوّلات و التّكاملات في لحظة واحدة و بسرعة،و بصورة متلاحقة جدّا،فتتّخذ القطعة من الخشب-الّتي تستطيع وفق الموازين الطّبيعيّة أن تغيّر بهذه الصّورة بعد مضيّ ملايين السّنين-تتّخذ مثل هذه الصّورة في عدّة لحظات.

و الّذين يحاولون أن يجدوا لمعاجز الأنبياء تفسيرات طبيعيّة و مادّيّة،و ينفوا طابعها الإعجازيّ،و يظهروها في صورة سلسلة من المسائل العاديّة،مهما كانت هذه التّفاسير مخالفة لصريح الكتب السّماويّة،إنّ هؤلاء يجب أن يوضّحوا موقفهم:هل هم يؤمنون باللّه و قدرته و يعتبرونه حاكما على قوانين الطّبيعة أم لا؟فإذا كانوا لا يعتبرونه كذلك لم يكن كلام الأنبياء و معجزاتهم إلاّ لغوا لديهم.و إذا كانوا يعتبرون لم يكن ثمّة دليل على نحت مثل هذه التّفسيرات و التّبريرات المقرونة بالتّكلّف و المخالفة لصريح الآيات القرآنيّة.و إن لم نر أحدا من المفسّرين-على ما بينهم من اختلاف السّليقة-عمد إلى هذا التّفسير المادّيّ،و لكن ما قلناه قاعدة كلّيّة.

(5:131)

2- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ. الشّعراء:32

ابن عبّاس: حيّة صفراء ذكر.(307)

يقال:(مبين)له خلق حيّة.(الطّبريّ 19:71)

و معنى(مبين)أنّه ثعبان لا شبهة فيه.

(الطّوسيّ 8:17)

النّقّاش:أنّه اعتمّ الحيّات الصّفر،شعراء العنق.

(الماورديّ 4:169)

الشّريف المرتضى:إن سأل سائل فقال:

ما تقولون في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السّلام: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ، و قال في موضع آخر:

وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ القصص:31،و الثّعبان هو الحيّة العظيمة الخلقة،و الجانّ:الصّغير من الحيّات،فكيف اختلف الوصفان و القصّة واحدة؟و كيف يجوز أن تكون(العصا) في حالة واحدة من صفة ما عظم خلقه من الحيّات و بصفة ما صغر منها؟و بأيّ شيء تزيلون التّناقض عن هذا الكلام؟

الجواب:أوّل ما نقوله:إنّ الّذي ظنّه السّائل من كون الآيتين خبرا عن قصّة واحدة باطل،بل الحالتان مختلفتان،فالحال الّتي أخبر عن(العصا)فيها بصفة الجانّ كانت في ابتداء النّبوّة،و قبل مصير موسى عليه السّلام إلى فرعون،و الحال الّتي صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون و إبلاغه الرّسالة،و التّلاوة تدلّ على ذلك، و إذا اختلفت القصّتان فلا مسألة.

على أنّ قوما من المفسّرين قد تعاطوا الجواب عن هذا السّؤال،إمّا لظنّهم أنّ القصّة واحدة،أو لاعتقادهم أنّ العصا الواحدة لا يجوز أن تنقلب في حالتين،تارة إلى صفة الجانّ،و تارة إلى صفة الثّعبان،أو على سبيل الاستظهار في الحجّة،و أنّ الحال لو كانت واحدة على

ص: 344

ما ظنّ لم يكن بين الآيتين تناقض،و هذا الوجه أحسن ما تكلّفوا الجواب لأجله،لأنّ الأوّلين لا يكونان إلاّ عن غلط أو غفلة،و ذكروا وجهين تزول بكلّ واحد منهما الشّبهة في تأويلها:

أحدهما:أنّه تعالى إنّما شبّهها بالثّعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها،و كبر جسمها،و هول منظرها؛ و شبّهها في الآية الأخرى بالجانّ لسرعة حركتها و نشاطها و خفّتها،فاجتمع لها مع أنّها في جسم الثّعبان و كبر خلقه نشاط الجانّ،و سرعة حركته.و هذا أبهر في باب الإعجاز،و أبلغ في خرق العادة،و لا تناقض معه بين الآيتين،و ليس يجب إذا شبّهها بالثّعبان أن يكون لها جميع صفات الثّعبان،و لا إذا شبّهها بالجانّ أن يكون لها جميع صفاته،و قد قال اللّه تعالى: وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَ أَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا* قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:15،16.

و لم يرد تعالى أنّ الفضّة قوارير على الحقيقة،و إنّما وصفها بذلك لأنّه اجتمع لها صفاء القوارير و شفوفها و رقّتها،مع أنّها من فضّة.و قد تشبّه العرب الشّيء بغيره في بعض وجوهه،فيشبّهون المرأة بالظّبية و البقرة.و نحن نعلم أنّ في الظّباء و البقر من الصّفات ما لا يستحسن أن يكون في النّساء،و إنّما وقع التّشبيه في صفة دون صفة، و من وجه دون وجه.

و الجواب الثّاني:أنّه تعالى لم يرد بذكر الجانّ في الآية الأخرى الحيّة،و إنّما أراد أحد الجنّ؛فكأنّه تعالى خبّر بأنّ العصا صارت ثعبانا في الخلقة و عظم الجسم،و كانت مع ذلك كأحد الجنّ في هول المنظر و إفزاعها لمن شاهدها،و لهذا قال تعالى: فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ.

و يمكن أن يكون في الآية تأويل آخر استخرجناه، إن لم يزد على الوجهين الأوّلين لم ينقص عنهما.و الوجه في تكلّفنا له ما بيّنّاه من الاستظهار في الحجّة،و أنّ التّناقض الّذي توهّم زائل على كلّ وجه،و هو أنّ العصا لمّا انقلبت حيّة صارت أوّلا بصفة الجانّ و على صورته، ثمّ صارت بصفة الثّعبان على تدريج،و لم تصر كذلك ضربة واحدة.فتتّفق الآيتان على هذا التّأويل، و لا يختلف حكمهما،و تكون الآية الأولى الّتي تتضمّن ذكر الثّعبان إخبارا عن غاية حال العصا،و تكون الآية الثّانية تتضمّن ذكر الحال الّتي ولّى موسى فيها هاربا، و هي حال انقلاب العصا إلى خلقة الجانّ،و إن كانت بعد ذلك الحال انتهت إلى صورة الثّعبان.

فإن قيل على هذا الوجه:كيف يصحّ ما ذكرتموه مع قوله تعالى: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ، و هذا يقتضي أنّها صارت ثعبانا بعد الإلقاء بلا فصل؟

قلنا:تفيد الآية ما ظنّ،و إنّما فائدة قوله تعالى:

فَإِذا هِيَ الإخبار عن قرب الحال الّتي صارت فيها بتلك الصّفة،و أنّه لم يطل الزّمان في مصيرها كذلك، و يجري هذا مجرى قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ يس:77،مع تباعد ما بين كونه نطفة و كونه خصيما مبينا،و قولهم:

ركب فلان من منزله فإذا هو في ضيعته،و سقط من أعلى الحائط فإذا هو في الأرض.و نحن نعلم أنّ بين خروجه من منزله و بلوغه ضيعته زمانا،و أنّه لم يصل إليها إلاّ

ص: 345

على تدريج،و كذلك الهابط من الحائط.و إنّما فائدة الكلام الإخبار عن تقارب الزّمان،و أنّه لم يطل و لم يمتدّ.

(1:25)

الطّوسيّ: و هي الحيّة العظيمة.[إلى أن قال:]

و في قلب العصا حيّة دلالتان:

إحداهما:دلالة على اللّه تعالى،لأنّه ممّا لا يقدر عليه إلاّ هو،و ليس ممّا يلتبس بإيجاب الطّبائع،لأنّه اختراع للانقلاب في الحال.

و الثّاني:دلالة على النّبوّة،بموافقته الدّعوة،مع رجوعها إلى حالتها الأولى لمّا قبض عليها.و قيل:الثّعبان الحيّة الذّكر،و وصفه تعالى العصا هاهنا بأنّها صارت مثل الثّعبان،لا ينافي قوله: كَأَنَّها جَانٌّ القصص:31، من وجوه:

أحدها:أنّه تعالى لم يقل:فإذا هي جانّ،كما وصفها بأنّها ثعبان،و إنّما شبّهها بالجانّ،و لا يجوز أن تكون مثله على كلّ حال.

و الثّاني:أنّه وصفها بالثّعبان في عظمها،و بالجانّ في سرعة حركتها،فكأنّها مع كبرها في صفة الجانّ لسرعة الحركة؛و ذلك أبلغ في الإعجاز.

و ثالثها:أنّه أراد أنّها صارت مثل الجانّ في أوّل حالها،ثمّ تدرّجت إلى أن صارت مثل الثّعبان؛و ذلك أيضا أبلغ في باب الإعجاز.

و رابعها:أنّ الحالين مختلفان،لأنّ إحداهما كانت حين ألقى موسى فصارت العصا كالثّعبان،و الحالة الأخرى حين أوحى اللّه إليه و ناداه من الشّجرة.

(8:18)

الميبديّ: يعني حيّة ذكرا أصفر أشعر العنق عظيما،ملأ الدّار،قائما على ذنبه،يتلمّظ على فرعون و قومه،يرعبهم،يقال:الثّعبان العظيم الطّويل،و هو أعظم الحيّات.(7:102)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ الشّعراء:30،يدلّ على أنّ اللّه تعالى قبل أن ألقى العصا عرّفه بأنّه يصيّرها ثعبانا،و لو لا ذلك لما قال ما قال:فلمّا ألقى عصاه ظهر ما وعده اللّه به فصار ثعبانا مبينا،و المراد أنّه تبيّن للنّاظرين أنّه ثعبان بحركاته و بسائر العلامات.

و روي أنّه لمّا انقلبت حيّة ارتفعت في السّماء قدر ميل ثمّ انحطّت مقبلة إلى فرعون،و جعلت تقول:

يا موسى مرني بما شئت،و يقول فرعون:يا موسى أسألك بالّذي أرسلك إلاّ أخذتها،فعادت عصا.

فإن قيل:كيف قال:هاهنا ثُعْبانٌ مُبِينٌ و في آية أخرى فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى، و في آية ثالثة كَأَنَّها جَانٌّ و الجانّ مائل إلى الصّغر و الثّعبان مائل إلى الكبر؟

جوابه:أمّا الحيّة فهي اسم الجنس ثمّ إنّها لكبرها صارت ثعبانا،و شبّهها بالجانّ لخفّتها و سرعتها،فصحّ الكلامان.

و يحتمل أنّه شبّهها بالشّيطان،لقوله تعالى:

وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27، و يحتمل أنّها كانت أوّلا صغيرة كالجانّ ثمّ عظمت فصارت ثعبانا.(24:131)

نحوه الشّربينيّ.(3:9)

النّسفيّ: (ثعبان مبين)ظاهر الثّعبانيّة،لا شيء

ص: 346

يشبه الثّعبان كما تكون الأشياء المزوّرة بالشّعوذة و السّحر.(3:182)

البروسويّ: [التّأويل]

و فيه إشارة إلى إلقاء القلب عصا الذّكر و هو كلمة «لا إله إلاّ اللّه»فإذا هي ثعبان مبين يلتقم بفم النّفي ما سوى اللّه.(6:271)

الآلوسيّ: ظاهر ثعبانيّته،أي ليس بتمويه و تخييل كما يفعله السّحرة،و الثّعبان أعظم ما يكون من الحيّات.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ نفس العصا انقلبت ثعبانا،و ليس ذلك بمحال إذا كان بسلب الوصف الّذي صارت به عصا و خلقه وصف الّذي يصير ثعبانا،بناء على رأي بعض المتكلّمين،من تجانس الجواهر و استوائها في قبول الصّفات.إنّما المحال انقلابها ثعبانا مع كونها عصا،لامتناع كون الشّيء الواحد في الزّمن الواحد عصا و ثعبانا.

و قيل:إنّ ذلك بخلق الثّعبان بدلها،و ظواهر الآيات تبعد ذلك.

و قد جاء في الأخبار ما يدلّ على مزيد عظم هذا الثّعبان و لا يعجز اللّه تعالى شيء،و قد مرّ بيان كيفيّة الحال.(19:75)

نحوه المراغيّ.(19:56)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّعب،أي مسيل الماء، و الجمع:ثعبان،يقال:ماء ثعب و ثعب و أثعوب و أثعبان، أي سائل،و كذا يقال للدّم.و الفعل منه:ثعب الماء و الدّم و نحوهما يثعبه ثعبا فانثعب:أساله و فجّره،و انثعب المطر:سال،و انثعب الماء:جرى في المثعب،و المثعب:

الحوض أو صنبوره و المرزاب،و الجمع:مثاعب.

و الأثعوب:ما انثعب،يقال:سيل أثعوب،أي جار ينثعب.

و الأثعبيّ و الأثعبان:الوجه الضّخم في حسن و بياض،يقال:وجه أثعبانيّ،تشبيها بالمشعب،أو ببطن الثعبان.

و الثّعبان:ضرب من الحيّات طوال،و الجمع:

ثعابين،شبّه لطوله بالثّعب أو الثّعب،أي مسيل الماء كما تقدّم.

و الثّعبة:ضرب من الوزغ،و الجمع:ثعب،لسرعتها في حركتها كجريان الماء.

2-و لعلّ لفظ«الثّعبان»-بمعنى الحيّة-كان مصدرا في الأصل مثل:القربان،أو صفة مثل:العريان،أو جمع ثعب أو ثعب،مثل:ظهر و ظهران،و ذكر و ذكران،لأنّ «فعلانا»يأتي جمعا ل«فعل»أو«فعل»،إذا كانا صحيحي العين.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«ثعبان»مرّتين في سياق واحد:

فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ

الأعراف:107،و الشّعراء:32

يلاحظ أوّلا:أنّ في الآية-بكلا الموضعين-معجزة لموسى أمام فرعون لمّا طلبها من موسى،و هي العصا، و تلتها معجزة أخرى هي اليد البيضاء.

ص: 347

ففي الأعراف(104-108): وَ قالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ* قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ.

و في الشّعراء(30-33): قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ.

و هناك آيات تحكي قصّة إلقاء موسى عصاه كمعجزة أمام الجمهور في اليوم الموعود إبطالا لسحر السّحرة:

قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى* قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى* قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى* وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى طه:65-69.

قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ* قالَ أَلْقُوا فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ* وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:115-118.

قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ* فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ الشّعراء:

43-45

و هناك آيات أخرى في هذا الشّأن تحكي بداية رسالة موسى في الطّور،و هي من حيث زمن الوقوع مقدّمة طبعا على الآيات السّابقة: فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ* اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ القصص:30-32

فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها وَ سُبْحانَ اللّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ* إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ النّمل:8-12.

وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى* قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى* قالَ أَلْقِها يا مُوسى* فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى* قالَ خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى* وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى* لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى طه:17-23.

ص: 348

ثانيا:تلحظ في هذه الآيات و تتكشّف منها أمور:

1-إنّها جميعا مكّيّة،جاءت إقناعا للمشركين الّذين طلبوا من النّبيّ الإتيان بآيات و معجزات سوى القرآن.و كان يجيبهم بأنّ الآيات عند اللّه،و أنّه قادر على الإتيان بها،كما أتى بها للأمم السّابقة،إلاّ أنّه اختار لي القرآن آية على أنّ معظم القصص القرآنيّة حول الأنبياء جاءت في المكّيّات،إقناعا للمشركين بمكّة، و هم الرّعيل الأوّل من المنكرين للنّبوءات عامّة،و لنبوّة نبيّنا عليه السّلام خاصّة.

2-إنّه كان لموسى عليه السّلام في آيتي العصا و اليد البيضاء ثلاثة مواقف في ثلاث طوائف من الآيات،بهذا التّرتيب:

أ-موقف التّعريف و التّجربة في الطّور أمام اللّه،جاء في الطّائفة الأخيرة من الآيات ثلاث مرّات.

ب-موقف الإجراء و الاحتجاج أمام فرعون،جاء في الطّائفة الأولى منها مرّتين.

ج-موقف المجابهة لسحر السّحرة أمام الجمهور، جاء في الطّائفة الوسطى ثلاث مرّات.

3-و ها نحن نوضّح القول في هذه المواقف الثّلاثة:

الموقف الأوّل:

أ-جاء عقيب رؤية موسى النّار على الشّجرة في الوادي الأيمن من الطّور،و أنّه نودي منها،و أنّ اللّه عرّف نفسه بدء لموسى في«القصص»ب إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ، و في«النّمل»: إِنَّهُ أَنَا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، و في طه(12-14): إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى* إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.

ممّا ينبئ بأنّ اللّه تعالى وصف نفسه بهذه الأوصاف جميعا،و فرّقها على السّور الثّلاث.أو هي نقل بالمعنى و بالإجمال و التّفصيل لنكات بلاغيّة،و ما أكثره في القرآن!و لا سيّما في قصص الأنبياء،[لاحظ بحث القصص من«المدخل»]فركّز-في القصص-إجمالا أنّه ربّ العالمين،و في«النّمل»أنّه العزيز الحكيم،و في «طه»تفصيلا إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، فاعرف موقفك أمامي و في الموضع الّذي أنت فيه،و هو الوادي المقدّس،و أنّني أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى. ثمّ قال: إِنَّنِي أَنَا اللّهُ...، مع ما فيها من التّأكيد و التّفصيل،إضافة إلى ما جاء في«القصص»و«النّمل».

ب-ثمّ تلاها في السّورتين مباشرة حديث إلقاء موسى عصاه،بألفاظ متقاربة«و ألق»أو أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ. ثمّ اختلفتا في حديث خوف موسى،ففي «القصص»: يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ، و في«النّمل»: يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ....

ج-ثمّ تلاهما حديث اليد البيضاء بتفاوت،مثل:

اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ و أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، [لاحظ«البيضاء»من(ب ي ض)]مع إضافة في «النّمل»: فِي تِسْعِ آياتٍ، و قد جاء فيهما في تبديل العصا: كَأَنَّها جَانٌّ.

أمّا في«طه»فهذه التّجربة بدأت بأخذ الاعتراف من موسى،في وصف عصاه بأوصاف عاديّة توجد في

ص: 349

كلّ عصا،فاقدة أيّ خصلة خارقة للعادة: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى... طه:17.

و هي نكتة عريقة في البلاغة،لم ترد في«القصص» و«النّمل»،و جاء فيها بدل كَأَنَّها جَانٌّ قوله: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى، و سنتناولهما بالبحث في«ثعبان».

و جاء في شأن خوف موسى قالَ خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى، و فيه اطمئنان و تسكين أكثر لموسى؛حيث أعادها إلى سيرتها الأولى.و جاء في شأن اليد البيضاء بدل اُسْلُكْ يَدَكَ و أَدْخِلْ يَدَكَ قوله:

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ [لاحظ«البيضاء»] و فيها إضافة لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى.

الموقف الثّاني:جاء مرّتين في«الأعراف» و«الشّعراء»،حيث أعلن موسى برسالته أمام فرعون فأنكرها،فأخبره بأنّ له آية على رسالته بألفاظ متفاوتة،فأذن فرعون له تشكيكا فيها فَأْتِ بِها (أو به) إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ. ثمّ تلتهما جملتان متجانستان،متشابهتان تماما و صارمتان في شأن العصا و اليد البيضاء: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ.

و كأنّ هذا التّعبير الجازم فيهما ردّ و مقابلة لتشكيك فرعون في صدق موسى بقوله: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ. و فيهما تلاحم في المعنى بين ثُعْبانٌ مُبِينٌ و بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ، فإنّ«المبين»هو الأمر الواضح للعيان،مثل: بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ.

الموقف الثّالث:جاء ثلاث مرّات في ثلاث سور:

الأعراف و طه و الشّعراء بتفاوت كبير:

أ-ففي«الأعراف»و«طه»قال السّحرة لموسى:إمّا أن تلقي أنت أوّلا،أو نلقي نحن،فقال لهم:بل ألقوا أنتم أوّلا.أمّا في«الشّعراء»فاكتفى بقوله: قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ.

ب-و في«الأعراف»: فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ، و في«طه»:

فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى، و في«الشّعراء»: فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ.

ج-و في«طه»: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى* قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى، و لم يأت حديث خوف موسى في الأعراف و الشّعراء.

د-و اشتركت الشّعراء و الأعراف في قوله: فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ، و اختصّت«طه»بقوله: وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى، لاحظ«ل ق ف» و«ص ن ع».

ثالثا:حول هذه الآيات بحوث:

الأوّل:جاء في آيتين كَأَنَّها جَانٌّ، و في آية فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى، و في آيتين فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ. فقالوا:إنّ الجانّ حيّة صغيرة،و الثّعبان:حيّة كبيرة،و اكتفى أكثرهم باختلاف آيات الجانّ و الثّعبان، و ضمّ بعضهم إليها آية حَيَّةٌ تَسْعى. و قد أطالوا البحث فيها،فاعترف بعضهم باختلاف الموقفين،و لم يعترف به بعض آخر.و جملة ما ذكروه من الوجوه:

1-إنّها كانت كالجانّ في خفّة الحركة،و كالثّعبان في

ص: 350

عظم الجسم،و أمّا الحيّة فاسم جنس ينطبق عليهما.

2-إنّها كانت كالجانّ في أوّل أمرها،ثمّ انقلبت تدريجيّا إلى ثعبان.

3-إنّ المراد من«الجانّ»الجنّ،لقوله تعالى:

وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27، فلاحظ النّصوص،و لا سيّما نصّ الشّريف المرتضى و الفخر الرّازيّ.

و الحقّ أنّ المواقف الثّلاثة مختلفة،فجاء في آيات الموقف الأوّل كَأَنَّها جَانٌّ مرّتين،و فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى مرّة.و جاء في آيات الموقف الثّاني فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ مرّتين،و لم يذكر في آيات الموقف الثّالث «جانّ»و«ثعبان»و«حيّة»،سوى تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ أو تَلْقَفْ ما صَنَعُوا فينبغي أن يركّز البحث فيها حول سرّ اختلاف التّعبير في هذه المواقف.

كان المغزى في الموقف الأوّل هو التّعريف و التّجريب لموسى من قبل اللّه،دون الاحتجاج و التّخويف،فلوحظ فيه اللّين في الكلام فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ مرّتين في النّمل و القصص،و ترتيبهما (48)و(49)من السّور المكّيّة،تركيزا لرؤية موسى إيّاها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ، دون أن يقول:«فإذا هي جانّ»و شتّان ما بين التّعبيرين لينا و شدّة.و جاء شيء من الشّدّة في آية«طه»،و ترتيبها(45)من المكّيّات حسب قائمة السّور الّتي بين أيدينا،و هي مقدّمة على هاتين السّورتين: فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى.

و معلوم أنّ في هذا التّعبير تشديدا و تهويلا،ليس في تلك الآيتين لأمرين:الإتيان بجملة اسميّة-بدل التّشبيه- تحمل المفاجأة،و الإتيان ب حَيَّةٌ تَسْعى بدل تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ. ف حَيَّةٌ تَسْعى تمثيل بأنّها أعظم جسما و أشدّ تحرّكا و هولا من تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ، فكأنّ اللّه صوّر لنا في«طه»-و هي مقدّمة نزولا على النّمل و القصص-بداية حال موسى؛حيث فاجأته حيّة تسعى،ثمّ مثّل لنا حالته بعد الاستئناس بها و سكونه إليها،في سورتين متتاليتين-النّمل و القصص-بأنّه رآها تهتزّ كأنّها جانّ.

و كان المغزى في الموقف الثّاني هو الاحتجاج و التّخويف لفرعون،فجاء في جملة اسميّة صارمة مفاجأة فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ في سورتي الأعراف و الشّعراء المرقّمتين(39)و(47)من المكّيّات،و معلوم أنّ هذا التّعبير أشدّ تمثيلا و هولا ممّا سبق في الموقف الأوّل.

أمّا المغزى في الموقف الثّالث فلم يكن تجريبا و لا احتجاجا و تخويفا،بل مجابهة و إبطالا لسحر السّحرة،دون الاعتبار بتمثيل العصا حيّة أو ثعبانا، فجاءت النّتيجة في جملة اسميّة جازمة مفاجأة فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ أو(ما يصنعون)،لاحظ«أ ف ك»، و«ص ن ع».

الثّاني:جاءت في شأن الثّعبان مبالغات في التّفاسير، يظنّ أنّها إسرائيليّة،ليست في القرآن و لم تنقل في حديث صحيح،بل استندت إلى أمثال وهب بن منبّه و كعب الأحبار،و غيرهما من أهل الكتاب الّذين قيل في شأنهم:إنّهم كانوا يكيدون للإسلام بهذه الأساطير،مثل أنّ الثّعبان وضع فكّه الأعلى فوق القصر و فكّه الأسفل تحت القصر،و أنّ فرعون فرّ و أحدث و أخذه البطن في

ص: 351

ذلك اليوم أربعمائة مرّة،و أنّ الثّعبان كان ذكرا أشقر فاغرا فاه،و له عرف كعرف الفرس...و أنّ النّاس انهزموا منه،فمات منهم خمسة و عشرون ألفا،و قتل بعضهم بعضا و نحوها.

و قد ملأت-مع الأسف-أمثال هذه الأساطير حول القصص القرآنيّة التّفاسير،و شغلت القصّاص و الوعّاظ،أنسوا و اهتمّوا بها طوال ألف سنة أو أكثر.

و أوّل من شكّك فيها-فيما عندنا من التّفاسير-أبو حيّان، و تبعه رشيد رضا و المراغيّ،و غيرهما من المعاصرين.

الثّالث:تعرّض الفخر الرّازيّ لشبهة الطّبيعيّين باستحالة انقلاب العصا ثعبانا،لأنّها خلاف الطّبيعة،و قد أجاب عنها.و هذه الشّبهة لا تختصّ بالطّبيعيّين المنكرين للّه،بل هي مطروحة عند الفلاسفة الإلهيّين و بعض المتكلّمين الّذين التزموا النّظام الجبريّ للعالم،و أنكروا مشيئة اللّه كصفة فعليّة له،و قد أصرّ القرآن عليها في آيات،مثل: وَ لكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ البقرة:253، و يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ الرّعد:

39،لاحظ«ش ي أ»و«رود».

الرّابع:ذكر الخازن و غيره في ثُعْبانٌ مُبِينٌ أنّها أبانت صدق قول موسى،ففسّرها متعدّية،و قد قلنا:إنّ «مبينا»في القرآن بمعنى الواضح الظّاهر،و أنّ«بان» و«أبان»لازمان،لاحظ«ب ي ن».

الخامس:جاء في آيات الموقف الأوّل-و هي تحمل بداية تجربة موسى للعصا-حديث خوف موسى،و أنّه ولّى و لم يعقّب.و هذا دليل على أنّ المعجزات ليست من فعل الأنبياء،بل هي من فعل اللّه،تحدث على أيدي الأنبياء بمشيئة اللّه تعالى،و هذا ما نسبه أمين الإسلام الطّبرسيّ في تفسيره(مجمع البيان)إلى أصحابنا الإماميّة.

السّادس:جاء الموقف الأوّل و الأخير ثلاث مرّات،و الموقف الثّاني مرّتين،بقدر الاهتمام بهذه المواقف،فإنّ موقف تجربة موسى و إبطال سحر السّحرة أهمّ من موقف الاحتجاج أمام فرعون،كما لا يخفى.

السّابع:جاء خوف موسى من سحر السّحرة و ردع اللّه إيّاه،و وعده الغلبة عليهم،و أنّهم صنعوا سحرا، و لا يفلح السّاحر أبدا،في(طه:70)فقط: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى* قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى* وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى.

و لم يأت حديث الخوف في الأعراف،كأنّه فيها أمر هيّن لا يهتمّ بذكره.

الثّامن:جاء في«طه»: فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أي إلى موسى مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى، فعرّضه للخوف.أمّا في«الأعراف»فجاء مكان خوف موسى خوف النّاس: فَلَمّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ. فيبدو أنّ اللّه قسّم الخوفين على السّورتين،إلاّ أنّ خوف موسى كان أقلّ من خوف النّاس بكثير،فلم يكن سوى إيجاس الخوف في نفسه،أمّا النّاس فقد سحروا أعينهم و استرهبوهم و جاءوا بسحر عظيم،و هذا هو الفارق بين نبيّ اللّه موسى-و هو بشر-و بين سائر النّاس.

التّاسع:يفهم من سياق الآيات أنّ سحرهم لم يكن سوى التّمثيل في النّفوس و التّعمية في الأبصار.و لم يكن

ص: 352

له حقيقة سوى ذلك،و هذا نوع من السّحر،و له أنواع أخرى ذكرها الفقهاء في«تحريم السّحر»،فلاحظ «المكاسب المحرّمة»للشّيخ الأنصاريّ.

العاشر:أنّ التّعبير ب«الق)و(القوا)في آيات المواقف الثّلاثة،كأنّه رمز إلى أنّ المعجزة تقع بقدرة اللّه بعمل يسير و هيّن من قبل موسى،و هو إلقاؤه عصاه، و لم يكن له دخل في تلك المعجزة الكبرى سوى ذلك، لاحظ«ل ق ي»كما أنّ السّحرة ألقوا حبالهم و عصيّهم أيضا،فشابه فعلهم فعل موسى ظاهرا،و لكنّهما اختلفا في واقع الأمر؛حيث كان عملهم سحرا صنعوه بأيديهم، و كان عمل موسى معجزة من قبل اللّه تعالى.

الحادي عشر:نصّ على أنّ العصا كانت بيمين موسى مرّتين،مرّة في الموقف الأوّل: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، و أخرى في الموقف الثّالث: وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ. و كأنّه تذكار و تسجيل لموسى بأنّ ما كان في يمينك في الطّور و صيّرناه حيّة هو الّذي يلقف ما يأفكون.

و منها نستظهر أنّ العصا ينبغي أن تؤخذ باليد اليمنى،كما هو المعمول لدى النّاس،دون اليسرى.

الثّاني عشر:و هناك فروق أخرى في الآيات،و في كلّ منها نكتة ينبغي الالتفات إليها و التّدبّر فيها، لنستزيد من بلاغة القرآن أكثر فأكثر،لاحظ«موسى».

ص: 353

ص: 354

ث ق ب

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

ثاقب 1:1 الثّاقب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّقب:مصدر ثقبت الشّيء أثقبه ثقبا، و الثّقب:اسم لما نفذ.

و المثقب:أداة يثقب بها.

و الثّقوب مصدر النّار الثّاقبة،و الكواكب و نحوه،أي التّلألؤ،و ثقب يثقب.

و حسب ثاقب:مشهور مرتفع.

و رجل ثقيب و امرأة ثقيبة:شديدة الحمرة،و قد ثقب يثقب ثقابة.

و يثقب:موضع بالبادية.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:139)

اللّيث: و الثّقوب:ما يثقب به النّار.(الأزهريّ 9:84)

الكسائيّ: الثّاقب:من يثقب ثقوبا و ثقابة.

(الحربيّ 2:739)

أبو زيد :أثقبت النّار أثقبها إثقابا،و تثقّبتها أتثقّبها تثقّبا،إذا قدحتها.

و يقال:ثقبت النّار ثقوبا،إذا قدحت في البعر و الخشب من غير التهاب.(الحربيّ 2:739)

الثّقيب من الإبل:الغزيرة اللّبن،و قد ثقبت تثقب ثقوبا،إذا غزرت.

الثّاقب:الغزيرة من الإبل،على«فاعل».

تثقّبت النّار فأنا أتثقّبها تثقّبا،و أثقبتها إثقابا، و ثقّبت بها تثقيبا،و مسّكت بها تمسيكا،و ذلك إذا فحصت لها في الأرض ثمّ جعلت عليها بعرا و ضراما ثمّ دفنتها في التّراب.و يقال:تثقّبتها تثقّبا حين تقدحها.

(الأزهريّ 9:84)

الأصمعيّ: حسب ثاقب:نيّر متوقّد.و علم ثاقب منه.(الأزهريّ 9:84)

ابن الأعرابيّ: في حديث الحجّاج:«فما قال فيها (1)

ص: 355


1- أي فما قال في مسألة الفرائض«المخمّسة»الّتي اختلف فيها خمسة من الصّحابة.

ابن عبّاس إن كان لمثقبا»

قال:المثقب:الرّجل العالم الفطن.

(الخطّابيّ 3:173)

ابن دريد :و ثقبت النّار تثقب ثقوبا،إذا أضاءت، و كذلك النّجم إذا أضاء،و النّجم ثاقب.

و الثّقاب:كلّ ما ثقبت به النّار من حرّاق أو غيره؛ و هو الثّقوب أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و اللّغة الفصيحة:أثقبت النّار إثقابا فثقبت.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل ثاقب الرّأي،إذا كان جزلا نظّارا.

و ثقبت الشّيء أثقبه ثقبا،إذا أنفذته،و لا يكون الثّقب إلاّ نافذا.

و صناعة الثّاقب:الثّقابة.

و كلّ حديدة ثقبت بها فهي مثقب.و ربّما سمّي الرّجل الجيّد الرّأي مثقبا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّقاب:ركايا تحفر في بطن الأرض ينفذ بعضها إلى بعض.

و الثّقاب:الهواء.

و الأثقوب:الرّجل الدّخّال في الأمور.

و المثقب:طريق في حرّة أو غلظ،و كان فيما مضى طريق بين اليمامة و الكوفة يسمّى مثقبا.

و مثقب:طريق بين الشّام و الكوفة،كان يسلك في أيّام بني أميّة.(1:202)

الأزهريّ: و يقال:هب لي ثقوبا،أي حرّاقا،و هو ما أثقبت به النّار،أي أوقدتها به.

و يقال:ثقب الزّند يثقب ثقوبا،إذا سقطت الشّرارة؛ أو ثقبتها أنا إثقابا.و زند ثاقب،و هو الّذي إذا قدح ظهرت ناره.

و لؤلؤات مثاقيب،واحدها:مثقوب.

و طريق العراق من الكوفة إلى مكّة،يقال له:

مثقب.

يقال:إنّها لثقيب من الإبل،و هي الّتي تحالب غزار الإبل فتغزرهنّ.(9:84)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الثّقوب:الحرّاق.و ثقب الزّند،إذا وقعت فيه الشّرارة.و الثّقوب:ما توقد به النّار.

و الثّقيب و الثّقيبة من الرّجال و النّساء:الشّديد الحمرة،و المصدر:الثّقابة.

و يثقب:موضع بالبادية.

و يقال للعرفج إذا مطر و لان عوده:قد ثقّب عوده، و كذلك إذا جرى الماء فيه و أورق.

و الثّاقب و الثّقيب من النّوق:الغزيرة،ثقبت النّاقة تثقب ثقوبا.

و ثقّبه الشّيب تثقيبا:لأوّل ما يظهر.

و إذا بثر البثر بإنسان العين فهي الثّقابة.

و أتتني عنهم عين ثاقبة،أي خبر يقين.

و مثقب:طريق العراق إلى مكّة.(5:382)

الجوهريّ: الثّقب بالفتح:واحد الثّقوب.و الثّقب بالضّمّ:جمع ثقبة،و يجمع أيضا على ثقب.

و المثقب:ما يثقب به.

و ثقبت الشّيء ثقبا،و ثقّبته،شدّد للكثرة.

و درّ مثقّب،أي مثقوب.

ص: 356

و تثقّب الجلد،إذا ثقّبه الحلم.

و تثقيب النّار:تذكيتها.

و يقال أيضا:ثقّب عود العرفج،و ذلك إذا مطر و لان عوده.

فإذا اسودّ شيئا قيل:قد قمل،فإذا زاد قليلا قيل:قد أدبى،و هو حينئذ يصلح أن يؤكل،فإذا تمّت خوصته قيل:قد أخوص.

و ثقبت النّار تثقب ثقوبا و ثقابة،إذا اتّقدت، و أثقبتها أنا.

و شهاب ثاقب،أي مضيء.

و يقال أيضا:ثقبت النّاقة،أي غزرت،فهي ثاقب.

و الثّقوب بالفتح:ما تشعل به النّار،من دقاق العيدان.(1:93)

ابن فارس: الثّاء و القاف و الباء كلمة واحدة، و هو أن ينفذ الشّيء،يقال:ثقبت الشّيء أثقبه ثقبا.

و الثّاقب في قوله تعالى: اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ الطّارق:

3،قالوا:هو نجم ينفذ السّماوات كلّها نوره.

و يقال:ثقبت النّار،إذا ذكّيتها،و ذلك الشّيء ثقبة و ذكوة.و إنّما قيل ذلك،لأنّ ضوءها ينفذ.(1:382)

ابن سيده: الثّقب:الخرق النّافذ،و الجمع:أثقب، و ثقوب.

و قد ثقبه يثقبه ثقبا،و ثقّبه فانثقب،و تثقّب.و تثقّبه:

كثقبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المثقب:الآلة الّتي يثقب بها.

و المثقّب:شاعر.

و ثقّب عود العرفج:مطر فلان عوده.

و ثقبت النّار تثقب ثقوبا:اتّقدت.و ثقّبها هو، و أثقبها،و تثقّبها.

و الثّقاب،و الثّقوب:ما أثقبها به.

و ثقب الكوكب ثقوبا:أضاء.

و(النّجم الثّاقب)قيل:هو زحل،و في التّنزيل:

وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ* اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ الطّارق:2،3.

و ثقبت الرّائحة:سطعت و هاجت.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثقبت النّاقة تثقب ثقوبا،و هي ثاقب:غزر لبنها.

و ثقب رأيه ثقوبا:نفذ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مثقب:نافذ الرّأي.

و أثقوب:دخّال في الأمور.

و ثقّبه الشّيب،و ثقّب فيه،الأخيرة عن ابن الأعرابيّ:ظهر عليه.و قيل:هو أوّل ما يظهر.

و الثّقيب:الشّديد الحمرة.

و المثقب.طريق في حرّة و غلظ،و كان فيما مضى:

طريق بين اليمامة و الكوفة يسمّى مثقبا.

و ثقيب:طريق بعينه.

و قيل:هو ماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يثقب:موضع بالبادية.(6:357)

الرّاغب: الثّاقب:الّذي يثقب بنوره و إصابته ما يقع عليه،قال اللّه تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ الصّافّات:10،و قال تعالى: وَ السَّماءِ وَ الطّارِقِ* وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ* اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ الطّارق:1-3، و أصله من الثّقبة.

و المثقب:الطّريق في الجبل الّذي كأنّه قد ثقب.

ص: 357

و قال أبو عمرو:و الصّحيح المثقب.

و قالوا:ثقّبت النّار،أي ذكّيتها.(79)

الزّمخشريّ: ثقب الشّيء بالمثقب،و ثقب القدّاح عينه ليخرج الماء النّازل.و ثقّب اللّئال الدّرّ،و درّ مثقّب، و عنده درّ عذارى:لم يثقّبن.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثقّبن البراقع لعيونهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثقّب الحلم الجلد فتثقّب.

و هذا إهاب متثقّب،و فيه ثقب،و ثقبة،و ثقوب، و ثقب.

و من المجاز:كوكب ثاقب و درّيّ:شديد الإضاءة و التّلألؤ،كأنّه يثقب الظّلمة فينفذ فيها و يدرؤها،و قد ثقب ثقوبا،و كذلك السّراج و النّار.و ثقّبتهما،و أثقبتهما.

و أثقب نارك بثقوب،و هو ما تثقب به من حرّاق و بعر و نحوهما.و رجل ثقيب،و امرأة ثقيبة مشبهان للهب النّار في شدّة حمرتهما،و فيهما ثقابة.

و حسب ثاقب:شهير.

و رجل ثاقب الرّأي،إذا كان جزلا نظّارا.و أتتني عنك عين ثاقبة،أي خبر يقين.و ثقّب الطّائر،إذا حلّق كأنّه يثقب السّكاك.و ثقّب الشّيب في اللّحية:أخذ في نواحيها.

و يقال:ثقّبه الشّيب،إذا و خطه.و هو طلاّع المثاقب،أي الثّنايا،الواحد مثقب،لأنّه ينفذ في الجبل، فكأنّه يثقبه.و منه قيل لطريق العراق إلى مكّة:المثقب، يقال:سلكوا المثقب،أي مضوا إلى مكّة.

و ثقب غزر النّاقة،و ناقة ثاقب.و عن أبي زيد يقال:إنّ الفلانة لثقيب،و هي الغزيرة تحالب غزار الإبل فتغزرهنّ،و قد ثقبت ثقابة،أي للغزر فيها منافذ،و نوق ثقب،و منه:ثقب عود العرفج و ثقّب،إذا جرى فيه الماء،و أورق.(أساس البلاغة:45)

الطّوسيّ: الثّاقب المضيء المنير،و ثقوبه توقّده و تنوره،تقول العرب:اثقب نارك أي اشعلها حتّى تضيء.و ثقب لسانها بخروج الشّعاع منها و الثّاقب أيضا العالي الشّديد العلوّ،تقول العرب للطّائر إذا ارتفع ارتفاعا شديدا:قد ثقب كلّه كأنّه ثقب الجوّ الأعلى.

(10:324)

نحوه الطّبرسيّ.(5:470)

الصّغانيّ: يقال:أثقب نارك إثقابا،أي أوقدها مثل ثقّبها.

و الثّاقب:النّجم الّذي ارتفع على النّجوم،من قول العرب للطّائر إذا لحق ببطن السّماء:قد ثقب.و يقال:

حسب ثاقب،إذا وصف بالارتفاع.

و الثّقيب و الثّقيبة من الرّجال و النّساء:الشّديد الحمرة،و المصدر:الثّقابة،و قد ثقب يثقب.

و طريق العراق من الكوفة إلى مكّة-حرسها اللّه تعالى-يقال له:مثقب بالكسر.

و المثقب:الطّريق العظيم،قاله أبو عمرو،ليس بتصحيف المنقب بالنّون.

و صناعة الثّاقب:ثقابة بالكسر.(1:78)

الفيّوميّ: ثقبته ثقبا،من باب«قتل»:خرقته بالمثقب بكسر الميم.

و الثّقب:خرق لا عمق له،و يقال:خرق نازل في الأرض،و الجمع:ثقوب،مثل فلس و فلوس،و الثّقب

ص: 358

مثال قفل لغة،و الثّقبة مثله،و الجمع:ثقب،مثل غرفة و غرف.قال المطرّزيّ:و إنّما يقال هذا فيما يقلّ و يصغر.

(1:82)

الفيروزآباديّ: الثّقب:الخرق النّافذ،الجمع:

أثقب و ثقوب.

ثقبه و ثقّبه فانثقب و تثقّب و تثقّبته.

و المثقب:آلته،و طريق بين الشّام و الكوفة، و طريق العراق من الكوفة إلى مكّة.

و كمحدّث:لقب عائذ بن محصن الشّاعر،و كمقعد:

الطّريق العظيم.

و ثقبت النّار ثقوبا:اتّقدت،و ثقّبها هو تثقيبا و أثقبها و تثقّبها.

و الثّقوب كصبور و كتاب:ما أثقبها به،و الكوكب:

أضاء،و الرّائحة:سطعت و هاجت،و النّاقة:غزر لبنها، و رأيه:نفذ،و هو مثقب كمنبر:نافذ الرّأي.

و أثقوب:دخّال في الأمور.

و ثقّبه الشّيب تثقيبا و ثقّب فيه:ظهر.

و الثّقيب كأمير:الشّديد الحمرة،ثقب ككرم ثقابة، و الغزيرة اللّبن من النّوق كالثّاقب.

و ثقب:قرية باليمامة،و ابن فروة الصّحابيّ،أو هو كزبير.

و النّجم الثّاقب:المرتفع على النّجوم،أو اسم زحل.

(1:43)

العدنانيّ: الثّقاب أو الثّقوب

و يقولون:أشعل فلان النّار بعود ثقاب،و الصّواب:

أشعلها بثقاب أو ثقوب؛لأنّ الثّقاب أو الثّقوب هما،كما قال اللّسان:«ما تشعل به النّار من دقاق العيدان، و يقال:هب لي ثقوبا،أي حرّاقا،و هو ما أثقبت به النّار، أي أوقدتها به».

و اكتفى«التّهذيب»بذكر الثّقوب.

فما دامت كلمتا الثّقاب أو الثّقوب يشمل معناهما دقاق العيدان للإضرام،فلا داعي لذكر كلمة العود.و قد أيّد استعمال«الثّقاب»الّذي يجمع على«ثقب»كلّ من القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،«مجاز»،و الوسيط.

و أيّد استعمال«الثّقوب»:الصّحاح الّذي قال:إنّه ما تشعل به النّار من دقاق العيدان،و الأساس«مجاز»، و المختار،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن«مجاز»،و الوسيط.

أمّا إذا أضرمنا النّار بشيء آخر غير الثّقاب،فعلينا أن نقول:أضرمناها بقدّاحة الغاز،أو قدّاحة البنزين،أو جمرة من موقد،و ما أشبه ذلك من أدوات الإيقاد.

أمّا فعله فهو:ثقبت النّار تثقب ثقوبا و ثقابة:اتّقدت.

الخرّامة لا الثّقّابة

و يطلقون على الآلة الّتي تشبه المخرز،و تتّخذ لخرم الورق،اسم:الثّقابة.

و لكن:جاء الجزء الثّامن عشر من مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في باب حجرة المكتب،من فصل ألفاظ الحضارة،الّتي أقرّها مؤتمر المجمع،في جلسته العاشرة،بتاريخ(17)آذار(1962)،في المادّة رقم (25)،أنّ المؤتمر أطلق على تلك الآلة اسم:الخرّامة.

و عند ما ظهرت الطّبعة الثّانية من المعجم الوسيط،

ص: 359

عام(1972)،ذكرت فيه الخرّامة،دون أن يقال:إنّها كلمة مجمعيّة.

الثّقب و الثّقب

و يخطّئون من يسمّي الخرق النّافذ ثقبا،و يقولون:إنّ الصّواب هو«الثّقب»اعتمادا على ما جاء في التّهذيب، و الصّحاح،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و لكن:ذكر أنّ الثّقبة واحدة الثّقب،و أنّ الثّقب جمع ثقبة،كلّ من الصّحاح،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

و جاء في المصباح:الثّقب و الثّقب و الثّقبة بمعنى.

و قال المتن:الثّقب لغة في الثّقب.

و يجمع الثّقب على:أثقب و ثقوب.(104)

محمود شيت: المثقب:الطّريق العظيم الصّالح للسّيّارات و العجلات غير المبلّط.

المثقب:آلة الثّقب عند أرباب الحرف من النّجّارين و الحدّادين و نحوهما،في معامل الجيش و في وحداته.

(1:123)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الدّقّة و النّفوذ و التّعمّق.و هذا المعنى يختلف بالموارد و المصاديق،فالثّاقبيّة في النّور شدّة نورانيّته،و في النّار شدّة حرارتها،و في العلم كمال التّحقيق و الدّقّة،و في السّيف حدّته في العمل،ففي كلّ شيء بحسبه.

و إذا كانت خصوصيّة هذا المعنى محفوظا فليس بمجاز.و ليس معناها الحقيقيّ هو الخرق المحسوس بالمثقب،بل مطلق مفهوم النّفوذ و التّعمّق.(2:16)

النّصوص التّفسيريّة

ثاقب

إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.

الصّافّات:10

مجاهد :أي مضيء.

مثله الحسن و قتادة.(النّحّاس 6:13)

نحوه الضّحّاك(الماورديّ 5:39)،و الزّجّاج(4:

299).

قتادة :و الثّاقب:النّافذ بضوئه و شعاعه المنير.

مثله السّدّيّ،و ابن زيد.(ابن عطيّة 4:467)

السّدّيّ: شِهابٌ ثاقِبٌ: شهاب مضيء يحرقه حين يرمى به.(398)

زيد بن أسلم: إنّه المستوقد من قولهم:أثقب زندك،أي استوقد نارك.

مثله الأخفش.(الماورديّ 5:39)

نحوه الطّبريّ.(23:41)

الفرّاء: إنّه العالي.(الماورديّ 5:39)

أبو عبيدة :الثّاقب:البيّن المضيء،يقال:أثقب نارك،و حسب ثاقب،أي كثير مضيء مشهور.[ثمّ استشهد بشعر](2:167)

ابن قتيبة :كوكب مضيء بيّن،يقال:أثقب نارك، أي أضئها.

و الثّقوب:ما تذكّى به النّار.(369)

ص: 360

القمّيّ: أي مضيء إذا أصابهم نفوا به.(2:221)

الرّمّانيّ: إنّه الماضي.(الماورديّ 5:39)

زيد الرّقاشيّ: إنّه الّذي يثقب.(الماورديّ 5:39)

الطّوسيّ: ثاقب:مضيء،كأنّه يثقب بضوئه، يقال:أثقب نارك.و استثقبت النّار،إذا استوقدت و أضاءت،و منه قولهم:حسب ثاقب،أي مضيء شريف.[ثمّ استشهد بشعر](8:484)

نحوه الطّبرسيّ.(4:437)

الزّمخشريّ: الشّديد الإضاءة.(3:337)

ابن عطيّة: [قال بعد قول قتادة:]

و حسب ثاقب،إذا كان سنيّا منيرا.(4:467)

الفخر الرّازيّ: سمّي ثاقبا لأنّه يثقب بنوره الهواء.

(26:124)

نحوه البيضاويّ.(2:289)

النّيسابوريّ: مضيء أو ماض،فإذا قذفوا احترقوا.

و قيل:تصيبهم آفة فلا يعودون.

و قيل:لا يقتلون بالشّهب بل يحسّ بذلك فلا يرجع، و لهذا لا يمتنع غيره من ذلك.

و قيل:يصيبهم مرّة و يسلمون مرّة،فصاروا في ذلك كراكبي السّفينة للتّجارة.(23:44)

أبو حيّان :الثّاقب:الشّديد النّفاذ.(7:350)

الشّربينيّ: أي مضيء قويّ لا يخطئه،يقتله أو يحرقه أو يثقبه أو يخبله.(3:371)

أبو السّعود :مضيء في الغاية،كأنّه يثقب الجوّ بضوئه،يرجم به الشّياطين إذا صعدوا لاستراق السّمع، فيقتلهم أو يحرقهم أو يخبلهم.(5:321)

الطّباطبائيّ: و الثّقوب:الرّكوز.و سمّي الشّهاب ثاقبا لأنّه لا يخطئ هدفه و غرضه.(17:124)

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة(ثاقب)تعني النّافذ و الخارق،ففي بعض الأحيان يخترق العين نور شديد و يثقبها إثر نفوذه إلى داخلها،و هذه إشارة إلى أنّه يثقب كلّ شيء يصيبه و يحرقه.(14:262)

الثّاقب

اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ. الطّارق:3

ابن عبّاس: المضيء النّافذ،و هو زحل يطرق اللّيل و يخنس بالنّهار.(507)

هي الكواكب المضيئة،و ثقوبه،إذا أضاء.

(الطّبريّ 30:142)

الّذي ترمى به الشّياطين.(القرطبيّ 20:2)

مجاهد :الّذي يتوهّج.(الطّبريّ 30:142)

قتادة :ثقوبه:ضوؤه.(الطّبريّ 30:142)

ابن زيد :كانت العرب تسمّي الثّريّا النّجم، و يقال:إنّ الثّاقب:النّجم الّذي يقال له:زحل،و الثّاقب أيضا:الّذي قد ارتفع على النّجوم.و العرب تقول للطّائر إذا هو لحق ببطن السّماء ارتفاعا:قد ثقب.و العرب تقول:

أثقب نارك،أي أضئها.(الطّبريّ 30:142)

مثله الفرّاء.(3:254)

محمّد بن الحسن:هو زحل الكوكب الّذي في السّماء السّابعة.(القرطبيّ 20:1)

أبو عبيدة :المضيء.(2:294)

نحوه محمّد جواد مغنية(7:549)،و الزّجّاج(5:

ص: 361

311).

الزّمخشريّ: المضيء كأنّه يثقب الظّلام بضوئه، فينفذ فيه.(4:240)

نحوه البيضاويّ(2:552)،و الكاشانيّ(5:313)، و النّسفيّ(4:247)،و الطّنطاويّ(25:113)،و القاسميّ (17:612)،و المراغيّ(30:110).

الفخر الرّازيّ: إنّما وصف«النّجم»بكونه ثاقبا لوجوه:

أحدها:أنّه يثقب الظّلام بضوئه فينفذ فيه،كما قيل:

درّيّ لأنّه يدرءوه،أي يدفعه.

و ثانيها:أنّه يطلع من المشرق نافذا في الهواء كالشّيء الّذي يثقب الشّيء.

و ثالثها:أنّه الّذي يرمى به الشّيطان فيثقبه،أي ينفذ فيه و يحرقه.(31:127)

نحوه النّيسابوريّ.(30:69)

أبو السّعود : اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ خبر مبتدإ محذوف،و الجملة استئناف وقع جوابا عن استفهام نشأ ممّا قبله،كأنّه قيل:ما هو؟فقيل:النّجم المضيء في الغاية،كأنّه يثقب الظّلام أو الأفلاك بضوئه و ينفذ فيها.

(5:254)

الآلوسيّ: الثّاقب في الأصل:الخارق،ثمّ صار بمعنى المضيء لتصوّر أنّه يثقب الظّلام.و قد يخصّ بالنّجوم و الشّهب لذلك،و تصوّر أنّها ينفذ ضوؤها في الأفلاك و نحوها.(30:95)

نحوه الطّباطبائيّ.(20:258)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّقب،أي الخرق النّافذ، و الجمع:أثقب و ثقوب،يقال:ثقبت الشّيء أثقبه ثقبا، و ثقّبته فانثقب،و تثقّبته تثقّبا،أي خرقته.و درّ مثقّب:

مثقوب،و لؤلؤات مثاقيب.و تثقّب الجلد:ثقّبه الحلم، و ثقّب عود العرفج:مطر فلان عوده.

و الثّقاب:ركايا تحفر في بطن الأرض ينفذ بعضها إلى بعض،و المثقب:أداة يثقب بها،و المثقب أيضا:

طريق العراق من الكوفة إلى مكّة،و لعلّه تصحيف «المنقب»،و كان فيما مضى بين اليمامة و الكوفة.

ثمّ استعمل مجازا في نفوذ نور النّجم و النّار و غيرهما، يقال:ثقب الكوكب،أي تلألأ و أضاء،و شهاب ثاقب:

مضيء،و قد ثقب يثقب ثقوبا و ثقابة.

و ثقبت النّار تثقب ثقوبا و ثقابة:اتّقدت،و أثقبتها أنا إثقابا،و ثقّبتها تثقيبا،و تثقّبتها تثقّبا:أوقدتها.

و زند ثاقب:و هو الّذي إذا قدح ظهرت ناره،منه:

ثقب الزّند يثقب ثقوبا:سقطت الشّرارة.

و الثّقاب:كلّ ما يثقب به النّار،أي يوقد به من دقاق العيدان،و هو الثّقوب أيضا،يقال:هب لي ثقوبا،أي حرّاقا.

و ثقّبه الشّيب و ثقّب فيه:ظهر عليه،و قيل:هو أوّل ما يظهر.و هو تشبيه بياض الشّعر بالنّور،كما يقال للصّبح:الشّميط،لاختلاط لونيه من الظّلمة و البياض، و الشّميط في الأصل:كلّ لونين اختلطا.

و رجل ثقيب:شديد الحمرة،و قد ثقب يثقب ثقابة، و امرأة ثقيبة أيضا،و هذا تشبيه بحمرة النّار.

ص: 362

و حسب ثاقب:نيّر متوقّد،و كذا علم ثاقب،أي متوقّد،و رجل ثاقب الرّأي:جزل و نافذ،و منه:أتتني عنهم عين ثاقبة:خبر يقين و ثابت،و رجل مثقب:نافذ الرّأي.

و رجل أثقوب:دخّال في الأمور.

و ثقبت الرّائحة:سطعت و هاجت،و هو من هذا الباب أيضا،لأنّها تنفذ في الخياشيم.

و أمّا الثّاقب و الثّقيب من الإبل،أي الغريزة اللّبن، فربّما هو من«ن ق ب»،إذ يقال منه:ناقة نقيبة،أي عظيمة الضّرع.

2-و بين المادّتين«ث ق ب»و«ن ق ب»اشتقاق أكبر كما يبدو،فمن الثّانية:المنقب و النّقاب،و هو الطّريق في الغلظ،كالمثقب.

و النّقيبة:نفاذ الرّأي،يقال:ما لهم نقيبة،كالثّاقب، و كذا النّقاب،و هو العالم بالأمور،كالمثقب من الرّجال.

و النّقيبة من النّوق:المؤتزرة بضرعها عظما و حسنا، كالثّقيب و الثّاقب.

و النّقبة:أوّل جرب يبدو،لأنّها-كما قال الأصمعيّ -تنقب الجلد،أي تخرقه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مرّتين،وصفا للشّهاب و النّجم:

1- ...وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ* إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ الصّافّات:9،10

2- وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ* اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ

الطّارق:2،3

يلاحظ أوّلا:أنّ(الثّاقب)جاء وصفا للنّجم و الشّهاب-و هو نجم أيضا-في آيتين مكّيّتين،و كأنّه كان معروفا في مكّة بذلك،أي أنّه نجم.

ثانيا:تكاد تتّفق الأقوال على أنّه نجم مضيء،ينفذ نوره في الآفاق،و بهذه المناسبة-أي لنفوذ نوره-وصف ب(الثّاقب)لا أنّ الثّاقب بمعنى المضيء،و إن فسّر به في بعض النّصوص.

ثالثا:أنّ«الشّهاب الثّاقب»أيضا بمعنى الشّهاب الّذي ينفذ نوره في السّماء،إلاّ أنّ الفخر الرّازيّ احتمل في اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ وجهين آخرين:

1-أي يطلع من المشرق،فيرتفع و ينفذ في جوّ السّماء،كالشّيء الّذي يثقب فيه.

2-أي يرمى به الشّيطان فيدمغه،و ينفذ فيه فيحرقه،و هذا ما احتمله بعضهم في«النّجم الثّاقب» أيضا.

و هناك وجه آخر في اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ و هو الّذي ارتفع في جوّ السّماء حتّى صار فوق سائر النّجوم،يقال:

ثقب الطّائر،أي ارتفع في جوف السّماء،فقد أخذ فيه معنى الارتفاع.

و قال الطّباطبائيّ: «الثّقوب:الرّكوز،و يسمّى الشّهاب به،لأنّه لا يخطئ هدفه و غرضه».فقد أخذ فيه معنى الإصابة،أمّا مكارم الشّيرازيّ أخذ نفوذ نوره في العين لا في السّماء.

و الأقرب إلى الصّواب عندنا أنّ وصف النّجم -و كذلك الشّهاب-بالثّاقب وصف بحال متعلّقه و هو نوره،لثقوب نوره في جوّ السّماء،و لو صحّت الوجوه

ص: 363

الأخرى فإنّما هي تفسير بلوازمه.

رابعا:جاء في كلام بعضهم أنّ اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ هو كوكب«زحل»،و لا دليل عليه سوى قول ابن عبّاس.

و لا يصحّ هذا الوجه في«الشّهاب الثّاقب»قطعا،لتعدّد الشّهب في كلّ مكان.و قد وصفت الكواكب في الصّافّات(6-10)بأنّها تحفظ من كلّ شيطان مارد في قوله: إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ* وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ، إلى أن قال: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ، لاحظ«النّجم» و«الشّهاب».

ص: 364

ث ق ف

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات:في 6 سور مدنيّة

ثقفتموهم:2-2 يثقفوكم:1-1

ثقفوا:2-2 تثقفنّهم:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :قال أعرابيّ:إنّي لثقف لقف:راو رام شاعر.

و ثقفت فلانا في موضع كذا،أي أخذناه ثقفا.

و ثقيف:حيّ من قيس.

و خلّ ثقيف قد ثقف ثقافة،و يقال:خلّ ثقّيف على قوله:خردل حرّيف،و ليس بحسن.

و الثّقاف:حديدة تسوّى بها الرّماح و نحوها، و العدد:أثقفة،و جمعه:ثقف.

و الثّقف:مصدر الثّقافة،و فعله ثقف،إذا لزم.و ثقفت الشّيء و هو سرعة تعلّمه،و قلب ثقف،أي سريع التّعلّم و التّفهّم.(5:138)

نحوه الصّاحب.(5:382)

سيبويه: النّسب إلى ثقيف:ثقفيّ،على غير قياس.

(ابن سيده 6:357)

ابن شميّل: خلّ ثقيف:شديد الحموضة.

(الأزهريّ 9:83)

اللّحيانيّ: رجل ثقف لقف و ثقف لقف و ثقيف لقيف:بيّن الثّقافة و اللّقافة.(الأزهريّ 9:83)

ابن الأعرابيّ: خلّ ثقّيف بالتّشديد،أي حامض جدّا،مثال قولك:بصل حرّيف.(الجوهريّ 4:1334)

ابن السّكّيت: رجل ثقف لقف،إذا كان ضابطا لما يحويه،قائما به.(الأزهريّ 9:83)

الدّينوريّ: الثّقاف:خشبة قويّة قدر الذّراع،في طرفها خرق يتّسع للقوس،و تدخل فيه على شحوبتها و يغمز منها،حيث يبتغى أن يغمز حتّى تصير إلى ما يراد منها.

و لا يفعل ذلك بالقسيّ و لا بالرّماح إلاّ مدهونة مملولة،أو مضهوبة على النّار ملوّحة،و الجمع:ثقف.

(ابن سيده 6:357)

ص: 365

ابن دريد: ثقفت الشّيء أثقفه ثقافة و ثقوفة،إذا حذقته،و منه أخذت الثّقافة بالسّيف.

و ثقيف:أبو حيّ من العرب،و ثقيف:لقب و اسمه قسيّ.

و ثقفت الرّجل،إذا ظفرت به،و في التّنزيل: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ الأنفال:57.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:47)

الخطّابيّ: [و في حديث الغار]«هو غلام شابّ لقن ثقف».يقال:رجل لقن،إذا كان حسن التّلقّن لما يسمعه،و ثقف إذا كان ذا فطنة و فهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رجل ثقف و امرأة ثقاف.

و منه قول أمّ حكيم بنت عبد المطّلب:«إنّي لحصان فما أكلّم،و ثقاف فما أعلّم،و كلتانا من بني العمّ،ثمّ قريش بعد ذلك أعلم».(1:208)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 3:325)

الجوهريّ: ثقف الرّجل ثقفا و ثقافة،أي صار حاذقا خفيفا فهو ثقف،مثال ضخم فهو ضخم،و منه:

المثاقفة.

و الثّقاف:ما تسوّى به الرّماح.[ثمّ استشهد بشعر]

و تثقيفها:تسويتها.

و ثقفته ثقفا،مثال بلعته بلعا،أي صادفته.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثقف أيضا ثقفا،مثال تعب تعبا:لغة في«ثقف»أي صار حاذقا فطنا،فهو ثقف و ثقف،مثال حذر و حذر، و ندس و ندس.

و ثقيف:أبو قبيلة من هوازن،و اسمه قسيّ،و النّسب إليه:ثقفيّ.(4:1334)

ابن فارس: الثّاء و القاف و الفاء كلمة واحدة إليها يرجع الفروع،و هو إقامة درء الشّيء،و يقال:ثقّفت القناة،إذا أقمت عوجها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثقفت هذا الكلام من فلان و رجل ثقف لقف؛ و ذلك أن يصيب علم ما يسمعه على استواء.

و يقال:ثقفت به،إذا ظفرت به.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قيل:فما وجه قرب هذا من الأوّل؟قيل له:

أ ليس إذا ثقفه فقد أمسكه،و كذلك الظّافر بالشّيء يمسكه؛فالقياس بأخذهما مأخذا واحدا.(1:382)

الهرويّ: يقال:ثقفته أثقفه ثقفا،أي وجدته.

و ثقفته يدي،أي صادفته،و منه قوله: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ الأنفال:57،أي تصادفنّهم.

و رجل ثقف لقف،إذا كان سريعا مدركا لطلبته، و ثقف لقف.(1:288)

ابن سيده: ثقف الشّيء ثقفا،و ثقافا،و ثقوفة:

حذقه.

و رجل ثقف و ثقف:حاذق فهم،و أتبعوه فقالوا:

ثقف لقف.و قال أبو زياد:رجل ثقف لقف:رام راوية.

و ثقف الخلّ ثقافة،و ثقف،فهو ثقيف،و ثقّيف، الأخيرة على النّسب:حذق و حمض جدّا.

و ثقف الرّجل:ظفر به،و في التّنزيل: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ البقرة:191.و الثّقاف،و الثّقافة:

العمل بالسّيف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّقاف:حديدة تكون مع القوّاس و الرّمّاح يقوّم

ص: 366

بها الشّيء المعوجّ.[إلى أن قال:]

و ثقيف:أبو حيّ من العرب،و قد يكون اسما للقبيلة،و الأوّل أكثر.أمّا قولهم:هذه ثقيف،فعلى إرادة الجماعة،و إنّما قال ذلك:لغلبة التّذكير عليه،و هو ممّا لا يقال فيه:«من بني فلان».و كذلك كلّ ما لا يقال فيه:

«من بني فلان».التّذكير فيه أغلب،كما تقدّم في:معدّ، و قريش.(6:356)

ثقف الحديث يثقفه:فهمه.و ثقف كفرح و كرم ثقفا و ثقفا و ثقافة:صار حاذقا خفيفا فطنا.و رجل ثقف:

حاذق بصناعته،و ثقف لقف،و ثقف لقف،و ثقيف لقيف:سريع الفهم لما يرمى إليه.

و ثاقفه فثقفه:غالبه في الحذق فغلبه.

(الإفصاح 1:147)

الطّوسيّ: تقول:ثقفته أثقفه ثقفا،إذا ظفرت به، و منه قوله: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ الأنفال:57.

و ثقفت الشّيء ثقافة،إذا حذقته،و منه اشتقاق الثّقافة بالسّيف،و قد ثقف ثقافة فهو ثقف.

و الثّقاف:حديدة تكون مع القوّاس و الرّمّاح يقوّم بها المعوجّ.

و ثقف الشّيء ثقفا،إذا لزم،و هو ثقف،إذا كان سريع التّعلّم.

و ثقّفته تثقيفا،إذا قوّمته،و أصل الباب:التّثقيف:

التّقويم.(2:145)

نحوه الطّبرسيّ.(5:141)

يقال:ثقفته أثقفه ثقفا فأنا ثاقف،و منه سمّي:

ثقيف.

و منه المثاقفة،و هي طلب مصادفة العزّة في المسابقة (1)،و ما يجري مجراها من المصادفة بالشّطب و نحوه.(9:578)

الرّاغب: الثّقف:الحذق في إدراك الشّيء و فعله، و منه استعير المثاقفة.و رمح مثقّف،أي مقوّم،و ما يثقف به الثّقّاف.

و يقال:ثقفت كذا،إذا أدركته ببصرك لحذق في النّظر،ثمّ يتجوّز به فيستعمل في الإدراك و إن لم تكن معه ثقافة.[ثمّ ذكر الآيات](79)

الزّمخشريّ: ثقّف القناة.و عضّ بها الثّقاف.

و طلبناه فثقفناه في مكان كذا،أي أدركناه.

و ثقفت العلم أو الصّناعة في أوحى مدّة،إذا أسرعت أخذه.و غلام ثقف لقف و ثقف لقف،و قد ثقف ثقافة.

و ثاقفه مثاقفة:لاعبه بالسّلاح،و هي محاولة إصابة الغرّة في المسايفة و نحوها.

و فلان من أهل المثاقفة و هو مثاقف:حسن الثّقافة بالسّيف بالكسر.و لقد تثاقفوا فكان فلان أثقفهم.

و خلّ ثقيف و ثقّيف.

و من المجاز:أدّبه و ثقّفه.و لو لا تثقيفك و توقيفك لما كنت شيئا.و هل تهذّبت و تثقّفت إلاّ على يدك.

(أساس البلاغة:46)

الفخر الرّازيّ: الثّقف:وجوده على وجه الأخذ و الغلبة،و منه رجل ثقيف:سريع الأخذ لأقرانه.[ثمّ».

ص: 367


1- الظّاهر الغرّة في المسايفة،كما ذكره الزّمخشريّ في «الأساس».

استشهد بشعر](5:141)

ابن الأثير: و فيه:«إذا ملك اثنا عشر من بني عمرو بن كعب كان الثّقف و الثّقاف إلى أن تقوم السّاعة» يعني الخصام و الجلاد.(1:216)

الصّغانيّ: خلّ ثقيف،مثال أليف،أي حاذق مثل ثقّيف على وزن سكّير.

و قد سمّوا ثقفا،بالفتح،و ثقافا بالكسر.[ثمّ استشهد بشعر](4:440)

الفيّوميّ: ثقفت الشّيء ثقفا من باب«تعب»:

أخذته،و ثقفت الرّجل في الحرب:أدركته،و ثقفته ظفرت به،و ثقفت الحديث:فهمته بسرعة.و الفاعل:

ثقيف،و به سمّي حيّ من اليمن،و النّسبة إليه ثقفيّ بفتحتين.

و ثقّفته بالتّثقيل:أقمت المعوجّ منه.(1:82)

الفيروزآباديّ: ثقف ككرم و فرح ثقفا و ثقفا و ثقافة:صار حاذقا خفيفا فطنا فهو ثقف كحبر و كتف، و أمير و ندس و سكّيت.

و كأمير:أبو قبيلة من هوازن و اسمه قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن،و هو ثقفيّ محرّكة.

و خلّ ثقيف كأمير و سكّين:حامض جدّا.

و ثقفه كسمعه:صادفه أو أخذه أو ظفر به أو أدركه.

و امرأة ثقاف كسحاب:فطنة.

و ككتاب:الخصام و الجلاد،و ما تسوّى به الرّماح، و من أشكال الرّمل،أو هو ثقب بالباء.

و أثقفته،أي قيّض لي.

و ثقّفه تثقيفا:سوّاه،و ثاقفه فثقفه كنصره:غالبه فغلبه في الحذق.(3:125)

الطّريحيّ: في حديث عليّ عليه السّلام:«أما ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذّيّال الميّال».

قال بعض الشّارحين: غلام ثقيف،هو الحجّاج بن يوسف من الأحلاف،قوم من ثقيف،و الذّيّال:طويل الذّيل،يسحبه تبخترا،و كنّي به عن التّكبّر.

و«مسجد ثقيف»أحد المساجد الملعونة في الكوفة.

(5:30)

محمود شيت: أ-ثاقف الجنديّ خصمه:جالده بالسّلاح.

ب-الثّقافة العسكريّة:العلوم و المعارف العسكريّة.

ج-الثّقاف:آلة لإزالة بثور السّلاح.

د-الثّقافة:تدريب الملاعبة بالسّيف في صنف الخيّالة،و تدريب الحربة.(1:124)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الدّرك الدّقيق المحيط بأن يكون الموضوع تحت النّظر مع الحذق.

و هذه الخصوصيّة منظورة في كلّ من معاني الأخذ و الدّرك و الفهم و الظّفر و إقامة العوج و غيرها.[إلى أن قال:]

و أمّا إقامة العوج فهي من لوازم النّظر الدّقيق،و من نتائجه المترتّبة عليه،و إلاّ فلا معنى للثّقافة و الحذق إلاّ إصلاح ما فسد و تقويم ما اعوجّ،إذا جعل تحت نظره و أدرك اعوجاجه.(2:17)

ص: 368

النّصوص التّفسيريّة

ثقفتموهم

وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ... البقرة:191

ابن عبّاس: وجدتموهم في الحلّ و الحرم.(26)

نحوه الزّجّاج(1:263)،و الطّبرسيّ(1:286)، و ابن الجوزيّ(1:198)،و الكاشانيّ(1:209)،و شبّر (1:195)،و القاسميّ(3:475).

مقاتل: أي حيث أدركتموهم في الحلّ و الحرم، صارت هذه الآية منسوخة بقوله: وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة:191.

نحوه البغويّ.(1:237)

الطّبريّ: اقتلوهم في أيّ مكان تمكّنتم من قتلهم و أبصرتم مقاتلهم.(2:191)

الماورديّ: يعني حيث ظفرتم بهم.(1:251)

الواحديّ: حيث وجدتموهم و أخذتموهم،يقال:

ثقفنا فلانا في موضع كذا،أي أخذناه.(1:292)

نحوه الزّمخشريّ(1:342)،و النّسفيّ(1:98).

ابن عطيّة: معناه أحكمتم غلبهم،و لقيتموهم قادرين عليهم.(1:262)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و في هذا دليل على قتل الأسير.(2:351)

البيضاوي:حيث وجدتموهم في حلّ أو حرم.

و أصل الثّقف:الحذق في إدراك الشّيء علما كان أو عملا،فهو يتضمّن معنى الغلبة،و لذلك استعمل فيها.

[ثمّ استشهد بشعر](1:105)

مثله أبو السّعود(1:247)،و الآلوسيّ.(2:75).

نحوه البروسويّ.(1:306)

أبو حيّان :ضمير المفعول عائد على اَلَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ البقرة:190،و هذا أمر بقتلهم،و حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ عامّ في كلّ مكان حلّ أو حرم،و يلزم منه عموم الأزمان في شهر الحرام و في غيره.

و في«المنتخب»أمر في الآية الأولى بالجهاد بشرط إقدام الكفّار على المقاتلة،و في هذه الآية زاد في التّكليف فأمر بالجهاد معهم سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا،و استثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام،انتهى.

و ليس كما قال:«إنّه زاد في التّكليف فأمر بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا»لأنّ الضّمير عائد على(الّذين يقاتلونكم)،فالوصف باق؛إذ المعنى:و اقتلوا الّذين يقاتلونكم حيث ثقفتموهم.فليس أمرا بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا.(2:66)

الشّربينيّ: أي وجدتموهم في حلّ أو حرم.و قرأ أبو عمرو بإدغام الثّاء في الثّاء بخلاف عنه حيث جاء.

(1:127)

رشيد رضا :أي إذا نشب القتال فاقتلوهم أينما أدركتموهم و صادفتموهم،و لا يصدّنّكم عنهم أنّكم في أرض الحرام،إلاّ ما يستثنى في الآية بشرطه.(2:209)

نحوه المراغيّ.(2:89)

محمّد جواد مغنية: أي اقتلوا الكافرين في أيّ زمان أو مكان كانوا إلاّ في المسجد الحرام،فإنّ القتال فيه محرّم إلاّ أن يبتدءوا به.(1:298)

ص: 369

الطّباطبائيّ: يقال:ثقف ثقافة،أي وجد و أدرك،فمعنى الآية معنى قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ التّوبة:5.(2:61)

[و بهذا المعنى جاء(ثقفتموهم)في سورة النّساء:91]

يثقفوكم

إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ.

الممتحنة:2

الزّجّاج: معنى(يثقفوكم):يلقوكم.(5:156)

الطّوسيّ: معناه إن يصادفوكم هؤلاء الكفّار الّذين تسرّون إليهم بالمودّة.(9:578)

نحوه الميبديّ(10:69)،و الطّبرسيّ(5:270)، و القرطبيّ(18:54)،و محمّد جواد مغنية(7:299)، و محمّد حسين فضل اللّه(22:146).

البغويّ: يظفروا بكم و يروكم.(5:70)

نحوه الزّمخشريّ(4:90)،و ابن الجوزيّ(7:

233)،و الفخر الرّازيّ(29:299)،،و البيضاويّ (24:469)،و النّسفيّ(4:247)،و الخازن(7:64)، و الشّربينيّ(4:261)،و أبو السّعود(5:156)، و البروسويّ(9:475)،و شبّر(6:197)،و الآلوسيّ (28:68)،و القاسميّ(16:5759)،و المراغيّ(28:

63).

ابن عطيّة: أي إن يتمكّنوا منكم و تحصلوا في ثقافهم.(5:294)

نحوه ابن كثير.(6:624)

الطّباطبائيّ: [نقل قول الرّاغب-و قد مرّ في النّصوص اللّغويّة-ثمّ قال:]

و فسّره غيره بالظّفر،و لعلّه بمعونة مناسبة المقام، و المعنيان متقاربان.

و الآية مسوقة لبيان أنّه لا ينفعهم الإسرار بالمودّة للمشركين،في جلب محبّتهم و رفع عداوتهم شيئا،و أنّ المشركين على الرّغم من إلقاء المودّة إليهم إن يدركوهم و يظفروا بهم يكونوا لهم أعداء،من دون أن يتغيّر ما في قلوبهم من العداوة.(19:228)

تثقفنّهم

فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. الأنفال:57

ابن عبّاس: تأسرنّهم.(150)

الكلبيّ: أي أسرتهم في الحرب.

(الواحديّ 2:467)

نحوه الفرّاء.(1:414)

مقاتل:إن أدركتهم في القتال و أسرتهم.

(الواحديّ 2:467)

أبو عبيدة :مجازه مجاز فإن تثقفنّهم.(1:248)

الطّبريّ: فإمّا تلقينّ في الحرب هؤلاء الّذين عاهدتهم،فنقضوا عهدك مرّة بعد مرّة من قريظة فتأسرهم.(10:25)

نحوه الزّجّاج.(2:420)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:تصادفهم و الثّاني:تظفر بهم.(2:327)

ص: 370

نحوه الزّمخشريّ(2:164)،و الطّبرسيّ(2:

553)،و البيضاويّ(1:399)،و النّسفيّ(2:109)، و أبو حيّان(4:509)،و الشّربينيّ(1:577)، و أبو السّعود(3:108)،و البروسويّ(3:362)،و شبّر (3:36)،و الآلوسيّ(10:22)،و القاسميّ(8:

3021)،و المراغيّ(10:21).

الطّوسيّ: معنى«تثقفنّ»تصادفنّ و تلقينّ.

و دخلت نون التّأكيد لما دخلت(ما)،و لو لم تدخله لما حسن دخول النّون،لأنّ دخول(ما)كدخول القسم في أنّه علامة تؤذن أنّه من مواضع التّأكيد المطلوب من التّصديق،لأنّ النّون،تدخل لتأكيد المطلوب فيما يدلّ على المطلب،و هي في ستّة مواضع:الأمر و النّهي و الاستفهام و العرض و القسم و الجزاء مع(ما).

(5:168)

الميبديّ: أي تظفر بهم و تجدهم.(4:68)

ابن عطيّة: دخلت النّون مع(امّا)تأكيدا،و لتفرق بينها و بين«إمّا»الّتي هي حرف انفصال،في قولك:

جاءني إمّا زيد و إمّا عمرو.

و تَثْقَفَنَّهُمْ معناه و تحصلهم في ثقافك،أو تلقاهم بحال ضعف تقدر عليهم فيها و تغلبهم،و هذا لازم من اللّفظ لقوله: فِي الْحَرْبِ.

و قيل:ثقف:أخذ بسرعة،و من ذلك قولهم:رجل ثقف لقف.

و قال بعض النّاس:معناه تصادفنّهم،إلى نحو هذا من الأقوال الّتي لا ترتبط في المعنى.و ذلك أنّ المصادف يغلب فيمكن التّشريد به،و قد لا يغلب.و الثّقاف في اللّغة ما تشدّ به القناة و نحوها.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:542)

رشيد رضا :[نقل قول الرّاغب ثمّ قال:]

و قال غيره:هو يدلّ على إدراكهم مع التّمكّن منهم، و الظّهور عليهم.و فيه إيذان بأنّهم سيحاربونه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ نقض العهد يكون بالحرب أو بما يقتضيها و يستلزمها، و ذلك من أنباء الغيب،إذ كان قبل وقوعه عقب غزوة بدر،و المعنى فإن تدرك هؤلاء النّاقضين لعهدهم و تصادفهم في الحرب ظاهرا عليهم.(10:50)

الطّباطبائيّ: أصله:إن تثقفهم،دخل«ما»للتّأكيد على«إن»الشّرطيّة ليصحّ دخول نون التّأكيد على الشّرط،و الكلام مسوق للتّأكيد في ضمن الشّرط.

(9:113)

ثقفوا

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ...

آل عمران:112

ابن عبّاس: وجدوا لا يقدرون أن يقوموا مع المؤمنين.(54)

نحوه الطّوسيّ(2:560)،و الواحديّ(1:480)، و البغويّ(1:496)،و الميبديّ(2:247)،و الطّبرسيّ (1:488)،و الخازن(1:340)،و القرطبيّ(4:174)، و الآلوسيّ(4:28).

الحسن :أدركتهم هذه الأمّة.(ابن الجوزيّ 1:

441)

ابن عطيّة: معناه أخذوا و هم بحال المذنب المستحقّ

ص: 371

الإهلاك،و منه: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ الأنفال:57، فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ التّوبة:5،

و اللّفظ مأخوذة من الثّقاف.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:491)

ابن الجوزيّ: معناه أدركوا و وجدوا؛و ذلك أنّهم أين نزلوا احتاجوا إلى عهد من أهل المكان،و أداء جزية.(1:441)

نحوه الفخر الرّازيّ(8:196)،و البيضاويّ(1:

177)،و النّسفيّ(1:176)،و أبو حيّان(3:31)، و الشّربينيّ(1:240)،و أبو السّعود(1:262)، و البروسويّ(2:79)،و الطّباطبائيّ(3:383).

و بهذا المعنى جاء(ثقفوا)في سورة الأحزاب:61.

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: (ثقفوا)على ثلاثة أوجه:وجدوا، غلبوا أسروا.

فوجه منها:(ثقفوا)يعني وجدوا،قوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا آل عمران:112،جعلت عليهم الجزية أينما وجدوا،لا يقدرون أن يقوموا مع المؤمنين إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ الإيمان،كقوله: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ البقرة:191.

و الوجه الثّاني: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ أي يغلبوا عليكم، كقوله: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ إن يغلبوا عليكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً في القتل.الممتحنة:2.

و الوجه الثّالث:«ثقف»أي أسر،قوله: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ الأنفال:57،يعني بني قريظة، فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ من ورائهم.(206)

الأصول اللغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّقاف،و هو حديدة يقوّم بها القوّاس و الرّمّاح اعوجاج الأشياء فيلزمها الغلبة على تلك الأشياء و إمساكها،و الجمع:أثقفة و ثقف.و في المثل:«دردب لمّا عضّه الثّقاف»،أي ذلّ و استكان، يضرب لمن يمتنع ممّا يراد منه،ثمّ يذلّ و ينقاد لمن غلبه.

و الثّقف:الظّفر و الغلبة،يقال:ثقفنا فلانا ثقفا في موضع كذا،أي أخذناه و أمسكناه من حيث خفي و فقد.

و الثّقافة:الملاعبة و المسابقة بالسّيف للغلبة على الآخر،يقال:ثاقفه مثاقفة و ثقافا و ثقافة.

و الثّقافة:الحذق و الفطنة للإحاطة بالأشياء و معرفتها،يقال:ثقف الرّجل يثقف ثقفا و ثقافة،و ثقف يثقف ثقفا،أي صار حاذقا فطنا في معرفة الأشياء،فهو ثقف و ثقف،و يقال على الاتباع:رجل ثقف لقف، و ثقف لقف،و ثقيف لقيف بيّن الثّقافة و اللّقافة.

و ثقف الرّجل الشّيء يثقف ثقفا و ثقافا و ثقوفة:

حذقه،يقال:رجل ثقف،و امرأة ثقاف.

ثمّ استعمل«الثّقافة»في حموضة الخلّ على التّوسّع، يقال:ثقف الخلّ و ثقف،أي حذق و حمض جدّا فهو ثقيف و ثقّيف.

2-و اكتسبت الثّقافة في هذا العصر معنى أوسع،إذ عمّت كلّ فعل أو وصف لأفعال الإنسان،سواء كان ذا حذق و فطنة أم لا.فالثّقافة عند الفرس مثلا الآن هي أسلوب الحياة السّائد في المجتمع،و عند العرب هي الإلمام

ص: 372

بالعلوم و تذوّقها.

و قد أنشئت مؤسّسات تترجم هذين المفهومين للثّقافة:السّلوك الإنسانيّ،و المعنى الوصفيّ أو النّسبيّ، و منها«اليونسكو»،و هو لفظ يرمز إلى الاسم الكامل لهذه المؤسّسة العالميّة،أي«المنظّمة العالميّة للتّربية و الثّقافة و العلوم».

الاستعمال القرآنيّ

جاء فيها فعل مجرّد ماضيا 4 مرّات،و مضارعا مرّتين:

1- وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ... البقرة:191

2- ...وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً النّساء:91

3- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ... آل عمران:112

4- مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً

الأحزاب:61

5- إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ

الممتحنة:2

6- فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأنفال:57

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت دائما بمعنى الإحاطة بالشّيء و الغلبة عليه حسّا-و هو الأصل فيها-دون الإحاطة بالشّيء فهما و إدراكا،و هو فرع من الأوّل تشبيها للمعقول بالمحسوس توسّعا و تجوّزا.

ثانيا:أنّها جاءت في جميعها في سياق الظّفر و الغلبة على العدوّ في الحرب،و قد فسّروها بهما،فهل هذا مأخوذ في أصل المعنى لغة،أو أنّه عرف قرآنيّ اختير بدلا من الظّفر و الغلبة و نحوهما؟لما فيه من الشّدّة و الصّلابة و الاستيعاب للعدوّ الّذي يفرّ و يخفى عن المؤمنين،ففيه رشحة من التّفقّد لما فقد.

ثالثا:جاءت ثلاث منها في شأن المشركين،و هي (1)و(5)و(6)،و نسب في اثنتين منها الفعل إلى المؤمنين،و هما(1)و(6)،و في واحدة-و هي(5)-الى المشركين(ان يثقفوكم)رمزا إلى أنّهم يرصدون المؤمنين حتّى يجدوهم.و جاءت اثنتان في شأن المنافقين،و هما (2)و(4)،و واحدة في شأن أهل الكتاب و هم اليهود، و هي(3)،لاحظ سياق الآيات.

رابعا:جاء الفعل ماضيا مجهولا تعميما و تأكيدا في(3) و(4)،فجاء في(3)في شأن اليهود ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا، و في(4)في شأن المنافقين مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً. و فيه إشارة إلى التّجانس الرّوحيّ غدرا و حيلة بين اليهود و المنافقين،إلاّ أنّ بين الفريقين تفاوتا،فاليهود ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا، و المنافقون أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً، فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ و قال في آية أخرى: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ النّساء:89،و جاء فيها حَيْثُ

ص: 373

وَجَدْتُمُوهُمْ بدل أَيْنَ ما ثُقِفُوا، و هذا شاهد على ما تقدّم من وجود رشحة من التّفقّد في مفهوم«ثقف».

خامسا:الآيات كلّها مدنيّة،و هي في سياق الحرب،فالمدينة كانت دار الجهاد و القتال و الدّعوة معا، و مكّة كانت دار الدّعوة فقط،فهل اختصاصها بالمدينة من أجل ذلك،أو أنّها كانت لغة أهل المدينة،و لم يعرفها أهل مكّة؟وجهان.

سادسا:غلب على هذه المادّة المعنى المعقول في العصر الرّاهن،بماله من السّعة و الشّمول،فالثّقافة الآن -كما سبق-تعني المعرفة و العلم و المدنيّة،و لم تأت بهذا المعنى في القرآن بتاتا.و من المعلوم أنّ الثّقافة بهذا المعنى كفاح ضدّ الجهل و الأمّيّة و التّخلّف،قد فتح بابه الإسلام بقتل الجاهلين:دعاة الجهل و التّخلّف حيثما ثقفوا،فمآل المعنيين شيء واحد،و نتيجتهما إزالة الجهل و تكريم العلم.بيد أنّ القرآن أبى أن يجمع الضّدّين:الحرب و الجهالة،و العلم و المعرفة في لفظ واحد و تعبير منفرد، فيختلط المعروف بالمنكر،و النّعمة بالنّقمة،و البلاء بالولاء.

ص: 374

ث ق ل

اشارة

14 لفظا،28 مرّة:19 مكّيّة،9 مدنيّة

في 19 سورة:13 مكّيّة 6 مدنيّة

ثقلت 4:4 اثقالها 1:-1

ثقيلا 2:1-1 اثقالهم 2:2

مثقال 8:5-3 اثقالكم 1:1

الثّقلان 1:-1 اثقلت 1:1

ثقالا 2:1-1 مثقلة 1:1

الثّقال 1:-1 مثقلون 2:2

اثقالا 1:1 اثّاقلتم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ثقل ثقلا فهو ثقيل.

و الثّقل:رجحان الثّقيل.

و الثّقل:متاع المسافر و حشمه،و جمعه:أثقال.

و الأثقال:الآثام.

و امرأة ثقال،أي ذات مآكم و كفل.

و المثقال:وزن معلوم قدره.

و مثقال الشّيء:ميزانه من مثله.

و الثّقلة:نعسة غالبة.

و أثقلت المرأة فهي مثقل،قال اللّه عزّ و جلّ: فَلَمّا أَثْقَلَتْ... الأعراف:189.

و المثقل:الّذي حمّل فوق طاقته،و قوله تعالى:

وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها... فاطر:18،أي هي حاملة أوزار و خطايا،و هو اسم يستعمل بالتّأنيث ليست للمرأة خاصّة،و لكنّه يحمل على النّفس،و يجرى مجرى النّعت.

و أثقله المرض،و استثقله النّوم.

و المثقل:البطيء من الدّوابّ.

و المستثقل:الثّقيل من النّاس.

و التّثاقل من التّباطؤ،و التّحامل في الوطء،يقال:

لأطأنّه وطء المتثاقل.(5:136)

الكسائيّ: الثّقيلة:أثقال القوم،بكسر القاف

ص: 375

و فتح الثّاء،و قد تخفّف فيقال:الثّقلة.

و الثّقلة:ما وجد الإنسان من ثقل الطّعام.

(الأزهريّ 9:80)

و يقال:وجدت ثقلة في جسدي،أي ثقلا و فتورا.

(الجوهريّ 4:1647)

الأصمعيّ: يقال:أعطه ثقله،أي وزنه.

(الأزهريّ 9:81)

دينار ثاقل،إذا كان لا ينقص،و دنانير ثواقل.

و قولهم:ألقى عليه مثاقيله،أي مئونته و ثقله.

(ابن منظور 11:87)

ابن الأعرابيّ: الثّقل عند العرب:كلّ شيء مصون يعزّ على أهله،و الأصل فيه:بيض النّعام المصون.[ثمّ استشهد بشعر](الخطّابيّ 2:192)

أبو نصر الباهليّ: يقال:أصبح فلان ثاقلا،أي أثقله المرض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:81)

ابن السّكّيت: و الثّقال:الثّقيلة الرّزينة.(329)

يقال:هذا شيء ثقيل،و هذه امرأة ثقال،و هذا شيء رزين،و هذه امرأة رزان،أي رزينة في مجلسها.

(الأزهريّ 9:80)

ثعلب :روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال في مرضه الّذي مات فيه:«إنّي تارك فيكم الثّقلين:كتاب اللّه و عترتي، و لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».سمّيا ثقلين،لأنّ الأخذ بهما ثقيل،و العمل بهما ثقيل.

و أصل الثّقل:أنّ العرب تقول لكلّ شيء نفيس مصون:ثقل،و أصله في بيض النّعام المصون.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:78)

الزّجّاج:و ثقل الإنسان في نفسه،إذا رزن،و أثقلت الشّيء:زدت فيه.(فعلت و أفعلت:7)

ابن دريد :الثّقل:ضدّ الخفّ،و الثّقل:متاع القوم و ما حملوه على دوابّهم،و الجمع:أثقال.

و كذلك فسّر في التّنزيل: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ النّحل:7.

و الثّقيل:ضدّ الخفيف.

و مثقال كلّ شيء:ما وازى وزنه.

و تثاقل القوم،إذا لم ينهضوا لنجدة إذا استنهضوا لها.

(2:48)

ابن الأنباريّ: الثّقلان:الجنّ و الإنس،قيل لهما:

الثّقلان،لأنّهما كالثّقل للأرض و عليها.

و الثّقل،بمعنى الثّقل،و جمعهما:أثقال.و مجراهما مجرى قول العرب:مثل و مثل،و شبه و شبه،و نجس و نجس،(الأزهريّ 9:79)

الأزهريّ: روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم[و ذكر حديث الثّقلين ثمّ قال:]

فسّر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الثّقلين،فجعلهما كتاب اللّه جلّ و عزّ و عترته عليه السّلام.و قد فسّرت العترة فيما تقدّم،و هم جماعة عشيرته الأدنون.

و يقال للسّيّد العزيز:ثقل،من هذا.

و سمّى اللّه جلّ و عزّ الجنّ و الإنس الثّقلين،فقال:

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31.

سمّيا«ثقلين»لتفضيل اللّه إيّاهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض،بالتّمييز و العقل الّذي خصّا به.

و كانت العرب تقول:الفارس الشّجاع ثقل على

ص: 376

الأرض،فإذا قتل أو مات سقط به عنها ثقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ثقلت الشّاة و أنا أثقلها ثقلا،إذا رفعتها لترزنها.(9:78)

الصّاحب: الثّقل مصدر الثّقيل،ثقل الشّيء يثقل ثقلا و ثقّلته:رزّنته و دينار ثاقل[ثمّ قال نحو الخليل إلى أن قال:]

و الثّقلة:أثقال القوم بالكسر،و احتمل القوم بثقلتهم.

و الثّقلة:ما تجده من الثّقل على فؤادك.

و المثقّلة:الحجر من الرّخام.

و ثاقل:اسم بلد.(5:380)

الجوهريّ: الثّقل:واحد الأثقال،مثل حمل و أحمال،و منه قولهم:أعطه ثقله،أي وزنه.

و الثّقل:ضدّ الخفّة،تقول منه:ثقل الشّيء ثقلا،مثل صغر صغرا،فهو ثقيل.

و الثّقل بالتّحريك:متاع المسافر و حشمه.

و الثّقلان:الإنس و الجنّ.

و ثقلة القوم،بكسر القاف:أثقالهم.

يقال:احتمل القوم بثقلتهم،أي بأمتعتهم كلّها.

و ثقل الشّيء الشّيء في الوزن يثقله ثقلا.

و ثقلت الشّاة أيضا،أي وزنتها،و ذلك إذا رفعتها لتنظر ما ثقلها من خفّتها.

و امرأة ثقال بالفتح،أي رزان ذات مآكم و كفل.

و التّثقيل:ضدّ التّخفيف،و قد أثقله الحمل.

و أثقلت المرأة فهي مثقل،أي ثقل حملها في بطنها.

و المثقال:واحد مثاقيل الذّهب.(4:1647)

نحوه الرّازيّ.(99)

ابن فارس: «ثقل»الثّاء و القاف و اللاّم أصل واحد يتفرّع منه كلمات متقاربة،و هو ضدّ الخفّة،و لذلك سمّي الجنّ و الإنس الثّقلين،لكثرة العدد.

و أثقال الأرض:كنوزها،في قوله تعالى:

وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2،و يقال:هي أجساد بني آدم.قال اللّه تعالى: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ النّحل:7،أي أجسادكم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ارتحل القوم بثقلتهم (1)،أي بأمتعتهم،و أجد في نفسي ثقلة (2).

كذا يقولون من طريقة الفرق،و القياس واحد.

(1:382)

ابن سيده: الثّقل:نقيض الخفّة.ثقل ثقلا،و ثقالة، فهو ثقيل،و الجمع:ثقال.

و الثّقل:رجحان الثّقيل.

و الثّقل:الحمل الثّقيل،و الجمع:أثقال.[إلى أن قال:]

و الثّقل:الذّنب.

و ثقّل الشّيء:جعله ثقيلا.

و أثقله:حمّله ثقيلا،و في التّنزيل: فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ الطّور:40.

و استثقله:رآه ثقيلا.

و أثقلت المرأة:ثقلت و استبان حملها،و في التّنزيل:

فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما الأعراف:189.ك.

ص: 377


1- يقال:بالتّحريك و بالكسر و بالفتح.
2- يقال:بالفتح و بالتّحريك.

و امرأة مثقل،بغير هاء:ثقلت من حملها.

و قوله تعالى: إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً المزّمّل:5،قيل:معنى الثّقيل:ما يفترض عليه فيه من العمل،لأنّه ثقيل،و قيل:إنّما كنّي به عن رصانة القول و جودته.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثقال الشّيء:ما آذن وزنه،فثقل ثقله.

و المثقّلة:رخامة يثقّل بها البساط.

و امرأة ثقال:مكفال.

و ثقال:رزان،على التّفرقة.فرّقوا بين ما يحمل و بين ما ثقل في مجلسه فلم يخفّ،و كذلك:الرّجل.

و يقال:فيه ثقل،و هو ثاقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يكون هذا على النّسب،أي ذو ثقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثقل الشّيء بيده ثقلا:راز ثقله.

و تثاقل عنه:ثقل،و في التّنزيل: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38،و عدّاه ب«إلى»لأنّ فيه معنى:

ملتم.

و حكى النّضر بن شميّل:ثقل إلى الأرض:أخلد إليها و اطمأنّ فيها،فإذا صحّ ذلك صحّ تعدّي اِثّاقَلْتُمْ، بغير تأويل يخرجه عن بابه.

و تثاقل القوم:استنهضوا لنجدة فلم ينهضوا إليها.

و ارتحل القوم بثقلتهم،و ثقلتهم،و ثقلتهم،و ثقلتهم، أي بأثقالهم.

و ثقل الرّجل ثقلا،فهو ثقيل،و ثاقل:اشتدّ مرضه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أثقله المرض و النّوم.

و المستثقل:الّذي أثقله النّوم،و هي الثّقلة.

و ثقل العرفج،و الثّمام،و الضّعة:أدبى و تروّت عيدانه.

و ثقل سمعه:ذهب بعضه،فإن لم يبق منه شيء قيل:

وقر.

و الثّقلان:الإنس و الجنّ،و في التّنزيل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31،و قال:(لكم)لأنّ الثّقلين،و إن كان بلفظ التّثنية فمعناه الجمع.[ثمّ استشهد بشعر](6:353)

الطّوسيّ: و أصل المثقال:الثّقل،فالمثقال:مقدار الشّيء في الثّقل،و الثّقل:ما ثقل من متاع السّفر.

و المثقل:الّذي أثقله المرض.و الثّقيل:البطيء في عمله.(3:200)

نحوه الطّبرسيّ.(2:48)

و الثّقال:جمع ثقيل،و الثّقيل:ما فيه الاعتماد الكثير سفلا.

و قال قوم:هو ما تجمع أجزاؤه كالذّهب و الحجر، و قد يكون بكثرة ما حمل كالسّحاب الّذي يثقل بالماء.

(4:461)

و التّثاقل:تعاطي إظهار ثقل النّفس،و مثله التّباطؤ، و ضدّه التّسرّع.(5:255)

نحوه الطّبرسيّ.(3:30)

و المثقل:المحمل للثّقل،و هو ما فيه مشقّة على النّفس، كالمشقّة بالحمل الثّقيل على الظّهر؛يقال:هو مثقل بالدّين و مثقل بالعيال،و مثقل بما عليه من الحقوق اللاّزمة،و الأمور الواجبة.(10:89)

ص: 378

نحوه الطّبرسيّ.(5:340)

الرّاغب: الثّقل و الخفّة متقابلان،فكلّ ما يترجّح على ما يوزن به أو يقدّر به يقال:هو ثقيل.و أصله في الأجسام،ثمّ يقال في المعاني،نحو:أثقله الغرم و الوزر، قال اللّه تعالى: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ القلم:46.

و الثّقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذّمّ و هو أكثر في التّعارف،و تارة في المدح.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:في أذنه ثقل،إذا لم يجد سمعه،كما يقال:في أذنه خفّة،إذا جاد سمعه،كأنّه يثقل عن قبول ما يلقى إليه.

و قد يقال:ثقل القول،إذا لم يطب سماعه،و لذلك قال في صفة يوم القيامة: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:187.

و الثّقيل و الخفيف يستعملان على وجهين:

أحدهما:على سبيل المضايفة،و هو أن لا يقال لشيء:ثقيل أو خفيف إلاّ باعتباره بغيره،و لهذا يصحّ للشّيء الواحد أن يقال:خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه،و ثقيل إذا اعتبرته بما هو أخفّ منه.

و الثّاني:أن يستعمل«الثّقيل»في الأجسام المرجّحة إلى أسفل كالحجر و المدر،و«الخفيف»يقال في الأجسام المائلة إلى الصّعود كالنّار و الدّخان؛و من هذا«الثّقل» قوله تعالى: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38.(79)

الكرمانيّ: المثقال:هو عبارة عن اثنين و سبعين شعيرة،و في الاختيار:المثقال عشرون قيراطا.

(الزّبيديّ 7:345)

الزّمخشريّ: ثقل الشّيء ثقلا و ثقل الحمل على ظهره،و أثقله الحمل،و رجل مثقل:حمّل فوق طاقته.

و حملت الدّابّة ثقلها،و الدّوابّ أثقالها،أي أحمالها.

و لفلان ثقل كثير،أي متاع و حشم.

و ارتحلوا بثقلهم و أثقالهم و ثقلتهم،بكسر القاف.

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مبعوثا إلى الثّقلين.

و أثقلت الحامل،و امرأة مثقل.

و تثاقل عن الأمر.و اثّاقل إلى الدّنيا:أخلد إليها.

و و وطئه وطأة المتثاقل،و هو المتحامل على الشّيء بوطئه.

و ثقلت الشّيء أثقله،إذا رزنته.

و دينار ثاقل:راجح.و هذه الكفّة أثقل من الأخرى.

و من المجاز:ثقل سمعي،و ثقل عليّ كلامك،و أنت ثقيل على جلسائك،و ما أنت إلاّ ثقيل الظّلّ بارد النّسيم، و أنت و اللّه من الثّقلاء،و أنت مستثقل:يستثقلك النّاس، و أثقله المرض،و مريض ثاقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و وجدت ثقلة في جسدي،و وهنا في عظامي.

و أخذتني ثقلة و هي النّعسة الغالبة،و استثقل في نومه،و هو مستثقل كالميّت. وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2،أي ما في بطنها من كنوز و أموات.

و قد استعار الثّقل للبيض.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقول العالم لغلامه:هات ثقلي،يريد كتبه و أقلامه، و لكلّ صاحب صناعة ثقل.(أساس البلاغة:46)

النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و آله و سلّم: «خلّفت فيكم الثّقلين:كتاب اللّه و عترتي»

الثّقل:المتاع المحمول على الدّابّة،و إنّما قيل للجنّ

ص: 379

و الإنس:الثّقلان،لأنّهما قطّان الأرض،فكأنّهما أثقلاها.و قد شبّه بهما الكتاب و العترة في أنّ الدّين يستصلح بهما و يعمر كما عمرت الدّنيا بالثّقلين.

(الفائق 1:170)

الطّبرسيّ: و الثّقل:عبارة عن الاعتماد اللاّزم سفلا،و نقيضه الخفّة و هي الاعتماد اللاّزم علوا.

(2:397)

الثّقل:متاع البيت،و جمعه:أثقال،و هو من«الثّقل»، يقال:ارتحل القوم بثقلهم و ثقلتهم،أي بأمتعتهم.[ثمّ ذكر حديث الثّقلين و قول ثعلب فيه و أضاف:]

و قال غيره:إنّ العرب تقول لكلّ شيء خطير نفيس:

ثقل،فسمّاهما ثقلين تفخيما لشأنهما.

و كلّ شيء يتنافس فيه فهو ثقل،و منه سمّي الجنّ و الإنس ثقلين،لأنّهما فضّلا على غيرهما من الخلق.

(4:275)

الثّقلان:أصله من«الثّقل»و كلّ شيء له وزن و قدر فهو ثقل،و منه قيل لبيض النّعامة:ثقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما سمّيت الإنس و الجنّ ثقلين لعظم خطرهما و جلالة شأنهما،بالإضافة إلى ما في الأرض من الحيوانات،و لثقل وزنهما بالعقل و التّمييز.[ثمّ ذكر حديث الثّقلين المتقدّم]

و الأثقال:جمع الثّقل،و سمّى سبحانه الموتى أثقالا تشبيها بالحمل الّذي يكون في البطن،لأنّ الحمل سمّي ثقلا كما قال سبحانه: فَلَمّا أَثْقَلَتْ الأعراف:

189،و تقول العرب:إنّ للسّيّد الشّجاع ثقلا على الأرض فإذا مات سقط عنها بموته ثقل.[ثمّ استشهد بأشعار](5:525)

المدينيّ: في حديث ابن عبّاس:«بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الثّقل من جمع بليل»

الثّقل:متاع المسافر،و الجمع:أثقال.و احتملوا بثقلتهم:أي عيالهم،و كلّ شيء كان لهم.(1:268)

ابن الأثير: و فيه:«لا يدخل النّار من في قلبه مثقال ذرّة من إيمان».

المثقال في الأصل:مقدار من الوزن،أيّ شيء كان من قليل أو كثير،فمعنى مثقال ذرّة:وزن ذرّة.و النّاس يطلقونه في العرف على الدّينار خاصّة،و ليس كذلك.

(1:217)

عبد اللّطيف البغداديّ: المثقال عند العرب:

وزن الشّيء،و ليس هو مقصورا على وزن معيّن،فيطلق إذا على صنجة الألف و صنجة الحبّة،أقول:هذا أيضا عامّ قد خصّصه الاستعمال.(ذيل فصيح ثعلب:8)

الفيّوميّ: ثقل الشّيء بالضّمّ.ثقلا وزان«عنب» و يسكّن للتّخفيف،فهو ثقيل.و الثّقل:المتاع،و الجمع أثقال،مثل سبب و أسباب.

و الثّقلان:الجنّ و الإنس.

و أثقله الشّيء بالألف:أجهده.

و المثقال:وزنه درهم و ثلاثة أسباع درهم،و كلّ سبعة مثاقيل عشرة دراهم.قال الفارابيّ:و مثقال الشّيء:ميزانه من مثله.

و يقال:أعطه ثقله وزان حمل،أي وزنه.(83)

الفيروزآباديّ: الثّقل كعنب:ضدّ الخفّة.ثقل

ص: 380

ككرم ثقلا و ثقالة،فهو ثقيل و ثقال كسحاب و غراب، جمعه:ثقال و ثقل بالضّمّ.

و الثّقل محرّكة:متاع المسافر و حشمه،و كلّ شيء نفيس مصون،و منه الحديث:«إنّي تارك فيكم الثّقلين:

كتاب اللّه و عترتي».

و الثّقلان:الإنس و الجنّ.و الأثقال:كنوز الأرض و موتاها و الذّنوب و الأحمال الثّقيلة،واحدة الكلّ:ثقل بالكسر.

و ثقّله تثقيلا:جعله ثقيلا،و أثقله:حمّله ثقيلا.

و أثقلت و ثقلت ككرم فهي مثقل:استبان حملها.

و المثقّلة كمعظّمة:رخامة يثقّل بها البساط.

و مثقال الشّيء:ميزانه من مثله،و واحد مثاقيل الذّهب.

و امرأة ثقال كسحاب:مكفال أو رزان.

و بعير ثقال:بطيء.

و ثقل الشّيء بيده ثقلا:راز ثقله.

و تثاقل عنه:ثقل و تباطأ،و القوم:لم ينهضوا للنّجدة، و قد استنهضوا لها.

و ارتحلوا بثقلتهم محرّكة و بالكسر و بالفتح،و كعنبة و فرحة،أي بأثقالهم و أمتعتهم كلّها.

و الثّقلة بالفتح و يحرّك:ما يوجد في الجوف من ثقل الطّعام.و بالفتح:نعسة تغلبك.

و ثقل كفرح فهو ثقيل و ثاقل:اشتدّ مرضه،و قد أثقله المرض و النّوم و اللّؤم فهو مستثقل.

و ثقال النّاس و ثقلاؤهم:من تكره صحبته.

و ثقل العرفج و الثّمام ككرم:تروّت عيدانه،و سمعه:

ذهب بعضه.

و الثّقل بالكسر:موضع.

و ألقى عليه مثاقيله:مئونته.

و دينار ثاقل:كامل،و دنانير ثواقل.و ثاقل:بلدة.

و أصبح ثاقلا،أي أثقله المرض.(3:353)

الطّريحيّ: [ثمّ ذكر حديث الثّقلين و قول تغلب فيه و أضاف:]

و قيل:من الثّقل بالتّحريك:متاع المسافر.

و الثّقل الأكبر:يراد به الكتاب.

و الثّقل الأصغر:العترة عليهم السّلام.

و في الحديث:«ثقّل اللّه ميزانه»بالقاف مشدّدة،أي كثّر حسناته الّتي يحصل بسببها ثقل الميزان.

و قد ورد وصف الميزان بالخفّة و الثّقل في الكتاب و السّنّة؛و ذلك دليل على الوزن الحقيقيّ بأن تتجسّم الأعمال ثمّ توزن،و ذلك مذهب جمهور أهل الإسلام، و خروج عمل الإنسان من القبر-كما ورد في الحديث- دالّ على ذلك.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ لكلّ نبيّ أهلا و ثقلا و هؤلاء-يعني عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين-أهل بيتي و ثقلي».

و الثّقل بالكسر:ضدّ الخفّة،يقال ثقل الشّيء بالضّمّ ثقلا،وزان«عنب»و يسكّن للتّخفيف،فهو ثقيل.

و المثقال:واحد مثاقيل الذّهب،و المثقال الشّرعيّ على ما هو المشهور و المعوّل عليه في الحكم،عبارة عن عشرين قيراطا.

و القيراط:ثلاث حبّات من شعير،كلّ حبّة عبارة

ص: 381

عن ثلاث حبّات من الأرز.

فيكون بحبّ الشّعير عبارة عن ستّين حبّة،و بالأرز عبارة عن مائة و ثمانين حبّة.

فالمثقال الشّرعيّ يكون على هذا الحساب:عبارة عن الذّهب الصّنميّ،كما صرّح به ابن الأثير؛حيث قال:

المثقال يطلق في العرف على الدّينار خاصّة، و الذّهب الصّنميّ عبارة عن ثلاثة أرباع المثقال الصّيرفيّ، عرف بذلك بالاعتبار الصّحيح.

و منه يعرف ضبط الدّرهم الشّرعيّ،فإنّ المشهور أنّ كلّ سبعة مثاقيل عشرة دراهم.

و على هذا فلو بسطنا السّبعة على العشرة يكون المثقال عبارة عن درهم و خمس،و هو بحساب حبّ الشّعير يكون عبارة عن اثنين و أربعين حبّة من حبّ الشّعير.(5:329)

مجمع اللّغة :1-ثقل الشّيء يثقل ثقلا من باب «عظم»:رجح،ضدّ خفّ،فهو ثقيل و هي ثقيلة، و جمعها:ثقال،و أصل«الثّقل»يكون في الأجسام،فكلّ ما يرجح ما يوزن به فهو ثقيل.

و قد استعمل في المعاني بنوع من التّشبيه،لإفادة معنى العظم أو الشّدّة في ناحية ما.

2-أثقلت المرأة:ثقلت بكبر حملها.

3-و يقال:أثقله الغرم أو الوزر،و اسم المفعول منه مثقل،و مؤنّثه مثقلة،و جمع المذكّر:مثقلون.

4-اثّاقل فلان عن الأمر:تباطأ عنه،و أصله:

تثاقل،أي تكلّف الثّقل و تظاهر به.

5-الأثقال:واحدها:ثقل كحمل،و ثقل كجبل، و معناها الأحمال الثّقيلة،و قد يراد بها الذّنوب،لأنّها شديدة الوطأة على المذنبين.

6-الثّقلان:الجنّ و الإنس،لأنّهما كالحملين على الأرض،أو لعظم شأنهما.

7-أصل المثقال:ما يوزن به،و ذلك اسم لكلّ سنج، و يطلق و يراد به المقدار.(1:169)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:96)

محمود شيت:أ-اثّاقل:تباطأ عن الحرب.

ب-الثّقل:وزن الحمل.و الأثقال:ما تحمله النّقليّة في الجيش.

ج-الثّقل:متاع العسكريّين.

د-المثقال:وزن معيّن.

ه-الثّقالة:حديدة في رأس حبل تنظيف البندقيّة و السّلاح.(1:126)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ المعنى الحقيقيّ في هذه المادّة واحدة،و هو خلاف الخفّة و هذا المعنى مفهوم كلّيّ شامل لما يثقل من جهة الوزن الظّاهريّ،أو من جهة المعنى،و لما يثقل في نفسه عرفا،أو بالنّسبة إلى شخص، فإنّ وزن خمس كيلووات ثقيل بالنّسبة إلى قوّة طفل، و هكذا المطالب العلميّة فهي ثقيلة بالنّسبة إلى الأفراد المتوسّطة،فلا يقدرون أن يحملوها.

فهذا المعنى منظور في موارد استعمالها:فالمتاع إذا كان ثقيلا من جهة المعنى و القيمة و الأهمّيّة يطلق عليه:

الثّقل،و بهذا اللّحاظ إطلاق الثّقلين على الجنّ و الإنس، لكونهما عظيمين و مهمّين في عالم المادّة خلقا و خلقا و منزلة.

ص: 382

و ليس هذا باعتبار كثرة العدد،فإنّهما أقلّ عددا من أكثر الأنواع،و كذلك في سائر مصاديق هذا المعنى.

ثمّ إنّ الثّقل:مصدر كالصّغر و الكبر.

و الثّقل:اسم مصدر،و هو يدلّ على نفس المعنى و الحدث.

و الثّقل كحسن:صفة مشبّهة،و هو كلّ شيء وزين أو خطير و نفيس معنى.

و المثقال كمفتاح:صيغة للآلة،أي ما يثقل به الشّيء.

و معنى الآلة في الأفعال اللاّزمة يرجع إلى خصوصيّة أو صفة في نفس الشّيء،و ما يثقل به الشّيء عبارة عن الثّقل الّذي فيه.(2:19)

النّصوص التّفسيريّة

ثقلت

1- وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. الأعراف:8

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّما يعني الحسنات،توزن الحسنات و السّيّئات،و الحسنات ثقل الميزان، و السّيّئات خفّة الميزان.

هي قلّة الحسنات و كثرتها.(الكاشانيّ 2:181)

ابن عبّاس: حسناته في الميزان.(124)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 8:123)

الإمام الصّادق عليه السّلام:فمن رجح عمله.

(العروسيّ 2:5)

نحوه طه الدّرّة.(4:349)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:معناه فمن قضي له بالطّاعة.

و الثّاني:معناه فمن كانت كفّة حسناته أثقل من كفّة سيّئاته.

و الثّالث:معناه فمن زادت حسناته على سيّئاته.

(2:202)

الطّوسيّ: الثّقل عبارة عن الاعتماد اللاّزم سفلا و نقيضه الخفّة،و هي اعتماد لازم علوا،و مثّلت الأعمال بهما لما ذكر من المقارنة.

و المعنى أنّ من كانت طاعاته أكثر،فهو من الفائزين بثواب اللّه،و من قلّت طاعاته فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ المؤمنون:103،بأن استحقّوا عذاب الأبد، جزاء على ما كانوا يظلمون أنفسهم بجحود آياتنا و حجّتنا.(4:380)

نحوه محمّد حسين فضل اللّه.(10:24)

الزّمخشريّ: أي فمن رجحت أعماله الموزونة الّتي لها وزن و قدر و هي الحسنات،أو ما توزن به حسناتهم.

(2:68)

مثله النّسفيّ(2:45)،و نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(8:

120).

ابن عربيّ: أي رجحت موزوناته بأن كانت باقيات صالحات.(1:423)

النّيسابوريّ: بالأعمال الصّالحة و الأخلاق الفاضلة،و الأحوال الكاملة.(8:77)

نحوه الطّنطاويّ.(4:139)

ص: 383

أبو حيّان: الثّقل و الخفّة من صفات الأجسام،و قد ورد أنّ الموزون هي الصّحائف الّتي أثبتت فيها الأعمال، فيحدث اللّه تعالى فيها ثقلا و خفّة،و ما ورد في هيئته و طوله و أحواله لم يصحّ إسناده.(4:270)

الشّربينيّ: أي رجحت على ما يعهد في الدّنيا بصحائف الأعمال أو حسناته أو به.(1:464)

نحوه أبو السّعود.(2:476)

رشيد رضا :فمن رجحت موازين أعماله بالإيمان و كثرة حسناته.(8:319)

مثله المراغيّ.(8:106)

الطّباطبائيّ: باشتمال أعماله على الحقّ.(8:12)

محمّد جواد مغنية:و هم الّذين محّصت أعمالهم على أساس أوامر القرآن و نواهيه،فجاءت كاملة وافية.

(3:303)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ من البديهيّ أنّ المراد من الخفّة و الثّقل في الموازين ليس هو خفّة و ثقل نفس الميزان،بل قيمة و وزن الأشياء الّتي توزن بواسطة تلك الموازين،و تقاس بتلك المقاييس.(4:527)

2- ...قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... الأعراف:187

ابن عبّاس: ثقل علم قيامها و حينها على أهل السّماوات و الأرض.(143)

مثله الميبديّ.(3:806)

ليس شيء من الخلق إلاّ يصيبه من ضرر يوم القيامة.(المراغيّ 9:129)

الحسن: يعني إذا جاءت ثقلت على أهل السّماء و أهل الأرض،يقول:كبرت عليهم.(الطّبريّ 9:139)

معناه ثقلت هيئتها و الفزع منها على أهل السّماوات و الأرض،كما تقول:خيف العدوّ في بلد كذا و كذا.

(ابن عطيّة 2:484)

أي ثقل مجيئها على أهل السّماوات،لانشقاق السّماء و تكوير الشّمس،و انتثار النّجوم،و على أهل الأرض، لأنّ في ذلك اليوم فناءهم و هلاكهم.

(النّيسابوريّ 9:99)

قتادة :أي[ثقلت]على السّماوات و الأرض.

(الطّبريّ 9:139)

معناه ثقلت على السّماوات و الأرض أنفسها،لتقطر السّماوات و تبدّل الأرض،و نسف الجبال.

(ابن عطيّة 2:482)

مثله ابن جريج.(ابن عطيّة 2:484)

زيد بن عليّ: معناه كبرت و عظمت،فثقل علمها على أهل السّماوات و الأرض إنّهم لا يعلمون.(201)

السّدّيّ: أي خفيت في السّماوات و الأرض،فلم يعلم قيامها ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل،و(ثقلت)أي عظمت.(275)

عن بعض أهل التّأويل:معناه ثقل أن تعلم و يوقف على حقيقة وقتها.

مثله أبو عبيدة.(ابن عطيّة 2:484)

ثقل عليهم قيام السّاعة.(الماورديّ 2:285)

ثقل علمها على السّماوات و الأرض.

(الطّوسيّ 5:55)

ص: 384

ابن جريج:معناه عظم وصفها على أهل السّماوات و الأرض.(الماورديّ 2:285)

ثقل وقوعها على أهل السّماوات و الأرض.

(الطّوسيّ 5:55)

نحوه الجبّائيّ و أبو مسلم.(الطّبرسيّ 2:506)

إذا جاءت انشقّت السّماء،و انتثرت النّجوم، و كوّرت الشّمس،و سيّرت الجبال،و كان ما قال اللّه، فذلك ثقلها.(الطّبريّ 9:139)

الفرّاء: ثقل على أهل الأرض و السّماء أن يعلموه.

(1:399)

أبو عبيدة :مجازها:خفيت،و إذا خفي عليك شيء ثقل.(1:235)

ابن قتيبة :أي خفي علمها على أهل السّماوات و الأرض.و إذا خفي الشّيء ثقل.(175)

مثله السّجستانيّ(72)،و النّحّاس(3:111)، و القرطبيّ(7:335)،و الشّربينيّ(1:543)،و طه الدّرّة(5:149).

الطّبريّ: [نقل بعض أقوال السّابقين ثمّ قال:]

و أولى ذلك عندي بالصّواب قول من قال:معنى ذلك ثقلت السّاعة في السّماوات و الأرض على أهلها أن يعرفوا وقتها و قيامها،لأنّ اللّه أخفى ذلك عن خلقه فلم يطلع عليه منهم أحدا؛و ذلك أنّ اللّه أخبر بذلك بعد قوله: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ و أخبر بعده أنّها لا تأتي إلاّ بغتة،فالّذي هو أولى أن يكون ما بين ذلك أيضا خبرا عن خفاء علمها عن الخلق؛إذ كان ما قبله و ما بعده كذلك.(9:139)

الزّمخشريّ: أي كلّ من أهلها من الملائكة و الثّقلين،أهمّه شأن السّاعة،و ودّه أن يتجلّى له علمها، و شقّ عليه خفاؤها،و ثقل عليه أو ثقلت فيها،لأنّ أهلها يتوقّعونها و يخافون شدائدها و أهوالها،أو لأنّ كلّ شيء لا يطيقها و لا يقوم لها فهي ثقيلة فيها.(2:134)

نحوه النّسفيّ(2:89)،و الطّنطاويّ(4:251)

الطّبرسيّ: ذكر فيه وجوه:

أحدها:ثقل علمها على أهل السّماوات و الأرض، لأنّ من خفي عليه علم شيء كان ثقيلا عليه،عن السّدّيّ و غيره.قال أبو عليّ الفارسيّ:أصل هذا قولهم:

أحطت به علما،أي ذلّ لي فصرت لعلمي به غالبا عليه، فخفّ عليّ و لم يثقل،كما يثقل ما لا تعلمه عليك.

و ثانيها:أنّ معناه عظمت على أهل السّماوات و الأرض صفتها،لما يكون فيها من انتثار النّجوم و تكوير الشّمس و تسيير الجبال و غير ذلك،عن الحسن و ابن جريج.

و ثالثها:ثقل وقوعها على أهل السّماوات و الأرض لعظمها و شدّتها،و لما فيها من المحاسبة و المجازاة،عن الجبّائيّ و أبي مسلم و جماعة.

و رابعها:أنّ المراد نفس السّماوات و الأرض،أي لا تطيق السّماوات و الأرض حملها لعظمها و شدّتها،عن قتادة.

و المعنى أنّها لو كانت أحياء لثقل عليها تلك الأحوال،من انفطار السّماوات و انكدار النّجوم و تسيير الجبال و غيرها.(2:506)

الفخر الرّازيّ: و المراد وصف السّاعة بالثّقل،

ص: 385

و نظيره قوله تعالى: وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً الدّهر:27،و أيضا وصف اللّه تعالى زلزلة السّاعة بالعظم،فقال: إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الحجّ:

1،و وصف عذابها بالشّدّة،فقال: وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللّهِ شَدِيدٌ الحجّ:2.

إذا عرفت هذا فنقول:للمفسّرين في تفسير قوله:

ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وجوه:[ثمّ نقل قول الحسن و غيره إلى أن قال:]

و قال قوم: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي ثقل تحصيل العلم بوقتها المعيّن على أهل السّماوات و الأرض،و كما يقال في المحمول الّذي يتعذّر حمله:إنّه قد ثقل على حامله،فكذلك يقال في العلم الّذي استأثر اللّه تعالى به:إنّه يثقل عليهم.(15:81)

نحوه النّيسابوريّ.(9:99)

البيضاويّ: عظمت على أهلها من الملائكة و الثّقلين لهولها،و كأنّه إشارة إلى الحكمة في إخفائها.

(1:380)

نحوه الكاشانيّ(2:258)،و المشهديّ(3:663).

أبو حيّان :و يعبّر بالثّقل عن الشّدّة و الصّعوبة،كما قال: وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً الدّهر:27،أي شديدا صعبا.و أصله أن يتعدّى ب«على»تقول:ثقل عليّ هذا الأمر.

فأمّا أن يدّعى أنّ(في)بمعنى«على»كما قال بعضهم في قوله: وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ طه:71،أي و يضمّن(ثقلت)معنى فعل يتعدّى ب«في».[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ المتقدّم](4:439)

أبو السّعود: استئناف-كما قبله-مقرّر لمضمون ما قبله،أي كبرت و شقّت على أهلهما من الملائكة و الثّقلين كلّ منهم،أهمّه خفاؤها و خروجها عن دائرة العقول.

و قيل:عظمت عليهم حيث يشفقون منها، و يخافون شدائدها و أهوالها.

و قيل:ثقلت فيهما؛إذ لا يطيقها منهما و ممّا فيهما شيء أصلا.

و الأوّل هو الأنسب بما قبله و بما بعده من قوله تعالى:

لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً فإنّه أيضا استئناف مقرّر لمضمون ما قبله،فلا بدّ من اعتبار الثّقل من حيث الخفاء،أي لا تأتيكم إلاّ فجأة على غفلة.(3:62)

نحوه البروسويّ(3:292)،و شبّر(2:442)، و الآلوسيّ(9:134).

القاسميّ: أي عظمت و كبرت على أهلهما،لهولها و ما فيها من المحاسبة و المجازاة.أو ثقل علم وقتها على أهلهما،أو عظم وصفها على أهل السّماوات و الأرض، من انتشار النّجوم،و تكوير الشّمس،و تسيير الجبال.

(7:2916)

نحوه عزّة دروزة.(2:191)

رشيد رضا :أي ثقل وقعها و عظم أمرها في السّماوات و الأرض على أهلهما من الملائكة و الإنس و الجنّ،لأنّ اللّه تعالى نبّأهم بأهوالها،و لم يشعرهم.

بميقاتها،فهم يتوقّعون أمرا عظيما لا يدرون متى يفجؤهم وقوعه.[و نقل قول قتادة و السّدّيّ و ابن جريج و ابن عبّاس المتقدّم ثمّ قال:]

ص: 386

و لكلّ رواية وجه صحيح،و المتبادر من الجملة ما ذكرناه أوّلا،و هو يتّفق مع جملة هذه الرّوايات.

(9:467)

نحوه المراغيّ،(9:129)،و محمّد جواد مغنية(3:

431).

الطّباطبائيّ: ثقل علمها في السّماوات و الأرض، و هو بعينه ثقل وجودها،فلا ثمرة لاختلافهم في أنّ المراد بثقل السّاعة فيها:ثقل علمها عليها،أو المراد ثقل صفتها على أهل السّماوات و الأرض لما فيها من الشّدائد و العقاب و الحساب و الجزاء،أو ثقل وقوعها عليهم لما فيها من انطواء السّماء و انتثار الكواكب و اجتماع الشّمس و القمر و تسيير الجبال،أو أنّ السّماوات و الأرض لا تطيق حملها لعظمتها و شدّتها.

و ذلك أنّها ثقيلة بجميع ما يرجع إليها من ثبوتها و العلم بها و صفاتها على السّماوات و الأرض،و لا تطيق ظهورها لملازمته فناءها،و الشّيء لا يطيق فناء نفسه.

(8:370)

عبد الكريم الخطيب :أي عظم وقعها على السّماوات و الأرض،أي أنّها يوم تجيء تثقل على السّماوات و الأرض،فكيف تحتملون أنتم مجيئها يوم تجيء؟فلم تستعجلون يومها؟و لم تلحّون في البحث عن ميقاتها؟

و ثقل السّاعة على السّماوات و الأرض يشير إليه قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48،و قوله سبحانه: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ* وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ* وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ* وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:1-4.

(5:532)

فضل اللّه :أي ثقل وقعها في ما تمثّله من مواجهة المسئوليّة على مستوى قضيّة المصير،و ما تؤدّي إليه من الخوف من غضب اللّه و سخطه.و هذا ما لا تقوم له السّماوات و الأرض-كما في دعاء كميل-أو ثقل علمها عليها باعتبار النّتائج الصّعبة الّتي تحدث عند وجودها، و بهذا يلتقي ثقل علمها بثقل وجودها.

(10:301)

مكارم الشّيرازيّ: أيّة حادثة يمكن أن تكون أثقل من هذه؛إذ تضطرب لهولها جميع الأجرام السّماويّة قبيل القيامة،فتخمد الشّمس،و يظلم القمر،و تندثر النّجوم، و يتكوّن من بقاياها عالم جديد بثوب آخر.

ثمّ إنّ قيام السّاعة على حين غرّة،و بدون مقدّمات تدريجيّة،و تحقّقها على شكل مفاجئ و انقلاب سريع.

(5:293)

3- فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

المؤمنون:102

ابن عبّاس: أي من رجحت حسناته على سيّئاته و لو بواحدة.(ابن كثير 5:41)

نحوه القاسميّ(12:4418)،و المراغيّ(18:57)، و الحجازيّ(18:32).

الإمام الصّادق عليه السّلام:فمن رجح عليه.

(البحرانيّ 7:45)

القمّيّ: يعني بالأعمال الحسنة.(2:94)

ص: 387

ابن عطيّة:و«ثقل الموازين»هو الحسنات، و الثّقل و الخفّة إنّما يتعلّق بأجرام يخترع اللّه فيها ذلك، و هي فيما روي براءات.(4:156)

الشّربينيّ: أي بالأعمال المقبولة.قال البقاعيّ:

و لعلّ الجمع،لأنّ لكلّ عمل ميزانا يعرف أنّه لا يصلح له غيره،و ذلك أدلّ دليل على القدرة.(2:592)

4-فامّا من ثقلت موازينه.القارعة:6

ابن عبّاس: حسناته في ميزانه.(518)

الفرّاء: أي ثقلها:رجحانها.(الآلوسيّ 30:222)

مثله النّسفيّ.(4:236)

الزّجّاج: معناه من ثقلت موازينه بالحسنات،كما تقول:لفلان عندي وزن ثقيل،تأويله له وزن في الخير ثقيل.(5:355)

الطّوسيّ: و قال قوم:الميزان عبارة عن العدل و مقابلة الطّاعات بالمعاصي،فأيّهما كان أكثر حكم له به.

و عبّر عن ذلك بالثّقل مجازا،لأنّ الأعمال أعراض لا يصحّ وزنها و لا وصفها بالثّقل و الخفّة.(10:400)

القشيريّ: من ثقلت موازينه بالخيرات فهو في عيشة راضية،أي مرضيّة.و وزن الأعمال يومئذ يكون بوزن الصّحف،و يقال:يخلق بدل كلّ جزء من أفعاله جوهرا،و توزن الجواهر،و يكون ذلك وزن الأعمال.

(6:329)

الواحديّ: يعني رجحت حسناته.(4:546)

مثله البغويّ(7:297)،و ابن الجوزيّ(9:215)، و الشّربينيّ(4:579).

ابن عطيّة: و ثقل هذا الميزان هو بالإيمان و الأعمال.(5:517)

الطّبرسيّ: أي رجحت حسناته و كثرت خيراته.

(5:532)

ابن عربيّ: فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ بأن كانت من العلوم الحقيقيّة و الفضائل النّفسانيّة،و الكمالات القلبيّة و الرّوحانيّة فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ.

(2:844)

البيضاويّ: بأن ترجّحت مقادير أنواع حسناته.

(2:573)

مثله الكاشانيّ(5:366)،و المشهديّ(11:499).

الخازن :يعني رجحت موازين حسناته.(7:236)

مثله أبو السّعود.(6:465)

ابن جزيّ الكلبيّ: ثقل الموازين بكثرة الحسنات.

(4:215)

ابن كثير :أي رجحت حسناته على سيّئاته.

(7:357)

نحوه الشّربينيّ(4:579)،و البروسويّ(10:

500)،و شبّر(6:444)،و الآلوسيّ(30:222)، و الطّنطاويّ(25:260).

المراغيّ: يقال:ثقل ميزان فلان،إذا كان له قدر و منزلة رفيعة،كأنّه إذا وضع في ميزان كان له به رجحان.و إنّما يكون المقدار و القيمة لأهل الأعمال الصّالحة،و الفضائل الرّاجحة.(30:227)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى وزن الأعمال،و أنّ الأعمال منها:ما هو ثقيل في الميزان،و هو ما له قدر

ص: 388

و منزلة عند اللّه،و هو الإيمان و أنواع الطّاعات.و منها:

ما ليس كذلك،و هو الكفر و أنواع المعاصي.

و يختلف القسمان أثرا فيستتبع الثّقيل السّعادة، و يستتبع الخفيف الشّقاء.(20:349)

محمّد جواد مغنية: و المراد به من طابت سريرته و صلح عمله.(7:603)

عبد الكريم الخطيب :المراد ب«ثقل الموازين» هنا هو اعتبار الأعمال،و إقامة وزن لها،حتّى إذا وزنت كان لها رجحان على غيرها من الأعمال الّتي لا قدر لها و لا وزن،كما يقول سبحانه و تعالى عن أعمال الكافرين:

أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً الكهف:

105،لأنّ أعمالهم لا قيمة لها و لا قدر،لأنّها لم تقم في ظلّ الإيمان باللّه.(15:1662)

فضل اللّه :و هو الّذي عاش في الحياة الدّنيا في مواضع الإيمان باللّه و العمل الصّالح على خطّ الرّسالة، فكانت حياته حركة في طاعة اللّه،في كلّ ما يتّصل بأقواله و أفعاله و علاقاته بالآخرين،و تطلّعاته إلى الأهداف الكبيرة الّتي يرضاها اللّه للإنسان في الحياة،ممّا يرفع مستواها و يوجّهها إلى العمل الجادّ في تحريك الحياة،في سبيل اللّه و في مواقع رضاه.

و بذلك تثقل أعماله من خلال حجمها الكبير في مضمونها و في نتائجها،فيثقل ميزانه في يوم القيامة،عند ما توضع الموازين القسط الّتي تعمل على تقويم الشّخص من خلال عمله،ليكون الإنسان مساويا لعمله،بدلا ممّا كان عليه في الدّنيا،عند ما كانت قيمته تساوي وزنه المادّيّ.

و إذا وضع الإنسان في الميزان المعنويّ،و كان ثقيل الميزان،فإنّ المستقبل الأخرويّ سيكون عظيما على مستوى نتائج الثّواب الإلهيّ للمتّقين.(24:386)

ثقيلا

1- إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً المزّمّل:5

ابن عبّاس: بكلام شديد بالأمر و النّهي و الوعد و الوعيد و الحلال و الحرام.(490)

كان إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه و تربّد له جلده.

(الزّمخشريّ 4:175)

عروة بن الزّبير: أنّه إذا أوحي إليه كان ثقيلا عليه،لا يقدر على الحركة حتّى ينجلي عنه.

(الماورديّ 6:126) أبو العالية :ثقيل بالوعد و الوعيد و الحلال و الحرام.

(البغويّ 5:167)

مجاهد :حلاله و حرامه.(القرطبيّ 19:37)

الحسن :العمل به،و أنّ الرّجل ليهذّ السّورة، و لكنّ العمل به ثقيل.(الطّبريّ 29:127)

إنّه يثقل العمل به لمشقّة فيه.

ثقيل في الميزان.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 10:162)

ابن كعب القرظيّ: ثقيل على المنافقين.

(البغويّ 5:167)

قتادة :ثقيل و اللّه فرائضه و حدوده.

(الطّبريّ 29:127)

ص: 389

زيد بن عليّ: معناه العمل بفرائضه و حدوده، و الثّقيل:الكريم،يقال:فلان يثقل عليّ،معناه يتكرّم عليّ.(440)

السّدّيّ: بمعنى كريم،مأخوذ من قولهم:فلان ثقيل عليّ،أي يكرم عليّ.(465)

مقاتل: ثقيل لما فيه من الأمر و النّهي و الحدود.

(البغويّ 5:167)

ابن زيد :هو و اللّه ثقيل مبارك القرآن،كما ثقل في الدّنيا ثقل في الموازين يوم القيامة.(الطّبريّ 29:127)

معناه العمل به ثقيل في الميزان و الأجر،ليس بشاقّ.

(الطّوسيّ 10:162)

الفرّاء: أي ليس بالخفيف و لا السّفساف،لأنّه كلام ربّنا تبارك و تعالى.(3:197)

ثقيلا،أي رزينا.(الشّربينيّ 415)

ابن قتيبة :أي ثقيل الفرائض و الحدود.(493)

الحسين بن فضل:قولا خفيفا على اللّسان، ثقيلا في الميزان.(البغويّ 5:167)

ثقيلا لا يحمله إلاّ قلب مؤيّد بالتّوفيق،و نفس مزيّنة بالتّوحيد.(القرطبيّ 19:37)

الطّبريّ: [نقل القولين:العمل به و الأجر عليه ثمّ قال:]

و أولى الأقوال بالصّواب في ذلك أن يقال:إنّ اللّه وصفه بأنّه قول ثقيل،فهو كما وصفه به،ثقيل محمله ثقيل العمل بحدوده و فرائضه.(29:127)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّه يثقل العمل به،لأنّ الحلال و الحرام و الصّلاة و الصّيام و جميع ما أمر اللّه به أن يعمل،و نهى عنه،لا يؤدّيه أحد إلاّ بتكليف ما يثقل عليه.و يجوز على مذهب أهل اللّغة أن يكون معناه أنّه قول له وزن في صحّته و بيانه و نفعه،كما تقول:هذا كلام رصين،و هذا قول له وزن،إذا كنت تستجيده و تعلم أنّه قد وقع موقع الحكمة و البيان.(5:240)

الفارسيّ: إنّه ثقيل على المنافقين؛من حيث إنّه يهتك أسرارهم،و من حيث إنّه يبطل أديانهم و أقوالهم.

(الفخر الرّازيّ 30:175)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة،لأنّ القرآن كلام،و هو عرض من الأعراض،و الثّقل و الخفّة من صفات الأجسام،و المراد بها صفة القرآن بعظم القدر و رجاحة الفضل،كما يقول القائل:فلان رصين رزين و فلان راجح ركين،إذا أراد صفته بالفضل الرّاجح، و القدر الوازن.(224)

عبد الجبّار:ربّما قالوا:ما معنى وصف الوحي بالثّقل؟

و جوابنا:أنّ المراد ثقل العمل بما فيه و تدبّره، و المعرفة بمراد اللّه تعالى.

و يحتمل أنّه كان يثقل عليه أن يحفظه و أن يبلّغه، و كان يحتاج في ذلك إلى تكليف.(439)

الماورديّ: و هو القرآن،و في كونه(ثقيلا)أربعة تأويلات.[ثمّ ذكرها كما سبق قبلا و أضاف:]

و يحتمل تأويلا خامسا:أن يكون ثقيل بمعنى ثابت، لثبوت الثّقيل في محلّه،و يكون معناه أنّه ثابت الإعجاز، لا يزول إعجازه أبدا.(6:126)

الطّوسيّ: إخبار من اللّه تعالى لنبيّه أنّه سيطرح

ص: 390

عليه قولا ثقيلا.و قيل:معناه قول عظيم الشّأن،كما تقول:هذا الكلام رزين،و هذا قول له وزن،إذا كان واقعا موقعه.(10:162)

القشيريّ: قيل:هو القرآن،و قيل:كلمة لا إله إلاّ اللّه،و يقال:الوحي.

و سمّاه(ثقيلا)أي خفيفا على اللّسان ثقيلا في الميزان،و يقال:ثقيل،أي له وزن و خطر.

و في الخبر:كان إذا نزل عليه القرآن-و هو على ناقته-وضعت جرانها و لا تكاد تتحرّك حتّى يسرّى عنه.

و يقال:(ثقيلا)سماعه على من جحده،و يقال:

ثقيلا بعبئه إلاّ على من أيّد بقوّة سماويّة،و ربّي في حجر التّقريب.(6:210)

الزّمخشريّ: هذه الآية اعتراض،و يعني بالقول الثّقيل:القرآن و ما فيه من الأوامر و النّواهي الّتي هي تكاليف شاقّة ثقيلة على المكلّفين،و خاصّة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه متحمّلها بنفسه و محمّلها أمّته،فهي أثقل عليه و أبهظ له.

و أراد بهذا الاعتراض أنّ ما كلّفه من قيام اللّيل من جملة التّكاليف الثّقيلة الصّعبة الّتي ورد بها القرآن،لأنّ اللّيل وقت السّبات و الرّاحة و الهدوء،فلا بدّ لمن أحياه من مضادّة لطبعه و مجاهدة لنفسه...(4:175)

نحوه البيضاويّ.(2:513)

ابن عطيّة: و القول الثّقيل:هو القرآن.

و اختلف النّاس لم سمّاه(ثقيلا)،فقالت جماعة من المفسّرين:لما كان يحلّ في رسول اللّه من ثقل الجسم، حتّى أنّه كان إذا أوحي إليه و هو على ناقته بركت به، و حتّى كادت فخذه أن ترضّ فخذ زيد بن ثابت رحمه اللّه.

و قال أبو العالية و القرطبيّ: بل سمّاه(ثقيلا)لثقله على الكفّار و المنافقين،بإعجازه و وعيده و نحو ذلك.

و قال حذّاق العلماء:معناه ثقل المعاني من الأمر بالطّاعات و التّكاليف الشّرعيّة،من الجهاد و مزاولة الأعمال الصّالحة دائمة.(5:387)

الطّبرسيّ: أي سنوحي عليك قولا يثقل عليك و على أمّتك.

أمّا ثقله عليه فلما فيه من تبليغ الرّسالة،و ما يلحقه من الأذى فيه،و ما يلزمه من قيام اللّيل،و مجاهدة النّفس،و ترك الرّاحة و الدّعة.

و أمّا ثقله على أمّته فلما فيه من الأمر و النّهي و الحدود،و هذا معنى قول قتادة و مقاتل و الحسن.[إلى أن قال:]

و قيل:معناه قولا ثقيلا نزوله،فإنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يتغيّر حاله عند نزوله و يعرق،و إذا كان راكبا يبرك راحلته و لا يستطيع المشي.

و سأل الحرث بن هشام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال:

يا رسول اللّه كيف يأتيك الوحي؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله:أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، و هو أشدّ عليّ،فيفصم عنّي،و قد وعيت ما قال.و أحيانا يتمثّل الملك رجلا فأعي ما يقول.

قالت عائشة:إنّه كان ليوحى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو على راحلته،فيضرب بجرانها قالت:و لقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشّديد البرد،فيفصم عنه و إنّ

ص: 391

جبينه ليرفض عرقا.

و قيل:(ثقيلا)على الكفّار،لما فيه من الكشف عن جهلهم و ضلالهم،و سفه أحلامهم،و قبح أفعالهم.

(5:378)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(20:7)،و ابن شهرآشوب (129)،و العروسيّ(5:446).

الفخر الرّازيّ: ذكروا في تفسير«الثّقيل»وجوها:

أحدها:و هو المختار عندي أنّ المراد من كونه(ثقيلا) عظم قدره و جلالة خطره،و كلّ شيء نفس و عظم خطره فهو ثقل و ثقيل و ثاقل،و هذا معنى قول ابن عبّاس في رواية عطاء: قَوْلاً ثَقِيلاً يعني كلاما عظيما.

و وجه النّظم أنّه تعالى لمّا أمره بصلاة اللّيل،فكأنّه قال:إنّما أمرتك بصلاة اللّيل،لأنّا سنلقي عليك قولا عظيما،فلا بدّ و أن تسعى في صيرورة نفسك مستعدّة لذلك القول العظيم،و لا يحصل ذلك الاستعداد إلاّ بصلاة اللّيل.

فإنّ الإنسان في اللّيلة الظّلماء إذا اشتغل بعبادة اللّه تعالى و أقبل على ذكره،و الثّناء عليه،و التّضرّع بين يديه،و لم يكن هناك شيء من الشّواغل الحسّيّة و العوائق الجسمانيّة،استعدّت النّفس هنالك لإشراق جلال اللّه فيها،و تهيّأت للتّجرّد التّامّ و الانكشاف الأعظم بحسب الطّاقة البشريّة.

فلمّا كان لصلاة اللّيل أثر في صيرورة النّفس مستعدّة لهذا المعنى،لا جرم قال:إنّي إنّما أمرتك بصلاة اللّيل،لأنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا،فصيّر نفسك مستعدّة لقبول ذلك المعنى،و تمام هذا المعنى ما قال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها».

و ثانيها:قالوا:المراد بالقول الثّقيل:القرآن و ما فيه من الأوامر و النّواهي الّتي هي تكاليف شاقّة ثقيلة على المكلّفين عامّة،و على رسول اللّه خاصّة،لأنّه يتحمّلها بنفسه و يبلّغها إلى أمّته.و حاصله أنّ ثقله راجع إلى ثقل العمل به،فإنّه لا معنى للتّكاليف إلاّ إلزام ما في فعله كلفة و مشقّة.

و ثالثها:روي عن الحسن:أنّه ثقيل في الميزان يوم القيامة و هو إشارة إلى كثرة منافعه،و كثرة الثّواب في العمل به.

و رابعها:المراد أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يدخل عند نزول الوحي إليه.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الطّبرسيّ]

و خامسها:[قول الفرّاء]

و سادسها:[قول الزّجّاج]

و سابعها:[قول الفارسيّ]

و ثامنها:أنّ الثّقيل من شأنه أن يبقى في مكانه و لا يزول،فجعل الثّقيل كناية عن بقاء القرآن على وجه الدّهر،كما قال: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

و تاسعها:أنّه ثقيل،بمعنى أنّ العقل الواحد لا يفي بإدراك فوائده و معانيه بالكلّيّة،فالمتكلّمون غاصوا في بحار معقولاته،و الفقهاء أقبلوا على البحث عن أحكامه، و كذا أهل اللّغة و النّحو و أرباب المعاني،ثمّ لا يزال كلّ متأخّر يفوز منه بفوائد ما وصل إليها المتقدّمون،فعلمنا

ص: 392

أنّ الإنسان الواحد لا يقوى على الاستقلال بحمله،فصار كالحمل الثّقيل الّذي يعجز الخلق عن حمله.

و عاشرها:أنّه ثقيل،لكونه مشتملا على المحكم و المتشابه،و النّاسخ و المنسوخ.و الفرق بين هذه الأقسام ممّا لا يقدر عليه إلاّ العلماء الرّاسخون،المحيطون بجميع العلوم العقليّة و الحكميّة،فلمّا كان كذلك لا جرم كانت الإحاطة به ثقيلة على أكثر الخلق.(30:174)

نحوه الرّازيّ(مسائل الرّازيّ 375)،و النّيسابوريّ (29:77)،و الخازن(7:139)،و ابن جزّيّ(4:157)، و الشّربينيّ(4:415).

ابن عربيّ: قَوْلاً ثَقِيلاً: ذا وزن و اعتبار.

(2:720)

القرطبيّ: قوله تعالى: إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً هو متّصل بما فرض من قيام اللّيل،أي سنلقي عليك بافتراض صلاة اللّيل قولا ثقيلا يثقل حمله،لأنّ اللّيل للمنام،فمن أمر بقيام أكثره لم يتهيّأ له ذلك إلاّ بحمل شديد على النّفس،و مجاهدة للشّيطان،فهو أمر يثقل على العبد.(19:38)

البيضاويّ: يعني القرآن فإنّه لما فيه من التّكاليف الشّاقّة ثقيل على المكلّفين،سيّما على الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم؛إذ كان عليه أن يتحمّلها و يحمّلها أمّته.و الجملة اعتراض يسهل التّكليف عليه بالتّهجّد،و يدلّ على أنّه مشقّ مضادّ للطّبع،مخالف للنّفس.(2:513)

نحوه الكاشانيّ(5:240)،و شبّر(6:304).

النّسفيّ: أي القرآن لما فيه من الأوامر و النّواهي الّتي هي تكاليف شاقّة ثقيلة على المكلّفين،أو ثقيلا على المنافقين،أو كلام له وزن و رجحان ليس بالسّفساف الخفيف.(4:303)

نحوه أبو السّعود.(6:322)

أبو حيّان :هو القرآن،و ثقله بما اشتمل عليه من التّكاليف الشّاقّة كالجهاد و مداومة الأعمال الصّالحة.[ثمّ نقل بعض أقوال المفسّرين و أضاف:]

و قيل:كناية عن بقائه على وجه الدّهر،لأنّ الثّقيل من شأنه أن يبقى في مكانه.(8:359-362)

البروسويّ: و هو القرآن العظيم المنطوي على تكاليف شاقّة ثقيلة على المكلّفين،و أيضا أنّ القرآن قديم غير مخلوق،و الحادث يذوب تحت سطوة القديم إلاّ من كان مؤيّدا كالنّبيّ عليه السّلام.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:ثقل المحمول بحسب لطف الحامل،و لا شكّ أنّ نبيّنا عليه السّلام كان ألطف الأنبياء خلقا و أعدلهم مزاجا و طبعا،و أكملهم روحانيّة و رحمانيّة،و أفضلهم نشأة و فطرة،و أشملهم استعدادا و قابليّة،فلذلك خصّ القرآن بالثّقل من بين سائر الكتب السّماويّة،المشتملة على الأوامر و النّواهي و الأحكام و الشّرائع،للطف فطرته و شمول رحمته.

و الجملة اعتراض بين الأمر و هو قُمِ اللَّيْلَ و بين تعليله،و سرّ إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ الخ،لتسهيل ما كلّفه عليه السّلام من القيام،يعني أنّ في توصيف ما سيلقى عليه بالثّقل إيماء إلى أنّ ثقل هذا التّكليف بالنّسبة إليه كالعدم،فإذا كان ما سيكلّف أصعب و أشقّ،فقد سهل هذا التّكليف.[إلى أن قال:]

يقول الفقير:سورة المزّمّل ممّا نزل في أوائل النّبوّة،

ص: 393

فكان قوله: إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً يشير إلى مدّة الوحي الباقية،لأنّ حروفه-مع اعتبار النّون المدغم فيها،و نوني التّنوين-اثنان و عشرون،فالسّين دلّ على الاستقبال،و مجموع الحروف على المدّة الباقية.و جعل القرآن حملا ثقيلا،لأنّه عليه السّلام بعث لتتميم مكارم الأخلاق،و لا شكّ أنّ ما كان أجمع كان أثقل،و اللّه تعالى أعلم بمراده.

و أيضا إنّ كون القول(ثقيلا)إنّما هو بالنّسبة إلى النّفس الثّقيلة الكثيفة،لتراكم حجبها و بعدها عن درك الحقّ.و أمّا بالنّسبة إلى النّفس الخفيفة اللّطيفة فخفيف و لطيف،و لذا كان تعب التّكاليف مرفوعا عن الكمّل، فهم يجدون العبادات كالعادات في ارتفاع الكلفة،و في الذّوق و الحلاوة.(10:208)

الآلوسيّ: و هو القرآن العظيم،فإنّه لما فيه من التّكاليف الشّاقّة ثقيل على المكلّفين،سيّما على الرّسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،فإنّه عليه الصّلاة و السّلام مأمور بتحمّلها و تحميلها للأمّة.

و هذه الجملة المؤكّدة معترضة بين الأمر بالقيام و تعليله الآتي،لتسهيل ما كلّفه عليه الصّلاة و السّلام من القيام،كأنّه قيل:إنّه سرد عليك في الوحي المنزل تكاليف شاقّة،هذا بالنّسبة إليها سهل،فلا تبال بهذه المشقّة،و تمرّن بها لما بعدها.

و أدخل بعضهم في الاعتراض جملة(و رتّل)إلخ، و تعقّب بأنّه لا وجه له.[إلى أن قال:]

و قيل:ثقله باعتبار ثقل حروفه حقيقة في اللّوح المحفوظ.

فعن بعضهم أنّ كلّ حرف من القرآن في اللّوح أعظم من جبل قاف،و أنّ الملائكة لو اجتمعت على الحرف أن يقلّوه ما أطاقوه،حتّى يأتي إسرافيل عليه السّلام و هو ملك اللّوح فيرفعه و يقلّه بإذن اللّه تعالى لا بقوّته،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ طوّقه ذلك،و هذا ممّا يحتاج إلى نقل صحيح، عن الصّادق عليه الصّلاة و السّلام و لا أظنّ وجوده.

و الجملة قيل على معظم هذه الأوجه:مستأنفة للتّعليل،فإنّ التّهجّد يعدّ النّفس لأن تعالج ثقله،فتأمّل.

و استدلّ بالآية على أنّه لا ينبغي أن يقال:سورة خفيفة،لما أنّ اللّه تعالى سمّى فيها القرآن كلّه قَوْلاً ثَقِيلاً و هذا من باب الاحتياط،كما لا يخفى.

(29:104)

نحوه المراغيّ.(29:112)

القاسميّ: أي رصينا،لرزانة لفظه،و متانة معناه، و رجحانه فيهما على ما عداه.و لمّا كان الرّاجح من شأنه ذلك،تجوّز بالثّقيل عنه.أو(ثقيلا)على المتأمّل فيه، لافتقاره إلى مزيد تصفية للسّرّ،و تجريد للنّظر،أو (ثقيلا)تلقّيه،لقول عائشة رضي اللّه عنها:[و ذكر الحديث]

و على كلّ فالجملة معلّلة للأمر بالتّرتيل،و أنّ ثقله ممّا يستدعيه.(16:5959)

سيّد قطب :هو هذا القرآن،و ما وراءه من التّكليف.

و القرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسّر للذّكر، و لكنّه ثقيل في ميزان الحقّ،ثقيل في أثره في القلب لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21،فأنزله اللّه على قلب أثبت من

ص: 394

الجبل يتلقّاه.

و إنّ تلقّي هذا الفيض من النّور و المعرفة و استيعابه، لثقيل يحتاج إلى استعداد طويل.

و إنّ التّعامل مع الحقائق الكونيّة الكبرى المجرّدة، لثقيل يحتاج إلى استعداد طويل.

و إنّ الاتّصال بالملإ الأعلى و بروح الوجود،و أرواح الخلائق الحيّة و الجامدة على النّحو الّذي تهيّأ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لثقيل يحتاج إلى استعداد طويل.

و إنّ الاستقامة على هذا الأمر بلا تردّد و لا ارتياب و لا تلفّت هنا أو هناك،وراء الهواتف و الجواذب و المعوّقات،لثقيل يحتاج إلى استعداد طويل.

و إنّ قيام اللّيل و النّاس نيام،و الانقطاع عن غبش الحياة اليوميّة و سفسافها،و الاتّصال باللّه،و تلقّي فيضه و نوره،و الأنس بالوحدة معه و الخلوة إليه،و ترتيل القرآن و الكون ساكن،و كأنّما هو يتنزّل من الملإ الأعلى، و تتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة التّرتيل بلا لفظ بشريّ و لا عبارة،و استقبال إشعاعاته و إيحاءاته و إيقاعاته في اللّيل السّاجي،إنّ هذا كلّه هو الزّاد لاحتمال القول الثّقيل،و العبء الباهظ،و الجهد المرير الّذي ينتظر الرّسول،و ينتظر من يدعو بهذه الدّعوة في كلّ جيل،و ينير القلب في الطّريق الشّاقّ الطّويل، و يعصمه من وسوسة الشّيطان،و من التّيه في الظّلمات الحافّة بهذا الطّريق المنير.(6:3745)

الطّباطبائيّ: الثّقل:كيفيّة جسمانيّة من خاصّته أنّه تشقّ حمل الجسم الثّقيل و نقله من مكان إلى مكان، و ربّما يستعار للمعاني إذا شقّ على النّفس تحمّلها أو لم تطقها.

فربّما أضيف إلى القول من جهة معناه فعدّ(ثقيلا) لتضمّنه معنى يشقّ على النّفس إدراكه،أو لا تطيق فهمه، أو تتحرّج من تلقّيه،كدقائق الأنظار العلميّة إذا ألقيت على الأفهام العامّة،أو لتضمّنه حقائق يصعب التّحقّق بها،أو تكاليف يشقّ الإتيان بها و المداومة عليها.

و القرآن قول إلهيّ ثقيل بكلا المعنيين:أمّا من حيث تلقّي معناه،فإنّه كلام إلهيّ مأخوذ من ساحة العظمة و الكبرياء،لا تتلقّاه إلاّ نفس طاهرة من كلّ دنس، منقطع عن كلّ سبب إلاّ اللّه سبحانه،و كتاب عزيز له ظهر و بطن و تنزيل و تأويل تبيانا لكلّ شيء،و قد كان ثقله مشهودا من حال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بما كان يأخذه من البرحاء و شبه الإغماء،على ما وردت به الأخبار المستفيضة.

و أمّا من حيث التّحقّق بحقيقة التّوحيد و ما يتبعها من الحقائق الاعتقاديّة،فكفى في الإشارة إلى ثقله قوله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ الحشر:21،و قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى الرّعد:31.

و أمّا من حيث القيام بما يشتمل عليه من أمر الدّعوة،و إقامة مراسم الدّين الحنيف،و إظهاره على الدّين كلّه،فيشهد به ما لقي صلّى اللّه عليه و آله من المصائب و المحن في سبيل اللّه،و الأذى في جنب اللّه،على ما يشهد به الآيات القرآنيّة،الحاكية لما لقيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من المشركين

ص: 395

و الكفّار و المنافقين،و الّذين في قلوبهم مرض من أنواع الإيذاء و الهزء و الجفاء،فقوله: إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً المراد بالقول الثّقيل:القرآن العظيم على ما يسبق إلى الذّهن من سياق هذه الآيات النّازلة في أوّل البعثة، و به فسّره المفسّرون.

و الآية في مقام التّعليل للحكم المدلول عليه،بقوله:

قُمِ اللَّيْلَ إلخ،فتفيد بمقتضى السّياق-و الخطاب خاصّ بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-أنّ أمره بقيام اللّيل و التّوجّه فيه إليه تعالى بصلاة اللّيل،تهيئة له و إعداد لكرامة القرب و شرف الحضور و إلقاء قول ثقيل،فقيام اللّيل هي السّبيل المؤدّية إلى هذا الموقف الكريم،و قد عدّ سبحانه صلاة اللّيل سبيلا إليه،في قوله الآتي: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً المزّمّل:19.

و قد زاد سبحانه وعدا على ما في هذه الآية،في قوله: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79.

و إذ كان ثقل القرآن ثقله من حيث التحقّق بحقائقه، و من حيث استجابته فيما يندب إليه من الشّرائع و الأحكام،فهو ثقيل على الأمّة،كما هو ثقيل عليه صلّى اللّه عليه و آله.و معنى الآية إنّا سنوحي إليك قولا يثقل عليك و على أمّتك.

أمّا ثقله عليه صلّى اللّه عليه و آله فلما في التّحقّق بحقائقه من الصّعوبة،و لما فيه من محنة الرّسالة و ما يتبعها من الأذى في جنب اللّه،و ترك الرّاحة و الدّعة،و مجاهدة النّفس، و الانقطاع إلى اللّه،مضافا إلى ما في تلقّيه من مصدر الوحي من الجهد.

و أمّا ثقله على أمّته فلأنّهم يشاركونه صلّى اللّه عليه و آله في لزوم التّحقّق بحقائقه،و اتّباع أوامره و نواهيه و رعاية حدوده،كلّ طائفة منهم على قدر طاقته.

و للقوم في معنى ثقل القرآن أقوال أخر:

منها:أنّه ثقيل،بمعنى أنّه عظيم الشّأن متين رصين، كما يقال:هذا كلام له وزن،إذا كان واقعا موقعه.

و منها:أنّه ثقيل في الميزان يوم القيامة حقيقة أو مجازا،بمعنى كثرة الثّواب عليه.

و منها:أنّه ثقيل على الكفّار و المنافقين بما له من الإعجاز و بما فيه من الوعيد.

و منها:أنّ ثقله كناية عن بقائه على وجه الدّهر، لأنّ الثّقيل من شأنه أن يبقى و يثبت في مكانه.

و منها:غير ذلك.و الوجوه المذكورة و إن كانت لا بأس بها في نفسها،لكن ما تقدّم من الوجه هو الظّاهر السّابق إلى الذّهن.(20:61)

محمّد جواد مغنية:القرآن ثقيل بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى،هو ثقيل في إعجازه و خلوده،و في عقيدته و شريعته،و في حربه و نضاله ضدّ الأقوياء المفسدين و الطّغاة المترفين.و قال كثير من المفسّرين:

«القرآن ثقيل،لأنّ تكاليفه شاقّة مثل المحافظة على الصّلوات الخمس،و القيام آخر اللّيل لصلاة الفجر، و الوضوء بالماء البارد مرارا،و الاغتسال به أحيانا، و كالصّوم في أيّام الحرّ،و القيام للسّحور من آخر اللّيل، و كالحجّ و مشتقّاته من الإحرام و السّعي و الطّواف».

و ليس من شكّ أنّ هذه كبيرة إلاّ على الخاشعين، و لكن أكبر منها و أثقل التّكليف بالجهاد و هو على أنواع،

ص: 396

و أثقل أنواعه الجهاد لتغيير القلوب و المشاعر،و القضاء على العقائد الفاسدة و التّقاليد الموروثة،و استئصال الفساد من جذوره،و هذا ما كلّف به أبو القاسم محمّد بن عبد اللّه.[صلّى اللّه عليه و آله]

فلقد بعثه اللّه سبحانه ليتمّم مكارم الأخلاق للبشريّة كلّها،و يخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور، و أيّ تكليف أثقل و أشقّ من هذا التّكليف؟و من الّذي يستطيع أن يغيّر من أخلاق زوجته و ولده بخاصّة في عصر الجاهليّة أفسد العصور و أكثرها فسادا و طغيانا؟ و لكنّ محمّدا تغلّب على جميع الصّعاب،و قام بالأمر على أكمل وجه.

أمّا السّرّ في ذلك فيكمن في شخصيّة محمّد و قوّتها و عظمتها،و في صبره العجيب على تحمّل الأذى في سبيل دعوته،فكان يزداد صبرا و حلما كلّما ازداد الطّغاة في أذاه،و لا يزيد على قوله:«اللّهمّ اغفر لقومي أنّهم لا يعلمون..إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي».

و بهذا نجد التّفسير الصّحيح لقوله تعالى: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ الأنعام:124،أجل،اللّه يعلم أنّ شخصيّة محمّد أقوى من العقائد و التّقاليد و من النّاس مجتمعين،و لو لا علمه بذلك لما بعث محمّدا ليتمّم للبشريّة مكارم الأخلاق لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها الطّلاق:7.

و قد أدرك الأديب العالميّ الشّهير«برناردشو»هذه الحقيقة؛حيث قال:لو كان محمّد بن عبد اللّه في القرن العشرين لقضى على ما فيه من فساد و ضلال.(7:446)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(15:1251)

فضل اللّه:و هو القرآن الّذي يحمل في داخله كلّ مفاهيم الرّسالة و خطوطها الفكريّة و العمليّة في الحياة، ممّا يدفع الإنسان إلى الالتزام في دائرة المسئوليّة الّتي تثقل عليه من خلال تحويل الحياة في وجدانه الحركيّ، من ساحة للاسترخاء و اللاّمبالاة،و السّكون و الحرّيّة الغارقة في بحار الشّهوات،و المتخبّطة في و حول الجريمة، إلى ساحة للدّعوة إلى تصحيح الفكر و استقامة القصد، و وضوح الهدف و طهارة الوسائل،و تنظيم الحياة، و توجيه الإنسان نحو القضايا الكبيرة الّتي تلتقي برضى اللّه،في مواقع رحمته و حكمته في الدّنيا و الآخرة.

على ضوء ذلك،فإنّ القول الثّقيل لا يتمثّل في الثّقل المادّيّ،كما توحي بعض الرّوايات الّتي تعبّر عن الضّغط و التّأثيرات الشّديدة الّتي كان يتعرّض لها النّبيّ في جسده،عند نزول الوحي عليه،بل يتمثّل في ثقل المسئوليّة الّتي تضغط على كلّ الواقع الإنسانيّ،لتدفعه إلى الالتزام الفكريّ و العمليّ،الّذي يقف عند حدود اللّه فلا يتجاوزها،و يتحمّل ثقل الأعباء الملقاة على عاتق الإنسان المسلم،الّذي يواجه التّحدّيات من موقع الإيمان الرّساليّ،الّذي يثبت في كلّ حالات الاهتزاز الرّوحيّ،الهادف إلى إسقاط الواقع من حوله.

و هذا ما يحتاج إلى التّربية الطّويلة،و المعاناة الشّديدة،و القوّة الرّوحيّة الّتي ترتفع بالإنسان إلى الآفاق الواسعة،فلا تضيق به مشكلة،و لا تضعفه مصيبة، و لا تخنقه عقدة،و لا يثيره انفعال،ليكون إنسان الفكر الهادئ و العاطفة المتّزنة،و الحركة العاقلة،و الواقع المتوازن،و الكلمة الحلوة الهادئة،لأنّ الرّسالة لا تنمو في

ص: 397

عقل الإنسان إلاّ من الشّخصيّة الإنسانيّة الّتي تجمع ذلك كلّه.

و تلك هي قيمة القيام باللّيل الّذي يملأ الرّوح بالصّفا و النّقاء و الهدوء و الاتّزان العقليّ و الرّوحيّ،عند ما يتكرّر لقاء الإنسان بربّه في أجواء اللّيل الّذي يحوّل الظّلام من حالة تثقل الرّوح بسوادها،إلى حالة تبعث الصّفاء في الرّوح،من خلال الاسترخاء الّذي يبعثه في مشاعرها،فيدفعها إلى الهدوء في الحركة و الفكر،كما يوحي له بارتفاع مستوى الإحساس بالقوّة الّتي يستمدّها من صلته باللّه.(23:181)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ المفسّرين قالوا في القول الثّقيل أقوالا متفرّقة،و لكنّ الملاحظ أنّ ثقل القول يراد به القرآن المجيد بأبعاده المختلفة،ثقيل بلحاظ المحتوى و مفاهيم الآيات،ثقيل بلحاظ حمله على القلوب،لما يقوله القرآن: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ الحشر:21،ثقيل بلحاظ الوعد و الوعيد و بيان المسئوليّات،ثقيل بلحاظ تبليغ و مشاكل طريق الدّعوة،و ثقيل في ميزان العمل و في عرصة القيامة،و بالتّالي ثقيل بلحاظ تخطيطه و تنفيذه بشكل تامّ.

نعم،و إن كانت قراءة القرآن سهلة و جميلة و مؤثّرة،و لكن تحقّق مفاده ليس بالسّهل اليسير، بالخصوص في أوائل الدّعوة النّبويّة في مكّة،حيث الظّلام،و الجهل و عبادة الأصنام و الخرافات،إذ أنّ الأعداء المتعصّبين القساة كانوا قد تكاتفوا ضدّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و لكنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه القلائل استطاعوا أن يتغلّبوا على كلّ هذه المشاكل،باستمدادهم من تربية القرآن،و الاستعانة بصلاة اللّيل،و بالاستفادة من قربهم من ذات اللّه المقدّسة،و استطاعوا بذلك حمل هذا القول الثّقيل،و الوصول إلى مرادهم.(19:116)

2- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً. الدّهر:27

ابن عبّاس: شديدا هوله و عذابه.(496)

نحوه النّيسابوريّ(29:129)،و ابن جزيّ الكلبيّ (4:170)،و الحجازيّ(29:79).

الشّريف الرّضيّ: و المراد باليوم الثّقيل هاهنا:

استثقاله من طريق الشّدّة و المشقّة،لا من طريق الاعتماد بالأجزاء الثّقيلة.و قد يوصف الكلام بالثّقل على هذا الوجه و هو عرض من الأعراض،فيقول القائل:قد ثقل عليّ خطاب فلان،و ما أثقل كلام فلان!

(تلخيص البيان:230)

الماورديّ: يحتمل قوله:(ثقيلا)وجهين:

أحدهما:شدائده و أحواله،الثّاني:للقصاص من عباده.

(6:173)

الطّوسيّ: أي هو ثقيل على أهل النّار أمره،و إن خفّ على أهل الجنّة للبشارة الّتي لهم فيه.

و الثّقيل:ما فيه اعتمادات لازمة إلى جهة السّفل على جهة يشقّ حمله،و قد يكون ثقيلا على إنسان خفيفا على غيره بحسب قدرته،فيوم القيامة مشبّه بهذا.

(10:220)

البغويّ: شديدا،و هو يوم القيامة،أي يتركونه

ص: 398

فلا يؤمنون به و لا يعملون له.(5:165)

مثله الخازن.(7:162)

الزّمخشريّ: استعير الثّقل لشدّته و هوله من الشّيء الثّقيل الباهظ لحامله،و نحوه ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:187.(4:200)

مثله الفخر الرّازيّ(30:260)،و نحوه البيضاويّ (2:528)،و أبو حيّان(8:401)،و الشّربينيّ(4:

461).

ابن عطيّة: و وصف اليوم بالثّقل على جهة النّسب،أي ذا ثقل من حيث الثّقل فيه على الكفّار.فهو كليل نائم.(5:415)

الطّبرسيّ: أي عسيرا شديدا،و المعنى أنّهم لا يؤمنون به و لا يعملون له.(5:413)

نحوه القرطبيّ(19:149)،و شبّر(6:336)، و محمّد جواد مغنية(7:486).

النّسفيّ: شديدا لا يعبئون به و هو القيامة،لأنّ شدائده تثقل على الكفّار.(4:321)

أبو السّعود :لا يعبئون به،و وصفه بالثّقل لتشبيه شدّته،و هوله بثقل شيء فادح باهظ لحامله،بطريق الاستعارة،و هو كالتّعليل لما أمر به و نهى عنه.

(6:345)

مثله المشهديّ(11:173)،و نحوه الآلوسيّ(29:

166)،و الطّنطاويّ(24:323)،و محمود صافي(29:

193).

البروسويّ: لا يعبئون به،و(يوما)مفعول (يذرون)،و(ثقيلا)صفته.و وصفه بالثّقل مع أنّه من صفات الأعيان الجسميّة لا الامتدادات الوهميّة لتشبيه شدّته،و هوله بثقل الحمل الثّقيل،ففيه استعارة تخييليّة.

و في الآية وعيد لأهل الدّنيا و نعيمها،خصوصا لأهل الظّلم و الرّشوة.(10:279)

القاسميّ: أي شديدا لثقل حسابه و شدّته و عسره.(17:6017)

سيّد قطب :ثقيلا بتبعاته،ثقيلا بنتائجه،ثقيلا بوزنه في ميزان الحقيقة.(6:3786)

الطّباطبائيّ: و عدّ اليوم ثقيلا من الاستعارة، و المراد بثقله شدّته،كأنّه محمول ثقيل يشقّ حمله.

(20:142)

عبد الكريم الخطيب :يوم ثقيل وقعه،بما يلقون فيه من كرب و بلاء.(15:1384)

مكارم الشّيرازيّ: ثقيل من حيث العقوبات، ثقيل من حيث المحاسبة،و ثقيل من حيث طول الزّمان و الفضيحة الثّقيلة.(19:245)

مثقال

1- إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً...

النّساء:40

ابن عبّاس: لا يترك من عمل الكافر مثقال ذرّة لينفعه في الآخرة،و يرضي به خصماءه.(70)

زيد بن عليّ عليهما السّلام:زنة ذرّة،و الذّرّة:النّملة الصّغيرة.(171)

مثله السّدّيّ(204)،و أبو عبيدة(1:127)،و ابن قتيبة(127).

ص: 399

الطّبريّ: مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي ما يزنها و يكون على قدر ثقلها في الوزن،و لكنّه يجازيه به،و يثيبه عليه.

(5:88)

الزّجّاج: مثقال«مفعال»من الثّقل،أي ما كان وزنه الذّرّة.و قيل:لكلّ ما يعمل«وزن مثقال»تمثيلا،لأنّ الصّلاة و الصّيام و الأعمال لا وزن لها.لكنّ النّاس خوطبوا فيما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم،لأنّ ذلك-أعني ما يبصر-أبين لهم.(2:52)

الماورديّ: أصل المثقال:الثّقل،و المثقال:مقدار الشّيء في الثّقل.(1:488)

الطّوسيّ: مقدار ذرّة في الزّنة.(3:200)

نحوه الميبديّ.(2:499)

البغويّ: أي لا يبخس و لا ينقص أحدا من ثواب عمله مثقال ذرّة،و الذّرّة هي النّملة الحمراء الصّغيرة.

(1:621)

نحوه القاسميّ.(5:1239)

الجواليقيّ: يظنّ النّاس أنّ المثقال وزن دينار لا غير،و ليس كما يظنّون.مثقال كلّ شيء:وزنه،و كلّ وزن يسمّى مثقالا،و إن كان وزن ألف.

(ابن الجوزيّ 2:83)

ابن عطيّة: قرأ ابن عبّاس «إنّ اللّه لا يظلم مثقال نملة» ،و(مثقال)مفعول ثان ل(يظلم)،و الأوّل مضمر، التّقدير:أنّ اللّه لا يظلم أحدا مثقال...،و(يظلم) لا يتعدّى إلاّ إلى مفعول واحد،و إنّما عدّي هنا إلى مفعولين بأن يقدّر في معنى ما يتعدّى إلى مفعولين،كأنّه قال:إنّ اللّه لا ينقص،أو لا يبخس،أو لا يغصب.

و يصحّ أن يكون نصب(مثقال)على أنّه بيان و صفة لمقدار الظّلم المنفيّ،فيجيء على هذا نعتا لمصدر محذوف، التّقدير:إنّ اللّه لا يظلم ظلما مثقال ذرّة،كما تقول:إنّ الأمير لا يظلم قليلا و لا كثيرا،أي لا يظلم ظلما قليلا و لا كثيرا،فعلى هذا وقف(يظلم)على مفعول واحد.

(2:53)

الطّبرسيّ: إنّ اللّه لا يظلم أحدا قطّ مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي زنة ذرّة،و هي النّملة الحمراء الصّغيرة الّتي لا تكاد ترى.(2:48)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(1:766)

الفخر الرّازيّ: [بعد بيان معنى كلمة«مثقال»قال:]

و اعلم أنّ المراد من الآية أنّه تعالى لا يظلم قليلا و لا كثيرا،و لكنّ الكلام خرج على أصغر ما يتعارفه النّاس.(10:101)

نحوه النّيسابوريّ.(5:41)

القرطبيّ: أي لا يبخسهم و لا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرّة،بل يجازيهم بها و يثيبهم عليها،و المراد من الكلام أنّ اللّه تعالى لا يظلم قليلا و لا كثيرا.(5:195)

البيضاويّ: و المثقال«مفعال»من الثّقل،و في ذكره إيماء إلى أنّه و إن صغر قدره عظم جزاؤه.

(1:220)

نحوه الشّربينيّ.(1:303)

ابن جزيّ الكلبيّ: أي وزنها،و هي النّملة الصّغيرة،و ذلك تمثيل بالقليل تنبيها على الكثير.

(1:141)

أبو حيّان :نزلت في المهاجرين الأوّلين،و قيل:في

ص: 400

الخصوم،و قيل:في عامّة المؤمنين.

و مناسبة هذه لما قبلها واضحة،لأنّه تعالى لمّا أمر بعبادته تعالى و بالإحسان للوالدين و من ذكر معهم،ثمّ أعقب ذلك بذمّ البخل،و الأوصاف المذكورة معه،ثمّ وبّخ من لم يؤمن و لم ينفق في طاعة اللّه،فكان هذا كلّه توطئة لذكر الجزاء على الحسنات و السّيّئات،فأخبر تعالى بصفة عدله،و أنّه عزّ و جلّ لا يظلم أدنى شيء.

(3:251)

أبو السّعود :المثقال«مفعال»من الثّقل،كالمقدار من القدر.و انتصابه على أنّه نعت للمفعول قائم مقامه، سواء كان الظّلم بمعنى النّقص أو بمعنى وضع في غير موضعه،أي لا ينقص من الأجر و لا يزيد في العقاب شيئا مقدار ذرّة.أو على أنّه نعت للمصدر المحذوف نائب منابه،أي لا يظلم ظلما مقدار ذرّة.(2:137)

المشهديّ: و المثقال«مفعال»من الثّقل.و في ذكره إيماء إلى أنّه و إن صغر قدره عظم جزاؤه؛حيث أثبت للذّرّة ثقلا،و إيماء إلى أنّ وضع الشّيء في غير محلّه و إن كان حقيرا،فهو عظيم ثقيل في القبح.(2:455)

الآلوسيّ: المثقال«مفعال»من الثّقل،و يطلق على المقدار المعلوم الّذي لم يختلف-كما قيل جاهليّة و إسلاما- و هو كما أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه:أربعة و عشرون قيراطا،و على مطلق المقدار -و هو المراد هنا-و لذا قال السّدّيّ:أي وزن ذرّة،و هي النّملة الحمراء الصّغيرة الّتي لا تكاد ترى..(5:31)

المراغيّ: المثقال:أصله المقدار الّذي له ثقل مهما قلّ،ثمّ أطلق على المعيار المخصوص للذّهب،و غيره.

(5:41).

مثله محمّد جواد مغنية.(2:326)

الطّباطبائيّ: المثقال الزّنة...أي لا يظلم ظلما يعدل مثقال ذرّة وزنا.(4:356)

2- وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ... يونس:61

ابن عبّاس: ما يغيب عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ وزن نملة حمراء من أعمال العباد.(176)

أبو عبيدة :أي زنة نملة صغيرة،و يقال:خذ هذا فإنّه أخفّ مثقالا،أي وزنا.(1:278)

مثله الطّبريّ(11:130)،و الطّوسيّ(5:460)، و نحوه ابن قتيبة(197)،و النّحّاس(3:302)، و الطّبرسيّ(3:119).

ابن عطيّة: و المثقال:الوزن،و هو اسم،لا صفة كمعطار و مضراب.(3:128)

نحوه أبو حيّان.(5:174)

الفخر الرّازيّ: أي وزن ذرّة،و مثقال الشّيء:

ما يساويه في الثّقل،و المعنى:ما يساوي ذرّة،و الذّرّ:

صغار النّمل،واحدها:ذرّة،و هي تكون خفيفة الوزن جدّا.(17:123)

نحوه رشيد رضا.(11:414)

البيضاويّ: موازن نملة صغيرة أو هباء.(1:452)

مثله شبّر.(3:169)

أبو السّعود : مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ كلمة(من)مزيدة لتأكيد النّفي،أي ما يعزب عنه ما يساوي في الثّقل نملة

ص: 401

صغيرة أو هباء.(2:336)

نحوه الكاشانيّ(2:408)،و البروسويّ(4:57)، و القاسميّ(9:3364).

الآلوسيّ: (من)مزيدة لتأكيد النّفي،و المثقال:

اسم لما يوازن الشّيء و يكون في ثقله،و هو في الشّرع أربعة و عشرون قيراطا.(11:144)

الطّنطاويّ: وزن نملة صغيرة حمراء،و هي خفيفة الوزن جدّا.(5:65)

نحوه طه الدّرّة.(6:163)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ... سبأ:3

3- وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ. الأنبياء:47

ابن عبّاس: وزن حبّة من خردل.(272)

مثله السّدّيّ(352)،و البغويّ(3:290)

الرّاغب: و المثقال:ما يوزن به،و هو من الثّقل، و ذلك اسم لكلّ سنج.(80)

ابن عطيّة: و الخفّة و الثّقل متعلّقة بأجسام، و يقرنها اللّه تعالى يومئذ بالأعمال،فإمّا أن تكون صحف الأعمال أو مثالات تخلق،أو ما شاء اللّه تعالى.و قرأ نافع وحده(مثقال)بالرّفع،على أن تكون(كان)تامّة،و قرأ جمهور النّاس(مثقال)بالنّصب على معنى،و إن كان الشّيء أو العمل.(4:85)

نحوه القرطبيّ(11:294)،و البيضاويّ(2:74).

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها فالمعنى أنّه لا ينقص من إحسان محسن و لا يزاد في إساءة مسيء،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرئ (مِثْقالَ حَبَّةٍ) على(كان) التّامّة،كقوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ. [إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:لم أنّث ضمير المثقال؟قلنا:لإضافته إلى الحبّة،كقولهم:ذهبت بعض أصابعه.

المسألة الثّالثة:زعم الجبّائيّ أنّ من استحقّ مائة جزء من العقاب،فأتى بطاعة يستحقّ بها خمسين جزء من الثّواب،فهذا الأقلّ ينحبط بالأكثر،و يبقى الأكثر كما كان.

و اعلم أنّ هذه الآية تبطل قوله،لأنّ اللّه تعالى تمدّح بأنّ اليسير من الطّاعة لا يسقط،و لو كان الأمر كما قال الجبّائيّ لسقطت الطّاعة من غير فائدة.(22:177)

الشّربينيّ: أي وزن حبّة من خردل،أو أصغر منه.

و إنّما مثّل به لأنّه غاية عندنا في القلّة.(2:507)

نحوه أبو السّعود(4:340)،و البروسويّ(5:486).

الآلوسيّ: أي مقدار حبّة كائنة من خردل،فالجارّ و المجرور متعلّق بمحذوف وقع صفة ل(حبّة).و جوّز أن يكون صفة ل(مثقال)و الأوّل أقرب.و المراد و إن كان في غاية القلّة و الحقارة فإنّ حبّة الخردل مثل في الصّغر.

(17:55)

طه الدّرّة:أي مقدار،أو وزن حبّة من خردل؛ هذا نبات له حبّ صغير جدّا،أسود،واحدته:خردلة، يقال:إنّ الحسّ لا يدرك لها ثقلا؛إذ لا ترجّح ميزانا.

ص: 402

(9:59)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

4- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. لقمان:16

ابن عبّاس: وزن حبّة.(345)

الفرّاء: يجوز نصب المثقال و رفعه.فمن رفع رفعه ب(تكن)و احتملت النّكرة ألاّ يكون لها فعل في كان و ليس و أخواتها،و من نصب جعل في(تكن)اسما مضمرا مجهولا،مثل الهاء الّتي في قوله: إِنَّها إِنْ تَكُ، و مثل قوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ الحجّ:46.

و جاز تأنيث(تك)و(المثقال)ذكر لأنّه مضاف إلى الحبّة،و المعنى للحبّة،فذهب التّأنيث إليها.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و لو كان إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ كان صوابا،و جاز فيه الوجهان.(2:328)

ابن عطيّة: عبارة تصلح للجواهر،أي قدر حبّة، و تصلح للأعمال،أي ما تزنه على جهة المماثلة قدر حبّة.

و ظاهر الآية أنّه أراد شيئا من الأشياء خفيّا قدر حبّة،و يؤيّد ذلك ما روي من أنّ ابن لقمان سأل أباه عن الحبّة تقع في مقل البحر يعلمها اللّه،فراجعه لقمان بهذه الآية.

و ذكر كثير من المفسّرين أنّه أراد الأعمال:المعاصي و الطّاعات،و يؤيّد ذلك قوله: يَأْتِ بِهَا اللّهُ أي لا تفوت،و بهذا المعنى يتحصّل في الموعظة ترجية و تخويف منضاف ذلك إلى تبيين قدرة اللّه تعالى،و في القول الآخر ليس ترجية و لا تخويف.

و ممّا يؤيّد قول من قال:هي من الجواهر،قراءة عبد الكريم الجزريّ (فتكنّ) بكسر الكاف و شدّ النّون،من الكنّ الّذي هو الشّيء المغطّى.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الفرّاء](4:350)

نحوه القرطبيّ.(14:67)

الطّبرسيّ: معناه:أنّ فعلة الإنسان من خير أو شرّ إن كانت مقدار حبّة خردل في الوزن...(4:319)

الفخر الرّازيّ: أي الحسنة و السّيّئة إن كانت في الصّغر مثل حبّة خردل،و تكون مع ذلك الصّغر في موضع حريز كالصّخرة،لا تخفى على اللّه.(25:147)

ابن جزيّ الكلبيّ: أي وزنها،و المراد بذلك أنّ اللّه يأتي بالقليل و الكثير من أعمال العباد،فعبّر بحبّة الخردل ليدلّ على ما هو أكثر.(3:127)

البيضاويّ: أي إنّ الخصلة من الإساءة أو الإحسان إن تك مثلا في الصّغر كحبّة الخردل.

(2:229)

نحوه الكاشانيّ(4:145)،و القاسميّ(13:

4800)،و طه الدّرّة(11:187).

الثّقلان

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ. الرّحمن:31

ابن عبّاس: الجنّ و الإنس.(451)

ص: 403

مثله الحسن(أبو حيّان 8:190)،و الواحديّ(4:

222)،و أبو الفتوح الرّازيّ(18:241)،و ابن كثير(6:

492)،و الشّربينيّ(4:166)،و المراغيّ(27:

117)،و الطّباطبائيّ(19:106).

الإمام زين العابدين عليه السّلام: نحن و كتاب اللّه، و الدّليل على ذلك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّي تارك فيكم الثّقلين:كتاب اللّه،و عترتي أهل بيتي».(القمّيّ 2:345)

الإمام الصّادق عليه السّلام: نحن و القرآن.

(البحرانيّ 9:318)

[و هذان تأويل جاء في غير محلّه،لأنّ القرآن لا يخاطب]

سمّي الإنس و الجنّ ثقلين،لأنّهما مثقلان بالذّنوب.

(البغويّ 4:336)

الماورديّ: و الثّقلان:الإنس و الجنّ،سمّوا بذلك لأنّهم ثقل على الأرض.(5:434)

نحوه الزّمخشريّ(4:47)،و ابن الجوزيّ(8:

115)،و النّسفيّ(4:211)،و النّيسابوريّ(27:65)، و محمّد جواد مغنية(7:211).

الطّوسيّ: و قوله: أَيُّهَ الثَّقَلانِ خطاب للجنّ و الإنس.و إنّما سمّيا ثقلين لعظم شأنهما،بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما،فهما أثقل وزنا لعظم الشّأن بالعقل و التّمكين،و التّكليف لأداء الواجب في الحقوق، و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي».يريد عظيمي المقدار،فلذلك وصفهما بأنّهما ثقلان.(9:473)

البغويّ: أي الجنّ و الإنس،سمّيا ثقلين لأنّهما ثقلا على الأرض أحياء و أمواتا،قال اللّه تعالى: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2،و قال أهل المعاني:كلّ شيء له قدر و وزن ينافس فيه فهو«ثقل».(4:336)

مثله الخازن(7:6)،و القرطبيّ(17:169)،و نحوه ابن عطيّة(5:230).

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما،فكذلك سمّي الثّقلان لعقلهم و رزانتهم و قدرهم.

و قيل:لأنّهما مثقلان بالذّنوب،و قيل:مثقلان بالتّكليف.(9:414)

الفخر الرّازيّ: المشهور أنّ المراد الجنّ و الإنس، و فيه وجوه:

أحدها:أنّهما سمّيا بذلك لكونهما مثقلين بالذّنوب.

ثانيها:سمّيا بذلك لكونهما ثقلين على وجه الأرض، فإنّ التّراب و إن لطف في الخلق ليتمّ خلق آدم،لكنّه لم يخرج عن كونه ثقيلا.و أمّا النّار فلمّا ولد فيها خلق الجنّ كشفت يسيرا،فكما أنّ التّراب لطف يسيرا فكذلك النّار صارت ثقيلة،فهما ثقلان فسمّيا بذلك.

ثالثها:الثّقيل أحدهما لا غير،و سمّي الآخر به للمجاورة و الاصطحاب،كما يقال:العمران و القمران، و أحدهما عمر و قمر.أو يحتمل أن يكون المراد العموم بالنّوعين الحاصرين،تقول:يا أيّها الثّقل الّذي هو كذا، و الثّقل الّذي ليس كذا.و الثّقل:الأمر العظيم،قال عليه السّلام:

«إنّي تارك فيكم الثّقلين».(29:112)

ابن عربيّ: و سمّيا ثقلين لكونهما سفليّين،مائلين إلى أرض الجسم.(2:575)

ص: 404

أبو حيّان: و(الثّقلان):الإنس و الجنّ،سمّيا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض،أو لكونهما مثقلين بالذّنوب أو لثقل الإنس،و سمّي الجنّ ثقلا لمجاورة الإنس.

و الثّقل:الأمر العظيم،و في الحديث:«إنّي تارك فيكم الثّقلين:كتاب اللّه و عترتي»سمّيا بذلك لعظمهما و شرفهما.(8:194)

البيضاويّ: الثّقلان:الإنس و الجنّ،سمّيا بذلك لثقلهما على الأرض،أو لرزانة رأيهم و قدرهم،أو لأنّهما مثقلان بالتّكليف.(2:442)

نحوه أبو السّعود(6:178)،و شبّر(6:133)، و المشهديّ(10:161)،و الحجازيّ(27:48).

العامليّ: قد ورد(الثّقلان)في سورة الرّحمن[و في الرّوايات]ما يدلّ على تأويله بالكتاب و الأئمّة عليهم السّلام،كما تواتر عندنا و عند مخالفينا.[و ذكر حديث الثّقلين،و هذا تأويل جاء في غير محلّه كما سبق](111)

البروسويّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

أو لما فيهما من الثّقل و هو عين تأخّرهما بالوجود، لأنّ من عادة الثّقيل الإبطاء،كما أنّ من عادة الخفيف الإسراع،و الإنس أثقل من الجنّ للرّكن الأغلب عليهم.

(9:301)

القاسميّ: و(الثّقلان):تثنية«ثقل»بفتحتين، «فعل»بمعنى مفعل،لأنّهما أثقلا الأرض،أو بمعنى مفعول،لأنّهما أثقلا بالتّكاليف.(15:5623)

عبد الكريم الخطيب :(الثّقلان):الإنس و الجنّ، و سمّيا بالثّقلين:لأنّهما ثقلا الأرض،كلّ يأخذ جانبا من كفّتي ميزانها،الإنس في كفّة،و الجنّ في كفّة،عالم الظّهور في جانب،و عالم الخفاء في جانب.

و مثل هذا«الملوان»و هما اللّيل و النّهار،لأنّهما يملآن الزّمان كلّه،و يستوعبان كلّ آناته و لحظاته.(14:678)

فضل اللّه :مواجهة الجنّ و الإنس لمسئوليّة أعمالهم، و هذه جولة مع الثّقلين،و هما الإنس و الجنّ، و ما ينتظرهم من موقف المسئوليّة الحاسم بين يدي اللّه، عند ما يرجعون إليه،و حديث عن أوصاف النّار و الجنّة، و ما في ذلك من إيحاء بنعم اللّه و آلائه.(21:316)

مكارم الشّيرازيّ: (الثّقلان)من مادّة«ثقل» على وزن«كبر»بمعنى الحمل الثّقيل،و جاءت بمعنى الوزن أيضا.إلاّ أنّ«ثقل»على وزن«خبر»تقال عادة لمتاع و حمل المسافرين،و تطلق على جماعة الإنس و الجنّ،و ذلك لثقلهم المعنويّ،لأنّ اللّه تبارك و تعالى قد أعطاهم عقلا و شعورا و علما و وعيا،له وزن و قيمة خاصّة،بالرّغم من أنّ الثّقل الجسديّ لهم ملحوظ أيضا، قال تعالى: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2.

حيث ورد أنّ أحد معانيها هو خروج النّاس من القبور في يوم القيامة،إلاّ أنّ التّعبير في الآية مورد البحث جاء باللّحاظ المعنويّ،خاصّة و أنّ الجنّ ليس لهم ثقل، لذا فإنّ المعنى الأوّل هو الأقرب.

إنّ التّأكيد على ذكر هاتين المجموعتين بالخصوص، لأنّ التّكاليف الإلهيّة مختصّة بهما في الغالب.

(17:376)

ثقالا

ص: 405

1- وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ...

الأعراف:57

ابن عبّاس: ثقيلا بالماء.(129)

مثله الزّجّاج(2:345)،و السّجستانيّ(66)، و نحوه الطّباطبائيّ(8:160).

الطّوسيّ: الثّقال:جمع ثقيل،و الثّقيل:ما فيه الاعتماد الكثير سفلا.و قال قوم:هو ما تجمع أجزاؤه كالذّهب و الحجر،و قد يكون بكثرة ما حمل كالسّحاب الّذي يثقل بالماء.(4:461)

ابن عطيّة: (ثقالا)معناه من الماء،و العرب تصف السّحاب بالثّقل و الدّلح.[ثمّ استشهد بشعر](2:413)

ابن كثير :أي حملت الرّياح سحابا ثقالا،أي من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة،قريبة من الأرض، مدلهمّة.[ثمّ استشهد بشعر](3:181)

البروسويّ: (ثقالا)جمع ثقيل،أي بالماء.جمعه مع كونه وصفا للسّحاب،لأنّ السّحاب اسم جنس يصحّ إطلاقه على سحابة واحدة و ما فوقها،فيكون بمعنى الجمع،أي السّحائب.(3:180)

نحوه رشيد رضا.(8:467)

الآلوسيّ: (ثقالا)من الثّقل كعنب:ضدّ الخفّة، يقال:ثقل ككرم ثقلا و ثقالة فهو ثقيل،و ثقل السّحاب بما فيه من الماء.(8:146)

2- اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً. التّوبة:41

ابن عبّاس: شبّانا و شيوخا.(158)

مثله الحسن و أبو طلحة(الطّبريّ 10:137)، و عكرمة و مجاهد(الماورديّ 2:365)،و قتادة و الضّحّاك(البغويّ 2:353)،و الشّعبيّ و أبو صالح و شمر و ابن عطيّة و ابن زيد(ابن الجوزيّ 3:442)،و مقاتل بن حيّان(ابن كثير 3:403).

نشاطا و غير نشاط.(ابن كثير 3:403)

مثله قتادة(الطّبريّ 10:139)،و مقاتل(ابن الجوزيّ 3:442).

كهولا و شبّانا.

مثله عكرمة و أبو صالح و الحسن البصريّ و سهيل ابن عطيّة و مقاتل بن حيّان و الشّعبيّ و زيد بن أسلم(ابن كثير 3:403).

خفافا:أهل الميسرة من المال،و ثقالا:أهل العسرة.

(البغويّ 2:354)

خفافا من العيال و ثقالا بهم.

مثله زيد بن عليّ و الحكم بن عتيبة.

(أبو حيّان 5:44)

النّشيط و الكسلان.(أبو حيّان 5:44)

أغنياء و فقراء.(ابن الجوزيّ 3:442)

مثله أبو صالح.(الطّبريّ 10:139)

نحوه عكرمة و الضّحّاك و مقاتل بن حيّان و مجاهد.

(ابن كثير 3:403)

رجّالة و ركبانا.

مثله الأوزاعيّ.(ابن الجوزيّ 3:442)

مجاهد :الخفيف:الغنيّ،و الثّقيل:الفقير.

ص: 406

(القرطبيّ 8:150)

فإنّ فينا الثّقيل و ذا الحاجة و الضّيعة و الشّغل و المتيسّر به أمره.(ابن كثير 3:403)

الحسن :شيبا و شبّانا.(الطّبريّ 10:137)

في العسر و اليسر.(النّحّاس 3:211)

الخفيف:الشّابّ،و الثّقيل:الشّيخ.

(القرطبيّ 8:150)

العوفيّ: ركبانا و مشاة.(البغويّ 2:353)

مثله أبو عمرو و الأوزاعيّ.(الماورديّ 2:365)

و قتادة و الشّافعيّ(النّحّاس 3:212).

زيد بن عليّ: مشاغيل و غير مشاغيل.

(القرطبيّ 8:150)

مثله الحكم بن عتيبة.(الطّبريّ 10:138)

زيد بن أسلم: المثقل:الّذي له عيال،و المخفّ:

الّذي لا عيال له.(النّحّاس 3:212)

عزبانا و متزوّجين.(أبو حيّان 5:44)

مثله يمان بن رباب.(البغويّ 2:354)

الأوزاعيّ: الخفاف:الرّجال،و الثّقال:الفرسان.

(القرطبيّ 8:150)

ابن زيد :الثّقيل:الّذي له الضّيعة فهو ثقيل،يكره أن يضيّع ضيعته و يخرج،و الخفيف:الّذي لا ضيعة له.

(الطّبريّ 10:139)

ذوي صنعة و هو الثّقيل،و غير ذوي صنعة و هو الخفيف.(أبو حيّان 5:44)

النّقّاش: الخفيف:الشّجاع،و الثّقيل:الجبان.

(القرطبيّ 8:150)

شجعانا و جبناء.(أبو حيّان 5:44)

الرّمّانيّ: على خفّة البعير و ثقله.(الماورديّ 2:365)

هو من خفّة اليقين و ثقله عند الكراهة.

(أبو حيّان 5:44)

مرّة الهمدانيّ: أصحّاء و مرضى.

(البغويّ 2:354)

نحوه جويبر.(الماورديّ 2:365)

صاحب الفتيان:خفافا إلى المبارزة،و ثقالا في المصابرة،و خفافا بالمسارعة و المبادرة،و ثقالا بعد التّروّي و التّفكّر.(أبو حيّان 5:44)

التّبريزيّ: خفافا من الأتباع و الحاشية،ثقالا بهم.

(أبو حيّان 5:44)

الفرّاء: يقول:لينفر منكم ذو العيال و الميسرة، فهؤلاء الثّقال،و الخفاف:ذوو العسرة و قلّة العيال.

و يقال: اِنْفِرُوا خِفافاً نشاطا،(و ثقالا)و إن ثقل عليكم الخروج.(1:439)

ابن قتيبة :أي لينفر منكم من كان مخفّا و مثقلا.

و المخفّ:يجوز أن يكون الخفيف الحال،و يكون الخفيف الظّهر من العيال،و المثقل:يجوز أن يكون الغنيّ،و يجوز أن يكون الكثير العيال،و يجوز أن يكون المعنى شبابا و شيوخا،و اللّه أعلم بما أراد.(187)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره،أمر المؤمنين بالنّفر لجهاد أعدائه في سبيله خفافا و ثقالا،و قد يدخل في«الخفاف»كلّ من كان سهلا عليه النّفر،لقوّة بدنه على ذلك،و صحّة جسمه

ص: 407

و شبابه،و من كان ذا تيسّر بمال و فراغ من الاشتغال، و قادرا على الظّهر و الرّكاب.و يدخل في«الثّقال»كلّ من كان بخلاف ذلك،من ضعيف الجسم و عليله و سقيمه، و من معسر من المال و مشتغل بضيعة و معاش،و من كان لا ظهر له و لا ركاب،و الشّيخ ذو السّنّ و العيال.

فإذ كان قد يدخل في الخفاف و الثّقال من وصفنا من أهل الصّفات الّتي ذكرنا،و لم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب،و لا على لسان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و لا نصب على خصوصه دليلا،وجب أن يقال:إنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنّفر للجهاد في سبيله خفافا و ثقالا،مع رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، على كلّ حال من أحوال الخفّة و الثّقل.(10:137)

النّحّاس: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و هذه الأقوال متقاربة،و المعنى انفروا على كلّ الأحوال،و من أجمع هذه الأقوال قول الحسن:«في العسر و اليسر».

و قول أبي طلحة حسن،لأنّ الشّابّ تخفّ عليه الحركة،و الشّيخ تثقل عليه.(3:211)

القيسيّ: نصب على الحال من المضمر في(انفروا) أي انفروا رجّالة و ركبانا.(1:363)

الماورديّ: فيه عشرة تأويلات:[و ذكرها ثمّ قال:]

و العاشر:خفافا إلى الطّاعة و ثقالا عن المخالفة.

الحادي عشر:خفافا إلى المبارزة،و ثقالا في المصابرة.(2:41)

الطّوسيّ: هذا أمر من اللّه تعالى للمؤمنين أن ينفروا إلى جهاد المشركين خفافا و ثقالا.

و قيل في معنى خِفافاً وَ ثِقالاً ثمانية أقوال:

[ذكرها إلى أن قال:]

و ثامنها:أن يحمل على عمومه،فيدخل فيه جميع ذلك،و هو الأولى و الأليق بالظّاهر،و هو اختيار الطّبريّ و الرّمّانيّ،و يكون ذلك على حال خفّة النّفير و ثقله،لأنّ هذا الّذي ذكر يجري مجرى التّمثيل لما يعمل هذا العمل به.(5:260)

القشيريّ: (خفافا)يعني في حال حضور قلوبكم، فلا يمسّكم نصب المجاهدات،(و ثقالا)إذا رددتم إليكم في مقاساة تعب المكابدات،فإنّ البيعة أخذت عليكم.

و يقال:(خفافا)إذا تحرّرتم من رقّ المطالبات و الاختيار،(و ثقالا)إذا كان على قلوبكم ثقل الحاجات، و أنتم تؤمّلون قضاء الحقّ مآربكم.(3:29)

الرّاغب: قيل:شبّانا و شيوخا،و قيل:فقراء و أغنياء،و قيل:عزباء و مستوطنين،و قيل:نشّاطا و كسالى،و كلّ ذلك يدخل في عمومها،فإنّ القصد بالآية الحثّ على النّفر على كلّ حال،تصعّب أو تسهّل.(80)

البغويّ: و قيل:(خفافا)من السّلاح،أي مقلّين منه،(و ثقالا)أي مستكثرين منه.و قيل:(خفافا)من حاشيتكم و أتباعكم،(و ثقالا)مستكثرين بهم.و قيل:

(خفافا)مسرعين خارجين ساعة النّفير(و ثقالا)بعد التّروّي فيه و الاستعداد له.(2:354)

الزّمخشريّ: (خفافا)في النّفور لنشاطكم له، (و ثقالا)عنه لمشقّة عليكم،أو(خفافا)لقلّة عيالكم و أذيالكم،(و ثقالا)لكثرتها،أو(خفافا)من السّلاح،

ص: 408

(و ثقالا)منه،أو ركبانا و مشاة،أو شبابا و شيوخا،أو مهازيل و سمانا،أو صحاحا و مراضا.(2:191)

نحوه البيضاويّ(1:416)،و النّسفيّ(2:126)، و الطّنطاويّ(5:130).

ابن عطيّة: و معنى الخفّة و الثّقل هنا مستعار لمن يمكنه السّفر بسهولة و من يمكنه بصعوبة،و أمّا من لا يمكنه كالعميّ و نحوهم،فخارج عن هذا.[إلى أن قال:]

و ذكر النّاس من معاني الخفّة و الثّقل أشياء لا وجه لتخصيص بعضها دون بعض،بل هي وجوه متّفقة.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة و قال:]

و قيل:الشّجاع هو الخفيف،و الجبان هو الثّقيل، حكاه النّقّاش.و قيل:الرّاجل هو الثّقيل،و الفارس هو الخفيف،قاله الأوزاعيّ.

و هذان الوجهان الآخران ينعكسان،و قد قيل ذلك و لكنّه بحسب وطأتهم على العدوّ،فالشّجاع هو الثّقيل و كذلك الفارس،و الجبان هو الخفيف و كذلك الرّاجل، و كذلك ينعكس الفقير و الغنيّ،فيكون الغنيّ هو الثّقيل بمعنى صاحب الشّغل،و معنى هذا أنّ النّاس أمروا جملة.

و هذه الأقوال إنّما هي على معنى المثال في الثّقل و الخفّة.(3:37)

الطّبرسيّ: ثمّ أمر سبحانه بالجهاد،و بيّن تأكيد وجوبه على العباد،فقال:(انفروا)أي اخرجوا إلى الغزو (خِفافاً وَ ثِقالاً) [ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

و الوجه أن يحمل على الجميع،فيقال:معناه اخرجوا إلى الجهاد خفّ عليكم أو شقّ على أيّ حالة كنتم،لأنّ أحوال الإنسان لا تخلو من أحد هذه الأشياء(3:32)

نحوه عزّة دروزة(12:140)،و المراغيّ(10:

123)،و طه الدّرّة(5:367).

ابن الجوزيّ: و في معنى خِفافاً وَ ثِقالاً أحد عشر قولا.[ثمّ نقل الأقوال إلى أن قال:]

و الرّابع:أغنياء و فقراء،روي عن ابن عبّاس.ثمّ في معنى هذا الوجه قولان:

أحدهما:أنّ الخفاف:ذوو العسرة و قلّة العيال، و الثّقال:ذوو العيال و الميسرة،قاله الفرّاء.

و الثّاني:أنّ الخفاف:أهل الميسرة،و الثّقال:أهل العسرة،حكي عن الزّجّاج.(3:442)

الفخر الرّازيّ: و المراد انفروا سواء كنتم على الصّفة الّتي يخفّ عليكم الجهاد أو على الصّفة الّتي يثقل،و هذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

و الصّحيح ما ذكرنا إذ الكلّ داخل فيه،لأنّ الوصف المذكور وصف كلّيّ،يدخل فيه كلّ هذه الجزئيّات.

(16:69)

نحوه النّيسابوريّ(10:93)،و الخازن(3:82).

القرطبيّ: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً نصب على الحال،و فيه عشرة أقوال:[و نقل بعضها ثمّ قال:]

و الصّحيح في معنى الآية أنّ النّاس أمروا جملة،أي انفروا خفّت عليكم الحركة أو ثقلت.و روي أنّ ابن أمّ مكتوم جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال له:أ عليّ أن أنفر؟ فقال:نعم،حتّى أنزل اللّه تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ النّور:61.

و هذه الأقوال إنّما هي على معنى المثال في الثّقل

ص: 409

و الخفّة.(8:150)

ابن جزيّ الكلبيّ: أمر بالتّنفير إلى الغزو،و الخفّة استعارة لمن يمكنه السّفر بسهولة،و الثّقل من يمكنه بصعوبة.

[ثمّ ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

و هذه الأقوال أمثلة في الثّقل و الخفّة.(2:76)

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:مهازيل و سمانا،و قيل:سباقا إلى الحرب كالطّليعة و هو مقدّم الجيش،و الثّقال:الجيش بأسره.

و الجمهور على أنّ الأمر موقوف على فرض الكفاية،و لم يقصد به فرض الأعيان.

و قال الحسن و عكرمة:هو فرض على المؤمنين، عنى به فرض الأعيان في تلك المدّة،ثمّ نسخ بقوله:

وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً التّوبة:122، و انتصب (خِفافاً وَ ثِقالاً) على الحال.(5:44)

ابن كثير :أمر اللّه تعالى بالنّفير العامّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عام غزوة تبوك،لقتال أعداء اللّه من الرّوم الكفرة،من أهل الكتاب،و حتّم على المؤمنين في الخروج معه على كلّ حال في المنشط و المكرة و العسر و اليسر،فقال: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً. [ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة و قال:]

هذا كلّه من مقتضيات العموم في الآية،و هذا اختيار ابن جرير.

و قال الإمام أبو عمرو الأوزاعيّ: إذا كان النّفير إلى دروب الرّوم نفر النّاس إليها خفافا و ركبانا،و إذا كان النّفير إلى هذه السّواحل نفروا إليها خفافا و ثقالا و ركبانا و مشاة،و هذا تفصيل في المسألة.(3:403)

نحوه الشّربينيّ.(1:617)

أبو السّعود :حالان من ضمير المخاطبين،أي على أيّ حال كان من يسر و عسر حاصلين،بأيّ سبب كان من الصّحّة و المرض أو الغنى و الفقر،و قلّة العيال و كثرتهم،أو غير ذلك ممّا ينتظمه مساعدة الأسباب و عدمها،بعد الإمكان و القدرة في الجملة،و ما ذكر في تفسيرهما.[و نقل بعضها]

ليس لتخصيص الأمرين المتقابلين بالإرادة،من غير مقارنة للباقي.(3:150)

نحوه البروسويّ(3:437)،و الآلوسيّ(10:

104)،و القاسميّ(8:3159).

رشيد رضا :الخفاف بالكسر:جمع خفيف، و الثّقال:جمع ثقيل.و الخفّة و الثّقل يكونان بالأجسام و صفاتها من صحّة و مرض،و نحافة و سمن،و شباب و كبر،و نشاط و كسل،و يكونان بالأسباب و الأحوال، كالقلّة و الكثرة في المال و العيال،و وجود الظّهر (الرّاحلة)و عدمه،و ثبوت الشّواغل و انتفائها.

فإذا أعلن النّفير العامّ،وجب الامتثال إلاّ في حال العجز التّامّ،و هو ما بيّنه تعالى في في سورة التّوبة الآية:

91،من هذا السّياق لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ، و عذر القسم الثّالث مشروط بما إذا لم يجد الإمام أو نائبه ما ينفق عليهم،كما ذكرنا في الآية.و ستأتي.و ما ورد عن مفسّري السّلف من تفسير الخفاف و الثّقال ببعض ما ذكرنا من الكلّيّات،فهو

ص: 410

للتّمثيل لا للحصر.[ثمّ نقل بعضها و قال:]

أقول:بمثل هذا الفهم للقرآن و الاهتداء به فتح سلفنا البلاد،و سادوا العباد،و كانوا خيرا لهم من أبناء جلدتهم،و المشاركين لهم في ملّتهم.و لم يبق لأحد من شعوب أمّتنا حظّ من القرآن إلاّ تغنّي بعضهم بتلاوته من غير فهم و لا تدبّر،و اشتغال آخرين بإعراب جمله، و نكت البلاغة في مفرداته و أساليبه،من غير علم و لا فقه فيها،و لا فكر و لا تدبّر لما أودع من العظات و العبر في مطاويها،فهم يتشدّقون بأنّ (خِفافاً وَ ثِقالاً) منصوبان على الحال،و لا يرشدون أنفسهم و لا غيرهم إلى ما أوجباه على ذي الحال.

و قد يذكر من يسمّى الفقيه فيهم ما قيل:من أنّ الآية منسوخة بقوله تعالى: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً التّوبة:122،و هو زعم مخالف لما عليه الأئمّة كافّة،من أنّه لا تعارض بين الآيتين،كما سيأتي في تفسير الثّانية.

و بمثل هذا و ذاك أضاع المسلمون ملكهم،و صار أكثرهم عبيدا لأعدائهم.(10:460)

الطّباطبائيّ: الخفاف و الثّقال جمعا خفيف و ثقيل، و الثّقل بقرينة المقام:كناية عن وجود الموانع الشّاغلة الصّارفة للإنسان عن الخروج إلى الجهاد،نظير كثرة المشاغل الماليّة،و حبّ الأهل و الولد و الأقرباء و الأصدقاء الّذي يوجب كراهة مفارقتهم،و فقد الزّاد و الرّاحلة و السّلاح و نحو ذلك،و الخفّة:كناية عن خلاف ذلك.

فالأمر بالنّفر خفافا و ثقالا،و هما حالان متقابلان في معنى الأمر بالخروج على أيّ حال،و عدم اتّخاذ شيء من ذلك عذرا يعتذر به لترك الخروج،كما أنّ الجمع بين الأموال و الأنفس في الذّكر في معنى الأمر بالجهاد،بأيّ وسيلة أمكنت.

و قد ظهر بذلك أنّ الأمر في الآية مطلق لا يأبى التّقييد بالأعذار الّتي يسقط معها وجوب الجهاد، كالمرض و العمى و العرج و نحو ذلك،فإنّ المراد بالخفّة و الثّقل أمر وراء ذلك.(9:283)

محمّد جواد مغنية: الخفاف:جمع خفيف، و المراد به هنا من يستطيع الجهاد بيسر،و الثّقال:جمع ثقيل،و هو من يستطيع الجهاد بشيء من المشقّة.

و الآية تدلّ على وجوب النّفير العامّ،و إليك البيان:

إذا حاول العدوّ أن يعتدي على دين الإسلام بتحريف كتاب اللّه و ما ثبت من سنّة نبيّه،أو بصدّ المسلمين و منعهم عن إقامة الفرائض و الشّعائر الدّينيّة، أو حاول الاستيلاء على بلد من بلادهم،إذا كان الأمر كذلك وجب على المسلمين أن يجاهدوا هذا العدوّ، و يردعوه عن غيّه و ضلاله.

فإن أمكن ردعه بجهاد بعض المسلمين،وجب الجهاد به كفاية إذا قام البعض سقط عن الكلّ،و إذا أهملوا جميعا فهم مسئولون و مستحقّون للعقاب بلا استثناء،و إذا توقّف الرّدع على النّفير العامّ،كان الجهاد عينا على الشّبّان و الشّيوخ و النّساء و المرضى،من كلّ حسب قدرته.

قال صاحب الجواهر (1):«إذا داهم المسلمين عدوّ من الكفّار يخشى منه على بيضة الإسلام،أو يريد الكافرّ.

ص: 411


1- الجواهر في الفقه لمحمّد حسن النّجفي.من كبار فقهاء الإماميّة في القرن الثّالث عشر الهجريّ.

الاستيلاء على بلاد المسلمين و أسرهم و سبيهم و أخذ أموالهم،إذا كان كذلك وجب الدّفاع على الحرّ و العبد و الذّكر و الأنثى و السّليم و المريض و الأعمى و الأعرج و غيرهم إن احتيج إليهم،و لا يتوقّف على حضور الإمام و لا إذنه،و لا يختصّ بالمعتدى عليهم و المقصودين بالخصوص،بل يجب النّهوض على كلّ من علم بالحال، و إن لم يكن الاعتداء موجّها إليه.هذا إذا لم يعلم بأنّ من يراد الاعتداء عليهم قادرون على صدّ العدوّ و مقاومته».

هذا هو عهد اللّه أخذه على كلّ مسلم باتّفاق جميع المذاهب،تماما كاتّفاقهم على وجوب الصّوم و الصّلاة، و الحجّ و الزّكاة.و قد ابتلي المسلمون و العرب الآن بعصابة صهيونيّة استعماريّة اعتدت على دينهم و بلادهم،و قتلت و شرّدت و سجنت الألوف.فعلى كلّ عربيّ و مسلم في مشارق الأرض و مغاربها أن يجاهد بكلّ طاقاته ضدّ هذه العصابة المسمّاة بدولة إسرائيل ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي النّفير خير للمسلمين في دينهم و دنياهم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ العنكبوت:16.

أجل،نحن نعلم بأنّ النّفير لجهاد إسرائيل واجب على كلّ مسلم،و لكنّ الّذي يمنعنا عن جهاد إسرائيل هم القادة الخائنون،فعلينا أن نجاهد هؤلاء قبل كلّ شيء، لأنّهم علّة العلل.و لو لا خيانتهم لدينهم و أمّتهم، و طاعاتهم العمياء للصّهيونيّة و الاستعمار ما كان لإسرائيل عين و لا أثر.(4:46)

عبد الكريم الخطيب :و الخفاف:جمع خفيف، و هو الّذي لا يعوّقه عن النّفر إلى الجهاد معوّق،مادّيّ أو نفسيّ،كالاشتغال بالحياة،و تثمير المال،و معالجة التّجارة أو الزّراعة و نحوها،أو كالحرص على الحياة، و الخوف من الموت،أو الاستثقال لأعباء السّفر،و مشقّة الانتقال،و التّعرّض لمتاعب الطّريق،و ما يتعرّض له المسافر من حرّ أو برد،أو جوع أو ظمإ.

و الثّقال:جمع ثقيل،و هو الّذي تعرض له تلك العوارض الّتي تثقله،و توهن عزمه على الجهاد،و تثقل خطوه في السّعي إليه.

و الأمر بالنّفر إلى الجهاد موجّه إلى الخفاف و الثّقال جميعا،من القادرين على حمل السّلاح.و ليست هذه العوارض المادّيّة أو المعنويّة الّتي تعرض للمسلم بالّتي تعفيه من أن يكون في جبهة القتال مع إخوانه المجاهدين في سبيل اللّه،فهو آثم،خارج على أمر اللّه،إن هو لم يأخذ مكانه،و يؤدّي الواجب المدعوّ إليه.(5:778)

فضل اللّه :و يعود النّداء الإلهيّ من جديد، ليستحثّهم و يحرّك فيهم إرادة الجهاد،من خلال إرادة الإيمان الحيّ في نفوسهم،فما ذا ينتظر المؤمن أمام نداء اللّه إلاّ أن يستجيب له،لأنّ في ذلك الخير كلّ الخير، و النّجاح كلّ النّجاح،لو وعى الإنسان حقيقة الموقف و حقيقة الإيمان.

اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً لأنّ القضيّة ليست في ما ترزحون تحته من أثقال الإسلام في الحياة،إنّ النّداء يشبه الدّعوة إلى النّفير العامّ على كلّ حال،بعيدا عن الظّروف المعوّقة أو المنشّطة.(11:119)

مكارم الشّيرازيّ: و الخفاف:جمع الخفيف، و الثّقال:جمع الثّقيل،و لهاتين الكلمتين مفهوم شامل يستوعب جميع حالات الإنسان،أي انفروا في أيّة حالة

ص: 412

كنتم شبّانا أم شيوخا،متزوّجين أم غير متزوّجين، تعولون أحدا أم لا تعولون،أغنياء أم فقراء،مبتلين بشيء أم غير مبتلين،أصحاب تجارة أو زراعة أم لستم من أولئك.

فكيف ما كنتم فعليكم أن تستجيبوا لدعوة الدّاعي إلى الجهاد،و أن تنصرفوا عن أيّ عمل شغلتم به، و تنهضوا مسرعين إلى ساحات القتال،و في أيديكم السّلاح.

و ما قاله بعض المفسّرين:من أنّ هاتين الكلمتين تعنيان مثلا واحدا ممّا ذكرنا آنفا،لا دليل عليه أبدا،بل كان مثل ممّا ذكرناه مصداق جليّ لمفهومها الوسيع.

(6:58)

الثّقال

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ. الرّعد:12

ابن عبّاس: السّحاب الثّقال بالمطر.(206)

نحوه مجاهد و قتادة(ابن عطيّة 3:303)،و الطّبريّ (13:125)،و الزّجّاج(3:143)،و الطّوسيّ(6:230).

ابن عطيّة: (الثّقال)معناه:بحمل الماء،و بذلك فسّر قتادة و مجاهد،و العرب تصفها بذلك.(3:303)

الطّبرسيّ: أي و يخلق السّحاب الثّقال بالماء، يرفعها من الأرض،فيجريها في الجوّ.(3:283)

ابن عربيّ: و ينشئ سحاب السّكينة،الثّقال بماء العلم اليقينيّ،و المعرفة الحقّة.(1:636)

البيضاويّ: (الثّقال)و هو جمع ثقيلة،و إنّما وصف به السّحاب لأنّه اسم جنس في معنى الجمع.

(1:515)

ابن جزيّ الكلبيّ: اَلسَّحابَ الثِّقالَ وصفها بالثّقل،لأنّها تحمل الماء.(2:132)

ابن كثير :أي و يخلقها منشأة جديدة،و هي لكثرة مائها ثقيلة،قريبة إلى الأرض.(4:75)

نحوه المراغيّ.(13:81)

أبو السّعود :الثّقال بالماء،و هي جمع ثقيلة،وصف بها السّحاب لكونها اسم جنس في معنى الجمع، و الواحدة:سحابة.يقال:سحابة ثقيلة و سحاب ثقال، كما يقال:امرأة كريمة و نسوة كرام.(3:443)

نحوه الآلوسيّ.(13:118)

اثقالا-اثقالهم

وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ. العنكبوت:13

ابن عبّاس: أوزارهم يوم القيامة(و اثقالا)مثل أوزار الّذين يضلّونهم،(مع اثقالهم)مع أوزارهم.

(333)

نحوه قتادة(الطّبريّ 20:135)،و زيد بن عليّ (315)،و الميبديّ(7:364).

قتادة :من دعا إلى ضلالة كتب عليه وزرها، و وزر من يعمل بها،و لا ينقص ذلك منها شيئا.

(النّحّاس 5:217)

نحوه الزّجّاج.(4:162)

ابن زيد :قوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ

ص: 413

اَلْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ النّحل:25،فهذا قوله: وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ. (الطّبريّ 20:135)

نحوه البغويّ.(5:157)

الماورديّ: فيه[وجوه]:

أحدها:أنّهم أعوان الظّلمة.

الثّاني:أنّهم أصحاب البدع إذا اتّبعوا عليها.

الثّالث:أنّهم محدثو السّنن الجائرة إذا عمل بها من بعدهم.(4:278)

الرّاغب: أي آثامهم الّتي تثقلهم و تثبّطهم عن الثّواب،كقوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً الآية.

(80)

ابن عطيّة: يريد ما يلحقهم من إغوائهم لعامّتهم و أتباعهم،فإنّه يلحق كلّ داع إلى ضلالة كفل منها حسب الحديث المشهور:«أيّما داع إلى هدى فاتّبع عليه فله مثل أجور من اتّبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، و أيّما داع دعا إلى ضلالة»الحديث،و هي و إن كانت من أثقالهم فلكونها بسبب غيرهم و عن غير كفر تلبّسوه، فرّق بينها و بين(اثقالهم)و لم ينسبها إلى غيرهم بل جعلها في رتبة أخرى فقط،فهم فيها إنّما يزرون بوزر أنفسهم،و قد يترتّب حمل أثقال الغير بما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه يقتصّ للمظلوم بأن يعطى من حسنات ظالمه،فإن لم يبق للظّالم حسنة أخذ من سيّئات المظلوم فطرحت عليه».(4:309)

نحوه القرطبيّ(13:331)،و ابن كثير(5:311)، و القاسميّ(13:4741).

الطّبرسيّ: يعني أنّهم يحملون خطاياهم و أوزارهم في أنفسهم الّتي لم يعملوها بغيرهم،و يحملون الخطايا الّتي ظلموا بها غيرهم.

و قيل:معناه يحملون عذاب ضلالهم،و عذاب إضلالهم غيرهم،و دعاءهم لهم إلى الكفر،و هذا كقوله:

«من سنّ سنّة سيّئة»الخبر،و هذا كقوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً الآية.(4:275)

نحوه ابن شهرآشوب(1:189)،و ابن الجوزيّ (6:261)،و البروسويّ(6:454)،و المراغيّ(20:122).

البيضاويّ: أثقال ما اقترفته أنفسهم وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ و أثقالا أخر معها لما تسبّبوا له بالإضلال و الحمل على المعاصي،من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شيء.(2:205)

نحوه الكاشانيّ(4:112)،و المشهديّ(7:508)، و شبّر(5:51).

الخازن :أي أوزار أعمالهم الّتي عملوها بأنفسهم وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزار من أضلّوا و صدّوا عن سبيل اللّه مع أوزار أنفسهم.

فإن قلت:قد قال أوّلا: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ العنكبوت:12،و قال هاهنا:

وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ، فكيف الجمع بينهما؟

قلت:معناه أنّهم لا يرفعون عنهم خطيئة بل كلّ واحد يحمل خطيئة نفسه،و رؤساء الضّلال يحملون أوزارهم و يحملون أوزارا بسبب إضلال غيرهم،فهو كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«من سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه

ص: 414

وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة من بعده،من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»رواه مسلم.(5:157)

أبو حيّان : وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أثقال أنفسهم من كفرهم و معاصيهم،(و اثقالا)أي أخر و هي أثقال الّذين أغروهم فكانوا سببا في كفرهم.و لم يبيّن من الّذين يحملون أثقاله،فأمكن اندراج أثقال المظلوم بحملها للظّالم كما جاء في الحديث:أنّه يقتصّ من الظّالم بأن يعطى من حسنات ظالمه،فإن لم يبق للظّالم حسنة أخذ من سيّئات المظلوم فطرح عليه.(7:144)

أبو السّعود : وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ بيان لما يستتبعه قولهم ذلك في الآخرة من المضرّة لأنفسهم،بعد بيان عدم منفعته لمخاطبيهم أصلا.و التّعبير عن الخطايا بالأثقال للإيذان بغاية ثقلها،و كونها قادحة.و اللاّم جواب قسم مضمر،أي و باللّه ليحملنّ أثقال أنفسهم كاملة(و اثقالا)أخر(مع اثقالهم)لما تسبّبوا بالإضلال و الحمل على الكفر و المعاصي،من غير أن ينتقص من أثقال من أضلّوه شيء ما أصلا.(4:166)

نحوه الآلوسيّ.(20:142)

العامليّ: إنّ المراد:المعاصي،و معاداة الأئمّة،و على هذا يمكن تأويل الأثقال و الثّقيل و نحوهما،و ما هو دالّ على ذلك مهما يناسب بأحد ما ذكر،على حسب المناسبة.

(112)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ هؤلاء الضّالّين، الّذين يعملون على إضلال غيرهم سيحملون فعلا ذنوبهم هم،و ذنوب الّذين أضلّوهم،على حين لا يرفع عن كاهل الّذين أضلّوهم ما حملوا من ذنوب.

فهذه الذّنوب هي من كسبهم،لا تحسب على أحد غيرهم،ثمّ إنّها من جهة أخرى من غرس الّذين دعوهم إليها و أضلّوهم بها،فلا بدّ أن يطعموا من ثمرها الفاسد المشئوم.(10:413)

طه الدّرّة: «الأثقال»:الأوزار،جمع ثقل،و هو استعارة،أطلق عليها لفظ الأثقال،و هي الأحمال الّتي تثقّل حاملها و تتعبه،لأنّها تسبّب به النّكد و الشّقاء الطّويل في جهنّم يوم القيامة،و ما بعده.و فيه تأويلان:

أحدهما:أنّ المراد به ما يحمل على الظّالمين من سيّئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم،قال أبو أمامة الباهليّ رضي اللّه عنه:«يؤتى بالرّجل يوم القيامة و هو كثير الحسنات،فلا يزال يقتصّ منه حتّى تفنى حسناته، ثمّ يطالب،فيقول اللّه عزّ و جلّ:اقتصّوا من عبدي، فتقول الملائكة:ما بقيت له حسنات،فيقول:خذوا من سيّئات المظلوم،فاجعلوا عليه،ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوله تعالى: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ.

أقول:و هذا في حقّ المسلم الموحّد،لأنّ الكافر لا حسنة له،كما نوّهت به آية الفرقان:23، وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً و آية النّور:39، وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً....

و المسلم الّذي تذهب حسناته،و يطرح عليه من سيّئات المظلومين،هو من سمّاه الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم المفلس.

و التّأويل الثّاني:أنّ المراد به رؤساء الكفر،و دعاة الشّرّ و الرّذيلة،الّذين يصدّون النّاس عن الإيمان،أو عن الطّاعة،أو عن عمل الخير.[ثمّ ذكر قول قتادة و آية

ص: 415

النّحل:25 و أضاف:]

و قد قال تعالى في سورة الأنعام:31 وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ و حمل الذّنوب بالمعنيين «الأوزار و الأثقال»قيل به:إنّ الكافر إذا خرج من قبره يوم القيامة يستقبله أقبح شيء صورة،و أنتنه ريحا، فيقول له:هل تعرفني؟فيقول:لا،فيقول:أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدّنيا،فأنا اليوم أركبك حتّى أخزيك على رءوس الخلائق.فيركبه،و يتخطّى به النّاس،حتّى يقف بين يدي اللّه تعالى.

و أقول:إنّ الفاسق و الفاجر ليسا من ذلك ببعيد، و اللّه أعلم بمراده و أسرار كتابه.(10:622)

مكارم الشّيرازيّ: و ثقل الذّنب هذا..هو ثقل ذنب الإغراء و الإغواء و حثّ الآخرين على الذّنب، و هو ثقل السّنّة الّتي عبّر عنها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء.

المهمّ أنّهم شركاء في آثام الآخرين،و إن لم ينقص من وزر الآخرين و إثمهم مقدار من رأس الإبرة.

(12:319)

اثقالها

وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها. الزّلزال:2

ابن عبّاس: أموالها و كنوزها.(516)

الموتى.(الطّبريّ 30:266)

موتاها تخرجهم في النّفخة الثّانية.

مثله مجاهد(القرطبيّ 20:147)،و زيد بن عليّ (493)،و ابن قتيبة(535).

مجاهد :من في القبور.(الطّبريّ 30:266)

الفرّاء: لفظت ما فيها من ذهب أو فضّة أو ميّت.

(3:283)

أبو عبيدة :إذا كان الميّت في بطنها فهو ثقل لها،و إذا كان فوقها فهو ثقل عليها.(2:306)

مثله السّجستانيّ.(223)

الطّبريّ: و أخرجت الأرض ما في بطنها من الموتى أحياء،و الميّت في بطن الأرض ثقل لها،و هو فوق ظهرها حيّا ثقل عليها.(30:266)

الزّجّاج: أخرجت كنوزها و موتاها.(5:351)

مثله الطّنطاويّ.(25:256)

القمّيّ: من النّاس.(2:433)

الشّريف المرتضى: معناه أخرجت ما فيها من الكنوز،و قال قوم:عنى به الموتى،و أنّها أخرجت موتاها،فسمّى تعالى الموتى ثقلا،تشبيها بالحمل الّذي يكون في البطن،لأنّ الحمل يسمّى ثقلا،قال تعالى:

فَلَمّا أَثْقَلَتْ الأعراف:189.

و العرب تقول:إنّ للسّيّد الشّجاع ثقلا على الأرض، فإذا مات سقط عنها بموته ثقل.[ثمّ استشهد بشعر]

(أمالي المرتضى 1:96)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: (1)

الثّاني:ما عليها من جميع الأثقال،و هذا قول عكرمة.

ص: 416


1- هكذا ورد في الكتاب.

و يحتمل قول الفريقين (1)

و يحتمل رابعا:أخرجت أسرارها الّتي استودعتها.

(6:319)

الطّوسيّ: و أثقال الأرض:ما فيها مدفون من الموتى و غيرها،فإنّ الأرض تلفظ بكلّ ما فيها عند انقضاء أمر الدّنيا،و تجديد أمر الآخرة.(10:393)

القشيريّ: أي أمواتها،و ما فيها من الكنوز و الدّفائن.(6:323)

نحوه البغويّ(5:292)،و البيضاويّ(2:571)، و النّسفيّ(4:372).

الرّاغب: قيل:كنوزها،و قيل:ما تضمّنته من أجساد البشر عند الحشر و البعث.(80)

الميبديّ: كنوزها و موتاها فتلقيها على ظهرها.

و من جعله في الدّنيا قال:تخرج كنوزها.و عنده(اثقال):

جمع ثقل بفتحتين،و هو الشّيء المصون الكريم على صاحبه.

و عند غيره(اثقال):جمع ثقل،و الإنسان حيّا ثقل عليها و ميّتا ثقل لها.

و يحتمل أنّ«الأثقال»جمع،كقوله عزّ و جلّ:

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:31.فيكون المعنى:أخرجت الأرض الجنّ و الإنس من باطنها إلى ظاهرها،و اللّه أعلم.

و في الخبر عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذّهب و الفضّة،فيجيء القاتل فيقول:في هذا قتلت،و يجيء القاطع فيقول:في هذا قطعت رحمي،و يجيء السّارق، فيقول:في هذا قطعت يدي،ثمّ يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».

قوله:«أفلاذ كبدها»أراد أنّها تخرج الكنوز المدفونة فيها،و قيئها:إخراجها.(10:577)

نحوه ابن كثير.(7:348)

الزّمخشريّ: الأثقال:جمع ثقل،و هو متاع البيت، وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ النّحل:7،جعل ما في جوفها من الدّفائن أثقالا لها.(4:276)

ابن عطيّة: و الأثقال:الموتى الّذين في بطنها،قاله ابن عبّاس،و هذه إشارة إلى البعث.و قال قوم من المفسّرين منهم منذر بن سعيد الزّجّاج و النّقّاش:

أخرجت موتاها و كنوزها،و ليست القيامة موطنا لإخراج الكنوز،و إنّما تخرج كنوزها وقت الدّجّال.

(5:510)

الطّبرسيّ: أي أخرجت موتاها المدفونة فيها، تخرجها أحياء للجزاء،عن ابن عبّاس و مجاهد و الجبّائيّ.

و قيل:معناه لفظت ما فيها من كنوزها و معادنها فتلقيها على ظهرها،ليراها أهل الموقف.و تكون الفائدة في ذلك أن يتحسّر العصاة إذا نظروا إليها،لأنّهم عصوا اللّه فيها،ثمّ تركوها لا تغني عنهم شيئا،و أيضا فإنّه تكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم.(5:526)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(20:365)

الفخر الرّازيّ: في الأثقال قولان:

أحدهما:أنّه جمع«ثقل»و هو متاع البيت،ث.

ص: 417


1- جاء في هامش هذا الكتاب:لم يذكر القول الثّالث هنا فيحتمل قوله:و يحتمل قول الفريقين،هو القول الثّالث.

و تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ جعل ما في جوفها من الدّفائن أثقالا لها.[ثمّ ذكر قول أبي عبيدة و أضاف:]

و قيل:سمّي الجنّ و الإنس بالثّقلين،لأنّ الأرض تثقل بهم إذا كانوا في بطنها،و يثقلون عليها إذا كانوا فوقها.

ثمّ قال:المراد من هذه الزّلزلة؛الزّلزلة الأولى يقول:

أخرجت الأرض أثقالها،يعني الكنوز فيمتلئ ظهر الأرض ذهبا و لا أحد يلتفت إليه،كأنّ الذّهب يصيح و يقول:أ ما كنت تخرب دينك و دنياك لأجلي،أو تكون الفائدة في إخراجها كما قال تعالى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ التّوبة:35.

و من قال:المراد منها الزّلزلة الثّانية و هي بعد القيامة،قال:تخرج الأثقال،يعني الموتى أحياء كالأمّ تلده حيّا،و قيل:تلفظه الأرض ميّتا كما دفن،ثمّ يحييه اللّه تعالى.

و القول الثّاني:أثقالها:أسرارها،فيومئذ تكشف الأسرار،و لذلك قال: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4،فتشهد لك أو عليك.(32:58)

نحوه الخازن(7:348)،و النّيسابوريّ(30:156).

ابن عربيّ: أي متاعها الّتي هي بها ذات قدر من القوى و الأرواح و هيئات الأعمال،و الاعتقادات الرّاسخة في القلب،جمع«ثقل»و هو متاع البيت.

(2:837)

ابن جزيّ الكلبيّ: يعني الموتى الّذين في جوفها، و ذلك عند النّفخة الثّانية في الصّور.

و قيل:هي الكنوز،و هذا ضعيف،لأنّ إخراجها للكنوز وقت الدّجّال.(4:213)

أبو حيّان :[نقل كلام ابن عطيّة و أضاف:]

و قائل ذلك يقول:هو الزّلزال يكون في الدّنيا،و هو من أشراط السّاعة،و زلزال يوم القيامة،كقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ النّازعات:6،7.

فلا يرد عليه بذلك؛إذ قد أخذ الزّلزال عامّا باعتبار وقتيه،ففي الأوّل:أخرجت كنوزها،و في الثّاني:

أخرجت موتاها،و صدقت أنّها زلزلت زلزالها، و أخرجت أثقالها.

و قيل:أثقالها:كنوزها،و منه قوله:«تلقي الأرض أفلاذ كبدها،أمثال الأسطوان من الذّهب و الفضّة».

و قال ابن عبّاس:موتاها،و هو إشارة إلى البعث، و ذلك عند النّفخة الثّانية،فهو زلزال يوم القيامة لا الزّلزال الّذي هو من الأشراط.(8:500)

نحوه الشّربينيّ.(4:573)

أبو السّعود :أي ما في جوفها من الأموات و الدّفائن،جمع«ثقل»و هو متاع البيت.و إظهار الأرض في موقع الإضمار لزيادة التّقرير،أو للإيماء إلى تبدّل الأرض غير الأرض،أو لأنّ إخراج الأثقال حال بعض أجزائها.(6:458)

نحوه البيضاويّ(2:571)،و الكاشانيّ(5:357)، و المشهديّ(11:474)،و شبّر(6:429).

البروسويّ: و الأثقال:كنوز الأرض و موتاها، جمع«ثقل»بالكسر.و أمّا«ثقل»محرّكة فمتاع المسافر و حشمه،على ما في«القاموس».

و المعنى و أخرجت الأرض ما في جوفها من دفائنها

ص: 418

و كنوزها،كما عند زلزال النّفخة الأولى،الّذي هو من أشراط السّاعة،و كذا من أمواتها عند زلزال النّفخة الثّانية.(10:492)

الآلوسيّ: فقد قال ابن عبّاس:أي موتاها،و قال النّقّاش و الزّجّاج و منذر بن سعيد:أي كنوزها و موتاها، و روي عن ابن عبّاس أيضا.

و هذه الكنوز على هذا القول غير الكنوز الّتي تخرج أيّام الدّجّال،على ما وردت به الأخبار؛و ذلك بأن تخرج بعضا في أيّامه و بعضا عند النّفخة الثّانية.و لا بعد في أن تكون بعد الدّجّال كنوز أيضا،فتخرجها مع ما كان قد بقي يومئذ.

و قيل:هو عند النّفخة الأولى،و(اثقالها):ما في جوفها من الكنوز،أو منها و من الأموات،و يعتبر الوقت ممتدّا.

و قيل:يحتمل أن يكون إخراج الموتى كالكنوز عند النّفخة الأولى،و إحياؤها في النّفخة الثّانية،و تكون على وجه الأرض بين النّفختين،و أنت تعلم أنّه خلاف ما تدلّ عليه النّصوص.

و قيل:إنّها تزلزل عند النّفخة الأولى فتخرج كنوزها،و تزلزل عند الثّانية فتخرج موتاها،و أريد هنا بوقت الزّلزال ما يعمّ الوقتين.

و اقتصر بعضهم على تفسير الأثقال بالكنوز،مع كون المراد بالوقت وقت النّفخة الثّانية،و قال:تخرج الأرض كنوزها يوم القيامة ليراها أهل الموقف، فيتحسّر العصاة إذا نظروا إليها؛حيث عصوا اللّه تعالى فيها،ثمّ تركوها لا تغني عنهم شيئا.[إلى أن قال:]

فالأثقال جمع«ثقل»بالتّحريك،و هو على ما في «القاموس»متاع المسافر و كلّ نفيس مصون.و تجوّز به هاهنا على سبيل الاستعارة عن الثّاني.

و يجوز أن يكون جمع«ثقل»بكسر فسكون،بمعنى حمل البطن على التّشبيه.و الاستعارة أيضا كما قال الشّريف المرتضى في«الدّرر»و أشار:إلى أنّه لا يطلق على ما ذكر إلاّ بطريق الاستعارة.و منهم من فسّر «الأثقال»هاهنا بالأسرار،و هو مع مخالفته للمأثور بعيد.(30:209)

نحوه القاسميّ.(17:6232)

بنت الشّاطئ: و الأثقال:جمع ثقل و هو الحمل الشّديد،و اللّغويّون و المفسّرون متّفقون على أنّ الثّقل هنا نقيض الخفّة.

و انفرد«الرّاغب»بالنّصّ على أنّ أصل استعماله في الأجسام،ثمّ في المعاني.فمن الأوّل:أثقلت المرأة فهي مثقل،ثقل حملها في بطنها.و من الثّاني:أثقله الهمّ، و الغرم،و الدّين،و الوزر.

و جاءت«الأثقال»في القرآن في ثلاث آيات:آية النّحل:7،و الثّقل فيها مادّيّ وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، و آية العنكبوت:

13،و الثّقل فيها معنويّ وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ العنكبوت:13،و آية الزّلزلة: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها.

فما هذه الأثقال الّتي تخرجها الأرض إذا زلزلت زلزالها؟[ثمّ نقلت الأقوال من الزّمخشريّ و أبي حيّان

ص: 419

و الطّبرسيّ و الرّاغب إلى أن قالت:]

و لا نقف عند ما لم يتعلّق القرآن بذكره،بل يلفتنا في إخراج الأثقال هنا ما توحي به من اندفاع،للتّخلّص من الثّقل الباهظ،فالمثقل يتلهّف على التّخفّف من حمله، و يندفع فيلقيه حين يتاح له ذلك.و الأرض إذ تخرج أثقالها،تفعل ذلك كالمدفوعة برغبة التّخفّف من هذا الّذي يثقلها،عند ما حان الأوان.و نستأنس في هذا الفهم بقوله تعالى في سورة الانشقاق:(3،4): وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ هكذا،بغير انتظار أو تمهّل.

و هل تمسك المثقل حملها حين يأتي أوانه؟

و هل يتردّد من يبهظه حمل ثقيل،في إلقائه و التّخلّي عنه إذا أتيح له ذلك؟

و لو كانت العبارة:و أخرجت الأرض ما في جوفها، لضاع هذا الإيحاء المثير،اللاّفت إلى المعهود،من لهفة ذي الحمل الثّقيل على التّخلّي،عمّا يئوده و يبهظه.

(1:88)

الطّباطبائيّ: الأثقال جمع«ثقل»بفتحتين،بمعنى المتاع،أو خصوص متاع المسافر،أو جمع«ثقل» بالكسر فالسّكون،بمعنى الحمل.

و على أيّ حال المراد بأثقالها الّتي تخرجها:الموتى على ما قيل،أو الكنوز و المعادن الّتي في بطنها،أو الجميع،و لكلّ قائل.و أوّل الوجوه أقربها ثمّ الثّالث، لتكون الآية إشارة إلى خروجهم للحساب.(20:342)

محمّد جواد مغنية:أخرجت كلّ ما طوته في جوفها من أموات و كنوز و مدن و حضارات.(7:598)

عبد الكريم الخطيب:أي ما حملت في بطنها من أموات،فكأنّها تلدهم من جديد،كما تلد الأمّ أبناءها، بعد أن يتمّ حملها،و تثقل به بطنها.(15:1650)

مكارم الشّيرازيّ: ذكر لها المفسّرون معاني متعدّدة،قيل:إنّها البشر الّذين يخرجون من أجداثهم على أثر الزّلزال،كما جاء في قوله سبحانه: وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ الانشقاق:4.

و قيل:إنّها الكنوز المخبوءة الّتي ترتمي إلى الخارج، و تبعث الحسرة في قلوب عبّاد الدّنيا.

و يحتمل أيضا أن يكون المقصود إخراج الموادّ الثّقيلة الذّائبة في باطن الأرض،و هو ما يحدث أثناء البراكين و الزّلازل،فإنّ الأرض في نهاية عمرها تدفع ما في أعماقها إلى الخارج،على أثر ذلك الزّلزال العظيم.

يبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب،مع إمكان الجمع بين هذه التّفاسير.(20:343)

المصطفويّ: ممّا هو ثقيل وزنا أو قيمة و معنى.

(2:20)

اثقالكم

وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. النّحل:7

ابن عبّاس: أمتعتكم و زادكم.(221)

نحوه الطّبرسيّ.(3:350)

الطّوسيّ: يعني هذه الأنعام تحمل أثقالكم،و هو جمع«ثقل»و هو المتاع الّذي يثقل حمله.(6:362)

نحوه الشّربينيّ(2:217)،و الطّباطبائيّ(12:211)

ص: 420

القشيريّ: الغنيّ له جمال بماله،و الفقير له استقلال بحاله،و شتّان ما هما!فالأغنياء يتجمّلون بأنعامهم حين يريحون و حين يسرحون،و الفقراء يستقلّون بمولاهم حين يصبحون و حين يمسون،أولئك تحمل أثقالهم جمالهم،و هؤلاء يحمل الحقّ عن قلوبهم أثقالهم.

(3:286)

الرّاغب: أي أحمالكم الثّقيلة.(80)

نحوه الميبديّ(5:351)،و شبّر(3:401).

البغويّ: أحمالكم إلى بلد آخر غير بلدكم.

(3:72)

نحوه البيضاويّ(1:549)،و النّسفيّ(2:281)، و القاسميّ 10:3780)،و الطّنطاويّ(8:73).

ابن عطيّة: و الأثقال:الأمتعة،و قيل:المراد هنا الأجسام،كقوله: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2،أي أجسام بني آدم،و اللّفظ يحتمل المعنيين، قال النّقّاش:و منه سمّي الإنس و الجنّ الثّقلين.

(3:380)

نحوه ابن جزيّ الكلبيّ(2:50)،و أبو حيّان(5:

476)،و القرطبيّ(10:71)،و الآلوسيّ(14:99).

ابن الجوزيّ: الإشارة بهذا إلى ما يطيق الحمل منها،و الأثقال:جمع:«ثقل»و هو متاع المسافر.

(4:430)

نحوه الخازن(4:66)،و ابن كثير(4:181).

الفخر الرّازيّ: و فيه مسألتان:

1-الأثقال:جمع:ثقل»و هو متاع المسافر،لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس.[إلى أن قال:]

2-احتجّ منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية،فقالوا:

هذه الآية تدلّ على أنّ الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلاّ بشقّ الأنفس،و حمل الأثقال على الجمال.

و مثبتوا الكرامات يقولون:إنّ الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة،من غير تعب و تحمّل مشقّة،فكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلا،و لمّا بطل القول بالكرامات في هذه الصّورة بطل القول بها في سائر الصّور،لأنّه لا قائل بالفرق.

و جوابه:أنّا نخصّص عموم هذه الآية بالأدلّة الدّالّة على وقوع الكرامات و اللّه أعلم.(19:228)

البروسويّ: جمع«ثقل»بفتح الثّاء و القاف،و هو متاع المسافر و حشمه،أي تحمل أمتعتكم و أحمالكم.

(5:8)

مثله محمود صافي(14:286)،و المراغيّ(14:55).

طه الدّرّة: الأثقال:جمع«ثقل»و هو متاع السّفر و ما يحتاج إليه من آلات السّفر،و الأثقال:الأوزار و السّيّئات،لأنّها تثقل الإنسان،و تورث له المشقّة و العذاب الأليم في نار الجحيم.(7:374)

اثقلت

...فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ.

الأعراف:189

ابن عبّاس: ثقل الولد في بطنها ظنّا بوسوسة إبليس أنّه بهيمة من البهائم.(143)

ص: 421

السّدّيّ: أي:كبر الولد في بطنها،جاء إبليس إلى حوّاء فخوّفها،و قال لها:ما يدريك ما في بطنك،لعلّه كلب أو خنزير أو حمار؟و ما يدريك من أين يخرج،من دبرك فيقتلك،أو من قبلك؟أو ينشقّ بطنك فيقتلك؟ فذلك حين دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما. (275)

الفرّاء: دنت ولادتها،أتاها إبليس فقال:ما ذا في بطنك؟فقالت:لا أدري.قال:فلعلّه بهيمة،فما تصنعين لي إن دعوت اللّه لك حتّى يجعله إنسانا؟قالت:قل،قال:

تسمّينه باسمي.قالت:و ما اسمك؟قال:الحرث،فسمّته عبد الحارث،و لم تعرفه أنّه إبليس.(1:400)

الأخفش: و أمّا قوله:(اثقلت)فيقول:صارت ذات ثقل،كما تقول:اتمرنا،أي صرنا ذوي تمر،و ألبنّا، أي صرنا ذوي لبن،و أعشبت الأرض،و أكمأت.و قرأ بعضهم (فلمّا اثقلت) .(2:539)

نحوه ابن الجوزيّ(3:301)،و البيضاويّ(1:380).

الطّبريّ: فلمّا صار ما في بطنها من الحمل الّذي كان خفيفا ثقيلا،و دنت ولادتها،يقال منه:أثقلت فلانة:إذا صارت ذات ثقل بحملها،كما يقال:أتمر فلان،إذا صار ذا تمر.(9:144)

مثله الزّجّاج(2:395)،و الطّوسيّ(5:61)، و البغويّ(2:257)،و ابن عطيّة(2:486)، و الفخر الرّازيّ(15:89)،و النّيسابوريّ(9:102)، و الخازن(2:266)،و أبو حيّان(4:440)،و ابن كثير (3:263).

النّحّاس: أي استبان حملها.(3:114)

الزّمخشريّ: حان وقت ثقل حملها،كقولك:

أقربت.و قرئ (اثقلت) على البناء للمفعول؛أي أثقلها الحمل.(2:136)

نحوه النّسفيّ(2:90)،و المراغيّ(9:138)،و محمّد جواد مغنية(3:434).

الطّبرسيّ: أي صارت ذات ثقل،كما يقال:أثمرت الشّجرة:صارت ذات ثمر.

و قيل:معناه دخلت في الثّقل،كما يقال:أصاف:

دخل في الصّيف،و أشتى:دخل في الشّتاء.و المعنى:لمّا كبر الحمل في بطنها و تحرّك و صارت ثقيلة به.

(2:508)

نحوه القرطبيّ(7:338)،و الشّربينيّ(1:544)، و شبّر(2:445).

أبو السّعود :إذ معناه فلمّا صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها.و لا ريب في أنّ الثّقل بهذا المعنى ليس مقابلا للخفّة بالمعنى المذكور،إنّما يقابلها الكرب الّذي يعتري بعضهنّ من أوّل الحمل إلى آخره دون بعض أصلا.(3:65)

نحوه الكاشانيّ(2:259)،و البروسويّ(3:

294)،و القاسميّ(7:2920).

الآلوسيّ: أي صارت ذات ثقل بكبر الحمل في بطنها،فالهمزة فيه للصّيرورة،كقولهم:أتمر و ألبن،أي صار ذا تمر و لبن.

و قيل:إنّها للدّخول في زمان الفعل،أي دخلت في زمان الثّقل كأصبح:دخل في الصّباح،و الأوّل أظهر.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن أبي السّعود](9:138)

عزّة دروزة :كناية عن دور الحمل الثّاني.(2:194)

ص: 422

الطّباطبائيّ: فَمَرَّتْ بِهِ أي استمرّت الزّوج بحملها تذهب و تجيء و تقوم و تقعد،حتّى نمت النّطفة في رحمها و صارت جنينا ثقيلا،أثقلت به الزّوج.(8:374)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(5:300)

عبد الكريم الخطيب :أى أنّه كلّما مرّ الزّمن بالجنين في بطن أمّه،نما و كبر و صار ذا أثر واضح في حياتها،يتغيّر به تركيبها الجسديّ،فتكبر بطنها،و يثقل خطوها.

و هنا يذكر كلّ من المرأة و الرّجل أنّ لهما ولدا محجبا في ستر الغيب،ستتمخّض عنه الأيّام،فيضرعان إلى اللّه أن يكون هذا الولد نبتة صالحة لهما في هذه الحياة،يجدان فيه قرّة العين،و ثلج الفؤاد.و قد قطعا على أنفسهما عهدا أن يحمدا اللّه و يشكرا له على تلك النّعمة.(5:538)

فضل اللّه :و كبر حملها و تحوّل إلى جنين كامل ينتظر لحظة الولادة،و بدأت الآلام،و بدأ الخوف على النّفس و على الجنين،رجعا إلى اللّه-أي الرّجل و المرأة-في دعاء متوسّل يحمل معنى العهد و الميثاق.(10:305)

المصطفويّ: أي فإذا جعلت الحمل و صيّرته ثقيلا في أثر التّغذية و الحفظ و التّربية،و توجّهت إلى أنّها حملت حملا ثقيلا في الظّاهر و المعنى،دعوا اللّه.(22)

مثقلة

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى...

فاطر:18

الفرّاء: يقول:إن دعت داعية ذات ذنوب قد أثقلتها إلى ذنوبها ليحمل عنها شيء من الذّنوب لم تجد ذلك،و لو كان الّذي تدعوه أبا أو ابنا.(2:368)

مثله ابن قتيبة(360)،و الماورديّ(4:468)، و الطّوسيّ(8:422).

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما الفرق بين معنى قوله:

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى و بين معنى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ؟

قلت:الأوّل في الدّلالة على عدل اللّه تعالى في حكمه،و أنّه تعالى لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها.

و الثّاني في أن لا غياث يومئذ لمن استغاث،حتّى أنّ نفسا قد أثقلتها الأوزار و بهظتها لو دعت إلى أن يخفّف بعض وقرها لم تجب و لم تغث،و إن كان المدعوّ بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ.(3:305)

نحوه أبو حيّان.(7:370)

الطّبرسيّ: أي و إن تدع نفس مثقلة بالآثام غيرها إلى أن يتحمّل عنها شيئا من إثمها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ.

(8:263)

نحوه ابن الجوزيّ(6:483)،و ابن كثير(5:577).

البيضاويّ: نفس أثقلتها الأوزار.(2:270)

نحوه النّسفيّ(3:338)،و الخازن(5:246)، و الشّربينيّ(3:321)،و أبو السّعود(5:278)، و المراغيّ(22:118)،و محمّد جواد مغنية(6:282).

النّيسابوريّ: أي نفس ذات حمل.(22:74)

ابن جزيّ الكلبيّ: و«المثقلة»الثّقيلة الحمل أو النّفس،الكثيرة الذّنوب.و المعنى أنّها لو دعت أحدا إلى أن يحمل عنها ذنوبها لم يحمل عنها،و حذف مفعول(ان

ص: 423

تدع)لدلالة المعنى و قصد العموم،و هذه الآية بيان و تكميل لمعنى قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.

(3:157)

مكارم الشّيرازيّ: (مثقلة)بمعنى الحامل لحمل ثقيل،و يقصد بها هنا حامل الوزر على عاتقه.(14:54)

مثقلون

1- أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ.

الطّور:40

القرطبيّ: مجهدون لما كلّفتهم به.(17:76)

البيضاويّ: محملون الثّقل،فلذلك زهدوا في اتّباعك.(2:427)

مثله البروسويّ(9:204)،و الآلوسيّ(27:38)، و المراغيّ(27:33)،و الطّنطاويّ(23:208)،و نحوه المشهديّ(10:44).

فضل اللّه :رازحون تحت الثّقل المادّيّ الّذي يلقى عليهم،فيهربون منك ليتخلّصوا منه،و لكنّك لا تفعل ذلك،لأنّك لم تسألهم أجرا على تبليغ الرّسالة.

(21:245)

مكارم الشّيرازيّ: و المثقل:مشتقّ من الاثقال، و معناه تحميل العبء و المشقّة،فبناء على هذا المعنى يكون المراد من الآية:ترى هل تطلب منهم غرامة لتبليغ الرّسالة إيّاهم،فهم لا يقدرون على أدائها،و لذلك يرفضون الإيمان؟!(17:176)

2- أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ.

القلم:46.

زيد بن عليّ: معناه:مولّون.(428)

الطّوسيّ: أي محملون.(10:89)

نحوه الطّبرسيّ.(5:340)

القشيريّ: أي:ليس عليهم كلفة مقابل ما تدعوهم إليه.(6:190)

الميبديّ: لا يطيقونه.(10:198)

مثله محمّد جواد مغنية(7:397)،و الحجازيّ(29:

19).

الشّربينيّ: أي ثقل حمل الغرامات عليهم في بذل المال،فثبّطهم ذلك عن الإيمان،و المعنى ليس عليهم كلفة في متابعتك،بل يستولون بالإيمان على خزائن الأرض، و يصلون إلى جنّات النّعيم.(4:365)

البيضاويّ: (مثقلون)بحملها،فيعرضون عنك.

(2:497)

مثله الكاشانيّ(5:215)،و المشهديّ(10:574)، و شبّر(6:267).

أبو السّعود :مكلّفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك.

(6:290)

نحوه البروسويّ(10:126)،و الآلوسيّ(29:

36)،و المراغيّ(28:43).

القاسميّ: أي من عزّة ذلك الأجر مثقلون،أي أثقلهم الأداء فتحاموا لذلك قبول نصيحتك،و تجنّبوا الدّخول فيما دعوتهم إليه.و المعنى:لم تطلب منهم على الهداية و التّعليم أجرا فيثقل عليهم حمله حتّى يثبّطهم عن الإيمان.(16:5907)

ص: 424

مكارم الشّيرازيّ: أي إذا كانت حجّتهم أنّ سماع دعوتك يستوجب أجرا مادّيّا كبيرا،و أنّهم غير قادرين على الوفاء به،فإنّه حديث كذب؛حيث إنّك لم تطالبهم بأجر،كما لم يطلب أيّ من رسل اللّه أجرا.(18:508)

اثّاقلتم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ... التّوبة:38

ابن عبّاس: اشتهيتم الجلوس على الأرض.(157)

مجاهد :دعوا إلى ذلك أيّام إدراك النّخل،و محبّة القعود في الظّلّ.(الماورديّ 2:362)

تثاقلتم إلى شهوات الدّنيا حين أخرجت الأرض ثمرها.(ابن الجوزيّ 3:437)

الضّحّاك: اطمأننتم إلى الدّنيا،فسمّاها أرضا لأنّها فيها.(الماورديّ 2:362)

زيد بن عليّ: معناه تثاقلتم.(209)

أبو عبيدة :(اثّاقلتم)مجاز«افتعلتم»من التّثاقل، فأدغمت التّاء في الثّاء فثقّلت و شدّدت.(الى الارض) أي أخلدتم إليها فأقمتم و أبطأتم.(1:260)

ابن قتيبة :أراد:تثاقلتم،فأدغم التّاء في الثّاء، و أحدث الألف ليسكّن ما بعدها.

و أراد:قعدتم و لم تخرجوا،و ركنتم إلى المقام.(186)

الطّبريّ: يقول:تثاقلتم إلى لزوم أرضكم و مساكنكم،و الجلوس فيها.[ثمّ ذكر صرف(اثّاقلتم) مفصّلا](10:133)

نحوه البغويّ.(2:348)

الزّجّاج: المعنى تثاقلتم.[إلى أن قال:]

و في اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ عندي غير وجه،منها:

أنّ معناه تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم،و منها:اثّاقلتم إلى شهوات الدّنيا.(2:447)

نحوه الميبديّ.(4:131)

الجبّائيّ: هذا الاستبطاء مخصوص بنفر من المؤمنين، لأنّ جميعهم لم يتثاقلوا عن الجهاد،فهو عموم أريد به الخصوص،بدليل أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ التّوبة:38.هذا استفهام يراد به الإنكار،و معناه آثرتم الحياة الدّنيا الفانية على الحياة في الآخرة الباقية في النّعيم الدّائم.(الطّوسيّ 3:30)

الطّوسيّ: و معنى قوله: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ قيل:فيه قولان:أحدهما:إلى المقام بأرضكم و وطنكم، الثّاني:لما أخرج من الأرض من الثّمر و الزّرع.

قال الحسن و مجاهد:دعوا إلى الخروج إلى غزوة تبوك بعد فتح مكّة و غزوة الطّائف،و كان أيّام إدراك الثّمرة و محبّة القعود في الظّلّ،فعاتبهم اللّه على ذلك.

و الآية مخصوصة بقوم من المؤمنين دون جميعهم، لأنّ من المعلوم أنّ جميعهم لم يكن بهذه الصّفة من التّثاقل في الجهاد،و هو قول الجبّائيّ.(5:255)

الزّمخشريّ: (اثّاقلتم) تثاقلتم،و به قرأ الأعمش، أي تباطأتم و تقاعستم،و ضمّن معنى الميل و الإخلاد، فعدّي ب«إلى».

و المعنى:ملتم إلى الدّنيا و شهواتها و كرهتم مشاقّ السّفر و متاعبه،و نحوه أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ الأعراف:176.

ص: 425

و قيل:ملتم إلى الإقامة بأرضكم و دياركم،و قرئ (أثّاقلتم) على الاستفهام الّذي معناه الإنكار و التّوبيخ.

فإن قلت:فما العامل في(اذا)و حرف الاستفهام مانعة أن يعمل فيه؟

قلت:ما دلّ عليه قوله:(اثّاقلتم)أو(ما)في(مالكم) من معنى الفعل،كأنّه قيل:ما تصنعون إذا قيل لكم،كما تعمله في الحال إذا قلت:ما لك قائما.(2:189)

مثله النّسفيّ(2:126)،و نحوه البيضاويّ(1:415).

ابن عطيّة: قرأ الأعمش فيما حكى المهدويّ و غيره (تثاقلتم) على الأصل،و ذكرها أبو حاتم (تتثاقلتم)بتاءين،ثمّ ثاء مثلّثة،و قال:هي خطأ أو غلط،و صوّب(تثاقلتم)بتاء واحدة و ثاء مثلّثة أن لو قرئ بها.

و قوله: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ عبارة عن تخلّفهم و نكولهم و تركهم الغزو،لسكنى ديارهم و التزام نخلهم و ظلالهم،و هو نحو من أخلد إلى الأرض.(3:34)

الطّبرسيّ: أي تثاقلتم و ملتم إلى الإقامة في الأرض الّتي أنتم عليها.[ثمّ حكى قول الجبّائيّ]

(3:30)

الفخر الرّازيّ: المرويّ عن ابن عبّاس أنّ هذه الآية نزلت في غزوة تبوك؛و ذلك لأنّه عليه السّلام لمّا رجع من الطّائف أقام بالمدينة و أمر بجهاد الرّوم،و كان ذلك الوقت زمان شدّة الحرّ،و طابت ثمار المدينة و أينعت، و استعظموا غزو الرّوم و هابوه،فنزلت هذه الآية.

قال المحقّقون:و إنّما استثقل النّاس ذلك لوجوه:

أحدها:شدّة الزّمان في الصّيف و القحط.

و ثانيها:بعد المسافة و الحاجة إلى الاستعداد الكثير الزّائد على ما جرت به العادة في سائر الغزوات.

و ثالثها:إدراك الثّمار بالمدينة في ذلك الوقت.

و رابعها:شدّة الحرّ في ذلك الوقت.

و خامسها:مهابة عسكر الرّوم.فهذه الجهات الكثيرة اجتمعت فاقتضت تثاقل النّاس عن ذلك الغزو،و اللّه أعلم.(16:59)

نحوه الخازن(3:76)،و النّيسابوريّ(10:88)، و القاسميّ(8:3154)،و طه الدّرّة(5:360).

القرطبيّ: قال المفسّرون:معناه اثّاقلتم إلى نعيم الأرض،أو إلى الإقامة بالأرض.و هو توبيخ على ترك الجهاد و عتاب على التّقاعد عن المبادرة إلى الخروج، و هو نحو من أخلد إلى الأرض.(8:140)

أبو حيّان :لمّا أمر اللّه رسوله بغزوة تبوك،و كان زمان جدب و حرّ شديد،و قد طابت الثّمار؛عظم ذلك على النّاس و أحبّوا المقام،نزلت عتابا على من تخلّف عن هذه الغزوة.[إلى أن قال:]

و قرأ الأعمش (تثاقلتم) و هو أصل قراءة الجمهور (اثّاقلتم) ،و هو ماض بمعنى المضارع،و هو في موضع الحال،و هو عامل في(اذا)أي مالكم تتثاقلون إذا قيل لكم:انفروا.

و قال أبو البقاء:الماضي هنا بمعنى المضارع،أي مالكم تتثاقلون،و موضعه نصب،أي أيّ شيء لكم في التّثاقل،أو في موضع جرّ على مذهب الخليل،انتهى.

و هذا ليس بجيّد،لأنّه يلزم منه حذف«أن»،لأنّه لا ينسبك مصدر إلاّ من حرف مصدريّ و الفعل،و حذف

ص: 426

«أن»في نحو هذا قليل جدّا أو ضرورة.و إذا كان التّقدير في التّثاقل فلا يمكن عمله في(اذا)لأنّ معمول المصدر الموصول لا يتقدّم عليه،فيكون النّاصب ل(اذا)و المتعلّق به في التّثاقل ما هو معلوم(لكم)الواقع خبرا ل(ما)[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

و الأظهر أن يكون التّقدير:ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم:انفروا،و حذف لدلالة(اثّاقلتم)عليه.

و معنى اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ: ملتم إلى شهوات الدّنيا حين أخرجت الأرض ثمارها،قاله مجاهد، و كرهتم مشاقّ السّفر.(5:41)

نحوه الآلوسيّ.(10:95)

ابن كثير :أي تكاسلتم و ملتم إلى المقام في الدّعة و الخفض و طيب الثّمار.(3:401)

الشّربينيّ: و معناه تباطأتم و ملتم عن الجهاد.

(1:613)

أبو السّعود :تباطأتم و تقاعستم،أصله:تثاقلتم، و قد قرئ كذلك،أي أيّ شيء حصل أو حاصل لكم،أو ما تصنعون حين قال لكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:انفروا،أي اخرجوا إلى الغزو في سبيل اللّه متثاقلين.على أنّ الفعل ماض لفظا مضارع معنى،كأنّه قيل:تتثاقلون.

فالعامل في الظّرف الاستقرار المقدّر في(لكم)أو معنى الفعل المدلول عليه بذلك.و يجوز أن يعمل فيه الحال،أي مالكم متثاقلين حين قيل لكم:(انفروا).

و قرئ (أثّاقلتم) على الاستفهام الإنكاريّ التّوبيخيّ،فالعامل في الظّرف حينئذ إنّما هو الأوّل(الى الارض)متعلّق ب(اثّاقلتم)على تضمينه معنى الميل و الإخلاد،أي اثّاقلتم مائلين إلى الدّنيا و شهواتها الفانية عمّا قليل،و كرهتم مشاقّ الغزو و متاعبه المستتبعة للرّاحة الخالدة،كقوله تعالى: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ الأعراف:176.

أو إلى الإقامة بأرضكم و دياركم،و كان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر،بعد رجوعهم من الطّائف استنفروا في وقت عسرة و قحط و قيظ،و قد أدركت ثمار المدينة و طابت ظلالها مع بعد الشّقّة و كثرة العدوّ،فشقّ عليهم ذلك.

و قيل:ما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في غزوة غزاها إلاّ ورّى بغيرها إلاّ في غزوة تبوك،فإنّه عليه الصّلاة و السّلام بيّن لهم المقصد فيها ليستعدّوا لها.(3:147)

نحوه البروسويّ.(3:429)

الكاشانيّ: تباطأتم مخلّدين إلى أرضكم و الإقامة بدياركم.(2:342)

نحوه المشهديّ.(4:190)

رشيد رضا :و التّثاقل:التّباطؤ،فهو ضدّ النّفر، لأنّه من الثّقل المقتضي للبطء،و هو يصدق على من لم يستجب لدعوة النّفير،و على من حاول أو استجاب متباطئا.[إلى أن قال:]

و قد عدّي ب«إلى»لتضمّنه معنى التّسفّل و الإخلاد إلى الأرض،و الميل إلى راحتها و نعيمها.(10:423)

الطّنطاويّ: «تثاقلتم»أدغمت التّاء في الثّاء فصارت ثاء ساكنة فدخلت ألف الوصل،و ضمّن «اثّاقل»معنى مال فعدّي ب«إلى»،أي ملتم إلى الدّنيا و شهواتها،و كرهتم مشاقّ السّفر و متاعبه،فملتم إلى

ص: 427

الإقامة بأرضكم و دياركم.[إلى أن قال:]

و هذا يدلّ على وجوب الجهاد على كلّ حال و في كلّ وقت،لا فرق بين الأشهر الحرم و غيرها.(5:108)

سيّد قطب :إنّها ثقلة الأرض،و مطامع الأرض، و تصوّرات الأرض،ثقلة الخوف على الحياة،و الخوف على المال،و الخوف على اللّذائذ و المصالح و المتاع،ثقلة الدّعة و الرّاحة و الاستقرار،ثقلة الذّات الفانية و الأجل المحدود و الهدف القريب،ثقلة اللّحم و الدّم و التّراب.

و التّعبير يلقي كلّ هذه الظّلال بجرس ألفاظه (اثّاقلتم)و هي بجرسها تمثّل الجسم المسترخي الثّقيل، يرفعه الرّافعون فى جهد،فيسقط منهم في ثقل،و يلقيها بمعنى ألفاظه: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ. و ما لها من جاذبيّة تشدّ إلى أسفل و تقاوم رفرفة الأرواح و انطلاق الأشواق.

(3:1655)

عزّة دروزة :أثقلتم مقاعدكم في الأرض.

و الجملة كناية عن عدم المسارعة إلى الاستجابة إلى دعوة النّفرة في سبيل اللّه و مقابلتها بالبطء و التّثاقل.

(12:140)

محمود صافي: تدعو هذه الآية المؤمنين إلى أن ينفروا في سبيل اللّه،و تبيّن حالة التّثاقل الّتي تعتريهم عند ذلك.

و يستعمل القرآن الكريم الفعل(اثّاقلتم)،و إذا تدبّرنا هذا الفعل بجرسه و إيحائه،فإنّنا نراه يعبّر عن حالة التّباطؤ و الالتصاق بالأرض،الّتي تعتري الإنسان عند ما يدعى إلى أمر ثقيل على نفسه،و نكاد نشعر بجرس هذا الفعل و إيحائه أنّه يصوّر ذلك الجسم الثّقيل المشدود إلى الأرض،و نحن نحاول إنهاضه،و لكنّه يفلت من يدنا و يعود ليلتصق بالأرض.

و تأتي الثّاء المشدّدة في أوّل الفعل،لتشارك في رسم هذه الحالة و إبرازها،و لو استبدلنا بالفعل«تثاقلتم» الفعل(اثّاقلتم)الوارد في الآية لتلاشى ذلك الجرس و الإيحاء و قوّة التّعبير،و انطفأت القوّة السّارية في معنى هذا الفعل،و هذا جانب من جوانب إعجاز كلام اللّه عزّ و جلّ،و تميّزه عن كلام البشر.(9:339)

المراغيّ: الخطاب للمؤمنين في جملتهم تربية لهم بما لعلّه وقع من منافقيهم و ضعفائهم،أي يا أيّها الّذين آمنوا ما الّذي عرض لكم ممّا يخلّ بالإيمان أو بكماله،من التّثاقل و التّباطؤ عن النّهوض بما طلب منكم،و إخلادكم إلى الرّاحة و اللّذّة،حين قال لكم الرّسول:انفروا في سبيل اللّه،لقتال الرّوم الّذين تجهّزوا لقتالكم و القضاء على دينكم الحقّ الّذي هو سبيل سعادتكم؟

فآية صدق الإيمان بذل النّفس و المال في سبيل اللّه كما قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحجرات:15.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ](10:119)

نحوه الحجازيّ.(10:45)

الطّباطبائيّ: (اثّاقلتم)أصله:تثاقلتم،على وزان «ادّاركوا»و غيره،و كأنّه أشرب معنى الميل و نحوه فعدّي ب«إلى».

و قيل: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أي ملتم إلى الأرض متثاقلين،أو تثاقلتم مائلين إلى الأرض،و المراد بالنّفر في

ص: 428

سبيل اللّه:الخروج إلى الجهاد.(9:278)

محمّد جواد مغنية:و لمّا استنفر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله المسلمين لغزوة تبوك شقّ ذلك على البعض منهم، و آثروا الميل إلى الخلود و الإقامة في أرضهم و بيوتهم، و كان من عادة النّبيّ إذا خرج إلى غزوة أن يوهم النّاس أنّه خارج إلى غيرها،لمصلحة الحرب الّتي تستدعي الكتمان،و لكنّه صرّح بهذه الغزوة ليكون النّاس على بصيرة ممّا يلاقيه فيها من المشاقّ و المصاعب.

و اعتذر بعض المفسّرين عمّن تباطأ و تثاقل بأنّ الوقت كان شديد الحرارة،و النّاس في ضيق من قلّة الطّعام،و بأنّ ثمار المدينة كان قد تمّ صلاحها،و آن وقت قطافها.و مهما يكن فإنّ الخطاب-بطبيعة الحال-موجّه إلى المتثاقلين عن الجهاد.(4:44)

فضل اللّه :فجذبتكم إليها،كما لو كانت هناك أثقال شديدة تشدّكم إلى الأسفل،من الإخلاد إلى الأرض و الاستكانة إليها،و الاستسلام لقضاياها المادّيّة، و قيمتها الحيوانيّة،و التّطلّع إلى شهواتها،كغاية تتطلّع إليها الحياة،بعيدا عن كلّ عوامل السّموّ و الانفتاح الّتي تجعل الإنسان يحلّق في السّماء؛حيث النّور و الخير و الإيمان،كآفاق للحياة و الحركة و الانطلاق،في ما يوحيه ذلك من التّمرّد على كلّ هذه الأثقال المادّيّة الّتي تثقل قلبه و روحه و ضميره،و في ما يثيره في نفسه من معان روحيّة تمدّه بالإشراق و الحبّ و الإيمان.

(11:111)

مكارم الشّيرازيّ: (اثّاقلتم)فعل مشتقّ من الثّقل و معناه واضح؛إذ هو خلاف الخفيف.و جملة (اثّاقلتم)كناية عن الرّغبة في البقاء في الوطن،و عدم التّحرّك نحو سوح الجهاد،أو الرّغبة في عالم المادّة و اللّصوق بزخارفها و الانشداد نحو الدّنيا.

و على كلّ حال فالآية تخاطب الّذين كانوا على هذه الحال من المسلمين-ضعاف الإيمان-لا جميعهم،و لا المسلمين الصّادقين،و عاشقي الجهاد في سبيل اللّه.

(6:51)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الثّقال على عشرة أوجه:

الزّاد،الكنوز و الأموات،الشّدّة،العظيم في القدر، التّرجيح،الأوزار،الثّقل بعينه،الرّكون،الشّيوخ و المعيل، الجنّ و الإنس.

فوجه منها:الأثقال،يعني الزّاد،قوله في سورة النّحل:7 وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ الآية.

و الوجه الثّاني:الأثقال:الكنوز و الأموات،قوله في سورة الزّلزال:2 وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها أي كنوزها و أمواتها.

و الوجه الثّالث:الثّقيل:الشّديد،قوله في سورة الدّهر:27 وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً أي شديدا.

و الوجه الرّابع:الثّقيل،أي العظيم في القدر و الجلال، قوله في سورة المزّمّل:5 إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً أي عظيما في القدر،قال الحسن:العمل به،و قال مجاهد:الحلال و الحرام.

و الوجه الخامس:الثّقل،يعني الرّجحان،قوله في سورة المؤمنون:102 فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أي

ص: 429

رجحت،كقوله في القارعة:6 فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ، و نحوه كثير.

و الوجه السّادس:أثقالا،يعني أوزارا،فذلك قوله في سورة العنكبوت:13 وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ يعني أوزارهم،و ذلك قوله: وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ يعني و أوزارا مع أوزارهم.

و الوجه السّابع:الثّقل بعينه،قوله في سورة الأعراف:57 سَحاباً ثِقالاً يعني بالماء سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ قوله فيها:189 فَلَمّا أَثْقَلَتْ يعني ثقل الولد في بطنها،و يقال:استبان حملها.

و الوجه الثّامن:الثّقل:الرّكون،قوله في سورة التّوبة:

39 اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ يعني ركنتم إلى أطيب المدينة و الجلوس بها.

و الوجه التّاسع:الثّقال:الشّيوخ و أصحاب العيال، قوله في سورة التّوبة:41 اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً يعني بالثّقال:الشّيوخ.

و الوجه العاشر:الثّقلان:الجنّ و الإنس،قوله في سورة الرّحمن:31 سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ يعني الجنّ و الإنس.(203)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّقل،و هو نقيض الخفّة، يقال:ثقل الشّيء يثقل ثقلا و ثقالة فهو ثقيل،و الجمع:

أثقال.و ثقّل فلان الشّيء:جعله ثقيلا،و أثقله:حمّله ثقيلا،و استثقله:رآه ثقيلا،و ثقل الشّيء يثقله بيده ثقلا:راز ثقله،يقال:ثقلت الشّاة،أي رزتها.

و الثّقل:الحمل الثّقيل،و الوزن،يقال:أعطه ثقله، أي وزنه،و الجمع:أثقال.

و المثقال:مقدار من الوزن،و الجمع:مثاقيل، و مثقال الشّيء:ميزانه،يقال:ألقى عليه مثاقيله،أي مئونته و ثقله.

و المثقّلة:رخامة يثقّل بها البساط.

و الثّقلة:أثقال القوم،يقال:ارتحل القوم بثقلتهم و ثقلتهم و ثقلتهم و ثقلتهم،أي بأمتعتهم و بأثقالهم كلّها.

و الثّقل:المتاع و الحشم،و الجمع:أثقال.

و أثقلت المرأة:ثقل حملها في بطنها فهي مثقل.

و الثّقلة:ما وجد الرّجل في جوفه من ثقل الطّعام.

و تثاقل القوم:استنهضوا لنجدة فلم ينهضوا إليها، و التّثاقل:التّباطؤ من التّحامل في الوطء،يقال:لأطأنّه وطء المتثاقل،و تثاقل عنه:ثقل،و المستثقل:الثّقيل من النّاس،و بعير ثقال:بطيء.

و الثّقلة:نعسة غالبة،و قد أثقله النّوم،فهو مثقل و مستثقل.

و ثقل الرّجل ثقلا:اشتدّ مرضه فهو ثاقل و ثقيل، يقال:أصبح فلان ثاقلا،و قد أثقله المرض فهو مثقل.

و ثقل إلى الأرض:أخلد إليها و اطمأنّ فيها.

و رجل ثقل:رزين،يقال:فيه ثقل،و هو ثاقل.

و امرأة ثقال:رزان مكفال.

و الثّقل:الشّيء النّفيس الخطير المصون،و أصله بيض النّعام المصون،و هو السّيّد العزيز أيضا،و الجمع:

أثقال.

و الثّقلان:الجنّ و الإنس،سمّيا بذلك لأنّهما كالثّقل

ص: 430

للأرض و عليها،و هما كتاب اللّه و عترة رسوله أيضا، لأنّهما عظيما الشّأن و نفيسان،و منه حديث الثّقلين:

الكتاب و العترة.

2-و يعتبر الثّقل في علم الطّبيعة:القوّة الّتي تحرّك الجزئيّات المادّيّة،و عرّفه الطّبيعيّون بأنّه القوّة الّتي بواسطتها تسقط الأجسام متى تركت و نفسها.و ينتج الثّقل من جاذبيّة الأرض الّتي تحرّك جميع الأجسام.

3-ما أشدّ وطأة الثّقل!فهو شديد على الإنسان في يقظته و نومه،و صحّته و سقمه،و سفره و حضره،و جوعه و شبعه،و باطنه و ظاهره.ناهيك من لفظ«الثّقل»؛إذ تلحظ وطأة التّلفّظ به على اللّهاة و أقصى الحنك الأعلى و طرف اللّسان و رءوس الثّنايا العليا و أصولها.

كما هو شديد على الأرض و ما في حوزتها،من برّ و بحر، و حجر و مدر،و ريح و مطر،و ذخائر و مقابر،و نبات و حيوان...

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا ماضيا مجرّدا:4 مرّات،و مزيدا من باب الإفعال مرّة.و من باب التّفاعل.و مرّة،صفة بألفاظ متفاوتة مرّات عديدة:

1- وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الأعراف:8

2- فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

المؤمنون:102

3- فَأَمّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة:6،7

4- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... الأعراف:187

5- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ الأعراف:189

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ التّوبة:38

7- أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً المزّمّل:4،5

8- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً الدّهر:27

9- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ الرّعد:12

10- وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الأعراف:57

11- اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ التّوبة:41

12- وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى...

ص: 431

فاطر:18

13،14- أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ القلم:46،و الطّور:40

15- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ الرّحمن:30،31

16- وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ

العنكبوت:13

17- وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ النّحل:7

18- إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:1،2

19- إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً النّساء:40

20- وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ يونس:61

21- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ سبأ:3

22- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ ما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ سبأ:22

23- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزّلزال:7

24- وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:8

يلاحظ أوّلا:أنّ مادّة«ثقل»وضعت للثّقل المادّيّ، ثمّ توسّع استعمالها إلى الثّقل المعنويّ،ككثير من الموادّ اللّغويّة،و قد جاءت في القرآن بالمعنيين عبر محورين:

المحور الأوّل:الثّقل المادّيّ و هو الأقلّ ورودا،و جاء على أنحاء:

1-ما هو صريح فيها مثل«الأثقال»في(16) و(17): وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ، وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ، و هي الأمتعة الثّقيلة الّتي تحملها الدّوابّ من بلد إلى بلد.

و عليها حملت(18): وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها، فالمراد بها ما في جوف الأرض من الأموات و المعادن و الفلزّات على اختلاف بينهم،فأيّ أريد بها فهي أجسام ثقال.

2-ما هو قريب من الصّريح مثل«الثّقال»في(9) و(10)وصفا للسّحاب: وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ، سَحاباً ثِقالاً، فهي السّحاب الّذي أثقل بالماء،و به يفسّرونه،و لعلّه تشبيه بالمرأة الحامل في«أثقلت»الآتي.

و أمّا الآية(11): خِفافاً وَ ثِقالاً فقد فسّروها -كما يأتي-بوجوه ترجع إلى الثّقل المعنويّ.

3-و من هذا القبيل الآية(5): فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ...، أي صارت ذا ثقل،و هذا من معاني باب«الإفعال»،مثل:

أثمرت الشّجرة،أي صارت ذا ثمر،فجاء الثّقل هنا مقابل الخفّة،و كلاهما جسمانيّ.و قد فسّروها بلوازمها،مثل:

دنت ولادتها،و استبان حملها،و حان وقت ثقل حملها، و دخل في الثّقل،مثل:أصاف،أي دخل في الصّيف، و أصبح،أي دخل في الصّباح،و كبر حملها و تحوّل إلى

ص: 432

جنين كامل.

4-و منه الآية(6): اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، أي تثاقلتم إليها،و قد فسّروها بلوازمها أيضا:قعدتم و لم تخرجوا و ركنتم إلى المقام،و تثاقلتم إلى لزوم أرضكم و مساكنكم و الجلوس فيها،أو إلى الإقامة بأرضكم و وطنكم،أو إلى الشّهوات،أو تخلّفتم و نكلتم و تركتم الغزو،أو آثرتم الحياة الدّنيا الفانية على الحياة الآخرة الباقية،أو تباطأتم و تقاعستم،أو ملتم إلى الإقامة فيها.

و في هذه الآية بحوث:

أ-إنّ(اثّاقلتم)ضمّن معنى«ملتم»،فلهذا عدّي ب«إلى»،مثل: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ الأعراف:176.

ب-إنّ أصلها«اتثاقلتم»بهمزة الاستفهام،بالفتح في قراءة فأدغمت«التّاء»في«الثّاء»فشدّدت.

ج-إنّها استفهام معناه الإنكار و التّوبيخ،و كذلك الاستفهام في أوّلها: ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ.

د-العامل في(اذا)الفعل المفهوم من(مالكم)،أي ما تصنعون إذا قيل لكم؟أو ما دلّ عليه(اثّاقلتم).

ه-و قد قرئت«تثاقلتم»و«تتثاقلتم»،و لم يذكرهما الطّبريّ،و ليستا بمتواترين.

و-قال بعضهم-كما حكى الطّوسيّ-إنّ هذا الاستبطاء صدر عن بعض المؤمنين دون جميعهم،فهو عموم أريد به الخصوص.

و كان عذرهم شدّة الحرّ و إدراك الثّمار،و استعظام غزو الرّوم،و شدّة الزّمان و القحط،و بعد المسافة، و الحاجة إلى الاستعداد الكثير الزّائد على ما جرت به العادة في سائر الغزوات و نحوها.

و الظّاهر أنّهم كانوا من الخزرج أتباع عبد اللّه بن أبيّ رأس المنافقين،الّذين تخلّفوا في«أحد»و في مواقف أخرى،إلاّ أنّ اللّه تعالى لم ير مصلحة في بدء نكولهم أن يخصّهم بالعذاب و يرميهم بالنّفاق،كما فعل بهم بعد الحرب و حكم عليهم بالكفر يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ التّوبة:73.و هذه الآيات نزلت في شأن هؤلاء المنافقين من الخزرج و غيرهم القاطنين داخل المدينة،ثمّ بدأ بالأعراب خارج المدينة: اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً... 97،101.

لكنّ اللّه استثنى المهاجرين و الأنصار،كي لا تشملهم هذه الآيات،فقال: وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ التّوبة:

100،ثمّ تعرّض لحال التّائبين منهم في الآيات(102، 105)من هذه السّورة.و رجع ثانية إلى المنافقين الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا في الآيات(107،110).و هكذا تتداخل أحوال هؤلاء و أولئك إلى آخر السّورة.فأعطى اللّه كلّ فرقة حقّها،فلا تغفل،و لا تحكم على كلّ منهما بحكم واحد،لاحظ«المهاجرين»و«الأنصار».

المحور الثّاني:الثّقل المعنويّ،و هو على أنحاء أيضا:

1-منه ما هو ظاهر في الحرج و المشقّة،محتمل لثقل الكرامة،مثل:(7): إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً، نزلت في شأن القرآن،و قد فسّروها بوجوه،مثل:

شديد بالأمر و النّهي و الوعد و الوعيد و الحلال و الحرام، أو العمل به ثقيل،أو ثقيلة فرائضه و سننه،أو ثقيل حمله لمشقّة فيه،أو ثقيل على المنافقين،أو ثقيل لا يحمله إلاّ

ص: 433

قلب مؤيّد بالتّوفيق،و نفس مؤمنة و نحوها.

و احتملوا فيه الثّقل في الكرامة لقولهم:فلان ثقيل عليّ،أي كريم عليّ.قال الرّضيّ:«و هذه استعارة...و المراد بها صفة القرآن بعظم القدر و رجاحة الفصل...».و كذلك ثقيل في الميزان،خفيف في اللّسان، أو ثقيل في ميزان الحقّ.

و هاهنا بحث في أنّه يخصّ النّبيّ أو يعمّ غيره،فقوله:

سَنُلْقِي عَلَيْكَ يصرفه إليه،فقد كان ثقيلا عليه عند تلقّيه الوحي-كما جاء في النّصوص فيرجع إلى الثّقل المادّيّ-أو ثقيل عليه حفظه و إبلاغه و نحوها،لاحظ نصوص الفخر الرّازيّ،و سيّد قطب،و الطّباطبائيّ،ففيها القول الفصل.

و منهم من عمّمها،فقال محمّد جواد مغنية:«القرآن ثقيل بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى:هو ثقيل في إعجازه و خلوده،و في عقيدته و شريعته،و في حربه و نضاله...»،و نحوه السّيّد فضل اللّه،لاحظ القرآن».

2-و منه ما هو صريح في الحرج و المشقّة،لا يحتمل غيره،وصفا له بنفسه أو بمتعلّقه:

مثل الآية(8): وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً، أي ثقيل هو لشدّته،أو ثقيل حسابه،أو قصاصه،أو ميزانه،أو تبعاته كلّها.و قال ابن عطيّة:«إنّه بمعنى ذا ثقل،فالوصف للنّسب».مثل فعله:(أثقل).

و من هذا القبيل الآية(12): وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، أي نفس ذات ذنوب،حرجة من حملها،لا يحملها غيره.

و فيها نكتة،و هي أنّ الفرق بينها و بين صدر الآية وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى عند الزّمخشريّ أنّ صدرها يدلّ على عدل اللّه؛حيث لا يؤاخذ نفسا بغير ذنبها،و ذيلها يدلّ على أن لا غياث يومئذ لمن استغاث، فلا يحمل ذنوبها غيره.

و عندنا أنّ صدرها و ذيلها ينفيان الغياث،و الحمل لفظا،و المؤاخذة معنى،و أنّ ذيلها تفسير لصدرها، فلاحظ.

و من هذا القبيل أيضا الآية(13): فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ، أي في حرج من حمل الغرامات،و في كلفة ممّا تدعوهم إليه،و معلوم أنّه حرج معنويّ لا جسمانيّ.

و هاهنا نكتة،و هي أنّ(مثقلون)و(مثقلة)في هاتين الآيتين اسم مفعول من«أثقل»المتعدّي،يقال:

أثقله المرض،قال الخليل :«المثقل:الّذي حمّل فوق طاقته»،و ليس من:(أثقلت المرأة)فهو لازم.لكنّ الخليل قال في وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها: «أي هي حاملة أوزارا و خطايا»،فجعلها من:«أثقلت المرأة» و عندنا أنّه من:أثقله المرض،فتأمّل.

و منه الآية(11): اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً، فإنّها- كما تقدّم-و إن احتملت الثّقل المادّيّ،أو مع خفّة البعير و ثقله،أو مع الجهاز و بدونه،إلاّ أنّ أكثرهم حملوه على المعنويّ فقالوا:خفافا من الأتباع و ثقالا بهم،أو خفافا من العيال،و ثقالا معهم،أو شبّانا و شيوخا،أو ناشطين و غير ناشطين،أو خفافا و هم أهل الميسرة،و ثقالا و هم أهل العسرة،أو رجّالة و ركبانا،أو ذوو شغل و صنعة و ضيعة،فهو ثقيل و غيره خفيف،أو شجاع فهو ضعيف، و جبان فهو ثقيل،أو أصحّاء و مرضى،أو خفافا إلى

ص: 434

الطّاعة و ثقالا عن المعصية،أو خفافا إلى المبارزة و ثقالا في المصابرة و نحوها.و الأوّل-و هو الثّقل المادّيّ-أقرب.

3-و منه ما هو ظاهر في ثقل الكرامة،محتمل للثّقل المادّيّ،أو للحرج و المشقّة مثل الآيات:(1-3)،و جاء فيها ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ، و خَفَّتْ مَوازِينُهُ. و قد فسّر أكثرهم الوزن بالمحاسبة و الثّقل و الخفّة برجحان العمل و حسنه و ضدّهما.فالوزن فيها،و ثقل الأعمال و خفّتها كلّها معنويّة،قال الإمام الصّادق عليه السّلام فيه:«فمن رجح عقله».و احتمل بعضهم فيها الوزن المادّيّ بحملها على وزن صحائف الأعمال،مع أنّ الصّحائف لا يعلم أ هي أوراق أم علوم؟

و من قال من المتكلّمين بتجسّم الأعمال يوم القيامة -كما دلّت عليه الرّوايات-فتيسّر له حملها على الثّقل المادّيّ،لاحظ كلمة(الميزان)في«وزن».

و من هذا القبيل الآية(15): سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ، و لا شكّ أنّهما الإنس و الجنّ،لأنّهما المخاطبان في سورة الرّحمن.بيد أنّ الكلام في وجه تسميتهما بالثّقلين،و القول الرّاجح أنّه لعظم شأنهما،كما جاء في حديث الثّقلين.

و هناك قول بأنّهما مثقّلان بالذّنوب أو بالتّكاليف، فيرجع إلى الحرج،أو هما ثقيلان على الأرض،فيرجع إلى الثّقل المادّيّ الموجود في الإنس،و قالوا:إطلاقه على الجنّ من باب التّغليب.

و من هذا القبيل الآية(4)في وصف القيامة:

ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، أي عظمت و كبرت على أهل السّماوات و الأرض،أو عظم العلم بقيامها عليهم لخفائها.و قيل:شقّت عليهم،لأنّهم يتوقّعونها و يخافون شدائدها و أهوالها،فيرجع إلى الحرج.

4-ما ظاهره الوزن المادّيّ،أطلق على الأعمال و جزائها استعارة في الآيات(19-24).و هو ظاهر في مثل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، و المراد بها قليل من العمل و جزائه،و في إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ.

و محتمل في وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ... و لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ، لو أريد بها الأعمال،و لو أريد بها أنّ النّاس لا يملكون شيئا في السّماوات و الأرض، فالمراد به الثّقل المادّيّ و نحوه،و هو الظّاهر.

و فيها نكات:

أ-المثقال في اللّغة:اسم آلة لما يوزن به الشّيء، و شاع استعماله في وزن خاصّ مقدّر بقدر قليل،و أريد به في الآيات وزن قليل من دون تقدير.

ب-أضيف(مثقال)فيها إلى(ذرّة)دائما:(مثقال ذرّة)،و صار مثلا قرآنيّا ساريا في كلّ شيء قليل،أي وزن ذرّة،أو ثقل ذرّة،و قالوا:الذّرّة:النّملة الصّغيرة، و هي من مصاديقها،لاحظ«ذ ر ر»

ج-قال الزّجّاج:الأعمال لا وزن لها،لكنّ النّاس خوطبوا فيما تنطوي عليه قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم،لأنّ ما يبصر أبين لهم،و هذا بيان للاستعارة المذكورة.

د-قال المشهديّ في إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ:

«المثقال:من المثقل،و في ذكره إيماء إلى أنّه و إن صغر قدره،عظم جزاؤه؛حيث أثبت للذّرّة ثقلا.و إيماء إلى أنّ وضع الشّيء في غير محلّه و إن كان صغيرا فهو عظيم ثقيل في القبح»،و هذا جار في جميع الآيات.

ص: 435

ص: 436

ث ل ث

اشارة

في 20 سورة:12 مكّيّة،8 مدنيّة

13 لفظا،32 مرّة:11 مكّيّة،21 مدنيّة

ثلاث 6:4-2 ثلثه 1:-1

ثلاث 2:1-1 ثلاثون 1:-1

الثّلثان 1:-1 ثالث 2:1-1

ثلاثة 12:3-9 ثلثا 1:-1

الثّلث 2:-2 ثلاثين 1:1

ثلثي 1:-1 الثّالثة 1:1

الثّلاثة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

كعب الأحبار: أنّه قال لعمر:أنبئني ما المثلث؟ فقال عمر:و ما المثلث،لا أبا لك؟فقال:هو الرّجل يمحل بأخيه إلى إمامه،فيبدأ بنفسه فيعنتها ثمّ بأخيه،ثمّ بإمامه،فذلك المثلث،و هو شرّ النّاس.

(الأزهريّ 15:60)

الخليل: الثّلاثة:من العدد.

و ثلثت القوم أثلثهم ثلثا،إذا أخذت ثلث أموالهم.و قد يقال:ثلثت الرّجلين،أي كانا اثنين فصرت لهما ثالثا.

و ثلاث و مثلث لا تدخل عليهما اللاّم و لا يصرفان.

و المثلّث من الأشياء:ما كان على ثلاثة أثناء.

و المثلوث من الحبل:ما كان على ثلاث قوى،و كذلك ما ينسج و يضفر،و المضفور و المفتول.

و المثلوث:ما أخذ ثلثه.

و الثّلاثاء:لمّا جعل اسما جعلت الهاء الّتي كانت في العدد مدّة،فرقا بين الحالين،و كذلك الأربعاء من الأربعة،فهذه الأسماء جعلت بالمدّ توكيدا للاسم،كما قالوا:حسنة و حسناء،و قصبة و قصباء؛حيث ألزموا النّعت إلزام الاسم،و كذلك الشّجراء و الطّرفاء،و كان في الأصل نعتا فجعل اسما،لأنّ حسنة نعت،و حسناء اسم من الحسن موضوع،و الواحد من كلّ ذلك بوزن «فعلة».

ص: 437

و إذا أرسلت الخيل في الرّهان،فالأوّل السّابق،و الثّاني المصلّي لأنّه يتلو أصلا الّذي قبله،ثمّ يقال بعد ذلك:ثلث و ربع و خمس.[ثمّ استشهد بشعر].

و الثّليث في وجه:واحد الثّلث.و لكنّ أحسن ما تكلّمت به العرب أن يقال:عشر و ثلث،و كذلك المثلاث و المثلث،كقولك:جاءوا مثلث مثلث،و موحد موحد،و مثنى مثنى،لا يجرّ،و كذلك ثلاث ثلاث،و رباع رباع،أي ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة،لا يجرّ.

و الثّلاثيّ: ما نسب إلى ثلاثة أشياء،أو كان طوله ثلاثة أذرع،ثوب ثلاثيّ و رباعيّ.

و غلام ثلاثيّ و رباعيّ و خماسيّ،و لا يقال:

سداسيّ،لأنّه إذا تمّت له ستّة أشبار صار رجلا.

و الثّلث في الإبل:ظمء يومين بعد شربين،و لكن لم يستعمل إنّما يخرج في القياس على الأظماء.(2148)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقال:أحاد و ثناء و ثلاث و رباع و خماس،و كذلك إلى العشرة،و يقال،موحد و مثنى و مثلث و مربع.(ابن السّكّيت:590)

الفرّاء: قالوا:كانوا اثنين فثلثتهما،و هذا ممّا كان النّحويّون يختارونه.(الأزهريّ 15:16)

كساء مثلوث:منسوج من صوف و وبر و شعر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:61)

تثنية الثّلاثاء:ثلاثاءان.(الصّغانيّ 1:354).

أبو عبيدة :و تقول:كانوا تسعة و عشرين فثلثتهم،أي صرت بهم تمام ثلاثين.و كانوا تسعة و ثلاثين فربعتهم،مثل لفظ الثّلاثة و الأربعة،و كذلك إلى المائة.(الجوهريّ 1:274)

أبو زيد: النّاقة إذا يبس ثلاثة أخلاف منها،فهي ثلوث.(الأزهريّ 15:61)

يقال:في العشر عشير،و في التّسع تسيع،و كذلك من العشرة إلى الخمسة.و لا يقال:ربيع و ثليث.(ابن السّكّيت:588)

الأصمعيّ: الثّليث،بمعنى الثّلث،و لم يعرفه أبو زيد.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:61)

و ليس في الورد ثلث،لأنّ أقصر الورد الرّفه،و هو أن تشرب الإبل كلّ يوم،ثمّ الغبّ و هو أن ترد يوما و تدع يوما،فإذا ارتفع من الغبّ فالظّمء الرّبع ثمّ الخمس،و كذلك إلى العشر.(الجوهريّ 1:275)

أبو عبيد: و لم أسمع في سوابق الخيل ممّن يوثق بعلمه اسما لشيء منها إلاّ الثّاني و العاشر،فإنّ الثّاني اسمه المصلّي و العاشر السّكّيت،و ما سوى ذينك،إنّما يقال:

الثّالث و الرّابع،و كذا إلى التّاسع.(الأزهريّ 15:62)

ابن الأعرابيّ: إذا ملأت النّاقة ثلاثة آنية،فهي ثلوث.(الأزهريّ 15:61)

الثّلوث:الّتي لها ثلاثة أخلاف.

(الأزهريّ 15:62)

و ناقة ثلوث:يبست ثلاثة من أخلافها،و قيل:هي الّتي صرم أحد أخلافها،و ذلك أن يكوى بنار حتّى ينقطع،و يكون وسما لها.

و الثّلوث أيضا:الّتي تملأ ثلاثة أقداح إذا حلبت،و لا يكون أكثر من ذلك،يعني لا يكون الملء أكثر من ثلاثة.

و الثّلاثة،بالضّمّ:الثّلاثة.(ابن سيده 10:130)

ابن السّكّيت: و تقول:ثلثت القوم فأنا أثلثهم،إذا

ص: 438

كنت لهم ثالثا.فإذا أخذت ثلث أموالهم أو ربعها أو خمسها ضممت ثالث المستقبل،فتقول:ثلثتهم أثلثهم.(588)

و مثلث مثلث،غير مصروف لأنّه معدول عن جهته.(590)

هو ثالث ثلاثة،و هي ثالثة ثلاث،فإذا كان فيه مذكّر،قلت:هي ثالث ثلاثة،فيغلب المذكّر المؤنّث.(الأزهريّ 15:60)

ناقة ثلوث،إذا أصاب أحد أخلافها شيء فيبس.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:62)

يقال:هو ثالث ثلاثة،مضاف،إلى العشرة،و لا ينوّن،فإن اختلفا فإن شئت نوّنت و إن شئت أضفت.(الجوهريّ 1:276)

الدّينوريّ: الثّلثان،مثال الظّربان:شجرة عنب الثّعلب،أخبرني بذلك بعض الأعراب،و هو الرّبرق أيضا،و هو ثعالة،و سمعت غيره يقول:الثّلثان.

(الصّغانيّ 1:354)

شمر: [مثل كعب و أضاف:]

هكذا رواه البكراويّ عن أبي عوانة،بالتّخفيف «مثلث»و إعرابه بالتّشديد مثلّث،من تثليث الشّيء.

(الأزهريّ 15:60)

ثعلب :و أثلث القوم:صاروا ثلاثة.

(ابن سيده 1:129)

ابن دريد :و ثلاثاء من الأيّام معروف.

(3:408)

الأزهريّ: و يقال:فلان ثالث ثلاثة،مضاف.

و كانوا أحد عشر فثنيتهم،و معي عشرة فأحدهنّ ليه،و اثنيهنّ و اثلثهنّ،هذا فيما بين اثني عشر إلى العشرين.

و تقول:هو ثالث ثلاثة عشر،تعني هو أحدهم،و في المؤنّث:هو ثالث ثلاث عشرة،لا غير،الرّفع في الأوّل.

و تقول:هو ثالث عشر،و ثالث عشر،بالرّفع و النّصب إلى تسعة عشر.

فمن رفع قال:أردت:ثالث ثلاثة عشر،فحذفت الثّلاثة و تركت ثالثا على إعرابه.

و من نصب قال:أردت:ثالث ثلاثة عشر،فلمّا أسقطت منها الثّلاثة ألزمت إعرابها الأوّل،ليعلم أنّ هاهنا شيئا محذوفا.

و مزادة مثلوثة،من ثلاثة آدمة.

و يقال للنّاقة الّتي صرّ خلف من أخلافها و تحتلب من ثلاثة أخلاف:ثلوث أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:مثلث مثلث،و موحد موحد،و مثنى مثنى، مثل ثلاث ثلاث.

و المثلوث من الحبال:ما فتل على ثلاث قوى،و كذلك ما ينسج أو يضفر.

و الثّلاثاء:اسم مؤنّث ممدود،و علامة التّأنيث المدّة المجهولة،و التّثنية:و الثّلاثاوان،و الجمع:الثّلاثاوات،و الأثالث،في الكثير.

و يقال:مضت الثّلاثاء بما فيها،و مضى الثّلاثاء بما فيه،و مضت أيضا الثّلاثاء بما فيهنّ،مرّة ترجع إلى اللّفظ و مرّة إلى المعنى.

ص: 439

و يقال:اليوم الثّلاثاء،و اليوم يوم الثّلاثاء،و هذان يوما الثّلاثاء،و هؤلاء أيّام الثّلاثاء.و إن شئت:هذه أيّام الثّلاثاء.

و يقال:رميناهم بثالثة الأثافي،إذا رمي القوم بأمر عظيم.

و ثالثة الأثافي:ركن الجبل تركّب القدر على ذلك الرّكن و على إثفيّتين.

و يقال:لوضين البعير:ذو ثلاث.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ذو ثلاثها:بطنها و الجلدتان،العليا و الجلدة الّتي تقشر بعد السّلخ.

و يثلث:اسم موضع.و تثليث:اسم موضع آخر.

و أرض مثلّثة:لها ثلاثة أطراف،فمنها المثلّث الحادّ،و منها المثلّث القائم.

و إذا أرسلت الخيل في الرّهان،فالأوّل السّابق و الثّاني المصلّي،ثمّ يقال بعد ذلك:ثلّث و ربّع و خمّس.

و الحروف الثّلاثيّة:الّتي اجتمع فيها ثلاثة أحرف.

(15:59)

الصّاحب: الثّلاثة من العدد،ثلثت القوم أثلثهم،أي صرت ثالثهم،و كذلك إذا صيّرتهم تمام ثلاثين.و رميناهم بثالثة الأثافي،أي بداهية،و هو ركن الجبل.

و يقال للوضين:ذو ثلاث.

و من الأجزاء:الثّلث و الثّليث و المثلث و المثلاث.

و ثلاث:لا يدخل عليه الألف و اللاّم و لا يصرف.

و المثلّث:الشّيء على ثلاثة أثناء.

و المثلوث:ما أخذ ثلثه.

و هو مثلاث الثّلث،أي واحد من الثّلاثة.

و الثّلاثيّ: منسوب إلى ثلاثة أشياء،أو كان طوله ثلاث أذرع.

و الثّلاثاء:اسم اليوم،جعل اسما،و مدّته هاء.

و الثّلوث من الإبل:الّتي يبس ثلاثة أخلاف من أخلافها.و المثلّثة:الّتي لها ثلاثة أخلاف.

و النّاقة تثلث ثلثا،إذا صفّت بين إناءين و ثلاثة آنية،و هي الثّلث.

و هذا ثلث فلانة،أي ثالث ولدها.

و مزادة مثلوثة:من ثلاثة آدمة.

و نخل آل فلان تسقى الثّليث و الثّلث،أي في كلّ ثلاثة أيّام.

و المثلث:النّاقة تتفرّج في بروكها حتّى تصيب ضرّتها الأرض.

و في المثل:«فلان لا يثني و لا يثلث»أي لا ينهض كبرا.(10:125)

الخطّابيّ: و ثلث[الجارية]ولدها الثّالث،و لا يقال:ناقة ثلث،و لكن يقال:ولدت ثلثها.(2:316)

جاء في الحديث:«شرّ النّاس المثلّث»تفسيره في الحديث:أنّه الرّجل الّذي يمحل بأخيه إلى إمامه فيهلك ثلاثة:نفسه و أخاه و إمامه.(3:199)

الجوهريّ: الثّلاثة في عدد المذكّر،و الثّلاث في عدد المؤنّث.

و الثّلاثاء:من الأيّام و يجمع على ثلاثاوات.

و الثّلث:سهم من ثلاثة،فإذا فتحت الثّاء زدت ياء فقلت:ثليث،مثل ثمين و سبيع و سديس و خميس و نصيف.و أنكر أبو زيد منها خميسا و ثليثا.

ص: 440

و الثّلث،بالكسر،من قولهم:هو يسقي نخله الثّلث، لا يستعمل الثّلث إلاّ في هذا الموضع.

و ثلاث و مثلث،غير مصروف للعدل و الصّفة، لأنّه عدل من ثلاثة إلى ثلاث و مثلث،و هو صفة لأنّك تقول:مررت بقوم مثنى و ثلاث،و قال تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1 فوصف به؛و هذا قول سيبويه.

و قال غيره:إنّما لم ينصرف لتكرّر العدل فيه في اللّفظ و المعنى،لأنّه عدل عن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى و ثناء،و عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين،لأنّك إذا قلت:جاءت الخيل مثنى،فالمعنى اثنين اثنين،أي جاءوا مزدوجين،و كذلك جميع معدول العدد.فإن صغّرته صرفته فقلت:أحيّد،و ثنيّي،و ثليّث،و ربيّع،لأنّه مثل حميّر،فخرج إلى مثال ما ينصرف.و ليس كذلك أحمد و أحسن،لأنّه لا يخرج بالتّصغير عن وزن الفعل، لأنّهم قد قالوا في التّعجّب:ما أميلح زيدا و ما أحيسنه.

و ثلثت القوم أثلثهم بالضّمّ،إذا أخذت ثلث أموالهم.و أثلثهم بالكسر،إذا كنت ثالثهم أو كمّلتهم ثلاثة بنفسك.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك إلى العشرة،إلاّ أنّك تفتح أربعهم و أسبعهم و أتسعهم فيهما جميعا لمكان العين.

و ثالثة الأثافي:الحيد النّادر من الجبل،يجمع إليه صخرتان،ثمّ تنصب عليهما القدر.

و أثلث القوم:صاروا ثلاثة،و كانوا ثلاثة فأربعوا كذلك،إلى العشرة.

قال ابن السّكّيت:يقال هو ثالث ثلاثة،مضاف إلى العشرة،و لا ينوّن.فإن اختلفا فإن شئت نوّنت و إن شئت أضفت،قلت:هو رابع ثلاثة و رابع ثلاثة،كما تقول:هو ضارب عمرو و ضارب عمرا؛لأنّ معناه الوقوع،أي كمّلهم بنفسه أربعة.و إذا اتّفقا فالإضافة لا غير لأنّه في مذهب الأسماء،لأنّك لم ترد معنى الفعل و إنّما أردت هو أحد الثّلاثة،و بعض الثّلاثة،و هذا لا يكون إلاّ مضافا.و تقول:هذا ثالث اثنين و ثالث اثنين،المعنى هذا ثلّث اثنين،أي صيّرهما ثلاثة بنفسه.

و كذلك هو ثالث عشر و ثالث عشر،بالرّفع و النّصب،إلى تسعة عشر.فمن رفع قال:أردت:ثالث ثلاثة عشر،فحذفت الثّلاثة و تركت ثالثا على إعرابه.و من نصب قال:أردت:ثالث ثلاثة عشر،فلمّا اسقطت منه الثّلاثة ألزمت إعرابها الأوّل ليعلم أنّ هاهنا شيئا محذوفا.

و تقول:هذا الحادي عشر و الثّاني عشر إلى العشرين،مفتوح كلّه،لما ذكرناه.و في المؤنّث هذه الحادية عشرة و كذلك إلى العشرين،تدخل الهاء فيها جميعا.

و أهل الحجاز يقولون:أتوني ثلاثتهم و أربعتهم إلى العشرة،فينصبون على كلّ حال،و كذلك المؤنّث أتينني ثلاثهنّ و أربعهنّ.

و غيرهم يعربه بالحركات الثّلاث،يجعله مثل كلّهم.

فإذا جاوزت العشرة لم يكن إلاّ النّصب،تقول:

أتوني أحد عشرهم،و تسعة عشرهم.و للنّساء:أتينني إحدى عشرتهنّ،و ثماني عشرتهنّ.

و الثّلوث،من النّوق:الّتي تجمع بين ثلاث آنية

ص: 441

تملؤها إذا حلبت،و كذلك التي تيبس ثلاثة من أخلافها.

و المثلوثة:مزادة تكون من ثلاثة جلود.

و حبل مثلوث،إذا كان على ثلاث قوى.

و شيء مثلّث،أي ذو أركان ثلاثة.

و المثلّث من الشّراب:الّذي طبخ حتّى ذهب ثلثاه.

و يقال أيضا:ثلّث بناقته،إذا صرّ منها ثلاثة أخلاف.فإن صرّ خلفين قيل:شطّر بها.

فإن صرّ خلفا واحدا قيل:خلّف بها،فإن صرّ أخلافها كلّها جمع قيل:أجمع بناقته،و أكمش.

(1:274)

ابن فارس: الثّاء و اللاّم و الثّاء كلمة واحدة،و هي في العدد،يقال:اثنان و ثلاثة.و الثّلاثاء من الأيّام.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ثالثة الأثافي:الحيد النّادر من الجبل،يجمع إليه صخرتان ثمّ تنصب عليها القدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلوث من الإبل:الّتي تملأ ثلاثة آنية إذا حلبت.

و المثلوثة:المزادة تكون من ثلاثة جلود.

و حبل مثلوث،إذا كان على ثلاث قوى.

(1:385)

ابن سيده: الثّلاثة:من العدد معروف،و المؤنّث ثلاث.

و ثلث الاثنين،يثلثهما ثلثا:صار لهما ثالثا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:فلان لا يثني و لا يثلث،أي هو رجل كبير.

فإذا أراد النّهوض لم يقدر في مرّة،و لا في مرّتين،و لا في ثلاث.

و الثّلاثون-من العدد-ليس على تضعيف الثّلاثة،و لكن على تضعيف العشرة.و لذلك إذا سمّيت رجلا ثلاثين لم تقل في تحقيره:ثليّثون،و لكن ثليثون.علّل ذلك سيبويه.

و قالوا:كانوا تسعة و عشرين فثلثتهم أثلثهم،أي صرت لهم تمام الثّلاثين.و أثلثوا:صاروا ثلاثين.

كلّ ذلك على لفظ الثّلاثة،و كذلك جميع العقود إلى المئة،تصريف فعلها كتصريف الآحاد.

و الثّلاثاء:من الأيّام،كان حقّه الثّالث،و لكنّه صيغ له هذا البناء،ليتفرّد به،كما فعل ذلك بالدّبران،و السّماك.

هذا معنى قول سيبويه.

قال اللّحيانيّ: كان أبو زياد يقول:مضى الثّلاثاء بما فيه،فيفرد و يذكّر.و حكي عن ثعلب:مضت الثّلاثاء بما فيها،فأنّث.

و كان أبو الجرّاح يقول:مضت الثّلاثاء بما فيهنّ، يخرجها مخرج العدد.و الجمع:ثلاثاوات،و أثالث.حكى الأخيرة المطرّزيّ عن ثعلب.

و حكى ثعلب عن ابن الأعرابيّ: لا تكن ثلاثاويّا، أي ممّن يصوم الثّلاثاء وحده.

و شيء مثلّث:موضوع على ثلاث طاقات.و مثلوث:مفتول على ثلاث قوى.

و كذلك في جميع ما بين الثّلاثة إلى العشرة،إلاّ الثّمانية و العشرة.

و ثلّث الفرس:جاء بعد المصلّي،ثمّ ربّع،ثمّ خمّس.

و التّثليث:أن يسقي الزّرع سقية أخرى بعد الثّنيا.

و الثّلاثيّ: منسوب إلى الثّلاثة،على غير قياس.

ص: 442

و جاءوا ثلاث ثلاث،و مثلث مثلث،أي ثلاثة ثلاثة.

و ثلث النّاقة:ولدها الثّالث،و أطرده ثعلب في ولد كلّ أنثى.

و قد أثلثت،و هي مثلث.و لا يقال:ناقة ثلث.

و المثلّث:السّاعي بأخيه،لأنّه يهلك ثلاثة:نفسه، و أخاه،و إمامه.

و الثّلث،و الثّليث من الأجزاء،معروف،يطّرد ذلك عند بعضهم في هذه الكسور،و جمعها:أثلاث.

و ثلثهم يثلثهم:أخذ ثلث أموالهم،و كذلك جميع الكسور إلى العشر.

و المثلوث:ما أخذ ثلثه.و كلّ مثلوث منهوك.

و قيل:المثلوث:ما أخذ ثلثه،و المنهوك:ما أخذ ثلثاه،و هو رأي العروضيّين في الرّجز و المنسرح.

و المثلاث من الثّلث،كالمرباع من الرّبع.

و أثلث الكرم:فضل ثلثه،و أكل ثلثاه.

و ثلّث البسر:أرطب ثلثه.

و إناء ثلثان:بلغ الكيل ثلثه،و كذلك هو في الشّراب و غيره.

و الثّلثان:شجرة عنب الثّعلب.

و تثليث:واد عظيم مشهور.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:129)

الرّاغب: الثّلاثة و الثّلاثون،و الثّلاث و الثّلاثمائة،و ثلاثة آلاف،و الثّلث و الثّلثان.[إلى أن قال:]

و ثلّثت الشّيء:جزّأته أثلاثا،و ثلّثت القوم:أخذت ثلث أموالهم.

و أثلثتهم:صرت ثالثهم أو ثلثهم،و أثلثت الدّراهم فأثلثت هي،و أثلث القوم:صاروا ثلاثة.

و حبل مثلوث:مفتول على ثلاثة قوى.و رجل مثلوث:أخذ ثلث ماله.

و ثلّث الفرس و ربّع:جاء ثالثا و رابعا في السّباق.

و يقال:أ ثلاثة و ثلاثون عندك أو ثلاث و ثلاثون؟ كناية عن الرّجال و النّساء.

و جاءوا ثلاث و مثلث،أي ثلاثة ثلاثة.

و ناقة ثلوث:تحلب من ثلاثة أخلاف.

و الثّلاثاء و الأربعاء في الأيّام،جعل الألف فيهما بدلا من الهاء،نحو حسنة و حسناء،فخصّ اللّفظ باليوم.

و حكي:ثلّثت الشّيء تثليثا:جعلته على ثلاثة أجزاء.

و ثلّث البسر،إذا بلغ الرّطب ثلثيه،أو ثلّث العنب:

أدرك ثلثاه.

و ثوب ثلاثيّ:طوله ثلاثة أذرع.(80)

الحريريّ: و يقولون للنّدّ المتّخذ من ثلاثة أنواع من الطّيب:مثلّث.و الصّواب فيه أن يقال:مثلوث،كما قالت العرب:حبل مثلوث،إذا أبرم على ثلاث قوى،و كساء مثلوث،إذا نسج من صوف و وبر و شعر،و مزادة مثلوثة،إذا اتّخذت من ثلاثة جلود.

و أصل هذا الكلام مأخوذ من قولك،ثلثت القوم فأنا ثالث و هم مثلوثون.(95)

فأمّا«ثلاث»فإن أفرد كقولك:بعت من النّوق ثلاثا، كتب بالألف لاتّقاء اللّبس فيه بثلث.و إن أضيف أو وصف كقولك:جلبت ثلث نوق و ما فعلت النّوق الثّلث،

ص: 443

كتب بحذف الألف لارتفاع اللّبس فيه،و كذلك تكتب ثلاثة و ثلاثين،بحذف الألف،لأنّ علامة الجمع الملتحقة بآخرهما منعت من إيقاع اللّبس فيهما.(202)

الزّمخشريّ: حبل مثلوث:فتل على ثلاث قوى.

و مزادة مثلوثة:عملت من ثلاثة جلود.[ثمّ استشهد بشعر]

و مال مثلوث:أخذ ثلثه،تقول:ثلثت التّركة.

و أرض مثلوثة:كربت ثلاث مرّات،و مثنيّة:كربت مرّتين،و قد ثنيتها و ثلثتها.

و فلان يثني و لا يثلث،أي يعدّ من الخلفاء اثنين و هما الشّيخان،و يبطل غيرهما.و فلان يثلث و لا يربع، أي يعدّ منهم ثلاثة و يبطل الرّابع.

و هذا شيخ لا يثني و لا يثلث،أي لا يقدر في المرّة الثّانية و لا الثّالثة أن ينهض.

و هو يسقي نخله الثّلث بالكسر،أي مرّة في ثلاثة أيّام.و هؤلاء بكرها و ثنيها،و ثلثها،أي ولدها الأوّل و الثّاني و الثّالث،و كذلك إلى العشرة.

و ثوب ثلاثيّ: طوله ثلاث أذرع.

و ناقة ثلوث:تملأ ثلاثة آنية في حلبة،و هي الّتي يبس ثلاثة من أخلافها.

و يقال:خلّف بناقته:صرّ خلفا واحدا من أخلافها.

و شطّر بها:صرّ خلفين.و ثلّث بها:صرّ ثلاثة،و أجمع بها:صرّ جميعها.

و من المجاز:التقت عرى ذي ثلاثها،إذا ضمرت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلاث:الخرصيان،و الجلد،و الكرش.[ثمّ استشهد بشعر]

و عليه ذو ثلاث،أي كساء عمل من صوف ثلاث من الغنم.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:46)

سئل عن الإمارة فقال:«أوّلها ملامة،و ثناؤها ندامة،و ثلاثها عذاب يوم القيامة،إلاّ من عدل»،أي ثانيها و ثالثها بالكسر،و أمّا ثناء و ثلاث فصفتان معدولتان عن اثنين اثنين و ثلاثة ثلاثة.

(الفائق 1:177)

«أمر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصيام الأواضح ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة».

أي بصيام أيّام الأواضح،و هي اللّيالي البيض،جمع واضحة.و الأصل:و واضح،فقلبت الواو الأولى همزة، كقولهم في جمع واسطة و واصلة:أواسط و أواصل.

و المعنى ثالث ثلاث عشرة،فحذف المضاف لعدم الالتباس،و كذلك الباقيتان.(الفائق 4:66)

ابن الأثير: فيه:«لكن اشربوا مثنى و ثلاث و سمّوا اللّه تعالى»يقال:فعلت الشّيء مثنى و ثلاث و رباع، غير مصروفات،إذا فعلته مرّتين مرّتين،و ثلاثا ثلاثا،و أربعا أربعا.

و فيه:«دية شبه العمد أثلاثا»أي ثلاث و ثلاثون حقّة،و ثلاث و ثلاثون جذعة،و أربع و ثلاثون ثنيّة.

و في حديث قل هو اللّه أحد:«و الّذي نفسي بيده إنّها لتعدل ثلث القرآن».

جعلها تعدل الثّلث،لأنّ القرآن العزيز لا يتجاوز ثلاثة أقسام،و هي:الإرشاد إلى معرفة ذات اللّه تعالى و تقديسه،أو معرفة صفاته و أسمائه،أو معرفة أفعاله و

ص: 444

سنّته في عباده.

و لمّا اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثّلاثة،و هو التّقديس،وازنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلث القرآن،لأنّ منتهى التّقديس أن يكون واحدا في ثلاثة أمور:لا يكون حاصلا منه من هو من نوعه و شبهه،و دلّ عليه قوله: لَمْ يَلِدْ و لا يكون هو حاصلا ممّن هو نظيره و شبهه،و دلّ عليه قوله: وَ لَمْ يُولَدْ. و لا يكون في درجته-و إن لم يكن أصلا له و لا فرعا-من هو مثله،و دلّ عليه قوله: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.

و يجمع جميع ذلك قوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ. و جملته:تفصيل قولك:«لا اله الاّ اللّه».فهذه أسرار القرآن،و لا تتناهى أمثالها فيه،و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين.

و في حديث أبي هريرة:«دعاه عمر رضي اللّه عنه إلى العمل بعد أن كان عزله،فقال:إنّي أخاف ثلاثا و اثنتين،قال:

أ فلا تقول خمسا؟فقال:أخاف أن أقول بغير حكم،و أقضي بغير علم.و أخاف أن يضرب ظهري،و أن يشتم عرضي،و أن يؤخذ مالي».

الثّلاث و الاثنتان هذه الخلال الخمس الّتي ذكرها،و إنّما لم يقل:خمسا،لأنّ الخلّتين الأوليين من الحقّ عليه، فخاف أن يضيّعه،و الخلال الثّلاث من الحقّ له،فخاف أن يظلمه،فلذلك فرّقها.(1:218)

الصّغانيّ: و يثلث على وزن يضرب:موضع،و قد تفتح اللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تثليث:موضع آخر،

و ثلاث:موضع،و ثلاثان:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلاثيّ: ما ينسب إلى ثلاثة أشياء،أو كان طوله ثلاث أذرع،يقال:ثوب ثلاثيّ و رباعيّ.و كذلك الغلام، يقال:غلام خماسيّ،و لا يقال:سداسيّ،لأنّه إذا تمّت له خمس (1)صار رجلا.

و الأسماء و الأفعال الثلاثيّة:الّتي اجتمع فيها ثلاثة أحرف.

و يقال لوضين البعير:ذو ثلاث.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ذو ثلاثها:بطنها و الجلدتان:العليا و الجلدة الّتي تقشر بعد السّلخ.

و«الثّلاثاء»لمّا جعل اسما جعلت الهاء الّتي كانت في العدد مدّة فرقا بين الحالين،و كذلك«الأربعاء»من الأربعة،فهذه الأسماء جعلت بالمدّ توكيدا للاسم،كما قالوا:حسنة و حسناء،و نحوها قصبة و قصباء؛حيث ألزموا النّعت إلزام الاسم،و كذلك الشّجراء و الطّرفاء،و الواحد من كلّ ذلك بوزن فعلة.(1:353)

الفيّوميّ: الثّلث:جزء من ثلاثة أجزاء،و تضمّ اللاّم للإتباع و تسكّن،و الجمع:أثلاث،مثل عنق و أعناق.و الثّليث مثل كريم لغة فيه.

و حمّى الثّلث،قال الأطبّاء:هي حمّى الغبّ،سمّيت بذلك،لأنّها تأخذ يوما و تقلع يوما،ثمّ تأخذ في اليوم الثّالث و هي بوزنها.قالوا:و العامّة تسمّيها المثلّثة.

و الثّلاثة:عدد تثبت الهاء فيه للمذكّر و تحذف للمؤنّث،فيقال:ثلاثة رجال و ثلاث نسوة.و قوله عليهّ.

ص: 445


1- -الظّاهر:ستّ.

الصّلاة و السّلام:«رفع القلم عن ثلاث»أنّث على معنى الأنفس،لو أريد الأشخاص ذكّر بالهاء فقيل:ثلاثة.

و ثلثت الرّجلين من باب«ضرب»:صرت ثالثهما، و ثلثت القوم من باب«قتل»أخذت ثلث أموالهم.

و يوم الثّلاثاء ممدود،و الجمع:ثلاثاوات بقلب الهمزة واوا.(1:83)

الفيروزآباديّ: الثّلث:و بضمّتين:سهم من ثلاثة كالثّليث.

و سقى نخله الثّلث بالكسر،أي بعد الثّنيا،و ثلث النّاقة أيضا:ولدها الثّالث.و في قول الجوهريّ:و لا تستعمل بالكسر إلاّ في الأوّل،نظر.

و ثلاث و مثلث غير مصروف:معدول من ثلاثة ثلاثة.

و ثلثت القوم كنصر:أخذت ثلث أموالهم،و كضرب:كنت ثالثهم أو كمّلتهم ثلاثة أو ثلاثين بنفسي.

و ثالثة الأثافي:الحيد النّادر من الجبل،يجمع إليه صخرتان فينصب عليهما القدر.

و أثلثوا:صاروا ثلاثة.

و الثّلوث:ناقة تملأ ثلاثة أوان إذا حلبت،و ناقة تيبس ثلاثة من أخلافها،أو صرم خلف من أخلافها،أو تحلب من ثلاثة أخلاف.

و المثلوثة:مزادة من ثلاثة جلود.

و المثلوث:ما أخذ ثلثه،و حبل ذو ثلاث قوى.

و المثلّث:شراب طبخ حتّى ذهب ثلثاه،و شيء ذو ثلاثة أركان.

و يثلث كيضرب أو يمنع،و تثليث،و ثلاث كسحاب،و ثلاثان بالضّمّ:مواضع.

و الثّلثان كالظّربان و يحرّك:عنب الثّعلب.

و ذو ثلاث بالضّمّ:و ضين البعير.

و يوم الثّلاثاء بالمدّ و يضمّ.

و ثلّث البسر تثليثا:أرطب ثلثه،و الفرس:جاء بعد المصلّي.

و المثلّث و يخفّف:السّاعي بأخيه عند السّلطان، لأنّه يهلك ثلاثة:نفسه و أخاه و السّلطان.(1:169)

الطّريحيّ: [نحو ما تقدّم عن ابن الأثير في تفسيره و أضاف:]

و ذكر في«المجمع»أنّ القرآن قصص،و أحكام و صفات اللّه تعالى،و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ متمحّض للصّفات.و قيل:ثوابها بقدر ثواب ثلثه بغير تضعيف،و عليه فيلزم من تكريرها استيعاب القرآن و ختمه.

و عن بعض الأفاضل وجه آخر،حاصله:أنّ مقاصد القرآن الكريم لمّا كانت ترجع عند التّحقيق إلى ثلاثة معان:معرفة اللّه،معرفة السّعادة و الشّقاوة الأخرويّة،و العلم بما يوصل إلى السّعادة و يبعد عن الشّقاوة.و سورة الإخلاص تشتمل على الأصل الأوّل، و هو معرفة اللّه تعالى و توحيده،و تنزيهه عن مشابهة الخلق بالعبوديّة،و نفي الأصل و الفرع و الكفؤ-كما سمّيت الفاتحة أمّ القرآن،لاشتمالها على تلك الأصول الثّلاثة-عادلت هذه السّورة ثلث القرآن،لاشتمالها على واحد من تلك الأصول.

و في حديث من سأله عليه السّلام:«ما حال عمّار؟قال:

رحمه اللّه بايع و قتل شهيدا.ثمّ قال:لعلّك ترى أنّه مثل

ص: 446

الثّلاثة أيهات أيهات»،قيل:ربّما أريد بالثّلاثة:الثّلاثة،و ربّما احتمل أن يراد بالثّلاثة:عليّ عليه السّلام،و مؤمن آل فرعون؛حيث قيل:كان ملازما لفرعون مائة سنة و هو كاتم إيمانه،و قتل صلبا،و مؤمن آل ياسين حيث قيل:

إنّ قومه توطّئوه حتّى خرج إحليله من دبره.

و في الحديث:«النّصارى مثلّثون غير موحّدين»أي يجعلون له سبحانه ابنا و زوجة و هو ثالثهم.

و المثلّث من الشّراب:ما طبخ من عصير العنب حتّى ذهب ثلثاه و بقي ثلثه،و يسمّى بالطّلاء بالكسر و المدّ.

و«المثلّثة»أن يؤخذ قفيز أرزّ و قفيز حمّص و قفيز باقلاء أو غيره من الحبوب،ثمّ ترزّ جميعا و تطبخ، و يسمّى الكركور.

و قوله عليه السّلام:«أفاض الماء ثلاث مرّات»يقرأ بالنّصب،لأنّ عدد المصدر مصدر.

و قوله:«ثلاثا في إعادتها ثلاثا»مفعول«قال» محذوفا أو مضمّنا في«أعاد»،و لا يصلح على ما قيل مفعولا ل«أعاد»،لأنّه يستلزم قول تلك الكلمة أربع مرّات.[ثمّ ذكر للاستشهاد حديثا عن الفضل بن شاذان و قول الشّيخ الكلينيّ و الشّهيد الأوّل رحمة اللّه عليهما فيه،فراجع.]

(12:240)

العدنانيّ: الثّلاثاء،الثّلاثاء

و يخطّئون من يقول:الثّلاثاء،و يقولون إنّ الصّواب هو الثّلاثاء،اعتمادا على المصباح و اللّسان.

و لكن:

أجاز الثّلاثاء و الثّلاثاء كلتيهما كلّ من اللّيث بن سعد،و التّهذيب،و الصّحاح-ذكر الثّلاثاء في الهامش- و المحكم،و القاموس،و التّاج من المجاز،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و اكتفى معجم مقاييس اللّغة و الوسيط بذكر الثّلاثاء.

و عند ما نقول:يوم الثّلاثاء،يكتفون بفتح الثّاء المضعّفة المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.و لا أرى أن نتقيّد برأيهم،لأنّهم لم يبدوا حجّة تؤيّد وجهة نظرهم.

و بعضهم يؤنّث الثّلاثاء،و حكي عن ثعلب:

«مضت الثّلاثاء بما فيها»،فأنّث.و كان أبو الجرّاح يقول:

«مضت الثّلاثاء بما فيهنّ»،يخرجها مخرج العدد.و أنا أجرّح رأي أبي الجرّاح.

أمّا تثنيتها عند الفرّاء و مستدرك التّاج فهو:

ثلاثاءان.

و تجمع على ثلاثاوات،و أثالث،ثعلب و المطرّزيّ و اللّسان،و التّاج،و المتن،و ثلاثاءات أقرب الموارد.

ألّفت الكتاب في الثّلاثينيّات

و يقولون:ألّفت الكتاب في الثّلاثينات،و الصّواب:

ألّفته في الثّلاثينيّات،اعتمادا على قرار لجنة الألفاظ و الأساليب في مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة،في دورة عام 1973،ذلك القرار الّذي وافق عليه مؤتمر المجمع،و الّذي نصّه:

«ترى اللّجنة أنّ ألفاظ العقود يجوز أن تجمع بالألف و التّاء،إذا ألحقت بها ياء النّسب،فيقال:ثلاثينيّات، و يدلّ اللّفظ حينئذ على الواحد و الثّلاثين إلى التّاسع

ص: 447

و الثّلاثين،و في هذا المعنى لا يقال:ثلاثينات بغير ياء النّسب».(105)

محمود شيت: 1-أ-الثّلث-الثّلث:جزء من ثلاثة،جمعه:أثلاث.و خطّ الثّلث:ضرب من ضروب الخطّ العربيّ.

ب-مثلث:يقال:جاءوا مثلث:ثلاثة ثلاثة.

ج-المثلّث:سطح يحيط به ثلاثة خطوط مستقيمة.

2-أ-أثلث الفصيل أو السّريّة:قسّمها إلى ثلاثة أقسام للتّدريب أو للحرب.

ب-ثلاث؛يقال:نظام الثّلاث:الوقوف بثلاثة صفوف.مشوا ثلاثا:مشوا في نظام ثلاثيّ.

ج-الثّلاثيّ؛يقال:التّنظيم الثّلاثيّ:الفصيل من ثلاث حضائر،و السّريّة من ثلاثة فصائل...

د-المثلّث؛يقال:التّدريب على نظام المثلّث:جعل القطعة العسكريّة ثلاثة أقسام.(1:127)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو العدد المخصوص،و باقي الخصوصيّات إنّما يستفاد من اختلاف الصّيغ،فالثّلث كصلب صفة،فيدلّ على ما ثبت له هذا العدد،و هذا المعنى ينطبق على السّهم المتجزّئ من ثلاثة أسهم من شيء،فإنّ مفهوم هذا العدد ثابت حينئذ لهذا الجزاء الدّاخليّ،بخلاف الثّالث الواقع بعد الاثنين الخارج عن مفهومهما.

و أمّا«الثّلاث»فهو أيضا صفة كشجاع،و زيادة الألف في هذه الصّيغة تدلّ على الاستمرار و الاستدامة، أي ما ثبت له هذا العدد مستمرّا و بالاستدامة،و هذا المعنى عبارة أخرى عن قولهم:ثلاثة ثلاثة.(2:21)

النّصوص التّفسيريّة

ثلث

1- وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً. الكهف:25

راجع(سنين).

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ... النّور:58

الفرّاء: نصبها عاصم و الأعمش و رفع غيرهما.و الرّفع في العربيّة أحبّ إليّ و كذلك أقرأ،و الكسائيّ يقرأ بالنّصب،لأنّه قد فسّرها في المرّات و فيما بعدها، فكرهت أن تكرّر ثالثة.و اخترت الرّفع،لأنّ المعنى- و اللّه أعلم-هذه الخصال وقت العورات ليس عليكم و لا عليهم جناح بعدهنّ.فمعها ضمير يرفع الثّلاث، كأنّك قلت:هذه ثلاث خصال،كما قال: سُورَةٌ أَنْزَلْناها النّور:1،أي هذه سورة،و كما قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ الأحقاف:35.(2:260)

الطّبريّ: و قوله: ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ برفع الثّلاث،بمعنى الخبر عن هذه

ص: 448

الأوقات الّتي ذكرت،كأنّه عندهم قيل:هذه الأوقات الثّلاثة الّتي أمرناكم بأن لا يدخل عليكم فيها من ذكرنا إلاّ بإذن،ثلاث عورات لكم،لأنّكم تضعون فيها ثيابكم، و تخلون بأهليكم.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة ثَلاثُ عَوْراتٍ بنصب الثّلاث على الرّدّ على الثّلاث الأولى،و كأنّ معنى الكلام عندهم:ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم،و الّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات،ثلاث عورات لكم.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان متقاربتا المعنى،و قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(18:163)

نحوه الزّجّاج(4:52)،و أبو زرعة(5:50)،و الطّوسيّ(7:459)،و ابن عطيّة(4:194)،و أبو الفتوح (14:187)،و القرطبيّ(12:305)،و أبو حيّان (6:472)،و الشّربينيّ(2:638)،و الآلوسيّ(18:

213)،و محمّد جواد مغنية(5:439).

الفارسيّ: من رفع كان خبر المبتدإ محذوفا،كأنّه قال:هذا ثلاث عورات،فأجمل بعد التّفصيل.و من نصب جعله بدلا من قوله:(ثلث مرّات).

(الطّبرسيّ 4:154).

نحوه الواحديّ(3:328)،و البغويّ(5:73)، و أبو البقاء(2:977).

الزّمخشريّ: و قرئ ثَلاثُ عَوْراتٍ بالنّصب بدلا عن(ثلث مرّات)أي أوقات ثلاث عورات.

فإن قلت:ما محلّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ؟

قلت:إذا رفعت ثَلاثُ عَوْراتٍ كان ذلك في محلّ الرّفع على الوصف،و المعنى:هنّ ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان.و إذا نصبت لم يكن له محلّ و كان كلاما مقرّرا للأمر بالاستئذان،في تلك الأحوال خاصّة.(3:75)

الطّبرسيّ: [ذكر قول أبي عليّ الفارسيّ و أضاف:]

فإن قلت:إنّ قوله:(ثلث مرّات)زمان بدلالة أنّه فسّر بزمان،و هو قوله: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ و ليس«العورات»بزمان،فكيف يصحّ و ليس هي هو.

قيل:يكون ذلك على أن تضمر الأوقات،كأنّه قال:

أوقات ثلاث عورات،فلمّا حذف المضاف أعرب المضاف إليه بإعراب المضاف.(4:154)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:61)

الفخر الرّازيّ: [نحو أبي زرعة و أضاف:]

قال القفّال: فكأنّ المعنى ثلاث انكشافات،و المراد وقت الانكشاف.(24:31)

3- ...يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ... الزّمر:6

راجع«ظ ل م»:(ظلمات).

4- اِنْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ.

المرسلات:30

راجع«ش ع ب»:(شعب).

ثلاثون

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً

ص: 449

وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً...

الأحقاف:15

ابن عبّاس: إذا حملت تسعة أشهر أرضعت إحدى و عشرين شهرا،و إن حملت ستّة أشهر أرضعت أربعة و عشرين شهرا.(القرطبيّ 16:193)

الطّبريّ: و حمل أمّه إيّاه جنينا في بطنها و فصالها إيّاه من الرّضاع،و فطمها إيّاه،شرب اللّبن ثلاثون شهرا.(26:16)

الجصّاص: روي أنّ عثمان أمر برجم امرأة قد ولدت لستّة أشهر،فقال له عليّ:قال اللّه تعالى: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً، و قال: وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ، لقمان:14.

و روي أنّ عثمان سأل النّاس عن ذلك،فقال له ابن عبّاس مثل ذلك.

و أنّ عثمان رجع إلى قول عليّ و ابن عبّاس:إنّ كلّ ما زاد في الحمل نقص من الرّضاع،فإذا كان الحمل تسعة أشهر فالرّضاع واحد و عشرون شهرا،و على هذا القياس جميع ذلك.

و روي عن ابن عبّاس أنّ الرّضاع حولان في جميع النّاس،و لم يفرّقوا بين من زاد حمله أو نقص،و هو مخالف للقول الأوّل.

و قال مجاهد في: وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ الرّعد:8،ما نقص عن تسعة أشهر أو زاد عليها.(3:389).

نحوه ابن العربيّ(2:1697)

الماورديّ: الفصال:مدّة الرّضاع،فقدّر مدّة الحمل و الرّضاع ثلاثون شهرا،و كان في هذا التّقدير قولان:

أحدهما:أنّها مدّة قدّرت لأقلّ الحمل و أكثر الرّضاع،فلمّا كان أكثر الرّضاع أربعة و عشرين شهرا، لقوله تعالى: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ البقرة:233،دلّ ذلك على أنّ مدّة أقلّ الحمل ما بقي و هو ستّة أشهر،فإن ولدته لتسعة أشهر لم يوجب ذلك نقصان الحولين في الرّضاع،قاله الشّافعيّ و جمهور الفقهاء.

الثّاني:أنّها مدّة جمعت زمان الحمل و مدّة الرّضاع، فإن كانت حملته تسعة أشهر،أرضعته أحدا و عشرين شهرا،و إن كانت حملته عشرة أشهر،أرضعته عشرين (1)شهرا،لئلاّ تزيد المدّة فيهما عن ثلاثين شهرا.

(5:276)

الطّوسيّ: بيّن أنّ أقلّ مدّة الحمل و كمال مدّة الرّضاع ثلاثون شهرا،و أنّهما تكفّلا به حتّى بلغ حدّ الكمال.(9:275)

نحوه الطّبرسيّ.(5:86)

البغويّ: يريد أقلّ مدّة الحمل و هي ستّة أشهر،و أكثر مدّة الرّضاع أربعة و عشرون شهرا.(4:195)

الزّمخشريّ: و هذا دليل على أنّ أقلّ الحمل ستّة أشهر،لأنّ مدّة الرّضاع إذا كانت حولين لقوله عزّ و جلّ:

حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بقيت للحمل ستّة أشهر.(3:520)

نحوه شبّر(6:11)،و الطّباطبائيّ(18:201)

ابن عطيّة: و قوله: ثَلاثُونَ شَهْراً يقتضي أنّ».

ص: 450


1- -هذا هو الصّحيح،و في الكتاب«ارضعته شهرا».

مدّة الحمل و الرّضاع هذه المدّة،لأنّ في القول حذف مضاف،تقديره:و مدّة حمله و فصاله،و هذا لا يكون إلاّ بأن يكون أحد الطّرفين ناقصا؛و ذلك إمّا بأن تلد المرأة لستّة أشهر و ترضع عامين،و إمّا بأن تلد لتسعة على العرف و ترضع عامين غير ربع العام،فإن زادت مدّة الحمل نقصت مدّة الرّضاع،و بالعكس؛فيترتّب من هذا أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر،و أقلّ ما يرضع الطّفل عام و تسعة أشهر،و إكمال العامين هو لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة،و هذا في أمر الحمل هو مذهب عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه،و جماعة من الصّحابة،و مذهب مالك رحمه اللّه.(5:97)

الفخر الرّازيّ: [شرح دلالة الآيتين على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر ثمّ قال:]

روي عن عمر أنّ امرأة رفعت إليه،و كانت قد ولدت لستّة أشهر،فأمر برجمها،فقال عليّ:لا رجم عليها،و ذكر الطّريق الّذي ذكرناه،و عن عثمان أنّه همّ بذلك،فقرأ ابن عبّاس عليه ذلك.

و اعلم أنّ العقل و التّجربة يدلاّن أيضا على أنّ الأمر كذلك،قال أصحاب التّجارب:إنّ لتكوين الجنين زمانا مقدّرا،فإذا تضاعف ذلك الزّمان تحرّك الجنين،فإذا انضاف إلى ذلك المجموع مثلاه انفصل الجنين عن الأمّ، فلنفرض أنّه يتمّ خلقه في ثلاثين يوما،فإذا تضاعف ذلك الزّمان حتّى صار ستّين تحرّك الجنين،فإذا تضاعف إلى هذا المجموع مثلاه و هو مائة و عشرون حتّى صار المجموع مائة و ثمانين و هو ستة أشهر،فحينئذ ينفصل الجنين.

فلنفرض أنّه يتمّ خلقه في خمسة و ثلاثين يوما، فيتحرّك في سبعين يوما،فإذا انضاف إليه مثلاه و هو مائة و أربعون يوما صار المجموع مائتين و عشرة أيّام،و هو سبعة أشهر انفصل الولد،و لنفرض أنّه يتمّ خلقه في أربعين يوما،فيتحرّك في ثمانين يوما،فينفصل عند مائتين و أربعين يوما،و هو ثمانية أشهر،و لنفرض أنّه تمّت الخلقة في خمسة و أربعين يوما،فيتحرّك في تسعين يوما، فينفصل عند مائتين و سبعين يوما،و هو تسعة أشهر، فهذا هو الضّبط الّذي ذكره أصحاب التّجارب.

قال جالينوس:إنّي كنت شديد التّفحّص عن مقادير أزمنة الحمل،فرأيت امرأة ولدت في المئة و الأربع و الثّمانين ليلة،و زعم أبو عليّ بن سينا أنّه شاهد ذلك،فقد صار أقلّ مدّة الحمل بحسب نصّ القرآن،و بحسب التّجارب الطّبّيّة شيئا واحدا،و هو ستّة أشهر.و أمّا أكثر مدّة الحمل،فليس في القرآن ما يدلّ عليه.قال أبو عليّ بن سينا،في الفصل السّادس من المقالة التّاسعة من عنوان«الشّفاء»:بلغني من حيث وثقت به كلّ الثّقة، أنّ امرأة وضعت بعد الرّابع من سني الحمل ولدا قد نبتت أسنانه و عاش.

و حكي عن أرسطاطاليس أنّه قال:أزمنة الولادة، و حبل الحيوان مضبوطة سوى الإنسان،فربّما وضعت الحبلى لسبعة أشهر،و ربّما وضعت في الثّامن،و قلّما يعيش المولود في الثّامن إلاّ في بلاد معيّنة مثل مصر، و الغالب هو الولادة بعد التّاسع.

قال أهل التّجارب:و الّذي قلناه:من أنّه إذا تضاعف زمان التّكوين تحرّك الجنين،و إذا انضمّ إلى

ص: 451

المجموع مثلاه انفصل الجنين،إنّما قلناه بحسب التّقريب لا بحسب التّحديد،و إنّه ربّما زاد أو نقص بحسب الأيّام، لأنّه لم يقم على هذا الضّبط برهان،إنّما هو تقريب ذكروه بحسب التّجربة،و اللّه أعلم.

ثمّ قالوا:المدّة الّتي فيها تتمّ خلقة الجنين تنقسم إلى أقسام:

فأوّلها:أنّ الرّحم إذا اشتملت على المنيّ و لم تقذفه إلى الخارج استدار المنيّ على نفسه،منحصرا إلى ذاته و صار كالكرة.و لمّا كان من شأن المنيّ أن يفسده الحركات،لا جرم يثخن في هذا الوقت.و بالحريّ أن خلق المنيّ من مادّة تجفّ بالحرّ إذا كان الغرض منه تكوّن الحيوان و استحصاف أجزائه،و يصير المنيّ زبدا في اليوم السّادس.

و ثانيها:ظهور النّقط الثّلاثة الدّمويّة فيه؛إحداها:

في الوسط و هو الموضع الّذي إذا تمّت خلقته كان قلبا، و الثّاني:فوق و هو الدّماغ،و الثّالث:على اليمين و هو الكبد،ثمّ إنّ تلك النّقط تتباعد و يظهر فيما بينها خيوط حمر؛و ذلك يحصل بعد ثلاثة أيّام أخرى،فيكون المجموع تسعة أيّام.

و ثالثها:أن تنفذ الدّمويّة في الجميع فيصير علقة،و ذلك بعد ستّة أيّام أخرى حتّى يصير المجموع خمسة عشر يوما.

و رابعها:أن يصير لحما و قد تميّزت الأعضاء الثّلاثة، و امتدّت رطوبة النّخاع،و ذلك إنّما يتمّ باثني عشر يوما، فيكون المجموع سبعة و عشرين يوما.

و خامسها:أن ينفصل الرّأس عن المنكبين و الأطراف عن الضّلوع و البطن يميّز الحسّ في بعض و يخفى في بعض؛و ذلك يتمّ في تسعة أيّام أخرى،فيكون المجموع ستّة و ثلاثين يوما.

و سادسها:أن يتمّ انفصال هذه الأعضاء بعضها عن بعض و يصير بحيث يظهر ذلك الحسّ ظهورا بيّنا،و ذلك يتمّ في أربعة أيّام أخرى،فيكون المجموع أربعين يوما،و قد يتأخّر إلى خمسة و أربعين يوما،قال:و الأقلّ هو الثّلاثون.فصارت هذه التّجارب الطّبّيّة مطابقة لما أخبر عنه الصّادق المصدوق في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«يجمع خلق أحدكم في بطن أمّه أربعين يوما».قال أصحاب التّجارب:إنّ السّقط بعد الأربعين إذا شقّ عنه السّلالة و وضع في الماء البارد ظهر شيء صغير متميّز الأطراف.

[ثمّ ذكر دلالة الآيتين على أقلّ مدّة الحمل و أكثر مدّة الرّضاع ثمّ قال:]و الفقهاء ربطوا بهذين الضّابطين أحكاما كثيرة في الفقه.

و أيضا فإذا ثبت أنّ أقلّ مدّة الحمل هو الأشهر السّتّة،فبتقدير أن تأتي المرأة بالولد في هذه الأشهر يبقى جانبها مصونا عن تهمة الزّنى و الفاحشة،و بتقدير أن يكون أكثر مدّة الرّضاع ما ذكرناه،فإذا حصل الرّضاع بعد هذه المدّة لا يترتّب عليها أحكام الرّضاع،فتبقى المرأة مستورة عن الأجانب.

و عند هذا يظهر أنّ المقصود من تقدير أقلّ الحمل ستّة أشهر و تقدير أكثر الرّضاع حولين كاملين السّعي في دفع المضارّ و الفواحش و أنواع التّهمة عن المرأة، فسبحان من له تحت كلّ كلمة من هذا الكتاب الكريم أسرار عجيبة و نفائس لطيفة،تعجز العقول عن

ص: 452

الإحاطة بكمالها.

و روى الواحديّ في«البسيط»عن عكرمة أنّه قال:إذا حملت تسعة أشهر أرضعته أحدا و عشرين شهرا،و إذا حملت ستّة أشهر أرضعته أربعة و عشرين شهرا،و الصّحيح ما قدّمناه.(28:15)

القرطبيّ: [نحو الجصّاص و أضاف:]و قيل:لم يعدّ ثلاثة أشهر في ابتداء الحمل،لأنّ الولد فيها نطفة و علقة و مضغة،فلا يكون له ثقل يحسّ به،و هو معنى قوله تعالى: فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ الأعراف:189.(16:193)

البيضاويّ: ثَلاثُونَ شَهْراً كلّ ذلك بيان لما تكابده الأمّ في تربية الولد،مبالغة في التّوصية بها،و فيه دليل على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر،لأنّه إذا حطّ منه للفصال حولان لقوله: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة بقي ذلك،و به قال الأطبّاء،و لعلّ تخصيص أقلّ الحمل و أكثر الرّضاع لانضباطهما،و تحقّق ارتباط حكم النّسب و الرّضاع بهما.(2:387)

نحوه أبو السّعود.(6:73)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قد كشفت التّجربة أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر كنصّ القرآن.[ثمّ ذكر قول جالينوس و ابن سينا كما تقدّم عن الفخر الرّازيّ](8:60)

ابن كثير :و قد استدلّ عليّ رضى اللّه عنه بهذه الآية مع الّتي في لقمان:14 وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ، و قوله تبارك و تعالى: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ البقرة:233،على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر،و هو استنباط قويّ صحيح،و وافقه عليه عثمان و جماعة من الصّحابة رضي اللّه عنهم.

قال محمّد بن إسحاق عن معمّر بن عبد اللّه الجهنيّ، قال:تزوّج رجل منّا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستّة أشهر،فانطلق زوجها إلى عثمان رضى اللّه عنه،فذكر ذلك له، فبعث إليها،فلمّا قامت لتلبس ثيابها بكت أختها،فقالت:

و ما يبكيك؟فو اللّه ما التبس بي أحد من خلق اللّه تعالى غيره قطّ،فيقضي اللّه سبحانه و تعالى فيّ ما شاء،فلمّا أتي بها عثمان رضى اللّه عنه أمر برجمها،فبلغ ذلك عليّا رضى اللّه عنه،فأتاه فقال له:ما تصنع؟قال:ولدت تماما لستّة أشهر،و هل يكون ذلك؟فقال له عليّ رضى اللّه عنه:أ ما تقرأ القرآن؟قال:

بلى.قال:أ ما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و قال: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فلم نجده بقي إلاّ ستّة أشهر.قال:فقال عثمان رضى اللّه عنه:و اللّه ما فطنت بهذا،عليّ بالمرأة،فوجدوها قد فرغ منها.قال:

فقال معمّر:فو اللّه ما الغراب بالغراب و لا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه،فلمّا رآه أبوه قال:ابني و اللّه لا أشكّ فيه.

قال:و ابتلاه اللّه تعالى بهذه القرحة بوجهه الآكلة،فما زالت تأكله حتّى مات،رواه ابن أبي حاتم،و قد أوردناه من وجه آخر عند قوله عزّ و جلّ: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ. الزّخرف:81.

و قال ابن أبي حاتم:حدّثنا أبي،ثنا فروة بن أبي المغراء،حدّثنا عليّ بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،قال:إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرّضاع أحد و عشرون شهرا،و إذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرّضاع ثلاثة و

ص: 453

عشرون شهرا،و إذا وضعته لستّة أشهر فحولين كاملين،لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (6:281)

البروسويّ: و هذا دليل على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر،لما أنّه إذا حطّ منها للفصال حولان،لقوله تعالى: حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ يبقى للحمل ذلك،و به قال الأطبّاء.و في الفقه:مدّة الرّضاع ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة،و سنتان عند الإمامين (1).

و هذا الخلاف في حرمة الرّضاع إمّا استحقاق أجر الرّضاع فمقدّر بحولين لهما قوله تعالى: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ البقرة:233،و له قوله تعالى: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ذكر شيئين و هما الحمل و الفصال،و ضرب لهما مدّة ثلاثين شهرا،و كان لكلّ واحد منهما بكمالها كالأجل المضروب لدينين،لكن مدّة الحمل انتقصت بالدّليل،و هو قول عائشة رضي اللّه عنها:«الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين و لو بقدر ظلّ مغزل».و الظّاهر أنّها قالته سماعا،لأنّ المقادير لا يهتدى إليها بالرّأي،فبقي مدّة الفصال على ظاهرها،و يحمل قوله تعالى: يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ على مدّة استحقاق أجرة الرّضاع حتّى لا يجب نفقة الإرضاع على الأب بعد الحولين،و المراد السّنة القمريّة على ما أفادته الآية،كما قال:

شَهْراً لا الشّمسيّة.

و قال في«عين المعاني»: أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر، فبقى سنتان للرّضاع،و به قال أبو يوسف و محمّد.و قال أبو حنيفة:المراد منه الحمل على اليد،لو حمل على حمل البطن كان بيان الأقلّ مع الأكثر،انتهى.

قيل:و لعلّ تعيين أقلّ مدّة الحمل و أكثر مدّة الرّضاع،أي في الآية،لانضباطهما و تحقّق ارتباط النّسب و الرّضاع بهما،فإنّ من ولدت لستّة أشهر من وقت التّزوّج يثبت نسب ولدها كما وقع في زمان عليّ كرّم اللّه وجهه،فحكم بالولد على أبيه،فلو جاءت بولد لأقلّ من ستّة لم يلزم الولد للزّوج،و يفرق بينهما.

و من مصّ ثدي امرأة في اثناء حولين من مدّة ولادته تكون المرضعة أمّا له،و يكون زوجها الّذي لبنها منه أبا له.قال في«الحقائق»الفتوى في مدّة الرّضاع على قولهما،و في«فتح الرّحمن»اتّفق الأئمّة على أنّ مدّة الحمل ستّة أشهر.

و اختلفوا في أكثر مدّته،فقال أبو حنيفة:سنتان،و المشهور عن مالك خمس سنين،و روي عنه أربع و سبع.

و عند الشّافعيّ و أحمد أربع سنين،و غالبها تسعة أشهر، انتهى.(8:473)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

لعلّ تخصيص أقلّ الحمل و أكثر الرّضاع بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصّراحة و الدّلالة،دون أكثر الحمل و أقلّ الرّضاع و أوسطهما،لانضباطهما بعدم النّقص و الزّيادة،بخلاف ما ذكر،و تحقّق ارتباط حكم النّسب بأقلّ مدّة الحمل حتّى لو وضعته فيما دونه لم يثبت نسبه منه،و بعده يثبت و تبرأ من الزّنى،و لو أرضعت مرضعة بعد حولين لم يثبت به أحكام الرّضاع في التّناكحد.

ص: 454


1- -الظّاهر إنّهما أبو يوسف و محمّد.

و غيره،و في هذا خلاف لا يعبأ به.(26:18)

القاسميّ: لا يقال:بقي ثلاثة أشهر،لأنّ أمد الرّضاع حولان،لأنّا نقول:إنّ الحولين أمد من أراد تمام الأجل،و إلاّ فأصله أقلّ منهما،كما ينبئ عنه قوله تعالى:

حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ البقرة:

233 و لئن سلّم أنّهما أمدها،فيكون في الآية اكتفاء بالعقود،و حذف الكسور،جريا على عرفهم في ذلك،كما ذكروه في حديث أنس في وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على رأس ستّين سنة،مع أنّ الصّحيح أنّه توفّي عن ثلاث و ستّين،كما بيّن في«شرح الشّمائل»،قالوا:إنّ الرّاويّ للأولى اقتصر فيها على العقود و ترك الكسور،و سرّ ذلك هو القصد إلى ذكر المهمّ و ما يكتفي به،فيما سيق له الكلام،لا ضبط الحساب،و تدقيق الأعداد.(15:5347)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر ما قال المفسّرون في الجمع بين الآيتين و أضاف:]

ثمّ إنّه يمكن أن يستفاد من هذا التّعبير القرآنيّ أنّه كلّما قصرت فترة الحمل يجب أن تطول فترة الرّضاع؛ بحيث يكون المجموع(30)شهرا.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس المتقدّم و أضاف:]

و القانون الطّبيعيّ يوجب ذلك أيضا،لأنّ نواقص فترة الحمل يجب أن تجبر بفترة الرّضاع.(16:246)

ثلاثة
اشارة

1- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. آل عمران:124

راجع«م د د»(يمدّكم).

2- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ... النّساء:171

ابن عبّاس: ولد و والد و زوجة.(86)

الفرّاء: أي لا تقولوا:هم ثلاثة،كقوله تعالى:

سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ الكهف:22 فكلّ ما رأيته بعد القول مرفوعا و لا رافع معه ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم.(1:296)

نحوه أبو عبيدة.(1:144)

الطّبريّ: يعني و لا تقولوا:الأرباب ثلاثة،و رفعت«الثّلاثة»بمحذوف دلّ عليه الظّاهر و هو هم،و معنى الكلام:و لا تقولوا:هم ثلاثة،و إنّما جاز ذلك،لأنّ القول حكاية،و العرب تفعل ذلك في الحكاية،و منه قول اللّه: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ و كذلك كلّ ما ورد من مرفوع بعد القول لا رافع معه،ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم.

ثمّ قال لهم جلّ ثناؤه متوعّدا لهم في قولهم العظيم الّذي قالوه في اللّه:انتهوا أيّها القائلون:اللّه ثالث ثلاثة، عمّا تقولون من الزّور و الشّرك باللّه،فإنّ الانتهاء عن ذلك خير لكم من قيله،لما لكم عند اللّه من العقاب العاجل لكم على قيلكم ذلك،إن أقمتم عليه،و لم تنيبوا إلى الحقّ الّذي أمرتكم بالإنابة إليه،و الآجل في معادكم.

(6:37)

نحوه الطّوسيّ.(3:402)

الزّجّاج: الرّفع لا غير،و رفعه بإضمار لا تقولوا:

ص: 455

آلهتنا ثلاثة.(2:135)

الماورديّ: في«الثّلاثة»قولان:

أحدهما:هو قول النّصارى:أب و ابن و روح القدس،و هذا قول بعض البصريّين.

و الثّاني:[هو قول الزّجّاج و قد تقدّم](1:546)

الواحديّ: قال الزّجّاج:لا تقولوا:آلهتنا ثلاثة، يعني قولهم:اللّه و صاحبته و ابنه.(2:143)

الزّمخشريّ: (ثلاثة)خبر مبتدإ محذوف،فإن صحّت الحكاية عنهم أنّهم يقولون:هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم:أقنوم الأب،[و أقنوم الابن] (1)،و أقنوم روح القدس،و أنّهم يريدون بأقنوم الأب:الذّات،و بأقنوم الابن:العلم،و بأقنوم روح القدس:الحياة، فتقديره:اللّه ثلاثة،و إلاّ فتقديره:الآلهة ثلاثة،و الّذي يدلّ عليه القرآن التّصريح منهم بأنّ اللّه و المسيح و مريم ثلاثة آلهة،و أنّ المسيح ولد اللّه من مريم،أ لا ترى إلى قوله: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ المائدة:116 وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30 و المشهور المستفيض عنهم أنّهم يقولون في المسيح:لاهوتيّة و ناسوتيّة،من جهة الأب،و الأمّ،و يدلّ عليه قوله: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ النّساء:171،فأثبت أنّه ولد لمريم اتّصل بها اتّصال الأولاد بأمّهاتها،و أنّ اتّصاله باللّه تعالى من حيث أنّه رسوله،و أنّه موجود بأمره و ابتداعه جسدا حيّا من غير أب،فنفى أن يتّصل به اتّصال الأبناء بالآباء،و قوله سبحانه... أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ النّساء:171 و حكاية اللّه أوثق من حكاية غيره.(1:585)

ابن عطيّة: المعنى:اللّه ثالث ثلاثة،فحذف الابتداء و المضاف،كذا قدّر أبو عليّ،و يحتمل أن يكون المقدّر:المعبود ثلاثة،أو الإله ثلاثة،أو الآلهة ثلاثة،أو الأقانيم ثلاثة،و كيف ما تشعّب اختلاف عبارات النّصارى فإنّه يختلف بحسب ذلك التّقدير.(2:139)

الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ إلى أن قال:]

هذا خطاب للنّصارى،أي لا تقولوا:إلهنا ثلاثة،عن الزّجّاج.و قيل:هذا لا يصحّ،لأنّ النّصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة،و لكنّهم يقولون:إله واحد ثلاثة أقانيم:أب و ابن و روح القدس.و معناه لا تقولوا:اللّه ثلاثة:أب و ابن و روح القدس.و قد شبّهوا قولهم:جوهر واحد ثلاثة أقانيم،بقولنا:سراج واحد ثمّ نقول ثلاثة أشياء:

دهن و قطن و نار،و شمس واحدة و إنّما هي جسم وضوء و شعاع.

و هذا غلط بعيد،لأنّا لا نعني بقولنا:سراج واحد أنّه شيء واحد بل هو أشياء على الحقيقة،و كذلك الشّمس كما تقول:عشرة واحدة و إنسان واحد و دار واحدة،و إنّما هي أشياء متغايرة.

فإن قالوا:إنّ اللّه شيء واحد و إله واحد حقيقة، فقولهم:(ثلاثة)متناقضة،و إن قالوا:إنّه في الحقيقة أشياء،مثل ما ذكرناه في الإنسان و السّراج و غيرهما، فقد تركوا القول بالتّوحيد و التحقوا بالمشبّهة،و إلاّ فلا واسطة بين الأمرين.(2:144)

الفخر الرّازيّ: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ و فيه مسألتان:ا.

ص: 456


1- -سقط من النّسخة الّتي نقلنا عنها.

المسألة الأولى:المعنى:و لا تقولوا:إنّ اللّه سبحانه واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم.

و اعلم أنّ مذهب النّصارى مجهول جدّا،و الّذي يتحصّل منه أنّهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات ثلاثة،إلاّ أنّهم و إن سمّوها صفات فهي في الحقيقة ذوات،بدليل أنّهم يجوّزون عليها الحلول في عيسى و في مريم بأنفسها، و إلاّ لما جوّزوا عليها أن تحلّ في الغير،و أن تفارق ذلك الغير مرّة أخرى،فهم و إن كانوا يسمّونها بالصّفات،إلاّ أنّهم في الحقيقة يثبتون ذوات متعدّدة قائمة بأنفسها،و ذلك محض الكفر،فلهذا المعنى قال تعالى: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا.

فأمّا إن حملنا الثّلاثة على أنّهم يثبتون صفات ثلاثة، فهذا لا يمكن إنكاره،و كيف لا نقول ذلك و إنّا نقول:هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس السّلام العالم الحيّ القادر المريد،و نفهم من كلّ واحد من هذه الألفاظ غير ما نفهمه من اللّفظ الآخر،و لا معنى لتعدّد الصّفات إلاّ ذلك،فلو كان القول بتعدّد الصّفات كفرا لزم ردّ جميع القرآن و لزم ردّ العقل،من حيث إنّا نعلم بالضّرورة أنّ المفهوم من كونه تعالى عالما غير المفهوم من كونه تعالى قادرا أو حيّا.

المسألة الثّانية:قوله:(ثلاثة)خبر مبتدإ محذوف،ثمّ اختلفوا في تعيين ذلك المبتدإ على وجوه:

الأوّل:ما ذكرناه،أي و لا تقولوا:الأقانيم ثلاثة.

الثّاني:قال الزّجّاج:و لا تقولوا:آلهتنا ثلاثة،و ذلك لأنّ القرآن يدلّ على أنّ النّصارى يقولون:إنّ اللّه و المسيح و مريم ثلاثة آلهة،و الدّليل عليه قوله تعالى:

أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ المائدة:116.

الثّالث:قال الفرّاء:و لا تقولوا:هم ثلاثة،كقوله:

سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ و ذلك لأنّ ذكر عيسى و مريم مع اللّه تعالى بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين،و بالجملة فلا نرى مذهبا في الدّنيا أشدّ ركاكة و بعدا عن العقل من مذهب النّصارى.(11:116)

القرطبيّ: و النّصارى مع فرقهم مجمعون على التّثليث،و يقولون:إنّ اللّه جوهر واحد و له ثلاثة أقانيم، فيجعلون كلّ أقنوم إلها،و يعنون بالأقانيم:الوجود و الحياة و العلم،و ربّما يعبّرون عن الأقانيم بالأب و الابن و روح القدس؛فيعنون بالأب الوجود،و بالرّوح الحياة، و بالابن المسيح،في كلام لهم فيه تخبّط،بيانه في أصول الدّين.

و محصول كلامهم يؤول إلى التّمسّك بأنّ عيسى إله بما كان يجريه اللّه سبحانه و تعالى على يديه من خوارق العادات،على حسب دواعيه و إرادته.و قالوا:قد علمنا خروج هذه الأمور عن مقدور البشر،فينبغي أن يكون المقتدر عليها موصوفا بالإلهيّة؛فيقال لهم:لو كان ذلك من مقدوراته و كان مستقلاّ به كان تخليص نفسه من أعدائه و دفع شرّهم عنه من مقدوراته و ليس كذلك؛ فإن اعترفت النّصارى بذلك،فقد سقط قولهم و دعواهم أنّه كان يفعلها مستقلاّ به،و إن لم يسلّموا ذلك فلا حجّة لهم أيضا،لأنّهم معارضون بموسى عليه السّلام،و ما كان يجري على يديه من الأمور العظام،مثل قلب العصا ثعبانا،و فلق البحر،و اليد البيضاء،و المنّ و السّلوى و غير ذلك،

ص: 457

و كذلك ما جرى على يد الأنبياء.

فإن أنكروا ذلك فننكر ما يدّعونه هم أيضا من ظهوره على يد عيسى عليه السّلام،فلا يمكنهم إثبات شيء من ذلك لعيسى؛فإنّ طريق إثباته عندنا نصوص القرآن و هم ينكرون القرآن،و يكذّبون من أتى به،فلا يمكنهم إثبات ذلك بأخبار التّواتر.

و قد قيل:إنّ النّصارى كانوا على دين الإسلام إحدى و ثمانين سنة بعد ما رفع عيسى،يصلّون إلى القبلة،و يصومون شهر رمضان،حتّى وقع فيما بينهم و بين اليهود حرب،و كان في اليهود رجل شجاع يقال له:

بولس،قتل جماعة من أصحاب عيسى،فقال:إن كان الحقّ مع عيسى فقد كفرنا و جحدنا و إلى النّار مصيرنا،و نحن مغبونون إن دخلوا الجنّة و دخلنا النّار،و إنّي أحتال فيهم فأضلّهم،فيدخلون النّار،و كان له فرس يقال لها:

العقاب،فأظهر النّدامة و وضع على رأسه التّراب،و قال للنّصارى:أنا بولس عدوّكم قد نوديت من السّماء أن ليست لك توبة إلاّ أن تتنصّر،فأدخلوه في الكنيسة بيتا، فأقام فيه سنة لا يخرج ليلا و لا نهارا حتّى تعلّم الإنجيل، فخرج و قال:نوديت من السّماء أنّ اللّه قد قبل توبتك، فصدّقوه و أحبّوه،ثمّ مضى إلى بيت المقدس و استخلف عليهم نسطورا و أعلمه أنّ عيسى بن مريم إله،ثمّ توجّه إلى الرّوم و علّمهم اللاّهوت و النّاسوت،و قال:لم يكن عيسى بالإنس فتأنّس و لا بجسم فتجسّم،و لكنّه ابن اللّه.و علّم رجلا يقال له:يعقوب ذلك؛ثمّ دعا رجلا يقال له:الملك فقال له:إنّ الإله لم يزل و لا يزال عيسى، فلمّا استمكن منهم دعا هؤلاء الثّلاثة واحدا واحدا،و قال له:أنت خالصتي و لقد رأيت المسيح في النّوم و رضي عنّي،و قال لكلّ واحد منهم:إنّي غدا أذبح نفسي و أتقرّب بها،فادع النّاس إلى نحلتك،ثمّ دخل المذبح فذبح نفسه،فلمّا كان يوم ثالثه دعا كلّ واحد منهم النّاس إلى نحلته،فتبع كلّ واحد منهم طائفة،فاقتتلوا و اختلفوا إلى يومنا هذا،فجميع النّصارى من الفرق الثّلاث،فهذا كان سبب شركهم فيما يقال،و اللّه أعلم.

(6:25)

البيضاويّ: أي الآلهة ثلاثة:اللّه و المسيح و مريم، و يشهد عليه قوله تعالى أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ المائدة:116 أو اللّه ثلاثة إن صحّ أنّهم يقولون:اللّه ثلاثة أقاليم:الأب و الابن و روح القدس و يريدون بالأب:الذّات،و بالابن:العلم،و بروح القدس:الحياة.(1:258)

نحوه النّسفيّ(1:265)،و أبو السّعود(2:226)،و البروسويّ(2:330).

الخازن :يعني و لا تقولوا:الآلهة ثلاثة،و ذلك أنّ النّصارى يقولون:أب و ابن و روح القدس.

و قيل:إنّهم يقولون:إنّ اللّه بالجوهر ثلاثة أقانيم،و ذلك أنّهم أثبتوا ذاتا موصوفة بصفات ثلاثة،بدليل أنّهم يجوّزون على تلك الذّات الحلول في عيسى و في مريم، فأثبتوا ذواتا معدودة ثلاثة،و هذا هو محض الكفر،فلهذا قال اللّه تعالى: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ (1:522)

أبو حيّان: [نقل قول المتقدّمين و أضاف:]قال أبو عليّ:التّقدير:اللّه ثالث ثلاثة،حذف المبتدأ و المضاف انتهى.

ص: 458

أراد أبو عليّ موافقة قوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ أي أحد آلهة ثلاثة،و الّذي يظهر أنّ الّذي أثبتوه هو ما أثبت في الآية خلافه،و الّذي أثبت في الآية بطريق الحصر إنّما هو وحدانيّة اللّه تعالى و تنزيهه أن يكون له ولد،فيكون التّقدير:و لا تقولوا:اللّه ثلاثة.

و يترجّح قول أبي عليّ بموافقته الآية الّتي ذكرناها، و بقوله تعالى: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ النّساء:

171،و النّصارى و إن اختلفت فرقهم فهم مجمعون على التّثليث.(3:401)

ابن كثير :أي لا تجعلوا عيسى و أمّه مع اللّه شريكين،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا،و هذه الآية و الّتي في سورة المائدة:73،حيث يقول تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ و كما قال في آخر السّورة المذكورة: وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي الآية:116،و قال في أوّلها: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الآية:17.(2:46)

الآلوسيّ: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ أي الآلهة ثلاثة:

اللّه سبحانه،و المسيح،و مريم،كما ينبئ عنه قوله تعالى:

أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ إذ معناه(الهين)غير اللّه تعالى،فيكونون معه ثلاثة.و حكي هذا التّقدير عن الزّجّاج،أو اللّه سبحانه ثلاثة إن صحّ عنهم أنّهم يقولون:اللّه تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم:أقنوم الأب،و أقنوم الابن،و أقنوم روح القدس، و أنّهم يريدون بالأوّل:الذّات أو الوجود،و بالثّاني:

العلم أي الكلمة،و بالثّالث:الحياة،كذا قيل.

و تحقيق الكلام في هذا المقام على ما ذكره بعض المحقّقين أنّ النّصارى اتّفقوا على أنّ اللّه تعالى جوهر بمعنى قائم بنفسه غير متحيّز،و لا مختصّ بجهة،و لا مقدّر بقدر، و لا يقبل الحوادث بذاته،و لا يتصوّر عليه الحدوث و العدم،و أنّه واحد بالجوهريّة،ثلاثة بالأقنوميّة،و الأقانيم صفات للجوهر القديم،و هي الوجود،و العلم،و الحياة.و عبّروا عن الوجود بالأب،و الحياة بروح القدس،و العلم بالكلمة.

ثمّ اختلفوا،فذهب الملكانيّة أصحاب ملكا الّذي ظهر بالرّوم و استولى عليها:إلى أنّ الأقانيم غير الجوهر القديم،و أنّ كلّ واحد منها إله و صرّحوا بإثبات التّثليث،و قالوا:إنّ اللّه ثالث ثلاثة سبحانه و تعالى عمّا يشركون،و أنّ الكلمة اتّحدت بجسد المسيح و تدرّعت بناسوته،و امتزجت به امتزاج الماء بالخمر،و انقلبت الكثرة وحدة،و أنّ المسيح ناسوت كلّيّ لا جزئيّ،و هو قديم أزليّ.و أنّ مريم ولدت إلها أزليّا مع اختلافهم في مريم أنّها إنسان كلّيّ أو جزئيّ.

و اتّفقوا على أنّ اتّحاد اللاّهوت بالمسيح دون مريم، و أنّ القتل و الصّلب وقع على النّاسوت و اللاّهوت معا، و أطلقوا لفظ«الأب»على اللّه تعالى،و«الابن»على عيسى عليه السّلام،و ذهب نسطور الحكيم-في زمان المأمون- إلى أنّ اللّه تعالى واحد و الأقانيم الثّلاثة ليست غير ذاته و لا نفس ذاته،و أنّ الكلمة اتّحدت بجسد المسيح،لا بمعنى الامتزاج بل بمعنى الإشراق،أي أشرقت عليه كإشراق الشّمس من كوّة على بلّور.

و من النّسطوريّة من قال:إنّ كلّ واحد من الأقانيم

ص: 459

الثّلاثة حيّ ناطق موجود،و صرّحوا بالتّثليث كالملكانيّة،و منهم من منع ذلك،و منهم من أثبت صفات أخر كالقدرة و الإرادة و نحوهما،لكن لم يجعلوها أقانيم، و زعموا أنّ الابن لم يزل متولّدا من الأب و إنّما تجسّده و توحّده بجسد المسيح حين ولد،و الحدوث راجع إلى النّاسوت،فالمسيح إله تامّ و إنسان تامّ،و هما قديم و حادث،و الاتّحاد غير مبطل لقدم القديم و لا لحدوث الحادث،و قالوا:إنّ الصّلب ورد على النّاسوت دون اللاّهوت.

و ذهب بعض اليعقوبيّة: إلى أنّ الكلمة انقلبت لحما و دما فصار الإله هو المسيح،و قالوا:إنّ اللّه هو المسيح عيسى بن مريم،و رووا عن يوحنّا الإنجيليّ أنّه قال في صدر إنجيله:إنّ الكلمة صارت جسدا و حلّت فينا، و قال:في البدء كانت الكلمة و الكلمة عند اللّه و اللّه تعالى هو الكلمة،و منهم من قال:ظهر اللاّهوت بالنّاسوت بحيث صار هو هو،و ذلك كظهور الملك في الصّورة المشار إليه بقوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا مريم:17.

و منهم من قال:جوهر الإله القديم و جوهر الإنسان المحدث تركّبا تركّب النّفس النّاطقة مع البدن،و صارا جوهرا واحدا،و هو المسيح،و هو الإله،و يقولون:صار الإله إنسانا و إن لم يصر الإنسان إلها،كما يقال في الفحمة الملقاة في النّار:صارت نارا،و لا يقال:

صارت النّار فحمة،و يقولون:إنّ اتّحاد اللاّهوت بالإنسان الجزئيّ دون الكليّ،و أنّ مريم ولدت إلها و أنّ القتل و الصّلب واقع على اللاّهوت و النّاسوت جميعا؛إذ لو كان على أحدهما بطل الاتّحاد،و منهم من قال:

المسيح مع اتّحاد جوهره قديم من وجه،محدث من وجه.

و من اليعقوبيّة من قال:إنّ الكلمة لم تأخذ من مريم شيئا و إنّما مرّت بها كمرور الماء بالميزاب،و منهم من زعم أنّ الكلمة كانت تداخل جسد المسيح فتصدر عنه الآيات الّتي كانت تظهر عنه،و تفارقه تارة،فتحلّه الآفات و الآلام.

و من النّصارى من زعم أنّ معنى اتّحاد اللاّهوت بالنّاسوت ظهور اللاّهوت على النّاسوت و إن لم ينتقل من اللاّهوت إلى النّاسوت شيء و لا حلّ فيه،و ذلك كظهور نقش الطّابع على الشّمع و الصّورة المرئيّة في المرآة.

و منهم من قال:إنّ الوجود و الكلمة قديمان،و الحياة مخلوقة.و منهم من قال:إنّ اللّه تعالى واحد و سمّاه أبا و أنّ المسيح كلمة اللّه تعالى و ابنه على طريق الاصطفاء،و هو مخلوق قبل العالم،و هو خالق للأشياء كلّها.

و حكى المؤرّخون و أصحاب النّقل أنّ أريوس أحد كبار النّصارى كان يعتقد هو و طائفته توحيد الباري و لا يشرك معه غيره،و لا يرى في المسيح ما يراه النّصارى بل يعتقد رسالته،و أنّه مخلوق بجسمه و روحه،ففشت مقالته في النّصرانيّة فتكاتبوا و اجتمعوا بمدينة نيقية عند الملك قسطنطين و تناظروا،فشرح أريوس مقالته،فردّ عليه الأكصيدروس بطريق الإسكندريّة،و شنّع على مقالته عند الملك،ثمّ تناظروا، فطال تنازعهم،فتعجّب الملك من انتشار مقالتهم و كثرة

ص: 460

اختلافهم.و قام لهم البترك و أمرهم أن يبحثوا عن القول المرضي،فاتّفق رأيهم على شيء فحرّروه و سمّوه بالأمانة،و أكثرهم اليوم عليها،و هي:

«نؤمن باللّه تعالى الواحد الأب صانع كلّ شيء، مالك كلّ شيء،صانع ما يرى و ما لا يرى،و بالرّبّ الواحد المسيح ابن اللّه تعالى الواحد بكر الخلائق كلّها الّذي ولد من أبيه قبل العوالم كلّها و ليس بمصنوع،إله حقّ،من إله حقّ،من جوهر أبيه الّذي بيده أتقنت العوالم،و خلق كلّ شيء الّذي من أجلنا معاشر النّاس، و من أجل خلاصنا نزل من السّماء و تجسّد من روح القدس و مريم،و صار إنسانا و حبل به و ولد من مريم البتول و اتّجع،و صلب أيّام فيلاطس و دفن،و قام في اليوم الثّالث-كما هو مكتوب-و صعد إلى السّماء و جلس على يمين أبيه،و هو مستعدّ للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات و الأحياء،و نؤمن بروح القدس الواحد روح الحقّ الّذي يخرج من أبيه و بمعوديّة واحدة لغفران الخطايا،و الجماعة واحدة قدسيّة كاطولكيّة،و بالحياة الدّائمة إلى أبد الآبدين»انتهى.

و هذه جملة الأقاويل،و ما لهؤلاء الكفرة من الأباطيل،و هي مع مخالفتها للعقول و مزاحمتها للأصول، ممّا لا مستند لها و لا معوّل لهم فيها غير التّقليد لأسلافهم،و الأخذ بظواهر ألفاظ لا يحيطون بها علما، على أنّ ما سمّوه«أمانة»لا أصل له في شرع الإنجيل،و لا مأخوذة من قول المسيح،و لا من أقوال تلاميذه،و هو مع ذلك مضطرب متناقض متهافت يكذّب بعضه بعضا و يعارضه و يناقضه،و إذ قد علمت ذلك فاستمع لما يتلى عليك في ردّهم تتميما للفائدة و تأكيدا لإبطال تلك العقائد الفاسدة.

أمّا قولهم:بأنّ اللّه تعالى جوهر بالمعنى المذكور،فلا نزاع لنا معهم فيه من جهة المعنى بل من جهة الإطلاق اللّفظيّ سمعا،و الأمر فيه هيّن،و أمّا حصرهم الأقانيم في ثلاثة:صفة الوجود،و صفة الحياة،و صفة العلم فباطل، لأنّه بعد تسليم أنّ صفة الوجود زائدة لو طولبوا بدليل الحصر لم يجدوا إليه سبيلا سوى قولهم:بحثنا فلم نجد غير ما ذكرناه،و هو غير يقينيّ كما لا يخفى،ثمّ هو باطل بما تحقّق في موضعه من وجوب صفة القدرة.و الإرادة و السّمع و البصر و الكلام.

فإن قالوا:الأقانيم هي خواصّ الجوهر و صفات نفسه،و من حكمها أن تلزم الجوهر و لا تتعدّاه إلى غيره، و ذلك متحقّق في الوجود و الحياة،إذ لا تعلّق لوجود الذّات القديمة و حياتها بغيرها،و كذلك العلم؛إذ العلم مختصّ بالجوهر من حيث هو معلوم به،و هذا بخلاف القدرة و الإرادة فإنّهما لا اختصاص لهما بالذّات القديمة بل يتعلّقان بالغير ممّا هو مقدور و مراد،و الذّات القديمة غير مقدورة و لا مرادة،و أيضا فإنّ الحياة تجزئ عن القدرة و الإرادة،من حيث أنّ الحيّ لا يخلو عنهما، بخلاف العلم فإنّه قد يخلو عنه،و لأنّه يمتنع أجزاء الحياة عن العلم لاختصاص الحياة بامتناع جريان المبالغة و التّفضيل بخلاف العلم.

قلنا:أمّا قولهم:إنّ الوجود و الحياة مختصّة بذات القديم-و لا تعلّق لهما بغيره-فمسلّم،و لكن يلزم عليه أن لا يكون العلم أقنوما لتعلّقه بغير ذات القديم إذ هو

ص: 461

معلوم به.فلئن قالوا:العلم إنّما كان أقنوما،من حيث كان متعلّقا بذات القديم لا من حيث كان متعلّقا بغيره، فيلزمهم أن يكون البصر أقنوما لتعلّقه بذات القديم من حيث أنّه يرى نفسه و لم يقولوا به،و يلزمهم من ذلك أن يكون بقاء ذات اللّه تعالى أقنوما لاختصاص البقاء بنفسه و عدم تعلّقه بغيره،كما في الوجود و الحياة.فلئن قالوا:البقاء هو نفس الوجود،فيلزم أن يكون الموجود في زمان حدوثه باقيا،و هو محال.

و قولهم:بأنّ الإرادة تجزئ عن القدرة و الإرادة،إمّا أن يريدوا به أنّ القدرة و الإرادة نفس الحياة،أو أنّهما خارجتان عنها لازمتان لها لا تفارقانها.فإن كان الأوّل فقد نقضوا مذهبهم،حيث قالوا:إنّ الحياة أقنوم لاختصاصها بجوهر القديم.و القدرة و الإرادة غير مختصّتين بذات القديم تعالى،و ذلك مشعر بالمغايرة و لا اتّحاد معها،و إن قالوا:إنّها لازمة لها مع المغايرة فهو ممنوع،فإنّه كما يجوز خلوّ الحيّ عن العلم،فكذلك قد يجوز خلوّه عن القدرة و الإرادة،كما في حالة النّوم و الإغماء مثلا،و قولهم:إنّه يمتنع أجزاء الحياة عن العلم لاختصاص العلم بالمبالغة و التّفضيل،فيلزم منه أن لا تكون مجزئة عن القدرة أيضا،لاختصاصها بهذا النّوع من المبالغة و التّفضيل.

و أمّا قولهم:بأنّ الكلمة حلّت في المسيح و تدرّعت به،فهو باطل من وجهين:

الأوّل:أنّه قد تحقّق امتناع حلول صفة القديم في غيره،الثّاني:أنّه ليس القول بحلول الكلمة أولى من القول بحلول الرّوح و هي الحياة.

و لئن قالوا:إنّما استدللنا على حلول العلم فيه لاختصاصه بعلوم لا يشاركه فيها غيره.

قلنا:أوّلا:لا نسلّم ذلك،فقد روى النّصارى أنّه عليه السّلام سئل عن القيامة فلم يجب،و قال:لا يعرفها إلاّ اللّه تعالى وحده،و ثانيا:سلّمنا لكنّه قد اختصّ عندكم بإحياء الموتى،و إبراء الأكمه،و الأبرص،و بأمور لا يقدر عليها غيره من المخلوقين بزعمكم،و القدرة عندكم في حكم الحياة إمّا بمعنى أنّها عينها،أو ملازمة لها،فوجب أن يقال:بحلول الحياة فيه،و لم تقولوا به.

و أمّا قول الملكانيّة بالتّثليث في الآلهة،و أنّ كلّ أقنوم إله،فلا يخلو إمّا أن يقولوا:إنّ كلّ واحد متّصف بصفات الإله تعالى من الوجود و الحياة و العلم و القدرة، و غير ذلك من الصّفات،أو ألاّ يقولوا به،فإن قالوا به فهو خلاف أصلهم،و هو مع ذلك ممتنع لقيام الأدلّة على امتناع إلهين.

و أيضا فإنّهم إمّا أن يقولوا:بأنّ جوهر القديم أيضا إله أو ألاّ يقولوا.فإن كان الأوّل فقد أبطلوا مذهبهم، فإنّهم مجمعون على الثّالوث،و بقولهم هذا يلزم التّربيع، و إن كان الثّاني لم يجدوا إلى الفرق سبيلا،مع أنّ جوهر القديم أصل و الأقانيم صفات تابعة،فكان أولى أن يكون إلها،و إن قالوا بالثّاني فحاصله يرجع إلى منازعة لفظيّة،و المرجع فيها إلى ورود الشّرع بجواز إطلاق ذلك.

و أمّا قولهم:بأنّ الكلمة امتزجت بجسد المسيح، فيبطله امتناع حلول صفات القديم بغير ذات اللّه تعالى، و دعواهم الاتّحاد ممتنعة من جهة الدّلالة و الإلزام،أمّا

ص: 462

الأوّل فإنّهما عند الاتّحاد إمّا أن يقال:ببقائهما أو بعدمهما، أو ببقاء أحدهما و عدم الآخر.

أمّا على التّقدير الأوّل فهما اثنان كما كانا،و إن كان الثّاني فالواحد الموجود غيرهما،و إن كان الثّالث فلا اتّحاد للاثنينيّة و عدم أحدهما.

و أمّا على التّقدير الثّاني فمن أربعة أوجه:

الأوّل:أنّه إذا جاز اتّحاد أقنوم الجوهر القديم بالحادث،فما المانع من اتّحاد صفة الحادث بالجوهر القديم؟فلئن قالوا:المانع أنّ اتّحاد صفة الحادث بالجوهر القديم يوجب نقصه و هو ممتنع،و اتّحاد صفة القديم بالحادث يوجب شرفه،و شرف الحادث بالقديم غير ممتنع،قلنا:فكما أنّ ذات القديم تنقص باتّحاد صفة الحادث بها فالأقنوم القديم ينقص باتّحاده بالنّاسوت الحادث فليكن ذلك ممتنعا.

الثّاني:أنّه قد وقع الاتّفاق على امتناع اتّحاد أقنوم الجوهر القديم بغير ناسوت المسيح،فما الفرق بين ناسوت و ناسوت؟فلئن قالوا:إنّما اتّحد بالنّاسوت الكلّيّ دون الجزئيّ رددناه بما ستعلمه قريبا إن شاء اللّه تعالى.

الثّالث:أنّ مذهبهم أنّ الأقانيم زائدة على ذات الجوهر القديم مع اختصاصها به،و لم يوجب قيامها به الاتّحاد فإن لا يوجب اتّحاد الأقنوم بالنّاسوت أولى.

الرّابع:أنّ الإجماع منعقد على أنّ أقنوم الجوهر القديم مخالف للنّاسوت،كما أنّ صفة نفس الجوهر تخالف نفس العرض،و صفة نفس العرض تخالف الجوهر،فإن قالوا:بجواز اتّحاد صفة الجوهر بالعرض أو صفة العرض بالجوهر حتّى أنّه يصير الجوهر في حكم العرض و العرض في حكم الجوهر،فقد التزموا محالا مخالفا لأصولهم،و إن قالوا:بامتناع اتّحاد صفة نفس الجوهر بالعرض و نفس العرض بالجوهر،مع أنّ العرض و الجوهر أقبل للتّبدّل و التّغيّر فلأن يمتنع في القديم و الحادث أولى.

و قولهم:إنّ المسيح إنسان كلّيّ،باطل من أربعة أوجه:

الأوّل:أنّ الإنسان الكلّيّ لا اختصاص له بجزئيّ دون جزئيّ من النّاس،و قد اتّفقت النّصارى أنّ المسيح مولود من مريم عليهما السّلام،و عند ذلك فإمّا أن يقال:إنّ إنسان مريم أيضا كلّيّ-كما حكي عن بعضهم-أو جزئيّ، فإن كان كلّيّا فإمّا أن يكون هو عين إنسان المسيح أو غيره،فإن كان عينه لزم أن يولد الشّيء من نفسه و هو محال،ثمّ يلزم أن يكون المسيح مريم و مريم المسيح و لم يقل به أحد،و إن كان غيره فالإنسان الكلّيّ ما يكون عامّا مشتركا بين جميع،و طبيعته جزء من معنى كلّ إنسان،و يلزم من ذلك أن يكون إنسان المسيح بطبيعته جزء من مفهوم إنسان مريم و بالعكس و ذلك محال،و إن كان إنسان مريم جزئيّا فمن ضرورة كون المسيح مولودا عنها أن يكون الكلّيّ الصّالح لاشتراك الكثرة منحصرا في الجزئيّ الّذي لا يصلح لذاته و هو ممتنع.

الثّاني:أنّ النّصارى مجمعون على أنّ المسيح كان مرئيّا و مشارا إليه،و الكلّيّ ليس كذلك.

الثّالث:أنّهم قائلون:إنّ الكلمة حلّت في المسيح إمّا بجهة الاتّحاد أو لا بجهة الاتّحاد،فلو كان المسيح إنسانا كلّيّا لما اختصّ به بعض أشخاص النّاس دون البعض،و

ص: 463

لما كان المولود من مريم مختصّا بحلول الكلمة دون غيره، و لم يقولوا به.

الرّابع:أنّ الملكانيّة متّفقون على أنّ القتل وقع على اللاّهوت و النّاسوت،و لو كان ناسوت المسيح كلّيّا لما تصوّر وقوع الجزئيّ عليه.

و أمّا ما ذهب إليه نسطور:من أنّ الأقانيم ثلاثة، فالكلام معه في الحصر على طرز ما تقدّم،و قوله:ليست عن ذاته و لا غير ذاته،فإن أراد بذلك ما أراد به الأشعريّ في قوله:إنّ الصّفات لا عين و لا غير فهو حقّ، و إن أراد غيره فغير مفهوم.و أمّا تفسيره العلم بالكلمة، فالنّزاع معه-في هذا الإطلاق-لفظيّ،ثمّ لا يخلو إمّا أن يريد بالكلمة:الكلام النّفسيّ أو الكلام اللّسانيّ،و الكلام في ذلك معروف.و قوله:إنّ الكلمة اتّحدت بالمسيح،بمعنى أنّها أشرقت عليه،لا حاصل له،لأنّه إمّا أن يريد بإشراق الكلمة عليه عليه السّلام ما هو مفهوم من مثاله،و هو أن يكون مطرحا لشعاعها عليه،أو يريد أنّها متعلّقة به كتعلّق العلم القديم بالمعلومات،أو يريد غير ذلك.فإن كان الأوّل يلزم أن تكون الكلمة ذات شعاع.

و في جهة من مطرح شعاعها،و يلزم من ذلك أن تكون جسما،و أن لا تكون صفة للجوهر القديم و هو محال.و إن كان الثّاني فهو حقّ غير أنّ تعلّق الأقنوم بالمسيح بهذا التّفسير لا يكون خاصّة،و إن كان الثّالث فلا بدّ من تصويره ليتكلّم عليه.

و أمّا قول بعض النّسطوريّة:إنّ كلّ واحد من الأقانيم الثّلاثة إله حيّ ناطق،فهو باطل بأدلّة إبطال التّثليث.و أمّا من أثبت منهم للّه تعالى صفات أخر كالقدرة و الإرادة و نحوهما فقد أصاب،خلا أنّ القول بإخراجها عن كونها من الأقانيم مع أنّها مشاركة لها في كونها من الصّفات تحكّم بحت،و الفرق الّذي يستند إليه باطل كما علمت.

و أمّا قولهم:إنّ المسيح إنسان تامّ و إله تامّ،و هما جوهران:قديم و حادث،فطريق ردّه من وجهين:

الأوّل:التّعرّض لإبطال كون الأقنوم المتّحد بجسد المسيح إلها؛و ذلك بأن يقال:إمّا أن يقولوا:بأنّ ما اتّحد بجسد المسيح هو إله فقط أو أنّ كلّ أقنوم إله،كما ذهبت إليه الملكانيّة،فإن كان الأوّل:فهو ممتنع لعدم الأولويّة، و إن كان الثّاني:فهو ممتنع أيضا لما تقدّم.

الثّاني:أنّه إذا كان المسيح مشتملا على الأقنوم و النّاسوت الحادث،فإمّا أن يقولوا:بالاتّحاد،أو بحلول الأقنوم في النّاسوت،أو حلول النّاسوت في الأقنوم،أو أنّه لا حلول لأحدهما في الآخر،فإن كان الأوّل فهو باطل بما سبق في إبطال الاتّحاد،و إن كان الثّاني فهو باطل بما يبطل حلول الصّفة القديمة في غير ذات اللّه تعالى،و حلول الحادث في القديم،و إن كان الثّالث،فإمّا أن يقال:

بتجاورهما و اتّصالهما أو لا،فإن قيل بالأوّل فإمّا أن يقال:بانفصال الأقنوم القديم عن الجوهر الحادث أو لا يقال به،فإن قيل بالانفصال فهو ممتنع لوجهين:الأوّل ما يدلّ على إبطال انتقال الصّفة عن الموصوف،الثّاني أنّه يلزم منه قيام صفة حال مجاورتها للنّاسوت بنفسها و هو محال.

و إن لم يقل بانفصال الأقنوم عن الجوهر القديم، يلزم منه أن يكون ذات الجوهر القديم متّصلة بجسد

ص: 464

المسيح ضرورة اتّصال أقنومها به،و عند ذلك فليس اتّحاد الأقنوم بالنّاسوت أولى من اتّحاد الجوهر القديم به، و لم يقولوا بذلك.و إن لم يقل بتجاورهما و اتّصالهما فلا معنى للاتّحاد بجسد المسيح،و ليس القول بالاتّحاد مع عدم الاتّصال بجسد المسيح أولى من العكس.

و أمّا قول من قال منهم:إنّ الإله واحد،و أنّ المسيح ولد من مريم،و أنّه عبد صالح مخلوق إلاّ أنّ اللّه تعالى شرّفه بتسميته ابنا،فهو كما يقول الموحّدون،و لا خلاف معهم في غير إطلاق اسم الابن.

و أمّا قول بعض اليعقوبيّة:إنّ الكلمة انقلبت لحما و دما و صار الإله هو المسيح فهو أظهر بطلانا ممّا تقدّم، و بيانه من وجهين:

الأوّل:أنّه لو جاز انقلاب الأقنوم لحما و دما مع اختلاف حقيقتيهما،لجاز انقلاب المستحيل ممكنا و الممكن مستحيلا،و الواجب ممكنا أو ممتنعا،و الممكن- أو الممتنع-واجبا،و لم يبق لأحد وثوق بشيء من القضايا البديهيّة،و لجاز انقلاب الجوهر عرضا و العرض جوهرا،و اللّحم و الدّم أقنوما،و الأقنوم ذاتا و الذّات أقنوما،و القديم حادثا و الحادث قديما،و لم يقل به أحد من العقلاء.

و الثّاني:أنّه لو انقلب الأقنوم لحما و دما،فإمّا أن يكون هو عين الدّم و اللّحم اللّذين كانا للمسيح،أو زائدا عليه منضمّا إليه،و الأوّل ظاهر الفساد،و الثّاني لم يقولوا به.

و أمّا ما نقل عن يوحنّا من قوله:في البدء كانت الكلمة و الكلمة عند اللّه و اللّه هو الكلمة،فهو ممّا انفرد به و لم يوجد في شيء من الأناجيل.و الظّاهر أنّه كذب، فإنّه بمنزلة قول القائل:الدّينار عند الصّيرفيّ و الصّيرفيّ هو الدّينار،و لا يكاد يتفوّه به عاقل.

و كذا قوله:إنّ الكلمة صارت جسدا و حلّت فينا غير مسلّم الثّبوت،و على تقدير تسليمه يحتمل التّقديم و التّأخير،أي إنّ الجسد الّذي صار بالتّسمية كلمة حلّ فينا،و عنى بذلك الجسد عيسى عليه السّلام،و يحتمل أنّه أشار بذلك إلى بطرس كبير التّلاميذ و وصيّ المسيح،فإنّه أقام بعده عليه السّلام بتدبير دينه،و كانت النّصارى تفزع إليه على ما تشهد به كتبهم،فكأنّه يقول:إن ذهبت الكلمة أي عيسى الّذي سمّاه اللّه تعالى بذلك من بيننا،فإنّها لم تذهب حتّى صارت جسدا و حلّ فينا،يريد أنّ تدبيرها حاضر في جسد بيننا،و هو بطرس.

و من النّاس من خرج كلامه على إسقاط همزة الإنكار عند إخراجه من العبرانيّ إلى اللّسان العربيّ،و المراد أصارت،و فيه بعد.و من العجب العجيب أنّ يوحنّا ذكر أنّ المسيح قال لتلاميذه:إن لم تأكلوا جسدي و تشربوا دمي فلا حياة لكم بعدي،لأنّ جسدي مأكل حقّ و دمي مشرب حقّ،و من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت فيّ و أثبت فيه،فلمّا سمع تلاميذه هذه الكلمة قالوا:ما أصعبها،من يطيق سماعها!فرجع كثير منهم عن صحبته،فإنّ هذا مع قوله:إنّ اللّه سبحانه هو الكلمة و الكلمة صارت جسدا في غاية الإشكال؛إذ فيه أمر الحادث بأكل اللّه تعالى القديم الأزليّ و شربه،و الحقّ أنّ شيئا من الكلامين لم يثبت،فلا نتحمّل مئونة التّأويل.

و أمّا قولهم:إنّ اللاّهوت ظهر بالنّاسوت فصار هو

ص: 465

هو،فإمّا أن يريدوا به أنّ اللاّهوت صار عين النّاسوت كما يصرّح به قولهم:صار هو هو،فيرجع إلى تجويز انقلاب الحقائق،و هو محال كما علمت.و إمّا أن يريدوا به أنّ اللاّهوت اتّصف بالنّاسوت،فهو أيضا محال لما ثبت من امتناع حلول الحادث بالقديم،أو أنّ النّاسوت اتّصف باللاّهوت،و هو أيضا محال لامتناع حلول القديم بالحادث.

و أمّا من قال منهم:بأنّ جوهر الإله القديم و جوهر الإنسان المحدث تركّبا و صارا جوهرا واحدا هو المسيح، فباطل من وجهين:الأوّل:ما ذكر من إبطال الاتّحاد، الثّاني:أنّه ليس جعل النّاسوت لاهوتا بتركّبه مع اللاّهوت أولى من جعل اللاّهوت ناسوتا من جهة تركّبه مع النّاسوت،و لم يقولوا به.

و أمّا جوهر الفحمة إذا ألقيت في النّار،فلا نسلّم أنّه صار بعينه جوهر النّار بل صار مجاورا لجوهر النّار، و غايته أنّ بعض صفات جوهر الفحمة و أعراضها بطلت بمجاورة جوهر النّار،أمّا إنّ جوهر أحدهما صار جوهر الآخر فلا.

و أمّا قولهم:إنّ الاتّحاد بالنّاسوت الجزئيّ دون الكلّيّ فمحال،لأدلّة إبطال الاتّحاد و حلول القديم بالحادث،و بذلك يبطل قولهم:إنّ مريم ولدت إلها،و قولهم:القتل وقع على اللاّهوت و النّاسوت معا،على أنّه يوجب موت الإله،و هو بديهيّ البطلان.

و أمّا قول من قال:إنّ المسيح مع اتّحاد جوهره قديم من وجه محدث من وجه،فباطل لأنّه إذا كان جوهر المسيح متّحدا لا كثرة فيه،فالحدوث إمّا أن يكون لعين ما قيل بقدمه،أو لغيره؛فإن كان الأوّل فهو محال و إلاّ لكان الشّيء الواحد قديما لا أوّل له حادثا له أوّل و هو متناقض،و إن كان الثّاني فهو خلاف المفروض.

و أمّا قول من قال:إنّ الكلمة مرّت بمريم كمرور الماء في الميزاب،فيلزم منه انتقال الكلمة و هو ممتنع كما لا يخفى،و به يبطل قول من قال:إنّ الكلمة كانت تدخل جسد المسيح تارة و تفارقه أخرى.

و قولهم:إنّ ما ظهر من صورة المسيح في النّاسوت لم يكن جسما بل خيالا كالصّورة المرئيّة في المرآة،باطل لأنّ من أصلهم أنّ المسيح إنّما أحيا الميّت،و أبرأ الأكمه و الأبرص بما فيه من اللاّهوت،فإذا كان ما ظهر فيه من اللاّهوت لا حقيقة له بل هو خيال محض لا يصلح لحدوث ما حدث عن الإله عنه.

و القول:بأنّ أقنوم الحياة مخلوق حادث،ليس كذلك لقيام الأدلّة على قدم الصّفات فهو قديم أزليّ، كيف و أنّه لو كان حادثا لكان الإله قبله غير حيّ،و من ليس بحيّ لا يكون عالما و لا ناطقا.

و قول من قال:إنّ المسيح مخلوق قبل العالم،و هو خالق لكلّ شيء،باطل لقيام الأدلّة على أنّه كان اللّه تعالى و لا شيء غيره.

و أمّا الأمانة الّتي هم بها متقرّبون،و بما حوته متعبّدون،فبيان اضطرابها و تناقضها و تهافتها من وجوه.

الأوّل:أنّ قولهم:نؤمن بالواحد الأب صانع كلّ شيء،يناقض قولهم:و بالرّبّ الواحد المسيح إلخ مناقضة لا تكاد تخفى.

ص: 466

الثّاني:أنّ قولهم:إنّ يسوع المسيح ابن اللّه تعالى بكر الخلائق،مشعر بحدوث المسيح إذ لا معنى لكونه ابنه إلاّ تأخّره عنه؛إذ الوالد و الولد لا يكونان معا في الوجود،و كونهما معا مستحيل ببداهة العقول،لأنّ الأب لا يخلو إمّا أن يكون ولد ولدا لم يزل أو لم يكن،فإن قالوا:ولد ولدا لم يزل،قلنا:فما ولد شيئا إذ الابن لم يزل، و إن ولد شيئا لم يكن،فالولد حادث مخلوق،و ذلك مكذب لقولهم:إله حقّ من إله حقّ من جوهر أبيه،و أنّه أتقن العوالم بيده و خلق كلّ شيء.

الثّالث:أنّ قولهم:إله حقّ من إله حقّ من جوهر أبيه،يناقضه قول المسيح في الإنجيل:و قد سئل عن يوم القيامة فقال:لا أعرفه و لا يعرفه إلاّ الأب وحده.فلو كان من جوهر الأب لعلم ما يعلمه الأب،على أنّه لو جاز أن يكون إله ثان من إله أوّل لجاز أن يكون إله ثالث من إله ثان،و لما وقف الأمر على غاية و هو محال.

الرّابع:أنّ قولهم:إنّ يسوع أتقن العوالم بيده،و خلق كلّ شيء باطل مكذب لما في الإنجيل؛إذ يقول متّى:هذا مولد يسوع المسيح بن داود،و أيضا خالق العالم لا بدّ و أن يكون سابقا عليه،و أنّى بسبق المسيح و قد ولدته مريم؟و أيضا في الإنجيل إنّ إبليس قال للمسيح:اسجد لي و أعطيك جميع العالم،و أملّكك كلّ شيء،و لا زال يسحبه من مكان إلى مكان،و يحول بينه و بين مراده،و يطمع في تعبّده له،فكيف يكون خالق العالم محصورا في يد بعض العالم؟!نعوذ باللّه تعالى من الضّلالة.

الخامس:أنّ قولهم:المسيح الإله الحقّ الّذي نزل من السّماء لخلاص النّاس،و تجسّد من روح القدس،و صار إنسانا،و حبل به و ولد،فيه عدّة مفاسد.

منها:أنّ المسيح لا يخصّ مجرّد الكلمة و لا مجرّد الجسد بل هو اسم يخصّ هذا الجسد الّذي ولدته مريم عليها السّلام،و لم تكن الكلمة في الأزل مسيحا،فبطل أن يكون هو الّذي نزل من السّماء.

و منها:أنّ الّذي نزل من السّماء لا يخلو إمّا أن يكون الكلمة أو النّاسوت،فإن زعموا أنّ الّذي نزل هو النّاسوت فكذب صراح لأنّ ناسوته من مريم،و إن زعموا أنّه اللاّهوت،فيقال:لا يخلو إمّا أن يكون الذّات أو العلم المعبّر عنه بالكلمة،فإن كان الأوّل لزم لحوق النّقائص للباري عزّ اسمه،و إن كان الثّاني لزم انتقال الصّفة و بقاء الباري بلا علم،و ذلك باطل.

و منها:أنّ قولهم:إنّما نزل لخلاص معشر النّاس، يريدون به أنّ آدم عليه السّلام لمّا عصى أوثق سائر ذرّيّته في حبالة الشّيطان و أوجب عليهم الخلود في النّار،فكان خلاصهم بقتل المسيح و صلبه و التّنكيل به،و ذلك دعوى لا دلالة عليها.هب أنّا سلّمناها لهم،لكن يقال:

أخبرونا ممّ هذا الخلاص الّذي تعني الإله الأزليّ له و فعل ما فعل بنفسه لأجله؟و لم خلّصكم؟و ممّن خلّصكم؟و كيف استقلّ بخلاصكم دون الأب و الرّوح و الرّبوبيّة بينهم؟و كيف ابتذل و امتهن في خلاصكم دون الأب و الرّوح؟فإن زعموا أنّ الخلاص من تكاليف الدّنيا و همومها أكذبهم الحسّ،و إن كان من تكاليف الشّرع و أنّهم قد حطّ عنهم الصّلاة و الصّوم مثلا أكذبهم المسيح و الحواريّون بما وضعوه عليهم من

ص: 467

التّكاليف.

و إن زعموا أنّهم قد خلصوا من أحكام الدّار الآخرة،فمن ارتكب محرّما منهم لم يؤاخذ،أكذبهم الإنجيل و النّبوّات،إذ يقول المسيح في الإنجيل:إنّي أقيم النّاس يوم القيامة عن يميني و شمالي،فأقول لأهل اليمين:

فعلتم كذا و كذا،فاذهبوا إلى النّعيم المعدّ لكم قبل تأسيس الدّنيا،و أقول لأهل الشّمال:فعلتم كذا و كذا فاذهبوا إلى العذاب المعدّ لكم قبل تأسيس العالم.

السّادس:أنّ قولهم:و تجسّد من روح القدس، باطل بنصّ الإنجيل؛إذ يقول متّى في الفصل الثّاني منه:

إنّ يوحنّا المعمدانيّ حين عمد المسيح جاءت روح القدس إليه من السّماء في صفة حمامة،و ذلك بعد ثلاثين عمره.

السّابع:أنّ قولهم:إنّ المسيح نزل من السّماء و حملت به مريم و سكن في رحمها مكذب بقول لوقا الإنجيليّ؛إذ يقول في قصص الحواريّين في الفصل الرّابع عشر منه:إنّ اللّه تعالى هو خالق العالم بما فيه،و هو ربّ السّماء و الأرض لا يسكن الهياكل،و لا تناله أيدي الرّجال،و لا يحتاج إلى شيء من الأشياء،لأنّه الّذي أعطى النّاس الحياة،فوجودنا به،و حياتنا و حركاتنا منه،فقد شهد لوقا بأنّ الباري و صفاته لا تسكن الهياكل و لا تناله الرّجال بأيديها،و هذا ينافي كون الكلمة سكنت في هيكل مريم،و تحوّلت إلى هيكل المسيح.

الثّامن:أنّ قولهم:إنّه بعد أن قتل و صلب قام من بين الأموات و صعد إلى السّماء و جلس عن يمين أبيه،من الكذب الفاحش المستلزم للحدوث.

التّاسع:أنّ قولهم:إنّ يسوع هذا الرّبّ الّذي صلب و قتل مستعدّ للمجيء تارة أخرى لفصل القضاء بين الأموات و الأحياء بمنزلة قول القائل:

لألفينّك بعد الموت تندبني

و في حياتي ما زوّدتني زادا

إذ زعموا أنّه في المرّة الأولى عجز عن خلاص نفسه حتّى تمّ عليه من أعدائه ما تمّ،فكيف يقدر على خلاصهم بجملتهم في المرّة الثّانية؟

العاشر:أنّ قولهم:و نؤمن بمعموديّة واحدة لغفران الذّنوب،فيه مناقضة لأصولهم،و ذلك أنّ اعتقاد النّصارى أنّه لم تغفر خطاياهم بدون قتل المسيح،و لذلك سمّوه جمل اللّه تعالى الّذي يحمل عليه الخطايا،و دعوه مخلّص العالم من الخطيئة،فإذا آمنوا بأنّ المعموديّة الواحدة هي الّتي تغفر خطاياهم و تخلّص من ذنوبهم، فقد صرّحوا بأنّه لا حاجة إلى قتل المسيح،لاستقلال المعموديّة بالخلاص و المغفرة،فإن كان التّعميد كافيا للمغفرة،فقد اعترفوا أنّ وقوع القتل عبث.و إن كانت لا تحصل إلاّ بقتله،فما فائدة التّعميد و ما هذا الإيمان؟

فهذه عشرة وجوه كاملة في ردّ تلك الأمانة و إظهار ما لهم فيها من الخيانة،و من أمعن نظره ردّها بأضعاف ذلك.

بطلت أمانتهم فمن مضمونها

ظهرت خيانتها خلال سطورها

بدءوا بتوحيد الإله و أشركوا

عيسى به،فالخلف في تعبيرها

ص: 468

قالوا:بأنّ إلههم عيسى الّذي

ذرّ الوجود على الخليقة كلّها

خلق أمّه قبل الحلول ببطنها

ما كان أغنى ذاته عن مثلها

هل كان محتاجا لشرب لبانها

أو أن يربّى في مواطن حجرها

جعلوه ربّا جوهرا من جوهر

ذهبوا لما لا يرتضيه أولو النّهى

قالوا:و جاء من السّماء عناية

لخلاص آدم من لظاه و حرّها

قد تاب آدم توبة مقبولة

فضلالهم جعل الفداء بغيرها

لو جاء في ظلل الغمام و حوله

شرفا ملائكة السّماء بأسرها

و فدى الّذي بيديه أحكم طينه

بالعفو عن كلّ الأمور و سترها

ثمّ اجتباه محبّبا و مفضّلا

و وقاه من غيّ النّفوس و شرّها

كنتم تحلّون الإله مقامه

فيما تراه نفوسكم من شركها

من غير أن يحتاج في تخليصه

كلّ الخلائق أن تبوء بضرّها

و يشينه الأعداء بما لا يرتضى

من كيدها و بما دهى من مكرها

هذي أمانتهم و هذا شرحها

اللّه أكبر من معاني كفرها

ثمّ اعلم أنّه لا حجّة للنّصارى القائلين بالتّثليث بما روي عن متّى التّلميذ أنّه قال:إنّ المسيح عند ما ودّعهم قال:اذهبوا و عمّدوا الأمم باسم الأب و الابن و روح القدس،و من هنا جعلوا مفتتح الإنجيل ذلك،كما أنّ مفتتح القرآن «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» و يوهم كلام بعض منّا أنّ هذه التّسمية نزلت من السّماء كالبسملة عندنا،لأنّا نقول-على تقدير صحّة الرّواية،و دونها خرط القتاد-:يحتمل أن يراد بالأب:المبدأ،فإنّ القدماء كانوا يسمّون المبادئ بالآباء،و من الابن:

الرّسول،و سمّي بذلك تشريفا و إكراما كما سمّي إبراهيم عليه السّلام خليلا،أو باعتبار أنّهم يسمّون الآثار أبناء، و قد رووا عن المسيح عليه السّلام أنّه قال:إنّي ذاهب إلى أبي و أبيكم،و قال:لا تعطوا صدقاتكم قدّام النّاس لتراءوهم فإنّه لا يكون لكم أجر عند أبيكم الّذي في السّماء.

و ربّما يقال:إنّ الابن بمعنى الحبيب أو نحوه،و يشير إلى ذلك ما رووه أنّه عليه السّلام قال عقيب وصيّة وصّى بها الحواريّين:لكي تكونوا أبناء أبيكم الّذي في السّماء،و تكونوا تامّين،كما أنّ أباكم الّذي في السّماء تامّ،و يراد بروح القدس:جبريل عليه السّلام،و المعنى عمّدوا ببركة اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم و الملك المؤيّد للأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام على تبليغ أوامر ربّهم.

و في«كشف الغين»عن الفرق بين البسملتين للشّيخ عبد الغني النّابلسيّ قدّس سرّه:أنّ بسملة النّصارى مشيرة إلى ثلاث حضرات للأمر الإلهيّ الواحد الأحد:الغيب المطلق،فالأب إشارة إلى الرّوح الّذي هو أوّل مخلوق للّه تعالى كما في الخبر،و هو المسمّى بالعقل و القلم و الحقيقة المحمّديّة،و يضاف إلى اللّه تعالى فيقال:

ص: 469

روح اللّه تعالى للتّشريف و التّعظيم ك(ناقة اللّه)تعالى،و روح القدس إشارة إليه أيضا باعتبار ظهوره بصورة البشر السّويّ النّافخ في درع مريم عليها السّلام،و الابن إشارة إلى عيسى عليه السّلام،و هو ابن لذلك الرّوح باعتبار أنّ تكوّنه بسبب نفخه،و الأب هو الابن،و الابن هو روح القدس في الحقيقة،و الغيب المطلق منزّه مقدّس عن هذه الثّلاثة، فإنّه سبحانه من حيث هو لا شيء معه،و لا يمكن أن يكون معه شيء،فبسملة الإنجيل من مقام الصّفات الإلهيّة و الأسماء الرّبّانيّة،لا من مقام الذّات الأقدسيّة.

ثمّ لا يتوهّمن متوهّم أنّ كلمات ساداتنا الصّوفيّة قدّس اللّه تعالى أسرارهم تدندن حول كلمات النّصارى، كما يزعمه من لا اطّلاع له على تحقيق كلامهم،و لا ذوق له في مشربهم،و ذلك لأنّ القوم-نفعنا اللّه تعالى بهم- مبرءون عمّا نسبه المحجوبون إليهم،من اعتقاد التّجسيم و العينيّة و الاتّحاد و الحلول.

أمّا أنّهم لم يقولوا بالتّجسيم فلما تقرّر عندهم من أنّ الحقّ سبحانه هو الوجود المحض الموجود بذاته القائم بذاته المتعيّن بذاته،و كلّ جسم فهو صورة في الوجود المنبسط على الحقائق المعبّر عنه بالعماء،متعيّنة بمقتضى استعداد ماهيّته المعدومة،و لا شيء من الوجود المجرّد من الماهيّة،المتعيّن بذاته بالصّورة المتعيّنة في الوجود، المنبسط بمقتضى الماهيّة المعدومة،فلا شيء من الجسم بالوجود المجرّد عن الماهيّة المتعيّن بذاته،و تنعكس إلى لا شيء من الوجود،المجرّد عن الماهيّة،المتعيّن بذاته بجسم و هو المطلوب.

و أمّا أنّهم لم يقولوا بالعينيّة،فلأنّ الحقّ تعالى هو ما علمت من الوجود المحض،إلخ،و المخلوق هو الصّورة الظّاهرة في الوجود،المنبسط على الحقائق المتعيّن بحسب ماهيّته المعدومة،و لا شيء من المجرّد عن الماهيّة المتعيّن بذاته بالمقترن بالماهيّة المتعيّن بحسبها.و ممّا يشهد لذلك قول الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في الباب الثّامن و الخمسين و الخمسمائة من«الفتوحات»في حضرة البديع بعد بسط:و هذا يدلّك على أنّ العالم ما هو عين الحقّ،و إنّما ظهر في الوجود الحقّ،إذ لو كان عين الحقّ ما صحّ كونه بديعا،و قوله في هذا الباب أيضا في قوله تعالى: وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ الأنعام:19، انفرد سبحانه بعلمها،و نفى العلم عن كلّ ما سواه.فأثبتك في هذه الآية و أعلمك أنّك لست هو،إذ لو كنت هو لعلمت مفاتح الغيب بذاتك،و ما لا تعلمه إلاّ بموقف فلست عين الموقف،و كذا قال غير واحد.

و قال الشّيخ شرف الدّين إسماعيل بن سود كين في شرح التّجلّيّات،نقلا عن الشّيخ قدّس سرّه أيضا:لمّا ظهرت الممكنات بإظهار اللّه تعالى لها،و تحقّق ذلك تحقّقا لا يمكن للممكن أن يزيل هذه الحقيقة أبدا،فبقي متواضعا لكبرياء اللّه تعالى خاشعا له،و هذه سجدة الأبد،و هي عبارة عن معرفة العبد بحقيقته.

و من هنا يعلم حقيقة قوله سبحانه:«كنت سمعه و بصره»الحديث،و لمّا لاح من هذا المشهد لبعض الضّعفاء لائح قال:أنا الحقّ فسكر و صاح،و لم يتحقّق لغيبته عن حقيقته انتهى.

و أمّا أنّهم لم يقولوا بالاتّحاد،فلأنّ الاتّحاد إمّا بصيرورة الوجود المحض المجرّد،المتعيّن بذاته وجودا

ص: 470

مقترنا بالماهيّة المعدومة،متعيّنا بحسبها أو بالعكس،و ذلك محال بوجهيه لأنّ التّجرّد عن الماهيّة ذاتيّ للحقّ تعالى،و الاقتران بها ذاتيّ للممكن،و ما بالذّات لا يزول.

و في كتاب«المعرفة»للشّيخ الأكبر قدّس سرّه،إذا كان الاتّحاد مصيّر الذّاتين واحدة فهو محال لأنّه إن كان عين كلّ منهما موجودا في حال الاتّحاد فهما ذاتان و إن عدمت العين الواحدة و ثبتت الأخرى فليست إلاّ واحدة،و قال في كتاب«الياء»و هو كتاب الاتّحاد:

محال،و ساق الكلام إلى أن قال:فلا اتّحاد البتّة لا من طريق المعنى و لا من طريق الصّورة،و قال في الباب الخامس من الفتوحات خطابا من الحقّ تعالى للرّوح الكلّيّ:و قد حجبتك عن معرفة كيفيّة إمدادي لك بالأسرار الإلهيّة،إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها،إذ لو عرفتها لاتّحدت الإنّيّة و اتّحاد الإنّيّة محال،فمشاهدتك لذلك محال،هل ترجع إنّيّة المركّب إنّيّة البسيط؟لا سبيل إلى قلب الحقائق،و أمّا إنّهم لم يقولوا بالحلول فلأنّهم فسّروا الحلول تارة بأنّه الحصول على سبيل التّبعيّة،و تارة بأنّه كون الموجود في محلّ قائما به،و من المعلوم أنّ الواجب تعالى-و هو الوجود المحض القائم بذاته المتعيّن كذلك-يستحيل عليه القيام بغيره.

قال الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في الباب الثّاني و التّسعين و مائتين من الفتوحات:نور الشّمس إذا تجلّى في البدر يعطي من الحكم ما لا يعطيه من الحكم بغير البدر، لا شكّ في ذلك،كذلك الاقتدار الإلهيّ إذا تجلّى في العبد يظهر الأفعال عن الخلق،فهو و إن كان بالاقتدار الإلهيّ، لكن يختلف الحكم،لأنّه بواسطة هذا المجلى الّذي كان مثل المرآة لتجلّيه،و كما يعلم عقلا أنّ القمر في نفسه ليس فيه من نور الشّمس شيء و إنّ الشّمس ما انتقلت إليها بذاتها و إنّما كان لها مجلى،كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء و لا حلّ فيه و إنّما هو مجلى له و خاصّة و مظهر له،انتهى.

و هذا نصّ في نفي الحلول،و منشأ غلط المحجوبين، المنكرين عدم الفهم لكلام هؤلاء السّادة،نفعنا اللّه تعالى بهم على وجهه،و عدم التّمييز بين الحلول و التّجلّي،و لم يعلموا أنّ كون الشّيء مجليا لشيء ليس كونه محلاّ له، فإنّ الظّاهر في المرآة خارج عن المرآة بذاته قطعا،بخلاف الحال في محلّ فإنّه حاصل فيه،فالظّهور غير الحلول.فإنّ الظّهور في المظاهر للواسع القدّوس يجامع التّنزيه بخلاف الحلول،نعم وقع في كلامهم التّعبير بالحلول،و مرادهم به الظّهور.

و كان الأولى بحسب الظّاهر عدم التّعبير بمثل ذلك، و لكن للقوم أحوال و مقامات لا تصل إليها أفهامنا، و لعلّ عذرهم واضح عند المنصفين،إذا علمت ذلك و تحقّقت اختلاف النّصارى في عقائدهم،فاعلم أنّه سبحانه إنّما حكى في بعض الآيات قول بعض منهم،و في بعض آخر قول آخرين،و حكاية دعواهم ألوهيّة مريم عليها السّلام كدعواهم ألوهيّة عيسى عليه السّلام،ممّا نطق بها القرآن و لم يشع ذلك عنهم صريحا،لكن يلزمهم ذلك بناء على ما حقّقه الإمام الرّازيّ رحمه اللّه تعالى،و النّصارى اليوم ينكرونه و اللّه تعالى أصدق القائلين،و يمكن أن يقال:إنّ مدّعي ألوهيّتها عليها السّلام صريحا طائفة

ص: 471

منهم هلكت قديما،كالطّائفة اليهوديّة الّتي تقول عزير ابن اللّه تعالى على ما قيل،ثمّ إنّه سبحانه بالغ في زجر القائلين،و أردف سبحانه النّهي بقوله عزّ و جلّ من قائل:انتهوا:عن القول بالتّثليث.(6:26-36)

القاسميّ: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ أي الآلهة ثلاثة:

اللّه،و المسيح،و مريم.كما ينبئ عنه قوله تعالى أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ.

المائدة:116.

و قد ذكر السّيّد عبد اللّه الهنديّ في مناظرته مع قسّيس الهند حكاية عن مناظره،أنّه حكى أنّ فرقة من النّصارى تسمّى(كولى رى دينس)كانت تقول:الآلهة ثلاثة:الأب و الابن و مريم.قال:و لعلّ هذا الأمر كان مكتوبا في نسخهم،لأنّ القرآن كذّبهم،انتهى.

أو التّقدير:و لا تقولوا:اللّه ثلاثة أقانيم.و في تعاليمهم المدرسيّة المطبوعة الآن ما نصّه:أخصّ أسرار المسيحيّة سرّ الثّالوث،و هو إله واحد في ثلاثة أقانيم:

الأب و الابن و روح القدس.و الأب هو اللّه،و الابن هو اللّه،و روح القدس هو اللّه.و ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد موجود في ثلاثة أقانيم،متساوين في الجوهر،و متميّزين فيما بينهم بالأقنوميّة؛و ذلك لأنّ لهم جوهرا واحدا و لاهوتا و ذاتا واحدة.و ليس أحد هذه الأقانيم الثّلاثة أعظم أو أقدم أو أقدر من الآخرين،لكون الثّلاثة متساوية في العظمة و الأزليّة و القدرة،و في كلّ شيء ما عدا الأقنوميّة.و لا نقدر أن نفهم جيّدا هذه الحقائق، لأنّها أسرار فائقة العقل و الإدراك البشريّ.انتهى كلامهم في تعليمهم المدرسيّ،المطبوع في بيروت سنة (1876)مسيحيّة.فانظر إلى هذا التّناقض و التّمويه، يعترفون بأنّ الثّلاثة آلهة،ثمّ يناقضون قولهم و ينكرون ذلك.

و نقل العلاّمة الشّيخ رحمة اللّه الهنديّ في كتابه «إظهار الحقّ»عن صاحب«ميزان الحقّ»النّصرانيّ أنّه قال:نحن لا نقول:إنّ اللّه ثلاثة أشخاص أو شخص واحد،بل نقول بثلاثة أقانيم في الوحدة.و بين الأقانيم الثّلاثة و ثلاثة أشخاص بعد السّماء و الأرض،انتهى.

قال رحمة اللّه:و هذه مغالطة صرفة،لأنّ الموجود لا يمكن أن يوجد بدون التّشخّص،فإذا فرض أنّ الأقانيم موجودون و ممتازون بالامتياز الحقيقيّ،كما صرّح هو بنفسه في كتبه،فالقول بوجود الأقانيم الثّلاثة هو بعينه القول بوجود الأشخاص الثّلاثة.على أنّه وقع في الصّحيفة التّاسعة و العشرين من كتاب الصّلاة،الرّائج في كنيسة انكلترة،المطبوع سنة(1818 م)ما ترجمته:

أيّها الثّلاثة المقدّسون و المباركون و العالون منزلة،الّذين هم واحد،يعني ثلاثة أشخاص و إلها واحدا.فوقع فيه ثلاثة أشخاص صريحا،و كذلك مملوءة بعبارات مصرّحة بأنّ عيسى ابن اللّه،و أنّه اللّه،و أنّ مريم أمّ اللّه و زوجة اللّه.و يسجدون لها و لصورتها السّجود المحرّم في كتبهم لغير اللّه،كما يسجدون للّه.نسأله سبحانه و تعالى الحفظ،و نعوذ به من الخذلان،و تسويلات الشّيطان.

و لقد شفى الغليل الأستاذ الجليل الشّيخ رحمة اللّه في «إظهار الحقّ»فساق في الباب الرّابع منه،إبطال التّثليث بالبراهين الدّامغة و الحجج البالغة،كما ردّ عليهم من المسلمين و ممّن أسلم منهم عدد وافر يفوت الحصر.و

ص: 472

قد انتشر،و للّه الحمد،في ذلك مؤلّفات نافعة،بل ردّ عليهم فرق كثيرة منهم.فقد جاء في كتاب«الرّأي الصّواب و فصل الخطاب»للقسّ جبّارة ما صورته:إنّ المسيحيّين الموحّدين الّذين ظهروا منذ(80)سنة في أميركا،و لهم الآن ثلاثمائة كنيسة،و الدّرجة الأولى في المعارف و المدارس و الاجتماعات الأدبيّة،و كذلك لهم في انكلترا ثلاثمائة كنيسة و تآليف عديدة معتبرة،و يعتبرون القرآن كما يعتبرون الإنجيل و التّوراة كتبا إلهيّة،لا يؤمنون بتثليث الآلهة،أي إنّهم لا يعتقدون بكون السّيّد المسيح أو الرّوح القدس هو إله حقيقيّ،كاللّه الواجب الوجود،بل يعتقدون أنّ اللّه وحده هو الإله الحقّ،انتهى.

و فيه أيضا ما لفظه:كلّ الكتب المنزلة تعلّم بالوحدانيّة و تنفي تثليث الآلهة،أو كون اللّه ثلاثة.و تعلن صريحا بأوضح العبارة:أنّ اللّه واحد أحد،و أنّه لا إله حقّا سواه،انتهى.

و في كتاب«سوسنة سليمان»ذكر فرق منهم متعدّدة صارت إلى إنكار ألوهيّة المسيح و الرّوح القدس.و هذا الكتاب ساق من فرقهم العتيقة و الحديثة و اختلافهم ما يقضي بالعجب،ممّا يؤيّد ما قاله الحافظ ابن كثير:من أنّ لهم آراء مختلفة و أقوالا غير مؤتلفة،و لقد أحسن بعض المتكلّمين؛حيث قال:لو اجتمع عشرة من النّصارى لافترقوا عن أحد عشر قولا،انتهى.

قال شيخ الإسلام تقيّ الدّين بن تيميّة في«الرّسالة القبرصيّة»:فتفرّق النّصارى في التّثليث و الاتّحاد تفرّقا، و تشتّتوا تشتيتا لا يقرّبه عاقل و لم يجئ نقل،إلاّ كلمات متشابهات في الإنجيل و ما قبله من الكتب،قد بيّنتها كلمات محكمات في الإنجيل و ما قبله.كلّها تنطق بعبوديّة المسيح و عبادته للّه وحده،و دعائه و تضرّعه.و لمّا كان أصل الدّين هو الإيمان باللّه و رسله،كان أمر الدّين توحيد اللّه و الإقرار برسله؛فأرباب التّثليث في الوحدانيّة،و الاتّحاد في الرّسالة،قد دخل في أصل دينهم من الفساد ما هو بيّن بفطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها،و بكتب اللّه الّتي أنزلها،انتهى.

و قد اجتمع لديّ،بحمده تعالى،حين كتابة هذه السّطور عشرون مؤلّفا في الرّدّ عليهم.و كلّها،و للّه الحمد،مطبوعة منتشرة،فلا حاجة للإطالة بالنّقل عنها، لسهولة الوقوف عليها.

قال الماورديّ في«أعلام النّبوّة»:فأمّا النّصارى فقد كانوا-قبل أن تنصّر قسطنطين الملك-على دين صحيح،في توحيد اللّه تعالى و نبوّة عيسى عليه السّلام.ثمّ اختلفوا في عيسى بعد تنصّر قسطنطين،و هو أوّل من تنصّر من ملوك الرّوم،أي لأنّ الرّوم كانوا صابئة،ثمّ قهرهم على التّنصّر قسطنطين لمّا ملكهم.فقال أوائل النّسطوريّة:إنّ عيسى هو اللّه،و قال أوائل اليعاقبة:إنّه ابن اللّه،و قال أوائل الملكانيّة:إنّ الآلهة ثلاثة،أحدهم عيسى.ثمّ عدل أواخرهم عن التّصريح بهذا القول المستنكر،حين استنكرته النّفوس،و دفعته العقول، فقالوا:إنّ اللّه تعالى جوهر واحد،هو ثلاثة أقانيم:أقنوم الأب،و أقنوم الابن،و أقنوم روح القدس.و أنّها واحدة في الجوهريّة،و أنّ أقنوم الأب هو الذّات،و أقنوم الابن هو الكلمة،و أقنوم روح القدس هو الحياة.و اختلفوا في

ص: 473

الأقانيم،فقال بعضهم:هي خواصّ،و قال بعضهم:هي أشخاص،و قال بعضهم:هي صفات.و قالوا:إنّ الكلمة اتّحدت بعيسى؛و اختلفوا في الاتّحاد.

ثمّ قال:و ليس لهذه المذاهب شبهة تقبلها العقول،و فسادها ظاهر في المعقول،و قوله تعالى:انتهوا:أي عن التّثليث.(5:1764)

رشيد رضا :أي فإذا كان الأمر كذلك و هو المعقول،الّذي لا تحتمل غيره النّقول،فآمنوا باللّه إيمانا يليق به و هو أنّه واحد أحد،فرد صمد،لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد،تنزّه عن صفات الحوادث،و نسبتها إليه واحدة،و هي أنّها مخلوقة و هو الخالق،و مملوكة و هو المالك،و أنّ هذه الأرض في مجموع ملكه أقلّ من حبّة رمل بالنّسبة إلى اليابس منها،و من نقطة ماء بالنّسبة إلى بحارها و أنهارها،فمن الجهل الفاضح أن يجعل له ندّ و كفؤ فيها،أو يقال:إنّه حلّ أو اتّحد بشيء منها،و آمنوا برسله كلّهم،كما يليق بهم،و هو أنّهم عبيد له،خصّهم بضرب من العلم و الهداية(الوحي)ليعلّموا النّاس كيف يوحّدون ربّهم و يعبدونه و يشكرونه،و كيف يزكّون أنفسهم،و يصلحون ذات بينهم.و لا تقولوا:الآلهة ثلاثة:الأب و الابن و روح القدس،أو:

اللّه ثلاثة أقانيم،كلّ منها عين الآخر،فكلّ منها إله كامل، و مجموعها إله واحد.فتسفّهوا أنفسكم بترك التّوحيد الخالص الّذي هو ملّة إبراهيم و سائر الأنبياء عليهم السّلام،و القول بالتّثليث الّذي هو عقيدة الوثنيّين الطّغام،ثمّ تدعوا الجمع بين التّثليث الحقيقيّ و التّوحيد الحقيقيّ،و هو تناقض تحيله العقول و لا تقبله الأفهام.[إلى أن قال:] وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً الأحزاب:3،أي به الكفاية لمن عرفه و عرف سننه في خلقه إذا وكلوا إليه أمورهم،و لم يحاولوا الخروج عن سننه و شرائعه بسوء اختيارهم.

قلنا:إنّ هذه العقيدة وثنيّة،نقلها الوثنيّون المتنصّرون إلى النّصرانيّة،و قسروا بعض الألفاظ الواردة في كتبهم اليهوديّة على أن تغطيهم شبهة يتّكئون عليها في هذا التّضليل،و أرغموها عليه بضرب من التّحريف و التّأويل،هدّموا به آيات التّوحيد القويّة البنيان،العالية الأركان.أمّا كون هذه العقيدة وثنيّة فقد بيّنه علماء أوربّة بالتّفصيل،و أتوا عليه بالشّواهد الكثيرة من الآثار القديمة و التّاريخ،و إنّنا نشير إلى قليل منها في هذا المقام.

التّثليث عند البراهمة

قال موريس في ص(35)من المجلّد السّادس من كتابه«الآثار الهنديّة القديمة»ما ترجمته:كان عند أكثر الأمم الوثنيّة البائدة تعاليم دينيّة جاء فيها القول باللاّهوت الثّلاثيّ أو الثّالوثيّ.و قال دوان في ص(366) من كتابه«خرافات التّوراة و ما يماثلها في الأديان الأخرى»:إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أنّ أعظم و أشهر عبادتهم اللاّهوتيّة هو التّثليث.و يسمّون هذا التّعليم بلغتهم«ترى مورتي»و هي عبارة مركّبة من كلمتين بلغتهم السّنسكريتيّة«ترى»و معناها ثلاثة،و «مورتي»و معناها هيئات أو أقانيم،و هي«برهما و فشنو و سيفا»ثلاثة أقانيم متّحدة لا تنفكّ عن الوحدة فهي إله واحد بزعمهم.

و قد شرح المؤلّف معنى هذه الأصول أو الأقانيم

ص: 474

عندهم،و ذكر أنّهم يرمزون إليها بثلاثة أحرف و هي (أ.و.م)،و أنّهم يصفون هذا الثّالوث المقدّس الّذي لا ينقسم في الجوهر و لا في الفعل و لا في الاتّحاد بقولهم:

«برهما الممثّل لمبادي التّكوين و الخلق و لا يزال خلاّقا إلهيّا،و هو(الأب)،و فشنو يمثّل حفظ الأشياء المكوّنة (أي من الزّوال و الفساد)و هو(الابن)المنبثق و المتحوّل عن اللاّهوتيّة،و سيفا هو المهلك و المبيد و المبدئ و المعيد-أي الّذي له التّصرف و التّحويل في الكون-و هو(روح القدس).و يدعونه:(كرشنا)الرّبّ المخلص و الرّوح العظيم الّذي ولد منه(فشنو)الإله الّذي ظهر بالنّاسوت على الأرض ليخلّص النّاس.فهو أحد الأقانيم الثّلاثة الّتي هي الإله الواحد.إلى آخر ما قال.

و منه أنّهم يرمزون للأقنوم الثّالث بصورة حمامة،و هذه عين عقيدة النّصارى في التّثليث من كلّ وجه فهي عقيدة برهميّة وثنيّة،أخذها النّصارى عن البراهمة و صاروا يدعونهم أخيرا إليهم.

و كان منتهى شوط أحد اليسوعيّين في التّفرقة بينهما أنّ ثالوث البراهمة و أمثالهم نجس و ثالوث النّصارى مقدّس!فإذا قال لهم الوثنيّون:الأمر بالعكس،فارجعوا إلى الأصل و دعوا المبتدع،فبما ذا يحجّونهم؟

و الّذي يظهر لي أنّ التّوحيد هو أصل عقيدة البراهمة و أنّ أوّل رسول أرسل إليهم وصف لهم الإله بثلاث صفات هي الّتي تظهر بها حقيقة الألوهيّة و هي:

1-ما به الخلق و الإيجاد،و 2-الحفظ و الإمداد،و 3- التّصرّف و التّغيير في عالم الكون و الفساد.فلمّا طال عليهم الأمد و دبّت إليهم الوثنيّة جعلوا لكلّ فعل من هذه الأفعال إلها،و جعلوا أسماء الصّفات أسماء أقانيم و ذوات،و لمّا كانوا ناقلين بالتّواتر كلمة التّوحيد و أنّ اللّه إله واحد قالوا:إنّ الثّلاثة واحد،و كلّ واحد منها عين الثّلاثة.و سرت هذه العقيدة إلى غيرهم من الوثنيّين في الشّرق و الغرب.

و للهنود تماثيل للوحدة و التّثليث رأيت واحدا منها في دار العاديات الّتي بنتها الحكومة الهنديّة الإنكليزيّة في ضواحي مدينة بنارس-المقدّسة عند البراهمة-و هو تمثال واحد له ثلاثة وجوه.و لعلّه هو الّذي قال عنه موريس في ص(372)من المجلّد الرّابع من كتابه«آثار الهند القديمة»:لقد وجدنا في أنقاض هيكل قديم قوّضه مرور القرون صنما له ثلاثة رءوس على جسد واحد،و المقصود منه الرّمز للثّالوث.

التّثليث عند البوذيّين

قال مستر فابر في كتابه«أصل الوثنيّة»:كما نجد عند الهنود ثالوثا مؤلّفا من برهما و فشنو و سيفا،نجد عند البوذيّين ثالوثا،فإنّهم يقولون:إنّ(بوذة)إله له ثلاثة أقانيم.و كذلك بوذيو(جينست)،يقولون:إنّ(جيفا) مثلّث الأقانيم(قال):و الصّينيّون يعبدون بوذة و يسمّونه(فو)،و يقولون:إنّه ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.

و ذكر رمزهم(أ.و.م)

و قال دوان في ص(172)من كتابه خرافات «التّوراة إلخ»:و أنصار لاوكومئذا الفيلسوف الصّينيّ المشهور-و كان قبل المسيح بأربع سنين و ستّ مائة (604)يدعون«شيعة تاوو»،و يعبدون إلها مثلّث الأقانيم.و أساس فلسفته اللاّهوتيّة أنّ«تاوو»و هو

ص: 475

العقل الأوّل الأزليّ انبثق منه واحد،و من الثّاني انبثق ثالث،و عن هذا الثّالث انبثق كلّ شيء.و هذا القول بالتّولّد و الانبثاق أدهش العلاّمة موريس لأنّ قائله وثنيّ.

التّثليث عند قدماء المصريّين

قال دوان في ص(473)من كتابه المشار إليه آنفا:

و كان قسّيسو هيكل منفيس بمصر يعبّرون عن الثّالوث المقدّس للمبتدئين بتعلّم الدّين بقولهم:إنّ الأوّل خلق الثّاني و هما خلقا الثّالث و بذلك تمّ الثّالوث المقدّس.و سأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكي أن يخبره:هل كان قبله أحد أعظم منه و هل يكون بعده أحد أعظم منه؟فأجابه الكاهن نعم يوجد من هو أعظم و هو اللّه قبل كلّ شيء ثمّ الكلمة و معهما روح القدس،و لهؤلاء الثّلاثة طبيعة واحدة و هم واحد بالذّات،و عنهم صدرت القوّة الأبديّة،فاذهب يا فاني يا صاحب الحياة القصيرة.قال المؤلّف:لا ريب أنّ تسمية الأقنوم الثّاني من الثّالوث المقدّس«كلمة»هو من أصل وثنيّ مصريّ دخل في غيره من الدّيانات كالمسيحيّة.و«أبولو» المدفون في(دهلي)يدّعي«الكلمة».و في علم اللاّهوت الإسكندريّ الّذي كان يعلمه(بلاتو)قبل المسيح بسنين عديدة«الكلمة هي الإله الثّاني»و يدّعي أيضا ابن اللّه البكر.

و قال بونويك في ص(402)من كتابه«عقائد قدماء المصريّين»:أغرب عقيدة عمّ انتشارها في ديانة المصريّين هي قولهم بلاهوت الكلمة و أنّ كلّ شيء صار بواسطتها،و أنّها منبثقة من اللّه،و أنّها هي اللّه( (1)و كان بلاتو عارفا بهذه العقيدة الوثنيّة و كذلك أرسطو و غيرهما،و كان ذلك قبل التّاريخ المسيحيّ بسنين(بل بقرون)،و لم نكن نعلم أنّ الكلدانيّين و المصريّين يقولون هذا القول و يعتقدون هذا الاعتقاد إلاّ في هذه الأيّام.

أقول:الّذي يظهر لي أنّ الرّسل الّذين أرسلهم اللّه إلى المصريّين و أمثالهم من القائلين بمثل قولهم هذا كانوا يقولون لهم:إنّ كلّ شيء خلق بكلمة اللّه،فلمّا طال عليهم الأمد و سرت إليهم الوثنيّة ظنّوا أنّ الكلمة ذات تفعّل بالإرادة و الاختيار فقالوا ما قالوا:و الحقّ أنّها عبارة عن تعلّق إرادة اللّه الواحد الأحد بالشّيء الّذي يريد خلقه،و متى تعلّقت إرادته بخلق شيء كان كما أراد إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،فلو لم يكن عندنا من إعجاز القرآن إلاّ بيان هذه الحقيقة الّتي ضلّت بها الأمم من أقدمها كالهنود و المصريّين إلى أحدثها قبل الإسلام كالنّصارى لكفى في الاستدلال على أنّه من عند اللّه،فإنّه بيّن لنا ضلال تلك الأمم،و الأصل المعقول المقبول الّذي يتّفق مع التّوحيد الّذي نقل عنهم أجمعين،فتجلّى بذلك دين اللّه إلى جميع رسله نقيّا من أدران الشّرك و نزغات الشّياطين.

التّثليث عند الفرس و غيرهم من أهل آسية

قال هيجين في ص(162)من كتابه «الانكلوسكسون»:كان الفرس يدعون متروسا:الكلمة

ص: 476


1- هذه العبارة كالجملة الأولى الّتي افتتح بها يوحنّا إنجيله بلا فرق.

و الوسيط و مخلّص الفرس.و قال مثل هذا دونلاب و بنصون.و قال دوان في كتابه الّذي ذكر غير مرّة:كان الفرس يعبدون إلها مثلّث الأقانيم مثل الهنود،و يسمّونها أورمزد و مترات و أهرمن-فأورمزد الخلاّق،و مترات ابن اللّه المخلص و الوسيط،و أهرمن الملك.أقول:و قد بيّنت آنفا أصل هذا الاعتقاد،و كيف سرى إليه الفساد.

و المشهور عن مجوس الفرس التّثنية دون التّثليث، فكانوا يقولون بإله مصدر النّور و الخير،و إله مصدر الظّلمة و الشّرّ.

و نقل عن الكلدانيّين و الآشوريّين و الفينقيّين الإيمان بالكلمة على أنّها ذات تعبّد،و يسمّيها الكلدانيّون (ممرار)و الآشوريّون(مردوخ)،و يدعون مردوخ ابن اللّه البكر،و هكذا الأمم يأخذ بعضها عن بعض.و قد قال برتشرد في ص(285)من كتابه«خرافات المصريّين الوثنيّين»:لا يخلو شيء من الأبحاث الدّينيّة المأخوذة عن مصادر شرقيّة من ذكر أحد أنواع التّثليث أو التّولّد الثّلاثيّ.و نقول:إنّ أديان أسلافه الغربيّين كذلك،فإن لم تكن أعرق في الوثنيّة.فهم تلاميذ الشّرقيّين فيها، و لا سيّما المصريّين منهم،و لكنّهم هم الّذين شوّهوا الدّيانة المسيحيّة الشّرقيّة فنقلوها من التّوحيد الإسرائيليّ إلى التّثليث الوثنيّ.

التّثليث عند أهل أوربّة اليونان و الرّومان

و غيرهم

جاء في كتاب«سكّان أوربّة الأوّلين»ما ترجمته:

كان الوثنيّون القدماء يعتقدون أنّ الإله واحد و لكنّه ذو ثلاثة أقانيم.

و جاء في كتاب«ترقّي الأفكار الدّينيّة»ص(307 م 1)أنّ اليونانيّين:كانوا يقولون إنّ الإله مثلّث الأقانيم، و إذا شرع قسّيسوهم بتقديم الذّبائح يرشّون المذبح بالماء المقدّس ثلاث مرّات(إشارة إلى الثّالوث)، و يرشّون المجتمعين حول المذبح ثلاث مرّات،و يأخذون البخور من المبخرة بثلاث أصابع،و يعتقدون أنّ الحكماء قالوا:إنّه يجب أن تكون جميع الأشياء المقدّسة مثلّثة، و لهم اعتناء بهذا العدد في جميع شعائرهم الدّينيّة.

أقول:و قد اقتبست الكنيسة بعد دخول نصرانيّة قسطنطين فيهم هذه الشّعائر كلّها و نسخت بها شريعة المسيح الّتي هي التّوراة،و يسمّون أنفسهم مع ذلك مسيحيّين و يعملون كلّ شيء باسم المسيح!فهل ظلم أحد من البشر بالافتيات عليه كما ظلم المسيح عليه السّلام؟لا لا.

و نقل دوان عن أورفيوس أحد كتّاب اليونان و شعرائهم قبل المسيح بعدّة قرون أنّه قال:«كلّ الأشياء صنعها الإله الواحد مثلّث الأسماء و الأقانيم».

و قال فسك في ص(205)من كتاب«الخرافات و مخترعوها»:كان الرّومانيّون الوثنيّون القدماء يؤمنون بالتّثليث:يؤمنون باللّه أوّلا ثمّ بالكلمة ثمّ بالرّوح.

و قال بارخوست في القاموس العبرانيّ: كان للفلّنديّين«البرابرة الّذين كانوا في شمال بروسية»إله اسمه«تريكلاف»و قد وجد له تمثال في«هرتو نجر برج» له ثلاثة رءوس على جسد واحد.أقول:تريكلاف مركّب من كلمة«ترى»و معناها ثلاثة و كلمة«كلاف» و لعلّ معناها إله.

ص: 477

و قال دوان في ص(377)من كتابه:كان الإسكندناويّون يعبدون إلها مثلّث الأقانيم يدعونها أو دين و تورا و فري.و يقولون:هذه الثّلاثة الأقانيم إله واحد.و قد وجد صنم يمثّل الثّالوث المقدّس بمدينة «أوبسال»من أسوج و كان أهل أسوج و نروج و الدّنمارك يفاخر بعضهم بعضا في بناء الهياكل لهذا الثّالوث.و كانت تكون جدران هذه الهياكل مصفّحة بالذّهب و مزيّنة بتماثيل هذا الثّالوث.و يصوّرون«أودين»بيده حسام و«تورا»واقفا عن شماله و على رأسه تاج و بيده صولجان،و«فري»واقفا عن شمال«تورا»و فيه علامة الذّكر و الأنثى.و يدعون أودين الاب،و تورا الابن البكر -أي ابن الأب أودين-و فري مانح البركة و النّسل و السّلام و الغنى.

أقول:فهل ترك الأوربيّون أديانهم الوثنيّة إلى دين المسيح عليه السّلام الّذي هو التّوراة المبنيّة على أساس التّوحيد الخالص،أم ظلّوا على وثنيّتهم و أدخلوا فيها شخص المسيح و جعلوه أحد آلهتهم الّتي كانوا يعبدون من قبل...؟؟إنّهم نقلوا عنه إنّه ما جاء لينقض النّاموس «شريعة موسى»و إنّما جاء ليتمّمها،و لكن مقدّسهم بولس نقضها حجرا حجرا و لبنة لبنة إلاّ ذبيحة الأصنام و الدّم المسفوح و الزّنا الّذي لا عقاب عليه عندهم فأراحهم و مهّد لهم السّبيل لتأسيس دين جديد لا يتّفق مع دين المسيح عليه السّلام في عقائده و لا في أحكامه و لا في آدابه،و أبعد النّاس عن دين المسيح الإفرنج الّذين بذلوا الملايين من الدّنانير لتنصير البشر كلّهم باسم المسيح و غرضهم من ذلك استعباد جميع البشر بإزالة ملكهم و سلب أموالهم لتكون جميع لذّات الدّنيا و شهواتها و زينتها و عظمتها خالصة لهم،فهل جاء المسيح لهذا، و بهذا أمر أم بضدّه؟

و اللّه إنّني لا أرى من عجائب أطوار البشر و قلبهم للحقائق و لبسهم الحقّ بالباطل أعجب و أغرب من وجود الدّيانة النّصرانيّة في الأرض:ديانة بنيت على أساس التّوحيد الخالص المعقول جعلوها ديانة وثنيّة بتثليث غير معقول،أخذوه من تثليث اليونان و الرّومان المقتبس من تثليث المصريّين و البراهمة اقتباسا مشوّها -ديانة شريعة سماويّة،نسخوا شريعتها برمّتها و أبطلوها،و استبدلوا بها بدعا و تقاليد غريبة عنها- ديانة زهد و تواضع و تقشّف و إيثار و عبوديّة،جعلوها ديانة طمع و جشع و كبرياء و ترف و أثرة و استعباد للبشر-ديانة أصولها الّتي هم عليها مقتبسة من الوثنيّة الأولى لم يرد كلمة تدلّ على عقيدتها عن أنبياء بني إسرائيل و لكنّهم زعموا أنّها مستمدّة من جميع كتب أنبياء بني إسرائيل،ديانة نسبوها إلى المسيح عليه السّلام و ليس عندهم نصّ في كلامه في أصول عقيدتها الّتي هي التّثليث،و إنّما بقي عندهم نصوص قاطعة من كلامه في حقيقة التّوحيد و التّنزيه و إبطال التّثليث و عدم المساواة بين الأب و الابن الّذي أطلق لفظه مجازا عليه و على غيره من الأبرار،على أنّه كان يعبّر عن نفسه في الأكثر بابن الإنسان.

لو لم يكن عندهم من النّصوص في هذه العقيدة إلاّ ما رواه يوحنّا في الفصل السّابع عشر من إنجيله لكفى و هو قوله عليه السّلام:(3 و هذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك

ص: 478

أنت الإله الحقيقيّ وحدك و يسوع المسيح الّذي أرسلته) فبيّن أنّ اللّه تعالى هو الإله وحده و أنّه هو رسوله،و هذا هو الّذي دعا إليه القرآن،و كان يجب أن يكون أساس عقيدتهم يرد إليه كلّ ما يوهم خلافه و لو بالتّأويل، لأجل المطابقة بين المعقول و المنقول.

و نقل مرقس في الفصل الثّاني عشر من إنجيله أنّ أحد الكتبة سأله عن أوّل الوصايا،قال:«29 فأجابه يسوع أوّل الوصايا اسمع يا إسرائيل الرّبّ إلهنا ربّ واحد إلخ..-32 فقال له الكاتب جيدا:يا معلم بالحقّ قلت لأنّه واحد و ليس آخر سواه..-34 فلمّا رأى يسوع أنّه أجاب بعقل قال له:لست بعيدا عن ملكوت السّماوات»فعلم من هذا أنّ التّوحيد الخالص هو العقيدة المعقولة الّتي تؤخذ على ظاهرها بلا تأويل،فإن فرضنا أنّه ورد ما ينافيها،وجب ردّه أو إرجاعه إليها.

و روى يوحنّا عنه في الفصل الأوّل من إنجيله أنّه قال:«28 اللّه لم يره أحد قطّ»و مثله في الفصل الرّابع من رسالة يوحنّا الأولى«12 اللّه لم ينظره أحد قطّ»و في الفصل السّادس من رسالة بولس الأولى إلى أهل تيموثاوس«16 لم يره أحد من النّاس و لا يقدر أن يراه» و قد رأى النّاس المسيح و الرّوح القدس.

و روى مرقس في الفصل الثّالث عشر من إنجيله أنّه قال في السّاعة و يوم القيامة ما نصّه:«32 و أمّا ذلك اليوم و تلك السّاعة فلم يعلم بها أحد و لا الملائكة الّذين في السّماء و لا الابن إلاّ الأب»فلو كان الابن عين الأب لكان يعلم كلّ ما يعلمه الأب.و قوله عليه السّلام في القيامة موافق لقول اللّه سبحانه في القرآن خطابا لخاتم رسله صلّى اللّه عليه و سلّم قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ الأعراف:187.

و لو كان هؤلاء النّصارى يقبلون نصوص إنجيل برنابا لأتيناهم بشواهد منه على التّوحيد مؤيّدة بالبراهين العقليّة و النّقليّة على أنّ المسيح بشر رسول قد خلت من قبله الرّسل و ليس بدعا فيهم،و ناهيك بالفصل الرّابع و السّتّين منه الّذي يحتجّ به المسيح بما آتى اللّه الأنبياء من الآيات على أنّ الآيات لا تنافي البشريّة و العبوديّة للّه تعالى،و بالفصل الخامس و التّسعين الّذي يحتجّ فيه بأقوال الأنبياء في التّوحيد و أنّه تعالى خلق كلّ شيء بكلمته و أنّه يرى و لا يرى،و أنّه غير متجسّد و غير مركّب و غير متغيّر،و أنّه لا يأكل و لا يشرب و لا ينام.ثمّ قال:«19 فإنّي بشر منظور و كتلة من طين تمشي على الأرض و فان كسائر البشر،20،و أنّه كان لي بداية و سيكون لي نهاية،و إنّي لا أقتدر أن أبتدع خلق ذبابة».

و حسبنا ما كتبناه هنا في مسألة التّثليث الآن،و سنبقي بقيّة مباحثها إلى تفسير سورة المائدة.(6:86)

المراغيّ: و لا تقولوا:الآلهة ثلاثة:الأب و الابن و روح القدس،أو اللّه ثلاثة أقانيم،كلّ منها عين الآخر، و كلّ منها إله كامل،و مجموعها إله واحد.

فإنّ في هذا تركا للتّوحيد الّذي هو ملّة إبراهيم و سائر الأنبياء،و اتّباعا لعقيدة الوثنيّين،و الجمع بين التّثليث و التّوحيد تناقض تحيله العقول،و لا يقبله أولو الألباب.(6:30)

نحوه الطّباطبائيّ.(5:150)

ص: 479

مكارم الشّيرازيّ: أسطورة التّثليث الوهميّة:

تتطرّق هذه الآية و الآية الّتي تليها إلى واحد من أهمّ انحرافات الطّائفة المسيحيّة،و هذا الانحراف هو اعتقاد المسيحيّين بالتّثليث،أي وجود آلهة ثلاثة، و يأتي التّطرّق إلى هذا البحث في سياق البحوث القرآنيّة الّتي وردت في الآيات السّابقة،عن أهل الكتاب و الكفّار.

فهذه الآية تحذّر في البداية أهل الكتاب من المغالاة و التّطرّف في دينهم،و تدعوهم أن لا يقولوا على اللّه غير الحقّ؛حيث تقول: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ... النّساء:171.

لقد كانت قضيّة الغلوّ في حقّ القادة السّابقين إحدى أخطر منابع الانحراف في الأديان السّماويّة،فالإنسان بما أنّه يميل إلى ذاته يندفع بهذا الميل إلى إظهار زعمائه و قادته بصورة أكبر ممّا هم عليه،لكي يضفي على نفسه الأهمّيّة و العظمة من خلال هؤلاء القادة،و قد يدفع الإنسان التّصوّر الواهي بأنّ الإيمان هو المبالغة و الغلوّ في احترام و تعظيم القادة،إلى الوقوع في متاهات هذا النّوع من الانحراف الرّهيب.

و الغلوّ في أصله ينطوي على عيب كبير يفسد العنصر الأساسيّ للدّين-الّذي هو عبادة اللّه و توحيده- و لهذا السّبب فقد عامل الإسلام الغلاة أو المغالين بعنف و شدّة؛إذ عرّفت كتب الفقه و العقائد هذه الفئة من النّاس بأنّهم أشدّ كفرا من الآخرين.

بعد ذلك تشير الآية الكريمة إلى عدّة نقاط،يعتبر كلّ واحد منها في حدّ ذاته دليلا على بطلان قضيّة التّثليث،و عدم صحّة ألوهيّة المسيح عليه السّلام،و هذه النّقاط هي:

1-لقد حصرت الآية بنوّة السّيّد المسيح عليه السّلام بمريم عليها السّلام و إشارة البنوّة-هذه الواردة في ستّة عشر مكانا من القرآن الكريم-إنّما تؤكّد أنّ المسيح عليه السّلام هو إنسان كسائر النّاس،خلق في بطن أمّه،و مرّ بدور الجنين في ذلك الرّحم،و فتح عينيه على الدّنيا حين ولد من بطن مريم عليها السّلام،كما يولد أفراد البشر من بطون أمّهاتهم،و مرّ بفترة الرّضاعة و تربّى في حجر أمّه،ممّا يثبت بأنّه امتلك كلّ صفات البشر،فكيف يمكن-و حالة المسيح عليه السّلام هذه-أن يكون إلها أزليّا أبديّا،و هو في وجوده محكوم بالظّواهر و القوانين المادّيّة الطّبيعيّة، و يتأثّر بالتّحوّلات الجارية في عالم الوجود؟!و عبارة الحصر الّتي هي(انّما)الواردة في الآية تحصر بنوّة المسيح عليه السّلام بمريم عليها السّلام،و تؤكّد على أنّه و إن لم يكن له والد،فليس معنى ذلك أنّ أباه هو اللّه،بل هو فقط ابن مريم عليها السّلام.

2-تؤكّد الآية الكريمة أنّ المسيح عليه السّلام هو رسول اللّه و مبعوث إلى البشر من قبله سبحانه و تعالى،و أنّ هذه المنزلة-أي منزلة النّبوّة-لا تتناسب و مقام الألوهيّة.

و الجدير بالذّكر هو أنّ معظم كلام المسيح عليه السّلام الوارد قسم منه في الأناجيل المتداولة في الوقت الحاضر،إنّما يؤكّد نبوّته و بعثته لهداية النّاس،و ليس فيه دلالة على ادّعائه و الألوهيّة و الرّبوبيّة.

3-تبيّن الآية أنّ عيسى المسيح عليه السّلام هو كلمة اللّه الّتي ألقاها إلى مريم عليها السّلام؛حيث تقول: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ النّساء:171.

ص: 480

3-تبيّن الآية أنّ عيسى المسيح عليه السّلام هو كلمة اللّه الّتي ألقاها إلى مريم عليها السّلام؛حيث تقول: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ النّساء:171.

و قد وردت عبارة:«كلمة»في وصف المسيح في عدد من الآيات القرآنيّة،و هذه إشارة إلى كون المسيح مخلوقا بشريّا،إذ أنّ الكلمات مخلوقة من قبل اللّه،كما أنّ الموجودات في الكون من مخلوقاته عزّ و جلّ،فكما أنّ الكلمات تبيّن مكنونات أنفسنا-نحن البشر-و تدلّ على صفاتنا و أخلاقيّاتنا،فإنّ مخلوقات الكون تحكي صفات خالقها و جماله،و تدلّ على جلاله و عظمته.

و على هذا الأساس فقد وردت عبارة«كلمة»في عدد من العبارات القرآنيّة،لتشمل جميع مخلوقات اللّه، كما في الآية(109)من سورة الكهف و الآية(29)من سورة لقمان،و بديهيّ أنّ الكلمات الإلهيّة تتفاوت بعضها عن البعض في المنزلة و الأهمّيّة،و عيسى عليه السّلام،يعتبر إحدى كلمات اللّه البارزة الأهمّيّة،لكونه ولد من غير أب،إضافة إلى كونه يتمتّع بمقام الرّسالة الإلهيّة.

4-تشير الآية إلى أنّ عيسى المسيح عليه السّلام هو روح مخلوقة من قبل اللّه؛حيث تقول: وَ رُوحٌ مِنْهُ و هذه العبارة الّتي وردت في شأن خلق آدم-أو بعبارة أخرى خلق البشر أجمعين-في القرآن الكريم،إنّما تدلّ على عظمة تلك الرّوح الّتي خلقها اللّه تعالى و أودعها في أفراد البشر بصورة عامّة،و في المسيح عليه السّلام و سائر الأنبياء بصورة خاصّة.

و على الرّغم من أنّ البعض أساء الاستفادة من هذه العبارة،و فسّرها بأنّ المسيح عليه السّلام هو جزء من اللّه سبحانه و تعالى،مستندا إلى عبارة(منه)و لكنّ الواضح في مثل هذه الحالات أنّ كلمة«من»ليست للتّبعيض بل تدلّ على مصدر و منشإ،و أصل وجود الشّيء.

و هناك طرفة تاريخيّة تذكر أنّه كان لهارون الرّشيد طبيب نصرانيّ،دخل يوما في نقاش مع«عليّ بن الحسين الواقديّ»الّذي كان أحد المفكّرين الإسلاميّين في ذلك العصر،فقال له هذا الطّبيب:«توجد في كتابكم السّماويّ آية تبيّن أنّ المسيح عليه السّلام هو جزء من اللّه...» و تلا هذا النّصرانيّ الآية موضوع البحث،فردّ عليه «الواقديّ»مباشرة تاليا هذه الآية: وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ... الجاثية:13، و أضاف مبيّنا أنّ كلمة(من)لو كانت تفيد التّبعيض، لاقتضى ذلك أن تكون جميع موجودات السّماء و الأرض -بناء على هذه الآية-جزء من اللّه،فلمّا سمع الطّبيب النّصرانيّ كلام الواقديّ أسلم في الحال،و سرّ إسلامه هارون الرّشيد،فكافأ الواقديّ بجائزة مناسبة.

إنّ ما يثير العجب-إضافة إلى ما ذكر-هو أنّ المسيحيّين يرون ولادة المسيح من أمّ دون أب دليلا على ألوهيّته،و هم ينسون في هذا المجال أنّ آدم عليه السّلام كان قد ولد من غير أب،و لا أمّ،و لم ير أحد هذه الخصيصة الموجودة في آدم دليلا على ربوبيّته.

بعد ذلك تؤكّد الآية على ضرورة الإيمان باللّه الواحد الأحد و بأنبيائه،و نبذ عقيدة التّثليث،مبشّرة المؤمنين، بأنّهم إن نبذوا هذه العقيدة فسيكون ذلك خيرا لهم؛ حيث قالت الآية: فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ... النّساء:171.

و تعيد الآية التّأكيد على وحدانيّة اللّه قائلة: إِنَّمَا اللّهُ إِلهٌ واحِدٌ... النّساء:171،و هي تخاطب

ص: 481

المسيحيّين،لأنّهم حين يدّعون التّثليث يقبلون-أيضا- بوحدانيّة اللّه،فلو كان للّه ولد لوجب أن يكون شبيهه، و هذه حالة تناقض أساس الوحدانيّة.

فكيف-إذن-يمكن أن يكون للّه ولد،و هو منزّه من نقص الحاجة إلى زوجة أو ولد،كما هو منزّه من نقائص التّجسيم و أعراضه؟تقول الآية: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ... النّساء:171،و اللّه هو مالك كلّ ما في السّماوات و ما في الأرض،و الموجودات كلّها مخلوقاته و هو خالقها جميعا،و المسيح عليه السّلام-أيضا-واحد من خلق اللّه،فكيف يمكن الادّعاء بهذا الاستثناء فيه؟و هل يمكن المملوك و المخلوق أن يكون ابنا للمالك و الخالق؟! حيث تؤكّد الآية: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ... النّساء:171،و اللّه هو المدبّر و الحافظ و الرّازق و الرّاعي لمخلوقاته،تقول الآية: وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً النّساء:171.

و الحقيقة هي أنّ اللّه الأزليّ الأبديّ الّذي يرعى جميع الموجودات منذ الأزل إلى الأبد لا يحتاج مطلقا إلى ولد،فهل هو كسائر النّاس لكي يحتاج إلى ولد يخلفه من بعد الموت؟

عقيدة التّثليث أكبر خرافة مسيحيّة

ليس في الانحرافات الّتي تورّط بها العالم المسيحيّ أكبر من انحراف عقيدة التّثليث،لأنّ المسيحيّين يعتقدون صراحة بالثّالوث الإلهيّ،و هم في نفس الوقت يصرّحون بأنّ اللّه واحد!أي أنّهم يرون الحقيقة في التّثليث و التّوحيد في آن واحد.

و قد خلقت هذه القضيّة-الّتي لها حدّان متناقضان -مشكلة كبيرة للمفكّرين و الباحثين المسيحيّين.

فلو كان المسيحيّون مستعدّين لقبول مسألة التّوحيد بأنّها«مجازيّة»و قبول مسألة التّثليث بأنّها مسألة «حقيقيّة»أو قبول العكس،لأمكن تبرير هذا الأمر، و لكنّهم يرون الحقيقة في الجمع بين هذين المتناقضين، فيقولون:إنّ الثّلاثة واحد كما يقولون إنّ الواحد ثلاثة في نفس الوقت.

و ما يلاحظ من ادّعاء في الكتابات التّبشيريّة الأخيرة للمسيحيّين،و الّتي توزّع للنّاس الجهلاء،من أنّ التّثليث شيء مجازيّ،إنّما هو كلام مشوب بالرّياء، و لا يتلاءم مطلقا مع المصادر الأساسيّة للمسيحيّة،كما لا يتّفق مع الآراء و المعتقدات الحقيقيّة للمفكّرين المسيحيّين.

و يواجه المسيحيّون هنا قضيّة لا تتّفق مع العقل، فالمعادلة الّتي افترضوا فيها أنّ 1-3 لا يقبلها حتّى الأطفال الّذين هم في مرحلة الدّراسة الابتدائيّة،و لهذا السّبب ادّعوا أنّ هذه القضيّة لا تقاس بمقياس العقل، و طلبوا الإذعان بها عبر ما سمّوه بالرّؤية التّعبّديّة القلبيّة.

و كان هذا التّناقض منشأ للتّباعد الحاصل لديهم بين الدّين و العقل،و سببا لجرّ الدّين إلى متاهات خطيرة، الأمر الّذي اضطرّهم إلى القول بأنّ الدّين ليس له صلة بالعقل،أو ليس فيه الطّابع العقلانيّ،و أنّه ذو طابع تعبّديّ محض.

و هذا هو أساس التّناقض بين الدّين و العلم في منطق

ص: 482

المسيحيّة،فالعلم يحكم بأنّ الثّلاثة لا تساوي الواحد، و المسيحيّة المعاصرة تصرّ على أنّهما متساويان!

و يجب الالتفات هنا إلى عدّة نقاط حول هذا الاعتقاد المسيحيّ:

1-لم يشر أيّ من الأناجيل في الوقت الحاضر إلى مسألة التّثليث،لذلك يعتقد الباحثون المسيحيّون أنّ مصدر التّثليث في الأناجيل خفيّ و غير بارز،و في هذا المجال يقول الباحث الأمريكيّ المستر هاكس:«إنّ قضيّة التّثليث تعتبر في العهدين القديم و الجديد خفيّة و غير واضحة».(القاموس المقدّس-ص:345،طبعة بيروت).

و ذكر المؤرّخون أنّ قضيّة التّثليث قد برزت بعد القرن الثّالث الميلاديّ لدى المسيحيّين،و إنّ منشأ هذه البدعة كان الغلوّ من جانب،و اختلاط المسيحيّين، بالأقوام الأخرى من جانب آخر.

و يرى البعض احتمال أن يكون مصدر التّثليث عند المسيحيّين واردا من عقيدة الثّالوث الهنديّ،أي عبادة الهنود للآلهة الثّلاثة (1).

2-إنّ قضيّة التّثليث القائلة بأنّ الثّلاثة واحد تعتبر أمرا غير معقول أبدا،و يرفضها العقل بالبداهة،و الشّيء الّذي نعرفه هو أنّ الدّين لا يمكنه أن يكون منفصلا عن العقل و العلم،فالعلم الحقيقيّ و الدّين الواقعيّ كلاهما متّفقان و متناسقان دائما-و لا يمكن القول بأنّ الدّين أمر تعبّديّ محض-لأنّنا لو أزحنا العقل جانبا عند قبول مبادئ الدّين و أذعنّا للعبادة العمياء الصّمّاء،فلا يبقى لدينا ما نميّز به بين الأديان المختلفة.

و في هذه الحالة،أيّ دليل يوجب على الإنسان أن يعبد اللّه و لا يعبد الأصنام؟و أيّ دليل يدعو المسيحيّين إلى التّبشير لدينهم لا للأديان الأخرى؟

و من هذا المنطلق فإنّ الخصائص الّتي يراها المسيحيّون لدينهم و يصرّون على دعوة النّاس للقبول بها،هي بحدّ ذاتها دليل على أنّ الدّين يجب أن يعرف بمنطق العقل،و هذا يناقض دعواهم حول قضيّة التّثليث الّتي يرون فيها انفصال الدّين عن العقل.

و ليس هناك كلام يستطيع تحطيم الدّين أشدّ و أقبح من أن يقال:إنّ الدّين لا يمتلك طابعا عقلانيّا و منطقيّا، و أنّه ذو طابع تعبّديّ محض.

3-إنّ الأدلّة العديدة الّتي يستشهد بها-في مجال إثبات التّوحيد،و وحدانيّة الذّات الإلهيّة-ترفض كلّ أنواع التّثنية أو التّثليث-فاللّه سبحانه و تعالى هو وجود مطلق لا يحدّ بالجهات،و هو أزليّ أبديّ لا حدود لعلمه و لقدرته و لقوّته.

و بديهيّ أنّه لا يمكن تصوّر التّثنية في اللاّمتناهي (2)، لأنّ فرض وجود لا متناهيين يجعل من هذين الاثنين متناهيين و محدودين،لأنّ وجود الأوّل يفتقر إلى قدرة و قوّة.وجود الثّاني،كما أنّ وجود الثّاني يفتقر إلى وجود و خصائص الأوّل،و على هذا الأساس فإنّ كلا الوجودين محدودان.د.

ص: 483


1- انظر دائرة المعارف للقرن العشرين(لفريد وجدي)في مادّة«ثالوث»...
2- استعمال خاطئ شاع عند البعض حديثا،و هو إدخال «أل»التّعريف على الحرف«لا»النّافية..و الصّحيح تغيير ذلك إلى:غير المتناهي،و غير المحدود.

و بعبارة أخرى:إنّنا لو افترضنا وجود لا متناهيين من جميع الجهات،فلا بدّ حين يصل اللاّمتناهي الأوّل إلى تخوم اللاّمتناهي الثّاني ينتهي إلى هذا الحدّ،كما أنّ اللاّمتناهي الثّاني حين يصل إلى حدّ اللاّمتناهي الأوّل ينتهي هو أيضا،و على هذا الأساس فإنّ كليهما يكونان محدودين،و لا تنطبق صفة على أيّ منهما بل هما متناهيان محدودان،و النّتيجة هي أنّ ذات اللّه-الّذي هو وجود لا متناه-لا يمكن أن تقبل التّعدّد أبدا.

و هكذا فإنّنا لو اعتقدنا بأنّ الذّات الإلهيّة تتكوّن من الأقانيم الثّلاثة،لا يستلزم أن يكون كلّ من هذه الأقانيم محدودا.و لا تصحّ فيه صفة اللاّمحدود و اللاّمتناهي، و كذلك فإنّ أيّ مركّب في تكوينه محتاجا إلى أجزائه الّتي تكوّنه،فوجود المركّب يكون معلولا لوجود أجزائه.

و إذا افترضنا التّركيب في ذات اللّه لزم أن تكون هذه الذّات محتاجة أو معلولة لعلّة سابقة،في حين أنّنا نعرف أنّ اللّه غير محتاج،و هو العلّة الأولى لعالم الوجود،و علّة العلل كلّها منذ الأزل و إلى الأبد.

4-و بالإضافة إلى كلّ ما ذكر،كيف يمكن للذّات الإلهيّة أن تتجسّد في هيكل إنسانيّ لتصبح محتاجة إلى الجسم و المكان و الغذاء و اللّباس و أمثالها؟

إنّ فرض الحدود للّه الأزليّ الأبديّ،أو تجسيده في هيكل إنسان،و وضعه جنينا في رحم أمّ،يعتبر من أقبح التّهم الّتي تلصق بذات اللّه المقدّسة المنزّهة عن كلّ النّقائص،كما أنّ افتراض وجود الابن للّه-و هو يستلزم عوارض التّجسيم المختلفة-إنّما هو افتراض غير منطقيّ، و بعيد عن العقل بعدا مطلقا.

و ليس أدلّ على ذلك من رفض هذا الأمر من قبل أيّ إنسان لم ينشأ في محيط مسيحيّ و لم يترب منذ طفولته على هذه التّعليمات الوهميّة الخاطئة؛حيث تولّد مثل هذه التّعابير المنافية لما تلهمه الفطرة الإنسانيّة،و المخالفة لما يحكم به العقل البشريّ،تؤكّد السّخط و الاشمئزاز لدى هذا الإنسان حين سماعه لها،و إذا كان المسيحيّون أنفسهم لا يرون بأسا في كلمات مثل«اللّه الأب»و«اللّه الابن»فما ذلك إلاّ لأنّهم جبلوا على هذه التّعاليم الخاطئة منذ نعومة أظفارهم.

5-لوحظ في السّنين الأخيرة أنّ جماعة من المبشّرين المسيحيّين يلجئون إلى أمثلة سفسطائيّة من أجل خداع الجهلاء من النّاس،في قبول قضيّة التّثليث.

من هذه الأمثلة قولهم:إنّ اجتماع التّوحيد و التّثليث معا يمكن تشبيهه بقرص الشّمس و النّور و الحرارة النّابعتين من هذا القرص؛حيث إنّها ثلاثة أشياء في شيء واحد.

أو تشبيههم ذلك بانعكاس صورة إنسان في ثلاث مرايا في آن واحد،فهذا الإنسان مع كونه واحدا إلاّ أنّه يظهر و كأنّه ثلاثة في المرايا الثّلاث،كما يشبّهون التّثليث بالمثلّث الّذي له ثلاث زوايا من الخارج،و يقولون:بأنّ هذه الزّوايا لو مدّت من الدّاخل لوصلت كلّها إلى نقطة واحدة.

لكنّنا بالتّعمّق قليلا في هذه الأمثلة يتبيّن لنا أن لا صلة لها بموضوع بحثنا الحاضر،فقرص الشّمس شيء و نورها شيء آخر،و النّور الّذي يتكوّن من الأشعّة فوق الحمراء يختلف عن الحرارة الّتي تتكوّن من الأشعّة دون

ص: 484

الحمراء،و هذه الأشياء الثّلاثة تختلف الواحدة منها عن الأخرى من حيث النّظرة العلميّة،و هي ليست بمجموعها شيئا واحدا من خلال هذه النّظرة.

و إذا صحّ القول بأنّ هذه الأشياء الثّلاثة شيء واحد،إنّما يكون ذلك من باب التّسامح،أو التّعبير المجازيّ ليس إلاّ.

و الأوضح من ذلك مثال الجسم و المرايا الثّلاث، فالصّورة الموجودة في المرايا عن الجسم ليس إلاّ انعكاسا للنّور،و بديهيّ أنّ انعكاس النّور عن جسم معيّن غير ذات الجسم،و على هذا الأساس فليس هناك أيّ اتّحاد حقيقيّ أو ذاتيّ بين الجسم و صورته المنعكسة في المرآة، و هذه قضيّة يدركها حتّى الدّارس المبتدئ لعلم الفيزياء.

أمّا في مثال المثلّث فالأمر واضح كما في المثالين السّابقين؛حيث إنّ زوايا المثلّث المتعدّدة لا علاقة لها بالبداهة بالامتداد الدّاخليّ الحاصل للزّوايا،و الّذي يوصلها جميعا إلى نقطة واحدة.

و الّذي يثير العجب أكثر من ذلك،هو محاولة بعض المسيحيّين المستشرقين مطابقة قضيّة«التّوحيد في التّثليث»مع نظريّة«وحدة الوجود»الّتي يقول بها الصّوفيّون (1).و الأمر الواضح من غير دليل في هذا المجال،هو أنّنا لو قبلنا بالنّظريّة الخاطئة و المنحرفة القائلة بوحدة الوجود،لاقتضى ذلك منّا أن نذعن بأنّ كلّ موجودات العالم أو الكون هي جزء من ذات اللّه سبحانه و تعالى،بل الإذعان بأنّها هي عين ذاته.

و عند ذلك لا يبقى معنى للتّثليث،بل تصبح جميع الموجودات-صغيرها و كبيرها-جزء أو مظهرا للّه سبحانه،و على هذا الأساس فلا يمكن أن تتطابق نظريّة التّثليث المسيحيّة بالنّظريّة الصّوفيّة القائلة بوحدة الوجود بأيّ شكل من الأشكال،علما بأنّ النّظريّة الصّوفيّة هذه قد دحضت و بان بطلانها.

6-يقول بعض المسيحيّين أحيانا:إنّهم حين يسمّون المسيح عليه السّلام ب«ابن اللّه»إنّما يفعلون ذلك كما يفعل المسلمون في تسمية سبط الرّسول صلّى اللّه عليه و آله الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام ب«ثار اللّه و ابن ثاره»،أو كالتّسمية الّتي وردت في بعض الرّوايات لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام حيث سمّي فيها ب«يد اللّه»،و هؤلاء المسيحيّون يفسّرون كلمة«ثار»بأنّها تعني الدّم،أي أنّ العبارة الواردة في الحسين الشّهيد عليه السّلام تعني«دم اللّه و ابن دمه».

إنّ هذا الأمر هو عين الخطإ:

أوّلا:لأنّ العرب لم تطلق كلمة الثّأر أبدا لتعني بها الدّم،بل اعتبرت الثّأر دائما ثمنا للدّم،و لذلك فإنّ معنى العبارة أنّ اللّه هو الّذي يأخذ ثمن دم الحسين الشّهيد، و أنّ هذا الأمر منوط به سبحانه و تعالى،أي أنّ الحسين عليه السّلام لم يكن ملكا أو تابعا لعشيرة أو قبيلة معيّنة لتطالب بدمه،بل هو يخصّ العالم و البشريّة جمعاء و يكون تابعا لعالم الوجود و ذات اللّه المقدّسة،و لذلك فإنّ اللّه هو الّذي يطالب و يأخذ ثمن دم هذا الشّهيد،فإنّ الحسين هو ابن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام الّذي استشهد في سبيل اللّه،و اللّه هو الّذي يطالب و يأخذ ثمن دمه أيضا.ه.

ص: 485


1- المراد بوحدة الوجود عند الصّوفيّة،هي وحدة الموجود، و يستدلّون بها على أنّ الوجود ليس أكثر من واحد يظهر في صور مختلفة،و إنّ هذا الواحد هو اللّه.

و ثانيا:حين يعبّر في بعض الأحيان عن بعض أولياء اللّه بعبارة«يد اللّه»فإنّ هذا التّعبير حتما من باب التّشبيه و الكناية و المجاز،ليس إلاّ.

فهل يجيز أيّ مسيحيّ لنفسه أن يقال في عبارة«ابن اللّه»الواردة عندهم في حقّ المسيح عليه السّلام أنّها ضرب من المجاز و الكناية؟بديهيّ أنّه لا يقبل ذلك،لأنّ المصادر المسيحيّة الأصليّة اعتبرت صفة البنوّة للّه سبحانه منحصرة بالمسيح عليه السّلام وحده و ليس في غيره،و اعتبروا تلك الصّفة حقيقيّة لا مجازيّة،و ما بادر إليه بعض المسيحيّين من الادّعاء بأنّ هذه الصّفة هي من باب الكناية أو المجاز،إنّما هو من أجل خداع البسطاء من النّاس.

و لإيضاح هذا الأمر نحيل القارئ إلى كتاب «القاموس المقدّس»في مادّة«اللّه»حيث يقول هذا الكاتب:بأنّ عبارة«ابن اللّه»هي واحدة من ألقاب منجي و مخلّص و فادي المسيحيّين،و أنّ هذا اللّقب لا يطلق على أيّ شخص آخر إلاّ إذا وجدت قرائن تبيّن بأنّ المقصود هو ليس الابن الحقيقيّ للّه (1).(3:483)

3- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. المائدة:73

ابن عبّاس: و هي مقالة المرقوسيّة يقول:أب، و ابن،و روح قدس.(98)

الإمام الباقر عليه السّلام: أمّا المسيح فعصوه و عظّموه في أنفسهم حتّى زعموا أنّه إله و أنّه ابن اللّه،و طائفة منهم قالوا:ثالث ثلاثة،و طائفة منهم قالوا:هو اللّه.

(العروسيّ 1:659)

الفرّاء: يكون مضافا،و لا يجوز التّنوين في(ثالث) فتنصب الثّلاثة.و كذلك[لو]قلت:واحد من اثنين، و واحد من ثلاثة،أ لا ترى أنّه لا يكون ثانيا لنفسه و لا ثالثا لنفسه.فلو قلت:أنت ثالث اثنين،لجاز أن تقول:أنت ثالث اثنين،بالإضافة،و بالتّنوين و نصب الاثنين و كذلك لو قلت:أنت رابع ثلاثة جاز ذلك،لأنّه فعل واقع.(1:317)

الطّبريّ: و هذا أيضا خبر من اللّه تعالى ذكره،عن فريق آخر من الإسرائيليّين الّذين وصف صفتهم في الآيات قبل،أنّه لمّا ابتلاهم بعد حسبانهم أنّهم لا يبتلون و لا يفتنون،قالوا كفرا بربّهم و شركا:اللّه ثالث ثلاثة.

و هذا قول كان عليه جماهير النّصارى قبل افتراق اليعقوبيّة و الملكانيّة و النّسطوريّة،كانوا-فيما بلغنا- يقولون:الإله القديم جوهر واحد،يعمّ ثلاثة أقانيم:أبا والدا غير مولود،و ابنا مولودا غير والد،و زوجا متتبّعة بينهما،يقول اللّه تعالى ذكره مكذّبا لهم فيما قالوا من ذلك:

وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ يقول:ما لكم معبود أيّها النّاس إلاّ معبود واحد،و هو الّذي ليس بوالد لشيء، و لا مولود،بل هو خالق كلّ والد و مولود.(6:313)

الزّجّاج: معناه أنّهم قالوا:اللّه أحد ثلاثة آلهة،أو واحد من ثلاثة آلهة.و لا يجوز في ثلاثة إلاّ الجرّ،لأنّ المعنى أحد ثلاثة.فإن قلت:زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة،جاز الجرّ و النّصب.فأمّا النّصب فعلى قولك:كان5.

ص: 486


1- القاموس المقدّس-طبعة بيروت-ص:345.

القوم ثلاثة فربعهم،و أنا رابعهم غدا،أو رابع الثّلاثة غدا.

و من جرّ فعلى حذف التّنوين،كما قال عزّ و جلّ: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ المائدة:95.(2:196)

الطّوسيّ: و هذا قسم آخر من اللّه بأنّه كفّر من قال: إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ و القائلون بهذه المقالة هم جمهور النّصارى من الملكانيّة،و اليعقوبيّة و النّسطوريّة، لأنّهم يقولون:أب،و ابن،و روح القدس إله واحد، و لا يقولون:ثلاثة آلهة.و يمنعون من العبارة،و إن كان يلزمهم أن يقولوا:إنّهم ثلاثة آلهة.و ما كان هكذا صحّ أن يحكى بالعبارة اللاّزمة.و إنّما قلنا:يلزمهم،لأنّهم يقولون:الابن إله،و الأب إله،و روح القدس إله.

و الابن ليس هو الأب.و معنى ثالِثُ ثَلاثَةٍ أحد ثلاثة.

(3:602)

نحوه الطّبرسيّ(2:228)،و القرطبيّ(6:249)

الواحديّ: قالت النّصارى:الإلهيّة مشتركة بين اللّه و مريم و عيسى،و كلّ واحد من هؤلاء إله،و اللّه أحد ثلاثة آلهة.يبيّن هذا قول اللّه تعالى للمسيح: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ المائدة:

116.

و لا بدّ أن يكون في الآية إضمار و اختصار،لأنّ المعنى أنّهم قالوا:إنّ اللّه ثالث ثلاثة آلهة،فحذف ذكر الآلهة، لأنّ المعنى مفهوم،و لا يكفر من يقول:إنّ اللّه ثالث ثلاثة إذ لم يرد به الآلهة،لأنّه ما من اثنين إلاّ و اللّه ثالثهما بالعلم، كقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ المجادلة:7.و الّذي يبيّن أنّهم أرادوا بالثّلاثة:الآلهة، قوله في الرّدّ عليهم: وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ.. .(2:213)

نحوه البغويّ(2:63)،و الشّربينيّ(1:388)، و البروسويّ(2:423).

ابن عطيّة: هذه الآية إخبار مؤكّد كالّذي قبله، و هو عن هذه الفرقة النّاطقة بالتّثليث،و هي فيما يقال:

الملكيّة و هم فرق منهم النّسطوريّة و غيرهم،و لا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير،إنّما الحقّ أنّهم عن اختلاف أحوالهم كفّار،من حيث جعلوا في الألوهيّة عددا،و من حيث جعلوا لعيسى عليه السّلام حكما إلهيّا.

(2:221)

الفخر الرّازيّ: إنّ المتكلّمين حكوا عن النّصارى أنّهم يقولون:جوهر واحد،ثلاثة أقانيم:أب،و ابن، و روح القدس،و هذه الثّلاثة إله واحد،كما أنّ الشّمس اسم يتناول القرص و الشّعاع و الحرارة.و عنوا بالأب:

الذّات،و بالابن:الكلمة،و بالرّوح:الحياة،و أثبتوا الذّات و الكلمة و الحياة،و قالوا:إنّ الكلمة الّتي هي كلام اللّه اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر و اختلاط الماء باللّبن،و زعموا أنّ الأب إله،و الابن إله،و الرّوح إله،و الكلّ إله واحد.

و اعلم أنّ هذا معلوم البطلان ببديهة العقل،فإنّ الثّلاثة لا تكون واحدا،و الواحد لا يكون ثلاثة،و لا يرى في الدّنيا مقالة أشدّ فسادا و أظهر بطلانا من مقالة النّصارى.(12:59)

نحوه النّيسابوريّ.(7:6)

أبو البقاء:أي أحد ثلاثة،و لا يجوز في مثل هذا إلاّ الإضافة.(1:453)

ص: 487

النّسفيّ: أي ثالث ثلاثة آلهة،و الإشكال أنّه تعالى قال في الآية الأولى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ المائدة:73،و قال في الثّانية:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ.

و الجواب:أنّ بعض النّصارى كانوا يقولون:كان المسيح بعينه هو اللّه،لأنّ اللّه ربّما يتجلّى في بعض الأزمان في شخص،فتجلّى في الوقت في شخص عيسى،و لهذا كان يظهر من شخص عيسى أفعال لا يقدر عليها إلاّ اللّه، و بعضهم ذهبوا إلى آلهة ثلاثة:اللّه و مريم و المسيح،و أنّه ولد اللّه من مريم.و(من)في قوله: وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ للاستغراق،أي و ما إله قطّ في الوجود إلاّ إله موصوف بالوحدانيّة،لا ثاني له،و هو اللّه وحده لا شريك له.(1:295)

أبو حيّان :[نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و لا يجوز في العربيّة في(ثالث ثلاثة)إلاّ الإضافة، لأنّك لا تقول:ثلثت الثّلاثة.و أجاز النّصب في الّذي يلي اسم الفاعل الموافق له في اللّفظ أحمد بن يحيى ثعلب، و ردّوه عليه،جعلوه كاسم الفاعل مع العدد المخالف،نحو رابع ثلاثة،و ليس مثله إذ تقول:ربعت الثّلاثة أي صيّرتهم بك أربعة.(3:535)

أبو السّعود :شروع في بيان كفر طائفة أخرى منهم،و معنى قولهم:ثالث ثلاثة و رابع أربعة،و نحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقا،لا الثّالث و الرّابع خاصّة، و لذلك منع الجمهور أن ينصب ما بعده بأن يقال:ثالث ثلاثة و رابع أربعة.و إنّما ينصبه إذا كان ما بعده دونه بمرتبة،كما في قولك:عاشر تسعة و تاسع ثمانية.

قيل:إنّهم يقولون:إنّ الإلهيّة مشتركة بين اللّه سبحانه و تعالى و عيسى و مريم،و كلّ واحد من هؤلاء إله،و يؤكّده قوله تعالى للمسيح: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ المائدة:116، فقوله تعالى: ثالِثُ ثَلاثَةٍ أي أحد ثلاثة آلهة،و هو المتبادر من ظاهر قوله تعالى: وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ. (2:305)

نحوه الآلوسيّ.(6:207)

القاسميّ: إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ أي أحد ثلاثة آلهة،بمعنى واحد منها،و هم اللّه و مريم و عيسى.

قال بعضهم:كانت فرقة منهم تسمّى«كولى رى دينس»تقول:الآلهة ثلاثة:الأب و الابن و مريم.

و جاء في كتاب«علم اليقين»:أنّ فرقة منهم تسمّى «المريميّين»قال:يعتقدون أنّ المريم و المسيح إلهان.قال:

و كذلك البربرانيّون و غيرهم،انتهى.

و أسلفنا عن ابن إسحاق أنّ نصارى نجران،منهم من قال بهذا أيضا.

أو المعنى:أحد ثلاثة أقانيم،كما اشتهر عنهم.أي هو جوهر واحد،ثلاثة أقانيم:أب و ابن و روح القدس.

و زعموا:أنّ الأب إله،و الابن إله،و الرّوح إله،و الكلّ إله واحد.كما قدّمنا عنهم في قوله تعالى: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ النّساء:171.

قال الرّازيّ رحمه اللّه:و اعلم أنّ هذا معلوم البطلان ببديهة العقل،فإنّ الثّلاثة لا تكون واحدا،و الواحد لا يكون ثلاثة.و لا يرى في الدّنيا مقالة أشدّ فسادا و أظهر بطلانا من مقالة النّصارى،انتهى.

ص: 488

و قد صنّفت عدّة مصنّفات في تزييف معتقدهم هذا، و هي شهيرة متداولة،و الحمد للّه.

اتّفق النّحاة و اللّغويّون على أنّ معنى قولهم:ثالث ثلاثة و رابع أربعة...و نحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقا، لا الوصف بالثّالث و الرّابع.

و في«التّوضيح و شرحه»:لك في اسم الفاعل المصوغ من لفظ اثنين و عشرة و ما بينهما أن تستعمله على سبعة أوجه:

أحدها:أن تستعمله مفردا عن الإضافة،ليفيد الاتّصاف بمعناه،فتقول:ثالث و رابع،و معناه حينئذ واحد موصوف بهذه الصّفة،و هي كونه ثالثا و رابعا.

الوجه الثّاني:أن تستعمله مع أصله الّذي صيغ هو منه،ليفيد أنّ الموصوف به بعض تلك العدّة المعيّنة لا غير؛فتقول:خامس خمسة،أي واحد من خمسة لا زائد عليها،و يجب حينئذ إضافته إلى أصله،كما يجب إضافة البعض إلى كلّه،كيد زيد،قال تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ التّوبة:40،و قال تعالى:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ المائدة:73.

و زعم الأخفش و قطرب و الكسائيّ و ثعلب أنّه يجوز إضافة الأوّل إلى الثّاني،و نصبه إيّاه؛فعلى هذا يجوز ثالث ثلاثة بجرّ«ثلاثة»و نصبها،كما يجوز في«ضارب زيد».

الوجه الثّالث:أن تستعمله مع ما دون أصله الّذي صيغ منه بمرتبة واحدة،ليفيد معنى التّصيير،فتقول:هذا رابع ثلاثة،أي جاعل الثّلاثة بنفسه أربعة،قال تعالى:

ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ المجادلة:7،أي إلاّ هو مصيّرهم أربعة و مصيّرهم ستّة.و يجوز حينئذ إضافته و إعماله،كما يجوز الوجهان في جاعل و مصيّر،و نحوهما.

و انظر تتمّة الأوجه.

و بما ذكرناه يعلم ردّ ما ذهب إليه الجاميّ في«شرح الكافية»من اعتبار الصّفة في نحو(ثالث ثلاثة)حيث قال في شرح قول ابن الحاجب: ثالِثُ ثَلاثَةٍ أي أحدها.

لكن لا مطلقا،بل باعتبار وقوعه في المرتبة الثّالثة.قال:

و إلاّ يلزم جواز إرادة الواحد الأوّل من عاشر العشرة، و ذلك مستبعد جدّا،انتهى.

فكتب عليه بعض المحقّقين ما نصّه:الظّاهر من عبارة «التّوضيح»و من كلام المصنّف أنّه لا يعتبر الوقوع في المرتبة الثّانية أو الثّالثة و هكذا...إذ يبعد في الآيتين كون المراد ب ثانِيَ اثْنَيْنِ التّوبة:40،و ثالِثُ ثَلاثَةٍ المائدة:73،كونه في المرتبة الثّانية أو الثّالثة بل المراد أنّه بعض تلك العدّة،بلا نظر لكونه في المرتبة الثّانية أو الثّالثة.إلاّ أن يكون هذا باعتبار الوضع،و إن كان الاستعمال بخلافه.و لذا كتب العلاّمة عبد الحكيم على قوله:«و ذلك مستبعد جدّا»أي عند العقل،و إلاّ فالاستعمال بخلافه،انتهى...(6:2098)

رشيد رضا :أكّد تعالى بالقسم أيضا كفر الّذين قالوا:إنّ اللّه الّذي هو خالق السّماوات و الأرض و ما بينهما ثالث أقانيم ثلاثة،و هي الأب و الابن و روح القدس.

قال ابن جرير:«و هذا قول كان عليه جماهير النّصارى قبل افتراق اليعقوبيّة و الملكانيّة و النّسطوريّة»

ص: 489

[إلى آخر ما تقدّم عنه].

فكان هو و كثير من المفسّرين و المؤرّخين المتقدّمين يرون-بحسب معرفتهم بحال نصارى زمنهم و ما يروون عمّن قبلهم-أنّ الّذين يقولون من النّصارى:إنّ إلههم ثالث ثلاثة،هم غير الفرقة الّتي تقول منهم:إنّ اللّه هو المسيح بن مريم،و أنّ ثمّ فرقة ثالثة تقول:إنّ المسيح هو ابن اللّه و ليس هو اللّه،و لا ثالث ثلاثة.

و أمّا النّصارى المتأخّرون فالّذي نعرفه منهم و عنهم أنّهم يقولون بالثّلاثة الأقانيم،و بأنّ كلّ واحد منها عين الآخر؛فالأب عين الابن و عين روح القدس.و لمّا كان المسيح هو الابن كان عين الأب و روح القدس أيضا.

و من العجيب أنّ بعض متأخّري المفسّرين ينقلون أقوال من قبلهم في أمثال هذه المسائل و يقرّونها، و لا يبحثون عن حال أهل زمنهم،و لا يشرحون حقيقة عقيدتهم.و قد سبق لنا بيان عقيدة التّثليث،و كون النّصارى أخذوها عن قدماء الوثنيّين،فارجع إلى تفسير وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ في أواخر سورة النّساء«ص:

86-95 ج:6 تفسير»و بيّنّا قبيلها عقيدة الصّلب و الفداء(ص:23-55 ج:6 تفسير)ثمّ بيّنّا عقيدة التّثليث في تفسير الآية(19)من هذه السّورة(ص:

307 ج 6:تفسير).

قال تعالى ردّا عليهم: وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ أي قالوا قولهم هذا بلا رويّة و لا بصيرة،و الحال أنّه ليس في الوجود ثلاثة آلهة و لا اثنان و لا أكثر من ذلك،لا يوجد إله ما إلاّ إله متّصف بالوحدانيّة،و هو اللّه الّذي لا تركيب في ذاته و لا تعدّد.و هذه العبارة أشدّ تأكيدا لنفي تعدّد الإله من عبارة:لا إله إلاّ إله واحد،لأنّ(من)بعد(ما) تفيد استغراق النّفي و شموله لكلّ نوع من أنواع المتعدّد و كلّ فرد من أفراده،فليس ثمّ تعدّد ذوات و أعيان، و لا تعدّد أجناس أو أنواع،و لا تعدّد جزئيّات أو أجزاء.

و النّصارى قد اقتبسوا عقيدة التّثليث عمّن قبلهم و لم يفهموها،و عقلاؤهم يتمنّون لو يقدرون على التّفصّي منها،و لكنّهم إذا أنكروها بعد هذه الشّهرة تبطل ثقة العامّة بالنّصرانيّة كلّها،كما قال أحد عقلاء القسوس لبعض أهل العلم العصريّ من الشّبّان السّوريّين.

و من الغريب أنّهم يعترفون بأنّ هذه العقيدة لا تعقل،و لكن بعضهم يحاول تأنيس النّفوس بها، بضرب أمثلة لا تصدق عليها،ككون الشّمس مركّبة من الجرم المشتعل و النّور و الحرارة،قال الشّيخ ناصيف اليازجيّ:

نحن النّصارى آل عيسى المنتمي

حسب التّأنّس للبتولة مريم

فهو الإله ابن الإله و روحه

فثلاثة في واحد لم تقسم

للأب لا هوت ابنه و كذا ابنه

و كذاهما و الرّوح تحت تقنّم

كالشّمس يظهر جرمها بشعاعها

و بحرّها و الكلّ شمس فاعلم

فهو يقول:إنّ ربّهم جوهر له أعراض كسائر الجواهر و الأجسام،و لكنّ العرض ليس عين الذّات.

فحرارة الشّمس ليست شمسا،و لا هي عين الجرم

ص: 490

و لا عين الضّوء.فإذا لا يصحّ أن يكون الابن و روح القدس عين الأب!!و قد أورد صاحب«إظهار الحقّ» الحكاية الآتية،في بيان تخبّطهم في هذه المسألة،قال:

«نقل أنّه تنصّر ثلاثة أشخاص و علّمهم بعض القسّيسين العقائد الضّروريّة سيّما عقيدة التّثليث.

و كانوا في خدمته،فجاء محبّ من أحبّاء هذا القسّيس و سأله عمّن تنصّر،فقال:ثلاثة أشخاص تنصّروا، فسأل هذا المحبّ:هل تعلّموا شيئا من العقائد الضّروريّة؟فقال:نعم،و طلب واحدا منهم ليري محبّه، فسأله عن عقيدة التّثليث،فقال:إنّك علّمتني أنّ الآلهة ثلاثة،أحدهم الّذي هو في السّماء،و الثّاني الّذي تولّد من بطن مريم العذراء،و الثّالث الّذي نزل في صورة الحمامة على الإله الثّاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة.فغضب القسّيس و طرده،و قال:هذا مجهول،ثمّ طلب الآخر منهم و سأله،فقال:إنّك علّمتني أنّ الآلهة كانوا ثلاثة و صلب واحد منهم فالباقي إلهان.فغضب عليه القسّيس أيضا و طرده،ثمّ طلب الثّالث و كان ذكيّا بالنّسبة إلى الأوّلين و حريصا في حفظ العقائد فسأله،فقال:

يا مولاي حفظت ما علّمتني حفظا جيّدا،و فهمت فهما كاملا،بفضل السّيّد المسيح:أنّ الواحد ثلاثة و الثّلاثة واحد،و صلب واحد منهم و مات،فمات الكلّ لأجل الاتّحاد،و لا إله الآن،و إلاّ يلزم نفي الاتّحاد.

أقول:لا تقصير للمسئولين،فإنّ هذه العقيدة يخبط فيها الجهلاء هكذا،و يتحيّر علماؤهم،و يعترفون بأنّا نعتقد و لا نفهم،و يعجزون عن تصويرها و بيانها.

(6:483)

المراغيّ: أي أقسم إنّ هؤلاء الّذين ادّعوا أنّ اللّه هو المسيح بن مريم،قد كفروا و ضلّوا ضلالا بعيدا،إذ هم في إطرائه و مدحه غلوا أشدّ من غلوّ اليهود في الكفر به و تحقيره،و قولهم عليه و على أمّه الصّدّيقة بهتانا عظيما.و قد صارت هذه المقالة هي العقيدة الشّائعة عندهم،و من عدل عنها عدّ مارقا من الدّين.فقالوا:إنّ الإله مركّب من ثلاثة أصول يسمّونها:الأقانيم الثّلاثة، و هي الأب و الابن و روح القدس.فالمسيح هو الابن، و اللّه هو الأب.و قد حلّ الأب في الابن و اتّحد به،فكوّن روح القدس،و كلّ واحد من هذه الثّلاثة عين الآخرين.

و خلاصة ذلك:اللّه هو المسيح و المسيح هو اللّه،كما يزعمون.

ثمّ ذكر أنّ المسيح يكذّبكم في ذلك،فحكى عنه:

وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ المائدة:72،أي و الحال أنّ المسيح قال لهم ضدّ ما يقولون،فقد أمرهم بعبادة اللّه وحده،معترفا بأنّه ربّه و ربّهم،و دعا بني إسرائيل الّذين أرسل إليهم إلى عبادة اللّه وحده،و لا يزال هذا الأمر محفوظا في الأناجيل الّتي كتبت لبيان بعض سيرته،ففي إنجيل يوحنّا:«و هذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ،وحدك و يسوع المسيح الّذي أرسلته»فدين المسيح مبنيّ على التّوحيد المحض،و هو دين اللّه الّذي أرسل به جميع رسله.

و في هذه المقالة تنبيه إلى ما هو الحجّة القاطعة على فساد قول النّصارى،لأنّه عليه السّلام لم يفرّق بين نفسه و غيره في أنّ دلائل الحدوث ظاهرة على الجميع.

ص: 491

و بعد أن أمرهم عليه السّلام بالتّوحيد الخالص،أتبعه بالتّحذير من الشّرك و الوعيد عليه،فقال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ المائدة:72،أي إنّ كلّ من يشرك باللّه شيئا من ملك أو بشر أو كوكب أو حجر أو نحو ذلك،فيجعله ندّا له أو متّحدا به،أو يدعوه لجلب نفع أو دفع ضرر،أو يزعم أنّه يقرّ به إليه زلفى فيتّخذه شفيعا ليؤثّر في إرادته تعالى و علمه،و يحمله على شيء غير ما سبق به علمه و خصّصته إرادته في الأزل،من يفعل ذلك فإنّ اللّه قد حرّم عليه الجنّة في سابق علمه، و بمقتضى شرعه الّذي أوحاه إلى جميع رسله،فلا مأوى له إلاّ النّار الّتي هي دار العذاب و الذّلّ و الهوان، و ما للظّالمين لأنفسهم بشركهم باللّه من نصير ينصرهم و لا شفيع ينقذهم ممّا يحلّ بهم مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ البقرة:255.

و في هذا إيماء إلى أنّ النّصارى كانوا يتكلّمون على كثير من القدّيسين؛إذ كانت وثنيّة الشّفاعة قد فشت فيهم و إن لم تكن من أصل دينهم.

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ المائدة:

73،أي لقد كفر الّذين قالوا:إنّ اللّه خالق السّماوات و الأرض و ما بينهما،ثالث أقانيم ثلاثة:أب والد غير مولود،و ابن مولود غير والد،و زوج متتبّعة بينهما:

و الخلاصة:إنّ الفرق ثلاثة:1-إنّ إلههم ثالث ثلاثة، 2-إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم،3-إنّ المسيح هو ابن اللّه و ليس هو اللّه.

و المتأخّرون من النّصارى يقولون بالأقانيم الثّلاثة، و أنّ كلّ واحد منهما عين الآخر،فالأب عين الابن و عين روح القدس،و لمّا كان المسيح هو الابن كان عين الأب و روح القدس أيضا،و قد ذكرنا فيما سلف أنّ النّصارى أخذوا عقيدة التّثليث من قدماء الوثنيّين.

(6:165)

محمّد جواد مغنية: (ثالث)خبر(انّ)و(ثلاثة) مجرور بالإضافة،و لا يجوز(ثلاثة)بالنّصب على أنّه مفعول ل(ثالث)كما يجوز لك أن تقول:ضارب زيدا، على أن يكون زيد مفعولا ل(ضارب).لا يجوز ذلك في (ثلاثة)؛إذ يصير المعنى الثّالث جعل الثّلاثة ثلاثة،و هذا باطل و غير مراد،لأنّ المعنى المراد واحد من ثلاثة، لا جاعل الثّلاثة ثلاثة.أجل،إذا قلت:رابع ثلاثة،يجوز أن تجرّ«ثلاثة»بالإضافة،و أن تنصبها مفعولا لرابع، على معنى جاعل الثّلاثة أربعة.[إلى أن قال:]

أنكر سبحانه على النّصارى أوّلا تأليه السّيّد المسيح عليه السّلام،ثمّ أنكر عليهم في هذه الآية جعلهم اللّه واحدا من ثلاثة،و قولهم:إنّ اللّه هو الأب،و المسيح هو الابن،ثمّ حلّ الأب في الابن و اتّحد به فكوّن روح القدس،و كلّ واحد من هؤلاء الثّلاثة هو عين الآخر، و هو غيره.

و تقدّم الكلام في ذلك عند تفسير الآية(17)من هذه السّورة،و الآية(171)من سورة النّساء.

(3:103)

الطّباطبائيّ: ثالِثُ ثَلاثَةٍ أي أحد الثّلاثة:

الأب و الابن و الرّوح،أي هو ينطبق على كلّ واحد من الثّلاثة،و هذا لازم قولهم:إنّ الأب إله،و الابن إله،

ص: 492

و الرّوح إله،و هو ثلاثة،و هو واحد يضاهئون بذلك، نظير قولنا:إنّ زيد بن عمرو إنسان،فهناك أمور ثلاثة هي:زيد و ابن عمرو و الإنسان،و هناك أمر واحد و هو المنعوت بهذه النّعوت،و قد غفلوا عن أنّ هذه الكثرة إن كانت حقيقيّة غير اعتباريّة أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة،و أنّ المنعوت إن كان واحدا حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة اعتباريّة غير حقيقيّة، فالجمع بين هذه الكثرة العدديّة و الوحدة العدديّة في زيد المنعوت بحسب الحقيقة،ممّا يستنكف العقل عن تعقّله.

و لذا ربّما ذكر بعض الدّعاة من النّصارى أنّ مسألة التّثليث من المسائل المأثورة،من مذاهب الأسلاف الّتي لا تقبل الحلّ بحسب الموازين العلميّة،و لم يتنبّه أنّ عليه أن يطالب الدّليل على كلّ دعوى يقرع سمعه،سواء كان من دعاوي الأسلاف أو من دعاوي الأخلاف.[إلى أن قال:]

و لمّا كان القول بالتّثليث الّذي تتضمّنه كلمة إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ليس في وسع عقول عامّة النّاس أن تتعقّله،فأغلب النّصارى يتلقّونه قولا مذهبيّا مسلّما بلفظه،من غير أن يعقلوا معناه،و لا أن يطمعوا في تعقّله، كما ليس في وسع العقل السّليم أن يعقله عقلا صحيحا، و إنّما يتعقّل كتعقّل الفروض المحالة كالإنسان اللاّإنسان (1)،و العدد الّذي ليس بواحد و لا كثير و لا زوج و لا فرد،فلذلك تتسلّمه العامّة تسلّما من غير بحث عن معناه،و إنّما يعتقدون في البنوّة و الأبوّة شبه معنى التّشريف،فهؤلاء في الحقيقة ليسوا من أهل التّثليث، و إنّما يمضغون الكلمة مضغا،و ينتمون إليها انتماء،بخلاف غير العامّة منهم،و هم الّذين ينسب اللّه سبحانه إليهم اختلاف المذاهب،و يقرّر أنّ ذلك ببغيهم،كما قال تعالى:

أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ -إلى أن قال - وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الشّورى:13،14.

فالكفر الحقيقيّ الّذي لا ينتهي إلى استضعاف-و هو الّذي فيه إنكار التّوحيد و التّكذيب بآيات اللّه-إنّما يتمّ في بعضهم دون كلّهم،و إنّما أوعد اللّه بالنّار الخالدة الّذين كفروا و كذّبوا بآيات اللّه،قال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:

39،إلى غير ذلك من الآيات...

و لعلّ هذا هو السّرّ في التّبعيض الظّاهر،من قوله:

لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ أو أنّ المراد به الإشارة إلى أنّ من النّصارى من لا يقول بالتّثليث،و لا يعتقد في المسيح إلاّ أنّه عبد اللّه و رسوله،كما كانت على ذلك مسيحيّو الحبشة و غيرها،على ما ضبطه التّاريخ، فالمعنى:لئن لم ينته النّصارى عمّا يقولون-نسبة قول بعض الجماعة إلى جميعهم-ليمسّنّ الّذين كفروا منهم -و هم القائلون بالتّثليث منهم-عذاب أليم.

و ربّما وجّهوا الكلام،أعني قوله: لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ بأنّه من قبيل وضع الظّاهر موضع المضمر،و الأصل:ليمسّنّهم،انتهى.و إنّما عدل إلى وضعف.

ص: 493


1- الصّحيح:«كالإنسان الّذي هو ليس بإنسان»لأنّ(أل) التّعريف لا تدخل على حرف(لا)النّافية،و غيرها من الحروف.

الموصول وصلته مكانه ليدلّ على أنّ ذلك القول كفر باللّه،و أنّ الكفر سبب العذاب الّذي توعّدهم به.

و هذا وجه لا بأس به لو لا أنّ الآية مصدّرة بقوله:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، و نظيره في البعد قول بعض آخر:إنّ(من)في قوله:(منهم)بيانيّة، فإنّه قول من غير دليل.

قوله تعالى: أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:74،تحضيض على التّوبة و الاستغفار،و تذكير بمغفرة اللّه و رحمته،أو إنكار أو توبيخ.

قوله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ المائدة:75،ردّ لقولهم: إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ أو لقولهم هذا و قولهم المحكيّ في الآية السّابقة: إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ جميعا،و محصّله اشتمال المسيح على جوهرة الألوهيّة،بأنّ المسيح لا يفارق سائر رسل اللّه الّذين توفّاهم اللّه من قبله،كانوا بشرا مرسلين من غير أن يكونوا أربابا من دون اللّه سبحانه،و كذلك أمّه مريم كانت صدّيقة تصدق بآيات اللّه تعالى و هي بشر.و قد كان هو و أمّه جميعا يأكلان الطّعام،و أكل الطّعام مع ما يتعقّبه مبنيّ على أساس الحاجة الّتي هو أوّل أمارة من أمارات الإمكان و المصنوعيّة،فقد كان المسيح عليه السّلام ممكنا متولّدا من ممكن،و عبدا و رسولا مخلوقا من أمّه، كانا يعبدان اللّه،و يجريان في سبيل الحاجة و الافتقار،من دون أن يكون ربّا.

و ما بيد القوم من كتب الإنجيل معترفة بذلك تصرّح بكون مريم فتاة كانت تؤمن باللّه و تعبده،و تصرّح بأنّ عيسى تولّد منها كالإنسان من الإنسان،و تصرّح بأنّ عيسى كان رسولا من اللّه إلى النّاس كسائر الرّسل، و تصرّح بأنّ عيسى و أمّه مريم كانا يأكلان الطّعام.

فهذه أمور صرّحت بها الأناجيل،و هي حجج على كونه عليه السّلام عبدا رسولا.

و يمكن أن تكون الآية مسوقة لنفي ألوهيّة المسيح و أمّه كليهما،على ما يظهر من قوله تعالى: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ المائدة:

116،أنّه كان هناك من يقول بألوهيّتها كالمسيح،أو أنّ المراد به اتّخاذها إلها،كما ينسب إلى أهل الكتاب أنّهم اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه،و ذلك بالخضوع لها و لهم،بما لا يخضع لبشر بمثله.

و كيف كان فالآية على هذا التّقدير تنفي عن المسيح و أمّه معا الألوهيّة،بأنّ المسيح كان رسولا كسائر الرّسل،و أمّه كانت صدّيقة،و هما معا كانا يأكلان الطّعام،و ذلك كلّه ينافي الألوهيّة.(6:70)

مكارم الشّيرازيّ: سبق أن أشرنا إلى أنّ تاريخ المسيحيّة يقول:لم يكن التّثليث معروفا في القرون الأولى من المسيحيّة،و لا حتّى على عهد المسيح عليه السّلام،بل إنّ الأناجيل الموجودة-على الرّغم من كلّ ما فيها من تحريفات و إضافات-ليس فيها أدنى إشارة إلى التّثليث، و هذا ما يعترف به المحقّقون المسيحيّون أنفسهم،و عليه فإنّ ما ورد في الآية المذكورة عن إصرار المسيح عليه السّلام على مسألة التّوحيد إنّما ينسجم مع المصادر المسيحيّة الموجودة،و يعتبر من دلائل عظمة القرآن.

ص: 494

بهذه المناسبة ينبغي الالتفات إلى أنّ الموضوع الّذي تتناوله الآية هو الغلوّ و وحدة المسيح باللّه،أو بعبارة أخرى،هو«التّوحيد في التّثليث»،و لكنّ الآية التّالية تشير إلى مسألة«تعدّد الآلهة»في نظر المسيحيّين،أي «التّثليث في التّوحيد»،و تقول:إنّ الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث الأقانيم الثّلاثة لا ريب أنّهم كافرون: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ.

اعتقد كثير من المفسّرين،و منهم الطّبرسيّ في «مجمع البيان»،و الشّيخ الطّوسيّ في«التّبيان» و الفخر الرّازيّ و القرطبيّ في تفسيريهما،أنّ الآية السّابقة تشير إلى فرقة من المسيحيّين باسم«اليعاقبة»يعتقدون أنّ اللّه متّحد بالمسيح عليه السّلام،و هذه الآية وردت بشأن فرقة أخرى هي«الملكانيّة»و«النّسطوريّة»الّذين يقولون بالأقانيم الثّلاثة،أو الآلهة الثّلاثة.

غير أنّ هذه النّظرة عن المسيحيّة-كما سبق أن قلنا- لا تتطابق مع الحقيقة،لأنّ الاعتقاد بالتّثليث عامّ بين المسيحيّين كافّة،كما أنّ التّوحيد بيننا نحن المسلمين عقيدة عامّة قطعيّة،و لكنّهم في الوقت الّذي يعتقدون حقّا بتثليث الأرباب،يؤمنون أيضا بالوحدة الحقيقيّة، قائلين:أنّ ثلاثة حقيقيّين يؤلّفون واحدا حقيقيّا!

الظّاهر أنّ الآيتين المذكورتين تشيران إلى جانبين مختلفين لهاتين القضيّتين:في الأولى إشارة إلى وحدة الآلهة الثّلاثة،و في الثّانية إشارة إلى تعدّدها،و توالي المسألتين هو في الحقيقة إشارة إلى واحد من الأدلّة الواضحة على بطلان عقيدتهم،فكيف يمكن للّه أن يكون مرّة واحدا مع المسيح و روح القدس،و مرّة أخرى يكون ثلاثة أشياء؟أ من المعقول أن يتساوى الثّلاثة مع الواحد؟!

إنّ ما يؤيّد هذه الحقيقة هو أنّنا لا نجد بين المسيحيّين أيّة طائفة لا تؤمن بالآلهة الثّلاثة!

و يردّ القرآن عليهم ردّا قاطعا،فيقول: وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ و في ذكر(من)قبل(اله)نفي أقوى لأيّ معبود آخر.

ثمّ ينذرهم بلهجة قاطعة: وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

(4:102)

4- وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ... التّوبة:118

ابن عبّاس: و تجاوز عن الثّلاثة الّذين خلّفوا توبتهم كعب بن مالك و أصحابه.(167)

جابر بن عبد اللّه:كعب بن مالك،و هلال بن أميّة، و مرارة بن ربيعة،و كلّهم من الأنصار.

(الطّبريّ 11:57)

مثله سعيد بن جبير،و مجاهد،و الضّحّاك،و قتادة، و أبو مالك،و عكرمة.(الطّبريّ 11،57)،و الفرّاء(1:

451)،و الماورديّ(2:413)،و الطّوسيّ(5:364)، و البغويّ(2:397)،و الزّمخشريّ(2:218)، و الفخر الرّازيّ(16:217)،و البيضاويّ(1:435)، و الخازن(3:130)،و رشيد رضا(11:66).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى اَلنَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ* وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا التّوبة:117،118،و هؤلاء الثّلاثة الّذين وصفهم اللّه في هذه الآية بما وصفهم به فيما قيل،هم الآخرون الّذين قال جلّ ثناؤه: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:106 فتاب عليهم عزّ ذكره و تفضّل عليهم...

ص: 495

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى اَلنَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ* وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا التّوبة:117،118،و هؤلاء الثّلاثة الّذين وصفهم اللّه في هذه الآية بما وصفهم به فيما قيل،هم الآخرون الّذين قال جلّ ثناؤه: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:106 فتاب عليهم عزّ ذكره و تفضّل عليهم...

فتأويل الكلام إذن:و لقد تاب اللّه على الثّلاثة الّذين خلّفهم اللّه عن التّوبة،فأرجأهم عمّن تاب عليه، ممّن تخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(11:56)

ابن عطيّة: و الثّلاثة هم كعب بن مالك،و هلال بن أميّة الواقفيّ،و مرارة بن الرّبيع العامريّ،و يقال:ابن ربيعة،و يقال:ابن ربعيّ.(3:94)

البروسويّ: أي و تاب اللّه على الثّلاثة الّذين أخّر أمرهم و لم يقطع في شأنهم بشيء إلى أن نزل فيهم الوحي،و هم كعب بن مالك الشّاعر و مرارة بن الرّبيع العنبريّ و هلال ابن أميّة الأنصاريّ،يجمعهم حروف كلمة مكّة،و آخر أسماء آبائهم عكّة.(3:527)

الآلوسيّ: هم كعب بن مالك من بني سلمة،و هلال ابن أميّة من بني واقف،و مرارة بن الرّبيع من بني عمرو ابن عوف،و يقال فيه:ابن ربيعة،و في مسلم و غيره وصفه بالعامريّ،و صوّب كثير من المحدّثين:العمريّ بدله.(11:41)

5- فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. هود:65

راجع«ي و م»(ايّام).

6- وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً. الواقعة:7

راجع«زوج»(ازواجا).

7- وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ... الطّلاق 4

راجع«ع د د»(فعدّتهنّ).

الثّلث

1- ...فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ... النّساء:11

2- ...فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ...

النّساء:12

راجع«و ر ث»(ورثه).

ثلثه-ثلثى

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ... المزّمّل:20

ابن عبّاس: و تقوم ثلث اللّيل،و يقال:(و نصفه) أقلّ من نصف اللّيل و ثلثه،إذا قرأت بالخفض.(491)

الفرّاء: قرأها عاصم و الأعمش بالنّصب،و قرأها أهل المدينة و الحسن البصريّ بالخفض،فمن خفض أراد:(تقوم)أقلّ من الثّلثين،و أقلّ من النّصف،و من الثّلث.و من نصب أراد:(تقوم)أدنى من الثّلثين،فيقوم

ص: 496

النّصف أو الثّلث.و هو أشبه بالصّواب،لأنّه قال:أقلّ من الثّلثين،ثمّ ذكر تفسير القلّة لا تفسير أقلّ من القلّة.

أ لا ترى أنّك تقول للرّجل:لي عليك أقلّ من ألف درهم ثمانمائة أو تسعمائة،كأنّه أوجه في المعنى من أن تفسّر قلّة أخرى،و كلّ صواب.(3:199)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة بالخفض (و نصفه و ثلثه) بمعنى و أدنى من نصفه و ثلثه،إنّكم لم تطيقوا العمل بما افترض عليكم من قيام اللّيل،فقوموا أدنى من ثلثي اللّيل و من نصفه و ثلثه.و قرأ ذلك بعض قرّاء مكّة و عامّة قرّاء الكوفة بالنّصب،بمعنى إنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل، و تقوم نصفه و ثلثه.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

(29:139)

نحوه البغويّ(5:170)،و العكبريّ(2:1248).

الزّجّاج: فمن قرأ(نصفه)بالنّصب(و ثلثه)فهو بيّن حسن،و هو تفسير مقدار قيامه،لأنّه لمّا قال: أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ كان نصفه مبيّنا لذلك الأدنى،و من قرأ (و نصفه و ثلثه)فالمعنى و تقوم أدنى من نصفه و من ثلثه.

(5:243)

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن عامر و أبو عمرو:

(و نصفه و ثلثه)بالكسر،حملوه على الجارّ،أي تقوم أدنى من نصفه و من ثلثه.و المعنى في ذلك يكون على تأويل:إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أحيانا أدنى من ثلثي اللّيل،و أحيانا أدنى من نصفه،و أحيانا أدنى من ثلثه، غير عارف بالمقدار في ذلك التّحديد،بدلالة قوله بعدها:

عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ المزّمّل:20،و قوله: وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ، فكأنّه قال:أنا أعلم من مقادير قيامك باللّيل ما لا تعلمه من تحديد السّاعات من آخر اللّيل.

قال أبو عبيد: الاختيار الخفض في(نصفه و ثلثه)لأنّ اللّه تعالى قال: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه و ثلثه.

و قرأ الباقون بالنّصب،بوقوع الفعل،أي يقوم نصفه و ثلثه.و حجّتهم في ذلك أنّ النّصب أصحّ في النّظر،قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم: قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً أي صلّ اللّيل إلاّ شيئا يسيرا منه تنام فيه و هو الثّلث،و الثّلث يسير عند الثّلثين،ثمّ قال: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً المزّمّل:

2،3،أي من الثّلث قليلا،أي نصفه أو انقص من النّصف قليلا إلى الثّلث،أو زد على النّصف إلى الثّلثين، فإذا قرأت بالخفض كان معناه أنّهم قد كانوا يقومون أقلّ من الثّلث،و في هذا مخالفة لما أمروا به،و لأنّ اللّه تعالى قال: قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، إلى الثّلث،أو زد على الثّلث،و لم يأمرهم بأن ينقصوا من الثّلث شيئا.

و أمّا قوله: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تطيقوه، كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«استقيموا و لن تحصوا»أي و لن تطيقوا، و اللّه أعلم.(731)

الطّوسيّ: [نحو أبي زرعة و أضاف:]

و في النّاس من قال:هذه الآية ناسخة لما ذكره في أوّل السّورة من الأمر الحتم بقيام اللّيل إلاّ قليلا أو نصفه أو انقص منه.و قال آخرون:إنّما نسخ ما كان فرضا إلى

ص: 497

أن صار نفلا.

و قد قلنا:إنّ الأمر في أوّل السّورة على وجه النّدب، فكذلك هاهنا فلا وجه للتّنافي حتّى ينسخ بعضها ببعض، يقول اللّه تعالى لنبيّه:إنّ ربّك يا محمّد ليعلم أنّك تقوم أقلّ من ثلثي اللّيل و أقلّ من نصفه و من ثلثه،فيمن جرّ ذلك.

و من نصب فمعناه:إنّك تقوم أقلّ من ثلثي اللّيل و تقوم نصفه و ثلثه،و تقوم طائفة من الّذين معك على الإيمان.

(10:169)

الزّمخشريّ: و قرئ (و نصفه و ثلثه) بالنّصب، على أنّك أقلّ من الثّلثين،و تقوم النّصف و الثّلث،و هو مطابق لما مرّ في أوّل السّورة من التّخيير بين قيام النّصف بتمامه و بين قيام النّاقص منه و هو الثّلث،و بين قيام الزّائد عليه و هو الأدنى من الثّلثين.و قرئ (و نصفه و ثلثه) بالجرّ،أي تقوم أقلّ من الثّلثين و أقلّ من النّصف و الثّلث،و هو مطابق للتّخيير بين النّصف و هو أدنى من الثّلثين،و الثّلث و هو أدنى من النّصف،و الرّبع و هو أدنى من الثّلث،و هو الوجه الأخير.(4:178)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:186)،و النّيسابوريّ (29:81).

ابن عطيّة: و قرأ ابن كثير في رواية شبل عنه (و ثلثه) بسكون اللاّم.(5:390)

القرطبيّ: [ذكر اختلاف القراءات و أضاف بعد قول الفرّاء:]القشيريّ:و على هذه القراءة يحتمل أنّهم كانوا يصيبون الثّلث و النّصف؛لخفّة القيام عليهم بذلك القدر،و كانوا يزيدون،و في الزّيادة إصابة المقصود.فأمّا الثّلثان فكان يثقل عليهم قيامه فلا يصيبونه،و ينقصون منه.و يحتمل أنّهم أمروا بقيام نصف اللّيل،و رخّص لهم في الزّيادة و النّقصان،فكانوا ينتهون في الزّيادة إلى قريب من الثّلثين،و في النّصف إلى الثّلث.و يحتمل أنّهم قدّر لهم النّصف و أنقص إلى الثّلث،و الزّيادة إلى الثّلثين.

و كان فيهم من يفي بذلك،و فيهم من يترك ذلك إلى أن نسخ عنهم.و قال قوم:إنّما افترض اللّه عليهم الرّبع، و كانوا ينقصون من الرّبع.و هذا القول تحكّم.

(19:52)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور (من ثلثى) بضمّ اللاّم، و الحسن و شيبة و أبو حيوة و ابن السّميقع و هشام و ابن مجاهد عن قنبل فيما ذكر صاحب«الكامل»بإسكانها، و جاء ذلك عن نافع و ابن عامر فيما ذكر صاحب«اللّوامح».

و قرأ العربيّان و نافع (و نصفه و ثلثه) بجرّهما عطفا على (ثلثى الّيل) و باقي السّبعة و زيد بن عليّ بالنّصب عطفا على(ادنى)لأنّه منصوب على الظّرف،أي وقتا أدنى من ثلثي اللّيل.

فقراءة النّصب مناسبة للتّقسيم الّذي في أوّل السّورة،لأنّه إذا قام اللّيل إلاّ قليلا صدق عليه أدنى من ثلثي اللّيل،لأنّ الزّمان الّذي لم يقم فيه يكون الثّلث و شيئا من الثّلثين فيصدق عليه قوله:(الاّ قليلا)و أمّا قوله:(و نصفه)فهو مطابق لقوله أو لا نصفه،و أمّا(ثلثه) فإنّ قوله أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً قد ينتهي النّقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث اللّيل.و أمّا قوله(او زد عليه)فإنّه إذا زاد على النّصف قليلا كان الوقت أقلّ من الثّلثين،فيكون قد طابق قوله أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ و يكون قوله تعالى: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً

ص: 498

شرحا لمبهم ما دلّ عليه قوله: قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً.

و على قراءة النّصب قال الحسن و ابن جبير:معنى (تحصوه)تطيقوه،أي قدّر تعالى أنّهم يقدّرون الزّمان على ما مرّ في أوّل السّورة فلم يطيقوا قيامه لكثرته و شدّته،فخفّف تعالى عنهم فضلا منه،لا لعلّة جهلهم بالتّقدير و إحصاء الأوقات.

و أمّا قراءة الجرّ فالمعنى أنّه قيام مختلف،مرّة أدنى من الثّلثين،و مرّة أدنى من النّصف،و مرّة أدنى من الثّلث،و ذلك لتعذّر معرفة البشر مقادير الزّمان مع عذر النّوم،و تقدير الزّمان حقيقة إنّما هو للّه تعالى،و البشر لا يحصون ذلك،أي لا يطيقون مقادير ذلك«فتاب عليهم»أي رجع بهم من الثّقل إلى الخفّة،و أمرهم بقيام ما تيسّر.

و على القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم،لأنّهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة،قاموا أدنى من الثّلثين و نصفا و ثلثا،و قاموا أدنى من النّصف و أدنى من الثّلث،فلا تنافي بين القراءتين.

و قرأ الجمهور (و ثلثه) بضمّ اللاّم،و ابن كثير في رواية شبل بإسكانها،(و طائفة)معطوف على الضّمير المستكنّ في(تقوم)و حسّنه الفصل بينهما.

و قوله: وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ دليل على أنّه لم يكن فرضا على الجميع؛إذ لو كان فرضا لكان التّركيب«و الّذين معك»إلاّ أن اعتقد أنّهم كان منهم من يقوم في بيته و منهم من يقوم معه،فيمكن إذ ذاك الفرضيّة في حقّ الجميع.(8:366)

نحوه الشّربينيّ(4:421)،و أبو السّعود(5:206)، و البروسويّ(10:218)،و الآلوسيّ(29:110).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الثّلث،و هو الثّالث من خيل الرّهان،يقال:ثلّث الفرس،أي جاء بعد المصلّي، و هو الثّاني الّذي يلي السّابق،و الرّابع ربع،و الخامس خمس،و الثّلث أيضا:ثالث ولد النّاقة،و قد أثلثت فهي مثلث،و ثالث أولاد المرأة،يقال:هذا ثلث فلانة.و هو السّقي بعد الثّنيا،يقال:هو يسقي نخله الثّلث،أي مرّة في ثلاثة أيّام،و يسمّى التّثليث أيضا.

و الثّلاث في المؤنّث و الثّلاثة في المذكّر من العدد، يقال:ثلث فلان الاثنين يثلثهما ثلثا،أي صار لهما ثالثا، و ثلثت القوم أثلثهم:كنت ثالثهم،و أثلث القوم:صاروا ثلاثة،و كانوا ثلاثة فأربعوا.و يقال:جاءوا ثلاث ثلاث و مثلث مثلث،أي ثلاثة ثلاثة.

و منه أيضا:هو ثالث ثلاثة،و هي ثالثة ثلاث،و هو رابع ثلاثة،على الإضافة،و هو رابع ثلاثة،على القطع.

و هو ثالث عشر بالرّفع،و ثالث عشر بالنّصب،و هو ثالث ثلاثة عشر،و ثالث ثلاث عشرة.

و الثّلاثيّ:منسوب إلى الثّلاثة على غير قياس، يقال:ثوب ثلاثيّ،أي طوله ثلاثة أذرع،و الكلمات الثّلاثيّة:هي الّتي اجتمع فيها ثلاثة أحرف.

و ذو ثلاث:الوضين،و هو حزام عريض منسوج على ثلاث من جلد أو شعر.

و الثّلاثون:جمع«ثلاث»،إلحاقا بجمع المذكّر السّالم، إلاّ أنّه ليس على تضعيف الثّلاثة كما يبدو من اللّفظ-بل

ص: 499

على تضعيف العشرة،يقال:أثلثوا،أي صاروا ثلاثين، و كانوا تسعة و عشرين فأثلثتهم،أي صرت بهم تمام ثلاثين،و كذا كانوا تسعة و ثلاثين فأربعتهم.

و الثّلاثاء:اليوم الثّالث من أيّام الأسبوع،على عدّ الأحد أوّل أيّامه،و كان يدعى«الجبار»فى الجاهليّة، يقال:مضت الثّلاثاء،بما فيها،و لا تكن ثلاثاويّا،أي ممّن يصوم الثّلاثاء وحده،و الجمع ثلاثاوات و أثالث.

و شيء مثلّث:ذو أركان ثلاثة،و ما وضع في ثلاث طاقات.

و المثلوث:ما بين الثّلاثة إلى العشرة،إلاّ الثّمانية و العشرة،و ما ينسج أو يضفر،و المثلوث من الحبال:

ما فتل على ثلاث قوى،و كساء مثلوث:منسوج من صوف و وبر و شعر.

و أرض مثلّثة:لها ثلاثة أطراف،فمنها المثلّث الحادّ، و منها المثلّث القائم.

و مزادة مثلوثة:تكون من ثلاثة جلود.

و ناقة ثلوث:يبست ثلاثة من أخلافها،و هي مثلّثة أيضا،يقال:ثلّث بناقته،أي صرّ منها ثلاثة أخلاف.

و الثّلوث من النّوق أيضا:الّتي تملأ ثلاثة أقداح إذا حلبت.

و الثّلث:سهم من ثلاثة،و يقال له أيضا:الثّليث، يقال:ثلثت القوم أثلثهم،أي أخذت ثلث أموالهم.

و المثلوث:ما أخذ ثلثه،و المثلوث من الشّعر:الّذي ذهب جزءان من ستّة أجزائه.و أثلث الكرم:فضل ثلثه و أكل ثلثاه.و ثلث البسر:أرطب ثلثه.و إناء ثلثان:بلغ الكيل ثلثه.و المثلّث من الشّراب:الّذي طبخ حتّى ذهب ثلثاه.

و ثالثة الأثافي:ركن الجبل،تركّب القدر على ذلك الرّكن و على أثفيّتين،يقال:مجازا:رماه اللّه بثالثة الأثافي،أي رماه بالدّاهية العظيمة و الأمر العظيم.

و من المجاز أيضا قولهم:فلان لا يثني و لا يثلث،أي رجل كبير.

2-و يكاد النّظام العدديّ العربيّ يضاهي النّظام العدديّ العبريّ في الأعداد الأصليّة المفردة و المركّبة تذكيرا و تأنيثا،و في الكسور و العقود و المئات و الألوف.

بيد أنّ العرب اشتقّت صيغة فريدة من الأعداد على وزن«فاعل»للمذكّر و«فاعلة»للمؤنّث،و استعملتها في الإضافة و الصّفة،فمثال الإضافة:ثالث ثلاثة للمذكّر، و ثالثة ثلاث للمؤنّث.و مثال الصّفة:الصّفّ الثّالث للمذكّر،و السّاعة الثّالثة للمؤنّث،و لم تعهد هذه الصّيغة فى سائر اللّغات السّاميّة.

و امتاز العدد«ثلاث»و«ثلاثة»بهذه الصّياغة،إذ لم يرد من الأعداد ما كان على وزن«فعال»و«فعالة».و قد اختصّ هذا البناء بمصادر أفعال على أوزان مختلفة،منها ما يشابه وزنين من أفعال هذه المادّة،مثل:حصد الزّرع يحصده حصادا:قطعه بالمنجل،و خسر الشّيء يخسره خسارة:نقصه.

3-و أدخل النّصارى لفظ«تلوتا»السّريانيّ في العربيّة،و أصبح بلفظ«ثالوث»بعد التّعريب،و ما أثر وزن«فاعول»عن العرب من هذه المادّة،و هو يدلّ على المبالغة في العربيّة،مثل:الحاذور:الخائف من النّاس لا يعاشرهم،و القاموس:معظم ماء البحر و غيرهما.

و هو عند النّصارى ما ركّب من ثلاثة،ثمّ أضفوا عليه

ص: 500

القدسيّة،فقالوا:الثّالوث الأقدس،و يعنون به الرّبّ من حيث إنّه ثلاثة أقانيم،أي أصول،و هي:الأب،أي خالق السّماء و الأرض،و الابن،أي يسوع ابن اللّه المولود من الأب،و الرّوح القدس،أي الرّبّ المحيي المنبثق من الأب و الابن،فما ندري أ هي ثلاثة في واحد،

أم واحد في ثلاثة؟ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ.

و الثّالوث الأقدس لفظ مبتدع في المسيحيّة أيضا، فلم يعرف في الكتاب المقدّس،و حدث حول أقانيمه الثّلاثة في اللاّهوت جدل شديد بين النّصارى خلال العصور الماضية.

الاستعمال القرآنيّ

ثلاث:

جاء منها 13 لفظا أسماء و أوصافا للعدد(32)مرّة:

1- قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا مريم:10

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّور:58

3- خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُصْرَفُونَ الزّمر:6

4- اِنْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ

المرسلات:30

5- وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً الكهف:25

ثلاثة:

6- ...فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:196

7- قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ آل عمران:41

8- يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ... المائدة:89

9- فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ هود:65

10- وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطّلاق:4

11- وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ...

البقرة:228

ص: 501

12- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ

آل عمران:124

13- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً النّساء:171

14- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ المائدة:73

15- لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ... وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ... التّوبة:117،118

16- سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ... الكهف:22

17- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ المجادلة:7

18- وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً* فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ* وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ الواقعة:7،10

ثالث:

19- إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ يس:14

الثّالثة:

20- أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى* وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى النّجم:19،20

ثلاث:

21- وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً... النّساء:3

22- اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فاطر:1

ثلث،الثّلث،ثلثا،ثلثان،الثّلثان،ثلثي:

23- يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:11

24- ...وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ

ص: 502

النّساء:12

25- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

النّساء:176

26- إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ المزّمّل:20

ثلاثون،ثلاثين:

27- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً... الأحقاف:15

28- وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... الأعراف:142

يلاحظ أوّلا:أنّ«ثلاثا»جاء خمس مرّات،أضيفت اثنتان منها إلى الوقت صراحة،ففي(1): ثَلاثَ لَيالٍ و في(5): ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ و تلحق(2)بهما،حيث كرّر فيها«ثلاث»،فأضيف إلى«مرّات»في صدرها.

و فسّرت بثلاثة أوقات مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ، ثمّ جمعت في ذيلها في ثَلاثُ عَوْراتٍ فقد أضيف «ثلاث»في هذه الآيات إلى الوقت صراحة أو إيماء.

أمّا في الآيتين(3)و(4)فجاء في غير الوقت وصفا للظّلمات في أرحام الأمّهات: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ، أو للظّلال و الظّلمات في الجحيم: ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ.

ثانيا:جاءت«ثلاثة»في(13)آية:(6)إلى(18)، و أضيفت في خمس منها إلى الوقت.ففي أربع منها:(6) إلى(9):(ثلاثة ايّام)،و في(10): ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، و تلحق بها(11): ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، لأنّ القروء مؤقّتة بالشّهور.

و جاءت سبع منها في غير الوقت،ففي(12)نصرا للمجاهدين: بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ، و في(13) و(14)رفضا للتّثليث: وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ و لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ. و جاءت أيضا في بعض المتخلّفين عن غزوة تبوك(15): وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، و في أصحاب الكهف(16): سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ، و في أصحاب النّجوى(17): ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ، و في أهل المحشر(18): وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً، فاختلط فيها المدح و الذّمّ و الوقت و غير الوقت، و هو الغالب عليها.

ثالثا:جاء«ثالث»في(19)مذكّرا حقيقيّا منكّرا، وصفا للفظ«رسول»مدحا له،و«ثالثة»في(20)مؤنّثا مجازيّا معرّفا،وصفا لصنم ذمّا له.و فيهما تقابل من جهات ثلاث:الذّكورة و الأنوثة،و التّعريف و التّنكير، و المدح و الذّمّ،فالأوّل راسخ في الهداية و الثّاني في الضّلالة.

رابعا:جاء ثلاث في(21)و(22)وصفا للأزواج مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ، و لأجنحة الملائكة: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ، متوسّطا بين«مثنى»

ص: 503

و«رباع»،و في سياق الرّضى و التّرحيب،فجاءت الأولى زيادة في لذّة الرّجال و تسكينا لشهوتهم،و الثّانية زيادة و سرعة في رسالة الملائكة و تسكينا لعطش الأنبياء إلى الوحي.فالأولى موهبة و مدد مادّيّ للبشر، و الثّانية موهبة و مدد معنويّ للملائكة،و فيهما نكات:

1-إنّ«ثلاثا»في الأولى لا يتجاوز«الرّباع»،بل قد يتنازل إلى واحدة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً، و في الثّانية يتجاوزه: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ. و هذا هو الفارق بين الأمر المادّيّ و المعنويّ،فالأوّل محدود بحدّ،و الثّاني لا يحدّ بحدّ.

2-إنّ كلمات«مثنى»و«ثلاث»و«رباع»جاءت فيهما منكّرة،لأنّها حال لما قبلها،و المعدود بها كالنّكرة:

ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و أُولِي أَجْنِحَةٍ، إضافة إلى أنّ الأصل في الأعداد التّنكير،لاحظ(ع د د).

3-إنّ الأزواج المتعدّدة مثل الأجنحة المتعدّدة هي من أسباب الكمال و الرّفاه.

4-إنّ«ثلاثا»جاء-مثل«ثالث»و«ثالثة»-مرّتين، و كلّ منهما خاصّ بالرّسل من البشر أو من الملائكة.

خامسا:جاء«ثلث»ستّ مرّات:ثلاث مرّات مفردا رفعا و نصبا و جرّا في(23)و(24)و(26):

فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ و فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ و نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ، و ثلاث مرّات مثنّى رفعا و جرّا فقط في(23) و(25)و(26): فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ و فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ و أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، و اثنتان منها في (26)حول وقت صلاة اللّيل،و الباقي في سهم الإرث.

سادسا:جاء«ثلاثون»في(27)و«ثلاثين»في (28)حول الوقت،فالأوّل مرفوع بتعيين أمد الحمل و الرّضاع بالشّهور: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً، و الثّاني منصوب بليالي مواعدة اللّه موسى عليه السّلام:

وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً.

و فيهما نكات:

1-أنّهما معقّبات بالعدد«أربعين»: وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً و فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، و هذا العدد رمز الكمال في الكتاب و السّنّة و عند النّاس،لاحظ «أربعين»من(ر ب ع).

2-أنّ الآيتين تحويان معا«اللّيل»مرّتين، و«الشّهر»و«السّنة»مرّة،و جمعها أربعة،و هي أهمّ الأوقات،و كذا تحوي(6)إلى(9)الأيّام(4)مرّات، و هي الأصل في الأوقات،و الباقي فرع منها أو مركّب منها.

3-تعدّ مدّة الحمل و الرّضاع فرصة لاستكمال جسم الجنين و الطّفل بالدّم و اللّبن،و هي مؤقّتة بالشّهور.و تعدّ مدّة مواعدة موسى فرصة لاستكمال روح موسى بتكليم اللّه إيّاه،و تزويده بالوحي و الألواح،و هي مؤقّتة باللّيالي دون الشّهور و السّنين و الأيّام،لاحظ«ليلة»من(ل ي ل).

سابعا:يظهر بالتّأمّل في الآيات أنّه جاء من مادّة (ث ل ث)ما يخصّ الوقت(12)مرّة:«الأيّام»أربع مرّات في(6)إلى(9)،و وقت«النّهار»مرّة واحدة في (2)،و«اللّيلة»مفردا و جمعا ثلاث مرّات في(1)و(26)، و«الشّهر»مفردا و جمعا مرّتين في(10)و(27)، و«السّنة»مفردا و جمعا مرّتين أيضا في(5)و(27).

و جاء سائر الآيات عشرين مرّة في غير الوقت،

ص: 504

منها ستّ في سهم الإرث،و هي«الثّلث»مفردا و مثنّى في (23)إلى(25).كما جاء منها(خمس)معرّفة باللاّم في (15)و(20)و(23)و(24)و(25)،و ستّ عشرة منها معرّفة بالإضافة في(1)و(2)و(5)إلى(12)و(23) و(26)،و جاء سائر الآيات-و هي إحدى عشرة-نكرة في(3)و(13)و(14)و(16)و(17)و(18)و(19) و(21)و(22)و(27)و(28).منها(11)آية مكّيّة، و(21)آية مدنيّة،فالمدنيّ ضعف المكّيّ تقريبا،لأنّ المدينة كانت بلد التّشريع و الحساب.

ثامنا:و الّذي يجلب النّظر أنّها جاءت منفردة عن باقي الأعداد(12)مرّة:(1)و(2)مكرّرين و(4)و(7) و(9)و(10)و(11)و(13)و(15)و(18)و(20).

و جاءت مع عدد آخر 18 مرّة:(3)مع الثّمانية،و(5) مع مائة و تسع،و(6)مع سبعة و عشرة،و(8)مع عشرة، و(12)مع آلاف،و(14)مع ثالث،و(17)مع رابع و خمسة و سادس،و(16)مع هذه الأعداد إضافة إلى سبعة و ثامن،و(19)مع اثنين،و(21)و(22)مع مثنى و رباع،و(23)مع ثنتين و السّدس،و(24)مع السّدس،و(25)مع الأنثيين،و(27)مع الأربعين، و(28)مع عشر و أربعين.

كما أنّ ما دلّ منها على مضاعف مثل:مثنى و ثلاث و رباع ثلاثة مكرّرة و المجموع ستّ:(21)و(22)، و ما دلّ على جزء العدد«ثلث»مفردا ثلاث مرّات:(23) و(25)و(26)،و مثنّى ثلاث مرّات:(23)و(25)و(26) و المجموع ستّ،و السّدس ثلاث مرّات:(23)مرّتين و(24)مرّة،و النّصف ثلاث مرّات:(23)و(25) و(26)،و ثلاثون و أربعون كلّ منهما مرّتين:(27) و(28)،و«الأربعون»فيهما مكمّل ل«الثّلاثين»، و عشرة مرّتين:(6)و(8)،و كلاهما جاء مع فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ، و اثنين ثلاث مرّات:(19)، و(23)،و(25)،و كلّ من سبعة و ثمانية أو ثامن مرّتين:

(3)و(6)و(16)،و ثالث مرّتين:(17)و(19)،و تسع مرّة:(5)،و كلّ من مائة و آلاف مرّة:(5)و(12).ففيها نوع من التّوازن بين الأرقام،كما أنّ فيها توازن بين المواضيع،فجاء مرّتين في التّثليث:(13)و(14)،و في الحرب:(12)و(15)،و في أصحاب الكهف:(5) و(16)،و في الطّلاق:(10)و(11)،و مع ظلّ و ظلمات:

(3)و(4).و ثلاث مرّات في الإرث:(23)إلى(25)، و مرّة في أهل النّجوى:(17)،و أهل المحشر:(18)، و اليتامى:(21)،و الحجّ:(6)،و صلاة اللّيل:(27)، و كفّارة اليمين:(8)،و زكريّا:(7)،و قوم ثمود:(9)و هكذا.

تاسعا:لقد أسهبوا في موضعين جمعا بين آيتيهما، أحدهما:شريعة،و الآخر:عقيدة،و هما:مدّة الحمل، و التّثليث.و نكتفي هنا بالجمع بين آيتيهما و بيان ما فيهما من النّكات،و نحيل القرّاء في المباحث الفقهيّة أو العقليّة إلى النّصوص.

الموضع الأوّل:مدّة الحمل:جاءت فيها ثلاث آيات:

اثنتان مكّيّتان،و واحدة مدنيّة:

1- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ... الأحقاف:15

2- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً

ص: 505

عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ لقمان:14

3- وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ... فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ... البقرة:233

و فيها جهات من البحث:

الأولى:أنّ المفسّرين و الفقهاء اهتمّوا بآيتي الأحقاف و البقرة،و سكتوا عن آية لقمان مع دخلها في الموضوع،فجمعوا بينهما بحمل الأولى على أقلّ مدّة الحمل-و هي ستّة أشهر-و أكثر مدّة الرّضاع،و هي حولان.و أوّل من استنبط ذلك عليّ عليه السّلام،و تبعه ابن عبّاس و من تلاه كما جاء في النّصوص.و لا بأس بهذا الجمع،إلاّ أنّ الأمر لا ينحصر به كما يأتي.

الثّانية:أنّ كثيرا من أهل السّنّة عدّوا أكثر مدّة الحمل بسنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس،لاحظ النّصوص.و خالفهم الإماميّة في ذلك،فالقول المشهور عندهم تسعة أشهر أو عشرة أو سنة (1).

الثّالثة:أنّ أقلّ مدّة الرّضاع عند الإماميّة و الشّافعيّ (21)شهرا،و أكّدوا أنّ الأقلّ منه جفاء على الطّفل،إلاّ فيما استثني نادرا (2).

الرّابعة:يخطر بالبال أنّ الآيتين الأوليين المكّيّتين لم يتعرّضا للتّشريع،بل لبيان ما كان تجري عليه العادة بين النّاس حين ذاك من مدّة الحمل و الرّضاع معا ثلاثون شهرا،رغم أنّ بعضهم نيّف مدّة الرّضاع حتّى بلغت تمام الحولين.و سياقهما الوصيّة بالوالدين و إيفاء حقوقهما و الإحسان إليهما بإزاء إيلادهما و حضانتهما الولد، و ما تتحمّله الأمّ بالذّات من الصّعوبات.فبدأ اللّه فيهما بقوله: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ، حيث كان لهما دخل في نشأته.ثمّ التفت إلى هموم الأمّ في حمله،حيث قال في الأولى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً، و في الثّانية: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ، أي أنّها كانت مكرهة في حمله و وضعه،و كان يعرض لها في حملها وهن بعد وهن،لأنّه كلّما يكبر الجنين في بطنها يعرض لها وهن كثير حتّى تضعه،فيمثّل لنا هذا السّياق هموم الأمّ و معاناتها في حمل الطّفل.

ثمّ تعرّض فيهما لمشقّة الرّضاعة إلى جنب الحمل، و هي على عهدة الأمّ أيضا،و على الأب النّفقة.فجمع في الأولى مدّة الحمل و الرّضاع في ثلاثين شهرا،و كانت المتعارفة لهما في مكّة و غيرها،و اكتفى في الثّانية ببيان أكثر مدّة الرّضاع-و هي حولان-إمعانا في وصف ما تكابده الأمّ.

هذا ما في الآيتين المكّيّتين وفاقا لسياق الآيات المكّيّة،أمّا الآية الأخيرة المدنيّة فسياقها التّشريع لحكم الرّضاع و مدّته جريا على ما اعتاده النّاس من إكمال الحولين-و هو الأولى-أو الاكتفاء بما دونهما،حيث قال:

وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ، فلم يحتّم الإكمال،بل خصّه بمن أراد أن يتمّ الرّضاعة.و فيه تصريح بأنّ إتمام الرّضاعة بإكمال).

ص: 506


1- جواهر الكلام(31:225).
2- المصدر السّابق(31:377).

الحولين،لكن فيه رخصة لمن لا يريد أن يتمّها.و في ذيل الآية ترخيص للوالدين بفصال الأولاد عن تراض منهما و تشاور فيما دون المدّة المعتادة.و فيه ترخيص آخر لهما في الاسترضاع للأولاد بغير الأمّ،لاحظ النّصوص.

الخامسة:قد ظهر بهذا البيان أنّ الجمع بين ثلاثين شهرا و حولين كاملين في الآيات لا ينحصر بالاحتفاظ في الرّضاع بالحولين دائما و تقليل مدّة الحمل إلى ستّة أشهر،بل الأقرب بسياق الآيات-و لا سيّما الأخيرة- هو التّرخيص في تقليل مدّة الرّضاع.و عليه فدلالتها على أقلّ مدّة الحمل-و هي ستّة أشهر-ليست قطعيّة.

السّادسة:جاءت وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ... -مع ما فيها من التّأكيد للإرضاع و الاسترضاع و العناية بالأولاد-بعد آيات الطّلاق مباشرة،رعاية لحال الأولاد بعد وقوع الطّلاق و اختلال الحياة الزّوجيّة بين الزّوجين،حيث إنّ أهمّ ما يجب الاهتمام به حينذاك هو رضاع الطّفل،كي لا تختلّ حياته باختلال الحياة الزّوجيّة.

هذا في آيات سورة البقرة،و كذا في سورة الطّلاق، فيقول بعد آيات في شأن الطّلاق: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى... الطّلاق:6،لاحظ(ر ض ع).

الموضع الثّاني:التّثليث:و فيه آيتان(13)و(14) منزّلتان بهذا التّرتيب:

1- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ... النّساء:171

2- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ...

المائدة:73

و فيهما جهات من البحث:

الجهة الأولى:أنّهما آيتان مدنيّتان قد جرى البحث فيهما و في آيات قبلهما و بعدهما حول السّيّد المسيح عليه السّلام و بدعة الغلوّ فيه،خطابا لأهل الكتاب،و المراد بهم النّصارى دون اليهود،لأنّ النّصارى و إن كانوا قليلين في داخل المدينة،إلاّ أنّ جماعتهم-في شبه الجزيرة العربيّة، و لا سيّما في ناحية اليمن و في نجران بالذّات،و كذا في الشّام و ما والاها إلى بلاد الرّوم-كانت كبيرة.و قد التقى بهم الدّعاة المسلمون بعد الهجرة عقب التقائهم باليهود الّذين تحدّث عنهم القرآن في البقرة-و هي أوّل سورة مدنيّة-في السّنة الثّانية من الهجرة.ثمّ تحدّث في السّنة الثّالثة عن النّصارى في سورة آل عمران،و هي ثالثة المدنيّات بعد البقرة و الأنفال عند الجمهور.فقد جاء فيها حديث امرأة عمران،و ولادة مريم،ثمّ بشارتها بعيسى و ما آتاه اللّه من الآيات و المعجزات،ابتداء من الآية (35)إلى(61).و جاء في الأخيرة حديث المباهلة مع نصارى نجران في شأن عيسى،لاحظ(ب ه ل).و قد ختم اللّه هذا السّياق بقوله: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ آل عمران:62،63.

ثمّ بدأ بخطاب أهل الكتاب مرّة بعد أخرى،و هو يعمّ الفريقين:اليهود و النّصارى،و جملة منها خاصّة بالنّصارى،ابتداء من(64)و انتهاء ب(99).و قال في

ص: 507

الأخيرة: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً... آل عمران:99،و استمرّ الحديث عنهم إلى آخر السّورة.

و قيل في وجه الاتّصال بين سورتي الأنفال و آل عمران:

إنّ في الأولى تفصيل غزوة بدر،و في الثّانية غزوة أحد.

أمّا في وجوه الاتّصال بين سورتي البقرة و آل عمران، ففي المنار(3:153):«فمنها أنّ كلاّ منهما حاجّ أهل الكتاب،و لكنّ الأولى أفاضت في محاجّة اليهود، و اختصرت في محاجّة النّصارى،و الثّانية بالعكس، و النّصارى متأخّرون عن اليهود في الوجود،و في الخطاب بالدّعوة إلى الإسلام،فناسب أن تكون الإفاضة في محاجّتهم في الثّانية.و منها:ما في الأولى من التّذكير بخلق آدم،و في الثّانية من التّذكير بخلق عيسى،و تشبيه الثّاني بالأوّل في كونه جاء بديعا على غير سنّة سابقة في الخلق.و ذلك يقتضي أن يذكر كلّ منهما في السّورة الّتي ذكر فيها».

الجهة الثّانية:أنّ القرآن تحدّث عن رفض الغلوّ في عيسى عليه السّلام خلال طوائف من الآيات:

1- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران:59

2- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا... آل عمران:61

3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ... آل عمران:64

4- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ* وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

آل عمران:79،80

5- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً* لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَ لاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً

النّساء:171-172

6- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما و اليه المصير

المائدة:17،

7- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ* قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ

ص: 508

ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ اللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ

المائدة:73-77

8- وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ* ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ المائدة:116،117

9- ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* وَ إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ* فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ مريم:34-37

10- وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ* إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ* ...وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* إِنَّ اللّهَ هُوَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ* فَاخْتَلَفَ اَلْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ الزّخرف:57-65

الجهة الثّالثة:في هذه الآيات بحوث هامّة في شأن عيسى عليه السّلام:

1-أنّ أكثرها مدنيّة خطابا للنّصارى القاطنين بها و بغيرها من قرى الجزيرة عند التقائهم بالمسلمين بعد الهجرة،ابتداء من السّنة الثّالثة إلى العاشرة،و هي السّنة الّتي نزلت فيها المائدة على المشهور عند الجمهور،في ثلاث سور:آل عمران و النّساء و المائدة.ففي الأولى ستّ آيات،و في الثّانية آيتان،و في الثّالثة ثماني آيات.و قد سبقت.

فيبدو منها أنّ المسلمين كانوا يقيمون روابط مع النّصارى خلال هذه المدّة،أي من السّنة الثّالثة إلى العاشرة،إلاّ أنّ موقف اليهود من المسلمين كان بعد الهجرة أشدّ و أقوى من النّصارى كما يفهم من القرآن و السّيرة النّبويّة،حيث انتهى إلى طردهم من المدينة أو قتلهم.

أمّا عدد الآيات المكّيّة في هذا المضمار فأقلّ من المدنيّة،ففي مريم أربع آيات،و في الزّخرف تسع.و ليس شيء منها خطابا للنّصارى،إذ لم يكن هناك حينذاك اتّصال بينهم و بين المسلمين،و إنّما جاءت في مكّة دفعا لحجّة المشركين الّذين كانوا يحتجّون لآلهتهم بألوهيّة عيسى عند النّصارى،و قد صرّح بها في آيات الزّخرف 57،58: وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ...، فبسط اللّه في مريم:(34،35)،ولادة عيسى ابن مريم،ثمّ قال:

ص: 509

ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ... فنفى ألوهيّته باعترافه هو في السّورتين بأنّه عبد اللّه،و أنّ هذا-أي توحيد اللّه بالألوهيّة-هو الصّراط المستقيم.ثمّ نبّه في الزّخرف على أنّ المشركين لم يذكروا ألوهيّة عيسى إلاّ جدلا، لأنّهم لم يعترفوا به و لا برسالته،و أنكروها كما أنكروا رسالة غيره من الأنبياء عليهم السّلام.

2-لمّا كانت شبهة ألوهيّة عيسى نشأت من ولادته بشكل غير معتاد و بلا أب،أصرّ القرآن على شرحها مرّات،أوّلها في سورة مريم المكّيّة(2)إلى(33)،حيث بدأها بدعاء زكريّا ربّه ليهبه ولدا،رغم شيخوخته و هرمه و دقّة عظمه،ناهيك من عقم امرأته:فوهبه اللّه يحيى خرقا لنواميس الطّبيعة،ليكون شاهدا على ولادة عيسى كذلك.ثمّ أتلاها قصّة مريم،إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا،فتمثّل لها روح اللّه بشرا سويّا...فحملته مريم،ثمّ قال: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ فدفع اللّه بذلك شبهة النّصارى في عيسى، دحضا لجدل المشركين المشار إليه في سورة الزّخرف المكّيّة.و قد كرّرها في آل عمران(35)إلى(47)المدنيّة، إبطالا لتلك الشّبهة عند النّصارى أنفسهم،فبدأها بقصّة امرأة عمران و إيلادها مريم،و أنّ زكريّا كفّلها،ثمّ رأى منها الأعاجيب.و لم يكن له ولد،فسأل اللّه الذّريّة الطّيّبة: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ... آل عمران:38.

-و قد بسطنا القول في سرّ تأكيد القرآن للتّعبير ب«عيسى بن مريم»،دفعا لشبهة ألوهيّته،لاحظ«ابن»من (ب ن و)-و قد أيّدها بقوله في(1): إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، أي في الولادة الخارقة للعادة،و قد سبق فيها آدم عيسى،و لم يكن إلها.و في(6): لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ...، أي:ها أنتم تعترفون بأنّ عيسى هو ابن مريم،فكيف تقولون:إنّه ابن اللّه؟!

3-أبطل اللّه تلك الشّبهة في(7)مستدلاّ بأنّ عيسى و أمّه كانا بشرين يأكلان الطّعام: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ، أي إذا كانا يأكلان الطّعام،فهما كسائر أفراد البشر تغذية و تخلية،فكيف يكونان إلهين؟

4-و بأنّ عيسى و أمّه لا يملكان للنّاس ضرّا و لا نفعا،فكيف يكونان إلهين يعبدونهما؟قال في(7):

قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ اللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، أي أنّ اللّه هو المختصّ بوصف «السّميع العليم»،و هو الّذي يضرّ و ينفع،فهو الإله دون المسيح و أمّه.

5-و في(6)بأنّ اللّه إذا أراد أن يهلك المسيح و أمّه فلا يمنعه شيء من ذلك: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ...، أي إذا كانا إلهين فكيف يهلكان؟ثمّ إذا هلكا فمن يملك السّماوات و الأرض،فاللّه الّذي ملكهما هو الّذي يهلكهما،فهو الإله دونهما.

6-و في(5)بأنّ اللّه غنيّ عن الولد،و لا يتّخذ لنفسه

ص: 510

ولدا،و هو مالك السّماوات و الأرض إِنَّمَا اللّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ...، و في(9): ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ...، أي أنّ اللّه سبحانه هو مالك كلّ شيء،و بيده أزمّة الأمور،فإذا قضى أمرا فيوجده بإرادته من دون حاجة إلى معين و سبب،فليس له ولد.

و يخطر بالبال في هاتين الآيتين أنّ المفهوم من الآية الأولى أنّه غنيّ،و يستحيل أن يكون له ولد،فإنّه لم يلد و لم يولد.و من الثّانية أنّه مع غنائه عن الولد فلا يتّخذ أحدا من النّاس ولدا لنفسه.و هذا دحض لرأي من يقول:إنّ عيسى ليس ولدا للّه حقيقة،بل اتّخذه ولدا لنفسه تشريفا و تكريما له.

7-كما ركّزت الآيات في رفض الشّرك،و عبادة غير اللّه،و اتّخاذ بعض النّاس بعضهم و كذلك الملائكة و النّبيّين أربابا من دون اللّه في(4)،و أنّ ذلك كفر في:(4) و(6)و(7)و(9)،و أنّ المسيح نفسه اعترف بأنّه عبد اللّه (9): إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ، و أنّه ليس له أن يقول:

إنّني ولد اللّه(8): ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ، و(9): إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، و أنّه ليس لرسول أن يدعو النّاس إلى عبادته في(4).

8-و أنّ عبادة غير اللّه و اتّخاذ ولد له هو استكبار و استنكاف عن عبادته(5): وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً، لاحظ «استكبار»من(ك ب ر)و«استنكاف)من(ن ك ف).

9-و أنّ القول بألوهيّة عيسى غلوّ في الدّين(5):

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ و(7): قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ، لاحظ«غلوّ»من (غ ل و).

10-و أنّ في كلام النّصارى تناقضا،فإنّهم قالوا مرّة:إنّ اللّه هو المسيح(7): لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، أي أنّ اللّه هو عين المسيح، و هذا يقتضي اتّحادهما ذاتا أو وجودا،و أنّ اللّه لا وجود له إلاّ في المسيح.

و قالوا في نفس الوقت:إنّ المسيح ثالث ثلاثة(7)، أو قالوا بثلاثة آلهة(5): وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ، فهذه أقوال متناقضة لهم،و قد صرّح القرآن بأنّهم قالوا بها،فهل هذه الآيات تشير إلى ثلاثة أقاويل لهم،كما جاء في بعض النّصوص؟أو أنّها ترجع إلى قول واحد،يجمعها قولهم:«جوهر واحد و أقانيم ثلاثة»؟

و عندنا أنّها تحكي تشتّتهم و اضطرابهم في التّعبير، لتردّدهم في فهم التّثليث،بحيث اعترف عظماؤهم بأنّ التّثليث لا يدرك بالعقول،بل تؤمن به القلوب.

11-و قد اختلفوا في الثّلاثة،هل هم اللّه و عيسى و مريم؟و هي عقيدة بعض فرقهم الّتي تسمّى ب«المريميّة».أو هم اللّه و عيسى و روح القدس؟و هذا هو الشّائع في عصرنا،و لا قائل الآن بالأوّل،لاحظ النّصوص الطّويلة ذيل الآيات،و لا سيّما نصّ الآلوسيّ و رشيد رضا.

12-ركّز القرآن-إضافة إلى قولهم بالتّثليث-في أنّهم اتّخذوا عيسى و أمّه إلهين(8): يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

ص: 511

أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ و(6): قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ فهل كانت هذه عقيدة بعضهم بإزاء التّثليث؟أو أنّها ليست سوى رفض ألوهيّة عيسى و أمّه،و كانوا يعبدونهما مع اللّه؟الظّاهر أنّها كانت عقيدة -سوى التّثليث-عند الفرقة«المريميّة»،فيؤيّد اعتقاد بعض النّصارى بذلك حينذاك.

و قد طرح الطّبرسيّ(6:268)في ذلك سؤالا:هل اتّخذ أحد من النّصارى مريم إلها؟و أجاب عنه بوجوه، منها:أنّها إشارة إلى الفرقة«المريميّة»الّتي حكاها عن الشّيخ الطّوسيّ.و منها:أنّهم حين اعتقدوا في المسيح أنّه إله لزمه القول بألوهيّة مريم،لأنّ الولد من جنس الوالدة.و منها:أنّهم لمّا عظّموهما تعظيم الآلهة أطلق اسم الآلهة عليهما.

و قد بسط صاحب المنار(7:262)الكلام في ذلك بقوله:«أمّا أمّ عيسى فعبادتها كانت متّفقا عليها في الكنائس الشّرقيّة و الغربيّة بعد«قسطنطين»،ثمّ أنكرت عبادتها فرقة«البروتستانت»الّتي حدثت بعد الإسلام بعدّة قرون».ثمّ بيّن أنّ عبادتها كانت عبارة عن صلاة و دعاء و استغاثة و استشفاع و صيام و نحوها،إلى أن قال:«و لكن لا تعرف عن فرقة من فرقهم إطلاق كلمة «إله»عليها،بل يسمّونها«والدة الإله».و يصرّح بعض فرقهم بأنّ ذلك حقيقة لا مجاز،و القرآن يقول هنا:إنّهم اتّخذوها و ابنها إلهين،و الاتّخاذ غير التّسمية،فهو يصدق بالعبادة،و هي واقعة قطعا...»،ثمّ ذكر نصوصا في عبادة النّصارى لمريم،فلاحظ.

13-كشف القرآن عن أمرين هامّين في شأن اعتقاد النّصارى للتّثليث و غلوّهم في عيسى:

أحدهما:أنّهم أخذوه ممّن سبقهم من الأمم الضّالّة (7): قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ و قد نبّه صاحب«المنار»فيما تقدّم من كلامه على وجود التّثليث بين كثير من الأمم السّابقة،و منهم الرّوم،فتأثّرت النّصارى بهم.

ثانيهما:وجود الاختلاف البارز بين النّصارى في شأن عيسى و في تفسير التّثليث،و هذا مشهود في تاريخهم بين طوائفهم إلى عهدنا(9): ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، و(10): فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، و التّعبير عن طوائفهم الّذين اختلفوا ب«الأحزاب»مرّتين،إيماء إلى عمق الاختلاف و التّنازع بينهم فيما اعتقدوه،و أنّ كلّ حزب بما لديهم فرحون، لاحظ(الأحزاب)من«ح ز ب».

و هل هذا الخلاف حدث بينهم بعد عيسى-كما يومئ إليه(8): وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ؟ و قد تقدّم عن صاحب«المنار»و غيره أنّ التّثليث لا أثر له في الأناجيل، و تقدّم عن بعضهم أنّ اختلافهم في تفسيره ظهر بعد أن جمع«قسطنطين»جميع طوائفهم في بلاطه-أو حدث في حياته كما نصّ عليه إنجيل«برنابا»،ففيه نصوص كثيرة تحكي أنّ قسطا كبيرا من رسالته جاء في رفض هذا الضّلال المبين الّذي نشأ من قبل خصومة اليهود،إفسادا

ص: 512

لدينه و إهانة لشخصه،كما أشاعوا أحدوثة ادّعائه أنّه ملك بني إسرائيل الموعود،ليستثيروا الرّوم عليه،و قد تحقّقت بذلك أمنيّتهم.

14-و كلّ ذلك إبطال لمزاعم النّصارى في عيسى، و الّذي أثبته القرآن في(5): وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ...، و هي ثلاثة أوصاف لعيسى:

الأوّل:أنّه رسول اللّه،و قد كرّر في(7):

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، و في(10): إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ، و في قوله: وَ رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ آل عمران:

49.

و الّذي يلفت النّظر أنّ القرآن أبان فيها أنّ عيسى رسول إلى بني إسرائيل خاصّة،و ليس إلى النّاس عامّة كما تدّعيه النّصارى،و هذا يحتاج إلى دراسة جديدة.

كما أبان أنّ اللّه جعله مثلا لبني إسرائيل،قال الطّبرسيّ(9:53):«أي آية لهم و دلالة يعرفون به قدرة اللّه تعالى على ما يريد،حيث خلقه من غير أب،فهو مثل لهم يشبّهوا به ما يرون من أعاجيب صنع اللّه».و قال الطّباطبائيّ(18:117):«آية عجيبة إلهيّة يسير ذكره كالأمثال السّائرة».و يبدو منها أنّ اللّه أزال به شبهة النّصارى في المسيح النّاشئة من ولادته من غير أب ببيان أنّه آية من آيات اللّه كسائر آياته.

الثّاني:أنّه كلمة اللّه ألقاها إلى مريم،و أطلقت «الكلمة»عليه أيضا في آل عمران:39،خطابا لزكريّا:

أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ قال الطّبرسيّ(2:438):«أي مصدّقا بعيسى،و عليه جميع المفسّرين و أهل التّأويل،إلاّ ما حكي عن أبي عبيدة أنّه قال:بكتاب اللّه...».و في(45)أيضا خطابا لمريم: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، و ظاهرها أنّ عيسى هو كلمة اللّه ألقاها إلى مريم،و ليس المراد أنّه بشارة اللّه بعيسى كما قيل.و قد ذكر رشيد رضا (3:304)في سرّ إطلاق الكلمة عليه وجوها أربعة، أوّلها:«أنّه خلق بكلمة اللّه«كن»من دون أب».و ذكر في(6:82)وجه التّعبير ب«ألقاها»،كما ذكر الفخر الرّازيّ (8:38)خمسة وجوه،و اختار الطّباطبائيّ(5:175) أنّه كلمة«كن»الّتي ألقيت إلى مريم البتول،و بحث عنها تفصيلا في(9:193)،فلاحظ.

و قد جاء في أوّل إنجيل يوحنّا:«في البدو كان الكلمة،و الكلمة كان عند اللّه،و كان الكلمة اللّه..

و الكلمة صار جسدا،و حلّ بيننا،و رأينا مجده...».

و هذا هو مبدأ عقيدة النّصارى بأنّ عيسى هو اللّه،و أنّه كلمة اللّه.و القرآن يصدّق بأنّه كلمة اللّه،و ينكر أنّه اللّه أو ابن اللّه.و عند النّصارى بحث طويل في فلسفة اللاّهوت حول«الكلمة»،لاحظ«الكلمة»من(ك ل م).

الثّالث:أنّه روح من اللّه،و ذكر في المنار(6:82) فيه وجهين:أحدهما:أنّه مؤيّد بروح القدس،كما قال:

وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:87.و ثانيهما:أنّه خلق بنفخ من روح اللّه،و هو جبرئيل،كما قال:

ص: 513

فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا الأنبياء:91،و قال:

فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا مريم:17.و حكى عن بعض أنّ المراد بالرّوح النّفخ،ثمّ احتمل هو أنّ المراد به الرّوح و النّفخ معا.و قال الطّباطبائيّ(5:149):«الرّوح من الأمر قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الإسراء:85.و لمّا كان عيسى عليه السّلام كلمة«كن»التّكوينيّة-و هي أمر-فهو روح»،لاحظ«الرّوح»من(ر و ح).

ص: 514

ث ل ل

اشارة

ثلّة

لفظ واحد،3 مرّات في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و ثلّ عرشه،أي زال قوام أمره،و أثلّه اللّه.

و يقال لعرش الكرم،و عرش العريش الّذي تتّخذ منه ظلّة و نحوه من الأشياء إذا انهدم:قد ثلّ.

و الثّلّة (1):قطيع من الغنم غير كثير.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلّة:جماعة من النّاس كثيرة.

و الثّلّة:تراب البئر.

و الثّلّة:الهلاك،و كذلك الثّلل و الثّلال.[ثمّ استشهد بشعر](8:216)

الأصمعيّ: الثّلل:الهلاك،يقال منه:ثللت الرّجل أثلّه ثلاّ و ثللا.

الثّلّة:التّراب الّذي يخرج من البئر.(الأزهريّ 15:63)

ابن الأعرابيّ: و قد ثلّ،إذا هلك و ثلّ،إذا استغنى.

و الثّلثل:الهدم،بضمّ الثّاءين.و الثّلثل أيضا:

مكيال صغير.(الأزهريّ 15:65)

أبو عبيد: و في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«لا حمى إلاّ في ثلاث:ثلّة البئر،و طول الفرس،و حلقة القوم».

أراد بثلّة البئر أن يحتفر الرّجل بئرا في موضع ليس بملك لأحد،فيكون له من حوالي البئر من الأرض ما يكون ملقى لثلّة البئر،و هو ما يخرج من ترابها، لا يدخل فيه أحد عليه،حريما للبئر.

و الثّلّة أيضا:جماعة من الغنم و أصوافها.

و كذلك الوبر أيضا:ثلّة،و منه حديث الحسن:«إذا كان لليتيم ماشية فللوصيّ أن يصيب من ثلّتها و رسلها»، أي من صوفها و لبنها.(الأزهريّ 15:63)

ص: 515


1- الظّاهر:الثّلّة،بفتح الثّاء،حسب ما ذكره جميع اللّغويّين في كتبهم.

جمع الثّلّة من الغنم:ثلل.

فأمّا الثّلّة،بضمّ الثّاء:فالجماعة من النّاس،قال اللّه تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ الواقعة:

39،40.(الأزهريّ 15:64)

نحوه الخطّابيّ.(1:498)

ابن السّكّيت: و قد ثللت التّراب في القبر فأنا أثلّه،و قد ثلّ الدّراهم يثلّها ثلاّ،و قد سحلها يسحلها،إذا صبّها.(إصلاح المنطق:191)

و يقال:قد أثللت الشّيء،إذا أمرت بإصلاحه،و قد ثللته،إذا هدمته و كسرته.

و يقال للقوم إذا ذهب عزّهم:قد ثلّ عرشهم.

(إصلاح المنطق:246)

و يقال:أثلّ الرّجل فهو مثلّ،إذا كثرت ثلّته.

و الثّلّة:الصّوف.

و يقال:للصّوف و الشّعر و الوبر إذا اجتمع:ثلّة،فإذا انفرد الشّعر وحده أو الوبر وحده لم يقل له:ثلّة.

و يقال:كساء جيّد الثّلّة،أي جيّد الصّوف.

و يقال للضّأن الكثيرة:ثلّة،و لا يقال للمعزى:ثلّة، فإذا اجتمعت قيل لهما جميعا:ثلّة.

و يقال:قد ثلّ اللّه عرشه يثلّه؛و ثلّ عرشه أجود،إذا ذهب عزّه و شرفه.(إصلاح المنطق:266)

ابن دريد :ثلّ البيت يثلّه ثلاّ،إذا هدمه.

و ثلّ عرش الرّجل،و ذلك إذا تضعضعت حاله.

و المصدر:الثّلّ و الثّلل.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قيل:ثلّ عرش فلان و عرشه،إذا قتل؛هكذا يقول الأصمعيّ.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و الثّلّ و الثّلل:الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلّة:الصّوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلّة:الجماعة من النّاس،و كذلك قد فسّر في التّنزيل،و اللّه أعلم.

و الثّلّة:تراب البئر.(1:47)

الأزهريّ: في حديث عمر:«رئي في المنام فسئل عن حاله،فقال:كاد يثلّ عرشي»هذا مثل يضرب للرّجل إذا ذلّ و هلك.

يقال:ثللت الشّيء،إذا هدمته و كسرته.و أثللته، إذا أمرت بإصلاحه.

يقال:ثللت التّراب في القبر و البئر أثلّه ثلاّ،إذا أعدته فيه بعد ما تحفره.و ثلّ فلان الدّراهم يثلّها ثلاّ،إذا صبّها كذلك.(14:64)

الصّاحب:و في المثل:«لا تعدم صناع ثلّة»أي صوفا.

و المثلّون:أصحاب ثلّة من الغنم.و الثّلّة:قطيع من الغنم غير كثير،و جمعه:ثلل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثللت الشّيء:أصلحته،و ثللته:هدمته.

و الثّلّة:ثلّة البئر،و كذلك الثّلّة-بالفتح-و في الحديث:«لا حمى في ثلّة البئر».

و الثّلّة:جماعة من النّاس كثيرة،و كذلك من كلّ شيء.

و الثّلّة في موارد الإبل:ظمء يومين بين شربين.

و الثّلثال:ضرب من الحمض.

و الثّلّة:شيء كهيئة المنارة في الصّحراء يستظلّ تحتها.

ص: 516

و ثللت الوعاء أثلّه و اثتللته:أخذت ما فيه.

و ثلال من تمر،أي صبر منه.

و ثلّ الدّراهم،أي صبّها،فانثلّت.

و ثلّ البرذون:رمى بروثه.

و انثلّ النّاس علينا:انصبّوا.

و الثّلل:الهلاك،يقال:ثلّه ثلاّ،و أثلّه:مثله.و كذلك الثّلال.

و انثلّ القوم،بمعنى انثالوا.

و المثلّل:الجامع للمال،المصلح له.(10:127)

الجوهريّ: يقال للضّأن الكثيرة:ثلّة.[إلى أن قال:]

و ثلّة البئر أيضا:ما أخرج من ترابها.

و الثّلّة بالضّمّ:الجماعة من النّاس.

و ثلّت الدّابّة تثلّ،أي راثت،و كذلك كلّ ذي حافر.

و ثللت التّراب في البئر و غيرها،إذا هلته.

و ثللت الدّراهم ثلاّ:صببتها.

و ثللت البيت أثلّه:هدمته،و هو أن تحفر أصل الحائط ثمّ تدفع فينقاض،و هو أهول الهدم.(4:1648)

ابن فارس: الثّاء و اللاّم أصلان متباينان:

أحدهما:التّجمّع،و الآخر:السّقوط و الهدم و الذّلّ.

فالأوّل:الثّلّة:الجماعة من الغنم.و قال بعضهم:

يخصّ بهذا الاسم الضّأن.و لذلك قالوا:حبل ثلّة أي صوف،و قالوا:كساء جيّد الثّلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّلّة:الجماعة من النّاس،قال اللّه تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ الواقعة:39،40.

و الثّاني:ثللت البيت:هدمته.

و الثّلّة:تراب البئر.و الثّلل:الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ثلّ عرشه،إذا ساءت حاله.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:ثلّ عرشه و عرشه،إذا قتل.[ثمّ استشهد بشعر](1:368)

أبو هلال :الفرق بين الجماعة و الفوج و الثّلّة و الزّمرة و الحزب:

أنّ الفوج:الجماعة الكثيرة،و منه قوله تعالى:

وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:

2،و ذلك أنّهم كانوا يسلمون في وقت،ثمّ نزلت هذه الآية،و قبيلة قبيلة.و معلوم أنّه لا يقال للثّلّة:فوج كما يقال لهم:جماعة.

و الثّلّة:الجماعة تندفع في الأمر جملة من قولك:

ثللت الحائط،إذا نقضت أسفله فاندفع ساقطا كلّه،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي كلّ بشر ثلاّ،و منه ثلّ عرشه.

و قيل:الثّلل:الهلاك،و الزّمرة:جماعة لها صوت لا يفهم،و أصله من الزّمار،و هو صوت الأنثى من النّعام، و منه قيل:الزّمرة،و قرب منها الزّجلة و هي الجماعة لها زجل،و هو ضرب من الأصوات.

و قال أبو عبيدة:الزّمرة:جماعة في تفرقة،و الحزب:

الجماعة تتحزّب على الأمر،أي تتعاون.و حزب الرّجل:الجماعة الّتي تعينه فيقوى أمره بهم،و هو من قولك:حزّبني الأمر،إذا اشتدّ عليّ،كأنّه فري إذا

ص: 517

المرء (1).(229)

الطّوسيّ: و الثّلّة:الجماعة،و أصله:القطعة،من قولهم:ثلّ عرشه،إذا قطع ملكه بهدم سريره.و الثّلّة:

القطعة من النّاس.(9:490)

مثله الطّبرسيّ.(5:213)

الرّاغب: الثّلّة:قطعة مجتمعة من الصّوف،و لذلك قيل للمقيم:ثلّة،و لاعتبار الاجتماع قيل: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ الواقعة:39،40،أي جماعة.

و ثللت كذا:تناولت ثلّة منه،و ثلّ عرشه:أسقط ثلّة منه.

و الثّلل:قصر الأسنان لسقوط لثته،و منه أثل فمه:

سقطت أسنانه.

و تثلّلت الرّكيّة،أي تهدّمت.(81)

الميبديّ: و الثّلّة في اللّغة:الجماعة من النّاس، و الثّلّة بفتح الثّاء:الجماعة من النّساء.(9:444)

الزّمخشريّ: لا يفرق بين الثلّة و بين هذه الثّلّة، الثّلّة:جماعة من الغنم،و الثّلّة:جماعة النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنو فلان مثلّون:أصحاب غنم.و كساء جيّد الثّلّة، أي الصّوف،سمّي باسم ما هو منه،كتسمية المطر بالسّماء.

و في الحديث في ماشية اليتيم:«للوصيّ أن يصيب من ثلّتها و رسلها».

و في المثل:«خرقاء وجدت ثلّة».و قد أثلّ فلان:

كثر عنده الصّوف.

و ثللت عرش البيت،و هو سقفه:هدمته،و بيت مثلول.

و من المجاز:ثلّ عرشه،إذا ذهب قوام أمره.و فلان كثير الثّلّة،إذا كان أشعر البدن.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:47)

الصّغانيّ: الثلّة:القطعة العظيمة من الإبل، و القطعة اليسيرة منها.(الأضداد:225)

الفيروزآباديّ: الثلّة:جماعة الغنم أو الكثيرة منها،أو من الضّأن خاصّة،جمعه:كبدر و سلال.

و الصّوف وحده و مجتمعا بالشّعر و بالوبر.و أثلّ فهو مثلّ:كثرت عنده الثّلّة.

و ما أخرج من تراب البئر،جمعه كصرد،و قد ثلّ البئر.

و كالمنارة في الصّحراء يستظلّ بها،و موارد الإبل:

ظمء يومين بين شربين.

و بالضّمّ:الجماعة منّا،و الكثير من الدّراهم و يفتح.

و بالكسر:الهلكة،جمعه:كعنب،و ثلّهم ثلاّ و ثللا:

أهلكهم.

و الدّابّة:راثت،و التّراب المجتمع أو الكثيب:حرّكه بيده أو كسره من إحدى جوانبه كثلثله،و الدّار:هدمه فتثلثل،و التّراب في البئر:هاله،و الدّراهم:صبّها،و اللّه تعالى عرشه:أماته،أو أذهب ملكه أو عزّه.

و الثّلل محرّكة:الهلاك،و في الفمّ أن تسقط أسنانه.

و أثللته،إذا أمرت بإصلاح ما ثلّ منه.

و الثّلثل كهدهد:الهدم،و كأمير:صوت الماء أو صوت انصبابه.ل.

ص: 518


1- هكذا في الأصل.

و الثّلثال:ضرب من الحمض.و انثلّوا:انثالوا.

و المثلّل كمحدّث:الجامع للمال.

و الثّلّى كربّى:العزّة الهالكة.

و الثّلثلان بالضّمّ:عنب الثّعلب،و يبيس الكلإ، و يكسر و هو أعلى.(3:354)

مجمع اللّغة :الثّلّة بالضّمّ:الجماعة قلّت أو كثرت.(1:173)

العدنانيّ: ثلّ العرش و أثلّه

جاء في التّضادّ:ثلّ العرش:دكّه أو رفعه.و الحقيقة هي أن ثلّ العرش أو الدّار،تعني دكّهما،و لا تعني رفعهما، و ليس الفعل«ثلّ»من الأضداد.

و أخطأ أيضا قطرب حين ذكر في كتابه«الأضداد»:

«قد ثللت عرشه،إذا هدمته و أفسدته،و أثللت عرشه:

إذا أصلحته».و الفعل(أثلّ الشّيء)يعني هدمه،و(أثّل العرش)يعني أصلحه،أو أمر بإصلاحه.فالفعل«أثلّ» من الأضداد،و ليس الفعل«ثلّ»منها.و لمّا كان الفعل «ثلّ»ثلاثيّا،و الفعل«أثلّ»رباعيّا،كان اعتبارهما ضدّين خطأ،لأنّ المعنيين المتضادّين يجب أن يكونا لفعل واحد،سواء أ كان ثلاثيّا أم غير ثلاثيّ.

جاء في«النّهاية»و في حديث عمر رضي اللّه عنه:

«رئي في المنام و سئل عن حاله،فقال:كاد يثلّ عرشي».

أي يهدم و يكسر.

أمّا ما قالته المعاجم:

1-فقد اكتفى الرّاغب الأصفهانيّ بقوله:ثلّ عرشه:

أسقط ثلّة(قطعة)منه.

2-و اكتفى«الأساس»بقوله:ثللت عرش البيت، و هو سقفه:هدمته.و من المجاز:ثلّ عرشه،إذا ذهب قوام أمره.

3-و ذكر كلّ من الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و المحكم،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط أنّ معنى:ثلّ الدّار:هدمها، الثّلّ هو أن تحفر أصل الحائط،ثمّ تدفعه فينهدم،و هو أهون الهدم.

4-و ذكر:ثلّ الرّجل يثلّه ثلاّ و ثللا:أهلكه،كلّ من:الأصمعيّ،و الصّحاح،و المحكم،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

5-و ذكر ابن الأنباريّ أنّ معنى:ثلّ عرشه:أ-هدم ملكه.ب-ذهب عزّه.

6-و ذكر ابن الأنباريّ و الوسيط أنّ معنى:ثلّ فلان هو:هلك.

7-و ذكر«ثلّ عرشه»كلّ من:زهير بن أبي سلمى.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن الأنباريّ،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس (مجاز)،و مدّ القاموس.

9-و ذكر أنّ معنى:أثلّ الشّيء:هدمه،كلّ من:ابن الأنباريّ،و اللّسان،و المتن،و الوسيط.

10-و ذكر أنّ معنى:أثلّ عرشه:أصلحه،أو أمر بإصلاحه،كلّ من:قطرب في أضداده،و ابن الأعرابيّ، و الصّحاح،و المحكم،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

11-و ذكر المحكم،و مفردات الرّاغب،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و المتن أنّ معنى تثلّل

ص: 519

هو انهدم،و ذكر اللّسان و المحيط،أنّ معنى تثلّل هو تهدّم و تساقط شيئا بعد شيء.

12-و ذكر المحكم،و التّاج،و المتن أنّ معنى انثلّ هو:

انهدم.

لذا قل:

أ-ثلّ الدّار و أثلّها:هدمها.

ب-ثلّ العرش:1-هدّم الملك.2-قضى على العزّ.

ج-ثلّ الرّجل:هلك.

د-ثلّ الرّجل:أهلكه.

ه-أثلّ العرش:1-هدمه.2-أصلحه أو أمر بإصلاحه.

و-تثلّلت الدّار:تهدّمت.

ز-انثلّت الدّار:تهدّمت.(106)

محمود شيت:ثلّ المسلمون عرش كسرى:

أذهبوا سلطانه،و الجيش الأعداء:أهلكهم.

ثلّة:جماعة من الفرسان أكثر من حضيرة،و أقلّ من رعيل.(1:128)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّجمّع بعد التّفرّق،و بإزالة خصوصيّات التّشخيص و محوها،و هذا المعنى باعتبار الجريان السّابق سقوط و هدم و هلاك و ذلّة،فما دام لم ينهدم التّشخّص و آثاره لا يتحقّق مفهوم التّجمّع،و هو حذف الاعتبارات الشّخصيّة و إلغاء القيود.

فاستعمال هذه الكلمة في موارد الهدم و السّقوط من دون اعتبار قيد التّجمّع،أو في مورد التّجمّع من دون اعتبار قيد إلغاء الشّخصيّات:مجاز.(2:23)

النصوص التّفسيريّة

1- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. الواقعة:13

ابن عبّاس: جماعة من أوائل الأمم،كلّها قبل أمّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام.(453)

الضّحّاك: الشّطر و هو النّصف.(الماورديّ 5:449)

أبو عبيدة :تجيء جماعة و أمّة،و تجيء بقيّة.

(2:248)

ابن قتيبة :جماعة.(446)

مثله السّجستانيّ.(186)

الزّجّاج: (ثلّة)رفع على معنى هم ثلّة،و الثّلّة:

الجماعة،و هذا-و اللّه أعلم-معنى ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ أي جماعة ممّن عاين الأنبياء و صدّق بهم،فالّذين عاينوا جميع النّبيّين و صدّقوا بهم أكثر ممّن عاين النّبيّ عليه السّلام، و ذلك قوله في قصّة نوح: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ الصّافّات:

147،148،هؤلاء سوى سائر من آمن بجميع الأنبياء ممّن عاينهم و صدّقهم.

و يجوز أن يكون«الثّلّة»بمعنى قليل من الأوّلين و قليل من الآخرين،لأنّ اشتقاق الثّلّة من القطعة.

و الثّلّ:الكسر و القطع،و الثّلّة نحو الفئة و الفرقة.

(5:109)

القمّيّ: هم أتباع الأنبياء.(2:348)

القشيريّ: الثّلّة:الجماعة.و يقال: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ: الّذين شاهدوا أنبياءهم وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ الواقعة:14،الّذين شاهدوا نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.

(6:87)

ص: 520

نحوه الكاشانيّ.(5:121)

الواحديّ: يعني من لدن آدم إلى زمان نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و الثّلّة:جماعة غير محصورة العدد.

(4:233)

نحوه البغويّ(5:6)،و الخازن(7:13)،و مثله النّيسابوريّ(27:77).

الزّمخشريّ: و الثّلّة:الأمّة من النّاس الكثيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله عزّ و جلّ: وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ كفى به دليلا على الكثرة،و هي من الثّلّ و هو الكسر،كما أنّ الأمّة من«الأمّ»و هو الشّجّ،كأنّها جماعة كسرت من النّاس و قطعت منهم،و المعنى أنّ السّابقين من الأوّلين كثير،و هم الأمم من لدن آدم عليه السّلام إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:53)

نحوه النّسفيّ(4:215)،و الطّنطاويّ(24:79).

ابن عطيّة: الثّلّة:الجماعة و الفرقة،و هو يقع للقليل و الكثير.و اللّفظ في هذا الموضوع يعطي أنّ الجملة مِنَ الْأَوَّلِينَ أكثر من الجملة مِنَ الْآخِرِينَ و هي الّتي عبّر عنها بالقليل.(5:241)

الطّبرسيّ: أي هم ثلّة،يعني جماعة كثيرة العدد من الأوّلين،من الأمم الماضية.(5:215)

نحوه البيضاويّ(2:446)،و المراغيّ(27:136).

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:(الاوّلين)من هم؟

نقول:المشهور أنّهم من كان قبل نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.و إنّما قال:(ثلّة)-و الثّلّة:الجماعة العظيمة-لأنّ من قبل نبيّنا من الرّسل و الأنبياء من كان من كبار أصحابهم إذا جمعوا يكونون أكثر بكثير من السّابقين من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و على هذا قيل:إنّ الصّحابة لمّا نزلت هذه الآية صعب عليهم قلّتهم،فنزل بعده ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ الوقعة:39،40.و هذا في غاية الضّعف من وجوه:

أحدها:أنّ عدد أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إذا كان في ذلك الزّمان بل إلى آخر الزّمان،بالنّسبة إلى من مضى في غاية القلّة فما ذا كان عليهم من إنعام اللّه على خلق كثير من الأوّلين، و ما هذا إلاّ خلف غير جائز.

و ثانيها:أنّ هذا كالنّسخ في الأخبار،و أنّه في غاية البعد.

و ثالثها:ما ورد بعدها لا يرفع هذا،لأنّ الثلّة من الأوّلين هنا في السّابقين من الأوّلين.و هذا ظاهر،لأنّ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كثروا و رحمهم اللّه تعالى،فعفا عنهم أمورا لم تعف عن غيرهم،و جعل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الشّفاعة،فكثر عدد النّاجين و هم أصحاب اليمين.و أمّا من لم يأثم و لم يرتكب الكبيرة من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فهم في غاية القلّة و هم السّابقون.

و رابعها:هذا توهّم،و كان ينبغي أن يفرحوا بهذه الآية،لأنّه تعالى لمّا قال: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ دخل فيهم الأوّل من الرّسل و الأنبياء،و لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، فإذا جعل قليلا من أمّته مع الرّسل و الأنبياء و الأولياء الّذين كانوا في درجة واحدة،يكون ذلك إنعاما في حقّهم.و لعلّه إشارة إلى قوله عليه السّلام:«علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل».

الوجه الثّاني:المراد منه:السّابقون الأوّلون من المهاجرين و الأنصار،فإنّ أكثرهم لهم الدّرجة العليا،

ص: 521

لقوله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ الحديد:10، الآية وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ الّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم.و على هذا فقوله: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً الواقعة:7،يكون خطابا مع الموجودين وقت التّنزيل، و لا يكون فيه بيان الأوّلين الّذين كانوا قبل نبيّنا عليه السّلام.

و هذا ظاهر،فإنّ الخطاب لا يتعلّق إلاّ بالموجودين من حيث اللّفظ،و يدخل فيه غيرهم بالدّليل.

الوجه الثّالث: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات بأنفسهم، وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ، الّذين قال اللّه تعالى فيهم:«و اتبعهم ذرياتهم»الطّور:

21،فالمؤمنون و ذرّيّاتهم إن كانوا من أصحاب اليمين فهم في الكثرة سواء،لأنّ كلّ صبيّ مات و أحد أبويه مؤمن فهو من أصحاب اليمين،و أمّا إن كانوا من المؤمنين السّابقين،فقلّما يدرك ولدهم درجة السّابقين،و كثيرا ما يكون ولد المؤمن أحسن حالا من الأب،لتقصير في أبيه و معصية لم توجد في الابن الصّغير،و على هذا فقوله:

اَلْآخِرِينَ المراد منه:الآخرون التّابعون من الصّغار.

(29:148)

أبو السّعود :خبر مبتدإ محذوف،أي هم أمّة جمّة من الأوّلين و هم الأمم السّالفة من لدن آدم إلى نبيّنا عليهما الصّلاة و السّلام،و على من بينهما من الأنبياء العظام.(5:129)

البروسويّ: أي هم أمم كثيرة من الأوّلين غير محصورة العدد،و هم الأمم السّالفة من لدن آدم إلى نبيّنا عليهما السّلام،و على من بينهما من الأنبياء العظام.و هذا التّفسير مبنيّ على أن يراد بالسّابقين غير الأنبياء.

و اشتقاق«الثّلّة»من الثّلّ،و هو الكسر،و جماعة السّابقين مع كثرتهم مقطوعة مكسورة من جملة بني آدم.

(9:320)

الآلوسيّ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ خبر مبتدإ مقدّر، أي هم ثلّة إلخ،و جوّز كونه مبتدأ خبره محذوف،أي منهم،أو خبرا أوّلا أو ثانيا ل(اولئك).و جوّز أبو البقاء كونه مبتدأ و الخبر عَلى سُرُرٍ الواقعة:15،و الثّلّة في المشهور:الجماعة كثرت أو قلّت،و قال الزّمخشريّ:

الأمّة من النّاس الكثيرة.و أنشد قوله:

و جاءت إليهم(ثلّة)خندفيّة

(بجيش كتيّار من السّيل مزبد)

و قوله تعالى بعد:(و قليل)إلخ كفى به دليلا على الكثرة،انتهى.

و الظّاهر أنّه أنشد البيت شاهدا لمعنى الكثرة في «الثّلّة»فإن كانت الباء تجريديّة و هو الظّاهر فنصّ،و إلاّ فالاستدلال عليها من أنّ المقام مقام مبالغة و مدح.و أمّا استدلاله بما بعد،فذلك لأنّ التّقابل مطلوب،لأنّ«الثّلّة» لم توضع للقليل بالإجماع حتّى يحمل ما بعد على التّفنّن، بل هي إمّا للكثرة و الاشتقاق عليها أدلّ،لأنّ«الثّلّ» بمعنى الصّبّ و بمعنى الهدم بالكلّيّة،و الثّلّة بالكسر:الضّأن الكثيرة.و إمّا لمطلق الجماعة كالفرقة و القطعة من«الثّلّ» بمعنى الكسر،كأنّها جماعة كسرت من النّاس و قطعت منهم،إلاّ أنّ الاستعمال غلب على الكثير فيها،فالمعنى جماعة كثيرة من الأوّلين و هم النّاس المتقدّمون،من لدن آدم إلى نبيّنا عليهما الصّلاة و السّلام،و على من بينهما من الأنبياء العظام.(27:134)

ص: 522

القاسميّ: أي هم جماعة كثيرة من الّذين سبقوا، لرسوخ إيمانهم و ظهور أثره في أعمالهم من العمل الصّالح و الدّعوة إلى اللّه،و الصّبر على الجهاد في سبيله،إلى غير ذلك من المناقب الّتي كانت ملكات لهم.(16:5648)

محمّد جواد مغنية: (السّابقون)الّذين لهم عند اللّه المنزلة العليا،هم جماعة كثيرة من الأوّلين،و قليلة من الآخرين.

و اختلف المفسّرون في من هم الأوّلون و الآخرون في هذه الآية؟

فقال فريق منهم:إنّ المراد ب(الاوّلين):من آمن و سبق إلى الخيرات قبل محمّد صلّى اللّه عليه و آله.و قال الفريق الآخر:

إنّ كلاّ من(الاوّلين)و(الآخرين)من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و في رأينا أنّ(الاوّلين)إشارة إلى عصر الإسلام الذّهبيّ يوم كان له قوّة و سلطان،و كان المسلمون يؤمنون به قولا و عملا،و يدافعون عنه بالأرواح و الأموال.و أنّ(الآخرين)إشارة إلى القلّة القليلة من المؤمنين،في العصور المتأخّرة.(7:221)

2- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ.

الواقعة:39،40

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: هما جميعا من أمّتي.

(الطّبريّ 27:191)

عطاء: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ من المؤمنين الّذين كانوا قبل هذه الأمّة وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ من مؤمني هذه الأمّة.

مثله مقاتل.(الواحديّ 5:235)

نحوه الطّبرسيّ.(5:219)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ:

حزقيل مؤمن آل فرعون، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام[و هذا تأويل](الكاشانيّ 5:125)

الفرّاء: و رفعها على الاستئناف،و إن شئت جعلتها مرفوعة،تقول:و لأصحاب اليمين ثلّتان:ثلّة من هؤلاء، و ثلّة من هؤلاء،و المعنى هم فرقتان:فرقة من هؤلاء، و فرقة من هؤلاء.(3:126)

الطّبريّ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ يعني جماعة من الّذين مضوا قبل أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ يقول:و جماعة من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(27:189)

الزّجّاج: معناه-و اللّه أعلم-جماعة ممّن تبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عاينه،و جماعة ممّن آمن به و كان بعده.

(5:113)

القمّيّ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ: من الطّبقة الأولى الّتي كانت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال:بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من هذه الأمّة.(2:349)

مثله الكاشانيّ.(5:125)

الطّوسيّ: فالثّلّة:القطعة من الجماعة،فكأنّه قال:

جماعة من الأوّلين و جماعة من الآخرين.و إذا ذكر بالتّنكير كان على معنى البعض من الجملة،كما تقول:

رجال من جملة الرّجال.

و فائدة الآية أنّه ليس هذا لجميع الأوّلين و الآخرين،و إنّما هو لجماعة منهم.و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّي لأرجو أن تكون أمّتي شطر أهل الجنّة»ثمّ تلا قوله: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ. و قال

ص: 523

الحسن: سابقوا من مضى أكثر من سابقينا،فلذلك قيل:

وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ. و في التّابعين وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ. (9:498)

البروسويّ: أي هم أمّة من الأوّلين و أمّة من الآخرين.و في الحديث:«هم جميعا من أمّتي»أي الثّلّتان من أمّتي.فعلى هذا التّابعون بإحسان و من جرى مجراهم ثلّة أولى،و سائر الأمّة ثلّة أخرى في آخر الزّمان.

(9:327)

المراغيّ: أي أصحاب اليمين جماعة من مؤمني الأمم السّالفة،و جماعة من مؤمني أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(27:139)

محمّد جواد مغنية: الكلام مستأنف،و معناه أنّ أصحاب اليمين بعضهم من عصر سابق،و آخرون من عصر لاحق،و هم بطبيعة الحال أقلّ عددا من أصحاب الشّمال الّذين يشير إليهم في الآيات التّالية،هم أقلّ لأنّ الصّالحين قليل: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ سبأ:

13.(7:223)

الطّباطبائيّ: [تقدّم كلامه في«أ خ ر»فراجع]

(19:121)

المصطفويّ: أطلقت هذه الكلمة صفة على السّابقين و أصحاب اليمين،فإنّهم ألغوا شخصيّاتهم و أسقطوا اعتبارات هذه الدّنيا الدّنيّة و أزالوا التّلوّنات، فصاروا إخوانا مجتمعين وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الحجر:47.

و لا يبعد أن تكون الثّلّة على صيغة«فعلة»كاللّقمة، أي،ما يثلّ.(2:23)

و قد سبقت نصوص كثيرة حول الآيتين في(أ خ ر:

الآخرين)فلاحظ.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الثّلّة،أي جماعة الغنم، و كذا الثّلل،أي الهلاك.ثمّ أطلق الأصل الأوّل على صوف الغنم مجازا،لأنّه منه،كتسمية المطر بالسّماء،كما قال الزّمخشريّ.

يقال منه:كساء جيّد الثّلّة،أي الصّوف،و كذا حبل ثلّة،أي صوف،و رجل مثلّ:كثير الثّلّة.

و قيل:الثّلّة:الصّوف و الشّعر و الوبر،يقال:عند فلان ثلّة كثيرة،أي اجتمع الصّوف و الشّعر و الوبر، و جمع الثّلّة:ثلل.

و الثّلّة:الجماعة من النّاس،يقال:قد أثلّ الرّجل فهو مثلّ،أي كثرت عنده الثّلّة.

و يقال من الأصل الثّاني:ثللت الرّجل أثلّه ثلاّ و ثللا،أي أهلكته.

و منه:ثلّ البيت يثلّه ثلاّ:هدمه،و تثلّل الجدار:

تهدّم و تساقط شيئا بعد شيء.و ثلّ عرش فلان ثلاّ:

هدم و زال قوام أمره،و ثلّ اللّه عرشهم و أثلّه:هدم ملكهم،و يقال للقوم إذا ذهب عزّهم:قد ثلّ عرشهم.

و ثللت التّراب في القبر و البئر أثلّه ثلاّ:هلته،و تثلّل التّراب:مار و تحرّك،فذهب و جاء.

و ثلّ الشّيء و أثلّه:هدمه و كسره،و أثلّه:أمر بإصلاحه،و هو يفيد معنى السّلب.

2-و الثّلّة:التّراب الّذي يخرج من البئر،و قد ثلّ

ص: 524

البئر يثلّها ثلاّ:أخرج ترابها،و لعلّه من الثّملة بالفتح، أو الثّملة بالضّمّ،و هو النّثيلة و النّثالة أيضا.

و نحسب قولهم:ثلّ الدّراهم يثلّها ثلاّ،أي صبّها،من الثّلّ و التّلّة بالتّاء،و هو صبّ الحبل في البئر عند الاستسقاء،و منه الحديث:«و بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فثلّت في يدي».

3-كما أنّ بين«الثّلّ»و«الفلّ»شيء من الاشتقاق الأكبر،فالفلّ:الجماعة،و الفليل و الفليلة:الشّعر المجتمع.و الفلّ أيضا:الكسر و الضّرب،و الفليل:ناب البعير المتكسّر.

بيد أنّ«الفلّ»يستعمل في الجمع المنهزم،يقال:فلّ القوم يفلّهم فلاّ:هزمهم.و أصله-كما قال ابن سيده-من الكسر،يقال:انفلّ سنّه،أي انكسر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد ثلاث مرّات،في سورة مكّيّة:

مرّة في صدرها،و مرّتين في وسطها:

1- ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ

الواقعة:13،14

2-3- لِأَصْحابِ الْيَمِينِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ الواقعة:38-40

يلاحظ أوّلا:أنّ مصداق«ثلّة»مختلف في الموضعين، ففي صدر السّورة هي تفسير ل«السّابقين السّابقين»، و هم ثالث أصناف النّاس في الآخرة؛حيث قال في(7-14) خطابا لهذه الأمّة: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً* فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ* وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ.

و قد ثلّث اللّه الأصناف مرّة أخرى في ذيل:هذه السّورة في(88-94)دون ذكر الأوّلين و الآخرين، فقال: فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ* وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ. بيد أنّه عبّر فيها بدل(أصحاب الشّمال)ب (المكذّبين الضّالّين).

أمّا في وسط السّورة فكرّرت(ثلّة)وصفا لأصحاب اليمين،حيث قال: لِأَصْحابِ الْيَمِينِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ ثمّ ذكر حال أصحاب الشّمال.

ثانيا:جاءت(ثلّة)في الأولى-و هي وصف لحال المقرّبين-مرّة واحدة مقابلة وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ، فهي ظاهرة في الجماعة الكثيرة كما استظهره الزّمخشريّ، أي أنّ المقرّبين صنفان:جماعة كثيرة من الأوّلين، و جماعة قليلة من الآخرين.أمّا في الثّانية فكلاهما وصف لأصحاب اليمين دون مجيء(قليل)فيهما،فهما سيّان؛قليلين كانوا أو كثيرين،أي أنّ أصحاب اليمين منهم جماعة من الأوّلين،و جماعة من الآخرين،و بذلك يبدو أنّ بين المقرّبين و بين أصحاب اليمين تفاوتا بالنّسبة إلى(الآخرين)،فهم قليل من المقرّبين،و كثير من أصحاب اليمين،مثل الأوّلين منهم.

ص: 525

ثالثا:هناك خلاف بينهم في تفسير(الاوّلين) و(الآخرين)في الآيتين،فالأكثر حملوا(الاوّلين)في الآية الأولى على الأمم السّابقة،و(الآخرين)على هذه الأمّة.فقالوا:إنّ السّابقين منهم أكثر من السّابقين من هذه الأمّة،و ردّ الفخر الرّازيّ هذا الرّأي بأنّه خلاف ما وعده اللّه في هذه الأمّة من الكرامة.

و بعض جعلهم جميعا من هذه الأمّة،فالسّابقون من المهاجرين و الأنصار و التّابعين لهم بإحسان لهم الدّرجة العليا بالنّسبة إلى الّذين بعدهم من المؤمنين.فقلّ فيهم من يوازي أولئك،كيف و قد جاء فيهم: وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ التّوبة:100، و لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى الحديد:10.

و يشهد على هذا الوجه ما سبق منّا أنّ الأصناف الثّلاثة في هذه الأمّة هم المخاطبون بقوله: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً، و هي خطاب للمسلمين دون الأمم الأخرى.

و قال محمّد جواد مغنية: «إنّ(الاوّلين)إشارة إلى عصر الإسلام الذّهبيّ،يوم كان له قوّة و سلطان،و كان المؤمنون يؤمنون به قولا و عملا و يدافعون عنه بالأرواح و الأموال.و أنّ(الآخرين)إشارة إلى القلّة القليلة من المؤمنين في العصور المتأخّرة».

و نقول:الشّطر الأوّل منه ترحيب بأولئك الّذين حملوا لواء الإسلام على عواتقهم في القرون الأولى بعد الهجرة،و نشروا هذا الدّين شرقا و غربا،و هم جمهور المسلمين عامّة،دون فريق منهم خاصّة،و لكنّ كثيرا من أهل مذهبه لا يرضون بهذا التّرحيب و التّقريب، فيدينون أولئك بما نعلم منهم و نقرأ.و كيف كان،فما قاله في الشّطر الأوّل حقّ،و أمّا الشّطر الثّاني من كلامه فإيئاس من اللاّحقين،و أنّى نعلم ما ذا سيحدث فيما بعد؟ و لا سيّما مع البشارة الأكيدة في الكتاب و السّنّة بغلبة هذا الدّين على غيره من الأديان،و لا سيّما في عصر الإمام المهديّ عليه السّلام؛حيث يملأ اللّه به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

و نحن و إن نوافقه على التّرحيب بالأوّلين و على هذا القصور-بل التّقصير-في المتأخّرين من المسلمين،لكنّنا لا نوافقه على حمل الآية عليهم.

هذا كلّه في الآية الأولى،أمّا الآية الثّانية فكلا الثّلّتين فيها تفسير لأصحاب اليمين كما تقدّم،و إن وقع بينهم خلاف فيهما أيضا في أنّهما من هذه الأمّة،استنادا إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«هما جميعا من أمّتي».أو أنّ (الاوّلين)خاصّ بالأمم السّابقة،و(الآخرين)خاصّ بهذه الأمّة،و هو مرويّ أيضا عن بعض الأئمّة عليهم السّلام.

و الأقرب عندنا هو الأوّل،لأنّ سياق السّورة-من أوّلها إلى آخرها-خطاب للمسلمين،و لا مانع من وجود هذه الأصناف الثّلاثة في الأمم الأخرى أيضا،بل هذا أمر طبيعيّ،فالتّفاوت بين النّاس في كلّ زمان موجود.

رابعا:جاء تفسير«ثلّة»في النّصوص بالكثرة و القلّة معا،و هي في الأصل بمعنى الجمع و المجموع،و هو إلى الكثرة أقرب من القلّة،إلاّ أنّه لم تؤخذ«الكثرة»في

ص: 526

مفهومها-كما سبق-بل تستلزمها،و نحن مع«مجمع اللّغة»،حيث فسّرها ب«الجماعة قلّت أو كثرت».

خامسا:أنّ للبحث حول أصحاب اليمين و أصحاب الشّمال و المقرّبين موضعا آخر،إلاّ أنّنا لا نضنّ هنا بذكر نكتة،و هي أنّ هذه السّورة عدّدت الأصناف الثّلاثة، بدء بأصحاب اليمين في أوّلها،ثمّ أصحاب الشّمال،ثمّ المقرّبين.إلاّ أنّها قدّمت بيان حال المقرّبين في(12)آية:

(15-26)تكريما لهم،و ثنّاهم بأصحاب اليمين في(14) آية:(27-40)،و ثلّثهما بأصحاب الشّمال في(16)آية:

(41-56).

هذا في صدر السّورة،يستمرّ إلى أواسطها،أمّا في ذيلها فبدأ بالمقرّبين،ذاكرا فيهم خصلة واحدة جامعة لما ذكرها بشأنهم في صدرها،و هي: فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ، و ثنّاهم بأصحاب اليمين،ذاكرا فيهم جملة واحدة جامعة أيضا،و هي: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ، و ثلّثهم بقوله: وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ بدل«اصحاب الشّمال»،و هي جامعة أيضا لما وصفهم به أوّلا،فذيل هذه السّورة كالفذلكة لصدرها، لاحظ(ي م ن)و(ش م ل)و(ق ر ب)و(س ب ق).

ص: 527

ص: 528

ث م ر

اشارة

6 ألفاظ،24 مرّة:15 مكّيّة،9 مدنيّة

في 12 سورة:9 مكّيّة،3 مدنيّة

ثمر 1:1 ثمرات 4:4

ثمره 4:3-1 الثّمرات 12:6-6

ثمرة 1:-1 أثمر 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّمر:حمل الشّجر.

و الثّمر:أنواع المال.و الولد ثمرة القلب.

و أثمرت الشّجرة.

و العقل المثمر:عقل المسلم،و العقل العقيم:عقل الكافر.و ثمر اللّه:مالك.

و الثّامر:نور بقلة تسمّى الحمّاض،و هو أحمر شديد الحمرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أثمر السّقاء،إذا آن أن يحمض،و سقاء مثمر.

يقال:الثّامر:اسم للثّمرة،و من أنشد:«كثمر الحمّاض»عنى به الحمل.

و ثمرت للغنم،أي خبطت الشّجر لها لينتثر الورق.

(8:223)

سيبويه :في الثّمر ثمرة،و جمعها:ثمر،كسمرة و سمر،و لا يكسّر؛لقلّة«فعلة»في كلامهم.

(ابن سيده 10:147)

ابن شميّل: [إذا أدرك اللّبن ليمخض فظهر عليه تحبّب و زبد،ف]هو الثّمير،و ذلك إذا مخض فرئي على أمثال الحصف في الجلد،ثمّ يجتمع فيصير زبدا.و ما دامت صغارا،فهو ثمير.و قد ثمّر السّقاء،و أثمر.

و إنّ لبنك لحسن الثّمر،و قد أثمر مخاضك.

(الأزهريّ 15:84)

ثمرة الرّأس:جلدته.(ابن منظور 4:107)

الفرّاء: و جمع الثّمار:ثمر،مثل كتاب و كتب،و جمع الثّمر:أثمار،مثل عنق و أعناق.(الجوهريّ 2:205)

أبو زيد :أثمر الشّجر:خرج ثمره.

ص: 529

و أثمر الزّبد:اجتمع.

و أثمر الرّجل:كثر ماله.(الأزهريّ 15:83)

الأصمعيّ: إذا أدرك اللّبن ليمخض فظهر عليه تحبّب و زبد فهو المثمر.(الأزهريّ 15:84)

أبو عبيد: حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا قطع في ثمر و لا كثر».الكثر:جمّار النّخل في كلام الأنصار،و هو الجذب أيضا.و أمّا قوله:«في الثّمر»فإنّه يعني به التّمر المعلّق في النّخل الّذي لم يجذذ،و لم يحرز في الجرين.

(1:173)

ابن الأعرابيّ: أثمر الشّجر،إذا طلع ثمره قبل أن ينضج فهو مثمر.(الأزهريّ 15:84)

ابن السّكّيت: و الثّميرة:أن يظهر الزّبد قبل أن يجتمع،و يبلغ إناه من الصّلوح.يقال:قد ثمّر السّقاء و أثمر.(إصلاح المنطق:351)

شمر:في حديث ابن عبّاس:«أنّه أخذ بثمرة لسانه»يريد أنّه أخذ بطرف لسانه،و كذلك ثمرة السّوط:

طرفه.(الأزهريّ 15:85)

أبو الهيثم:ثمرة ثمّ ثمر.ثمّ ثمر،جمع الجمع.

و بعضهم يقول:ثمرة،ثمّ ثمر،ثمّ ثمار،ثمّ ثمر.

(الأزهريّ 15:84)

الدّينوريّ: ثمّر النّبات،بشدّ الميم:نفض نوره و عقد ثمره.

أرض ثميرة:كثيرة الثّمر،و شجرة ثميرة و نخلة ثميرة:مثمرة.

إذا كثر حمل الشّجرة أو ثمر الأرض فهي ثمراء.

و المثمر:الّذي بلغ أن يجنى.

الثّامر:اللّوبياء.(ابن سيده 10:147)

ثعلب :الثّمرة:الشّجرة.(ابن سيده 10:147)

ابن دريد :و الثّمر معروف،ثمر كلّ شيء من الشّجر:ثمرة و ثمار و ثمر و ثمر.

و الشّجر الثّامر:الّذي قد بلغ أوان أن يثمر، و المثمر:الّذي فيه ثمر.

و قد سمّت العرب ثامرا و مثمرا.

و ثمّر الرّجل ماله،إذا أحسن القيام عليه،و يقال كذلك في الدّعاء:«ثمّر اللّه له ماله»أي أنماه.

و ليلة ابن ثمير:اللّيلة القمراء.(2:41)

القاليّ: المثمّر و المنمّى واحد في المعنى.

(2:211)

الأزهريّ: [نقل قول ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

الثّامر:ما نضج،و قد ثمر الثّمر يثمر فهو ثامر.

[و نقل قول الخليل ثمّ قال:]

قلت:أراد به حمرة ثمره عند إيناعه.[ثمّ استشهد بشعر](15:84)

[و نقل أيضا قول ابن شميّل ثمّ قال:]

قلت:و هي ثميرة اللّبن أيضا.

و الثّمراء:جمع الثّمرة،مثل:الشّجراء جمع الشّجرة.[ثمّ استشهد بشعر]

ثمر الثّمر،إذا نضج،و أثمر الشّجر،إذا طلع ثمره.

(15:85)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و أثمرت الشّجرة فهي مثمرة.مكان مثمور:فيه ثمر.

و يقال للثّمار:ثيمار.

ص: 530

و ثمّر اللّه ماله:كثّره.

و مال ثمر مثمور:كثير،و قوم مثمورون،و ثمّرهم اللّه:

أنماهم.و الثّمار:النّماء،و الثّمر:المال الكثير،و ثمر الرّجل:تموّل،و أثمر الرّجل:كثر ماله.

و ثمرة الذّكر:قلفته،و جمعها:ثمار.

و ثمر السّوط:عذبته،و الجميع:الأثمار.

و طرف اللّسان:ثمرته.

و ثمرة من سحاب و ثمر:لطخ منه.

و الثّمراء:جبل،و يقال:شجر.

و المثمّر:اللّبن إذا مخض فيرى عليه أمثال الحصف في الجلد،ثمّ يجتمع فيصير زبدا،يقال:ثمّر اللّبن و السّقاء،و أثمر أيضا،و هي الثّميرة.

و الثّمير:الّذي لم يخرج زبده بعد.

و يقولون:لا أفعله ما ثمر ابن ثمير:و هو اللّيل المقمر.

(10:143)

الخطّابيّ: و ثمرة السّوط:عذبته،و هي طرفه المرسل.[ثمّ استشهد بشعر]

و من هذا ثمرة اللّسان،و هي عذبته.و قال رجل:

رأيت ابن عبّاس آخذا بثمرة لسانه،و هو يقول:ويحك قل خيرا تغنم،و أمسك عن شرّ تسلم.(2:265)

الجوهريّ: الثّمرة:واحدة الثّمر و الثّمرات، و جمع الثّمر:ثمار،مثل جبل و جبال.

و الثّمر أيضا:المال المثمّر،و يخفّف و يثقّل.

و يقال:أثمر الشّجر،أي طلع ثمره.

و شجر ثامر،إذا أدرك ثمره،و شجرة ثمراء،أي ذات ثمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّميرة ما يظهر من الزّبد قبل أن يجتمع و يبلغ إناه من الصّلوح،يقال:قد ثمّر السّقاء تثميرا،و كذلك أثمر، إذا ظهر عليه تحبّب الزّبد.[إلى أن قال:]

و ثمر السّياط:عقد أطرافها.(2:605)

ابن فارس: الثّاء و الميم و الرّاء أصل واحد،و هو شيء يتولّد عن شيء متجمّعا،ثمّ يحمل عليه غيره استعارة.[ثمّ ذكر قول ابن دريد و قال:]

و الثّميرة من اللّبن حين يثمر فيصير مثل الجمّار الأبيض،و هذا هو القياس.و يقال لعقدة السّوط:ثمرة، و ذلك تشبيه.

و ممّا شذّ عن الباب ليلة ابن ثمير،و هي اللّيلة القمراء.و ما أدري ما أصله.(1:388)

الهرويّ: في الحديث:«لا قطع في ثمر و لا كثر» الثّمر:الرّطب ما دام في رأس النّخلة،فإذا صرم فهو الرّطب،فإذا كنز فهو التّمر.و يقال:ثمر الثّمر يثمر ثمرا، فهو ثامر،إذا نضج،و أثمر الشّجر،إذا أطلع ثمره.

الثّمر:ما أخرجه الشّجر.و الثّمر:المال.و يكون الثّمر جمع ثمرة.(1:295)

ابن سيده: الثّمر:حمل الشّجر،و أنواع المال، واحدته:ثمرة.و جمع الثّمر:ثمار،و ثمر:جمع الجمع.

و قد يجوز أن يكون الثّمر جمع ثمرة،كخشبة و خشب،و أن لا يكون جمع ثمار،لأنّ باب خشبة و خشب أكثر من باب رهان و رهن،أعني أنّ جمع الجمع قليل في كلامهم.

[ثمّ حكى كلام سيبويه و أضاف:]

و لم يحك الثّمرة أحد غيره.

ص: 531

و الثّيمار:كالثّمر.[ثمّ استشهد بشعر]

ثمر الشّجر،و أثمر:صار فيه الثّمر.

و قيل:الثّامر:الّذي بلغ أوان أن يثمر،و المثمر:

الّذي فيه ثمر.و قيل:ثمر مثمر:لم ينضج،و ثامر:قد نضج.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الثّامر:كلّ شيء خرج ثمره.

و الثّمر:الذّهب و الفضّة،حكاه الفارسيّ،يرفعه إلى مجاهد في تفسير قوله: وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ الكهف:34، فيمن قرأ به.قال:و ليس ذلك بمعروف في اللّغة.

و ثمّر ماله:نمّاه.

و أثمر الرّجل:كثر ماله.

و العقل المثمر:عقل المسلم،و العقل العقيم:عقل الكافر.

و الثّمير من اللّبن:ما لم يخرج زبده.و قيل:الثّمير، و الثّميرة:الّذي ظهر زبده.

و قيل:الثّميرة:أن يظهر الزّبد قبل أن يجتمع، و يبلغ إناه من الصّلوح.

و قد ثمّر السّقاء تثميرا،و أثمر.

و قيل:المثمر من اللّبن:ما لم يخرج زبده،و ذلك عند الرّءوب.

و ابن ثمير:اللّيل المقمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثامر،و مثمر:اسمان.مقلوبة[ر ث م]...

(10:146)

الرّاغب: الثّمر:اسم لكلّ ما يتطعّم من أعمال الشّجر،الواحدة:ثمرة،و الجمع:ثمار و ثمرات.[إلى أن قال:]

و يقال:ثمّر اللّه ماله،و يقال لكلّ نفع يصدر عن شيء:ثمرته،كقولك:ثمرة العلم:العمل الصّالح،و ثمرة العمل الصّالح:الجنّة،و ثمرة السّوط:عقدة أطرافها، تشبيها بالثّمر في الهيئة و التّدلّي عنه،كتدلّي الثّمر عن الشّجر.

و الثّميرة من اللّبن:ما تحبّب من الزّبد،تشبيها بالثّمر في الهيئة و في التّحصيل عن اللّبن.(81)

الزّمخشريّ: شجر مثمر،و له ثمر و ثمر و ثمار،و ثمرة حسنة،و اشتريت ثمرة بستانه.

و من المجاز:دقّ الجلاّد ثمرة سوطه.و سوط عظيم الثّمرة،و هي العقدة في طرفه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«تكون في آخر الزّمان فتنة كثمرة السّوط يتبعها ذباب السّيف».

و قطفت ثمرة فلان،إذا طهّر و هي قلفته،و قطفت ثمارهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان خصّني بثمرة قلبه:بمودّته.[ثمّ استشهد بشعر]

و في السّماء ثمرة و ثمر:لطخ من سحاب.

و ضربني بثمرة لسانه:بعذبتها إذا لسنك.

وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ الكهف:34،أي مال،و انظر ثمر مالك و نماءه،و مال ثمر:مبارك فيه.

و أثمر القوم،و ثمروا ثمورا:كثر مالهم،و ثمر ما له يثمر:

كثر،و فلان مجدود ما يثمر له مال،و ثمّر ما له تثميرا.

و إنّ لبنك لحسن الثّمر،و هو ما يرى عليه إذا مخض من أمثال الحصف في الجلد.و لبن مثمّر،و قد ثمّر تثميرا، و أثمر إثمارا.

ص: 532

و شرب الثّميرة،و هي اللّبن المثمر،و العرب تقول:لقّانا اللّه مضيره،و أسقانا ثميره.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:48)

«ابن مسعود رضي اللّه عنه أتاه رجل بابن أخيه، و هو سكران،فأمر بسوط فدقّت ثمرته».ثمرة السّوط:

العقدة في طرفه،و إنّما أمر بدقّها لتلين،تخفيفا عنه.

(الفائق 1:173)

[في حديث عن عمرو بن مسعود مع معاوية] «ما تسأل عمّن ذبلت بشرته و قطعت ثمرته،و كثر منه ما يحبّ أن يقلّ...»

ثمرته:نسله،شبّهه بثمرة الشّجرة،كما يقال:هذا فرع فلان و شعبته.و يجوز أن يكنّى بها عن العضو، و يريد انقطاع قدرته على الملامسة،و انقطاع شهوته.

(الفائق 1:174)

المدينيّ: في حديث معاوية،قال لجارية:«هل عندك قرى؟قالت:نعم خبز خمير،و لبن ثمير،و حيس جمير».اللّبن الثّمير:الّذي قد تحبّب زبده فيه فظهرت ثميرته،يقال:أثمر اللّبن:صارت له ثميرة-و المثمر:

اللّبن الّذى مخض فأظهر الزّبد-أي عندي لبن بزبده،لم يخرج زبده منه.(1:272)

ابن الأثير: حديث عليّ رضي اللّه عنه:«زاكيا نبتها،ثامرا فرعها».يقال:شجر ثامر،إذا أدرك ثمره.

و فيه:«إذا مات ولد العبد قال اللّه تعالى لملائكته:

قبضتم ثمرة فؤاده؟فيقولون:نعم».

قيل للولد:ثمرة،لأنّ الثّمرة ما ينتجه الشّجر، و الولد ينتجه الأب.

و في حديث المبايعة:«فأعطاه صفقة يده،و ثمرة قلبه»أي خالص عهده.

و في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«أنّه أخذ بثمرة لسانه»أي بطرفه.

و منه حديث الحدّ:«فأتي بسوط لم تقطع ثمرته»أي طرفه الّذي يكون في أسفله.(1:221)

الفيّوميّ: الثّمر بفتحتين،و الثّمرة مثله،فالأوّل مذكّر،و يجمع على ثمار،مثل جبل و جبال،ثمّ يجمع الثّمار على ثمر،مثل كتاب و كتب،ثمّ يجمع على أثمار، مثل عنق و أعناق.

و الثّاني مؤنّث،و الجمع:ثمرات،مثل قصبة و قصبات.

و الثّمر:هو الحمل الّذي تخرجه الشّجرة سواء أكل أو لا،فيقال:ثمر الأراك و ثمر العوسج،و ثمر الدّوم و هو المقل،كما يقال:ثمر النّخل،و ثمر العنب.

قال الأزهريّ: «و أثمر الشّجر:أطلع ثمره»أوّل ما يخرجه،فهو مثمر،و من هنا قيل لما لا نفع فيه:ليس له ثمرة.(1:84)

الفيروزآباديّ: الثّمر محرّكة:حمل الشّجر، و أنواع المال كالثّمار كسحاب.

الواحدة:ثمرة و ثمرة كسمرة،الجمع:ثمار،و جمع الجمع:ثمر،و جمع جمع الجمع:أثمار.

و الذّهب و الفضّة.

و الثّمرة:الشّجرة،و جلدة الرّأس،و من اللّسان:

طرفه،و من السّوط:عقدة أطرافه،و النّسل و الولد.

و ثمر الشّجر و أثمر:صار فيه الثّمر.أو الثّامر:

ص: 533

ما خرج ثمره،و المثمر:ما بلغ أن يجنى.

و الثّمراء:جمع الثّمرة،و شجرة بعينها،و هضبة بشقّ الطّائف ممّا يلي السّراة،و من الشّجر:ما خرج ثمرها،و الأرض الكثيرة الثّمر كالثّمرة.

و ثمر الرّجل:تموّل،و للغنم:جمع لها الشّجر.

و مال ثمر ككتف،و مثمور:كثير،و قوم مثمورون.

و الثّميرة:ما يظهر من الزّبد قبل أن يجتمع،و اللّبن الّذي ظهر زبده،أو الّذي لم يخرج زبده كالثّمير فيهما.

و ثمّر السّقاء تثميرا:ظهر عليه تحبّب الزّبد كأثمر، و النّبات:نفض نوره و عقّد ثمره،و الرّجل ماله:نمّاه و كثّره.و أثمر:كثر ماله.

و الثّامر:اللّوبياء،و نور الحمّاض.

و ابن ثمير:اللّيل المقمر.

و ثمر:واد،و بالتّحريك:بلدة باليمن.

و ما نفسي لك بثمرة كفرحة،أي مالك في نفسي حلاوة.(1:397)

الطّريحيّ: الثّمر بالتّحريك:الرّطب ما دام في رأس النّخل،فإذا قطع فهو الرّطب.و يقع على كلّ الثّمار أكلت أو لم تؤكل،كثمرة الأراك و العوسج.واحده:ثمرة، و يغلب على ثمر النّخل.

و قوله عليه السّلام:«أمّك أعطتك من ثمرة قلبها»هو على الاستعارة.[إلى أن قال:]

و استثمار المال:استنماؤه،و منه الحديث:«استثمار المال تمام المروّة».و لعلّه يريد الصّدقة منه،فإنّ المال ينمو بسببها،أو استنماؤه بإنفاقه بالمعروف.(3:237)

مجمع اللّغة :الثّمر:هو حمل الشّجر،اسم جنس واحدته:ثمرة،و تجمع ثمرة:على ثمار و ثمرات.

يقال:أثمر الشّجر،إذا طلع ثمره.

و قد يكنّى بالثّمر و الثّمرات عن المال المستفاد.

(1:173)

المصطفويّ: إنّ الثّمر عبارة عن كلّ ما يتحصّل و يتولّد من شيء،سواء كان ممّا يتطعّم أم لا،و سواء كان مطلوبا أو غير مطلوب،حلوا أو مرّا،ففي كلّ شيء بحسبه.و قد أطلق في الأنعام:99 و 141،على ثمر كلّ من النّخل و الزّرع و الزّيتون و الرّمّان،و سائر النّبات، و كذا في آيات أخر.

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ النّحل:69،أي من كلّ ما يتولّد من نبات، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ البقرة:22،أي من ثمرات الشّجر و الزّرع، وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ البقرة:

155،ثمرات من كلّ نبات.هذا في المحسوسات،و كذلك في الثّمرات المعنويّة المعقولة.(2:28)

النّصوص التّفسيريّة

ثمر

وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً. الكهف:34

ابن عبّاس: يعني أنواع المال.(الطّبريّ 15:245)

معناه:و كان للرّجل ثمر ملكه من غير جنّتيه،كما يملك النّاس ثمارا لا يملكون أصلها.(الطّبرسيّ 3:468)

كان له معهما جميع الأموال.

ص: 534

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 3:468)

مجاهد :ما كان في القرآن من«ثمر»بالضّمّ،فهو مال و ما كان من«ثمر»مفتوح فهو من الثّمار.

(الفرّاء 2:144)

ذهب و فضّة.(الطّبريّ 15:245)

قتادة :من كلّ المال.(الطّبريّ 15:245)

ابن زيد :الثّمر:الأصل.(الطّبريّ 15:246)

أبو عبيدة :(كان له ثمر)و هو جماعة الثّمر.

(1:402)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و العراق (و كان له ثمر) بضمّ الثّاء و الميم.

و اختلف قارءو ذلك كذلك،فقال بعضهم:كان له ذهب و فضّة،و قالوا:ذلك هو الثّمر،لأنّها أموال مثمرة،يعني مكثّرة.

و قال آخرون:بل عني به:المال الكثير من صنوف الأموال.

قرأها ابن عبّاس: (و كان له ثمر) بالضّمّ.

و قال آخرون:بل عني به الأصل.[و نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و كأنّ الّذين وجّهوا معناها إلى أنواع من المال، أرادوا أنّها جمع ثمار جمع ثمر،كما يجمع الكتاب كتبا و الحمار حمرا.

و قد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة(ثمر) بضمّ الثّاء و سكون الميم،و هو يريد الضّمّ فيها،غير أنّه سكّنها طلب التّخفيف.

و قد يحتمل أن يكون أراد بها جمع«ثمرة»كما تجمع الخشبة خشبا.

و قرأ ذلك بعض المدنيّين: (و كان له ثمر) بفتح الثّاء و الميم،بمعنى جمع الثّمرة،كما تجمع الخشبة خشبا، و القصبة قصبا.

و أولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب:قراءة من قرأ (و كان له ثمر) بضمّ الثّاء و الميم،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه،و إن كانت جمع ثمار،كما[أنّ]الكتب جمع كتاب.(15:245)

نحوه أبو زرعة(416)،و الطّوسيّ(7:41)، و الميبديّ(5:690).

الزّجّاج: و قرئت(ثمر).و قيل:الثّمر:ما أخرجته الشّجر،و الثّمر:المال،يقال:قد ثمّر فلان مالا.

و الثّمر هاهنا أحسن،لأنّ قوله: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها الكهف:33،قد دلّ على الثّمر،و تجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة و ثمار (1)و ثمر.(3:285)

نحوه الأزهريّ.(15:85)

النّحّاس: و يقرأ(ثمر)فالثّمر معروف.و في الثّمر قولان:

أ-[أحدهما قول مجاهد و قد تقدّم عن الفرّاء]

ب-و قال أبو عمران الجوني:الثّمر:أنواع المال، و الثّمر:الثّمرات.

ج-و قال أبو يزيد المدنيّ: الثّمر:الأصل،و الثّمر:

الثّمرة.ر.

ص: 535


1- ذكر محقّق كتاب النّحّاس(4:240)قوله:ثمار جمع ثمر.

و كأنّه يريد بالأصل الشّجر،و ما أشبهها.

و هذه الثّلاثة الأقوال ترجع إلى معنى واحد،و هو أنّ الثّمر:المال.

و القول الآخر:أبان بن تغلب عن الأعمش:أنّ الحجّاج قال:«لو سمعت أحدا يقول:(و كان له ثمر) لقطعت لسانه.فقلت للأعمش:أ تأخذ بذلك؟قال:لا، و لا نعمة عين.فكان يقرأ(ثمر)و يأخذه من جمع الثّمر».

فالتّقدير على هذا القول،أنّه جمع ثمرة على ثمار،ثمّ جمع ثمارا على ثمر،و هو حسن في العربيّة،إلاّ أنّ القول الأوّل أشبه-و اللّه أعلم-لأنّ قوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها الكهف:33،يدلّ على أنّ له ثمرا.

(4:239)

الماورديّ: قرأ عاصم بفتح الثّاء و الميم،و قرأ أبو عمرو بضمّ الثّاء و إسكان الميم،و قرأ الباقون(ثمر) بضمّ الثّاء و الميم.

و في اختلاف هاتين القراءتين بالضّمّ و الفتح قولان:

أحدهما:معناهما واحد،فعلى هذا فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:أنّه الذّهب و الفضّة،قاله قتادة،لأنّها أموال مثمرة.

الثّاني:أنّه المال الكثير من صنوف المال،قاله ابن عبّاس لأنّ تثميره أكثر.

الثّالث:أنّه الأصل الّذي له نماء،قاله ابن زيد،لأنّ في النّماء تثميرا.

و القول الثّاني:أنّ معناهما بالضّمّ و بالفتح مختلف، فعلى هذا في الفرق بينهما،أربعة أوجه:

أحدها:أنّه بالفتح جمع ثمرة،و بالضّمّ،جمع ثمار.

الثّاني:أنّه بالفتح ثمار النّخيل خاصّة،و بالضّمّ جميع الأموال،قاله ابن بحر.

الثّالث:أنّه بالفتح ما كان ثماره من أصله،و بالضّمّ ما كان ثماره من غيره.

الرّابع:أنّ الثّمر بالضّمّ الأصل،و بالفتح الفرع، قاله ابن زيد.

و في هذا الثّمر المذكور قولان:

أحدهما:أنّه ثمر الجنّتين المتقدّم ذكرهما،و هو قول الجمهور.

الثّاني:أنّه ثمر ملكه من غير جنّتيه،و أصله كان لغيره كما يملك النّاس ثمارا لا يملكون أصولها،قاله ابن عبّاس،ليجتمع في ملكه ثمار أمواله و ثمار غير أمواله، فيكون أعمّ ملكا.(3:306)

الزّمخشريّ: أي أنواع من المال،من ثمّر ماله إذا كثّره.

و عن مجاهد: «الذّهب و الفضّة»،أي كانت له إلى الجنّتين الموصوفتين الأموال الدّثرة من الذّهب و الفضّة و غيرهما،و كان وافر اليسار من كلّ وجه،متمكّنا من عمارة الأرض كيف شاء.(2:484)

ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و ابن عبّاس و مجاهد و جماعة قرّاء المدينة و مكّة(ثمر)و(بثمره)بضمّ الثّاء و الميم،جمع ثمار.و قرأ أبو عمرو و الأعمش و أبو رجا بسكون الميم فيهما تخفيفا و هي في المعنى كالأولى،و يتّجه أن يكون جمع ثمرة، كبدنة و بدن،و قرأ عاصم (ثمر) و (بثمره) بفتح الميم و الثّاء

ص: 536

فيهما،و هي قراءة أبي جعفر و الحسن و جابر بن زيد و الحجّاج.

و اختلف المتأوّلون في«الثّمر»بضمّ الثّاء و الميم، فقال ابن عبّاس و قتادة:«الثّمر»جميع المال من الذّهب و الفضّة و الحيوان و غير ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال مجاهد: يراد بها الذّهب و الفضّة خاصّة،و قال ابن زيد:(الثّمر)هي الأصول فيها الثّمر كأنّها ثمار و ثمر ككتاب و كتب.

و أمّا من قرأ بفتح الثّاء و الميم،فلا إشكال في أنّ المعنى:ما في رءوس الشّجر من الأكل،و لكن فصاحة الكلام تقتضي أن يعبّر إيجازا عن هلاك الثّمر و الأصول،بهلاك الثّمر فقط،فخصّصها بالذّكر؛إذ هي مقصود المستغلّ.

و إذ هلاك الأصول إنّما يسوء منه هلاك الثّمر الّذي كان يرجى في المستقبل،كما يقتضي قوله:«إنّ له ثمرا» إنّ له أصولا،كذلك تقتضي الإحاطة المطلقة بالثّمر،إنّ الأصول قد هلكت،و في مصحف أبيّ (و اتيناه ثمرا كثيرا) .

و قرأ أبو رجاء (و كان له ثمر) بفتح الثّاء و سكون الميم.(3:516)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:125)،و النّيسابوريّ (15:132)،و أبو حيّان(6:125).

البروسويّ: أنواع من المال غير الجنّتين من ثمر ماله الّذي ذكر.و قال الشّيخ في تفسيره:بفتحتين جمع ثمرة،و هي المجنيّ من الفاكهة.و ذكرها-و إن كانت الجنّة لا تخلو عنها-إيذان بكثرة الحاصل له في الجنّتين،من الثّمار و غيرها.(5:245)

نحوه القاسميّ.(11:4057)

الآلوسيّ: (ثمر):أنواع المال،كما في القاموس و غيره.و يقال:ثمر،إذا تموّل،و حمله على حمل الشّجر -كما فعل أبو حيّان و غيره-غير مناسب للنّظم.[ثمّ نقل القراءات كما تقدّم عن ابن عطيّة](15:274)

عزّة دروزة :الثّمر هنا بمعنى كثرة المال الّذي أثمر على صاحبه.(6:21)

الطّباطبائيّ: الضّمير للرّجل،و الثّمر:أنواع المال،كما في الصّحاح و عن القاموس،و قيل:الضّمير للنّخل و الثّمر ثمره،و قيل:المراد كان للرّجل ثمر ملكه من غير جنّته.و أوّل الوجوه أوجهها ثمّ الثّاني.

و يمكن أن يكون المراد من إيتاء الجنّتين أكلها من غير ظلم:بلوغ أشجارهما في الرّشد مبلغ الإثمار و أوانه.

و من قوله: وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ وجود الثّمر على أشجارها بالفعل كما في الصّيف،و هو وجه خال عن التّكلّف.

(13:309)

ثمره

1- ...اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. الأنعام:99

مجاهد :الثّمر:هو المال،و الثّمر:ثمر النّخل.

(الطّبريّ 7:295)

ابن قتيبة : اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ و هو غضّ.(157)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة،و بعض أهل البصرة: اُنْظُرُوا

ص: 537

إِلى ثَمَرِهِ بفتح الثّاء و الميم،و قرأه بعض قرّاء أهل مكّة و عامّة قرّاء الكوفيّين(الى ثمره)بضمّ الثّاء و الميم.

فكأنّ من فتح الثّاء و الميم من ذلك وجّه معنى الكلام:انظروا إلى ثمر هذه الأشجار الّتي سمّينا من النّخل و الأعناب و الزّيتون و الرّمّان إذا أثمر،و إنّ الثّمر:جمع ثمرة،كما القصب جمع قصبة،و الخشب جمع خشبة.

و كأنّ من ضمّ الثّاء و الميم،وجّه ذلك إلى أنّه جمع ثمار،كما الحمر جمع حمار،و الجرب جمع جراب.[إلى أن قال:]

الأعمش،عن يحيى بن وثّاب،أنّه كان يقرأ (إلى ثمره) يقول:هو أصناف المال.

و أولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب:قراءة من قرأ (انظروا الى ثمره) بضمّ الثّاء و الميم،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه وصف أصنافا من المال،كما قال يحيى بن وثّاب.

و كذلك حبّ الزّرع المتراكب،و قنوان النّخل الدّانية، و الجنّات من الأعناب و الزّيتون و الرّمّان،فكان ذلك أنواعا من الثّمر،فجمعت الثّمرة ثمرا،ثمّ جمع الثّمر ثمارا،ثمّ جمع ذلك فقيل:(انظروا الى ثمره)فكان ذلك جمع الثّمار،و الثّمار:جمع الثّمرة؛و إثماره:عقد الثّمر.(7:294)

نحوه الزّجّاج(2:276)،و أبو زرعة(264)، و القيسيّ(1:281)،و الماورديّ(2:150)،و الميبديّ (3:436)،و ابن عطيّة(2:328)،و العكبريّ(1:525).

الزّمخشريّ: إذا أخرج ثمره،كيف يخرجه ضئيلا ضعيفا،لا يكاد ينتفع به.(2:40)

نحوه النّسفيّ(2:26)،و أبو السّعود(2:421)، و البروسويّ(3:74)،و الآلوسيّ(7:24).

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

قوله: اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ أمر بالنّظر في حال الثّمر في أوّل حدوثها.(13:111)

أبو حيّان :نبّه على حالين:الابتداء و هو وقت ابتداء الأثمار،و الانتهاء و هو وقت نضجه،أي كيف يخرجه ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به،و كيف يعود نضيجا مشتملا على منافع.

و نبّه على هاتين الحالتين و إن كان بينهما أحوال يقع بها الاعتبار و الاستبصار،لأنّهما أغرب في الوقوع، و أظهر في الاستدلال.(4:191)

مكارم الشّيرازيّ: تركّز الآية على ثمرة الشّجرة، و على تركيب ثمرة الشّجرة إذا أثمرت،و كذلك على نضج الثّمرة إذا نضجت.ففيها دلائل واضحة على قدرة اللّه و حكمته للمؤمنين من النّاس: اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ الآية.

ما نقرؤه اليوم في علم النّبات عن كيفيّة طلوع الثّمرة و نضجها يكشف لنا عن الأهمّيّة الخاصّة الّتي يوليها القرآن للأثمار؛إذ إنّ ظهور الثّمرة في عالم النّبات أشبه بولادة الأبناء في عالم الحيوان،فنطفة الذّكر في النّبات تخرج من أكياس خاصّة بطرق مختلفة-كالرّياح أو الحيوانات-و تحطّ على القسم الأنثويّ في النّبات، و بعد التّلقيح و التّركيب تتشكّل البيضة الملقّحة الأولى.

و تحيط بها موادّ غذائيّة مشابهة لتركيبها،إنّ هذه الموادّ الغذائيّة تختلف من حيث التّركيب،و كذلك من حيث الطّعم و الخواصّ الغذائيّة و الطّبّيّة.فقد تكون ثمرة-مثل

ص: 538

العنب و الرّمّان-فيها مئات من الحبّ،كلّ حبّة منها تعتبر جنينا لشجرة أخرى،و لها تركيب معقّد عجيب.

إنّ شرح بنية الأثمار و الموادّ الغذائيّة و الطّبّيّة خارج عن نطاق هذا البحث،و لكن من الحسن أن نضرب مثلا بثمرة الرّمّان الّتي أشار إليها القرآن على وجه الخصوص في هذه الآية.

إذا شققنا رمّانة و أخذنا إحدى حبّاتها و نظرنا خلالها باتّجاه الشّمس أو مصدر ضوء آخر نجدها تتألّف من أقسام أصغر،و كأنّها قوارير صغيرة مملوءة بماء الرّمّان، قد رصفت الواحدة إلى جنب الأخرى،في حبّة الرّمّان الواحدة قد تكون المئات من هذه القوارير الصّغيرة جدّا، يجمع أطرافها غشاء رقيق هو غشاء حبّة الرّمّان الشّفّاف نفسه،ثمّ لكي يكون هذا التّغليف أكمل و أمتن و أبعد عن الخطر،ركّب عدد من الحبّات على قاعدة في نظام معيّن، و لفّت في غلاف أبيض سميك بعض الشّيء،و بعد ذلك يأتي القشر السّميك جدّا يلفّ الجميع ليحول دون نفوذ الهواء و الجراثيم،و لمقاومة الضّربات،و لتقليل تبخّر ماء الرّمّان في الحبّات إلى أقلّ حدّ ممكن.

إنّ هذا التّرتيب في التّغليف لا يقتصر على الرّمّان، فهناك فواكه أخرى،مثل البرتقال و اللّيمون،لها تغليف مماثل،أمّا في الأعناب و الرّمّان،فالتّغليف أدقّ و ألطف.

و لعلّ الإنسان حذا حذو هذا التّغليف عند ما أراد نقل السّوائل من مكان إلى مكان،فهو يصفّ القناني الصّغيرة في علبة و يضع بينها مادّة ليّنة،ثمّ يضع العلب الصّغيرة في علب أكبر،و يحمل مجموعها إلى حيث يريد.

و أعجب من ذلك استقرار حبّات الرّمّان على قواعدها الدّاخليّة،و أخذ كلّ منها حصّتها من الماء و الغذاء،و هذا كلّه ممّا نراه بالعين.و لو وضعنا ذرّات هذه الثّمرة تحت المجهر لرأينا عالما صاخبا،و تراكيب عجيبة مدهشة محسوبة بأدقّ حساب.

فكيف يمكن لعين باحثة عن الحقيقة أن تنظر إلى هذه الثّمرة،ثمّ تقول:صانعها لا يملك علما و لا معرفة!!.

إنّ القرآن إذ يقول:انظروا:إنّما يريد هذه النّظرة الدّقيقة إلى هذا القسم من الثّمرة للوصول إلى هذه الحقائق.

هذا من جهة،و من جهة أخرى فإنّ المراحل المتعدّدة الّتي تمرّ بها الثّمرة منذ فجاجتها حتّى نضجها تثير الانتباه،لأنّ«المختبرات»الدّاخليّة في الثّمرة لا تنفكّ عن العمل في تغيير تركيبها الكيمياويّ،إلى أن تصل إلى المرحلة النّهائيّة و يثبت تركيبها الكيمياويّ النّهائيّ،أنّ كلّ مرحلة من هذه المراحل دليل على عظمة الخالق و قدرته.

و لكن لا بدّ من القول-بحسب تعبير القرآن-إنّ الّذين يبحثون عن الحقيقة و يرونها،هم الّذين يمعنون النّظر في هذه الأمور،و إلاّ فعين العناد و المكابرة و الإهمال و التّساهل،لا يمكن أن ترى هذه الحقائق.

(4:374)

2- كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ... الأنعام:141

ابن كعب القرظيّ: من رطبه و عنبه.

(الطّبريّ 8:53)

أبو عبيدة :جميع ثمرة،و من قرأها:من (ثمره)

ص: 539

فضمّها،فإنّه يجعلها جميع ثمر.(1:207)

الطّبريّ: كلوا من رطبه ما كان رطبا ثمره.

(8:53)

الميبديّ: حين يكون غضّا.هذه رخصة للمالك أن يأكل عند إدراكه قبل إخراج حقّ اللّه منه.

(3:507)

الزّمخشريّ: قرئ(ثمره)بضمّتين.فإن قلت:

ما فائدة قوله: إِذا أَثْمَرَ و قد علم أنّه إذا لم يثمر لم يؤكل منه؟

قلت:لمّا أبيح لهم الأكل من ثمره قيل: إِذا أَثْمَرَ ليعلم أنّ أوّل وقت الإباحة وقت إطلاع الشّجر،الثّمر، لئلاّ يتوهّم أنّه لا يباح إلاّ إذا أدرك و أينع.(2:56)

نحوه الرّازيّ(مسائل الرّازيّ:89)،و رشيد رضا (8:136).

أبو حيّان :و تقدّم النّظر-و هو الفكر-على الأكل لهذا السّبب،و هذا أمر بإباحة الأكل.و قيّده بقوله: إِذا أَثْمَرَ و إن كان من المعلوم أنّه إذا لم يثمر فلا أكل،تنبيها على أنّه لا ينتظر به محلّ إدراكه و استوائه بل متى أمكن الأكل منه فعل.(4:237)

أبو السّعود :أي من ثمر كلّ واحد من ذلك إِذا أَثْمَرَ و إن لم يدرك و لم يينع بعد.و قيل:فائدته رخصة المالك في الأكل منه،قبل أداء حقّ اللّه تعالى.

(2:141)

نحوه البروسويّ(3:112)،و الآلوسيّ(8:38).

المراغيّ: و فائدة قوله: إِذا أَثْمَرَ بيان أنّ أوّل وقت لإباحة الأكل هو وقت الإثمار،و ليس بلازم أن يدرك و يينع،فالكرم ينتفع بثمره حصرما فعنبا فزبيبا، و النّخل يؤكل ثمره بسرا فرطبا فتمرا،و القمح يطحن و يؤكل خبزا أو يطبخ أو يعمل حلوى على أشكال شتّى.

(8:52)

عبد الكريم الخطيب :و في القيد الوارد على الأكل من الثّمر،بقوله:(اذا اثمر)تقييد للأنظار بهذه الجنّات و تلك الزّروع،و ملاحظة أطوار الحياة الّتي تتنقّل فيها، و أنّها لم تصل إلى هذا الطّور الّذي تحمل فيه الثّمر الّذي يصلح للأكل،إلاّ بعد أن قطعت طريقا طويلا،في نموّها و تطوّرها.

و شأنها شأن الإنسان يكون بذرة في بطن أمّه،ثمّ ينشقّ عنه الرّحم وليدا،فطفلا،فغلاما،فصبيّا،فشابّا، فكهلا،فشيخا.(4:323)

مكارم الشّيرازيّ: ما ذا تعنى جملة إِذا أَثْمَرَ؟ ...

الظّاهر أنّ هذه الجملة تهدف إلى تقرير و بيان أنّ بمجرّد ظهور الثّمار على هذه الأشجار،و ظهور سنابل القمح،و الحبوب في الزّرع يجوز الانتفاع بها،حتّى إذا لم يعط منها حقوق الفقراء بعد،و إنّما يجب إيتاء هذا الحقّ لأهله حين حصاد الزّرع،و قطاف الثّمر.(4:450)

3- لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَ فَلا يَشْكُرُونَ.

يس:35

أبو عبيدة :مجاز هذا مجاز قول العرب يذكرون الاثنين ثمّ يقتصرون على خبر أحدهما،و قد أشركوا ذاك فيه و في القرآن وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ التّوبة:34.[ثمّ استشهد

ص: 540

بشعر](2:161)

الطّوسيّ: أي غرضنا نفعهم بذلك،و انتفاعهم بأكل ثمار تلك الجنّات.(8:457)

الواحديّ: يعني من ثمرة النّخيل،و هو في اللّفظ مذكّر.(3:513)

البغويّ: يعني من الثّمر الحاصل بالماء.(4:13)

الميبديّ: أي ثمر الماء،لأنّ الماء أصل الجميع، و قيل:من ثمر ذلك،قرأ حمزة و الكسائيّ (من ثمره) بضمّتين،و الباقون(ثمره)بفتحتين.(8:225)

الزّمخشريّ: و قرئ (ثمره) بفتحتين و ضمّتين و ضمّة و سكون،و الضّمير للّه تعالى.و المعنى:ليأكلوا ممّا خلقه اللّه من الثّمر(و)من ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ من الغرس و السّقي و الآبار،و غير ذلك من الأعمال،إلى أن بلغ الثّمر منتهاه و إبّان أكله،يعني أنّ الثّمر في نفسه فعل اللّه و خلقه،و فيه آثار من كدّ بني آدم.

و أصله:من ثمرنا،كما قال:(و جعلنا)(و فجّرنا)، فنقل الكلام من التّكلّم إلى الغيبة على طريقة الالتفات.

و يجوز أن يرجع إلى النّخيل،و تترك الأعناب غير مرجوع إليها،لأنّه علم أنّها في حكم النّخيل فيما علق به من أكل ثمره،و يجوز أن يراد من ثمر المذكور،و هو الجنّات.[ثمّ استشهد بشعر]

و لك أن تجعل(ما)نافية على أنّ«الثّمر»خلق اللّه، و لم تعمله أيدي النّاس،و لا يقدرون عليه...

(3:321)

نحوه الشّربينيّ.(3:349)

ابن عطيّة: و الضّمير في(ثمره)قالت فرقة:هو عائد على الماء الّذي يتضمّنه قوله: وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ يس:34،لأنّ التّقدير ماء.و قالت فرقة:هو عائد على جميع ما تقدّم مجملا،كأنّه قال:من ثمر ما ذكرنا.

[ثمّ ذكر قول أبي عبيدة و أضاف:]

و هذا وجه في الآية ضعيف.(4:453)

الطّبرسيّ: أي من ثمر النّخيل،ردّ الضّمير إلى أحد المذكورين،كما قال: وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ التّوبة:34.(4:423)

الفخر الرّازيّ: الضّمير في قوله: مِنْ ثَمَرِهِ عائد إلى أيّ شيء؟

نقول:المشهور أنّه عائد إلى اللّه،أي ليأكلوا من ثمر اللّه.و فيه لطيفة،و هي أنّ الثّمار بعد وجود الأشجار و جريان الأنهار لم توجد إلاّ باللّه تعالى،و لو لا خلق اللّه ذلك لم توجد؛فالثّمر بعد جميع ما يظنّ الظّانّ أنّه سبب وجوده ليس إلاّ باللّه تعالى و إرادته فهي ثمره.

و يحتمل أن يعود إلى النّخيل،و ترك الأعناب لحصول العلم بأنّها في حكم النّخيل،و يحتمل أن يقال:

هو راجع إلى المذكور،أي من ثمر ما ذكرنا،و هذان الوجهان نقلهما الزّمخشريّ.

و يحتمل وجها آخر أغرب و أقرب،و هو أن يقال:

المراد من«الثّمر»الفوائد،يقال:ثمرة التّجارة الرّبح، و يقال:ثمرة العبادة الثّواب،و حينئذ يكون الضّمير عائدا إلى التّفجير المدلول عليه،بقوله: وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ يس:34،تفجيرا ليأكلوا من فوائد ذلك التّفجير.و فوائده أكثر من الثّمار بل يدخل فيه ما قال اللّه تعالى: أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا، إلى أن قال:

ص: 541

فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا عبس:25-31، و التّفجير أقرب في الذّكر من النّخيل،و لو كان عائدا إلى اللّه لقال من ثمرنا،كما قال:(و جعلنا)(و فجّرنا).

(26:67)

نحوه النّيسابوريّ(23:15)،و أبو حيّان(7:335).

القرطبيّ: الهاء في(ثمره)تعود على ماء العيون، لأنّ الثّمر منه اندرج،قاله الجرجانيّ و المهدويّ و غيرهما.

و قيل:أي ليأكلوا من ثمر ما ذكرنا،كما قال: وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ النّحل:

66.(15:25)

البيضاويّ: ثمر ما ذكر،و هو الجنّات.و قيل:

الضّمير للّه تعالى،على طريقة الالتفات و الإضافة إليه، لأنّ الثّمر بخلقه.(2:280)

نحوه أبو السّعود.(4:253)

صدر المتألهين : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ أي ثمر النّخيل،اكتفاء به،لأنّه علم أنّ الأعناب في حكم النّخيل أو ثمر أحد المذكورين،أو الجنّات بالتّأويل المذكور.

و النّكتة في إثبات هذه الغاية فيما نحن بصدده،من تطبيق هذه الآية على أحوال الأرواح الإنسيّة بحسب المعاد،هي أنّه كما أنّ الغرض الأصليّ،من غرس الأشجار و تحصيل الثّمار هو التّقوّت بها و التّرقّي إلى غاية النّشوء الصّوريّ و الأشدّ الظّاهريّ،و كذلك الغرض من تحصيل المعارف و الصّور العلميّة الحاصلة بماء الإضافة الفاعليّة و عين الاستفاضة القابليّة،هو تكميل النّشأة الثّانية الإنسانيّة،و بلوغها إلى غاية فطرتها الرّوحيّة،و أشدّ حقيقتها المعنويّة.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ](5:83)

البروسويّ: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ متعلّق ب(جعلنا)، و تأخيره عن تفجير العيون،لأنّه من مبادئ الإثمار،أي و جعلنا فيها جنّات من نخيل و أعناب،و رتّبنا مبادئ أثمارها ليأكلوا من ثمر ما ذكر من الجنّات و النّخيل، و يواظبوا على الشّكر أداء لحقوقنا،ففيه إجراء الضّمير مجرى اسم الإشارة.(7:394)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و ضمير(ثمره)عائد على المجعول و هو(الجنّات) و لذا أفرد و ذكّر،و لم يقل:من ثمرها أي الجنّات،أو من ثمرهما أي النّخيل و الأعناب،و مثله ما قيل عائد على المذكور،و الضّمير قد يجري مجرى اسم الإشارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:عائد على الماء لدلالة العيون عليه،أو لكون الكلام على حذف مضاف،أي ماء العيون.و قيل:على النّخيل،و اكتفى به للعلم باشتراك الأعناب معه في ذلك.

و قيل:على التّفجير المفهوم من(فجّرنا).

و المراد ب(ثمره):فوائده،كما تقول:ثمرة التّجارة الرّبح،أو هو ظاهره و الإضافة لأدنى ملابسة،و الكلّ كما ترى.

و جوّز أن يكون الضّمير له عزّ و جلّ،و إضافة «الثّمر»إليه تعالى،لأنّه سبحانه خالقه،فكأنّه قيل:

ليأكلوا ممّا خلقه اللّه تعالى من الثّمر.و كان الظّاهر:من

ص: 542

ثمرنا،لضمير العظمة على قياس ما تقدّم،إلاّ أنّه التفت من التّكلّم إلى الغيبة،لأنّ الأكل و التّعيّش ممّا يشغل عن اللّه تعالى،فيناسب الغيبة؛فالالتفات في موقعه.

و زعم بعضهم أنّ هذا ليس من مظانّه،لأنّه أولى بضمير الواحد المطاع،لأنّه المقصود بالإحياء و الجعل و التّفجير،و قد أسندت إليه.

و ردّ بأنّ ما سبق أفخم،لأنّها أفعال عامّة النّفع، ظاهرة في كمال القدرة؛و الثّمر أحطّ مرتبة من الحبّ، و لذا لم يورد على سبيل الاختصاص،فلا يستحقّ ذلك التّفخيم،كيف و قد جعل بعضهم الثّمر خلق اللّه تعالى و كماله بفعل الآدميّ،و بما تقدّم يستغنى عمّا ذكر.

(23:7)

الطّباطبائيّ: مِنْ ثَمَرِهِ قيل:الضّمير للمجعول من(الجنّات)و لذا أفرد و ذكّر و لم يقل:من ثمرها،أي من ثمر الجنّات،أو من ثمرهما،أي من ثمر النّخيل و الأعناب.

و قيل:الضّمير للمذكور،و قد يجري الضّمير مجرى اسم الإشارة.[إلى أن قال:]

و في مرجع ضمير مِنْ ثَمَرِهِ أقوال أخر رديئة، كقول بعضهم:إنّ الضّمير للنّخيل فقط.و قول آخر:إنّه للماء لدلالة العيون عليه،أو بحذف مضاف و التّقدير:ماء العيون.و قول آخر:إنّ الضّمير للتّفجير المفهوم من (فجّرنا)،و المراد بالثّمر على هذين الوجهين:الفائدة.

و قول آخر:إنّ الضّمير له تعالى،و إضافته إليه،لأنّه خلقه و ملكه.(17:86)

عبد الكريم الخطيب :و الضّمير في(ثمره)يعود إلى النّخيل،لأنّه المقدّم رتبة على العنب،و هو أكثر أنواعا و ألوانا منه،فلا يعدو أن يكون العنب لونا من ألوان الثّمر.(12:930)

مكارم الشّيرازيّ: نعم،ثمار على شكل غذاء كامل،تظهر على أغصان أشجارها،قابل للأكل بمجرّد جنيها من أغصانها،و لا تحتاج إلى طبخ أو أيّة تغييرات أخرى؛ذلك إشارة إلى غاية لطف اللّه بهذا الإنسان و كرمه.

حتّى أنّ ذلك الطّعام الجاهز اللّذيذ يمكن تجميعه و تعليبه،لكي يحفظ لمدّة طويلة،بدون أن ينقص من قيمته الغذائيّة شيء،على خلاف الأغذية الّتي يصنعها الإنسان من الموادّ الطّبيعيّة الّتي أعطاها اللّه له،فهي غالبا ما تكون سريعة التّلف و الفساد.

و يوجد تفسير آخر أيضا لمعنى الآية،و هو جدير بالنّظر:و ذلك أنّ القرآن الكريم يريد الإشارة إلى الفواكه الّتي يمكن الاستفادة منها،دون إدخال تغيير عليها، و كذلك إلى أنواع الأغذية المختلفة الّتي يمكن الحصول عليها من تلك الفواكه،بالقيام ببعض الأمور.

في التّفسير الأوّل تكون(ما)في الجملة نافية،بينما في التّفسير الثّاني تكون موصولة.

و على كلّ حال،فالهدف هو تحريك حسّ تشخيص الحقّ،و الشّكر في الإنسان،لكي يضعوا أقدامهم على أوّل طريق معرفة اللّه عن طريق الشّكر،لأنّ شكر المنعم أوّل قدم في طريق معرفته.(14:164)

ص: 543

ثمرة

وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ... البقرة:25

الماورديّ: أي ثمار شجرها.(1:86)

الطّوسيّ: (من)زائدة،و المعنى:كلّما رزقوا ثمرة، و(منها)يعني من الجنّات،و المعنى:أشجارها، و تقديرها:كلّما رزقوا من أشجار البساتين الّتي أعدّها اللّه للمؤمنين.

و قال الرّمّانيّ: هي بمعنى التّبعيض،لأنّهم يرزقون بعض الثّمرات في كلّ وقت.و يجوز أن تكون بمعنى تبيين الصّفة،و هو أن يبيّن الرّزق من أيّ جنس هو.

(1:108)

الواحديّ: (من)صلة أيّ ثمرة.و يجوز أن تكون للتّبعيض،لأنّهم إنّما يرزقون بعض ثمار الجنّة.

(1:104)

الميبديّ: (من)للتّبيين،و قيل:للتّبعيض.

(1:109)

الزّمخشريّ: إن قلت:ما موقع مِنْ ثَمَرِهِ ؟

قلت:هو كقولك:كلّما أكلت من بستانك من الرّمّان شيئا حمدتك،فموقع مِنْ ثَمَرِهِ موقع قولك:من الرّمّان،كأنّه قيل:كلّما رزقوا من الجنّات من أيّ ثمرة كانت من تفّاحها أو رمّانها أو عنبها أو غير ذلك رزقا قالوا ذلك.

ف(من)الأولى و الثّانية كلتاهما لابتداء الغاية،لأنّ الرّزق قد ابتدئ من الجنّات،و الرّزق من الجنّات قد ابتدئ من ثمرة،و تنزيله تنزيل أن تقول:رزقني فلان، فيقال لك:من أين؟فتقول:من بستانه،فيقال:من أيّ ثمرة رزقك من بستانه؟فتقول:من رمّان.

و تحريره أنّ(رزقوا)جعل مطلقا مبتدأ من ضمير الجنّات،ثمّ جعل مقيّدا بالابتداء من ضمير الجنّات مبتدأ مِنْ ثَمَرِهِ، و ليس المراد بالثّمرة:التّفّاحة الواحدة أو الرّمّانة الفذّة على هذا التّفسير،و إنّما المراد النّوع من أنواع الثّمار.

و وجه آخر،و هو أن يكون مِنْ ثَمَرِهِ بيانا على منهاج قولك:رأيت منك أسدا،تريد أنت أسد،و على هذا يصحّ أن يراد بالثّمرة:النّوع من الثّمار،و الجنّات:

الواحدة.(1:259)

نحوه الفخر الرّازيّ(2:129)،و النّيسابوريّ(1:

211).

أبو حيّان :(من)في قوله:(منها)هي لابتداء الغاية،و في مِنْ ثَمَرِهِ كذلك،لأنّه بدل من قوله:

(منها)أعيد معه حرف،كقوله تعالى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها الحجّ:22،على أحد الاحتمالين،و كلتاهما تتعلّق ب(رزقوا)على جهة البدل كما ذكرنا،لأنّ الفعل لا يقتضي حرفي جرّ في معنى واحد إلاّ بالعطف،أو على طريقة البدل،و هذا البدل هو بدل الاشتمال.

و قد طوّل الزّمخشريّ في إعراب قوله: مِنْ ثَمَرِهِ، و لم يفصح بالبدل،لكن تمثيله يدلّ على أنّه مراده، و أجاز«أن يكون مِنْ ثَمَرِهِ بيانا على منهاج قولك:

رأيت منك أسدا،تريد:أنت أسد».انتهى كلامه.

ص: 544

و كون(من)للبيان،ليس مذهب المحقّقين من أهل العربيّة بل تأوّلوا ما استدلّ به من أثبت ذلك.و لو فرضنا مجيء(من)للبيان لما صحّ تقديرها للبيان هنا،لأنّ القائلين بأنّ(من)للبيان قدّروها بمضمر،و جعلوه صدرا لموصول صفة إن كان قبلها معرفة،نحو فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الحجّ:30،أي الرّجس الّذي هو الأوثان.و إن كان قبلها نكرة فهو يعود على تلك النّكرة، نحو:من يضرب من رجل،أي هو رجل.

و(من)هذه ليس قبلها ما يصلح أن يكون بيانا له لا نكرة و لا معرفة،إلاّ أن كان يتمحّل لذلك أنّها بيان لما بعدها،و أنّ التّقدير:«كلّما رزقوا منها رزقا من ثمرة» فتكون(من)مبيّنة ل(رزقا)أي رزقا هو ثمرة،فيكون في الكلام تقديم و تأخير،فهذا ينبغي أن ينزّه كتاب اللّه عن مثله.

و أمّا:«رأيت منك أسدا»ف«من»لابتداء الغاية أو للغاية ابتداء و انتهاء،نحو أخذته منك.و لا يراد ب(ثمرة):

الشّخص الواحد من التّفّاح أو الرّمّان أو غير ذلك،بل المراد-و اللّه أعلم-النّوع من أنواع الثّمار،قال الزّمخشريّ:«و على هذا،أي على تقدير أن تكون(من) بيانا،يصحّ أن يراد بالثّمرة:النّوع من الثّمار، و الجنّات:الواحدة».

و قد اخترنا أنّ(من)لا تكون بيانا،فلا نختار ما ابتنى عليه،مع أنّ قوله:«و الجنّات:الواحدة»مشكل يحتاج فهمه إلى تأمّل.(1:114)

البروسويّ: ليس المراد بالثّمرة:التّفّاحة الواحدة أو الرّمّانة الفذّة،و إنّما المراد:نوع من أنواع الثّمار.

و(من)الأولى و الثّانية كلتاهما لابتداء الغاية،لأنّ الرّزق قد ابتدئ من الجنّات،و الرّزق من الجنّات قد ابتدئ من ثمرة.(1:83)

الآلوسيّ: جمع سبحانه بين(منها)و(من ثمرة)،و لم يقل:(من ثمرها)بدل ذلك،لأنّ تعلّق(منها)يفيد أنّ سكّانها لا تحتاج لغيرها،لأنّ فيها كلّ ما تشتهي الأنفس.

و تعلّق(من ثمرة)يفيد أنّ المراد بيان المأكول،على وجه يشمل جميع الثّمرات،دون بقيّة اللّذّات المعلومة من السّابق و اللاّحق،و هذا إشارة إلى نوع ما رزقوا،و يكفي إحساس أفراده،و هذا كقولك مشيرا إلى نهر جار:«هذا الماء لا ينقطع»أو إلى شخصه.(1:203)

ثمرات

1- وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً... النّحل:67

الزّمخشريّ: إن قلت:بم تعلّق قوله: وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ؟

قلت:بمحذوف تقديره:و نسقيكم من ثمرات النّخيل و الأعناب؛أي من عصيرها،و حذف لدلالة (نسقيكم)قبله عليه.(2:416)

مثله الفخر الرّازيّ.(20:68)

ابن عطيّة: يجوز أن يكون قوله: وَ مِنْ ثَمَراتِ عطفا على(الانعام)النّحل:66،أي و لكم من ثمرات النّخيل و الأنعام عبرة و يجوز أن يكون عطفا على(ممّا) النّحل:66،أي و نسقيكم أيضا مشروبات من ثمرات.

(3:405)

ص: 545

مثله القرطبيّ.(10:138)

أبو حيّان :و الظّاهر تعلّق مِنْ ثَمَراتِ ب(تتّخذون)و كرّرت(من)للتّأكيد،و كان الضّمير مفردا راعيا لمحذوف،أي و من عصير ثمرات،أو على معنى الثّمرات و هو الثّمر،أو بتقدير(من)المذكور[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و هذا الّذي أجازه قاله الحوفيّ،قال:أي و إنّ من ثمرات و إن شئت شيء بالرّفع بالابتداء،(و من ثمرات) خبره.(5:510)

2- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السّاعَةِ وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى... فصّلت:47

الطّبريّ: [حكى قراءة قرّاء المدينة (من ثمرات) و قرّاء الكوفة(من ثمرة)ثمّ قال:]

و بأيّ القراءتين قرئ ذلك فهو عندنا صواب، لتقارب معنييهما مع شهرتهما في القراءة.(25:1)

نحوه الطّوسيّ.(9:134)

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن عامر و حفص: مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها بالألف على الجمع،و حجّتهم أنّها مكتوبة في المصاحف بالتّاء.و أخرى:و هي أنّه ليس يراد ثمرة دون ثمرة،و إنّما يراد جمع الثّمرات.و يقوّي الجمع قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فاطر:27.

و قرأ الباقون: (من ثمرة من اكمامها) على واحدة، لأنّ«الثّمرة»تؤدّي عن الثّمار،لأنّها الجنس.

و حجّتهم:قوله: وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى فاطر:11، قالوا:كما أفرد أنثى كذلك ينبغي أن يكون (من ثمرة) مفردة،و يكون المراد:أجناس الثّمار.

و كذلك وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى ليس بواحدة،إنّما هو أجناس الإناث،و يقوّي الإفراد أيضا قوله: مِنْ أَكْمامِها. قال أبو عمرو:و لو كانت(من ثمرات) لكانت من أكمامهنّ.(637)

البروسويّ: (من)مزيدة للتّنصيص على الاستغراق،فإنّه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس و نفي الوحدة.(8:275)

الثّمرات

1- وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ... البقرة:22

الطّبريّ: يعني بذلك أنّه أنزل من السّماء مطرا، فأخرج بذلك المطر ممّا أنبتوه في الأرض،من زرعهم و غرسهم ثمرات رزقا لهم،غذاء و أقواتا.(1:162)

نحوه الطّوسيّ.(1:101)

الواحديّ: (الثّمرات):جمع ثمرة،و هي حمل الشّجرة في الأصل،ثمّ صارت اسما لكلّ ما ينتفع به،ممّا هو زيادة على أصل المال،يقال:ثمّر اللّه ماله،و عقل مثمر،إذا كان يهدي صاحبه إلى رشد.و الثّمرة تستعمل فيما ينتفع به و يستمتع ممّا هو فرع الأصل.قال المفسّرون:أراد ب(الثّمرات)جميع ما ينتفع به،ممّا يخرج من الأرض.(1:98)

الزّمخشريّ: (من)في مِنَ الثَّمَراتِ للتّبعيض،بشهادة قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ

ص: 546

اَلثَّمَراتِ الأعراف:57،و قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ فاطر:27،و لأنّ المنكرين،أعني(ماء) و(رزقا)يكتنفانه،و قد قصد بتنكيرهما معنى البعضيّة، فكأنّه قيل:و أنزلنا من السّماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثّمرات ليكون بعض رزقكم.

و هذا هو المطابق لصحّة المعنى،لأنّه لم ينزل من السّماء الماء كلّه،و لا أخرج بالمطر جميع الثّمرات و لا جعل الرّزق كلّه في الثّمرات.و يجوز أن تكون للبيان،كقولك:أنفقت من الدّراهم ألفا.

فإن قلت:فالثّمر المخرج بماء السّماء كثير جمّ، فلم قيل:الثّمرات دون الثّمر و الثّمار؟

قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أن يقصد ب(الثّمرات)جماعة الثّمرة الّتي في قولك:فلان أدركت ثمرة بستانه،تريد:ثماره،و نظيره قولهم:كلمة«الحويدرة»لقصيدة،و قولهم للقرية:

«المدرة»و إنّما هي مدر متلاحق.

و الثّاني:أنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعيّة،كقوله: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ الدّخان:25،و ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228،و يعضد الوجه الأوّل قراءة محمّد بن السّميقع(من الثّمرة)على التّوحيد.(1:234)

نحوه الفخر الرّازيّ(2:111)،و البيضاويّ(1:

33)،و النّيسابوريّ(1:197)،و الشّربينيّ(1:33)، و أبو السّعود(1:84).

أبو حيّان :(من الثّمرات)من للتّبعيض،و الألف و اللاّم في(الثّمرات)لتعريف الجنس،و جمع لاختلاف أنواعه،و لا ضرورة تدعو إلى ارتكاب أنّ(الثّمرات) من باب الجموع الّتي يتفاوت بعضها موضع بعض لالتقائهما في الجمعيّة،نحو كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ الدّخان:25،و ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228،فقامت (الثّمرات)مقام الثّمر أو الثّمار،على ما ذهب إليه الزّمخشريّ.

لأنّ هذا من الجمع المحلّى بالألف و اللاّم،فهو و إن كان جمع قلّة فإنّ الألف و اللاّم الّتي للعموم تنقله من الاختصاص لجمع القلّة للعموم،فلا فرق بين:الثّمرات و الثّمار؛إذ الألف و اللاّم للاستغراق فيهما[إلى أن قال:]

و أبعد من جعل«من»زائدة،و جعل الألف و اللاّم للاستغراق لوجهين:

أحدهما:زيادة(من)في الواجب،و قيل:معرفة، و هذا لا يقول به أحد من البصريّين و الكوفيّين إلاّ الأخفش.

و الثّاني:أنّه يلزم منه أن يكون جميع الثّمرات الّتي أخرجها رزقا لنا،و كم من شجرة أثمرت شيئا لا يمكن أن يكون رزقا لنا.و إن كانت للتّبعيض كان بعض الثّمار رزقا لنا و بعضها لا يكون رزقا لنا،و هو الواقع،و ناسب في الآية تنكير الماء،و كون(من)دالّة على التّبعيض و تنكير الرّزق،إذ المعنى و أنزل من السّماء بعض الماء فأخرج به بعض الثّمرات بعض رزق لكم،إذ ليس جميع رزقهم هو بعض الثّمرات،إنّما ذلك بعض رزقهم.

و مِنَ الثَّمَراتِ يحتمل أن يكون في موضع المفعول به ب(اخرج)و يكون على هذا(رزقا)منصوبا على الحال...(1:98)

ص: 547

البروسويّ: مِنَ الثَّمَراتِ هي هاهنا المأكولات كلّها من الحبوب و الفواكه و غيرها،ممّا يخرج من الأرض و الشّجر،كما في«التّيسير».(1:75)

وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ... تحقيقه أنّ الماء هو القرآن،و ثمراته:الهدى و التّقى و النّور و الرّحمة و الشّفاء،و البركة و اليمن و السّعادة و القربة و الحقّ اليقين،و النّجاة و الرّفعة و الصّلاح و الفلاح و الحكمة و الحلم،و العلم و الآداب و الأخلاق و العزّة و الغنى، و التّمسّك بالعروة الوثقى و الاعتصام بحبل اللّه المتين، و جماع كلّ خير و ختام كلّ سعادة،و زهوق باطل الوجود الإنسانيّ عند مجيء تجلّيات حقيقة الصّفات الرّبّانيّة،كقوله تعالى: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81.

فأخرج بماء القرآن هذه الثّمرات من أرض قلوب عباده،فكما أنّ اللّه تعالى منّ على عباده بإخراج الثّمرات رزقا لكم،و كان للحيوانات فيها رزق،و لكن بتبعيّة الإنسان،و هذا ممّا لا تدركه العقول المشوبة بالوهم و الخيال بل تدركه العقول المؤيّدة بتأييد الفضل و النّوال.

(1:78)

الآلوسيّ: (من)الثّانية إمّا للتّبعيض؛إذ كم من ثمرة لم تخرج بعد،ف(رزقا)حينئذ بالمعنى المصدريّ مفعول له ل(اخرج)،و(لكم)ظرف لغو مفعول به ل«رزق»أي أخرج شيئا من الثّمرات،أي بعضها،لأجل أنّه رزقكم.

و جوّز أن يكون(بعض الثّمرات)مفعول(اخرج)، و(رزقا)بمعنى مرزوقا حالا من المفعول،أو نصبا على المصدر ل(اخرج).

و إمّا للتّبيين،فرزق بمعنى مرزوق مفعول ل(اخرج)، و(لكم)صفته،و قد كان(من الثّمرات)صفته أيضا إلاّ أنّه لمّا قدّم صار حالا على القاعدة في أمثاله،و في تقديم البيان على المبيّن خلاف،فجوّزه الزّمخشريّ و الكثيرون،و منعه صاحب«الدّرّ المصون»و غيره.

و احتمال جعلها ابتدائيّة-بتقدير:من ذكر الثّمرات أو تفسير الثّمرات بالبذر-تعسّف لا ثمرة فيه.

و(أل)في(الثّمرات)إمّا للجنس أو للاستغراق و جعلها له،و(من)زائدة،ليس بشيء،لأنّ زيادة(من) في الإيجاب،و قيل:معرفة،ممّا لم يقل به إلاّ الأخفش، و يلزم من ذلك أيضا أن يكون جميع الثّمرات الّتي أخرجت رزقا لنا،و كم شجرة أثمرت ما لا يمكن أن يكون رزقا.

و أتى بجمع القلّة مع أنّ الموضع موضع الكثرة،فكان المناسب لذلك(من الثّمار)للإيماء إلى أنّ ما برز في رياض الوجود بفيض مياه الجود كالقليل بل أقلّ قليل بالنّسبة لثمار الجنّة،و لما ادّخر في ممالك الغيب.

أو للإشارة إلى أنّ أجناسها،من حيث إنّ بعضها يؤكل كلّه،و بعضها ظاهره فقط،و بعضها باطنه فقط، المشير ذلك إلى ما يشير قليلة لم تبلغ حدّ الكثرة

و ما ذكر الإمام البيضاويّ و غيره من أنّه ساغ هذا الجمع هنا،لأنّه أراد ب(الثّمرات)جمع ثمرة،أريد بها الكثرة،كالثّمار،مثلها في قولك:أدركت ثمرة بستانك، و ليست التّاء للوحدة الحقيقيّة بل للوحدة الاعتباريّة، و يؤيّده قراءة ابن السّميقع(من الثّمرة).

ص: 548

أو لأنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض،كقوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ الدّخان:25،و ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228.

أو لأنّها لمّا كانت محلاّة باللاّم خرجت عن حدّ القلّة،لا يخلو صفاؤه عن كدر،كما يسفر عنه كلام الشّهاب.

و إذا قيل:بأنّ جمع السّلامة المؤنّث و المذكّر موضوع للكثرة أو مشترك-و المقام يخصّصه بها-اندفع السّؤال و ارتفع المقال،إلاّ أنّ ذلك لم يذهب إليه من النّاس إلاّ قليل.(1:188)

رشيد رضا :(الثّمرات):ما يحصل من النّبات نجما كان أو شجرا.(1:188)

فضل اللّه :من البذور المتناثرة في أعماقها و سطوحها.

(1:170)

مكارم الشّيرازيّ: و إخراج الثّمرات مدعاة للشّكر على رحمة ربّ العالمين لعباده،و مدعاة للإذعان بقدرة ربّ العالمين في إخراج ثمر مختلف أنواعه،من ماء عديم اللّون،ليكون قوتا للإنسان و الحيوان.(1:104)

2- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ...

البقرة:126

الإمام الصّادق عليه السّلام: مِنَ الثَّمَراتِ: القلوب، أي حبّبهم إلى النّاس لينتابوا و يعودوا إليهم.

(العروسيّ 1:124)

الواحديّ: يعني أنواع حمل الأشجار من أيّ نوع كان،فاستجاب اللّه دعاء إبراهيم في المسألتين جميعا، فقال في موضع آخر: أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57.(1:210)

النّيسابوريّ: (من)للابتداء لا للتّبعيض،بدليل قوله: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57.

(1:445)

أبو حيّان :و(من)في قوله: مِنَ الثَّمَراتِ للتّبعيض،لأنّهم لم يرزقوا إلاّ بعض الثّمرات.

و قيل:هي لبيان الجنس،و(من)بدل من(اهله) بدل بعض من كلّ،أو بدل اشتمال مخصّص لما دلّ على المبدل منه.

و فائدته أنّه يصير مذكورا مرّتين إحداهما بالعموم السّابق في لفظ المبدل منه،و الثّانية بالتّنصيص عليه، و تبيين أنّ المبدل منه إنّما عنى به و أريد البدل،فصار مجازا إذ أريد بالعامّ الخاصّ،هذه فائدة هذين البدلين،فصار في ذلك تأكيد و تثبيت للمتعلّق به الحكم و هو البدل؛إذ ذكر مرّتين.(1:384)

أبو السّعود :من أنواعها:بأن تجعل بقرب منه قرى يحصل فيها ذلك أو يجبى إليه من الأقطار الشّاسعة.و قد حصل كلاهما حتّى أنّه يجتمع فيه الفواكه الرّبيعيّة و الصّيفيّة و الخريفيّة،في يوم واحد.(1:196)

نحوه الآلوسيّ.(1:382)

البروسويّ: جمع ثمرة،و هي المأكولات ممّا يخرج من الأرض و الشّجر،فهو سؤال الطّعام و الفواكه.

و قيل:هي الفواكه.و انّما خصّ هذا بالسّؤال،لأنّ الطّعام المعهود ممّا يكون في كلّ موضع،و أمّا الفواكه فقد

ص: 549

تندر،فسأل لأهله الأمن و السّعة ممّا يطيب العيش و يدوم،فاستجاب له في ذلك.(1:227)

نحوه رشيد رضا.(1:464)

مكارم الشّيرازيّ: و للمفسّرين آراء عديدة في معنى(الثّمرات)،و يبدو أنّ معناها واسع يشمل النّعم المادّيّة و النّعم المعنويّة.(1:331)

لاحظ:(رزق).

3- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ...

البقرة:155

الشّافعيّ: المراد موت الأولاد،و ولد الرّجل ثمرة قلبه.(القرطبيّ 2:174)

نحوه الطّبرسيّ(1:237)،و الميبديّ(1:418)، و الزّمخشريّ(1:324)،و الفخر الرّازيّ(4:170).

الواحديّ: يعني الحوائج،و أن لا تخرج الثّمرة كما كانت تخرج.(1:236)

نحوه الشّربينيّ.(1:105)

أبو حيّان :يعني الحوائج في الثّمرات،و قلّة النّبات،و انقطاع البركات.(1:450)

نحوه النّسفيّ.(1:84)

الآلوسيّ: (الثّمرات)موت الأولاد،و إطلاق الثّمرة على الولد مجاز مشهور،لأنّ الثّمرة كلّ ما يستفاد و يحصل،كما يقال:ثمرة العلم العمل.

(2:22)

وَ الثَّمَراتِ أي الملاذّ النّفسانيّة،لتلتذّوا بالمكاشفات و المعارف القلبيّة و المشاهدات الرّوحيّة، عند صفاء بواطنكم و خلوص نضّار قلوبكم بنار الرّياضة.

(2:24)

رشيد رضا :أمّا(الثّمرات)فهي على أصلها، و كان معظمها ثمرات النّخيل.(2:40)

الطّالقانيّ: (الثّمرات)يعني كلّ ما يعمّ ثمرات الحياة،من حرث و نسل و فواكه.(2:23)

الطّباطبائيّ: (الثّمرات)الظّاهر أنّها الأولاد، فإنّ تأثير الحرب في قلّة النّسل بموت الرّجال و الشّبّان أظهر من تأثيره في نقص ثمرات الأشجار.و ربّما قيل:إنّ المراد ثمرات النّخيل،و هي التّمر.(1:353)

نحوه فضل اللّه.(3:117)

4- ...لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ.... البقرة:266

الزّمخشريّ: يجوز أن يريد ب(الثّمرات):المنافع الّتي كانت تحصل له فيها،كقوله: وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ الكهف:34،بعد قوله: جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الكهف:32.(1:396)

نحوه النّسفيّ(1:134)،و المراغيّ(3:38)، و الطّالقاني(2:237).

أبو البركات: لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ في موضع نصب على الحال من(احدكم).(1:175)

القرطبيّ: يريد ليس شيء من الثّمار إلاّ و هو فيها نابت.(3:319)

أبو حيّان :و هذه الجملة مركّبة من مبتدإ و خبر، فعلى مذهب الأخفش(من)زائدة،التّقدير:له فيها كلّ

ص: 550

الثّمرات،على إرادة التّكثير بلفظ العموم،لا أنّ العموم مراد.

و لا يجوز أن تكون زائدة على مذهب الكوفيّين، لأنّهم شرطوا في زيادتها أن يكون بعدها نكرة،نحو:قد كان من مطر.

و أمّا على مذهب جمهور البصريّين فلا يجوز زيادتها؛ لأنّهم شرطوا أن يكون قبلها غير موجب و بعدها نكرة، و يحتاج هذا إلى تقييد قد ذكرناه في كتاب«منهج السّالك»من تأليفنا.

و يتخرّج مذهب جمهور البصريّين على حذف المبتدإ المحذوف،تقديره:له فيها رزق أو ثمرات من كلّ الثّمرات.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك وَ ما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ الصّافّات:

164،أي و ما أحد منّا ف(أحد)مبتدأ محذوف،و(منّا) صفة،و ما بعد(الاّ)جملة خبر عن المبتدإ.(2:314)

أبو السّعود :[نحو أبي حيّان و أضاف:]

ليس المراد ب(الثّمرات)العموم بل إنّما هو التّكثير، كما في: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23.

(1:309)

مثله البروسويّ.(1:427)

الآلوسيّ: [نقل كلام أبي السّعود ثمّ قال:]

و من النّاس من جوّز كون المراد من(الثّمرات):

المنافع،و هذا يجعل ذكر ذينك الجنسين لعدم احتواء الجنّة على ما سواهما،و منهم من قال:إنّ هذا من ذكر العامّ بعد الخاصّ للتّتميم،و ليس بشيء.(3:37)

5- ...فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ...

الأعراف:57

الشّربينيّ: أي من كلّ أنواعها.(1:483)

مثله أبو السّعود.(2:500)

البروسويّ: أي من كلّ أنواعها،و الظّاهر أنّ الاستغراق عرفيّ.(3:180)

الآلوسيّ: أي من كلّ أنواعها،لأنّ الاستغراق غير مراد و لا واقع،و هذا أبلغ في إظهار القدرة المراد.و قيل:

إنّ الاستغراق عرفيّ،و الظّاهر أنّ المراد التّكثير.

و جوّز بعضهم أن تكون(من)للتّبعيض و أن تكون لتبيين الجنس.(8:146)

رشيد رضا :أي:جميع أنواعها،على اختلاف طعومها و ألوانها و روائحها.و ليس المراد أنّ كلّ بلد ميّت ينزل اللّه فيه الماء يخرج به جميع الثّمرات الّتي خلقها في الأرض.(8:469)

نحوه المراغيّ.(8:181)

6- وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. الأعراف:130

الطّبريّ: و اختبرناهم مع الجدوب بذهاب ثمارهم و غلاّتهم إلاّ القليل.(9:28)

الميبديّ: يعني حبس المطر عنهم فنقص ثمارهم.

(3:709)

لاحظ«س ن ن»(السّنين)

7- وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ

ص: 551

وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ...

الرّعد:3

لاحظ:(«زوج»(زوجين)

8- اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ...

إبراهيم:32

أبو مسلم الأصفهانيّ: لفظ(الثّمرات)يقع في الأغلب على ما يحصل على الأشجار،و يقع أيضا على الزّروع و النّبات،كقوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الانعام:141.

(الفخر الرّازيّ 19:127)

الزّمخشريّ: مِنَ الثَّمَراتِ بيان للرّزق،أي أخرج به رزقا هو ثمرات.و يجوز أن يكون(من الثّمرات)مفعول(اخرج)و(رزقا)حالا من المفعول،أو نصبا على المصدر من(اخرج)لأنّه في معنى رزق.

(2:379)

الفخر الرّازيّ: [نقل كلام أبي مسلم ثمّ قال:]

و المراد أنّه تعالى إنّما أخرج هذه الثّمرات لأجل أن تكون رزقا لنا،و المقصود أنّه تعالى قصد بتخليق هذه الثّمرات إيصال الخير و المنفعة إلى المكلّفين،لأنّ الإحسان لا يكون إحسانا إلاّ إذا قصد المحسن بفعله إيصال النّفع إلى المحسن إليه.(19:127)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الثّمار على وجهين:

أحدهما:الولد،كقوله: وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ البقرة:155.

و الثّاني:الثّمار بعينها،كقوله تعالى: اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ الأنعام:99،و قوله: وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ الكهف:42،و قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ الأنعام:141،و قوله: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ يس:35.

(163)

الدّامغانيّ: الثّمرات على أربعة أوجه:

الثّمر:المال مضموما،الثّمر:الفواكه،الأولاد على قول بعض المفسّرين،النّور و الورد.

فوجه منها:الثّمر مضموما:هو المال،قال اللّه تعالى: وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ الكهف:34،يعني المال.

و الوجه الثّاني:الثّمرة:الفواكه بعينها،قوله:

وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً النّحل:67،يعني الفواكه،كقوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ الأنعام:141،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الثّمرات:يعني الأولاد،قوله:

وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ البقرة:

155،يعني الأولاد الصّغار.

و الوجه الرّابع:الثّمرات يعني الرّزق من النّور، قوله: كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ النّحل:69،يعني النّور و الورد خاصّة.(201)

مثله الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:339)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّمر،و هو حمل الشّجر،

ص: 552

واحده ثمرة،و جمعه ثمار و ثمر و أثمار،يقال:شجرة ثمراء، أي ذات ثمر،و ثمر الشّجر و أثمر:طلع ثمره قبل أن ينضج فهو مثمر،و شجر ثامر:أدرك ثمره،يقال:ثمر الثّمر يثمر فهو ثامر.و شجرة ثميرة و نخلة ثميرة،أي كثيرة الثّمرة،و مثله:أرض ثميرة.و ثمّر النّبات:نفض نوره و عقد ثمره.

كما أطلقت الثّمرة على الشّجرة نفسها للمقاربة، و على الولد،لأنّ الثّمرة ما ينتجه الشّجر،و الولد ينتجه الأب،و يقال له مجازا:ثمرة القلب.

و من المجاز أيضا:أثمر الزّبد:اجتمع فهو مثمر،و قد ثمّر السّقاء تثميرا،و إنّ لبنك لحسن الثّمر،و قد أثمر مخاضك،إذا ظهر فيه الزّبد،و ثمير اللّبن و ثميرته:زبده.

و منه:ثمّر ماله:نمّاه،يقال:ثمّر اللّه مالك،أي كثّره، و أثمر الرّجل:كثر ماله،و الثّمر:المال المثمّر و المثمر.

و منه أيضا:ثمرة اللّسان و السّوط،أي طرفاهما، و ثمرة الرّأس:جلدته.

و العقل المثمر:عقل المسلم،و نقيضه العقل العقيم، و هو عقل الكافر.

2-و لم يرد في المعاجم«الاستثمار»و مشتقّاته من (ث م ر)كما رأيت،و هذا ينبئ ظاهرا عن عدم استعمال العرب لهذه الصّياغة.و لكن أثرت عن أئمّة أهل البيت -و هم عرب أقحاح-أحاديث ثلاثة تتضمّن ألفاظا من هذا الباب،الأوّل:مرويّ عن الإمام عليّ عليه السّلام،حيث قال:«من عادى النّاس استثمر النّدامة» (1).و الثّاني:

عنه أيضا،و هو قوله:«يستثمر العفو بالإقرار أكثر ممّا يستثمر بالاعتذار (2)».الثّالث:ما روي عن الإمام الكاظم عليه السّلام،قال:«استثمار المال تمام المروءة» (3)، و عقّب المجلسيّ بقوله:«و في الكافي:استثمار المال،أي استنماؤه بالتّجارة و المكاسب (4)».

3-و قد استعمل«الاستثمار»و مشتقّاته في العصر الرّاهن على نطاق واسع،و يعني في الاقتصاد:إنتاج السّلع الرّأسماليّة الّتي تزيد رأس مال البلد،كإنشاء مصنع أو دار،فيؤدّي ذلك إلى ارتفاع الطّاقة الإنتاجيّة و تنشيط الحركة الاقتصاديّة.

و لكن لا يعدّ شراء دار مشيّدة أو مصنع قائم استثمارا،لأنّ ذلك لا يزيد رأس مال البلد،بل يزيد مال صاحبه فقط.و ينتج عن ذلك تكدّس الأموال في أرصدة طبقة المستغلّين،و توقّف حركة التّنمية،و ضعف القوّة الشّرائيّة،و شيوع البطالة بين النّاس.و لذا تعمل الدّول دائما على تشجيع الاستثمار بشتّى الوسائل،تفاديا من الوقوع في الأزمات الاقتصاديّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعل ماض مرّتين،و اسم:مفردا(6) مرّات،و جمعا(16)مرّة:

1- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا

ص: 553


1- غرر الحكم(412)
2- المصدر نفسه.
3- الكافي(1:68).
4- بحار الأنوار(1:141).

إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأنعام:99

2- وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُتَشابِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام:141

3- كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً* وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً الكهف:33،34

4- وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً الكهف:42

5- وَ جَعَلْنا فِيها -أي في الأرض - جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ* لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَ فَلا يَشْكُرُونَ يس:34،35

6- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ

البقرة:25

7- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ... وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ... محمّد:15

8- اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:22

9- وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الأعراف:57

10- اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ

إبراهيم:32

11- يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النّحل:11

12- وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

النّحل:67

13- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27

14- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السّاعَةِ وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنّاكَ ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ فصّلت:47

15- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ

البقرة:155

16- أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ

ص: 554

اَلثَّمَراتِ... البقرة:266

17- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ البقرة:126

18- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ إبراهيم:37

19- وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ

القصص:57

20- وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأعراف:130

21- وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

الرّعد:3

22- ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

النّحل:69

يلاحظ أوّلا:أنّ أكثر هذه الآيات مكّيّة،تذكر فيها آيات اللّه و آثاره في خلقه،و المدنيّة منها أربع،و هي الآية(7)في سورة محمّد،و(6)و(8)في البقرة،و(21) في الرّعد-إن قلنا:إنّها مدنيّة-إلاّ أنّ سياقها مكّيّ، لاحظ فصل«المكّيّ و المدنيّ»من المدخل.و معلوم أنّ ذكر آثار اللّه دلالة على التّوحيد و نفي الشّرك أمسّ بمكّة و أنسب،رغم عدم خلوّ الآيات المدنيّة منها،تذكيرا لما سبق في مكّة،بيد أنّ سياقها تشريع و تقنين.

ثانيا:أنّها جاءت جميعا في ثمار الدّنيا،إلاّ(6)و(7) فهما في ثمار الجنّة،و كلاهما مدنيّ.و لم تأت في المكّيّات إلاّ ثمار الدّنيا،دلالة على التّوحيد،و رفضا للشّرك الرّاسخ فيها،و تذكارا بمواهب اللّه على العباد.

ثالثا:جاء الفعل(اثمر)مع(ثمره)في(1)و(2):

اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ و كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ، و فيهما بحوث:

1-ما وجه توقيت(ثمره)و تقييده ب(اذا اثمر)؟مع أنّه لا ينظر إليه و لا يؤكل منه قبل أن يثمر،فالقيد يبدو زائدا.

و أجيب عنه في كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ بأنّه إباحة لأكله وقت طلوعه،و لا ينتظر إدراكه و ينعه،أو إباحة لأكله قبل أداء زكاته.

و فيه أنّ الآية مكّيّة،و ليس سياقها تشريعا،بل تذكارا لنعم اللّه.لكنّه منقوض بأنّه قال بعدها: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا.

و عندنا أنّه حين طلوعه لا يعدّ ثمرة يصلح للأكل و لا يقال فيه:إنّه أثمر،بل المفهوم منه إذا أكمل ثمره و صار ذا ثمر،فكلوا من هذه الثّمار الصّالحة للأكل،و هو الغاية من إنباتها.

و أمّا الجواب عن اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ

ص: 555

وَ يَنْعِهِ فأوضح،لأنّه أمر بالنّظر و التّفكّر في أنّ اللّه كيف يخرج ثمارا ضئيلة،لا يكاد ينتفع بها،ثمّ تعود ناضجة و فيها منافع،و تكون بين الحالتين أحوال، يحصل بها الاعتبار و الاستبصار،و لهذا ضمّ(ينعه)إلى (ثمره)،فإنّ هذه تشير إلى الحالة الأولى،و ذاك إلى الحالة الأخيرة،و يشمل الفعل(اثمر)هنا الحالات جميعا.

2-جاء في أولى آيتي الأنعام-و هي مقدّمة- اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ، و في الثّانية: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ، فأمر أوّلا بالنّظر في تكوّن الثّمار و تحوّلها،و الاعتبار بها، ثمّ بأكلها و الإفادة منها،إشعارا بأنّه ينبغي للعبد أن يعتبر و يستبصر بما وهبه اللّه من النّعم،ثمّ يستفيد منها، و لا يكون كالأنعام تجهل ما تأكل،و لا تفقه من أين جاءت هذه النّعم؟و ما هي منافعها؟و من هو واهبها؟

3-بدأ في الأولى بإنزال الماء من السّماء،و إخراج النّبات و الخضرة و الحبّ،تمهيدا لإخراج جنّات من الأعناب و الزّيتون و الرّمّان.أمّا في الثّانية فاكتفى بما قدّمه من أسباب النّبات في الأولى،و بدأ بإنشاء الجنّات.

و ذكر في الأولى حَبًّا مُتَراكِباً، و في الثّانية (الزّرع)بدل ذلك.و وصف النّخل في الأولى مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ، و في الثّانية مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ. و في الأولى مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ، و في الثّانية مُتَشابِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ. و في الأولى جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ، و في الثّانية جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ -و هي للأعناب و غيرها- وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ. و في الأولى إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، لأنّ سياقها ذكر آيات اللّه،للنّظر و الاعتبار،حيث قال: اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ، و في الثّانية وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، لأنّ ذكر آيات اللّه فيها للأكل.فالآيتان متناسقتان في ذكر الجنّات و عدّ الأشجار و الثّمار،متفاوتتان في الغرض و الغاية،لاحظ(ر ك ب)و(ش ب ه)و(ع ر ش)و (ق ن و)و(أ ك ل).

4-يرجع الضّمير في(ثمره)و(ينعه)في الأولى،و في (ثمره)و(حقّه)و(حصاده)في الثّانية إلى ما ذكر من الأشجار و الجنّات،و هذا أحسن الوجوه الّتي ستأتي عنهم في(5): لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ، و فيهما ضمائر أخرى ترجع إلى ما ذكر أيضا.

رابعا:أنّ الآيتين(3)و(4)من قصّة الرّجلين اللّذين كان لأحدهما جنّتان،فكفر باللّه،و اغترّ و افتخر بهما على صاحبه المؤمن الّذي كان يحاوره و يعظه بأن لا يكفر و لا يشرك باللّه،فلم يقبل منه،فأصيب بجنّتيه، و أصبح نادما،بدءا ب وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ، و انتهاء ب وَ ما كانَ مُنْتَصِراً الكهف:32-43.و قد وقع خلاف في(3): وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ حول أمرين:

أحدهما:قراءة«ثمر»ككتب،أو«ثمر»كقفل،أو «ثمر»كقمر،و رجّح الطّبريّ الأوّل بحجّة إجماع القرّاء عليه،و أنّه جمع«ثمار»مثل:كتاب و كتب،و حمار و حمر.ثمّ اختلفوا في معناه فقيل:الثّمر:المال كالذّهب و الفضّة،من قولهم:«قد ثمّر فلان مالا».أو هو أصل الشّجرة،و فرّقوا بينه و بين«الثّمر»،فهو ثمر الشّجرة، قال ابن زيد:«الثّمر بالضّمّ:الأصل،و بالفتح:الفرع»، و قد أطالوا الكلام فيها،لاحظ النّصوص.

ص: 556

و لنا رأي خاصّ في ذلك،و هو أنّ المناسب للجنّتين هو«الثّمر»بالفتح،و هو اسم جنس ل«ثمرة»أو جمع لها،كالخشب و الخشبة.كما أنّ ذكر الجنّتين من الأعناب و النّخل يغني عن ذكر الأصل بلفظ«ثمر»مرّة ثانية.

و الشّاهد عليه أنّه قرئ في(4): وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ بالفتح فقط،و هذا نفس الأوّل.فحاصل القصّة أنّه كان لأحدهما جنّتان،فيهما أنواع من الثّمار،فلم يشكر اللّه بها فتلفت،فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها،نادما على كفره و شركه باللّه تعالى.

ثانيهما:الضّمير في«له»،أ يرجع إلى الرّجل أم النّخل؟و الأوّل هو الصّواب،لرجوع الضّمائر الأخرى إليه حتّى نهاية القصّة،و منها في(4): وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ

خامسا:في(5): لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ بحوث:

1-(ليأكلوا)متعلّق:ب(جعلنا)دون(فجّرنا)كما قيل،و إن كان أقرب،لأنّ الضّمير في(ثمره)يرجع إلى ما ذكر من الجنّات كما يأتي،و لأنّ(فجّرنا)شرح لسير الجنّات،فهو فرع على(جعلنا).

2-قال الزّمخشريّ إنّ«ثمره»قرئ بثلاث قراءات هنا أيضا،مثل(3)،و اكتفى الميبديّ هنا بقراءتين:

«ثمره»و«ثمره».و الأولى الفتح عندنا،لأنّه بمعنى الثّمرة،و هو المناسب للجنّات و النّخيل و الأعناب،كما تقدّم في(3).

3-اختلفوا في مرجع الضّمير في(ثمره)،أ هو ما ذكر من الجنّات أم النّخيل،و ترك«الأعناب»للعلم بها،و له نظير في القرآن،أو التّفجير،أو ماء العيون،أو إلى اللّه على الالتفات من التّكلّم(فجّرنا)إلى الغيبة؟و الأوّل هو الأولى،كما تقدّم في(3)،و قد عدّ الطّباطبائيّ سائر الأقوال رديئة.

4-قد طبّق صدر المتألّهين هذه الآية على أحوال الأرواح الإنسيّة بحسب المعاد،تشبيها للمعارف العلميّة الحاصلة بماء الإفاضة الإلهيّة و بلوغها إلى غايتها الرّوحيّة...بالثّمار الّتي غايتها التّقوّت بها.و أصل هذا النّحو من التّأويل يؤول إلى محي الدّين بن عربيّ، صاحب الفتوحات،و تبعه من جاء بعده من العرفاء و المفسّرين و الشّعراء.و له أصل في القرآن،فقد جاء أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ الرّعد:17.

5-عطف ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ على(ثمره)،تنبيها على أنّ الثّمر و إن كان من خلق اللّه،إلاّ أنّ للإنسان أيادي في نشوئها و غرسها و سقيها و ثمادها-كأسباب لبلوغها إلى غاياتها-و ترغيبا للنّاس في العمل،و تحذيرا من الإهمال و التّساهل في غير محلّه،و تقديرا لأعمالهم.

و قد قيل:إنّ«ما»نافية،أي ليس لكم يد في نشوئها، مثل: أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ الواقعة:64، و هو بعيد.

سادسا:جاءت الآيتان(6)و(7)-كما سبق-بشأن ثمار الجنّة،و فيها بحوث:

1-ليس فيهما ذكر لإنزال الماء من السّماء و إنبات

ص: 557

الزّرع و الأشجار به،لأنّ جنّات الآخرة و ثمارها لا تنبت بماء السّماء،بل هي مخلوقة من أعمال العباد الصّالحين،كما جاء في الأحاديث و يستظهر من الآيات.

2-و ليس في الآيات الكثيرة بشأن الجنّة و الجنّات في الآخرة ذكر لأشجارها و أنواعها،كما جاء في جنّات الدّنيا،إلاّ من طريق الثّمار كما يأتي،رغم أنّه جاء ذكر الشّجر و الشّجرة في الجحيم مرّات: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ الدّخان:43،44 ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ الواقعة:51،52،و نحوهما،و كلّها ذمّ.نعم جاء ذكر الشّجرة مرّات في الجنّة الّتي أخرج منها آدم و زوجه بالأكل منها،و قد نهيا عنها: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ البقرة:35،و سياقها الذّمّ أيضا، لاحظ(ش ج ر).

3-و لم يرد فيها اسم الثّمار أيضا إلاّ مرّتين رويّا:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً النّبأ:31،32، و فِيهِما -أي في الجنّتين- فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّانٌ الرّحمن:68.بينما جاء في(6): كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً، أي أنّ ثمار الجنّة شبيهة بثمار الدّنيا.و جاء في (7): وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، أي الثّمرات الّتي عرفوها،و أكلوها في الدّنيا،فالدّنيا مرآة الآخرة، و الجزاء مسانخ للعمل.و يبدو أنّ التّركيز في تشابهها لما رزقوا من قبل في الدّنيا،لمزيد التّرغيب في العمل، و تذكار بما التذّوا بأكله و طعمه و رؤيته و ألوانه و أنواعه،لاحظ(ش ب ه).

4-اختلفوا في(6): كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً، أ تكون«من»الثّانية بدلا من الأولى،و كلاهما لابتداء الغاية،مثل:كلّما أكلت من بستانك من الرّمّان، أي كلّما رزقوا من الجنّات من أيّ ثمرة كانت؛من تفّاحها أو رمّانها أو عنبها؟و قد أوضحه الزّمخشريّ.و عليه فكلتاهما:الأولى و الثّانية متعلّق ب(رزقوا)على سبيل بدل الاشتمال،فهي من قبيل كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها الحجّ:22،على أظهر الاحتمالين فيها.

أو«من»هذه للتّبيين،مثل:رأيت منك أسدا،أي هي بيان ل«منها».و أورد عليه أبو حيّان:

أوّلا:بأنّ مجيء«من»للبيان ليس مذهب المحقّقين من أهل العربيّة،و هي في«رأيت منك أسدا»لابتداء الغاية.

و ثانيا:بأنّ«من»البيانيّة يجب أن يكون قبلها اسم معرفة أو نكرة،مثل: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الحجّ:30،و«من يضرب من رجل»،و ليس هنا قبلها اسم لا معرفة و لا نكرة،و كونها بيانا لما بعدها(رزقا) ينبغي أن ينزّه كلام اللّه منه.

أو هي للتّبعيض،لأنّهم يرزقون بعض الثّمرات في كلّ وقت لا كلّها.و هذا هو الأقرب عندنا.

5-ثمّ اختلفوا في المراد ب«ثمرة»،أ هي الجنس و النّوع،أو الشّخص،يعني من أيّ نوع من الثّمرة،أو أيّ فرد منها؟رجّح الزّمخشريّ النّوع بناء على كون «من»لابتداء الغاية،و الفرد بناء على كونها بيانيّة،و هو المناسب للتّبعيض.إلاّ أنّ الأظهر هو الأوّل بناء على

ص: 558

جميع الوجوه،لأنّ قوله: هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ، أريد به النّوع قطعا دون الفرد.

6-و المراد ب مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ في(7)هو النّوع أيضا،أي من جميع أنواع الثّمرات الّتي عرفوها في الدّنيا،و اللاّم في(الثّمرات)للعهد-أي اللاّتي عرفوها في الدّنيا-دون الاستقراء،لأنّه مفهوم من(كلّ).

سابعا:جاء في(7)و(9)و(11)و(16)و(21) و(22) مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ و في(19) ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ و جاء(من الثّمرات)في(8)و(10)و(17) و(18)و(20)،و(ثمرات)في(13)،و(من ثمرات)في (14)،و يبدو أنّه لا فرق بينها إلاّ بسعة الاستغراق نصّا أو إيماء،و لكلّ مقام مقال.

ثامنا:في(12): وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً خصّت الثّمرات بالنّخيل و الأعناب،لأنّهم كانوا يتّخذون السّكر منهما فقط، فلا عموم فيها كغيرها من الآيات،لاحظ(س ك ر).

و قبلها: وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ.... فاختلفوا في متعلّق(من ثمرات)،فقيل:

إنّه متعلّق بفعل محذوف:«نسقيكم»،أي و نسقيكم من ثمرات النّخيل و الأعناب.-و السّقي منها باعتبار السّكّر المتّخذ منها-أو عطف على(الانعام)أي و لكم في ثمرات النّخيل و الأعناب لعبرة،أو عطف على(ممّا)،أي و نسقيكم من ثمرات النّخيل و الأعناب.أو متعلّق بما بعده: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً، و كرّرت«من»للتّأكيد، و الضّمير في(منه)يرجع إلى ما ذكر،و له نظائر في ما سبق.أو خبر لمبتدإ محذوف،أي و من ثمرات النّخيل و الأعناب ثمر أو شيء تتّخذون منه سكرا،و هذا الأخير هو الأقرب إلى السّياق و أقلّ تكلّفا.

تاسعا:جاء في(13): فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها، و هذا تركيز في اختلاف ألوان الثّمرات التذاذا للأبصار،و مثله في الزّرع: ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ (أي بالماء الذي أنزل من السماء) زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ الزّمر:21، و في العسل: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها (أي بطون النّحل) شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ النّحل:69.و جاء مثله في الجبال و كلّ ما ذرأ في الأرض،و في الأنعام و الدّوابّ،و في الإنسان تدليلا على قدرة اللّه،حيث يخرج من شيء واحد ألوانا مختلفة،لاحظ(ل و ن).

كما ركّز في اختلاف الطّعم و الأكل التذاذا للذّائقة:

وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرّعد:4، وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ... الأنعام:141،كلّ ذلك تدليل على سعة قدرة اللّه و تمام نعمته للإنسان.

عاشرا:في(14)بحوث:

1-اختلاف القراءة في وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها مفردا و جمعا،و قد صوّبهما الطّبرسيّ، لتقارب معناهما و شهرتهما في القراءة.و أيّد الآخرون الجمع،لأنّ المراد بها جميع الثّمرات،مثل(13):

فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها

و أيّد بعضهم المفرد،لأنّه جنس شامل للجمع، و لأنّ ما بعدها وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى مفرد فينبغي أن

ص: 559

تكون«من ثمرة»مفردا،و يراد بكلّ منهما الجنس.

و لقوله:(من اكمامها)،و لو كانت«من ثمرات»لكان «من أكمامهنّ»-و فيه نظر-و هذا هو الأولى عندنا.

2-معنى«من»في«من ثمرات»و في وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى التّنصيص على الاستغراق،سواء كانت زائدة- كما قاله البروسويّ-أم غير زائدة.و هو الرّاجح عندنا.

أمّا«من»في مِنْ أَكْمامِها فهي لابتداء الغاية، متعلّقة ب(تخرج).

3- وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها أي من أوعيتها و غلفها،و هذا هو الموضع الوحيد الّذي ينصّ في القرآن على موطن انعقاد الثّمار قبل صلاحها.و عبّر عنها ب(اكمامها)كما قال الطّبرسيّ(5:18):«الأكمام:

جمع كمّ،و كمّ:جمع كمّة،عن ابن خالويه،و قيل:هي جمع كمّة،عن أبي عبيدة،و هي الكفرّى،و تكمّم الرّجل في ثوبه،إذا تلفّف به».

4-أحصى اللّه في هذه الآية علمه بوقت القيامة و بما تخرج من ثمرات من أكمامها-أي يعلم بها و هي في أكمامها -و بما تحمل كلّ أنثى أنّه ذكر أو أنثى،و لا تضعه إلاّ في الوقت الّذي علم سبحانه أنّها تضع فيه.قال الطّبرسيّ (5:18):«فيعلم اللّه سبحانه قدر الثّمار و كيفيّتها و أجزائها و طعومها و روائحها،و يعلم ما في بطون الحبالى، و كيفيّة انتقالها حالا بعد حال حتّى يصير بشرا سويّا».

و الّذي يلفت النّظر فيها هو توالي ما تحمل كلّ أنثى، و ما تحمل الأكمام و تخرج من الثّمار،و فيه من المناسبة و التّناسق ما لا يخفى.

الحادي عشر:اختلفوا في المراد بالثّمرات في (15): وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ، فحملها الأكثر على موت الأولاد،لأنّ ولد الرّجل ثمرة قلبه.قال الآلوسيّ:«إطلاق الثّمرة على الولد مجاز مشهور».و قال الطّباطبائيّ:«الظّاهر أنّها الأولاد،فإنّ تأثير الحرب في قلّة النّسل بموت الرّجال و الشّبّان أظهر من تأثيره من نقص ثمرات الأشجار».يريد أنّ الآيات وردت بشأن القتال،فقبلها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ* وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ كما بدأ هذه الآية بقوله:

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ البقرة:153-155، و ختمت بقوله: وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ. فالأموال تشمل ثمرات الأشجار،و الأنفس هي نفوس المقاتلين، و الثّمرات:ثمرات قلوبهم،و هم أولادهم،و الصّبر على ذهابهم أشقّ تحمّلا و أوفى جزاء.

و قيل:إنّ الثّمرات هنا ثمرات الأشجار،و قيل:تعمّ كلّ ثمرات الحياة من حرث و نسل و فواكه،و الأوّل هو الأولى.و هذه الآية وحيدة في ذكر ثمرات القلوب،و هم الأولاد.

و قيل:هي اللّذّة المعنويّة و الالتذاذ بالمكاشفات و المعارف القلبيّة و المشاهدات الرّوحيّة عند صفاء الباطن و خلوص نضارة القلوب بنار الرّياضة.و هذا من قبيل ما تقدّم في(5)،و فيه تأويل المادّيّ بالمعنويّ، و لا بأس به،إلاّ أنّه لا ينطبق على السّياق في الآية، و لا سيّما مع تأكيد الصّبر،فإنّ الصّبر أوفق بالمصيبة من

ص: 560

المعارف،اللّهمّ إلاّ أن يكون صبرا على النّعمة و على العشق الرّبّانيّ،و الجذبة الإلهيّة،أي صبرا على الابتهاج دون البلاء.

الثّاني عشر:الآيات(17)و(18)و(19)خاصّة بالثّمرات الّتي رزق بها أهل مكّة في جوار البيت الحرام، فقد دعاهم أبوهم إبراهيم في(17)و(18)بأن يرزقهم من الثّمرات من دون تبيين أنّها من نفس البلد،أو يجبى إليه من خارجه.لكن نصّ في(19)على أنّها تجبى من الخارج: أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ. فقد استجيب دعاء إبراهيم في أهل مكّة، حيث كانوا يتمتّعون إلى عصر النّبيّ عليه السّلام بذلك، و لا يزالون إلى عصرنا،و الحمد اللّه ربّ العالمين.

الثّالث عشر:جاء في(20) وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ، و أريد به نقص ثمرات الزّرع و الأشجار دون الأولاد،لأنّ قبلها:«أخذهم بالسّنين»،و هي جمع سنة،أي القحط،و هو احتباس الأمطار و شحّة الثّمار.

الرّابع عشر:جاء في(21): وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، أي أنّ الثّمرات نفسها زوجان كالأشجار،و هذا بيّن في النّحل.و جاء وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ الذّاريات:48،و هذه تعمّ الأشياء كلّها،و فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ الرّحمن:

52،و هذه خاصّة بفواكه الجنّتين المذكورتين في وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46،و زوجيّة الأشياء المادّيّة قاطبة يؤيّدها العلم الحديث،لاحظ (زوج).

الخامس عشر:جاء التّأكيد لكون الثّمرات للعباد في الحياة الدّنيا في الآيات(6)و(8)و(10)و(12) و(17)و(18)و(19).و في(6)أنّها رزق لهم في الجنّة مثل رزق الدّنيا: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ، و الرّزق ظاهر في الأكل،و قد جاء في(2): كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ، و في(5):

لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ، و في(22)خطابا للنّحل: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، و في(2): مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ، و في (3): كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها، و الأكل فيها بيان للرّزق،لاحظ(رزق).

ص: 561

ص: 562

ث م م

اشارة

ثمّ

لفظ واحد،4 مرّات،في 4 سور:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ثمّ:معناه هناك للتّبعيد،و هنالك للتّقريب.

و ثمّ:حرف من حروف النّسق،لا تشرّك ما قبلها بما بعدها،إلاّ أنّها تبيّن الآخر من الأوّل،و منهم من يلزمها «هاء»التّأنيث فيقول:ثمّت كان كذا و كذا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّمّة:قبضة من حشيش،أو أطراف شجر بورقه،يغسل به شيء،يقال:امسحها بثمّة أو تربة.

و الثّمام:ما كسّر من أغصان الشّجر فوضع نضدا للثّياب و نحوه،و إذا يبس فهو الثّمام.

و قيل:بل هو شجر اسمه الثّمام،الواحدة:ثمامة.

و ثممت الشّيء أثمّه ثمّا:أصلحته و أحكمته.[ثمّ استشهد بشعر](8:218)

الأمويّ: الثّموم من الغنم:الّتي تقلع الشّيء بفيها.

يقال للشّيخ إذا كبر و هرم:انثمّ انثماما.

(الأزهريّ 15:70)

ابن شميّل: المثمّ:الّذي يرعى على من لا راعي له،و يفقر من لا ظهر له،و يثمّ ما عجز عنه الحيّ من أمرهم.

و إذا كان الرّجل شديدا يأتي من وراء الصّاغية، و يحمل الزّيادة و يردّ الرّكاب،قيل له:مثمّ.و إنّه لمثمّ لأسافل الأشياء.(الأزهريّ 15:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الثّمّ:الرّمّ.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:70)

الفرّاء: ثمّ:لا تكون في العطوف إلاّ لشيء بعد شيء.

و أمّا«ثمّ»بفتح الثّاء،فإنّه إشارة إلى المكان،قال تعالى: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً الدّهر:20.

(الأزهريّ 15:71)

الثّميمة:التّامورة المشدودة على الرّأس،و هي الثّقال،و هو الإبريق.(الأزهريّ 15:72)

ص: 563

أبو عبيد:في حديث عروة حين ذكر أحيحة بن الجلاح و قول أخواله فيه:«كنّا أهل ثمّه و رمّه حتّى استوى على عممه (1)».

هكذا يحدّثونه:أهل ثمّه و رمّه،بالضّمّ،و وجهه عندي ثمّه و رمّه،بالفتح.

و الثّمّ:إصلاح الشّيء و إحكامه،يقال منه:ثممت أثمّ ثمّا.(2:407)

ابن الأعرابيّ: ثمّ إذا حشي،و ثمّ إذا أصلح.

(الأزهريّ 15:69)

ابن السّكّيت: و ثمّ الطّعام ثمّا،إذا أكل جيّده و رديئه،و قد ثمّ ما على الخوان.(650)

و انثمّ جسم فلان،أي ذاب،مثل انهمّ.

قولهم:«ما له ثمّ و لا رمّ،و ما يملك ثمّا و لا رمّا» فالثّمّ:قماش أساقيهم و آنيتهم،و الرّمّ:مرمّة البيت.

(الجوهريّ 5:1881)

ابن دريد :ثممت الشّيء:أثمّه ثمّة و ثمّا،إذا جمعته.و أكثر ما يستعمل في الحشيش.

و الثّمّة:القبضة بالأصابع من الحشيش.و ثممت يدي بالأرض أو بالحشيش،إذا مسحتها به.و وطب مثموم،إذا غطّي بالثّمام.(1:47)

الأزهريّ: سمعت العرب تقول:ثممت السّقاء،إذا فرشت له الثّمام،و جعلته فوقه لئلاّ تصيبه الشّمس فيتقطّع لبنه.

و الثّمام:نبت معروف و لا تجهده النّعم إلاّ في الجدوبة.و هو الثّمّة أيضا،و ربّما خفّف،فقيل:الثّمة.

و الثّمة:الثّمام.(15:69)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و ثمّ الشّيء:حشي.

و ثمّمت الوطب تثميما،إذا جعلت تحته ثمّة.

و الثّمّة:الوضم.

و ثممت السّقاء:غطّيته بالثّمام.و اليثموم:الثّمام.

و يقولون:«هو لك على طرف الثّمام»أي هو لك:

ممكن لك،و قيل:ظاهر واضح.و«هو على الثّمّة»مثله.

و الثّمّ:إصلاح الشّيء و إحكامه،ثممته أثمّه،أي رممته،و هو معمّ لهم مثمّ،و منه الحديث:«كنّا أهل ثمّه و رمّه».

و انثمّ الشّيخ انثماما،إذا كبر و تولّى،و الثّمّة:الشّيخ البالي.

و الثّمثمة:التّعتعة و التّردّد.و ثمثم عن الشّيء:

توقّف و تحبّس.

و الثّمثمة:أن لا يجاد العمل،و أن تشنق القربة إلى العمود ليحقن فيها اللّبن.

و القوم في ثمثمة،أي في قتال و تخليط.

و الثّمثام:الّذي إذا أخذ شيئا ثمثمه،أي قهره و كسره.

و الثّموم من الشّاء:الّتي تقلع الشّيء بفيها.

و الثّمّ:الأكل الجيّد.

و المثمّة:المكنسة.

و ليس له ثمّ و لا رمّ:الثّمّ:القماش.

و الثّمثم:الكلب السّلوقيّ.س.

ص: 564


1- في الأصل اضطرب في الحركات،فضبطناها طبقا للصّحاح و المقاييس و اللّسان و الأساس.

و ثمثموا بنا ساعة و مثمثوا،أي تلبّثوا و روّحوا.

(10:133)

الجوهريّ: ثممت الشّيء:جمعته،يقال:هو يثمّه و يقمّه،أي يكنسه،و يجمع الجيّد و الرّديء.

و قال أعرابيّ: جعجع بي الدّهر عن ثمّه و رمّه،أي عن قليله و كثيره.(5:1881)

ابن فارس: ثمّ:الثّاء و الميم أصل واحد،هو اجتماع في لين،يقال:ثممت الشّيء ثمّا،إذا جمعته.و أكثر ما يستعمل في الحشيش.[إلى أن قال:]

و ثمّت الشّاة النّبت بفيها:قلعته،و منه الحديث:«كنّا أهل ثمّه و رمّه»أي كنّا نثمّه ثمّا،أي نجمعه جمعا.

(1:369)

ابن سيده: [نقل بعض أقوال اللّغويّين و أضاف:]

و ثمّ الشّيء يثمّه،و ثمّمه:وطئه.و الاسم:الثّمّ، و كذلك ثمّ الوطأة.

و ثمّم الكسر:لغة في تمّم.

و يقال:«لك ذلك على الثّمّة»يضرب مثلا في النّجاح.

و ما يملك ثمّا و لا رمّا،أي قليلا و لا كثيرا.لا يستعمل إلاّ في النّفي.

و الثّمام:شجر،واحدته:ثمامة و ثمّة،عن كراع، و لا أدري كيف ذلك،و به فسّر قولهم:«هو لك على رأس الثّمّة»و بها سمّي الرّجل.

و الثّمام:ما يبس من الأغصان الّتي توضع تحت النّضد.

و بيت مثموم:مغطّى بالثّمام،و كذلك الوطب.

و ثمّة أيضا:بمعنى ثمّ.

و ثمّ،و ثمّت،و ثمّت،كلّها حرف نسق.و الفاء في كلّ ذلك بدل من الثّاء،لكثرة الاستعمال.(10:135)

الزّمخشريّ: «كنّا أهل ثمّه و رمّه»أي أهل إصلاح شأنه و الاهتمام بأمره.

ثمّ الشّيء يثمّه و رمّه يرمّه،إذا جمعه و أصلحه.

و فلان لا يملك ثمّا و لا رمّا.

و فلان مثمّ مقمّ،إذا كان يكتب كلّ شيء.

و من المجاز:هو لك على طرف الثّمام،و على ظهر العسّ،إذا كان هيّن المتناول.

و تكلّم فما تثمثم و لا تلعثم،أي ما توقّف.

(أساس البلاغة:48)

عروة رضي اللّه عنه،ذكر أحيحة بن الجلاح،و قول أخواله فيه:«كنّا أهل ثمّه و رمّه حتّى استوى على عممه» و قيل:الصّواب الفتح في ثمّه و رمّه.

الثّمّ:الجمع،و الرّمّ:المرمّة،و أمّا الثّمّ و الرّمّ فلا يخلوان من أن يكونا مصدرين كالحكم و الشّكر و الكفر،أو بمعنى المفعول كالذّخر و العرف و الخبر.

و المعنى:كنّا أهل تربيته و المتولّين لجمع أمره و إصلاح شأنه،أو ما كان يرتفع من أمره مجموعا مصلحا،فإنّا كنّا المحصّلين له على تلك الصّفة.

(الفائق 1:175)

الفيّوميّ: ثمّ:حرف عطف و هي في المفردات للتّرتيب بمهلة.

و قال الأخفش:هي بمعنى«الواو»لأنّها استعملت فيما لا ترتيب فيه،نحو:و اللّه ثمّ و اللّه لأفعلنّ،تقول:

ص: 565

و حياتك ثمّ و حياتك لأقومنّ.

و أمّا في الجمل فلا يلزم التّرتيب بل قد تأتي بمعنى الواو،نحو قوله تعالى: ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ يونس:46،أي و اللّه شاهد على تكذيبهم و عنادهم، فإنّ شهادة اللّه تعالى غير حادثة،و مثله ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا البلد:17.

و ثمّ بالفتح:اسم إشارة إلى مكان غير مكانك.

و الثّمام وزان غراب:نبت يسدّ به خصاص البيوت،الواحدة:ثمامة،و بها سمّي الرّجل.(84)

الفيروزآباديّ: ثمّه:وطئه كثمّمه،و أصلحه، و جمعه.و في الحشيش أكثر استعمالا.

و الثمّة بالضّمّ:القبضة منه،و يده بالحشيش:

مسحها،و الشّاة النّبت:قلعته بفيها فهي ثموم،و الطّعام:

أكل جيّده و رديئه.

و رجل مثمّ و مقمّ و مثمّة و مقمّة بكسرهنّ؛إذا كان كذلك.

و انثمّ عليه:انثال،و جسمه:ذاب.

و ما له ثمّ و لا رمّ بضمّهما؛فالثّمّ:قماش أساقيهم و آنيتهم،و الرّمّ:مرمّة البيت.

و ثمّ:حرف يقتضي ثلاثة أمور:

التّشريك في الحكم،أو قد يتخلّف بأن تقع زائدة، كما في أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ التّوبة:118.

الثّاني:التّرتيب أو لا تقتضيه،كقوله عزّ و جلّ: وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ السّجدة:7،8.

و الثّالث:المهلة،أو قد تتخلّف كقولك:«أعجبني ما صنعت اليوم ثمّ ما صنعت أمس أعجب»لأنّ«ثمّ»فيه لترتيب الإخبار و لا تراخي بين الإخبارين.

و ثمّ بالفتح:اسم يشار به،بمعنى هناك للمكان البعيد، ظرف لا يتصرّف،فقول من أعربه مفعولا ل«رأيت»في وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ الدّهر:20،و هم.

و مثمّ الفرس و مثمّته:منقطع سرّته.

و تثميم العظم:إبانته.

و الثّمثام:من إذا أخذ الشّيء كسره.

و الثّمام و اليثموم كغراب و ينبوت:نبت معروف، و قد يستعمل لإزالة البياض من العين،واحدته ب(هاء).

و بيت مثموم:مغطّى به.

و يقال لما لا يعسر تناوله:على طرف الثّمام،لأنّه لا يطول.

و صخيرات الثّمام:إحدى مراحله صلّى اللّه عليه و سلّم إلى بدر.

و الثّمّة بالكسر:الشّيخ،و انثمّ:شاخ.

و الثّمثمة:تغطية رأس الإناء و الاحتباس،يقال:

ثمثموا بنا ساعة،و أن لا يجاد العمل،و أن تشنق القربة إلى العمود ليحقن فيها اللّبن.

و هذا سيف لا يثمثم نصله:لا ينثني إذا ضرب به و لا يرتدّ.

و المثمّ كمسنّ:من يرعى على من لا راعي له،و يفقر من لا ظهر له،و يثمّ ما عجز عنه الحيّ من أمرهم.

و تثمثم عنه:توقّف،و ما تثمثم:ما تلعثم.(4:87)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ثمّ و ثمّة:اسم يشار به إلى المكان البعيد،بمعنى هناك.

ثمّ:حرف عطف للتّرتيب و التّراخي في الزّمن.(1:97)

ص: 566

العدنانيّ: ثمّ،ثمّت،ثمّت،ثمّ،ثمّة.

و يخلطون بين حرف العطف«ثمّ»و اسم الإشارة «ثمّ».فحرف العطف«ثمّ»يستعمل للتّرتيب مع التّراخي أو«المهلة»كما يقول صاحب«المغني»،كقوله تعالى في الآيات:7 و 8،و 9،من سورة السّجدة:

وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ. و نحو:

ولد وسيم ثمّ تميم.لو كانا توأمين،لقلنا:فتميم.

و قد تكون«ثمّ»لمجرّد العطف.[ثمّ استشهد بشعر]

و للتّعجّب،كقوله تعالى في الآية(15)من سورة المدّثّر: ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ.

و تقع زائدة،كقوله تعالى في الآية:(118)من سورة التّوبة: وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ.

و قد تدخل على«ثمّ»تاء التّأنيث،لإفادة التّأنيث اللّفظيّ،فتختصّ بعطف الجمل،نحو:من رأى فرصة الاستشهاد،دفاعا عن وطنه،سانحة له،ثمّت(يجوز ثمّت)تقاعس عن اغتنامها،عاش ضميره في جحيم.[ثمّ استشهد بشعر]

أمّا«ثمّ»فهو اسم إشارة إلى المكان البعيد،كقوله تعالى في(64)من سورة الشّعراء: وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ أزلفنا:قرّبنا.

و«ثمّ»ظرف مكان لا يتصرّف،و قد تلحقها تاء التّأنيث المضبوطة-غالبا-بالفتح،فيقال:ثمّة.

و من العرب من يسكّن هذه التّاء،و منهم من يستغني عنها في حال الوقف فقط،و منهم من يستغني عنها بهاء ساكنة يثبّتها في حال الوقف فقط،و يسمّونها:

«هاء السّكت».

و يرى صاحب«النّحو الوافي»:أنّ كلّ هذه لهجات، نحن في غنى عنها اليوم،و أنّ علينا أن نكتفي بالكلمة مجرّدة من كلّ زيادة،أو مع زيادة التّاء المربوطة، المتحرّكة بالفتحة،منعا للآراء الكثيرة الّتي لا داعي لها في حياتنا القائمة،و لا أثر لها سوى العناء و الإبهام.(107)

المصطفويّ: [نقل أقوال بعض اللّغويّين ثمّ قال:]

و لا يخفى التّناسب بين هذه المعاني،فإنّ في العطف معنى جمع،و كذا في الإشارة إلى بعيد من المكان فيقرّ به و يجمع بينه و بين هناك.و أمّا التّراخي فلعلّه من لوازم الإصلاح،فإنّ مرجع الإصلاح إلى رفع المبعّدات و الموانع و الفواصل.

فالأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجمع بقيد الإصلاح،أي الجمع في مورد يحتاج إلى الإصلاح،و رفع الخلاف و الفصل.

ففي كلّ مورد تستعمل فيه كلمة:ثمّ أو ثمّ،لا تخلو عن الدّلالة على الخصوصيّتين:خصوصيّة مفهوم الجمع، و خصوصيّة مفهوم رفع البعد و الفصل.فإن كان هذا التّقريب بالإشارة،و هي معنى اسميّ:فلفظها«ثمّ»بالفتح و هو اسم.و إن كان بالعطف،و هو معنى حرفيّ:فهو حرف.(2:24)

النّصوص التّفسيريّة

1- وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ. البقرة:115

ص: 567

الطّبريّ: (فثمّ)فإنّه بمعنى هنالك.(1:505)

الزّجّاج: معنى الآية أنّه قيل فيها:إنّه يعني به البيت الحرام،فقيل: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ أي فاقصدوا وجه اللّه بتيمّمكم القبلة.و دليل من قال هذا القول قوله: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة:149.(1:197)

نحوه القرطبيّ.(2:79)

أبو السّعود :(ثمّ):اسم إشارة للمكان البعيد خاصّة،مبنيّ على الفتح،و لا يتصرّف سوى الجرّ ب«من»،و هو خبر مقدّم،و(وجه اللّه)مبتدأ،و الجملة في محلّ الجزم على أنّها جواب الشّرط،أي هناك جهته الّتي أمر بها،فإنّ إمكان التّولية غير مختصّ بمسجد دون مسجد،أو مكان دون آخر،أو فثمّ ذاته بمعنى الحضور العلميّ،أي فهو عالم بما يفعل فيه و مثيب لكم على ذلك.

(1:186)

رشيد رضا :أي أيّ مكان تستقبلونه في صلاتكم فهناك وجه القبلة الّتي أمر اللّه بأن يتوجّه إليها.

(1:434)

نحوه المراغيّ.(1:199)

راجع«و ج ه».

2- وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً.

الدّهر:20

الفرّاء: يقال:إذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما،و صلح إضمار«ما»كما قيل: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام 94، و المعنى:ما بينكم،و اللّه أعلم.و يقال:(إذا رأيت ثمّ) يريد:إذا نظرت،ثمّ إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما.(3:218)

الطّبريّ: و عني بقوله:(ثمّ):الجنّة.(29:221)

الزّجّاج: (ثمّ)يعني به الجنّة،و العامل في(ثمّ)معنى رأيت،المعنى و إذا رأيت ببصرك ثمّ.

و قيل:المعنى:و إذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما.و هذا غلط،لأنّ«ما»موصولة بقوله:«ثمّ»على هذا التّفسير، و لا يجوز إسقاط الموصول و ترك الصّلة،و لكن(رايت) يتعدّى في المعنى إلى(ثمّ).(5:261)

نحوه القرطبيّ.(19:144)

الزّمخشريّ: (ثمّ)في موضع النّصب على الظّرف، يعني في الجنّة.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج](4:199)

أبو حيّان :و(ثمّ)ظرف،العامل فيه(رايت)و قيل:

التّقدير:و إذا رأيت ما ثمّ،فحذف«ما»كما حذف في قوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،أي ما بينكم.

[و حكى قول الزّجّاج و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و ليس بخطإ مجمع عليه بل قد أجاز ذلك الكوفيّون و ثمّ شواهد من لسان العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن عطيّة: (ثمّ)ظرف،العامل فيه(رايت)أو معناه،التّقدير:رأيت ما ثمّ،حذفت«ما».

و هذا فاسد،لأنّه من حيث جعله معمولا ل(رايت) لا يكون صلة ل«ما»لأنّ العامل فيه إذ ذاك محذوف،أي ما استقرّ ثمّ.

و قرأ الجمهور (ثمّ) بفتح الثّاء،و حميد الأعرج، (ثمّ) بضمّ الثّاء حرف عطف،و جواب(اذا)على هذا محذوف، أي و إذا رميت ببصرك رأيت نعيما.(8:399)

ص: 568

3- مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ. التّكوير:21

الزّمخشريّ: (ثمّ)إشارة إلى الظّرف المذكور،أعني عند ذي العرش،على أنّه عند اللّه مطاع في ملائكته المقرّبين،يصدرون عن أمره و يرجعون إلى رأيه.

و قرئ(ثمّ)تعظيما للأمانة،و بيانا لأنّها أفضل صفاته المعدودة.(4:224)

البيضاويّ: (ثمّ)يحتمل اتّصاله بما قبله و ما بعده.

(2:543)

نحوه أبو السّعود.(7:387)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: (ثمّ)على وجهين:ثمّ بمعنى«الواو»ثمّ بعينه.

فوجه منها:ثمّ يعني«الواو»قوله: ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ يونس:46،يعني و اللّه شهيد، كقوله: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يونس:3،يعني و استوى.

و الوجه الثّاني:ثمّ بعينه،لاستقبال قوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ النّحل:119،و قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ فاطر:32،و نحوه كثير.(205)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّمام،و هو نبات برّيّ ضعيف قصير كثير الأغصان،ذو خوص أو ما يشبهه، يحشى به و يسدّ به خصاص البيوت،و تتّخذ منه المكانس،و يظلّل به المزاد فيبرد،و لا تأكله الدّوابّ إلاّ عند الجدب،واحدته:ثمامة.

و الثّمام أيضا:ما يبس من الأغصان الّتي توضع تحت النّضد،أي السّرير،يقال:ثممت الشّيء أثمّه ثمّا، أي رممته بالثّمام،و ثممت السّقاء:فرشت له الثّمام و جعلته فوقه،لئلاّ تصيبه الشّمس فيتقطّع لبنه.

و بيت مثموم:مغطّى بالثّمام،و شاة ثموم:تأكل الثّمام.و في المثل:«هو على طرف الثّمام»أي قريب المتناول،سهل المرام،لأنّ الثّمام شجرة لا تطول.

و الثّمّ:الثّمام،واحدته:ثمّة،يقال:ثممت السّقاء أثمّه،أي جعلت تحته الثّمّة،و في المثل:«هو على رأس الثّمّة»،يضرب لنجاح الحاجة،و«هو أبوه على طرف الثّمّة»،يقال:لمن يشبه أباه.

و الثّمّة أيضا:القبضة من الثّمام و من كلّ حشيش، على السّعة،يقال:ثمّ يده بالحشيش أو الأرض،أي مسحها.

و يقال على الاتباع:جعجع بي الدّهر عن ثمّه و رمّه، أي عن قليله و كثيره،و ما يملك ثمّا و لا رمّا،أي قليلا و لا كثيرا.

و الثّموم من الغنم:الّتي تقلع الشّيء بفيها،يقال:

ثمّت الشّاة الشّيء و النّبات بفيها تثمّه ثمّا،و كذا كلّ ما مرّت به.

و منه أيضا:ثمّ الشّيء يثمّه ثمّا،أي جمعه،و أكثر ما يستعمل في الحشيش و لا سيّما الثّمام،لكثرة أغصانه و تجمّعها،و هو يثمّه و يقمّه،أي يكنسه و يجمع الجيّد و الرّديء،فيقال:رجل مثمّ و مقمّ،و مثمّة و مقمّة،على المبالغة.

ص: 569

ثمّ استعمل في الوطء و الهرم و الكبر،تشبيها بالثّمام اليابس،يقال:ثمّ الشّيء يثمّه و ثمّمه،أي وطئه، و انثمّ الشّيخ انثماما:ولّى و كبر و هرم،و انثمّ جسم فلان:

ذاب.

2-و قد ألحق لفظ«ثمّ»بهذه المادّة،و هو ظرف مكان،يشار به إلى المكان البعيد،و هو اسم مبنيّ على الفتح،لالتقاء السّاكنين،و اختيرت الفتحة بدل الضّمّة و الكسرة لأنّها أخفّ الحركات،و علّة البناء هي الإبهام.و يقال أيضا:ثمّة و ثمّت.

كما ألحق لفظ«ثمّ»بهذه المادّة أيضا،و هو حرف عطف يفيد التّرتيب و التّراخي،و تلحقه التّاء،فيقال:

فعلت كذا و كذا،ثمّت فعلت كذا.و تبدل فيه الفاء من الثّاء،أو هي لغة فيه،يقال:رأيت عمرا فمّ زيدا.

و لا يستقيم ردّ«ثمّ»و«ثمّ»إلى هذه المادّة كسائر مشتقّاتها-كما فعل بعض-فإنّه تمحّل واضح،لأنّ الأوّل اسم مبهم،و الثّاني حرف.

3-و ردّ ابن فارس مشتقّات هذه المادّة إلى ما أسماه «اجتماع في لين»،و أراد بهذا القيد الإصلاح،و إن لم يصرّح به.و جعل بعض هذا المعنى-أي الإصلاح- الرّأس و الأصل لهذه المادّة،نظرا إلى قولهم:ثممت الشّيء أثمّه ثمّا،أي رممته بالثّمام،و منه:ثمّ يثمّ ثمّا،أي أصلح،و ثممت أموري:أصلحتها و رممتها،و المثمّ:الّذي يرعى على من لا راعي له،و يثمّ ما عجز عنه الحيّ من أمرهم.

و لعلّ ثاءه بدل من السّين؛إذ يقال منه:سممت الشّيء أسمّه،أي أصلحته،و سممت بين القوم:أصلحت.

و نظيره في هذا الباب قولهم:ساخت رجله في الأرض و ثاخت،أي دخلت،و الوطس و الوطث:الضّرب الشّديد بالخفّ.

و أمّا مثمّ الفرس و مثمّته-أي منقطع سرّته-فهو إمّا إبدال من السّين أيضا،من قولهم:سموم الفرس،أي فروجه،واحدها:سمّ،و إمّا تصحيف«المتمّ»بالتّاء، و هو منقطع عرق السّرّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء(ثمّ)أربع مرّات:

1- وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة:115

2- وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ الشّعراء:64

3- وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً

الدّهر:20

4- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ التّكوير:19-21

يلاحظ أوّلا:أنّ(ثمّ)-و هي للإشارة إلى المكان البعيد-جاءت مرّتين في سورتين مكّيّتين،و هما:

الشّعراء و التّكوير،و مرّتين أيضا في سورتين مدنيّتين، و هما:البقرة و الدّهر،و كلّها إشارة إلى رحاب اللّه،و لم تأت في غيرها.فكأنّها في عرف القرآن خاصّة بالعزّة الإلهيّة الّتي لا تناصب،و الرّفعة الّتي لا تطاول،دون الأشياء و الأمكنة المتعارفة عند النّاس.

ففي(1)إشارة إلى ما استقبله النّاس في صلاتهم، و هو وجه اللّه ذو الجلال الّذي لا يساوى،و السّلطان

ص: 570

الّذي لا يدانى،و هذا يخصّ التّشريع.

و في(2)إشارة إلى مظهر من مظاهر قدرة اللّه في خلاص موسى و قومه من فرعون و قومه بشقّ البحر، و إنجاء الأوّلين،ثمّ إهلاك الآخرين.

و في(3)إشارة إلى ذلك النّعيم العظيم في الجنّة للأبرار،و هذا خاصّ بالآخرة.

و في(4)إشارة إلى مقام القرب الرّبوبيّ،صاحب العرش العظيم الّذي وكّل هناك جبرائيل-و هو أعظم ملائكته-مطاعا أمينا على الملائكة المقرّبين،و الأنبياء و المرسلين.

فسبحان اللّه،حيث خصّ هذه الكلمة(ثمّ) بالإشارة إلى ذلك المقام العالي الرّبوبيّ،سواء في الدّنيا أو في الآخرة.و هذه نكتة لم يدركها المفسّرون،فخذها تغنم.

ثانيا:اختلفوا في معنى الآية(1)و في سبب نزولها، قال الطّبرسيّ(1:191):«اختلف في سبب نزول هذه الآية،فقيل:إنّ اليهود أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة من بيت المقدس،فنزلت الآية ردّا عليهم.عن ابن عبّاس،و اختاره الجبّائيّ،قال:بيّن سبحانه أنّه ليس في جهة دون جهة،كما تقول المجسّمة.

و قيل:كان للمسلمين التّوجّه حيث شاءوا في صلاتهم،و فيه نزلت الآية،ثمّ نسخ ذلك بقوله: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة:149،عن قتادة قال:و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد اختار التّوجّه إلى بيت المقدس،و كان له أن يتوجّه حيث شاء.

و قيل:نزلت في صلاة التّطوّع على الرّاحلة،تصلّيها حيثما توجّهت إذا كنت في سفر،و أمّا الفرائض فقوله:

وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ البقرة:

144،يعني أنّ الفرائض لا تصلّيها إلاّ إلى القبلة.و هذا هو المرويّ عن أئمّتنا عليهم السّلام.قالوا:و صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إيماء على راحلته أينما توجّهت به،حيث خرج إلى خيبر، و حين رجع من مكّة،و جعل الكعبة خلف ظهره.

و روي عن جابر قال:بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سريّة كنت فيها،فأصابتنا ظلمة،فلم نعرف القبلة،فقالت طائفة منّا:قد عرفنا القبلة،هي هاهنا قبل الشّمال، فصلّوا و خطّوا خطوطا،و قال بعضنا:القبلة هاهنا قبل الجنوب،و خطّوا خطوطا،فلمّا أصبحوا و طلعت الشّمس،أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة،فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك،فسكت،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و قال في معنى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ: (1:

191)«أي أينما تولّوا وجوهكم فهناك وجه اللّه،أي قبلة اللّه،عن الحسن و مجاهد و قتادة...و قيل:معناه فثمّ اللّه يعلم و يرى،فادعوه كيف توجّهتم...و قيل:معناه فثمّ رضوان اللّه،يعني الوجه الّذي يؤدّي إلى رضوانه،كما يقال:هذا وجه الصّواب،عن أبي عليّ و الرّمّانيّ».

و عندنا أنّ الأقرب إلى الصّواب-مع ملاحظة سائر الآيات في هذه السّورة بشأن تغيير القبلة،حيث واجه اعتراض اليهود في المدينة،كما قال: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ البقرة:142-هو أنّ الآيات كلّها مدنيّة،نزلت بشأن تغيير القبلة عن بيت المقدس

ص: 571

إلى الكعبة.و هذا ما كان يتمنّاه المؤمنون و النّبيّ بالذّات، كما قال: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها البقرة:144.

فهذه الآية وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ تمهيد لردّ دعواهم،حيث زعموا أنّ القبلة تعبير عن مكان اللّه، فأبطل زعمهم هذا قبل إعلان تغيير القبلة بأنّه ليس للّه مكان وجهة،و ليس في المشرق و المغرب،فإنّهما للّه و ليسا جهة له.بل(أينما تولّوا فثمّ وجه اللّه)و قد أعادها مرّة أخرى في آية تغيير القبلة هذه،تأكيدا لما ذكره أوّلا،و كذا في لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ البقرة:177.

و ما كانت القبلة الأولى باختيار النّبيّ-كما قيل-بل بإرشاد اللّه كما قال: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ البقرة:143،و قد كانت هذه الحادثة امتحانا للمؤمنين الصّادقين الّذين رضوا بقبلة اليهود و هم منهم متنفّرون، و عليهم غاضبون.و كانت أيضا إغراء و استمالة لليهود؛ حيث أقرّ الإسلام قبلتهم،فأحسنوا الظّنّ بالإسلام،و لمّا غيّرها صوب المسجد الحرام أنكروها،بل أصرّوا على رفضها،كما قال: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ البقرة:145.

أمّا الاحتجاج بالآية على جواز الاكتفاء بجهة المشرق و المغرب في صلاة النّافلة أو الفريضة في السّفر، فهذا احتجاج بالسّنّة دون الكتاب،لاحظ«ق ب ل».

ثالثا:مثّل اللّه تعالى في(2)قدرته القاهرة في نجاة موسى و من معه،و هلاك فرعون و من معه بأحسن بيان، في آيات قبلها و بعدها: فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ* وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ* وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الشّعراء:61-68.

و قد عبّر قبل هذه الآيات عن الفريقين بأسمائهما:

موسى و بني إسرائيل في جانب،و فرعون و أتباعه في جانب آخر،أمّا في هذه الآيات فقد ذكر موسى و من معه ثلاث مرّات،و لم يعبّر عن فرعون و قومه إلاّ بلفظ (الآخرين)مرّتين،تحقيرا لهم و كسرا لشوكتهم و كبحا لطغيانهم و استكبارهم.و يرمز لفظ(ثمّ)معهم في المرّة الأولى إلى ذروة قهر اللّه و قدرته،أي أنّه تعالى أزلف هناك و قرّب هؤلاء البعداء عن ساحة الرّحمة و الامتنان إلى مذلّة الغيّ و الافتتان.

رابعا:في(3)بحوث:

1-أشار اللّه ب(ثمّ)إلى تلك المواقف الكريمة العالية للأبرار في الجنّة الّتي سردها في(15)آية-(5-19)- تأكيدا لنهاية علوّها ببعدها عن العبد و قربها إلى الرّبّ، فقال: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً.

و هذا السّياق بالذّات منفرد في القرآن؛حيث جاء بلسان الفرض و التّقدير وَ إِذا رَأَيْتَ، كأنّه أمر مستبعد،قلّما يقع و يصدق أن يتمكّن إنسان من نظر و رؤية ذلك الرّحاب المقدّس الفائق.فلو حدث أن رأى أحد(ثمّ) لرأى نعيما و ملكا كبيرا،فناظر بين(نعيما)و(ملكا)

ص: 572

بالتّنكير،إشعارا بأنّهما لا يدرك وصفهما و عظمتهما.ثمّ جمعهما في وصف(كبيرا)بالتّنكير أيضا لنفس السّبب، كأنّهما لا يوصفان و لا يحدّان إلاّ ب(كبيرا)و كفى.و يشعر الجمع بين(نعيما)و(ملكا)أيضا ببلوغ النّعمة نهايتها، فإنّ نهاية سعة النّعمة هي الملك،فالأبرار ملوك الجنّة؛ يسعهم ما يسع الملوك في سلطانهم.

قال الطّبرسيّ(5:411):«نعيما خطيرا و ملكا كبيرا،لا يزول و لا يفنى،عن الصّادق عليه السّلام.و قيل:

(كبيرا)أي واسعا،يعني أنّ نعيم الجنّة لا يوصف كثرة، و إنّما يوصف بعضها.و قيل:الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم و تحيّتهم بالسّلام.و قيل:هو أنّهم لا يريدون شيئا إلاّ قدروا عليه.و قيل:هو أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام،يرى أقصاه كما يرى أدناه.و قيل:هو الملك الدّائم الأبديّ في نفاذ الأمر و حصول الأمانيّ».

2-كأنّ هذه الآية وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ... إجمال و فذلكة لتلك النّعم العظام الجامعة للشّراب و اللّباس و طواف الغلمان عليهم،و السّقي بأيديهم من أواني الفضّة و القوارير،و من الكأس و السّلسبيل.و هذه هي حياة الملوك في الدّنيا.فوقعت الفذلكة موقعها؛حيث جمعتها في نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً. و لم يكتف بها،بل أتمّها و وصفها مرّة أخرى بما يخصّ الملوك من دون تكرار حرف العطف،و كأنّها شرح لهذا الإجمال،و تركيز بعد تركيز في أنّهم ملوك حقّا،فقال: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً، ثمّ ختمها بقوله: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً الدّهر:21،22،ربطا بينها و بين ما وصفهم به من الأعمال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ... إلى قوله: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً الدّهر:7،9،أي أنّكم إذا لا تريدون جزاء و شكورا من هؤلاء الأيتام و المساكين و الأسرى،فإنّا نجزئكم و نكيل لكم بصاع الملوك في هذه النّعم الكبرى، وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً الدّهر:22،لاحظ(ب ر ر):الأبرار، فتجد فيها بحثا وافيا حول هذه الآيات.

3-قال بعضهم:معناها«و إذا رأيت ما ثمّ»بحذف الموصول،و هو مفعول(رايت)،كما قيل في لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،أي ما بينكم.و ردّه الآخرون بأنّ (ثمّ)حينئذ تكون صلة ل«ما»،و لا يجوز حذف الموصول و ترك الصّلة.و أجاب عنه أبو حيّان بأنّ ذلك ليس بخطإ مجمع عليه،بل قد أجازها الكوفيّون،و ثمّ شواهد من لسان العرب.

و أمّا الطّبريّ فقال:«و عنى بقوله:(ثمّ)الجنّة»و نحوه الزّجّاج،فجعلاه مفعول(رايت)،و جعله الزّمخشريّ ظرفا له،أي إذا رأيت في الجنّة.و الأولى أنّه مفعول له، لكن أريد به تلك المواقف المذكورة و الجوّ الّذي أحاط بها،دون الجنّة نفسها كما قاله الطّبريّ،فهذا أوفق بما عبّرنا عنه ب«عرف القرآن».

خامسا:جاءت(ثمّ)في(4)بسياق يشبه سياق(3) إشارة إلى جوّ الملك؛حيث قال بشأن جبرائيل في رحاب القدس الإلهيّ،صاحب العرش العظيم: ذِي قُوَّةٍ أي فيما كلّف و أمر به من العلم و العمل و تبليغ الرّسالة عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، و العرش رمز

ص: 573

القدرة و السّطوة و السّيطرة للملوك،و اللّه ذو العرش ملك الملوك،و عرشه محيط بالعالم فجبرائيل مكين عنده كالوزير الأعظم عند ملوك الدّنيا.

قال الطّبرسيّ(5:446):«معناه متمكّن عند اللّه، صاحب العرش و خالقه،رفيع المنزلة،عظيم القدرة عنده،كما يقال:فلان مكين عند السّلطان،و المكانة:

القرب، مُطاعٍ ثَمَّ أي في السّماء عند الحضرة الرّبوبيّة تطيعه ملائكة السّماء...(امين)على وحي اللّه و رسالاته إلى أنبيائه.و في الحديث:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لجبرئيل:ما أحسن ما أثنى عليك ربّك: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ! فما كانت قوّتك؟ و ما كانت أمانتك؟...الحديث»

ص: 574

ث م ن

اشارة

7 ألفاظ 19 مرّة:8 مكّيّة،11 مدنيّة

في 13 سورة:7 مكّيّة،6 مدنيّة

ثامنهم 1:1 ثمانين 1:-1

ثماني 1:1 الثّمن 1:-1

ثمانية 4:4 ثمنا 10:1-9

بثمن 1:1

النّصوص اللّغويّة

اللّيث: ثمن كلّ شيء:قيمته.(الأزهريّ 15:106)

سيبويه :ثمان إذا سمّيت به رجلا فلا تصرف،لأنّها واحدة كعناق.

و ياء ثمان كياء قمري و بختي،لحقت كلحاق ياء يمان و شآم،و إن لم يكن فيهما معنى إضافة إلى بلد و لا إلى أب، كما لم يك ذلك في بختي.(3:231)

الكسائيّ: أثمنت الرّجل متاعه،و أثمنت له،بمعنى واحد.(الأزهريّ 15:106)

الأصمعيّ: الثّماني:نبت.(الأزهريّ 15:106)

يقال:ثمانية رجال،و ثماني نسوة،و لا يقال:ثمان.

[ثمّ استشهد بشعر]

هنّ ثماني عشرة امرأة،مفتوحة الياء.هما اسمان جعلا اسما واحدا،ففتحت أواخرها.

(الأزهريّ 15:107)

ابن الأعرابيّ: المثمنة:المخلاة.

(الأزهريّ 15:107)

أبو عبيد: الثمن و الثّمين:واحد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:106)

ابن السّكّيت: و الثّمن:مصدر ثمنت القوم أثمنهم،إذا أخذت ثمن أموالهم،و مصدر ثمنتهم أثمنهم، إذا كنت لهم ثامنا.

و الثّمن:ثمن السّلعة.(إصلاح المنطق:56)

شمر:ثمّنت الشّيء،إذا جمعته،فهو مثمّن.

و كساء ذو ثمان:عمل من ثماني جزّات.[ثمّ

ص: 575

استشهد بشعر](الأزهريّ 15:107)

ابن دريد :الثّمن معروف،و أثمن الشّيء فهو ثمين و مثمن،إذا كثر ثمنه.

و ثمان من العدد معروف،و يجمع الثّمن أثمنا و أثمانا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّمين و الثّمن:الجزء من ثمانية أجزاء من أيّ مال كان،قلّ أو كثر.و يجمع ثمن على ثمن و أثمان.[ثمّ استشهد بشعر](2:51)

الصّاحب: الثّمن معروف،و جمعه:أثمان.

و ثوب ثمين:كثير الثّمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و المثمن:الّذي يورد إبله ثمنا،و القوم مثمنون:

إبلهم ثوامن،و في المثل:«أحمق من راعي ضأن ثمانين».

و أثمن البيع:جعل له ثمنا.

و الثّمن و الثّمين:جزء من ثمانية.

و كساء ذو ثمان،أي عمل من ثماني جزّات من الصّوف.

و المثمنة:أعظم من المخلاة،يجعل فيها الرّاعي طعامه.

و الثّماني:نبت،و أرض أيضا،و هضبات غير مشرفات.

و المثمّن:المسموم.

و المثامن:جواء لبني ظالم من نمير.

و الثّمينة:اسم أرض،في قول ساعدة.(10:157)

الجوهريّ: «ثمانية رجال و ثماني نسوة»و هو في الأصل منسوب إلى الثّمن،لأنّه الجزء الّذي صيّر السّبعة ثمانية،فهو ثمنها،ثمّ فتحوا أوّله لأنّهم يغيّرون في النّسب،كما قالوا:دهريّ و سهليّ،و حذفوا منه إحدى ياءي النّسب و عوّضوا منها الألف،كما فعلوا في المنسوب إلى اليمن،فثبتت ياؤه عند الإضافة كما ثبتت ياء القاضي،فتقول:ثماني نسوة و ثماني مائة،كما تقول:

قاضي عبد اللّه،و تسقط مع التّنوين عند الرّفع و الجرّ، و تثبت عند النّصب،لأنّه ليس بجمع فيجري مجرى جوار و سوار في ترك الصّرف.و ما جاء في الشّعر غير مصروف فهو على توهّم أنّه جمع.

و قولهم:الثّوب سبع في ثمان،كان حقّه أن يقال ثمانية،لأنّ الطّول يذرع بالذّراع و هي مؤنّثة،و العرض يشبر بالشّبر و هو مذكّر.و إنّما أنّثوه لمّا لم يأتوا بذكر الأشبار،و هذا كقولهم:صمنا من الشّهر خمسا،و إنّما يراد بالصّوم الأيّام دون اللّيالي،و لو ذكر الأيّام لم يجد بدّا من التّذكير.

و إن صغّرت الثّمانية فأنت بالخيار:إن شئت حذفت الألف،و هو أحسن،فقلت:ثمينية.و إن شئت حذفت الياء فقلت:ثميّنة،قلبت الألف ياء و أدغمت فيها ياء التّصغير،و لك أن تعوّض فيهما.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثمنت القوم أثمنهم بالضّمّ،إذا أخذت ثمن أموالهم،و أثمنهم بالكسر،إذا كنت ثامنهم.

و أثمن القوم:صاروا ثمانية.

و شيء مثمّن:جعل له ثمانية أركان.

و أثمن الرّجل،إذا وردت إبله ثمنا،و هو ظمء من أظمائها.

و قولهم:«هو أحمق من صاحب ضأن ثمانين»، و ذلك أنّ أعرابيّا بشّر كسرى ببشرى سرّ بها،فقال:

ص: 576

سلني ما شئت،فقال:أسألك ضأنا ثمانين.

و الثّمن:ثمن المبيع،يقال:أثمنت الرّجل متاعه، و أثمنت له.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّمين:الثّمن،و هو جزء من الثّمانية.[ثمّ استشهد بشعر]

و شيء ثمين،أي مرتفع الثّمن.

و ثمانية:اسم موضع.(5:2088)

ابن فارس: الثّاء و الميم و النّون أصلان:أحدهما عوض ما يباع،و الآخر جزء من ثمانية.

فالأوّل قولهم:بعت كذا و أخذت ثمنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الثّمن فواحد من ثمانية.يقال:ثمنت القوم أثمنهم إذا أخذت ثمن أموالهم.و الثّمين:الثّمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّا شذّ عن الباب(ثمينة)و هو بلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه أيضا المثمنة،و هي المخلاة.(1:386)

أبو هلال :الفرق بين العوض و الثّمن:أنّ الثّمن يستعمل فيما كان عينا أو ورقا،و العوض يكون من ذلك و من غيره،تقول:أعطيت ثمن السّلعة عينا أو ورقا، أعطيت عوضها من ذلك أو من العوض.و إذا قيل:

الثّمن من غير العين و الورق فهو على التّشبيه.

الفرق بين القيمة و الثّمن:أنّ القيمة هي المساوية لمقدار المثمّن من غير نقصان و لا زيادة،و الثّمن قد يكون بخسا و قد يكون وفقا و زائدا.و الملك لا يدلّ على الثّمن،فكلّ ماله ثمن مملوك،و ليس كلّ مملوك له ثمن.

و قال اللّه تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً البقرة:41،فأدخل الباء في الآيات،و قال: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:20،فأدخل الباء في الثّمن،قال الفرّاء:هذا لانّ العروض كلّها أنت مخيّر في إدخال الباء فيها،إن شئت قلت:اشتريت بالثّوب كساء،و إن شئت قلت:اشتريت بالكساء ثوبا،أيّهما جعلته ثمنا لصاحبه جاز.فإذا جئت إلى الدّراهم و الدّنانير وضعت الباء في الثّمن،لأنّ الدّراهم أبدا ثمن.(198)

الهرويّ: الثّمن:قيمة الشّيء.جعل الثّمن مشترى كسائر السّلع،لأنّ الثّمن و المثمن كلاهما مبيع،و لذلك أجيز:شريت،بمعنى بعت.(298)

ابن سيده: الثّمن،و الثّمن،و الثّمين من الأجزاء:معروف يطّرد ذلك عند بعضهم في هذه الكسور،و هي الأثمان.

و ثمنهم يثمنهم-بالضّمّ-ثمنا:أخذ ثمن أموالهم.

و الثّمانية:من العدد،معروف أيضا.

و يقال:ثمان،على لفظ يمان،و ليس بنسب،و قد جاء في الشّعر غير مصروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو عليّ الفارسيّ: ألف ثمان للنّسب.

قال ابن جنّيّ: فقلت له:لم زعمت أنّ ألف ثمان للنّسب؟

فقال:لأنّها ليست بجمع مكسّر،فتكون كصحار.

قلت له:نعم،و لو لم تكن للنّسب للزمتها الهاء البتّة، نحو عباقية و كراهية و سباهية؟فقال:نعم،هو كذلك.

و حكى ثعلب:ثمان،في حدّ الرّفع.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 577

و ثمنهم يثمنهم ثمنا:كان لهم ثامنا.

و المثمّن من العروض:ما بني على ثمانية أجزاء.

و الثّمن:اللّيلة الثّامنة من أظماء الإبل.

و الثّمانون:من العدد،معروف،و هو من الأسماء الّتي قد يوصف بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّماني:موضع به هضاب معروفة أراها ثمانيا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّمن:ما استحقّ به الشّيء،و الجمع:أثمان، و أثمن،لا يتجاوز به أدنى العدد.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:167)

الثّمانية:عدد يلي السّبعة للمعدود المذكّر،و بحذف الهاء للمؤنّث،ثمن القوم يثمنهم ثمنا:صار ثامنهم.

و أثمن القوم:صاروا ثمانية.و ثمّنهم:جعلهم ثمانية، و الشّيء:جعل له ثمانية أركان.

و إذا أضيف الثّمانية إلى مؤنّث تحذف الهاء و تثبت الياء،تقول:جاء ثماني نسوة،و رأيت ثماني نسوة.

و إذا لم تضف قلت:عندي من البقر ثمان،بحذف الياء،و غرست من الشّجر ثماني.

و أنت في المركّب بالخيار بين سكون الياء و فتحها، تقول:عندي ثماني عشرة شجرة و ثماني عشرة؛و تحذف الياء بشرط فتح النّون.

فإن كان المعدود مذكّرا قلت:عندي ثمانية عشر رجلا بإثبات الهاء.و يقال:هو ثامن ثمانية.

(الإفصاح 2:1253)

الطّوسيّ: فالثّمن و العوض و البدل نظائر،و بينها فرق؛فالثّمن:هو البدل في البيع من العين أو الورق.

و إذا استعمل في غيرهما كان مشبها بهما و مجازا.

و العوض:هو البدل الّذي ينتفع به كائنا ما كان.

و أمّا البدل:فهو الجعل للشّيء مكان غيره.

و يقال:ثمّنه تثمينا،و ثامنه مثامنة.و يجمع الثّمن:

أثمانا و أثمنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّمن:جزء من الثّمانية أجزاء،من أيّ مال كان.

و ثوب ثمين،إذا كان كثير الثّمن.[ثمّ ذكر الفرق بين الثّمن و القيمة،كما تقدّم عن أبي هلال](1:187)

الرّاغب: الثّمن:اسم لما يأخذه البائع في مقابلة المبيع عينا كان أو سلعة،و كلّ ما يحصل عوضا عن شيء فهو ثمنه.[إلى أن قال:]

و أثمنت الرّجل بمتاعه و أثمنت له:أكثرت له الثّمن، و شيء ثمين:كثير الثّمن.

و الثّمانية و الثّمانون و الثّمن:في العدد،معروف.

و يقال:ثمنته:كنت له ثامنا،أو أخذت ثمن ماله.

(82)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:343)، و مجمع اللّغة(1:174)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(97).

الحريريّ: يقولون لمن يكثر ثمنه:مثمن، فيوهمون فيه،لأنّ«المثمن»على قياس كلام العرب هو الّذي صار له ثمن و لو قلّ،كما يقال:غصن مورق،إذا بدا فيه الورق،و شجر مثمر إذا أخرج الثّمرة،و المراد به غير هذا المعنى،و وجه الكلام أن يقال فيه:ثمين،كما يقال:رجل لحيم،إذا كثر لحمه،و كبش شحيم،إذا كثر شحمه.و في كلام بعض البلغاء:«قدر الأمين ثمين».(55)

ص: 578

يقولون:عندي ثمان نسوة و ثمان عشرة جارية و ثمان مائة درهم،فيحذفون الياء من«ثمان»في هذه المواطن الثّلاثة.و الصّواب إثباتها،فيقال:ثماني نسوة و ثماني عشرة جارية و ثماني مائة،لأنّ«الياء»في ثمان ياء المنقوص،و ياء المنقوص تثبت في حالة الإضافة و حالة النّصب،كالياء في قاض.(123)

الزّمخشريّ: ثمنتهم أثمنهم:كنت ثامنهم بالكسر، و بالضّمّ:أخذت ثمن أموالهم.

و كانوا سبعة فأثمنوا،أي صاروا ثمانية.

و أخذت فلانة ثمينها من تركة زوجها.[ثمّ استشهد بشعر]

و إبل ثوامن:من الثّمن،بمعنى الظّمء.

و كساء ذو ثمان:عمل من ثمان جزّات.[ثمّ استشهد بشعر]

و متاع ثمين:كثير الثّمن،و سلعة ثمينة،و قد ثمنت ثمانة.و تقول:هذا المتاع الثّمين،لك منه الثّمين.

و أثمنت الرّجل بمتاعه،و أثمنت له:أعطيته ثمنه.

و أثمنت البيع:سمّيت له ثمنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثمّن هذا المتاع:بيّن ثمنه،كما تقول:قوّمه.

وضع بين يدي البائع الثّمن و المثمّن أو المثمن.

(أساس البلاغة:48)

المدينيّ: في حديث بناء المسجد:«ثامنوني بحائطكم».أي قرّروا معي ثمنه و بيعوني بالثّمن،و كذلك أثمنوني به.

و أثمن له به:أعطاه ثمنه.و ثمّن متاعه:قوّمه.

(1:275)

ابن الأثير: يقال:ثامنت الرّجل في المبيع أثامنه، إذا قاولته في ثمنه،و ساومته على بيعه و اشترائه.

(1:223)

الفيّوميّ: الثّمن:العوض،و الجمع:أثمان،مثل سبب و أسباب،و أثمن قليل،مثل جبل و أجبل.

و أثمنت الشّيء وزان أكرمته:بعته بثمن،فهو مثمن،أي مبيع بثمن.

و ثمّنته تثمينا:جعلت له ثمنا بالحدس و التّخمين.

و الثّمن بضمّ الميم للإتباع،و بالتّسكين جزء من ثمانية أجزاء.

و الثّمين مثل كريم:لغة فيه.

و ثمنت القوم من باب«ضرب»:صرت ثامنهم، و من باب«قتل»:أخذت ثمن أموالهم.

و الثّمانية بالهاء:للمعدود المذكّر،و بحذفها للمؤنّث، و منه: سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ الحاقّة:7.

و الثّوب سبع في ثمانية،أي طوله سبع أذرع و عرضه ثمانية أشبار،لأنّ«الذّراع»أنثى في الأكثر،و لهذا حذفت العلامة معها،و الشّبر مذكّر.

و إذا أضفت«الثّمانية»إلى مؤنّث تثبت الياء ثبوتها في القاضي،و أعرب إعراب المنقوص،تقول:جاء ثماني نسوة،و رأيت ثماني نسوة،تظهر الفتحة.

و إذا لم تضف قلت:عندي من النّساء ثمان،و مررت منهنّ بثمان،و رأيت ثماني.

و إذا وقعت في المركّب تخيّرت بين سكون الياء و فتحها؛و الفتح أفصح،يقال:عندي من النّساء ثماني

ص: 579

عشرة امرأة،و تحذف الياء في لغة بشرط فتح النّون.

فإن كان المعدود مذكّرا قلت:عندي ثمانية عشر رجلا،بإثبات الهاء.(84)

الفيروزآباديّ: الثمن بالضّمّ و بضمّتين و كأمير:

جزء من ثمانية أو يطّرد ذلك في هذه الكسور،الجمع:

أثمان.

و ثمنهم:أخذ ثمن مالهم،و كضربهم:كان ثامنهم.

و ثمان كيمان:عدد و ليس بنسب،أو في الأصل منسوب إلى«الثّمن»لأنّه الجزء الّذي صيّر السّبعة ثمانية فهو ثمنها،ثمّ فتحوا أوّلها لأنّهم يغيّرون في النّسب،و حذفوا منها إحدى ياءي النّسب،و عوّضوا منها الألف،كما فعلوا في المنسوب إلى اليمن فثبتت ياؤه عند الإضافة كما ثبتت ياء القاضي،فتقول:ثماني نسوة و ثماني مائة،و تسقط مع التّنوين عند الرّفع و الجرّ، و تثبت عند النّصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و كمعظّم:ما جعل له ثمانية أركان،و المسموم و المحموم.

و الثّمن بالكسر:اللّيلة الثّامنة من أظماء الإبل.

و أثمن:وردت إبله ثمنا،و القوم:صاروا ثمانية.

و ثمن الشّيء محرّكة:ما استحقّ به ذلك الشّيء، الجمع:أثمان و أثمن.

و أثمنه سلعته و أثمن له:أعطاه ثمنها.

و ثمانين:بلد بناه نوح عليه السّلام،لمّا خرج من السّفينة و معه ثمانون إنسانا.(4:209)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه الكلمة:هو العوض في مقام المعاملة،و قريب منها كلمة الثّمر،و تدلّ على ما يتولّد و يتحصّل من شيء.و أمّا العدد المخصوص فالتّحقيق أنّه مأخوذ من اللّغة العبريّة، و ليس مأخوذا من هذه المادّة،لعدم التّناسب بينهما.

فيقال في العبريّة: شموناه-8،فتحوّلت في العربيّة إلى ثمانية،و كذلك سائر الأعداد.(2:29)

النّصوص التّفسيريّة

ثمنا

1- ...وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ إِيّايَ فَاتَّقُونِ.

البقرة:41

الحسن :هو الدّنيا بحذافيرها.(النّسفيّ 1:45)

الفرّاء: و كلّ ما كان في القرآن من هذا قد نصب فيه الثّمن،و أدخلت الباء في المبيع أو المشترى،فإنّ ذلك أكثر ما يأتي في الشّيئين لا يكونان ثمنا معلوما،مثل الدّنانير و الدّراهم،فمن ذلك:اشتريت ثوبا بكساء،أيّهما شئت تجعله ثمنا لصاحبه،لأنّه ليس من الأثمان؛و ما كان ليس من الأثمان،مثل الرّقيق و الدّور و جميع العروض فهو على هذا.

فإن جئت إلى الدّراهم و الدّنانير وضعت الباء في الثّمن،كما قال: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ يوسف:20،لأنّ الدّراهم ثمن أبدا،و الباء إنّما تدخل في الأثمان،فذلك قوله: اِشْتَرَوْا بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً التّوبة:9، اِشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ البقرة:86، اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَ الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ البقرة:175.

ص: 580

فأدخل الباء في أيّ هذين شئت حتّى تصير إلى الدّنانير و الدّراهم،فإنّك تدخل الباء فيهنّ مع العروض، فإذا اشتريت أحدهما-يعني الدّنانير و الدّراهم- بصاحبه أدخلت الباء في أيّهما شئت،لأنّ كلّ واحد منهما في هذا الموضع بيع و ثمن.

فإن أحببت أن تعرف فرق ما بين العروض و بين الدّراهم،فإنّك تعلم أنّ من اشترى عبدا بألف درهم معلومة،ثمّ وجد به عيبا فردّه،لم يكن له على البائع أن يأخذ ألفه بعينه،و لكن ألفا.و لو اشترى عبدا بجارية ثمّ وجد به عيبا لم يرجع بجارية أخرى مثلها،فذلك دليل على أنّ العروض ليست بأثمان.(1:30)

نحوه الطّبرسيّ.(1:95)

البغويّ: أي عوضا يسيرا من الدّنيا،و ذلك أنّ رؤساء اليهود و علماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم و جهّالهم،يأخذون كلّ عام منهم شيئا معلوما من زروعهم و ضروعهم و نقودهم،فخافوا أنّهم إن بيّنوا صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و تابعوه أن تفوتهم تلك المأكلة،فغيّروا نعته و كتموا اسمه عنهم،فاختاروا الدّنيا على الآخرة.(1:110)

نحوه الشّربينيّ.(1:54)

الزّمخشريّ: و الثّمن القليل:الرّئاسة الّتي كانت لهم في قومهم،خافوا عليها الفوات لو أصبحوا تباعا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فاستبدلوها،و هي بدل قليل و متاع يسير بآيات اللّه و بالحقّ الّذي كلّ كثير إليه قليل و كلّ كبير إليه حقير،فما بال القليل الحقير.(1:276)

نحوه النّيسابوريّ.(1:297)

ابن عطيّة:يعني الدّنيا و مدّتها،و العيش الّذي هو نزر لا خطر له.(1:135)

الفخر الرّازيّ: الاشتراء يوضع موضع الاستبدال، فكذا الثّمن يوضع موضع البدل عن الشّيء و العوض عنه،فإذا اختير على ثواب اللّه شيء من الدّنيا فقد جعل ذلك الشّيء ثمنا عند فاعله.(3:42)

البيضاويّ: و لا تستبدلوا بالإيمان بها و الاتّباع لها حظوظ الدّنيا،فإنّها و إن جلّت،قليلة مستزلّة، بالإضافة إلى ما يفوت عنكم من حظوظ الآخرة بترك الإيمان.(1:53)

نحوه البروسويّ(1:118)،و أبو السّعود(1:128).

أبو حيّان :و المعنى-و اللّه أعلم-و لا تستبدلوا بآياتي العظيمة أشياء حقيرة خسيسة و لو أدخل الباء على«الثّمن»دون الآيات لانعكس هذا المعنى؛إذ كان يصير المعنى أنّهم هم بذلوا ثمنا قليلا و أخذوا الآيات.

(1:178)

2- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً... البقرة:174

السّدّيّ: كتموا اسم محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و أخذوا عليه طمعا قليلا،فهو الثّمن القليل.(138)

الماورديّ: يعني قبول الرّشى على كتم رسالته و تغيير صفته،و سمّاه قليلا لانقطاع مدّته و سوء عاقبته.و قيل:لأنّ ما كانوا يأخذون من الرّشى كان قليلا.(1:223)

ص: 581

نحوه القرطبيّ.(2:234)

البغويّ: أي عوضا يسيرا،يعني المآكل الّتي يصيبونها من سفلتهم.(1:202)

الطّبرسيّ: أى يستبدلون به عرضا قليلا،و ليس المراد أنّهم إذا اشتروا به ثمنا كثيرا كان جائزا بل الفائدة فيه أنّ كلّ ما يأخذونه في مقابلة ذلك من حطام الدّنيا فهو قليل.و للعرب في ذلك عادة معروفة و مذهب مشهور،و مثله في القرآن كثير.[فلاحظ](1:258)

الفخر الرّازيّ: كان غرضهم من ذلك الكتمان:أخذ الأموال بسبب ذلك،فهذا هو المراد من اشترائهم بذلك ثمنا قليلا.(5:29)

البيضاويّ: عوضا حقيرا.(1:96)

نحوه أبو السّعود(1:233)،و البروسويّ(1:

279)،و الآلوسيّ(2:43).

القاسميّ: أي ممّا يتمتّعون به من لذّات العاجلة.

و قلّله لحقارته في نفسه.(3:384)

و بهذا المعنى جاءت سائر الآيات و سنتداولها بالبحث في الاستعمال القرآنيّ.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّمن،أي قيمة الشّيء و قدره،و الجمع:أثمان و أثمن،يقال:ثامنت الرّجل في البيع أثامنه،إذا قاولته في ثمنه،و ساومته على بيعه و اشترائه.و شيء ثمين:مرتفع الثّمن،على المبالغة، مثل:رحيم و عظيم.

و منه أيضا:العدد ثمان،لأنّه يقدّر ما يقع بعد السّبعة و قبل التّسعة من العدد،كما يقدّر الرّبع مقدار الكيل، و هو أربعة أقداح،و السّديس مقدار سنّ الإبل،و هو السّنة الثّامنة،و الثّنيّ مقدار سنّ الفرس،و هو دخول السّنة الرّابعة،و غير ذلك ممّا جاء في اللّغة.

و يقال منه:ثمنهم يثمنهم ثمنا،أي كان لهم ثامنا، و أثمن القوم:صاروا ثمانية،و كساء ذو ثمان:عمل من ثماني جزّات،و شيء مثمّن:جعل له ثمانية أركان، و المثمّن من العروض:ما بني على ثمانية أجزاء.

و الثّمن و الثّمن:جزء من الثّمانية،و الجمع:

أثمان،يقال:ثمنهم يثمنهم ثمنا،أي أخذ ثمن أموالهم، و الثّمين:جزء من الثّمانية أيضا،و كذا جاء«فعيل»في سائر الأعداد من الثّلاثة إلى العشرة،و هي:الثّليث و الرّبيع و الخميس و السّديس و السّبيع و الثّمين و التّسيع و العشير.

و الثّمن:اللّيلة الثّامنة من أظماء الإبل،يقال:أثمن الرّجل،أي وردت إبله ثمنا.

و الثّمانية:لا يصرف لشبهه بجوار لفظا لا معنى، يقال:هم رجال ثمانية،و هنّ نساء ثمان،و مررت برجال ثمانية،و نساء ثمان،و رأيت رجالا ثمانية،و نساء ثماني، و هم ثمانية عشر رجلا و هنّ ثماني عشرة امرأة،و مررت بثمانية عشر رجلا،و ثماني عشرة امرأة،و رأيت ثمانية عشر رجلا،و ثماني عشرة امرأة.

و الثّمانون:ملحق بجمع المذكّر السّالم كسائر العقود، و هو من الأسماء الّتي يوصف بها،يقال في المثل:«هو أحمق من صاحب ضأن ثمانين»،و يروى بألفاظ مختلفة.

2-و عدّ بعضهم العدد ثمانية و سائر الأعداد العربيّة

ص: 582

عبريّة المنشأ،و هو كلام ملقى على عواهنه،لأنّ اللّغات السّاميّة-كما نوّهنا مرارا-قد قدّت من أديم واحد، و شقّت من نبعة واحدة،فلا يستطيع أحد أن يبتّ في أصل لفظ من ألفاظها إلاّ ما دلّ عليه شاهد،و ظهر فيها برهان،كالآثار التّاريخيّة و الحقائق اللّغويّة،و اللّغة العربيّة أقدم اللّغات السّاميّة،راجع«المدخل».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

فيها(19)آية في محورين:

أ-العدد

1- سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً

الكهف:22

2- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ القصص:27

3- وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ...

الأنعام:142-144

4- خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى تُصْرَفُونَ الزّمر:6

5- وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ* سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقّة:6،7

6- وَ الْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ الحاقّة:17

7- وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ النّور:4

8- ...فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ النّساء:12

ب:الثّمن:

9- وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ يوسف:20

10- وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ إِيّايَ فَاتَّقُونِ البقرة:41

11- وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً آل عمران:199

12- ...فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا

ص: 583

بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ المائدة:44

13- اِشْتَرَوْا بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ التّوبة:9

14- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ البقرة:174

15- إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ آل عمران:77

16- وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ النّحل:95

17- وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ

آل عمران:187

18- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ البقرة:79

19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ المائدة:106

يلاحظ أوّلا:أنّه قد جاءت في المحور الأوّل-أي العدد-خمس كلمات:

الأولى:«ثامن»في(1) وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، و هي جزء من قصّة أصحاب الكهف،قال الطّباطبائيّ(13:

267):«و الآية من معارك آراء المفسّرين،و لهم في مفرداتها،و في ضمائر الجمع الّتي فيها و في جملها،اختلاف عجيب،و الاحتمالات الّتي أبدوها في معاني مفرداتها، و مراجع ضمائرها،و أحوال جملها،إذا ضربت بعضها في بعض بلغت الألوف...».

و فيها بحوث:

الأوّل:أنّ لفظ«ثامن»منفرد في الآية،و جاء في غيرها بألفاظ أخرى،كما أنّ القصّة فريدة في القرآن في نوعها،فلم تتكرّر كما تكرّرت جملة من القصص، و لا سيّما قصص الأنبياء و الأمم،فشابه هذا اللّفظ القصّة عددا.

الثّاني:قال الطّباطبائيّ أيضا:«و من لطيف صنع الآية في عدّ الأقوال نظمها العدد من ثلاثة إلى ثمانية نظما متواليا،ففيها ثلاثة رابعها،خمسة سادسها،سبعة و ثامنها».و لقد اكتشفنا نحن من لطائفها أشياء أخرى:

1-أنّ كلّ جملة لمبتدإ محذوف،أي هم ثلاثة،هم أربعة،هم سبعة،فلو ذكر المبتدأ ثلاث مرّات أو مرّة واحدة،لأخلّ بالنّظم في الحالتين،فحذف رأسا لوضوحه.

2-أنّه روعي التّذكير و التّأنيث فيها بدقّة بالغة،كما هو المعتاد من الثّلاثة إلى العشرة معكوسة،و في العدد

ص: 584

التّرتيبيّ موافقة بين الصّفة و الموصوف.فالعدد الأوّل جاء في كلّ جملة مؤنّثا،تعبيرا عن أصحاب الكهف، و جاء العدد الثّاني منها مذكّرا،تعبيرا عن كلبهم.

3-أنّه عبّر عنهم بالأعداء:ثلاثة،خمسة،سبعة، منفصلة بعضها عن بعض.ثمّ عبّر عن كلبهم بالأعداد:

رابعهم،سادسهم،ثامنهم،منفصلة أيضا بتداخل و تلفيق بينها،أي أنّهم كوّنوا أصل الأعداد،و كان كلبهم يكمّلها دائما،لأنّ معنى(رابعهم)أنّه زاد على الثّلاثة و أكملها،و هكذا(سادسهم)و(ثامنهم).فكأنّه عدّ كلبهم من جملتهم،غير أنّه بشكل متميّز،فأضافه إليهم ثلاث مرّات بأعداد تغاير أعدادهم.

4-كرّر(الكلب)فيها ثلاث مرّات،و هي مع قوله:

وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ الكهف:18،تصبح أربعا،و فيه تكريم و تعظيم لكلبهم،و أيّما تكريم و تعظيم!

5-جاء الكلب فيها أربع مرّات،و كلّها في سياق المدح و التّكريم،لإضافته إليهم.و جاء مرّة أخرى في القرآن غير مضاف: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ الأعراف:176،ذمّا لصفة من صفاته،و هو أنّه يلهث،سواء تحمل عليه أم تتركه، فلا فرق لديه في الحالتين،تمثيلا لمن هو ضالّ،سواء و عظته أم لم تعظه،كقوله: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ الأعراف:193،لاحظ«ل ل ه ث».

و بذلك أبان أنّ الكلب قد اكتسب بملازمة أصحاب الكهف شرفا إنسانيّا،لم يكن يملكه قبل ذلك،و نعم ما قال السّعديّ،الشّاعر الفارسيّ:

ما ترجمته:

لقد عاشر الأشرار ذاك ابن نوح

فضيّع الكرام الغرّ من آل نوح

و كلب لأهل الكهف آنا لهم تبع

فأضحى لهم كفؤا قريضا ليوح (1)

6-جاءت 18 آية من السّورة في أصحاب الكهف (9-26)،و قد سمّوا(أصحاب الكهف)مرّة(9)و(فتية) مرّتين(10)و(13)،و أشير إليهم بالضّمائر مرّات،مع أنّه ذكر(كلبهم)أربع مرّات:ثلاث منها في آية واحدة، و في هذا فضل كبير.

7-يبدو أنّ بين«الكهف»و«كلب»في الآيات تجانس لفظيّ،و توازن عدديّ،إذ كرّر كلّ منهما أربع مرّات:(الكهف)غير مضاف،و(كلبهم)مضاف إليهم.

و قد كرّر(كهفهم)في(17)و(25)مرّتين أخريين،نصف عدد(كلبهم)،ففي إضافة«كهف»و«كلب»إليهم تكريم لهما،مع تفاضل ملحوظ بينهما،بجعل«كلب»ضعف «كهف».

الثّالث:في(سيقولون)إخبار بالغيب عمّا وقع من النّزاع في عددهم-(الطّبرسيّ 3:490)،بعد نزول الآيات-بين وفد نصارى نجران عند النّبيّ عليه السّلام،فقالت اليعقوبيّة منهم:كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم،و قالت النّسطوريّة منهم:كانوا خمسة سادسهم كلبهم،ففيم.

ص: 585


1- لقد ترجمنا هذين البيتين من الفارسيّة،و هما فيها: پسر نوح با بدان بنشست خاندان نبوّتش گم شد سگ اصحاب كهف روزى چند پى مردم گرفت و مردم شد و قريض:متروك،و يوح:من أسماء الشّمس،و هو إشارة إلى قوله تعالى: تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ الكهف:17،أي تجاوزهم و تتركهم.

(سيقولون)إخبار بالغيب.و نفي لما قالوه رجما بالغيب، و فيه لطف كبير.

الرّابع:جاء بعد نقل قول الفرقتين قيد (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ،أي قولا بغير علم،أو ظنّا بالغيب بلا يقين، و هذا يعمّ القولين،فهو رفض لهما.ثمّ حكى قول المسلمين: وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، و لم يعقّبه بشيء يدلّ على زيفه،بل ربّما أيّده بقوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ كما قيل،أو بإضافة«واو»الثّمانية كما يأتي.

الخامس:جاء(و ثامنهم)مع الواو،و ما قبله من دون«واو»،فقالوا:إنّها«واو»الثّمانية.قال ابن عبّاس:«حين وقعت(الواو)انقطعت العدّة،أي لم يبق بعدها عدّة عادة فيلتفت إليها،و ثبت أنّهم سبعة و ثامنهم كلبهم على القطع و الثّبات»الميزان(13:269).و قال الطّبرسيّ(3:459):«و أمّا من قال:هذه(واو) الثّمانية،و استدلّ بقوله: حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:73،لأنّ للجنّة ثمانية أبواب،فشيء لا يعرفه النّحويّون»،و فيه تفصيل لإعراب هذه الآية فلاحظ.

و قد ذكر الفخر الرّازيّ(22:107)هذا الوجه،و لم يقتنع به،بل قال:«هي الواو الّتي تدخل على الجملة الواقعة صفة لنكرة،كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك:جاءني رجل و معه آخر،و مررت بزيد و في يده سيف،و منه وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ وَ لَها كِتابٌ مَعْلُومٌ الحجر:4.

و فائدتها توكيد ثبوت الصّفة للموصوف،و الدّلالة على أنّ اتّصافه بها أمر ثابت مستقرّ،فكانت هذه «الواو»دالّة على صدق الّذين قالوا:إنّهم كانوا سبعة و ثامنهم كلبهم،و أنّهم قالوا قولا متقرّرا متحقّقا عن ثبات و علم و طمأنينة نفس»،و قد أيّد الطّباطبائيّ هذا الرّأي.

و عندنا أنّ في الآية قد كرّر(يقولون)ثلاث مرّات عطفا لبعضها على بعض،تأكيدا لمقال كلّ فريق و فصله عن مقال الآخرين.و قد جاءت رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ جملة وصفيّة ل ثَلاثَةٌ، و هكذا سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ وصفا ل خَمْسَةٌ. أمّا وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فجاءت حالا ل(سبعة)،و ليست عطفا على ما قبلها،تفريقا بينها و بين الوصفين السّابقين،و تنبيها على أنّه القول الحقّ الّذي صدر:عن علم و يقين دون رجم بالغيب.ف(الواو) حاليّة،و ليست بعاطفة،و الحال أمسّ و أقرب و ألصق بذي الحال من الوصف بالموصوف،فاختصاص هذه بالواو و فصلها عمّا قبلها بذلك كمعلم لها على أنّها الحقّ،و اللّه أعلم.

السّادس:أنّ قوله: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً... يشعر بأنّ البحث في عددهم-و قد شغل الفريقين قرونا-ليس فيه نفع،و يحكي في نفس الوقت عن ثقافة فرق النّصارى يوم ذاك حيث شغلهم ما لم يكن فيه نفع.

الثّانية:«ثماني»،جاءت مرّة واحدة أيضا في(2):

عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ، قال الطّبرسيّ(4:

249):«أي تكون أجيرا لي ثماني سنين»،و فيها بحوث:

1-«الياء»في«ثماني»أصليّ كالجواري،و هو مذكّر

ص: 586

غير منصرف وصفا للمؤنّث،و(حجج)تمييز له،و هي مؤنّثة،و عكسه(ثمانية)،فهي مؤنّثة،و موصوفها مذكّر كما يأتي.

2-قد سبق بحث في(إحداهما)في الآية أنّها هي الّتي أنكحها أبوها موسى،لاحظ«أ ح د».

3-أثار الفخر الرّازيّ(7:239)أسئلة حول هذه الآيات،و لا سيّما في مدّة استئجار موسى ثماني إلى عشر سنين،و حول جعل الخدمة لشعيب مهرا لا بنته، لاحظ«ن ك ح»و نصّ الطّبرسيّ فيما تقدّم.

الثّالثة:«ثمانية»،و فيها بحوث أيضا:

1-جاءت 4 مرّات:مرّتين بلفظ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ للأنعام الأهليّة الأربع:الضّأن و المعز و الإبل و البقر،في (3)و(4)في سورتين مكّيّتين:«الأنعام»و(الزّمر)، فأجملها في(الأنعام)أوّلا-تفسيرا لصدر الآية: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً -ثمّ فصّلها بقوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ... مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ. و اكتفى بإجمالها في(الزّمر:6) المتأخّرة عنه: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مع اختلاف سياقهما،ففي(الأنعام)إبطال لما حرّمه المشركون من عند أنفسهم.و قد كرّر فيهما: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ تأكيدا له و توبيخا لهم.و في(الزّمر)تنبيه على نعم اللّه للعباد،و لا يخلو سياق آية(الأنعام)من هذا أيضا.

2-قال الطّبرسيّ(2:377)،بشأن هذا الإجمال و التّفصيل في الأنعام:«و إنّما أجمل ثمّ فصّل المجمل،لأنّه أراد أن يقرّر على شيء شيء منه،ليكون أشدّ في التّوبيخ من أن يذكر ذلك دفعة واحدة».

3-و قال بشأن ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: «معناه ثمانية أفراد،لأنّ كلّ واحد من ذلك يسمّى زوجا،فالذّكر زوج الأنثى،و الأنثى زوج الذّكر،كما قال تعالى:

أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ الأحزاب:37.و قيل:معناه ثمانية أصناف مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعني الذّكر و الأنثى، وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ: الذّكر و الأنثى...و قيل:إنّ المراد بالاثنين الأهليّ و الوحشيّ من الضّأن و المعز و البقر، و المراد بالاثنين من الإبل العراب و البخاتي،و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.و إنّما خصّ هذه الثّمانية لأنّها جميع الأنعام الّتي كانوا يحرّمون منها ما يحرّمون على ما تقدّم ذكره...».

4-و ذكر في آية الزّمر: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ وجوها في معنى«الإنزال»،فلاحظ(4:

490)و(ن ز ل).

5-و جاءت(ثمانية)في المرّة الثّالثة في الأوقات (5): سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ، و هي شرح لإهلاك قوم عاد بالرّيح،و قبلها إهلاك قوم ثمود بالطّاغية،أي الرّجفة.و قد ذكر اللّه قوم عاد و ثمود معا في كثير من الآيات-كما يأتي في ثمود-حتّى صاروا مثلا في الثّقافة الإسلاميّة قاطبة،قال الشّاعر الفارسيّ:

ما ترجمته:

هي الشّمس عين الشّمس للكون تضيء

ضاءت على أجداث عاد و ثمود (1)

و قد لوحظ فيها التّذكير و التّأنيث متعاكسا: سَبْعَود

ص: 587


1- و أصله: اين همان چشمۀ خورشيد جهان افروز است كه همى تافت بر آرامگه عاد و ثمود

لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ، فبدأ العذاب في اليوم الأوّل،و انتهى في اليوم الثّامن،و كانت خلالها سبع ليال.

6-و جاء في المرّة الرّابعة وصفا لحاملي عرش الرّبّ يوم القيامة في(6)،قال الطّبرسيّ(5:346):«ثمانية من الملائكة،عن ابن زيد،و روي ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّهم اليوم أربعة،فإذا كان يوم القيامة أيّدهم بأربعة آخرين،فيكونون ثمانية.و قيل:ثمانية صفوف من الملائكة،لا يعلم عددهم إلاّ اللّه تعالى،عن ابن عبّاس»، لاحظ«ع ر ش».

7-أنّ(ثمانية)جاءت ثلاث مرّات في سياق الإنعام و الإجلال،و مرّة واحدة-و هي(5)-في سياق الذّمّ و العذاب،فالرّحمة غلبت عليها.نعم لو كان السّياق الغالب في(3)توبيخا للمشركين،لتناصفت الآيات الأربع الرّحمة و العذاب نصفين متساويين.

8-و حظّ سورة«الحاقّة»نصف من الأربعة،بما فيهما من العذاب في(5)و الرّحمة و الإجلال في(6).

الرّابعة:(ثمانين)مرّة واحدة في(7): فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، و هي حدّ قذف المحصنات،و سياقها ذمّ.

الخامسة:«الثّمن»مرّة واحدة في إرث الزّوجات، و سياقها تشريع.

ثانيا-جاءت في المحور الثّاني:(الثمن)11 آية:(9 -19)في سياقين:

الأوّل:مقابل المبيع:مرّة واحدة في قصّة يوسف عليه السّلام في(9): وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ، فجاء«الثّمن»فيها بعد(شروه)،أي باعوه بثمن بخس.و فيها بحوث:

1-قد جمع اللّه في هذه الآية و الّتي تلتها: وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ بين«شرى»و«اشترى»، بنسبة«شرى»إلى جماعة،و«اشترى»إلى واحد.

و فيهما خلاف،فقد ذكر الطّبرسيّ(5:22)في الّذين باعوه أنّهم إخوة يوسف-فرجّحه-أو هم الواجدون له بمصر،أو الّذين أخرجوه من الجبّ باعوه من السّيّارة.

و كلّ هذه الأقوال مخالفة لسياق الآيات: وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ* وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ* وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً يوسف:19-21.

فإنّ السّيّارة هم الّذين اتّخذوه بضاعة و باعوه بثمن بخس،بعد ما أدلى واردهم دلوه،و بشّرهم بالغلام.كما أنّ الّذي اشتراه من مصر هو الّذي احتفظ به،و أوصى امرأته بإكرام مثواه و اتّخاذه ولدا،و هو عزيز مصر،دون الّذي سمّوه مالك بن زعر و أصحابه.فالمفهوم منها أنّ السّيّارة حملوه إلى مصر،و باعوه من العزيز أو من وكيله،و ليس هناك إلاّ بيع و شراء واحد.

2-و كذلك اختلفوا في عدد الدّراهم و فيمن زهدوا فيه،فلاحظ.

3-يبدو أنّ هذا البيع و الشّراء ليوسف آخر ما كابده من إخوته،و أوّل رحلة من الفلاح و النّعمة،فقد قال تعالى بعد أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً مباشرة: وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ....

4-نصّ على أنّهم باعوه بثمن بخس دراهم

ص: 588

معدودة،فأتى بأربع كلمات-ثمن،بخس،دراهم، معدودة-نكرة تحقيرا لها،و أكّدها ب وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ، أي الّذين باعوه لم يقدّروه حقّ قدره، فغفلوا عمّن يحملون معهم من شخصيّة فذّة،فباعوه بهذا الثّمن البخس.

5-و نجد في التّفاسير-و لا سيّما العرفانيّة منها- أسرارا في هذا البيع و الشّراء،و قد طبّقوه على الإنسان الّذي كرّمه ربّه بقوله: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الإسراء:

70،حيث يبيع نفسه من الشّيطان الرّجيم بشيء تافه من اللّهو و اللّعب،فلاحظ.

6-كما أنّ«يوسف»عند أهل اللّه هو رمز الإنسان في مسيرته إلى اللّه،و ما يلقاه من النّصب و العناء، و ما يكابده من الصّبر على الإعياء.كما أنّه رمز العفّة و الأمانة أيضا أمام العزيز و امرأته،و رمز العصمة و التّقوى أمام اللّه،لاحظ«يوسف».

الثّاني:المبيع نفسه دون ما يقابله،و قد جاء(ثمنا) في(10)آيات مفعولا للفعل«اشتروا»،و الثّمن الّذي يشترون به هذا المثمّن أربعة أشياء:

أ-«آيات اللّه»في 4 آيات:(10)إلى(13)،اثنتان منها-(10)و(12)-نهي: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً، و اثنتان خبر:(11) لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً، و(13): اِشْتَرَوْا بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً.

و فيها بحوث:

1-السّياق فيها جميعا ردع و توبيخ على الفعل،أو مدح لتركه كما في(11).

2-لقد أصبح هذا المضمون«الاشتراء بآيات اللّه ثمنا قليلا»تعبيرا قرآنيّا،يجري بين النّاس مجرى الأمثال.

3-سيأتي البحث في«الاشتراء»لا حقا.

4-المراد بآيات اللّه:آيات القرآن،لاحظ«أ ي ي».

ب-«الكتاب»في آيتين:(14)و(18)،و المراد بالكتاب في(14)القرآن،فجاء الكتاب فيها مكان «الآيات»في غيرها.و هذا ذمّ لمن يشتري و يستبدل بكتاب اللّه ثمنا قليلا،و سياقه سياق ما تقدّم.و في(18) الكتاب الّذي يكتبونه بأيديهم ناسبينه إلى اللّه، ليكتسبوا به المال.و سياقه يغاير الأوّل،و كلاهما ذمّ،إلاّ أنّ الأوّل أريد به نبذ كتاب اللّه بأخذ بدله من المال.

و الثّاني أريد به جعل الكتاب كذبا مقابل مال،فلاحظ.

ج-«العهد»في(15-17)،و قد عبّر عنه في(15) و(16)ب(عهد اللّه)،و في(17)ب (مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فهذا ميثاق الكتاب،و كلاهما عبارة عمّا أخذه اللّه من العهود و المواثيق من أهل الإيمان للوفاء به.

د-«اليمين»في(19)،و هي القسم باللّه للوصيّة من قبل عدلين و المراد به أنّهما يعلنان بأنّهما لا يشتريان بهذا القسم ثمنا قليلا.

تذييل:في سياق هذه الآيات العشر بحوث:

1-الاشتراء في أصل اللّغة يقابل البيع،بخلاف «الشّراء»،فإنّه البيع نفسه،و هذا يشعر بأنّهما بمعنى تبديل شيء بشيء في المعنى العامّ.و من أجل ذلك فسّروه بالاستبدال،حملا للخاصّ على العامّ،و قالوا:إنّ المراد بها أنّهم يستبدلون بآيات اللّه و نحوها شيئا قليلا و عوضا ضئيلا.و قد تقدّم في النّصوص عن الفخر الرّازيّ «أنّ الاشتراء يوضع موضع الاستبدال،و الثّمن موضع

ص: 589

البدل و العوض».

و عن أبي حيّان«لا تستبدلوا بآياتي العظيمة أشياء حقيرة خسيسة،و لو أدخل«الباء»على الثّمن دون الآيات،انعكس المعنى بأنّهم بذلوا ثمنا قليلا و أخذوا الآيات»،كما انعكس الذّمّ مدحا.

و عن الفرّاء ما حاصله:أنّ كلّ ما في القرآن نصب فيه«ثمنا»و أدخلت«الباء»في المبيع،يأتي فيما لا يكون الثّمن معلوما كالدّينار و الدّرهم،مثل:اشتريت ثوبا لك،فلك أن تجعل أيّهما ثمنا لصاحبه،فإذا ذكرت الدّرهم و الدّينار وضعت«الباء»في الثّمن،كما في وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ يوسف:20،لأنّ الدّراهم ثمن أبدا».

و فيه أنّ الثّمن دائما ما دخلت عليه«الباء»،سواء كان درهما أو عوضا،و إنّما الفرق في مثل هذا السّياق أنّ الاشتراء فيه بمعنى الاستبدال كما ذكروه،و أنّ الثّمن بمعنى العوض تجوّزا،تشبيها بالبيع و الشّراء،فذكر «الثّمن»الخاصّ بالبيع شاهد على هذا التّجوّز.

2-جاء في تسع منها:(10)إلى(18) ثَمَناً قَلِيلاً -و المراد به عرض الدّنيا-ذمّا و لوما لهم،و ليس معناه أنّهم لو استبدلوا بها ثمنا كثيرا فلا لوم عليهم،بل أريد به أنّ كلّما استبدلوه بآيات و نحوها فهو قليل مهما كان و لو كانت الدّنيا بحذافيرها،و اختاره الطّبرسيّ في بعض الآيات.و اكتفى في(19)ب(ثمنا)دون وصفه ب(قليلا)لاختلاف سياقها عمّا قبلها فإنّها ليست ذمّا و لوما بل قسم فلاحظ.

3-لقد فسّروا ثَمَناً قَلِيلاً فى كلّ آية بما يناسبها، كالرّئاسة أو الرّشوة على كتمان الحقّ في(10).

ص: 590

ث م و د

اشارة

ثمود

لفظ واحد،26 مرّة:24 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 21 سورة:19 مكّيّة،2 مدنيّتان

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّمد:الماء القليل يبقى في الأرض الجلد، و يقال:الثّمد:الماء القليل يظهر في الشّتاء و يذهب في الصّيف.

و الإثمد:حجر الكحل.(8:20)

سيبويه :يكون[ثمود]اسما للقبيلة و الحيّ،و كونه لهما سواء.(ابن منظور 3:105)

الأصمعيّ: [ثمدا]هو ماء المطر يبقى محقونا تحت رمل،فإذا كشف عنه أدّته الأرض.

و تركناهم يمصّون الثّماد.(أساس البلاغة:47)

أبو عبيد: و المثمود:الّذي قد ثمده النّاس،أي قد ذهبوا به فلم يبق إلاّ القليل.(1:70)

ابن الأعرابيّ: الثّمد:يجتمع فيه ماء السّماء، فيشرب به النّاس شهرين من الصّيف،فإذا دخل أوّل القيظ انقطع فهو ثمد،و جمعه:ثماد.(الأزهريّ 14:91)

ابن السّكّيت: و ثمده يثمده ثمدا و ثمودا،إذا ألحّ عليه و أخرج ما عنده،و أحفى عليه و ألحف.(674)

و رجل مثمود:يكثر غشيان النّساء

(إصلاح المنطق:372)

ابن دريد :و الثّمد:الماء القليل الّذي لا مادّة له، و يقال:ثمدت فلانا النّساء،إذا أكثر الجماع حتّى ينقطع ماؤه،و فلان مثمود،إذا كثر السّؤال عليه حتّى ينفد ما عنده.(2:38)

أبو مالك: الثّمد:أن تعمد إلى موضع يلزم ماء السّماء،تجعله صنعا،و هو المكان يجتمع فيه الماء،و له مسايل من الماء،و تحفر فيه من نواحيه ركايا فتملئوها من ذلك الماء،فيشرب النّاس الماء الظّاهر حتّى يجفّ إذا أصابه بوارح القيظ،و تبقى تلك الرّكايا،فهي الثّماد.[ثمّ

ص: 591

استشهد بشعر]

يقال:أصبح فلان مثمودا،إذا ألحّ عليه في السّؤال حتّى فني ما عنده،و كذلك إذا ثمدته النّساء فلم يبق في صلبه ماء.(الأزهريّ 14:91)

الأزهريّ: ثمود:حيّ من العرب الأول،يقال:إنّهم من بقيّة عاد،بعث اللّه إليهم صالحا و هو نبيّ عربيّ.

و اختلف القرّاء في إجرائه في كتاب اللّه،فمنهم من صرفه،و منهم من لم يصرفه:فمن صرفه ذهب به إلى الحيّ،لأنّه اسم عربيّ مذكّر،سمّي بمذكّر،و من لم يصرفه ذهب به إلى القبيلة و هي مؤنّثة.(14:92)

نحوه المدينيّ.(1:272)

الصّاحب: الثّمد:القليل من الماء،يبقى في الأرض الجلد،و كذلك الثّامد.و قيل:مكان غليظ يحفرون فيه ركايا و قدّامها حبس لا يجاوزه الماء.

و الإثماد:استخراج الماء القليل.

و المثمئدّ:السّمين،اثمأدّ الغلام،و ثمد ولد الأسد يثمد ثمودا:سمن و تحرّك.

و ثمدت أثمد:أعطيت،و استثمدني فلان:طلب معروفي.

و الثّمد:الإلحاف في المسألة.

و ثمدته النّساء:استخرجن ماء صلبه.

و ثمدت النّاقة:حلبت كلّ ما في ضرعها.

و رجل مثمود:أفنى ما عنده بالسّؤال.(9:284)

الجوهريّ: [نحو ما تقدّم عن بعض اللّغويّين و أضاف:]

و اتّمد الرّجل و اثّمد بالإدغام،أي ورد الثّمد.

و روضة الثّمد:موضع.

و الثّامد:من البهم حين قرم،أي أكل.(2:451)

ابن فارس: الثّاء و الميم و الدّال أصل واحد،و هو القليل من الشّيء،فالثّمد:الماء القليل لا مادّة له.[إلى أن قال:]

و الثّامد:من البهم حين قرم،لأنّ الّذي يأخذه يسير.

و ممّا شذّ عن الباب«الإثمد»و هو معروف،و كان بعض اللّغة يقول:هو من الباب،لأنّ الّذي يستعمل منه يسير.و هذا ما لا يوقف على وجهه.(1:388)

الهرويّ: في حديث طهفة:«و افجر لهم الثّمد» الثّمد:الماء القليل.(1:259)

مثله ابن الأثير.(1:221)

ابن سيده: الثّمد و الثّمد:الماء القليل الّذي لا مادّة له،و قيل:هو القليل يبقى في الجلد،و قيل:هو الّذي يظهر في الشّتاء و يذهب في الصّيف.

و الثّماد كالثّمد،و قيل:الثّماد:الحفر يكون فيها الماء القليل،و لذلك قال أبو عبيد:سجرت الثّماد،إذا ملئت من المطر،غير أنّه لم يفسّرها.

و ثمده يثمده ثمدا،و اثّمده،و استثمده:نبث عنه التّراب ليخرج.(9:297)

الزّمخشريّ: لو كنتم ماء لكنتم ثمدا،أي قليلا.

و ثمد الماء يثمد فهو ثامد.

و أثمد العين:كحّلها بالإثمد.

و من المجاز:أصبح فلان مثمودا:فني ماء صلبه، و النّساء ثمدنه.

ص: 592

و رجل مثمود:كثر عليه السّؤال حتّى أنفدوا ما عنده،و أصبح النّاس يثمدونه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد استثمدني فلان فثمدته،أي استعطاني فأعطيته.و ثمدت النّاقة بالحلب:اشتففتها.

(أساس البلاغة:47)

الفيّوميّ: الإثمد بكسر الهمزة و الميم:الكحل الأسود،و يقال:إنّه معرّب.قال ابن البيطار في«المنهاج» هو الكحل الأصفهانيّ،و يؤيّده قول بعضهم،و معادنه بالمشرق.(84)

الفيروزآباديّ: الثّمد و يحرّك و ككتاب:الماء القليل لا مادّة له،أو ما يبقى في الجلد،أو ما يظهر في الشّتاء و يذهب في الصّيف.

و ثمده و أثمده و استثمده:اتّخذه ثمدا،و اثتمد و اثّمد على«افتعل»:و رده.

و المثمود:ماء نفد من الزّحام عليه إلاّ أقلّه،و رجل سئل فأفنى ما عنده عطاء،و من ثمدته النّساء،أي نزفن ماءه.

و الإثمد بالكسر:حجر للكحل.

و كأحمد:موضع و يضمّ الميم.

و ثمد و اثماد:سمن.

و استثمده:طلب معروفه.

و ثمود:قبيلة،و يصرف و تضمّ الثّاء،و قرئ به أيضا.

(1:290)

الطّريحيّ: [نحو ما تقدّم عن الأزهريّ و أضاف:]

و في الحديث:«من لم يأخذ العلم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يمصّون الثّماد و يدعون النّهر العظيم»الثّماد:هو الماء القليل الّذي لا مادّة له،و الكلام استعارة.(3:20)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ثمود:قوم من أقدم الأقوام بعد قوم عاد،و تعرف بعاد الثّانية،و كانت مساكنهم الّتي ينحتونها من الجبال في موضع يسمّى ب«الحجر»بين الحجاز و الشّام إلى وادي القرى،في الطّريق الموصل بين المدينة و تبوك،و هم قوم صالح عليه السّلام.

(1:97)

هي[ثمود]قبيلة مشهورة باسم جدّهم ثمود أخي جديس،و هما من أبناء عابر بن إرم بن سام بن نوح، و كانوا عربا من العاربة،يسكنون الحجر بين الحجاز و تبوك.(2:14)

المصطفويّ: إنّ كلمة«ثمود»كانت في الأصل اسما لواحد من أحفاد نوح،و هو ابن كاثر بن إرم بن سام بن نوح،و قد تقدّم في«إرم»ما يتعلّق بها،ثمّ إنّ لفظ «ثمود»لا يبعد أن يكون على وزان«ذلول»صفة مشبّهة، سمّي به الرّجل لهزالة في جسمه،و هو في مقابل كاثر اسم أبيه.

و تسمية القوم باسم جدّهم متداول في العرب،كما في أكثر القبائل،و استفيد من الكلمات المنقولة أنّ لسانهم كان عربيّا،و أنّ محلّهم كانت بقرب من تبوك،في الجانب الشّمال الغربيّ من المدينة.(2:27)

النّصوص التّفسيريّة

1- وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ... الأعراف:73

ابن إسحاق :لمّا أهلك اللّه عادا و تقضّى أمرها

ص: 593

عمرت ثمود بعدها،و استخلفوا في الأرض،فنزلوا فيها و انتشروا،ثمّ عتوا على اللّه.

فلمّا ظهر فسادهم و عبدوا غير اللّه،بعث إليهم صالحا-و كانوا قوما عربا،و هو من أوسطهم نسبا، و أفضلهم موضعا-رسولا،و كانت منازلهم الحجر إلى قرح،و هو وادي القرى،و بين ذلك ثمانية عشر ميلا، فيما بين الحجاز و الشّام،فبعث اللّه إليهم غلاما شابّا، فدعاهم إلى اللّه،حتّى شمط و كبر،لا يتّبعه منهم إلاّ قليل مستضعفون.

فلمّا ألحّ عليهم صالح بالدّعاء،و أكثر لهم التّحذير، و خوّفهم من اللّه العذاب و النّقمة،سألوه أن يريهم آية تكون مصداقا لما يقال،فيما يدعوهم إليه،فقال لهم:أيّ آية تريدون؟قالوا:تخرج معنا إلى عيدنا هذا و كان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم و ما يعبدون من دون اللّه،في يوم معلوم من السّنة-فتدعو إلهك و ندعو آلهتنا،فإن استجيب لك اتّبعناك،و إن استجيب لنا اتّبعتنا،فقال لهم صالح:نعم.

فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك،و خرج صالح معهم إلى اللّه،فدعوا أوثانهم و سألوها ألاّ يستجاب لصالح في شيء ممّا يدعو به،ثمّ قال له جندع بن عمرد بن حراش بن عمرو بن الدّميل،و كان يومئذ سيّد ثمود و عظيمهم:يا صالح،اخرج لنا من هذه الصّخرة-لصخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها:الكاثبة-ناقة مخترجة جوفاء وبراء-و المخترجة:ما شاكلت البخت من الإبل- و قالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرد،فإن فعلت آمنّا بك و صدّقناك،و شهدنا أنّ ما جئت به هو حقّ،و أخذ عليهم صالح مواثيقهم،لئن فعلت و فعل اللّه لتصدّقنّي و لتؤمننّ بي؟قالوا:نعم،فأعطوه على ذلك عهودهم،فدعا صالح ربّه بأن يخرجها لهم من تلك الهضبة،كما وصفت.(الطّبريّ 8:225)

الطّبريّ: (ثمود)هو ثمود بن عابر بن إرم بن سام ابن نوح،و هو أخو جد يس بن عابر،و كانت مساكنها «الحجر»بين الحجاز و الشّام إلى وادي القرى و ما حوله.

و معنى الكلام:و إلى بني ثمود أخاهم صالحا.و إنّما منع(ثمود)لأنّ ثمود قبيلة،كما بكر قبيلة.(8:224)

نحوه أبو حيّان(4:327)،و القرطبيّ(7:238).

الزّجّاج: و(ثمود)في كتاب اللّه مصروف و غير مصروف،فأمّا المصروف فقوله: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:68،الثّاني غير مصروف.فالّذي صرفه جعله اسما للحيّ،فيكون مذكّرا سمّي به مذكّرا،و من لم يصرفه جعله اسما للقبيلة.

(2:348)

نحوه الطّوسيّ(4:479)،و الفخر الرّازيّ(14:

161).

السّجستانيّ: (ثمود)فعول من الثّمد،و هو الماء القليل.و من جعله اسم قبيلة أو أرض لم يصرفه،و من جعله اسم حيّ أو أب صرفه،لأنّه مذكّر.(66)

نحوه الزّمخشريّ(2:89)،و البيضاويّ(1:356)، و النّسفيّ(2:61)،و النّيسابوريّ(8:164).

ابن كثير :و هم قبيلة مشهورة،يقال:ثمود باسم جدّهم ثمود أخي جد يس،و هما ابنا عابر بن إرم بن سام ابن نوح،و كانوا عربا من العاربة يسكنون«الحجر»الّذي

ص: 594

بين الحجاز و تبوك.[إلى أن قال:]

و كانوا بعد قوم عاد،و كانوا يعبدون الأصنام كأولئك،فبعث اللّه فيهم رجلا منهم،و هو عبد اللّه و رسوله صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح،فدعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له،و أن يخلعوا الأصنام و الأنداد و لا يشركوا به شيئا.فآمنت به طائفة منهم و كفر جمهورهم،و نالوا منه بالمقال و الفعال،و همّوا بقتله، و قتلوا النّاقة الّتي جعلها اللّه حجّة عليهم،فأخذهم اللّه أخذ عزيز مقتدر.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و كثيرا ما يقرن اللّه في كتابة بين ذكر(عاد و ثمود)كما في سورة براءة،و إبراهيم،و الفرقان،و سورة ص، و سورة ق،و النّجم،و الفجر.و يقال:إنّ هاتين الأمّتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب،و ليس لهما ذكر في كتابهم التّوراة.و لكن في القرآن ما يدلّ على أنّ موسى أخبر عنهما،كما قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ* أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ... إبراهيم:8،9.

الظّاهر أنّ هذا من تمام كلام موسى مع قومه،و لكن لمّا كان هاتان الأمّتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيّدا و لا اعتنوا بحفظه،و إن كان خبرهما كان مشهورا في زمان موسى عليه السّلام.

و المقصود-الآن-ذكر قصّتهم،و ما كان من أمرهم، و كيف نجّى اللّه نبيّه صالحا عليه السّلام و من آمن به،و كيف قطع دابر القوم الّذين ظلموا بكفرهم و عتوّهم و مخالفتهم رسولهم عليه السّلام.[ثمّ ذكر قصّة صالح فراجع]

(البداية و النّهاية 1:130،135)

الشّربينيّ: أي و أرسلنا إلى ثمود قبيلة أخرى من العرب،سمّوا باسم أبيهم الأكبر،و هو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام.[إلى أن قال:]

و اتّفق القرّاء السّبعة هنا على عدم صرف(ثمود) مرادا به القبيلة.و قرئ مصروفا في غير هذه السّورة بتأويل الحيّ أو باعتبار الأصل،و هو أنّه اسم لأبيهم الأكبر أو للماء القليل.(1:488)

نحوه أبو السّعود(2:508)،و البروسويّ(3:

189)،و الآلوسيّ(8:162).

الطّباطبائيّ: (ثمود)أمّة قديمة من العرب، سكنوا أرض اليمن بالأحقاف،بعث اللّه إليهم أخاهم صالحا و هو منهم.(8:181)

2- وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ. هود:61

الفرّاء: و قد اختلف القرّاء في(ثمود)فمنهم من أجراه في كلّ حال،و منهم من لم يجره في حال...فقرأ بذلك حمزة.و منهم من أجرى(ثمود)في النّصب لأنّها مكتوبة بالألف في كلّ القرآن إلاّ في موضع واحد وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً الإسراء:59.

فأخذ بذلك الكسائيّ فأجراها في النّصب و لم يجرها في الخفض و لا في الرّفع إلاّ في حرف واحد؛قوله: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:68، فسألوه عن ذلك فقال:قرئت في الخفض من المجرى، و قبيح أن يجتمع الحرف مرّتين في موضعين ثمّ يختلف،

ص: 595

فأجريته لقربه منه.(2:20)

3- أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ.

هود:68

الفارسيّ: الأسماء الّتي تجري على القبائل و الأحياء على أضرب:

أحدها:أن يكون اسما للحيّ أو للأب.

و الثّاني:أن يكون اسما للقبيلة.

و الثّالث:أن يكون غلب عليه الأب دون الحيّ و القبيلة.

و الرّابع:أن يستوي ذلك في الاسم فيجري على الوجهين،و لا يكون لأحد الوجهين مزيّة على الآخر في الكثرة.

فممّا جاء اسما للحيّ قولهم:ثقيف و قريش،و كلّما لا يقال فيه:بنو فلان.

و أمّا ما جاء اسما للقبيلة فنحو تميم بنت مرّ.قال سيبويه:سمعناهم يقولون:قيس ابنة عيلان،و تميم صاحبة ذلك،و قال:تغلب ابنة وائل.

و أمّا ما غلب عليه اسم أمّ الحيّ أو القبيلة،فقد قالوا:باهلة بن أعصر،و قالوا:يعصر،و باهلة:اسم امرأة،قال سيبويه:جعل اسم الحيّ،و مجوس لم يجعل اسم قبيلة،و سدوس أكثرهم يجعله اسم للقبيلة،و تميم أكثرهم يجعله اسم قبيلة.و منهم من يجعله اسم الأب.

و أمّا ما يستوي فيه اسم قبيلة،و أن يكون اسما للحيّ،فقال سيبويه:نحو ثمود و عاد،و سمّاها مرّة للقبيلتين و مرّة للحيّين،فكثرتهما سواء،قال: وَ عاداً وَ ثَمُودَ الفرقان:38،و قال: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ هود:68،و قال: وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ الإسراء:59.

فإذا استوى في(ثمود)أن يكون مرّة للقبيلة و مرّة للحيّ،و لم يكن لحمله على أحد الوجهين مزيّة في الكثرة.

فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا،و من لم يصرف أيضا كذلك،و كذلك إن صرف في موضع و لم يصرف في موضع آخر،إلاّ أنّه لا ينبغي أن يخرج عمّا قرأت به القرّاء،لأنّ القراءة سنّة،فلا يجوز أن تحمل على ما يجوز في العربيّة حتّى تنضمّ إليه الرّواية.

(الطّوسيّ 6:22)

نحوه الكرمانيّ.(99)

أبو زرعة:قرأ حمزة و حفص أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ بغير تنوين،و كذلك في الفرقان، و العنكبوت،و النّجم،و دخل معهما أبو بكر في النّجم، و قرأ الباقون بالتّنوين.

فمن ترك التّنوين جعله اسما للقبيلة،فاجتمعت علّتان:التّعريف و التّأنيث،فامتنع من الصّرف.و من نوّن جعله اسما مذكّرا لحيّ أو رئيس،و حجّتهم في ذلك المصحف،لأنّهنّ مكتوبات في المصحف بالألف.

و زاد الكسائيّ عليهم حرفا خامسا و هو قوله:(الا بعدا لثمود)منوّنا.و قال:إنّما أجريت الثّاني لقربه من الأوّل،لأنّه استقبح أن ينوّن اسما واحدا و يدع التّنوين في آية واحدة،و يخالف بين اللّفظين.

و قد جوّد الكسائي فيما قال،لأنّ أبا عمرو سئل لم شدّدت قوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ

ص: 596

آيَةٌ الأنعام:37،و أنت تخفّف(ينزل)في كلّ القرآن؟ فقال:لقربه من قوله: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً الأنعام:37.

فإن سأل سائل فقال:قوله: وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ الإسراء:59،من موضع نصب فهلاّ نوّن كما نوّن سائر المنصوبات؟

الجواب:أنّ هذا الحرف كتب في المصحف بغير ألف، و الاسم المنوّن إذا استقبله ألف و لام جاز ترك التّنوين، كقوله: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ* اَللّهُ الصَّمَدُ التّوحيد:1،2.

(345)

الطّوسيّ: قرأ الكسائيّ وحده (لثمود) بخفض الدّال و تنوينها،و الباقون بغير صرف.و قرأ حمزة و حفص و يعقوب أَلا إِنَّ ثَمُودَ هود:68،و في الفرقان و وَ عاداً وَ ثَمُودَ الفرقان:38،و في العنكبوت وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى النّجم:51،بغير تنوين فيهنّ، وافقهم يحيى و العليميّ و السّمونيّ في سورة النّجم.

قال الفرّاء:قلت للكسائيّ: لم صرفت(ثمود)هنا؟ فقال:لأنّه قرب من المنصوب،و هو مجرور،و إنّما صرف (ثمود)في النّصب دون الجرّ و الرّفع،لأنّه لمّا جاز الصّرف اختير الصّرف في النّصب،لأنّه أخفّ.(6:22)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى... فصّلت:17

3- وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ...

العنكبوت:38

الطّبريّ: و اذكروا أيّها القوم عادا و ثمود.

(20:149)

الزّمخشريّ: منصوب بإضمار:أهلكنا،لأنّ قوله:

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ العنكبوت:37،يدلّ عليه لأنّه في معنى الإهلاك.(3:206)

نحوه البيضاويّ.(2:210)

القرطبيّ: قال الكسائيّ:قال بعضهم:هو راجع إلى أوّل السّورة،أي و لقد فتنّا الّذين من قبلهم و فتنّا عادا و ثمود.قال و أحبّ إليّ أن يكون معطوفا على فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، و أخذت عادا و ثمودا.

و زعم الزّجّاج:أنّ التّقدير:و أهلكنا عادا و ثمودا.

(13:343)

الآلوسيّ: (و ثمودا)بالتّنوين بتأويل الحيّ،و هو على قراءة ترك التّنوين بتأويل القبيلة.و قرأ ابن وثّاب (و عاد و ثمود) بالخفض فيهما و التّنوين،عطفا على (مدين)على ما في«البحر»أي و أرسلنا إلى عاد و ثمود.

(20:158)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّمد،و هو مكان يجتمع فيه ماء قليل لا يمدّه ماء آخر،و هو الثّمد أيضا،و الجمع أثماد،و يقال له:الثّماد،يقال:اثتمدت ثمدا،أي اتّخذته، و اثتمد الرّجل و اثّمد:ورد الثّمد،و ثمد الثّمد يثمده ثمدا، و اثّمده و استثمده:نبث عنه التّراب ليخرج ماؤه.و ماء مثمود:كثر عليه النّاس حتّى فني و نفذ إلاّ أقلّه.

و يقال منه مجازا:ثمدت فلانا النّساء،أي نزفن ماءه من كثرة الجماع،و لم يبق في صلبه ماء،فهو مثمود،

ص: 597

و رجل مثمود:ألحّ عليه في السّؤال،فأعطى حتّى نفد ما عنده.

و منه:الإثمد،و هو حجر الكحل،أو عين الكحل،أو شبهه و ضرب منه،يقال:فلان يجعل اللّيل،أي يسهر، فيجعل سواد اللّيل لعينيه كالإثمد.

و عدّه ابن فارس ممّا شذّ عن هذا الباب،و أضاف قائلا:«و كان بعض أهل اللّغة يقول:هو من الباب،لأنّ الّذي يستعمل منه يسير،و هذا ما لا يوقف على وجهه».

و قال الفيّوميّ: «يقال:إنّه معرّب،قال ابن البيطار في«المنهاج»:هو الكحل الأصفهانيّ،و يؤيّده قول بعضهم:و معادنه بالمشرق».

و لكنّهم لم يذكروا معرّبه،كما أنّنا لم نهتد إلى أصله، و جلّ ما نعرفه أنّه حجر التّوتياء،و التّوتياء معرّب اللّفظ الفارسيّ«دودها»،عند علماء الكيمياء اليوم ب«الأنتيمون».

2-و ثمود:قبيلة عربيّة عرباء،و هي من العرب البائدة،مثل:عاد و العمالقة و طسم و جديس و أميم و جرهم و غيرها.و تنسب إلى ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح،و كانت مساكنها بالحجر بين الحجاز و الشّام.

و لا شكّ أنّ هذه القبيلة-كما يبدو من عمود النّسب- قديمة جدّا،و إن صحّت هذه النّسبة فيحتمل أنّ ثمودا عاش في الألف الثّاني بعد الطّوفان،استنادا إلى بعض الشّواهد التّاريخيّة،منها إحصائيّات سفر التّكوين(11:

10-26).

و لعلّ أقدم أثر تاريخيّ يحمل اسم ثمود و قوم ثمود هو نقش«سرجون»الآشوريّ الّذي يعود تاريخه إلى عام (715)قبل الميلاد،فورد عليه هذا اللّفظ أثناء ذكر أقوام شرق جزيرة العرب و وسطها الّذين أخضعهم الآشوريّون.

كما ورد اسم ثمود في مؤلّفات أرسطو و بطليموس و بليناس.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت قصص عاد و ثمود معا في القرآن غالبا و نحن نذكرها معا أيضا،و جاء فيها ثمود(26)مرّة،و عاد(24) مرّة،و هي في(23)طائفة من الآيات:

1- وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ* قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَ إِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ* قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَ لكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ* أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ* فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ* وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا

ص: 598

اَللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ* فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ الأعراف:65-79

2- وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُفْتَرُونَ* يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ* وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ* قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ* وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ* وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ* وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ* وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ* قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَ إِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ* قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ* وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ* فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ* فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:50-68

3- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ* إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ* فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا

ص: 599

أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ* فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ* وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فصّلت:13-17

4- أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْراهِيمَ وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ التّوبة:70

5- أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ... إبراهيم:9

6- وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ الحجّ:42

7- وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنّاسِ آيَةً وَ أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً* وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً الفرقان:37 و 38

8- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ* أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* وَ اتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِينَ* وَ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ* إِنْ هذا إِلاّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ* وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ* أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ* فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ* وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ* فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* اَلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ* قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* ما أَنْتَ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ* وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ* فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ* فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الشّعراء:123-159

9- وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ العنكبوت:38

10- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ* وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ص:12-13

11- وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ

ص: 600

وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ

المؤمن:30 و 31

12- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ أَصْحابُ الرَّسِّ وَ ثَمُودُ* وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ ق:12 و 13

13- وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ* وَ فِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ* فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ* فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَ ما كانُوا مُنْتَصِرِينَ الذّاريات:41-45

14- وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى* وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى النّجم:50 و 51

15- كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ* إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنْزِعُ النّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ* فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ* وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ القمر:18-23

16- كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ* فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ* وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ الحاقّة:4-6

17- أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* اَلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ* وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:6-9

18- وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ اَلصّادِقِينَ* قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ* فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ* وَ لَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الأحقاف:21-26

19- ...أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ

هود:95

20- ...وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها... الإسراء:59

21- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ النّمل:45

22- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ

البروج:17 و 18

23- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها الشّمس:11

يلاحظ أوّلا:أنّ عادا و ثمود جاءا معا في(1-17) من الآيات،و جاء عاد منفردا مرّة واحدة في(18)، و ثمود منفردا خمس مرّات في(19-23)،فكان جمعها:

ثمود(26)مرّة،و عاد(24)مرّة،فجاءا معا تسع مرّات متعاقبين ضمن آية واحدة،و هي:(3-7)و(9)و(10) و(11)و(16).و ثلاث مرّات متعاقبين ضمن آيتين متّصلتين،و هي:(12-14)،أو منفصلتين،و هي:(1-

ص: 601

3)و(8-17).

و السّرّ في انفرادهما ستّ مرّات يرجع إلى أهداف القصّة فيها،فلاحظ.

ثانيا:لقد كرّر(عاد)في(1)مرّتين: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً و وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ. و في(2)أربع مرّات: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً و وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ و أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ. و كرّر ثمود في(2) ثلاث مرّات: وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً و أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ.

ثالثا:جاء ذيل كلّ من آيات عاد و ثمود في(2) هتاف بسياق واحد: أَلا إِنَّ عاداً... و أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا.... و ذلك أنّ قسطا من سورة هود-19 آية- جاء في قوم عاد و ثمود.فبدأت قصّة عاد بالآية رقم (50)،و استمرّت إلى(60)في(11)آية.و بدأت قصّة ثمود مباشرة ب(61)،و استمرّت إلى(68)في ثماني آيات.ثمّ ختمت القصّتان بهذين الهتافين،و يحسن الهتاف مع التّكرار دائما كما سبق،أو مع معنى واحد يقوم مقام معنيين،مثل: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ في(19).

رابعا:أضيف إلى الهتاف الأوّل(قوم هود)رعاية لرويّ الآيات،دون الثّانية،لوجود الرّويّ في لفظ (ثمود).

خامسا:لقد صرّح في الآية(74)من هود بأنّ ثمود خلفاء من بعد عاد،كما صرّح في الآيات(69)من الأعراف بأنّ عادا خلفاء من بعد قوم نوح.

سادسا:تجد وحدة السّياق في قصّة عاد و ثمود في مواضيع أخرى،ففي(8): كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ، كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ. و في(1)و(2): وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً، و مثلها(21): وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً، إلاّ أنّ ثمود انفرد فيها عن عاد كما سبق.

و روعيت وحدة السّياق إلى حدّ ما في(3) فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ، وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ...، و كذلك في(13): وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ وَ فِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ و في(15):

كَذَّبَتْ عادٌ كَذَّبَتْ ثَمُودُ و في(16): فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ* وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا.... و ذلك كلّه شاهد على أنّ سيرة و مصير عاد و ثمود متشابهات تماما،و يأتي توضيحه.

سابعا:اشترك عاد و ثمود في(17)سورة،و هي:

الأعراف و هود و فصّلت و التّوبة و إبراهيم و الحجّ و الفرقان و الشّعراء و العنكبوت و ص و المؤمن و ق و الذّاريات و النّجم و القمر و الحاقّة و الفجر.و خصّت سورة الأحقاف ب«عاد»،و أربع سور ب«ثمود»،و هي:

النّمل و الإسراء و البروج و الشّمس.

ثامنا:كلّ هذه السّور مكّيّة،إلاّ التّوبة و الحجّ-على تأمّل فيها-و ذلك أنّ قصص الأمم و الأنبياء جاءت غالبا في المكّيّات تنبيها و إنذارا للمشركين بمكّة،و قد كرّر بعضها في المدنيّات إنذارا لسائر المشركين و تذكارا للمؤمنين عامّة.

و إنّما خصّت سورة«التّوبة»من المدنيّات بذكر عاد

ص: 602

و ثمود،لأنّ اللّه جمع فيها بين المنافقين و الكفّار فيما قبلها:

وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها...، ثمّ ذكّرهم بالأمم السّابقة: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوالاً وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا...

التّوبة:69،68.ثمّ ذكّرهم بما كان يذكّر المشركين قبل الهجرة من قصص قوم نوح و عاد و ثمود و غيرهم،إشعارا بأنّ هؤلاء المنافقين بلغوا في الكفر مبلغ مشركي مكّة، فيخاطبون بما خوطبوا به.و لم يكتف به بل جمع بين الفريقين مرّة أخرى في(73): يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ.

أمّا آية الحجّ فهي من مؤيّدات كونها مكّيّة،و لها مؤيّدات أخرى،لاحظ بحث المكّيّ و المدنيّ من المدخل.

تاسعا:أنّ عادا و ثمودا كانا حيّين من أحياء العرب العاربة-كما سبق-و كانا يعبدان الأصنام،و يسكنان أرضا بين حضرموت و عمان تسمّى«الأحقاف»،كما قال تعالى في(18): وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ، و الأحقاف هي أكثبة الرّمل.و كان ثمود خلفاء عاد في تلك الأرض-كما سبق-و لهذا جاء عاد قبل ثمود فيما ذكرا معا من الآيات،إلاّ في(12)و(16) فإنّ ثمود قدّم فيهما لنكتة لفظيّة،و هي رعاية ضرب من الجناس.ففي(12): وَ أَصْحابُ الرَّسِّ وَ ثَمُودُ* وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ، و في(16): كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ* فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ* وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ، إذ لم يكن الغرض فيها حكاية قصصهما تفصيلا،بل العبرة بها لمن اعتبر.

عاشرا:قد جاءت قصصهما في سورتي الأعراف و هود مفصّلة،ففي الأعراف قصّة عاد في(8)آيات:

(65-72)،و قصّة ثمود في(7)آيات:(73-79).

و في«هود»قصّة عاد في(11)آية:(50-60)، و قصّة ثمود في(8)آيات:(61-68).و كذا في سورة الأحقاف،ففيها قصّة عاد في(6)آيات:(21-26).

أمّا في غيرهما من السّور فجاءت قصصهما موجزة تذكارا و عبرة،فلاحظ الآيات.

الحادي عشر:و قد ركّز القرآن في الآيات أمورا:

1-عبادة اللّه وحده: اُعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، و قد كرّرت(4)مرّات في الأعراف و هود، و مرّة واحدة في الأحقاف في عاد: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ.

2-استنكارهم و تسفيه نبيّهم و تكذيبه: إِنّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَ إِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ الأعراف:

66، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ الأعراف:76، وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ هود:53،54، قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَ إِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ هود:62، قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ الأحقاف:22.و قد جاء تكذيبهم و إنكارهم في غيرها من الآيات أيضا.

ص: 603

3-دعوتهم إلى الاستغفار و التّوبة،ففي عاد:

وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ...، و في ثمود:

فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ هود:52، 61.

4-إيعادهم بالعذاب و الدّمار و إيقاعهما بهم و إنجاء هود و صالح و من آمن بهما: قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ... فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ* فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ الأعراف:

71،72، وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ* وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ هود:57،58. فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ الأحقاف:24،25.

و جاء في ثمود: فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ... فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:77،78، وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ* فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ* فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها...

هود:64-68،و جاء إيعادهم و عذابهم في غيرها من الآيات أيضا.

5-لعنهم و بعدهم عن رحمة اللّه: وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:60 و 68.

6-التّأكيد فيهما مرّات حول أخوّة هود و صالح لقومهما،كما جاءت في غيرهما من الأنبياء تقريبا لهم من أممهم و استمالة للأمم،لاحظ«أ خ و».

7-قد خصّ اللّه ثمودا بإخراج ناقة لهم من الجبل آية لهم،و قد سبق آنفا.

8-قد فرّق اللّه بينهما في الجرم و في العذاب: فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ...، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ* وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فصّلت:15-17

فقد عدّ جرم عاد الاستكبار في الأرض بغير الحقّ حتّى قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً، و جحدهم المستمرّ بآيات اللّه أيضا النّاشئ عن استكبارهم.فردّ اللّه عليهم ب أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً فصّلت:

15،و عذّبهم بريح صرصر مستمرّ في أيّام نحسات، ليذيقهم عذاب الخزي في الدّنيا بإزاء استكبارهم، و وعدهم بعذاب الآخرة عذابا لا ينتصر لهم أحد،و هو خزي آخر.و قد أخبر اللّه عن إهلاك عاد بالرّيح في(13)

ص: 604

و(16)و(18)أيضا.و وصف الرّيح في(13)بالعقيم، و هو ريح لا يجدي إلاّ الدّمار دون الأمطار،فإنّ الأمطار تنشأ من الرّياح لا من ريح،كما تكرّر في القرآن،لاحظ «ر و ح».و قد عدّوه في(18)ريحا ممطرا فنفاه اللّه: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ.

أمّا«ثمود»فعدّ جنايتهم الاستكبار و الكفر و عقر النّاقة و العتوّ عن أمرهم و التّشكيك في رسالة صالح و تعييره بالكذب تارة،و أخرى عدّ جنايتهم-بعد أن دعاهم إلى ما يهديهم-استحباب العمى على الهدى في(4) علما بأنّ استحبابهم العمى على الهدى ناتج عمّا سبق من الكفر و الاستكبار،و ما تبعهما من الجنايات.فنسب إليهم مرتبة من الجرائم الّتي يترتّب بعضها على بعض،فذكر هنا أقبح مراتبها،و هو اختيار العمى على الهدى،أي الضّلالة على الهداية،و فيه جناس لطيف بذكر العمى -استعارة من الضّلال-مقابل الهدى.

9-و عدّ عذابهم في(4)الصّاعقة دون الرّجفة،كما جعل عذاب عاد و ثمود معا الصّاعقة في صدر آيات فصّلت(3): فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ.

و الصّاعقة-كما قال الطّبرسيّ(5:7)-«المهلكة من كلّ شيء،و هي في العرف اسم النّار الّتي تنزل من السّماء فتحرق».و قال الفخر الرّازيّ(27:114):صاعقة العذاب:داهية العذاب».و قال الطّباطبائيّ(17:377):

«فأخذتهم صيحة العذاب ذي المذلّة،أو أخذهم العذاب بناء على كون الصّاعقة بمعنى العذاب،و الإضافة-في صاعقة العذاب-بيانيّة».و عذاب الهون هنا مثل عذاب الخزي في عاد جزاء لاستكبارهم.

فعلى ما ذكروه الصّاعقة تعمّ أنواع العذاب من الرّيح و الرّجفة و غيرهما،و بذلك تتلاءم الآيات.

و لنا رأي آخر،و لعلّه أولى ممّا ذكروه،و هو أنّ الصّاعقة جاءت في الآيات بمعناها المعروف،و هي النّار الّتي تنزل من السّماء،و أنّها تثير تارة ريحا صرصرا عاتية،تبدو بشكل صيحة،و أخرى رجفة،و ثالثة حرقا.

و قد أثارت الصّاعقة على عاد ريحا صرصرا عقيما عاتية،و على ثمود الصّيحة: وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:67، أو رجفة: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:78،و جاء مثل ذلك في قوم شعيب في الأعراف:91،و في العنكبوت:37،و هي المراد بالطّاغية في(22).

الثّاني عشر:لقد عبّر اللّه عن عاد و ثمود ب«قوم هود و قوم صالح»رديفا لقوم شعيب،خطابا لهم: وَ يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هود:

89.

الثّالث عشر:جاءت قصص عاد و ثمود في القرآن عقيب قصّة نوح مباشرة في الأعراف و هود و الشّعراء و القمر.فجاءت قصّة نوح في الأعراف موجزة في(6) آيات:(59-64)،و في القمر في(8)آيات:(9-16)، و في هود مفصّلة-و هي أطولها في القرآن-في(25)آية:

(25-49)،و في الشّعراء-و هي تتوسّط بينهما-في (18)آية:(105-122).

ص: 605

و بدأت قصّة عاد و ثمود فيها بعد قصّة نوح،و كرّر اسمهما بعد اسم نوح في(4)و(5)و(6)و(7)و(10) و(11)و(12).و كذا جاءت في الآية(13)من العنكبوت،إلاّ أنّها تخلّلت بين قصّتيهما و قصّه نوح قصص إبراهيم و لوط بتفصيل،و قصّة شعيب بإيجاز.مع أنّ قصّة نوح جاءت فيها موجزة أيضا في آيتين:(14) و(15).

أمّا في الذّاريات(46)فقد جاءت قصّة نوح بعد قصّة عاد و ثمود على النّحو التّالي: وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ، و كذا في النّجم(52):

وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى.

و جاءتا معا في الحاقّة و الفجر و فصّلت،و جاء «ثمود»في البروج و الشّمس دون نوح،حسب ما يقتضيه المقام.

الرّابع عشر:جاءت قصص إبراهيم و لوط و شعيب معا في الأعراف و هود،و انفردت قصّة هود عنهما في الشّعراء كلّها بعد قصّتي عاد و ثمود.أمّا في العنكبوت فقد جاءت قصّتا إبراهيم و لوط مفصّلة بعد قصّة نوح، و جاءت عقيبها قصّة شعيب و عاد و ثمود في ثلاث آيات موجزة.

و ظهر من ذلك كلّه أنّ القرآن ركّز في إرداف قصص الأنبياء حسب التّاريخ،إلاّ فيما استثني لنكتة،و أنّ عادا و ثمودا كانا في الفترة بين نوح و إبراهيم عليهما السّلام.

الخامس عشر:تقدّم في النّصوص عن الطّباطبائيّ أنّ أهل الكتاب لم يعرفوا خبر عاد و ثمود،و لم يرد ذكرهما في التّوراة،ثمّ قال:«لكن في القرآن ما يدلّ على أنّ موسى أخبر عنهما: وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ* أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ... إبراهيم:

8،9».فاستظهر أنّ هذا من كلام موسى مع قومه، و لكن لم يضبط خبرهما،و إن كان مشهورا في زمن موسى.و قد قطع في ذيل هذه الآية(ج 12:23)أنّه من كلام موسى،فقال:«يذكّر قومه من أيّام اللّه في الأمم الماضين ممّن فنيت أشخاصهم،و خمدت أنفاسهم، و عفت آثارهم،و انقطعت أخبارهم...».

و احتمل الطّبرسيّ(3:305)أنّه من كلام موسى، أو خطاب من اللّه إلى نبيّنا عليه السّلام.و قد حكى الفخر الرّازيّ (19:88)الوجهين عن أبي مسلم الأصفهانيّ،ثمّ قال:

«إلاّ أن الأكثرين ذهبوا إلى أنّه ابتداء مخاطبة لقوم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم».

و هذا هو المتعيّن عندنا،لأنّ موسى لم يكن يخاطب قومه بهذا التّفصيل عن عاد و ثمود و من تلاهما من الأمم البائدة من غير نسل إبراهيم،و إلاّ لكان لهم ذكر في التّوراة،و ليس فيها إلاّ الأقوام المعاصرون لبني إسرائيل الّذين كانوا يقطنون في فلسطين و نواحيها.بل هذا الأسلوب مماثل لأساليب الآيات المكّيّة خطابا للمشركين،فلاحظ.

السّادس عشر:جاء في(14): وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى، فاستظهروا منها أنّ عادا عادان:الأولى و الأخيرة.قال الطّبرسيّ(5:183):«و هو عاد بن إرم،و هم قوم هود،أهلكهم اللّه بريح صرصر عاتية، و كان لهم عقب،فكانوا عاد الأخرى».و قال

ص: 606

الفخر الرّازيّ(29:23):«قيل:ب(الأولى)تميّزت عن قوم كانوا بمكّة هم عاد الأخرى،و قيل:(الاولى)لبيان تقدّمهم لا تميّزه؛تقول:زيد العالم جاءني،فتصفه لا تميّزه،و لكن لتبيّن علمه»و قال الطّباطبائيّ(19:

50):«و هم قوم هود النّبيّ عليه السّلام،و وصفوا ب(الاولى)لأنّ هناك عادا الثّانية هم بعد الأولى».

و نحن نقول:ليس في القرآن و لا في التّاريخ و قصص الأنبياء ذكر لعادين،رغم ذكر عاد فيه مرّات.و لا يجوز الالتزام بهما بمجرّد كلمة(الاولى)في هذه الآية،بل السّرّ فيها هو تتابع الرّويّ في سورة النّجم من أوّلها إلى الآية (56)قبيل آخرها.فالرّويّ فيها يدور على الألف المقصورة،مثل: وَ النَّجْمِ إِذا هَوى، و فيها كلمات جيء بها رويّا لا موجب سواه،مثل الآية(4): إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى، و(10): فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى و(16): إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى و(20): وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى و(51): وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى، و هي عطف على وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى، أي أهلك ثمود،فلا موجب للإتيان ب(فما ابقى) سوى الرّويّ.

و قد تأخّر في الآيات ما حقّه التّقديم،مثل(25):

فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى. و كم لها من نظير في القرآن، فالوصف ب(الاولى)ليس للتّمييز،بل لبيان تقدّمهم في عمود الزّمان،كما أشار إليه الفخر الرّازيّ.

السّادس عشر:اختلفوا في قراءة (ثَمُودَ) منصرفا و غير منصرف،لاختلافهم في تذكيره و تأنيثه تعبيرا عن الحيّ أو القبيلة،و ليس المراد به الشّخص الّذي هو جدّهم الأعلى،بل قومه،لذا فسّره بعضهم ب«بني ثمود»،فهو علم للقوم دون الشّخص.لكن القراءة في الآيات ليست على وتيرة واحدة،بل هي في موضع بالتّنوين و الانصراف،و في موضع آخر بدونهما.

و قد قسّم الفارسيّ أسماء القبائل على أقسام،و بيّن حكمها في الانصراف و عدمه.و قال في(ثمود):«فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا،و من لم يصرف أيضا كذلك،و كذلك إن صرف في موضع،و لم يصرف في موضع آخر،إلاّ أنّه لا ينبغي أن يخرج عمّا قرأت به القرّاء،لأنّ القراءة سنّة،فلا تجوز أن تحمل على ما يجوز في العربيّة حتّى تضمّ إليه الرّواية»،فلاحظ نصّه.

ص: 607

ص: 608

ث ن ى

اشارة

13 لفظا،29 مرّة:16 مكّيّة،13 مدنيّة

في 18 سورة:12 مكّيّة،6 مدنيّة

يثنون 1:1 اثني عشر 1:-1

ثاني 2:-2 اثنتا عشر 2:1-1

اثنان 1:-1 اثنتي عشر 1:1

اثنين 10:8-2 مثنى 3:2-1

اثنتين 4:2-2 مثاني 1:1

اثنا عشر 1:-1 المثاني 1:-1

يستثنون 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّني من كلّ شيء:ما يثنى بعضه على بعض أطباقا،كلّ واحد:ثني،حتّى قيل:أثناء الحيّة:

مطاويها إذا انطوت.

فإذا أردت إثناء الشّيء بعضه على بعض،قلت:

ثنيته ثنيا،حتّى أنّ الرّجل يريد وجها فيثنيه عوده على بدئه،و ذهابه على مجيئه،و يقال:لا يثنى فلان عن قرنه و لا عن وجهه.

و ثنّيت الشّيء تثنية:جعلته اثنين.

و ثنى رجله عن دابّته:ضمّ ساقه إلى فخذه،فنزل عن دابّته.

و ثنيت الرّجل فأنا ثانيه،و أنت أحد الرّجلين، لا يتكلّم به إلاّ كذلك.لا يقال:ثنيت فلانا،أي صرت ثانيه،كراهيّة الالتباس.و تقول:صرت له ثانيا،أو معه ثانيا.

و اثنان:اسمان قرينان لا يفردان،كما أنّ الثّلاثة:

أسماء مقترنة لا تفرّق.و اثنتان:على تقدير:اثنة إلى اثنة لا تفردان.و الألف في«اثنين»ألف وصل.و ربّما قالوا:

ثنتان،كما قالوا:هي ابنة فلان،و هي بنته.

و التّثنّي:التّلوّي في المشية.

و الثّنيّة:أعلى ميل في رأس جبل،يرى من بعيد فيعرف.

ص: 609

و الثّنيّة:أحبّ الأولاد إلى الأمّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّنيّ من غير النّاس:ما سقطت ثنيّتاه الرّاضعتان، و نبتت له ثنيّتان أخريان،فيقال:قد أثنى.و الظّبي لا يزداد على الإثناء،و لا يسدّس إلاّ البعير.

و جاءوا مثنى،لا يصرف،و ثنى ثنى أيضا.

و المثنّى:الثّاني من أوتار العود.

و المثاني:آيات فاتحة الكتاب،و في حديث آخر:

المثاني:سور أوّلها البقرة،و آخرها براءة.و في ثالث:

المثاني:القرآن كلّه،لأنّ القصص و الأنباء تثنّى فيه.

و الثّني:ضمّ واحد إلى واحد،و الثّني:الاسم،يقال:

ثني هذا الثّوب.

و الثّني:بعد البكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّناء:تعمّدك لشيء تثني عليه بحسن أو قبيح.

و الثّناء:ثني عقال البعير و نحوه،إذا عقلته بحبل مثنيّ،و كلّ واحد من ثنييه فهو ثناء.

و عقلت البعير بثنايين،يظهرون الياء بعد الألف، و هي المدّة الّتي كانت فيها،و لو مدّ مدّا لكان صوابا، كقولك:كساء و كساوان و كساءان،و سماء و سماوان و سماءان.

و الثّنى من الرّجال،مقصور:الّذي بعد السّيّد،و هو الثّنيان.[ثمّ استشهد بشعر](8:242)

«حديث عمرو بن دينار،قال:رأيت ابن عمر ينحر بدنته و هي باركة مثنيّة بثنايين»

قال سيبويه:سألت الخليل عن«الثّنايين»فقال:

هو بمنزلة النّهاية،لأنّ الزّيادة في آخره لا تفارقه فأشبهت الهاء،و من ثمّ قالوا:مذروان،فجاءوا به على الأصل،لأنّ الزّيادة فيه لا تفارقه.

و سألت الخليل رحمه اللّه،عن قولهم:عقلته بثنايين و هنايين لم لم يهمزوا؟فقال:تركوا ذلك حيث لم يفرد الواحد.(ابن منظور 14:121)

اللّيث:إذا أراد الرّجل وجها فصرفته عن وجهه، قلت:ثنيته ثنيا.

و يقال:فلان لا يثنى عن قرنه،و لا عن وجهه.

و إذا فعل الرّجل أمرا ثمّ ضمّ إليه أمرا آخر،قيل:

ثنّى بالأمر الثّاني يثنّي تثنية.(الأزهريّ 15:141)

و يقال للرّجل إذا نزل من دابّته:ثنى وركه فنزل.

و يقال للرّجل الّذي يبدأ بذكره في مسعاة أو محمدة أو علم:فلان به تثنى الخناصر،أي تحنى في أوّل من يعدّ و يذكر.

و يقال في التّأنيث:اثنتان،و لا تفردان.

(الأزهريّ 15:142)

سيبويه :حكى عن بعض العرب:«اليوم الثّني»، أمّا قولهم:«الاثنان»فإنّما هو اسم اليوم،و إنّما أوقعته العرب على قولك:«اليوم يومان»و«اليوم خمسة عشر من الشّهر»،و لا يثنّى.و الّذين قالوا:«أثناء»جاءوا به على الإثن،و إن لم يتكلّم به،و هو بمنزلة الثّلاثاء و الأربعاء،يعني أنّه صار اسما غالبا.

(ابن سيده 10:196)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال الأكوعيّ:امرأة ثني، إذا ولدت اثنين،و ثنيها:ولدها الثّاني،و لم يقل فوق ذلك:ثلث و لا ربع.

ص: 610

و قال الطّائيّ: الثّنيا من الجزور:الرّأس و القلب،إلاّ أن تزداد.

المثناة:طرف الزّمام في الخشاش.(1:105)

هؤلاء رجال ثنية،و هم:الأخسّاء،و هو ثنية،إذا كان خسيس أهل بيته.(1:106)

الثّنيا:الرّأس و الإهاب و الأكارع.(1:108)

قال الأكوعيّ: المثناة:عروة الزّمام الّتي تكون في البرة.(1:109)

يقال:أحاد و ثناء و ثلاث و رباع و خماس،و كذلك إلى العشرة.(ابن السّكّيت:590)

مثنى الأيادي:أن يأخذ القسم مرّة بعد مرّة.

(الأزهريّ 15:137)

الثّنايا:هي العقاب.(الأزهريّ 15:140)

مبناه و مبناه،للنّطع.و مثناة و مثناة،للحبل.

ابن السّكّيت(إصلاح المنطق:120)

أبو عبيدة :مثنى الأيادي:هي الأنصباء الّتي كانت تفصل من جزور الميسر،فكان الرّجل الجواد يشريها فيطعمها الأبرام.(الأزهريّ 15:137)

أبو زيد :يقال:عقلت البعير بثنايين،إذا عقلت يديه بطرفي حبل.و عقلته بثنيين،إذا عقلت يدا واحدة بعقدتين.(الأزهريّ 15:135)

الأصمعيّ: و يقال:ناقة ثني،إذا ولدت بطنين، و ثنيها:ما في بطنها.(الأضداد:46)

ناقة ثني،إذا ولدت بطنا واحدا،و يقال فيه أيضا:

إذا ولدت بطنين.[ثمّ استشهد بشعر]

ولدهما الثّاني:ثنيها.

الثّني من الجبل و الوادي:منقطعه.و مثنى الأيادي:

أن يعيد معروفه مرّتين أو ثلاثا.(الأزهريّ 15:137)

الثّنيّة في الجبل:علوّ فيه،و الجمع:الثّنايا.

(المدينيّ 1:277)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا ثنى في الصّدقة»:هو مقصور بكسر الثّاء،يعني لا تؤخذ في السّنة مرّتين.

(أبو عبيد 1:67)

اللّحيانيّ: التّثنية:أن يفوز قدح رجل منهم فينجو و يغنم،فيطلب إليهم أن يعيدوه على خطار.

(ابن سيده 10:197)

و مضى ثني من اللّيل أي وقت.(ابن سيده 10:198)

أبو عبيد: إذا دخل الإبل في السّنة الخامسة،فهو حينئذ:جذع،و الأنثى:جذعة،و هي الّتي تؤخذ في الصّدقة إذا جاوزت الإبل سنتين،ثمّ ليس شيء في الصّدقة سنّ من الأسنان من الإبل فوق الجذعة،فلا يزال كذلك حتّى تمضي الخامسة،فإذا مضت الخامسة و دخلت السّنة السّادسة و ألقى ثنيّته فهو حينئذ:ثنيّ و الأنثى:

ثنيّة،و هو أدنى ما يجوز زمن أسنان الإبل في النّحر.

(1:409)

عمرو بن قيس السّكونيّ قال:سمعت عبد اللّه بن عمرو يقول:«من أشراط السّاعة أن توضع الأخيار و ترفع الأشرار،و أن تقرأ المثناة على رءوس النّاس لا تغيّر».

قيل:و ما المثناة؟قال:ما استكتب من غير كتاب اللّه عزّ و جلّ.

فسألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأول قد

ص: 611

عرفها و قرأها عن المثناة،فقال:إنّ الأحبار و الرّهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا،من غير كتاب اللّه تبارك و تعالى،فسمّوه:

المثناة،كأنّه يعني أنّهم أحلّوا فيه ما شاءوا و حرّموا فيه ما شاءوا،على خلاف كتاب اللّه تبارك و تعالى.فبهذا عرفت تأويل حديث عبد اللّه بن عمرو أنّه إنّما كره الأخذ عن أهل الكتب لذلك المعنى.(2:329)

يقال للّذي يجيء ثانيا في السّؤدد و لا يجيء أوّلا:

ثنى مقصور،و ثنيان،و ثني،كلّ ذلك يقال.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:136)

و الثّني من الوادي و الجبل:منعطفه،و ثني الحبل:

ما ثنيت.(الجوهريّ 6:2294)

ابن الأعرابيّ: الفرس إذا استتمّ الثّالثة و دخل في الرّابعة:ثنيّ،فإذا أثنى ألقى رواضعه،فيقال:أثنى و أدرم للإثناء.

و إذا أثنى سقطت رواضعه و ثبتت مكانها سنّ؛ فنبات تلك السّنّ هو الإثناء،ثمّ تسقط الّتي تليها عند إرباعه.

و الثّنيّ من الغنم:الّذي استكمل الثّانية و دخل في الثّالثة.و الأنثى:ثنيّة.

و ولد البقرة أوّل سنة:تبيع،ثمّ هو جذع في السّنة الثّانية،مثل الشّاة سواء.(الأزهريّ 15:140)

فلان لا يثني و لا يثلث،أي هو رجل كبير،فإذا أراد النّهوض لم يقدر في مرّة و لا مرّتين و لا في الثّالثة.

(ابن سيده 10:195)

لا تكن اثنويّا،أي ممّن يصوم الاثنين وحده.

(ابن سيده 10:196)

ليس[في الإبل]قبل الثّنيّ اسم يسمّى،و لا بعد البازل اسم يسمّى.(ابن سيده 10:199)

يقال:أثنى،إذا قال خيرا أو شرّا،و انثنى،إذا اغتاب.(ابن منظور 14:124)

ابن السّكّيت: يقال:صرفته عن الأمر أصرفه صرفا،و ثنيته أثنيه ثنيا،و ردعته أردعه ردعا،و قدعته قدعا.(551)

و يقال:موحد و مثنى و مثلث و مربع،و يقال:

أدخلوا أحاد أحاد...و كذلك ادخلوا مثنى مثنى و مثلث مثلث.

و يقال:هو ثاني اثنين،أي أحد اثنين،و كذلك هو ثالث ثلاثة و رابع أربعة.

و كان الفرّاء و الخليل لا يجيزان فيها إلاّ الإضافة، لأنّها في مذهب الأسماء،كأنّه قال:هو أحد ثلاثة و أحد أربعة،و كذلك إلى العشرة،و كان الكسائيّ يجيز النّصب.

قال الفرّاء و الخليل: فإذا اختلفا فقلت:هو ثالث اثنين أو رابع ثلاثة،فإنّ لك الوجهين:حذف التّنوين و الإضافة،و التّنوين و النّصب؛فتقول:هو ثالث اثنين و هو ثالث اثنين،و هو رابع ثلاثة و رابع ثلاثة.كما تقول:

هو مكرم عبد اللّه و هو مكرم عبد اللّه.(590)

شمر: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الإمارة،فقال:«أوّلها ملامة،و ثناؤها ندامة و ثلاثها عذاب يوم القيامة إلاّ من عدل».

ثناؤها،أي ثانيها،و ثلاثها:ثالثها.و أمّا ثناء و ثلاث فمصروفان عن ثلاثة ثلاثة و اثنين اثنين،و كذلك رباع

ص: 612

و مثنى.(الأزهريّ 15:141)

الجاحظ: الذّكر تيس،و الأنثى عنز.ثمّ يكون جذعا في السّنة الثّانية،و الأنثى:جذعة.ثمّ ثنّيا في الثّالثة،و الأنثى:ثنيّة،ثمّ يكون رباعيّا في الرّابعة، و الأنثى:رباعيّة.(5:498)

ابن قتيبة :و هو[الثّنيا]أن يبيع شيئا جزافا،فلا يجوز أن يستثنى منه شيئا،قلّ أو كثر.

و تكون«الثّنيا»في المزارعة:أن يستثنى بعد النّصف أو الثّلث كيلا معلوما.(الهرويّ 1:300)

الحربيّ: قوله صلّى اللّه عليه و آله:«ثنى عليه رجلا»يقول:

اتّكل على ذلك،و مال طمعا فيه.(2:417)

المبرّد: الثّنايا:جمع ثنيّة،و الثّنيّة:الطّريق في الجبل.(1:226)

إن اتّسع الطّريق في الجبل و علا،فهو ثنيّة.[ثمّ استشهد بشعر](1:381)

إنّما أجازوا دخول اللاّم عليه[اثنين]لأنّ فيه تقدير الوصف،أ لا ترى أنّ معناه:اليوم الثّاني،و كذلك أيضا اللاّم في الأحد و الثّلاثاء و الأربعاء و نحوها،لأنّ تقديرها:الواحد و الثّاني و الثّالث و الرّابع و الخامس و الجامع و السّابت.(ابن سيده 10:196)

ثعلب :أثناؤه و مثانيه:قواه و طاقاته،واحدها:

ثني و مثناة و مثناة.(ابن سيده 10:193)

[جمع الاثنان]أثانين،و يوم«الاثنين»لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه مثنّى،فإن أحببت أن تجمعه كأنّه صفة الواحد،كأنّ لفظه مبنيّ للواحد،قلت:أثانين.

(ابن منظور 14:118)

و مضى ثني من اللّيل،أي ساعة.(ابن منظور 14:125)

الزّجّاج: ثنيت الرّجل،إذا عطفته،و أثنيت على الرّجل خيرا،إذا مدحته.(فعلت و أفعلت:191)

ابن دريد :ثني كلّ شيء:طيّه،و الثّناية و المثناة:

حبلان من صوف أو شعر.(2:52)

و الثّناء،يقال:أثنى عليه ثناء حسنا ثناء و ثناء، و الاسم:الثّناء،و لا يكون إلاّ في الخير إذا كان ممدودا.

يقال:أثنيت عليه إثناء،و الاسم:الثّناء،لا يكون إلاّ في الخير،و هو الثّبت.و ربّما استعمل في الشّرّ،زعموا.

و النّثا يكون في الخير و الشّرّ،و كلاهما يصلح هذا في موضع هذا،و هذا لا يصلح في موضع هذا.و الثّناء لا يكون إلاّ في الذّكر الجميل.

و ثني القوم:الّذين دون السّادة،رجل ثني،و الجمع:

ثناء،و الأثناء:الّذين هم دون السّادة،فلان من أثناء بني فلان و من ثنيانهم،إذا كان من دون ساداتهم.

و الثّناية:الحبل من الشّعر أو الصّوف.(3:220)

و يقال:فلان ثنيان بني فلان،إذا كان يلي سيّدهم.

و يقال:حلفت يمينا ما فيها ثنية و لا ثنى مقصور.

و يقال:فعل ذلك مثنى الأيادي،أي يدا بعد يد.

و يقال:ناقة ثني،إذا كانت قد ولدت بعد بكرها ولدا آخر،و الجمع:أثناء،ممدود.(3:469)

القاليّ: إذا دخل[ولد النّاقة الذّكر]في السّادسة فهو ثنيّ و الأنثى:ثنيّة.(1:22)

و الثّني:الولد الّذي بعد الولد الأوّل،فالأوّل بكر، و الثّاني ثني.(2:88)

و أثناؤه:جمع ثني،يريد أعطافه،و أثناء الوادي:

ص: 613

ما انعرج منه،و كذلك محانيه و أصواحه.(2:246)

السّيرافيّ: إنّ فلانا ليصوم الأثناء،و بعضهم يقول:ليصوم الثّنيّ على«فعول»مثل ثديّ.

(ابن منظور 14:118)

الأزهريّ: و روي عن ابن عبّاس أنّه قال:(الا انّهم يثنون صدورهم)هود:5،قال الفرّاء:و هو في العربيّة،بمنزلة«تنثني»و هو من الفعل:«افعوعلت».

قلت:و أصله من:ثنيت الشّيء،إذا حنيته و عطفته و طويته.

و اثنوني صدره على البغضاء،أي انحنى و انطوى.

و سمعت أعرابيّا يقول لراعي إبل أوردها الماء جملة:

ألا و اثن وجوهها عن الماء،ثمّ أرسل منها رسلا رسلا، أى قطيعا قطيعا،أراد بقوله:اثن وجوهها،أي اصرف وجوهها عن الماء،لئلاّ تزدحم على الحوض فتهدمه.

و يقال للفارس إذا ثنى عنق دابّته عند حضره:جاء ثاني العنان.

و يقال للفرس نفسه:جاء سابقا ثانيا،إذا جاء و قد ثنى عنقه نشاطا،لأنّه إذا أعيا مدّ عنقه،و إذا لم يجىء و لم يجهد و جاء سيره عفوا غير مجهود:ثنى عنقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث عمرو بن دينار،قال:رأيت ابن عمر ينحر بدنته و هي باركة مثنيّة بثنايين-غير مهموز- و ذلك أن يعقل يديه جميعا بعقالين؛و يسمّى ذلك الحبل:

الثّناية.[ثمّ ذكر قول الخليل في قوله:«و عقلت البعير بثنايين»و أضاف:]

قلت:أغفل اللّيث العلّة في«الثّنايين»و أجاز ما لم يجزه النّحويّون.[ثمّ ذكر سؤال سيبويه من الخليل و أضاف:]

قلت:و هذا خلاف ما ذكره اللّيث في كتابه،لأنّه أجاز أن يقال لواحد«الثّنايين»:ثناء.

و الخليل يقول: لم يهمزوا«ثنايين»لأنّهم لا يفردون الواحد منهما.[إلى أن قال:]

قال شمر: و قال الفرّاء:لم يهمزوا«ثنايين»لأنّ واحده لا يفرد.

قلت:و البصريّون و الكوفيّون اتّفقوا على ترك الهمزة في«الثّنايين»و على ألاّ يفرد الواحد.

قلت:و الحبل يقال له:الثّناية.

و إنّما قالوا:ثنايين،و لم يقولوا:ثنايتين،لأنّه حبل واحد تشدّ بأحد طرفيه يد البعير،و بالطّرف الآخر اليد الأخرى،فيقال:ثنيت البعير بثنايين،كأنّ«الثّنايين» كالواحد،و إن جاء بلفظ اثنين،و لا يفرد له واحد.

و مثله:المذروان:طرفا الأليتين،جعل واحدا،و لو كانا اثنين لقيل:مذريان.و أمّا العقال الواحد،فإنّه لا يقال له:ثناية،إنّما الثّناية:الحبل الطّويل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان ثاني اثنين،أي هو أحدهما،مضاف.

و لا يقال:هو ثان اثنين،بالتّنوين.

و ثنيا الحبل:طرفاه،واحدهما:ثني.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ربّق فلان أثناء الحبل،إذا جعل وسطه أرباقا،أي نشقا للشّاء ينشق في أعناق البهم.

و أثناء الحيّة:مطاويها إذا تحوّت.

ص: 614

و أثناء الوشاح:ما انثنى منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا ثنى في الصّدقة» مقصور.

قال أبو سعيد:لسنا ننكر أنّ«الثّنى»إعادة الشّيء مرّة بعد مرّة،و لكنّه ليس وجه الكلام و لا معنى الحديث، معناه:أن يتصدّق الرّجل على آخر بصدقة،ثمّ يبدو له فيريد أن يستردّها،فيقال:«لا ثنى في الصّدقة»أي لا رجوع فيها،فيقول المتصدّق عليه:ليس لك عليّ عصرة الوالد،أي ليس لك رجوع كرجوع الوالد فيما يعطي ولده.[ثمّ نقل قول الأصمعيّ و قال:]

قلت:و الّذي سمعته من العرب،يقولون للنّاقة إذا ولدت أوّل ولد تلده:فهي بكر و ولدها أيضا بكرها.

فإذا ولدت الولد الثّاني:فهو ثني،و ولدها الثّاني ثنيها، و هذا هو الصّحيح.[إلى أن قال:]

و ثنايا الإنسان في فمه:الأربع الّتي في مقدّم فيه:

ثنتان من فوق،و ثنتان من أسفل.

البعير إذا استكمل الخامسة و طعن في السّادسة فهو ثنيّ،و الأنثى:ثنيّة،و هو أدنى ما يجوز من سنّ الإبل في الأضاحي،و كذلك من البقر و المعزى.فأمّا الضّأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي.[إلى أن قال:]

و إنّما سمّي البعير ثنيّا،لأنّه ألقى ثنيّته.

أبو عبيدة عن أبي عمرو:الثّنايا هي العقاب.

قلت:و العقاب:جبال طوال بعرض الطّريق، فالطّريق تأخذ فيها.

و كلّ عقبة مسلوكة:ثنيّة،و جمعها:ثنايا،و هي المدارج أيضا.[إلى أن قال:]

و يقال:حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا،و لا ثنوى، و لا ثنيّة و لا مثنويّة،و لا استثناء،كلّه واحد.و أصل هذا كلّه من«الثّني»و هو الكفّ و الرّدّ،لأنّ الحالف إذا قال:و اللّه لا أفعل كذا و كذا إلاّ أن يشاء اللّه غيره،فقد ردّ ما قاله بمشيئة اللّه غيره.

و روي عن كعب أنّه قال:«الشّهداء ثنيّة اللّه في الأرض»

تأوّل قول اللّه تعالى: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ الزّمر:

68،فالّذين استثناهم-عند كعب-من الصّعق الشّهداء، لأنّهم عند ربّهم أحياء يرزقون فرحين بما آتاهم اللّه من فضله،فإذا صعق الخلق عند النّفخة الأولى لم يصعقوا.

و هذا معنى كلام كعب.

و الثّنيا،المنهيّ عنها في البيع:أن يستثنى منه شيء مجهول فيفسد البيع،و كذلك إذا باع جزورا بثمن معلوم و استثنى رأسه و أطرافه،فإنّ البيع فاسد.

و الثّنيا من الجزور:الرّأس و القوائم،و سمّيت ثنيا، لأنّ البائع في الجاهليّة كان يستثنيها إذا باع الجزور، فسمّيت للاستثناء:الثّنيا.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و يقال:ثني الثّوب،لما كفّ من أطرافه،و أصل الثّني:الكفّ.(15:134-141)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الثّناية في العكم:خشبة تشدّ بالحبل إليه.

و المثناة:حبل الفرس؛و كذلك الثّناية،و المثاني:

الحبال،و طرف الزّمام الدّقيق.و تفتح الميم أيضا.[إلى

ص: 615

أن قال:]

و يقال:ثنيت الشّيء أثنيه،و ثنيته عن وجهه،إذا رددت عوده على بدئه.و اثتنيته:مثله.

و التّثنّي:التّلوّي في المشي.

و ثنّى فلان:فعل فعلا ثانيا.

و الثّني:ضمّ واحد إلى آخر،و الثّني:الاسم.

و ثنى عنانه عنّي:أعرض،و جاء ثانيا من عنانه،أي جاء وادعا.

و فلان لا تثنى به الخناصر،أي لا يعدّ ثانيا.

و ثنّى تثنية،إذا فعل أمرا ثمّ ضمّ إليه آخر.و ثنيت الرّجلين أثنيهما،و أنا ثانيهما.و اثنتان:على تقدير ضمّ اثنة إلى اثنة،لا تفردان.

و جاء القوم مثنى مثنى،و ثناء ثناء.

و المثنى:من أوتار العود.و قيل:ما دون المئين من السّور،و ما فوق المفصّل.

و المثاني:آيات سورة فاتحة الكتاب.و قيل:من سورة البقرة إلى براءة.و قيل:القرآن كلّه،لقوله تعالى:

كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23،و سمّي بذلك لأنّ القصص و الأنباء ثنّيت فيه.

و قوله(1):

*غير ما ثني و لا بكر*

أي ليس بأوّل مرّة و لا ثني ثانية.

و الثّناوة:بمعنى أن يكون الرّجل ثانيا.

و فلان يثني و لا يثلث،أي يعدّ من الخلفاء اثنين و ينكر غيرهما.

و ناقة ثني:ولدت بطنين.و أثنت الحامل:وضعت الثّاني،و كذلك إذا حلبت قعبين.

و الثّنيّة:أعلى مسيل في رأس جبل،يرى من بعيد فيعرف،و هي العقبة أيضا،و جمعها:ثنايا.

و أثناء الوادي:أحناؤه،و مثانيه:محانيه.

و الثّنيّة:أحبّ الأولاد إلى الأمّ.

و الثّنيّة:سنّ واحد من الثّنايا.و الثّنيّ من غير النّاس:ما سقطت ثنيّتاه الرّاضعتان،و نبتت له ثنيّتان أخريان،يقال:أثنى الفرس.

و فلان ثنيّتي،أي خاصّتي و هم ثناياي.

و الثّني،بوزن العمي:جمع الثّنيّ من الإبل،و الثّنيان جمع.

و هو يركب النّاس بثنييه،أي بناحيتيه.

و الثّناء:الفناء،و جمعه:أثنية.

و الثّنى،مقصور:الّذي بعد السّيّد،و الثّنيان مثله.

فلان ثنيان بني فلان،أي يلي سيّدهم و جمع الثّنى:ثنية.

و أمر ثنى،أي ثان.و حلبت النّاقة ثنى.و يوم الثّنى:

يوم الاثنين،و في الحديث:«لا ثنى في الصّدقة»أي لا يؤخذ مرّتين في السّنة.

و جمع الاثنين من الأيّام:أثان و أثانين.

و الثّناية:النّخاس الّذي يجعل في البكرة إذا اتّسعت.

و الثّنيا من الجزور:الرّأس و القوائم،لأنّ الجزّار يستثنيها لنفسه.

و قيل في قوله(2):

*مذكّرة الثّنيا...*

قوائمها و رأسها.و قيل:هي النّظرة الثّانية؛أي إنّ

ص: 616


1- أي الشّاعر.
2- أي الشّاعر.

النّظرة الأولى تخيل و الثّانية تحقّق.

و في الحديث:«نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الثّنيا»و ذلك أن يبيع الرّجل الشّيء جزافا،فلا يجوز له أن يستثني منها شيئا قلّ أو كثر،لأنّه لا يدري كم يبقى منه.و هي في المزارعة:أن يستثني بعد النّصف أو الرّبع أو الثّلث كيلا معلوما،و هي الثّنوى.

و الاستثناء في اليمين أصله:من ثنيت الشّيء،أي زويته.

و مثنى الأيادي:الأنصباء الّتي كانت تفضل من الجزور في الميسر عن السّهام،فكان الجواد يشتريها فيطعمها الأبرام،و هو أن يعيد معروفه مرّتين.

و مثاني الدّابّة:مرفقاه و ركبتاه.(10:178)

ابن جنّيّ: اللاّم في«الاثنين»غير زائدة،و إن لم تكن الاثنان صفة.(ابن سيده 10:196)

لو كانت ياء التّثنية في«الثّنايين»إعرابا أو دليل إعراب،لوجب أن تقلب الياء الّتي بعد الألف همزة، فيقال:عقلته بثناءين،و ذلك لأنّها ياء وقعت طرفا بعد ألف زائدة،فجرى مجرى ياء رداء و رماء و ظباء.

(ابن سيده 10:198)

ثناء الدّار و فناؤها أصلان،لأنّ الثّناء من ثنى يثني، لأنّ هناك تنثني عن الانبساط لمجيء آخرها و استقصاء حدودها،و فناؤها من فني يفنى،لأنّك إذا تناهيت إلى أقصى حدودها فنيت.(ابن سيده 10:199)

الجوهريّ: الثّناية:حبل من شعر أو صوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الثّناء ممدود:فعقال البعير،و نحو ذلك من حبل مثنيّ.و كلّ واحد من ثنييه فهو ثناء،لو أفرد تقول:

عقلت البعير بثنايين،إذا عقلت يديه جمعا جميعا بحبل أو بطرفي حبل.و إنّما لم يهمز،لأنّه لفظ جاء مثنّى لا يفرد واحده فيقال:ثناء،فتركت الياء على الأصل،كما فعلوا في مذروين،لأنّ الأصل الهمزة في ثناء لو أفرد«ياء»، لأنّه من«ثنيت»و لو أفرد واحده لقيل:ثناءان،كما تقول:كساءان و رداءان.

و الثّني:واحد أثناء الشّيء،أي تضاعيفه.تقول:

أنفذت كذا في ثني كتابي،أي في طيّه.

و الثّني أيضا من النّوق:الّتي وضعت بطنين،و ثنيها:

ولدها،و كذلك المرأة.و لا يقال:ثلث،و لا فوق ذلك.

و الثّنى مقصور:الأمر يعاد مرّتين.

و الثّنيا بالضّمّ:الاسم من الاستثناء،و كذلك الثّنوى بالفتح.

و يقال:جاءوا مثنى مثنى،أي اثنين اثنين،و مثنى و ثناء غير مصروفين،لما قلناه في«ثلاث»من باب الثّاء.

و في الحديث:«من أشراط السّاعة أن توضع الأخيار و ترفع الأشرار و أن تقرأ المثناة على رءوس النّاس فلا تغيّر»،يقال:هي الّتي تسمّى بالفارسيّة «دوبيتي»و هو الغناء.و كان أبو عبيد يذهب في تأويله إلى غير هذا.

و ثنيت الشّيء ثنيا:عطفته.

و ثناه،أي كفّه،يقال:جاء ثانيا من عنانه.

و ثنيته أيضا:صرفته عن حاجته،و كذلك إذا صرت له ثانيا.

و ثنّيته تثنية،أي جعلته اثنين.

ص: 617

و الثّنيان بالضّمّ:الّذي يكون دون السّيّد في المرتبة، و الجمع:ثنية.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان ثنية أهل بيته،أي أرذلهم.

و الثّني و الثّني بضمّ الثّاء و كسرها،مثل الثّنيان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّنيّة:واحدة الثّنايا من السّنّ.

و الثّنيّة:طريق العقبة،و منه قولهم:فلان طلاّع الثّنايا،إذا كان ساميا لمعالي الأمور،كما يقال:طلاّع أنجد.

و الثّنيّ:الّذي يلقى ثنيّته،و يكون ذلك في الظّلف و الحافر في السّنة الثّالثة،و في الخفّ في السّنة السّادسة.

و الجمع:ثنيان و ثناء،و الأنثى:ثنيّة،و الجمع:ثنيّات.

و اثنان من عدد المذكّر،و اثنتان للمؤنّث.و في المؤنّث لغة أخرى:ثنتان بحذف الألف،و لو جاز أن يفرد لكان واحده:اثن و اثنة،مثل ابن و ابنة.و ألفه ألف وصل،و قد قطعها الشّاعر على التّوهّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يوم الاثنين:لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه مثنّى،فإن أحببت أن تجمعه كأنّه صفة للواحد،قلت:أثانين.

و قولهم:هذا ثاني اثنين،أي هو أحد الاثنين، و كذلك ثالث ثلاثة مضاف،إلى العشرة،و لا ينوّن.

فإن اختلفا فأنت بالخيار:إن شئت أضفت،و إن شئت نوّنت،و قلت:هذا ثاني واحد،و ثان.المعنى:هذا ثنّى واحدا.و كذلك ثالث اثنين،على ما فسّرناه في باب «الثّاء».

و العدد منصوب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر، في الرّفع و النّصب و الخفض،إلاّ اثني عشر فإنّك تعربه على هجاءين.

و تقول للمؤنّث:اثنتان،و إن شئت ثنتان،لأنّ الألف إنّما اجتلبت لسكون الثّاء،فلمّا تحرّكت سقطت.

و لو سمّى رجل باثنين أو باثني عشر،لقلت في النّسبة إليه:ثنويّ،في قول من قال في ابن:بنويّ،و اثنيّ، في قول من قال:ابنيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و انثنى،أي انعطف.و كذلك اثنونى،على «افعوعل».

و أثنى عليه خيرا،و الاسم الثّناء.

و أثنى،أي ألقى ثنيّته.

و تثنّى في مشيته:تأوّد.

و المثاني من القرآن:ما كان أقلّ من المئتين.

و تسمّى فاتحة الكتاب:مثاني،لأنّها تثنّى في كلّ ركعة، و يسمّى جميع القرآن:مثاني أيضا،لاقتران آية الرّحمة آية العذاب.(6:2293-2296)

ابن فارس: الثّاء و النّون و الياء أصل واحد،و هو تكرير الشّيء مرّتين،أو جعله شيئين متواليين أو متباينين،و ذلك قولك:ثنيت الشّيء ثنيا.و الاثنان في العدد معروفان.

و الثّنى و الثّنيان:الّذي يكون بعد السّيّد،كأنّه ثانيه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:امرأة ثني:ولدت اثنين،و لا يقال:ثلث، و لا فوق ذلك.

و الثّناية:حبل من شعر أو صوف،و يحتمل أنّه سمّي بذلك لأنّه يثنى،أو يمكن أن يثنى.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 618

و الثّنيا من الجزور:الرّأس أو غيره إذا استثناه صاحبه.

و معنى الاستثناء من قياس الباب؛و ذلك أنّ ذكره يثنّى مرّة في الجملة و مرّة في التّفصيل،لأنّك إذا قلت:

خرج النّاس؛ففي النّاس زيد و عمرو،فإذا قلت:إلاّ زيدا،فقد ذكرت به زيدا مرّة أخرى ذكرا ظاهرا.

و لذلك قال بعض النّحويّين:إنّه خرج ممّا دخل فيه، فعمل فيه ما عمل عشرون في الدّرهم.و هذا كلام صحيح مستقيم.

و المثناة:طرف الزّمام في الخشاش،كأنّه ثاني الزّمام.

و المثناة:ما قرئ من الكتاب و كرّر،قال اللّه تعالى:

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي الحجر:87،أراد أنّ قراءتها تثنّى و تكرّر.(1:391)

أبو هلال :الفرق بين المدح و الثّناء:أنّ الثّناء مدح مكرّر،من قولك:ثنيت الخيط،إذا جعلته طاقين، و ثنّيته بالتّشديد إذا أضفت إليه خيطا آخر،و منه قوله تعالى: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي الحجر:87،يعني سورة الحمد،لأنّها تكرّر في كلّ ركعة.

الفرق بين الثّناء و النّثا-على ما قال أبو أحمد الحسن ابن عبد اللّه بن سعيد رحمه اللّه-أنّ«الثّناء»يكون في الخير و الشّرّ،يقال:أثنى عليه بخير و أثنى عليه بشرّ، و«النّثا»مقصور لا يكون إلاّ في الشّرّ.و نحن سمعناه في الخير و الشّرّ.

و الصّحيح عندنا أنّ«النّثا»هو بسط القول في مدح الرّجل أو ذمّه،و هو مثل النّثّ:نثّ الحديث نثّا،إذا نشره،و يقولون:جاءني نثّا خبر ساءني،يريدون انتشاره و استفاضته.

و قال أبو بكر:«الثّناء»بالمدّ لا يكون إلاّ في الخير، و ربّما استعمل في الشّرّ،و«النّثا»يكون في الخير و الشّرّ، و هذا خلاف ما حكاه أبو أحمد.

و«الثّناء»عندنا هو بسط القول مدحا أو ذمّا و«النّثا»تكريره،فالفرق بينهما بيّن.(37)

الفرق بين الاستثناء و العطف:أنّك إذا قلت:

ضربت القوم،فقد أخبرت أنّ الضّرب قد استوفى القوم،ثمّ قلت:و عمرا،فعمرو غير القوم،و الفعل الواقع به غير الفعل الواقع بالقوم،و إنّما أشركته معهم في فعل ثان وصل إليه منك.و ليس هذا حكم الاستثناء،لأنّك تمنع في الاستثناء أن يصل فعلك إلى جميع المذكور.

(49)

الفرق بين قولك:منعته عن الفعل،و بين قولك:

ثنيته عنه:أنّ«المنع»يكون عن إيجاد الفعل،و«الثّني» لا يكون إلاّ المنع عن إتمام الفعل،تقول:ثنيته عنه،إذا كان قد ابتدأه فمنعته عن إتمامه و استبقائه.

و إلى هذا يرجع الاستثناء في الكلام،لأنّك إذا قلت:ضربت القوم إلاّ زيدا،فقد أخبرت أنّ الضّرب قد استمرّ في القوم دون زيد،فكأنّك أطلقت الضّرب حتّى إذا استمرّ في القوم ثنيته فلم يصل إلى زيد.(92)

الهرويّ: و«الثّنيا»المنهيّ عنها في البيع:أن يستثنى منه شيء مجهول،فيفسد البيع.[ثمّ ذكر قول ابن قتيبة و أضاف:]

و«الثّنيا»في الجزور:الرّأس و القوائم.

ص: 619

و منه الحديث:«كان لرجل ناقة نجيبة فمرضت، فباعها من رجل و اشترط ثنياها»أراد قوائمها و رأسها.

(1:300)

الثّعالبيّ: إذا كان[ولد النّاقة]في السّادسة و ألقى ثنيّته فهو ثنيّ.

إذا وضعته[الفرس]أمّه،فهو مهر،ثمّ فلو.فإذا استكمل سنة،فهو حوليّ،ثمّ في الثّانية:جذع،ثمّ في الثّالثة:ثنيّ.(114)

و كلّ من أولاد الضّأن و المعز في السّنة الثّانية:جذع و في الثّالثة:ثنيّ.

و أوّل ما يولد الظّبي،فهو طلا،ثمّ خشف،و رشأ ثمّ غزال،و شادن،ثمّ شصر ثمّ جذع.ثمّ ثنيّ،إلى أن يموت.

(116)

فإذا كانت[المرأة]لا تمسك بولها فهي مثناء.(169)

ابن سيده: ثنى الشّيء ثنيا:ردّ بعضه على بعض، و قد تثنّى و انثنى.

و ثني الحيّة:انثناؤها،و هو أيضا:ما تعوّج منها إذا تثنّت،و الجمع:أثناء.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثناء الوادي:معاطفه و أجزاعه.

و شاة ثانية،بيّنة الثّني:تثني عنقها لغير علّة.

و ثنى رجله عن دابّته:ضمّها إلى فخذه،فنزل.

و الاثنان:ضعف الواحد،و المؤنّث:الثّنتان،تاؤه مبدلة من ياء،و يدلّ على أنّه من الياء أنّه من«ثنيت» لأنّ الاثنين قد ثني أحدهما إلى صاحبه.و أصله:ثني، يدلّك على ذلك جمعهم إيّاه على أثناء،بمنزلة أبناء و آخاء،فنقلوه من فعل إلى فعل،كما فعلوا ذلك في بنت.

و ليس في الكلام تاء مبدلة من الياء في غير«افتعل» إلاّ فيما حكاه سيبويه،من قولهم:«اسنتوا»و ما حكاه أبو عليّ من قولهم:«ثنتان».

و ثنّى الشّيء:جعله اثنين.

و اتّنى-افتعل منه-أصله:اثتنى،فقلبت الثّاء تاء، لأنّ الثّاء أخت التّاء في الهمس،ثمّ أدغمت فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

هذا هو المشهور في الاستعمال،و القويّ في القياس.

و منهم من يقلب تاء«افتعل»ثاء،فيجعلها من لفظ الثّاء قبلها،فيقول:«اثّنى»،و اثّرد،و اثّأر،كما قال بعضهم في:

اذدكر(ادّكر)يوسف:45،و في«اصطلحوا»«اصّلحوا».

و هذا ثاني هذا،أي الّذي شفعه،و لا يقال:ثنيته.إلاّ أنّ أبا زيد قال:هو واحد فاثنه،أي كن له ثانيا.

و شربت أثناء القدح،و شربت اثني هذا القدح،أي اثنين مثله،و كذلك:شربت اثني مدّ البصرة،و اثنين بمدّ البصرة.

و ثنّيت الشّيء:جعلته اثنين.

و جاء القوم مثنى،و ثناء،و كذلك النّسوة،و سائر الأنواع:أي اثنين اثنين،و ثنتين ثنتين.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاثنان:من أيّام الأسبوع،لأنّ الأوّل عندهم الأحد،و الجمع:أثناء،و حكى المطرّز عن ثعلب:أثانين.

[ثمّ نقل قول سيبويه و اللّحيانيّ و قال:]

و كان أبو زياد يقول:«مضى الاثنان بما فيه»فيوحّد و يذكّر،و كذا يفعل في سائر أيّام الأسبوع كلّها،و كان يؤنّث الجمعة.

ص: 620

و كان أبو الجرّاح يقول:«مضى السّبت بما فيه، و مضى الأحد بما فيه،و مضى الاثنان بما فيهما،و مضى الثّلاثاء بما فيهنّ،و مضى الأربعاء بما فيهنّ،و مضى الخميس بما فيهنّ،و مضت الجمعة بما فيها»كان يخرجها مخرج العدد.

و المثاني من أوتار العود:الّذي بعد الأوّل،واحدها:

مثنى.

و المثاني من القرآن:ما ثنّي مرّة بعد مرّة،و قيل:

فاتحة الكتاب.قال ثعلب:لأنّها تثنّى مع كلّ سورة.

و قيل:المثاني:سور،أوّلها البقرة و آخرها براءة.

و قيل:ما كان دون المئين،و قيل:القرآن كلّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّحيانيّ: التّثنية:أن يفوز قدح رجل منهم، فينجو و يغنم،فيطلب إليهم أن يعيدوه على خطار، و الأوّل أقيس و أقرب إلى الاشتقاق.و قيل:هو ما استكتب من غير كتاب اللّه.

و مثنى الأيادي:أن يأخذ القسم مرّة بعد مرّة.

و ناقة ثني،إذا ولدت اثنين،و قيل:اذا ولدت بطنا واحدا،و الأوّل أقيس.و جمعها:ثناء كظئر و ظؤار.

و ثنيها:ولدها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّواني:القرون الّتي بعد الأوائل.

و الثّنى في الصّدقة:أن تؤخذ في العام مرّتين.

و الثّنى:هو أن تؤخذ ناقتان في الصّدقة مكان واحدة.

و المثناة و المثناة:حبل من صوف أو شعر.

و الثّنى من الرّجال:بعد السّيّد،و هو الثّنيان.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل ثنيان:لا رأي له و لا عقل.

و رأي ثنيان:غير سديد.

و الثّنيّة من الأضراس:أوّل ما في الفم و للإنسان.

و الخفّ و السّبع ثنيّتان من فوق،و ثنيّتان من أسفل.

و الثّنيّ من الإبل:الّذي يلقي ثنيّته؛و ذلك في السّادسة،و من الغنم:الدّاخل في السّنة الثّانية،تيسا كان أو كبشا.

و قيل:لابنة الخسّ:هل يلقح الثّنيّ؟قالت:

و إلقاحه أني،أي بطيء.

و الأنثى ثنيّة.و الجمع من ذلك كلّه:ثناء و ثناء و ثنيان.و حكى سيبويه:ثن.

و أثنى البعير:صار ثنيّا.و قيل:كلّ ما سقطت ثنيّته من غير الإنسان:ثنيّ.

و الظّبي ثنيّ بعد الإجذاع،و لا يزال كذلك حتّى يموت.

و الثّنيّة:الطّريقة في الجبل كالنّقب.و قيل:الطّريقة إلى الجبل،و قيل:هي العقبة،و قيل:هي الجبل نفسه.

و الثّناء:ما تصف به الإنسان من مدح أو ذمّ،و خصّ بعضهم به المدح،و قد أثنيت عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثناء الدّار:فناؤها.[ثمّ نقل قول ابن جنّيّ و قال:]

فإن قلت:هلاّ جعلت إجماعهم على:أفنية،بالفاء، دلالة على أنّ الثّاء في«ثناء»بدل من فاء«فناء»كما زعمت أنّ فاء«جدف»بدل من ثاء«جدث»لإجماعهم على أجداث؟فالفرق بينهما وجودنا لثناء من الاشتقاق ما وجدناه لفناء،أ لا ترى أنّ الفعل بتصرّف منهما جميعا؟

ص: 621

و لسنا نعلم ل«جدف»بالفاء تصرّف«جدث»فلذلك قضينا بأنّ الفاء بدل من الثّاء،و جعله أبو عبيدة في المبدل.

و استثنيت الشّيء من الشّيء:حاشيته.

و الثّنيّة:النّخلة المستثناة من المساومة.

و حلفة غير ذات مثنويّة:أي غير محلّلة.

و الثّنيا،و الثّنوى:ما استثنيته،قلبت ياؤه واوا للتّصريف،و تعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها، و للفرق أيضا بين الاسم و الصّفة.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:193)

الثّنيّ:التّيس في الثّالثة،و الأنثى:ثنيّة.و أثنى التّيس:صار ثنيّا.(الإفصاح 2:784)

الثّنيّ:بعد الجذع،الجمع:ثناء و ثنيان.و قيل:الثّنيّة:

البقرة في الثّالثة.

أثنى الحيوان:ألقى ثنيّته فصار ثنيّا.

(الإفصاح 2:799)

الثّني:ثنا الشّيء يثنيه ثنيا:عطفه و ردّ بعضه على بعض،فاثّنى و انثنى و تثنّى،أي انعطف و ارتدّ بعضه على بعض.(الإفصاح 2:1173)

الثّني:ثناه عن مراده يثنيه ثنيا:صرفه عنه.

(الإفصاح 2:1369)

الطّوسيّ: و أصل الثّني:العطف،تقول:ثنيه عن كذا؛أي عطفه و منه:الاثنان،لعطف أحدهما على الآخر في المعنى.و منه:الثّناء،لعطف المناقب في المدح.و منه:

الاستثناء،لأنّه عطف عليه بالإخراج منه.(5:516)

مثله الطّبرسيّ.(3:142)

الرّاغب: الثّني و الاثنان أصل لمتصرّفات هذه الكلمة،و يقال ذلك باعتبار العدد،أو باعتبار التّكرير الموجود فيه،أو باعتبارهما معا،قال اللّه تعالى: ثانِيَ اثْنَيْنِ التّوبة:40، مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:

60،و قال: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ النّساء:3،فيقال:

ثنّيته تثنية:كنت له ثانيا،أو أخذت نصف ماله،أو ضممت إليه ما صار به اثنين.

الثّنى:ما يعاد مرّتين.[إلى أن قال:]

و امرأة ثني:ولدت اثنين،و الولد يقال له:ثني.

و حلف يمينا فيها ثني و ثنويّ و ثنيّة و مثنويّة.

و يقال للاوي الشّيء:قد ثناه،نحو قوله تعالى:

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ هود:5.

و الثّنيّ من الشّاة:ما دخل في السّنة الثّانية، و ما سقطت ثنيّته من البعير،و قد أثنى.و ثنيت الشّيء أثنيه:عقدته بثنايين،غير مهموز.قيل:و إنّما لم يهمز، لأنّه بنى الكلمة على التّثنية و لم يبن عليه لفظ الواحد.

و المثنّاة:ما ثني من طرف الزّمام.

و الثّنيان:الّذي يثنى به إذا عدّ السّادات.

و فلان ثنيّة كذا:كناية عن قصور منزلته فيهم.

و الثّنيّة من الجبل:ما يحتاج في قطعه و سلوكه إلى صعود و صدود،فكأنّه يثني السّير.

و الثّنيّة من السّنّ تشبيها بالثّنيّة من الجبل في الهيئة و الصّلابة.

و الثّنيا من الجزور:ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرّأس و الصّلب،و قيل:الثّنوى.

و الثّناء:ما يذكر في محامد النّاس فيثنى حالا فحالا ذكره،يقال:أثنى عليه.

ص: 622

و تثنّى في مشيته:نحو تبختر.[إلى أن قال:]

و الاستثناء:إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدّم،أو يقتضي رفع حكم اللّفظ.

فممّا يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللّفظ،قوله عزّ و جلّ: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً الأنعام:145.

و ما يقتضي رفع ما يوجبه اللّفظ،فنحو قوله:و اللّه لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه،و امرأته طالق إن شاء اللّه، و عبده عتيق إن شاء اللّه،و على هذا قوله تعالى: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ القلم:

17،18.(82)

الزّمخشريّ: دسّه في ثني ثوبه.و كلّ شيء ثني بعضه على بعض أطواقا،فكلّ طاق من ذلك:ثني،حتّى يقال:أثناء الحيّة لمطاويها،و تشبّه الثّريّا بأثناء الوشاح.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أخذوا في ثني الجبل و الوادي،أي في منعطفه.

و ليس هذا من فعلاته ببكر و لا ثني.و قبض بثني الحبل، و هو ما فضل في كفّه إذا قبض عليه.و عقل البعير بثنايين،و هو أن يعقل يديه جميعا بطرفي حبل.و عقد المثناة في الخشاش و المثاني في الأخشّة،و هي طرف الزّمام.

و ثنى العود فانثنى،و تثنّى الغصن و قوام الجارية، و ثنى وسادته فجلس عليها،و ثنى رجله فنزل.

و هما بدء قومهما و ثنيانهم،أي أوّلهم في السّيادة و الّذي يليه.

و نحر الجزّار النّاقة و أخذ الثّنيا،و هي ما يستثنيه لنفسه من الرّأس و الأطراف،و أبيعك هذه الشّاة و لي ثنياها.

و هذه هبة ليس فيها مثنويّة و ثنيا،أي استثناء.

و هو ثنيّتي من القوم،أي خاصّتي،و هؤلاء ثناياي.

[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:ثنيت فلانا على وجهه،إذا رجعته إلى حيث جاء،و ثنى عنانه عنّي،و لوى عذاره،إذا أعرض، و جاء ثانيا من عنانه،إذا جاء ظافرا ببغيته.

و فلان تثنى به الخناصر،أي يبدأ به،و لا تثنى به الخناصر،أي لا يؤبه به.و عرفت ذلك في أثناء كلامه.

و ثنى فلان رجله،أي جلس.و هو طلاّع الثّنايا،أي ركّاب المشاقّ.

و تثنّى في صدري كذا،أي تردّد.(أساس البلاغة:48)

«لمّا فرغ صلّى اللّه عليه و آله من قتال أهل بدر،أتاه جبرئيل على فرس أنثى حمراء،عاقدا ناصيته،عليه درعه،و رمحه في يده،قد عصم ثنيّته الغبار...»

يجوز أن يراد بالثّنيّة:الطّريق الّذي أتى فيه.و أنّ الغبار قد عصمه،أي منعه و صدّه.(الفائق 2:437)

المدينيّ: في الحديث:«من يصعد ثنيّة المرار،حطّ عنه ما حطّ عن بني إسرائيل»يعني حين ائتمروا قوله:

اُدْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً النّساء:154.

قال الأصمعيّ: الثّنيّة في الجبل:علوّ فيه،و الجمع:

الثّنايا.و قال غيره:هي أعلى المسيل في رأس الجبل.

و الثّنيّة:العقبة،و الجبل،و الطّريق في الجبل علوّ فيه، و الجمع:الثّنايا.و قال غيره:و المرتفع من الأرض.

و«ثنيّة مرار»بضمّ الميم،ما بين مكّة و المدينة من

ص: 623

طريق الحديبيّة.و إنّما قال ذلك،لأنّها عقبة شاقّة وصلوا إليها ليلا،حين أرادوا مكّة سنة الحديبيّة،فرغّبهم في صعودها،و اللّه عزّ و جلّ أعلم.

في حديث الحجّاج أنّه قال:«طلاّع الثّنايا»أي هو جلد يطلع الثّنايا في ارتفاعها و صعوبتها،و معناه:أنّه يرتكب الأمور العظام.

في حديث الأضحيّة:«أنّه أمر بالجذعة من الضّأن و الثّنيّة من المعز».

الثّنيّة من الغنم:ما لها سنتان و دخلت في الثّالثة، و قيل:ما لها سنة تامّة و دخلت في الثّانية؛و الذّكر:ثنيّ.

و الثّنيّ من البقر:ما تمّ له ثلاث سنين و دخل في الرّابعة.

و قيل على مذهب الإمام أحمد:ما تمّ له سنة من المعز،و دخل في الثّانية،و من البقر:ما تمّ له سنتان و دخل في الثّالثة،و أمّا من الإبل فما تمّ له خمس سنين و دخل في السّادسة.

و قيل:بل لا يكون من الإبل ثنيّا حتّى يلقي ثنيّتيه الرّاضعتين،و هما المقدّمتان،و نبتت أخريان،و ذلك في الثّالثة.

قلت:و يجوز أن يكون اختلافهم هذا،إنّما حصل من حيث الوجود،لأنّه إذا كان إنّما يسمّى ثنيّا بإسقاط ثنيّتيه،فقد يختلف ذلك،عسى في الإبل و البقر و الغنم و غيرها كالآدميّ.و قد يختلف سقوط السّنّين و نباتهما في أخوين فكيف في أجنبيّين!و اللّه تعالى أعلم.

و الفعل من ذلك أثنى يثني،إذا نبتت له ثنيّة،و الجذع من الضّأن ينزو فيلقح،فلهذا أجيز في الأضحيّة،و من المعزى لا يلقح حتّى يصير ثنيّا،و يقال له عن ذلك:

مسنّ و مسنّة.

و قيل:الجذع من الضّأن يجذع لثمانية أشهر.

في الحديث:«من أعتق أو طلّق ثمّ استثنى فله ثنياه» أي من شرط في ذلك شرطا أو علّقه على شيء فله ما شرط،أو استثنى منه شيئا فله ذلك،مثل أن يقول:

طلّقتها ثلاثا إلاّ واحدة،أو طلّقتهنّ إلاّ فلانة،أو أعتقتهم إلاّ فلانا،و اللّه تعالى أعلم.

و قيل:الاستثناء مشتقّ من«الاثنين»لأنّه إذا تكلّم بشيء فقد أفاد به فائدة،فإذا استثنى منه أفاد فائدة ثانية.

في الحديث:«من قال:كذا عقيب الصّلاة و هو ثان رجله»أي كما هو قاعد في التّشهّد،لأنّ السّنّة في التّشهّد أن يثني رجله اليمنى.

و في حديث آخر:«من قال عقيب الصّلاة:كذا قبل أن يثني رجله».

و هذا ضدّ الأوّل في اللّفظ،و في المعنى موافق له،لأنّ معناه قاله قبل أن يصرف رجله عن حالتها الّتي هي عليها في التّشهّد،فتوافق معنى الحديثين.

في حديث أبي هريرة:«كان يثنيه عليه أثناء من سعته».

الأثناء:جمع ثني،و هو ما ثني.

و في حديث الصّلاة:«صلاة اللّيل مثنى مثنى»أي ركعتان ركعتان،بتشهّد و تسليم،فهي ثنائيّة لا رباعيّة،و«مثنى»معدول عن اثنين اثنين.

و منه حديث الحديبيّة:«دعوهم يكن لهم بدء الفجور و ثناه»أي أوّله و آخره.(1:277-280)

ص: 624

ابن برّيّ: [نقل قول الجوهريّ«أمّا الثّناء ممدود...ثمّ قال:]

إنّما لم يفرد له واحد،لأنّه حبل واحد،تشدّ بأحد طرفيه اليد و بالطّرف الآخر الأخرى،فهما كالواحد.

(ابن منظور 14:121)

ابن الأثير: و منه حديث عائشة رضي اللّه عنها تصف أباها:«فأخذ بطرفيه و ربّق لكم أثناءه»أي ما انثنى منه،واحدها:ثني،و هو معاطف الثّوب و تضاعيفه.

و منه حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه:«كان يثنيه عليه أثناء من سعته»يعني ثوبه.

و في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم:«ليس بالطّويل المتثنّي»هو الذّاهب طولا،و أكثر ما يستعمل في طويل لا عرض له.

(1:224)

الفيّوميّ: الثّنيّة:من الأسنان،جمعها:ثنايا و ثنيّات و في الفم أربع.

و الثّنيّ: الجمل يدخل في السّنة السّادسة،و النّاقة:

ثنيّة.

و الثّنيّ أيضا:الّذي يلقي ثنيّته،يكون من ذوات الظّلف و الحافر في السّنة الثّالثة،و من ذوات الخفّ في السّنة السّادسة،و هو بعد الجذع،و الجمع:ثناء بالكسر و المدّ،و ثنيان مثل رغيف و رغفان.

و أثنى،إذا ألقى ثنيّته،فهو ثنيّ«فعيل»بمعنى الفاعل.

و الثّنيا بضمّ الثّاء مع الياء،و الثّنوى بالفتح مع الواو:اسم من الاستثناء،و في الحديث:«من استثنى فله ثنياه»أي ما استثناه.

و الاستثناء«استفعال»من ثنيت الشّيء أثنيه ثنيا، من باب«رمى»إذا عطفته و رددته.و ثنيته عن مراده، إذا صرفته عنه.

و على هذا فالاستثناء:صرف العامل عن تناول المستثنى،و يكون حقيقة في المتّصل و في المنفصل أيضا، لأنّ«إلاّ»هي الّتي عدّت الفعل إلى الاسم حتّى نصبه، فكانت بمنزلة الهمزة في التّعدية.و الهمزة تعدّي الفعل إلى الجنس و غير الجنس حقيقة وفاقا،فكذلك ما هو بمنزلتها.

و ثنيته ثنيا،من باب«رمى»أيضا:صرت معه ثانيا.

و ثنّيت الشّيء بالتّثقيل:جعلته اثنين.

و أثنيت على زيد بالألف،و الاسم:الثّناء بالفتح و المدّ،يقال:أثنيت عليه خيرا و بخير،و أثنيت عليه شرّا و بشرّ،لأنّه بمعنى وصفته هكذا.نصّ عليه جماعة منهم صاحب«المحكم»و كذلك صاحب«البارع»و عزاه إلى الخليل،و منهم محمّد بن القوطيّة،و هو الحبر...

و تبعه على ذلك من عرف بالعدالة و اشتهر بالضّبط و صحّة المقالة و هو السّرقسطيّ و ابن القطّاع،و اقتصر جماعة على قولهم:أثنيت عليه بخير؛و لم ينفوا غيره.

و من هذا اجترأ بعضهم فقال:لا يستعمل إلاّ في الحسن.و فيه نظر،لأنّ تخصيص الشّيء بالذّكر لا يدلّ على نفيه عمّا عداه،و الزّيادة من الثّقة مقبولة.

و لو كان«الثّناء»لا يستعمل إلاّ في الخير كان قول القائل:أثنيت على زيد كافيا في المدح،و كان قوله:و له الثّناء الحسن،لا يفيد إلاّ التّأكيد.و التّأسيس أولى فكان في قوله:«الحسن»احتراز عن غير الحسن،فإنّه

ص: 625

يستعمل في النّوعين،كما قال:و الخير في يديك و الشّرّ ليس إليك.

و في الصّحيحين:«مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال عليه الصّلاة و السّلام:وجبت،ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرّا،فقال عليه الصّلاة و السّلام:وجبت.

و سئل عن قوله:«وجبت»،فقال:هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنّة،و هذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النّار...».

و قد نقل النّوعان في واقعتين تراخت إحداهما عن الأخرى،من العدل الضّابط عن العدل الضّابط عن العرب الفصحاء عن أفصح العرب،فكان أوثق من نقل أهل اللّغة.فإنّهم قد يكتفون بالنّقل عن واحد و لا يعرف حاله،فإنّه قد يعرض له ما يخرجه عن حيّز الاعتدال من دهش و سكر و غير ذلك،فإذا عرف حاله لم يحتجّ بقوله.و يرجع قول من زعم أنّه لا يستعمل في الشّرّ إلى النّفي و كأنّه قال:لم يسمع،فلا يقال و الإثبات أولى،و للّه درّ من قال:و إنّ الحقّ سلطان مطاع و ما لخلافه أبدا سبيل.

و قال بعض المتأخّرين:إنّما استعمل في الشّرّ في «الحديث»للازدواج،و هذا كلام من لا يعرف اصطلاح أهل العلم بهذه اللّفظة.

و الثّناء للدّار كالفناء وزنا و معنى.

و الثّنى بالكسر و القصر:الأمر يعاد مرّتين.

و الاثنان:من أسماء العدد اسم للتّثنية،حذفت لامه و هي ياء،و تقدير الواحد:ثني،وزان سبب،ثمّ عوّض همزة وصل فقيل:اثنان،و للمؤنّثة:اثنتان،كما قيل:

ابنان و ابنتان.و في لغة تميم«ثنتان»بغير همزة وصل.

و لا واحد له من لفظه،و التّاء فيه للتّأنيث،ثمّ سمّي اليوم به،فقيل:يوم الاثنين.و لا يثنّى و لا يجمع،فإن أردت جمعه قدّرت أنّه مفرد،و جمعته على:أثانين.

و قال أبو عليّ الفارسيّ: و قالوا في جمع الاثنين:

أثناء،و كأنّه جمع المفرد تقديرا،مثل سبب و أسباب.

و قيل:أصله:ثني،وزان حمل،و لهذا يقال:ثنتان.

و الوجه أن يكون اختلاف لغة،لا اختلاف اصطلاح.

و إذا عاد عليه ضمير جاز فيه وجهان؛أوضحهما الإفراد على معنى اليوم،يقال:مضى يوم الاثنين بما فيه.

و الثّاني:اعتبار اللّفظ،فيقال:بما فيهما.

و أثناء الشّيء:تضاعيفه،و جاءوا في أثناء الأمر، أي في خلاله.تقدير الواحد:ثني أو ثني،كما تقدّم.

(1:85)

الفيروزآباديّ: ثنى الشّيء كسعى و رمى:ردّ بعضه على بعض،فتثنّى و انثنى و اثنونى:انعطف.

و أثناء الشّيء و مثانيه:ثواه و طاقاته،واحدها:ثني بالكسر،و مثناة،و يكسر.

و ثني الحيّة بالكسر:انثناؤها أو ما تعوّج منها إذا تثنّت،و من الوادي:منعطفه،الجمع:أثناء.

و شاة ثانية:بيّنة الثّني بالكسر،تثني عنقها لغير علّة.

و الاثنان:ضعف الواحد،و المؤنّث:ثنتان،و أصله:

ثني،لجمعهم إيّاه على أثناء.

و ثنّاه تثنية:جعله اثنين،و هذا واحد فاثنه:كن ثانيه،و هو لا يثني و لا يثلث،أي كبير لا يقدر أن ينهض

ص: 626

لا في مرّة و لا في مرّتين و لا في الثّالثة.

و جاءوا مثنى و ثناء كغراب،أي اثنين اثنين و ثنتين ثنتين.

و الاثنان و الثّنى ك«إلى»يوم في الأسبوع،الجمع:

أثناء و أثانين.و جاء في الشّعر:يوم اثنين بلا لام.

و الاثنويّ:من يصومه دائما وحده.

و المثاني:القرآن،أو ما ثنّي منه مرّة بعد مرّة،أو الحمد أو البقرة إلى براءة،أو كلّ سورة دون الطّول و دون المئتين،و فوق المفصّل،أو سورة الحجّ و النّمل و القصص و العنكبوت و النّور و الأنفال و مريم و الرّوم و يس و الفرقان و الحجر و الرّعد و سبأ و الملائكة و إبراهيم و ص و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و لقمان و الغرف و الزّخرف و المؤمن و السّجدة و الأحقاف و الجاثية و الدّخان و الأحزاب.

و من أوتار العود الّذي بعد الأوّل،واحدها:مثنى.

و من الوادي:معاطفه.

و من الدّابّة:ركبتاها و مرفقاها.

«و لا ثنى في الصّدقة»ك«إلى»أي لا تؤخذ مرّتين في عام،أو لا تؤخذ ناقتان مكان واحدة،أو لا رجوع فيها.

و إذا ولدت ناقة مرّة ثانية فهي ثني،و ولدها ذلك ثنيها.

و مثنى الأيادي:إعادة المعروف مرّتين فأكثر.

و الأنصباء:الفاضلة من جزور الميسر،كان الرّجل الجواد يشتريها و يطعمها الأبرام.

و المثناة:حبل من صوف أو شعر أو غيره و يكسر، كالثّناية و الثّناء بكسرهما.

و ما استكتب من غير كتاب اللّه،أو كتاب فيه أخبار بني إسرائيل بعد موسى،أحلّوا فيه و حرّموا ما شاءوا،أو هي الغناء،أو الّتي تسمّى بالفارسيّة«دوبيتى».

و الثّنيان بالضّمّ:الّذي بعد السّيّد كالثّني بالكسر.

و كهدى و إلى،جمع:ثنية،و من لا رأي له و لا عقل، و الفاسد من الرّأي.

و ثني من اللّيل بالكسر:ساعة أو وقت.

و الثّنيّة:العقبة أو طريقها،أو الجبل،أو الطّريقة فيه أو إليه.

و الشّهداء الّذين استثناهم اللّه عن الصّعقة،و بمعنى الاستثناء.

و من الأضراس:الأربع الّتي في مقدّم الفم:ثنتان من فوق،و ثنتان من أسفل.

و النّاقة الطّاعنة في السّادسة،و البعير:ثنيّ،و الفرس الدّاخلة في الرّابعة و الشّاة في الثّالثة كالبقرة،و النّخلة المستثناة من المساومة.

و الثّنيا بالضّمّ:من الجزور:الرّأس و القوائم،و كلّ ما استثنيته كالثّنوى و الثّنية.

و المثنّاة:موضع.

و مثنّى:اسم.

و اثّنى و اثتنى كافتعل:تثنّى.

و أثنى البعير:صار ثنيّا.

و الثّناء بالفتح،و التّثنية:وصف بمدح أو ذمّ،أو خاصّ بالمدح،و قد أثنى عليه و ثنّى.

و ككتاب:الفناء،و عقال البعير،عن ابن السّيّد.

(4:310)

العدنانيّ: يقولون:هذا أمر ثنويّ،أي يجيء بعد

ص: 627

غيره أهميّة،و الصّواب:هذا أمر ثانويّ.

أمّا الثّنويّ فهو الّذي يدين بالمانويّة،و هو مذهب يقول بإلهين اثنين:إله للخير،و إله للشّرّ،و يرمز لهما بالنّور و الظّلام.و الثّنويّ أيضا:نسبة إلى اثنين و اثنتين.

و من معاني الثّانويّ:

1-ما يلي الأوّل في المرتبة.

2-التّعليم الثّانويّ: مرحلة تعليميّة تعدّ للتّعليم الجامعيّ.

3-الثّانويّ: نسبة إلى ثان و ثانية.

يوم الاثنين أو الاثنين،أو الاثنان أو الاثنان.

و يقولون:يوم الاثنين،بوضع همزة مكسورة تحت الألف.اعتمادا على مختار الصّحاح،الّذي أخطأ في نقل الهمزة عن الصّحاح،الّذي يكتبها همزة وصل،هو و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط:يوم الاثنين.

و يجوز أيضا أن نضع كسرة تحت ألف اثنين،بدلا من همزة الوصل:يوم الاثنين،اللّسان و المدّ.

و يجوز أن نقول:الاثنان،المعجم الكبير،أو الاثنان القاموس،و أقرب الموارد،أو كليهما:الاثنان و الاثنان اللّسان و المدّ.[ثمّ نقل كلام سيبويه و اللّحيانيّ و ابن سيده و ابن جنّيّ و قال:]

و قال محيط المحيط:يجوز أن نقول:يوم الاثنين و الثّنى.

و يجمع الاثنين على:

1-أثناء سيبويه،و الحسن السّيرافيّ،و أبو عليّ الفارسيّ،و ابن سيده،و ابن برّي،و اللّسان،و المصباح، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

2-و أثانين،الفرّاء،و الصّحاح،و ابن سيده، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

3-و ثنيّ،اللّسان،و مستدرك التّاج،الّذي قال:

و حكى بعضهم أنّه ليصوم الثّنيّ،و أخطأ المتن حين قال:

إنّه ثنيّ.

جاء الجنود مثنى أو ثناء لا اثنين اثنين.

و يقولون:جاء الجنود اثنين اثنين،أو جاءوا ثلاثة ثلاثة،و الصّواب:جاء الجنود مثنى أو ثناء،أو جاءوا مثلث و ثلاث.

أمّا قول الشّاعر:

إذا شربنا أربعا أربعا

فقد لبسنا الفرو من داخل

فقد يكون ضرورة شعريّة للمحافظة على الوزن.

و ربّما كان الشّاعر ممّن لا يحتجّ بكلامهم،لأنّ البيت يبدو ركيك المبنى سخيف المعنى.

أثنيت عليه خيرا أو شرّا.

و يقولون:أثنيت على العلاّمة فلان،أي مدحته، و يعتمدون في ذلك على:

أ-الصّحاح و المختار اللّذين قالا:أثنى عليه خيرا.

ب-و على مفردات الرّاغب،الّذي قال:و الثّناء ما يذكر في محامد النّاس،يقال:أثنى عليه.

ج-و على الوسيط الّذي قال:أثنى على فلان، وصفه بخير.

و هذا خطأ،لأنّ«الثّناء»يكون خيرا أو شرّا،

ص: 628

و الصّواب أن نقول:أثنينا على فلان خيرا،إذا أردنا مدحه،أو:أثنينا عليه شرّا،إذا أردنا ذمّه.يؤيّدنا في ذلك:

1-ما جاء في الصّحيحين،و هو أنّهم مرّوا بجنازة، فأثنوا عليها خيرا.فقال عليه السّلام:وجبت.ثمّ مرّوا بأخرى، فأثنوا عليها شرّا،فقال عليه السّلام:وجبت.و سئل عن قوله:

و جبت،فقال:هذا أثنيتم عليه خيرا،فوجبت له الجنّة، و هذا أثنيتم عليه شرّا،فوجبت له النّار.

2-و أورد:أثنى عليه خيرا أو شرّا،كلّ من:الخليل ابن أحمد الفراهيديّ،و اللّيث بن سعد،و ابن الأعرابيّ، و محمّد بن القوطيّة،و التّهذيب،و المحكم،و ابن القطّاع، و السّرقسطيّ،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و محيط المحيط،و المتن.

3-و أضاف جملة:«أو خاصّ بالمدح»كلّ من القاموس،و محيط المحيط،و المتن،المذكورين في الرّقم(2).

4-و أضاف جملة:«و إذا اغتاب»كلّ من ابن الأعرابيّ،و اللّسان،و التّاج،المذكورين في الرّقم(2).

5-و أضاف المصباح كلمتي:بخير و بشرّ،فصارت جملتاه:

أ-أثنيت عليه خيرا و بخير.

ب-أثنيت عليه شرّا و بشرّ.

6-يجيز التّبريزيّ،في شرح ديوان حماسة أبي تمّام،أن نقول:أثنيت فعله.و يقول:«ربّما جاز ذلك لأنّ الفعل(أثنى)يحمل معنى الفعل مدح»أي أشرب معناه.

لذا قل:

أ-أثنيت عليه خيرا،أو بخير.«أنا أوثر هذه الجملة».

ب-أثنيت عليه شرّا،أو بشرّ.

ج-أثنيت فعله.(108)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الانعطاف و الصّرف،و بهذه الحيثيّة تطلق على العود و التّكرير و الحبل المثنّى و غيرها.

و أمّا العدد المخصوص:فهو باعتبار تكرّر الواحد و عوده في المرتبة الأولى،فالاثنان هو العدد المكرّر المتضاعف من الواحد.

و يمكن أن يكون لفظ العدد مأخوذا من مادّة«شنيم» العبريّة،فيكون الاشتقاق بالنّسبة إلى هذا المعنى انتزاعيّا.

و أمّا الاستثناء:فهو باعتبار الانصراف و الانعطاف عن الكلّيّ السّابق،موضوعا أو حكما.(2:31)

النّصوص التّفسيريّة

يثنون

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. هود:5

ابن عبّاس: يضمرون في قلوبهم بغض محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و عداوته.(181)

يكبّون.(الطّبريّ 11:185)

يكتمون ما في قلوبهم.(الطّبريّ 11:185)

(تثنوني)صدورهم:الشّكّ في اللّه و عمل

ص: 629

السّيّئات.[هذه قراءة]

مثله عكرمة.(الطّبريّ 11:185)

كانوا لا يأتون النّساء و لا الغائط إلاّ و قد تغشّوا بثيابهم،كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السّماء.

(الطّبريّ 11:185)

مجاهد :شكّا و امتراء في الحقّ،ليستخفوا من اللّه إن استطاعوا.(الطّبريّ 11:183)

تضيق شكّا.(الطّبريّ 11:183)

الحسن :يثنونها على ما هم عليه من الكفر.

(الطّوسيّ 5:516)

قتادة :كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب اللّه،قال تعالى: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ. و ذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره،و استغشى بثوبه،و أضمر همّه في نفسه، فإنّ اللّه لا يخفى ذلك عليه.(الطّبريّ 11:184)

نحوه الفرّاء.(الأزهريّ 15:133)

السّدّيّ: أي يعرضون بقلوبهم،من قولهم:ثنيت عناني.(البغويّ 2:439)

الكلبيّ: ثني صدورهم:كناية عن نفاقهم.

(النّيسابوريّ 12:8)

ابن زيد :هذا حين يناجي بعضهم بعضا.

(الطّبريّ 11:184)

الفرّاء: عن ابن عبّاس أنّه قرأ(تثنونى صدورهم) و هو في العربيّة بمنزلة(تنثنى)،[ثمّ استشهد بشعر]

و هو من الفعل:افعوعلت.(2:4)

يثنونها على عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

مثله الزّجّاج.(الطّوسيّ 5:515)

ابن قتيبة :أي يطوون ما فيها،و يسترونه.

(201)

الجبّائيّ: يثني الكافر صدره على سبيل الانحناء، في خطابه لكافر مثله ممّن يختصّه،لئلاّ يعرف اللّه ما أضمره.(الطّوسيّ 5:516)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ. فقرأته عامّة الأمصار، أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على تقدير«يفعلون»من ثنيت، و الصّدور منصوبة.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة إلى أن قال:]

و روي عن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ ذلك (الا إنّهم تثنونى صدورهم) على مثال:تحلولي التّمرة «تفعوعل».[إلى أن قال:]

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا:ما عليه قرّاء الأمصار،و هو أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على مثال «يفعلون»،و الصّدور نصب بمعنى:يحنون صدورهم و يكبّونها.

حدّثنا عبيد قال:سمعت الضّحّاك يقول في قوله:

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول:تثنوني صدورهم، و هذا التّأويل الّذي تأوّله الضّحّاك على مذهب قراءة ابن عبّاس،إلاّ أنّ الّذي حدّثنا هكذا ذكر القراءة و الرّواية،فإذن كانت القراءة الّتي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصّواب،لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.

فأولى التّأويلات بتأويل ذلك،تأويل من قال:

إنّهم كانوا يفعلون ذلك جهلا منهم باللّه،أنّه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم،أو تناجوه بينهم.

ص: 630

و إنّما قلنا ذلك أولى التّأويلات بالآية،لأنّ قوله:

لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ بمعنى ليستخفوا من اللّه،و أنّ الهاء في قوله:(منه)عائدة على اسم اللّه،و لم يجر لمحمّد ذكر.[إلى أن قال:]

إذا صحّ أنّ ذلك كذلك،كان معلوما أنّهم لم يحدّثوا أنفسهم أنّهم يستخفون من اللّه إلاّ بجهلهم به،فلمّا أخبرهم جلّ ثناؤه أنّه لا يخفى عليه سرّ أمورهم و علانيتها على أيّ حال،كانوا تغشّوا بالثّياب،أو ظهروا بالبراز.(11:183،186)

الزّجّاج: أي يسرّون عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:إنّ طائفة من المشركين قالت:إذا أغلقنا أبوابنا و أرخينا ستورنا،و استغشينا ثيابنا،و ثنينا صدورنا على عداوة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كيف يعلم بنا،فأعلم- عزّ و جلّ-بما كتموه،فقال جلّ ثناؤه: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ.

و قرئت (الا انّهم يثنوني صدورهم) قرأها الأعمش و رويت عن ابن عبّاس(تثنونى صدورهم) على مثال«تفعوعل»و معناها المبالغة في الشّيء،و مثل ذلك قد احلولى الشّيء إذا بلغ الغاية في الحلاوة.

(3:38)

القشيريّ: أي يسترون ما تنطوي عليه عقائدهم، و يضمرون للرّسول عليه السّلام و للمؤمنين خلاف ما يظهرون، و الحقّ سبحانه مطّلع على قلوبهم و يعلم خفايا صدورهم.(3:123)

البغويّ: أي يخفون ما في صدورهم من الشّحناء و العداوة.

و قيل:يعطفون،و منه ثني الثّوب.(2:439)

نحوه الميبديّ(4:353)،و الخازن(3:178)

الزّمخشريّ: يزوّرون عن الحقّ و ينحرفون عنه، لأنّ من أقبل على الشّيء استقبله بصدره،و من ازورّ عنه و انحرف ثنى عنه صدره،و طوى عنه كشحه.(2:258)

مثله النّسفيّ(2:180)،و نحوه أبو السّعود(3:4).

ابن عطيّة: تطامنوا و ثنوا صدورهم كالمستتر، و ردّوا إليه ظهورهم،و غشّوا وجوههم بثيابهم،تباعدا منه و كرامة للقائه،و هم يظنّون أنّ ذلك يخفى عليه و على اللّه عزّ و جلّ،فنزلت في ذلك.

و(صدورهم)منصوبة على هذا ب(يثنون).و قيل:

هي استعارة للغلّ و الحقد الّذي كانوا ينطوون عليه،كما تقول:فلان يطوي كشحه على عداوته،و يثني صدره عليها.

فمعنى الآية ألا إنّهم يسرّون العداوة و يتكتّمون بها لتخفي في ظنّهم عن اللّه،و هو تعالى حين تغشّيهم بثيابهم و إبلاغهم في التّستّر يعلم ما يسرّون.

و قرأ سعيد بن جبير (يثنون) بضمّ الياء و النّون من «أثنى»،و قرأ ابن عبّاس (ليثنوه) .

و قرأ ابن عبّاس أيضا و مجاهد و ابن يعمر و ابن بزّي و نصر بن عاصم و الجحدريّ و ابن إسحاق و ابن رزين و عليّ بن الحسين و أبو جعفر محمّد بن عليّ و يزيد (1)بن عليّ،و جعفر بن محمّد و أبو الأسود و الضّحّاك (تثنونى صدورهم) برفع«الصّدور»و هي تحتمل المعنيين المتقدّمين في(يثنون)،وزنها«تفعوعل»على بناءّ.

ص: 631


1- الظّاهر«زيد بن عليّ»كما في كلام الطّبرسيّ.

مبالغة لتكرار الأمر،كما تقول:اعشوشبت الأرض و احلولت الدّنيا،و نحو ذلك.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و قراءته(تثنون)و أضاف:]

و قال أبو حاتم: هذه القراءة غلط لا تتّجه.و قرأ نصر ابن عاصم و يحيى بن يعمر و ابن أبي إسحاق (ينثوي) بتقديم النّون على الثّاء.

و قرأ عروة و ابن أبي أبزيّ و الأعشى (تثنون) بثاء مثلّثة بعدها نون مفتوحة بعدها واو مكسورة.

و قرأ أيضا هما و مجاهد فيما روي عنه(تثنان)بهمزة بدل الواو،و هاتان مشتقّة من«الثّنّ»و هي العشب المثنيّ بسهولة،فشبّه صدورهم به،إذ هي مجيبة إلى هذا الانطواء على المكر و الخدع.

و أصل(تثنون):تثنونن،سكّنت النّون المكسورة و نقلت حركتها إلى الواو الّتي قبلها،و أدغمت في النّون الّتي بعدها.و أمّا(تثنان)فأصلها:تثنانّ،مثل تحمارّ ثمّ قالوا:اثنان،كما قالوا:احمارّ و ابياضّ.(3:150)

نحوه الطّبرسيّ(3:142)،و القرطبيّ(9:5).

الفخر الرّازيّ: في الآية وجهان:

الوجه الأوّل:روي أنّ طائفة من المشركين قالوا:إذا أغلقنا أبوابنا و أسلنا ستورنا،و استغشينا ثيابنا و ثنينا صدورنا على عداوة محمّد،فكيف يعلم بنا؟

و على هذا التّقدير:كان قوله: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ كناية عن النّفاق،فكأنّه قيل:يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من اللّه تعالى،ثمّ نبّه بقوله: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ على أنّهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم.

الوجه الثّاني:روي أنّ بعض الكفّار كان إذا مرّ به رسول اللّه ثنى صدره و ولّى ظهره و استغشى ثيابه، و التّقدير كأنّه قيل:إنّهم يتصرّفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشون ثيابهم،لئلاّ يسمعوا كلام رسول اللّه و ما يتلو من القرآن،و ليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطّعن.(17:185)

العكبريّ: الجمهور على فتح الياء و ضمّ النّون، و ماضيه«ثنى».و يقرأ كذلك إلاّ أنّه بضمّ الياء و ماضيه «أثنى»،و لا يعرف في اللّغة،إلاّ أن يقال:معناه عرضوها للإثناء،كما تقول:أبعت الفرس إذا عرّضته للبيع.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و القراءات كما سبق عن ابن عطيّة، فراجع](2:689)

البيضاويّ: يثنونها عن الحقّ و ينحرفون عنه،أو يعطفونها على الكفر و عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أو يولّون ظهورهم.

و قرئ (تثنوني) بالياء و التّاء من«اثنونى»و هو بناء المبالغة،و (تثنون) و أصله:يثنونن،من«الثّنّ»و هو الكلأ الضّعيف،أراد به:ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثّني،و(يثنئنّ)من اثنأنّ كابيأضّ بالهمزة.

(1:461)

أبو حيّان : (يثنون) مضارع«ثنى»قراءة الجمهور، و قرأ سعيد بن جبير (يثنون) بضمّ الياء مضارع«أثنى» (صدورهم)بالنّصب.

قال صاحب«اللّوامح»: و لا يعرف الإثناء في هذا الباب إلاّ أن يراد به وجدتها مثنيّة مثل أحمدته و أمجدته، و لعلّه فتح النّون،و هذا ممّا فعل بهم،فيكون نصب

ص: 632

( صدورهم )بنزع الجارّ،و يجوز على أن يكون ( صدورهم )رفعا على البدل،بدل البعض من الكلّ.

و قرأ ابن عبّاس أيضا و عروة و ابن أبي أبزي و الأعشى (يثنون) و وزنه«يفعوعل»من«الثّنّ»بني منه«افعوعل»و هو ما هشّ و ضعف من الكلأ و أصله:

يثنونن،يريد مطاوعة نفوسهم للشّيء،كما ينثنى الهشّ من النّبات.أو أراد ضعف إيمانهم و مرض قلوبهم، و(صدورهم)بالرّفع.

و قرأ عروة و مجاهد أيضا كذلك إلاّ أنّه همز فقرأ (يثنئنّ) مثل يطمئنّ،و (صدورهم) رفع.و هذه ممّا استثقل فيه الكسر على الواو كما قيل:إشاح.

و قد قيل:إنّ(يثنئنّ)يفعئلّ من«الثّنّ»المتقدّم،مثل تحمارّ و تصفارّ،فحرّكت الألف لالتقائهما بالكسر، فانقلبت همزة.

و قرأ الأعشى (يثنئون) مثل«يفعلون»مهموز اللاّم، (صدورهم) بالنّصب.

قال صاحب«اللّوامح»:و لا أعرف وجهه،لأنّه يقال:ثنيت،و لم أسمع ثنأت.و يجوز أنّه قلب الياء ألفا على لغة من يقول:أعطأت في أعطيت،ثمّ همز على لغة من يقول: وَ لاَ الضّالِّينَ. و قرأ ابن عبّاس (يثنوي) بتقديم الثّاء على النّون و بغير نون بعد الواو،على وزن «ترعوي»قال أبو حاتم:و هذه القراءة غلط لا تتّجه، انتهى.

و إنّما قال:ذلك،لأنّه لاحظ الواو في هذا الفعل لا يقال:ثنوته فانثوى،كما يقال:رعوته أي كففته فارعوى فانكفّ،و وزنه«افعلّ».

و قرأ نصر بن عاصم و ابن يعمر و ابن أبي إسحاق (ينثون) بتقديم النّون على الثّاء.

فهذه عشر قراءات في هذه الكلمة،و الضّمير في (انّهم)عائد على بعض من بحضرة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من الكفّار،أي يطوون صدورهم على عداوته.(5:202)

السّيوطيّ: ليس في القرآن لفظ على«افعوعل» إلاّ في قراءة ابن عبّاس (الا انّهم يثنوني صدورهم) .

(4:156)

البروسويّ: من ثنى يثني،أي عطف و صرف.

و المعنى يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر و الإعراض عن الحقّ و عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بحيث يكون ذلك مخفيّا مستورا فيها،كما تعطف الثّياب على ما فيها من الأشياء المستورة.(4:94)

الآلوسيّ: (يثنون)بفتح الياء مضارع ثنى الشّيء، إذا لوّاه و عطفه،و منه على ما قيل:الاثنان،لعطف أحدهما على الآخر،و الثّناء لعطف المناقب بعضها على بعض،و كذا الاستثناء للعطف على المستثنى منه بالإخراج.و أصله:يثنيون،فأعلّ الإعلال المعروف في نحو يرمون.

و في المراد منه احتمالات:منها أنّ الثّني كناية أو مجاز عن الإعراض عن الحقّ،لأنّ من أقبل على شيء واجهه بصدره،و من أعرض صرفه عنه،أي إنّهم يثنون صدورهم عن الحقّ،و يتحرّفون عنه،و المراد استمرارهم على ما كانوا عليه من التّولّي و الإعراض، المشار إليه بقوله سبحانه: فَإِنْ تَوَلَّوْا إلخ.

و منها:أنّه مجاز عن الإخفاء،لأنّ ما يجعل داخل

ص: 633

الصّدر فهو خفيّ،أي أنّهم يضمرون الكفر و التّولّي عن الحقّ و عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و منها:أنّه باق على حقيقته،و المعنى أنّهم إذا رأوا النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام فعلوا ذلك و ولّوه ظهورهم.

و الظّاهر أنّ اللاّم متعلّقة ب(يثنون)على سائر الاحتمالات،و كأنّ بعضهم رأى عدم صحّة التّعلّق على الاحتمال الأوّل،لما أنّ التّولّي عن الحقّ لا يصلح تعليله بالاستخفاء لعدم السّببيّة،فقدّر لذلك متعلّقا فعل الإرادة على أنّه حال،أو معطوف على ما قبله،أي و يريدون ليستخفوا من اللّه تعالى،فلا يطّلع رسوله عليه الصّلاة و السّلام و المؤمنين على أغراضهم،و جعله في قود المعنى إليه من قبيل الإضمار في قوله تعالى: اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:63،أي فضرب فانفلق.

لكن لا يخفى أنّ انسياق الذّهن إلى توسيط الإرادة بين ثني الصّدور و الاستخفاء ليس بمثابة انسياقه إلى توسيط الضّرب بين الأمر و الانفلاق،كما ذكره العلاّمة القسطلانيّ و غيره.

و قيل:إنّه لا حاجة إلى التّقدير في الاحتمالين الأوّلين،لأنّ انحرافهم عن الحقّ بقلوبهم،و عطف صدورهم على الكفر و التّولّي،و عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عدم إظهارهم ذلك يجوز أن يكون للاستخفاء من اللّه تعالى، لجهلهم بما لا يجوز على اللّه تعالى.

و أمّا على الاحتمال الثّالث فالظّاهر أنّه لا بدّ من التّقدير،إلاّ أن يعاد الضّمير منه إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو الّذي يقتضيه سبب النّزول،على ما ذكره أبو حيّان من أنّ الآية نزلت في بعض الكفّار الّذين كانوا إذا لقيهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تطامنوا و ثنوا صدورهم كالمستتر،و ردّوا إليه ظهورهم،و غشّوا وجوههم بثيابهم،تباعدا منه و كراهة للقائه عليه الصّلاة و السّلام،و هم يظنّون أنّه يخفى عليه صلّى اللّه عليه و سلّم،لكن ظاهر قوله تعالى الآتي: يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ يقتضي عود الضّمير إليه تعالى.

و اختار بعض المحقّقين الاحتمال الثّاني من الاحتمالات الثّلاث،و أمر التّعليل و الضّمير عليه ظاهر.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين كابن عبّاس و أبي حيّان و عبد اللّه بن شدّاد و له بحث مستوفى في القراءة فراجع](11:209)

رشيد رضا :فسّر بعضهم ثني الصّدور هنا بالإعراض التّامّ،و الاستدبار للرّسول عند تلاوة القرآن،و هو أبلغ من ثني العطف و الجانب.و فسّره آخرون بطيّها على ما هو مكنون فيها من الكراهة و العداوة له صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الأقرب أن يكون تصويرا لما كان يحاوله بعض الكفّار،ثمّ المنافقين عند سماع القرآن،من الاستخفاء بتنكيس الرّأس،و ثني الصّدر على البطن-كما يطوي الثّوب-حتّى يخفى فاعله بين الجمع،خجلا ممّا فيه من القرع و الصّداع.

فالمعنى ألا إنّ هؤلاء الكافرين الكارهين لدعوة التّوحيد يحنون ظهورهم و ينكسون رءوسهم،كأنّهم يحاولون طيّ صدورهم على بطونهم عند سماع القرآن، و هو معنى بليغ و واقع،و أدنى إلى التّعليل بقوله:

لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أي من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(12:10)

عزّة دروزة :يلوونها كما يفعل الّذي يريد أن يخفي

ص: 634

نفسه من غيره.(4:57)

الطّباطبائيّ: أنّهم يميلون بصدورهم إلى خلف و يطأطئون رءوسهم ليتخفّوا من الكتاب،أي من استماعه حين تلاوته.و هو كناية عن استخفائهم من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و من حضر عنده حين تلاوة القرآن عليهم للتّبليغ،لئلاّ يروا هناك فتلزمهم الحجّة.(10:147)

محمّد حسنين مخلوف:يطوونها على ما يسترونه من العداوة و البغضاء،من ثنيت الثّوب،إذا طويته على ما فيه من الأشياء المستورة.(358)

عبد الكريم الخطيب :أي يطبقونها،و يطوونها على ما بداخلها من شرّ،و زور،و بهتان.

هذا تقرير لواقع المشركين و أصحاب الضّلالات، مع أنفسهم؛إذ لما في صدورهم من منكرات الأمور، و عوارها يحاولون جاهدين أن يخفوا هذا المنكر الّذي ضمّت عليه صدورهم،و يداروا هذا العوار الّذي إن ظهر للنّاس فاحت منه ريح خبيثة،تفضحهم و تخزيهم بين النّاس،فهم أبدا على حذر و حرص،من أن يطّلع أحد على هذا الفعل الفاضح الّذي اتّخذوا له من صدورهم مسرحا يتحرّك عليه،و يعيش فيه.

فالأسلوب هنا خبريّ،يقرّر حقيقة واقعة،و هي أنّ هؤلاء أصحاب منكرات،يطوون عليها صدورهم حتّى لا يطّلع عليها أحد،و قد بلغ بهم سوء ظنّهم باللّه، و جهلهم بماله من صفات الكمال،أنّهم يظنّون بهذا الفعل أنّهم يحولون بين اللّه تعالى،و بين أن يعلم ما هم عليه من منكر.(6:1103)

فضل اللّه :و ثنى الشّيء:عطف بعضه على بعض فطواه،أي إنّهم يطوون صدورهم و قلوبهم على العداوة للرّسول و البغض لرسالته.(12:14)

مكارم الشّيرازيّ: من أجل أن نفهم الآية فهما دقيقا ينبغي أن تتّضح لنا كلمة يثنون بجلاء،فكلمة (يثنون)من مادّة«ثني»و هي في الأصل تعني ضمّ أقسام الشّيء بإدناء بعضها إلى بعض،فمثلا في طيّ قطعة القماش و الثّوب يقال:ثنى ثوبه،و إنّما يقال للشّخصين على سبيل المثال:«اثنان»فلأجل أن انضمّ واحد إلى جانب الآخر، و يقال للمادحين:«مثنون»كذلك،لأنّهم يعدّون الصّفات البارزة واحدة بعد الأخرى.

و هذه المادّة تعني الانحناء أيضا،لأنّ الإنسان بعمله هذا و هو الانحناء يقرّب أجزاء من جسمه بعضها إلى بعض.

و تأتي هذه المادّة بمعنى أن تجد العداوة و البغضاء و الحقد طريقها إلى القلب أيضا،لأنّ الإنسان بهذا العمل يقرّب عداء الشّخص-أو أيّ شيء آخر-إلى القلب، و مثل هذا التّعبير موجود في الأدب العربيّ؛إذ يقال:

«اثنونى صدره على البغضاء».

و مع الأخذ بنظر الاعتبار بما ورد آنفا من معان لمادّة «ثني»فلا يبعد أن تكون كلمة«يثنون»مشيرة إلى كلّ عمل خفيّ-ظاهريّ و باطنيّ-قام به أعداء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فمن جهة هم يضمرون العداوة و البغضاء في القلوب و يبدون المحبّة في لسان ذلق جميل،و من جهة أخرى يقرّبون رءوسهم بعضها إلى بعض عند التّحدّث، و يثنون الصّدور و يستغشون الثّياب،لئلاّ تنكشف مؤامراتهم و أقوالهم السّيّئة الّتي يديرونها في ما بينهم على

ص: 635

هيئة رموز،لئلاّ يطّلع أحد على نيّاتهم.

لذلك فإنّ القرآن يعقب مباشرة مضيفا أن احذروهم،فإنّهم حين يستخفون تحت ثيابهم،فإنّ اللّه يعلم ما يخفون و ما يعلنون.(6:431)

ثانى

1- ...إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا... التّوبة:40

الطّبريّ: أخرجوه و هو أحد الاثنين،أي واحد من الاثنين،و كذلك تقول العرب:«هو ثاني اثنين»يعني أحد الاثنين،و ثالث ثلاثة،و رابع أربعة،يعني:أحد الثّلاثة،و أحد الأربعة،و ذلك خلاف قولهم:هو أخو ستّة،و غلام سبعة،لأنّ الأخ و الغلام غير السّتّة و السّبعة،و ثالث الثّلاثة:أحد الثّلاثة.و إنّما عنى جلّ ثناؤه بقوله: ثانِيَ اثْنَيْنِ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و أبا بكر رضي اللّه عنه،لأنّهما كانا اللّذين خرجا هاربين من قريش،إذ همّوا بقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و اختفيا في الغار.

(10:135)

الزّجّاج: و ثانِيَ اثْنَيْنِ منصوب على الحال، المعنى فقد نصره اللّه أحد اثنين،أي نصره منفردا إلاّ من أبي بكر رضي اللّه عنه.(2:449)

القيسيّ: نصب(ثانى)على الحال من الهاء في (اخرجه)و هي تعود على النّبيّ عليه السّلام،تقديره:إذ أخرجه الّذين كفروا منفردا من جميع النّاس إلاّ أبي بكر رضي اللّه عنه،و معناه أحد اثنين.

و قيل:هو حال من مضمر محذوف،تقديره:فخرج ثاني اثنين.(1:362)

الماورديّ: أي أحد اثنين،و للعرب في هذا مذهب أن تقول:خامس خمسة،أي أحد خمسة.

(2:364)

الطّوسيّ: معنى ثانِيَ اثْنَيْنِ أحد اثنين، يقولون:هذا ثاني اثنين،و ثالث ثلاثة و رابع أربعة، و خامس خمسة،لأنّه مشتقّ من المضاف إليه.و قد يقولون:خامس أربعة أي خمّس الأربعة بمصيره فيهم بعد أن لم يكن.(5:257)

الزّمخشريّ: أحد اثنين،كقوله ثالث ثلاثة...و انتصابه على الحال،و قرئ(ثانى اثنين) بالسّكون.(2:190)

ابن عطيّة: معناه أحد اثنين،و هذا كثالث ثلاثة و رابع أربعة،فإذا اختلف اللّفظ فقلت:رابع ثلاثة، فالمعنى صيّر الثّلاثة بنفسه أربعة.

و قرأ جمهور النّاس (ثانِيَ اثْنَيْنِ) بنصب الياء من «ثاني».قال أبو حاتم:لا يعرف غير هذا.

و قرأت فرقة (ثانى اثنين) بسكون الياء من(ثاني).

قال أبو الفتح:حكاها أبو عمرو بن العلاء،و وجهه أنّه سكّن الياء تشبيها لها بالألف.فهذه كقراءة ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا البقرة:278.(3:25)

نحوه القرطبيّ(8:141)،و أبو حيّان(5:43).

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

فالأوّل إضافة حقيقيّة محضة،و الثّاني إضافة غير محضة؛إذ هو في تقدير الانفصال.[إلى أن قال:]

يعني أنّه كان هو و أبو بكر.(3:31)

ص: 636

الفخر الرّازيّ: ثانِيَ اثْنَيْنِ نصب على الحال، أي في الحال الّتي كان فيها ثاني اثنين.و تفسير قوله:

ثانِيَ اثْنَيْنِ سبق في قوله: ثالِثُ ثَلاثَةٍ.

و تحقيق القول أنّه إذا حضر اثنان فكلّ واحد منهما يكون ثانيا في ذينك الاثنين للآخر،فلهذا السّبب قالوا:

يقال:فلان ثاني اثنين،أي هو أحدهما.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](16:62)

أبو السّعود :حال من ضميره عليه الصّلاة و السّلام.و قرئ بسكون الياء على لغة من يجري النّاقص مجرى المقصور في الإعراب،أي أحد اثنين،من غير اعتبار كونه عليه الصّلاة و السّلام ثانيا،فإنّ معنى قولهم:

ثالث ثلاثة و رابع أربعة،و نحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقا لا الثّالث و الرّابع خاصّة.

و لذلك منع الجمهور أن ينصب ما بعده بأن يقال:

ثالث ثلاثة و رابع أربعة،و قد مرّ في قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ المائدة:73،و جعله عليه الصّلاة و السّلام ثانيهما لمشي الصّدّيق أمامه، و دخوله في الغار أوّلا لكنسه و تسوية البساط،كما ذكر في الأخبار،تمحّل مستغنى عنه.(3:149)

نحوه البروسويّ(3:430)،و الآلوسيّ(10:96).

رشيد رضا :أي أحدهما،فإنّ مثل هذا التّعبير لا يعتبر فيه الأوّليّة و لا الأولويّة،لأنّ كلّ واحد منهما ثان للآخر،و مثله ثالث ثلاثة و رابع أربعة،لا معنى له إلاّ أنّه واحد من ثلاثة أو أربعة،به تمّ هذا العدد.على أنّ التّرتيب فيه إنّما يكون بالزّمان أو المكان،و هو لا يدلّ على تفضيل الأوّل على الثّاني و لا الثّالث أو الرّابع على من قبله.(10:426)

مكارم الشّيرازيّ: و هذا التّعبير إشارة إلى أنّه لم يكن معه في هذا السّفر الشّاقّ إلاّ رجل واحد،و هو أبو بكر.(6:54)

2- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ* ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ.

الحجّ:8 و 9

ابن عبّاس: لاويا عنقه،معرضا عن الآيات، مكذّبا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن.(277)

مستكبرا في نفسه.(الطّبريّ 17:121)

يعرض عن ذكري.(الطّبريّ 17:121)

نحوه الفرّاء.(2:216)

هو صاحب البدعة.(القرطبيّ 12:16)

مجاهد :يعرض عن الحقّ.(الطّبريّ 17:121)

نحوه ابن جريج.(البغويّ 3:325)

لاو عنقه.

مثله قتادة.(البغويّ 3:325)

الضّحّاك: شامخا بأنفه.(أبو حيّان 6:354)

ابن زيد :لاويا رأسه،معرضا مولّيا،لا يريد أن يسمع ما قيل له.(الطّبريّ 17:121)

معرضا عمّا يدعى إليه تكبّرا.(البغويّ 3:325)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و هذه الأقوال الثّلاثة متقاربات المعنى؛و ذلك أنّ من كان ذا استكبار،فمن شأنه الإعراض عمّا هو مستكبر عنه وليّ عنقه عنه و الإعراض.

ص: 637

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه وصف هذا المخاصم في اللّه بغير علم،أنّه من كبره إذا دعي إلى اللّه،أعرض عن داعيه،و لوى عنقه عنه،و لم يسمع ما يقال له استكبارا.(17:121)

الزّجّاج: و(ثانى)منصوب على الحال،و معناه التّنوين،و معناه ثانيا عطفه.

و جاء في التّفسير:أنّ معناه لاويا عنقه،و هذا يوصف به،فالمعنى و من النّاس من يجادل في اللّه بغير علم متكبّرا.(3:414)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،و المراد بها-و اللّه أعلم-الصّفة بالإعراض عن سماع الرّشد،وليّ العنق عن اتّباع الحقّ،لأنّ المستقبل لسماع الشّيء الّذي لا يلائمه في الأكثر يصرف دونه بصره،و يثني عنه عنقه.

(تلخيص البيان:237)

القشيريّ: يريد أنّه متكبّر عن قبول الحقّ،زاهد في التّحصيل،غير واضع نظره موضعه؛إذ لو فعل ذلك لهان عليه التّخلّص من شبهته.(4:204)

البغويّ: متبخترا لتكبّره.(5:4)

الزّمخشريّ: و ثني العطف:عبارة عن الكبر و الخيلاء،كتصعير الخدّ،وليّ الجيد.(3:6)

ابن عطيّة: (ثانى)حال من ضمير في(يجادل) و لا يجوز أن تكون من(من)لأنّها ابتداء،و الابتداء إنّما عمله الرّفع لا النّصب،و إضافة(ثانى)غير معتدّ بها، لأنّها في معنى الانفصال؛إذ تقديرها:ثانيا عطفه.و قوله:

ثانِيَ عِطْفِهِ عبارة عن المتكبّر المعرض،قاله ابن عبّاس و غيره.

و ذلك أنّ صاحب الكبر يردّ وجهه عمّا يتكبّر عنه، فهو يردّ وجهه و يصعّر خدّه و يولّي صفحته و يلوي عنقه و يثني عطفه،و هذه عبارات المفسّرين.(4:109)

القرطبيّ: ثانِيَ عِطْفِهِ نصب على الحال، و يتأوّل على معنيين:

أحدهما:روي عن ابن عبّاس أنّه قال:هو النّضر ابن الحارث لوى عنقه مرحا و تعظّما.

و المعنى الآخر:[و هو قول الفرّاء المتقدّم،إلى أن قال:]

و يقال:ثنى فلان عنّى عطفه،إذا أعرض عنك، فالمعنى أي هو معرض عن الحقّ في جداله،و مولّ عن النّظر في كلامه،و هو كقوله تعالى: وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها لقمان:7،و قوله تعالى: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ المنافقون:5،و قوله: أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ الإسراء:83،و قوله: ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى القيمة:33.

(12:15)

البيضاويّ: متكبّرا،و ثني العطف:كناية عن التّكبّر كليّ الجيد،أو معرضا عن الحقّ استخفافا به.

(2:86)

الشّربينيّ: حال،أي لاوي عنقه تكبّرا عن الإيمان،كما قال تعالى: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً لقمان:7.(2:540)

أبو السّعود :حال أخرى من فاعل(يجادل)أي عاطفا لجانبه و طاويا كشحه،معرضا متكبّرا.فإنّ ثني العطف:كناية عن التّكبّر.

ص: 638

و قرئ بفتح العين،أي مانعا لتعطّفه.(4:370)

نحوه البروسويّ.(6:9)

الآلوسيّ: حال من ضمير(يجادل)كالجارّ و المجرور السّابق،أي لاويا لجانبه،و هو كناية عن عدم قبوله، و هو مراد ابن عبّاس بقوله:متكبّرا،و الضّحّاك بقوله:

شامخا بأنفه.و ابن جريج بقوله:معرضا عن الحقّ.

(17:122)

الطّباطبائيّ: و ثني العطف:كناية عن الإعراض، كأنّ المعرض يكسر أحد جانبيه على الآخر.

(14:349)

نحوه فضل اللّه.(16:23)

اثنان

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ...

المائدة:106

الفرّاء: يقول:شاهدان أو وصيّان،و قد اختلف فيه.و رفع«الاثنين»بالشّهادة،أي ليشهدكم اثنان من المسلمين.(1:323)

الطّبريّ: و اختلفوا في صفة«الاثنين»اللّذين ذكرهما اللّه في هذه الآية ما هي؟و ما هما؟

فقال بعضهم:هما شاهدان يشهدان على وصيّة الموصي.و قال آخرون:هما وصيّان.

و تأويل اللّذين زعموا أنّهما شاهدان،قوله:

شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ليشهد شاهدان ذوا عدل منكم على وصيّتكم.

و تأويل الّذين قالوا:هما وصيّان لا شاهدان،قوله:

شَهادَةُ بَيْنِكُمْ بمعنى الحضور و الشّهود لما يوصيهما به المريض من قولك:شهدت وصيّة فلان،بمعنى حضرته.

و أولى التّأويلين بقوله: اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ تأويل من تأوّله بمعنى أنّهما من أهل الملّة،دون من تأوّله أنّهما من حيّ الموصي.(7:102)

الزّجّاج: و«الشّهادة»ترتفع من جهتين:أحدهما:

أن ترتفع بالابتداء،و يكون خبرها(اثنان)و المعنى شهادة هذه الحال شهادة اثنين.فتحذف شهادة و يقوم اثنان مقامها.

و يجوز أن يكون رفع شَهادَةُ بَيْنِكُمْ على قوله (1):و فيما فرض اللّه عليكم في شهادتكم أن يشهد اثنان،فيرتفع(اثنان)ب(شهادة)،و المعنى أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم.(2:215)

نحوه الزّمخشريّ(1:650)،و أبو السّعود(2:

330)،و أبو البركات(1:308).

الماورديّ: في قوله تعالى: اِثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ تأويلان:

أحدهما:يعني من المسلمين...و الثّاني:من حيّ الموصي...و فيهما قولان:

أحدهما:شاهدان يشهدان على وصيّة الموصي، و الثّاني:أنّهما وصيّان.(2:75)

الطّوسيّ: خبر المبتدإ الّذي هو(شهادة)، و تقديره:شهادة بينكم شهادة اثنين على ما بيّنّاه (2)،

ص: 639


1- أي هو مبتدأ.
2- راجع«شهد».

لأنّ الشّهادة لا تكون إلاّ من اثنين.(4:47)

البغويّ: أي ليشهد اثنان،لفظه خبر،و معناه أمر.

و قيل:إنّ معناه أنّ الشّهادة فيما بينكم على الوصيّة عند الموت اثنان.(2:97)

نحوه الخازن.(2:86)

الفخر الرّازيّ: في الآية حذف،و المراد أن يشهد ذوا عدل منكم،و تقدير الآية:شهادة ما بينكم عند الموت الموصوف،هي أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم، و إنّما حسن هذا الحذف لكونه معلوما.(12:115)

القرطبيّ: و قوله:(اثنان)يقتضي بمطلقه شخصين،و يحتمل رجلين،إلاّ أنّه لمّا قال بعد ذلك:

(ذوا عدل)بيّن أنّه أراد رجلين،لأنّه لفظ لا يصلح إلاّ للمذكّر،كما أنّ«ذواتا»لا يصلح إلاّ للمؤنّث.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](6:348)

أبو حيّان :و يرتفع(اثنان)على أنّه خبر مبتدإ محذوف،التّقدير:الشّاهدان اثنان ذوا عدل منكم،أو على الفاعليّة،التّقدير:يشهد اثنان،و قيل:(شهادة) و(اثنان)مرتفع به على الفاعليّة.(8:38)

البروسويّ: و اختلفوا في هذين الاثنين،فقال قوم:هما الشّاهدان اللّذان يشهدان على وصيّة الموصي.

و قال آخرون:هما الوصيّان،لأنّ الآية نزلت فيهما، و لأنّه قال: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ و لا يلزم الشّاهدين الإيصاء و إن صحّ إلى واحد،إلاّ أنّه ورد في الآية الإيصاء إلى اثنين احتياطا و اعتضادا لأحدهما بالآخر،فعلى هذا تكون«الشّهادة»بمعنى الحضور،كقولك:شهدت وصيّة فلان،بمعنى حضرت.

(2:455)

راجع:«ش ه د»

اثنين

1- وَ قالَ اللّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ. النّحل:51

ابن عطيّة: و قوله:(اثنين)تأكيد و بيان بالعدد، و هذا معروف في كلام العرب أن يبيّن المعدود بذكر عدده تأكيدا،و منه قوله: إِلهٌ واحِدٌ لأنّ لفظ(اله)يقتضي الانفراد.

و قال قوم منهم:المفعول الثّاني محذوف تقديره:

معبودا أو مطاعا و نحو هذا.

و قالت فرقة:المفعول الأوّل(اثنين)،و الثّاني قوله:

(الهين).و تقدير الكلام:لا تتّخذوا اثنين إلهين.

(3:399)

الطّبرسيّ: أي لا تعبدوا مع اللّه إلها آخر فتشركوا بينهما في العبادة،لأنّه لا يستحقّ العبادة سواه،و ذكر (اثنين)كما يقال:فعلت ذلك لأمرين اثنين.(3:365)

القرطبيّ: قيل:المعنى لا تتّخذوا اثنين إلهين، و قيل:جاء قوله:(اثنين)توكيدا.و لمّا كان إله الحقّ لا يتعدّد و أنّ كلّ من يتعدّد فليس بإله،اقتصر على ذكر الاثنين،لأنّه قصد نفي التّعديد.(10:113)

البيضاويّ: ذكر العدد مع أنّ المعدود يدلّ عليه دلالة على أنّ مساق النّهي إليه،أو إيماء بأنّ الاثنينيّة تنافي الألوهيّة،كما ذكر الواحد في قوله: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ للدّلالة على أنّ المقصود إثبات الوحدانيّة دون

ص: 640

الإلهيّة،أو للتّنبيه على أنّ الوحدة من لوازم الإلهيّة.

(1:558)

السّيوطيّ: إنّ(الهين)للتّثنية،فاثنين بعده صفة مؤكّدة للنّهي عن الإشراك،و لإفادة أنّ النّهي عن الإلهين إنّما هو لمحض كونهما اثنين فقط،لا لمعنى آخر من أنّهما عاجزين أو غير ذلك،و لأنّ الوحدة تطلق و يراد بها النّوعيّة،كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّما نحن و بنو المطّلب شيء واحد»تطلق و يراد بها نفي العدّة،فالتّثنية باعتبارها، فلو قيل: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ فقط،لتوهّم أنّه نهى عن اتّخاذ جنسين آلهة،و إن جاز أن يتّخذ من نوع واحد عددا آلهة،و لهذا أكّد بالوحدة قوله: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ. (3:233)

النّهاونديّ: بداهة كون التّعدّد و التّثنّي منافيا للألوهيّة الّتي لا تكون إلاّ لواجب الوجود،الّذي يمتنع أن يجامع الحدود الّتي هي تلازم الاثنينيّة،فإذا ثبت ذلك فإلهكم و معبودكم بالاستحقاق إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ.

(2:393)

فضل اللّه :يختلف أسلوب القرآن في معالجة مسألة «الشّرك و التّوحيد»فهو لا يتحدّث عنها هنا كمسألة خاضعة للأخذ و الرّدّ،بل كأمر إلهيّ،يفرض الفكرة بوصفها خطّا عمليّا يمنع النّاس من تجاوزه،لأنّه يمثّل الحقيقة.و لعلّ سرّ القوّة في ذلك،هو أنّ المشركين لا ينكرون على اللّه صفة الألوهيّة،و أنّهم لا يعبدون الآلهة الأخرى الّتي يعطونها هذه الصّفة،إلاّ لقربها من اللّه،أو لوجود بعض خصائص القوّة فيها.

و بهذا نعرف أنّ أسلوب الحسم يملك من ناحية إيحائيّة قوّة تفوق ما يملكه الأسلوب الموضوعيّ في طرح الفكرة،في مواجهة فكرة أخرى،لأنّهم إذا كانوا يعبدون تلك الآلهة لتقرّبهم إلى اللّه زلفى،فمن البديهيّ أن يكون المنع الإلهيّ عن اتّخاذ إله آخر،مسقطا لدعواهم و ممارستهم بشكل حاسم.

و هذا ما نستوحيه من الفقرة التّأكيديّة التّالية إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لتقرير حقيقة الوحدانيّة بأسلوب مؤكّد،ثمّ إطلاق التّحذير بأسلوب تهديديّ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ بما يعنيه الحصر من أمر بعدم الانقياد لأيّة قوّة أخرى،توحي بالخوف أو بالرّهبة، و تدفع النّاس إلى عبادتها من دون اللّه،و حصر الانقياد باللّه،لأنّه القوّة الوحيدة الّتي تسقط أمامها كلّ القوى مهما كانت عظيمة و كبيرة و مخيفة.(13:239)

2- قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. هود:40

3- مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ.

الرّعد:3

لاحظ«زوج»(زوجين).

4- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ... الأنعام:143

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ المراد بقوله: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ. أهليّ و وحشيّ.(الطّوسيّ 4:325)

الطّوسيّ: نصب(اثنين)بتقدير:أنشأ من الضّأن اثنين،و لو رفع على تقدير:منها ماعز اثنان،كما تقول:

ص: 641

رأيت القوم منهم قائم و قاعد،كان جائزا.و إنّما أجمل ما فصّله في الاثنين للتّقدير على شيء منه،لأنّه أشدّ في التّوبيخ من أن يكون دفعة واحدة.(4:324)

الزّمخشريّ: (اثنين):زوجين اثنين،يريد الذّكر و الأنثى،كالجمل و النّاقة و الثّور و البقرة و الكبش و النّعجة،و التّيس و العنز.

و الواحد إذا كان وحده فهو فرد،فإذا كان معه غيره من جنسه سمّي كلّ واحد منهما زوجا و هما زوجان، بدليل قوله: خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى النّجم:

45،و الدّليل عليه قوله تعالى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ثمّ فسّرها بقوله: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ... وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ، و نحو تسميتهم الفرد بالزّوج بشرط أن يكون معه آخر من جنسه تسميتهم الزّجاجة كأسا،بشرط أن يكون فيها خمر.(2:56)

الطّبرسيّ: يعني الذّكر و الأنثى.(2:377)

مثله الفخر الرّازيّ(13:216)،و القرطبيّ(7:

113)،و الشّربينيّ(1:454).

القرطبيّ: قرأ أبان بن عثمان (من الضّان اثنان و من المعز اثنان) رفعا بالابتداء.و في حرف أبيّ (و من المعز اثنان) و هي قراءة الأكثر.(7:114)

أبو حيّان :يعني ب(اثنين)ذكرا و أنثى،أي كبشا و نعجة،و تيسا و عنزا.(4:239)

نحوه القاسميّ(6:2530)،و محمّد رشيد رضا(8:

141).

أبو السّعود :بدل من ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ منصوب بناصبه،و هو العامل في(من)أي أنشأ من الضّأن زوجين:الكبش و النّعجة.و قرئ(اثنان)على الابتداء.

(2:142)

نحوه البروسويّ.(3:113)

الآلوسيّ: قوله: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ على معنى زوجين اثنين:الكبش و النّعجة.و نصب(اثنين)قيل:

على أنّه بدل من ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل بعض من كلّ أو كلّ من كلّ،إن لوحظ العطف عليه منصوب بناصبه و الجارّ متعلّق به.

و قال العلاّمة الثّاني:الظّاهر أنّ(من الضّان)بدل من (الانعام)،و(اثنتين)من حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:

142،أو من ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ إن جوّزنا أن يكون للبدل بدل،و جوّز أن يكون البدل(اثنين).و(من الضّان) حال من النّكرة قدّمت عليها.

و قرئ(اثنان)على أنّه مبتدأ خبره الجارّ و المجرور، و الجملة بيانيّة لا محلّ لها من الإعراب.(8:41)

الطّباطبائيّ: هما الذّكر و الأنثى.و قيل:المراد بالاثنين،في المواضع الأربعة من الآيتين:الأهليّ و الوحشيّ.(7:365)

اثنتين

...فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ...

النّساء:176

الفارسيّ: إنّ مروان بن سعد المهلّبيّ سأل أبا الحسن الأخفش عن قوله تعالى: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ ما الفائدة في هذا الخبر؟

ص: 642

فقال:أفاد العدد المجرّد من الصّفة.

و أراد مروان بسؤاله أنّ الألف في(كانتا)تفيد الاثنين،فلأيّ معنى فسّر ضمير المثنّى بالاثنتين و نحن نعلم أنّه لا يجوز أن يقال:فإن كانتا ثلاثا و لا أن يقال:

فإن كانتا خمسا.

و أراد الأخفش بقوله:أنّ الخبر أفاد العدد المجرّد من الصّفة،أي قد كان يجوز أن يقال:فإن كانتا صغيرتين فلهما كذا أو كبيرتين فلهما كذا أو صالحتين فلهما كذا أو طالحتين فلهما كذا.فلمّا قال: كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ أفاد الخبر أنّ فرض الثّلثين للأختين تعلّق بمجرّد كونهما اثنتين،على أيّ صفة كانتا عليه من كبر أو صغر أو صلاح أو طلاح أو غنى أو فقر.فقد تحصّل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنّى.

و لعمري لقد أبدع مروان في استنباط سؤاله، و أحسن أبو الحسن في كشف إشكاله.(الحريريّ:29)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ ما الفائدة في(اثنتين)و قد عرف ذلك بقوله:(كانتا)؟

و جوابنا:أنّه كان يجوز أن يقال:بعد قوله:(كانتا) صغيرتين أو صالحتين إلى غير ذلك من الصّفات،فأفاد بقوله:(اثنتين)أنّ المراد العدد،و ذلك فائدة صحيحة.

(108)

أبو البركات: إنّما قال:(اثنتين)و لم يقتصر على قوله:(كانتا)لأنّها تفيد التّثنية لوجهين:

أحدهما:أنّه لو اقتصر على قوله:(كانتا)و لم يقل:

اثنتين لاحتمل أن يريد بهما الصّغيرتين أو الكبيرتين، فلمّا قال:(اثنتين)أفاد العدد مجرّدا عن الصّغر و الكبر،فكأنّه قال:فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين.

فقام«اثنتان»مقام هذين الوصفين،و أفاد فائدتهما في رفع هذا الوهم،و الاحتمال في أنّ الصّغرى بخلاف الكبرى.

فما روي عن النّبيّ عليه السّلام أنّه قال:«لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها،لا الصّغرى على الكبرى و لا الكبرى على الصّغرى»رفعا لهذا الوهم،و الاحتمال من اختلاف الحكم بين الصّغرى و الكبرى.(1:280)

أبو حيّان :قالوا:الضّمير في(كانتا)ضمير «أختين»دلّ على ذلك قوله: وَ لَهُ أُخْتٌ و قد تقرّر في علم العربيّة أنّ الخبر يفيد ما لا يفيده الاسم.و قد منع أبو عليّ و غيره:سيّد الجارية مالكها،لأنّ الخبر أفاد ما أفاده المبتدأ،و الألف في(كانتا)تفيد التّثنية،كما أفاده الخبر و هو قوله:(اثنتين).

و أجاب الأخفش و غيره بأنّ قوله:(اثنتين)يدلّ على عدم التّقييد بالصّغر أو الكبر أو غيرهما من الأوصاف،فاستحقّ(الثّلثان)بالاثنينيّة مجرّدة عن القيود،فلهذا كان مفيدا.

و هذا الّذي قالوه ليس بشيء،لأنّ الألف في الضّمير ل(اثنتين)يدلّ أيضا على مجرّد الاثنينيّة من غير اعتبار قيد،فصار مدلول الألف و مدلول(اثنتين) سواء،و صار المعنى فإن كانتا الأختان اثنتين،و معلوم أنّ الأختين اثنتان.(3:407)

ص: 643

اثنتا

وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً. البقرة:60

ابن عطيّة: (اثنتا)معربة دون أخواتها،لصحّة معنى التّثنية.و إنّما يبنى واحد مع واحد،و هذه إنّما هي اثنان مع واحد،فلو بنيت لردّ ثلاثة واحدا،و جاز اجتماع علامتي التّأنيث في قوله: اِثْنَتا عَشْرَةَ لبعد العلامة من العلامة،و لأنّهما في شيئين،و إنّما منع ذلك في شيء واحد،نحو مسلمات و غيره.(1:152)

القرطبيّ: (اثنتا)في موضع رفع ب(انفجرت) و علامة الرّفع فيها الألف،و أعربت دون نظائرها،لأنّ التّثنية معربة أبدا لصحّة معناها.(1:42)

أبو حيّان :التّاء في(اثنتا)للتّأنيث،و في«ثنتا» للإلحاق،و هذه نظير ابنة و بنت.(1:229)

نحوه الآلوسيّ.(1:271)

راجع«ع ي ن»،(عينا).

اثنتى

وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً...

الأعراف:160

الفرّاء: فقال: اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ و السّبط ذكر،لأنّ بعده«أمم»فذهب التّأنيث إلى الأمم،و لو كان«اثني عشر»لتذكير«السّبط»كان جائزا.(1:397)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في وجه تأنيث:

الاثنتي عشرة،و الأسباط جمع مذكّر،فقال بعض نحويّي البصرة:أراد اثنتي عشرة فرقة،ثمّ أخبر أنّ الفرق أسباط،و لم يجعل العدد على أسباط.

و كان بعضهم يستحكي على هذا التّأويل،و يقول:

لا يخرج العدد على عين الثّاني،و لكنّ الفرق قبل الاثنتي عشرة،حتّى تكون الاثنتا عشرة مؤنّثة على ما قبلها، و يكون الكلام:و قطّعناهم فرقا اثنتي عشرة أسباطا، فيصحّ التّأنيث لما تقدّم.

و قال بعض نحويّي الكوفة:إنّما قال:(اثنتي عشرة) بالتّأنيث و السّبط مذكّر،لأنّ الكلام ذهب إلى«الأمم» فغلّب التّأنيث،و إن كان السّبط ذكرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و كان آخرون من نحويّي الكوفة يقولون:إنّما أنّثت الاثنتا عشرة،و السّبط ذكر،لذكر الأمم.

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أنّ«الاثنتي عشرة»أنّثت لتأنيث القطعة.و معنى الكلام:و قطّعناهم قطعا اثنتي عشرة،ثمّ ترجم عن القطع بالأسباط.

و غير جائز أن تكون(الأسباط)مفسّرة عن «الاثنتي عشرة»و هي جمع،لأنّ التّفسير فيما فوق العشر إلى العشرين بالتّوحيد لا بالجمع،و«الأسباط» جمع لا واحد،و ذلك كقولهم:عندي اثنتا عشرة امرأة، و لا يقال:عندي اثنتا عشرة نسوة،ففي ذلك أنّ «الأسباط»ليست بتفسير للاثنتي عشرة،و أنّ القول في ذلك على ما قلنا.(9:88)

الطّوسيّ: إنّما أنّث قوله: اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً لأنّ النّيّة التّقديم و التّأخير،و التّقدير:و قطّعناهم أمما اثنتي عشرة أسباطا.(5:8)

أبو السّعود :و قوله تعالى: اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثاني

ص: 644

مفعولي«قطّع»لتضمّنه معنى التّصيير و التّأنيث للحمل على الأمّة أو القطعة،أي صيّرناهم اثنتي عشرة أمّة أو قطعة متميّزا بعضها من بعض،أو حال من مفعوله،أي فرّقناهم معدودين هذا العدد.(2:203)

مثله البروسويّ.(3:261)

الآلوسيّ: حال أو مفعول ثان،أي فرّقناهم معدودين بهذا العدد،أو صيّرناهم اثنتي عشرة أمّة، بتميّز بعضها عن بعض.(9:87)

راجع:«س ب ط»(اسباطا).

مثنى

1- وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ... النّساء:3

ابن عبّاس: يقول:واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا،لا يزاد على ذلك.(64)

الفرّاء: و قوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فإنّها حروف لا تجرى؛و ذلك أنّهنّ مصروفات عن جهاتهنّ، أ لا ترى أنّهنّ للثّلاث و الثّلاثة،و أنّهنّ لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثّلاثة و الثّلاث،فكان لامتناعه من الإضافة كأنّ فيه الألف و اللاّم.

و امتنع من الألف و اللاّم،لأنّ فيه تأويل الإضافة كما كان بناء الثّلاثة أن تضاف إلى جنسها،فيقال:ثلاث نسوة،و ثلاثة رجال.

و ربّما جعلوا مكان ثلاث و رباع:مثلث و مربع، فلا يجرى أيضا،كما لم يجر ثلاث و رباع،لأنّه مصروف فيه من العلّة ما في ثلاث و رباع.

و من جعلها نكرة و ذهب بها إلى الأسماء أجراها، و العرب تقول:ادخلوا ثلاث ثلاث و ثلاثا ثلاثا.[ثمّ استشهد بشعر]

فوجه الكلام ألاّ تجرى و أن تجعل معرفة،لأنّها مصروفة،و المصروف خلقته أن يترك على هيئته، مثل:لكع و لكاع،و كذلك قوله: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،و الواحد يقال فيه:موحد و أحاد و وحاد،و مثنى و ثنا.(1:254)

أبو عبيدة :أي ثنتين،و لا تنوين فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

قال النّحويّون:لا ينوّن«مثنى»لأنّه مصروف عن حدّه،و الحدّ أن يقولوا:اثنين،و كذلك ثلاث و رباع لا تنوين فيها،لأنّه ثلاث و أربع في قول النّحويّين.[ثمّ استشهد بأشعار و قال:]

و لا تجاوز العرب«رباع»،غير أنّ الكميت بن زيد الأسديّ قال:

فلم يستريثوك حتّى رميت

فوق الرّجال خصالا عشارا

فجعل«عشار»على مخرج ثلاث و رباع.(1:114)

الأخفش: و ترك الصّرف في مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ إنّه عدل عن«اثنين»و«ثلاث»و«أربع»كما أنّه من عدل«عمر»عن«عامر»لم يصرف،و قال تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1، فنصب.و قال: أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَ فُرادى سبأ:

46،فهو معدول كذلك،و لو سمّيت به صرفت،لأنّه إذا كان اسما فليس في معنى«اثنين»و«ثلاثة»و«أربعة»،

ص: 645

كما قال:«نزال»حين كان في معنى«انزلوا»،و إذا سمّيت به رفعته.[ثمّ استشهد بشعر](1:431)

الطّبريّ: أمّا قوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فإنّما ترك إجراؤهنّ،لأنّهنّ معدولات عن اثنين و ثلاث و أربع،كما عدل عمر عن عامر و زفر عن زافر،فترك إجراؤه،و كذلك أحاد و ثناء،و موحد و مثنى و مثلث و مربع،لا يجرى ذلك كلّه،للعلّة الّتي ذكرت،من العدول عن وجوهه.

و ممّا يدلّ على أنّ ذلك كذلك،و أنّ الذّكر و الأنثى فيه سواء،ما قيل في هذه السّورة و سورة فاطر: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،و يراد به الجناح و الجناح ذكر، و أنّه أيضا لا يضاف إلى ما يضاف إليه الثّلاثة و الثّلاث، و أنّ الألف و اللاّم لا تدخله،فكان في ذلك دليل على أنّه اسم للعدد معرفة،و لو كان نكرة لدخله الألف و اللاّم، و أضيف كما يضاف الثّلاثة و الأربعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و لم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرّباع و المربع عن جهته،لم يسمع منها خماس و لا المخمس،و لا السّباع و لا المسبع،و كذلك ما فوق الرّباع،إلاّ في بيت الكميت.

[الّذي مرّ عند أبي عبيدة،و أضاف:]

يقال:إنّه لم يسمع غير ذلك.(4:237)

الزّجّاج: و قوله عزّ و جلّ: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ بدل من ما طابَ لَكُمْ و معناه اثنين اثنين،و ثلاثا ثلاثا،و أربعا أربعا إلاّ أنّه لا ينصرف لجهتين،لا أعلم أنّ أحدا من النّحويّين ذكرهما،و هي أنّه اجتمع فيه علّتان:

أنّه معدول عن اثنين اثنين،و ثلاث و ثلاث،و أنّه عدل عن تأنيث.

قال أصحابنا:إنّه اجتمع فيه علّتان:أنّه عدل عن تأنيث،و أنّه نكرة،و النّكرة أصل للأسماء،بهذا كان ينبغي أن نخفّفه،لأنّ النّكرة تخفّف و لا تعدّ فرعا.

و قال غيرهم:«هو معرفة».و هذا محال،لأنّه صفة للنّكرة،قال اللّه جلّ و عزّ: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،فهذا محال أن يكون أولي أجنحة الثّلاثة و الأربعة،و إنّما معناه أولي أجنحة ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:9)

الجصّاص :قوله تعالى: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فإنّه إباحة للثّنتين إن شاء و للثّلاث إن شاء و للرّباع إن شاء،على أنّه مخيّر في أن يجمع في هذه الأعداد،من شاء قال:فإن خاف أن لا يعدل اقتصر من الأربع على الثّلاث،فإن خاف أن لا يعدل اقتصر من الثّلاث على الاثنين،فإن خاف أن لا يعدل بينهما اقتصر على الواحدة.

و قيل:إنّ«الواو»هاهنا بمعنى«أو»كأنّه قال:مثنى أو ثلاث أو رباع.

و قيل أيضا فيه:إنّ«الواو»على حقيقتها،و لكنّه على وجه البدل،كأنّه قال:و ثلاث بدلا من مثنى،و رباع بدلا من ثلاث،لا على الجمع بين الأعداد.

و من قال هذا قال:إنّه لو قيل:ب«أو»لجاز أن لا يكون الثّلاث لصاحب المثنى،و لا الرّباع لصاحب الثّلاث،فأفاد ذكر«الواو»إباحة الأربع لكلّ أحد ممّن دخل في الخطاب.

و أيضا فإنّ المثنى داخل في الثّلاث و الثّلاث في الرّباع؛إذ لم يثبت إنّ كلّ واحد من الأعداد مراد مع

ص: 646

الأعداد الأخر على وجه الجمع،فتكون تسعا،و هذا كقوله تعالى: قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ فصّلت:9،10،و المعنى فى أربعة أيّام باليومين المذكورين بديا،ثمّ قال: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ فصّلت:12.

و لو لا أنّ ذلك كذلك لصارت الأيّام كلّها ثمانية،و قد علم أنّ ذلك ليس كذلك،لقوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ الأعراف:54،فكذلك المثنى داخل في الثّلاث،و الثّلاث داخل في الرّباع،فجميع ما أباحته الآية من العدد أربع لا زيادة عليها.(2:54)

الشّريف الرّضيّ: [نحو ما تقدّم عن الزّجّاج و أبي عبيدة و أضاف:]

فأمّا الكلام على معنى ذلك،فإنّ محمّد بن يزيد المبرّد قيل له:هل في عدل ذلك عن اثنين و ثلاثة و أربعة زيادة معنى لم تكن فيما عدل عنه؟

فأجاب بما ذكرناه،من أنّ معناه معنى التّكثير،أي اثنتين اثنتين و ثلاث ثلاث و أربع أربع.قال:و إنّما صار معناه على ذلك،لأنّه خطاب للجميع،فكأنّه تعالى قال:لينكح كلّ واحد منكم اثنتين إن شاء أو ثلاثا إن شاء أو أربعا،و هذا كقوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً النّور:4،أي اجلدوا كلّ واحد منهم بهذه العدّة.

و فسّر المبرّد قوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،بأن قال:المراد بذلك أنّ الاثنين يقابلان الاثنين و الثّلاثة تقابل الثّلاثة و الأربعة تقابل الأربعة.[ثمّ استشهد بشعر]

قال:فهذا لا يكون أبدا لاثنين فحسب و لا لواحد فحسب،إنّما هو اثنان اثنان و واحد واحد.[إلى أن قال:]

فأمّا الاستدلال بهذه الآية على جواز نكاح التّسع، فهو مذهب لبعض علماء أهل البيت عليهم السّلام،إلاّ أنّه يضعّف في نفسي من وجوه:

أحدها:أنّ(مثنى)و ما بعده لا يصلح في عرف أهل اللّغة إلاّ لاثنين اثنين و اثنتين اثنتين على التّفريق،لا على الجمع و الضّمّ،فإذا ثبت ذلك كان تقدير الكلام:

فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى،و انكحوا ثلاث في غير الحال الأولى،و انكحوا رباع في غير الحالين.

و منها:أنّ كلامه تعالى أفصح الكلام،و أشدّه انخراطا في سلوك الفصاحة،و أبعادا في مرامي البلاغة،و ليس من البلاغة أن يقول القائل-إذا أراد أن يعلمنا أنّه أعطى زيدا تسعة دراهم-:أعطيت زيدا درهمين و ثلاثة و أربعة،فيفرق في مثل هذه الحال،لأنّ قوله:أعطيته تسعة دراهم،أخصر و أقصر،و هو بمذاهب البلغاء أشبه و أليق.[إلى أن قال:]

و نعود بتوفيق اللّه تعالى إلى تمام الكلام على معنى:

مثنى و ثلاث و رباع.و ممّا يفسد قول من قال:المراد بذلك نكاح تسع،أنّ الأمر لو كان على ما ظنّه لم يجز للواحد منّا أن ينكح اثنتين على الانفراد و لا ثلاثا و لا أربعا كذلك، و لم يكن يجوز له إلاّ أن ينكح تسعا أو واحدة،لأنّ القائل إذا قال لك-و طاعته واجبة عليك-:خذ عشرة، لم يكن لك أن تأخذ تسعا و لا ما هو أقلّ من ذلك إلاّ عاصيا،فكان قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ

ص: 647

اَلنِّساءِ النّساء:3،لا معنى له،لأنّ(ما طاب)إنّما هو ما بين الواحد إلى الأربع،فإن طاب اثنتان للواحد نكحهما،و إن طاب ثلاث أو أربع نكحهنّ،و إن خاف الميل الّذي هو جور اقتصر على الواحدة أو ملك اليمين.

و هذا أوضح من أن يلتبس على ذي فهم،لأنّ الكلام لو كان على ما ظنّه المخالف،لكان جامعا بين عيّ اللّفظ و فساد المعنى.

و بيان ذلك و تلخيصه:أنّ المراد لو كان نكاح الاثنتين و الثّلاث و الأربع على الاجتماع لم يكن لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً معنى،لأنّه لا يجب عند الخوف من ترك العدل في نكاح التّسع أن يترك إلى واحدة إلاّ بعد واسطة في العدد،فدلّ ذلك على أنّ المراد إمّا مثنى و إمّا ثلاث و إمّا رباع،فإن خاف النّاكح ألاّ يعدل في أحد هذه الأعداد اقتصر على واحدة،أو النّكاح بملك اليمين.

و لا يليق بالكلام هاهنا إلاّ ما أشرنا إليه،لأنّه تعالى شرط ذلك فيما طاب للنّاكح،ثمّ ذكر الأعداد الثّلاثة، فنبّه بذلك على طريقة التّخيير.

و بعد،فإنّ العلم بأنّه لا يسوغ نكاح ما فوق الأربع في حال واحدة كالضّرورة من فحوى الآية و من دين الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،فلا معنى لإطالة الكلام في ذلك،و في ما ذكرناه منه كاف بتوفيق اللّه تعالى.

(حقائق التّأويل:428)

نحوه أبو الفتوح.(1:818)

القيسيّ: (مثنى)في موضع نصب بدل من(ما).و لم ينصرف لأنّه معدول عن:اثنين اثنين،دالّ على التّكرير،و لأنّه معدول عن مؤنّث،لأنّ العدد مؤنّث.

و قيل:لم ينصرف،لأنّه معدول عن لفظه و عن معناه.

و قيل:امتنع من الصّرف،لأنّه معدول،و لأنّه صفة.

و قيل:امتنع من الصّرف لأنّه معدول،و لأنّه جمع.

و قيل:امتنع لأنّه معدول،و لأنّه عدل على غير أصل العدل،لأنّ أصل العدل إنّما هو للمعارف،و هذا نكرة بعد العدل.(1:179)

الطّوسيّ: قوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ بدل من (ما طاب)و موضعه النّصب،و تقديره:اثنين اثنين، و ثلاثا ثلاثا،و أربعا أربعا،إلاّ أنّه لا ينصرف لعلّتين، إحداهما:أنّه معدول عن اثنين اثنين و ثلاث ثلاث،في قول الزّجّاج.

و قال غيره:لأنّه معدول،و لأنّه نكرة،و النّكرة أصل للأشياء.

و قال غيرهم:هو معرفة،و هذا فاسد عند البصريّين،لأنّه صفة للنّكرة في قوله: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1.

و المعنى أولي أجنحة ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة.[ثمّ نقل قول الفرّاء و قال مثل ما قاله الطّبريّ](3:105)

البغويّ: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ معدولات عن اثنين و ثلاث و أربع،و لذلك لا يصرفن،و«الواو»بمعنى «أو»للتّخيير،كقوله تعالى: أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَ فُرادى سبأ:46،و قوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،و هذا إجماع أنّ أحدا من الأمّة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة،و كانت الزّيادة من خصائص النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لا مشاركة معه لأحد من الأمّة فيها.

ص: 648

(1:564)

الزّمخشريّ: معدولة عن أعداد مكرّرة.و إنّما منعت الصّرف لما فيها من العدلين:عدلها عن صيغها، و عدلها عن تكرّرها،و هي نكرات يعرّفن بلام التّعريف، تقول:فلان ينكح المثنى و الثّلاث و الرّباع،و محلّهنّ النّصب على الحال من(ما طاب)،تقديره:فانكحوا الطّيّبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا.

فإن قلت:الّذي أطلق للنّاكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع فما معنى التّكرير في مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ؟

قلت:الخطاب للجميع،فوجب التّكرير ليصيب كلّ ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الّذي أطلق له،كما تقول للجماعة:اقتسموا هذا المال و هو ألف درهم درهمين درهمين و ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة،و لو أفردت لم يكن له معنى.

فإن قلت:فلم جاء العطف ب«الواو»دون«أو»؟

قلت:كما جاء بالواو في المثال الّذي حذوته لك،و لو ذهبت تقول:اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة،علمت أنّه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلاّ على أحد أنواع هذه القسمة،و ليس لهم أن يجمعوا بينها،فيجعلوا بعض القسم على تثنية و بعضه على تثليث،و بعضه على تربيع،و ذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الّذي دلّت عليه الواو.

و تحريره:أنّ«الواو»دلّت على إطلاق أن يأخذ النّاكحون من أرادوا نكاحها من النّساء على طريق الجمع،إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد،و إن شاءوا متّفقين فيها،محظورا عليهم ما وراء ذلك.(1:496)

نحوه النّسفيّ(1:206)،و البيضاويّ(1:203)، و أبو السّعود(1:314)،و رشيد رضا(4:341).

ابن العربيّ: قد توهّم قوم من الجهّال أنّ هذه الآية تبيح للرّجل تسع نسوة،و لم يعلموا أنّ«مثنى»عند العرب عبارة عن اثنين مرّتين،و«ثلاث»عبارة عن ثلاث مرّتين،و«رباع»عبارة عن أربع مرّتين،فيخرج من ظاهره على مقتضى اللّغة إباحة ثماني عشرة امرأة، لأنّ مجموع اثنين و ثلاثة و أربعة تسعة.

و عضدوا جهالتهم بأنّ النّبيّ عليه السّلام كان تحته تسع نسوة،و قد كان تحت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أكثر من تسع،و إنّما مات عن تسع،و له في النّكاح و في غيره خصائص ليست لأحد،بيانها في سورة الأحزاب.

و لو قال ربّنا تبارك و تعالى:فانكحوا ما طاب لكم من النّساء اثنتين و ثلاثا و أربعا،لما خرج من ذلك جواز نكاح التّسع،لأنّ مقصود الكلام و نظام المعنى فيه:فلكم نكاح أربع،فإن لم تعدلوا فثلاثة،فإن لم تعدلوا فاثنتين، فإن لم تعدلوا فواحدة.فنقل العاجز عن هذه الرّتب إلى منتهى قدرته،و هي الواحدة من ابتداء الحلّ،و هي الأربع،و لو كان المراد تسع نسوة لكان تقدير الكلام:

فانكحوا تسع نسوة،فإن لم تعدلوا فواحدة.

و هذا من ركيك البيان الّذي لا يليق بالقرآن، لا سيّما و قد ثبت من رواية أبي داود و الدّارقطنيّ و غيرهما أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لغيلان الثّقفيّ حين أسلم، و تحته عشر نسوة:اختر منهنّ أربعا،و فارق سائرهنّ.

ص: 649

(1:312)

ابن عطيّة: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ موضعها من الإعراب نصب على البدل من(ما طاب)،و هي نكرات لا تنصرف،لأنّها معدولة و صفة،كذا قاله أبو عليّ.

و قال غيره:هي معدولة في اللّفظ و في المعنى،و أيضا فإنّها معدولة و جمع،و أيضا فإنّها معدولة مؤنّثة.

قال الطّبريّ: هي معارف،لأنّها لا تدخلها الألف و اللاّم.و خطّأ الزّجّاج هذا القول،و هي معدولة عن اثنين،و ثلاثة،و أربعة،إلاّ أنّها مضمّنة تكرار العدد إلى غاية المعدود.[ثمّ استشهد بشعر](2:7)

نحوه أبو البركات.(1:241)

الطّبرسيّ: قوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ بدل ممّا طاب و موضعه النّصب،و تقديره:اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا،إلاّ أنّه لا ينصرف لعلّتين:العدل و الصّفة.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج و أضاف:]

و خطّأه أبو عليّ الفارسيّ في ذلك،و أورد عليه كلاما كثيرا يطول بذكره الكتاب،ثمّ قال:لو جاز أن يقول قائل:إنّ(مثنى)و بابه معدول عن مؤنّث لما جرى على النّساء و واحدتهنّ مؤنّثة،لجاز لآخر أن يقول:إنّ مثنى و بابه معدول عن مذكّر،لأنّه أجري صفة على(اجنحة) و واحدها مذكّر،و إنّما جرى على النّساء من حيث كان تأنيثها تأنيث الجمع،و هذا الضّرب من التّأنيث ليس بحقيقيّ و إنّما هو من أجل اللّفظ،فهو مثل النّار و الدّار و ما أشبه ذلك،و قد جرت هذه الأسماء على المذكّر الحقيقيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو عليّ في«القصريّات»: إنّ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ حال من قوله: ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ فهو كقولك:جئتك ماشيا و راكبا و منحدرا و صاعدا، تريد أنّك جئته في كلّ حال من هذه الأحوال،و لست تريد أنّك جئته و هذه الأحوال لك في وقت واحد.و من قدّرها على البدل من(ما)قال:إنّما جاءت(الواو)هنا و لم تأت«أو»لأنّه على طريق البدل،كأنّه قال:و(ثلث) بدلا من(مثنى)و(رباع)بدلا من(ثلث)و لو جاء ب«أو» لكان لا يجوز لصاحب المثنى(ثلث)و لصاحب الثّلاث (رباع).(2:5)

الفخر الرّازيّ: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ معناه:اثنين اثنين،و ثلاثا ثلاثا،و أربعا أربعا،و هو غير منصرف، و فيه وجهان:

الأوّل:أنّه اجتمع فيها أمران:العدل و الوصف،أمّا العدل فلأنّ العدل عبارة عن أنّك تذكر كلمة و تريد بها كلمة أخرى،كما تقول:عمر و زفر،و تريد به عامرا و زافرا،فكذا هاهنا تريد بقولك:مثنى:ثنتين ثنتين، فكان معدولا.

و أمّا أنّه وصف،فدليله قوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،و لا شكّ أنّه وصف.

الوجه الثّاني:في بيان أنّ هذه الأسماء غير منصرفة أنّ فيها عدلين،لأنّها معدولة عن أصولها،كما بيّنّاه، و أيضا أنّها معدولة عن تكرّرها،فإنّك لا تريد بقولك:

مثنى ثنتين فقط بل ثنتين ثنتين،فإذا قلت:جاءني اثنان أو ثلاثة كان غرضك الإخبار عن مجيء هذا العدد فقط.

أمّا إذا قلت:جاءني القوم مثنى،أفاد أنّ ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين،فثبت أنّه حصل في هذه الألفاظ نوعان

ص: 650

من العدد،فوجب أن يمنع من الصّرف؛و ذلك لأنّه إذا اجتمع في الاسم سببان أوجب ذلك منع الصّرف،لأنّه يصير لأجل ذلك نائبا من جهتين،فيصير مشابها للفعل فيمتنع صرفه،و كذا إذا حصل فيه العدل من جهتين، فوجب أن يمنع صرفه،و اللّه أعلم.

ذهب قوم سدّى (1)إلى أنّه يجوز التّزوّج بأيّ عدد أريد،و احتجّوا بالقرآن و الخبر.

أمّا القرآن فقد تمسّكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّ قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ إطلاق في جميع الأعداد بدليل أنّه لا عدد إلاّ و يصحّ استثناؤه منه،و حكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا.

و الثّاني:أنّ قوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ لا يصلح تخصيصا لذلك العموم،لأنّ تخصيص بعض الأعداد بالذّكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي،بل نقول:إنّ ذكر هذه الأعداد يدلّ على رفع الحرج و الحجر مطلقا،فإنّ الإنسان إذا قال لولده:افعل ما شئت اذهب إلى السّوق و إلى المدينة و إلى البستان،كان تنصيصا في تفويض زمام الخيرة إليه مطلقا،و رفع الحجر و الحرج عنه مطلقا، و لا يكون ذلك تخصيصا للإذن بتلك الأشياء المذكورة، بل كان إذنا في المذكور و غيره،فكذا هاهنا،و أيضا فذكر جميع الأعداد متعذّر،فإذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله:

فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ كان ذلك تنبيها على حصول الإذن في جميع الأعداد.

و الثّالث:أنّ(الواو)للجمع المطلق،فقوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يفيد حلّ هذا المجموع،و هو يفيد تسعة، بل الحقّ أنّه يفيد ثمانية عشر،لأنّ قوله:(مثنى)ليس عبارة عن اثنين فقط،بل عن اثنين اثنين،و كذا القول في البقيّة.

و أمّا الخبر فمن وجهين:

الأوّل:أنّه ثبت بالتّواتر أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم مات عن تسع،ثمّ إنّ اللّه تعالى أمرنا باتّباعه،فقال:(فاتّبعوه)،و أقلّ مراتب الأمر الإباحة.

الثّاني:أنّ سنّة الرّجل طريقته،و كان التّزوّج بالأكثر من الأربع طريقة الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، فكان ذلك سنّة له،ثمّ إنّه عليه السّلام قال:«فمن رغب عن سنّتي فليس منّي»فظاهر هذا الحديث يقتضي توجّه اللّوم على من ترك التّزوّج بأكثر من الأربعة،فلا أقلّ من أن يثبت أصل الجواز.

و اعلم أنّ معتمد الفقهاء في إثبات الحصر على أمرين:

الأوّل:الخبر،و هو ما روي أنّ غيلان أسلم و تحته عشر نسوة،فقال الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم:«أمسك أربعا و فارق باقيهنّ».و روي أنّ نوفل بن معاوية أسلم و تحته خمس نسوة فقال عليه السّلام:«أمسك أربعا و فارق واحدة».

و اعلم أنّ هذا الطّريق ضعيف لوجهين:

الأوّل:أنّ القرآن لمّا دلّ على عدم الحصر بهذا الخبر كان ذلك نسخا للقرآن بخبر الواحد،و إنّه غير جائز.

و الثّاني:و هو أنّ الخبر واقعة حال،فلعلّه عليه الصّلاة و السّلام إنّما أمره بإمساك أربع و مفارقة البواقي، لأنّ الجمع بين الأربعة و بين البواقي غير جائز:إمّا بسبب النّسب أو بسبب الرّضاع،و بالجملة فهذا الاحتمال قائم فيع.

ص: 651


1- السّدى:الإهمال و الغفلة،يقال للمفرد و الجمع.

هذا الخبر،فلا يمكن نسخ القرآن بمثله.

الطّريق الثّاني:و هو إجماع فقهاء الأمصار على أنّه لا يجوز الزّيادة على الأربع،و هذا هو المعتمد،و فيه سؤالان:

الأوّل:أنّ الإجماع لا ينسخ و لا ينسخ،فكيف يقال:

الإجماع نسخ هذه الآية.

الثّاني:أنّ في الأمّة أقواما شذاذا لا يقولون بحرمة الزّيادة على الأربع،و الإجماع مع مخالفة الواحد و الاثنين لا ينعقد.

و الجواب عن الأوّل:الإجماع يكشف عن حصول النّاسخ في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و عن الثّاني:أنّ مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا عبرة بمخالفته.

فإن قيل:فإذا كان الأمر على ما قلتم،فكان الأولى على هذا التّقدير أن يقال:مثنى أو ثلاث أو رباع،فلم جاء ب«واو»العطف دون«أو»؟

قلنا:لو جاء بكلمة«أو»لكان ذلك يقتضي أنّه لا يجوز ذلك إلاّ على أحد هذه الأقسام،و أنّه لا يجوز لهم أن يجمعوا بين هذه الأقسام،بمعنى أنّ بعضهم يأتي بالتّثنية،و البعض الآخر بالتّثليث و الفريق الثّالث بالتّربيع،فلمّا ذكره بحرف«الواو»أفاد ذلك أنّه يجوز لكلّ طائفة أن يختاروا قسما من هذه الأقسام.و نظيره أن يقول الرّجل للجماعة:اقتسموا هذا المال و هو ألف، درهمين درهمين،و ثلاثة ثلاثة،و أربعة أربعة،و المراد أنّه يجوز لبعضهم أن يأخذ درهمين درهمين،و لبعض آخرين أن يأخذوا ثلاثة ثلاثة،و لطائفة ثالثة أن يأخذوا أربعة أربعة،فكذا هاهنا الفائدة في ترك«أو»و ذكر «الواو»ما ذكرناه،و اللّه أعلم.(9:173-174)

القرطبيّ: [نحو الطّبرسيّ و الفخر الرّازيّ](5:17)

النّيسابوريّ: قوله: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ و لم يوجد في كلام الفصحاء إلاّ هذه و أحاد و موحد،و جوّزوا إلى عشار و معشر قياسا على قول الكميت:[ثمّ جاء بشعره]

فاتّفق النّحويّون على أنّ فيها عدلا محقّقا،و ذلك أنّ فائدتها تقسيم أمر ذي أجزاء على عدد معيّن،و لفظ المقسوم عليه في غير العدد مكرّر على الاطّراد في كلام العرب،نحو:قرأت الكتاب جزء جزء،و جاءني القوم رجلا رجلا و جماعة و جماعة،و كان القياس في باب العدد أيضا التّكرير،عملا بالاستقراء،و إلحاقا للفرد المتنازع فيه بالأعمّ الأغلب،فلمّا وجد ثلاث مثلا غير مكرّر لفظا حكم بأنّ أصله لفظ مكرّر،و ليس إلاّ ثلاثة ثلاثة.

فعند سيبويه منع صرف مثل هذا للعدل و الوصف الأصليّ،فإنّ هذا التّركيب لم يستعمل إلاّ وصفا،بخلاف المعدول عنه.

و قيل:إنّ فيه عدلا مكرّرا من حيث اللّفظ،لأنّ أصله كان ثلاثة ثلاثة مرّتين،فعدل إلى واحد ثمّ إلى لفظ ثلاث أو مثلث.

و قيل:إنّ فيه العدل و التّعريف،إذ لا يدخله اللاّم خلافا لما في«الكشّاف»،و إذا جرى على النّكرة فمحمول على البدل.

و ضعّف بعدم جريانه على المعارف،و لوقوعه حالا.

فمعنى الآية:فانكحوا الطّيّبات لكم معدودات هذا

ص: 652

العدد،ثنتين ثنتين،و ثلاثا ثلاثا،و أربعا أربعا.

(4:170)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و ما ذهب إليه من امتناع الصّرف لما فيها من العدلين:عدلها عن صيغتها و عدلها عن تكرّرها،لا أعلم أحدا ذهب إلى ذلك،بل المذاهب في علّة منع الصّرف المنقولة أربعة:

أحدها:ما نقلناه عن سيبويه(1).

و الثّاني:ما نقلناه عن الفرّاء(2).

و الثّالث:ما نقل عن الزّجّاج،و هو لأنّها معدولة عن اثنين اثنين و ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة،و أنّه عدل عن التّأنيث.

و الرّابع:ما نقله أبو الحسن عن بعض النّحويّين:أنّ العلّة المانعة من الصّرف هي تكرار العدل فيه،لأنّه عدل عن لفظ اثنين و عدل عن معناه؛و ذلك أنّه لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة،تقول:جاءني اثنان و ثلاثة،و لا يجوز جاءني مثنى و ثلاث،حتّى يتقدّم قبله جمع،لأنّ هذا الباب جعل بيانا لترتيب الفعل.فإذا قال:جاءني القوم مثنى،أفاد أنّ ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين،فأمّا الأعداد غير المعدولة فإنّما الغرض منها الإخبار عن مقدار المعدود دون غيره.فقد بان بما ذكرنا اختلافهما في المعنى،فلذلك جاز أن تقوم العلّة مقام العلّتين،لإيجابهما حكمين مختلفين.انتهى ما قرّر به هذا المذهب.

و قد ردّ النّاس على الزّجّاج قوله:«إنّه عدل عن التّأنيث»بما يوقف عليه في كتب النّحو،و الزّمخشريّ لم يسلك شيئا من هذه العلل المنقولة،فإن كان تقدّمه سلف ممّن قال ذلك،فيكون قد تبعه و إلاّ فيكون ممّا انفرد بمقالته.

و أمّا قوله[الزّمخشريّ]:«يعرّفن بلام التّعريف، يقال:فلان ينكح المثنى و الثّلاث و الرّباع»فهو معترض من وجهين:أحدهما:زعمه أنّها تعرّف بلام التّعريف، و هذا لم يذهب إليه أحد بل لم يستعمل في لسان العرب إلاّ نكرات،و الثّاني أنّه مثّل بها،و قد وليت العوامل في قوله:فلان ينكح المثنى،و لا يلي العوامل إنّما يتقدّمها ما يلي العوامل،و لا تقع إلاّ خبرا كما جاء:صلاة اللّيل مثنى،أو حالا نحو ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى، أو صفة نحو أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1، و قوله:

*ذئاب يبغي النّاس مثنى و موحدا*

و قد تجيء مضافة قليلا نحو قول الآخر:

*بمثنى الزّقاق المترعات و بالجزر*

و قد ذكر بعضهم أنّها تلي العوامل على قلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و من أحكام هذا المعدول أنّه لا يؤنّث،فلا تقول:

مثناة و لا ثلاثة و لا رباعة بل يجري بغير تاء على المذكّر و المؤنّث.(3:151)

الفاضل المقداد:أكثر الفقهاء و المفسّرين على أنّ (الواو)هنا ليست على حالها،و إلاّ لزم الجمع بين تسع نسوة،لكون(الواو)للجمع.و من النّاس من جعل (الواو)بحاله،و جوّز الجمع بين التّسع.

ص: 653


1- و قد سبق قولهما في النّصوص اللّغويّة.
2- و قد سبق قولهما في النّصوص اللّغويّة.

و كلّ ذلك جهل و خبط،فإنّ الجمع في الحكم لا يستلزم الجمع في الزّمان،لأنّك تقول:رأيت زيدا اليوم،و عمرا أمس،و لو قال بلفظ«أو»لتوهّم أنّه لا يجوز لمن يقدر على عدد منها أن ينتقل إلى عدد آخر.

و ليس كذلك لأنّ من زاد تمكّنه،فله أن يزيد ما لم يتجاوز الأربع،و من نقص تمكّنه فله أن ينقص بلا حرج، لكون(الواو)للجمع بخلاف«أو»فافهم ذلك.فيجوز للرّجل أن ينكح الأعداد المذكورة في أزمنة متعاقبة.

الحصر في«الأربع»و عدم جواز الزّائد في النّكاح الدّائم إجماعيّ،و لقول الصّادق عليه السّلام:«لا يحلّ لماء الرّجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر».و لمّا أسلم غيلان و عنده عشر نسوة قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«أمسك أربعا و فارق سائرهنّ»أى باقيهنّ،و نقل عن «القاسميّة»من الزّيديّة:جواز التّسع لمكان(الواو)كما قلنا،بل يلزمهم جواز ثمانية عشر،لأنّ قوله:(مثنى) معناه ثنتين ثنتين،و كذا البواقي،كذا نقل عنهم و لكنّهم ينكرونه.[إلى أن قال:]

أجمع المسلمون على أنّ«ملك اليمين»لا ينحصر في عدد،و عموم لفظ الآية يؤيّده،فإنّ(ما)من ألفاظ العموم،و كذا الحديث المتقدّم عن الصّادق عليه السّلام لتقييده بالحرائر،و لا يرد عليه منع جواز الزّائد في المتعة، لدخولها في الأزواج،و إلاّ لما كانت مباحة،و الأزواج لا يجوز فيها تعدّي النّصاب،فلا يجوز في المتعة،لأنّا نقول:إنّه محمول على الدّائم لأغلبيّته.

(2:141 و 143)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و زاد«السّفاقسيّ»في علّة المنع خامسا:و هو العدل من غير جهة العدل،لأنّ باب العدل أن يكون في المعارف و هذا عدل في النّكرات،و سادسا:و هو العدل و الجمع،لأنّه يقتضي التّكرار،فصار في معنى الجمع.

و قال:زاد هذين ابن الصّائغ في«شرح الجمل»،و جاء آحاد و موحد و ثناء و مثنى و ثلاث و مثلث و رباع و مربع، و لم يسمع فيما زاد على ذلك،كما قال أبو عبيدة،إلاّ في قول الكميت.[ثمّ جاء بشعره]

و من النّاس من جوّز خماس و مخمس إلى آخر العقد قياسا،و ليس بشيء،و اختير التّكرار،و العطف ب«الواو»لتفهّم الآية أنّ لكلّ واحد من المخاطبين أن يختار من هذه الأعداد المذكورة أيّ عدد شاء؛إذ هو المقصود،لا أنّ بعضها لبعض منهم و البعض الآخر لآخر، و لو أفردت الأعداد لفهم من ذلك تجويز الجمع بين تلك الأعداد دون التّوزيع،و لو ذكرت بكلمة«أو»لفات تجويز الاختلاف في العدد بأن ينكح واحد اثنتين،و آخر ثلاثا أو أربعا،و ما قيل إنّه لا يلتفت إليه الذّهن-لأنّه لم يذهب إليه أحد-لا يلتفت إليه،لأنّ الكلام في الظّاهر الّذي هو نكتة العدول.

و ادّعى بعض المحقّقين أنّه لو أتى من الأعداد بما لا يدلّ على التّكرار لم يصحّ جعله حالا،معلّلا ذلك بأنّ جميع الطّيّبات ليس حالها أنّها اثنان،و لا حالها أنّها ثلاثة،و كذا لو قيل:اقتسموا هذا المال الّذي هو ألف درهم درهما و اثنين و ثلاثة و أربعة،لم يصحّ جعل العدد حالا من المال الّذي هو ألف درهم،لأنّ حال الألف ليس ذلك،بخلاف ما إذا كرّر،فإنّ المقصود حينئذ

ص: 654

التّفصيل في حكم الانقسام،كأنّه قيل:فانكحوا الطّيّبات لكم مفصّلة و مقسّمة إلى ثنتين ثنتين و ثلاثا ثلاثا،و أربعا أربعا،و اقتسموا هذا المال الّذي هو ألف درهم مفصّلا و مقسّما إلى درهم درهم،و اثنين اثنين، و ثلاثة ثلاثة،و أربعة أربعة.

و بهذا يظهر فساد ما قيل:من أنّه لا فرق بين اثنين و مثنى في«صحّة الحالية»لأنّ انفهام الانقسام ظاهر من الثّاني دون الأوّل كما لا يخفى،و أنّه إنّما أتى ب(الواو)دون «أو»ليفيد الكلام أن تكون الأقسام على هذه الأنواع غير متجاوز إيّاها إلى ما فوقها،لا أن تكون على أحد هذه الأنواع غير مجموع بين اثنين منها،و ذلك بناء على أنّ«الحال»بيان لكيفيّة الفعل،و القيد في الكلام نفي لما يقابله،و(الواو)ليست لأحد الأمرين أو الأمور ك«أو»و بهذا يندفع ما ذهب إليه البعض من جواز التّسع،تمسّكا بأنّ(الواو)للجمع،فيجوز الثّنتان و الثّلاث و الأربع و هي تسع.

و ذلك لأنّ من نكح الخمس أو ما فوقها لم يحافظ على القيد،أعني كيفيّة النّكاح،و هي كونه على هذا التّقدير و التّفصيل،بل جاوزه إلى ما فوقه.و لعلّ هذا مراد«القطب»بقوله:إنّه تعالى لمّا ختم الأعداد على الأربعة لم يكن لهم الزّيادة عليها،و إلاّ لكان نكاحهم خمسا خمسا.

فقول بعضهم:اللّزوم ممنوع؛لعدم دلالة الكلام على الحصر،فإنّ الإنسان إذا قال لولده:افعل ما شئت، اذهب إلى السّوق و إلى المدرسة و إلى البستان،كان هذا تنصيصا في تفويض زمام الاختيار إليه مطلقا،و رفع الحجر عنه،و لا يكون ذلك تخصيصا للإذن بتلك الأشياء المذكورة بل كان إذنا في المذكور و غيره،فكذا هنا.

و أيضا ذكر جميع الأعداد متعذّر-فإذا ذكر بعض الأعداد بعد فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ كان ذلك تنبيها على حصول الإذن في جميع الأعداد-كلام ليس في محلّه،و فرق ظاهر بين ما نحن فيه،و المثال الحادث.[ثمّ نقل قول الفخر الرّازيّ و قال:]

و أمّا الاحتجاج ب«الخبر»فليس بشيء أيضا،لأنّ الإجماع و قد وقع على أنّ الزّيادة على«الأربع»من خصوصيّاته صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و نحن مأمورون باتّباعه و الرّغبة في سنّته عليه الصّلاة و السّلام في غير ما علم أنّه من الخصوصيّات،أمّا فيما علم أنّه منها،فلا، و أمّا الأمران اللّذان اعتمد عليهما الفقهاء في هذا المقام ففي غاية الإحكام.

و الوجه الأوّل في تضعيف الأمر الأوّل منهما يردّ عليه أنّ قول الإمام فيه:«إنّ القرآن لما دلّ على عدم الحصر...إلخ»ممنوع،كيف و قد تقدّم ما يفهم منه دلالته على الحصر؟و بتقدير عدم دلالته على الحصر لا يدلّ على عدم الحصر،بل غاية الأمر أنّه يحتمل الأمرين الحصر و عدمه،فيكون حينئذ مجملا،و بيان المجمل بخبر الواحد جائز،كما بيّن في الأصول.

و ما ذكر في الوجه الثّاني من وجهي التّضعيف-بأنّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم لعلّه إنّما أمر بإمساك أربع و مفارقة البواقي،لأنّ الجمع غير جائز إمّا بسبب النّسب أو بسبب الرّضاع-ممّا لا يكاد يقبل مع تنكير أربعا و ثبوت«اختر منهنّ أربعا»كما في بعض الرّوايات

ص: 655

الصّحيحة في حديث غيلان،و كذا في الحديث الّذي أخرجه ابن أبي شيبة.و النّحّاس عن قيس بن الحرث الأسديّ أنّه قال:أسلمت و كان تحتي ثمان نسوة فأخبرت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:«اختر منهنّ أربعا و خلّ سائرهنّ»ففعلت،فإنّ ذلك يدلّ دلالة لا مرية فيها أنّ المقصود إبقاء أيّ أربع،لا أربع معيّنات،فالاحتمال الّذي ذكره الإمام قاعد لا قائم،و لو اعتبر مثله-قادحا في الدّليل-لم يبق دليل على وجه الأرض.

نعم الحديث مشكل على ما ذهب إليه الإمام الأعظم،على ما نقل ابن هبيرة:فيمن أسلم و تحته أكثر من أربع نسوة،من أنّه إن كان العقد وقع عليهنّ في حالة واحدة فهو باطل،و إن كان في عقود صحّ النّكاح في الأربع الأوائل،فإنّه حينئذ لا اختيار،و خالفه في ذلك الأئمّة الثّلاثة،و هو بحث آخر لسنا بصدده.

و أقوى الأمرين المعتمد عليهما في الحصر:الإجماع، فإنّه قد وقع و انقضى عصر المجمعين قبل ظهور المخالف، و لا يشترط في الإجماع اتّفاق كلّ الأمّة من لدن بعثته عليه الصّلاة و السّلام إلى قيام السّاعة،كما يوهمه كلام الإمام الغزّاليّ،و إلاّ لا يوجد إجماع أصلا.و بهذا يستغنى عمّا ذكره الإمام الرّازيّ-و هو أحد المذاهب في المسألة- من أنّ مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا اعتبار بمخالفته.

فالحقّ الّذي لا محيص عنه أنّه يحرم الزّيادة على الأربع،و به قال الإماميّة،و رووا عن الصّادق رضي اللّه تعالى عنه:«لا يحلّ لماء الرّجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام»و شاع عنهم خلاف ذلك،و لعلّه قول شاذّ عندهم.(4:190)

القاسميّ: [نحو الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قال الإمام الشّوكانيّ رحمه اللّه تعالى في«وبل الغمام»:الّذي نقله إلينا أئمّة اللّغة و الإعراب و صار كالمجمع عليه عندهم،أنّ العدل في الأعداد يفيد أنّ المعدود لمّا كان متكثّرا يحتاج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة، كانت صيغة العدل المفردة في قوّة تلك الأعداد.

فإن كان مجيء القوم مثلا اثنين اثنين،أو ثلاثة ثلاثة،أو أربعة أربعة،و كانوا ألوفا مؤلّفة،فقلت:جاءني القوم مثنى،أفادت هذه الصّيغة أنّهم جاءوا اثنين اثنين، حتّى تكاملوا.فإن قلت:مثنى و ثلاث و رباع،أفاد ذلك أنّ القوم جاءوك تارة اثنين اثنين،و تارة ثلاثة ثلاثة، و تارة أربعة أربعة.فهذه الصّيغ بيّنت مقدار عدد دفعات المجيء لا مقدار عدد جميع القوم،فإنّه لا يستفاد منها أصلا،بل غاية ما يستفاد منها أنّ عددهم متكثّر تكثّرا تشقّ الإحاطة به.

و مثل هذا إذا قلت:نكحت النّساء مثنى،فإنّ معناه نكحتهنّ اثنتين اثنتين،و ليس فيه دليل على أنّ كلّ دفعة من هذه الدّفعات لم يدخل في نكاحه إلاّ بعد خروج الأولى،كما أنّه لا دليل في قولك:جاءني القوم مثنى،أنّه لم يصل الاثنان الآخران إليك إلاّ و قد فارقك الاثنان الأوّلان.

إذا تقرّر هذا فقوله تعالى: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يستفاد منه جواز نكاح النّساء اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا،و المراد جواز تزوّج كلّ دفعة من هذه

ص: 656

الدّفعات في وقت من الأوقات،و ليس في هذا تعرّض لمقدار عددهنّ،بل يستفاد من الصّيغ الكثرة من غير تعيين،كما قدّمنا في مجيء القوم.و ليس فيه أيضا دليل على أنّ الدّفعة الثّانية كانت بعد مفارقة الدّفعة الأولى.

و من زعم أنّه نقل إلينا أئمّة اللّغة و الإعراب ما يخالف هذا،فهذا مقام الاستفادة منه،فليتفضّل بها علينا.و ابن عبّاس،إن صحّ عنه في الآية أنّه قصّر الرّجال على أربع، فهو فرد من أفراد الأمّة.و أمّا القعقعة بدعوى«الإجماع» فما أهونها و أيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة.

[ثمّ أدام البحث مستوفى،فلاحظ](5:1107)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ بناء مفعل و فعال في الأعداد تدلاّن على تكرار المادّة، فمعنى مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا،و لمّا كان الخطاب متوجّها إلى أفراد النّاس، و قد جيء ب(واو)التّفصيل بين مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ الدّالّ على التّخيير،أفاد الكلام أنّ لكلّ واحد من المؤمنين أن يتّخذ لنفسه زوجتين أو ثلاثا أو أربعا، فيصرن بالإضافة إلى الجميع مثنى و ثلاث و رباع.

و بذلك و بقرينة قوله بعده: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و كذا آية المحصنات بجميع ذلك يدفع أن يكون المراد بالآية أن تنكح الاثنتان بعقد واحد،أو الثّلاث بعقد واحد مثلا،أو يكون المراد أن تنكح الاثنتان معا ثمّ الاثنتان معا و هكذا،و كذا في الثّلاث و الأربع،أو يكون المراد اشتراك أزيد من رجل واحد في الزّوجة الواحدة مثلا،فهذه محتملات لا تحتملها الآية.

على أنّ الضّرورة قاضية أنّ الإسلام لا ينفذ الجمع بين أزيد من أربع نسوة،أو اشتراك أزيد من رجل في زوجة واحدة.

و كذا يدفع بذلك احتمال أن يكون(الواو)للجمع، فيكون في الكلام تجويز الجمع بين تسع نسوة،لأنّ مجموع الاثنتين و الثّلاث و الأربع تسع.[ثمّ نقل كلام الطّبرسيّ،فلاحظ](4:167)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(3:84)

فضل اللّه :[له بحث مستوفى في تعدّد الزّوجات فلاحظ](7:42-60)

2- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ. سبأ:46

ابن عبّاس: (مثنى):اثنين اثنين(فرادى):واحدا واحدا.(363)

نحوه البغويّ(3:685)،و الزّمخشريّ(3:294)، و البيضاويّ(2:264).

مجاهد :واحدا و اثنين.(الطّبريّ 22:104)

قتادة :رجلا و رجلين.(الطّبريّ 22:104)

السّدّيّ: وحدانا و مجتمعين.(391)

أبو عبيدة :اثنين اثنين و فردا فردا،و لا ينوّن في (مثنى)،زعم النّحويّون،لأنّه صرف عن وجهه.

(2:150)

ابن قتيبة :مناظرا مع غيره و مفكّرا في نفسه.

(الماورديّ 4:456)

الطّبريّ: يقول:و تلك الواحدة الّتي أعظكم بها

ص: 657

هي أن تقوموا للّه اثنين اثنين و فرادى فرادى.

(مثنى)يقول:يقوم الرّجل منكم مع آخر، فيتصادقان على المناظرة،هل علمتم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم جنونا قطّ؟ثمّ ينفرد كلّ واحد منكم،فيتفكّر و يعتبر فردا هل كان ذلك به؟فتعلموا حينئذ أنّه نذير لكم.(22:104)

الزّجّاج: أي أعظكم بطاعة اللّه،لأن تقوموا للّه منفردين و مجتمعين.(4:257)

الماورديّ: في قوله: مَثْنى وَ فُرادى ثلاثة أوجه:

أحدها:[قول السّدّيّ المتقدّم]

الثّاني:منفردا برأيه و مشاورا لغيره،و هذا قول مأثور.

الثّالث:[قول ابن قتيبة المتقدّم]

و يحتمل رابعا:أنّ المثنى:عمل النّهار،و الفرادى:

عمل اللّيل،لأنّه في النّهار معان و في اللّيل وحيد.

(4:456)

الطّوسيّ: معناه:أن تقوموا اثنين اثنين،و واحدا واحدا ليذاكر أحدهما صاحبه،فيستعين برأيه على هذا الأمر،ثمّ يجول بفكرته حتّى يكرّره حتّى يتبيّن له الحقّ من الباطل.

و بني(مثنى)و إن لم يكن صفة،لأنّه ممّا يصلح أن يوحّد،كما قال تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فاطر:1،و هو هاهنا في موضع حال.(8:405)

الميبديّ: (مثنى)يعني اثنين اثنين متناظرين، و(فرادى)يعني واحدا واحدا متفكّرين.(8:150)

ابن عطيّة: قدّم«المثنى»لأنّ الحقائق من متعاضدين في النّظر أجدى من فكرة واحدة،فإذا انقدح الحقّ بين الاثنين فكّر كلّ واحد منهما بعد ذلك،فيزيد بصيرة.(4:425)

الفخر الرّازيّ: مَثْنى وَ فُرادى إشارة إلى جميع الأحوال،فإنّ الإنسان إمّا أن يكون مع غيره،أو يكون وحده،فإذا كان مع غيره دخل في قوله:(مثنى)،و إذا كان وحده دخل في قوله:(فرادى)فكأنّه يقول:تقوموا للّه مجتمعين و منفردين،لا تمنعكم الجمعيّة من ذكر اللّه، و لا يحوجكم الانفراد إلى معين يعينكم على ذكر اللّه.

(25:268)

نحوه النّيسابوريّ.(22:60)

القرطبيّ: [نقل قول الماورديّ ثمّ قال:]

و قيل:إنّما قال: مَثْنى وَ فُرادى لأنّ الذّهن حجّة اللّه على العباد و هو العقل،فأوفرهم عقلا أوفرهم حظّا من اللّه،فإذا كانوا(فرادى)كانت فكرة واحدة،و إذا كانوا(مثنى)تقابل الذّهنان فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد،و اللّه أعلم.(14:311)

أبو حيّان :إنّما قال: مَثْنى وَ فُرادى لأنّ الجماعة يكون مع اجتماعهم تشويش الخاطر و المنع من التّفكّر و تخليط الكلام و التّعصّب للمذاهب و قلّة الإنصاف،كما هو مشاهد في الدّروس الّتي يجتمع فيها الجماعة، فلا يوقف فيها على تحقيق.و أمّا الاثنان إذا نظرا نظر إنصاف،و عرض كلّ واحد منهما على صاحبه ما ظهر له، فلا يكاد الحقّ أن يعدوهما.و أمّا الواحد إذا كان جيّد الفكر صحيح النّظر عاريا عن التّعصّب طالبا للحقّ، فبعيد أن يعدوه.و انتصب مَثْنى وَ فُرادى على الحال.

ص: 658

[و أدام مثل ابن عطيّة](7:290)

الشّربينيّ: أي اثنين اثنين.قال البقاعيّ:و قدّمه إشارة إلى أنّ أغلب النّاس ناقص العقل.(3:306)

أبو السّعود :أي متفرّقين اثنين اثنين و واحدا واحدا،فإنّ الازدحام يشوّش الأفهام،و يخلط الأفكار بالأوهام.و في تقديم(مثنى)إيذان بأنّه أوثق و أقرب إلى الاطمئنان.(5:266)

نحوه الآلوسيّ(22:154)،و المراغيّ(22:96).

البروسويّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و في«الفتوحات المكّيّة»قدّس اللّه سرّ صاحبها (الواحدة)أن يقوم الواعظ من أجل اللّه إمّا غيرة و إمّا تعظيما،و قوله:(مثنى)أي باللّه و رسوله،فإنّه من أطاع الرّسول فقد أطاع اللّه،فيقوم صاحب هذا المقام بكتاب اللّه و سنّة رسوله،لا عن هوى نفس و لا تعظيم كونيّ و لا غيرة نفسيّة.و قوله:(و فرادى)أي باللّه خاصّة،أو برسوله خاصّة.(7:307)

القاسميّ: أي قياما خالصا للّه بلا محاباة و لا مراءاة، اثنين اثنين و واحدا واحدا.(14:4965)

الطّباطبائيّ: مَثْنى وَ فُرادى أي اثنين اثنين و واحدا واحدا،كناية عن التّفرّق و تجنّب التّجمّع و الغوغاء،فإنّ الغوغاء لا شعور لها و لا فكر،و كثيرا ما تميت الحقّ و تحيي الباطل.(16:388)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(13:439)

فضل اللّه :لما ذا حاولت الآية الكريمة أن تفرّقهم مَثْنى وَ فُرادى و تفصلهم عن الجوّ المحموم؟فيجيب بعض الكتّاب المعاصرين أن يرجعه إلى فكرة«العقل الجمعيّ»الّذي بيّنه،و وصفه الفيلسوف الاجتماعيّ «جوستاف لوبون»حيث قال:«إنّه مهما كانت منزلة الأفراد الّذين يكوّنون مجتمعا من المجتمعات،و مهما بلغوا من تشابه بعضهم لبعض،و مهما اختلفوا من حيث الميول و مقدار الذّكاء و المهنة و نظام الحياة،فإنّ اجتماعهم معا يمنحهم عقلا جمعيّا،يجعلهم يفكّرون و يشعرون و يعملون بطريقة مخالفة لطريقة تفكيرهم و شعورهم و عملهم،لو كان بعضهم بمعزل عن بعض».

و إنّ هناك عوامل ثلاثة أساسيّة،تعمل على ظهور هذه الرّوح الجمعيّة،أو العقل الجمعيّ،هي:

أوّلا:ما يسمّى بالشّعور بعدم المسئوليّة،فالفرد في الحشد يلقي المسئوليّة على الجمع نفسه،و يتحرّر-عادة- من التّعبير عن ميوله و رغباته و غرائزه،فهو يختفي وراء الجمع و يطلق العنان لما يكنّه في نفسه من الرّغبات.

و الجمع بكثرة عدده مشجّع للأفراد على التّعبير عن إحساساتهم في حماسة،و يولّد عندهم قوّة تدفعهم في اتّجاه معيّن.

ثانيا:ما يسمّى بالعدوى النّفسيّة،و يقصد بهذه العدوى تلك الظّاهرة النّفسيّة الّتي تسري من فرد إلى فرد،فتجعلهم يردّدون الشّيء نفسه،و بشكل آليّ.

و لهذا هو يصفها بأنّها عامل من عوامل«التّحذير الاجتماعيّ»،به ينسى الفرد نفسه في سبيل غاية جمعيّة يعمل و يتحرّك لتحقيقها.فالمعتقدات سياسيّة كانت أو دينيّة تسري بين الجماعات بالعدوى على الخصوص، و على نسبة أفراد الجماعة يكون تأثير العدوى شديدا، و لا يلبث المعتقد الضّعيف أن يصبح قويّا بعد أن يكتسب

ص: 659

الأفراد الّذين يعتنقونه صفة الجماعة.

و المعتقد بعد أن ينتشر بالعدوى،لا يلتفت إلى قيمته العقليّة،لأنّه لمّا كانت العدوى تؤثّر في دائرة اللاّشعور، فإنّه لا شأن للعقل فيها.و في الغالب تكون العدوى ذات تأثير فيمن هم أرفع من في الجماعة،و لذلك يجب أن لا نعجب من وجود علماء يدافعون عن أكثر المعتقدات شؤما و مخالفة للصّواب.

ثالثا:و هناك أخيرا عامل الإيحاء و هو حالة يفقد فيها الفرد الإحساس بوجوده الشّخصيّ،بحيث يضعف وجوده الذّاتيّ و يصبح تابعا لا سيّدا،يتحرّك حسب ما يملي عليه-و يطيع طاعة عمياء-الزّعيم المسيطر على الجمع الحاشد،و يصبح ألعوبة في يده،و لهذا تطغى الرّوح الجمعيّة عند الفرد على شخصيّته الواعية،و على إرادته و أحكامه و أفعاله و تصرّفاته.

و يقابل هذه العوامل صفات لا بدّ منها،هي من المشخّصات الضّروريّة للرّوح الجمعيّة و العقل الجمعيّ، و هي:

أوّلا:الاندفاع و الانسياق بدون تردّد.

ثانيا:المبالغة في فهم الحقائق.

ثالثا:عدم الثّبات و سرعة التّحوّل من رأي لرأي و من فعل لفعل.

ثمّ يتابع هذا الكاتب كلامه فيقول:«بعد كلّ هذا الشّرح النّفسيّ للعقل الجمعيّ،قد بان لنا الحكمة في اشتراط الآية أن يكون التّفكير بين اثنين اثنين،أو واحدا واحدا،خوف القضاء على الحقيقة في الزّحام، و خفاء وجه صواب الرّأي في الاجتماع».(19:67)

مثانى

1- وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.

الحجر:87

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:هي[الحمد]السّبع المثاني و القرآن العظيم الّذي أعطيت.(الطّبريّ 14:58)

و الّذي نفسي بيده ما أنزل اللّه في التّوراة و لا في الإنجيل و لا في الزّبور و لا في القرآن مثلها،يعني أمّ القرآن،و إنّها لهي السّبع المثاني الّتي آتاني اللّه تعالى.

(الطّبريّ 14:59)

إنّ اللّه تعالى قال لي:يا محمّد وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب،و جعلها بإزاء القرآن العظيم.(العروسيّ 3:29)

أبيّ بن كعب:السّبع المثاني:الحمد للّه ربّ العالمين.

(الطّبريّ 14:55)

مثله ابن عبّاس و عبيد بن عمير و ابن عبّاس (الطّبريّ 14:56)،و هو المرويّ عن الإمام عليّ عليه السّلام، (الطّبريّ 14:55).

ابن مسعود: السّبع الطّول.(الطّبريّ 14:51)

مثله ابن عمر و ابن عبّاس(الطّبريّ(14:52)، و الضّحّاك(الطّبريّ 14:54)،و نحوه سعيد بن جبير و مجاهد(الطّبريّ 14:52).

فاتحة الكتاب.(الطّبريّ 14:55)

و هو المرويّ عن الإمام عليّ عليه السّلام(الطّبريّ 14:

54)،و مثله ابن عبّاس(الطّبريّ 14:55)،و سعيد بن جبير و النّخعيّ و عبيد بن عمير و شهر بن حوشب

ص: 660

و الحسن(الطّبريّ 14:56).

ابن عبّاس: هي الأمثال و الخبر و العبر.

(الطّبريّ 14:54).

هنّ السّبع الطّول و لم يعطهنّ أحد إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و أعطي موسى منهنّ اثنتين.(الطّبريّ 14:52)

أوتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم سبعا من المثاني الطّول،و أوتي موسى ستّا،فلمّا ألقى الألواح رفعت اثنتان،و بقيت أربع.

(الطّبريّ 14:52)

نحوه سعيد بن جبير.(الطّبريّ 14:54) أبو العالية :فاتحة الكتاب سبع آيات،قلت للرّبيع:إنّهم يقولون:السّبع الطّول،فقال:لقد أنزلت هذه،و ما أنزل من الطّول شيء.(الطّبريّ 14:55)

فاتحة الكتاب،و إنّما سمّيت المثاني،لأنّه يثني بها، كلّما قرأ القرآن قرأها.(الطّبريّ 14:55)

سعيد بن جبير: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي البقرة، و آل عمران،و النّساء،و المائدة،و الأنعام،و الأعراف، و يونس،يثنى فيهنّ القضاء و القصص.

(الطّبريّ 14:53)

[و في رواية]تثنّي فيها الأحكام و الفرائض.

(الطّبريّ 14:53)

[و في رواية أخرى]فيهنّ الفرائض و الحدود.

(الطّبريّ 14:52)

مجاهد :من القرآن السّبع الطّول،السّبع الأول.

(الطّبريّ 14:53)

الضّحّاك: المثاني:القرآن،يذكر اللّه القصّة الواحدة مرارا.(الطّبريّ 14:57)

إنّ المثاني القرآن كلّه.(الماورديّ 3:171)

نحوه أبو مالك.(الطّبريّ 14:57)

الحسن :هي فاتحة الكتاب،تثنى في كلّ قراءة.

(الطّبريّ 14:56)

قتادة :ذكر لنا أنّهنّ فاتحة الكتاب،و أنّهنّ يثنّين في كلّ قراءة.(الطّبريّ 141:56)

فاتحة الكتاب تثنّى في كلّ ركعة مكتوبة و تطوّع.

(الطّبريّ 14:56)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هي سورة الحمد،و هو سبع آيات:منها (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) و إنّما سمّيت المثاني،لأنّها تثنّى في الرّكعتين.(العروسيّ 3:27)

أنّها سبع كرامات أكرمه اللّه بها،أوّلها الهدى ثمّ النّبوّة ثمّ الرّحمة ثمّ الشّفقة ثمّ المودّة ثمّ الألفة ثمّ السّكينة، و ضمّ إليها القرآن الكريم.(الماورديّ 3:171)

الثّوريّ: المثاني:البقرة،و آل عمران،و النّساء، و المائدة،و الأنعام،و الأعراف،و الأنفال و براءة سورة واحدة.(ابن كثير 4:172)

الفرّاء: يعني فاتحة الكتاب،و هي سبع آيات في قول أهل المدينة و أهل العراق.أهل المدينة يعدّون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية...عن ابن عبّاس قال: (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) آية من الحمد،و كان حمزة يعدّها آية (وَ أَتَيْناكَ) القرآن العظيم.(2:91)

نحوه البروسويّ.(4:486)

و سمّيت(المثانى)لأنّها تعاد في كلّ ركعة.

(الأزهريّ 15:138)

أبو عبيد: (المثانى)من كتاب اللّه ثلاثة أشياء:

ص: 661

سمّى اللّه عزّ و جلّ القرآن كلّه مثاني في قوله تعالى: نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23،و سمّى فاتحة الكتاب مثاني في قوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي، و سمّى القرآن مثاني لأنّ الأنباء و القصص ثنّيت فيه.(الأزهريّ 15:138)

شمر:إنّ المثاني ستّ و عشرون سورة،و هي:

سورة الحجّ،و القصص،و النّمل،و النّور،و الأنفال، و مريم،و العنكبوت،و يس،و الفرقان،و الحجر، و الرّعد،و سبأ،و الملائكة،و إبراهيم،و ص،و محمّد، و لقمان،و الغرف،و المؤمن،و الزّخرف،و السّجدة، و الأحقاف،و الجاثية،و الدّخان.(الأزهريّ 15:138)

أبو الهيثم:المثاني من سور القرآن،كلّ سورة دون الطّول و دون المئين،و فوق المفصّل.(الأزهريّ 15:139)

الطّبريّ: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،قول من قال:عني بالسّبع المثاني:السّبع اللّواتي هنّ آيات أمّ الكتاب، لصحّة الخبر بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.[ثمّ ذكر الرّوايات المتقدّمة بعضها،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله]و أضاف:

فإذا كان الصّحيح من التّأويل في ذلك ما قلنا،للّذي به استشهدنا،فالواجب أن تكون(المثانى)مرادا بها القرآن كلّه،فيكون معنى الكلام:و لقد آتيناك سبع آيات،ممّا يثني بعض آيه بعضا،و إذا كان ذلك كذلك كانت المثاني:جمع مثناة،و تكون آي القرآن موصوفة بذلك،لأنّ بعضها يثني بعضا،و بعضها يتلو بعضا، بفصول تفصل بينها،فيعرف انقضاء الآية و ابتداء الّتي تليها،كما وصفها به تعالى ذكره،فقال: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ... الزّمر:23.

و قد يجوز أن يكون معناها،كما قال ابن عبّاس و الضّحّاك و من قال ذلك:أنّ القرآن إنّما قيل له:مثاني، لأنّ القصص و الأخبار كرّرت فيه مرّة بعد أخرى.

(14:57-60)

الزّجّاج: [نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و يجوز-و اللّه أعلم-أن يكون من المثاني،أي ممّا أثني به على اللّه،لأنّ فيها حمد اللّه،و توحيده،و ذكر ملائكته،و ملكه يوم الدّين.

و روي في التّفسير أنّه ما أعطيت أمّة كما أعطيت أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من سورة الحمد.فأمّا دخول(من)فهي هاهنا تكون على ضربين:تكون للتّبعيض من القرآن،أي و لقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات الّتي يثنى بها على اللّه عزّ و جلّ،و آتيناك القرآن العظيم.و يجوز أن يكون«السّبع»هي المثاني و تكون(من)الصّفة،كما قال عزّ و جلّ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ الحجّ:30، المعنى اجتنبوا الأوثان،لا أنّ بعضها رجس.

و يجوز أن يكون المعنى سبعا مثاني على هذا القياس، و يدلّ على القول الأوّل قوله عزّ و جلّ: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23.

و قيل:سبعا من المثاني:السّبع الطّوال،من البقرة إلى الأعراف ستّ،و اختلفوا في السّابعة،فقال بعضهم:

سورة يونس،و قيل:الأنفال و براءة.و إنّما سمّيت مثاني لذكر الأقاصيص فيها مثناة.(3:185)

الماورديّ: فيه خمسة أقاويل:

أحدها:[قول الرّبيع و الحسن و أبي العالية المتقدّم]

ص: 662

الثّاني:[قول ابن مسعود و ابن عبّاس و مجاهد المتقدّم]

الثّالث:[قول الضّحّاك المتقدّم]

الرّابع:إنّ(المثانى)معاني القرآن السّبعة:أمر، و نهي،و تبشير،و إنذار،و ضرب أمثال،و تعديد نعم، و أنباء قرون،قاله زياد بن مريم.

الخامس:[قول الإمام الصّادق عليه السّلام المتقدّم]

(3:170)

الميبديّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

و قيل:سمّيت مثاني،لأنّها نزلت مرّتين:مرّة بمكّة من أوائل ما نزل القرآن،و مرّة بالمدينة.

و إنّما سمّيت مثاني،لأنّ أكثر القصص فيها مثنى، و الحكمة في تكرارها:الإفهام،و تأكيد الحجّة،و إتمام النّصيحة،و إظهار عجز الكفرة،حتّى لم يقدروا على أن يأتوا بمثله،فآتى اللّه سبحانه بمثله في القرآن.

و قيل:المراد به كلّ القرآن،كما قال في مكان آخر:

كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ الزّمر:23،و المراد بالسّبع:

سبعة أسباع القرآن،و إنّما سمّاه مثاني،لوجوده في المصاحف و في اللّوح المحفوظ،و بيانه في قوله عزّ و جلّ:

وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ الأنبياء:105، أي من بعد اللّوح المحفوظ.

و قيل:إنّما سمّاه مثاني،لأنّ أكثره يتنوّع نوعين:أمر و نهي،و عدو و عيد،محكم و متشابه،مجمل و مفسّر، ناسخ و منسوخ،تنزيل و تأويل،عامّ و خاصّ.

و قيل:يثني صاحبه عن ارتكاب المحارم،بما فيه من أنواع الوعيد.

و قيل:المراد به أنّ معاني القرآن سبعة.[و قد تقدّم عن الماورديّ]

و قيل:المراد به رفع سبع عقوبات في الدّنيا و سبع عقوبات في الآخرة،لأجل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن أمّته؛فالّتي في الدّنيا فالخسف و المسخ و الطّمس و القذف و الطّاعون و الغرق و الموت الذّريع،و أمّا الّتي في الآخرة فسواد الوجه و زرقة العيون و الأغلال و السّلاسل و الأنكال و طعام الزّقّوم و شراب الحميم.(5:337-346)

الزّمخشريّ: (المثانى)من التّثنية،و هي التّكرير، لأنّ الفاتحة ممّا تكرّر قراءتها في الصّلاة و غيرها،أو من «الثّناء»لاشتمالها على ما هو ثناء على اللّه،الواحد:مثناة أو مثنية،صفة للآية.و أمّا السّور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص و المواعظ و الوعد و الوعيد و غير ذلك،و لما فيها من الثّناء كأنّها تثني على اللّه تعالى بأفعاله العظمى و صفاته الحسنى.

و(من)إمّا للبيان أو للتّبعيض،إذا أردت بالسّبع:

الفاتحة أو الطّوال.و للبيان إذا أردت الأسباع.و يجوز أن يكون كتب اللّه كلّها مثاني،لأنّها تثني عليه،و لما فيها من المواعظ المكرّرة،و يكون القرآن بعضها.(2:397)

الطّبرسيّ: اختلفوا في سبب تسميتها مثاني...قيل:

لأنّها مقسومة بين اللّه و عبده،على ما روي في الخبر.

و قيل:لأنّ نصفها ثناء و نصفها دعاء.

و قيل:لأنّ حروفها كلّها مثنّاة نحو:الرّحمن الرّحيم، إيّاك و إيّاك،و الصّراط و صراط.

و قيل:لأنّها تثني أهل الفسق عن الفسق.

و من قال:المراد ب(المثانى)القرآن كلّه،فإنّ

ص: 663

(من)في قوله يكون للتّبعيض،و من قال:إنّها الحمد كان (من)للتّبيين.[ثمّ استشهد بشعر](3:345)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: آتَيْناكَ سَبْعاً يحتمل أن يكون سبعا من الآيات،و أن يكون سبعا من السّور،و أن يكون سبعا من الفوائد.و ليس في اللّفظ ما يدلّ على التّعيين.

و أمّا المثاني:فهو صيغة جمع،واحده:مثناة،و المثناة:

كلّ شيء يثنّى،أي يجعل اثنين،من قولك:ثنيت الشّيء،إذا عطفته أو ضممت إليه آخر،و منه يقال لركبتي الدّابّة و مرفقيها:مثاني،لأنّها تثني بالفخذ و العضد،و مثاني الوادي:معاطفه.

إذا عرفت هذا فنقول: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي مفهومه سبعة أشياء من جنس الأشياء الّتي تثنّى.

و لا شكّ أنّ هذا القدر مجمل و لا سبيل إلى تعيينه إلاّ بدليل منفصل.[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة من المفسّرين و قال:]

و اعلم أنّا إذا حملنا قوله: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي على سورة الفاتحة فهاهنا أحكام:

الحكم الأوّل:نقل القاضي عن أبي بكر الأصمّ أنّه قال:كان ابن مسعود لا يكتب في مصحفه«فاتحة الكتاب»رأى أنّها ليست من القرآن.

و أقول:لعلّ حجّته فيه أنّ«السّبع المثاني»لمّا ثبت أنّه هو الفاتحة،ثمّ إنّه تعالى عطف السّبع المثاني على القرآن،و المعطوف مغاير للمعطوف عليه،وجب أن يكون السّبع المثاني غير القرآن،إلاّ أنّ هذا يشكل بقوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ الأحزاب:7،و كذلك قوله: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:98.

و للخصم أن يجيب:بأنّه لا يبعد أن يذكر الكلّ،ثمّ يعطف عليه ذكر بعض أجزائه و أقسامه،لكونه أشرف الأقسام.أمّا إذا ذكر شيء ثمّ عطف عليه شيء آخر كان المذكور أوّلا مغايرا للمذكور ثانيا.و هاهنا ذكر السّبع المثاني.ثمّ عطف عليه القرآن العظيم،فوجب حصول المغايرة.

و الجواب الصّحيح:أنّ بعض الشّيء مغاير لمجموعه، فلم لا يكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف،و اللّه أعلم.

الحكم الثّاني:أنّه لمّا كان المراد بقوله: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي هو الفاتحة،دلّ على أنّ هذه السّورة أفضل سور القرآن من وجهين:أحدهما:أنّ إفرادها بالذّكر مع كونها جزء من أجزاء القرآن،لا بدّ و أن يكون لاختصاصها بمزيد الشّرف و الفضيلة.و الثّاني:أنّه تعالى لمّا أنزلها مرّتين دلّ ذلك على زيادة فضلها و شرفها.

و إذا ثبت هذا فنقول:لمّا رأينا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم واظب على قراءتها في جميع الصّلوات طول عمره، و ما أقام سورة أخرى مقامها في شيء من الصّلوات،دلّ ذلك على أنّه يجب على المكلّف أن يقرأها في صلاته و أن لا يقيم سائر آيات القرآن مقامها،و أن يحترز عن هذا الإبدال،فإنّ فيه خطرا عظيما،و اللّه أعلم.

القول الثّاني:في تفسير قوله: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي إنّها«السّبع الطّوال»و هذا قول ابن عمر و سعيد بن جبير في بعض الرّوايات و مجاهد،و هي:البقرة،و آل عمران، و النّساء،و المائدة،و الأنعام،و الأعراف،و الأنفال،

ص: 664

و التّوبة معا.قالوا:و سمّيت هذه السّور مثاني،لأنّ الفرائض و الحدود و الأمثال و العبر ثنّيت فيها،و أنكر الرّبيع هذا القول.و قال:هذه الآية مكّيّة،و أكثر هذه السّور السّبعة مدنيّة.و ما نزل شيء منها في مكّة،فكيف يمكن حمل هذه الآية عليها؟

و أجاب قوم عن هذا الإشكال:بأنّ اللّه تعالى أنزل القرآن كلّه إلى السّماء الدّنيا.ثمّ أنزله على نبيّه منها نجوما،فلمّا أنزله إلى السّماء الدّنيا،و حكم بإنزاله عليه، فهو من جملة ما آتاه،و إن لم ينزل عليه بعد.

و لقائل أن يقول:إنّه تعالى قال: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي و هذا الكلام إنّما يصدق إذا وصل ذلك الشّيء إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.فأمّا الّذي أنزله إلى السّماء الدّنيا و هو لم يصل بعد إلى محمّد عليه السّلام،فهذا الكلام لا يصدق فيه.و أمّا قوله:بأنّه لمّا حكم اللّه تعالى بإنزاله على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كان ذلك جاريا مجرى ما نزل عليه،فهذا أيضا ضعيف،لأنّ إقامة ما لم ينزل عليه مقام النّازل عليه، مخالف للظّاهر.

و القول الثّالث:في تفسير«السّبع المثاني»أنّها هي السّور الّتي هي دون الطّوال و المئين،و فوق المفصّل.

و اختار هذا القول قوم و احتجّوا عليه بما روى ثوبان:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:إنّ اللّه أعطاني السّبع الطّوال مكان التّوراة،و أعطاني المئين مكان الإنجيل،و أعطاني المثاني مكان الزّبور،و فضّلني ربّي بالمفصّل.

قال الواحديّ: و القول في تسمية هذه السّور مثاني كالقول في تسمية الطّوال مثاني.

و أقول:إن صحّ هذا التّفسير عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلا غبار عليه،و إن لم يصحّ فهذا القول مشكل،لأنّا بيّنّا أنّ المسمّى ب«السّبع المثاني»يجب أن يكون أفضل من سائر السّور،و أجمعوا على أنّ هذه السّور الّتي سمّوها بالمثاني ليست أفضل من غيرها،فيمتنع حمل السّبع المثاني على تلك السّور.

و القول الرّابع:أنّ«السّبع المثاني»هو القرآن كلّه، و هو منقول عن ابن عبّاس في بعض الرّوايات،و قول طاوس،قالوا:و دليل هذا القول قوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ فوصف كلّ القرآن بكونه مثاني.ثمّ اختلف القائلون بهذا القول في أنّه ما المراد بالسّبع، و ما المراد بالمثاني؟

أمّا السّبع فذكر فيها وجوها:أحدها:أنّ القرآن سبعة أسباع.و ثانيها:أنّ القرآن مشتمل على سبعة أنواع من العلوم:التّوحيد،و النّبوّة،و المعاد،و القضاء، و القدر،و أحوال العالم،و القصص،و التّكاليف.و ثالثها:

أنّه مشتمل على الأمر و النّهي،و الخبر و الاستخبار، و النّداء و القسم،و الأمثال.

و أمّا وصف كلّ القرآن بالمثاني،فلأنّه كرّر فيه دلائل التّوحيد و النّبوّة و التّكاليف.و هذا القول ضعيف أيضا،لأنّه لو كان المراد بالسّبع المثاني القرآن،لكان قوله وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ عطفا للشّيء على نفسه،و ذلك غير جائز.

و أجيب عنه بأنّه إنّما حسن إدخال حرف العطف فيه لاختلاف اللّفظين.[ثمّ استشهد بشعر و قال:إنّهم أجمعوا على أنّ الأصل خلافه]

و القول الخامس:يجوز أن يكون المراد بالسّبع:

ص: 665

الفاتحة،لأنّها سبع آيات،و يكون المراد بالمثاني:كلّ القرآن،و يكون التّقدير:و لقد آتيناك سبع آيات هي الفاتحة،و هي من جملة المثاني الّذي هو القرآن.و هذا القول عين الأوّل،و التّفاوت ليس إلاّ بقليل،و اللّه أعلم.

(19:207)

نحوه أبو حيّان(5:465)،و الآلوسيّ(14:78)

القرطبيّ: اختلف العلماء في السّبع المثاني،فقيل:

الفاتحة.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين و أضاف:]

و الصّحيح الأوّل،لأنّه نصّ.و قد قدّمنا في «الفاتحة»أنّه ليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من تسمية غيرها بذلك،إلاّ أنّه إذا ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ثبت عنه نصّ في شيء لا يحتمل التّأويل،كان الوثوق عنده.

(10:55)

البيضاويّ: (سبعا):سبع آيات و هي الفاتحة، و قيل:سبع سور و هي الطّوال و سابعتها الأنفال و التّوبة، فإنّهما في حكم سورة،و لذلك لم يفصل بينهما بالتّسمية.

و قيل:التّوبة،و قيل:يونس أو الحواميم السّبع،و قيل:

سبع صحائف و هي الأسباع.

(من المثانى)بيان للسّبع،و المثاني من التّثنية أو الثّناء،فإنّ كلّ ذلك مثنى تكرّر قراءته أو ألفاظه أو قصصه و مواعظه أو مثنى عليه بالبلاغة و الإعجاز،أو مثن على اللّه بما هو أهله،من صفاته العظمى و أسمائه الحسنى.

و يجوز أن يراد ب(المثانى):القرآن أو كتب اللّه كلّها، فتكون(من)للتّبعيض.(1:546)

الطّباطبائيّ: «السّبع المثاني»هي سورة الحمد، على ما فسّر في عدّة من الرّوايات المأثورة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،فلا يصغى إلى ما ذكره بعضهم:

أنّها السّبع الطّوال،و ما ذكره بعض آخر أنّها الحواميم السّبع،و ما قيل:إنّها سبع صحف من الصّحف النّازلة على الأنبياء،فلا دليل على شيء منها من لفظ الكتاب، و لا من جهة السّنّة.

و قد كثر اختلافهم في قوله:(من المثانى)من جهة كون(من)للتّبعيض أو للتّبيين،و في كيفيّة اشتقاق لفظة المثاني،و وجه تسميتها بالمثاني.

و الّذي ينبغي أن يقال-و اللّه أعلم-إنّ(من) للتّبعيض،فإنّه سبحانه سمّى جميع آيات كتابه مثاني،إذ قال: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ الزّمر:23،و آيات سورة الحمد من جملتها،فهي بعض المثاني لا كلّها.

و الظّاهر أنّ(المثانى)جمع مثنية،اسم مفعول من «الثّني»بمعنى اللّوي و العطف و الإعادة،قال تعالى:

يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ هود:5،و سمّيت الآيات القرآنيّة:

مثاني،لأنّ بعضها يوضح حال البعض و يلوي و ينعطف عليه،كما يشعر به قوله: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ، حيث جمع بين كون الكتاب متشابها يشبه بعض آياته بعضا، و بين كون آياته مثاني.

و في كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صفة القرآن:«يصدّق بعضه بعضا».و عن عليّ عليه السّلام فيه:«ينطق بعضه ببعض و يشهد بعضه على بعض».

أو هي جمع«مثنى»بمعنى التّكرير و الإعادة كناية عن بيان بعض الآيات ببعض.

ص: 666

و لعلّ في ذلك كفاية و غنى عمّا ذكروه من مختلف المعاني،كما في«الكشّاف»و حواشيه و«المجمع»و«روح المعاني»و غيرها،كقولهم:إنّها من التّثنية أو الثّني،بمعنى التّكرير و الإعادة،سمّيت آيات القرآن مثاني لتكرّر المعاني فيها.

و كقولهم:سمّيت الفاتحة مثاني لوجوب قراءتها في كلّ صلاة مرّتين،أو لأنّها تثنّى في كلّ ركعة بما يقرأ بعدها من القرآن،أو لأنّ كثيرا من كلماتها مكرّرة كالرّحمن و الرّحيم و إيّاك و الصّراط و عليهم،أو لأنّها نزلت مرّتين:مرّة بمكّة و مرّة بالمدينة،أو لما فيها من الثّناء على اللّه،أو لأنّ اللّه استثناها و ادّخرها لهذه الأمّة و لم ينزلها على الأمم الماضين،كما في الرّواية،إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في التّفاسير.(12:190)

مكارم الشّيرازيّ: يواسي اللّه تعالى نبيّه الكريم صلّى اللّه عليه و آله،أن لا تقلق من وحشيّة الأعداء و كثرتهم، و ما يملكون من إمكانات مادّيّة واسعة،لأنّ اللّه أعطاك ما لا يقف أمامه شيء وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الحجر:87.

و كما هو معلوم،فإنّ«السّبع»هو العدد سبعة و(المثاني)هو العدد اثنان،و لذا اعتبر أكثر المفسّرين أنّ (سبعا من المثانى)كناية عن سورة الحمد،و الرّوايات كذلك تشير لهذا المعنى.

و الدّاعي لذلك كونها تتألّف من سبع آيات، لأهمّيّتها و عظمة محتواها،فقد نزلت مرّتين على النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله،أو لأنّها تتكوّن من قسمين:فنصفها حمد و ثناء للّه عزّ و جلّ،و النّصف الآخر دعاء عبادة،أو لأنّها تقرأ مرّتين في كلّ صلاة.

و احتمل بعض المفسّرين أنّ«السّبع»إشارة إلى السّور السّبع الطّوال الّتي ابتدأ بها القرآن،و(المثانى) كناية عن نفس القرآن،لأنّه نزل مرّتين على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

مرّة بصورة كاملة،و أخرى نزل نزولا تدريجيّا،حسب الاحتياج إليه في أزمنة مختلفة.

و على هذا يكون معنى سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي سبع سور مهمّات من القرآن،دليلهم في ذلك الآية الثّالثة و العشرون من سورة الزّمر؛حيث يقول تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ أي مرّتين على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و لكنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صوابا،خصوصا و أنّ روايات أهل البيت عليهم السّلام تشير إلى أنّ«السّبع المثاني»هي سورة الحمد.

و اعتبر الرّاغب في«مفرداته»أنّ كلمة(المثانى) أطلقت على القرآن لما يتكرّر من قراءة آياته،و هذا التّكرار هو الّذي يحفظه من التّلاعب و التّحريف،إضافة إلى أنّ حقيقة القرآن لها تجلّ جديد في كلّ زمان،عمّا ينبغي له أن يوصف بالمثاني.

و على أيّة حال،فذكر عبارة اَلْقُرْآنَ الْعَظِيمَ بعد ذكر سورة الحمد،بالرّغم من أنّها جزء منه،دليل آخر على شرف و أهمّيّة هذه السّورة المباركة،و كثيرا ما يذكر الجزء مقابل الكلّ لأهمّيّته،و هو كثير الاستعمال في الأدب العربيّ و غيره.

و خلاصة المطاف أنّ اللّه تعالى قد صرح لنبيّه الكريم صلّى اللّه عليه و آله بأنّك قد ملكت سندا عظيما«القرآن»

ص: 667

و لا تستطيع أيّ قوّة في عالم الوجود أن تصرعه.

(8:99)

فضل اللّه :[نقل أقوال المفسّرين عموما و نقل قول الطّباطبائيّ خصوصا ثمّ قال:]

و قد لا يستطيع الإنسان الجزم بوجه معيّن من هذه الوجوه المحتملة،ممّا يجعل من الكلمة كلمة محمّلة، لا سيّما إذا أردنا تطبيقها على سورة الفاتحة أو على السّور السّبع الطّوال،فلنترك أمرها للّه.(13:176)

2- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

ابن عبّاس: مثنى مثنى،آية الرّحمة و العذاب، و الوعد و الوعيد،و الأمر و النّهي،و النّاسخ و المنسوخ، و غير ذلك.(387)

كتاب اللّه مثاني،ثنّى فيه الأمر مرارا.

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 23:210)

القرآن يشبه بعضه بعضا و يردّ بعضه على بعض.

(ابن كثير 6:87)

يفسّر بعضه بعضا.(الماورديّ 5:123)

مجاهد :في القرآن كلّه.(الطّبريّ 23:210)

الضّحّاك: ترديد القول ليفهموا عن ربّهم تبارك و تعالى.(ابن كثير 6:87)

الحسن :ثنّى اللّه فيه القضاء،تكون السّورة فيها الآية في سورة أخرى آية تشبهها.(الطّبريّ 23:210)

مثله عكرمة.(ابن كثير 6:87)

قتادة :ثنّى اللّه فيه الفرائض،و القضاء،و الحدود.

(الطّبريّ 23:210)

السّدّيّ: ثنّى فيه الأمر مرارا،و ثنّى في غير مكان.

(417)

الكلبيّ: لأنّ الآية تثنّى بعد الآية،و السّورة بعد السّورة.(الماورديّ 5:123)

الثّوريّ: ثنّى اللّه فيه ذكر الجنّة و النّار.

(الماورديّ 5:123)

ابن زيد :مردّد،ردّد موسى في القرآن و صالح و هود و الأنبياء،في أمكنة كثيرة.(الطّبريّ 23:210)

ثنّى اللّه فيه قصص الأنبياء.(الماورديّ 5:123)

الفرّاء: أي مكرّر يكرّر فيه ذكر الثّواب و العقاب.

(2:418)

ابن قتيبة :أي تثنّى فيه الأنباء و القصص و ذكر الثّواب و العقاب.(383)

الطّبريّ: يقول:تثنّى فيه الأنباء و الأخبار و القضاء و الأحكام و الحجج.(23:210)

الزّجّاج: قوله:(مثانى)من نعت قوله:(كتابا) منصوب على النّعت،و لم ينصرف(مثانى)لما فسّرناه من أنّه جمع،ليس على مثال واحد.(4:351)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ المثاني اسم لأواخر الآي،فالقرآن اسم لجميعه،و السّورة اسم لقطعة منه، و الآية اسم لكلّ فصل من السّورة،و المثاني:اسم لآخر كلّ آية منه.(الماورديّ 5:123)

لمّا كان القرآن مخالفا لنظم البشر و نثرهم جعل أسماؤه بخلاف ما سمّوا به كلامهم على الجملة و التّفصيل، فسمّي جملته قرآنا،كما سمّوه ديوانا،و كما قالوا:قصيدة و خطبة و رسالة،قال:سورة،و كما قالوا:بيت قال:آية،

ص: 668

و كما سمّيت الأبيات لاتّفاق أواخرها:قوافي،سمّى اللّه القرآن لاتّفاق خواتيم الآي فيه:مثاني.

(الميبديّ 8:403)

الرّمّانيّ: يثنّى في التّلاوة،فلا يملّ لحسن مسموعه.

(الماورديّ 5:123)

الطّوسيّ: أي يثنّى فيه الحكم و الوعد و الوعيد بتصريفها في ضروب البيان،و يثنّى أيضا في التّلاوة، فلا يملّ لحسن مسموعه في القرآن.(9:21)

نحوه الطّبرسيّ(4:495)،و القرطبيّ(15:249).

القشيريّ: يثنّى فيها الحكم و لا يملّ بتكرار القراءة، و يشتمل على نوعين:

الثّناء عليه بذكر سلطانه و إحسانه،و صفات الجنّة و النّار و الوعد و الوعيد.(5:278)

البغويّ: يثنّى فيه ذكر الوعد و الوعيد،و الأمر و النّهي،و الأخبار و الأحكام.(4:85)

مثله الخازن.(6:61)

الميبديّ: في«المثاني»وجهان من المعنى:

أحدهما:أن يكون تثنّى قصصها و أحكامها و أمثالها في مواضع منه،كقوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي الحجر:87،فالقرآن كلّه مثان.

الوجه الثّاني:أن تكون(المثانى)جمع مثنى،و هو أن يكون الكتاب مزدوجا،فيه ذكر الوعد و الوعيد،و ذكر الدّنيا و الآخرة،و ذكر الجنّة و النّار،و الثّواب و العقاب.

مثنى«مفعل»من ثنيت و ثنّيت مخفّف و مثقّل بمعنى واحد و هو أن تضيف إلى الشّيء مثله.و قيل:سمّي (مثانى)لأنّ فيه السّبع المثاني و هي الفاتحة.(8:403)

الزّمخشريّ: يجوز أن يكون(مثانى)بيانا لكونه متشابها،لأنّ القصص المكرّرة لا تكون إلاّ متشابهة.

و المثاني:جمع مثنّى،بمعنى مردّد و مكرّر لما ثنّي من قصصه و أنبائه و أحكامه،و أوامره و نواهيه،و وعده و وعيده و مواعظه.و قيل:لأنّه يثنّى في التّلاوة فلا يملّ، كما جاء في وصفه لا يتفه و لا يتشانّ،و لا يخلق على كثرة الرّدّ.

و يجوز أن يكون جمع مثنى«مفعل»من التّثنية بمعنى التّكرير و الإعادة،كما كان قوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ الملك:4،بمعنى كرّة بعد كرّة،و كذلك لبّيك و سعديك و حنانيك.

فإن قلت:كيف وصف الواحد بالجمع؟

قلت:إنّما صحّ ذلك،لأنّ«الكتاب»جملة ذات تفاصيل،و تفاصيل الشّيء هي جملته لا غير،أ لا تراك تقول:القرآن أسباع و أخماس و سور و آيات،و كذلك تقول:أقاصيص و أحكام و مواعظ مكرّرات.و نظيره قولك:الإنسان عظام و عروق و أعصاب،إلاّ أنّك تركت الموصوف إلى الصّفة،و أصله:كتابا متشابها فصولا مثاني.

و يجوز أن يكون كقولك:برمة أعشار و ثوب أخلاق.و يجوز أن لا يكون«مثاني»صفة و يكون منتصبا على التّمييز من(متشابها)كما تقول:رأيت رجلا حسنا شمائل،و المعنى:متشابهة مثانية.

فإن قلت:ما فائدة التّثنية و التّكرير؟

قلت:النّفوس أنفر شيء عن حديث الوعظ و النّصيحة،فما لم يكرّر عليها عودا من بدء لم يرسخ فيها

ص: 669

و لم يعمل عمله،و من ثمّ كانت عادة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يكرّر عليهم ما كان يعظ به و ينصح ثلاث مرّات و سبعا، ليركّزه في قلوبهم،و يغرسه في صدورهم.(3:395)

نحوه النّسفيّ(4:55)،و الشّربينيّ(3:443)، و أبو السّعود(5:389).

ابن عطيّة: (مثانى)معناه موضع تثنية للقصص و الأقضية،و المواعظ شتّى فيه،و لا تملّ مع ذلك، و لا يعرضها ما يعرض الحديث المعاد...و لا ينصرف «مثاني»لأنّه جمع،لا نظير له في الواحد.(4:527)

الفخر الرّازيّ: من صفات القرآن كونه(مثانى)، و قد بالغنا في تفسير هذه اللّفظة عند قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي الحجر:87،و بالجملة فأكثر الأشياء المذكورة وقعت زوجين زوجين،مثل:

الأمر و النّهي،و العامّ و الخاصّ،و المجمل و المفصّل، و أحوال السّماوات و الأرض،و الجنّة و النّار،و الظّلمة و الضّوء،و اللّوح و القلم،و الملائكة و الشّياطين،و العرش و الكرسيّ،و الوعد و الوعيد،و الرّجاء و الخوف، و المقصود منه بيان أنّ كلّ ما سوى الحقّ زوج،و يدلّ على أنّ كلّ شيء مبتلى بضدّه و نقيضه،و أنّ الفرد الأحد الحقّ هو اللّه سبحانه.(26:272)

نحوه النّيسابوريّ.(23:124)

البيضاويّ: جمع مثنى،أو مثنّى على ما مرّ في «الحجر»وصف به كتابا باعتبار تفاصيله،كقولك:

القرآن سور و آيات و الإنسان عظام و عروق و أعصاب.

أو جعل تمييزا من(متشابها)كقولك:رأيت رجلا حسنا شمائله.(2:321)

أبو حيّان: و قرأ الجمهور(مثانى)بفتح الياء، و هشام و ابن عامر و أبو بشر بسكون الياء.فاحتمل أن يكون خبر مبتدإ محذوف،و احتمل أن يكون منصوبا.

و سكّن الياء على قول من يسكّن الياء في كلّ الأحوال، لانكسار ما قبلها استثقالا للحركة عليها.

و«مثاني»يظهر أنّه جمع مثنى،و معناه موضع تثنية القصص و الأحكام و العقائد و الوعد و الوعيد.[ثمّ قال نحو ما تقدّم الزّمخشريّ](7:423)

ابن كثير :قال بعض العلماء:و يروى عن سفيان ابن عيينة معنى قوله تعالى: مُتَشابِهاً مَثانِيَ إنّ سياقات القرآن تارة تكون في معنى واحد فهذان من المتشابه،و تارة تكون بذكر الشّيء و ضدّه،كذكر المؤمنين ثمّ الكافرين و كصفة الجنّة ثمّ صفة النّار و ما أشبه هذا،فهذا من المثاني،كقوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ المطفّفين:22، وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:14،و كقوله عزّ و جلّ: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ المطفّفين:7،إلى أن قال: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18، هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49،إلى أن قال: هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص:55،و نحو هذا من السّياقات، فهذا كلّه من المثاني،أي في معنيين اثنين.

و أمّا إذا كان السّياق كلّه في معنى واحد يشبه بعضه بعضا فهو المتشابه،و ليس هذا من المتشابه المذكور في قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ آل عمران:7،ذاك معنى آخر.

(6:88)

ص: 670

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يصحّ أن يقال للقرآن:مثاني لما يثنّى و يتجدّد حالا فحالا من فوائده،كما جاء في نعته،و لا تنقضي عجائبه.

و يجوز أن يكون ذلك من«الثّناء»تنبيها على أنّه أبدا يظهر منه ما يدعو إلى الثّناء عليه و على من يتلوه و يعلمه و يعمل به،و على هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله:

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ الواقعة:77،و بالمجد في قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ البروج:21.

أو هو جمع«مثنى»بفتح الميم و إسكان الثّاء«مفعل» من التّثنية،بمعنى التّكرير و الإعادة،كما في قوله تعالى:

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ الملك:4،أي كرّة بعد كرّة.

أو جمع«مثنى»بضمّ الميم و سكون الثّاء و فتح النّون، أي مثنى عليه بالبلاغة و الإعجاز،حتّى قال بعضهم لبعض:أ لا سجدت لفصاحته؟

و يجوز أن يكون بكسر النّون،أي مثن عليّ بما هو أهله من صفاته العظمى.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»القرآن كتاب متشابه في اللّفظ،مثاني في المعنى من وجهين:

أحدهما:أنّ لكلّ لفظ منه معاني مختلفة،بعضها يتعلّق بلغة العرب،و بعضها يتعلّق بإشارات الحقّ، و بعضها يتعلّق بأحكام الشّرع،كمثل الصّلاة؛فإنّ معناها في اللّغة:الدّعاء،و في أحكام الشّرع عبارة عن هيآت و أركان و شرائط و حركات مخصوصة بها،و في إشارة الحقّ تعالى هي الرّجوع إلى اللّه،كما جاء روحه من الحضرة بالنّفخة الخاصّة إلى القالب،فإنّه عبّر على القيام الّذي يتعلّق بالسّماوات،ثمّ على الرّكوع الّذي يتعلّق بالحيوانات،ثمّ على السّجود الّذي يتعلّق بالنّباتات،ثمّ على التّشهّد الّذي يتعلّق بالمعادن.

فبالصّلاة يشير اللّه عزّ و جلّ إلى رجوع الرّوح إلى حضرة ربّه على طريق جاء منها،و لهذا قال النّبيّ عليه السّلام:

«الصّلاة معراج المؤمنين».

و الوجه الثّاني:أنّ لكلّ آية تشبّها بآية أخرى،من حيث صورة الألفاظ،و لكنّ المعاني و الإشارات و الأسرار و الحقائق مثاني فيها إلى ما لا ينتهي،و إلى هذا يشير بقوله: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً الكهف:109.

(8:97)

الشّوكانيّ: صفة أخرى ل(كتابا)أي تثنّى فيه القصص،و تتكرّر فيه المواعظ،و الأحكام.و قيل:يثنّى في التّلاوة،فلا يملّ سامعه و لا يسأم قارئه.

قرأ الجمهور(مثانى)بفتح الياء،و قرأ هشام عن ابن عامر،و بشر بسكونها تخفيفا،و استثقالا لتحريكها،أو على أنّها خبر مبتدإ محذوف،أي هو مثاني.[و نقل كلام الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و لا يخفى ما في كلامه هذا من التّكلّف،و البعد عن مقصود التّنزيل.(4:575)

الآلوسيّ: (مثانى)صفة أخرى ل(كتابا)أو حال أخرى منه،و هو جمع«مثنّى»بضمّ الميم و فتح النّون المشدّدة،على خلاف القياس؛إذ قياسه«مثنّيات»بمعنى مردّد و مكرّر لما كرّر و ثنّي من أحكامه و مواعظه و قصصه.و قيل:لأنّه يثنّى في التّلاوة.

و جوّز أن يكون جمع«مثنى»بالفتح مخفّفا،من التّثنية،بمعنى التّكرير و الإعادة،كما كان قوله تعالى:

ص: 671

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ الملك:4،بمعنى كرّة بعد كرّة، و كذلك لبّيك و سعديك.

و المراد أنّه جمع لمعنى التّكرير و الإعادة،كما ثنّي ما ذكر لذلك.

لكن استعمال«المثنّى»في هذا المعنى أكثر،لأنّه أوّل مراتب التّكرار.و يحتمل أن يراد أنّ«مثنّى»بمعنى التّكرير و الإعادة،كما أنّ صريح«المثنّى»كذلك في نحو كرّتين،ثمّ جمع للمبالغة.

و قيل:جمع«مثنية»لاشتمال آياته على الثّناء على اللّه تعالى،أو لأنّها تثني ببلاغتها و إعجازها على المتكلّم بها،و لا يخفى أنّ رعاية المناسبة مع(متشابها)تجعل ذلك مرجوحا،و أنّه حسن إذا حمل على«الثّناء»باعتبار الإعجاز.

و في«الكشف»:الأقيس بحسب اللّفظ أنّ(مثانى) اشتقّت من«الثّناء»أو«الثّنى»جمع مثنى«مفعل»منهما، إمّا بمعنى المصدر جمع لمّا صيّر صفة،أو بمعنى المكان في الأصل،نقل إلى الوصف مبالغة،نحو:أرض مأسدة،لأنّ محلّ الثّناء يقع على سبيل المجاز على الثّاني و المثنى عليه، و كذلك محلّ الثّنى،انتهى.[ثمّ أدام نحو النّسفيّ]

(23:258)

عزّة دروزة :(مثانى):جمع مثنى،و هي إمّا أن تكون من«التّثنية»بمعنى التّكرار و التّرديد مرّة بعد مرّة، و إمّا من«الثّناء»و كلاهما ممّا يتحمّله مفهوم الآية.

فالمعنى الأوّل يعني ما جاء الأسلوب القرآنيّ به من تكرار الوعظ و القصص و الأمثال و ترديدها.

و المعنى الثّاني يعني ما احتواه القرآن من صفات اللّه و أسمائه،و مشاهد قدرته،و تقرير استحقاقه للثّناء و الحمد.(5:74)

الطّباطبائيّ: (مثانى):جمع مثنية،بمعنى المعطوف لانعطاف بعض آياته على بعض،و رجوعه إليه بتبيّن بعضها ببعض،و تفسير بعضها لبعض من غير اختلاف فيها؛بحيث يدفع بعضه بعضا،و يناقضه كما قال تعالى:

أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82.(17:256)

عبد الكريم الخطيب :و المثاني:جمع مثنى؛و ذلك بما فيه من بيان للأمور و أضدادها كالإيمان و الكفر، و الحقّ و الباطل،و الهدى و الضّلال،و الخير و الشّرّ، و الحسنات و السّيّئات،و الجنّة و النّار.و القرآن الكريم في الحالين،هو على مستواه العالي من الكمال و الجلال، فالحديث عن الكفر مثلا،معجز إعجاز الحديث عن الإيمان،لأنّ هذا و ذاك من كلام اللّه.(12:1144)

فضل اللّه :(مثانى):جمع مثنى أو مثنية،قيل:إنّه بمعنى المعطوف،لانعطاف بعضه على بعض،و رجوعه إليها بتبيّن بعضها ببعض،و تفسير بعضها ببعض.

و قيل:إنّه عبارة عن المعاني الثّنائيّة،كالأمر و النّهي،و الوعد و الوعيد،فلا تقف مفاهيمه و لا تتجمّد في جانب واحد،بل تتحرّك في الأمثال و الأضداد، لتحتوي كلّ مواقع القضايا العامّة في الكون و الإنسان و الحياة،لتأمر بما يحقّق المصلحة،و تنهى عمّا يشتمل على مفسدة.

و قيل:إنّ المراد بالمثاني هنا:إيراد المعنى بأكثر من أسلوب.(19:324)

ص: 672

مكارم الشّيرازيّ: هذه الكلمة تشير إلى تكرار بحوثه المختلفة و قصصه و مواعظه،التّكرار الّذي لا يملّ منه الإنسان،و إنّما على العكس من ذلك؛إذ يتشوّق لتلاوته أكثر.

و هذا أحد أسس الفصاحة؛إذ يعمد الإنسان أحيانا إلى التّكرار و بصور مختلفة و أساليب متنوّعة؛و ذلك إذا أراد التّأكيد على أمر ما،و جلب الانتباه إليه و التّأثّر به، كي لا يملّ السّامع أو يضجر منه.

إضافة إلى أنّ مواضيع القرآن المكرّرة تفسّر إحداها الأخرى،و تحلّ الكثير من ألغازه عن هذا الطّريق.

بعضهم اعتبرها إشارة إلى تكرار تلاوة القرآن و بقائه غضّا طريّا،من جرّاء تكرار تلاوته.

و البعض الآخر اعتبرها إشارة إلى تكرار نزول القرآن،فمرّة نزل دفعة واحدة على صدر الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،و ذلك في ليلة القدر،و مرّة أخرى بصورة تدريجيّة استمرّت لفترة(23)عاما.

و من المحتمل أن يكون المراد من«التّكرار»هو ملاءمة القرآن لكلّ زمان،و انكشاف بعض الأمور الغيبيّة فيه بمرور السّنوات.

و التّفسير الأوّل أنسب من بقيّة التّفاسير،رغم عدم وجود أيّ تعارض بين الجميع،بل من الممكن أن تكون جميعها صحيحة.(15:61)

يستثنون

إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ. القلم:17،18

ابن عبّاس: لم يقولوا:إن شاء اللّه.(481)

مثله مجاهد(ابن عطيّة 5:349)،و القشيريّ(6:

187)،و الواحديّ(4:337)،و البغويّ(5:138)، و الميبديّ(10:193)،و القرطبيّ(18:240).و نحوه الفرّاء(3:175)،و الطّبريّ(29:29)،و الزّجّاج(5:

207).

عكرمة :أي لا يستثنون حقّ المساكين.

(القرطبيّ 18:241)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:[قول عكرمة المتقدّم]

الثّاني:استثناؤهم قول:سبحان ربّنا،قاله أبو صالح.

الثّالث:قول:إن شاء اللّه.(6:67)

الطّوسيّ: معناه لم يقولوا:إن شاء اللّه.فقول القائل:«لأفعلنّ كذا إلاّ أن يشاء اللّه»استثناء،و معناه:

إن شاء اللّه منعي،أو تمكين مانعي.(10:79)

نحوه الطّبرسيّ.(5:336)

الزّمخشريّ: و لا يقولون:إن شاء اللّه.

فإن قلت:لم سمّي استثناء و إنّما هو شرط؟

قلت:لأنّه يؤدّي مؤدّى الاستثناء،من حيث إنّ معنى قولك:لأخرجنّ إن شاء اللّه،و لا أخرج إلاّ أن يشاء اللّه،واحد.(6:287)

نحوه النّسفيّ(4:281)،و أبو السّعود(5:185)، و الرّازيّ(352)،و الشّربينيّ(4:358).

ابن عطيّة: و لا يتوقّفون في ذلك،أو و لا ينثنون عن رأي منع المساكين.(5:349)

نحوه أبو حيّان.(8:312)

ص: 673

الفخر الرّازيّ: يعني و لم يقولوا:إن شاء اللّه،هذا قول جماعة المفسّرين،يقال:حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا و لا ثنوى و لا ثنيّة و لا مثنويّة و لا استثناء،كلّه واحد.و أصل هذا كلّه من«الثّني»و هو الكفّ و الرّدّ؛ و ذلك أنّ الحالف إذا قال:«و اللّه لأفعلنّ كذا إلاّ أن يشاء اللّه غيره»فقد ردّ انعقاد ذلك اليمين.

و اختلفوا في قوله: (وَ لا يَسْتَثْنُونَ) فالأكثرون أنّهم إنّما لم يستثنوا بمشيئة اللّه تعالى،لأنّهم كانوا كالواثقين بأنّهم يتمكّنون من ذلك لا محالة.

و قال آخرون:بل المراد أنّهم يصرمون كلّ ذلك و لا يستثنون للمساكين،من جملة ذلك القدر الّذي كان يدفعه أبوهم إلى المساكين.(30:87)

نحوه النّيسابوريّ.(29:22)

البيضاويّ: و لا يقولون:إن شاء اللّه،و إنّما سمّاه استثناء لما فيه من الإخراج،غير أنّ المخرج به خلاف المذكور و المخرج بالاستثناء عينه،أو لأنّ معنى:لا أخرج إن شاء اللّه،و لا أخرج إلاّ أن يشاء اللّه،واحد.أو و لا يستثنون حصّة المساكين،كما كان يخرج أبوهم.

(2:495)

البروسويّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و الجملة مستأنفة أو حال بعد حال،لعلّ إيراده بعد إيراد إقسامهم على فعل مضمر لمقصودهم،مستنكر عند أرباب المروّة و أصحاب الفتوّة،لقبيح شأنهم بذكر السّببين لحرمانهم و إن كان أحدهما كافيا فيه.لكن ذكر الإقسام على أمر مستنكر أوّلا و جعل ترك الاستثناء حالا منه،يفيد أصالته و قوّته في انقضاء الحرمان.

و الأظهر أنّ المعنى:و لا يستثنون حصّة المساكين،أي لا يميّزونها و لا يخرجونها،كما كان يفعله أبوهم.

قال في«تاج المصادر»:الاستثناء قول:إن شاء اللّه، و الباب يدلّ على تكرير الشّيء مرّتين أو جعله شيئين متواليين أو متباينين،و الاستثناء من قياس الباب؛ و ذلك أنّ ذكره يثنّى مرّة في الجملة و مرّة في التّفصيل، لأنّك إذا قلت:خرج النّاس،ففي النّاس زيد و عمرو، فإذا قلت:إلاّ زيدا فقد ذكرت زيدا مرّة أخرى ذكرا ظاهرا،انتهى.

قال الرّاغب: الاستثناء:إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدّم،أو يقتضي رفع حكم اللّفظ كما هو،فمن الأوّل قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً الأنعام:145،و من الثّاني قوله (1):لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه،و عبده عتيق و امرأته طالق إن شاء اللّه.

(10:115)

الآلوسيّ: [نقل كلام الطّوسيّ و الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قيل:أي و لا يثنون عمّا همّوا به من منع المساكين، و الظّاهر على القولين عطفه على(اقسموا)فمقتضى الظّاهر«و ما استثنوا».و كأنّه إنّما عدل عنه إليه استحضارا للصّورة لما فيها نوع غرابة،لأنّ اللاّئق في الحلف على ما يلزم منه ترك طاعة الاستثناء.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن البروسويّ](29:30)

القاسميّ: قال المهايميّ:أي و لا يخرجون شيئا منل.

ص: 674


1- يعني قول القائل.

حقّ المساكين،و اقتصر عليه.و حكاه الرّازيّ و القاضي قولا ثانيا.و الأوّل أنّ معناه:و لا يقولون:إن شاء اللّه.

و اقتصر عليه ابن جرير،و الأوّل أظهر.و الاستثناء بمعنى الإخراج الحسّيّ،و الجملة معطوفة على لَيَصْرِمُنَّها و مقسم عليها.(16:5897)

الطّباطبائيّ: لم يقولوا:إلاّ أن يشاء اللّه،اعتمادا على أنفسهم،و اتّكاء على ظاهر الأسباب.أو المعنى قالوا:و هم لا يعزلون نصيبا من ثمارهم للفقراء و المساكين.(19:374)

فضل اللّه : (وَ لا يَسْتَثْنُونَ) في ما قد يحدث من بعض الطّوارئ الّتي تمنعهم من ذلك،كما يفعل بعض النّاس عند ما يتحدّثون عن أيّ عمل يريدون القيام به في المستقبل،فيقولون:سنفعل ذلك إن شاء اللّه،أو إلاّ أن يشاء اللّه خلافه.

و ربّما كان المعنى أنّهم لم يعتبروا في اتّفاقهم نصيبا للفقراء و المساكين ليعزلوه لهم،ليكون استثناء من حصّتهم.و هكذا عاشوا التّمنّيات الصّباحيّة في ليلهم الأسود،في ثقة كبيرة بأنّهم سوف يبلغون ما يريدونه، فيقطفون ثمار هذه الجنّة،ليحصلوا منها على المال الوفير.

(23:49)

مكارم الشّيرازيّ: أي لا يتركون منها شيئا للمحتاجين.

و عند التّدقيق في قرارهم هذا،يتّضح لنا أنّ تصميمهم هذا لم يكن بلحاظ الحاجة أو الفاقة،بل إنّه ناشئ عن البخل و ضعف الإيمان،و اهتزاز الثّقة باللّه سبحانه،لأنّ الإنسان مهما كانت حاجته شديدة،فإنّه يستطيع أن يترك للفقراء شيئا ممّا أعطاه اللّه.

و يقول بعضهم:إنّ المقصود من عدم الاستثناء هو عدم قولهم:إلاّ أن يشاء اللّه،حيث كان الغرور مسيطرا عليهم،ممّا حدا بهم إلى أن يقولوا:غدا سنذهب و نفعل ذلك،معتبرين الأمر مختصّا بهم،و غافلين عن مشيئة اللّه،و لذا لم يقولوا:إن شاء اللّه.إلاّ أنّ الرّأي الأوّل أصحّ.

(18:491)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «الثّاني»على أربعة أوجه:الكبر و الإعراض،ثاني العدد،المثاني،الإخفاء و الكتمان.

فوجه منها:ثاني،قوله: ثانِيَ عِطْفِهِ الحجّ:9، يعني يلوي عنقه.

و الوجه الثّاني:الثّاني هو الثّاني من العدد،قوله:

ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ التّوبة:40.

و الوجه الثّالث:مثاني ممّا يثنّى،قال اللّه عزّ و جلّ:

سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي الحجر:87،أي ممّا يثنّى في كلّ ركعة.

و الوجه الرّابع:الكتمان و الإخفاء،قوله: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ هود:5،يعني يخفون العداوة في صدورهم.(207)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الثّني،أي الضّعف و الانعطاف،و الجمع:أثناء،يقال:ثنى الشّيء يثنيه ثنيا، أي ردّ بعضه على بعض و عطفه،و قد تثنّى و انثنى،و ثنى

ص: 675

رجله عن دابّته:ضمّها إلى فخذه فنزل،و جاء الفارس ثاني العنان:ثنى عنق دابّته عند شدّة حضره،و جاء الفرس سابقا ثانيا:جاء و قد ثنى عنقه نشاطا.

و شاة ثانية بيّنة الثّني:تثني عنقها لغير علّة،و مثاني الدّابّة:ركبتاها و مرفقاها،و ثني الحيّة:انثناؤها،و هو ما تعوّج منها إذا تثنّت،و ثني الثّوب:ما كفّ من أطرافه، و ثني الحبل:ما تثنّى،و ثني الوادي:منعطفه و منعرجه، و الثّنيّة في الجبل:العقبة فيه،و الجمع:ثنايا،يقال:فلان طلاّع الثّنايا،إذا كان ساميا لمعالي الأمور،و أثناء الوشاح:ما انثنى منه،و ثني الشّيء:قوّته و طاقته،و هو مثناه و مثناه أيضا.

و الثّني:الانحناء و الانطواء،يقال:ثنى صدره على كذا،أي طواه عليه و ستره،و اثنونى(افعوعل)صدره على البغضاء،أي انحنى و انطوى.

و الثّني:ضمّ واحد إلى واحد،يقال:ثنّى الرّجل بالأمر الثّاني يثنّي تثنية،أي فعل أمرا ثمّ ضمّ إليه أمرا آخر،و شربت اثني هذا القدح،أي اثنين مثله.

و الاثنان:ضعف الواحد،و المؤنّث الاثنتان و الثّنتان، يقال:فلان ثاني اثنين،أي هو أحدهما،و ثاني واحد و ثان واحدا،أي ثنّى واحدا،و ثالث اثنين و ثالث اثنين، و ثنّيته:صرت له ثانيا،و ثنّى الشّيء:جعله اثنين، و فلان لا يثني و لا يثلث،أي هو رجل كبير،فإذا أراد النّهوض لم يقدر في مرّة و لا مرّتين و لا في الثّالثة.

و الاثنان:اسم اليوم الثّاني من أيّام الأسبوع، و الجمع:الأثناء و الثّنيّ،يقال:إنّ فلانا ليصوم الأثناء، و ليصوم الثّنيّ،و لا تكن اثنويّا،أي ممّن يصوم الاثنين وحده.

و المثنى:الاثنان،يقال:جاء القوم مثنى مثنى، و الجمع:المثاني،و المثاني من القرآن:ما ثنّي مرّة بعد مرّة، و مثنى الأيادي:أن يعيد الرّجل معروفه مرّتين أو ثلاثا.

و الثّنى من النّوق:الّتي ولدت اثنين،و ولدها الثّاني ثنيها،و كذلك المرأة،و الجمع:ثناء.

و الثّني من الرّجال:بعد السّيّد،و هو الثّنى و الثّني و الثّنيان،و الجمع:ثنية.

و الثّنى أيضا:الأمر يعاد مرّتين،و الثّنى في الصّدقة:

أخذها في العام مرّتين.

و المثنى و المثناة و المثناة:حبل من صوف أو شعر، و هو الثّنانة و الثّناء.

و الثّنيّة:واحدة الثّنايا من السّنّ،و هي أربع في مقدّم الفم:ثنتان من فوق،و ثنتان من أسفل.

و الثّنيّ من الإبل:الّذي يلقي ثنيّته،و ذلك في السّادسة،يقال:أثنى البعير،أي صار ثنيّا،و من ذي الظّلف و الحافر في السّنة الثّالثة،و الجمع:ثناء و ثناء و ثنيان.

و الثّناء:وصف الإنسان من مدح أو ذمّ،و خصّ بعضهم به المدح و هو يكرّر و يثنّى غالبا،يقال:أثنيت عليه،و قد طار ثناء فلان:ذهب في النّاس،و فلان به تثنى الخناصر،أي تحنى في أوّل من يعدّ و يذكر.

و الثّني:الصّرف،يقال:ثنيته عن حاجته،أي صرفته عنها،و فلان لا يثنى عن قرنه و لا عن وجهه،أي لا يصرف عن وجهه.

و الاستثناء:إخراج الشّيء من الشّيء،فيذكر في

ص: 676

الجملة،ثمّ في التّفصيل ثانية.

2-و المثنويّ من الشّعر:ما كان فيه كلّ شطرين بقافية واحدة،مثل شعر جلال الدّين الرّوميّ-المتوفّى عام 672 ه-في ديوانه المسمّى بهذا الاسم،و قد نظّمه في التّصوّف و العرفان،و ترجمه إلى العربيّة السّيّد عبد العزيز صاحب«الجواهر»،و أسماه«جواهر الآثار»،و قد بادرت جامعة طهران إلى طبعه في أربعة أجزاء بحجم كبير.و بدأ مولانا محمّد بن محمّد بن حسين الرّوميّ البلخيّ مثنويّه بقوله:

بشنو از نى چون حكايت مى كند

از جدايى ها شكايت مى كند

فترجمه عبد العزيز على النّحو التّالي:

بادر النّاي استمع كيف حكى

قصص العشق من الهجر شكى

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت 23 مرّة:فعلا مرّتين و اسما 21 مرّة:

1- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ هود:5

2- إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ

القلم:17،18

3- ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ الحجّ:9

4- ...إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التّوبة:40

5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ... المائدة:106

6-7- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

الأنعام:143،144

8- حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ هود:40

9- فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ المؤمنون:27

10- وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

الرّعد:3

ص: 677

11- وَ قالَ اللّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ النّحل:51

12- يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ... النّساء:11

13- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ... النّساء:176

14- قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ

المؤمن:11

15- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ... التّوبة:36

16- وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً... المائدة:12

17- وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً...

الأعراف:160

18- وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ البقرة:60

19- وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا النّساء:3

20- اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فاطر:1

21- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ سبأ:46

22- وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الحجر:87

23- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ... الزّمر:23

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل منها جاء في(1)من المجرّد مضارعا في القراءة المشهورة: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ، و في(2)من(الاستفعال)مضارعا أيضا: (وَ لا يَسْتَثْنُونَ) بمعنيين مختلفين تماما.و جاء اسم الفاعل وصفا،و سائر الكلمات كلّها أعداد بألفاظ مختلفة،و يقع الكلام هنا في أربعة محاور:

المحور الأوّل(1):و فيه جهات من البحث:

الأولى:اختلفت القرّاء في يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ اختلافا فاحشا،قلّ نظيره في القرآن،فقد أنهاها أبو حيّان إلى عشر قراءات،و خرجت بعضها عن مادّة «ث ن ي»،لاحظ النّصوص،و لا سيّما نصّ أبي حيّان، و نكتفي هنا بقراءة واحدة مشهورة،عدّها الطّبريّ

ص: 678

«قراءة الأمصار»،و اختارها لإجماع الحجّة من القرّاء عليها،و عبّر عنها أبو حيّان و العكبريّ ب«قراءة الجمهور».و أمّا هذه القراءة فهي يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ بفتح الياء من(يثنون)و نصب(صدورهم)مفعولا للفعل.

الثّانية:تعني مادّة«ث ن ي»في الأصل-كما سبق- العطف و الطّيّ،و قد فسّروها في الآية تارة حسب ظاهر اللّغة،أي طووا صدورهم على بطونهم،و أخرى تجوّزا كناية عن طيّ و إخفاء بغضهم و كفرهم في قلوبهم.

و توضيحها أنّ قبلها الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ... وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ* إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ثمّ قال: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ هود:1-5،فهناك ذكر للكتاب و للّه و للرّسول،لأنّ سياقها أنّ النّبيّ نذير و بشير لهم من اللّه،و أنّه قال لهم: وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ....

و أنّهم كانوا إذا تلا النّبيّ عليهم الكتاب و أنذرهم و بشّرهم،كانوا يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ، أي كانوا يطأطئون رءوسهم،و يعطفون صدورهم على بطونهم،ليستخفوا من النّبيّ و في نفس الوقت كانوا يستغشون ثيابهم إمعانا في الاستخفاء منه،لئلاّ يراهم يستمعون إليه،و إشعارا بأنّهم لا يسمعون كلامه بتاتا.

فسياقها سياق قول نوح: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً نوح:7.

قال قتادة:«كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب اللّه...و ذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره،و استغشى بثوبه،و أضمر همّه في نفسه،فإنّ اللّه لا يخفى ذلك عليه».و قال ابن عطيّة:«تطامنوا و ثنوا صدورهم كالمستتر،و ردّوا إليه ظهورهم،و غشّوا وجوههم بثيابهم،تباعدا عنه،و كراهة للقائه،و هم يظنّون أنّ ذلك يخفى عليه و على اللّه».و نظيرها قوله:

(ثانى عطفه)،كما يأتي في المحور الثّالث.

و عليه فالضّمير في(منه)يرجع إلى النّبيّ،و العجب من الطّبريّ!حيث أرجعه إلى اللّه،ظنّا منه أنّه لم يجر لمحمّد ذكر،رغم أنّه ذكر مرّتين: إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ و فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ.

و قد فسّرها كثير منهم تجوّزا و استعارة بأنّهم يسرّون في صدورهم بغضهم للنّبيّ و كفرهم به،أو ينحرفون عن الحقّ؛قال الزّمخشريّ:«يزوّرون عن الحقّ،و ينحرفون عنه،لأنّ من أقبل على الشّيء استقبله بصدره،و من ازورّ عنه و انحرف،ثنى عنه صدره،و طوى عنه كشحه».و قال ابن عطيّة:«و قيل:

هي استعارة للغلّ و الحقد الّذي كانوا ينطوون عليه،كما تقول:فلان يطوي كشحه على عداوته،و يثني صدره عليها.فمعنى الآية ألا إنّهم يسرّون العداوة،و يتكتّمون بها،لتخفى في ظنّهم عن اللّه،و هو تعالى حين تغشّيهم ثيابهم و إبلاغهم في التّستّر يعلم ما يسرّون»،و هذا أحد الوجهين عند الفخر الرّازيّ.

و عندنا أنّ الوجه الأوّل أولى بالسّياق،و أنّ سياقه

ص: 679

سياق قول نوح و قد سبق.كما أنّ حمل الآيات على ظاهرها ما أمكن أولى من حملها على الكناية و المجاز، و يشهد به قوله: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ، أي إذا طووا صدورهم، و استغشوا ثيابهم،ليستخفوا من الرّسول،فاللّه يعلم ما يسرّون في قلوبهم و ما يعلنون.و نصّ رشيد رضا أوفى ببيان المراد،فلاحظ.

الثّالثة:كلّ من حمل الآية على ظاهر اللّغة فسّر يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ بانحنائها و عطفها على البطون قدما،و أرجع الضّمير في«منه»إلى اللّه أو النّبيّ.و اختصّ الطّباطبائيّ بقوله:«إنّهم يميلون بصدورهم إلى خلف، و يطأطئون رءوسهم،ليتخفّوا من الكتاب،أي من استماعه حين تلاوته...»،أنّهم عكسوا،فردّوا صدورهم إلى خلفهم،و هذا لا يوافق قوله:«و يطأطئون رءوسهم»،إلاّ أن يريد يميلون ظهورهم إلى الخلف.ثمّ قوله:«ليتخفّوا من الكتاب»إرجاع للضّمير إلى الأبعد دون الأقرب،رغم أنّه لا معنى للاستخفاء من الكتاب، إلاّ بتكلّف لا يقبله الذّوق السّليم.

المحور الثّاني(2):(و لا يستثنون)،و فيه بحوث:

الأوّل:ذكروا له معنيين:1-لم يقولوا:«إن شاء اللّه»،و نسبه الرّازيّ إلى جماعة من المفسّرين.

2-لم يستثنوا من ثمار الجنّة شيئا للفقراء.

و للاستثناء بالمعنى الأوّل شواهد في القرآن،فقد أمر اللّه به في قوله: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ الكهف:23،24،فعمل اللّه به و الأنبياء:في آيات:

قال اللّه: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ... الفتح:27.

و قال إسماعيل لأبيه لمّا اقترح عليه ذبحه: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ الصّافّات:102.

و قال شعيب لموسى لمّا أراد أن يستأجره:

وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ القصص:27.

و قال موسى للخضر:لمّا أراد أن يلازمه: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً الكهف:69.

و قال بنو إسرائيل لموسى: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ البقرة:70.

و قال يوسف لإخوته: اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ يوسف:99.

الثّاني:اختلفوا في وجه تسمية قول:«إن شاء اللّه» استثناء،فقال الطّبرسيّ:أصل الثّني العطف،نقول:ثنيته من كذا،أي عطفته،و منه:الاثنان،لعطف أحدهما على الآخر في المعنى،و منه:الثّناء،لعطف المناقب في المدح، و منه:الاستثناء،لأنّه عطف عليه بالإخراج منه.

و قال الطّوسيّ: قول القائل:لأفعلنّ كذا إلاّ أن يشاء اللّه استثناء،و معناه إن شاء منعني أو يمكّن مانعي،و مثله الطّبرسيّ.

و قال الزّمخشريّ: لأنّه يؤدّي مؤدّى الاستثناء،من حيث إنّ معنى قولك:لأخرجنّ إن شاء اللّه،و لا أخرج إلاّ أن يشاء اللّه،واحد.

و قال الفخر الرّازيّ: و أصل هذا من الثّني،و هو

ص: 680

الكفّ و الرّدّ،و ذلك أنّ الحالف إذا قال:و اللّه لأفعلنّ كذا إلاّ أن يشاء اللّه غيره،فقد ردّ انعقاد ذلك اليمين.

و قال البيضاويّ: و إنّما سمّاه استثناء لما فيه من الإخراج،غير أنّ المخرج به خلاف المذكور،و المخرج بالاستثناء عينه،ثمّ ذكر ما قاله الزّمخشريّ.

و الرّأي عندنا أنّ هذه الجملة تأتي غالبا مع«إلاّ» الاستثنائيّة،كما أمر اللّه: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ، أي أن تقولوا: إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ، فهذا من قبيل استعمال العامّ في بعض أفراده، و قد غلب عليه في الشّريعة تبعا لهذه الآية.

الثّالث:و أمّا وجه تسمية«إلاّ كذا»استثناء فعن الطّبرسيّ:لأنّه عطف عليه بالإخراج منه.

و عن«تاج المصادر»:أنّ الباب يدلّ على تكرير الشّيء مرّتين،أو جعله شيئين متواليين أو متباينين، و الاستثناء من قياس الباب؛و ذلك أنّ ذكره يثنّى مرّة في الجملة و مرّة في التّفصيل،لأنّك إذا قلت:خرج النّاس، ففي النّاس زيد و عمرو،فإذا قلت:إلاّ زيدا،فقد ذكرت زيدا مرّة أخرى ذكرا ظاهرا.

و عن الرّاغب:الاستثناء:إيراد لفظ رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدّم،أو يقتضي رفع حكم اللّفظ، كما هو.

فيدور الأمر في تسميته«استثناء»بين كونه عطفا، أو تكرارا،أو رفعا لما قبله،و المناسب لمادّة«ث ن ي» هو الأوّل ثمّ الثّاني،و الرّاغب إنّما فسّر معناه الاصطلاحيّ،و لم يشر إلى وجه تسميته به.

الرّابع:تعليق العبد فعله المستقبل على مشيئة اللّه بيان للواقع،فإنّ الأمور كلّها بيد اللّه و موكولة إلى مشيئته،و قد دلّت عليه الآيات الكثيرة،فلاحظ«ش ي أ».

فهذا رمز التّوحيد العمليّ،فإذا قال العبد:إنّي فاعل كذا غدا،و لم يقل:إن شاء اللّه،فقد اعتمد على نفسه،و اتّكأ على ظاهر الأسباب،و لم يجعل للّه دخلا فيما سيفعله،مع أنّ الأسباب ليست كلّها بيده،بل هي تجري حسب مشيئة اللّه دائما،كما قال الشّاعر:

*تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن*

فالاستثناء شعار توحيديّ تماما.

و قال الفخر الرّازيّ: «إنّما لم يستثنوا بمشيئة اللّه،لأنّهم كانوا كالواثقين بأنّهم يتمكّنون من ذلك لا محالة».

الخامس:و أمّا تفسير (وَ لا يَسْتَثْنُونَ) بأن لا يستثنون للفقراء سهما،فقد حكي عن عكرمة أوّلا، ثمّ تبعه الآخرون،فذكروه وجها من الوجوه غير قاطعين به،و إنّما رجّحه بعض المتأخّرين،أمّا الطّبريّ فاقتصر على القول الأوّل.و ذكر الماورديّ وجها ثالثا نقلا عن أبي صالح،و هو قول:«سبحان اللّه ربّنا»و له شاهد من القرآن،فقد جاء في ذيل القصّة في سورة القلم (26-29): فَلَمّا رَأَوْها قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ* قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ كما أنّ في الآيات (23-25)شاهدا على القول الثّاني أيضا: فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ. و كذا تشعر به الآيات(12-14)قبلها مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ* أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ.

ص: 681

السّادس:و لعلّ ما يحلّ المشكلة هو لحاظ قصّة أصحاب الجنّة المذكورة في القرآن و التّفسير:

أمّا القرآن فقد جاء في الكهف(32-43)ابتداء من وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ و انتهاء ب وَ ما كانَ مُنْتَصِراً. و قد اغترّ صاحب الجنّتين بهما،و أنكر قيام السّاعة،فقال له صاحبه و هو يحاوره ردّا عليه كفره و شركه قائلا له: وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللّهُ...، وَ أُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً.

فيحتمل أن تكون آيات سورة القلم إشارة إلى ما في هذه الآيات من سورة الكهف،و يؤيّده أنّ وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللّهُ... هو نوع استثناء و توكيل لأمر الجنّة على اللّه.

و أمّا التّفسير فقد روى الطّبرسيّ(5:336)عن سعيد بن جبير أنّ هذه الجنّة-الّتي في سورة القلم- حديقة كانت باليمن في قرية يقال لها:«صروان»،بينها و بين صنعاء اثنا عشر ميلا،و كانت لشيخ كان يملك منها قدر كفايته و كفاية أهله،و يتصدّق بالباقي.فلمّا مات قال بنوه:نحن أحقّ بها لكثرة عيالنا،و لا يسعنا أن نفعل كما فعل أبونا،و عزموا على حرمان المساكين،فصارت عاقبتهم إلى ما قصّ اللّه في كتابه،و هو قوله: إِذْ أَقْسَمُوا أي حلفوا و تعاهدوا فيما بينهم لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ فالآيات في سورة الكهف تؤيّد الرّأي الأوّل،و هذه الآيات تؤيّد الرّأي الثّاني.

السّابع:و في إعراب (وَ لا يَسْتَثْنُونَ) خلاف،فعند القاسميّ أنّه عطف على (لَيَصْرِمُنَّها) في قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ، و أنّه جزء من المقسم عليها،أي أقسموا ليصرمنّها و لا يستثنون.

و عند البروسويّ أنّ الجملة مستأنفة،أو حال بعد حال،أي هي عطف على(مصبحين)،لأنّه حال أيضا، و قال:«و جعل ترك الاستثناء حالا منه يفيد أصالته و قوّته في اقتضاء الحرمان».

و استظهر الآلوسيّ: «أنّها-على القولين في معنى الجملة-عطف على(اقسموا)،أي أقسموا و لم يستثنوا، و أنّه إنّما عدل عن الإقسام إلى ترك الاستثناء استحضارا للصّورة،لما فيها نوع غرابة،لأنّ اللاّئق في الحالف على ما يلزم منه ترك طاعة الاستثناء».

فدار الأمر في إعرابه بين أربعة وجوه:عطف على (اقسموا)أو على(ليصرمنّها)أو على(مصبحين)،أو استئناف.و عندنا أنّ الاستئناف لا وجه له مع ظهور «الواو»في العطف،و أنّه لا معنى للاستئناف في سرد القصّة.و الأولى عطفه على(اقسموا)،لأنّها أوّل القصّة، و ذيلها تبع لها،و أولى منه كونها حالا من(اقسموا)بكلا معنييه،أي أقسموا تاركين الاستثناء،و هذا أمسّ و أنسب بالمعنى الأوّل.

المحور الثّالث(3): ثانِيَ عِطْفِهِ، و فيه بحوث:

1-في معناه قولان أيضا،كما مضى في يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ، فحمله بعضهم على ظاهره،أي ثنى عنقه أو منكبه أو جانبه،لاحظ(ع ط ف).و جعله بعضهم استعارة عن كبره و إعراضه عن الحقّ،و قد أرجعهما

ص: 682

الطّبريّ إلى معنى واحد.

قال الرّضيّ في توجيه الاستعارة: «لأنّ المستقبل لسماع الشّيء الّذي لا يلائمه في الأكثر يصرف دونه بصره،و يثني عنه عنقه».و قال الزّمخشريّ:«ثني العطف:عبارة عن الكبر و الخيلاء،كتصعير الخدّ وليّ الجيد».و قال ابن عطيّة:«و ذلك أنّ صاحب الكبر يردّ وجهه عمّا يتكبّر عنه،فهو يردّ وجهه،و يصعّر خدّه، و يولّي صفحته،و يلوي عنقه،و يثني عطفه،و هذه عبارات المفسّرين».و قال القرطبيّ:«ثنى فلان عنّي عطفه،إذا أعرض عنك،فالمعنى أي هو معرض عن الحقّ في جداله،و مولّ عن النّظر في كلامه،و هو كقوله:

وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها لقمان:7،و لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ المنافقون:5،و أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ الإسراء:83،و ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى القيامة:

33.و قال الطّباطبائيّ:«كناية عن الإعراض،كأنّ المعرض يكسر أحد جانبيه على الآخر».

و يبدو أنّ أنصار الرّأي الثّاني في هذه الآية أقوى بيانا و أصلب عودا.

2-هناك وجه اشتراك و افتراق بين هذه الآية و آية يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ، فكلاهما نزلت بشأن المنكرين للحقّ من هذه الأمّة.و قد مضى أنّ تلك الآية جاءت في شأن الّذين أعرضوا عن استماع الكتاب،و ثنوا صدورهم،ليستخفوا عن النّبيّ عليه السّلام.و جاءت هذه الآية في الّذين يجادلون في اللّه بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير،فيثنون أعطافهم،ليضلّوا عن سبيل اللّه.و لسانها أشقّ و أعتى من الأوّل،لأنّهم كانوا يعرضون هناك،لئلاّ يسمعوا كلام اللّه،و هنا يعرضون ليجادلوا الحقّ، و ليضلّوا الآخرين عن سبيل اللّه.و لهذا اختلفتا في التّعبير،فثني الصّدور في الأوّل ذريعة لعدم السّماع،و ثني العطف في الثّاني ذريعة لردّ الحقّ و إضلال الآخرين.

فالأوّل يصوّر حالة الإعراض و الفرار،و الثّاني يصوّر حالة الهجوم و الخصام.

3-قالوا في إعراب (ثانِيَ عِطْفِهِ) :إنّه حال عن ضمير الفاعل في(من يجادل)،أي يجادل و هو ثان عطفه، إعراضا و استكبارا؛قال ابن عطيّة:«و لا يجوز أن تكون حالا من(من)،لأنّها ابتداء،و الابتداء إنّما عمله الرّفع لا النّصب».

4-قال الزّجّاج:الإضافة معناها التّنوين،أي ثانيا عطفه،و قال ابن عطيّة:«اضافة غير معتدّ بها،لأنّها في معنى الانفصال؛إذ تقديرها ثانيا عطفه».و يظهر منهما أنّهما لم يريا في هذه الإضافة وجها؛حيث لم يعتدّا بها.

و عندنا أنّ الإضافة تصوّر لنا اتّصال إعراضه بجداله أشدّ ممّا لو جاء منفصلا عنه،فإنّ الحال يصوّر دائما حالة الفاعل حين صدور الفعل منه،و الإضافة تشدّد هذه الحالة،فلها معنى لا ينبغي إهماله.

5-عدّ أبو السّعود و الآلوسيّ (ثانِيَ عِطْفِهِ) حالا بعد حال،زعما منهما أنّ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ حال عن(يجادل)،أي أنّه يجادل حال كونه بغير علم...و حال كونه ثانيا عطفه.و عندنا أنّ(بغير علم) ليس حالا عنه،بل هو متعلّق به تعلّق الجار و المجرور بالفعل،مثل: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5،و جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،

ص: 683

فمعنى«يجادل بغير علم»يجادل بما لا يعلم أنّه حقّ، فلاحظ.

المحور الرّابع:العدد:(4-23)،و فيه ثمانية ألفاظ:

الأوّل: (ثانِيَ اثْنَيْنِ) في(4)،و قد جاءت في قصّة الغار عند هجرة النّبيّ مع صاحبه إلى يثرب خائفا، يترقّب كلّ خطر و ضرر ينزل به،ممثّلة لغربته،و خطورة موقفه،و عتابا لمن لم ينصره في غزوة تبوك،أو تثاقل في ذلك،و حاد عن الحرب،فقال: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا...، و فيه بحوث:

1-قالوا في ثانِيَ اثْنَيْنِ -و في أمثاله من سائر الأعداد-أي أحد اثنين،أي لم يكن معهما أحد و النّبيّ ثانيهما،فنصره اللّه.و سياق الآية يفيد غربته؛إذ أخرجوه ملتجئا إلى الغار،و لم يكن له ناصر فيه إلاّ صاحبه الّذي غلب عليه الحزن ممّا أصابهما،حتّى سلاّه النّبيّ بقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا. و أنزل اللّه في هذه الحال سكينته عليه،و أيّده بجنود لم يراها أحد...

2- ثانِيَ اثْنَيْنِ منصوب على أنّه حال من ضمير المفعول في(اخرجه)،أي نصره اللّه و هو ثاني اثنين، لم يكن معهما ثالث.و قيل:حال من محذوف،أي خرج ثاني اثنين،و لا وجه لهذا التّقدير الزّائد.

3-لا خلاف بين المفسّرين و أصحاب السّيرة أنّ صاحبه في الغار هو أبو بكر الصّحابيّ المشهور،حتّى اشتهر ب«صاحب الغار»،و استشهدوا به في السّقيفة كفضيلة له،و لم ينكره أحد.

4-لا ريب أنّ مجرّد مصاحبته للنّبيّ في تلك الحالة الخطيرة فضيلة له،إلاّ أنّها واجهت من خلال بحث الخلافة أشياء تعكس الأمر،فعدّت مثلبا:

نظير القول:إنّه كان خائفا،و الخوف بنفسه نقص.

و أجاب عنه الشّيخ شلتوت في تفسيره بأنّ الخوف من ضعف النّفس،أمّا الحزن فدليل على أنّه كان يرجو الفلاح و النّجاة الّتي تعرّض للخطر،و قد قارن بينه و بين قوله لموسى عليه السّلام:(لا تخف).ثمّ إنّ قوله:(انّ اللّه معنا) شاهد على أنّهما كانا على طريقة واحدة مرضيّة للّه.

و نظير ما حكى الطّبرسيّ في فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ «أنّه قال في هذه السّورة(26): ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، و قال في سورة الفتح(26): فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. و قد ذكرت الشّيعة في تخصيص النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في هذه الآية بالسّكينة كلاما،رأينا الإضراب عن ذكره أحرى،لئلاّ ينسبنا ناسب إلى شيء».و قد بحث الطّباطبائيّ(9:294)في شرح القصّة و في دلالتها على منقبة لأبي بكر أو خلافها بحثا طويلا،لا موجب له برأينا.

5-لقد أرجع بعضهم الضّمير في(سكينته عليه)إلى أبي بكر،و ردّ بأنّ جميع الضّمائر قبله و بعده ترجع إلى النّبيّ،فلا يتخلّف هذا وحده عنها.

الثّاني:(اثنان)في(5)و المراد بهما الشّاهدان حين الوصيّة.

الثّالث:(اثنين)،و قد جاء في(6)و(7)وصفا للزّوجين من الضّأن و المعز و الإبل و البقر أربع مرّات،

ص: 684

تفصيلا ل(ثمانية ازواج)في صدر الآية،و في(8)و(9) مرّتين،وصفا لزوجين من كلّ حيوان قد سلكه نوح في السّفينة،و في(10)مرّة وصفا لزوجين من كلّ الثّمرات،و في(11)وصفا لإلهين اتّخذهما القابلون بهما.

الرّابع:(اثنتين)،و قد جاءت في(12)و(13)وصفا للبنتين في سهام الإرث مرّتين،و في(14)وصفا لموتين و حياتين مرّتين أيضا.

الخامس:(اثنى عشر)،و قد جاء في(15)وصفا لعدّ شهور السّنة مرّة،و في(16)و(17)وصفا للأسباط و النّقباء من بني إسرائيل مرّتين.

السّادس:(اثنتى عشرة)،و قد جاء في(17) و(18)وصفا للعيون الّتي انفجرت من الحجر،لمّا ضربها موسى بعصاه مرّتين أيضا.

السّابع:(مثنى)،و قد جاءت مع(ثلث و رباع)في (19)و(20)وصفا للنّساء و الأجنحة مرّتين أيضا،و في (21)مع(فرادى)وصفا للقائمين للّه مرّة[و قد بحثناه في «ثلاث».لاحظ:ث ل ث]

الثّامن:(المثانى)،و قد جاءت في(22)و(23) مرّتين أيضا؛مرّة معرفة،و أخرى نكرة،و كلاهما وصف للقرآن.أمّا(22)فقد جاء فيها وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، و فسّروا سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ب(الفاتحة)،لأنّها سبع آيات،تثنّى في الرّكعتين الأوليين من الصّلاة،أو لتكرار ألفاظ فيها:

اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ.

اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ.

أو لأنّها نزلت مرّتين:مرّة في مكّة،و مرّة في المدينة، و هذا مردود بأنّها حين نزلت في مكّة وصفت بالمثاني، و هو المرويّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و عن الإمام عليّ و الإمام الصّادق عليهما السّلام.أو هو من الثّناء فإنّها ثناء على اللّه بالتّحميد و التّوحيد و ملكه يوم الدّين.

و فسّر أيضا ب(السّبع الطّوال)،لأنّها تثنّى فيها الأحكام و الفرائض و الحدود،أو تذكر فيها القصّة الواحدة مرارا،و ردّه أبو العالية بأنّ هذه الآية أنزلت قبل أن ينزل من الطّوال شيء.

كما فسّروها بالقرآن كلّه،و تؤيّده الآية(23):

كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ و يردّه أنّ بعده في هذه الآية وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فإنّه دلّ على أنّ(سبعا من المثانى)شيء سوى القرآن كلّه،فهذا من قبيل ذكر البعض قبل الكلّ.و قد اختاره الطّبريّ بحجّة أنّ (المثانى)جمع مثناة،لأنّ آيات القرآن يتلو بعضها بعضا.

و قال شمر:إنّ(المثانى)في كلّ سورة دون الطّوال و دون المئين،و فوق المفصّل،و عدّ بعضهم(المثانى) ستّا و عشرين سورة،فلاحظ.و المعروف أنّ«السّبع الطّوال»هي البقرة إلى الأعراف،ستّ سور

ثمّ اختلفوا،فعند بعضهم الأنفال و التّوبة سورة واحدة،و هي تمام السّبع،و عند بعضهم أنّها يونس.

و هناك قول بأنّ(المثانى)معاني القرآن السبعة أمر و نهي و تبشير و إنذار و ضرب أمثال و تعديد نعم و أنباء القرون،كما جاءت أقوال أخرى في النّصوص أيضا،

ص: 685

و القول المشهور هو الأوّل.و«لام»التّعريف في (المثانى)للعهد،لأنّ الفاتحة معهودة أنّها تقرأ في الصّلاة،و أنّه لا صلاة إلاّ بها،و من أسمائها الصّلاة.

هذا كلّه راجع إلى(22)،و أمّا(23)فجاءت (المثانى)فيها نكرة وصفا ل(كتابا)،فالمراد به القرآن كلّه قولا واحدا.و وجه وصفه ب(المثانى)أنّ آياتها يتلو بعضها بعضا،و هذا معنى القراءة و التّلاوة،أو أنّ قصصه و معانيه من الأمر و النّهي و غيرهما تتكرّر و تثنّى.

تنبيهان:

1-تسترعي هذه الأعداد الانتباه إلى أنّها متناسقة فردا و زوجا،حسب المواضيع إلى حدّ كبير،و هذا ضرب من الإعجاز العدديّ،و كم من نظير له في القرآن.

2-أنّ عدد المكّيّ منها(11)،و عدد المدنيّ(8)،لو فضّلنا القول بأنّ سورتي الحجّ و الرّعد مدنيّتان،و إلاّ فالمكّيّ منها يكاد يكون ضعف المدنيّ،فيبدو أنّ مكّة باعتبارها دار الأمّيّين كانت تتطلّب الأرقام أكثر من المدينة.

ص: 686

ث و ب

اشارة

14 لفظا،28 مرّة:10 مكّيّة،18 مدنيّة

في 15 سورة:7 مكّيّة،8 مدنيّة

مثابة 1:-1 ثيابهم 2:2

ثواب 7:1-6 ثيابهنّ 1:-1

الثّواب 2:1-1 ثيابك 1:1

ثوابا 4:3-1 ثيابكم 1:-1

مثوبة 2:-2 اثابهم 2:-2

ثياب 2:-2 اثابكم 1:-1

ثيابا 1:1 ثوّب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ثاب يثوب ثئوبا،أي رجع بعد ذهابه.

و ثاب البئر إلى مثابه،أي استفرغ النّاس ماءه إلى موضع وسطه.

و المثابة:الّذي يثوب إليه النّاس،كالبيت جعله اللّه للنّاس مثابة،أي مجتمعا بعد التّفريق،و إن لم يكونوا تفرّقوا من هنالك،فقد كانوا متفرّقين.

و المثوبة:الثّواب.

و ثوّب المؤذّن،إذا تنحنح للإقامة،ليأتيه النّاس.

و الثّوب:واحد الثّياب،و العدد:أثواب،و ثلاثة أثوب بغير همز.

و أمّا الأسؤق و الأدؤر فمهموزان،لأنّ أدؤر على دار،و أسؤق على ساق.و الأثوب حمل الصّرف فيها على الواو الّتي في الثّوب نفسها،و الواو تحتمل الصّرف من غير انهماز.

و لو طرح الهمز من أدؤر و أسؤق لجاز،على أن تردّ تلك الألف إلى أصلها،و كان أصلها الواو،كما قالوا في جماعة«النّاب»من الإنسان:أنيب بلا همز،بردّ الألف إلى أصله،و أصله الياء.

و إنّما يتبيّن الأصل في اشتقاق الفعل نحو«ناب» و تصغيره:نييب،و جمعه:أنياب.و من«الباب»:بويب، و جمعه:أبواب.و إنّما يجوز في جمع الثّوب:أثوب.[ثمّ

ص: 687

استشهد بشعر](8:246)

سيبويه :يقال لصاحب الثّياب:ثوّاب.

(الجوهريّ 1:94)

الضّبّيّ: التّثويب:الصّلاة بعد الفريضة.

(الأزهريّ 15:153)

ابن شميّل: إلى مثاباتهم،أي إلى منازلهم، الواحدة:مثابة.(الأزهريّ 15:152)

أبو زيد :و المثوّب:الّذي يدعو له النّاس يستنصرهم،و منه التّثويب في الأذان،و هو إعادة بعضه بعد انقضائه.(21)

أثيب:أعطي ثوابه.(81)

رجل ثوّاب:للّذي يبيع الثّياب.

(الأزهريّ 15:154)

أثبت الثّوب إثابة،إذا كففت مخايطه،و مللته،خطته الخياطة الأولى بغير كفّ.(الأزهريّ 15:157)

أبو عبيد: المثاب:مقام السّاقي،فوق عروش البئر.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:152)

ابن الأعرابيّ: المثاب:طيّ الحجارة،يثوب بعضها على بعض،من أعلاه إلى أسفله.

يقال لأساس البيت:مثابات.

و ثاب إذا انتبه،و آب إذا رجع،و تاب إذا أقلع.

(الأزهريّ 15:152)

أبو نصر الباهليّ: المثاب:الموضع الّذي يثوب منه الماء،و منه:بئر ما لها ثائب.(الأزهريّ 15:152)

ابن قتيبة :و ثاب جسمه ثوبانا،و أثاب:أقبل.

(ابن سيده 10:217)

ابن أبي اليمان:التّثويب:الدّعاء.[ثمّ استشهد بشعر](185)

و المثوبة:من الثّواب.(200)

المبرّد: [في حديث]«فما ظنّك بثواب غير اللّه».أمّا قوله:ثواب،فاشتقاقه من ثاب يثوب،إذا رجع، و تأويله:ما يثوب إليك من مكافأة اللّه و فضله.(1:11)

و المثوّب الّذي تصفّقه الرّياح فيذهب و يجيء،و هو من ثاب يثوب،إذا رجع.(1:96)

ثعلب :و بئر ذات ثيّب و غيّب،إذا استقي منها عاد مكانه ماء آخر.

و«ثيّب»كان في الأصل«ثيوب».و لا يكون الثّؤب أوّل شيء حتّى يعود مرّة بعد أخرى.

(الأزهريّ 15:151)

الطّبريّ: و المثوبة في كلام العرب:مصدر من قول القائل:أثبتك إثابة و ثوابا و مثوبة،فأصل ذلك من:ثاب إليك الشّيء،بمعنى رجع،ثمّ يقال:أثبته إليك،أي رجعته إليك و رددته.فكان معنى إثابة الرّجل الرّجل على الهديّة و غيرها:إرجاعه إليها منها بدلا،و ردّه عليه منها عوضا،ثمّ جعل كلّ معوّض غيره من عمله أو هديّته،أو يد له سلفت منه إليه:مثيبا له.و منه ثواب اللّه عزّ و جلّ عباده على أعمالهم،بمعنى إعطائه إيّاهم العوض و الجزاء عليه،حتّى يرجع إليهم بدل من عملهم الّذي عملوا له.(1:468)

الزّجّاج: و المثابة و المثاب واحد.

و الأصل في«مثابة»مثوبة،و لكن حركة الواو نقلت إلى الثّاء،و تبعت الواو الحركة،فانقلبت ألفا.

ص: 688

و هذا إعلال بإتباع؛تبع«مثابة»باب«ثاب».

و أصل ثاب:ثوب،و لكنّ الواو قلبت ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،لا اختلاف بين النّحويّين في ذلك.

(الأزهريّ 15:151)

يقال:ثاب إلى الرّجل جسمه،و أثاب إليه جسمه إثابة،إذا رجع.يقال:ثاب الماء و غيره،إذا عاد، و كذلك ثاب إليه عقله.

و أثاب الرّجل فلانا على فعله،إذا جازاه عليه.

(فعلت و أفعلت:7)

ابن دريد :ثاب يثوب ثوبا و ثئوبا،إذا رجع،و كلّ راجع ثائب.

و المثابة لها موضعان،مثابة البئر:مبلغ جموم مائها، يقال:ثاب الماء،إذا بلغ إلى حالته الأولى بعد ما يستقى، و المثابة:موقف السّاقية في أعلى البئر.

و أعطيت فلانا ثوابه،أي جزاء ما عمل.و أثاب اللّه العباد يثيبهم إثابة و ثوابا،إذا جازاهم بأعمالهم.

و المثوبة:مثل المعوضة،ثوّبت فلانا من كذا و كذا مثل عوّضته.

و التّثويب:الدّعاء للصّلاة و غيرها،و أصله:أنّ الرّجل كان إذا جاء فزعا أو مستصرخا لوّح بثوبه، فكان ذلك كالدّعاء و الإنذار،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي الدّعاء:تثويبا.(1:204)

و الثّوب الملبوس:معروف.

و بنو ثوب:بطن من العرب.

و الثّوب:مصدر ثاب يثوب ثوبا و ثئوبا،إذا رجع من مكان إلى مكان.

و الموضع الّذي يرجع إليه:المثاب و المثابة.

و الثّواب:ثواب ما عملته من خير أو شرّ،و هي من المثابة و المثوبة و المثوبة،و أثابه اللّه يثيبه إثابة و ثوابا.

(3:199)

ثوّبها اللّه الجنّة،أي جعلها ثوابها.

(ذيل الأماليّ 2:63)

الأزهريّ: سمعت العرب تقول:«الكلأ بموضع كذا و كذا مثل ثائب البحر»يعنون أنّه غضّ رطب،كأنّه ماء البحر إذا فاض بعد ما جذر.

و ثاب،أي عاد و رجع إلى موضعه الّذي كان أفضى إليه.

و يقال:ثاب ماء البئر،إذا عادت جمّتها.و ما أسرع ثابتها.

و يقال:ثوّب الدّاعي تثويبا،إذا دعا مرّة بعد أخرى،و منه:تثويب المؤذّن،إذا نادى بالأذان النّاس إلى الصّلاة ثمّ نادى بعد التّأذين،فقال:«الصّلاة رحمكم اللّه،الصّلاة»يدعو إليها عودا بعد بدء.

و التّثويب في أذان الفجر:أن يقول المؤذّن بعد قوله:

«حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح»:الصّلاة خير من النّوم.يقولها مرّتين،كما يثوّب بين الأذان:«الصّلاة رحمكم اللّه،الصّلاة».

و أصل هذا كلّه من:تثويب الدّعاء مرّة بعد أخرى.

و نحو ذلك روى شمر عن ابن الأعرابيّ.

يقال:تثوّبت،أي تطوّعت بعد المكتوبة.و لا يكون «التّثويب»إلاّ بعد المكتوبة،و هو العود للصّلاة بعد الصّلاة.

ص: 689

و في حديث أمّ سلمة أنّها قالت لعائشة حين أرادت الخروج إلى البصرة:إنّ عمود الدّين لا يثاب بالنّساء إن مال،أي لا يعاد إلى استوائه.

و يقال:ذهب مال فلان فاستثاب مالا،أي استرجع مالا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ثاب فلان إلى اللّه،و تاب،بالثّاء و التّاء،أي عاد و رجع إلى طاعته،و كذلك أثاب،بمعناه.

و رجل توّاب أوّاب:ثوّاب منيب بمعنى واحد.

و يقال:ثاب إلى العليل جسمه،إذا حسنت حاله بعد تحوّله،و رجعت إليه صحّته.[إلى أن قال:]

و الثّواب:الجزاء.

قد أثابه اللّه ثوابا،و ثوّبه تثويبا،مثله.و قال اللّه تعالى: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المطفّفين:36.

و الاسم:الثّواب،و المثوبة،و قال اللّه تعالى:

لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ البقرة:103.

قال التّميميّ: هي«المثوبة»بفتح الواو،و قد أثوبه اللّه مثوبة حسنة،فأظهر الواو على الأصل.و قال الكلابيّون:لا نعرف«المثوبة»و لكن«المثابة».

و قيل:المثوبة،و الثّواب:ما جوزي به الإنسان على فعله من خير أو شرّ.

يقال:ثاب يثوب،إذا رجع،و الثّواب:هو ما يرجع على المحسن من إحسانه،و على المسيء من إساءته، و منه: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ البقرة:125، أي معاذا يصدرون عنه و يثوبون إليه.

و إنّ فلانا لمثابة،أي يأتيه النّاس للرّغبة،و يرجعون إليه مرّة بعد أخرى.

و قال أبو خيرة:ثاب الحوض يثوب ثوبا و ثئوبا،إذا امتلأ،أو كاد يمتلئ.(15:152)

الصّاحب:ثاب يثوب ثئوبا،هو رجوع الشّيء بعد ذهابه و فوته،ثاب إليه عقله و حلمه و أصحابه، و استثاب:استرجع.

و يقال للجنوب و الصّبا:مستثابة،لأنّهما إذا هبّتا رجا النّاس المطر.

و أثاب الرّجل:ثاب إليه جسمه.

و المثابة:أن يكون في البئر شيء غليظ لا يقدر على حفره.

و مثاب البئر،إذا استفرغ ماؤه ثاب إلى وسط البئر.

و قيل:هو مقام السّاقي على رأس البئر.

و ثاب الحوض يثوب ثئوبا،إذا امتلأ أو كاد يمتلئ، و هو الثّوبان.

و بئر لها ثائب،إذا كان ماؤها ينقطع أحيانا ثمّ يعود.

و عدد ثائب:كثير.و الثّائب:جماعة بعد جماعة، و الغبار الكثير.

و ثاب له مال،أي اجتمع.و ثوّب الرّجل بعد خصاصة.

و ثوّبت معروفي عنده:أنميته.

و الثّواب:ماء يثوب في الوادي،أي يجتمع؛في قول ساعدة:

*ثواب يزعب...*

و قيل:ما يثوب من العسل دفعة دفعة.و قيل:

النّحل،الواحدة:ثوابة،و الجمع:ثوب أيضا.

و المثاب:بيت العنكبوت.

ص: 690

و ثوّب في الدّعاء:دعا بدعاء بعد دعاء،و كذلك في الصّلاة و في الأذان و الإقامة.

و التّثويب،أيضا:الجزاء،من قوله عزّ و جلّ: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المطفّفين:36.

و الثّواب:الجزاء،أثابه اللّه يثيبه إثابة.

و المثوبة«مفعلة»:و هي المعوضة،و الثّواب:

العوض.و يقولون:أثوبه اللّه مثوبة حسنة،فأظهر الواو على الأصل.

و الثّوب:واحد الثّياب،و العدد:أثواب و أثوب.

و أثبت الثّوب إثابة،إذا كففت مخايطه.

و الإثابة:الإصلاح و التّقويم،و منه قول أمّ سلمة لعائشة:«إنّ عمود الدّين لا يثاب بالنّساء».

و العرب تكني بالثّياب عن الأبدان و الأنفس؛ يقولون: *ثياب بني عوف طهارى نقيّة*

يريدون:أبدانهم.

و قيل:في قوله عزّ و جلّ: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ المدّثّر:

4،أراد نفسك.و فلان نقيّ الثّوب،أي بريء من العيب.

و يقال للمرأة تطلّق:سلّي ثيابي من ثيابك.

و قيل:ثيابي:عهدي،و هي أخلاقه و شمائله.

و يقولون:للّه ثوبا فلان،أي للّه درّه.[ثمّ استشهد بشعر](10:188)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ الميّت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها».هذا يتأوّل على وجهين:

أحدهما:أن تكون الثّياب كناية عن العمل الّذي يموت عليه،و يختم له به،و يدلّ على ذلك حديث الأعمش...

عن جابر،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«يبعث العبد على ما مات عليه».

و الوجه الآخر:أن يراد ب«الثّياب»ما يلبس و يكتسى،يريد أنّهم يبعثون من قبورهم و عليهم ثيابهم،ثمّ يحشرون إلى الموقف عراة،لقوله عليه السّلام:

«يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غزلا».

و يروى عن بعض الصّحابة أنّه لمّا حضره الموت، قال:«حسّنوا كفني فإنّ الميّت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها».(1:613)

الجوهريّ: الثّوب:واحد الأثواب و الثّياب، و يجمع في القلّة على أثوب.و بعض العرب يقول:أثؤب، فيهمز،لأنّ الضّمّة على الواو تستثقل،و الهمزة أقوى على احتمالها،و كذلك دار و أدؤر و ساق و أسؤق،و جميع ما جاء على هذا المثال.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثاب الرّجل يثوب ثوبا و ثوبانا:رجع بعد ذهابه.

و ثاب النّاس:اجتمعوا و جاءوا،و كذلك الماء إذا اجتمع في الحوض.

و مثاب الحوض:وسطه الّذي يثوب إليه الماء إذا استفرغ،و هو الثّبة أيضا،و الهاء عوض عن الواو الذّاهبة من عين الفعل،كما عوّضوا في قولهم:أقام إقامة، و أصله:إقواما.

و المثابة:الموضع الّذي يثاب إليه،أي يرجع إليه مرّة بعد أخرى،و منه قوله تعالى: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ البقرة:125.

و إنّما قيل للمنزل:مثابة،لأنّ أهله يتصرّفون في أمورهم ثمّ يثوبون إليه،و الجمع:المثاب.

ص: 691

و ربّما قالوا لموضع حبالة الصّائد:مثابة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثاب الرّجل،أي رجع إليه جسمه و صلح بدنه.

و استثابه:سأله أن يثيبه.

و قولهم في المثل:«أطوع من ثواب»هو اسم رجل كان يوصف بالطّواعية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّائب:الرّيح الشّديدة يكون في أوّل المطر.

(1:94)

ابن فارس: الثّاء و الواو و الباء قياس صحيح من أصل واحد،و هو العود و الرّجوع،يقال:ثاب يثوب، إذا رجع.و المثابة:المكان يثوب إليه النّاس.[إلى أن قال:]

و قال قوم:المثابة:العدد الكبير،فإن كان صحيحا فهو من الباب،لأنّهم الفئة الّتي يثاب إليها.

و يقال:ثاب الحوض إذا امتلأ،و هكذا كأنّه خلا ثمّ ثاب إليه الماء،أو عاد ممتلئا بعد أن خلا.

و الثّواب من الأجر و الجزاء:أمر يثاب إليه.

و يقال:إنّ المثابة حبالة الصّائد،فإن كان هذا صحيحا فلأنّه مثابة الصّيد،على معنى الاستعارة و التّشبيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّ الثّواب:العسل،و هو من الباب،لأنّ النّحل يثوب إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

قالوا:و الواحد:ثوابة.

و الثّوب:الملبوس،محتمل أن يكون من هذا القياس،لأنّه يلبس ثمّ يلبس،و يثاب إليه.

و ربّما عبّروا عن النّفس بالثّوب،فيقال:هو طاهر الثّياب.(1:393)

أبو هلال :الفرق بين الثّواب و العوض:أنّ العوض يكون على فعل العوض،و الثّواب لا يكون على فعل المثيب،و أصله:المرجوع،و هو ما يرجع إليه العامل.

و الثّواب من اللّه تعالى نعيم،يقع على وجه الإجلال،و ليس كذلك العوض،لأنّه يستحقّ بالألم فقط،و هو مثامنة من غير تعظيم.

فالثّواب يقع على جهة المكافأة على الحقوق، و العوض يقع على جهة المثامنة في البيوع.

الفرق بين الثّواب و الأجر:أنّ الأجر يكون قبل الفعل المأجور عليه،و الشّاهد أنّك تقول:ما أعمل حتّى آخذ أجري،و لا تقول:لا أعمل حتّى آخذ ثوابي،لأنّ الثّواب لا يكون إلاّ بعد العمل-على ما ذكرنا هذا-على أنّ الأجر لا يستحقّ له إلاّ بعد العمل كالثّواب،إلاّ أنّ الاستعمال يجري بما ذكرناه.

و أيضا فإنّ الثّواب قد شهر في الجزاء على الحسنات،و الأجر يقال في هذا المعنى و يقال على معنى الأجرة الّتي هي من طريق المثابة بأدنى الأثمان،و فيها معنى المعاوضة بالانتفاع.(196)

الهرويّ: [نحو ما تقدّم عن اللّغويّين و أضاف:]

و في الحديث:«أنّ بلالا قال:أمرني أن لا أثوّب في شيء من الصّلاة إلاّ في صلاة الفجر».

و قيل:إنّما سمّي تثويبا،لأنّه رجوع إلى الأمر بالمبادرة بالصّلاة،و الرّاجع هو ثائب.

يقال:ثاب إليّ جسمي،أي رجع.

فإذا قال المؤذّن:حيّ على الصّلاة،قال:هلمّوا

ص: 692

إليها،فإذا قال بعده:الصّلاة خير من النّوم،فقد رجع إلى كلام يؤول إلى معنى المبادرة للصّلاة أيضا،فلهذا سمّي:

تثويبا.(1:305)

ابن سيده: ثاب الشّيء ثوبا و ثئوبا:رجع.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثوّب:كثاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّواب:النّحل؛لأنّها تثوب.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثاب الرّجل:ثاب إليه جسمه.

و ثاب الحوض ثوبا و ثئوبا:امتلأ،أو قارب.

و ثبة الحوض:وسطه،حذفت عينه،و قد تقدّم فيما حذفت لامه.

و مثاب البئر:وسطها.

و مثابها:مقام السّاقي من عروشها.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثابتها:مبلغ جموم مائها.

و مثابتها:ما أشرف من الحجارة حولها،يقوم عليها الرّجل أحيانا،كيلا تجاحف الدّلو أو الغرب.

و مثابة البئر أيضا:طيّها،عن ابن الأعرابيّ.لا أدري أعنى ب«طيّها»موضع طيّها؟أم عنى الطّيّ الّذي هو بناؤها بالحجارة؟و قلّما تكون«المفعلة»مصدرا.

و ثاب الماء:بلغ إلى حاله الأولى بعد ما يستقى.

و مثابة النّاس،و مثابهم:مجتمعهم بعد التّفرّق، و الثّبة:الجماعة من هذا.

و ثاب القوم:أتوا متواترين،و لا يقال للواحد.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن بعض اللّغويّين](10:217)

الثّوب:ما ينسج من خيوط كتّان أو حرير أو خزّ أو صوف أو قطن،و ما يلبسه النّاس من فرو و غيره-و أمّا السّتور و نحوها فليست ثيابا،بل أمتعة-و بائعه و صاحبه:ثوّاب.(الإفصاح 1:362)

الطّوسيّ: المثوبة و الثّواب و الأجر نظائر.و نقيض المثوبة:العقوبة،يقال:ثاب يثوب ثوبا و إثابة،و أثابه إثابة،و ثوابا،و مثوبة،و استثابة،و ثوّب تثويبا.

و الثّواب في الأصل معناه ما رجع إليك من شيء، تقول:اعترت الرّجل غشية،ثمّ ثابت إليه نفسه،و لذلك صار حقّ الثّواب الجزاء،لأنّه العائد على صاحبه مكافأة ما فعل.

و منه التّثويب في الأذان و غيره،و هو ترجيع الصّوت،و لا يقال ذلك للصّوت مرّة واحدة،و يقال:

ثوّب الدّاعي،إذا كرّر دعاءه إلى الحرب،أو غيرها، و يقال:انهزم القوم ثمّ ثابوا،أي رجعوا.

و الثّوب مشتقّ من هذا،لأنّه ثاب لباسا بعد أن كان قطنا،أو غزلا.[إلى أن قال:]

و أصل الباب؛الثّوب:الرّجوع.(1:386)

نحوه الطّبرسيّ.(1:177)

الرّاغب: أصل الثّوب:رجوع الشّيء إلى حالته الأولى الّتي كان عليها،أو إلى الحالة المقدّرة المقصودة بالفكرة،و هي الحالة المشار إليها بقولهم:أوّل الفكرة آخر العمل.

فمن الرّجوع إلى الحالة الأولى قولهم:ثاب فلان إلى داره و ثابت إليّ نفسي،و سمّي مكان المستسقى على فم البئر مثابة.

و من الرجوع إلى الحالة المقدّرة المقصودة بالفكرة

ص: 693

«الثّوب»سمّي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة الّتي قدّرت له،و كذا ثواب العمل.

و جمع الثّوب:أثواب و ثياب،و قوله تعالى:

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ المدّثّر:4،يحمل على تطهير الثّوب، و قيل:الثّياب كناية عن النّفس لقول الشّاعر:

*ثياب بني عوف طهارى نقيّة*

و ذلك أمر بما ذكره اللّه تعالى في قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.

و الثّواب:ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله، فيسمّى الجزاء ثوابا تصوّرا أنّه هو هو،أ لا ترى كيف جعل اللّه تعالى الجزاء نفس الفعل في قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزّلزال:7،و لم يقل:جزاءه.

و الثّواب يقال في الخير و الشّرّ لكن الأكثر المتعارف في الخير،و على هذا قوله عزّ و جلّ: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195. فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148.

و كذلك المثوبة فى قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ المائدة:60.

فإنّ ذلك استعارة في الشّرّ كاستعارة البشارة فيه، قال تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ البقرة:103.

و الإثابة تستعمل في المحبوب،قال تعالى: فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ المائدة:

85،و قد قيل ذلك في المكروه،نحو فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ آل عمران:153،على الاستعارة كما تقدّم.

و التّثويب في القرآن لم يجئ إلاّ في المكروه،نحو هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ المطفّفين:36،و قوله عزّ و جلّ:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً البقرة:125،قيل:معناه مكانا يكتب فيه الثّواب.(83)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 3:337)

الزّمخشريّ: تفرّق عنه أصحابه ثمّ ثابوا إليه، و البيت مثابة للنّاس،و الخطّاب يراسلونها و يثاوبونها، أي يعاودونها،و ثوّب في الدّعاء،و ثوّب بركعتين:

تطوّع بهما بعد كلّ صلاة،و أثابه اللّه و ثوّبه هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ و جزاك اللّه المثوبة الحسنى.

و من المجاز:ثاب إليه عقله و حلمه،و جمّت مثابة البئر،و هي مجتمع مائها،و هذه بئر لها ثائب،أي ماء يعود بعد النّزح،و قوم لهم ثائب،إذا وفدوا جماعة إثر جماعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:ثاب له مال،إذا كثر و اجتمع،و ثاب الغبار، إذا سطح و كثر،و ثوّب فلان بعد خصاصة،و ثاب الحوض:امتلأ،و ثاب إليه جسمه بعد الهزال،إذا سمن، و أثاب اللّه جسمه،و قد أثاب فلان،إذا ثاب إليه جسمه.و جمّت مثابة جهله،إذا استحكم جهله،و نشأت مستثابات الرّياح،و هي ذوات اليمن و البركة الّتي يرجى خيرها.قال كثّير:

إذا مستثابات الرّياح تنسّمت

و مرّ بسفساف التّراب عقيمها

سمّي خير الرّياح ثوابا،كما سمّي خير النّحل و هو العسل ثوابا،يقال:أحلى من الثّواب.

و ذهب مال فلان فاستثاب مالا،أي استرجع،

ص: 694

و يقول الرّجل لصاحبه:استثبت بمالك،أي ذهب مالي فاسترجعته بما أعطيتني.و فلان نقيّ الثّوب،بريّ من العيب،و عكسه دنس الثّياب.و للّه ثوبا فلان،كما تقول:

للّه بلاده،تريد نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و اسلل ثيابك من ثيابي،أي اعتزلني و فارقني.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:49)

«إذا ثوّب بالصّلاة فأتوها و عليكم السّكينة،فما أدركتم فصلّوا و ما فاتكم فأتمّوا».

الأصل في التّثويب:أنّ الرّجل كان إذا جاء مستصرخا لوّح بثوبه،فيكون ذلك دعاء و إنذارا،ثمّ كثر حتّى سمّي الدّعاء تثويبا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو ترديد الدّعاء«تفعيل»من ثاب،إذا رجع،و منه قيل لقول المؤذّن:الصّلاة خير من النّوم:

التّثويب.(الفائق 1:180)

المثابة:الموضع الّذي يثوب منه الماء،أراد أنّه كان يحلم عن النّاس و لا يتسافه عليهم،و كأنّه كان يجمع سفهه من أجلي.(الفائق 2:165)

المدينيّ: في الحديث:«كلابس ثوبي زور».

الّذي يشكل من هذا الحديث على أكثر النّاس، تثنية الثّوب.فأمّا معنى الحديث فقد ذكر في باب الزّور و التّشبّع و إنّما ثنّى الثّوب فيما نرى؛لأنّ العرب أكثر ما كانت تلبس عند الجدة إزارا و رداء،و لهذا حين سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الصّلاة في الثّوب الواحد.قال:«أو كلّكم يجد ثوبين».

و فسّره عمر،رضي اللّه عنه بإزار و رداء،إزار و قميص،رداء و تبّان في أشياء ذكرها في كتاب البخاريّ، و لا يريد بذلك الثّوبين يلبس أحدهما فوق الآخر كما جرت عادة العجم بها:و في الحديث:«ربّ ذي طمرين».

أخبرنا إسحاق بن راهوية،قال:سألت أبا الغمر الأعرابيّ عن تفسير ذلك و هو ابن ابنة ذي الرّمّة فقال:

كانت:العرب إذا اجتمعت في المحافل كانت لهم جماعة يلبس أحدهما ثوبين حسنين فإن احتاجوا إلى شهادة شهد لهم بزور.و معناه:أن يقول:أمضى زوره بثوبيه،يقولون:ما أحسن ثيابه!ما أحسن هيئته! فيجيزون شهادته،فجعل المتشبّع بما لم يعط مثل ذلك.

قلت:و قد قيل:إنّه الرّجل يجعل لقميصه كمّين:

أحدهما فوق الآخر،ليرى أنّه لابس قميصين.و هاهنا يكون أحد الثّوبين زورا،لا يكون ثوبي زور.

و قيل اشتقاق الثّوب من قولهم:ثاب إذا رجع،لأنّ الغزل ثاب ثوبا:أي عاد و صار،و يعبّر بالثّوب عن نفس الإنسان،و عن قلبه أيضا.

في الحديث:«من لبس ثوب شرة ألبسه اللّه تعالى ثوب مذلّة».

أي يشمله بالمذلّة حتّى يضفو عليه،و يلتقي عليه من جنباته،كما يشمل الثّوب بدن لابسه،و يحقّره في القلوب و يصغّره في العيون.

في حديث أبي سعيد،رضي اللّه عنه:«أنّه لمّا حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها.ثمّ ذكر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«إنّ الميّت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها».

قال الخطّابيّ: أمّا أبو سعيد،رضي اللّه عنه،فقد استعمل الحديث على ظاهره،و قد روي في تحسين الكفن أحاديث.

ص: 695

و قد تأوّله بعض العلماء على خلاف ذلك فقال:

معنى الثّياب العمل،كنّي بها عنه،يريد أنّه يبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو شيء.

و العرب تقول:فلان طاهر الثّياب،إذا وصفوه بطهارة النّفس و البراءة من العيب،و دنس الثّياب إذا كان بخلافه.

و استدلّ عليه بقوله عليه الصّلاة و السّلام:«يحشر النّاس حفاة عراة».

و قال بعضهم:البعث غير الحشر،فقد يجوز أن يكون البعث مع الثّياب،و الحشر مع العري و الحفاء، و اللّه أعلم.

و حديثه الآخر:«إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه».

و حديثه الآخر:«يتزاورون في أكفانهم».

و الآثار و الرّؤيا الّتي وردت فيه تبطل تأويله،و اللّه تعالى أعلم.(1:281)

ابن الأثير: و منه حديث عائشة رضي اللّه عنها:

«فجعل النّاس يثوبون إلى النّبيّ»أي يرجعون.

و في حديث عمر رضي اللّه عنه:«لا أعرفنّ أحدا انتقص من سبل النّاس إلى مثاباته شيئا».المثابات:جمع مثابة و هي المنزل،لأنّ أهله يثوبون إليه،أي يرجعون، و منه قوله تعالى: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ البقرة:125،أي مرجعا و مجتمعا.و أراد عمر:لا أعرفنّ أحدا اقتطع شيئا من طرق المسلمين و أدخله داره.

منه حديث عائشة رضي اللّه عنها،و قولها في الأحنف:«أ لي (1)كان يستجمّ مثابة سفهه؟»

و حديث عمرو بن العاص رضي اللّه عنه:«قيل له في مرضه الّذي مات فيه:كيف تجدك؟قال:أجدني أذوب و لا أثوب»أي أضعف و لا أرجع إلى الصّحّة.

و في حديث ابن التّيّهان:«أثيبوا أخاكم»أي جازوه على صنيعه،يقال:أثابه يثيبه إثابة،و الاسم:الثّواب، و يكون في الخير و الشّرّ،إلاّ أنّه بالخير أخصّ و أكثر استعمالا.

و جاء في تفسير قوله تعالى: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ المدّثّر:4.أي عملك فأصلح.و يقال:فلان دنس الثّياب، إذا كان خبيث الفعل و المذهب.و هذا كالحديث الآخر:

«يبعث العبد على ما مات عليه».قال الهرويّ:و ليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشيء،لأنّ الإنسان إنّما يكفّن بعد الموت.

و فيه:«المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» المشكل من هذا الحديث تثنية الثّوب،قال الأزهريّ:

معناه أنّ الرّجل يجعل لقميصه كمّين،أحدهما:فوق الآخر ليري أنّ عليه قميصين،و هما واحد.و هذا إنّما يكون فيه أحد الثّوبين زورا لا الثّوبان.[ثمّ أدام في شرح الحديث نحو ما تقدّم عن المدينيّ و قال:]

فأمّا إنّه يتّصف بصفات ليست فيه،يريد أنّ اللّه منحه إيّاها،أو يريد أنّ بعض النّاس وصله بشيء خصّه به،فيكون بهذا القول قد جمع بين كذبين:أحدهما اتّصافه بما ليس فيه و أخذه ما لم يأخذه،و الآخر:الكذب على المعطي و هو اللّه تعالى أو النّاس.

و أراد«بثوبي الزّور»هذين الحالين اللّذين ارتكبهماي.

ص: 696


1- في«اللّسان»أبي.

و اتّصف بهما.و قد سبق أنّ«الثّوب»يطلق على الصّفة المحمودة و المذمومة،و حينئذ يصحّ التّشبيه في التّثنية، لأنّه شبّه اثنين باثنين،و اللّه أعلم.(1:227)

الصّغانيّ: و أثبت الثّوب إثابة،إذا كففت مخايطه.

و يقال:ذهب مال فلان فاستثاب مالا،أي استرجع مالا.

و ثاب الحوض:امتلأ،و أثبته أنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا ثوب بمعنى الملبوس ففي الأعلام كثير،و قد سمّوا:ثويبا مصغرا،و ثوب مثال زفر،و ثوبان بالفتح.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ثوب الماء:السّلى و الغرس.

و مثوب:بلد باليمن.

و الثّواب:العسل.(1:79)

الفيّوميّ: الثّوب:مذكّر و جمعه:أثواب و ثياب و هي ما يلبسه النّاس من كتّان و حرير و خزّ و صوف و فرو و نحو ذلك و أمّا السّتور و نحوها فليست بثياب بل أمتعة البيت.

و المثابة و الثّواب الجزاء.

و أثابه اللّه تعالى فعل له ذلك.

و ثوبان مثل سكران من أسماء الرّجال.

و ثاب يثوب ثوبا و ثئوبا:إذا رجع،و منه قيل للمكان الّذي يرجع إليه النّاس:مثابة.

و قيل للإنسان إذا تزوّج:ثيّب و هو«فيعل»اسم فاعل من ثاب و إطلاقه على المرأة أكثر،لأنّها ترجع إلى أهلها بوجه غير الأوّل،و يستوي في الثّيّب الذّكر و الأنثى كما يقال أيّم و بكر للذّكر و الأنثى،و جمع المذكّر ثيّبون بالواو و النّون،و جمع المؤنّث ثيّبات و المولّدون يقولون:

ثيّب،و هو غير مسموع،و أيضا ف«فيعل»لا يجمع على «فعّل».

و ثوّب الدّاعي تثويبا ردّد صوته،و منه التّثويب في الأذان.

و تثاءب بالهمز تثاؤبا وزان تقاتل تقاتلا قيل هي فترة تعتري الشّخص فيفتح عندها فمه و تثاوب بالواو عامّيّ.(1:87)

الفيروزآباديّ: ثاب ثوبا و ثئوبا:رجع،كثوّب تثويبا،و جسمه ثوبانا محرّكة:أقبل،و الحوض ثوبا و ثئوبا:امتلأ أو قارب،و أثبته.

و الثّواب:العسل،و النّحل،و الجزاء كالمثوبة، و المثوبة أثابه اللّه.

و أثوبه و ثوّبه مثوبته:أعطاه إيّاها.

و مثاب البئر:مقام السّاقي أو وسطها،و مثابتها:مبلغ جموم مائها،و ما أشرف من الحجارة حولها،أو موضع طيّها،و مجتمع النّاس بعد تفرّقهم كالمثاب.

و التّثويب:التّعويض و الدّعاء إلى الصّلاة،أو تثنية الدّعاء،أو أن يقول في أذان الفجر:الصّلاة خير من النّوم مرّتين عودا على بدء،و الإقامة و الصّلاة بعد الفريضة.

و تثوّب:تنفّل بعد الفريضة و كسب الثّواب.

و الثّوب:اللّباس،جمعه:أثوب و أثؤب و أثواب و ثياب،و بائعه و صاحبه ثوّاب.

و للّه ثوباه:للّه درّه.

و ثوب الماء:السّلى و الغرس.

و في ثوبي أبي أن أفيه،أي في ذمّتي و ذمّة أبي.

ص: 697

و أنّ الميّت ليبعث في ثيابه،أي أعماله.

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ قيل:قلبك.

و سمّوا ثوبا و ثويبا و ثوابا كسحاب،و ثوابة كسحابة.

و مثوب كمقعد:بلدة باليمن.

و ثواب:رجل غزا أو سافر فانقطع خبره،فنذرت امرأته لئن اللّه ردّه لتخرمنّ أنفه و تجنبنّ به إلى مكّة،فلمّا قدم أخبرته به،فقال:دونك،فقيل:أطوع من ثواب.

و الثّائب:الرّيح الشّديدة تكون في أوّل المطر،و من البحر:ماؤه الفائض بعد الجزر.(1:43)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من سمع شيئا من الثّواب...»الثّواب:الجزاء،و يكون في الخير و الشّرّ، و الأوّل أكثر.و في اصطلاح أهل الكلام هو نفع المستحقّ المقارن للتّعظيم و الإجلال.

و سماع الثّواب:قيل:يحتمل أن يراد مطلق بلوغه إليه،على سبيل الرّواية أو الفتوى أو المذاكرة أو نحو ذلك،كما لو رآه في كتب الفقه مثلا،و ليس ببعيد.[و ذكر معنى التّثويب كما تقدّم و أضاف:]

و ما روي من أنّ النّداء و التّثويب في الإقامة من السّنّة،فقد قيل فيه:ينبغي أن يراد ب«التّثويب»هنا تكرار الشّهادتين و التّكبير-كما ذكر ابن إدريس-لا التّثويب المشهور.

و ما روي عنه و قد سئل عن التّثويب،فقال:

«ما نعرفه».فمعناه إنكار مشروعيّته لا عدم معرفته.

(2:19)

مجمع اللّغة :[نحو ما تقدّم عن اللّغويّين و أضاف:]

الثّوب:ما يلبس،جمعه:أثواب و ثياب،و قد يكنّى بالثّياب عن النّفس،يقال:فلان طاهر الثّياب،إذا وصفوه بطهارة النّفس و البراءة من العيب.و لم يجئ في القرآن جمع ثوب إلاّ على ثياب.(1:176)

محمود شيت: الثّوب:قميص الجنديّ،جمعه:ثياب.

المثابة:مكان اجتماع الضّبّاط بآمرهم،لإصدار الأوامر إليهم،و مكان اجتماع جماعة الأوامر بالآمر،أو القائد لإصدار الأوامر إليهم.(1:130)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّجوع بعنوان الجزاء لا مطلقا،و هذا هو الفرق بينها و بين الرّجوع و التّوب و الأوب و غيرها، و هذا القيد منظور في جميع موارد استعمالاتها.

فالثّواب هو الأجر بقيد رجوعه إلى صاحبه.

و صلاح البدن هو رجوع الصّحّة المنظورة في حال المرض.و المثابة:مكان الرّجوع و الجزاء،و محلّ التّوجّه إليه لأخذ الأجر.

و الثّوب هو ما يرجع إلى شخص و يرتبط إلى فرد معيّن،فإنّ لباس كلّ أحد على كيفيّة مخصوصة،و حدود و خصوصيّات معيّنة مناسبة له،و هو كالصّورة لجسم الإنسان و الزّينة له و المعرّف لنفسه،فهو كالأجر الّذي يتوقّع حصوله و تحقّقه،و بتحصيل الأجر يكمل العمل.

و ليس كذلك سائر أسباب المعاش للإنسان،من الغذاء و الطّعام و المسكن و العلوم و الصّنائع،فإنّها عامّة لكلّ فرد،و لا يختصّ بشخص مخصوص حتّى يرجع إليه.

(2:36)

ص: 698

النّصوص التّفسيريّة

مثابة

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى... البقرة:125

ابن عبّاس: معناه أنّه لا ينصرف عنه أحد،و هو يرى أنّه قد قضى منه وطرا،فهم يعودون إليه.

(الطّوسيّ 1:451)

لا يقضون منه وطرا يأتونه،ثمّ يرجعون إلى أهليهم، ثمّ يعودون إليه.(الطّبريّ 1:533)

معادا و مرجعا لا يقضون منه وطرا،كلّما أتوه و انصرفوا اشتاقوا إلى الرّجعة إليه.(الواحديّ 1:203)

يثوبون إليه.(الطّبريّ 1:534)

مثله سعيد بن جبير،و الرّبيع(الطّبريّ 1:533 و 534).

سعيد بن جبير: يحجّون و يثوبون.

(الطّبريّ 1:533)

يحجّون ثمّ يحجّون،و لا يقضون منه وطرا.

(الطّبريّ 1:533)

مجاهد :يثوبون إليه،لا يقضون منه وطرا.

(الطّبريّ 1:533)

و هذا مرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام.(الطّوسيّ 1:

451)،و نحوه العوفيّ(الطّبريّ 1:533).

الحسن :يثوبون إليه كلّ عام،أي ليس هو مرّة في الزّمان فقط.(الطّوسيّ 1:451)

عطاء:يثوبون إليه من كلّ مكان،و لا يقضون منه وطرا.(الطّبريّ 1:533)

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 1:534)

قتادة :مجمعا.(الطّبريّ 1:533)

السّدّيّ: هو الّذي يثوبون إليه كلّ سنة،لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرّة أن يعود إليه.(الطّبريّ 1:533)

الفرّاء: يثوبون إليه من المثابة و المثاب،أراد من كلّ مكان.و المثابة في كلام العرب كالواحد،مثل المقام و المقامة.(1:76)

أبو عبيدة :(مثابة):مصدر،يثوبون إليه،أي يصيرون إليه.(1:54)

نحوه الجبّائيّ.(الطّوسيّ 1:451)

الأخفش: ألحقت الهاء في(المثابة)لما كثر من يثوب إليه،كما تقول:نسّابة و سيّارة،لمن يكثر ذلك منه.

(1:335)

ابن قتيبة :أي معادا لهم،من قولك:ثبت إلى كذا و كذا:عدت إليه،و ثاب إليه جسمه بعد العلّة،أي عاد، أراد أنّ النّاس يعودون إليه مرّة بعد مرّة.(63)

الطّبريّ: و أمّا المثابة فإنّ أهل العربيّة مختلفون في معناها،و السّبب الّذي من أجله أنّثت،فقال بعض نحويّي البصرة:ألحقت الهاء في المثابة لما كثر من يثوب إليه،كما يقال:سيّارة،لمن يكثر ذلك،و نسّابة.

و قال بعض نحويّي الكوفة:بل المثاب و المثابة بمعنى واحد،نظيره المقام و المقامة،و المقام ذكّر على قوله،لأنّه يريد به الموضع الّذي يقام فيه،و أنّث المقامة،لأنّه أريد بها البقعة.

و أنكر هؤلاء أن تكون«المثابة»كالسّيّارة

ص: 699

و النّسّابة،و قالوا:إنّما أدخلت الهاء في السّيّارة و النّسّابة تشبيها لها بالدّاعية.و المثابة«مفعلة»من ثاب القوم إلى الموضع،إذا رجعوا إليه،فهم يثوبون إليه مثابا و مثابة و ثوابا.

فمعنى قوله: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ و إذ جعلنا البيت مرجعا للنّاس،و معاذا يأتونه كلّ عام، و يرجعون إليه،فلا يقضون منه وطرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قيل:ثاب إليه عقله،إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه.(1:533)

الزّجّاج: يثوبون إليه،و المثاب و المثابة واحد، و كذلك المقام و المقامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل في مثابة:مثوبة،و لكن حركة الواو نقلت إلى التّاء،و تبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا،و هذا إعلال إتباع،تبع مثابة باب«ثاب»و أصل ثاب:ثوب،و لكنّ الواو قلبت ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،لا اختلاف بين النّحويّين في ذلك.

و هذا الباب فيه صعوبة إلاّ أنّ كتابنا هذا يتضمّن شرح الإعراب و المعاني،فلا بدّ من استقصائها على حسب ما يعلم.(1:205)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:مجمعا لاجتماع النّاس عليه في الحجّ و العمرة.

و الثّاني:مرجعا من قولهم:قد ثابت العلّة،إذا رجعت.[ثمّ استشهد بشعر]

و في رجوعهم إليه وجهان:

أحدهما:أنّهم يرجعون إليه المرّة بعد المرّة.

و الثّاني:أنّهم في كلّ واحد من نسكي الحجّ و العمرة يرجعون إليه من حلّ إلى حرم،لأنّ الجمع في كلّ واحد من النّسكين بين الحلّ و الحرم شرط مستحقّ.

(1:186)

الواحديّ: المثاب و المثابة مصدران،ثاب يثوب، إذا رجع.و المراد بالمثابة هاهنا:الموضع الّذي يثاب إليه.

(1:203)

البغوي:مرجعا لهم.(1:162)

الزّمخشريّ: مباءة و مرجعا للحجّاج و العمّار، يتفرّقون عنه ثمّ يثوبون إليه،أي يثوبون إليه أعيان الّذين يزورونه،أو أمثالهم.(1:309)

نحوه النّسفيّ(1:73)،و البروسويّ(1:225).

ابن عطيّة: يحتمل أن تكون من ثاب إذا رجع، لأنّ النّاس يثوبون إليها،أي ينصرفون.و يحتمل أن تكون من الثّواب،أي يثابون هناك.[ثمّ نقل قول الأخفش و غيره في تأنيث الكلمة و أضاف:]

و قيل:هو على تأنيث البقعة،كما يقال:مقام و مقامة.و قرأ الأعمش (مثابات) على الجمع.[ثمّ استشهد بشعر](1:207)

نحوه القرطبيّ.(2:110)

الطّبرسيّ: قد ورد في الخبر أنّ من رجع من مكّة و هو ينوي الحجّ من قابل،زيد في عمره.و من خرج من مكّة و هو لا ينوي العود إليها،فقد قرب أجله.[ثمّ نقل بعض الأقوال](1:203)

الفخر الرّازيّ: [نقل أقوال بعض المفسّرين ثمّ قال:]

ص: 700

فإن قيل:كون البيت مثابة يحصل بمجرّد عودهم إليه،و ذلك يحصل بفعلهم لا بفعل اللّه تعالى،فما معنى قوله: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ البقرة:125.

قلنا:أمّا على قولنا ففعل العبد مخلوق للّه تعالى،فهذه الآية حجّة على قولنا في هذه المسألة.و أمّا على قول المعتزلة فمعناه أنّه تعالى ألقى تعظيمه (1)في القلوب ليصير ذلك داعيا لهم إلى العود إليه مرّة بعد أخرى،و إنّما فعل اللّه تعالى ذلك لما فيه من منافع الدّنيا و الآخرة.

أمّا منافع الدّنيا فلأنّ أهل الشّرق و المغرب يجتمعون هناك،فيحصل هناك من التّجارات و ضروب المكاسب ما يعظم به النّفع،و أيضا فيحصل بسبب السّفر إلى الحجّ عمارة الطّرق و البلاد،و مشاهدة الأحوال المختلفة في الدّنيا.

و أمّا منافع الدّين فلأنّ من قصد البيت رغبة منه في النّسك و التّقرّب إلى اللّه تعالى،و إظهار العبوديّة له، و المواظبة على العمرة و الطّواف،و إقامة الصّلاة في ذلك المسجد المكرّم و الاعتكاف فيه،يستوجب بذلك ثوابا عظيما عند اللّه تعالى.

تمسّك بعض أصحابنا في وجوب العمرة بقوله تعالى:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ و وجه الاستدلال به أنّ قوله: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ إخبار عن أنّه تعالى جعله موصوفا بصفة كونه مثابة للنّاس.لكن لا يمكن إجراء الآية على هذا المعنى،لأنّ كونه (مَثابَةً لِلنّاسِ) صفة تتعلّق باختيار النّاس،و ما يتعلّق باختيار النّاس لا يمكن تحصيله بالجبر و الإلجاء.و إذا ثبت تعذّر إجراء الآية على ظاهرها،وجب حمل الآية على الوجوب،لأنّا متى حملناه على الوجوب كان ذلك أفضى إلى صيرورته،كذلك ممّا إذا حملناه على النّدب،فثبت أنّ اللّه تعالى أوجب علينا العود إليه مرّة أخرى،و قد توافقنا على أنّ هذا الوجوب لا يتحقّق فيما سوى الطّواف،فوجب تحقّقه في الطّواف.

هذا وجه الاستدلال بهذه الآية،و أكثر من تكلّم في أحكام القرآن طعن في دلالة هذه الآية على هذا المطلوب،و نحن قد بيّنّا دلالتها عليه من هذا الوجه الّذي بيّنّاه.(4:51)

البيضاويّ: مرجعا يثوب إليه أعيان الزّوّار و أمثالهم،أو موضع ثواب يثابون بحجّه و اعتماره.و قرئ (مثابات) أي لأنّه مثابة كلّ أحد.(1:81)

نحوه أبو السّعود(1:194)،و شبّر(1:142)، و المراغيّ(1:211).

الكاشانيّ: مرجعا و محلّ عود.(1:170)

القاسميّ: مباءة و مرجعا للحجّاج و العمّار، يتفرّقون عنه ثمّ يثوبون إليه.و مثابة«مفعلة»من الثّوب، و هو الرّجوع،تراميا إليه بالكلّيّة.و سرّ هذا التّفضيل ظاهر في انجذاب الأفئدة و هوى القلوب و انعطافها و محبّتها له،فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد،فهو الأولى بقول القائل:

محاسنه هيولى كلّ حسن

و مغناطيس أفئدة الرّجال

فهم يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار،و لا يقضون منه وطرا بل كلّما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقا.(2:247)ه.

ص: 701


1- كذا و الظّاهر:تعظيمه.

رشيد رضا:يذكّر اللّه تعالى العرب بهذه النّعمة أو النّعم العظيمة،و هي جعل البيت الحرام مرجعا للنّاس، يقصدون ثمّ يثوبون إليه،و مأمنا لهم في تلك البلاد بلاد المخاوف الّتي يتخطّف النّاس فيها من كلّ جانب،و بدعوة إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام للبيت و أهله المؤمنين.و في هذا التّذكير ما فيه من الفائدة في تقرير دعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بيان بنائها على أصول ملّة إبراهيم،الّذي تحترمه قريش و غيرها من العرب.

و قد اختار«المثابة»على نحو القصد و المزار،لأنّ لفظ«المثابة»يتضمّن هذا و زيادة،فإنّه لا يقال:ثاب المرء إلى الشّيء،إلاّ إذا كان قصده أوّلا ثمّ رجع إليه.و لمّا كان البيت معبدا و شعارا عامّا كان النّاس الّذين يدينون بزيارته و القصد إليه للعبادة يشتاقون الرّجوع إليه،فمن سهل عليه أن يثوب إليه فعل،و من لم يتمكّن من الرّجوع إليه بجثمانه،رجع إليه بقلبه و وجدانه،و كونه (مثابة للنّاس)أمر معروف في الجاهليّة و الإسلام،و هو يصدق برجوع بعض زائريه إليه،و حنين غيرهم و تمنّيهم له،عند عجزهم عنه.(1:460)

مكارم الشّيرازيّ: المثابة:من الثّوب،أي عودة الشّيء إلى حالته الأولى.و لمّا كانت الكعبة مركزا يتّجه إليه الموحّدون كلّ عام،فهي محلّ لعودة جسميّة و روحيّة إلى التّوحيد و الفطرة الأولى،و من هنا كانت (مثابة).

و كلمة(مثابة)تتضمّن معنى الرّاحة و الاستقرار، لأنّ بيت الإنسان و هو محلّ عودته الدّائم مكان للرّاحة و الاستقرار،و هذا المعنى تؤكّده كلمة(أمنا)الّتي تلي كلمة(مثابة)في الآية،و كلمة(للنّاس)توضح أنّه قاعدة لأمن عامّ لكلّ العالمين،و لكلّ الشّعوب المحرومة.

(1:328)

ثواب

1- ...وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ.

آل عمران:145

مقاتل:عنى بالآية:من ثبت يوم أحد و من طلب الغنيمة.(ابن الجوزيّ 1:470)

ابن إسحاق :أي فمن كان منكم يريد الدّنيا ليست له رغبة في الآخرة،نؤته ما قسم له منها من رزق،و لا حظّ له في الآخرة.و من يرد ثواب الآخرة نؤته منها ما وعده،مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه.

(الطّبريّ 4:115)

الجبّائيّ: من أراد بجهاده ثواب الدّنيا،أي النّصيب من الغنيمة.(الطّوسيّ 3:9)

الطّبريّ: أي من ابتغى بعمله من الدّنيا من رزق أيّام حياته نؤته،و من يرد بعمله جزاء منه ثواب الآخرة و ما عند اللّه من الكرامة أعدّها له.[هذا ملخّص كلامه]

(4:116)

نحوه الزّجّاج(1:475)،و ابن الجوزيّ(1:470).

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:من أراد بجهاده ثواب الدّنيا،أي ما يصيبه من الغنيمة،و هذا قول بعض البصريّين.

و الثّاني:[قول ابن إسحاق و قد تقدّم]

ص: 702

و الثّالث:من أراد ثواب الدّنيا بالنّهوض لها بعمل النّوافل مع مواقعة الكبائر جوزي عليه في الدّنيا دون الآخرة.(1:427)

الطّوسيّ: قيل في معناه ثلاثة أقوال:[ثمّ ذكر قول ابن إسحاق و الجبّائيّ و قال:]

الثّالث:من يرد ثواب الدّنيا بالتّعرّض له بعمل النّوافل مع مواقعة الكبائر،جوزي بها في الدّنيا من غير حظّ في الآخرة،لإحباط عمله بفسقه،على مذهب من يقول بالإحباط،و من يرد بعمله ثواب الآخرة نؤته إيّاها.و(من)في قوله:(منها)تكون زائدة،و يحتمل أن تكون للتّبعيض،لأنّه يستحقّ الثّواب على قدر عمله.

(3:9)

نحوه الطّبرسيّ.(1:515)

الواحديّ: أي من يرد بطاعته و عمله زينة الدّنيا و زخرفها،نؤته منها ما شاء ممّا قدّرنا له،كقوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ الإسراء:18.

و عنى بهذا:الّذين تركوا المركز يوم أحد،طلبا للغنيمة و رغبة في الدّنيا، وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ أي من كان قصده بعمله ثواب الآخرة نُؤْتِهِ مِنْها يعني الّذي ثبتوا يوم أحد حتّى قتلوا.(1:500)

نحوه البغويّ(1:518)،و القرطبيّ(4:327)، و الخازن(1:361).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الّذين حضروا يوم أحد كانوا فريقين:منهم من يريد الدّنيا،و منهم يريد الآخرة،كما ذكره اللّه تعالى فيما بعد من هذه السّورة.

فالّذين حضروا القتال للدّنيا،هم الّذين حضروا لطلب الغنائم و الذّكر و الثّناء،و هؤلاء لا بدّ و أن ينهزموا، و الّذين حضروا للدّين،فلا بدّ و أن لا ينهزموا.ثمّ أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّ من طلب الدّنيا لا بدّ و أن يصل إلى بعض مقصوده،و من طلب الآخرة فكذلك،و تقريره قوله عليه السّلام:«إنّما الأعمال بالنّيّات»إلى آخر الحديث.

و اعلم أنّ هذه الآية و إن وردت في الجهاد خاصّة، لكنّها عامّة في جميع الأعمال؛و ذلك لأنّ المؤثّر في جلب الثّواب و العقاب،المقصود و الدّواعي لا ظواهر الأعمال، فإنّ من وضع الجبهة على الأرض في صلاة الظّهر و الشّمس قدّامه،فإن قصد بذلك السّجود عبادة اللّه تعالى كان ذلك من أعظم دعائم الإسلام،و إن قصد به عبادة الشّمس كان ذلك من أعظم دعائم الكفر.

و روى أبو هريرة عنه عليه السّلام أنّ اللّه تعالى يقول يوم القيامة لمقاتل في سبيل اللّه:«في ما ذا قتلت؟فيقول:

أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتّى قتلت،فيقول تعالى:كذبت بل أردت أن يقال:فلان محارب،و قد قيل ذلك»،ثمّ إنّ اللّه تعالى يأمر به إلى النّار.(9:25)

البيضاويّ: تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد، فإنّ المسلمين حملوا على المشركين و هزموهم،و أخذوا ينهبون،فلمّا رأى الرّماة ذلك أقبلوا على النّهب، و خلّوا مكانهم،فانتهز المشركون و حملوا عليهم من ورائهم،فهزموهم.(1:185)

نحوه أبو حيّان(3:70)،و الآلوسيّ(4:78).

النّيسابوريّ: أي من عمل شوقا إلى الحقّ فقد رأى نعمة وجود المنعم،فثوابه نقد في الدّنيا،لأنّه حاضر لا غيبة له و هو معنى قولهم:الصّوفيّ ابن الوقت.[ثمّ

ص: 703

استشهد بشعر]

و من عمل شوقا إلى الجنّة فنظره على النّعمة،فثوابه في الآخرة.(4:87)

2- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. آل عمران:148

ابن عبّاس: النّصر و الغنيمة.(ابن الجوزيّ 1:473)

قتادة :أي و اللّه لآتاهم اللّه الفتح و الظّهور و التّمكين و النّصر على عدوّهم في الدّنيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ يقول:حسن الثّواب في الآخرة:هي الجنّة.(الطّبريّ 4:122)

نحوه الرّبيع(الطّبريّ 4:122)،و القرطبيّ(4:231).

ابن جريج: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا: النّصر و الغنيمة، وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ. الجنّة و ما أعدّ فيها.

(الطّبريّ 4:122)

نحوه الزّجّاج.(1:477)

النّقّاش: ليس إلاّ الظّفر و الغلبة،لأنّ الغنيمة لم تحلّ إلاّ لهذه الأمّة.(أبو حيّان 3:76)

نحوه الواحديّ(1:502)،و البغويّ(1:521).

الطّوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و يجوز أن يكون ما آتاهم اللّه في الدّنيا من الظّفر و النّصر و أخذ الغنيمة ثوابا مستحقّا لهم على طاعاتهم، لأنّ في ذلك تعظيما لهم و تبجيلا،و لذلك تقول:إنّ المدح على أفعال الطّاعة و التّسمية بالأسماء الشّريفة بعض الثّواب،و يجوز أن يكون اللّه تعالى أعطاهم ذلك تفضّلا منه تعالى،أو لما لهم فيه من اللّطف،فتكون تسميته بأنّه ثواب،مجازا.

و حدّ الثّواب هو النّفع الخالص المستحقّ الّذي يقارنه تعظيم و تبجيل،و العوض هو النّفع المستحقّ الخالي من التّعظيم و التّبجيل،و التّفضّل هو النّفع الّذي ليس بمستحقّ و لا معه تعظيم و تبجيل.

و إنّما جاز تأخير الثّواب المستحقّ مع ثبوت الاستحقاق له عقيب الطّاعة لأمرين:

أحدهما:قال أبو عليّ:لأنّه يوفّر عليه ما يفوته في زمان التّكليف إلى خير الثّواب.و قال الرّمّانيّ:لأنّه إذا أخّر عظم ما يستحقّه بالتّأخّر على ما كان لو قدّم،لأنّه إذا استحقّ مثلا مائة جزء عاجلا،فإذا أخّر استحقّ مائة و عشرة أو مائة و جزء.

و قيل في وجه حسن تأخيره:أنّه لو كان عقيب الطّاعة لأدّى إلى أن يكون المكلّف ملجأ إلى فعل الطّاعة،لأنّ المنافع الكثيرة تلجئ إلى الفعل،كما أنّ دفع المضارّ العظيمة تلجئ إلى مثله،و ذلك ينافي التّكليف.

(3:13)

نحوه الطّبرسيّ.(1:517)

الميبديّ: يعني النّصر على عدوّهم، وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ: جنّة اللّه و رضوانه،فمن فعل ذلك فقد أحسن.

قال المفسّرون:ثواب الدّنيا في حقّ هذه الأمّة النّصر على العدوّ و الغنيمة،و في حقّ الأمم السّالفة النّصر فقط دون الغنيمة،لأنّ الغنيمة لهم حرام،و خصّ هذه الغنيمة للمصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم،و به قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أحلّت لي المغانم و لم تحلّ لأحد قبلي».(2:302)

ص: 704

الزّمخشريّ: من النّصرة و الغنيمة و العزّ و طيب الذّكر،و خصّ ثواب الآخرة بالحسن،دلالة على فضله و تقدّمه،و أنّه هو المعتدّ به عنده، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الأنفال:67.(1:469)

ابن الجوزيّ: [ذكر بعض أقوال المفسّرين و أضاف:]

و هذا تعليم من اللّه تعالى للمؤمنين ما يفعلون و يقولون عند لقاء العدوّ.(1:473)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قوله: فَآتاهُمُ اللّهُ يقتضي أنّه تعالى أعطاهم الأمرين،أمّا ثواب الدّنيا،فهو النّصرة و الغنيمة،و قهر العدوّ و الثّناء الجميل،و انشراح الصّدر بنور الإيمان،و زوال ظلمات الشّبهات و كفّارة المعاصي و السّيّئات.

و أمّا ثواب الآخرة،فلا شكّ أنّه هو الجنّة و ما فيها من المنافع و اللّذّات،و أنواع السّرور و التّعظيم،و ذلك غير حاصل في الحال.فيكون المراد:أنّه تعالى حكم لهم بحصولها في الآخرة،فأقام حكم اللّه بذلك مقام نفس الحصول،كما أنّ الكذب في وعد اللّه و الظّلم في عدله محال،أو يحمل قوله:(فآتاهم)على أنّه سيؤتيهم،على قياس قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ النّحل:1،أي سيأتي أمر اللّه.

قال القاضي: و لا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصّة بالشّهداء،و قد أخبر اللّه تعالى عن بعضهم أنّهم أحياء عند ربّهم يرزقون،فيكون حال هؤلاء الرّبّيّين أيضا كذلك،فإنّه تعالى في حال إنزال هذه الآية كان قد آتاهم حسن ثواب الآخرة في جنان السّماء.

المسألة الثّانية:خصّ تعالى ثواب الآخرة بالحسن تنبيها على جلالة ثوابهم؛و ذلك لأنّ ثواب الآخرة كلّه في غاية الحسن،فما خصّه اللّه بأنّه حسن من هذا الجنس، فانظر كيف يكون حسنه،و لم يصف ثواب الدّنيا بذلك لقلّتها و امتزاجها بالمضارّ و كونها منقطعة زائلة.

قال القفّال رحمه اللّه:يحتمل أن يكون الحسن هو الحسن كقوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83،أي حسنا،و الغرض منه المبالغة كأنّ تلك الأشياء الحسنة لكونها عظيمة في الحسن صارت نفس الحسن،كما يقال:

فلان جود و كرم،إذا كان في غاية الجود و الكرم،و اللّه أعلم.

المسألة الثّالثة:قال فيما تقدّم: وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها فذكر لفظة(من)الدّالّة على التّبعيض،فقال في هذه الآية: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ و لم يذكر كلمة(من)،و الفرق:أنّ الّذين يريدون ثواب الآخرة إنّما اشتغلوا بالعبوديّة لطلب الثّواب،فكانت مرتبتهم في العبوديّة نازلة.و أمّا المذكورون في هذه الآية فإنّهم لم يذكروا في أنفسهم إلاّ الذّنب و القصور، و هو المراد من قوله: اِغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا آل عمران:147،و لم يروا التّدبير و النّصرة و الإعانة إلاّ من ربّهم،و هو المراد بقوله: وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فكان مقام هؤلاء في العبوديّة في غاية الكمال،فلا جرم أولئك فازوا ببعض الثّواب،و هؤلاء فازوا بالكلّ،و أيضا

ص: 705

أولئك أرادوا الثّواب،و هؤلاء ما أرادوا الثّواب.و إنّما أرادوا خدمة مولاهم،فلا جرم أولئك حرموا و هؤلاء أعطوا،ليعلم أنّ كلّ من أقبل على خدمة اللّه أقبل على خدمته كلّ ما سوى اللّه.(9:28)

نحوه الخازن(1:362)،و القاسميّ(4:991).

البيضاويّ: فآتاهم اللّه بسبب الاستغفار و اللّجإ إلى اللّه:النّصر و الغنيمة و العزّ و حسن الذّكر في الدّنيا، و الجنّة و النّعيم في الآخرة.و خصّ ثوابها بالحسن إشعارا بفضله،و أنّه المعتدّ به عند اللّه.(1:186)

نحوه النّسفيّ(1:186)،و الشّربينيّ(1:253)، و الكاشانيّ(1:360)،و البروسويّ(2:107)،و شبّر (1:383)

أبو حيّان :قرأ الجحدريّ (فاثابهم) من الإثابة، و لما تقدّم في دعائهم ما يتضمّن الإجابة فيه الثّوابين،و هو قولهم: اِغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فهذا يتضمّن ثواب الآخرة وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا يتضمّن ثواب الدّنيا،أخبر تعالى أنّه منحهم الثّوابين.

و هناك بدءوا في الطّلب بالأهمّ عندهم،و هو ما ينشأ عنه ثواب الآخرة،و هنا أخبر بما أعطاهم مقدّما ذكر ثواب الدّنيا،ليكون ذلك إشعارا لهم بقبول دعائهم و إجابتهم إلى طلبهم،و لأنّ ذلك في الزّمان متقدّم على ثواب الآخرة. تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الأنفال:67،و ترغيبا في طلب ما يحصله من العمل الصّالح،و مناسبة لآخر الآية.قال عليّ:«من عمل لدنياه أضرّ بآخرته،و من عمل لآخرته أضرّ بدنياه، و قد يجمعهما اللّه تعالى لأقوام».(3:76)

الآلوسيّ: قيل:و تسمية ذلك ثوابا،لأنّه مترتّب على طاعتهم،و فيه إجلال لهم و تعظيم،و قيل:تسمية ذلك ثوابا مجاز،لأنّه يحاكيه.

و استشكل تفسير ابن جريج بأنّ الغنائم لم تحلّ لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جاءت نار من السّماء فأخذته،فكيف تكون الغنيمة ثوابا دنيويّا و لم يصل للغانمين منها شيء؟!

و أجيب بأنّ المال الّذي تأخذه النّار غير الحيوان، و أمّا الحيوان فكان يبقى للغانمين دون الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،فكان ذلك هو الثّواب الدّنيويّ وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ أي و ثواب الآخرة الحسن.

و لعلّ تقديم ثواب الدّنيا عليه مراعاة للتّرتيب الوقوعيّ،أو لأنّه أنسب بما قبله من الدّعاء بالنّصر على الكافرين.(4:86)

الطّباطبائيّ: و في الآية موعظة و اعتبار،مشوب بعتاب و تشويق للمؤمنين أن يأتمّوا بهؤلاء الرّبّيّين فيؤتيهم اللّه ثواب الدّنيا و حسن ثواب الآخرة كما آتاهم،و يحبّهم لإحسانهم كما أحبّهم لذلك.

و قد حكى اللّه من فعلهم و قولهم ما للمؤمنين أن يعتبروا به،و يجعلوه شعارا لهم حتّى لا يبتلوا بما ابتلوا به يوم أحد من الفعل و القول غير المرضيّين للّه تعالى، و حتّى يجمع اللّه لهم ثواب الدّنيا و الآخرة،كما جمع لأولئك الرّبّيّين.

و قد وصف ثواب الآخرة بالحسن دون الدّنيا، إشارة إلى ارتفاع منزلتها و قدرها بالنّسبة إليها.

(4:41)

ص: 706

3- مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً. النّساء:134

ابن عبّاس: يريد متاع الدّنيا.(الواحديّ 2:126)

أبو سليمان الدّمشقيّ: إنّ هذه الآية نزلت من أجل المنافقين،كانوا لا يصدّقون بالقيامة و إنّما يطلبون عاجل الدّنيا.(ابن الجوزيّ 2:221)

الجبّائيّ: أي يملك سبحانه الدّنيا و الآخرة،فيطلب المجاهد الثّوابين عند اللّه.(الطّبرسيّ 2:122)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه مَنْ كانَ يُرِيدُ ممّن أظهر الإيمان،لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل النّفاق الّذين يستبطنون الكفر،و هم مع ذلك يظهرون الإيمان.

ثَوابَ الدُّنْيا يعني عرض الدّنيا،بإظهار ما أظهر من الإيمان بلسانه، فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا يعني جزاؤه في الدّنيا منها.و ثوابه فيها،هو ما يصيب من المغنم،إذا شهد مع النّبيّ مشهدا،و أمنه على نفسه و ذرّيّته و ماله و ما أشبه ذلك.و أمّا ثوابه في الآخرة فنار جهنّم.(5:320)

نحوه الطّوسيّ(3:352)،و الطّبرسيّ(2:122).

الزّجّاج: كان مشركو العرب لا يؤمنون بالبعث، و كانوا مقرّين بأنّ اللّه خالقهم،فكان تقرّبهم إلى اللّه عزّ و جلّ إنّما هو ليعطيهم من خير الدّنيا و يصرف عنهم شرّها،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ خير الدّنيا و الآخرة عنده.(2:117)

الماورديّ: ثواب الدّنيا:النّعمة،و ثواب الآخرة:

الجنّة.(1:534)

البغويّ: يريد:من يريد بعمله عرضا من الدّنيا و لا يريد بها اللّه عزّ و جلّ آتاه اللّه من عرض الدّنيا أو دفع عنه فيها ما أراد اللّه،و ليس له في الآخرة من ثواب،و من أراد بعمله ثواب الآخرة آتاه اللّه من الدّنيا ما أحبّ، و جزاه الجنّة في الآخرة.(1:711)

نحوه ابن عطيّة.(1:122)

الزّمخشريّ: كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ فما له يطلب أحدهما دون الآخر؟و الّذي يطلبه أخسّهما،لأنّ من جاهد للّه خالصا لم تخطئه الغنيمة،و له من ثواب الآخرة ما الغنيمة إلى جنبه كلا شيء،و المعنى:فعند اللّه ثواب الدّنيا و الآخرة له إن أراده،حتّى يتعلّق الجزاء بالشّرط.(1:570)

نحوه الفخر الرّازيّ(11:71)،و البيضاويّ(1:

249)،و النّسفيّ(1:255)،و الخازن(1:506)، و الكاشانيّ(1:471)،و البروسويّ(2:300).

القرطبيّ: أي من عمل بما افترضه اللّه عليه طلبا للآخرة أتاه اللّه ذلك في الآخرة،و من عمل طلبا للدّنيا أتاه بما كتب له في الدّنيا و ليس له في الآخرة من ثواب، لأنّه عمل لغير اللّه،كما قال تعالى: ...وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ الشّورى:20،و قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ هود:16.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](5:410)

أبو حيّان:قال الماتريديّ: يحتمل أن يكون المعنى من عبد الأصنام طلبا للعزّ لا يحصل له ذلك،و لكن عند اللّه عزّ الدّنيا و الآخرة،أو للتّقرّب و الشّفاعة،أي ليس له ذلك و لكن اعبدوا اللّه،فعنده ثواب الدّنيا و الآخرة، لا عند من تطلبون.

و يحتمل أن تكون في أهل النّفاق الّذين يراءون

ص: 707

بأعمالهم الصّالحة في الدّنيا لثواب الدّنيا لا غير.

و(من)يحتمل أن تكون موصولة،و الظّاهر أنّها شرط و جوابه الجملة المقرونة بفاء الجواب،و لا بدّ في الجملة الواقعة جوابا لاسم الشّرط غير الظّرف،من ضمير عائد على اسم الشّرط حتّى يتعلّق الجزاء بالشّرط،و التّقدير:ثواب الدّنيا و الآخرة له إن أراده، هكذا قدّره الزّمخشريّ و غيره.

و الّذي يظهر أنّ جواب الشّرط محذوف لدلالة المعنى عليه،و التّقدير:من كان يريد ثواب الدّنيا فلا يقتصر عليه،و ليطلب الثّوابين،فعند اللّه ثواب الدّنيا و الآخرة.[ثمّ ذكر قول الرّاغب المتقدّم في اللّغة]

(3:368)

ابن كثير :أي يا من ليس له همّة إلاّ الدّنيا،اعلم أنّ عند اللّه ثواب الدّنيا و الآخرة،و إذا سألته من هذه و هذه أعطاك و أغناك و أقناك،كما قال تعالى: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ* وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ* أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا البقرة:200-202 الآية،و قال تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ الشّورى:20 الآية،و قال تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ -إلى قوله- اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الإسراء:18-21 الآية.

و قد زعم ابن جرير:أنّ المعنى في هذه الآية مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا أي من المنافقين الّذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك. فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا و هو ما حصل لهم من المغانم و غيرها مع المسلمين،و قوله:

(و الآخرة)أي و عند اللّه ثواب الآخرة،و هو ما ادّخره لهم من العقوبة في نار جهنّم،جعلها كقوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها -إلى قوله- وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هود:15،16.

و لا شكّ أنّ هذه الآية معناها ظاهر،و أمّا تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر،فإنّ قوله: فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ظاهر في حصول الخير في الدّنيا و الآخرة،أي بيده هذا و هذا،فلا يقتصرنّ قاصر الهمّة على السّعي للدّنيا فقط،بل لتكن همّته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدّنيا و الآخرة،فإنّ مرجع ذلك كلّه إلى الّذي بيده الضّرّ و النّفع،و هو اللّه الّذي لا إله إلاّ الّذي قد قسّم السّعادة و الشّقاوة بين النّاس في الدّنيا و الآخرة،و عدل بينهم فيما علمه فيهم،ممّن يستحقّ هذا و ممّن يستحقّ هذا،و لهذا قال: وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً. (2:412)

نحوه الآلوسيّ(5:166)،و القاسميّ(5:1603).

الشّربينيّ: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا الخسيسة الفانية،كالمجاهد يجاهد للغنيمة لقصور نظره على الخسيس الحاضر،مع خسّته كالبهائم فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا الخسيسة الفانية،(و الآخرة)النّفيسة الباقية،لا عند غيره،فماله يطلب الخسيس؟فليطلبها منه،كمن يقول:ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة،أو ليطلب الأشرف منهما.فإنّ من غلب همّته فأقبل بقلبه إليه و قصر همّه عليه،جمع له سبحانه و تعالى بينهما،كمن يجاهد للّه خالصا،يجمع له بين

ص: 708

الآخرة و المغنم.(1:338)

شبّر:فليطلب الثّوابين جميعا من عند اللّه،و ماله يكتفي بأخسّهما،و يدع أشرفهما.(2:111)

رشيد رضا : مَنْ كانَ يُرِيدُ منكم بسعيه و كدحه و جهاده في حياته ثَوابَ الدُّنْيا و نعيمها بالمال و الجاه فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ جميعا، و قد وهبكم من القوى و الجوارح،و هداية الحواسّ و العقل و الوجدان و الدّين ما يمكنكم به نيل ذلك، فعليكم أن تطلبوا الثّوابين جميعا،و لا تكتفوا بالأدنى الفاني عن الأعلى الباقي،و الجمع بينهما ميسور لكم،و ممّا تناله قدرتكم.فمن سفه النّفس،و أفن الرّأي،أن ترغبوا عنه.

و الآية تدلّ على أنّ الإسلام يهدي أهله إلى سعادة الدّارين،و أن يتذكّروا أنّ كلاّ من ثواب الدّنيا و ثواب الآخرة من فضل اللّه و رحمته،و قد سبق بيان هذا في تفسير رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ البقرة:201.(5:454)

المراغيّ: أي من يرد منكم بسعيه و جهاده في حياته نعيم الدّنيا بالمال و الجاه و نحوهما،فعند اللّه ثواب الدّارين معا بما أعطاكم من العقل و الشّعور و هداية الحواسّ،فعليكم أن تطلبوهما معا،و لا تكتفوا بما هو أدناهما و هو ما يفنى،و تتركوا أغلاهما و هو ما يبقى،مع أنّ الجمع بينهما هيّن ميسور لكم،و هو تحت قدرتكم و سلطانكم.فمن خطل الرّأي أن تتركوا ذلك و ترغبوا عنه،بل عليكم أن تقولوا: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ.

و في الآية إيماء إلى أنّ الدّين يهدي أهله إلى السّعادتين،و إلى أنّ ثواب الدّنيا و الآخرة من فضله تعالى و رحمته.(5:177)

محمّد جواد مغنية: أي أنّ ثواب الدّنيا و الآخرة يمكن تحقّقهما و الحصول عليهما،مع الإيمان و التّقوى.

و من ظنّ أنّ ثواب الدّنيا لا يجتمع مع التّقوى فهو مخطئ، لأنّ ما من شيء يحقّق للإنسان سعادته و كرامته في هذه الحياة إلاّ و يقوّه الدّين،بل يأمر به،و يحثّ عليه بشرط واحد،هو أن لا تكون سعادته شقاء لغيره،و كرامته امتهانا لسواه.إذن لا تصادم أبدا بين ثواب الدّنيا و ثواب الآخرة،و إنّما التّضادّ و التّصادم بين الظّلم و ثواب الآخرة،بين الغشّ و الخداع و السّلب و النّهب،و بين مرضاة اللّه و نعيمه و جنانه.(2:456)

الطّباطبائيّ: بيان آخر يوضّح خطأ من يترك تقوى اللّه و يضيّع وصيّته،بأنّه إن فعل ذلك ابتغاء ثواب الدّنيا و مغنمها فقد اشتبه عليه الأمر،فإنّ ثواب الدّنيا و الآخرة معا عند اللّه و بيده،فما له يقصر نظره بأخسّ الأمرين،و لا يطلب أشرفهما أو إيّاهما جميعا؟كذا قيل.

و الأظهر أن يكون المراد-و اللّه أعلم-أنّ ثواب الدّنيا و الآخرة و سعادتهما معا إنّما هو عند اللّه سبحانه، فليتقرّب إليه حتّى من أراد ثواب الدّنيا و سعادتها،فإنّ السّعادة لا توجد للإنسان في غير تقوى اللّه الحاصل بدينه الّذي شرّعه له،فليس الدّين إلاّ طريق السّعادة الحقيقيّة،فكيف ينال نائل ثوابا من غير إيتائه تعالى و إفاضته من عنده وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً.

(5:104)

ص: 709

مكارم الشّيرازيّ: و الآية الأخيرة من الآيات الأربع الماضية،ورد الحديث فيها عن أناس يزعمون أنّهم مسلمون،و يشاركون في ميادين الجهاد،و يطبّقون أحكام الإسلام،دون أن يكون لهم هدف إلهيّ بل يهدفون لنيل مكاسب مادّيّة مثل غنائم الحرب،فتنبّه الآية إلى أنّ الّذين يطلبون الأجر الدّنيويّ إنّما هم يتوهّمون في طلبهم هذا،لأنّ اللّه عنده ثواب الدّنيا و الآخرة معا مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ.

فلما ذا لا يطلب-و لا يرجو-هؤلاء،الثّوابين معا؟! و اللّه يعلم بنوايا الجميع،و يسمع كلّ صوت،و يرى كلّ مشهد،و يعرف أعمال المنافقين و أشباههم وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً.

و تكرّر هذه الآية الأخيرة حقيقة أنّ الإسلام لا ينظر فقط إلى الجوانب المعنويّة و الأخرويّة بل أنّه ينشد لأتباعه السّعادتين المادّيّة و المعنويّة معا.(3:426)

الثّواب

...لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ. آل عمران:195

الطّوسيّ: معناه أنّ عنده من حسن الجزاء على الأعمال،ما لا يبلغه وصف واصف ممّا لا عين رأت و لا خطر على قلب بشر.(3:90)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل: حُسْنُ الثَّوابِ في دوامه و سلامته عن كلّ شوب من النّقصان و التّكدير.(1:559)

الفخر الرّازيّ: هو تأكيد ليكون ذلك الثّواب في غاية الشّرف،لأنّه تعالى لمّا كان قادرا على كلّ المقدورات،عالما بكلّ المعلومات،غنيّا عن الحاجات، كان لا محالة في غاية الكرم و الجود و الإحسان،فكان عنده حسن الثّواب.

روي عن جعفر الصّادق عليه السّلام أنّه قال: من أحزنه أمر فقال خمس مرّات:(ربّنا)أنجاه اللّه ممّا يخاف و أعطاه ما أراد،و قرأ هذه الآية.قال:لأنّ اللّه حكى عنهم أنّهم قالوا خمس مرّات:(ربّنا)ثمّ أخبر أنّه استجاب لهم.(9:151)

القرطبيّ: أي حسن الجزاء،و هو ما يرجع على العامل من جزاء عمله،من ثاب يثوب.(4:319)

نحوه الشّربينيّ.(1:276)

البروسويّ: لا يكون عند غيره الثّواب المطلق الّذي لا ثواب و راءه،و لهذا قال:(و اللّه)لأنّه اسم الذّات الجامع لجميع الصّفات،فلم يحسن أن يقع غيره من «الرّحمن»أو«الرّحيم»أو سائر الأسماء،موقعه.

(2:153)

نحوه المراغيّ.(4:168)

شبّر: على الأعمال،لا يقدر عليه سواه.(1:416)

رشيد رضا :قال الأستاذ الإمام كغيره:إنّ هذا تأكيد لما قبله،من كون الثّواب من عند اللّه،ليبيّن أنّ هذا الجزاء بمحض الفضل و الكرم الإلهيّ،و أنّه يقع بإرادته و اختياره تعالى،و إن كان جزاء على عمل.

و أقول:إنّ كون الجزاء بفضل اللّه و رحمته لا ينافي

ص: 710

ما قلناه في معنى الجزاء و الثّواب،لأنّ كلّ ما يصيب العباد من خير في الدّنيا فهو من فضله تعالى و رحمته،و إن كان قد جعل له أسبابا هو أثر طبيعيّ لها كالمطر و الصّحّة و غير ذلك،و اللّه أكرم و أرحم و أعلم و أحكم.(4:311)

2- وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً.

الكهف:31

ابن عبّاس: أي طاب ثوابهم و عظم.

(الطّبرسيّ 3:467)

الطّبريّ: يقول:نعم الثّواب جنّات عدن، و ما وصف جلّ ثناؤه أنّه جعل لهؤلاء الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات.(15:243)

الطّوسيّ: الجزاء على الطّاعات.(7:40)

نحوه البروسويّ.(5:244)

البغويّ: نعم الجزاء.(3:191)

نحوه الخازن.(4:179)

البيضاويّ: الجنّة و نعيمها.(2:12)

نحوه الشّربينيّ(2:374)،و شبّر(4:74)، و الآلوسيّ(15:273)،و القاسميّ(11:4057)، و المراغيّ(15:145).

ثوابا

1- ...لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ. آل عمران:195

الطّبريّ: جزاء لهم على ما عملوا،و أبلوا في اللّه و في سبيله.(4:216)

نحوه الطّبرسيّ.(1:559)

الزّجّاج: مصدر مؤكّد،لأنّ معنى وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لأثيبنّهم،و مثله كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ النّساء:24،لأنّ قوله عزّ و جلّ:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ... النّساء:23، معناه:كتب اللّه عليكم هذا،ف(كتاب اللّه)مؤكّد، و كذلك قوله عزّ و جلّ: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ النّمل:88،و قد علم أنّ ذلك صنع اللّه.(1:500)

نحوه الطّوسيّ(3:89)،و ابن عطيّة(1:558)،و ابن الجوزيّ(1:530)،و الفخر الرّازيّ(9:151)، و القرطبيّ(4:319).

النّسفيّ: (ثوابا)في موضع المصدر المؤكّد،يعني إثابة أو تثويبا.(1:202)

نحوه أبو السّعود(2:88)،و القاسميّ(4:1072).

أبو حيّان :انتصب(ثوابا)على المصدر المؤكّد،و إن كان الثّواب هو المثاب به،كما كان العطاء هو المعطى.

و استعمل في بعض المواضع بمعنى المصدر الّذي هو الإعطاء،فوضع(ثوابا)موضع إثابة،أو موضع تثويبا، لأنّ ما قبله في معنى لأثيبنّهم،و نظيره«صنع اللّه»و«وعد اللّه»و جوّز أن يكون حالا من(جنّات)أي مثابا بها،أو من ضمير المفعول في وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ أي مثابين.و أن يكون بدلا من(جنّات)على تضمين(و لادخلنّهم) معنى و لأعطينّهم.و أن يكون مفعولا بفعل محذوف يدلّ

ص: 711

عليه المعنى،أي يعطيهم ثوابا.

و قيل:انتصب على التّمييز.

و قال الكسائيّ: هو منصوب على القطع،و لا يتوجّه لي معنى هذين القولين هنا.(3:146)

نحوه البروسويّ(2:151)،و الآلوسيّ(4:17).

الشّربينيّ: أي أثيبهم بذلك إثابة.(1:276)

نحوه شبّر.(1:416)

المراغيّ: الثّواب و المثوبة:الجزاء،و قد جعله الدّين أثرا طبيعيّا للعمل،فللأعمال تأثير في نفس العامل بتزكيتها،فتكون منعّمة في الآخرة،أو تدسيتها فتكون معذّبة فيها.(4:167)

2- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً.

الكهف:44

راجع«خ ي ر،خير»

3- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً. الكهف:46

الزّمخشريّ: أي ما يتعلّق بها من الثّواب، و ما يتعلّق بها من الأمل،لأنّ صاحبها يأمل في الدّنيا ثواب اللّه و يصيبه في الآخرة.(2:487)

نحوه النّسفيّ(3:150)،و الفخر الرّازيّ(21:131).

ابن الجوزيّ: أي أفضل جزاء.(5:150)

أبو السّعود :عائدة تعود إلى صاحبها.(3:254)

نحوه شبّر(4:81)،و الكاشانيّ(3:244)، و البروسويّ(5:251)،و المشهديّ(6:61).

الآلوسيّ: جزاء و أجرا،و قيل:نفعا.(15:287)

4- وَ يَزِيدُ اللّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا. مريم:76

الواحديّ: جزاء في الآخرة ممّا يفتخر به الكفّار، من مالهم و حسن معاشهم.(3:194)

الطّبرسيّ: قد مرّ تفسيره في سورة الكهف، و جملته:أنّ الأعمال الصّالحة الّتي تبقى ببقاء ثوابها،و تنفع صاحبها في الدّنيا و الآخرة،خير ثوابا من مقامات الكفّار الّتي يفتخرون بها كلّ الافتخار.(3:528)

البيضاويّ: (...ثوابا)عائدة ممّا متّع به الكفرة من النّعم المخدجة الفانية الّتي يفتخرون بها،سيّما و مآلها النّعيم المقيم،و مآل هذه الحسرة و العذاب الدّائم،كما أشار إليه بقوله: وَ خَيْرٌ مَرَدًّا (2:41)

مثله أبو السّعود(4:256)،و نحوه شبّر(4:132).

ابن كثير :جزاء.(4:482)

البروسويّ: هو الجزاء،لأنّه نفع يعود إلى المجزى،و هو اسم من الإثابة أو التّثويب،أي الأعمال الّتي تبقى عائدتها أبدا خير عند ربّك من مفاخرات الكفّار،و حظوظهم العاجلة.(5:353)

مثوبة

1- وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. البقرة:103

ابن عبّاس: لكان ثوابهم عند اللّه.(15)

نحوه قتادة،و السّدّيّ،و الرّبيع.(الطّبريّ 1:468)

ص: 712

الطّبريّ: و قد زعم بعض نحوييّ البصرة أنّ قوله:

وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ ممّا اكتفى بدلالة الكلام على معناه عن ذكر جوابه،و أنّ معناه:و لو أنّهم آمنوا و اتّقوا لأثيبوا.و لكنّه استغنى بدلالة الخبر عن«المثوبة»عن قوله:«لأثيبوا».

و كان بعض نحويّي أهل البصرة ينكر ذلك،و يرى أنّ جواب قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ و أنّ(لو)إنّما أجيبت ب(لمثوبة)،و إن كانت أخبر عنها بالماضي من الفعل،لتقارب معناها من معنى«لئن»في أنّهما جزاءان،فإنّهما جوابان للإيمان،فأدخل جواب كلّ واحدة منهما على صاحبتها،فأجيبت(لو)بجواب «لئن»،و«لئن»بجواب(لو)لذلك،و إن اختلفت أجوبتهما،فكانت(لو)من حكمها و حظّها أن تجاب بالماضي من الفعل،و كانت«لئن»من حكمها و حظّها أن تجاب بالمستقبل من الفعل،لما وصفنا من تقاربهما،فكان يتأوّل معنى قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا و لئن آمنوا و اتّقوا لمثوبة من عند اللّه خير.(1:468)

الزّجّاج: (مثوبة)في موضع جواب«لو»لأنّها تنبئ عن قولك:«لأثيبوا»،و معنى الكلام أنّ ثواب اللّه خير لهم من كسبهم بالكفر و السّحر.(1:187)

الواحديّ: و المثوبة كالثّواب،و كذلك المثوبة مثل المشورة و المشورة،و يعني بالآية:أنّ ثواب اللّه لهم لو آمنوا خير من كسبهم بالكفر و السّحر.(1:186)

نحوه البغويّ(1:152)،و الخازن(1:78).

الزّمخشريّ: و قرئ (لمثوبة) كمشورة، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنّ ثواب اللّه خير ممّا هم فيه،و قد علموا،لكنّه جهّلهم لترك العمل بالعلم.

فإن قلت:كيف أوثرت الجملة الاسميّة على الفعليّة في جواب(لو)؟

قلت:لما في ذلك من الدّلالة على إثبات المثوبة و استقرارها،كما عدل عن النّصب إلى الرّفع في«سلام عليكم»لذلك.

فإن قلت:فهلاّ قيل:لمثوبة اللّه خير.

قلت:لأنّ المعنى لشيء من الثّواب خير لهم.و يجوز أن يكون قوله:و لو أنّهم آمنوا تمنّيا لإيمانهم،على سبيل المجاز عن إرادة اللّه إيمانهم و اختيارهم له،كأنّه قيل:

وليتهم آمنوا،ثمّ ابتدئ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ.

(1:302)

نحوه الفخر الرّازيّ(3:223)،و النّسفيّ(1:67)، و شبّر(1:131).

ابن عطيّة: قرأ قتادة و أبو السّمال و ابن بريدة (لمثوبة) بسكون الثّاء و فتح الواو،و هو مصدر أيضا كمشورة و مشورة،و(مثوبة)رفعت بالابتداء و(خير) خبره،و الجملة خبر(انّ) (1).

و المثوبة عند جمهور النّاس بمعنى الثّواب و الأجر، و هذا هو الصّحيح،.و قال قوم:معناه لرجعة اللّه،من ثاب يثوب،إذا رجع.و اللاّم فيها لام القسم،لأنّ لام الابتداء مستغنى عنها،و هذه لا غنى عنها.(1:189)

الطّبرسيّ: أي لأثيبوا،و ثواب اللّه خير.(1:177)

القرطبيّ: المثوبة:الثّواب،و هي جواب وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا عند قوم.و قال الأخفش سعيد:ليس).

ص: 713


1- و الصّحيح:و الجملة جزاء(لو).

ل(لو)هنا جواب في اللّفظ،و لكن في المعنى،و المعنى لأثيبوا.(2:56)

البيضاويّ: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ جواب (لو)و أصله:لأثيبوا مثوبة من عند اللّه خيرا ممّا شروا به أنفسهم،فحذف الفعل و ركّب الباقي جملة اسميّة لتدلّ على ثبات المثوبة،و الجزم بخيريّتها،و حذف المفضّل عليه إجلالا للمفضّل من أن ينسب إليه،و تنكير المثوبة، لأنّ المعنى لشيء من الثّواب خير.

و قيل:(لو)للتّمنّي،و المثوبة كلام مبتدأ.و قرئ (لمثوبة)كمشورة.إنّما سمّي الجزاء ثوابا و مثوبة،لأنّ المحسن يثوب إليه.(1:74)

نحوه أبو السّعود(1:176)،و القاسميّ(2:215).

النّيسابوريّ: لشيء من ثوابه خير.و لا بدّ من تقدير فعل يكون(انّ)مع ما بعده فاعلا له،أي لو ثبت أنّهم آمنوا.و جواب(لو)محذوف أيضا،و يدلّ عليه هذه الجملة الاسميّة المصدّرة باللاّم،أي لأثيبوا.و إنّما تركت الفعليّة إلى هذه،ليدلّ على ثبات المثوبة و استقرارها.

و يجوز أن يكون القسم مقدّرا،و قوله:(لمثوبة) جوابه سادّا مسدّ جواب الشّرط،مغنيا عنه،و دخول اللاّم الموطئة في الشّرط غير واجب في القسم المقدّر و إن كان هو الأكثر،على أنّ دخول اللاّم الموطئة في(لو) مستثقل،فيشبه أن يكون الأكثر،بل الواجب هاهنا عدم الدّخول.

و يجوز أن يكون(لو)للتّمنّي مجازا عن إرادة اللّه إيمانهم،كأنّه قيل:وليتهم آمنوا،ثمّ ابتدأ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنّ ثواب اللّه خير ممّا هم فيه لآمنوا و اتّقوا،و قد علموا لكنّه جهّلهم لترك العمل بالعلم.

و يجوز أن يكون(لو)بمعنى التّمنّي كما تقرّر،و اللّه تعالى أعلم.(1:394)

أبو حيّان :اللاّم لام الابتداء لا الواقعة في جواب (لو)و جواب(لو)محذوف لفهم المعنى،أي لأثيبوا،ثمّ ابتدأ على طريق الإخبار الاستئنافيّ لا على طريق تعليقه بإيمانهم و تقواهم و ترتّبه عليهما،هذا قول الأخفش، أعني أنّ الجواب محذوف.

و قيل:اللاّم هي الواقعة في جواب(لو)و الجواب هو قوله:(لمثوبة)أي الجملة الاسميّة.و الأوّل اختيار الرّاغب،و الثّاني اختيار الزّمخشريّ.[ثمّ ذكر كلامه و أضاف:]

و مختاره غير مختار،لأنّه لم يعهد في لسان العرب وقوع الجملة الابتدائيّة جوابا ل(لو)إنّما جاء هذا المختلف في تخريجه،و لا تثبت القواعد الكلّيّة بالمحتمل،و ليس مثل «سلام عليكم»لثبوت رفع«سلام عليكم»من لسان العرب.و وجه من أجاز ذلك قوله:بأنّ(مثوبة)مصدر يقع للماضي و الاستقبال،فصلح لذلك من حيث وقوعه للمضيّ.و قد تكلّمنا على هذه المسألة في كتاب «التّكميل»من تأليفنا بأشبع من هذا.

و قرأ الجمهور (لمثوبة) بضمّ الثّاء كالمشورة،و قرأ قتادة و أبو السّمال و عبد اللّه بن بريدة بسكون الثّاء كمشورة.

و معنى قوله:(لمثوبة)أي لثواب،و هو الجزاء و الأجر على الإيمان و التّقوى بأنواع الإحسان.

ص: 714

و قيل:(لمثوبة)لرجعة إلى اللّه خير مِنْ عِنْدِ اللّهِ هذا الجار و المجرور في موضع الصّفة،أي كائنة من عند اللّه،و هذا الوصف هو المسوّغ لجواز الابتداء بالنّكرة.

و في وصف«المثوبة»بكونها من عند اللّه تفخيم و تعظيم لها،و لمناسبة الإيمان و التّقوى لذلك،كأنّ المعنى:

أنّ الّذي آمنتم به و اتّقيتم محارمه هو الّذي ثوابكم منه على ذلك،فهو المتكفّل بذلك لكم.و اكتفى بالتّنكير في ذلك إذ المعنى:لشيء من الثّواب«قليلك لا يقال له قليل».(1:335)

الشّربينيّ: أي ثواب،و هو مبتدأ،و اللاّم فيه للقسم،و قوله تعالى: مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ خبره،أي خير ممّا اشتروا به أنفسهم.(1:83)

البروسويّ: «مفعلة»من الثّواب،و ثاب يثوب، أي رجع.و سمّي الجزاء ثوابا،لأنّه عوض عمل المحسن يرجع إليه.و هو مبتدأ جواب(لو)و التّنكير للتّقليل،أي شيء قليل من الثّواب كائن.(1:196)

الآلوسيّ: و المثوبة«مفعلة»بضمّ العين من الثّواب،فنقلت الضّمّة إلى ما قبلها،فهو مصدر ميميّ، و قيل«مفعولة»و أصلها:مثووبة،فنقلت ضمّة الواو إلى ما قبلها،و حذفت لالتقاء السّاكنين،فهي من المصادر الّتي جاءت على«مفعولة»كمصدوقة،كما نقله الواحديّ.و يقال:مثوبة،بسكون الثّاء و فتح الواو، و كان من حقّها أن تعلّ،فيقال:مثابة كمقامة،إلاّ أنّهم صحّحوها كما صحّحوا في الأعلام:مكوزة،و بها قرأ قتادة و أبو السّمال،و المراد بها:الجزاء و الأجر،و سمّي بذلك،لأنّ المحسن يثوب إليه.و القول بأنّ المراد بها:

الرّجعة إليه تعالى،بعيد.(1:347)

2- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ... المائدة:60

ابن عبّاس: من له عقوبة عند اللّه.(97)

السّدّيّ: ثوابا عند اللّه.(الطّبريّ 6:293)

نحوه ابن الجوزيّ.(2:387)

ابن زيد :المثوبة:الثّواب،مثوبة الخير و مثوبة الشّرّ.(الطّبريّ 6:293)

الفرّاء: نصبت(مثوبة)لأنّها مفسّرة،كقوله:

أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً الكهف:34.

(1:314)

أبو عبيدة :تقديرها«مفعلة»من الثّواب،على تقدير:مصيدة،من صدت،و مشعلة،من شعلت.

و من قرأها(مثوبة)فجعل تقديرها:مفعولة (1)، بمنزلة مضوفة و معوشة.[ثمّ استشهد بشعر](1:170)

الزّجّاج: أي بشرّ ممّا نقمتم من إيماننا ثوابا.

و(مثوبة)منصوب على التّمييز.(2:187)

نحوه الواحديّ(2:204)،و البغويّ(2:66)، و الطّبرسيّ(2:215).

الطّوسيّ: قوله:(مثوبة)معناها الثّواب الّذي هو الجزاء،و وزنها«مفولة»مثل مقولة و مجوزة و مضوفة، على معنى المصدر.[ثمّ استشهد بشعر](3:574)ه.

ص: 715


1- كذا في الأصل:و الظّاهر،«مفولة»بحذف عين الفعل، كما ذكره الطّوسيّ أدناه.

الزّمخشريّ: قرئ مثوبة و مثوبة،و مثالهما مشورة و مشورة.

فإن قلت:المثوبة مختصّة بالإحسان،فكيف جاءت في الإساءة.

قلت:وضعت المثوبة موضع العقوبة،على طريقة قوله:

*تحيّة بينهم ضرب وجيع*

و منه: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.

(1:625)

نحوه الفخر الرّازيّ(12:36)،و البيضاويّ(1:

282)،و الشّربينيّ(1:383)،و أبو السّعود(2:291)، و الكاشانيّ(2:48)،و البروسويّ(2:411)، و القاسميّ(6:2052)،و فضل اللّه(8:242).

ابن عطيّة: و قرأ أكثر النّاس «مثوبة» بضمّ الثّاء و سكون الواو.و قرأ ابن بريدة و الأعرج و نبيح و ابن عمران(مثوبة)بسكون الثّاء و فتح الواو.و قال أبو الفتح:هذا ممّا خرج عن أصله،شاذّا عن نظائره، و مثله قول العرب:«الفاكهة مقودة إلى الأذى»بسكون القاف و فتح الواو،و القياس:مثابة و مقادة.

و أمّا مثوبة بضمّ الثّاء فأصلها:مثوبة،و وزنها «مفعلة»بضمّ العين،نقلت حركة الواو إلى الثّاء،و كانت قبل«مثوبة»مثل مقولة،و المعنى في القراءتين:مرجعا عند اللّه،أي في الحشر يوم القيامة،تقول العرب:ثاب يثوب،إذا رجع،منه قوله تعالى: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً البقرة:125.(2:210)

نحوه القرطبيّ.(6:234)

النّيسابوريّ: (مثوبة)نصب على التّمييز من (شرّ)و هي من المصادر الّتي جاءت على مفعول، كالميسور و المجلود،و مثلها المشورة.و قرئ (مثوبة) كما يقال:مشورة.

و المثوبة:ضدّ العقوبة،و استعمال أحد الضّدّين مكان الآخر مجاز،رخّصه إرادة التّهكّم،مثل: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.(6:123)

أبو حيّان :مثوبة كمعونة،و تقدّم توجيه القراءتين في: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ البقرة:103.

و انتصب(مثوبة)هنا على التّمييز،و جاء التّركيب الأكثر الأفصح من تقديم المفضّل عليه على التّمييز،كقوله: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً النّساء:

87،و تقديم التّمييز على المفضّل أيضا فصيح،كقوله:

وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ فصّلت:33.

و هذه المثوبة هي في الحشر يوم القيامة،فإن لوحظ أصل الوضع فالمعنى مرجوعا،و لا يدلّ إذ ذاك على معنى الإحسان،و إن لوحظ كثرة الاستعمال في الخير و الإحسان فوضعت المثوبة هنا موضع العقوبة،على طريقة بينهم في:

*تحيّة بينهم ضرب وجيع*

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.(2:518)

الآلوسيّ: أي جزاء ثابتا عنده تعالى،و هو مصدر ميميّ،بمعنى الثّواب،و يقال في الخير و الشّرّ،لأنّه ما رجع إلى إنسان من جزاء أعماله سمّي به،بتصوّر أنّ ما عمله يرجع إليه،كما يشير إليه قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا

ص: 716

يَرَهُ الزّلزال:7،8،حيث لم يقل سبحانه:يرى جزاءه، إلاّ أنّ الأكثر المتعارف استعماله في الخير،و مثله في ذلك «المثوبة»و استعمالها هنا في الشّرّ على طريقة التّهكّم، كقوله:

*تحيّة بينهم ضرب وجيع*

و نصبها على التّمييز من(بشرّ).

و قيل:يجوز أن تجعل مفعولا له ل(انبّئكم)أي هل انبّئكم لطلب مثوبة عند اللّه تعالى في هذا الإنباء، و يحتمل أن يصير سبب مخافتكم و يفضي إلى هدايتكم.

و عليه فالمثوبة في المتعارف من استعمالها،و هو و إن كان له وجه لكنّه خلاف الظّاهر.

و قرئ (مثوبة) بسكون الثّاء و فتح الواو،و مثلها مشورة و مشورة،خلافا للحريريّ في إيجابه مشورة كمعونة.(6:174)

رشيد رضا :المثوبة كالمقولة،من ثاب الشّيء يثوب و ثاب إليه،إذا رجع،فهي الجزاء و الثّواب.

و استعماله في الجزاء الحسن أكثر،و قيل:استعماله في الجزاء السّيّئ تهكّم.

و المعنى هل أنبّئكم يا معشر المستهزئين بديننا و أذاننا بما هو شرّ من عملكم هذا ثوابا و جزاء عند اللّه تعالى.

(6:447)

نحوه محمّد جواد مغنية(3:87)،و المراغيّ(6:48).

الطّباطبائيّ: المراد بالمثوبة:مطلق الجزاء،و لعلّها استعيرت للعاقبة و الصّفة اللاّزمة،كما يستفاد من تقييد قوله: بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً بقوله: عِنْدَ اللّهِ فإنّ الّذي عند اللّه هو أمر ثابت غير متغيّر،و قد حكم به اللّه و أمر به،قال تعالى: وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96، و قال تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الرّعد:41،فهذه المثوبة مثوبة لازمة،لكونها عند اللّه سبحانه.(6:29)

عبد الكريم الخطيب :في التّعبير عن العقاب الأليم هنا بلفظ المثوبة-الّتي يعبّر بها في مقام الجزاء الحسن-في هذا ما يشير إلى أنّ هذا العقاب هو الجزاء الحسن الّذي يحلّ باليهود-إذا هو قيس بما وراءه من ألوان العقاب و النّكال،الرّاصد لهم.(3:1129)

مكارم الشّيرازيّ: [في الهامش]إنّ كلمة (مثوبة)و كذلك كلمة(ثواب)تعنيان-في الأصل- الرّجوع أو العودة إلى الحالة الأولى،كما تطلقان-أيضا- لتعنيا المصير و الجزاء(الأجر أو العقاب)لكنّهما في الغالب تستمان في مجال الجزاء الحسن،و أحيانا تستخدمان كلمة«الثّواب»بمعنى العقاب،و في الآية جاءت بمعنى المصير أو العقاب.(4:65)

ثياب

1- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ.

الحجّ:19

ابن عبّاس: حين صاروا إلى جهنّم لبسوا مقطّعات النّيران؛و هي الثّياب القصار.(الطّبرسيّ 4:78)

أنس بن مالك:و المراد بالثّياب إحاطة النّار بهم، كقوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ الأعراف:41.(الفخر الرّازيّ 23:22)

سعيد بن جبير: ثياب من نحاس،و ليس شيء

ص: 717

من الآنية أحمى و أشدّ حرّا منه.(الطّبريّ 17:133)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فأمّا الكافر باللّه منهما فإنّه يقطع له قميص من نحاس من نار.(17:133)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير:أنّ الثّياب الّتي من نار هي نحاس قد أذيب.(3:419)

الماورديّ: معناه أنّ النّار قد أحاطت بهم كإحاطة الثّياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم،فصارت من هذا الوجه ثيابا،لأنّها بالإحاطة كالثّياب.(4:14)

نحوه الشّربينيّ(2:544)،و أبو السّعود(4:375)، و البروسويّ(6:18)،و شبّر(4:234).

الطّوسيّ: معناه إنّ النّار تحيط بهم كإحاطة الثّياب الّتي يلبسونها.(7:302)

مثله الطّبرسيّ(4:78)،و نحوه البيضاويّ(2:88).

البغويّ: [نقل قول سعيد بن جبير و أضاف:] و سمّي باسم الثّياب لأنّها تحيط بهم كإحاطة الثّياب.

و قال بعضهم:يلبس أهل النّار مقطّعات من النّار.

(3:330)

مثله الخازن.(5:8)

ابن عطيّة: معناه جعلت لهم بتقدير،كما يفصّل الثّوب،و روي أنّها من نحاس،و قيل:ليس شيء من الحجارة و الفلزّ أحرّ منه.(4:114)

القرطبيّ: شبّهت النّار بالثّياب لأنّها لباس لهم كالثّياب.(12:26)

النّسفيّ: كأنّ اللّه يقدّر لهم نيرانا على مقادير جثّتهم تشتمل عليهم،كما تقطع الثّياب الملبوسة.

و اختير لفظ الماضي،لأنّه كائن لا محالة،فهو كالثّابت المتحقّق.(3:97)

الآلوسيّ: أي أعدّ لهم ذلك،و كأنّه شبّه إعداد النّار المحيطة بهم بتقطيع ثياب و تفصيلها لهم على قدر جثثهم،ففي الكلام استعارة تمثيليّة تهكّميّة،و ليس هناك تقطيع و لا ثياب حقيقة،و كأنّ جمع الثّياب للإيذان بتراكم النّار المحيطة بهم،و كون بعضها فوق بعض.

و جوّز أن يكون ذلك لمقابلة الجمع بالجمع،و الأوّل أبلغ.و عبّر بالماضي لأنّ الإعداد قد وقع،فليس من التّعبير بالماضي لتحقّقه،كما في نُفِخَ فِي الصُّورِ الكهف:99.[ثمّ نقل قول سعيد بن جبير و قال:]

فليست الثّياب من نفس النّار بل من شيء يشبهها، و تكون هذه الثّياب كسوة لهم،و ما أقبحها كسوة.و لذا قال وهب:يكسى أهل النّار،و العرى خير لهم.

(17:134)

مكارم الشّيرازيّ: تبيّن الآية أربعة أنواع من عقاب الكافرين المنكرين للّه تعالى بوعي منهم، و العقاب الأوّل حول لباسهم،فتقول الآية: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ و يمكن أن تكون هذه العبارة إشارة إلى لباسهم الّذي أعدّ لهم من قطع من نار، أو كناية عن إحاطة نار جهنّم بهم من كلّ جانب.

(10:278)

2- عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ... الدّهر:21

راجع(سندس)

ثيابهنّ

وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ...

ص: 718

وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ...

النّور:60

ابن مسعود: الجلباب أو الرّداء.

(الطّبريّ 18:166)

مثله ابن عمر و مجاهد و أبي الشّعثاء و إبراهيم النّخعيّ و الحسن و قتادة و الزّهريّ و الأوزاعيّ.

(ابن كثير 5:125)

هي الملحفة.(الطّبريّ 18:166)

ابن عبّاس: من ثيابهنّ:الرّداء عند الغريب.

(299)

المرأة لا جناح أن تجلس في بيتها بدرع و خمار، و تضع عنها الجلباب.(الطّبريّ 18:165)

جابر بن زيد:خمارها و رداؤها.(الماورديّ 4:121)

سعيد بن جبير: هو الرّداء.(الطّبريّ 18:166)

مثله الفرّاء(2:261)،و ابن قتيبة(308).

الشّعبيّ: تضع الجلباب المرأة الّتي قد عجزت، و لم تزوّج.

فإنّ أبيّ بن كعب يقرأ (ان يضعن من ثيابهنّ) .

(الطّبريّ 18:166)

مجاهد :في الدّار و الحجرة.(الطّبريّ 18:167)

الضّحّاك: يعني الجلباب،و هو القناع.

(الطّبريّ 18:165)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الجلباب و الخمار،إذا كانت المرأة مسنّة.(الكاشانيّ 3:447)

ابن زيد :وضع الخمار.(الطّبريّ 18:166)

الطّبريّ: يعني جلابيبهنّ و هي القناع الّذي يكون فوق الخمار،و الرّداء الّذي يكون فوق الثّياب.

(18:165)

نحوه الواحديّ(3:328)،و ابن الجوزيّ(6:62).

الطّوسيّ: قيل:هو القناع الّذي فوق الخمار،و هو الجلباب،و الرّداء الّذي يكون فوق الشّعار.و في قراءة أهل البيت عليهم السّلام (ان يضعن من ثيابهنّ) و به قرأ أبيّ.

(7:461)

نحوه البغويّ(3:429)،و الخازن(5:73)،

و الشّربينيّ(2:640).

الميبديّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

فأمّا الخمار لا يجوز وضعه.و قيل:الثّياب في هذه الآية هي الملاحف،و الاستعفاف هاهنا:الاستتار بالملاحف.(6:565)

الزّمخشريّ: المراد بالثّياب:الثّياب الظّاهرة كالملحفة و الجلباب الّذي فوق الخمار.(3:76)

نحوه البيضاويّ(2:134)،و النّسفيّ(3:154)، و أبو السّعود(4:483)،و البروسويّ(6:178)،و شبّر (4:335)،و الآلوسيّ(18:216).

الطّبرسيّ: [نقل قول ابن مسعود و غيره و قال:]

قيل:ما فوق الخمار من المقانع و غيرها،أبيح لهنّ القعود بين يدي الأجانب،في ثياب أبدانهنّ مكشوفة الوجه و اليد،فالمراد بالثّياب ما ذكرناه لا كلّ الثّياب.

(4:155)

الفخر الرّازيّ: لا شبهة أنّه تعالى لم يأذن في أن يضعن ثيابهنّ أجمع،لما فيه من كشف كلّ عورة،فلذلك قال المفسّرون:المراد بالثّياب هاهنا:الجلباب و البرد

ص: 719

و القناع الّذي فوق الخمار.

و روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه قرأ (ان يضعن جلابيبهنّ) و عن السّدّيّ عن شيوخه (أن يضعن خمرهنّ على رءوسهنّ) و عن بعضهم أنّه قرأ (ان يضعن من ثيابهنّ) .(24:33)

نحوه النّيسابوريّ(18:128)،و أبو حيّان(6:473).

القاسميّ: أي الظّاهرة ممّا لا يكشف العورة،لدى الأجانب.(12:4550)

ثيابك

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ. المدّثّر:4

راجع«ط ه ر»(طهّر)

اثابهم

1- فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ.

المائدة:85

ابن عبّاس: أوجب اللّه لهم.(100)

الطّبريّ: فجزاهم اللّه بقولهم: رَبَّنا آمَنّا الآية، بساتين تجري من تحتها الأنهار.(7:7)

نحوه رشيد رضا(7:13)،و المراغيّ(7:8).

الطّوسيّ: جازاهم اللّه بالنّعيم على العمل،كما أنّ العقاب:الجزاء بالعذاب على العمل،و أصل الثّواب:

الرّجوع،و منه قوله: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المطفّفين:36،أي هل رجع إليهم جزاء عملهم.(4:7)

الواحديّ: الآية إنّما علّق الثّواب بمجرّد القول، لأنّه سبق من وصفهم ما يدلّ على إخلاصهم فيما قالوا، و هو المعرفة في قوله: مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ المائدة:

83،و البكاء المؤذن بحقيقة الإخلاص،و استكانة القلب و معرفته،إذا اقترن به القول،فهو الإيمان الحقيقيّ الموعود عليه الثّواب.(2:219)

نحوه البغويّ(2:76)،و الميبديّ(3:208)، و الطّبرسيّ(2:235)،و الخازن(2:69).

الزّمخشريّ: قرأ الحسن (فاتاهم اللّه بما قالوا) :بما تكلّموا به عن اعتقاد و إخلاص،من قولك:هذا قول فلان،أي اعتقاده و ما يذهب إليه.(1:639)

نحوه أبو السّعود.(2:313)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:ظاهر الآية يدلّ على أنّهم إنّما استحقّوا ذلك الثّواب بمجرّد القول،لأنّه تعالى قال:

فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا و ذلك غير ممكن،لأنّ مجرّد القول لا يفيد الثّواب.

و أجابوا عنه من وجهين:

الأوّل:أنّه قد سبق من وصفهم ما يدلّ على إخلاصهم فيما قالوا،و هو المعرفة؛و ذلك هو قوله: مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ المائدة:83،فلمّا حصلت المعرفة و الإخلاص و كمال الانقياد ثمّ انضاف إليه القول،لا جرم كمل الإيمان.

الثّاني:روى عطاء عن ابن عبّاس أنّه قال:قوله:

بِما قالُوا يريد بما سألوا،يعني قولهم: فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ. المائدة:83.

ص: 720

بِما قالُوا يريد بما سألوا،يعني قولهم: فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ. المائدة:83.

المسألة الثّانية:الآية دالّة على أنّ المؤمن الفاسق لا يبقى مخلّدا في النّار،و بيانه من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى قال: وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ و هذا الإحسان لا بدّ و أن يكون هو الّذي تقدّم ذكره من المعرفة،و هو قوله: مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، و من الإقرار به،و هو قوله: فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا. و إذا كان كذلك،فهذه الآية دالّة على أنّ هذه المعرفة،و هذا الإقرار يوجب أن يحصل له هذا الثّواب.

و صاحب الكبيرة له هذه المعرفة و هذا الإقرار،فوجب أن يحصل له هذا الثّواب.فإمّا أن ينقل من الجنّة إلى النّار،و هو باطل بالإجماع،أو يقال:يعاقب على ذنبه ثمّ ينقل إلى الجنّة،و ذلك هو المطلوب.

الثّاني:أنّه تعالى قال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ المائدة:86،فقوله:

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ يفيد الحصر،أي أولئك أصحاب الجحيم لا غيرهم،و المصاحب للشّيء هو الملازم له الّذي لا ينفكّ عنه،فهذا يقتضي تخصيص هذا الدّوام بالكفّار،فصارت هذه الآية من هذين الوجهين من أقوى الدّلائل،على أنّ الخلود في النّار لا يحصل للمؤمن الفاسق.(12:69)

القرطبيّ: دليل على إخلاص إيمانهم و صدق مقالهم،فأجاب اللّه سؤالهم و حقّق طمعهم،و هكذا من خلص إيمانه و صدق يقينه،يكون ثوابه الجنّة.

(6:260)

أبو حيّان : فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... ظاهره أنّ الإثابة بما ذكر مترتّبة على مجرّد القول،و لا بدّ أن يقترن بالقول الاعتقاد،و يبيّن أنّه مقترن به أنّه قال: مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ المائدة:83، فوصفهم بالمعرفة،فدلّ على اقتران القول بالعلم.[إلى أن قال:]

و قرأ الحسن (فاتاهم) من الإيتاء بمعنى الإعطاء، لا من الإثابة.و الإثابة أبلغ من الإعطاء،لأنّه يلزم أن يكون عن عمل،بخلاف الإعطاء فإنّه لا يلزم أن يكون عن عمل،و لذلك جاء أخيرا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ نبّه على أنّ تلك جزاء،و الجزاء لا يكون إلاّ عن عمل.(4:8)

نحوه الآلوسيّ.(7:6)

الشّربينيّ: أي جعل ثوابهم على هذا القول المسند إلى خلوص النّيّة النّاشئ عن حسن الطّويّة.

(1:392)

محمّد جواد مغنية:فشهادة اللّه لهذه الفئة من النّصارى بالإحسان و جزاؤها بالجنان دليل قاطع على إسلامها،و أنّها هي وحدها المقصودة بوصف الإحسان و الثّواب عليه.(3:116)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: فَأَثابَهُمُ اللّهُ إلى آخر الآيتين،الإثابة:المجازاة،و الآية الأولى ذكر جزائهم،و الآية الثّانية فيها ذكر جزاء من خالفهم على طريق المقابلة،استيفاء للأقسام.(6:82)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(4:123)

2- لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ

ص: 721

وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً. الفتح:18

الطّبريّ: و عوّضهم في العاجل ممّا رجوا الظّفر به، من غنائم أهل مكّة،بقتالهم أهلها فتحا قريبا،و ذلك فيما قيل:فتح خيبر.(26:88)

ابن عطيّة: و قرأ النّاس (و اثابهم) .قال هارون:

و قد قرئت: (و اتابهم) بالتّاء بنقطتين.(5:134)

النّسفيّ: جازاهم.(4:160)

أبو حيّان :قرأ الحسن و نوح القارئ (و اتاهم) أي أعطاهم،و الجمهور (و اثابهم) من الثّواب.(8:96)

الشّربينيّ: أعطاهم جزاء لهم على ما وهبوه من الطّاعة.(4:47)

نحوه المراغيّ.(26:102)

البروسويّ: و الثّواب:ما يرجع إلى الإنسان من جزاء عمل،يستعمل في الخير و الشّرّ،لكنّ الأكثر المتعارف في الخير.و الإثابة تستعمل في المحبوب،و قد قيل ذلك في المكروه،نحو: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ آل عمران:153،على الاستعارة.(9:35)

راجع«ف ت ح،فتحا»

اثابكم

إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

آل عمران:153

ابن عبّاس: زادكم اللّه غمّا على غمّ.(58)

الفرّاء: الإثابة هاهنا في معنى عقاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يقول الرّجل الّذي قد اجترم إليك:لئن أتيتني لأثيبنّك ثوابك،معناه:لأعاقبنّك،و ربّما أنكره من لا يعرف مذاهب العربيّة.(1:239)

الطّبريّ: يعني جازاكم بفراركم عن نبيّكم و فشلكم عن عدوّكم،و معصيتكم ربّكم غمّا بغمّ، يقول:غمّا على غمّ.و سمّى العقوبة الّتي عاقبهم بها من تسليط عدوّهم عليهم،حتّى نال منهم ما نال:ثوابا؛إذ كان ذلك من عملهم الّذي سخطه و لم يرضه منهم،فدلّ بذلك جلّ ثناؤه أنّ كلّ عوض كالمعوّض من شيء من العمل-خيرا كان أو شرّا-أو العوض الّذي بذله رجل لرجل،أو يد سلفت له إليه،فإنّه مستحقّ اسم ثواب، كان ذلك العوض تكرمة أو عقوبة.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:134)

نحوه ابن عطيّة.(1:526)

الطّوسيّ: في معناه قولان:

أحدهما:أنّه إنّما قيل في الغمّ ثواب،لأنّ أصله ما يرجع من الجزاء على الفعل طاعة كان أو معصية،ثمّ كثر فى جزاء الطّاعة.[ثمّ استشهد بشعر]

فعلى هذا يكون الغمّ عقوبة لهم على فعلهم و هزيمتهم.

و الثّاني:أن يكون وضع الشّيء مكان غيره،كما قال: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،أي ضعه موضع البشارة.[ثمّ استشهد بشعر](3:21)

البغويّ: فَأَثابَكُمْ فجازاكم،جعل الإثابة بمعنى العقاب،و أصلها في الحسنات،لأنّه وضعها موضع

ص: 722

الثّواب،كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، جعل البشارة في العذاب،و معناه جعل مكان الثّواب الّذي كنتم ترجون غَمًّا بِغَمٍّ. (1:523)

الميبديّ: أي جازاكم،و الثّواب يكون خيرا و يكون شرّا،كالبشارة تكون بخير و بشرّ.(2:311)

الزّمخشريّ: عطف على(صرفكم)أي فجازاكم اللّه.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون الضّمير في(فاثابكم)للرّسول،أي فآساكم في الاغتمام.(1:471)

نحوه ابن الجوزيّ(1:477)،و البيضاويّ(1:

187)،و النّسفيّ(1:188)،و أبو السّعود(2:49)، و البروسويّ(2:111)،و شبّر(1:385)،و القاسميّ (4:1000).

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]هو خلاف الظّاهر،لأنّ المسند إليه الأفعال السّابقة هو اللّه تعالى؛و ذلك في قوله: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ و قوله: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ آل عمران:152،فيكون قوله:(فاثابكم) مسندا إلى اللّه تعالى.و ذكر الرّسول إنّما جاء في جملة حاليّة نعى عليهم فرارهم،مع كون من اهتدوا على يده يدعوهم،فلم يجيء مقصودا لأن يحدّث عنه،إنّما الجملة الّتي ذكر فيها في تقدير المفرد؛إذ هي حال.و قال «الزّمخشريّ»(فاثابكم)عطف على(صرفكم).

و فيه بعد،لطول الفصل بين المتعاطفين،و الّذي يظهر أنّه معطوف على تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ لأنّه مضارع في معنى الماضي،لأنّ(اذ)تصرف المضارع إلى الماضي؛إذ هي ظرف لما مضى،و المعنى إذ صعدتم و ما لويتم على أحد فأثابكم.(3:84)

الآلوسيّ: عطف على(صرفكم)،و الضّمير المستتر عائد على اللّه،و التّعبير بالإثابة من باب التّهكّم على حدّ قوله:

*تحيّة بينهم ضرب وجيع*

أو أنّها مجاز عن المجازاة،أي فجازاكم اللّه تعالى بما عصيتم.(4:92)

ثوّب

هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. المطفّفين:36

ابن عبّاس: هل جوزي الكفّار في الآخرة.

(505)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 30:112)،و أبو عبيدة(2:

290)،و الخازن(7:186).

قتادة :معناه هل أثيب الكفّار ما كانوا يعملون في الكفر.(الماورديّ 6:232)

نحوه الكاشانيّ.(5:303)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هل أثيب الكفّار و جزوا ثواب ما كانوا في الدّنيا يفعلون بالمؤمنين.

و(ثوّب)فعل من الثّواب و الجزاء،يقال منه:ثوّب فلان فلانا على صنيعته،و أثابه منه.(30:112)

الزّجّاج: أي هل جوزوا بسخريّتهم بالمؤمنين في الدّنيا،و يقرأ (هثّوب) بإدغام اللاّم في الثّاء.

(5:301)

نحوه النّسفيّ(4:342)،و ابن الجوزيّ(9:61)،

ص: 723

و البيضاويّ(2:547).

الماورديّ: هذا سؤال المؤمنين في الجنّة عن الكفّار حين فارقوهم،و فيه تأويلان.[ثمّ ذكر قول قتادة و مجاهد المتقدّم و أضاف:]

فيكون(ثوّب)مأخوذا من إعطاء الثّواب.

و يحتمل تأويلا ثالثا:أن يكون معناه هل رجع الكفّار في الآخرة عن تكذيبهم في الدّنيا؟على وجه التّوبيخ،و يكون مأخوذا من«المثاب»الّذي هو الرّجوع،لا من الثّواب الّذي هو الجزاء،كما قال تعالى:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ البقرة:125،أي مرجعا.

و يحتمل تأويلا رابعا:هل رجع من عذاب الكفّار على ما كانوا يفعلون؟لأنّهم قد علموا أنّهم عذّبوا،و جاز أن يظنّوا في كرم اللّه أنّهم قد رحموا.(6:232)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:هل جوزي الكفّار إذا فعل بهم هذا الّذي ذكر(بما كانوا يفعلون)؟

الثّاني:ينظرون هل جوزي الكفّار؟فيكون موضعه نصبا ب(ينظرون)و الأوّل استئناف لا موضع له.و إنّما قال: هَلْ ثُوِّبَ لأنّ الثّواب في أصل اللّغة:الجزاء الّذي يرجع على العامل بعمله،و إن كان الجزاء بالنّعيم على الأعمال.[إلى أن قال:]

و قال قوم:يقول المؤمنون بعضهم لبعض:هل جوزي الكفّار ما كانوا يفعلون سرورا بما ينزل بهم.

و يجوز أن يكون ذلك من قول اللّه أو قول الملائكة للمؤمنين،تنبيها لهم أنّه جوزي الكفّار على كفرهم و سخريّتهم بالمؤمنين،و هزئهم بأنواع العذاب،ليزدادوا بذلك سرورا إلى سرورهم.(10:306)

الواحديّ: أي هل جوزوا بسخريّتهم بالمؤمنين في الدّنيا؟و معنى الاستفهام هاهنا:التّقرير.و(ثوّب)بمعنى أثيب.(4:450)

نحوه الميبديّ(10:420)،و البغويّ(5:227)، و المراغيّ(30:86).

الزّمخشريّ: ثوّبه و أثابه،بمعنى إذا جازاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرئ بإدغام اللاّم في الثّاء.(4:233)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:102)،و أبو السّعود(6:

399)،و مجمع اللّغة(1:177).

ابن عطيّة: تقرير و توقيف لمحمّد عليه السّلام و أمّته.

و يحتمل أن يريد: يَنْظُرُونَ* هَلْ ثُوِّبَ و المعنى هل جوزي،و يحتمل أن يكون المعنى يقول بعضهم لبعض.

و قرأ ابن محيصن و أبو عمرو و حمزة و الكسائيّ:

(هثّوب) بإدغام اللاّم في الثّاء.

قال سيبويه:و ذلك حسن و إن كان دون إدغام في الرّاء،لتقاربهما في المخرج.و قرأ الباقون: هَلْ ثُوِّبَ لا يدغمون.(5:455)

الطّبرسيّ: أي هل جوزي الكفّار إذا فعل بهم هذا الّذي ذكره،على ما كان يفعلونه من السّخريّة بالمؤمنين في الدّنيا،و هو استفهام يراد به التّقرير،و(ثوّب)بمعنى أثيب.

و قيل:معناه يتّصل بما قبله،و يكون التّقدير:أنّ الّذين آمنوا ينظرون هل جوزي الكفّار بأعمالهم؟

ص: 724

و تكون الجملة متعلّقة ب(ينظرون)و على القول الأوّل يكون استئناف كلام لا موضع له من الإعراب.

و إنّما قيل:هل ثوّب الكفّار،فاستعمل لفظ الثّواب في العقوبة،لأنّ الثّواب في أصل اللّغة:الجزاء الّذي يرجع إلى العامل بعمله،و إن كان في العرف اختصّ إلى الجزاء بالنّعيم على الأعمال الصّالحة،فاستعمل هنا على أصله.و قيل:لأنّه جاء في مقابلة ما فعل بالمؤمنين،أي هل ثوّب الكفّار كما ثوّب المؤمنون.

و هذا القول يكون من قبل اللّه تعالى أو تقوله الملائكة للمؤمنين،تنبيها لهم على أنّ الكفّار جوزوا على كفرهم و استهزائهم بالمؤمنين ما استحقّوه من أليم العذاب،ليزدادوا بذلك سرورا إلى سرورهم.

و يحتمل أن يكون ذلك يقوله المؤمنون بعضهم لبعض سرورا بما ينزل بالكفّار.

و كلّ هذه الوجوه إنّما تتّجه على القول الأوّل إذا كانت الجملة كلاما مستأنفا،لا تعلّق له بما قبله.

(5:457)

نحوه القرطبيّ(19:266)،و أبو حيّان(8:443).

ابن كثير :أي هل جوزي الكفّار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء و التّنقيص،أم لا يعني قد جوزوا أوفر الجزاء و أتمّه و أكمله.(7:244)

البروسويّ: كلام مستأنف من قبل اللّه أو من قبل الملائكة و الاستفهام للتّقرير،و ثوّب بمعنى يثوب،عبّر عنه بالماضي لتحقّقه.و التّثويب و الإثابة:المجازاة، استعمل في المكافأة بالشّرّ.[ثمّ ذكر قول بعض اللّغويّين](10:374)

الآلوسيّ: و التّثويب و الإثابة:المجازاة،و يقال:

ثوّبه و أثابه،إذا جازاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ظاهر كلامهم إطلاق ذلك على المجازاة بالخير و الشّرّ،و اشتهر بالمجازاة بالخير.و جوّز حمله عليه هنا على أنّ المراد التّهكّم،كما قيل به في قوله تعالى:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،و ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الدّخان:49،كأنّه تعالى يقول للمؤمنين:هل أثبنا هؤلاء على ما كانوا يفعلون كما أثبناكم على ما كنتم تعملون؟فيكون هذا القول زائدا في سرورهم،لما فيه من تعظيمهم و الاستخفاف بأعدائهم.

و الجملة الاستفهاميّة حينئذ معمولة لقول محذوف وقع حالا من ضمير(يضحكون)أو من ضمير (ينظرون)،أي يضحكون أو ينظرون،مقولا لهم:هل ثوّب إلخ،و لم يتعرّض لذلك الجمهور.

و في«البحر»الاستفهام لتقرير المؤمنين،و المعنى قد جوزي الكفّار ما كانوا إلخ.و قيل:(هل ثوّب)متعلق ب(ينظرون)،و الجملة في موضع نصب به بعد إسقاط حرف الجرّ الّذي هو«إلى»انتهى.

و(ما)مصدريّة أو موصولة و العائد محذوف،أي يفعلونه،و الكلام بتقدير مضاف،أي ثواب أو جزاء ما كانوا إلخ،و قيل:هو بتقدير باء السّببيّة،أي هل ثوّب الكفّار بما كانوا...

و قرأ النّحويّان و حمزة و ابن محيصن بإدغام اللاّم في الثّاء،و اللّه تعالى أعلم.(30:78)

نحوه القاسميّ.(17:6104)

الطّباطبائيّ: قوله:(هل ثوّب)إلخ متعلّق بقوله:

ص: 725

(ينظرون)قائم مقام المفعول.

و المعنى:الّذين آمنوا على سرر في الحجال،ينظرون إلى جزاء الكفّار بأفعالهم الّتي كانوا يفعلونها في الدّنيا.

(20:240)

مكارم الشّيرازيّ: و في آخر آيات السّورة، يقول القرآن مستفهما: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ.

فهذا القول سواء كان صدروه من اللّه،أو من الملائكة،أو من المؤمنين،فهو في كلّ الحالات يمثّل طعنا و استهزاء بأفكار و ادّعاءات أولئك المغرورين،الّذين كانوا يتصوّرون أنّ اللّه سيثيبهم على أعمالهم القبيحة، و يأتيهم النّداء ردّا على خطل تفكيرهم هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ؟ !

و اعتبر كثير من المفسّرين أنّ الآية جملة مستقلّة، في حين اعتبرها آخرون تابعة للآية الّتي قبلها،أي إنّ المؤمنين سيجلسون على الأرائك ينظرون إلى ما سيصيب الكفّار من جزاء.

نعم،فإن كانوا يرجون ثوابا فليأخذوه من الشّيطان!و لكن،هل بإمكان هذا اللّعين المطرود من رحمة اللّه أن يثيبهم على ما عملوا له؟!

أو أنّ المؤمنين ينظرون إلى ما سيصيب الكفّار من عقاب،فالجزاء يستعمل للثّواب و العقاب،كما سيأتي.

ثوّب:من الثّوب على وزن«الجوف»،و هو رجوع الشّيء إلى حالته الأولى الّتي كان عليها،و الثّواب:

ما يرجع إلى الإنسان جزاء أعماله،و يستعمل للخير و الشّرّ أيضا،و لكن استعماله للخير هو الغالب.

و عليه،فالآية تشير إلى الطّعن بالكفّار،و هو ما ينبغي أن يكون كنتيجة طبيعيّة لاستهزائهم بالمؤمنين و بآيات اللّه في الحياة الدّنيا،و ما عليهم إلاّ أن يتقبّلوا جزاء ما كسبت أيديهم.(20:44)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الثّواب على ستّة أوجه:

أحدها:الفتح و الغنيمة،كقوله: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148،و قوله:

وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:18.

و الثّاني:منفعة الدّنيا،كقوله: وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها آل عمران:145،و قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ النّساء:134.

و الثّالث:الزّيادة،كقوله: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ آل عمران:153،يعني فزادكم غمّا على غمّ.

و الرّابع:ثواب الآخرة،كقوله: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195،و قوله:

وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ البقرة:103.

و الخامس:العقوبة،كقوله: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ المائدة:60،يعني العقوبة.

و السّادس:الجزاء،كقوله: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المطفّفين:36.(164)

نحوه الدّامغانيّ.(198)

ص: 726

الفيروزآباديّ: و قد ورد[الثّوب]في القرآن على ثمانية أوجه:

الأوّل:ثوب الفراغ و الاستراحة وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ النّور:58.

الثّاني:لباس التّجمّل و الزّينة أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ النّور:60.

الثّالث:ثياب الغفلة و الجراءة وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ نوح:7.

الرّابع:لصناديد قريش ثوب الاطّلاع على السّرّ و العلانية أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ هود:5.

الخامس:للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثوب الصّلاة و الطّهارة وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ المدّثّر:4.

السّادس:للكفّار ثوب العذاب و العقوبة قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ الحجّ:19.

السّابع:لأهل الإيمان ثوب العزّ و الكرامة عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ الدّهر:21.

الثّامن:للخواصّ ثياب النّصرة و الخضرة،في الحضرة (1)وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ الكهف:31.(بصائر ذوي التّمييز 2:336)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّوب،أي الرّجوع،و هو ثوب ماء الحوض و البئر،ثمّ استعمل في ثوب النّاس و سائر الأشياء الأخرى؛يقال:ثاب الماء يثوب ثوبا،إذا اجتمع في مثاب الحوض،و هو وسطه الّذي يثوب إليه الماء إذا استفرغ.و ثاب الحوض يثوب ثوبا و ثئوبا:امتلأ أو كاد.و ثاب ماء البئر:عادت جمّتها،و بئر ذات ثيّب و غيّب،إذا استقي منها عاد مكانه ماء آخر.

و ثاب الرّجل يثوب ثوبا و ثوبانا:رجع بعد ذهابه، و ثاب فلان إلى اللّه و أثاب و ثوّب:عاد و رجع إلى طاعته،فهو ثوّاب،أي منيب.

و ثاب الشّيء ثوبا و ثئوبا:رجع،و ذهب مال فلان فاستثاب مالا،أي استرجع مالا.

و ثاب إلى العليل جسمه و أثاب:حسنت حاله بعد تحوّله،و رجعت إليه صحّته،و أثاب الرّجل:ثاب إليه جسمه و صلح بدنه،و ثاب إليه عقله:رجع.

و منه:حديث أمّ سلمة:أنّها قالت لعائشة حين أرادت الخروج إلى البصرة:«إنّ عمود الدّين لا يثاب بالنّساء إن مال»،قال ابن الأثير:«أي لا يعاد إلى استوائه،من:ثاب يثوب،إذا رجع».

و المثابة:المرجع و المنزل،لأنّ أهله يثوبون إليه،أي يرجعون،و هو المثاب أيضا،و مثابة النّاس و مثابهم:

مجتمعهم بعد التّفرّق،و المثابة:حبالة الصّائد،لأنّها مثابة الصّيد.

و الثّواب:النّحل،لأنّها تثوب،و قيل:العسل،لأنّ النّحل يثوب إليه.

و الثّوب:اللّباس،لأنّه ثاب لباسا بعد أن كان قطنا أو غزلا،أو رجوع الغزل إلى الحالة الّتي قدّرت له، و الجمع:أثواب و ثياب و أثوب.و الثّوّاب:صاحب الثّياب؛يقال:أثبت الثّوب إثابة،أي كففت مخايطه،و من المجاز:فلان دنس الثّياب،أي خبيث الفعل و المذهب،

ص: 727


1- أي حضرة ذي الجلال و الإكرام.

خبيث العرض.

و الثّواب:جزاء الطّاعة،و هو المثوبة أيضا؛يقال:

أثابه اللّه ثوابه،و أثوبه و ثوّبه مثوبته،أي أعطاه إيّاها، و أثابه مثوبة حسنة،و أثابه يثيبه إثابة و ثوابا:جازاه على صنيعه،في الخير و الشّرّ-و هو في الخير أخصّ-و ثوّبه اللّه من كذا:عوّضه.و كذا أثاب الرّجل فلانا على فعله:

جازاه عليه،و استثاب اللّه:سأله أن يثيبه.

و التّثويب:تثنية الدّعاء؛يقال:ثوّب الدّاعي تثويبا، أي عاد مرّة بعد أخرى،و ثوّب المؤذّن تثويبا:نادى بالأذان للنّاس إلى الصّلاة مرّة بعد أخرى.

2-و جعل الزّجّاج«الثّبة»من:ثاب الماء يثوب،أي رجع،و استدلّ بتصغيرها على«ثويبة».و به قال الجوهريّ أيضا،إلاّ أنّه استدلّ بحذف الواو و تعويض الهاء منها،و مثّل بالفعل أقام إقامة،و الأصل إقواما.

و لا ريب أنّ ما استدلّ به الزّجّاج سديد،إن ثبتت «ثويبة»تصغيرا لثبة،و نحسب ما حكاه في تصغيرها هو من قياس النّحاة،و ليس من السّماع.

و أمّا ما مثّل به الجوهريّ فهو مقصور على مصادر الأفعال الجوفاء،مثل:أقام يقيم إقامة،و استعاذ يستعيذ استعاذة،و الأصل استعواذا.و مصادر الأفعال النّاقصة، مثل:زكّى يزكّي تزكية،و مصادر الأفعال المهموزة، مثل:خطّأ يخطّئ تخطئة.

فضلا عن ذلك فإنّ بعض المصادر الّتي تتعاقب فيها الواو و الهاء-بتعويض الثّاني عن الأوّل-ليست مطّردة، كقوله تعالى: وَ إِقامَ الصَّلاةِ الأنبياء:73،و غيره.

و ربّما تظهر الهاء دون ما ذكر،كقوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2،أي تحليلها.

و المشهور في الأسماء الثّنائيّة المختومة بالهاء-مثل:

الثّبة-إمّا أن تكون محذوفة«الفاء»مثل:عدة،و الأصل «وعد»،أو محذوفة اللاّم مثل«سنة»،و الأصل«سنو»، و«الثّبة»ممّا حذف لامه،انظر مادّة«ث ب ي».

3-إنّ بين«ثاب»و«تاب»آصرة وثيقة لفظا و معنى،إلاّ أنّ«ثاب»معروف في اللّغات السّاميّة قاطبة، انظر«ت و ب».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت فعلا ماضيا معلوما 3 مرّات و مجهولا مرّة، و اسم مصدر بلفظين 15 مرّة،و اسم مكان مرّة،و اسما 8 مرّات في 23 آية:

1- إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

آل عمران:153

2- لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:18

3- فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

المائدة:85

4- هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ

المطفّفين:36

ص: 728

5- وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ

آل عمران:145

6- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:148

7- مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً. النّساء:134

8- فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195

9- أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:31

10- وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقّاها إِلاَّ الصّابِرُونَ

القصص:80

11- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً الكهف:44

12- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً

الكهف:46

13- وَ يَزِيدُ اللّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا مريم:76

14- وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ البقرة:103

15- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ المائدة:60

16- وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ

البقرة:125

17- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ الحجّ:19

18- وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً* عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً الدّهر:20،21

19- وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ المدّثّر:4

20- ...وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ... النّور:58

21- وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ... النّور:60

22- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ هود:5

ص: 729

23- وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً نوح:7

يلاحظ أنّ فيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:بمعنى الثّواب،و فيه بحوث:

1-جاء الفعل من باب«الإفعال»معلوما(3)مرّات في(1)و(2)و(3)،و من باب«التّفعيل»مجهولا مرّة واحدة في(4)،و الفاعل هو اللّه في المعلوم،و في المجهول أيضا محذوفا.

2-اثنتان من هذه الأربع-و هما(1)و(2)-في الدّنيا،إحداهما عذاب،و الأخرى ثواب،و اثنتان منها- و هما(3)و(4)-في الآخرة.كذلك:إحداهما ثواب و الأخرى عذاب.

3-يبدو أنّ صيغة«التّفعيل»في(4)للتّشديد و المبالغة،و قد أكّدهما الفعل المجهول،لأنّ الجهل بالفاعل يشدّد معنى الفعل نظير وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً الأحزاب:61.

4-اختلفوا في إعراب هذه الآية،و في معناها،و في الاستفهام:

أمّا إعرابها فقيل:إنّ محلّها نصب ب(ينظرون)في قوله: عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ، أي إنّ المؤمنين و هم على أرائكهم في الجنّة ينظرون إلى الكفّار في النّار-هل جوزوا بما عملوا في الدّنيا من الاستهزاء بالمؤمنين، ليسرّوا بذلك؟و قيل:إنّها مستأنفة-قولا من اللّه أو الرّسول أو المؤمنين بعضهم لبعض-هل الكفّار جوزوا بما عملوا؟و«ما»على القولين إمّا مصدريّة أو موصولة، و العائد محذوف،و كذلك(الباء)،أي بما كانوا يفعلونه.

و أمّا معناها:هل الكفّار جوزوا العذاب بعملهم-لو أريد بالثّواب معناه الأعمّ و هو الجزاء،أو أريد به الثّواب تهكّما و سخريّة-أو هل الكفّار أثيبوا بأعمالهم بمثل ما أثيب المؤمنون بأعمالهم؟و عليه فالثّواب بمعناه الخاصّ.

و عندنا أنّها متعلّقة ب(ينظرون)،و ليست مستأنفة، و إلاّ يبقى(ينظرون)بلا متعلّق.و معناها-كما قال الطّباطبائيّ-المؤمنون على سرر في الحجال،ينظرون إلى جزاء الكفّار بأعمالهم الّتي كانوا يفعلونها في الدّنيا.و عليه فحذف«إلى»كما حذف مدخولها،أي الكفّار،اكتفاء بالجملة الاستفهاميّة الّتي وضعت موضع متعلّق (ينظرون).

و سواء كانت(ما)موصولة-و هو الأقرب،لوجود (كانوا)-أم مصدريّة،فالباء مقدّرة،أي ثوّبوا بما كانوا يعملون،و لنا أن نفرّق بين الفعل المعلوم و المجهول،أو بين «ثوّب»و«أثاب»بلزوم«الباء»في الثّاني دون الأوّل.

و لكنّ الزّمخشريّ قال:«ثوّبه و أثابه؛إذا جازاه».

و لنا القول:بأنّ«ثوّب»من«المثابة»بمعنى الرّجوع، أي هل رجع الكفّار عن تكذيبهم،أو من«الثّوب»،أي هل ألبس الكفّار ثوب العذاب على أعمالهم؟فبعيد جدّا.

و أمّا الاستفهام فقيل:إنّه سؤال المؤمنين الكفّار -بناء على الاستئناف-حقيقة أو توبيخا لهم،هل جوزوا بأعمالهم؟أو هل رجعوا عن أعمالهم؟أو هل رجع اللّه في عذابهم،ظنّا بكرم اللّه بهم؟فكلّ ذلك بعيد عن السّياق،لأنّا فضّلنا أنّها متعلّقة ب(ينظرون)،فالاستفهام حقيقيّ،و هو حديث نفس للمؤمنين،لينظروا ما يؤول إليه حال الكفّار.

ص: 730

5-جاء«الثّواب»اسم مصدر في ثواب الدّنيا و الآخرة(3)مرّات:(5-7)،و في ثواب الآخرة(5) مرّات:(9-13).

6-جاء«مثوبة»مرّتين:إحداهما خير و خاصّ بالآخرة في(14)،و الأخرى شرّ و خاصّ بالدّنيا في (15).

المحور الثّاني:بمعنى الرّجوع مرّة واحدة بلفظ(مثابة) في(16): وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ، لأنّ النّاس يرجعون إلى هذا البيت مرّة بعد أخرى.قيل:إنّ التّاء في (مثابة)مثلها في«نسّابة»و«سيّارة»للتّكثير،و قيل:إنّه للوحدة،مثل:المقام و المقامة.و عن أبي عبيدة:أنّه مصدر ثاب يثوب جاء بمعنى اسم المكان-أي يرجعون إليه،و هو الأقرب،لاحظ الطّبريّ و غيره،و فيها بحوث:

1-طرح الفخر الرّازيّ في هذه الآية سؤالا،و هو أنّ الرّجوع إلى البيت يحصل بفعلهم،فلم نسبه إلى اللّه:

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ؟ و أجاب عنه وفق قولي الأشاعرة و المعتزلة في أفعال العباد،و لا ربط لها بذلك،فلاحظ.

2-و ذكر أنّ بعضهم تمسّك بالآية على وجوب العمرة،و أطال البحث فيه،و لا دلالة فيها على ذلك.

3-قيل:إنّ(المثابة)تتضمّن معنى الرّاحة و الاستقرار،لأنّ بيت الإنسان-و هو محلّ عودته الدّائم- مكان للرّاحة و الاستقرار،و تؤكّد هذا المعنى كلمة (أمنا)،و توضّح كلمة(للنّاس)أنّه قاعدة لأمن عامّ للنّاس و للشّعوب،لا سيّما المحرومين،لاحظ«أ م ن».

المحور الثّالث:بمعنى الثّوب،و فيه بحوث:

1-أنّه جاء(8)مرّات:(9)و(17-23)،و كلّها جمع،لأنّ الإنسان يلبس في أغلب الأحوال ثيابا دون ثوب واحد،أو الجمع فيها بلحاظ المضاف إليه،مثل:

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ المائدة:6،فلكلّ إنسان وجه واحد،إلاّ أنّه جمع لمّا أضيف إلى المؤمنين.

2-جاء ثلاث منها وصف لثياب الآخرة:إحداها عذاب(17): قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، و اثنتان ثواب(18): عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ و(9): يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ، فالثّواب و الرّحمة فيها غلّبا على العذاب و النّقمة في الآخرة.و هذا هو المرجوّ من اللّه الرّحمن الرّحيم.

3-أريد بالثّياب من ناحية الرّحمة و الثّواب حقيقتها،و هي ثياب من سندس خضر و إستبرق.

أمّا فى ناحية العذاب فظاهر قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ أنّها استعارة تمثيليّة تهكّميّة؛حيث شبّه إعداد النّار المحيطة بهم بتقطيع ثياب و تفصيلها لهم على قدر جثثهم.و المراد بها أنّ النّار تحيط بهم،و تتّصل بأجسادهم إحاطة الثّياب و اتّصالها بها.و كأنّ جمع الثّياب فيها للإيذان بتراكم النّار المحيطة بهم،و كون بعضها فوق بعض كالثّياب تماما،لاحظ الآلوسيّ، و راجع«سندس»و«إستبرق».

4-أمّا الخمسة الباقية من«الثّياب»فهي ثياب الدّنيا على التّرتيب التّالي:

(19): وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ راجع إلى تطهير الثّياب للصّلاة،أو للتّنزّه و النّظافة.

ص: 731

(20): وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ راجع إلى أوقات دخول الّذين لم يبلغوا الحلم على صاحب البيت.

(21): أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ راجع إلى القواعد من النّساء اللاّتي لا يرجون نكاحا،و قد خصّوا ثيابهنّ بالجلباب و الخمار دون ما سواها من الثّياب،لاحظ النّصوص،فهذه الثّلاثة تشريع.

(22): يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ و(23): وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ راجع إلى استغشاء الكفّار ثيابهم،أي وضعوها على رءوسهم استكبارا و احترازا من سماع الآيات، فالأولى راجعة إلى مشركي مكّة،و الثّانية إلى قوم نوح، لاحظ«ث ن ي».

تنبيهات:

الأوّل:(15)آية منها مدنيّة،بناء على كون سورة الحجّ مدنيّة،و(9)آيات مكّيّة،فالمدنيّ منها غالب على المكّيّ بنسبة 9/15،و هو يحكي شيوع هذه اللّغة في البلدين،و اختلاف العدد يرجع إلى المواضيع دون عادة البلدين.

الثّاني:أنّ الآيات بجميع معانيها مشتركة بين الدّنيا و الآخرة،إلاّ أنّ جانب الدّنيا راجح على الآخرة،لأنّ أكثرها مدنيّة،و هو إمّا تشريع،أو أجر على جهاد، و كلاهما من شئون المدينة.

الثّالث:أنّ جانب الرّحمة فيها غلب جانب العذاب، فقد غلبت رحمته عذابه دائما.

ص: 732

ث و ر

اشارة

3 ألفاظ،5 مرّات:4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 3 سور:2 مكّيّة،1 مدنيّة

أثاروا 1:1 اثرن 1:1

تثير 3:2-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّور:الذّكر من البقر،و القطعة من الأقط،و برج من بروج السّماء،و به سمّي السّيّد،و به كنّي عمرو بن معديكرب:أبا ثور.

و منهم من يقول بالتّاء؛و بالثّاء أعرف و أحسن.

و المنزل الّذي ذكره ذو الرّمّة ببرقة الثّور.

و الثّور:الفراش.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثور:جبل:جبل بمكّة.

و الثّور:العرمض على وجه الماء وغه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثور:حيّ،و هم إخوة ضبّة.

و الثّور:مصدر ثار يثور الغبار و القطا،إذا نهضت من موضعها.

و ثار الدّم في وجهه:تفشّى فيه،و ظهر..و المغرب ما لم يسقط ثور الشّمس.و الثّور:الحمرة الّتي بعد سقوط الشّمس لأنّها تثور،أي تنتشر.

و ثوّرت كدورة الماء فثار،و كذلك:ثوّرت الأمر.

و استثرت الصّيد،إذا أثرته.[ثمّ استشهد بشعر]

أثاره،أي هيّجه.(8:232)

أبو زيد :ثور أطحل:جبل بناحية الحجاز.

و الثّور:القطعة من الأقط.

و الثّور:ثوران الحصبة.

و كلّ ما ظهر فقد ثار يثور ثورا و ثورانا.

و الثّور:الأحمق.(الأزهريّ 15:111)

الأصمعيّ: رأيت فلانا ثائر الرّأس،إذا رأيته قد اشعانّ شعره،أي انتشر و تفرّق.

و يقال:ثارت نفسه،إذا جشأت،أي ارتفعت

ص: 733

و جاشت،أي فارت.

و يقال:مررت بأرانب فأثرتها.

و أثار التّراب إثارة،إذا بحثه بقوائمه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:110)

اللّحيانيّ: ثاوره مثاورة و ثوارا:واثبه.

(ابن سيده 10:205)

ثار الرّجل ثورانا:ظهرت فيه الحصبة.

و كلّ ما استخرجته أو هجته،فقد أثرته إثارة و إثارا.

(ابن سيده 10:206)

ابن الأعرابيّ: الثّائر:الغضبان،يقال:ثار ثائره، و فار فائره،إذا غضب.(الأزهريّ 15:110)

يقال:ثورة من رجال و ثروة،يعني عددا كثيرا.

و ثروة من مال،لا غير.(الأزهريّ 15:113)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«توضّئوا ممّا غيّرت النّار و لو من ثور أقط»:الثّور:القطعة من الأقط، و جمعه:أثوار.[إلى أن قال:]

و أمّا حديث عبد اللّه بن عمر حين ذكر مواقيت الصّلاة،فقال:«صلاة العشاء إذا سقط ثور الشّفق» فليس من هذا،و لكنّه انتشار الشّفق و ثورانه،يقال منه:

قد ثار يثور ثورا و ثورانا،إذا انتشر في الأفق،فإذا غاب ذلك حلّت صلاة العشاء.(1:276)

ابن السّكّيت: يقال:ثورة من رجال و ثورة من مال،للكثير.(الأزهريّ 15:113)

شمر: في حديث:«من أراد العلم فليثوّر القرآن»

تثوير القرآن:قراءته و مفاتشة العلماء به،في تفسيره و معانيه.(الأزهريّ 15:111)

المبرّد:إنّما قالوا:«ثيرة»ليفرّقوا بينه و بين ثورة الأقط،و بنوه على«فعلة»ثمّ حرّكوه.

(الجوهريّ 2:606)

ابن دريد :و الثّور:ذكر البقر الوحشيّة و الأهليّة.

و الثّور:ثور الحصبة،ثارت الحصبة تثور ثورا و ثورانا و ثار الجراد ثورانا و ثورا،و ثار الماء ثورا،و ثار الغبار و غير كذلك.

و جمع الثّور من البقر:ثيران و ثيرة و أثوار.و قالوا:

ثيرة و هو الكلام الأعلى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّور:القطعة العظيمة من الأقط،و الجمع:أثوار و ثورة،و لا أدري ما صحّته إلاّ أنّهم قالوا:جاءنا بثورة ضخام،أي قطع عظيمة من الأقط.

و الثّور:الطّحلب،فيقال:يضرب الطّحلب حتّى ينكشف الماء فتشرب البقر.

و ثور:جبل معروف يسمّى ثور أطحل،قريب من مكّة.

و بنو ثور.بطن من الرّباب منهم سفيان الثّوريّ.

و يقال:مررت بالأرنب فاستثرتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أثار الثّور التّراب،إذا بحثه بقوائمه.(2:42)

الأزهريّ: و يقال:مررت بثيرة:لجماعة الثّور.

و يقال:هذه ثيرة مثيرة،أي تثير الأرض.

أرض مثارة:إذا أثيرت بالسّنّ،و هي الحديدة الّتي تحرث بها الأرض.

و كلّ ما ظهر،فقد:ثار يثور ثورا و ثورانا.

و يقال:ثوّر فلان عليهم شرّا،أي هيّجه.

ص: 734

و ثاور فلان فلانا،إذا ساوره و واثبه.

و يقال:كيف الدّبى؟فيقال:ثائر و ناقر.فالثّائر:

ساعة ما يخرج من التّراب.و النّاقر،حين ينقر،أي يثب من الأرض.

و يقال:أعطاه ثورة من الأقط:جمع ثور.

و الثّور:الطّحلب و ما أشبهه على رأس الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثرت البعير أثيره إثارة،فثار يثور.و تثوّر تثوّرا، إذا كان باركا و بعثه فانبعث.

و يقال للرّجل البليد القليل الفهم:ما هو إلاّ ثور.

و ثار الغبار،و ثار به الدّم،و ثار القطا من مجثمه، و ثار الدّخان.

و يقال:ثوّرت كدورة الماء،فثار.

و أثرت السّبع و الصّيد،إذا هجته،و أثرت فلانا،إذا هيّجته لأمر.و استثرت الصّيد،إذا أثرته أيضا.و أثرت البعير،إذا كان باركا فبعثته.(15:110-112)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و مصدر[الثّور]ثار يثور ثورا و ثورانا.

و ثار الدّخان و الغبار و الدّم،إذا تفشّى فيه و ظهر.

و ثار الشّعر:قام،و هو ثائر الرّأس.

و ثار فريص رقبته،إذا انتفخ من الغضب.

و ثور الشّفق:ما ثار منه.

و البقرة:الثّورة،و يقال في جمع الثّور:ثورة و ثيرة و أثوار و ثيران و ثيرة.

و استثرت صيدا:أثرته.و أثرت الأسد و الرّجل.

و ثاورت فلانا:أي ساورته.

و يقال للبقرة:مثيرة،لأنّها تثير الأرض تقلبها للزّراعة.

و ثارت نفسه،إذا جاشت.

و الثّوّارتان:الخرقان النّافذان في أوساط الوركين.

و الثّوّارة:الخوران.

و فلان في ثوّار شرّ،و هو الكثير.و ثار ثوّرهم و ثوّارهم و ثورهم،أي ثار شرّهم.و كذلك ثويرهم و ثائرهم،إذا كثروا و زادوا و ضخم أمرهم.

و الثّورة:العدد الكثير.

و الثّوّار:الثّار.(10:162)

الجوهريّ: ثار الغبار يثور ثورا و ثورانا،أي سطع، و أثاره غيره.

و ثارت بفلان الحصبة.

و ثار به النّاس،أي وثبوا عليه.

و المثاورة:المواثبة،يقال:انتظر حتّى تسكن هذه الثّورة،و هي الهيج.

و ثوّر القرآن،أي بحث عن علمه.

و ثوّر البرك (1)و استثارها،أي أزعجها و أنهضها.

و ثار ثائره،أي هاج غضبه.

و ثور:جبل بمكّة،و فيه الغار المذكور في القرآن، و يقال له:ثور أطحل.و قال بعضهم:اسم الجبل:

أطحل،نسب إليه ثور بن عبد مناة،لأنّه نزله.

(2:606)

ابن فارس: الثّاء و الواو و الرّاء أصلان،قد يمكن الجمع بينهما بأدنى نظر؛فالأوّل:انبعاث الشّيء،و الثّاني:ة.

ص: 735


1- جماعة الإبل الباركة.

جنس من الحيوان.

فالأوّل:قولهم:ثار الشّيء يثور ثورا و ثئورا و ثورانا.و ثارت الحصبة تثور.و ثاور فلان فلانا،إذا واثبه،كأنّ كلّ واحد منهما ثار إلى صاحبه.و ثوّر فلان على فلان شرّا،إذا أظهره.و محتمل أن يكون الثّور فيمن يقول:إنّه الطّحلب من هذا،لأنّه شيء قد ثار على متن الماء.

و الثّاني:الثّور من الثّيران،و جمع على الأثوار أيضا.

فأمّا قولهم للسّيّد:ثور،فهو على معنى التّشبيه إن كانت العرب تستعمله،على أنّي لم أر به رواية صحيحة.

(1:395)

ابن سيده: ثار الشّيء ثورا،و ثئورا،و ثورانا، و تثوّر:هاج.

و أثرته،و هثرته على البدل،و ثوّرته.

و ثور الغضب:حدّته.و يقال للغضبان-أهيج ما يكون-:قد ثار ثائره.

و ثار إليه ثورا،و ثئورا،و ثورانا:وثب.

و أثار هو.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثار القطا و الجراد ثورا و ثورانا:نهض من أماكنه.

و ثار الدّم في وجهه ثورا،و انثار:ظهر.

و الثّور:حمرة الشّفق الثّائرة فيه.

و ثارت الحصبة بفلان ثورا،و ثئورا،و ثوارا، و ثورانا:انتشرت،و كذلك كلّ ما ظهر.

و الثّور:ما علا الماء من الطّحلب،و العرمض، و الغلفق،و نحوه.

و قد ثار الطّحلب ثورا،و ثورانا،و ثوّرته،و أثرته.

و ثوّرته،و استثرته،كما تستثير الأسد و الصّيد.

و ثوّرت الأمر:بحثته.

و ثوّر القرآن:بحث عن معانيه.

و قالوا:ثورة رجال:كثروة رجال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّور:القطعة العظيمة من الأقط،و الجمع:أثوار، و ثورة على القياس.

و الثّور:الذّكر من البقر.[إلى أن قال:]

و الجمع:أثوار،و ثيار،و ثيارة،و ثورة،و ثيرة،و ثيران و ثيرة.

على أنّ أبا عليّ قال في«ثيرة»:إنّه محذوف من ثيارة،فتركوا الإعلال في العين،أمارة لما نووا من الألف،كما جعلوا تصحيح نحو«اجتوروا»و«اعتونوا» دليلا على أنّه في معنى ما لا بدّ من صحّته،و هو تجاوروا، و تعاونوا.

و قال بعضهم:هو شاذّ،و كأنّهم فرّقوا بالقلب بين جمع«ثور»من الحيوان،و بين جمع ثور من الأقط،لأنّهم يقولون في ثور الأقط:ثورة فقط

و الأنثى ثورة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّور:من بروج السّماء على التّشبيه.

و الثّور:البياض الّذي في أصل ظفر الإنسان.

و أثار الأرض:قلبها على الحبّ،بعد ما فتحت مرّة.

[و في خلالها تكرار بعض ما تقدّم عن الخليل]

(10:205-208)

الرّاغب: ثار الغبار و السّحاب و نحوهما يثور ثورا و ثورانا:انتشر ساطعا،و قد أثرته،قال تعالى: فَتُثِيرُ

ص: 736

سَحاباً الرّوم:48،يقال:أثرت،و منه قوله تعالى:

وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها الرّوم:9.

و ثارت الحصبة ثورا:تشبيها بانتشار الغبار،و ثوّر شرّا كذلك.

و ثار ثائره:كناية عن انتشار غضبه،و ثاوره:واثبه.

و الثّور:البقر الّذي يثار به الأرض،فكأنّه في الأصل مصدر جعل في موضع الفاعل،نحو ضيف و طيف في معنى ضائف و طائف.

و قولهم:سقط ثور الثّقف،أي الثّائر المنتشر.

و الثّار هو طلب الدّم،أصله الهمز،و ليس من هذا الباب.(84)

الزّمخشريّ: ثار العسكر من مركزه،و ثار القطا من مجاثمه،و التقوا فثار هؤلاء في وجوه هؤلاء.

و يقال:كيف الدّبى؟فتقول:ثائر و نافر (1).

و أثرت الصّيد و الأسد،و استثرته:هيّجته.[ثمّ استشهد بشعر]

و أثار الأرض،و ثوّر السّفر.و ثاوره و ساوره:واثبه.

و هو ثور القوم:لسيّدهم،و به كنّي عمرو بن معد يكرب.

و من المجاز:ثارت بينهم الفتنة و الشّرّ،و ثارت به الحصبة،و ثوّر عليه شرّا،و سقط ثور الشّفق،و هو ما ظهر منه و انتشر.و ثار بالمحموم الثّور،و هو ما يخرج بفيه من البثر،و رأيته ثائر الرّأس:شعثا.

و ثارت نفسه:جاشت.و ثار ثائره،و فار فائره،إذا اشتعل غضبا.و ثار الدّم في وجهه.و رأيته ثائرا فريص رقبته.و ثار الدّخان و الغبار.(أساس البلاغة:49)

ابن الشّجريّ: و ثوّرت بعد الأمان:أراد أظهرت الشّرّ،يقال:ثوّر فلان بفلان و على فلان،إذا أظهر له شرّا.(2:182)

المدينيّ: في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم المدينة ما بين عير إلى ثور».

قال مصعب بن الزّبير:لا يعلم بالمدينة عير و لا ثور، و إنّما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هذا بالمدينة،و اللّه تعالى أعلم بمعناه.

قلت:ثور أطحل:جبل بمكّة،فيه غار النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي بات فيه حين هاجر.

و عير عدوى أيضا:جبل بمكّة،قال الشّاعر في ثور:

و مرسى حراء و الأباطح كلّها

و حيث التقت أعلام ثور و لوبها

و كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا يخلو من فائدة و معنى،و هو كان عليه الصّلاة و السّلام أعلم بجبال مكّة و المدينة و معالمهما.

فإمّا أن يكون أراد به أنّه حرّم من المدينة قدر ما بين عير و ثور من مكّة،أو يكون قد شبّه جبلين من جبال المدينة بجبلي مكّة هذين،فحرّم ما بينهما،لأنّ ثور الجبل سمّي به،لاجتماعه و تقارب بعضه من بعض،تشبيها بثور الأقط،أو لخصبه،أو بثور الوحش لامتناعه.

و كذلك«عير»سمّي لنتوّ وسطه و نشوزه،و اللّه تعالى أعلم.

و في رواية عبد اللّه بن حبيش،عن عبد اللّه بن سلام قال:«ما بين عير و أحد»غير أنّ الأوّل أمتن إسنادا و أكثر.

و قال أبو نعيم:أحمد بن عبد اللّه:عير:جبل بالمدينة.ر.

ص: 737


1- ذكره الأزهريّ:و ناقر.

و في الحديث:«جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل نجد ثائر الرّأس،يسأله عن الإيمان»أي منتشر شعر الرّأس قائمه.حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه، و انتصب على الحال.

و في حديث آخر:«يقوم إلى أخيه ثائرا فريصته يضربه»أي قائمها و منتفخها غضبا،و ثور الشّفق:ما ثار منه.

في حديث عمرو بن معد يكرب:أتاني خالد بقوس و كعب و ثور»الكعب:القطعة من السّمن،و القوس:بقيّة التّمر في أسفل الجلّة،و الثّور:قطعة من الأقط،و سمّي ثورا،لأنّ الشّيء إذا قطع ثار عن المقطوع منه و زال.

(1:284)

الصّغانيّ: الثّور:السّيّد.و الثّور:الجنون.و الثّور:

الأحمق،و البليد الفهم.و الثّور:فرس العاص بن سعيد القرشيّ.

و الاستثارة،و الإثارة،و التّثوّر:الانبعاث.[إلى أن قال:]

الثّوّارة:الخوران.

و فلان في ثوار شرّ،و هو الكثير.

و ثور:واد في بلاد مزينة.

و الثّوير:ماء بالجزيرة،من منازل تغلب.

و ثورى،و قد يمدّ:نهر بدمشق.

و الثّير:غطاء العين.(2:439)

الفيّوميّ: ثار الغبار يثور ثورا و ثئورا-على فعول- و ثورانا:هاج،و منه قيل للفتنة:ثارت،و أثارها العدوّ.

(؟؟؟:87)

الفيروزآباديّ: الثّور:الهيجان،و الوثب، و السّطوع،و نهوض القطا و الجراد،و ظهور الدّم كالثّئور و الثّوران و التّثوّر في الكلّ،و أثاره و آثره و هثره و ثوّره و استثاره غيره.

و القطعة العظيمة من الأقط،الجمع:أثوار و ثورة.

و ذكر البقر،الجمع:أثوار و ثيار و ثورة و ثيرة و ثيرة و ثيران كجيرة و جيران.

و أرض مثورة:كثيرته،و السّيّد،و الطّحلب، و البياض في أصل الظّفر،و كلّ ما علا الماء،و المجنون، و حمرة الشّفق النّائرة فيه،و الأحمق،و برج في السّماء، و فرس العاص بن سعيد.

و ثور:أبو قبيلة من مضر منهم سفيان بن سعيد، و واد ببلاد مزينة،و جبل بمكّة،و فيه الغار المذكور في التّنزيل،و يقال له:ثور أطحل،و اسم الجبل أطحل، نزله ثور بن عبد مناة فنسب إليه.

و جبل بالمدينة،و منه الحديث الصّحيح:«المدينة حرم ما بين عير إلى ثور».

و أمّا قول أبي عبيد بن سلاّم و غيره من الأكابر الأعلام: إنّ هذا تصحيف،و الصّواب:«إلى أحد»لأنّ ثورا إنّما هو بمكّة،فغير جيّد،لما أخبرني الشّجاع البعليّ الشّيخ الزّاهد عن الحافظ أبي محمّد عبد السّلام البصريّ:أنّ حذاء أحد جانحا إلى ورائه جبلا صغيرا يقال له:ثور،و تكرّر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض،فكلّ أخبرني أنّ اسمه ثور،و لما كتب إليّ الشّيخ عفيف الدّين المطريّ عن والده الحافظ الثّقة،قال:إنّ خلف أحد عن شماليه جبلا صغيرا مدوّرا

ص: 738

يسمّى ثورا يعرفه أهل المدينة خلفا عن سلف.

و ثور الشّباك و برقة الثّور موضعان.

و ثورى و قد يمدّ:نهر بدمشق.

و ثورة من مال و رجال:كثير.

و الثّوّارة:الخوران:

و النّائر:الغضب.

و الثّير بالكسر:غطاء العين.

و المثيرة:البقرة تثير الأرض.

و ثاوره مثاورة و ثوارا:واثبه.

و ثوّر القرآن:بحث عن علمه.

و الثّوير:ماء بالجزيرة من منازل تغلب و أبرق لجعفر ابن كلاب قرب جبال ضريّة.(1:398)

الطّريحيّ: و في الخبر:«ثارت قريش بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فخرج هاربا»أي هيّجوه من مكانه،من قولهم:ثار الغبار يثور ثورانا:هاج.

و ثور بالفتح فالسّكون:جبل بمكّة،و فيه الغار الّذي بات فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا هاجر.(3:238)

محمّد إسماعيل إبراهيم:أثار الأرض:شقّها و حرثها و قلبها للزّراعة،أو استنباط المياه أو استخراج المعادن،أو غير ذلك.(99)

العدنانيّ: ثار بفلان.

و يقولون:ثار النّاس ضدّ فلان،فيخطّئون قولهم هذا بخطإ آخر،هو:ثاروا على فلان.و الصّواب:ثاروا بفلان،أي وثبوا عليه،كما يقول الصّحاح،و اللّسان، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و هناك جملة:ثوّر عليهم الشّرّ،الّتي تعني هيّجه و أظهره،كما جاء في الصّحاح،و الأساس،و اللّسان، و مستدرك التّاج.

و لكنّ بعض الأفعال في العربيّة لها حروف جرّ خاصّة بها،و ليس لنا حقّ في أن نستبدل الاسم«ضدّ» بحرف الجرّ«الباء»هنا،و إن كان ابن جنّيّ أجاز لنا في «الخصائص»إبدال حرف جرّ بآخر،إذا كان معنى الفعل لا يتغيّر(راجع مادّة«لا يخفى على القرّاء»في هذا المعجم)،بحيث نستطيع أن نقول:ثار عليه بدلا من ثار به،و إن كانت الجملة الثّانية هي الأعلى.

أمّا فعله فهو:ثار يثور ثورا،و ثئورا،و ثورانا.و من معاني ثار:

1-ثار به الدّم:ظهر الدّم على وجهه.

2-ثار إليه:وثب«اللّسان».

3-ثار الماء من بين كذا:نبع بقوّة و شدّة.

4-ثار الدّخان و الغبار:هاجا و انتشرا.

ثار فلان،و فلان،و فلان على المستعمرين

ثار فلان،فلان،فلان على المستعمرين.[ثمّ بحث حول حذف حرف العطف في مثل ذلك](110)

المصطفويّ: و يظهر من التّحقيق في موارد استعمال هذه المادّة:أنّ الأصل الواحد فيها هو انبعاث شيء؛بحيث يكون أسفله أعلاه،كما يتراءى ذلك المعنى في عمل إثارة الثّور للأرض،و إثارة الرّيح للسّحاب،فإنّ الرّيح هي حركة الهواء إلى جهة و إلى طبقة عالية،فتسوق السّحاب و تجعل أسفله أعلاه،و لا يقال في الموردين:إنّ الثّور هيّج الأرض و إنّ الرّيح هيّجت السّحاب،فإنّ

ص: 739

التّهييج مطلق البعث و التّحريك الشّديد.

و قال في الصّحاح(2:783):«فور»:فارت القدر تفور فورا و فورانا:جاشت.

و فار فائره:لغة في ثار ثائره،إذا جاش غضبه.

فظهر أنّ إطلاق«الثّور»على البقر باعتبار إثارته الأرض في الفلاحة.و الاستعمال في معاني أخر،باعتبار الإظهار لما في الباطن، وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها الرّوم:9،سواء كانت الإثارة للزّراعة أو للبنيان و العمارة،و العمارة أيضا تعمّ المفهومين.(2:38)

النّصوص التّفسيريّة

أثاروا

أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ أَثارُوا الْأَرْضَ...

الرّوم:9

ابن عبّاس: يقال:أثاروا الأرض:حرثوها و قلبوها للزّراعة و الغرس أكثر ممّا حرث أهل مكّة.

(الطّبريّ 21:24)

نحوه ابن قتيبة(340)،و السّجستانيّ(146)، و البغويّ(5:169)،و القرطبيّ(14:9)،و الطّباطبائيّ (16:158)،فضل اللّه(18:104).

ملكوا الأرض و عمّروها.(الطّبريّ 21:25)

مجاهد :حرثوها.(الطّبريّ 21:25)

نحوه الزّمخشريّ(3:216)،و الفخر الرّازيّ(25:

100).

الإمام الصّادق عليه السّلام: و أثاروا الأرض و قلبوا وجهها،لاستنباط المياه،و استخراج المعادن،و زرع البذور و غيرها.(الكاشانيّ 4:127)

نحوه الميبديّ(7:431)،و البيضاويّ(2:217)، و الشّربينيّ(3:159)،و أبو السّعود(5:166)،و شبّر (5:79)،و البروسويّ(7:10).

أبو عبيدة :أي استخرجوها،و منه قولهم:أثار ما عندي،أي استخرجه،و أثار القوم،أي استخرجهم.

(2:119)

نحوه الطّبريّ.(21:24)

الزّجّاج: يعني أنّ الّذين أهلكوا من الأمم الخالية، كانوا أكثر حرثا و عمارة من أهل مكّة،لأنّ أهل مكّة لم يكونوا أصحاب حرث.(4:179)

نحوه النّحّاس.(5:246)

ابن عطيّة: يريد بالمباني و الحرث و الحروب، و سائر الحوادث الّتي أحدثوها هي كلّها إثارة للأرض، بعضها حقيقة و بعضها تجوّز،لأنّ إثارة أهل الأرض و الحيوان و المتاع إثارة للأرض.

و قرأ أبو جعفر (و آثاروا) بمدّ الهمزة.و قال ابن مجاهد:ليس هذا بشيء،قال أبو الفتح:وجهها أنّه أشبع فتحة الهمزة فنشأت ألف.[ثمّ استشهد بشعر]

قال:و هذا من ضرورة الشّعر لا يجيء في القرآن.

و قرأ أبو حيوة (و آثروا الأرض) بالمدّ بغير ألف بعد الثّاء من الأثر.(4:330)

النّيسابوريّ: حرثوها،و هو إشارة إلى القوّة الماليّة.(21:25)

ص: 740

أبو حيّان:و قرئ (و آثروا الارض) أي أبقوا عنها آثارا.(7:164)

عزّه دروزة:حرثوها و استعلوها.(6:287)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّهم قلّبوا وجوهها و استخرجوا خبأها.(11:487)

مكارم الشّيرازيّ: يمكن أن تكون جملة أَثارُوا الْأَرْضَ إشارة إلى حرث الأرض للزّراعة و التّشجير، أو حفر الأنهار،أو تأسيس العمارات على الأرض،أو جميع هذه الأمور،لأنّ جملة أَثارُوا الْأَرْضَ لها مفهوم واسع يشمل جميع هذه الأمور الّتي هي مقدّمة للعمارة و البناء.

و حيث كانت أكبر قدرة-في ذلك العصر-بأيدي أولئك الّذين كان لهم تقدّم في الزّراعة،و كان لهم رقى ملحوظ من حيث البناء و العمارات،فإنّه يتّضح رفعة هؤلاء الأمم و علوّهم على مشركي مكّة الّذين كانت قدرتهم محدودة جدّا.(12:437)

اثرن

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً. العاديات:4

ابن عبّاس: هيّجن بحوافرهنّ غبارا ترابا.(517)

أبو عبيدة :فرفعن به غبارا.(2:307)

الطّبريّ: فرفعن بالوادي غبارا.(30:275)

القمّيّ: ثورة الغبرة من ركض الخيل.(2:439)

نحوه الكاشانيّ.(5:360)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ هذه الخيل تثير الغبار بعدوها.(10:396)

البغويّ: أي هيّجن بمكان سيرها،كناية عن غير مذكور،لأنّ المعنى مفهوم.(5:296)

نحوه الميبديّ(10:585)،و الطّبرسيّ(5:529)، و الخازن(7:235).

الزّمخشريّ: فهيّجن بذلك الوقت غبارا.[إلى أن قال:]

و قرأ أبو حيوة (فأثّرن) بالتّشديد،بمعنى فأظهرن به غبارا،لأنّ التّأثير فيه معنى الإظهار،أو قلب ثوّرن إلى و ثرن و قلب الواو همزة.[إلى أن قال:]

فإن قلت:علام عطف(فاثرن)؟

قلت:على الفعل الّذي وضع اسم الفاعل موضعه، لأنّ المعنى:و اللاّتي عدون فأورين فأغرن فأثرن.

(4:278)

نحوه النّسفيّ(4:373)،و أبو السّعود(5:280).

الفخر الرّازيّ: و أثرن الغبار،أي هيّجنه،و المعنى:

أنّ الخيل أثرن الغبار،لشدّة العدو في الموضع الّذي أغرن فيه.(32:66)

نحوه الطّباطبائيّ.(20:346)

البيضاويّ: هيّجن(به)بمكان عدوهنّ،أو بذلك الوقت.(2:572)

أبو حيّان :(فاثرن)معطوف على اسم الفاعل الّذي هو صلة«أل»لأنّه في معنى الفعل؛إذ تقديره:فاللاّتي عدون فأغرن فأثرن...يقول أصحابنا:هو معطوف على الاسم،لأنّه في معنى الفعل.(8:504)

نحوه البروسويّ(10:496)،و الآلوسيّ(30:

216).

ص: 741

القاسميّ: أي فأهجن بذلك الوقت غبارا من الإثارة،و هي التّهييج و تحريك الغبار و نحوه ليرتفع.

(17:6238)

محمّد جواد مغنية:(اثرن):حرّكن.(7:600)

مكارم الشّيرازيّ: (اثرن)من الإثارة،و هي نشر الغبار و الدّخان في الجوّ.و قد تأتي بمعنى الهياج،أو انتشار أمواج الصّوت في الفضاء.(20:359)

تثير

1- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ... البقرة:71

ابن عبّاس: تحرث الأرض.(11)

قتادة :تقلب الأرض للحرث،يقال منه:أثرت الأرض أثيرها إثارة،إذا قلبتها للزّرع.و إنّما وصفها جلّ ثناؤه بهذه الصّفة،لأنّها كانت-فيما قيل-وحشيّة.

(الطّبريّ 1:351)

السّدّيّ: بقرة ليست بذلول،يزرع عليها،و ليست تسقي الحرث.(الطّبريّ 1:351)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(1:232)

الرّبيع: تبين الأرض بأظلافها.(الطّبريّ 1:351)

ابن قتيبة :أي تقلّبها للزّراعة.(54)

نحوه البغويّ.(1:61)

الطّبريّ: أنّها بقرة لم تذلّلها إثارة الأرض بأظلافها.

(1:351)

نحوه الطّوسيّ(1:299)،و نحوه الطّبرسيّ(1:

137).

السّجستانيّ: يعني أنّها قد ذلّلت للحرث.(13)

الماورديّ: و الإثارة:تفريق الشّيء،ممّا يثير الأرض للزّرع،و لا يسقى عليها الزّرع.و قيل:(يثير) فعل مستأنف،و المعنى إيجاب الحرث لها،و أنّها كانت تحرث و لا تسقي.

و ليس هذا الوجه بشيء بل نفي عنها جميع ذلك.

(1:141)

الزّمخشريّ: يعني لم تذلّل للكراب و إثارة الأرض.(1:288)

نحوه النّسفيّ.(1:55)

ابن عطيّة: معناه بالحراثة،و هي عند قوم جملة في موضع رفع على صفة البقرة،أي لا ذلول مثيرة.

و قال قوم:(تثير)فعل مستأنف،و المعنى إيجاب الحرث،و أنّها كانت تحرث و لا تسقي.و لا يجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال،لأنّها من نكرة.(1:163)

نحوه القرطبيّ(1:453)،و البيضاويّ(1:63)، و القاسميّ(2:155).

القرطبيّ: (تثير)في موضع رفع على الصّفة للبقرة؛ أي هي بقرة لا ذلول مثيرة.

قال الحسن: و كانت تلك البقرة وحشيّة،و لهذا وصفها اللّه تعالى بأنّها لا تثير الأرض و لا تسقي الحرث، أي لا يسنى بها لسقي الزّرع و لا يسقى عليها.و الوقف هاهنا حسن.

و قال قوم:(تثير)فعل مستأنف،و المعنى إيجاب الحرث لها،و أنّها كانت تحرث و لا تسقي،و الوقف على هذا التّأويل(لا ذلول).

ص: 742

و القول الأوّل أصحّ لوجهين:

أحدهما:ما ذكره النّحّاس عن عليّ بن سليمان أنّه قال:لا يجوز أن يكون(تثير)مستأنفا،لأنّ بعده (و لا تسقى الحرث)،فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و«لا».

الثّاني:أنّها لو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذلّلتها،و اللّه تعالى قد نفى عنها الذّلّ بقوله:(لا ذلول).

قلت:و يحتمل أن تكون(تثير الارض)في غير العمل مرحا و نشاطا.

فعلى هذا يكون(تثير)مستأنفا،(و لا تسقى) معطوف عليه،فتأمّله.

و إثارة الأرض:تحريكها و بحثها،و منه الحديث:

«أثيروا القرآن فإنّه علم الأوّلين و الآخرين».و في رواية أخرى:«من أراد العلم فليثوّر القرآن»و قد تقدّم.و في التّنزيل: وَ أَثارُوا الْأَرْضَ الرّوم:9،أي قلبوها للزّراعة.و الحرث:ما حرث و زرع.(1:453)

أبو حيّان :و تُثِيرُ الْأَرْضَ صفة ل(ذلول) و هي صفة داخلة في حيّز النّفي،و المقصود نفي إثارتها الأرض،أي لا تثير فتذلّ.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و معنى الكلام أنّها لم تذلّل بالعمل لا في حرث و لا في سقي،و لهذا نفى عنها إثارة الأرض و سقيها.

و قال بعض المفسّرين:معنى تثير الأرض بغير الحرث بطرا و مرحا.و من عادة البقر إذا بطرت تضرب بقرنها و أظلافها فتثير تراب الأرض و ينعقد عليها الغبار،فيكون هذا المعنى من تمام قوله:(لا ذلول)لأنّ وصفها بالمرح و البطر دليل على أنّها لا ذلول.

و قد ذهب قوم إلى أنّ قوله: تُثِيرُ الْأَرْضَ فعل مثبت لفظا و معنى،و أنّه أثبت للبقرة أنّها تثير الأرض و تحرثها،و نفى عنها سقي الحرث.و ردّ هذا القول من حيث المعنى،لأنّ ما كان يحرث لا ينتفى كونها ذلولا.

(1:255)

نحوه الآلوسيّ.(1:290)

الشّربينيّ: أي تقلبها للزّراعة.و الجملة صفة (ذلول)داخلة في النّفي.(1:70)

الكاشانيّ: لم تذلّل لإثارة الأرض و لم ترض بها.

(1:127)

البروسويّ: إشارة إلى نفس الطّالب الصّادق، و هي الّتي لا تحمل الذّلّة،تثير بآلة الحرص علوّ أرض الدّنيا لطلب زخارفها،و تتّبع هوى النّفس و شهواتها.

(1:161)

2- اَللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ... الرّوم:48

السّدّيّ: يرسل اللّه الرّيح،فتأتي بالسّحاب من بين الخافقين طرف السّماء حين يلتقيان،فتخرجه ثمّ تنشره.

(380)

أبو عبيدة :مجازه:تجمع و تستخرج.(2:124)

القمّيّ: أي ترفعه.(2:160)

الطّوسيّ: أي تنشئ سحابا.فإنشاء السّحاب و إن كان من فعل اللّه،لكن لمّا كان السّحاب سببا منه جاز أن يسند إليها.(8:261)

البغويّ: أي ينشره.(3:582)

ص: 743

ابن عطيّة: الإثارة:تحريكها من سكونها و تسييرها.

(4:341)

نحوه الآلوسيّ(21:52)،و الطّباطبائيّ 16:201)، و محمّد جواد مغنية(6:150).

الطّبرسيّ: أي فتهيّج سحابا فتزعجه.(4:309)

الشّربينيّ: أي تزعجه و تنشره.(3:175)

المراغيّ: أي اللّه الّذي يرسل الرّياح فتنشئ سحابا،فينشره و يجمعه جهة السّماء،تارة سائرا، و أخرى واقفا،و حينا قطعا.(21:61)

3- وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ. فاطر:9

أبو عبيدة :أي تجمع و تجيء به و تخرجه.

(2:152)

الطّوسيّ: أي تنشئه و تجمعه و تجيء به و تحرّكه.

(8:416)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم جاء(فتثير)على المضارعة دون ما قبله و ما بعده؟

قلت:ليحكي الحال الّتي تقع فيها إثارة الرّياح السّحاب و تستحضر تلك الصّور البديعة الدّالّة على القدرة الرّبّانيّة،و هكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز و خصوصيّة بحال تستغرب أو تهمّ المخاطب أو غير ذلك.

(3:301)

الطّبرسيّ: أي تهيّجه و تزعجه من حيث هو.

(4:402)

الفخر الرّازيّ: فَتُثِيرُ سَحاباً بصيغة المستقبل.لمّا أسند فعل الإثارة إلى الرّيح و هو يؤلف في زمان،فقال:(تثير)أي على هيئتها.(26:7)

نحوه الشّربينيّ.(3:314)

الرّازيّ: كيف جاء(فتثير)مضارعا دون ما قبله و ما بعده؟

قلنا:هو مضارع وضع موضع الماضي،كما في قوله تعالى: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ الأحزاب:37.

(287)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدّلالة على استمرار الأمر.(2:268)

نحوه أبو السّعود.(5:274)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و لأنّ الإثارة خاصيّة للرّياح،و أثر لا ينفكّ في الغالب عنها،فلا يوجد إلاّ بعد إيجادها،فيكون مستقبلا بالنّسبة إلى الإرسال.و على هذا يكون استعمال المضارع على ظاهره و حقيقته من غير تأويل،لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التّكلّم،و الفاء دالّة على عدم تراخي ذلك،و هو شيء آخر.و جوّز أن يكون الإتيان بما يدلّ على الماضي ثمّ بما يدلّ على المستقبل إشارة إلى استمرار الأمر و أنّه لا يختصّ بزمان دون زمان؛إذ لا يصحّ المضيّ و الاستقبال في شيء واحد إلاّ إذا قصد ذلك...

(22:171)

الطّباطبائيّ: فَتُثِيرُ سَحاباً عطف على «ارسل»و الضّمير للرّياح،و الإتيان بصيغة المضارع

ص: 744

لحكاية الحال الماضية،و الإثارة إفعال من ثار الغبار يثور ثورانا إذا انتشر ساطعا.(17:21)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّور،و هو الذّكر من البقر الّذي يثير الأرض عند حرثها،و كأنّه في الأصل على قول الرّاغب:«مصدر جعل في موضع الفاعل،نحو:

ضيف و طيف فى معنى ضائف و طائف»،و يلمح معنى الهياج و الانبعاث بوضوح في جميع مشتقّات المادّة.

و يجمع الثّور على أثوار و ثيار و ثيارة و ثورة و ثيرة و ثيرة و ثيران؛يقال:هذه ثيرة مثيرة،أي تثير الأرض، و أرض مثورة:كثيرة الثّيران.

و منه:ثار الشّيء يثور ثورا و ثئورا و ثورانا و تثوّر، أي هاج،و أثرته و ثوّرته و استثرته:هيّجته؛يقال:

مررت بأرانب فأثرتها،و أثرت السّبع و الصّيد و استثرته:هيّجته،و أثرت فلانا:هيّجته لأمر،و أثرت البعير أثيره إثارة،فثار يثور و تثوّر،إذا كان باركا و بعثه فانبعث،و أثار هو التّراب بقوائمه إثارة:بحثه،و ثوّر البرك-و هي جماعة الإبل الباركة-و استثارها:أزعجها و أنهضها،و أثار الأرض:قلبها على الحبّ بعد ما فتحت مرّة،و أرض مثارة:أثيرت بالسّنّ،و هي الحديدة الّتي تحرث بها الأرض.

و يقال مجازا:ثوّر القرآن،أي بحث عن معانيه و عن علمه،و ثوّر فلان عليهم شرّا:هيّجه و أظهره،و ثوّرت الأمر:بحثته.

و الثّور أيضا:الطّحلب و ما أشبهه على رأس الماء، لأنّه قد ثار على متن الماء،كما قال ابن فارس،و قد ثار الطّحلب ثورا و ثورانا،و ثوّرته و أثرته و استثرته.

و الثّور:السّيّد،و الأحمق،و برج من بروج السّماء، و القطعة العظيمة من الأقط،و كلّ ذلك على التّشبيه.

و الثّور:ثوران الحصبة؛يقال:ثارت الحصبة بفلان ثورا و ثئورا و ثؤارا و ثورانا،أي انتشرت،و ثار الرّجل ثورانا:ظهرت فيه الحصبة.

و الثّور:حمرة الشّفق الثّائرة فيه؛يقال:ثار الشّفق يثور ثورا و ثورانا،أي انتشر في الأفق و ارتفع.

و الثّور:الظّهور و السّطوع؛يقال:ثار الدّخان و الغبار و غيرهما يثور و ثورا و ثئورا و ثورانا،أي ظهر و سطع، و أثاره هو،و ثار القطا من مجثمه:ظهر،و ثار الجراد ثورا و انثار:ظهر أيضا.

و الثّور:الوثوب؛يقال:ثار به الدّم،أي وثب عليه، و ثاروا به النّاس:وثبوا عليه،و كذا المثاورة؛يقال:

ثاوره مثاورة و ثوارا،أي واثبه و ساوره.

2-و نرى أنّ ما يدلّ على الجيشان و الغليان هو من «ف و ر»على الأظهر؛يقال:فار الماء من العين يفور فورا،أي جاش،و منه الحديث:«فجعل الماء يفور من بين أصابعه»،و روي«يثور»بالثّاء.

و فور الحرّ:شدّته،و منه الحديث:«كلاّ،بل هي تثور أو تفور»أي يظهر حرّها،و الحديث الآخر:«إنّ شدّة الحرّ من فور جهنّم»،أي وهجها و غليانها.

و ثور الغضب:حدّته،و الثّائر:الغضبان،و ثار ثائره:غضب و يروى أيضا:فار فائره،و كلّ ذلك من قولهم:فار العرق فورانا،أي هاج و نبع،أو من:فارت

ص: 745

القدر تفور فورا و فورانا:غلت و جاشت.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت خمس مرّات:فعلا ماضيا مرّتين و مضارعا ثلاث مرّات،في خمس آيات:

1- أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها... الرّوم:9

2- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71

3- فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً العاديات:4

4- اَللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ الرّوم:48

5- وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ فاطر:9

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يجىء منها سوى الفعل الدّالّ على الحدوث و التّدريج في العمل،و هذا هو مقتضى المادّة، لأنّها تلازم الحدوث و التّدريج،فقد تناسق و تطابق فيها اللّفظ و المعنى تماما.

ثانيا:جاءت الثّلاث الأولى في إثارة الأرض فعلان منها ماضيان،و الأخيرتان في إثارة السّحاب في السّماء، و فعلاهما مضارعان،فتقابل الصّنفان:تقابل الأرض و السّماء،و تقابل الماضي و المضارع.

ثالثا:ترتبط أربع من الخمس بالزّرع:اثنتان ممّا في الأرض(1)و(2)،و اثنتان ممّا في السّماء(4)و(5)، فجاءت في(1): وَ أَثارُوا الْأَرْضَ و في(2): تُثِيرُ الْأَرْضَ و في(4)و(5): فَتُثِيرُ سَحاباً. و الأصل فيها الاستمرار،فجاء فعلها مضارعا،إلاّ في(1)فجاء ماضيا،لأنّها حكاية للأمم السّابقة،مع أنّ إثارة الأرض فيها تعمّ الزّرع و غيره.

أمّا الثّلاث الّتي تخصّ الزّرع فكلّ أفعالها مضارعة، دلالة على الاستمرار،لأنّ إثارة الأرض للزّرع و إثارة الرّياح للسّحاب،أمر مستمرّ في العالم.

رابعا:إثارة الأرض للزّرع بشقّها و تقليب ترابها، و إثارة السّحاب بتقليبها و نقلها من بلد إلى بلد و من ناحية إلى ناحية بالرّياح،لتمطر و تسقي الحرث و الزّرع.

خامسا:في(3): فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً وصف للعاديات،و هي خيل المجاهدين في سبيل اللّه على أقرب الأقوال،فهي كإثارتها سبب في سبيل نشر الإسلام، و هو نوع من الزّرع،كما أنّ إثارة السّحاب لتسقي الأرض قد تكنّى بها عن نشر رياح الرّحمة و الفيض الإلهيّ، ليسقي أرض النّفوس المستعدّة للكمال.

و إثارتها للأرض إثارة ترابها و غبارها من شدّة هبوبها،فهي تجسّم عدوها السّريع في معارك القتال.

و السّورة مكّيّة،و لم يكن يومئذ حرب،و جهاد الأعداء بالسّيف و الخيل،فهي بشارة و وعد و تفاؤل بما سيتحقّق في المستقبل القريب.أو هي وصف للخيل على العموم،لتسترعي اهتمام المسلمين بها،و أنّها نعمة

ص: 746

و ذريعة للغلبة على الأعداء،فليستعدّوا لها،فهي كالمقدّمة و التّمهيد و التّوطئة،ليأتمروا بما أنزل في المدينة في أوّل حرب وقعت بينهم و بين المشركين في بدر وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ الأنفال:60،لاحظ«ع د و».

سادسا:سبق أن قدّمنا خلال البحوث أنّ إرسال الرّياح للسّحاب و الرّبط بين الرّياح بصيغة الجمع و بين السّحاب سرّ كشفه العلم الحديث،كسائر ما يرتبط بالأمطار في الآيات،لاحظ«ر و ح»و«م ط ر».

سابعا:هناك تتابع و تناسق-بل جناس أحيانا-في هذه الآيات،ففي(1): وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها و في(2): تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ و في(3):

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً، و في(4)و(5):

أَرْسَلَ الرِّياحَ، أو يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً، فهناك تشابه في سياق الآيات.

ثامنا:كلّ الآيات مكّيّة إلاّ واحدة،و هي(2)،لأنّها حكاية عن بقرة بني إسرائيل في سورة البقرة،فيبدو أنّ المادّة بأوائل الإسلام ألصق و أنسب،لأنّها كانت أوان الغرس و الزّرع و السّقي لشجرة الإسلام،و لأنّها تمثّل قدرة اللّه في الطّبيعة لتوجيه النّاس إلى توحيده،و هذه كانت مهمّة القرآن في سوره المكّيّة.

ص: 747

ص: 748

ث و ي

اشارة

5 ألفاظ،14 مرّة:11 مكّيّة،3 مدنيّة

في 10 سور:8 مكّيّة،2 مدنيّة

ثاويا 1:1 مثواه 1:1

مثوى 9:7-2 مثواكم 2:1-1

مثواي 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّواء:طول المقام،و قد ثوى يثوي ثواء.

و يقال للمقتول:قد ثوى،و يقال للغريب المقيم ببلدة:هو ثاويها.

و المثوى:الموضع.

و أثويته:حبسته عندي.

و الثّويّ: بيت في جوف بيت،و قيل:هو البيت المهيّأ للضّيف.

و الثّويّ: الضّيف نفسه.

و الثّوّة:خرق كهيئة الكبّة على الوتد،يمخض عليها السّقاء.

و ربّ البيت:أبو مثواي.

و ربّة البيت:أمّ مثواي.(8:252)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقال للخرقة الّتي تبلّ و يجعل عليها السّقاء إذا مخض لئلاّ ينقطع:الثّوّة.

(الأزهريّ 15:167)

أبو عبيدة :يقال:ثوى بالمكان و أثوى،إذا أقام به.[ثمّ استشهد بشعر](فعلت و أفعلت:6)

أبو زيد :و الثّويّة:الثّواء،فتح و الواو كسر و الياء شديدة:مأوى الغنم.

و الثّاية،غير مهموز:حجارة ترفع،تكون علما باللّيل للرّاعي إذا رجع إليها.

و الثّويّة:المنزل الّذي تنزله،سمّيت به الثّويّة لأنّهم كانوا يثوون بها،ثوى فلان (1).

و الثّويّ الّذي يثوي عندك.(195)

ص: 749


1- كذا في الأصل.

اللّحيانيّ: جمع الثّاية:ثاي.(ابن سيده 10:224)

ابن الأعرابيّ: الثّويّ:الضّيف.

و الثّويّ:المجاورة في الحرمين.

و الثّويّ:الصّبور في المغازي المحجّر (1)،و هو المحبوس.

الثّوى:قماش البيت،واحدتها:ثوّة،مثل صوّة، و صوى و هوّة و هوى.(الأزهريّ 15:167)

و الثّاية:أن تجمع شجرتان أو ثلاث،فيلقى عليها ثوب،فيستظلّ بها.(ابن سيده 10:224)

أبو عبيد: في حديث:«...و أصلحوا مثاويكم» المثاوي:المنازل،يقال:ثويت بالمكان،إذا نزلت به و أقمت به،و لهذا قيل لكلّ نازل:ثاو.(2:68)

ابن السّكّيت: هذه ثاية الغنم و ثاية الإبل،أي مأواها و هي عازبة،أو مأواها حول البيوت.

(الجوهريّ 6:2296)

المبرّد: يقال:هذا أبو مثواى،و للأنثى هذه أمّ مثواى.

و منزل الضّيافة و ما أشبهها:المثوى،و كذلك قال المفسّرون في قول اللّه عزّ و جلّ: أَكْرِمِي مَثْواهُ يوسف:21،أي إضافته.

و يقال من هذا:ثوى يثوي ثويّا،كقولك:مضى يمضي مضيّا.و يقال:ثواء و مضاء.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:129)

ثعلب :الثّويّ:الأسير.(ابن سيده 10:224)

ابن دريد :ثوى يثوي ثويّا،إذا أقام بالمكان؛ و الاسم:الثّواء ممدود.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّويّة:اسم موضع معروف قريب من الكوفة، فيه قبر زياد بن أبيه.

و الثوّة مثل الصوّة:خرقة تجعل تحت الوطب إذا مخض،تقيه من الأرض.

و الثّاية:غير مهموز:ظلّة يتّخذها الرّاعي من أغصان الشّجر.

ثوى بالمكان و أثوى،أجاز ذلك أبو زيد،و أباه الأصمعيّ ثمّ أجازه.

و المثوى:الّذي يثوي فيه الرّجل و هو مقصور.

و أمّ مثوى الرّجل:صاحبة منزله الّذي ينزله.

(1:170)

الثّواء:المقام في الموضع،ثوى يثوي ثواء.و المثوى:

الموضع الّذي يثوى فيه.

و الثوّة مثل الصوّة من الأرض:و هو ارتفاع من الأرض و غلظ،و ربّما نصبت فوقها الحجارة ليهتدى بها.

(3:220)

الأزهريّ: يقال:أنزلني فلان،و أثواني ثواء حسنا.

و مثوى الرّجل:منزله،و جمعه:المثاوي.

و المثوى،مصدر:ثويت أثوي ثواء و مثوى.

(الأزهريّ 15:167)

الصّاحب:و الثّواء:طول الإقامة،ثوى يثوي.

و المقبور يقال:ثوى.

و المثوى:الموضع.و أنزلني فأثواني ثواء حسنا.

و الثّيّة:الثّواء-بمنزلة الطّيّة-و كذلك الثّواية.

و أكرمني مثواه،أي مقامه.6.

ص: 750


1- و في اللّسان:المجمّر،14:126.

و ربّ البيت:أبو مثواي،و أمّ مثواي:للرّبّة.

و الثّويّة:امرأة الرّجل الّذي يثوي إليها.

و الثّويّ: البيت في جوف البيت،و قيل:البيت المهيّأ للضّيف،و قيل:الضّيف نفسه.

و الثّويّة:موضع إلى جانب الكوفة.

و قيل:المثوى:الخبيث،و منه ثاية الضّبع،و يقولون:

قبح اللّه ثايتك.

و لفلان ثاية،أي غنم صالحة ليست بقليلة، و جمعها:ثاي.

و الثّأية أيضا:حجارة قدر قعدة الرّجل.

و الثّوّة:مثل الصّوّة،و هي العلم في الأرض.

و واحدة الثّوى،و هي خرق تجمع كهيئة الكبّة على الوتد،فيمخض عليها السّقاء،و خرق القدر أيضا.

(10:199)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«و لا يثوي عنده حتّى يحرجه»

الثّواء:الإقامة بالمكان،يقول:لا يقيم عنده [الضّيف]بعد الثّلاث حتّى يضيّق صدره.(1:353)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه كتب لأهل نجران حين صالحهم«و على نجران مثوى رسلي عشرين ليلة فما دونها...».

و قوله:مثوى رسلي،أي نزلهم و ما يثويهم مدّة مقامهم.

و الثّواء:طول المكث بالمكان،و المثوى:المنزل.

و يقال لصاحب المنزل:أبو مثواه،و لربّة البيت:أمّ مثواه.

و الثّويّ:الضّيف.(1:498)

نحوه ابن الأثير.(1:230)

في حديث أبي هريرة:«تثوّيته فلم أر رجلا أشدّ تشميرا،و لا أقوم على ضيف منه»قوله:تثوّيته،أي تضيّفته،و الثّويّ:الضّيف.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصل هذا من الثّواء،و هو المكث في الإقامة،يقال:

ثوى الرّجل و أثويته،إذا أويته إلى منزلك.[ثمّ استشهد بشعر](2:419)

الجوهريّ: ثوى بالمكان:أقام به،يثوي ثواء و ثويّا،مثل مضى يمضي مضاء و مضيّا.

يقال:ثويت البصرة،و ثويت بالبصرة،و أثويت بالمكان،لغة في«ثويت».[ثمّ استشهد بشعر]

و أثويت غيري يتعدّى و لا يتعدّى،و ثوّيت غيري تثوية.

و الثّويّ على«فعيل»:الضّيف.

و أبو مثوى الرّجل:صاحب منزله.

و الثّويّة:اسم موضع.(6:2296)

ابن فارس: الثّاء و الواو و الياء كلمة واحدة صحيحة،تدلّ على الإقامة.يقال:ثوى يثوي فهو ثاو [ثمّ استشهد بشعر]و يقال:أثوى أيضا،[ثمّ استشهد بشعر]،و الثّويّة و الثّاية مأوى الغنم.و الثّويّة:مكان.

و أمّ مثوى الرّجل:صاحبة منزله،و القياس كلّه واحد.

(1:393)

ابن سيده: ثويت بالمكان و ثويته ثواء و ثويّا، الأخيرة عن سيبويه.

و أثويت به:أطلت الإقامة به.

ص: 751

و أثويته أنا،و ثوّيته،الأخيرة عن كراع:ألزمته الثّواء فيه.

و ثوى بالمكان:نزل به،و به سمّي المنزل:مثوى.

و أثواني الرّجل:أضافني.

و أبو مثواك:ضيفك الّذي تضيفه.

و ثوي الرّجل:قبر،لأنّ ذلك ثواء لا أطول منه.(10:223)

الطّوسيّ: المثوى:المنزل،و أصله:الثّواء،و هو طول الإقامة.

ثوى يثوي ثواء،إذا طال مقامه،و أثواني فلان مثوى،أي أنزلني منزلا.

و ربّة البيت:أمّ مثواه.

و الثّويّ: الضّيف،لأنّه مقيم مع القوم.(3:17)

الرّاغب: الثّواء:الإقامة مع الاستقرار،ثوى يثوي ثواء.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و قيل:من أمّ مثواك؟كناية عمّن نزل به ضيف.

و الثّويّة مأوى الغنم،و اللّه أعلم بالصّواب.(84)

الزّمخشريّ: ثوى بالمكان و أثوى:أقام.و فلان أكرم مثواي،و طال بي الثّواء،و هو أبو مثواي،و هي أمّ مثواي:لمن أنت نازل به.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنزلني فلان فأثواني إثواء حسنا،و ثوّاني تثوية حسنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنا ثويّ فلان،أي ضيفه.و هذه ثويّة فلان،أي امرأته الّتي يثوي إليها.

و أراح غنمه إلى الثّاية و الثّويّة،و هي مأوى الغنم.

و هذه ثايات القوم و ثايهم بغير همز:حظائرهم، كراي و رايات.

و يقال للمقبور:قد ثوي.(أساس البلاغة:49)

الفيّوميّ: ثوى بالمكان و فيه،و ربّما تعدّى بنفسه، من باب«رمى»يثوي ثواء بالمدّ:أقام،فهو ثاو.و أثوى بالألف لغة و أثويته،فيكون الرّباعيّ لازما و متعدّيا.

و المثوى بفتح الميم و العين:المنزل،و الجمع:المثاوي بكسر الواو.(88)

الفيروزآباديّ: ثوى المكان و به يثوي ثواء و ثويّا بالضّمّ،و أثوى به:أطال الإقامة به أو نزل.

و أثويته:ألزمته الثّواء فيه كثوّيته و أضفته.

و المثوى:المنزل.الجمع:المثاوي.

و أبو المثوى:ربّ المنزل و الضّيف.

و الثّويّ كغنيّ:البيت المهيّأ له،و الضّيف،و الأسير، و المجاور بأحد الحرمين،و بهاء:موضع،و المرأة.

و الثّاية و الثّويّة كغنيّة:أخفض علم بقدر قعدتك كالثّوّة،و مأوى الإبل عازبة أو حول البيت كالثّاوة.

و ثوّى تثوية:مات،و كعني:قبر.

و الثّوّة بالضّمّ:قماش البيت،الجمع:ثوى،أو الثّوّة و الثّويّ كجثيّ:خرق كالكبّة على الوتد يمخض عليها السّقاء لئلاّ يتخرّق،أو الثّوّة بالضّمّ:ارتفاع و غلظ و ربّما نصبت فوقها الحجارة ليهتدى بها،أو خرقة تحت الوطب إذا مخض تقيه من الأرض.

و ثاءة:موضع.

و الثّاء:حرف هجاء،و قافية ثاوية.

الثّيّة كالنّيّة:مأوى الغنم.(4:311)

مجمع اللّغة :ثوى المكان و بالمكان يثوي ثواء

ص: 752

و ثويّا:أقام به على استقرار و طول لبث،فهو ثاو.

و المثوى:مصدر ثوى،أو اسم مكان منه.(1:178)

العامليّ: المثوى و المأوى قريبان في المعنى.و ورد «المثوى»كثيرا بالنّسبة إلى غير المؤمن،و عكسه المأوى.

(112)

العدنانيّ: ثوى بالمكان و فيه و أثوى بالمكان و فيه.

و يخطّئون من يقول:أثوى بالمكان،أي أقام فيه، و يقولون:إنّ الصّواب هو:ثوى بالمكان و فيه،معتمدين على قوله تعالى في الآية(45)من سورة القصص:

...وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ. و معتمدين أيضا على معجم ألفاظ القرآن الكريم و على قول العديل بن الفرخ العجليّ.[ثمّ استشهد بشعره]

و عليّ المرزوقيّ في شرح الحماسة،الّذي قال:ثوى بالمكان،إذا أقام؛و أثواه غيره.و على مفردات الرّاغب الأصفهانيّ و المغرب.

و لكن:

أجاز قول جملتي:ثوى بالمكان و فيه،و أثوى بالمكان و فيه كلّ من شمر بن حمدويه،و«أدب الكاتب» في باب أبنية الأفعال،و الأزهريّ،و الصّحاح الّذي استشهد ببيت الأعشى.[و قد نقل شعره]و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و الصّحاح،و المحكم،و المصباح،و القاموس ممّن أجازوا لنا أن نقول:ثويت المكان أيضا.

و نستطيع أن نقول:أثويت فلانا أيضا:الصّحاح، و المرزوقيّ في شرح الحماسة،و المحكم،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يجيز لنا أن نقول:ثوّى فلانا:كراع النّمل، و الصّحاح،و المحكم،و الأساس.الّذي استشهد بقول الشّاعر.[ثمّ ذكر شعره]و المختار،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

أمّا معنى أثوى فلانا بالمكان و ثوّاه فيه،فهو:أنزله فيه.

و فعله:ثوى بالمكان و فيه يثوي ثواء،و ثويّا-عن سيبويه-و مثوى،جاء في الآية(128)من سورة الأنعام: قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها. و نقل التّاج في مستدركه عن أبي عليّ الفارسيّ أنّ«مثوى»هنا هي مصدر لا اسم مكان.

و من معاني ثوي:هلك.[ثمّ استشهد بشعر](111)

محمود شيت:المثوى:قاعة نوم الجنود.(1:131)

المصطفويّ: لا يخفى أنّ«الثّوى»كما تدلّ عليه حرف الثّاء و الياء هو النّزول و الالتصاق إلى الأرض، كما في«الثّرى»،فالإقامة هو القيام في محلّ بقصد السّكنى و الإدامة فيها،و الثّواء هو النّزول و السّقوط و الإدامة في النّزول.

فالمثوى يدلّ دائما على السّقوط و الهبوط و الحقارة و الضّعف و الابتلاء.[ثمّ ذكر بعض الآيات و فسّر بعضها فراجع](2:39)

ص: 753

النّصوص التّفسيريّة

ثاويا

...وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ. القصص:45

ابن زيد :الثّاوي:المقيم.(الطّبريّ 20:81)

نحوه أبو عبيدة(2:107)،و ابن قتيبة(333)، و الطّبريّ(20:81)،و الزّجّاج(4:147)،و الطّبرسيّ (4:257)،و هكذا أكثر التّفاسير.

مثوى

...وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ.

آل عمران:151

الطّبرسيّ: معناه و بئس مقام الظّالمين النّار.

(1:519)

الخازن :أي المسكن الّذي يستقرّون به و يقيمون فيه.(1:363)

أبو حيّان :بالغ في ذمّ مثواهم،و المخصوص بالذّمّ محذوف،أي و بئس مثوى الظّالمين النّار.

و جعل النّار مأواهم و مثواهم،و بدأ بالمأوى و هو المكان الّذي يأوي إليه الإنسان و لا يلزم منه الثّواء،لأنّ الثّواء دالّ على الإقامة،فجعلها مأوى و مثوى،كما قال تعالى: وَ النّارُ مَثْوىً لَهُمْ محمّد:12.(3:78)

أبو السّعود :و المخصوص بالذّمّ محذوف،أي بئس مثوى الظّالمين النّار.و في جعلها مثواهم بعد جعلها مأواهم نوع رمز إلى خلودهم فيها،فإنّ«المثوى»مكان الإقامة المنبئة عن المكث،و أمّا«المأوى»فهو المكان الّذي يأوي إليه الإنسان.(2:48)

مثله البروسويّ(2:109)،و نحوه الآلوسيّ(4:

88)،و المراغيّ(4:97).

طه الدّرّة: مثوى:مأوى،و الفرق بينهما أنّ المثوى مكان الإقامة المنبئة عن المكث،و أمّا المأوى فهو المكان الّذي يأوي إليه الإنسان و لو موقّتا.و قدّم على المثوى، لأنّه على التّرتيب الوجوديّ يأوي ثمّ يثوي.

(2:240)

و بهذا المعنى جاء فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29، ...أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ العنكبوت:68،و الزّمر:32،و 60،72،و المؤمن:

76،و فصّلت:24،و محمّد:12.

مثواكم

...قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها... الأنعام:128

ابن عبّاس: يريد فيها مقامكم.(الواحديّ 2:323)

نحوه البغويّ.(2:151)

الطّبريّ: يعني نار جهنّم مثواكم الّذي تثوون فيه، أي تقيمون فيه،و المثوى:هو«المفعل»من قولهم:ثوى فلان بمكان كذا،إذا أقام فيه.(8:34)

الزّجّاج: المثوى:المقام،المعنى النّار مقامكم في حال خلود دائم.(2:291)

الفارسيّ: «المثوى»عندي في الآية:اسم للمصدر دون المكان،لحصول الحال في الكلام معملا فيها.

ص: 754

أ لا ترى أنّه لا يخلو من أن يكون موضعا أو مصدرا.

فلا يجوز أن يكون موضعا،لأنّ اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل،لأنّه لا معنى للفعل فيه،فإذا لم يكن موضعا ثبت أنّه مصدر.

و المعنى النّار ذات إقامتكم،أي النّار ذات إقامتكم فيها خالدين،أي هم أهل أن يقيموا فيها و يثووا خالدين.(ابن سيده 10:223)

الماورديّ: أي منزل إقامتكم،لأنّ المثوى الإقامة.(2:168)

نحوه الطّبرسيّ(2:365)،و البروسويّ(3:103).

الطّوسيّ: أي داركم و مقرّكم.(4:310)

ابن عطيّة: أي موضع ثوابكم كمقامكم الّذي هو موضع الإقامة.(2:345)

الفخر الرّازيّ: المثوى:المقام و المقرّ و المصير،ثمّ لا يبعد أن يكون للإنسان مقام و مقرّ ثمّ يموت،و يتخلّص بالموت عن ذلك المثوى.فبيّن تعالى أنّ ذلك المقام و المثوى مخلّد مؤبّد،و هو قوله: خالِدِينَ فِيها.

(13:192)

أبو حيّان :[ذكر قول الزّجّاج و الفارسيّ ثمّ أضاف:]

و يصحّ قول الزّجّاج على إضمار،يدلّ عليه (مثواكم)أي يثوون خالدين فيها.(4:220)

الآلوسيّ: أي منزلكم و محلّ إقامتكم أو ذات ثوائكم،على أنّ المثوى اسم مكان أو مصدر.(8:26)

الطّباطبائيّ: و المثوى:اسم مكان،من قولهم:

ثوى يثوي ثواء،أي أقام مع استقرّ،فقوله: اَلنّارُ مَثْواكُمْ أي مقامكم الّذي تستقرّون فيه من غير خروج،و لذا أكّده بقوله: خالِدِينَ فِيها. (7:353)

2- ...وَ اللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ. محمّد:19

ابن عبّاس: مصيركم و منزلكم في الآخرة.(429)

مصيركم في الآخرة إلى الجنّة أو إلى النّار.

نحوه الضّحّاك.(البغويّ 4:215)

عكرمة :متقلّبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمّهات،(و مثواكم):مقامكم في الأرض.

(البغويّ 4:215)

مقاتل:مأواكم إلى مضاجعكم باللّيل.

(البغويّ 4:215)

السّدّيّ: متقلّبكم في الدّنيا،مثواكم في قبوركم.

(441)

ابن قتيبة :أي منزل لهم.(410)

مثله السّجستانيّ.(172)

الطّبريّ: فإنّ اللّه يعلم متصرّفكم فيما تتصرّفون فيه،في يقظتكم من الأعمال،و مثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنّوم ليلا،لا يخفى عليه شيء من ذلك،و هو مجازيكم على جميع ذلك.(26:54)

نحوه القاسميّ.(15:5384)

الزّجّاج: أي يعلم أين مقامكم في الدّنيا و الآخرة.

(5:12)

ابن كيسان :متقلّبكم من ظهر إلى بطن، و(مثواكم):مقامكم في القبور.(البغويّ 4:215)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:متقلّبكم في أسفاركم،و مثواكم في أوطانكم.

ص: 755

الثّاني:متقلّبكم في أعمالكم نهارا،و مثواكم في ليلكم نياما.(5:300)

الطّوسيّ: أي الموضع الّذي تتقلّبون فيه،و كيف تتقلّبون،و موضع استقراركم،لا يخفى عليه شيء من أعمالكم طاعة كانت أو معصية.(9:300)

الزّمخشريّ: و اللّه يعلم أحوالكم و متصرّفاتكم و متقلّبكم في معايشكم و متاجركم،و يعلم حيث تستقرّون في منازلكم أو متقلّبكم في حياتكم و مثواكم في القبور،أو متقلّبكم في أعمالكم،و مثواكم من الجنّة و النّار.

(3:535)

نحوه النّسفيّ(4:153)،و الفخر الرّازيّ(28:61)، و البيضاويّ(2:395)،و الكاشانيّ(5:27)، و الشّربينيّ(4:30)،و أبو السّعود(6:89).

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ«المتقلّب»مصدر ميميّ بمعنى الانتقال من حال إلى حال،و كذلك«المثوى»بمعنى الاستقرار و السّكون.و المراد أنّه تعالى يعلم كلّ أحوالكم من متغيّر و ثابت و حركة و سكون،فاثبتوا على توحيده و اطلبوا مغفرته،و احذروا أن يطبع على قلوبكم و يترككم و أهواءكم.(18:238)

محمّد جواد مغنية: مقرّكم حين تتركون العمل، أو مصيركم في الآخرة،كما قيل.(7:71)

عبد الكريم الخطيب :و المثوى:المأوى الّذي يثوي إليه الإنسان،و يسكن إليه،و المراد به:

السّكون.(13:339)

مكارم الشّيرازيّ: و المثوى هو محلّ الاستقرار.

و الظّاهر أنّ لهاتين الكلمتين معنى واسعا،يشمل كلّ حركات ابن آدم و سكناته،سواء الّتي في الدّنيا أم في الآخرة،في فترة كونه جنينا أم كونه من سكّان القبور، و إن كان كثير من المفسّرين قد ذكر لهما معاني محدودة.

[ثمّ ذكر أقوالهم](16:337)

نحوه فضل اللّه.(21:67)

مثواه

وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً... يوسف:21

ابن عبّاس: قدره و منزلته.(195)

نحوه قتادة و ابن جريج.(الطّبريّ 12:175)

الضّحّاك: بطيب معاشه و لين لباسه و وطء فراشه.

(النّسفيّ 2:216)

ابن إسحاق :أكرمي موضع مقامه،و ذلك حيث يثوي و يقيم فيه.(الطّبريّ 12:175)

نحوه أبو عبيدة(1:304)،و ابن قتيبة(214)، و الزّجّاج(3:98)،و النّحّاس(3:408).

الطّوسيّ: يعني موضع مقامه،و إنّما أمرها بإكرام مثواه دون إكرامه في نفسه،لأنّ من أكرم غيره لأجله كان أعظم منزلة ممّن يكرم في نفسه فقط.(6:115)

البغويّ: أي منزلته و مقامه،و المثوى:موضع الإقامة.(2:482)

الزّمخشريّ: اجعلي منزله و مقامه عندنا كريما، أي حسنا مرضيّا،بدليل قوله: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ يوسف:23،و المراد تفقّديه بالإحسان و تعهّديه بحسن الملكة،حتّى تكون نفسه طيّبة في

ص: 756

صحبتنا ساكنة في كنفنا.

و يقال للرّجل:كيف أبو مثواك و أمّ مثواك؟لمن ينزل به من رجل أو امرأة،يراد هل تطيب نفسك بثوائك عنده و هل يراعي حقّ نزولك به؟(2:310)

نحوه البيضاويّ(1:491)،و النّسفيّ(2:216)، و النّيسابوريّ(12:94)،و أبو السّعود(3:376)، و البروسويّ(4:231).

الطّبرسيّ: أي مقام يوسف و موضع نزوله،أي هيّئي له موضعا كريما شريفا.(3:221)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و قال المحقّقون:أمر العزيز امرأته بإكرام مثواه دون إكرام نفسه،يدلّ على أنّه كان ينظر إليه على سبيل الإجلال و التّعظيم،و هو كما يقال:سلام اللّه على المجلس العالي.(18:109)

نحوه الشّربينيّ.(2:99)

القرطبيّ: أي منزله و مقامه بطيب المطعم و اللّباس الحسن.(9:159)

أبو حيّان :مكان إقامته،و هو كناية عن الإحسان إليه في مأكل و مشرب و ملبس.(5:292)

الآلوسيّ: أي اجعلي محلّ ثوائه و إقامته كريما،أي حسنا مرضيّا.و هذا كناية عن إكرامه عليه السّلام نفسه على أبلغ وجه و أتمّه،لأنّ من أكرم المحلّ بتنظيفه و فرشه و نحو ذلك فقد أكرم ضيفه بسائر ما يكرم به.

و قيل:المثوى مقحم،يقال:المجلس العالي،و المقام السّامي.

و المعنى أحسني تعهّده و النّظر فيما يقتضيه إكرام الضّيف.(12:207)

الطّباطبائيّ: أي تصدّي بنفسك أمره و اجعلي له مقاما كريما عندك.(11:109)

مثواى

...قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ. يوسف:23

مجاهد :يريد يوسف سيّده زوج المرأة.

(الطّبريّ 12:182)

بإكرامي و بسط يدي و رفع منزلتي.

مثله ابن إسحاق،و السّدّيّ،و الجبّائيّ.

(الطّوسيّ 6:119)

السّدّيّ: إنّه سيّدي فلا اخونه في أهله.(310)

ابن إسحاق :أمّنني على بيته و أهله.

(الطّبريّ 12:182)

الفرّاء: قد أحسن إليّ فلا أخونه.(2:40)

الطّبريّ: أحسن منزلتي،و أكرمني و أتمنني فلا أخونه.(12:182)

الزّجّاج: أي تولاّني في طول مقامي.(3:101)

الواحديّ: أي أنعم عليّ بإكرامي فلا أخونه في حرمته،إنّي إن فعلت ذلك كنت ظالما.(2:607)

البغويّ: أي أكرم منزلي،هذا قول أكثر المفسّرين.

و قيل:الهاء راجعة إلى اللّه تعالى رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ أي آواني و من بلاء الجبّ عافاني.

(2:483)

الطّبرسيّ: معناه إنّ العزيز زوجك مالكي أحسن

ص: 757

تربيتي و إكرامي،و بسط يدي و رفع منزلتي فلا أخونه.

(3:223)

أبو السّعود :أي أحسن تعهّدي حيث أمرك بإكرامي،فكيف يمكن أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه، و فيه إرشاد لها إلى رعاية حقّ العزيز بألطف وجه.

و قيل:الضّمير للّه عزّ و جلّ،و(ربّى)خبر(انّ) و أَحْسَنَ مَثْوايَ خبر ثان،أو هو الخبر و الأوّل بدل من الضّمير،و المعنى أنّ الحال هكذا فكيف أعصيه بارتكاب تلك الفاحشة الكبيرة.(3:379)

نحوه البروسويّ(4:232)،و الآلوسيّ(12:

213)،و القاسميّ(9:3526)

رشيد رضا :أي إنّه تعالى وليّ أمري كلّه،أحسن مقامي عندكم،و سخّركم لي بما وفّقني له من الأمانة و الصّيانة،فهو يعيذني و يعصمني من عصيانه و خيانتكم.

(12:277)

مكارم الشّيرازيّ: معناها كما يقول أكثر المفسّرين:إنّي ألتجئ إلى اللّه،فإنّ عزيز مصر صاحبي و سيّدي،و هو يجلّني و يحترمني،و يعتمد عليّ فكيف أخونه؟!(7:170)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّواء،و هو طول الإقامة، يقال ثويت بالمكان و ثويته أثوي ثواء و ثويّا و أثويت به، أي أطلت الإقامة به،و أثويته أنا و ثوّيته:ألزمته الثّواء فيه،و أثواني الرّجل:أضافني،يقال:أنزلني الرّجل فأثواني ثواء حسنا.

و المثوى:الموضع الّذي يقام به،و مثوى الرّجل:

منزله،و جمعه:المثاوي،و أبو مثوى الرّجل:صاحب منزله،و أمّ مثوى الرّجل:صاحبة منزله،و أبو مثواك:

ضيفك الّذي تضيفه.

و الثّويّة و الثّاية و الثّيّة:مأوى الغنم،يقال:هذه ثاية الغنم و ثاية الإبل.و الثّويّة:موضع قرب الكوفة، قال ياقوت:«ذكر العلماء أنّها كانت سجنا للنّعمان بن المنذر،كان يحبس بها من أراد قتله،فكان يقال لمن حبس بها:ثوى،أي أقام،فسمّيت الثّويّة بذلك».

2-و قد تمازجت المادّتان«ث و ي»و«ث أ ي»في بعض مشتقّاتهما،نحو:الثّوّة،و هي خرقة توضع على السّقاء إذا مخض،لئلاّ ينقطع،أو تحته لتقيه الأرض،أو تلفّ على رأس الوتد لهذه الغاية أيضا.

و أصلها«ثؤية»من«ث أ ي»،فسهّلت الهمزة و صارت«ثوية»،فاجتمعت الواو و الياء،و سبقت إحداهما بالسّكون،فأدغمت الياء في الواو لضمّة الثّاء، ثمّ شدّدتا فأصبحت«ثوّة».و وهم ابن سيده فيها؛إذ جعلها من«ث و و»،لأنّه لم يعرف هذا المعنى،كما ذكره في«المحكم».

و نحو:الثّاية،و هي أن يجمع بين رءوس ثلاث شجرات أو شجرتين،ثمّ يلقى عليها ثوب فيستظلّ به.

و أصلها«ثأية»بالهمز من«ث أ ي»،فلمّا حذفت الهمزة منها للخفّة،اشتبه الأمر على من لا دربة له على ذلك، فظنّ أنّها من«ث و ي».

و أمّا معنى القتل و الهلاك من قولهم:قد ثوى،أي هلك أو قتل،فهو من«ت و ي»بالتّاء.

ص: 758

الاستعمال القرآنيّ

جاءت اسم فاعل مرّة،و اسم مكان 11 مرّة في 12 آية:

1- وَ لكِنّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ القصص:45

2- وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ

الزّمر:60

3- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ

العنكبوت:68

4- قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الزّمر:72

5- اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن:76

6- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ آل عمران:151

7- فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ فصّلت:24

8- إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النّارُ مَثْوىً لَهُمْ

محمّد:12

9- ...وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

الأنعام:128

10- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ محمّد:19

11- وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ...

يوسف:21

12- وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ يوسف:23

يلاحظ أوّلا:أنّ اسم الفاعل«ثاويا»في(1)بمعنى مقيم عند المفسّرين،أي ما كنت مقيما في أهل مدين:

قوم شعيب،تتلو عليهم آياتنا،و لكنّا كنّا مرسلين شعيبا إليهم.و قبلها في قصّة موسى وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَ ما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ* وَ لكِنّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ القصص:

44،45،و بعدها: وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَ لكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص:46،فسياق الآيات إعلام بأنّ هذه القصص عن الأمم السّالفة وحي من اللّه إليك رحمة منه،لتنذر أمّتك و ما كنت شاهدا لها،و قد كرّرها تأكيدا لها ليزيل الرّيب عنهم.

و نظيرها في قصّة مريم: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ

ص: 759

أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ آل عمران:44،و في قصّة يوسف:

وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ يوسف:102.

ثانيا:أنّ«مثوى»جاء في(8)آيات:(2-9)بمعنى موضع إقامة أهل الكفر و العصيان و الظّلم و الاستكبار في النّار،و سياقها الإقامة الدّائمة،ففي عرف القرآن غلب مجيء«مثوى»في الخلود في النّار،ففي(6): وَ مَأْواهُمُ النّارُ و في(4)و(5)و(9): خالِدِينَ فِيها.

ثالثا:جاء في(10): وَ اللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ، و المراد به محلّ تقلّب المؤمنين و محلّ إقامتهم في الآخرة عند بعضهم،و هي ظاهرة في مثواهم في الجنّة، أو مردّد بينها و بين النّار،ففيها وعد و وعيد،و تبشير و تحذير معا.و يساوقها في اختصاصها بالآخرة و في التّرديد بين الجنّة و النّار ما قبلها: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ فالاستغفار يحتمل القبول و الغفران و عدمهما في الآخرة،فأبهم اللّه مسيرهم، و تركهم بين الخوف و الرّجاء،ترغيبا لهم في مزيد من السّعي و العمل،و قال: وَ اللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ، و هي نظير: وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ الأحقاف:9.

و يبدو أنّ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ فيها نظير:

وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ في(6)؛حيث إنّ المأوى كالمنقلب:موضع الرّجوع،و المثوى:موضع الإقامة،أي أنّ اللّه يعلم إلى أيّ مكان تنقلبون و تقيمون فيه.

و يحتمل أن يراد بها تقلّبهم و مثواهم في الدّنيا، و عليه حملها أكثرهم،و كذلك نحن فعلنا ذلك عند الفرق بين«مأوى»و«مثوى»لاحظ«أ و ي».و عمّمها الزّجّاج الدّنيا و الآخرة،و تبعه بعض المتأخّرين،و لك أن تخصّ«متقلّبكم»بالدّنيا،و«مثواكم»بالآخرة،لأنّ الدّنيا دار التّقلّب و السّعي و العمل،و الآخرة دار الجزاء و البقاء إلى الأبد.

رابعا:أنّ«المثوى»-كما جاء في عدّة نصوص-ليس محلّ الإقامة فحسب،بل هو محلّ للضّيافة أيضا،فالمثوى هو بيت الضّيافة،أو قل:محلّ النّزول و الإقامة و الضّيافة.و عليه فالإنذار بأنّ جهنّم مثوى لهم فيه تهكّم و سخريّة لهم،أي أنّ اللّه سيضيّفكم في النّار!و يؤيّده الآيتان(11)و(12)؛إذ جاء«مثوى»فيهما بمعنى حسن الضّيافة و الإكرام كما يأتي،فهي نظير: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.

خامسا:جاء في آيات الإنذار أنّ جهنّم أو النّار مثوى لهم،إلاّ(2)و(3)،ففيهما: أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً بإضافة«في».و لا نرى تفاوتا بينهما،سوى أنّ المفهوم من الأوّل أنّ جهنّم جعلت مثوى لهم.و خلقت من أجلهم.و المفهوم من الثّاني أنّ مثواهم قرّر في داخل جهنّم،و هي محيطة بهم،ففي كلّ منهما تشديد و تهويل غير ما في الآخر،إلاّ أنّ الثّاني أشدّ من الأوّل.

و هناك تشديد آخر فيهما،ينبع من سياق الآيتين؛ حيث بدأ بالاستفهام التّقريريّ مع شيء من الإنكار و التّوبيخ،فقال: أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ أو(للكافرين).

ص: 760

سادسا:جاء«مثواهم جهنّم»أربع مرّات في(2-5) و«مثواهم النّار»أربع مرّات أيضا في(6-9)،فقسّمت الآيات بينهما بالتّساوي،و هذا نموذج من نظم القرآن و تناسق الآيات،و ما يسمّونه«الإعجار العدديّ».و لك أن تسأل:أيّ اللّفظين أبلغ في التّهويل و الوعيد؟فيخطر بالبال أنّ«مثواهم النّار»أبلغ،لأنّ جهنّم ظرف للنّار، و النّار هي الأصل في العذاب،فالتّصريح بها أشدّ هولا من ذكر«ما فيه النّار».إلاّ أنّنا لا ننكر أنّ جهنّم-بمالها من الأوصاف في الكتاب و السّنّة و في الكتب السّابقة،و بما ركّز منها في الأذهان و تمكّن في القلوب-هي أشدّ و أهول من النّار.

سابعا:جاء في(4)و(5): اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ بسياق واحد تماما،إلاّ بإضافة«قيل»في(4):(قيل ادخلوا).و(قيل) هنا لا تعني تحقير القائل و أنّه لا عبرة بذكره،كأكثر مواردها في القرآن،بل تعني الإبهام،و التّعمية مع التّهويل،أي أنّ القائل بمثابة من الكبر و العظمة و الهول لا يسع المتكلّم ذكره أو السّامع سماعه،و هي نظير: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ يونس:52، لاحظ«ق و ل».

و في اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ تصريح بأنّ جهنّم مكان واسع،لها أبواب،و هي سبعة: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ الحجر:44،و لها خزنة، لا يدخلها أحد إلاّ بأذن منهم،و فيها النّار الّتي هي مأوى لأهلها،لاحظ«ب و ب»و«د خ ل».

ثامنا:جاء«مثوى»أربع مرّات في(2)و(3)و(7) و(8)مع«لام»الاختصاص: مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ، مَثْوىً لِلْكافِرِينَ، مَثْوىً لَهُمْ، و أربع مرّات أيضا في سائر الآيات بالإضافة: مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، مَثْوَى الظّالِمِينَ، (مثواكم).

و الإضافة فيها للاختصاص أيضا،إلاّ أنّ التّصريح به ب «اللاّم»أبلغ و أبين و آكد في المقصود،و قد روعي فيها التّوازن العدديّ بين«اللاّم»و الإضافة.

تاسعا:جاء«مثوى»مع«مأوى»مرّة واحدة في (6): وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ و جاء «مثوى»كما سبق منفردا عن«مأوى»في الباقي،كما أنّ «مأوى»جاء منفردا عن«مثوى»تسع عشرة مرّة كلّها في الآخرة-لاحظ«أ و ي»-ثلاث منها لأهل الجنّة:

(1)و(2)و(4)،و الباقي لأهل النّار،في حال أنّ«مثوى» خاصّ بأهل النّار،إلاّ في(10)فمردّد بين الجنّة و النّار، أو أريد به الدّنيا،أو الآخرة،أو كلاهما كما سبق.

عاشرا:جاء«مثوى»-عامّة أو غالبا كما سبق- لأهل النّار:(المتكبّرين)ثلاث مرّات:(2)و(4) و(5)،و«الكافرين و الّذين لا يؤمنون»ثلاث مرّات أيضا:(3)و(6)و(8)،و(الظّالمين)مرّة واحدة:6، و أبهم عنهم في(7)و(9)،فركّز القرآن حسب المقام في خصلة رذيلة منهم.

الحادي عشر:جاء«مثوى»بشأن يوسف في(11):

أَكْرِمِي مَثْواهُ و في(12): أَحْسَنَ مَثْوايَ، فحمله بعضهم على الضّيافة.قال المبرّد:«و منزل الضّيافة و ما أشبهها:المثوى،و كذلك قال المفسّرون في أَكْرِمِي مَثْواهُ، أي إضافته».و قد تقدّم في النّصوص:«الثّويّ:

ص: 761

الضّيف،و المثوى:البيت المهيّأ للضّيف».و عليه ف«مثوى»اسم مكان،وفقا لسائر موارده في الآيات،أو مصدر ميميّ،أي الضّيافة،و لعلّه أقرب بالسّياق.

الثّاني عشر:الآيات كلّها مكّيّة،سوى(6)و(8) و(10)فمدنيّة،كما أنّ آيات«مأوى»بعكسها،إذ (11)منها مدنيّة،و(9)مكّيّة،فلاحظ.

ص: 762

ث ي ب

اشارة

ثيّبات

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الثّيّب:الّتي قد تزوّجت و بانت بأيّ وجه كان بعد أن مسّها.و لا يوصف به الرّجل،إلاّ أن يقال:

ولد الثّيّبين،و ولد البكرين.(8:249)

نحوه الخازن(7:101)،و الشّربينيّ(4:330)، و ابن منظور(1:228)

الأصمعيّ: «امرأة ثيّب و رجل ثيّب»إذا كان قد دخل به أو دخل بها.(ابن سيده 10:203)

ابن السّكّيت: «رجل ثيّب و امرأة ثيّب»الذّكر و الأنثى فيه سواء؛و ذلك إذا كانت المرأة قد دخل بها،أو كان الرّجل قد دخل بامرأته.(الجوهريّ 1:95)

أبو الهيثم: امرأة ثيّب:كانت ذا زوج ثمّ مات عنها زوجها أو طلّقت،ثمّ رجعت إلى النّكاح.

(ابن منظور 1:248)

نحوه الواحديّ.(4:321)

ابن قتيبة: «رجل ثيّب و امرأة ثيّب»إذا كانا قد تزوّجا.(304)

ابن أبي اليمان :قال أحمد بن عبد اللّه بن مسلم:

«الثّيّب»عندي مأخوذ من ثاب إلى كذا،إذا رجع.

و البكر:كأنّها المنفردة،يقال:ليس هذه بكر الزّيارة، أي لست أزورك هذه الزّيارة وحدها.

و كأنّ معنى«الثّيّب»على هذا-و اللّه أعلم-الّتي قد رجعت إلى الرّجال و قرنت بهم.هذا الّذي يتبيّن لي فيه، و لم أسمعه عن أحد،و إنّما هو على الاستنباط و الاستخراج،و هو حسن غير مدفوع إن شاء اللّه.

(165)

الأزهريّ: جاء في الخبر:«الثّيّبان يرجمان و البكران يجلدان و يغرّبان».

و يقال:ثيّبت المرأة تثييبا،إذا صارت ثيّبا.

و جمع الثّيّب من النّساء:الثّيّبات،قال اللّه تعالى:

ص: 763

ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً التّحريم:5.(15:152)

و«الثّيّب»سمّيت ثيّبا،لأنّها توطأ وطء بعد وطء.(15:155)

الصّاحب: الثّيّب:الّتي قد تزوّجت فثابت (1)بوجه ما كان،و الجميع:الثّيائب و الثّيّبات،و هي أيضا الّتي ثاب إليها عقلها.

و ثيّبت المرأة:صارت ثيّبا.(10:188)

ابن سيده: الثّيّب:المرأة و الرّجل إذا كان قد دخل بها أو دخل به،و قد ثيّبت فهي مثيّب.و قيل:هي مثيّب و قد تثيّبت.(الإفصاح 1:339)

الزّمخشريّ: في الحديث:«الثّيّبان يرجمان، و البكران يجلدان و يغرّبان».

يقال للرّجل و المرأة:ثيّب،و هو«فيعل»من ثاب يثوب،كسيّد من ساد يسود،لمعاودتهما التّزوّج في غالب الأمر.و قولهم:«تثيّبت»مبنيّ على لفظ«ثيب» و يجوز أن يكون«فيعلت»،كما قيل في:تديّرت المكان.

(الفائق 1:182)

ابن الأثير: الثّيّب بالثّيّب جلد مائة و رجم بالحجارة».

الثّيّب:من ليس ببكر،و يقع على الذّكر و الأنثى، رجل ثيّب و امرأة ثيّب.و قد يطلق على المرأة البالغة و إن كانت بكرا،مجازا و اتّساعا،و الجمع بين الجلد و الرّجم منسوخ.

و أصل الكلمة الواو،لأنّه ثاب يثوب إذا رجع،كأنّ الثّيّب بصدد العود و الرّجوع.و ذكرناه هاهنا حملا على لفظه.(1:231)

الفيّوميّ: قيل للإنسان إذا تزوّج:ثيّب،و هو «فيعل»اسم فاعل من ثاب.و إطلاقه على المرأة أكثر، لأنّها ترجع إلى أهلها بوجه غير الأوّل.

و يستوي في«الثّيّب»الذّكر و الأنثى،كما يقال:أيّم و بكر للذّكر و الأنثى.

و جمع المذكّر:ثيّبون بالواو و النّون،و جمع المؤنّث:

ثيّبات.

و المولّدون يقولون:ثيّب،و هو غير مسموع،و أيضا ف«فيعل»لا يجمع على«فعّل».(87)

الفيروزآباديّ: الثّيّب:المرأة فارقت زوجها،أو دخل بها،و الرّجل دخل به.أو لا يقال للرّجل إلاّ في قولك:ولد الثّيّبين،و هي مثيّب كمعظّم،و قد تثيّبت.

و ذكره في«ث و ب»و هم.(1:44)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الثّيّب ضدّ البكر،أو المفارقة زوجها بموت أو طلاق،لأنّها بصدد الثّوبان، و هو الرّجوع.(1:99)

العدنانيّ: «فلانة ثيّب،فلان ثيّب».

و يخطّئون من يقول:إنّ الرّجل المتزوّج هو ثيّب، و يقولون:إنّ كلمة«ثيّب»تطلق على المرأة غير العذراء، اعتمادا على معجم ألفاظ القرآن الكريم الّذي اكتفى بذكر الثّيّب من النّساء،و على المعجم الوسيط،الّذي قال:إنّ الثّيّب هي غير العذراء.

و لكن أطلق كلمة«الثّيّب»على المرأة المتزوّجة و الرّجل المتزوّج كليهما:الخليل بن أحمد الفراهيديّ في العين،و الكسائيّ،و الأصمعيّ،و ابن السّكّيتت.

ص: 764


1- عند الخليل :فبانت.

و الصّحاح،و المحكم و ابن مكّيّ الصّقلّيّ في تثقيف اللّسان، و النّهاية،و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و من هؤلاء من استدرك قائلا:أو لا يقال للرّجل:

ثيّب إلاّ في قولك:ولد الثّيّبين:الخليل بن أحمد الفراهيديّ،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المتن.

و قد تطلق كلمة الثّيب على المرأة البالغة و إن كانت بكرا:النّهاية،و اللّسان،و التّاج،و المتن.و من المستحسن أن نهمل ذلك.

ذكرت هذه الكلة في مادّة«ثوب»لأنّ أصلها واو، و لم يذكرها في مادّة«ثيّب»إلاّ القليل من المعاجم كاللّسان،و القاموس،و التّاج.(110)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ«الثّيّب»من ثاب و رجع عن الزّوج إلى الانفراد،كما أنّ«البكر»من لم يتزوّج.و إطلاق«الثّيّب»على المرأة المتزوّجة فعلا مجاز،فإنّ استعمال«الثّيّب»في مقام التّزويج و هو منحصر في الأبكار،أو الثّيّبات اللاّتي رجعن عن أزواجهنّ و طلّقن.(2:40)

النّصوص التّفسيريّة

ثيّبات

عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً. التّحريم:5

ابن عبّاس: أيّمات مثل آسية بنت مزاحم امرأة فرعون.(477)

الطّبريّ: و هنّ اللّواتي قد افترعن و ذهبت عذرتهنّ.(28:165)

نحوه أبو حيّان(8:292)،و الآلوسيّ(28:155).

الماورديّ: الثّيّب فإنّما سمّيت بذلك لأنّها راجعة إلى زوجها إن أقام معها،أو إلى غيره إن فارقها،و قيل:

لأنّها ثابت إلى بيت أبويها،و هذا أصحّ لأنّه ليس كلّ ثيّب تعود إلى زوج.(6:42)

الطّوسيّ: و هنّ الرّاجعات من عند الأزواج بعد افتضاضهنّ،مشتقّ من ثاب يثوب إذا رجع.(10:49)

مثله الطّبرسيّ.(5:316)

الفخر الرّازيّ: ذكر الثّيّبات في مقام المدح،و هي من جملة ما يقلّل رغبة الرّجال إليهنّ.

نقول:يمكن أن يكون البعض من الثّيّب خيرا بالنّسبة إلى البعض من الأبكار عند الرّسول، لاختصاصهنّ بالمال و الجمال أو النّسب أو المجموع مثلا، و إذا كان كذلك فلا يقدح ذكر الثّيّب في المدح،لجواز أن يكون المراد مثل ما ذكرناه من الثّيّب.(30:45)

البروسويّ: الثّيّب:الرّجل الدّاخل بامرأة و المرأة المدخول بها،يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،فيجمع المذكّر على ثيّبين و المؤنّث على ثيّبات،من ثاب إذا رجع،سمّيت به المرأة لأنّها راجعة إلى زوجها إن أقام بها،و إلى غيره إن فارقها،أو إلى حالتها الأولى و هي أنّه لا زوج لها،فهي لا تخلو عن الثّوب أي الرّجوع،و قس عليها الرّجل.

(10:56)

ص: 765

المصطفويّ: الآية في مقام تبديل أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ و تقديم«الثّيّبات»لمناسبتها و أولويّتها بمقام النّبيّ،و لكونها متّصفة في الأغلب بصفات مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ بخلاف الأبكار.(2:40)

راجع«ب ك ر»

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الثّيّب،و هي المرأة الّتي تزوّجت و فارقت زوجها بعد أن مسّها،و الجمع ثيّبات؛ يقال:تثيّبت المرأة،أي دخل بها،و ثيّبت تثييبا:

صارت ثيّبا فهي مثيّب.

و قد يطلق الثّيّب على المرأة البالغة و إن كانت بكرا مجازا و اتّساعا،و كذا على الرّجل،و منه:رجل ثيّب، أي دخل بامرأته،و لقد نفاه الخليل فقال:«و لا يوصف به الرّجل،إلاّ أن يقال:ولد الثّيّبين و ولد البكرين».

2-و ذهب أغلب اللّغويّين إلى أنّ الثّيّب«فيعل» من«ث و ب»،مثل:سيّد و ميّت،و أصله-على هذا القول-«ثيوب»،فأدغمت الواو في الياء و شدّدتا، فصار«ثيّب».

و جعلوه من العود و الرّجوع،لأنّ الثّيّب ترجع إلى إلى أهلها بوجه،أو ترجع إلى حالتها الأولى(العزوبة)، أو لمعاودتها التّزوّج،أو توطأ وطء بعد وطء،أو يرجع إليها عقلها و غير ذلك.

و عدّ الفيروزآباديّ ذكره في«ث و ب»و هما، تعريضا للجوهريّ،لأنّه ذكره في المادّة المذكورة.و لم يذكره في«ث ي ب»إلاّ بضعة معاجم،مثل:اللّسان و القاموس و التّاج،كما ذكره ابن الأثير في هذه المادّة أيضا،إلاّ أنّه استدرك قائلا:«و ذكرناه هنا على لفظه».

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة،و هو(الثّيّبات):

عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً التّحريم:5

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآية جاءت عقيب التّنديد باثنتين من أزواج النّبيّ،كادتا تتظاهرا عليه.و هي توبّخهنّ جميعا بأنّ النّبيّ إن يطلّقهنّ عسى ربّه أن يزوّجه أزواجا خيرا منهنّ،يتّصفن بأوصاف منها:ثيّبات و أبكارا،و هذا تهديد عنيف،و تعريض صريح لهنّ من جهات:

1-أنّه لم يكتف بهاتين الزّوجين،بل عمّهنّ جميعا بالتّنديد و التّهديد،ممّا دلّ على أنّه ربّما صدر أو يصدر عنهنّ ما لا يرضاه النّبيّ.

2-أنّ التّهديد بالطّلاق أسوء شيء للنّساء.

3-أنّ تبديلهنّ بأزواج أخرى-لا زوجة واحدة- يزيد في التّهديد و التّنديد.

4-الإعلام بأنّ هؤلاء الأزواج سوف يكنّ خيرا منهنّ،تعنيف آخر لهنّ إضافة إلى التّعريض.

5-وصف الأزواج بأنّهنّ مسلمات مؤمنات قانتات

ص: 766

عابدات سائحات،تعريض لأزواجه بأنّهنّ عاريات عنها أو عن بعضها،و هذا تعنيف آخر أشدّ ممّا قبله.

6-إضافة(ابكار)تعنيف آخر بأنّه سوف لا يكتفي بالثّيّبات أمثالهنّ،بل يتجاوز إلى الأبكار،لا بكر واحدة،و تزوّج الرّجل بكرا أشدّ بأسا و أصعب تحمّلا على أزواجه من تزوّجه ثيّبا.

7-إضافة إلى ما ذكر،فقد أسند اللّه إبداله أزواجا غيرهنّ إلى نفسه بوصفه ربّا له عليه السّلام،دلالة على مزيد عنايته به،فكأنّ اللّه هو الّذي يتصدّى لتزويجهنّ،و فيه فضل كبير لهنّ على أزواجه.فقد جاء في شأن واحدة منهنّ-و هي زينب بنت جهش- فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها الأحزاب:37،و كانت تفتخر به على غيرها من نساء النّبيّ عليه السّلام.

ثانيا:علاوة على التّنديد بهنّ و التّلويح لهنّ بالطّلاق في هذه الآية،فقد جاء في سورة الأحزاب(26-34) إنذار و تهديد لهنّ بالطّلاق أيضا مع تبشير للصّالحات منهنّ،ابتداء بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً، و فيها تهديد لهنّ بالطّلاق أيضا.و للكلام حول أزواج النّبيّ عليه السّلام محلّ آخر،لاحظ «زوج».و«أ م م»(امّهاتهم).

ثالثا:بدأ تهديدهنّ في أوّل سورة التّحريم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، لأنّه عليه السّلام عزم على تحريم النّساء غضبا لهنّ،و به سمّيت السّورة ب«التّحريم»،و هي تقع في القرآن عقيب سورة الطّلاق الحاوية لأحكام الطّلاق على العموم،فبينهما مناسبة وثيقة و اتّصال أنيق.

رابعا:جاءت(ابكارا)جمع بكر بشأن النّساء مرّتين:مرّة في نساء النّبيّ في الدّنيا ضمن هذه الآية، و أخرى في نساء أهل الجنّة لأصحاب اليمين إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً* لِأَصْحابِ الْيَمِينِ الواقعة:(35-38)،علما بأنّ القرآن يصفهنّ ب لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ مرّتين في سورة الرّحمن:56 و 74،فقد وزّعت(ابكار) بين الدّنيا و الآخرة بالتّساوي،في الدّنيا بشأن نساء عسى أن يتزوّجهنّ النّبيّ،و في الآخرة بشأن نساء أصحاب اليمين،فهي كلمة مباركة في القرآن؛حيث اختصّت بالنّبيّ و بأصحاب اليمين.

خامسا:لا ريب أنّ ذكر(الثّيّبات)هنا مدح لهنّ، كما صرّح به الفخر الرّازيّ،و لكن ما وجه تقديمهنّ على «الأبكار»مع أنّهنّ أفضل من الثّيّبات عند النّاس، و الرّغبة فيهنّ أكثر و ألذّ؟

فقيل:إنّ الثّيّبات أولى بشأن النّبيّ!و لا يعلم وجهه، و كأنّ القائل به نظر إلى تقدّم سنّ النّبيّ حينذاك،فلم يكن كفوا لهنّ،أو لاحظ سيرته في تزوّج الثّيّبات.

و لا دخل لهذين الوجهين في تقديم الثّيّبات كما لا يخفى، كما أنّه لا دخل للرّويّ فيه،لأنّ رويّ الآيات قبلها «فعيل»و بعدها«يفعلون».

نعم،(ابكارا)هنا تذكّر و تتداعى منها(ابكارا)في «الواقعة»بوحدة الرّويّ فيهما: فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً، فيرتفع به شأنهنّ،و أنّهنّ سوف يكنّ أبكارا كنساء أهل الجنّة،موصوفات بصفات كادت أن تجعلهنّ«حورا

ص: 767

عينا»،و سيحشرن معهنّ أزواجا للنّبيّ عليه السّلام في الدّنيا و الآخرة،بدل أزواجه المهدّدات بالطّلاق مرّتين.و لو لا تأخير(ابكارا)و جعلها رويّا للآية،لما تتداعى بها (ابكارا)في تلك الآية.

و هناك نكتة أخرى،و هي أنّ جعلها رويّا فردا بين رويّين قبلها و بعدها مختلفين معها يجعلها معلما و علما، يشخّصها و يميّزها بين طرفيها،كالأبيض بين أسودين، و كالنّور خلال ظلامين.

و يضاف إلى ما ذكر أنّ خفض«الثّيّبات»و فتح «أبكارا»في التّلفّظ-و إن كانا منصوبين في نفس الأمر- يعدّ فارقا بينهما في مراتب الوصف،فالثّيّبات محجورات لاصقات بالأرض،لا يكترث بهنّ،و الأبكار متأهّبات للعمل و للاحتفاء بهنّ،نائمات على السّرر،و لذلك تكرّر (ابكارا)في القرآن،و انفردت(ثيّبات).

و بذلك كلّه اقتنعنا بأنّ تأخير(ابكارا)عن (ثيّبات)يحمل أسرارا و لطائف-يتذوّقها من سبر القرآن و بلاغته-فاتتنا في مادّة(ب ك ر)،و إن سبقت هناك نكات لم تذكر هنا،فلاحظ.

و بهذا انتهى حرف«الثّاء»و كان ختامه مسكا، و الحمد اللّه ربّ العالمين.

ص: 768

حرف الجيم

اشارة

جالوت\جرر\جمل

جأر\جرز\جمم

جبب\جرع\جنب

جبت\جرف\جنح

جبر\جرم\جند

جبريل\جري\جنف

جبل\جزأ\جنن

جبن\جزع\جني

جبه\جزي\جهد

جبي\جسد\جهر

جثث\جسس\جهز

جثم\جسم\جهل

جثو-ي\جعل\جهنم

جحد\جفأ\جوب

جحم\جفن\جود

جدث\جفو-ي\جور

جدد\جلب\جوز

جدر\جلد\جوس

جدل\جلس\جوع

جذذ\جلل\جوف

جذع\جلو-ي\جوو

جذو\جمح\جيأ

جرح\جمد\جيب

جرد\جمع\جيد

ص: 769

ص: 770

جالوت

اشارة

لفظ واحد،3 مرّات مدنيّة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ...

وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً... فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ...

البقرة:49،251

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ بني إسرائيل بعد موسى عليه السّلام عملوا بالمعاصي،و غيّروا دين اللّه،و عتوا عن أمر ربّهم،و كان فيهم نبيّ يأمرهم و ينهاهم فلم يطيعوه...فسلّط اللّه عليهم جالوت،و هو من القبط، فأذلّهم و قتل رجالهم،و أخرجهم من ديارهم و أموالهم، و استعبد نساءهم،ففزعوا إلى نبيّهم،و قالوا:سل اللّه أن يبعث لنا ملكا... (1)(معاني الأخبار 1:151)

مقاتل: كان جالوت و جنوده يعبدون الأوثان.

(ابن الجوزيّ 1:299)

ابن الأعرابيّ: جلته:ضربه،مثل جلده،لغة أو لثغة (2).(الصّغانيّ 1:306)

ابن دريد:...أمّا طالوت و جالوت و صابون فليس بكلام عربيّ فلا تلتفت إليه،و إن كان طالوت و جالوت في التّنزيل؛فهما اسمان أعجميّان،و كذلك داود.

(3:390)

الأزهريّ: يقال:جلتّه عشرين سوطا:أي ضربته.قلت:أصله جلدته،فأدغمت الدّال في التّاء.

و جالوت:اسم أعجميّ لا ينصرف،قال اللّه:

وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ.

و يقال:اجتلتّه،و اجتلدته،أي شربته أجمع.

(11:5)

الصّاحب:الخارزنجيّ: الرّجل المجلوت الألية:و هو الخفيفها،و قد جلتت أليته في فخذه.(7:59)

ابن سيده: الجليت:لغة في الجليد،و هو ما يقع من

ص: 771


1- الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- و هي تحريك اللّسان من حرف إلى حرف.ر.ك: الفيروزآباديّ.

السّماء.

و جالوت:اسم رجل أعجميّ.(7:356)

الرّاغب: وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ...

و ذلك أعجميّ،لا أصل له في العربيّة.(95)

نحوه الجواليقيّ.(152)

الزّمخشريّ: و جالوت:جبّار من العمالقة من أولاد عمليق بن عاد،و كانت بيضته فيها ثلاثمائة رطل.

(1:381)

ابن عطيّة: جالوت:اسم أعجميّ معرّب.

(1:336)

الطّبرسيّ: طالوت و جالوت و داود لا تنصرف، لأنّها أسماء أعجميّة،و فيها سببان:التّعريف و العجمة.

(1:351)

نحوه النّسفيّ(1:124)،و النّيسابوريّ(2:310)، و الشّربينيّ(1:160).

الصّغانيّ: «جلت»أهمله الجوهريّ.و قال ابن الأعرابيّ:جلته:ضربه،مثل جلده،لغة أو لثغة.و كذلك اجتلته مثل اجتلده،و اجتلت الشّيء-أيضا-أي شربه أو أكله أجمع.(1:306)

القرطبيّ: [نحو الطّبرسيّ و أضاف:]

و الجمع:طواليت و جواليت و دواويد،و لو سمّيت رجلا بطاوس و راقود،لصرفت و إن كانا أعجميّين.

و الفرق بين هذا و الأوّل[طالوت،و جالوت و داود] أنّك تقول:الطّاوس،فتدخل الألف و اللاّم فيمكّن في العربيّة و لا يمكّن هذا في ذاك.(3:245)

أبو حيّان :جالوت اسم أعجميّ ممنوع الصّرف للعجمة و العلميّة،كان ملك العمالقة،و يقال:إنّ البربر من نسله.(2:260)

الفيروزآباديّ: جلته يجلته:ضربه،كاجتلته.

و المجلوت الألية:الخفيفها.

و اجتلته:شربه أو أكله أجمع.

و الجليت:الجليد.و جالوت أعجميّ.

و جللتا و تضمّ اللاّم:قرية بالنّهروان.(1:151)

الطّريحيّ: [في«جول»:]

جالوت:جبّار من أولاد عمليق من عاد،و كان معه مائة ألف.[ثمّ ذكر قصّة قتل داود جالوت،و سيأتي في «داود»](5:344)

نحوه شبّر.(1:254)

رشيد رضا :هو أشهر أبطال أعدائهم الفلسطينيّين،و عرّبه النّصارى الّذي ترجموا سفر صموئيل الّذي فيه القصّة«جليّات»و لا اعتداد بتعريبهم.(2:487)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جالوت،من أعلام القرآن.[و قال في قصّته:]

لمّا قامت الحرب بين الفلسطينيّين الغزاة و بين طالوت ملك بني إسرائيل،كان على رأس الجيش الفلسطينيّ طاغية من أكبر الوثنيّين هو جالوت (جليّات)المشهور ببأسه و قوّته،و قد وقف في ميدان القتال يتحدّى أبطال جيش طالوت طالبا منهم النّزال، و الكلّ يهابه لبأسه،و كان بين جيش طالوت شابّ يملؤه الحماس و الإيمان،فطلب من طالوت الإذن بمنازلة جالوت،و ذلك الشّابّ هو داود نبيّ اللّه و ملك بني

ص: 772

إسرائيل فيما بعد.

و برز داود لا يحمل من أدوات الحرب سوى عصاه و مقلاعه و بعض الأحجار،فاستخفّ به جالوت، و عجب من أمر هذا الشّابّ الّذي يلقي بنفسه إلى التّهلكة،أمام عدوّ جبّار عنيد يتدرّع بسيفه و رمحه، و لكن داود سدّد إليه حجرا من مقلاعه فشجّ رأسه،ثمّ أتبعه بآخر،حتّى سقط جالوت صريعا،و انتصر بنو إسرائيل على عدوّهم.(1:109)

هاكس :«جليات»:يسمّيه العرب باسم جالوت، رجل من أهالي جتّ،و واحد من شجعان الفلسطينيّين.

(289)

المصطفويّ: قاموس عبريّ-عربيّ:

«جالوت»-نفي،إبعاد،ترحيل،مهجر،اغتراب...

-«جالاه»-كشف،أظهر،أماط اللّثام،اكتشف، ظهر.

2-(جالاه)-جال،تجوّل،ارتحل، ذهب إلى المنفى،هاجر.

سموئيل الأوّل 17:23،و فيما هو يكلّمهم إذا برجل مبارز اسمه جليات الفلسطينيّ من جتّ،صاعد من صفوف الفلسطينيّين،و تكلّم بمثل هذا الكلام،فسمع داود و جميع رجال إسرائيل لمّا رأوا الرّجل هربوا منه و خافوا جدّا 480000-و كان لمّا قام الفلسطينيّ و ذهب و تقدّم للقاء داود أنّ داود أسرع و ركض نحو الصفّ للقاء الفلسطينيّ،و مدّ داود يده إلى الكنف،و أخذ منه حجرا و رماه بالمقلاع،و ضرب الفلسطينيّ في جبهته، و سقط على وجهه إلى الأرض.

و في العبريّ في الجملة السّابقة:

(جاليت).[ثمّ نقل كلام هاكس عن تسمية «جليات»عند العرب و قال:]

فظهر أنّ كلمة«جالوت»اسم عبريّ عرّب،و هو في الأصل:جاليت،كما أنّ داود اسم عبريّ و أصله في العبريّة:(داويد)-

و هو مأخوذ من مادّة«جالاه»إمّا بمعنى الظهور، لظهوره في النّاس و تفوّقه أو بمعنى التّجوّل و الهجرة، و يناسب المفهومان لغة«الجولان»بالعربيّة أيضا،أو لغة الجلاء و التّجلّي.

راجع في تفصيل المحاربة:«سموئيل الأوّل»باب (17).(2:101)

الأصول اللّغويّة

1-أجمع من تكلّم في هذا العلم على أعجميّته،إلاّ أنّه بقي مجهول الأصل زمانا طويلا،و لم يفصح عن أصله أحد من المتقدّمين،حتّى ترجم الكتاب المقدّس في العصور المتأخّرة إلى العربيّة،فظهر أنّه عبريّ المنشأ، يلفظ بصورة«جاليت»أو«جاليات»أو«جليات».

و زعم«الهرشفاد»أنّ مغايرة اللّفظ القرآنيّ «جالوت»للأصل ناجم عن غلط راوي هذه القصّة الّتي وردت في العهد العتيق (1)!أو مادرى أنّ الرّاوي جبريل و القائل الرّبّ الجليل؟!و إنّ ما أملاه على نبيّه الكريم لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:41،42؟!

ص: 773


1- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم(164)-آرثر جفري.

ثمّ إنّ العرب-كما هو شائع و مشهور-تتصرّف في الألفاظ الأعجميّة تصرّفا فاحشا،مثلما تقدّم مرارا في هذا المعجم،و قد جاء«جالوت»على غرار ألفاظ أعجميّة بهذا الوزن في القرآن،نحو:طالوت و قارون و هارون و هاروت و ماروت و تابوت و ياقوت و غيرها، و كلّها تغاير أصلها في اللّفظ.

2-و قد عزا المؤرّخون«جالوت»إلى الفلسطينيّين الّذين يسمّيهم الكتاب المقدّس الكنعانيّين،نسبة إلى كنعان بن حام.و ذهب المسعوديّ إلى أنّ«جالوت»لقب ملوكهم،و كان آخرهم(1).

و نحن أيضا نقول بقول المسعوديّ،لأنّ هذا الاسم- كما تقدّم-عبريّ،و الكنعانيّون لا يسمّون أبناءهم بأسماء عبريّة،فالأصحّ أن يكون لقبا أطلقه العبريّون على كلّ ملك من ملوك الكنعانيّين،كما يفعل العرب ذلك،فهم يطلقون لقب تبّع على ملك اليمن،و قيل على ملك حمير،و فرعون على ملك مصر،و كسرى على ملك الفرس،و قيصر على ملك الرّوم،و خاقان على ملك التّرك،و نجاشي على ملك الحبشة،و بلهور على ملك الهند.

الاستعمال القرآنيّ

جاء ثلاث مرّات في آيات متواليات:

1،2،3- فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمّا جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ* وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ* فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:249-251

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت في سورة البقرة ترغيبا و عبرة للمؤمنين،بعد أن كلّفهم بالقتال بقوله: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة:244، فحكى لهم قصّة طالوت و جالوت ابتداء من: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... البقرة:246، إلى أن انتهى إلى هذه الآيات الثّلاث،فأبان للمؤمنين كيف غلبت فئة قليلة من بني إسرائيل فئة كثيرة من الكنعانيّين بإذن اللّه،إعلاما بأنّ اللّه مع الصّابرين.

و كانت درسا للمؤمنين في غزوة بدر الّتي وقعت بعدها بمدّة قليلة،كما بيّن لهم جبن فئة منهم و تخلّفهم عن أمر ملكهم طالوت،و ما أشبهت حال المؤمنين في غزوة بدر بحالهم!

ثانيا:يتبيّن منها أنّ بني إسرائيل غلبوا الكنعانيّين و هم أسلاف الفلسطينيّين اليوم،احتلّوا أراضيهم بقوّة ثمّ أخرجهم اللّه منها بقوّة بعد تخلّفهم عن أمر ربّهم،و أنّ أرض فلسطين للفلسطينيّين دون اليهود،«لاحظ داود و طالوت».

ص: 774

ج أ ر

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين

يجأرون 1:1 تجأرون 1:1

تجأروا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جأرت البقرة جؤارا:رفعت صوتها.

و جأر القوم إلى اللّه جؤارا،و هو أن يرفعوا أصواتهم إلى اللّه متضرّعين.(6:173)

الأصمعيّ: غيث جؤر بالتّخفيف و الهمز،مثال نغر.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:176)

جأر الثّور جؤارا،و خار خوارا،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 11:177)

الجائر حزّ في الحلق.

نحوه شمر.(الأزهريّ 11:177)

الفرّاء: الجئر:السّمين.(الصّغانيّ 2:440)

ابن السّكّيت: و رجل جأر و امرأة جأرة،يعنون ضخما غليظا.و هذا أجأر من هذا.(132)

يقال:غيث جورّ،إذا كان غزيرا كثير المطر.

و يقال:قد جأر بالدّعاء،إذا رفع به صوته.

(إصلاح المنطق:176)

ثعلب : إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ المؤمنون:64،هو رفع الصّوت إليه بالدّعاء.(ابن سيده 7:483)

الزّجّاج: و جأر يجأر،إذا ضجّ و صاح.

(فعلت و أفعلت:55)

ابن دريد :جأر الرّجل-مقصور مهموز-يجأر جأرا و جؤارا،إذا صاح.(3:223)

الصّاحب:[نحو الخليل و ابن السّكّيت و أضاف:]

و الجائر:شبه حموضة في الحلق من أكل دسم أو سمن.

و إذا طال نبت الأرض و ارتفع قيل:جأرت أرض بني فلان.

و الغيث الجؤر:هو الّذي يطول عنه النّبت.

و نبت جأر و عشب جأر:كثير.

ص: 775

و الجؤار:قيء و سلاح يأخذ الإنسان.

و الجأر:كالجأز،و هو الغصّة في الصّدر،جئر يجأر جأرا.(7:172)

نحوه الصّغانيّ.(2:439)

الجوهريّ: الجؤار مثل الخوار،يقال:جأر الثّور يجأر،أي صاح.

و جأر الرّجل إلى اللّه عزّ و جلّ،أي تضرّع بالدّعاء.

(2:607)

الهرويّ: الجؤار:الاستغاثة و رفع الصّوت بها،و في الحديث:«كأنّي أنظر إلى موسى له جؤار إلى ربّه بالتّلبية» معناه رفع الصّوت.(309)

نحوه ابن الأثير(1:232)،و الطّريحيّ(3:239).

ابن سيده: جأر يجأر جأرا:رفع صوته مع تضرّع و استغاثة،و في التّنزيل: إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ المؤمنون:

64.

و جأر الثّور و البقرة جؤارا:صاحا.

و غيث جؤر:مصوّت،من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جأر النّبات:طال و ارتفع.و جأرت الأرض بالنّبات،كذلك.

و الجأر من النّبت:الغضّ الرّيّان.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جأر:صخم،و الأنثى:جأرة.

و الجائر:جيشان النّفس،و قد جئر.و الجائر أيضا:

الغصص.و الجائر:حرّ الحلق.(7:483)

الرّاغب: [ذكر الآيات و قال:]

جأر،إذا أفرط في الدّعاء و التّضرّع،تشبيها بجؤار الوحشيّات كالظّباء و نحوها.(103)

الزّمخشريّ: جأر العجل،و جأر الدّاعي إلى اللّه:

ضجّ و رفع صوته.و بات له الجؤار.و هو جأر باللّيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:جأر النّبات:طال و ارتفع،كما يقال:

صاحت الشّجرة،إذا طالت.و جأرت أرض بني فلان:

ارتفع نباتها.و عشب جأر:غمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و غيث جؤر،بوزن جعل:غزير يجأر عنه النّبات.

(أساس البلاغة:50)

الفيروزآباديّ: جأر كمنع جأرا و جؤارا:رفع صوته بالدّعاء و تضرّع،و استغاث،و البقرة و الثّور:

صاحا.

و النّبات جأرا:طال،و الأرض:طال نبتها.

و الجأر من النّبت:الغضّ و الكثير،و الرّجل:الضّخم كالجأر ككتّان،و كتف.و هو أجأر منه:أضخم.

و الجائر:جيشان النّفس،و الغصص،و حرّ الحلق، أو شبه حموضة فيه من أكل الدّسم.

و غيث جأر و جأّر و جؤر كصرد و جورّ كهجفّ:

غزير و كثير.

و جئر كسمع:غصّ في صدره.

و الجؤار كغراب:قيء و سلاح يأخذ الإنسان.

(1:398)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة هو التّضرّع و الاستغاثة بصوت عال رفيع،عند الشّدّة و الابتلاء.[ثمّ ذكر الآيات](2:41)

ص: 776

النّصوص التّفسيريّة

يجأرون

حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ.

المؤمنون:64

ابن عبّاس: يتضرّعون.(288)

يستغيثون.(الطّبريّ 18:37)

الحسن :يصرخون إلى اللّه تعالى بالتّوبة،فلا تقبل منهم.(الماورديّ 4:60)

قتادة :يجزعون.(الماورديّ 4:60)

مثله الرّبيع و ابن زيد.(الطّبريّ 18:37)

الفرّاء: يضجّون،و هو الجؤار.(2:239)

نحوه القمّيّ(2:92)،و الطّوسيّ(7:379).

أبو عبيدة :أي يرفعون أصواتهم،كما يجأر الثّور.

[ثمّ استشهد بشعر](2:60)

نحوه السّجستانيّ.(131)

ابن قتيبة :أي يضجّون و يستغيثون باللّه.(298)

نحوه القرطبيّ.(12:134)

الطّبريّ: يقول:ضجّوا و استغاثوا ممّا حلّ بهم من عذابنا.و لعلّ الجؤار:رفع الصّوت كما يجأر الثّور.[ثمّ استشهد بشعر](18:37)

نحوه الآلوسيّ.(18:48)

الزّجّاج: أي يضجّون،و العذاب الّذي أخذوا به السّيف.(4:18)

الرّمّانيّ: يصيحون.(الماورديّ 4:60)

الواحديّ: يصيحون إلى اللّه و يصيحون،و يقال لهم: لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنّا لا تُنْصَرُونَ المؤمنون:65.(3:294)

الميبديّ: يضجّون و يجزعون و يستغيثون.و أصل الجؤار:رفع الصّوت بالتّضرّع.(6:453)

الطّبرسيّ: أي يضجّون لشدّة العذاب،و يجزعون.

(4:112)

الفخر الرّازيّ: أي يرتفع صوتهم بالاستغاثة و الضّجيج،لشدّة ما هم عليه.(23:110)

البيضاويّ: فاجئوا الصّراخ بالاستغاثة.

(2:110)

مثله الكاشانيّ.(3:404)

أبو السّعود :أي فاجئوا الصّراخ بالاستغاثة من اللّه عزّ و جلّ.كقوله تعالى: فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ النّحل:

53،و هو جواب الشّرط.و تخصيص مترفيهم بما ذكر من الأخذ بالعذاب،و مفاجأة الجؤار مع عمومه لغيرهم أيضا،لغاية ظهور انعكاس حالهم و انتكاس أمرهم، و كون ذلك أشقّ عليهم،و لأنّهم مع كونهم متمنّعين محميّين بحماية غيرهم من المنعة و الحشم حين لقوا ما لقوا من الحالة الفظيعة،فلأن يلقاها من عداهم من الحماة و الخدم أولى و أقدم.(4:424)

نحوه البروسويّ.(6:92)

الطّباطبائيّ: الجؤار،بضمّ الجيم:صوت الوحش -كالظّباء و نحوها-عند الفزع،كنّي به عن رفعهم الصّوت بالاستغاثة و التّضرّع.

و قيل:المراد به ضجّتهم و جزعهم،و الآيات التّالية تؤيّد المعنى الأوّل.(15:44)

ص: 777

تجئرون

وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ. النّحل:53

مجاهد :تضرّعون دعاء.(الطّبريّ 14:121)

السّدّيّ: أي تضجّون بالدّعاء.(328)

مثله ابن قتيبة(243)،و القرطبيّ(10:115).

أبو عبيدة :أي ترفعون أصواتكم.(1:361)

الطّبريّ: فإلى اللّه تصرخون بالدّعاء و تستغيثون به،ليكشف ذلك عنكم.و أصله:من جؤار الثّور،يقال منه:جأر الثّور يجأر جؤارا،و ذلك إذا رفع صوتا شديدا، من جوع أو غيره.(14:121)

نحوه السّجستانيّ(104)،و النّحّاس(4:73)، و الواحديّ(3:66)،و البغويّ(4:78)،و الزّمخشريّ (2:413)،و ابن عطيّة(3:400)،و الطّبرسيّ(3:

366)،و البيضاويّ(1:558)،و النّسفيّ(2:289)، و النّيسابوريّ(14:77).

الزّجّاج: أي إليه ترفعون أصواتكم بالاستغاثة، يقال:جأر الرّجل يجأر جؤارا.و الأصوات مبنيّة على «فعال و فعيل»،فأمّا«فعال»فنحو الصّراخ و الجؤار و البكاء،و أمّا«الفعيل»فنحو العويل و الزّئير؛و الفعال أكثر.(3:204)

نحوه الميبديّ.(5:399)

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و المعنى أنّه تعالى بيّن أنّ جميع النّعم من اللّه تعالى،ثمّ إذا اتّفق لأحد مضرّة توجب زوال شيء من تلك النّعم فإلى اللّه يجأر،أي لا يستغيث أحدا إلاّ اللّه تعالى،لعلمه بأنّه لا مفزع للخلق،إلاّ هو،فكأنّه تعالى قال لهم:فأين أنتم عن هذه الطّريقة في حال الرّخاء و السّلامة.

(20:51)

مكارم الشّيرازيّ: (تجئرون)من مادّة الجؤار، على وزن«غبار»بمعنى صوت الحيوانات و الوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم،ثمّ استعملت كناية في كلّ الآهات غير الاختياريّة،النّاتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى معنى:عند ما تتراكم عليكم الويلات و يحلّ بكم البلاء الشّديد تطلقون حينها صرخات الاستغاثة غير اختياريّة،و أنتم بهذه الحال.(8:195)

لا تجأروا

لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنّا لا تُنْصَرُونَ. المؤمنون:

65

ابن عبّاس: لا تتضرّعوا.(288)

الرّبيع:لا تجزعوا الآن حين نزل بكم العذاب،إنّه لا ينفعكم،فلو كان هذا الجزع قبل نفعكم.

(الطّبريّ 18:38)

الطّبريّ: لا تضجّوا و تستغيثوا اليوم،و قد نزل بكم العذاب الّذي لا يدفع عن الّذين ظلموا أنفسهم،فإنّ ضجيجكم غير نافعكم.(18:37)

نحوه البغويّ.(3:369)

ابن عطيّة: و هذا القول يجوز أن يكون حقيقة، أي تقول ذلك لهم الملائكة.و يحتمل أن يكون مجازا،أي لسان الحال يقول ذلك،و هذا على أنّ الّذين يجأرون هم

ص: 778

المعذّبون.(4:149)

نحوه أبو حيّان.(6:412)

الطّبرسيّ: أي يقال لهم:لا تتضرّعوا اليوم.

(4:112)

الفخر الرّازيّ: و يقال لهم على وجه التّبكيت.

(لا تجأروا).(23:110)

الطّباطبائيّ: العدول عن سياق الغيبة إلى الخطاب لتشديد التّوبيخ و التّقريع،و لقطع طمعهم في النّجاة بسبب الاستغاثة و أيّ رجاء و أمل لهم فيها،فإنّ إخبار الوسائط أنّهم لا ينصرون لدعاء أو شفاعة لا يقطع طمعهم في النّصر كما يقطعه إخبار من إليه النّصر نفسه.(15:44)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجؤار،و هو رفع الصّوت و الصّياح،يقال:جأر الثّور و البقرة جؤارا،أي صالحا.

و هذا هو الأصل فيما نرى،ثمّ استعمل في رفع الصّوت بالدّعاء عند التّضرّع،و كأنّه تهكّم و استخفاف بمن يدعو اللّه صارخا عند الضّرّاء،و يجفوه عند السّرّاء، فشبّه بالثّور و البقرة في هذه الحال.و إنّ ألفاظ هذه المادّة المستعملة في القرآن لتهدي المتدبّر إلى هذا المعنى.

و يستعمل بعض العرب اليوم-و هم العراقيّون- هذا المعنى في صوت الحمير،إلاّ أنّهم يضيفون«واوا» بعد«فاء»الفعل،و يقلبون الهمزة عينا،فيقولون:جوعر الحمار،أي نعق،و جوعر الرّجل،إذا رفع عقيرته، تشبيها بالحمار،و هو«فوعل»من«ج ع ر»؛لغة غير فصيحة.

و يقال منه:جأر الرّجل إلى اللّه يجأر جأرا و جؤارا، أي تضرّع بالدّعاء صارخا مستغيثا،و جأر القوم جؤارا:

رفعوا أصواتهم بالدّعاء متضرّعين،و غيث جؤر:

مصوّت،على التّشبيه.

و منه أيضا:جأر النّبت:طال و ارتفع،و جأرت الأرض بالنّبات،و هو كقولهم:صاحت الشّجرة و نحوها، أي طالت،و كلّ ذلك على المجاز.

2-و قد شابت هذه المادّة ألفاظ أخرى من«ج و ر»، نحو قولهم:رجل جأر،و امرأة جأرة،و هو من الجورّ:

الصّلب الشّديد؛يقال:بعير جور،أي ضخم،و كذا عشب جأر و غمر:كثير،و هو من الجوار:الماء الكثير، يقال:غيث جور و جورّ،أي غزير كثير المطر.

و لعلّ الهمز لغة أخرى لهذه المعاني؛إذ ما دلّ على الصّوت و الصّياح فهو من«ج أ ر»،و ما دلّ على الضّخامة و الغزارة فهو من«ج و ر».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المضارع ثلاث مرّات:مرّتين خبرا توبيخا إثباتا و مرّة نهيا في آيتين:

1- وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ النّحل:53

2 و 3- حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ* لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنّا لا تُنْصَرُونَ

المؤمنون:64،65

يلاحظ أوّلا:أنّ المادّة كلّها ذمّ لغة و كذلك جاءت

ص: 779

في الآيتين:

ثانيا:اختصّت فيهما بعذاب أهل الكفر و الكفران و الإتراف و الطّغيان.

ثالثا:الآيتان مكّيّتان تواكبان جوّ الشّرك و الطّغيان بمكّة،فاللّفظ يعتبر مكّيّا.

رابعا:جاء في(1) فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ متعدّيا ب(إلى)فيفيد التّضرّع و الالتجاء،قال الخليل :«جأر القوم إلى اللّه جؤارا:و هو أن يرفعوا أصواتهم إلى اللّه متضرّعين»و لعلّه أشرب بمعنى(التجاء)و لفظة(الى) شاهدة على هذا الإشراب.

خامسا:لا يترادف مع(صعق)و(صرخ)في القرآن،لأنّ(صعق)أي هلك بالصّيحة كما قال: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ الزّمر:68،أي هلكوا بالصّيحة،و(صرخ)أي أغاث، كما قال: وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَ لا هُمْ يُنْقَذُونَ يس:43،أي لا مغيث لهم و لا ناصر،و منه الاستغاثة.

ص: 780

ج ب ب

اشارة

لفظ واحد،مرّتان،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجبّ:استئصال السّنام من أصله،و بعير أجبّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبّ الخصى:استئصال ما هناك.

و الجبوب:وجه الأرض الصّلبة.

و الجباب:كهيئة الزّبد من ألبان الإبل.

و الجبّ:الغلبة.

و الجباب:جمع الجبّة الّتي تلبس.

و تقول:هي جبّة السّنان أو نحوه،أي مدخله.

و الجبّة:بياض تطأ فيه الدّابّة بحافرها حتّى تبلغ الأشاعر،و النّعت:مجبّب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبّ:بئر غير بعيدة القعر،و يجمع على:جببة و جباب و أجباب.[ثمّ أدام الكلام في الجبجبة إلى أن قال:]

و الجبوب:الحجارة،الواحدة بالهاء.

و الجباب:زمن صرام النّخل،يقال:جبّوا نخلهم، أي صرموها.

و التّجبيب:النّفار و الذّهاب،يقال:جبّب فذهب.

و في الحديث:«الممسك بطاعة اللّه إذا جبّب عنها الكارّ بعد الفارّ».(6:24)

أبو بكر الأصمّ:الجبوب:المدر،واحدتها:

جبوبة.(الهرويّ 1:311)

مثله أبو عمرو الشّيبانيّ.(الأزهريّ 10:511)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجباب:أن تتخاير امرأتان أيّتهما أحسن،فتقول:قد تجابّتا جبابا،فجبّت فلانة فلانة،أي قالوا هي أحسن منها.(1:120)

إذا ارتفع البياض إلى ركبتيه فهو محبّب.

(الأزهريّ 10:511)

يقال لوعاء الطّلع:جفّ و جبّ،معا.

الجبوب:الأرض.(الهرويّ 1:310)

الفرّاء: و في حديث عائشة:«أنّ دفين سحر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جعل في جبّ طلعة»بالباء.

ص: 781

بئر مجبّبة الجوف،إذا كان وسطها أوسع شيء منها مقبّبة.(الأزهريّ 10:512)

أبو عبيدة :جبّة الفرس:ملتقى الوظيف في أعلى الحوشب.

و قال مرّة:هو ملتقى ساقيه و وظيفي رجليه،و ملتقى كلّ عظمين إلاّ عظم الظّهر.(الأزهريّ 10:514)

لا يكون[البئر]جبّا حتّى يكون ممّا وجد محفورا لا ممّا حفره النّاس.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 1:24)

أبو زيد :ركب فلان المجبّة،و هي الجادّة.

(الأزهريّ 10:513)

الأصمعيّ: الجبوب:الأرض الغليظة.

الجبّة:ما دخل فيه الرّمح من السّنان.

(الأزهريّ 10:510)

[الجبّة]هو مغرز الوظيف في الحافر.

(الجوهريّ 1:96)

اللّحيانيّ: الجبوب:الأرض،و الجبوب:

التّراب.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:225)

إذا لقّح النّاس النّخيل قيل:قد جبّوا،و قد أتانا زمن الجباب.(الأزهريّ 10:514)

أبو عبيد: جبّب الرّجل تجبيبا،فهو مجبّب،إذا فرّ و عرّد.(الأزهريّ 10:511)

أبو نصر:فرس لنا في جبّة الدّار،أي في وسطها.

(الأزهريّ 10:511)

ابن الأعرابيّ: الجبوب:الأرض الصّلبة، و الجبوب:المدر المفتّت.(الأزهريّ 10:510)

المجبّب:الفرس الّذي يبلغ تحجيله إلى ركبتيه.

(الأزهريّ 10:511)

الجباب:القحط الشّديد.

و روى أحمد بن حنبل عن ابن عبّاس أنّه قال:نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الجبّ،قلت:و ما الجبّ؟فقالت امرأة عنده:

هو المزادة يخيّط بعضها إلى بعض.(الأزهريّ 10:513)

ابن حبيب:الجبّ:ركيّة تجاب في الصّفا.

(الأزهريّ 10:512)

شمر:[في حديث عائشة المتقدّم]

أراد داخلها إذا أخرج منها الجفرّى (1)،كما يقال لداخل الرّكيّة من أسفلها إلى أعلاها:جبّ،يقال:إنّها لواسعة الجبّ،مطويّة كانت أو غير مطويّة.

(الأزهريّ 10:512)

ابن قتيبة :«أنّ رجلا مرّ بجبوب بدر»:هي الأرض الغليظة.(الهرويّ 1:311)

ابن أبي اليمان :الجبّ:البئر.(143)

ابن دريد :و ناقة جبّاء و بعير أجبّ.و جبّ الخصيّ يجبّه جبّا،إذا قطع مذاكيره من أصلها،و كلّ شيء إذا قطعته فقد جببته.

و الجبّ:البئر العميقة الّتي لا طيّ لها،الكثيرة الماء البعيدة القعر،و هو مذكّر.(1:24)

و الجبجاب و الجباب شبيه بالزّبد المتقطّع،يكون على ألبان الإبل،و الجبوب:ما غلظ من وجه الأرض.

(3:184)

الأزهريّ: المجبوب:الخصيّ الّذي قد استؤصل ذكره و خصياه،و قد جبّ جبّا.ع.

ص: 782


1- الجفرّى:وعاء الطّلع.

و الجبوب:وجه الأرض.

و يقال:للمدرة الغيظة تقلع من وجه الأرض:

جبوبة،و في الحديث:«أنّ رجلا مرّ بجبوب بدر فإذا رجل أبيض رضراض (1)».

و الجباب:شبه الزّبد يعلو ألبان الإبل إذا مخض البعير السّقاء،و هو معلّق عليه فيجتمع عند فم السّقاء،و ليس لألبان الإبل زبد،إنّما هو شيء يشبه الزّبد.

و يقال:جبّت المرأة نساءها بحسنها،إذا غلبتهنّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جبّة العين:حجاجها.

و جبّة الرّمح:ما دخل من السّنان فيه.

و الجبّة:الّتي تلبس،و جمعها:جباب.

و الجبّة:من أسماء الدّروع،و جمعها:جبب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالت الكلابيّة:الجبّ:القليب الواسعة الشّحوة (2).

و قال مشيّع:الجبّ:جبّ الرّكيّة قبل أن تطوى.

و قال زيد بن كثوة:جبّ الرّكيّة:جرابها.

و جبّ القرن:الّذي فيه المشاشة.[ثمّ استشهد بشعر و نقل قول ابن الأعرابيّ و أضاف:]

قلت:كانوا ينتبذون فيها حتّى ضريت.(10:510)

الصّاحب:الجبّ:الاستئصال في القطع،و الرّجل مجبوب.

و الجبب:في السّنام:بعير أجبّ:لا سنام له.

و امرأة جبّاء:صغيرة الثّديين.

و الأجبّ:من أسماء الفرج؛كالأجمّ.

و الجباب:كهيئة الزّبد من ألبان الإبل.

و يقال:استجبّ سقاؤك،أي غلظ و ضري.

و ما أشدّ ما يجبّب سقاؤك.

و مرن على ذاك و استجبّ،أي أكنب.

و الجبّة:معروفة،و الجباب و الجبب جمع.

و جبّة السّنان و الزّجّ و ما أشبههما:ما يدخل فيه الزّجّ.و البياض تطأ فيه الدّابّة بحافرها حتّى تبلغ الأشاعر،و النّعت:مجبّب.و خرقة تلبسها المرأة و تخيط طرفها فتغطّي بها رأسها،و فيها عينان كعيني البرقع.

و جبّة العين:ما واراها،و قيل:غارها.

و الجبّ:البئر غير البعيدة،و الجميع:الأجباب و الجباب و الجببة.

و الجباب:الرّكايا تحفر لغرس الكروم كما تحفر للفسيلة،الواحد:جبّ.

و التّجبيب:الهرب عند القتال و الهزيمة.

و ركب فلان المجبّة،أي الطّريق،و يجوز أن يكون مأخوذا من استجباب الشّيء و مرونه على العمل.

و جبّب الرّجل:امتلأ فزعا.

و شربت الإبل حتّى جبّبت،أي امتلأت ريّا.

و المجابّة:أن يصنع القوم طعاما فيصنع غيرهم مثله.

و التّجابّ أيضا:أن يتناكح الرّجلان أختيهما،تكون أخت كلّ واحد منهما تحت صاحبه.و يكون التّجابّ في التّلاحي و التّشاتم.و أصل ذلك كلّه من المغالبة،يقال:م.

ص: 783


1- كثير اللّحم.
2- الشّحوة:الفم.

جبّ فلان فلانا،أي غلبه.و من الجبّ الّذي هو الفضل قولهم:اجتمعت النّساء فجبّتهنّ فلانة تجبّهنّ.

و جبّ اللّهاز:تنحّى عن موضعه،و هو رقعة توضع في قبّ البكرة،يضيّق بها ما اتّسع من خرقها.(6:415)

الخطّابيّ: و قولها:تجبّ أهل الكعبة،معناه تغلبهم بحسنها،يقال:جابّت فلانة نساء بني فلان،فجبّتهنّ، أي غلبتهنّ بالحسن و الجمال.(2:413)

الجوهريّ: الجبّ:القطع.و خصيّ مجبوب بيّن الجباب.و بعير أجبّ بيّن الجبب،أي مقطوع السّنام.

و فلان جبّ القوم،إذا غلبهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجباب:الّتي تلبس.و الجباب أيضا:تلقيح النّخل،يقال:جاء زمن الجباب.و قد جبّ النّاس النّخل.

و الجبّة:ما دخل فيه الرّمح من السّنان.

و الجبّة:موصل الوظيف في الذّراع.

و التّجبيب:أن يبلغ التّحجيل ركبة اليد و عرقوب الرّجل.و الفرس مجبّب،و فيه تجبيب،و الاسم:الجبب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و التّجبيب أيضا:النّفار،يقال:جبّب فلان فذهب.

و المجبّة:جادّة الطّريق.(1:96)

ابن فارس: الجيم و الباء في المضاعف أصلان:

أحدهما:القطع،و الثّاني:تجمّع الشّيء

فأمّا الأوّل فالجبّ:القطع،يقال جببته أجبّه جبّا،و خصيّ مجبوب بيّن الجباب.

و يقال:جبّه،إذا غلبه بحسنه أو غيره،كأنّه قطعه عن مساماته و مفاخرته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبب:أن يقطع سنام البعير،و هو أجبّ و ناقة جبّاء.

الأصل الثّاني:الجبّة معروفة،لأنّها تشمل الجسم و تجمعه فيها.و الجبّة:ما دخل فيه ثعلب الرّمح من السّنان.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبّ النّاس النّخل،إذا ألقحوه،و ذا زمن الجباب.

و الجبوب:الأرض الغليظة،سمّيت بذلك لتجمّعها.

المجبّة:جادّة الطّريق و مجتمعه،و الجبّ:البئر.

و يقال جبّب تجبيبا،إذا فرّ،و ذلك أنّه يجمع نفسه للفرار و يتشمّر.

و من الباب الجباب:شيء يجتمع من ألبان الإبل كالزّبد.و ليس للإبل زبد.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:423)

الهرويّ: و في حديث بعض أصحابه:«و سئل عن امرأة تزوّج بها:كيف وجدتها؟فقال:كالخير من امرأة قبّاء جبّاء.و قالوا:أو ليس خيرا؟قال:ما ذاك بأدفأ للضّجيع و لا أروى للرّضيع».

الجبّاء:يدلّ الحديث على أنّها الصّغيرة الثّديين، و هو في العربيّة أشبه بالّتي لا عجز لها،كالبعير الأجبّ الّذي لا سنام له.

و في الحديث:«المتمسّك بطاعة اللّه إذا جبّب النّاس عنها كالكارّ بعد الفارّ»يعني إذا ترك النّاس الطّاعات، و رغبوا عنها.يقال:جبّب الرّجل،إذا مضى مسرعا فارّا من الشّيء.(1:311)

ابن سيده: جبّه يجبّه جبّا،و جبّا،و اجتبّه.

و الجبب:قطع في السّنام.و قيل:هو أن يأكله الرّحل أو القتب فلا يكبر.

ص: 784

و الجبّة:ضرب من مقطّعات الثّياب.و جمعها:

جبب،و جباب.

و الجبّة من السّنان:الّذي دخل فيه الرّمح.

و الجبّة:حشو الحافر،و قيل:قرنه.

و قيل:هي من الفرس:ملتقى الوظيف على الحوشب من الرّسغ.

و قيل:هي موصل ما بين السّاق و الفخذ.

و فرس مجبّب:ارتفع البياض منه إلى الجبب فما فوق ذلك،ما لم يبلغ الرّكبتين.

و قيل:هو الّذي بلغ البياض أشاعره.

و قيل:هو الّذي بلغ البياض منه ركبة اليد و عرقوب الرّجل،أو ركبتي اليدين و عرقوبي الرّجلين.

و الجبّ:البئر،مذكّر.

و قيل:هي البئر لم تطو.

و قيل:هي الجيّدة الموضع من الكلأ.

و قيل:هي البئر الكثيرة الماء البعيدة القعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:لا تكون جبّا حتّى تكون ممّا وجد،لا ممّا حفره النّاس.و الجمع:أجباب و جباب،و جببة.

و في بعض الحديث:«جبّ طلعة»مكان«جفّ طلعة»حكاه أبو عبيد في تفسير غريب الحديث».قال:

و ليس بمعروف،إنّما المعروف:جفّ طلعة.

و قيل:الجباب للإبل كالزّبد للغنم و البقر.و قد أجبّ اللّبن.

و الجباب:الهدر السّاقط الّذي لا يطلب.

و جبّب الرّجل:فرّ.

و المجبّة:المحجّة.

و جبّة،و الجبّة:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:224)

الرّاغب: وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:

10،أي بئر لم تطو.و تسميته بذلك إمّا لكونه محفورا في جبوب،أي في أرض غليظة.و إمّا لأنّه قد جبّ.

و الجبّ:قطع الشّيء من أصله كجبّ النّخل.

و قيل:زمن الجباب:نحو:زمن الصّرام.

و بعير أجبّ:مقطوع السّنام،و ناقة جبّاء،و ذلك نحو أقطع و قطعاء للمقطوع اليد،و معنى مجبوب:مقطوع الذّكر من أصله.

و الجبّة الّتي هي اللّباس منه،و به شبّه ما دخل فيه الرّمح من السّنان.

و الجباب:شيء يعلو ألبان الإبل.

و جبّت المرأة النّساء حسنا،إذا غلبتهنّ،استعارة من«الجبّ»الّذي هو القطع؛و ذلك كقولهم:قطعته في المناظرة و المنازعة.

و أمّا الجبجبة فليست من ذلك،بل سمّيت به لصوتها المسموع منها.(85)

الزّمخشريّ: جبّ الرّجل،فهو مجبوب،بيّن الجباب بالكسر،إذا استؤصلت مذاكيره.و جبّوا النّخل:أبروه،و هو زمن الجباب بالفتح.و بعير أجبّ:

لا سنام له،و ناقة جبّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:«سمع المسبّة،فركب المجبّة»و هي لقم الطّريق.و عن بعض العلماء:من رضي بما سمع منّا،و إلاّ فليلتحم المجبّة وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ و لبسوا جباب

ص: 785

الخزّ.و اندسّ في جبّته كما يندسّ الثّعلب في جبّته.

و امرأة جبّاء:صغيرة الثّديين،استعارة من النّاقة الجبّاء:و منه حديث الأشتر:أنّه قال لعليّ رضي اللّه عنه صبيحة بنائه بالنّهشليّة:«كيف وجد أمير المؤمنين أهله؟فقال:كالخير من امرأة قبّاء جبّاء».

و جبّت فلانة النّساء حسنا:بذّتهنّ حتّى قطعتهنّ عن المفاخرة،يقال:جابّتهنّ فجبّتهنّ،و جابّه في القرى فجبّه،إذا كان أحسن قرى منه،و قد تجابّوا.

(أساس البلاغة:50)

قال له[عليّ عليه السّلام]رجل:إنّي مررت بجبوب بدر،..

الجبوب:ما غلظ من وجه الأرض،و قيل للمدرة:

جبوبة،لأنّها قطعة من الجبوب.

و منها حديثه:إنّه قال لرجل يقبر ميّتا:ضع تلك الجبوبة موضع كذا.(الفائق 1:186)

ابن مسعود رضي اللّه عنه:و ذكر النّفخ في الصّور فيقومون فيجبّون تجبية رجل واحد،قياما لربّ العالمين.

قيل لكلّ واحد من الرّاكع و السّاجد:مجبّ (1)،لأنّه يجمع بانحنائه بين أسفل بطنه و أعالي فخذيه.

(الفائق 1:187)

حين سحر[النّبيّ]جعل سحره في جفّ طلعة، و دفن تحت راعوفة البئر،و روي:في جبّ طلعة...جبّها:جوفها،و منه جبّ البئر و هو جرابها.(الفائق 1:219)

و عنه:أنّ وفد ثقيف اشترطوا عليه ألاّ يعشروا و لا يحشروا و لا يجبّوا،فقال:لا خير في دين لا ركوع فيه.

و التّجبية:الرّكوع.(الفائق 2:433)

عمر:سأله رجل،فقال:عنّت لي عكرشة،فشنقتها بجبوبة،فسكنت نفسها،و سكت نسيسها،فقال:فيها جفرة.

الجبوبة:المدرة،يقال:أخذ جبوبة من الأرض،لغة أهل الحجاز.(الفائق 3:19)

المدينيّ: في حديث أسماء:«ناولني جبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»،الجبّة:ثوبان يطارقان،و يجعل بينهما قطن، فإن كانت من صوف جاز أن يكون واحدا غير محشوّ.

في حديث زنباع:«أنّه جبّ غلاما له»أي قطع ذكره،و المزادة المجبوبة:الّتي قطع رأسها،و الجبّ:القطع.

و منه حديث مأبور الخصيّ: «الّذي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقتله لمّا اتّهم بالزّنى،فإذا هو مجبوب».

و منه الحديث:«أنّهم كانوا يجبّون أسنمة الإبل حيّة».

و منه حديث عمرو بن العاص:«إنّ الإسلام يجبّ ما قبله»،يعني يستأصل ما عمل قبله من الكفر من السّيّئات و يقطعه.(1:291)

ابن الأثير: و حديث الانتباذ:«في المزادة المجبوبة»و هي الّتي قطع رأسها،و ليس لها عزلاء من أسفلها يتنفّس منها الشّرّاب.

و منه الحديث:«إنّ الإسلام يجبّ ما قبله،و التّوبة تجبّ ما قبلها»أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذّنوب.ب.

ص: 786


1- من جبّى:بمعنى جبب.

و فيه:«أنّ رجلا مرّ بجبوب بدر»الجبوب بالفتح:

الأرض الغليظة.و قيل:هو المدر،واحدتها:جبوبة.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«رأيت المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم يصلّي و يسجد على الجبوب».

و منه حديث دفن أمّ كلثوم:فطفق النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يلقي إليهم بالجبوب،و يقول:سدّوا الفرج».

و الحديث الآخر:«أنّه تناول جبوبة فتفل فيها».

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«إنّ سحر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جعل في جبّ طلعة»أي في داخلها،و يروى بالفاء،و هما معا،وعاء طلع النّخيل.(1:233)

الصّغانيّ: و امرأة جبّاء،إذا لم يعظم صدرها.

و جبّة العين:حجاجها.

و الجبّة:من أسماء الدّرع،و الجمع:جبب.[ثمّ استشهد بشعر]

و جابّت المرأة:صاحبتها إذا فاخرتها في الحسن.

(1:81)

الفيّوميّ: جببته جبّا من باب«قتل»:قطعته، و منه جببته فهو مجبوب بيّن الجباب بالكسر،إذا استؤصلت مذاكيره.

و جبّ القوم نخلهم:لقّحوها،و هو زمن الجباب بالفتح و الكسر.

و الجبّة من الملابس:معروفة،و الجمع:جبب،مثل غرفة و غرف.و الجبّ:بئر لم تطو،و هو مذكّر.

(1:89)

الفيروزآباديّ: الجبّ:القطع كالجباب بالكسر و الاجتباب،و استئصال الخصية،و التّلقيح للنّخل، و الغلبة.

و الجبب محرّكة:قطع السّنام،أو أن يأكله الرّحل فلا يكبر.

بعير أجبّ و ناقة جبّاء،و هي المرأة لا أليتين لها،أو الّتي لم يعظم صدرها و ثدياها،أو الّتي لا فخذي لها.

و الجبّة:ثوب معروف،جمعها:جبب،و جباب، و موضع و حجاج العين،و الدّرع،وحشوا الحافر أو قرنه،أو موصل ما بين السّاقى و الفخذ،و من السّنان:

ما دخل فيه الرّمح...

و فرس مجبّب كمعظّم:ارتفع البياض منه إلى الجبب.

و الجبّ بالضّمّ:البئر،أو الكثيرة الماء البعيدة القعر، أو الجيّدة الموضع من الكلأ،أو الّتي لم تطو،أو ممّا وجد لا ممّا حفره النّاس،الجمع:أجباب و جباب و جببة، و المزادة يخيّط بعضها إلى بعض...و تضاف إلى الكلب إذا شرب منها المكلوب قبل أربعين يوما برأ.

و جبّ يوسف على اثني عشر ميلا من طبريّة،أو بين سنجل و نابلس،و دير الجبّ بالموصل.

و جبّ الطّلعة:داخلها.

و التّجبيب:ارتفاع التّحجيل إلى الجبب،و النّفار و الفرار و إرواء المال.

و الجباب كسحاب:القحط الشّديد،و بالكسر:

المغالبة في الحسن و غيره،و بالضّمّ:القحط،و الهدر السّاقط الّذي لا يطلب،و ما اجتمع من ألبان الإبل كأنّه زبد و لا زبد للإبل،و قد أجبّ اللّبن.

و الجبوب:الأرض،أو وجهها،أو غليظها،

ص: 787

و التّراب،و بهاء:المدرة.

و الأجبّ:الفرج.و المجابّة:المغالبة،و المفاخرة في الحسن و في الطّعام.

و التّجابّ:أن يتناكح الرّجلان أختيهما.(1:44)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الجبّ:البئر الواسعة المظلمة الّتي لم تبن بالحجارة.(1:100)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّجمّع.و بهذا الاعتبار يطلق على البئر المتجمّع فيها الماء من جوانبها،في مقابل النّهر الجاري فيه الماء،و أمّا كونها غير مطويّة،فلصدق التّجمّع فيها طبعا.

و أمّا مفهوم القطع:فباعتبار حذف الزّوائد و الأطراف،و الجمع في موضوع محدود و حدّ معيّن.فقيد التّجمّع لازم أن يكون ملحوظا،و إن كان التّجمّع من جهة القدرة و القوّة،و في الحفظ و الضّبط كما في المجبوب.

و الغلبة:باعتبار محدوديّة المغلوب حسنا و فخرا و نفوذا.

و الجبّة باعتبار حفظه للبدن و تحديده و إحاطته.

و في قاموس عبريّ- جب-الثّقب المائيّ،ثقب طبيعيّ تتجمّع فيه مياه الأمطار،حفرة حوض.

فظهر أنّ الحفرة الّتي ألقي يوسف فيها كانت جبّا لا بئرا.(2:42)

النّصوص التّفسيريّة

قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.

يوسف:10

ابن عبّاس: (الجبّ):بئر بالشّام.

يعني:الرّكيّة.(الطّبريّ 12:157)

الضّحّاك: البئر.(الطّبريّ 12:157)

مثله الطّبريّ.(12:157)

قتادة :بئر ببيت المقدس.

البئر غير المطويّة.(الطّبريّ 12:156)

مقاتل:هو في الأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.(الخازن 3:217)

أبو عبيدة :الرّكيّة الّتي لم تطو.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:302)

الزّجّاج: البئر الّتي ليست بمطويّة،و سمّيت جبّا من [أجل]أنّها قطعت قطعا،و لم يحدث فيها غير القطع،من طيّ و ما أشبهه.(3:94)

نحوه الآلوسيّ.(12:192)

الماورديّ: في الجبّ قولان:أحدهما:[قول قتادة و قد تقدّم]

الثّاني:أنّه بئر غير معيّنة،و إنّما يختصّ بنوع من الآبار.[ثمّ استشهد بشعر]

و فيما يسمّى من الآبار جبّا قولان:أحدهما:أنّه ما عظم من الآبار سواء كان فيه ماء أو لم يكن.الثّاني:

[قول الزّجّاج و قد تقدّم](3:12)

الطّوسيّ: البئر الّتي لم تطو،لأنّه قطع عنها ترابها حتّى طغى الماء من غير طيّ،و منه المجبوب.[ثمّ استشهد بشعر](6:103)

ص: 788

نحوه البغويّ.(2:478)

الزّمخشريّ: البئر لم تطو،لأنّ الأرض تجبّ جبّا لا غير.(2:305)

نحوه أبو السّعود(3:369)،و البروسويّ(4:

219).

ابن عطيّة: أنّه بئر بيت المقدس،و قيل:غيره.

و قيل:لم يكن حيث طرحوه ماء،و لكن أخرجه اللّه فيه حتّى قصده النّاس للاستقاء.

و قيل:بل كان فيه ماء كثير يغرق يوسف،فنشز حجر من أسفل الجبّ حتّى ثبت عليه يوسف.

و روي أنّهم رموه بحبل في الجبّ فتماسك بيديه،حتّى ربطوا يديه و نزعوا قميصه و رموه حينئذ،و همّوا برضخه بالحجارة،فمنعهم أخوهم المشير بطرحه من ذلك.

(3:223)

الطّبرسيّ: الرّكيّة الّتي لم تطو،فمن أفرد فالوجه فيه:أنّ الجبّ لا يخلو من أن يكون له غيابة واحدة أو غيابات،و غيابة المفرد يجوز أن يعنى به الجمع،كما يعنى به الواحد.

و من جمع فإنّه يجوز له غيابة واحدة،فجعل كلّ جزء منها غيابة،كقولهم:شابت مفارقه،و بئر ذو غيابتين.و يجوز أن يكون للبئر عدّة غيابات،فجمع لذلك.(3:211)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

المسألة الثّانية:...و إنّما ذكرت الغيابة مع الجبّ،دلالة على أنّ المشير أشار بطرحه في موضع مظلم من الجبّ، لا يلحقه نظر النّاظرين،فأفاد ذكر الغيابة هذا المعنى؛إذ كان يحتمل أن يلقى في موضع من الجبّ لا يحول بينه و بين النّاظرين.

المسألة الثّالثة:الألف و اللاّم في(الجبّ)تقتضي المعهود السّابق...

و إنّما عيّنوا ذلك الجبّ للعلّة الّتي ذكروها،و هي قولهم: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ و ذلك لأنّ تلك البئر كانت معروفة،و كانوا يردون عليها كثيرا،و كان يعلم أنّه إذا طرح فيها يكون إلى السّلامة أقرب،لأنّ السّيّارة إذا جازوا و ردوها،و إذا وردوها شاهدوا ذلك الإنسان فيها،و إذا شاهدوه أخرجوه و ذهبوا به،فكان إلقاؤه فيها أبعد عن الهلاك.(18:95)

نحوه القرطبيّ(9:132)،و الخازن(3:217)، و الشّربينيّ(2:93).

النّيسابوريّ: قيل:هو بئر بين مصر و مدين.

(12:86)

رشيد رضا :البئر غير المطويّة،أي غير المبنيّة من داخلها بالحجارة و هو مذكّر،و البئر مؤنّثة،و تسمّى المطويّة منها طويّا.(12:262)

القاسميّ: البئر الّتي لا حجارة فيها.(9:3515)

نحوه المراغيّ(12:119)،و حسنين مخلوف(1:

380).

الطّباطبائيّ: و ذكر بعضهم:أنّ تعريف(الجبّ) باللاّم يدلّ على أنّه كان جبّا معهودا فيما بينهم،و هو حسن لو لم يكن اللاّم للجنس.

و قد اختلفوا أيضا في أنّ هذا(الجبّ)أين كان هو؟ على أقوال مختلفة،لا يترتّب على شيء منها فائدة

ص: 789

طائلة.(11:97)

مكارم الشّيرازيّ: (الجبّ)معناه البئر الّتي لم تنضّد بالطّابوق و الصّخور،و لعلّ أغلب آبار الصّحراء على هذه الشّاكلة.(7:127)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجبّ و الجباب،أي القطع؛ يقال:جبّ خصيتيه يجبّهما جبّا و جبابا و اجتبّهما أيضا،أي قطعهما و استأصلهما،و قد جبّ جبّا،و خصيّ مجبوب بيّن الجباب.و جبّ السّنام:قطعه،يقال:بعير أجبّ بيّن الجبب:مقطوع السّنام،فهو بعير أجبّ و ناقة جبّاء،و امرأة جبّاء:رسحاء،أي قليلة لحم العجز و الفخذين،و هو على التّوسّع.

و الجباب أيضا:تلقيح النّخل،يقال:جبّ النّخل، أي لقّحها،و قد أتانا زمن الجباب،و كأنّه قطع سباتها.

و الجباب:زمن صرام النّخل،يقال:جبّوا نخلهم، أي صرموها.

و الجباب:شبه الزّبد يعلو ألبان الإبل،و لا زبد لألبانها،و قد أجبّ اللّبن.و هو من هذا الباب أيضا،لأنّه مقطوع و مفصول عن اللّبن.

و الجبوب:الأرض الصّلبة،لأنّها مقطوعة من سائر الأراضي،و منه حديث عليّ عليه السّلام:«رأيت المصطفى صلّى اللّه عليه و آله يصلّي و يسجد على الجبوب».

و الجبّ:البئر،لأنّها قطعت قطعا؛يقال:بئر مجبّبة الجوف،أي وسطها أوسع شيء منها مقبّبة،و الجمع:

أجباب و جباب و جببة.

و الجبّة:ضرب من مقطّعات الثّياب تلبس، و الجمع:جبب و جباب،و تطلق على الدّرع اتّساعا.

و جبّة الرّمح:ما دخل فيه الرّمح،فهو يقطعه من سائره.

و جبّة الفرس:موصل ما بين السّاق و الفخذ،أو ملتقى كلّ عظمين إلاّ عظم الظّهر.

و الفرس المجبّب:الّذي يبلغ تحجيله إلى ركبتيه،فهو مقطوع من سائر يديه أو رجليه.

و من المجاز:جبّ القوم:غلبهم،و جابّني مجببته، و جبّت فلانة النّساء تجبّهنّ جبّا:غلبتهنّ من حسنها.

و جبّب الرّجل:مضى مسرعا فارّا من الشّيء.

و المجبّة:المحجّة و جادّة الطّريق،يقال:ركب فلان المحبّة،و هي الجادّة.

و الجباب:القحط الشّديد.

2-و قطع«آرثر جفري»في مفرداته بأنّ لفظ الجبّ -أي البئر-ذو صياغة آراميّة،و احتمل أنّ العرب قد أخذته من الآراميّة منذ زمان بعيد.ثمّ قال:«وردت في اللّغة المعينيّة مفردة بلفظ«جوب»،إلاّ أنّها مجهولة المعنى».

و لعلّ اللّفظ المعينيّ هو فارسيّ المنشأ؛إذ ورد في الفارسيّة بلفظ«جو»و«جوب»بمعنى السّاقية،و هو قريب من معنى الجبّ.كما جاء هذا اللّفظ بصورة«جوبا» في السّريانيّة،و«جوبو»في الآشوريّة،أي الغار فيهما.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«الجبّ»مرّتين بشأن يوسف عليه السّلام في

ص: 790

آيتين من سورة مكّيّة:

1- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ

يوسف:10

2- فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ يوسف:15

و يلاحظ أوّلا:أنّه جاء في الآيتين بسياق واحد:

غَيابَتِ الْجُبِّ و قد اختلفوا في معنى«الغيابة»هنا-بعد اتّفاقهم على أنّها كلّ موضع ستر شيئا،و على أنّه إنّما اقترحه القائل ليستر يوسف عن أعين النّاس-على وجهين:

1-قعر البئر،فإنّه بظلمته يستر يوسف عن النّظر.

2-حفرة أو طاق بجانب البئر فوق سطح الماء، يدخلها من يدلّي فيه لإخراج شيء وضع فيه،أو إصلاح خلل عرض له،فإذا دخله يوسف لا يراه النّاظرون.

و يؤيّد الأوّل لفظ(القوه)فإنّ الإلقاء ترك الشّيء من جانب العلوّ إلى السّفل،فإذا ألقوا يوسف فسيقع في قعر البئر لا في حفرة بجانبه،فلا يقال فيه:(ألقه)بل (ضعه)فيه،و يؤيّد الثّاني قراءة (غيابات) فربّما يكون بجوانب البئر شعب و حفرات و طاقات.و أنكر هذه القراءة أبو عبيد،و أقرّ بها النّحّاس،لاحظ«غ ي ب:

غيابة».

و عندنا أنّ السّياق يساعد التّحقير و الإهانة بيوسف بدل قتله بإلقائه في الجبّ،فالأوّل هو الأقرب.

ثانيا:اختلفوا في الجبّ هل هو جبّ خاصّ، فاختلفوا في موضعه أنّه«بيت المقدس»أو«الشّام»أو موضع بين مصر و مدين،فتكون اللاّم للعهد إشارة إلى جبّ معروف في الطّريق،يردون عليها كثيرا،و لهذا قال: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ، أو جبّ غير معيّن من الآبار الّتي في الطّريق.

و عليه فاللاّم للجنس و لعلّه الأقرب،لأنّ القائل قاله قبل أن يعزموا على يوسف بشيء،و ربّما قبل أن يطرقوا الطّريق،فبعيد أن يريد جبّا معيّنا،كان في طريق السّيّارة و فيه الماء.فلا يعبأ بقول من عمّه إلى ما فيه ماء و ما ليس فيه ماء،فهذا غريب عن المراد.

ثالثا:جاءت في التّفاسير قصص عن إلقاء يوسف في الجبّ لا أصل لها،ككثير من القصص الإسرائيليّة العجيبة و لا سيّما في تفسير سورة يوسف،لاحظ «يوسف».

ص: 791

ص: 792

ج ب ت

اشارة

الجبت

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجبت يفسّر الكاهن،و يفسّر السّاحر.

(6:93)

قطرب: أصل الجبت:الجبس و هو الّذي لا خير فيه،فأبدلت التّاء من السّين.(القرطبيّ 5:249)

الحربيّ: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«العيافة و الطّرق من الجبت»الجبت:السّحر،و هو أيضا الكاهن،و هو الصّنم، و هو حييّ بن أخطب.(3:1177)

الصّاحب:الجبت و الطّاغوت في القرآن:فسّر على الكاهن.(7:60)

الجوهريّ: الجبت:كلمة تقع على الصّنم و الكاهن و السّاحر،و نحو ذلك.و في الحديث:«الطّيرة و العيافة و الطّرق من الجبت».

و هذا ليس من محض العربيّة،لاجتماع الجيم و التّاء في كلمة واحدة من غير حرف ذولقيّ.(1:245)

ابن سيده:الجبت:كلّ ما عبد من دون اللّه.

و الجبت:السّحر.(7:357)

الرّاغب: الجبت و الجبس:الغسل الّذي لا خير فيه.و قيل:التّاء بدل من السّين،تنبيها على مبالغته في الغسولة.[ثمّ استشهد بشعر](85)

الفيروزآباديّ: الجبت بالكسر:الصّنم و الكاهن و السّاحر و السّحر،و الّذي لا خير فيه،و كلّ ما عبد من دون اللّه تعالى.(1:151)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ هذه الكلمة مأخوذة من كلمة«جابه»العبريّة،ثمّ قلبت الهاء في العربيّة تاء مع تغيير في الهيئة.و معناه المتكبّر الّذي ضعف عقله، و الّذي لا يبالي ما يقول،و هو المتعجرف.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ... النّساء:51،فالجبت كالطّاغوت ليس علما و لا اسما للصّنم و لا يدلّ على

ص: 793

السّاحر أو الكاهن.بل يدلّ على مطلق من كان متكبّرا لا يبالي و لا يتوجّه إلى الحقّ،و ليس له من الكبرياء إلاّ التّظاهر،فهو يدّعي ما ليس له،و يقول من دون عمل، و يتظاهر بما ليس فيه.

فلفظ الجبت يشمل من كان بهذه الصّفة،من مدّعي علم و معرفة،و من صاحب مال و ملك،و من أمير و سلطان و حاكم،و ممّن له عنوان و شهرة،و من يدعو النّاس إلى نفسه بغير استحقاق و برهان.

و يؤيّد هذا المفهوم مادّة جبّ بمعنى التّجمّع،و الجبخ و التّجبّر و التّجبّس:بمعنى التّكبّر.(2:43)

النّصوص التّفسيريّة

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ. النّساء:51

ابن عبّاس: الجبت:الأصنام.(الطّبريّ 5:131)

حييّ بن أخطب.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 5:132)

مثله الفرّاء.(1:273)

سعيد بن جبير: السّاحر بلسان الحبشة، و الطّاغوت:الكاهن.

الكاهن،و الطّاغوت:السّاحر.(الطّبريّ 5:132)

الشّعبيّ: الجبت:السّحر،و الطّاغوت:الشّيطان.

(الطّبريّ 5:131)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 5:131)

مجاهد :كعب بن الأشرف،و الطّاغوت:

الشّيطان،كان في صورة إنسان.(الطّبريّ 5:133)

قتادة:شيطان،و الطّاغوت:الكاهن.

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 5:132)

زيد بن أسلم:الجبت:السّاحر،و الطّاغوت:

الشّيطان.(الطّبريّ 5:131)

نحوه أبو العالية.(الطّبريّ 5:132)

أبو عبيدة :كلّ معبود من حجر أو مدر أو صورة أو شيطان فهو جبت و طاغوت.(1:128)

نحوه ابن قتيبة.(129)

ابن هشام:الجبت عند العرب:ما عبد من دون اللّه تبارك و تعالى.(2:211)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في تأويل يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ أن يقال:يصدّقون بمعبودين من دون اللّه، يعبدونهما من دون اللّه،و يتّخذونهما إلهين.

و ذلك أنّ(الجبت و الطّاغوت)اسمان لكلّ معظّم بعبادة من دون اللّه،أو طاعة أو خضوع له،كائنا ما كان ذلك المعظّم،من حجر أو إنسان أو شيطان.

و إذا كان ذلك كذلك و كانت الأصنام الّتي كانت الجاهليّة تعبدها كانت معظّمة بالعبادة من دون اللّه،فقد كانت جبوتا و طواغيت.

و كذلك الشّياطين الّتي كانت الكفّار تطيعها في معصية اللّه،و كذلك السّاحر و الكاهن اللّذان كان مقبولا منهما ما قالا في أهل الشّرك باللّه،و كذلك حييّ بن أخطب،و كعب بن الأشرف،لأنّهما كانا مطاعين في أهل ملّتهما من اليهود في معصية اللّه و الكفر به و برسوله،فكانا جبتين و طاغوتين.(5:133)

ص: 794

الزّجّاج:قال أهل اللّغة:كلّ معبود من دون اللّه فهو جبت و طاغوت.

و قيل:الجبت و الطّاغوت:الكهنة و الشّياطين.

و قيل:في بعض التّفسير:الجبت و الطّاغوت هاهنا:

حييّ بن أخطب،و كعب بن الأشرف اليهوديّان.و هذا غير خارج عمّا قال أهل اللّغة،لأنّه إذا اتّبعوا أمرهما فقد أطاعوهما من دون اللّه عزّ و جلّ.(2:61)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في الآية:النّساء:51 ليس في اليهود من يعبد الصّنم و يؤمن به،فكيف يصحّ ذلك؟

و جوابنا:أنّه ليس المراد بالجبت و الطّاغوت:

الأصنام بل المراد به الشّيطان و السّحرة،على ما روي عن الحسن و غيره.

و المرويّ عن ابن عبّاس أنّ كعب بن الأشرف قال لقريش:أنتم خير من محمّد،و وعدهم بمعونة عليه، فقالوا له:أنتم أهل الكتاب و لا نأمن أن يكون ذلك خديعة،فإن أردت أن نثق بقولك فاسجد لهذين الصّنمين و آمن بهما،ففعل فنزلت هذه الآية.

و قد قيل:إنّ المراد به الكهنة و السّحرة،كقوله:

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ النّساء:60.

و بعد،فليس في قوله: أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ أنّهم أهل الكتاب،لأنّ كثيرا ممّن بعث إليه موسى و عيسى عليهما السّلام يدخلون في هذا الوصف و إن لم يؤمنوا، فلا يدلّ على ما ذكروه.و قد يقال لمن تبع طريقة من يعبدون الأصنام:إنّه يؤمن بها،كقوله تعالى: اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ التّوبة:31،لمّا أطاعوهم،و كلّ ذلك يسقط هذه الشّبهة.(98)

الواحديّ: كلّ معبود من دون اللّه فهو جبت.

(2:66)

الزّمخشريّ: الأصنام و كلّ ما عبد من دون اللّه.

(1:533)

نحوه النّسفيّ.(1:330)

ابن عطيّة: هو كلّ ما عبد و أطيع من دون اللّه تعالى.(2:66)

الطّبرسيّ: يعني بهما الصّنمين اللّذين كانا لقريش،و سجد لهما كعب بن الأشرف.(2:59)

الفخر الرّازيّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

و هما كلمتان وضعتا علمين،على من كان غاية في الشّرّ و الفساد.(10:129)

القرطبيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:(الجبت):كلّ ما حرّم اللّه،(و الطّاغوت):

كلّ ما يطغي الإنسان.(5:249)

نحوه الجزائريّ.(78)

البيضاويّ: و الجبت في الأصل اسم صنم، فاستعمل في كلّ ما عبد من دون اللّه.و قيل:أصله الجبس،و هو الّذي لا خير فيه،فقلبت سينه تاء.

(1:224)

نحوه أبو حيّان(3:266)،و أبو السّعود(1:350)، و الكاشانيّ(1:425)،و البروسويّ(2:221)، و الآلوسيّ(5:55)،و فريد وجديّ(109)،و الطّباطبائيّ (4:374).

السّيوطيّ: الشّرك.(2:10)

ص: 795

القاسميّ: (الجبت)يطلق لغة على الصّنم و الكاهن و السّاحر و السّحر،و الّذي لا خير فيه،و كلّ ما عبد من دون اللّه تعالى.(5:1324)

رشيد رضا :[نقل الأقوال و أضاف:]

فالمعنى الجامع للفظ(الجبت)هو الدّجل و الأوهام و الخرافات.(5:157)

المراغيّ: الجبت:أصله:الجبس،و هو الرّديء الّذي لا خير فيه،و يراد به هنا الأوهام و الخرافات و الدّجل.(5:62)

عبد الكريم الخطيب :الجبت هو الهوى الّذي يفيض من عقل مظلم و وجدان سقيم.(3:814)

مكارم الشّيرازيّ: [نقل قول بعض اللّغويّين و المفسّرين و أضاف:]

أمّا المراد منهما في الآية المبحوثة الآن،فذهب المفسّرون فيه مذاهب شتّى؛فقال البعض:بأنّهما اسمان لصنمين سجد لهما اليهود.

و قال آخرون:(الجبت)هنا هو الصّنم، (و الطّاغوت)هم عبدة الأصنام أو حماتها،الّذين كانوا يمثّلون تراجمة الأصنام،الّذين كانوا يتكلّمون بالتّكذيب عنها ليخدعوا النّاس.و هذا المعنى أوفق لما جاء في سبب النّزول و تفسير الآية،لأنّ اليهود سجدوا للأصنام،كما خضعوا أمام عبدتها الوثنيّين أيضا.(3:239)

الأصول اللّغويّة

1-لم يقطع أحد من اللّغويّين بأصل«الجبت»إلاّ «قطرب»،فقال:أصله الجبس،و هو الّذي لا خير فيه، فأبدلت«التّاء»من«السّين»،و زاد الرّاغب في معناه، فقال:«الغسل الّذي لا خير فيه.و قيل:«التّاء»بدل من «السّين»،تنبيها على مبالغته في الغسولة».

و قال الجوهريّ: «و هذا ليس من محض العربيّة، لاجتماع«الجيم»و«التّاء»في كلمة واحدة من غير حرف ذولقيّ».و لا شكّ أنّه يريد بقوله:«حرف ذولقيّ» حروف طرف اللّسان،و هي:الرّاء و اللاّم و النّون، و ليست حروف طرف الشّفة،و هي:الفاء و الباء و الميم، و إن كانت من الحروف الذّلق،و إلاّ فإنّ لفظ«الجبت» يحتوي على«الباء»أيضا.

2-و لقد حذا اللّغويّون حذو المفسّرين في بيان معنى «الجبت»،فقالوا:كلّ ما عبد من دون اللّه،أو هو السّحر و السّاحر،أو الطّيرة و العيافة و الطّرق.و زاد المفسّرون معاني أخرى أيضا،فقالوا:الشّيطان،أو كعب بن الأشرف،أو حييّ بن أخطب و غير ذلك.

و ذهب بعضهم مذهبا بعيدا؛إذ نقل السّيوطيّ في الإتقان(2:132)عن ابن عبّاس أنّه قال:«الجبت:

اسم الشّيطان بالحبشة»،و عن سعيد بن جبير،قال:

«الجبت:السّاحر بلسان الحبشة».فهما عيّنا منشأه أيضا، و هذا ما أغرى«دوراك»و«نولدكه»من المستشرقين بأن يقولا بقولهما،بل استدرج نظيرهما«آرثر جفري» إلى لفظ«الطّاغوت»-قرين«الجبت»-فعدّه حبشيّا أيضا!

3-و نحن نقول:بأنّ من قال بأعجميّة هذا اللّفظ قوله فند،لأنّه لا يركن إلى ركن شديد،فهو إمّا ارتجال، و إمّا احتمال.و قول الجوهريّ حسن،إلاّ أنّه ليس قياسا،

ص: 796

لأنّ«الجيم»و«التّاء»و ما يثلّثهما-حتّى من الحروف الذّولقيّة-نادر في العربيّة،و لم يأت منها إلاّ ثلاث موادّ،و هي:«ت ج ر»و«ر ت ج»و«ن ت ج».

كما أنّه ليس لتقاليب المادّتين:«ت ج ر»و«ر ت ج»إلاّ هذان الاشتقاقان،و ليس لمادّة«ن ت ج»تقاليب بتاتا.

و لم يرد في اللّغة مع«الجيم»و«التّاء»من الحروف الشّفويّة إلاّ«الباء»في«ج ب ت»و ليس لهذه المادّة تقاليب أيضا.

فأنت ترى أنّ ما تذرّع به الجوهريّ لا يقوى على جعل«الجبت»أعجميّا،بل أنّ ما ذكره يطّرد في الكلمات الرّباعيّة أو الخماسيّة،كما صرّح به ابن جنّيّ،لاحظ مادّة «ذ ل ق»من لسان العرب.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مرّة واحدة:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً النّساء:51

و يلاحظ أوّلا:أنّ(الجبت)معرّفا باللاّم جاء مرّة واحدة مع(الطّاغوت)تنديدا بالإيمان بهما،و الطّاغوت جاء(8)مرّات ترغيبا في الكفر به و الإيمان باللّه،أو تنديدا بالإيمان به،مثل: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى البقرة:

256،أو تنديدا بالقتال في سبيله مرّة: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ النّساء:76،أو على التّحاكم إليه مرّة أيضا: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ النّساء:60.

و من هنا نستظهر أنّ الجبت و الطّاغوت ليسا شخصين،أو صنفين من النّاس كالسّاحر و الكاهن،أو صنمين،بل يعمّان كلّ فاسد لا خير فيه،كما جاء في النّصوص اللّغويّة،و في كلّ موضع يحمل على ما يناسبه ممّا ذكر،إلاّ أنّ الطّاغوت في القرآن جاء في مصاديق كثيرة،منها الجبت في خصوص الأصنام؛فاللاّم فيهما للجنس دون العهد،كما قيل.

ثانيا:أنّ(الطّاغوت)جاء(6)مرّات في المدنيّات، و مرّتين في مكّيّتين،لاحظ«الطّاغوت».أمّا الجبت فمرّة واحدة في سورة مدنيّة،فالمدنيّ غلّب فيهما على المكّيّ مع اختصاص(الجبت)بالمدينة.و يخطر بالبال أنّ شيوعهما في المدينة نشأ من ناحية اليهود،أو ركّز القرآن بها فيهما،لاختلاط المؤمنين باليهود بها إلاّ أنّ (الطّاغوت)كان أكثر شيوعا و أقبح سمعة من(الجبت) فكرّر دون(الجبت)و إن اشتركا في المعنى.

ص: 797

ص: 798

ج ب ر

اشارة

4 ألفاظ 10 مرّات:8 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 9 سور:7 مكّيّة،2 مدنيّتان

جبّار 4:4 جبّارا 3:3

الجبّار 1:-1 جبّارين 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجبر:الاسم،و هو أن تجبر إنسانا على ما لا يريد،و تكرهه جبريّة على كذا.

و أجبر القاضي على تسليم ما قضى عليه.

و الجبر:أن تجبر كسرا،و تقول:جبرته فجبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبرت فلانا فاجتبر،أي نزلت به فاقة فأحسنت إليه.

و استجبرته،إذا كان ذلك منك بتعاهد حتّى تبلغ غاية الجبر،كقولك:لأستنصرنّك ثمّ لأجبرنّك،أي لأديننّك ثمّ لأجبرنّك.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أصابت فلانا مصيبة لا يجتبرها،أي لا مجبر لها.

و الجبارة:الخشبة توضع على الكسر حتّى ينجبر العظم،و الجميع:الجبائر.

و الجبارة:دستيقة المرأة من الحليّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبار:اسم يوم الثّلاثاء في الجاهليّة الجهلاء.

و الجبار من الأرش:ما لا يهدر،و الأرش:الدّية، و في الحديث:«العجماء جبار»أي ما أصاب الدّابّة فهو هدر.

و اللّه تبارك و تعالى:الجبّار العزيز،أي قهر خلقه، فلا يملكون منه أمرا،و له التّجبّر،و هو التّعظّم.

و للّه الجبريّة و الجبروت.و الجبروّة:لغة في الجبروت.

و في الحديث:«ما كانت نبوّة إلاّ تناسخها ملك جبريّة»أي إلاّ تجبّرت الملوك.

ص: 799

الجبّار:العاتي على ربّه،القتّال لرعيّته.

و الجبّار من النّاس:العظيم في نفسه،الّذي لا يقبل موعظة أحد.

و قد كانوا يعابثون امرأة سائلة فكانت تأبى إلاّ أن تستعصي عليهم،و تجيبهم بغير ما يريدون،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«دعوها فإنّها جبّارة،و قلب الجبّار الّذي قد دخله الكبر لا يقبل موعظة».

و الجبّار من النّخل:الّذي قد بلغ غاية الطّول في الفناء،و حمل عليه كلّه،و هو دون السّحوق من طول النّخلة.[ثمّ استشهد بشعر](6:115)

الضّبّيّ: الجبار:يوم الثّلاثاء،و الجبارة بفتح الجيم:

فناء الجبّان.و الجبار:الملوك،واحدهم:جبر.

(الأزهريّ 11:61)

الأحمر:فيه جبريّة و جبروّة،و جبروت و جبّورة و جبّورة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:58)

الشّافعيّ: جبره السّلطان،بغير ألف،و هو حجازيّ فصيح.(الأزهريّ 11:60)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال العدويّ:نقول للغلام:

هو الجبر،و للعود:جبر.(1:120)

الجبر:أن تغني الرّجل من فقر،أو تصلح عظمه من كسر.(الجوهريّ 2:607)

يقال للملك:جبر،و الجبر:الشّجاع و إن لم يكن ملكا،و الجبر:تثبيت وقوع القضاء و القدر،و الجبر:

الرّجل.

و الإجبار في الحكم،يقال:أجبر القاضي الرّجل على الحكم،إذا أكرهه عليه.(الأزهريّ 11:59)

و نار إجبير،غير مصروف:نار الحباحب.

(ابن سيده 7:407)

الفرّاء: و العرب لا تقول:«فعّال»من أفعلت، لا يقولون:هذا خرّاج و لا دخّال،يريدون مدخل و مخرج من أدخلت و أخرجت.إنّما يقولون:دخّال من«دخلت» و فعّال من«فعلت».و قد قالت العرب:درّاك من «أدركت»و هو شاذّ،فإن حملت الجبّار على هذا المعنى فهو وجه.

و قد سمعت بعض العرب يقول:جبره على الأمر، يريد:أجبره،فالجبّار من هذه اللّغة صحيح،يراد به:

يقهرهم و يجبرهم.(3:81)

لم أسمع«فعّالا»من«أفعل»إلاّ في حرفين،و هما:

جبّار من أجبرت،و درّاك من أدركت.

(الأزهريّ 11:58)

يقال:جبره،و أجبره،إذا قهره.

(الهرويّ 1:312)

الأخفش: الجبّار:النّخل الصّغار،و الّذي نحفظه أنّ الجبّار:ما تجاوز في الطّول،و منه قيل للرّجل:جبّار و متجبّر،أي متطاول.(أبو زيد:65)

اللّحيانيّ: يقال:أجبرت فلانا على كذا،أجبره إجبارا،فهو مجبر،و هو كلام عامّة العرب،أي أكرهته عليه.

و جبرت اليتيم و الفقير أجبره جبرا و جبورا،فجبر يجبر جبورا،و انجبر انجبارا،و اجتبر اجتبارا،بمعنى واحد.(الأزهريّ 11:60)

ص: 800

و قدر أجبار:ضدّ قولهم:قدر أكسار،كأنّهم جعلوا كلّ جزء منه جابرا في نفسه،أو أرادوا:جمع قدر جبر، و إن لم يصرّحوا بذلك،كما قالوا:قدر كسر.

(ابن سيده 7:405)

و جبر اللّه الدّين جبرا فجبر جبورا.[ثمّ استشهد بشعر]

جبره:لغة تميم وحدها،و عامّة العرب تقول:

أجبره.

و الجبّار:العظيم القويّ الطّويل.(ابن سيده 7:406)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«العجماء جبار و البئر جبار و المعدن جبار،و في الرّكاز (1)الخمس».

و أمّا الجبار فهو الهدر.[ثمّ أدام البحث في جعل جرح العجماء هدرا فلاحظ](1:170)

الجبائر:الأسورة،واحدتها:جبارة و جبيرة.

(الأزهريّ 11:61)

ابن السّكّيت: [في باب الكسر]...فإن برأ الكسر قيل:قد جبر و جبرته.(128)

و رجل فيه جبريّة و جبروّة و جبروت و جبّورة.

[ثمّ استشهد بشعر](155)

و الجبيرة،و جمعها:جبائر،و هي العيدان تجبر بها العظام.(إصلاح المنطق:353)

الجبر:الملك و العبد.(الأضداد:226)

أبو الهيثم:جبرت فاقة الرّجل أجبرها،إذا أغنيته.

و الجبريّة:الّذين يقولون:أجبر اللّه العباد على الذّنوب،أي أكرههم،و معاذ اللّه أن يكرههم على معصية،و لكنّه قد علم ما العباد عاملون و ما هم إليه صائرون.(الأزهريّ 11:59)

الدّينوريّ: الجبّار:الّذي قد ارتقى و لم يسقط كربه،و هو أفتى النّخل و أكرمه.(ابن سيده 7:407)

ابن أبي اليمان :الجبّار:النّخل الّذي قد طال و فات اليد.(381)

الحربيّ: [في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]«العجماء جرحها جبار».

الجبار:كلّ جرح لا عقل له و لا قود (2).[ثمّ استشهد بشعر](1:243)

قوله:«الرّجل جبار»يعني ما أصابت الدّابّة برجلها و صاحبها راكب عليها أو يقودها،فلا عقل فيه و لا قود.

فإن كان يسوقها فما أصابت برجلها فعلى السّائق دون القائد و الرّاكب.(2:422)

ثعلب :و قد أجبرت الرّجل على الشّيء يفعله» بالألف فهو مجبر،إذا أكرهته عليه.(فصيح ثعلب:23)

كراع النّمل:و الجبر:العبد.(ابن سيده 7:407)

الزّجّاج: جبرت الرّجل على الأمر و أجبرته:

أكرهته عليه.(فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :جبر العظم جبورا و جبره اللّه جبرا، و هذا من أحد ما جاء على:فعلته ففعل.

و المصدر:الجبور.

و الجبارة:الدّملوج (3)،و كذلك الجبيرة،و به سمّيتم.

ص: 801


1- قيل:الرّكاز:المعادن كلّها،و قيل:المال المدفون قبل الإسلام.
2- العقل:الدّية،القود:القصاص.
3- حليّ يلبس في المعصم.

المرأة:جبيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبارة أيضا:واحدة الجبائر،و هو الخشب الّذي يشدّ على العضو المكسور.و قد سمّت العرب:جبيرة، و اشتقاقها من الدّملوج.

و الجبار:الّذي لا أرش له،و في الحديث:«العجماء جبار».

و جبار:اسم يوم الثّلاثاء عند العرب.

و أجبرت الرّجل على كذا و كذا فهو مجبر،إذا أكرهته عليه.

و الجبر:الملك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّت العرب:جبرا و جبيرا و جابرا.

و الجبّار من النّخل:الّذي قد فات اليد.[ثمّ استشهد بشعر](1:207،208)

ابن الأنباريّ: الجبّار في صفة اللّه:الّذي لا ينال، و منه قيل للنّخلة إذا فاتت يد المتناول:جبّارة،مأخوذ من جبّار النّخل.(الأزهريّ 11:58)

السّيرافيّ: نخلة جبّار،بغير هاء.

(ابن سيده 7:407)

الأزهريّ: يقال:رجل جبّار،إذا كان طويلا عظيما قويّا،تشبيها بالجبّار من النّخيل.[ثمّ حكى قول الفرّاء المتقدّم و قال:]

جعل[الفرّاء]جبّارا في صفة العباد من الإجبار، و هو القهر و الإكراه لا من جبر.[ثمّ ذكر حديث المرأة الّذي مرّ عند الخليل،و بعد نقل قول أبي الهيثم قال:]

و هذا معنى الإيمان بالقضاء و القدر،إنّما هو علم اللّه السّابق في خلقه،و قد كتبه عليهم،فهم صائرون إلى ما علمه،و كلّ ميسّر لما خلق له.(11:58،59)

و تميم تقول:جبرته على الأمر أجبره جبرا و جبورا، بغير ألف.قلت:و هي لغة معروفة،و كثير من الحجازيّين يقولونها.و كان الشّافعيّ يقول:جبره السّلطان،بغير ألف،و هو حجازيّ فصيح.

و قيل للجبريّة:جبريّة،لأنّهم نسبوا إلى القول بالجبر،فهما لغتان جيّدتان:جبرته و أجبرته،غير أنّ النّحويّين استحبّوا أن يجعلوا«جبرت»لجبر العظم بعد كسره،و جبر الفقير بعد فاقته.و أن يكون«الإجبار» مقصورا على الإكراه،و لذلك جعل الفرّاء«الجبّار»من أجبرت،لا من جبرت،و جائز أن يكون«الجبّار»في صفة اللّه،من جبره الفقير بالغنى،و هو تبارك و تعالى جابر كلّ كسير و فقير،و هو جابر دينه الّذي ارتضاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جبّرت الكسير أجبّره تجبيرا،و جبرته جبرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تجبّر فلان،إذا عاد إليه من ماله بعض ما كان ذهب.و تجبّر النّبت و الشّجر،إذا نبت في يابسه الرّطب.

و يقال:قد تجبّر فلان مالا،أي أصاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«العجماء جرحها جبار».الجبار:

الهدر،و معناه أن تنفلت البهيمة العجماء فتصيب في انفلاتها إنسانا أو شيئا فجرحها هدر،و كذلك البئر العادية يسقط فيها الإنسان فيهلك فدمه هدر،و المعدن إذا انهار على حافره فقتله،فدمه هدر.

و في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ذكر الكافر في النّار،

ص: 802

فقال:«ضرسه مثل أحد،و كثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبّار».قيل:الجبّار هاهنا الملك،و الجبابرة:

الملوك.و هذا كما يقال:هو كذا و كذا ذراعا بذراع الملك، و أحسبه ملكا من ملوك العجم،نسب إليه هذا الذّراع، و اللّه أعلم.(11:90،91)

الفارسيّ: جبره:أغناه بعد فقر،و هذه أليق العبارتين.(ابن سيده 7:405)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و تجبّر الرّجل:عاد من ماله بعض ما ذهب منه.

و الجبور:الانجبار.

و الجبر:خلاف العدل،و قوم جبريّة:خلاف العدليّة.

و الجبارة[ثمّ ذكر مثل الخليل]

و الجبّار من الملوك:العاتي و العظيم في نفسه،الّذي لا يقبل موعظة أحد.

و القلب الجبّار:المتكبّر.

و في الحديث:«ما كانت نبوّة قطّ إلاّ تناسخها ملك (1)جبريّة»أي إلاّ تجبّرت الملوك بعدها؛ و الجبّورة و الجبروّة.و فيه جبرياء،أي تجبّر.

و الجبر:الملك.

و الجوزاء:جبّار.

و الجبّار من النّخل:الفتيّ قد بلغ غاية الطّول، و كذلك الجبّار،بضمّ الجيم.

و ذراع الجبّار:منسوب إلى ملك من ملوك الأعاجم، و كان تامّ الذّراع.(7:97)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«أوّل دينكم نبوّة و رحمة،ثمّ خلافة و رحمة،ثمّ ملك أعفر،ثمّ ملك و جبروّة يستحلّ فيها الفرج و الحرير».

و الجبروّة:مصدر،يقال:جبّار بيّن الجبريّة.

و الجبريّة و الجبروت و الجبروّة،و هو الجبروتا أيضا، كقولهم:رحموتا و رهبوتا.و العرب تقول:«رهبوتا خير من رحموتا»معناه لأن ترهب خير من أن ترحم.

(1:249)

قيل:يا رسول اللّه،أ ليس الطّريق قد تجمع التّاجر، و ابن السّبيل،و المستبصر،و المجبور،قال:يهلكون مهلكا واحدا و يصدرون مصادر شتّى».

و المجبور:من جبروه كرها على الخروج معهم، يقال:جبره،و أجبره،لغتان،و أعلاهما بالألف.[ثمّ استشهد بشعر](1:391،392)

جاء في الحديث:«السّائمة جبار»يريد السّوائم المرسلة في مراعيها إذا أصابت إنسانا كانت جنايتها هدرا.(3:215)

الجوهريّ: يقال:جبرت العظم جبرا،و جبر العظم بنفسه جبورا،أي انجبر.و قد جمع العجّاج بين المتعدّي و اللاّزم.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجتبر العظم،مثل انجبر،يقال:جبر اللّه فلانا فاجتبر،أي سدّ مفاقره.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تسمّي الخبز جابرا،و يقولون:هو جابر بن حبّة،و كنيته أيضا:أبو جابر.

و أجبرته على الأمر:أكرهته عليه،و أجبرته أيضا:

نسبته إلى الجبر،كما تقول:أكفرته،إذا نسبته إلى الكفر.ل.

ص: 803


1- ملك عند الخليل.

و جبار أيضا:اسم يوم الثّلاثاء من أسمائهم القديمة.

و الجبّار من النّخل:ما طال و فات اليد.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:نخلة جبّارة،و ناقة جبّارة،أي عظيمة سمينة.

و الجبّار:الّذي يقتل على الغضب.

و المجبّر:الّذي يجبر العظام المكسورة.

و تجبّر الرّجل:تكبّر.و تجبّر النّبت،أي نبت بعد الأكل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبر:خلاف القدر.قال أبو عبيد:هو كلام مولّد.

و الجبريّة بالتّحريك:خلاف القدريّة.

و يقال أيضا:فيه جبريّة،و جبروّة و جبروت و جبّورة،مثل فرّوجة،أي كبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبّير،مثال الفسّيق:الشّديد التّجبّر.

و الجبارة و الجبيرة:اليارق (1).

و الجبارة و الجبيرة أيضا:العيدان الّتي تجبر بها العظام.(2:607)

ابن فارس: الجيم و الباء و الرّاء أصل واحد،و هو جنس من العظمة و العلوّ و الاستقامة.فالجبّار:الّذي طال و فات اليد،يقال:فرس جبّار،و نخلة جبّارة.

و ذو الجبّورة و ذو الجبروت:اللّه جلّ ثناؤه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال فيه:جبريّة و جبروّة،و جبروت و جبّورة.و جبرت العظم فجبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للخشب الّذي يضمّ به العظم الكسير:

جبارة،و الجمع:جبائر.و شبّه السّوار فقيل له:جبارة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّا شذّ عن الباب«الجبار»و هو الهدر.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ«البئر جبار»كما تقدّم]

و يقال:أجبرت فلانا على الأمر،و لا يكون ذلك إلاّ بالقهر و جنس من التّعظّم عليه.(1:501)

أبو هلال :الفرق بين الكبر و الجبريّة و الجبروت:

أنّ الجبريّة أبلغ من الكبر و كذلك الجبروت،و يدلّ على هذا فخامة لفظها؛و فخامة اللّفظ تدلّ على فخامة المعنى فيما يجري هذا المجرى،و لهذا قال أهل العربيّة:الملكوت أبلغ من الملك لفخامة لفظه،و كذلك الطّاغوت أبلغ من الطّاغي لفخامة لفظه.[إلى أن قال:]

و تجبّر أبلغ من تكبّر،و قال بعض العلماء:تجبّر الرّجل،إذا تعظّم بالقهر.و هذا يؤيّد ما قلناه:من أنّه أبلغ من تكبّر،لأنّ التّكبّر لا يتضمّن معنى القهر.

و الجبّار:القهّار،و الجبّار:العظيم في قوله تعالى:

إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ المائدة:22،و الجبّار:

المتسلّط في قوله تعالى: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ ق:

45،و قال:الجبّار:القتّال في قوله تعالى: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130،قالوا:قتّالين.

و الإجبار:الإكراه.

و جبر النّقص:إتمامه،و جبر المصيبة:رفعها بالنّعمة.

و الجبّارة:خشب الجبر.

و اجتبر و تجبّر:تعظّم بالقهر.

و الجبار:الّذي لا أرش فيه.

و قيل:الجبّار في صفات اللّه تعالى بمعنى أنّه لا يبالي بالأذى،و أصله في النّخلة الّتي فاتت اليد.ة.

ص: 804


1- ضرب من الأسورة.

و يقال:تجبّر الرّجل مالا،إذا أصاب مالا.و تجبّر النّبت،إذا نبت في يبسه الرّطب.و قال ابن عطاء:الجبّار في أسماء اللّه تعالى جلّ اسمه بمعنى أنّه يجبر الكسر.

و الجبريّة:مصدر منسوب إلى الجبروت،بحذف الواو و التّاء.و الجبروت أيضا يجري مجرى المصادر، و معناه المبالغة في التّجبّر.(204)

الهرويّ: النّخلة الجبّارة،و هي العظيمة الّتي فاتت يد المتناول.و قال بعضهم:يقال:نخلة جبّارة بالهاء، و ناقة جبّار،بلا هاء،و هي السّمينة العظيمة.

و في الحديث:«ثمّ ملك و جبروّة»يقال:جبّار بيّن الجبريّة،و الجبروّة،و الجبّورة.

و في الحديث:«أربعون ذراعا بذراع الجبّار»قيل:

الجبّار:الملك،هاهنا،كما يقال:بذراع الملك.و يقال:

إنّه ملك من ملوك العجم.

و في دعائه عليه السّلام:«و اجبرني و اغنني»هو من قولهم:

جبر اللّه مصيبتك،أي ردّ عليك ما ذهب منك و عوّضك.

(1:312)

ابن سيده: الجبر:خلاف الكسر.و جبّره فجبر يجبر جبرا،و جبورا،و انجبر،و اجتبر،و تجبّر.

و الجبائر:العيدان الّتي تشدّها على العظم لتجبره بها،واحدتها:جبارة و جبيرة.

و جبر الرّجل:أحسن إليه.و قد استجبر،و اجتبر.

و أصابته مصيبة لا يجتبرها،أي لا مجبر منها.

و تجبّر النّبت و الشّجر:اخضرّ و أورق،و ظهرت فيه المشرة و هو يابس.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجبّر الكلأ:أكل ثمّ صلح قليلا بعد الأكل،قال و يقال لمريض:يوما تراه متجبّرا و يوما تيأس منه.معنى قوله:متجبّرا،أي صالح الحال.

و تجبّر الرّجل مالا:عاد إليه ما ذهب منه.و حكى اللّحيانيّ:تجبّر الرّجل،في هذا المعنى فلم يعده.

و جابر بن حبّة:اسم للخبز،معرفة،و كلّ ذلك من «الجبر»الّذي هو ضدّ الكسر.

و جابرة:اسم مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كأنّها جبرت الإيمان.

و جبر الرّجل على الأمر يجبره جبرا،و جبورا، و أجبره،أكرهه،و الأخيرة أعلى.

و الجبر:خلاف القدريّة (1)،و هو كلام مولّد.

و الجبريّة:و الجبريّة،و الجبروّة،و الجبروت، و الجبورة،و الجبّورة بكسر الجيم،كلّه:الكبر.

و رجل جبّار:متكبّر،و المتغطرف:المتكبّر.

و الجبّار:المتكبّر الّذي لا يرى لأحد عليه حقّا؛ يقال:جبّار بيّن الجبريّة و الجبريّة،بكسر الجيم و الباء،و الجبريّة و الجبروّة،و الجبروت و الجبروت، و الجبورة،و الجبّورة،و الجبرياء،و التّجبار.

و الجبّار:اللّه عزّ و جلّ لتكبّره،أي يجبر عباده على حكمه.

و الجبّار من الملوك:العاتي.و قيل:كلّ عات جبّار، جبّير.

و قلب جبّار:لا تدخله الرّحمة.و رجل جبّار:مسلّط قاهر.

و الجبّار:المتكبّر عن عبادة اللّه.و الجبّار:القتّال في غير حقّ.ر.

ص: 805


1- كذا و الظّاهر:القدر.

و نخلة جبّارة:فتيّة قد بلغت غاية الطّول و حملت، و قيل:هي الّتي فاتت اليد.و الجمع:جبّار.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبر:الملك،و لا أعرف ممّ اشتقّ،إلاّ أنّ ابن جنيّ قال:سمّي بذلك لأنّه يجبر بجوده،و ليس بقويّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبر:الرّجل.

و حرب جبار:لا قود فيها و لا دية.

و الجبار من الدّم:الهدر،و في الحديث:«المعدن جبار،و العجماء جبار».[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبيرة،و الجبار:السّوار من الذّهب و الفضّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبار:اسم ليوم الثّلاثاء في الجاهليّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبر،و جابر،و جبير،و جبيرة و جبيرة:أسماء.

و حكى ابن الأعرابيّ: جنبار من الجبر.هذا نصّ لفظه،و لا أدري من أيّ جبر عنى،أمن الجبر الّذي هو ضدّ الكسر و ما في طريقه؟أم من الجبر الّذي هو خلاف القدر؟و كذلك لا أدري ما«جنبار»أوصف أم علم أم نوع أم شخص؟و لو لا أنّه قال:جنبار،من الجبر؟ لألحقته بالرّباعيّ،و لقلت:إنّها لغة في الجنبّار الّذي هو فرخ الحبارى،أو مخفّف عنه،و لكن قوله:من الجبر، تصريح بأنّه عنده ثلاثيّ.(7:404)

الرّاغب: أصل الجبر:إصلاح الشّيء بضرب من القهر،يقال:جبرته فانجبر و اجتبر،و قد قيل:جبرته فجبر.

*قد جبر الدّين الإله فجبر*

هذا قول أكثر أهل اللّغة.و قال بعضهم:ليس قوله:

«فجبر»مذكورا على سبيل الانفعال بل ذلك على سبيل الفعل،و كرّره و نبّه بالأوّل على الابتداء بإصلاحه، و بالثّاني على تتميمه،فكأنّه قال:قصد جبر الدّين و ابتدأه فتمّم جبره،و ذلك أنّ«فعل»تارة يقال لمن ابتدأ بفعل و تارة لمن فرغ منه.

و«تجبّر»يقال:إمّا لتصوّر معنى الاجتهاد و المبالغة أو لمعنى التّكلّف.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يقال:الجبر تارة في الإصلاح المجرّد،نحو قول عليّ رضي اللّه عنه:يا جابر كلّ كسير،و يا مسهّل كلّ عسير.و منه قولهم:للخبز:جابر بن حبّة.و تارة في القهر المجرّد،نحو قوله عليه السّلام:«لا جبر و لا تفويض».

و الجبر في الحساب:إلحاق شيء به إصلاحا لما يريد إصلاحه.

و سمّي السّلطان جبرا.لقهره النّاس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم.

و الإجبار في الأصل:حمل الغير على أن يجبر الآخر.

لكن تعورف في الإكراه المجرّد،فقيل:أجبرته على كذا، كقولك:أكرهته.

و سمّي الّذين يدّعون أنّ اللّه تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلّمين:مجبرة،و في قول المتقدّمين:جبريّة و جبريّة.

و الجبّار في صفة الإنسان،يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التّعالي لا يستحقّها.و هذا لا يقال إلاّ على طريق الذّمّ.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

ص: 806

و يقال للقاهر غيره:جبّار،نحو وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ ق:45،و لتصوّر القهر بالعلوّ على الأقران قيل:نخلة جبّارة و ناقة جبّارة.

و ما روي في الخبر:ضرس الكافر في النّار مثل أحد، و كثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبّار.فقد قال ابن قتيبة:هو الذّراع المنسوب إلى الملك الّذي يقال له:

ذراع الشّاة.

فأمّا في وصفه تعالى نحو: اَلْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ الحشر:23،فقد قيل:سمّي بذلك من قولهم:جبرت الفقير،لأنّه هو الّذي يجبر النّاس بفائض نعمه.و قيل:لأنّه يجبر النّاس،أي يقهرهم على ما يريده.

و دفع بعض أهل اللّغة ذلك من حيث اللّفظ،فقال:

لا يقال من أفعلت فعّال،فجبّار لا يبنى من أجبرت.

فأجيب عنه بأنّ ذلك من لفظ«جبر»المرويّ في قوله:«لا جبر و لا تفويض»،لا من لفظ:الإجبار.

و أنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى، فقالوا:يتعالى اللّه عن ذلك.و ليس ذلك بمنكر،فإنّ اللّه تعالى قد أجبر النّاس على أشياء لا انفكاك لهم منها، حسبما تقتضيه الحكمة الإلهيّة،لا على ما تتوهّمه الغواة الجهلة؛و ذلك كإكراههم على المرض و الموت و البعث، و سخّر كلاّ منهم لصناعة يتعاطاها و طريقة من الأخلاق و الأعمال يتحرّاها.و جعله مجبرا في صورة مخيّر فإمّا راض بصنعته لا يريد عنها حولا،و إمّا كاره لها يكابدها مع كراهيته لها،كأنّه لا يجد عنها بدلا،و لذلك قال تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ المؤمنون:53،و قال عزّ و جلّ: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الزّخرف:32، و على هذا الحدّ وصف بالقاهر،و هو لا يقهر إلاّ على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه.

و قد روي عن أمير المؤمنين رضي اللّه عنه:يا بارئ المسموكات و جبّار القلوب على فطرتها شقيّها و سعيدها.

فإنّه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة،فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدّم.

و جبروت«فعلوت»من التّجبّر،و استجبرت حاله:تعاهدت أن أجبرها،و أصابته مصيبة لا يجتبرها، أي لا يتحرّى لجبرها من عظمها.

و اشتقّ من لفظ جبر العظم:الجبيرة:الخرقة الّتي تشدّ على المجبور.و الجبارة:للخشبة الّتي تشدّ عليه، و جمعها:جبائر.و سمّي الدّملوج:جبارة تشبيها بها في الهيئة.و الجبار:لما يسقط من الأرض.(85)

الزّمخشريّ: جبر المجبّر يده فجبرت.[ثمّ استشهد بشعر]

و مسح على الجبائر،و لبس الجبائر،و هي الأسورة، و قيل:الدّماليج،و الواحدة فيهما:جبارة و جبيرة.

و ذهب دمه جبارا،و«جرح العجماء جبار»،و هو جبّار من الجبابرة،و قد تجبّر،و ويل لجبّار الأرض من جبّار السّماء.و فيه جبريّة،و قوم جبريّة،و فيهم جبريّة.

و هو كذا ذراعا بذراع الجبّار،أي بذراع الملك.

و في الحديث:«دعوها فإنّها جبّارة»و ما كانت نبوّة إلاّ تناسخها ملك جبريّة،أي إلاّ تجبّر الملوك بعدها.

ص: 807

و من المجاز:نخلة جبّارة:طويلة تفوت اليد،و هي دون السّحوق.و ناقة جبّار:عظيمة،بغير تاء.و قد فسّر قوله تعالى: قَوْماً جَبّارِينَ المائدة:22،بعظام الأجرام.و قلب جبّار:لا يقبل موعظة.و طلع الجبّار،أي الجوزاء،لأنّها في صورة ملك متوّج على كرسيّ.و قلبي إلى جابر بن حبّة،و هو الخبز.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبر اللّه يتمه،و جبرت الفقير:أغنيته،شبّه فقره بانكسار عظمه.و في الدّعاء:اللّهمّ اجبرنا.و جبرت فلانا فاجتبر،أي نعشته فانتعش.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجبرته،إذا بالغت في تعهّده.و فلان جابر لي مستجبر،أي عثر فتكسّر حتّى احتاج إلى المجبّر،و هو من المجاز الحسن.(أساس البلاغة:50)

[في حديث خسف جيش البيداء]أ ليس الطّريق يجمع التّاجر و ابن السّبيل و المستبصر و المجبور؟

المجبور:المجبر على الخروج،يقال:جبره على الأمر و أجبره،و معناه أنّ قوما يقصدون بيت اللّه ليلحدوا في الحرم فيخسف بهم اللّه.فقيل له:إنّ تلك الرّفقة قد تجمع من ليس قصده قصدهم.فقال:«يهلكون جميعا،ثمّ يذهبون مذاهب شتّى في الجزاء».(الفائق 1:114)

عن سلامة الكنديّ: كان عليّ عليه السّلام،يعلّمنا الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«اللّهمّ داحي المدحوّات،و بارئ المسموكات،و جبّار القلوب على فطراتها...»

الجبّار:من الجبر الّذي هو ضدّ الكسر،أي أثبتها و أقامها على ما فطرها عليه من معرفته.و يجوز أن يكون من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه،أي ألزمها و حتّم عليها الفطرة على وحدانيّته،و الاعتراف بربوبيّته.

(الفائق 1:415)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الجبّار»و معناه الّذي يقهر العباد على ما أراد من أمر و نهي.يقال:جبر الخلق و أجبرهم،و أجبر:أكثر.

و قيل:هو العالي فوق خلقه،و«فعّال»من أبنية المبالغة،و منه قولهم:نخلة جبّارة،و هي العظيمة الّتي تفوت يد المتناول.

و منه حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه:«يا أمة الجبّار»إنّما أضافها إلى الجبّار دون باقي أسماء اللّه تعالى، لاختصاص الحال الّتي كانت عليها من إظهار العطر، و البخور،و التّباهي به،و التّبختر في المشي.

و منه الحديث في ذكر النّار:«حتّى يضع الجبّار فيها قدمه»المشهور في تأويله:أنّ المراد بالجبّار:اللّه تعالى، و يشهد له قوله في الحديث الآخر:«حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه»و المراد بالقدم:أهل النّار الّذين قدّمهم اللّه تعالى لها من شرار خلقه،كما أنّ المؤمنين قدمه الّذين قدّمهم للجنّة.

و قيل أراد بالجبّار هاهنا:المتمرّد العاتي،و يشهد له قوله في الحديث الآخر:«إنّ النّار قالت:وكّلت بثلاثة:

بمن جعل مع اللّه إلها آخر،و بكلّ جبّار عنيد، و بالمصوّرين».

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«و جبّار القلوب على فطراتها»هو من جبر العظم المكسور،كأنّه أقام القلوب و أثبتها على ما فطرها عليه من معرفته و الإقرار به،شقيّها و سعيدها.

قال القتيبيّ: لم أجعله من«أجبر»لأنّ أفعل لا يقال

ص: 808

فيه فعّال.قلت:يكون من اللّغة الأخرى،يقال:جبرت و أجبرت،بمعنى قهرت.(1:235)

الصّغانيّ: الجبر بالفتح:الملك،و الجمع:جبار.

و الجبر أيضا:الشّجاع،و إن لم يكن ملكا.

و الجبر:الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنو تميم يقولون:جبرت الرّجل على الأمر أجبره، بالضّمّ جبرا،و هي لغة معروفة.

و كان الشّافعيّ،رحمه اللّه،يقول:جبر السّلطان، و هو حجازيّ فصيح.

و الجبّورة،بالضّمّ و التّشديد:الجبروت.

و المتجبّر:الأسد.

و جوبرة،مثل كوثرة:قرية.

و جويبارة:من محالّ أصفهان.

الجوزاء:جبّار.(2:44)

الفيّوميّ: جبرت العظم جبرا من باب«قتل»:

أصلحته،فجبر هو جبرا أيضا و جبورا:صلح،يستعمل لازما و متعدّيا.

و جبرت اليتيم:أعطيته،و جبرت اليد:وضعت عليها الجبيرة.و الجبيرة:عظام توضع على الموضع العليل من الجسد ينجبر بها،و الجبارة بالكسر مثله، و الجمع:الجبائر.

و جبرت نصاب الزّكاة بكذا:عادلته به،و اسم ذلك الشّيء:الجبران،و اسم الفاعل:جابر،و به سمّي.

و الجبر وزان فلس:خلاف القدر،و هو القول:بأنّ اللّه يجبر عباده على فعل المعاصي.و هو فاسد،و تعرف أدلّته من علم الكلام،بل هو قضاء اللّه على عباده بما أراد وقوعه منهم،لأنّه تعالى يفعل في ملكه ما يريد،و يحكم فى خلقه ما يشاء.

و ينسب إليه على لفظه،فيقال:جبريّ،و قوم جبريّة،بسكون الباء.و إذا قيل:جبريّة و قدريّة، جاز التّحريك للازدواج.

و فيه جبروت بفتح الباء،أي كبر.

و جرح العجماء جبار بالضّمّ،أي هدر.قال الأزهريّ:معناه أنّ البهيمة العجماء تنفلت فتتلف شيئا فهو هدر،و كذلك المعدن إذا انهار على أحد فدمه جبار، أي هدر.

و أجبرته على كذا بالألف:حملته عليه قهرا و غلبة، فهو مجبر.

هذه لغة عامّة العرب،و في لغة لبني تميم و كثير من أهل الحجاز يتكلّم بها:جبرته جبرا،من باب«قتل» و جبورا،حكاه الأزهريّ،و لفظه:و هي لغة معروفة.

و لفظ ابن القطّاع:و جبرتك،لغة بني تميم،و حكاها جماعة أيضا،ثمّ قال الأزهريّ:فجبرته و أجبرته لغتان جيّدتان.

و قال ابن دريد،في باب ما اتّفق عليه أبو زيد و أبو عبيدة،ممّا تكلّمت به العرب من«فعلت و أفعلت»:

جبرت الرّجل على الشّيء و أجبرته.و قال الخطّابيّ:

الجبّار:الّذي جبر خلقه على ما أراد من أمره و نهيه، يقال:جبره السّلطان و أجبره،بمعنى.

و رأيت في بعض التّفاسير عند قوله تعالى:

وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ أنّ الثّلاثيّ لغة حكاها الفرّاء و غيره،و استشهد لصحّتها بما معناه أنّه لا يبنى«فعّال»

ص: 809

إلاّ من فعل ثلاثيّ،نحو الفتّاح و العلاّم،و لم يجئ من «أفعل»بالألف إلاّ درّاك.فإن حمل«جبّار»على هذا المعنى فهو وجه.قال الفرّاء:و قد سمعت العرب تقول:

جبرته على الأمر و أجبرته.و إذا ثبت ذلك فلا يعوّل على قول من ضعّفها.(1:89)

الفيروزآباديّ: الجبر:خلاف الكسر،و الملك و العبد ضدّ،و الرّجل و الشّجاع،و خلاف القدر، و الغلام،و العود،و مجاهد بن جبر محدّث.

و جبر العظم و الفقير جبرا و جبورا و جبارة،و جبّره فجبر جبرا و جبورا،و انجبر و تجبّر.

و اجتبره فتجبّر:أحسن إليه،أو أغناه بعد فقر فاستجبر و اجتبر،و على الأمر:أكرهه كأجبره.

و تجبّر:تكبّر،و الشّجر:اخضرّ و أورق،و الكلأ:

أكل ثمّ صلح قليلا،و المريض:صلح حاله،و فلان مالا:

أصابه،و الرّجل:عاد إليه ما ذهب عنه.و الجبريّة بالتّحريك:خلاف القدريّة،و التّسكين لحن أو هو الصّواب،و التّحريك للازدواج.

و الجبّار:اللّه تعالى لتكبّره،و كلّ عات كالجبّير كسكّيت،و اسم الجوزاء،و قلب لا تدخله الرّحمة، و القتّال في غير حقّ،و العظيم القويّ الطّويل جبّار، و ابن الحكم و ابن سلمى و ابن صخر و ابن الحرث صحابيّون،و الاخير سمّاه صلّى اللّه عليه و سلّم عبد الجبّار،و جبّار الطّائيّ محدّث،و النّخلة الطّويلة الفتيّة و تضمّ،و المتكبّر الّذي لا يرى لأحد عليه حقّا.

فهو بيّن الجبريّة و الجبرياء مكسورتين.و الجبريّة بكسرات،و الجبريّة و الجبروة و الجبروتى و الجبروت محرّكات،و الجبريّة و الجبروّة و التّجبار و الجبّورة مفتوحات،و الجبورة و الجبروت مضمومتين.

الجبار كسحاب:فناء الجبّان،و بالضّمّ:الهدر و الباطل،و من الحروب:ما لا قود فيها،و السّيل،و كلّ ما أفسد و أهلك،و البريء من الشّيء،يقال:أنا منه خلاوة و جبار.

و جبار كغراب:يوم الثّلاثاء و يكسر.

و جابر بن حبّة:اسم الخبز،و كنيته أبو جابر أيضا.

و الجبارة بالكسر و الجبيرة:اليارق،و العيدان الّتي تجبر بها العظام.

و جويبار بضمّ الجيم و سكون الواو و المثنّاة تحت، و يقال:جوبار بلا ياء،و كلاهما صحيح.و معناه مسيل النّهر الصّغير.

و جبرة و جبارة و جبارة و جويبر:أسماء،و جابر:

اثنان و عشرون صحابيّا،و جبر خمسة،و جبير ثمانية، و جبارة بالكسر واحد.

و المجبّر:الّذي يجبّر العظام.

و أجبره:نسبه إلى الجبر.

و المجبورة و جابرة:اسمان لطيبة المشرّفة.

و الانجبار:نبات نفّاع يتّخذ منه شراب.الجيتر كحيدر:الرّجل القصير.(1:399)

الطّريحيّ: و في الحديث:«لا تكونوا علماء جبّارين»أي متكبّرين.

و المتجبّر:المتكبّر،و لا فرق بينهما لغة.

و قيل:المتكبّر:المتعظّم بما ليس فيه،و المتجبّر:

الّذي لا يكترث لأمر.

ص: 810

و في حديث الشّيعة:«إيّاكم و التّجبّر على اللّه»كأنّه أراد بالتّجبّر على اللّه:التّكبّر على النّاس متّكلا معتمدا على قربه عند اللّه.

و في الحديث:«إنّ عبدا لم يتجبّر على اللّه إلاّ تجبّر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و الجبروت فهو«فعلوت»من الجبر و القهر.

و من كلامه عليه السّلام في وصف والي الأمّة«هو الّذي لم يغلق بابه دونهم،فيأكل قويّهم ضعيفهم و لم يجبرهم في بعوثهم،فيقطع نسل أمّتي».قيل:هو من الجبر على الشّيء:القهر و الغلبة عليه.

و قد اضطربت النّسخ في ذلك،و الأصحّ ما ذكرناه، و المعنى حينئذ لم يقهر كلّ جماعة من المسلمين على الجهاد فينجرّ إلى قطع النّسل.

و الجبر وزان«فلس»:خلاف القدر،و هو القول:

بأنّ اللّه يجبر عباده على فعل المعاصي،و منه الحديث:

«لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين».

سئل ما الأمر بين الأمرين؟

قال:مثل ذلك،رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته،فتركته،ففعل تلك المعصية،فليس حيث لم يقبل منك فتركته،كنت أنت الّذي أمرته بالمعصية.

و الجبريّة بإسكان الباء:خلاف القدريّة،و في عرف أهل الكلام يسمّون المجبّرة و المرجئة،لأنّهم يؤخّرون أمر اللّه،و يرتكبون الكبائر.

و المفهوم من كلام الأئمّة عليهم السّلام أنّ المراد من الجبريّة:الأشاعرة،و من القدريّة:المعتزلة،لأنّهم شهروا أنفسهم بإنكار ركن عظيم من الدّين،و هو كون الحوادث بقدرة اللّه تعالى و قضائه،و زعموا أنّ العبد قبل أن يقع منه الفعل مستطيع تامّ،يعني لا يتوقّف فعله على تجدّد فعل من أفعاله تعالى،و هذا معنى«التّفويض»يعني أنّ اللّه تعالى فوّض إليهم أفعالهم.

و قال عليّ بن إبراهيم:المجبّرة:الّذين قالوا:ليس لنا صنع و نحن مجبرون،يحدث اللّه لنا الفعل عند الفعل،و إنّما الأفعال منسوبة إلى النّاس على المجاز لا على الحقيقة.

و تأوّلوا في ذلك بآيات من كتاب اللّه لم يعرفوا معناها، مثل قوله: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ. الدّهر:30، و التّكوير:29،و قوله: فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:125،و غير ذلك من الآيات الّتي تأوّلوها على خلاف معانيها،و فيما قالوه إبطال الثّواب و العقاب،و إذا قالوا ذلك ثمّ أقرّوا بالثّواب و العقاب نسبوا إلى اللّه«الجور»و أنّه يعذّب على غير اكتساب و فعل،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل و بغير حجّة واضحة عليه.و القرآن كلّه ردّ عليهم،قال اللّه تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286، فقوله:(لها و عليها)هو الحقيقة لفعلها،و قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، الزّلزال:7،8،[ثمّ ذكر آيات عديدة في الرّدّ عليهم]

و في الحديث:«لا يحرم من الرّضاع إلاّ المجبور»قلت:

و ما المجبور؟قال:«أمّ تربّي أو ظئر تستأجر أو أمة تشترى».

ص: 811

قال في شرح الشّرائع:«المجبور»وجدتها مضبوطة بخطّ الصّدوق بالجيم و الباء في كتابه«المقنع»فإنّه عندي بخطّه،انتهى.(3:239)

الجزائريّ: الجبّار و القهّار.

الجبّار في صفة اللّه صفة تعظيم،لأنّه يفيد الاقتدار، و هو سبحانه لم يزل جبّارا،بمعنى أنّ ذاته تدعو العوارف بها إلى تعظيمها.

و القهّار هو الغالب لمن ناوأه أو كان في حكم المناوئ،بمعصيته إيّاه،و لا يوصف سبحانه فيما لم يزل بأنّه قهّار.

و الجبّار في صفة المخلوقين صفة ذمّ،لأنّه يتعظّم بما ليس له،فإنّ العظمة للّه سبحانه،قال تعالى: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130،و قال حكاية عن عيسى: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا مريم:32.

(77)

فريد وجدي:الجبر:خلاف الكسر،و القضاء، و القدر،و علم الجبر فرع من العلوم الرّياضيّة،فائدته اختصار العمليّات الحسابيّة بواسطة الرّمز إلى المقادير المعلومة و المجهولة بحروف،و الإشارة إلى ما تستلزم من جمع أو ضرب أو قسمة بعلامات.و هذا العلم قد اخترعه العرب في عصر الخلافة العبّاسيّة في القرن السّادس،وضعه أبو جعفر محمّد بن موسى الخوارزميّ.

الجبريّة:الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد و إضافته إلى الرّبّ.

و الجبريّة أصناف،فالجبريّة الخالصة:الّتي لا تثبت للعبد فعلا و لا قدرة على الفعل أصلا.

و الجبريّة المتوسّطة:الّتي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة.فأمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في العقل و سمّي ذلك كسبا فليس بجبريّ.و المعتزلة يسمّون من لم يثبت للقدرة الحادثة في الإبداع و الإحداث استقلالا جبريّا،و قد عدّوا النّجاريّة و الضّراريّة و الكلاميّة من الصّفاتيّة و الأشعريّة جبريّة.انتهى من كتاب «الملل و النّحل»للشّهرستانيّ.

الجبارة:العيدان تجبر بها العظام،جمعها:جبائر، و مثلها:الجبيرة.

الجبروت و الجبروت:صيغة مبالغة،بمعنى العظمة و السّلطة.

الجبّار:المفني و القهّار،و هو صفة من صفات الخالق جلّ و عزّ.(3:24)

العدنانيّ: جبر العظم و العظم

و يخطّئون من يقول:جبر العظم،و يقولون:إنّ الصّواب هو:جبر العظم؛لأنّ تهذيب الأزهريّ، و الألفاظ الكتابيّة للهمذانيّ لا يذكران سواها.

و لكن:

جمع العجّاج بين المتعدّي و اللاّزم،فقال:

*قد جبر الدّين الإله فجبر*

و أجاز الجملتين:جبر العظم و جبر العظم كلتيهما أيضا كلّ من ابن السّكّيت باب الكسر،و الصّحاح، و الرّاغب الأصفهانيّ،و المغرب،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

أمّا فعله فهو:جبر العظم يجبره جبرا،و جبورا،

ص: 812

و جبارة.و جبّرة تجبيرا.

و يجوز أن نقول أيضا:انجبر العظم،و اجتبر،و تجبّر.

أجبره على السّفر،جبره عليه

و يخطّئون من يقول:جبره على السّفر،و يقولون:إنّ الصّواب هو:أجبره على السّفر،كما جاء في الألفاظ الكتابيّة للهمذانيّ،و شرح الفصيح لابن درستويه، و الصّحاح،و المختار.

و لكن:

أجاز استعمال الجملتين:أجبره على السّفر و جبره عليه كلتيهما كلّ من الفرّاء،و اللّحيانيّ(جبره لغة تميم وحدها،و عامّة العرب يقولون:أجبره)،و أبي زيد الأنصاريّ،و أبي عبيد البكريّ،و ابن دريد، و الأزهريّ،و أبي عليّ الفارسيّ،و الرّاغب الأصفهانيّ، و ابن الأثير(أجبر أكثر)،و المغرب(لغة ضعيفة) و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج(أجبر أعلى)، و المدّ،و محيط المحيط(جبره لغة ضعيفة)،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و لا يذكر معجم ألفاظ القرآن الكريم إلاّ:جبره على الأمر.أمّا فعله فهو:جبره يجبره جبرا و جبورا،فهو مجبور.

و هي ليست لغة تميم وحدها،كما قال اللّحيانيّ،بل إنّ كثيرا من أهل الحجاز يستعملونها،كما قال الأزهريّ و الزّبيديّ.و كان الشّافعيّ يستعملها،و هو حجازيّ فصيح.

و يرى الأزهريّ أنّ جبرته و أجبرته لغتان جيّدتان،غير أنّ النّحويّين استحبّوا أن يجعلوا«جبرت» لجبر العظم بعد كسره،و جبر الفقير بعد فاقته،و أن يكون«الإجبار»مقصورا على الإكراه.

أمّا مجبر فهي اسم مفعول من الفعل«أجبره».

(113)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ظهور العظمة،و نفوذ القدرة و التّسلّط على أمر؛بحيث يجعل الطّرف تحت نفوذه و حكمه و سلطانه.

و قريب من هذا المعنى:مفهوم البرج،و الرّجب، و الجبس،و الجبخ،و بينها اشتقاق أكبر.

فالجبّار:ما ظهر نفوذه و غلب سلطانه و عظمته و حكمه و علا أمره،من فرس أو نخلة أو إنسان.

و الجبيرة:ما يوضع على كسير أو عضو عليل حتّى يغلب نفوذه و عظمته و قوّته و ينجبر الكسر به.

و جبر اليتيم:ما يغلب على ضعفه و يعلو على انكساره و مقهوريّته.

و الجبار:كشجاع،هو القاهر الغالب النّافذ؛بحيث يقهر في الطّرف و يسلب الاختيار عنه،و يجعله مملوكا مغلوبا.

و الجبر:هو أن يقهر اللّه عبده،و يظهر سلطانه فيه، و يغلب حكمه في أموره و أعماله؛بحيث يكون العبد مقهورا تحت إرادته.[إلى أن قال:]

هذه الكلمة كما توجّهت إلى معناها:يقبح إطلاقها على العبد و اتّصاف العبد بها،فإنّ العبد هو المقهور المحكوم تحت سلطان الرّبّ الجليل،و لا فرق بينه و بين سائر العبيد،نعم يمكن أن يعطي الرّبّ عبدا من عبيده مالا أو عنوانا أو علما أو قدرة أو حكومة،فاللاّزم له

ص: 813

أن يصرفها حيث يشاء اللّه تعالى.

و قد سلب اللّه تعالى هذه الصّفة عن رسوله الكريم، فكيف حال سائر الخلق نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ ق:45.

و ذكرها في عداد صفات اللّه العزيز اَلْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ... الحشر:23،فهذه الصّفة كالمتكبّر لا يجوز إطلاقه على غيره تعالى.

(2:45)

النّصوص التّفسيريّة

جبّار

1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59

ابن عبّاس: قول كلّ قتّال على الغضب.(187)

الكلبيّ: الجبّار هو الّذي يقتل على الغضب و يعاقب على المعصية.(أبو حيّان 5:235)

الزّجّاج: هو الّذي يجبر النّاس على ما يريد.

(أبو حيّان 5:235)

ابن الأنباريّ: إنّه العظيم في نفسه المتكبّر على العباد.(أبو حيّان 5:235)

نحوه البروسويّ.(4:151)

الميبديّ: متكبّر كافر قهّار،يجبر غيره على ما يريد.و باب«فعّال»«فعل»و قد جاء من«أفعل» أجبر فهو جبّار و أدرك فهو درّاك.و الجبّار في حقّ اللّه من «الجبر»و هو الإصلاح،و يجوز أن يكون من«أجبر» أيضا.(4:403)

نحوه القرطبيّ.(9:54)

الفخر الرّازيّ: و المراد من الجبّار:المرتفع المتمرّد.

(18:15)

مثله الشّربينيّ(2:65)،و نحوه الآلوسيّ(11:86).

رشيد رضا :الجبّار:القاهر الّذي يجبر غيره على اتّباعه بالقهر و الإذلال،أو من يجير نقص نفسه بالكبر و دعوى العظمة.(12:120)

الطّباطبائيّ: الجبّار:العظيم الّذي يقهر النّاس بإرادته،و يكرههم على ما أراد.(10:305)

حسنين مخلوف: الجبّار:المتعاظم المتكبّر على العباد،المترفّع عن قبول الحقّ.(1:367)

مكارم الشّيرازيّ: و الجبّار يطلق على من يضرب و يقتل و يدمّر من منطلق الغضب،و لا يتّبع أمر العقل.و بتعبير آخر هو من يجبر سواه على اتّباعه، و يريد أن يغطّي نقصه بادّعاء العظمة و التّكبّر الظّاهريّ.

و العنيد هو من يخالف الحقّ و الحقيقة أكثر ممّا ينبغي،و لا يرضخ للحقّ أبدا.

هاتان الصّفتان صفتان بارزتان في الطّواغيت و المستكبرين في كلّ عصر و زمان،الّذين لا تكون آذانهم صاغية لكلام الحقّ أبدا،و أيّا خالفوه عذّبوه و عاملوه بقساوة و شدّة و بلا رحمة،و دمّروه و أبادوه.

هنا يرد سؤال و هو أنّه إذا كان الجبّار معناه كذلك فلما ذا ذكرت هذه الصّفة للّه،كما في سورة الحشر الآية (23)و سائر المصادر الإسلاميّة؟

و الجواب:هو أنّ«الجبّار»جذره اللّغويّ في الأصل

ص: 814

-كما أشرنا آنفا-مشتقّ من«الجبر»و معناه إزالة النّقص،و لكن«الجبّار»سواء كان بالمعنى الأوّل أو الثّاني فهو يستعمل بشكليه،و قد يراد به الذّمّ إذا كان الإنسان يحاول تجاوز النّقص الّذي فيه،باستعلائه على الغير و تكبّره و بالادّعاءات الخاطئة،أو أنّه يحاول أن يجبر غيره على أن يكون تحت طاعته و رغبته،فيكون الأخير ذليلا لأمره.

هذا المعنى في كثير من آيات القرآن الكريم،و أحيانا تقترن معه صفات ذميمة أخرى،كالآية المتقدّمة الّتي اقترنت مع كلمة عنيد،و في الآية(32)من سورة مريم نقرأ على لسان عيسى بن مريم رسول اللّه: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا كما نقرأ على لسان بني إسرائيل في خطابهم لموسى عليه السّلام،في شأن السّاكنين بيت المقدس من الظّالمين،حيث ورد في الآية(22)من سورة المائدة قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ.

و لكن قد تأتي كلمة«الجبّار»من هذين الجذرين:

الجبر و الجبران،و هي بمعنى المدح،و تطلق على من يسدّ حاجات النّاس و يرفع نقصانهم و يربط العظام المتكسّرة،أو أن تكون له قدرة وافرة بحيث يكون الغير خاضعا لقدرته،دون أن يظلم أحدا أو يستغلّ قدرته ليسيء الاستفادة منها،و لذلك حين تكون كلمة «الجبّار»بهذا المعنى فقد تقترن بصفات مدح أخرى،كما نقرأ في سورة الحشر الآية 23: اَلْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ و واضح أنّ صفات كالقدّوس و السّلام و المؤمن لا تنسجم مع الجبّار بمعنى الظّالم أو(المتكبّر)بمعنى من يرى نفسه أكبر من غيره،و هذا التّعبير يدلّ على أنّ المعنى المراد هنا من(الجبّار)هو المعنى الثّاني.

و لكن حيث إنّ البعض فسّروا(الجبّار)ببعض معانيه دون الالتفات إلى معانيه المتعدّدة في اللّغة، تصوّروا أنّ استعمال هذا اللّفظ غير صحيح في شأن اللّه، و كذلك في ما يخصّ لفظ(المتكبّر)و لكن بالرّجوع إلى جذورهما اللّغويّة الأصيلة يرتفع الإشكال.(6:533)

2- وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. إبراهيم:15

ابن عبّاس: كلّ متكبّر ختّال.(312)

قتادة :الجبّار العنيد:الّذي أبى أن يقول:لا إله إلاّ اللّه.(الطّبريّ 13:194)

ابن زيد :الجبّار هو المتجبّر.(الطّبريّ 13:194)

الطّبريّ: كلّ متكبّر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد اللّه،و إخلاص العبادة له.(الطّبريّ 13:193)

الزّجّاج: الجبّار:الّذي لا يرى لأحد عليه حقّا.

(3:156)

الماورديّ: و في(جبّار)وجهان:أحدهما:أنّه المنتقم،الثّاني:المتكبّر بطرا.(3:127)

الطّوسيّ: و الجبريّة:طلب علوّ المنزلة بما ليس وراءه غاية في الوصف،فإذا وصف العبد بأنّه جبّار كان ذمّا،و إذا وصف اللّه به كان مدحا،لأنّ له علوّ المنزلة بما ليس وراءه غاية في الصّفة.(6:282)

الواحديّ: متكبّر عن طاعة اللّه.(3:27)

البغويّ: الجبّار:الّذي لا يرى فوقه أحدا، و الجبريّة:طلب العلوّ بما لا غاية وراءه.و هذا الوصف

ص: 815

لا يكون إلاّ للّه عزّ و جلّ.

و قيل:الجبّار:الّذي يجبر الخلق على مراده.

(3:33)

الميبديّ: الجبّار:العالي المتكبّر على اللّه،و هو صفة ذمّ في المخلوقين،و هو الّذي لا يرى لأحد عليه حقّا،تقول:أجبر فهو جبّار،و مثله:أدرك فهو درّاك، و هو قليل،و اللّه عزّ و جلّ جبّار:جبر العباد،على ما أرى، و قد سبق شرحه.(5:238)

ابن عطيّة: الجبّار:المتعظّم في نفسه،الّذي لا يرى لأحد عليه حقّا.و قيل:معناه الّذي يجبر النّاس على ما يكرهون.و هذا هو المفهوم من اللّفظ.(3:330)

الفخر الرّازيّ: الجبّار هاهنا:المتكبّر على طاعة اللّه تعالى و عبادته،و منه قوله تعالى: وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا مريم:14.[إلى أن قال:]

إذا عرفت هذا فنقول:كونه جبّارا متكبّرا إشارة إلى الخلق النّفسانيّ،و كونه عنيدا إشارة إلى الأثر الصّادر عن ذلك الخلق،و هو كونه مجانبا عن الحقّ منحرفا عنه.

و لا شكّ أنّ الإنسان الّذي يكون خلقه هو التّجبّر و التّكبّر،و فعله هو العنود و هو الانحراف عن الحقّ و الصّدق،كان خائبا عن كلّ الخيرات،خاسرا عن جميع أقسام السّعادات.(19:102)

الخازن :و الجبّار في صفة الإنسان يقال لمن تجبّر بنفسه بادّعاء منزلة عالية لا يستحقّها،و هو صفة في حقّ الإنسان.(4:30)

نحوه الآلوسيّ.(13:201)

محمّد جواد مغنية:الجبّار إذا وصف به تعالى فمعناه العالي الّذي لا يناله شيء.(4:431)

مكارم الشّيرازيّ: و(جبّار)بمعنى المتكبّر هنا، ورد في الحديث أنّ امرأة جاءت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأمرها بشيء،فلم تطعه،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«دعوها فإنّها جبّارة».

و تطلق هذه الكلمة أحيانا على اللّه جلّ و علا،و هي بمعنى آخر،أي الإصلاح لمن هو بحاجة إلى الإصلاح،أو المتسلّط على كلّ شيء.(7:423)

حسنين مخلوف: متعظّم في نفسه،متكبّر على أقرانه،يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التّعالي لا يستحقّها.(1:411)

3- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ. المؤمن:35

راجع«ك ب ر».

4- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ. ق:45

ابن عبّاس: بمسلّط أن تجبرهم على الإيمان،ثمّ أمره بعد ذلك بقتالهم.(440)

نحوه الطّبريّ(26:184)،و القاسميّ(15:

5518)،و الطّباطبائيّ(18:361).

مجاهد :متجبّر عليهم متسلّط.

(الماورديّ 5:359)

لا تتجبّر عليهم.(الطّبريّ 26:184)

ص: 816

مثله الطّوسيّ.(9:377)

هو الملك العظيم.(الفخر الرّازيّ 29:293)

الضّحّاك: يعني بربّ.(الماورديّ 5:359)

نحوه الحسن.(الطّوسيّ 9:376)

قتادة :إنّ اللّه عزّ و جلّ كره الجبريّة،و نهى عنها، و قدّم فيها.(الطّبريّ 26:184)

الكلبيّ: إنّك لا تجبرهم على الإسلام،من قولهم:

قد جبرته على الأمر،إذا قهرته على أمر.

(الماورديّ 5:359)

مقاتل:لتقتلهم.(ابن الجوزيّ 8:26)

اليزيديّ: لست بمسلّط فتقهرهم على الإسلام.(ابن الجوزيّ 8:26)

الفرّاء: يقول:لست عليهم بمسلّط،جعل الجبّار في موضع السّلطان من الجبريّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الكلبيّ بإسناده:لست عليهم بجبّار،يقول:لم تبعث لتجبرهم على الإسلام و الهدى،إنّما بعثت مذكّرا فذكّر،و ذلك قبل أن يؤمر بقتالهم.[إلى آخر ما تقدّم عنه في النّصوص اللّغويّة]

الثّعلبيّ: بمسلّط قهّار يجبرهم على الإسلام،إنّما بعثت مذكّرا مجدّدا.(9:108)

نحوه البغويّ.(4:280)

الميبديّ: هذا عذر للرّسول صلّى اللّه عليه و آله،كقوله:

لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ الغاشية:22،و المعنى:ما انت عليهم بمسلّط تجبرهم على الإسلام،إنّما بعثت مذكّرا محذّرا،يقال:أجبر فهو جبّار كأدرك فهو درّاك.

و قيل:الجبّار من قولهم:جبرته على الأمر،بمعنى أجبرته،و هي لغة كنانة،و هما لغتان.(9:296)

الزّمخشريّ: (بجبّار)كقوله تعالى:(بمصيطر)حتّى تقسرهم على الإيمان إنّما أنت داع و باعث،و قيل:أريد التّحلّم عنهم و ترك الغلظة عليهم.

و يجوز أن يكون من جبره على الأمر،بمعنى أجبره عليه،أي ما أنت بوال عليهم تجبرهم على الإيمان، و(على)بمنزلته في قولك:هو عليهم إذا كان واليهم و مالك أمرهم.(4:12)

نحوه النّسفيّ.(4:182)

ابن عطيّة: قال قتادة:نهى اللّه عن التّجبّر و تقدّم فيه،فمعناه:و ما أنت عليهم بمتعظّم من الجبروت.و قال الطّبريّ و غيره معناه:و ما أنت عليهم بمسلّط تجبرهم على الإيمان،و يقال:جبرته على كذا،أي قسرته ف(جبّار)بناء مبالغة من جبر.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:170)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:أنّه للتّسلية أيضا،و ذلك لأنّه لمّا منّ عليه بالإقبال على الشّغل الأخرويّ و هو العبادة،أخبر بأنّه لم يصرف عن الشّغل الآخر و هو البعث.كما أنّ الملك إذا أمر بعض عبيده بشغلين فظهر عجزه في أحدهما يقول له:أقبل على الشّغل الآخر منهما،و نحن نبعث من يقدر على الّذي عجزت عنه منهما،فقال:«اصبر،و سبّح، و ما أنت بجبّار»أي فما كان امتناعهم بسبب تجبّر منك أو تكبّر،فاشمأزّوا من سوء خلقك بل كنت بهم رءوفا و عليهم عطوفا،و بالغت و بلّغت و امتنعوا.فأقبل على الصّبر و التّسبيح غير مصروف عن الشّغل الأوّل بسبب

ص: 817

جبروتك.و هذا في معنى قوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ القلم:2 إلى أن قال: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:4.

ثانيها:هو بيان أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أتى بما عليه من الهداية، و ذلك لأنّه أرسله منذرا و هاديا لا ملجئا و مجبرا.و هذا كما في قوله تعالى: فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً الشّورى:48،أي تحفظهم من الكفر و النّار،و قوله:

وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ ق:45،في معنى قول القائل:اليوم فلان علينا،في جواب من يقول:من عليكم اليوم؟أي من الوالي عليكم.

ثالثها:هو بيان لعدم وقت نزول العذاب بعد،و ذلك لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا أنذر و أعذر و أظهر و لم يؤمنوا،كان يقول:إنّ هذا وقت العذاب،فقال:نحن أعلم بما يقولون و ما أنت عليهم بمسلّط،فذكّر بعذابي إن لم يؤمنوا من بقي منهم ممّن تعلم أنّه يؤمن ثمّ تسلّط،و يؤيّد هذا قول المفسّرين:أنّ الآية نزلت قبل نزول آية القتال.

(28:191)

القرطبيّ: أي بمسلّط تجبرهم على الإسلام، فتكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال.(17:28)

نحوه الشّربينيّ(4:93)،و أبو السّعود(5:100)، و البروسويّ(9:144)

النّيسابوريّ: أي بمسلّط حتّى تقسرهم على الإيمان،و إنّما أنت داع.و لعلّ في تقديم الظّرف إشارة إلى أنّه كالمسلّط على المؤمنين و لهذا وقع إيمانهم،و هذا ممّا يقوّي طرف المجبّرة.

و قيل:أراد إنّك رءوف رحيم بهم لست فظّا غليظا.

و الأوّل أولى بدليل قوله:(فذكّر)إلى آخره،أي اترك هؤلاء و أقبل على دعوة من ينتفع بتذكيرك،و اللّه أعلم.(26:85)

الآلوسيّ: أي ما أنت مسلّط عليهم تقسرهم على الإيمان أو تفعل بهم ما تريد،و إنّما أنت منذر،فالباء زائدة في الخبر و(عليهم)متعلّق به.[إلى أن قال:]

و إنّ(عليهم)متعلّق بمحذوف وقع حالا،أي ما أنت جبّار تجبرهم على الإيمان واليا عليهم،و هو محتمل للتّضمين و عدمه فلا تغفل.

و قيل:أريد التّحلّم عنهم و ترك الغلظة عليهم، و عليه قيل:الآية منسوخة،و قيل:هي منسوخة على غيره أيضا بآية السّيف.(26:195)

المراغيّ: أي و ما أنت بمسلّط عليهم تقسرهم على الإيمان و تسيّرهم على ما تهوى و تريد،إنّما أنت نذير، و ما عليك إلاّ التّبليغ،و علينا الحساب.(26:171)

الجبّار

هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ. الحشر:23

ابن عبّاس: الغالب على عباده.(466)

الجبّار:هو الملك العظيم.(الفخر الرّازيّ 29:294)

قتادة :جبر خلقه على ما يشاء من أمره.

(الطّبريّ 28:55)

نحوه الزّجّاج.(5:151)

السّدّيّ: قيل:هو الّذي يقهر النّاس و يجبرهم على

ص: 818

ما أراد.(الطّبرسيّ 5:267)

نحوه الزّمخشريّ.(4:87)

ابن عطاء: قيل:هو الّذي يجبر الفقير من قولهم:

جبر الكسير،إذا أصلحه.(الطّبرسيّ 5:267)

الطّبريّ: يعني المصلح أمور خلقه،المصرّفهم فيما فيه صلاحهم.(28:55)

ابن الأنباريّ: الجبّار في صفة اللّه:الّذي لا ينال، و منه قيل للنّخلة الّتي فاتت يد المتناول:جبّارة.

(الفخر الرّازيّ 29:294)

الطّوسيّ: (الجبّار):العظيم الشّأن في الملك و السّلطان،و لا يستحقّ أن يوصف به على هذا الإطلاق إلاّ اللّه تعالى،فإن وصف بها العبد،فإنّما هو على وضع لفظة في غير موضعها،فهو ذمّ على هذا المعنى.

(9:574)

الواحديّ: (الجبّار):العظيم،و جبروت اللّه:عظمته، و العرب تسمّي الملك الجبّار:العظيم،و يجوز أن يكون «فعّالا»من جبر،إذا أغنى الفقير و أصلح الكسير يجوز أن يكون من جبره على كذا،إذا أكرهه على ما أراد.

(4:279)

نحوه البغويّ.(5:67)

الميبديّ: (الجبّار)هو العظيم،و جبروت اللّه:

عظمته،أي هو العظيم الشّأن في الملك و السّلطان.

و قيل:هو من«الجبر»و هو الإصلاح،فهو يغني الفقير و يصلح الكسير.

و قيل:هو الّذي يقهر النّاس و يجبرهم على ما أراد، ينفذ مشيّته على سبيل الإجبار في كلّ أحد،و لا ينفذ فيه مشيّة أحد.(10:57)

ابن عطيّة: (الجبّار)هو الّذي لا يدانيه شيء و لا يلحق رتبة،و منه نخلة جبّارة،إذا لم تلحق.[ثمّ استشهد بشعر](5:292)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ ثمّ أضاف]

و قيل:هو الّذي يذلّ له من دونه و لا تناله يد.

و قيل:هو الّذي يقهر النّاس و يجبرهم على ما أراد، عن السّدّيّ و مقاتل،و هو اختيار الزّجّاج،فيكون من جبره على كذا،إذا أكرهه.(5:267)

ابن شهرآشوب: معنى(الجبّار):عزيز لا ينال باهتضام،و(الجبّار)مدح البارئ،كما قال،و ذمّ للخلق قوله: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا مريم:32.

و أمّا قوله في صفة النّبيّ عليه السّلام: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ قال الفرّاء:أي لا تجبرهم على الإسلام.

و الصّحيح أي لا تتجبّر عليهم،لأنّه لم يسمع«فعّال»من أفعلت.(1:85)

الفخر الرّازيّ: أمّا(الجبّار)ففيه وجوه:

أحدها:أنّه«فعّال»من جبر إذا أغنى الفقير، و أصلح الكسير.قال الأزهريّ:و هو لعمري جابر كلّ كسير و فقير،و هو جابر دينه الّذي ارتضاه،قال العجّاج:

*قد جبر الدّين الإله فجبر*

و الثّاني:أن يكون(الجبّار)من جبره على كذا،إذا أكرهه على ما أراده.قال السّدّيّ:إنّه الّذي يقهر النّاس و يجبرهم على ما أراده.قال الأزهريّ:هي لغة تميم.

و كثير من الحجازيّين يقولونها.و كان الشّافعيّ يقول:

ص: 819

جبره السّلطان على كذا بغير ألف.[ثمّ حكى قول الفرّاء المتقدّم إنّه من(أجبر)و قال:]

و على هذا القول:الجبّار هو القهّار.

الثّالث:قال ابن الأنباريّ:(الجبّار)في صفة اللّه:

الّذي لا ينال،و منه قيل للنّخلة الّتي فاتت يد المتناول:

جبّارة.

الرّابع:قال ابن عبّاس:(الجبّار)هو الملك العظيم، قال الواحديّ:هذا الّذي ذكرناه من معاني(الجبّار)في صفة اللّه،و للجبّار معان في صفة الخلق:

أحدها:المسلّط،كقوله: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ ق:45.

و الثّاني:العظيم الجسم،كقوله: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ المائدة:22.

و الثّالث:المتمرّد عن عبادة اللّه،كقوله: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً مريم:32.

و الرّابع:القتّال،كقوله: بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130،و قوله: إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ القصص:19.(29:293)

نحوه الخازن.(7:61)

القرطبيّ: قال ابن عبّاس:هو العظيم،و جبروت اللّه:عظمته.و هو على هذا القول صفة ذات،من قولهم:

نخلة جبّارة.[ثمّ استشهد بشعر]

فكان هذا الاسم يدلّ على عظمة اللّه و تقديسه عن أن تناله النّقائص و صفات الحدث.

و قيل:هو من الجبر و هو الإصلاح،يقال:جبرت العظم فجبر،إذا أصلحته بعد الكسر،فهو«فعّال»من جبر،إذا أصلح الكسير و أغنى الفقير.

و قيل:الجبّار:الّذي لا تطاق سطوته.(18:47)

نحوه أبو حيّان.(8:251)

النّسفيّ: (الجبّار):العالي العظيم الّذي يذلّ له من دونه،أو العظيم الشّأن في القدرة و السّلطان،أو القهّار ذو الجبروت.(4:245)

أبو السّعود :(الجبّار):الّذي جبر خلقه على ما أراد،أو جبر أحوالهم،أي أصلحها.(6:232)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فعلى هذا يكون(الجبّار)من الثّلاثيّ لا من «الإفعال»و جبر بمعنى أجبر لغة تميم و كثير من الحجازيّين،و استدلّ بورود(الجبّار)من يقول:إنّ أمثلة مبالغة تأتي من المزيد عن الثّلاثيّ،فإنّه من أجبره على كذا،أي قهره.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و الرّاغب إلى أن قال:]

و هو لا يقهر إلاّ على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه، ف(الجبّار)المطلق هو الّذي ينفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كلّ أحد و لا ينفذ فيه مشيئة أحد.

روي أنّ في بعض الكتب الإلهيّة:«عبدي تريد و أريد و لا يكون إلاّ ما أريد،فإن رضيت بما أريد كفيتك ما تريد،و إن لم ترض بما أريد أبقيتك فيما تريد،ثمّ لا يكون إلاّ ما أريد».

و عبد الجبّار هو الّذي يجبر كسر كلّ شيء و نقصه، لأنّ الحقّ جبر حاله،و جعله بتجلّي هذا الاسم جابرا لحال كلّ شيء مستعليا عليه.

و من علم أنّه الجبّار دقّ في عينه كلّ جبّار،و كان

ص: 820

راجعا إليه في كلّ أمر بوصف الافتقار بجبر المكسور من أعماله و ترك النّاقص من آماله،فتمّ له الإسلام و الاستسلام،و ارتفعت همّته عن الأكوان،فيكون جبّارا على نفسه جابرا لكسر عباده.

و قال بعضهم:حظّ العارف من هذا الاسم أن يقبل على النّفس و يجبر نقائصها باستكمال الفضائل،و يحملها على ملازمة التّقوى و المواظبة على الطّاعة،و يكسر منها الهوى و الشّهوات بأنواع الرّياضات،و يترفّع عمّا سوى الحقّ غير ملتفت إلى الخلق،فيتحلّى بحلى السّكينة و الوقار؛بحيث لا يزلزله تعاور الحوادث،و لا يؤثّر فيه تعاقب النّوافل بل يقوى على التّأثير في الأنفس و الآفاق بالإرشاد و الإصلاح.

و قال الإمام الغزاليّ رحمه اللّه:الجبّار من العباد:من ارتفع عن الاتّباع و نال درجة الاستتباع و تفرّد بعلوّ رتبته؛بحيث يجبر الخلق بهيئته و صورته على الاقتداء، و بمتابعته في سمته و سيرته،فيفيد الخلق و لا يستفيد، و يؤثّر و لا يتأثّر،و يستتبع و لا يتّبع،و لا يشاهده أحد إلاّ و يفنى (1)عن ملاحظة نفسه،و يصير مستوفى الهمّ غير ملتفت إلى ذاته،و لا يطمع أحد في استدراجه و استتباعه.و إنّما حظي بهذا الوصف سيّد الأوّلين و الآخرين عليه السّلام،حيث قال:لو كان موسى بن عمران حيّا ما وسعه إلاّ اتّباعي و أنا سيّد ولد آدم و لا فخر، و خاصّيّة هذا الاسم الحفظ من ظلم الجبابرة و المعتدين في السّفر و الإقامة،يذكر بعد قراءة المسبّحات العشر (2)صباحا و مساء إحدى و عشرين مرّة،ذكره الزّروقيّ في شرح الأسماء الحسنى.(9:463)

الآلوسيّ: (الجبّار)الّذي جبر خلقه على ما أراد و قسرهم عليه،و يقال في فعله:أجبر،و أمثلة المبالغة تصاغ من غير الثّلاثيّ لكن بقلّة.[إلى أن قال:]

و قيل:هو الّذي لا ينافس في فعله و لا يطالب بعلّة و لا يحجر عليه في مقدوره.(28:63)

القاسميّ: (الجبّار)أي الّذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كلّ أحد،و لا تنفذ فيه مشيئة أحد، و الّذي لا يخرج أحد عن قبضته،قاله الغزاليّ في«المقصد الأسنى».(16:5753)

الطّنطاويّ: أي الغالب الّذي جبر خلقه على ما أراده،أو جبر حالهم،أي أصلحه.و ربّما دخل المعنى الثّاني في عموم الأوّل،لأنّه يسوقهم إلى ما يريد،و من ذلك إصلاح حالهم.(24:150)

هو من تنفذ مشيئته في كلّ أحد،و لا تنفذ فيه مشيئة أحد،و لا يخرج عن قبضته أحد.و تقصر الأيدي دون حمى حضرته.[ثمّ ذكر نحو الغزاليّ](24:157)

الطّباطبائيّ: (الجبّار)مبالغة من جبر الكسر، أو الّذي تنفذ إرادته و يجبر على ما يشاء.(19:222)

عبد الكريم الخطيب :(الجبّار)هو القويّ، الّذي يخضع لجبروته كلّ جبّار.(14:883)

مكارم الشّيرازيّ: (الجبّار)هذا المصطلح المأخوذ من«جبر»يأتي أحيانا بمعنى القهر و الغلبة و تأثير الإرادة،و أحيانا بمعنى الإصلاح و التّعويض.

و مزج الرّاغب في«المفردات»كلا المعنيين،حيثر!

ص: 821


1- يأتي عن الطّنطاويّ:«يغنى».
2- في الأصل:المسبّعات عشر!

يقول:و أصل جبر:إصلاح شيء بالقوّة و الغلبة.و عند ما يستعمل هذا المصطلح حول اللّه تعالى،فإنّه يبيّن أحد صفاته الكبيرة؛حيث تأثير إرادته،و كمال قدرته يصلح كلّ فساد.و إذا استعملت في غير اللّه أعطت معنى المذمّة، و كما يقول الرّاغب:فإنّها تطلق على الشّخص الّذي يريد تعويض نقصه بإظهاره لأمور غير لائقة.

و قد ورد هذا المصطلح عشر مرّات في القرآن الكريم:تسع مرّات حول الأشخاص الظّالمين و المستكبرين المتسلّطين على رقاب الأمّة و المفسدين في الأرض،و مرّة واحدة فقط حول اللّه القادر المتعال؛ حيث ورد بهذا المعنى في الآية مورد البحث.

(18:209)

جبّارا

1- وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا. مريم:14

ابن عبّاس: في دينه قتّالا في الغضب.(254)

قيل:الجبّار:الّذي يقتل و يضرب على الغضب.

(الطّبرسيّ 3:506)

نحوه الثّوريّ(النّيسابوريّ 16:41)،و البغويّ(3:

227)،و الخازن(4:195).

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:و لم يكن مستكبرا عن طاعة ربّه و طاعة والديه،و لكنّه كان للّه و لوالديه متواضعا متذلّلا،يأتمر لما أمر به،و ينتهي عمّا نهي عنه، لا يعصي ربّه،و لا والديه.(16:58)

الطّوسيّ: متكبّرا.(7:112)

الكرمانيّ: قوله: وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا، و بعده: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا مريم:32،لأنّ الأوّل في حقّ يحيى،و جاء في الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«ما من أحد من بني آدم إلاّ أذنب أو همّ بذنب إلاّ يحيى ابن زكريّا عليهما السّلام»فنفى عنه العصيان.و الثّاني:في عيسى عليه السّلام فنفى عنه الشّقاوة،و أثبت له السّعادة.

و الأنبياء عندنا معصومون عن الكبائر،غير معصومين عن الصّغائر.(124)

الميبديّ: الجبّار:الذّاهب في نفسه،العاتي في فعله،الغليظ على غيره.(6:14)

الطّبرسيّ: أي متكبّرا متطاولا على الخلق.

(3:506)

نحوه الآلوسيّ.(16:73)

الفخر الرّازيّ: الصّفة السّابعة[ليحيى عليه السّلام في الآية] وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً و المراد وصفه بالتّواضع و لين الجانب؛و ذلك من صفات المؤمنين،كقوله تعالى:

وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:88،و قال تعالى: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:159،و لأنّ رأس العبادات معرفة الإنسان نفسه بالذّلّ و معرفة ربّه بالعظمة و الكمال.و من عرف نفسه بالذّلّ و عرف ربّه بالكمال كيف يليق به التّرفّع و التّجبّر!و لذلك فإنّ إبليس لمّا تجبّر و تمرّد صار مبعدا عن رحمة اللّه تعالى و عن الدّين.

و قيل:(الجبّار)هو الّذي لا يرى لأحد على نفسه حقّا،و هو من العظم و الذّهاب بنفسه عن أن يلزمه قضاء حقّ أحد.

و قال سفيان في قوله: جَبّاراً عَصِيًّا إنّه الّذي

ص: 822

يقبل على الغضب،و الدّليل عليه قوله تعالى: أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ القصص:19.

و قيل:كلّ من عاقب على غضب نفسه من غير حقّ فهو جبّار،لقوله تعالى: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130.(21:193)

القرطبيّ: (جبّارا)متكبّرا،و هذا وصف ليحيى عليه السّلام بلين الجانب و خفض الجناح.(11:88)

الشّربينيّ: أي متكبّرا،و المراد وصفه بالتّواضع و لين الجانب،و ذلك من صفات المؤمنين،قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:88، و قال تعالى: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:159،و لأنّ رأس العبادة معرفة الإنسان نفسه بالذّلّ و معرفة ربّه بالعظمة و الكمال،و من عرف نفسه بالذّلّ و عرف ربّه بالكمال كيف يليق به التّجبّر و التّرفّع،و لذلك لمّا تجبّر إبليس و تمرّد صار مبعدا عن رحمة اللّه تعالى و عن المؤمنين.

و قيل:الجبّار هو الّذي لا يرى لأحد على نفسه حقّا،و هو من التّعظيم و الذّهاب بنفسه،من أنّه لا يلزمه قضاء حقّ لأحد،و قيل:هو كلّ من عاقب على غضب نفسه.(2:416)

نحوه المراغيّ.(16:39)

أبو السّعود :متكبّرا عاقّا لهما.(4:234)

نحوه البروسويّ.(5:320)

عزّة دروزة :طاغيا قاسيا.(3:37)

الطّباطبائيّ: يؤول معنى(جبّارا)إلى أنّه المستكبر المستعلي الّذي يحمّل النّاس ما أراد و لا يتحمّل عنهم.(14:20)

و بهذا المعنى جاءت آية(32)من سورة مريم.

2- ..قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ. القصص:19

ابن عبّاس: (جبّارا):قتّالا.(324)

مثله السّدّيّ(الماورديّ 4:244)،و القرطبيّ(13:

265).

الشّعبيّ: من قتل رجلين فهو جبّار.

(ابن عطيّة 4:281)

عكرمة :لا يكون الإنسان جبّارا حتّى يقتل نفسين بغير حقّ.(الماورديّ 4:244)

قتادة :إنّ الجبابرة هكذا،تقتل النّفس بغير النّفس.

(الطّبريّ 20:50)

مثله ابن جريج(الطّبريّ 20:50)،و نحوه أبو عمران الجونيّ(الماورديّ 4:244).

الطّبريّ: و كان من فعل الجبابرة:قتل النّفوس ظلما،بغير حقّ.و قيل:إنّما قال ذلك لموسى الإسرائيليّ، لأنّه كان عندهم من قتل نفسين،من الجبابرة.

(20:50)

نحوه ابن عطيّة(4:281)،و أبو حيّان(7:110).

الزّجّاج: أفشى على موسى عليه السّلام.و يقال:إنّ من قتل اثنين فهو جبّار،و الجبّار في اللّغة:المتعظّم الّذي لا يتواضع لأمر اللّه،فالقاتل مؤمنا جبّار.و كلّ قاتل فهو

ص: 823

جبّار،قتل واحدا أو جماعة ظلما.(4:137)

الواحديّ: أي تريد إلاّ أن تكون قتّالا بالظّلم.

(3:394)

الميبديّ: قتّالا يقتل النّاس على الغضب.(7:282)

نحوه النّسفيّ.(3:230)

الزّمخشريّ: الجبّار:الّذي يفعل ما يريد من الضّرب و القتل بظلم،لا ينظر في العواقب،و لا يدفع بالّتي هي أحسن.(3:169)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:237)،و الآلوسيّ(20:58).

الطّبرسيّ: أي ما تريد إلاّ أن تكون عاليا في الأرض بالقتل و الظّلم.(4:245)

البيضاويّ: تطاول على النّاس،و لا تنظر العواقب.

(2:190)

الخازن :أي بالقتل ظلما.و قيل:الجبّار هو الّذي يقتل و يضرب و لا ينظر في العواقب،و قيل:هو الّذي يتعاظم و لا يتواضع لأمر اللّه تعالى.(5:139)

نحوه أبو السّعود(4:150)،و البروسويّ(6:392).

الشّربينيّ: أي قاهرا عاليا،فلا يليق ذلك إلاّ بقول الكافر،أو أنّ الإسرائيليّ لمّا ظنّ قتله قال ذلك،و قد قيل في الإسرائيليّ:إنّه كان كافرا.(3:89)

جبّارين
اشارة

1- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ.

المائدة:22

ابن عبّاس: قتّالين.(91)

مثله مقاتل.(ابن الجوزيّ 2:324)

أمر موسى أن يدخل مدينة الجبّارين،فسار موسى بمن معه،حتّى نزل قريبا من المدينة و هي أريحاء،فبعث إليهم اثني عشر عينا،من كلّ سبط منهم عينا،ليأتوه بخبر القوم.قال:فدخلوا المدينة،فرأوا أمرا عظيما، و من هيئتهم و جثثهم و عظمهم،فدخلوا حائطا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثّمار من حائطه،فجعل يجتني الثّمار،و ينظر إلى آثارهم و تتبّعهم،فكلّما أصاب واحدا منهم أخذه،فجعله في كمّه مع الفاكهة،و ذهب إلى ملكهم،فنثرهم بين يديه،فقال الملك:قد رأيتم شأننا و أمرنا،اذهبوا فأخبروا صاحبكم،قال:فرجعوا إلى موسى،فأخبروه بما عاينوا من أمرهم.

(الطّبريّ 6:174)

إنّهم كانوا ذوي قوّة.(ابن الجوزيّ 2:324)

قتادة :هم أطول منّا أجساما و أشدّ قوّة.

(الدّرّ المنثور 2:270)

إنّهم كانوا عظام الخلق و الأجسام.

(ابن الجوزيّ 2:324)

السّدّيّ: ثمّ أمرهم بالسّير إلى أريحاء،و هي أرض بيت المقدس،فساروا حتّى إذا كانوا قريبا منهم،بعث موسى اثني عشر نقيبا،من جميع أسباط بني إسرائيل، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبّارين،فلقيهم رجل من الجبّارين يقال له:عوج،فأخذ الاثني عشر، فجعلهم في حجزته،و على رأسه حملة حطب،و انطلق بهم إلى امرأته،فقال:انظري إلى هؤلاء القوم،الّذي يزعمون أنّهم يريدون أن يقاتلونا،فطرحهم بين يديها،

ص: 824

فقال:أ لا أطحنهم برجلي؟فقالت امرأته:لا،بل خلّ عنهم،حتّى يخبروا قومهم بما رأوا،ففعل ذلك.

(الطّبريّ 6:174)

الرّبيع: إنّ موسى عليه السّلام قال لقومه:إنّي سأبعث رجالا يأتونني بخبرهم،و إنّه أخذ من كلّ سبط رجلا، فكانوا اثني عشر نقيبا،فقال:سيروا إليهم،و حدّثوني حديثهم،و ما أمرهم و لا تخافوا،إنّ اللّه معكم،ما أقمتم الصّلاة،و آتيتم الزّكاة،و آمنتم برسله،و عزّرتموهم، و أقرضتم اللّه قرضا حسنا.ثمّ إنّ القوم ساروا حتّى هجموا عليهم،فرأوا أقواما لهم أجسام عجب،عظما و قوّة،و أنّه-فيما ذكر-أبصرهم أحد الجبّارين،و هم لا يألون أن يخفوا أنفسهم حين رأوا العجب،فأخذ ذلك الجبّار منهم رجالا،فأتى رئيسهم،فألقاهم قدّامه، فعجبوا و ضحكوا منهم،فقال قائل منهم:إنّ هؤلاء زعموا أنّهم أرادوا غزوكم،و أنّه لو لا ما دفع اللّه عنهم لقتلوا،و إنّهم رجعوا إلى موسى عليه السّلام فحدّثوه العجب.

(الطّبريّ 6:174)

الطّبريّ: و هذا خبر من اللّه جلّ ثناؤه عن جواب قوم موسى عليه السّلام؛إذ أمرهم بدخول الأرض المقدّسة:

أنّهم أبوا عليه إجابة إلى ما أمرهم به من ذلك،و اعتلّوا عليه في ذلك،بأن قالوا:إنّ في الأرض المقدّسة الّتي تأمرنا بدخولها قوما جبّارين،لا طاقة لنا بحربهم،و لا قوّة لنا بهم،و سمّوهم جبّارين،لأنّهم كانوا بشدّة بطشهم، و عظيم خلقهم-فيما ذكر لنا-قد قهروا سائر الأمم غيرهم،و أصل الجبّار:المصلح أمر نفسه،و أمر غيره،ثمّ استعمل في كلّ من اجترّ نفعا إلى نفسه بحقّ أو باطل، طلب الإصلاح لها،حتّى قيل للمتعدّي إلى ما ليس له بغيا على النّاس،و قهرا لهم،و عتوّا على ربّه:جبّار،و إنّما هو«فعّال»من قولهم:جبر فلان هذا الكسر،إذا أصلحه و لأمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من أسماء اللّه تعالى ذكره:الجبّار،لأنّه المصلح أمر عباده،القاهر لهم بقدرته.(6:174)

الزّجّاج: تأويل الجبّار من الآدميّين:العاتي الّذي يجبر النّاس على ما يريد،و اللّه عزّ و جلّ الجبّار العزيز، و هو الممتنع من أن يزلّ،و اللّه عزّ و جلّ يأمر بما أراد، لا رادّ لأمره،و لا معقّب لحكمه.و إنّما وصفوهم بالقدرة و التّكبّر،و المنعة.(2:163)

الطّوسيّ: هذه حكاية من اللّه عن قوم موسى لمّا أمرهم بدخول الأرض المقدّسة،أنّهم قالوا:إنّ في الأرض قوما جبّارين،و نصب(جبّارين)ب(إنّ) و(فيها)خبر(إنّ)قدّم على الاسم.و الجبّار هو الّذي لا ينال بالقهر،و أصله في النّخل ما فات اليد طولا.

و الجبّار من النّاس هو الّذي يجبرهم على ما يريد.[ثمّ نقل بعض أقوال المتقدّمين،و بعض ما تقدّم في اللّغة]

(3:484)

الواحديّ: قال المفسّرون:هم العمالقة فرقة من عاد،و أراد ب(الجبّارين)الطّوال الأقوياء العظام،من قولهم:رجل جبّار،إذا كان طويلا عظيما،تشبيها بالجبّار من النّخل،و هو الّذي فات الأيدي بطوله.

(2:173)

نحوه البغويّ(2:34)،و الخازن(2:26).

الزّمخشريّ: الجبّار«فعّال»من جبره على الأمر،

ص: 825

بمعنى أجبره عليه،و هو العاتي الّذي يجبر النّاس على ما يريد.(1:604)

الفخر الرّازيّ: و في تفسير الجبّارين وجهان:

الأوّل:[ذكر قول الفرّاء و الزّجّاج]

و الثّاني:أنّه مأخوذ من قولهم:نخلة جبّارة،إذا كانت طويلة مرتفعة،لا تصل الأيدي إليها،و يقال:

رجل جبّار،إذا كان طويلا عظيما قويّا.تشبيها بالجبّار من النّخل،و القوم كانوا في غاية القوّة و عظم الأجسام بحيث كانت أيدي قوم موسى ما كانت تصل إليهم، فسمّوهم جبّارين لهذا المعنى.(11:198)

القرطبيّ: أي عظام الأجسام طوال،يقال:نخلة جبّارة،أي طويلة.و الجبّار:المتعظّم الممتنع من الذّلّ و الفقر.[إلى أن قال:]

ثمّ قيل:كان هؤلاء من بقايا عاد.و قيل:هم من ولد عيصو بن إسحاق،و كانوا من الرّوم.(6:126)

البيضاويّ: متغلّبين لا يتأتّى مقاومتهم.و الجبّار «فعّال»من جبره على الأمر بمعنى أجبره،و هو الّذي يجبر النّاس على ما يريده.(1:269)

نحوه النّسفيّ(1:278)،و أبو السّعود(2:256)، و البروسويّ(2:376)،و القاسميّ(6:1934).

الشّربينيّ: أي عتاة قاهرين لغيرهم،مكرهين لغيرهم على ما يريدون.(1:367)

الآلوسيّ: شديدي البطش متغلّبين،لا تتأتّى مقاومتهم و لا تجزّ لهم ناصية.و الجبّار صيغة مبالغة من جبر الثّلاثيّ على القياس،لا من أجبره على خلافه كالحسّاس من الإحساس،و هو الّذي يقهر النّاس و يكرههم كائنا من كان،على ما يريده كائنا ما كان، و معناه في النّخل:ما فات اليد طولا.

و كان هؤلاء القوم من العمالقة بقايا قوم عاد،و كانت لهم أجسام ليست لغيرهم.[ثمّ ذكر وصفهم](6:106)

رشيد رضا :الجبار يطلق في اللّغة على الطّويل القويّ و المتكبّر،و القتّال بغير حقّ،و العاتي المتمرّد، و الّذي يجبر غيره على ما يريد،و القاهر المتسلّط، و الملك العاتي.و كلّه مأخوذ من قولهم:نخلة جبّارة،أي طويلة لا ينال ثمرها بالأيدي،و إن عدّ الزّمخشريّ هذا من المجاز في أساسه،لأنّ الصّيغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل من جبره على الشّيء كأجبره.

و الصّواب أنّ الأصل في الألفاظ أن تكون موضوعة للأجسام و لما يدرك بالحواسّ،و يتفرّع عنها ما وضع للمعاني و ما يدرك بالعقل و الاستنباط.و قد رجعت بعد جزمي بما ذكرت إلى«لسان العرب»فإذا هو ينقل مثله و ما يؤيّده.[ثمّ نقل أقوال أهل اللّغة و أضاف:]

أمّا ما روي في التّفسير المأثور من وصف هؤلاء الجبّارين،فأكثره من الإسرائيليّات الخرافيّة الّتي كان يبثّها اليهود في المسلمين،فرووها من غير عزو إليهم.

[إلى أن قال:]

و أمثل ما روي في ذلك و أصدقه قول قتادة عند عبد الرّزّاق و عبد بن حميد في قوله تعالى: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ قال:هم أطول منّا أجساما و أشدّ قوّة.

(6:330)

المراغيّ: الجبّار لغة:الطّويل القويّ المستكبر العاتي المتمرّد،الّذي يجبر غيره على ما يريد،من قولهم:

ص: 826

نخلة جبارة،أي طويلة لا ينال ثمرها بالأيدي.

إنّ سكّان تلك البلاد في ذلك الحين هم بني عناق، و كانوا أولي قوّة و بأس،طوال القامة ضخام الأجسام، و قد ورد في وصفهم في الإسرائيليّات من الخرافات الّتي كان يبثّها اليهود في المسلمين ما لا يصدقه العقل، و لا ينطبق على ما عرف من سنن اللّه في خلقه،كقولهم:

إنّ العيون«الجواسيس»الاثني عشر الّذين بعثهم موسى إلى ما وراء الأردن ليتجسّسوا،و يخبروه بحال تلك الأرض و من فيها قبل أن يدخلها قومه،رآهم أحد الجبّارين فوضعهم كلّهم في كسائه.

و في رواية أخرى:إنّ أحدهم كان يجني الفاكهة فكان كلّما أصاب واحدا من هؤلاء العيون وضعه في كمّه مع الفاكهة،إلى نحو أولئك من روايات بعيدة عن الصّدق،فالمصريّون هم هم،و نسل الكنعانيّين مشاهد معروف لا يمكن أن تكون أصوله على ما وصفوا.

و هذه القصّة مبسوطة في السّفر الرّابع من أسفار التّوراة ففيها:إنّ الجواسيس تجسّسوا أرض كنعان كما أمروا،و أنّهم قطعوا في عودتهم زرجونة فيها عنقود عنب واحد،حملوه بعتلة بين اثنين منهم مع شيء من الرّمّان و التّين،و قالوا لموسى و هو في ملإ بني إسرائيل:

قد صرنا إلى الأرض الّتي بعثتنا إليها فإذا هي بالحقيقة تدرّ لبنا و عسلا و هذا ثمرها،غير أنّ الشّعب السّاكنين فيها أقوياء،و المدن حصينة عظيمة جدّا،و رأينا ثمّ أيضا بني عناق..إلى أن قال:و قد رأينا ثمّ من الجبابرة،جبابرة بني عناق،فصرنا في عيوننا كالجراد،و كذلك كنّا في عيونهم.و ذكر في فصل آخر:تذمّر بني إسرائيل من أمر موسى لهم بدخول تلك الأرض،و أنّهم بكوا و تمنّوا لو أنّهم ماتوا في أرض مصر أو في البرّيّة،و قالوا:لما ذا أتى الرّبّ إلى هذه الأرض حتّى نسقط تحت السّيف،و تصير نساؤنا و أطفالنا غنيمة،أ ليس خيرا لنا أن نرجع إلى مصر؟إلخ.

و الخلاصة:إنّ موسى لمّا قرب بقومه من حدود الأرض المقدّسة العامرة الآهلة،أمرهم بدخولها مع الاستعداد لقتال من يقاتلهم من أهلها،و إنّهم لما غلب عليهم من الضّعف و الذّلّ و اضطهاد المصريّين لهم و ظلمهم إيّاهم،أبوا و تمرّدوا و اعتذروا بضعفهم و قوّة أهل تلك البلاد و حاولوا الرّجوع إلى مصر،و قالوا لموسى:إنّا لن ندخل هذه الأرض ما دام هؤلاء الجبّارون فيها،و قولهم: فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ المائدة:

22،تأكيد لما فهم ممّا قبله مشعر بأنّه لا علّة لامتناعهم إلاّ ما ذكروه.

و في إجابتهم هذه دليل على منتهى الضّعف و خور العزيمة،و على أنّهم لا يريدون أن يأخذوا شيئا باستعمال قواهم البدنيّة و لا العقليّة،و لا أن يدفعوا الشّرّ عن أنفسهم و لا أن يجلبوا لها الخير،بل يريدون أن يعيشوا بالخوارق و الآيات ما داموا في هذه الحياة.

و لا شكّ أنّ أمّة كهذه لا تستحقّ أن تتمتّع بنعيم الاستقلال،و تحيا حياة العزّ و الكرامة،و تكون ذات تصرّف مطلق في شئونها،و من ثمّ لم تقم لها دولة بعد وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً الكهف:49.(6:91)

الطّباطبائيّ: [ذكر الآية،ثمّ حكى بعض كلام الرّاغب المتقدّم و قال:]

ص: 827

فظهر أنّ المراد بالجبّارين:هم أولو السّطوة و القوّة من الّذين يجبرون النّاس على ما يريدون.(5:290)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا المراد من عبارة قَوْماً جَبّارِينَ فهم كما تدلّ عليه التّواريخ قوم«العمالقة» الّذين كانوا يمتلكون أجساما ضخمة،و كانت لهم أطوال خارقة؛بحيث ذهب الكثير إلى المبالغة في طول أجسام هؤلاء،و صنعوا الأساطير الخرافيّة من ذلك،و كتبوا فيهم مواضيع تثير السّخريّة،لا يسندها أيّ دليل علميّ، و بالأخصّ فيما كتبوه عن المدعوّ ب«عوج»في التّواريخ المصطنعة،المشوبة بالخرافات و الأساطير.

و يبدو أنّ مثل هذه الخرافات الّتي تسرّبت حتّى إلى بعض الكتب الإسلاميّة،و إنّما هي من صنع بني إسرائيل،و الّتي تسمّى عادة ب«الإسرائيليّات» و الدّليل على هذا القول هو ما ورد نصّا في التّوراة المتداولة من أساطير خرافيّة تشبه أساطير العمالقة، نقرأ في سفر الأعداد في أواخر الفصل الثّالث عشر«إنّ الأرض الّتي ذهب بنو إسرائيل إليها لاستقصاء أخبارها هي أرض تبيد ساكنيها،و إنّ جميع من فيها هم أناس طوال،و فيهم العمالقة من أبناء«عناق»بشكل كان بنو إسرائيل الّذين ذهبوا للتّجسّس هناك أشبه بالجراد قياسا بأحجام العمالقة الموجودين في تلك الأرض!».

(3:594)

فضل اللّه :ما المقصود من(جبارين:)في الآية؟

قيل:إنّهم العمالقة الّذين يتميّزون بضخامة الأجسام،و طولها غير العادي،حتّى وضعت الأساطير في الحديث عن أحجامهم في العرض و الطّول ما يشبه الخرافات،و قد دخلت الإسرائيليّات الخرافيّة-في هذا الموضوع-في الكتب الإسلاميّة،و قد ذكر المؤرّخون في الحديث عنهم،فقالوا:«كان العمالقة قوما من العنصر السّاميّ يعيشون في شمال جزيرة العرب بالقرب من صحراء سيناء،و قد هاجموا مصر و استولوا عليها لفترات طويلة،و دامت حكومتهم حوالي(500)عام منذ عام 2213 قبل الميلاد حتّى عام 1703 قبل الميلاد» كما جاء في دائرة المعارف لفريد وجدي.

و يبدو أنّ قوم موسى كانوا يعيشون الإحساس بالقوّة القاهرة لهؤلاء،ممّا يجعلهم يرتجفون رعبا من التّفكير،بأنّهم سوف يواجهونهم في ساحة الحرب.

و ربّما كانوا يحملون بعض الإشاعات الأسطوريّة عنهم، ممّا اعتاد النّاس أن يتحدّثوا به عن أرباب القوّة بطريقة المبالغة،و لهذا كان موقفهم حاسما في رفض الدّخول إلى الأرض المقدّسة الّتي يسيطر هؤلاء عليها،من دون التّفكير بما يملكونه-هم-من عناصر القوّة في مقابل ما يعيش فيه العمالقة من عناصر الضّعف،لا سيّما أنّ هؤلاء قد لا يملكون حرّيّة الحركة في داخل المدينة، كنتيجة للتّعقيدات الّتي تفرضها ضخامة أجسامهم،كما أنّ الهجوم المفاجئ قد يهزمهم من ناحية نفسيّة.

و تلك هي مشكلة الّذين لا يعيشون الإيمان الواعي باللّه و الثّقة برسله،هذا الإيمان الّذي من شأنه أن يوحي بالثّقة بالنّفس،بما يفرضه من امتلاء العقل و القلب و الحركة باللّه،و تفريغ الذّات من الإحساس بقوّة الآخرين،و لهذا رأينا الرّجلين اللّذين يخافان اللّه، و اللّذين أنعم اللّه عليهما بنعمة الإيمان القويّ،يشجّعان

ص: 828

تلك الجماعات على الهجوم المباغت متوكّلين على اللّه، و منفتحين على عناصر النّصر،من خلال الإيمان به، و برسله،و بنصره،و أن يكون لديهم بالتّالي،ثقة كبيرة بالغلبة عليهم،لأنّ المسألة هي في امتلاكهم لإرادة النّصر و الإيمان،كي ينصرهم اللّه تعالى على الآخرين، و لو بعد حين.

(8:119)

محمّد هادي معرفة: و من الإسرائيليّات الّتي اشتملت عليها كتب التّفسير،ما يذكره بعض المفسّرين، عند تفسير قوله تعالى: قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها.

فقد ذكر الجلال السّيوطيّ في«الدّرّ»كثيرا من الرّوايات في صفة هؤلاء القوم،و عظم أجسادهم،ممّا لا يتّفق سنّة اللّه في خلقه،و يخالف ما ثبت في الأحاديث الصّحيحة؛و ذلك مثل ما أخرجه ابن عبد الحكم عن أبي ضمرة قال:استظلّ سبعون رجلا من قوم موسى في خفّ رجل من العماليق!!و مثل ما أخرجه البيهقيّ في«شعب الإيمان»عن يزيد بن أسلم قال:بلغني أنّه رؤيت ضبع و أولادها رابضة في فجاج عين رجل من العماليق!!و مثل ما رواه ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.[ثمّ ذكر قوله المتقدّم من الطّبريّ و أضاف:]

اكتموا عنّا،فجعل الرّجل يخبر أخاه و صديقه، و يقول:اكتم عنّي،فأشيع في عسكرهم،و لم يكتم منهم إلاّ رجلان:يوشع بن نون،و كالب بن يوحنّا،و هما اللّذان أنزل اللّه فيهما: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ المائدة:23.

و يروي ابن جرير بسنده،عن مجاهد،نحوا ممّا قدّمنا،ثمّ يذكر أنّ عنقود عنبهم لا يحمله إلاّ خمسة أنفس،بينهم في خشبة،و يدخل في شطر الرّمّانة إذا نزع حبّها خمسة أنفس أو أربعة،إلى غير ذلك من الإسرائيليّات الباطلة.

خرافة عوج بن عوق

و من الإسرائيليّات الظّاهرة البطلان،الّتي ولع بذكرها بعض المفسّرين و الأخباريّين،عند ذكر الجبّارين:قصّة عوج بن عوق،و أنّه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع،و أنّه كان يمسك الحوت،فيشويه في عين الشّمس،و أنّ طوفان نوح لم يصل إلى ركبتيه،و أنّه امتنع عن ركوب السّفينة مع نوح،و أنّ موسى كان طوله عشرة أذرع و عصاه عشرة أذرع،و وثب في الهواء عشرة أذرع و عصاه عشرة أذرع،و وثب في الهواء عشرة أذرع،فأصاب كعب عوج فقتله،فكان جسرا لأهل النّيل سنة،إلى نحو ذلك من الخرافات،و الأباطيل الّتي تصادم العقل و النّقل،و تخالف سنن اللّه في الخليقة.

و لا أدري كيف يتّفق هذا الباطل،هو،و قول اللّه تبارك و تعالى: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ* قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود:42،43،

اللّهمّ إلاّ إذا كان عوج أطول من جبال الأرض!!

فمن تلك الرّوايات الباطلة المخترعة ما رواه ابن جرير بسنده عن أسباط،عن السّدّيّ[و ذكر روايته المتقدّمة عنه و أضاف:]

ص: 829

و كذلك ذكر مثل هذا و أشنع منه غير ابن جرير و السّيوطيّ و بعض المفسّرين و القصّيصين،و هي كما قال ابن قتيبة:أحاديث خرافة،كانت مشهورة في الجاهليّة،ألصقت بالحديث بقصد الإفساد.

و إليك ما ذكره الإمام الحافظ النّاقد ابن كثير في تفسيره،قال:و قد ذكر كثير من المفسّرين هاهنا أخبارا من وضع بني إسرائيل،في عظمة خلق هؤلاء الجبّارين، و أنّ منهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السّلام،و أنّه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ذراعا،و ثلث ذراع،تحرير الحساب،و هذا شيء يستحى من ذكره،ثمّ هو مخالف لما ثبت في الصّحيحين:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«إنّ اللّه خلق آدم،و طوله ستّون ذراعا،ثمّ لم يزل الخلق ينقص حتّى الآن»،ثمّ ذكروا:أنّ هذا الرّجل كان كافرا،و أنّه كان ولد زنيّة،و أنّه امتنع من ركوب سفينة نوح،و أنّ الطّوفان لم يصل إلى ركبتيه.و هذا كذب و افتراء،فإنّ اللّه تعالى ذكر:أنّ نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين،فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً نوح:26،و قال تعالى:

فَأَنْجَيْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ الشّعراء:119،120،و قال تعالى:

لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ هود:43، و إذا كان ابن نوح الكافر غرق،فكيف يبقى عوج بن عنق،و هو كافر،و ولد زنيّة؟!هذا لا يسوغ في عقل، و لا شرع،ثمّ في وجود رجل يقال له:عوج بن عنق، نظر،و اللّه أعلم.

و قال ابن قيّم الجوزيّة،بعد أن ذكر حديث عوج:

«و ليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث،و كذب على اللّه،و إنّما العجب ممّن يدخل هذا في كتب العلم من التّفسير و غيره،فكلّ ذلك من وضع زنادقة أهل الكتاب الّذين قصدوا الاستهزاء،و السّخريّة بالرّسل و أتباعهم».

قال أبو شهبة:و سواء أ كان عوج بن عنق شخصيّة وجدت حقيقة،أو شخصيّة خياليّة،فالّذي ننكره هو:ما أضفوه عليه من صفات و ما حاكوه حوله من أثواب الزّور و الكذب و التّجرّؤ،على أن يفسّر كتاب اللّه بهذا الهراء.و ليس في نصّ القرآن ما يشير إلى ما حكوه و ذكروه،و لو من بعد،أو وجه الاحتمال،ثمّ أين زمن نوح من زمن موسى عليه السّلام و ما يدلّ عليه آية: قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها، كان في زمن موسى قطعا،و لا مرية في هذا،فهل طالت الحياة بعوج حتّى زمن موسى؟!بل قالوا:إنّ موسى هو الّذي قتله،ألا لعن اللّه اليهود،فكم من علم أفسدوا و كم من خرافات و أباطيل وضعوا.

(2:171)

الأشباه و النّظائر

مقاتل:تفسير الجبّار على أربعة وجوه:

فوجه منها الجبّار:يعنى القهّار الخالق،و هو اللّه تبارك و تعالى،فذلك قوله في الحشر:23 اَلْعَزِيزُ الْجَبّارُ، يعني القاهر لخلقه لما أراد.و قال اللّه للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ ق:45،يعني بمسيطر فتقهرهم على الإسلام.

ص: 830

و الوجه الثّاني:الجبّار من المخلوقين:يعني القتّال في غير حقّ،فذلك قوله في الشّعراء:130 وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ، يقول:إذا أخذتم أخذتم فقتلتم في غير حقّ كفعل الجبابرة،كقوله لموسى في القصص:19 ...إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ يعني قتّالا،و كقوله في حم المؤمن:35 كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ، عن عبادة اللّه(جبّار) يعني قتّالا في غير حقّ.

و الوجه الثّالث:الجبّار:يعني المتكبّر عن عبادة اللّه، فذلك قوله في سورة مريم ليحيى:(و لم يكن)و لم نجعله (جبّارا)يعني متكبّرا عن عبادة اللّه(عصيّا)مريم:14، عاصيا له.

و قال عيسى أيضا: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً يعني متكبّرا عن عبادة اللّه(شقيّا)مريم:32.

و الوجه الرّابع:الجبّار:يعني في الطّول و العظم و القوّة،فذلك قوله في المائدة:22 إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ، يعني في الطّول و العظم و القوّة.(170)

نحوه هارون الأعور(167)،و الدّامغانيّ(219)، و الفيروزآباديّ(بصائر ذوي التّمييز 2:360).

الحيريّ: الجبّار على خمسة أوجه:

أحدها:الغويّ،كقوله: قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ المائدة:22.

و الثّاني:المتكبّر،كقوله: وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ هود:59،و قوله: وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ إبراهيم:15،و قوله: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا مريم:

32.

و الثّالث:القتّال،كقوله: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130،و قوله: إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ القصص:19،و قوله: كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35.

و الرّابع:المسلّط،كقوله: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ ق:45.

و الخامس:القهّار،كقوله: اَلْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ الحشر:23.(176)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجبر،أي الملك،فهو يقهر النّاس على ما يريده.و منه:الجبّار في صفة اللّه تعالى، لأنّه عال فوق خلقه لا ينال،و الجبّار من النّخل:ما طال و فات اليد،و الجبّار من النّاس:المسلّط و القاهر، و الطّويل العظيم القويّ،تشبيها بالنّخلة الجبّارة،و فرس جبّار:عظيم قويّ،و ناقة جبّارة:عظيمة سمينة.و الجبّير:

الشّديد التّجبّر،يقال:تجبّر الرّجل و اجتبر،أي تعظّم بالقهر و تكبّر.

و الجبر:إصلاح الشّيء بضرب من القهر،يقال:

جبرت العظم جبرا،أي أصلحته،و جبّرت الكسر أجبّره تجبيرا:أصلحته أيضا،فأنا مجبّر،و جبر العظم بنفسه جبورا،و انجبر و اجتبر:صلح.و يقال للمريض:

يوما تراه متجبّرا و يوما تيأس منه،أي صالح الحال، و أصابت فلانا مصيبة لا يجتبرها،أي لا مجبر منها.

و الجبارة و الجبيرة:العود الّذي يجبر به العظم، و تطلق أيضا على الأسورة من الذّهب و الفضّة،للتّشبيه

ص: 831

بها في الهيئة،و الجمع:الجبائر.

و منه أيضا:تجبّر النّبت و الشّجر:اخضرّ و أورق و هو يابس،و تجبّر الكلأ:نبت بعد الأكل،و كأنّه يظهر قهره و عظمته.

و يقال:جبر اللّه فلانا فاجتبر،أي سدّ مفاقره، و جبر اللّه الدّين جبرا فجبر جبورا،و جبرت فاقة الرّجل:أغنيته،و جبرته أيضا:أحسنت إليه،و تجبّر الرّجل مالا:عاد إليه ما ذهب منه،و استجبرته:بالغت في تعهّده.

و يقال للخبز:جابر،و أبو جابر،و جابر بن حبّة، لأنّه يقهر الجوع و يصلح حال من يأكله.

و جابرة:مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و يقال لها:مجبورة أيضا،و كأنّها جبرت الإيمان.

و الجبر:خلاف القدر،يقال:جبر فلان الرّجل على الأمر يجبره جبرا و جبورا،و أجبره إجبارا،أكرهه فهو مجبر،و أجبر القاضي الرّجل على الحكم:أكرهه عليه.

و الجبريّة:خلاف القدريّة،و هم الّذين يقولون:

أجبر اللّه العباد على الذّنوب،أي أكرههم،يقال:

أجبرته،أي نسبته إلى الجبر.

و الجبار من الدّم:الهدر،و فيه معنى القهر أيضا، يقال:ذهب دمه جبارا،و مثله:حرب جبار،أي لا قود فيها و لا دية،و لعلّ جبارا،و هو اسم يوم الثّلاثاء في الجاهليّة،من هذا.

2-و استعمل العرب لفظ«جبروت»على(فعلوت) من هذه المادّة،و أجروه مجرى المصادر،و ضمّنوه معنى المبالغة في القهر و التّجبّر،و في الحديث:«سبحان ذي الجبروت و الملكوت»،و فيه أيضا:«ثمّ يكون ملك و جبروت».

و قد ألحقوا ألفا ممدودة أو مقصورة بآخره،فقالوا:

جبروتا،و هو نظير اللّفظ السّريانيّ لفظا و معنى.

و جاءت على غرار هذا الوزن ألفاظ أخرى في العربيّة، و هي:ملكوتى و رحموتى و رهبوتى و رغبوتى و حلبوتى و ركبوتى.

كما حصر بعض اللّغويّين ما جاء على وزن(فعلوت) في أحد عشر لفظا،و هي:جبروت و ملكوت و رحموت و رهبوت و عظموت و سلبوت و تربوت و حلبوت و ركبوت و خلبوت و ثلبوت.

و يبدو أنّ إلحاق«الواو»و«التّاء»بهذه الكلمات استعمال ذو أصالة في العربيّة،فقد ورد بعضها في كلام العرب القدامى،سواء المنثور منه أم المنظوم،فمن المنثور قولهم:رهبوتا خير من رحموتا،أي لأن ترهب خير من أن ترحم،و من المنظوم قول لبيد:

بأحزّة الثّلبوت يربأ فوقها

قفر المراقب خوفها آرامها

و قال آخر:

ملكتم فلمّا أن ملكتم خلبتم

و شرّ الملوك الغادر الخلبوت

و ستأتي تتمّة الكلام حول القول في أعجميّة هذه الألفاظ في«ملكوت»من مادّة«م ل ك»إن شاء اللّه تعالى.

ص: 832

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الوصف بصيغة المبالغة مفردا و جمعا عشر مرّات:مرّة مدحا للّه و تسع مرّات ذمّا للعباد في ثماني آيات مكّيّة،و آيتين مدنيّتين:

1- هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ الحشر:23

2- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ هود:59

3- وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ

إبراهيم:15

4- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35

5- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ق:45

6- وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا

مريم:14

7- وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا

مريم:32

8- فَلَمّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ القصص:19

9- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ المائدة:22

10- وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ

الشّعراء:130

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت منها سوى صيغة المبالغة مفردا و جمعا:(جبّار و جبّارين)و كان مفهومه-و هو السّيطرة على الغير-لا يحدّ بحدّ و لا يتوقّف عند موقف، بل يمتدّ مدّا و كلّها ذمّ للنّاس المتّصفين به،إلاّ في(1)فجاء مدحا للّه خلال جملة من صفاته العليا و أسمائه الحسنى.

ثانيا:جاء كلّها نكرة تحقيرا لشأنهم،سوى ما اتّصف به اللّه فمعرّف باللاّم كغيره من الصّفات فيها مدحا و تعظيما له تعالى،و التّعريف فيها و إن كان لازما تبعا للموصوف-لو كانت صفات و لم تكن أسماء للّه-إلاّ أنّه لا يمنع إفادته العهد الذّهنيّ،أو الكمال:

فالأوّل:إشعار بأنّه تعالى معروف و متفرّد و متحقّق بهذه الصّفات بين الخلائق في السّماوات و الأرض و عند أولى الألباب بل لدى الأشياء كلّها: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44.

و الثّاني:إعلام بأنّه بلغ ذروة الكمال في اتّصافه بهذه الصّفات و هذا هو الأقرب،و لا مانع من الجمع بين الأمرين،لأنّه إذا كان كاملا فيها لكان معروفا و مشخّصا بها.

ثالثا:جاءت في هذه الآية و آيتين قبلها و بعدها في سورة الحشر:17 صفة و اسما للّه،و هي في صدر الأسماء الحسنى،كما قال في خلالها: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فقبلها هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ الحشر:22،و فيها أربع صفات،

ص: 833

إحداها صفة التّوحيد،و هي الأساس لجميع صفاته تعالى،و قد كرّرت في صدر هذه الآيات ثلاث مرّات إعلاما بذلك.و بعدها: هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و فيها سوى صيغة التّوحيد(هو اللّه)سبع صفات،اثنتان منها جاءتا بصورة جملتين اسميّة و فعليّة.أمّا آيتنا هذه ففيها سوى صفة التّوحيد ثماني صفات:أوّلها(الملك)و سبع بعدها،بحثنا حولها في لفظ«المؤمن»لاحظ«أمن».

و قد كرّرت فيها صفة(العزيز)مرّتين.إحداهما (العزيز الجبّار)و الأخرى(العزيز الحكيم)فصفة الحكيم في الثّانية تبيّن أنّ وصف(الجبّار)في الأولى حكمة و ليس ظلما،و أنّ عزّته البالغة غير محدودة تماشي دائما مع حكمته الكاملة،و من هنا نتطرّق إلى معنى الجبّار الآتي.و كرّرت صفة التّوحيد فيها ثلاث مرّات،لأنّها الأساس لها كما سبق.قال سيّد قطب 6:

3532:

«إنّها تسبيحة مديدة بهذه الصّفات المجيدة ذات ثلاثة مقاطع،يبدأ كلّ مقطع منها بصيغة التّوحيد...و لكلّ اسم من هذه الأسماء الحسنى أثر في هذا الكون ملحوظ، و أثر في حياة البشر ملموس،فهي توحي إلى القلب بفاعليّة هذه الأسماء و الصّفات،فاعليّة ذات أثر و علاقة بالنّاس و الأحياء،و ليست هي صفات سلبيّة،أو منعزلة عن كيان هذا الوجود و أحواله و ظواهره المصاحبة لوجوده...»

رابعا:جاءت هذه الصّفات متوالية بلا حرف عطف،فليست عطف نسق،بل هي إمّا عطف بيان، لكونها أسماء و إن كان أصلها صفات،و قد جاء في الحديث النّبويّ الّذي رواه الزّجّاج(5:151):«أنّ للّه مائة اسم غير واحد»أو هي عطف نسق حذف منها حرف العطف رمزا إلى الاتّصال الوثيق و العلاقة الشّديدة بينها،حتّى كأنّها جميعا صفة واحدة للّه تعالى،و هي كذلك عقلا،لأنّها ليست زائدة على ذاته،و قد جمعها اسم(اللّه)كما قالوا:«إنّها اسم للذّات المستجمعة لجميع صفات الجمال و الجلال»و لهذا بدأت كلّ واحدة منها بصفة التّوحيد فكأنّ ما بعدها تفسير و بيان لها،و لها نظائر في القرآن،أوّلها البسملة،و الفاتحة.و لم نر من درس و بحث حولها.

خامسا:الجبّار في(1)جاء في عداد صفات الجلال الدّالّة على عظمته و سلطانه«الملك العزيز الجبار المتكبر،»فلا ينبغي حمله إلاّ على ما يساوقها مثل:

(الغالب على عباده،الملك العظيم،العظيم الشّأن، و السّلطان)أخذا من«الجبروت»أو الّذي لا ينال أخذا من الجبّارة،و هي النّخلة الّتي تفوت يد المتناول،إلى أمثالها ممّا جاء في النّصوص.فلا ينبغي حمله على معنى الجبر و الإصلاح،بمعنى أنّه تعالى يغني الفقير و يصلح الكسير-كما قال بعضهم-حذرا عن توصيفه بوصف قبيح،فقد علمت أنّ جبّاريّته و عزّته و كذلك تكبّره ملائمة لحكمته.فلا قبح فيها و لا نقص.

و هناك وجه ثالث في معنى(الجبّار)فسّره به بعضهم،و لا سيّما الأشاعرة القائلين بالجبر في أفعال العباد،و أنّها فعل اللّه،و هو أنّه يقهر النّاس و يجبرهم

ص: 834

على ما أراد.و هذا مبنيّ على كونه من الإجبار،و ليس كذلك مع أنّه لا يتماشى مع حكمته الكاملة الّتي وصف بها مع(الجبّار)في هذه الآية،لاحظ«ح ك م:

الحكيم».

سادسا:قلنا إنّ(جبّار)في غير(1)جاء ذمّا منفردا و جمعا و نفيا و إثباتا.و لهذا جاء في(2 و 3)(جبّار عنيد) و في(4)(متكبّر جبّار)و في(5)خطابا للنّبيّ عليه السّلام:

وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ و في(6)وصفا ل(يحيى):

وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا، و في(7)وصفا ل(عيسى):

وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا، و في(8)نقلا ممّن أراد موسى أن يبطش به إدانة لموسى: إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ، و في (9)نقلا عن بني إسرائيل بشأن الأرض المقدّسة:

يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ، و في(10)بشأن قوم عاد: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ.

فجاء(جبّارا)فيها مقارنا بأوصاف مذمومة مثل:

عنيد،متكبّر،عصيّ،شقيّ،غير مصلح،بطش و نحوها.

سابعا:جاء(جبّار)عقيب(كلّ)في(2 و 3 و 4) تشديدا مبالغة في ذمّه: كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ و كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ.

ثامنا:جاء(جبّار)مرّة واحدة في(1)مرفوعا، وصفا للّه ترفيعا لشأنه،و مناسقا لتعريفه ب(أل)،و في (2-5)أربع مرّات مجرورا،تخفيفا لشأنه،و المجموع خمس،و في الباقي منصوبا خمس مرّات:ثلاث منها إفرادا و نفيا،و اثنتان جمعا و إثباتا،و ليس بينها مرفوع.

تاسعا:الآيات أكثرها مكّيّة متناسقة مع جوّ مكّة، المليء بالشّرك و الشّقاق،و اثنتان مدنيّة:إحداهما(1) وصف اللّه تعالى في سياق صفاته العليا و أسمائه الحسنى، و ثانيتها(9)في قصّة بني إسرائيل المليئة بالكفر و النّفاق، و أكثرها جاءت في سورة البقرة المدنيّة خطابا لليهود القاطنين بها.

عاشرا:-و تلك عشرة كاملة-:هذه الآيات من سورة الحشر تليق بأن تجعل أصلا لبيان صفاته و تفسيرها،كما أنّها الأساس و القاعدة لها في نفس الأمر.و قد تقدّم في(المؤمن)أنّ ما يتبادر منه القهر و الظّلم في صفاته مثل(الملك،و الجبّار،و المتكبّر) قد انجبر بأوصاف اَلْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ كما انجبر بوصف(الحكيم).

و هذه هي معيار صفاته العليا و أسمائه الحسنى،كما أنّها معيار التّوحيد،و لهذا جاء خلال تلك الصّفات في (1): سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ إعلاما بأنّ إنكارها شرك،و أنّ من لا يعتقد و لا يعترف باختصاص هذه الأوصاف باللّه تعالى فهو مشرك.و قد بدأ بها في ثلاثة مقاطع بما يفيد الحصر في توحيده: هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ مرّتين،و(هو اللّه)مرّة.

ص: 835

ص: 836

جبريل

اشارة

لفظ واحد،3 مرّات مدنيّة،في سورتين مدنيّتين

النّصوص اللّغويّة

ابن عبّاس: جبريل و ميكائيل:كقولك:عبد اللّه و عبد الرّحمن.(الأزهريّ 11:59)

الأخفش الأوسط: في«جبريل»ستّ لغات:

جبرائيل،و جبرئيل و جبرال،و جبريل،و جبرال، و جبريل.(الطّوسيّ 1:362)

الأصمعيّ: جبرئيل و ميكائيل:معنى«إيل» الرّبوبيّة،فأضيف جبر و ميكا،إليه.(الأزهريّ 11:59)

أبو عبيد: كأنّ معنى جبرئيل:عبد إيل،رجل إيل.

فهذا تأويل قوله:عبد اللّه،و عبد الرّحمن،و كان يحيى بن يعمر يقرؤها(جبرئلّ)،و يقول:جبر:عبد، و إلّ هو اللّه.(الأزهريّ 11:59)

الزّجّاج: «جبرين»بالنّون أيضا بدل اللاّم،و هي لغة بني أسد،و بتشديد اللاّم.(الطّوسيّ 1:362)

ابن الأنباريّ: في«جبرئيل»سبع لغات:جبريل و جبريل و جبرئلّ،بكسر الهمزة و تشديد اللاّم، و جبرائيل بهمزة بعدها ياء مع الألف،و جبراييل بياءين بعد الألف،و جبرئيل بهمزة بعد الرّاء و ياء، و جبرئل بكسر الهمزة و تخفيف اللاّم.و جبرين و جبرين.[ثمّ استشهد بشعر](الجواليقيّ:161)

ابن جنّيّ: وزن جبرئيل:فعلئيل،و الهمزة فيه زائدة،لقولهم:جبريل.(ابن سيده 7:597)

الجوهريّ: و جبرائيل:اسم،يقال:هو جبر أضيف إلى«إيل».و فيه لغات:جبرئيل مثال جبرعيل، يهمز و لا يهمز.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جبريل بالكسر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبرئل مقصور مثال جبرعل،و جبرين بالنّون.

(2:608)

ابن سيده: و جبريل،و جبرين،و جبرئيل،كلّه:

اسم روح القدس عليه السّلام.(7:597)

أبو البركات: «جبريل»فيه لغتان،و لا ينصرف للعجمة،و التّعريف.(1:111)

ص: 837

المدينيّ: قال الجبّان:أصل جبرئيل:كفرئيل، و معناه:عبد اللّه القادر،و ليس بعربيّ الأصل.و قيل:

معناه رجل اللّه.(1:292)

الصّغانيّ: و في«جبرئيل»لغات،ذكر الجوهريّ منها خمسا،على أنّه قال في الخامسة:جبرين،و لم يقيّد «الجيم»،و يقال فيها:بفتح الجيم و كسرها،فهذه ستّ لغات.

و بقي«جبريل»،مثل:«سمويل»اسم طائر، و جبريل،بسكون الياء من غير همز؛و جبريل،بفتح الياء،و جبرائل،مثل«جبراعل»،و جبرائيل،مثل «جبراعيل»،بالهمز و تركه،و جبرئلّ.مثل«جبرعل»، بتشديد اللاّم،و جبرال،مثل«خزعال»،و جبرال،مثل «تنبال».

فهذه ثماني لغات أخر،فصار في«جبرائيل»أربع عشرة لغة.(2:440)

نحوه الفيّوميّ.(1:90)

الفيروزآباديّ: و جبرائيل،أي عبد اللّه،فيه لغات:كجبرعيل و حزقيل و جبرعل و سمويل و جبراعل و جبراعيل و جبرعلّ و خزعال و طربال، و بسكون الياء بلا همز جبريل،و بفتح الياء جبريل، و بيائين جبرييل،و جبرين بالنّون و يكسر.(1:399)

الطّريحيّ: [ذكر بعض اللّغات و قال:]

نقل أنّه عليه السّلام نزل على إبراهيم عليه السّلام خمسين مرّة، و على موسى أربعمائة مرّة،و على عيسى عشر مرّات، و على محمّد صلّى اللّه عليه و آله أربعة و عشرين ألف مرّة.(3:240)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جبريل أو جبرائيل:

اسم ملك الوحي،و هو أقرب ملائكة اللّه المقرّبين لديه، و هو روح القدس الّذي يرسله سبحانه إلى رسله لتبليغ رسالاتهم،و يسمّى:بالرّوح الأمين،و بروح القدس، لطهارته و تنزّهه عن مخالفة أمر ربّه.و ربّما سمّي روحا لمشابهته الرّوح الحقيقيّ في أنّ كلاّ منهما مادّة الحياة للبشر؛فجبريل روح من حيث ما يحمل من الرّسالات الإلهيّة الّتي يبلّغها لرسل اللّه،يحيي بها القلوب كما تحيي الرّوح الأجسام.(1:101)

المصطفويّ: [في القاموس العبريّ العربيّ:

«جابر»:]قدر،اقتدر،اشتدّ،تجبّر،زاد،ساد،تقوّى، تغلّب،تفوّق،أخضع،هذه المعاني كما ترى تؤيّد ما قلنا في حقيقة هذه الكلمة[في«جبر»]فحقيقة معنى (جبريل)هو مظهر نفوذ اللّه تعالى و قدرته،و سلطانه الغالب الحاكم،و سائر المعاني ليس لها أساس صحيح.(2:46)

النّصوص التّفسيريّة

1- مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ. البقرة:98

الطّبريّ: و أمّا(جبريل)فإنّ للعرب فيه لغات، فأمّا أهل الحجاز فإنّهم يقولون:جبريل و ميكال بغير همز،بكسر الجيم و الرّاء من(جبريل)و بالتّخفيف، و على القراءة بذلك عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة.

أمّا تميم و قيس و بعض نجد فيقولون:جبرئيل و ميكائيل،على مثال جبرعيل و ميكاعيل،بفتح الجيم و الرّاء و بهمز و زيادة ياء بعد الهمزة،و على القراءة بذلك

ص: 838

عامّة قرّاء أهل الكوفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد ذكر عن الحسن البصريّ و عبد اللّه بن كثير أنّهما كانا يقرءان(جبريل)بفتح الجيم و ترك الهمز و هي قراءة غير جائزة القراءة لأنّ«فعليل (1)في كلام العرب غير موجود،و قد اختار ذلك بعضهم،و زعم أنّه اسم أعجميّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا بنو أسد فإنّها تقول:جبرين بالنّون.و قد حكي عن بعض العرب أنّها تزيد في (جبريل) ألفا فتقول:

جبرائيل و ميكائيل.و قد حكي عن يحيى بن يعمر أنّه كان يقرأ (جبرئلّ) بفتح الجيم و الهمز و ترك المدّ و تشديد اللاّم،فأمّا جبر و ميك فإنّهما هما الاسمان اللّذان أحدهما بمعنى عبد و الآخر بمعنى عبيد،و أمّا«إيل»فهو اللّه تعالى ذكره.[إلى أن قال:]

فهذا تأويل من قرأ (جبرائيل) بالفتح و الهمز و المدّ، و هو إن شاء اللّه معنى من قرأ بالكسر و ترك الهمز.

و أمّا تأويل من قرأ ذلك بالهمز،و ترك المدّ و تشديد اللاّم،فإنّه قصد بقوله ذلك كذلك،إلى إضافة جبر و ميكا إلى اسم اللّه الّذي يسمّى به بلسان العرب دون السّريانيّ و العبرانيّ،و ذلك أنّ«الإلّ» (2)بلسان العرب:اللّه،كما قال: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً التّوبة:10، فقال جماعة من أهل العلم:«الإلّ»هو اللّه،و منه قول أبي بكر الصّدّيق لوفد بني حنيفة حين سألهم عمّا كان مسيلمة يقول،فأخبروه،فقال لهم:ويحكم أين ذهب بكم،و اللّه إنّ هذا الكلام ما خرج من إلّ و لا برّ،يعني من إلّ:من اللّه.

(1:437)

نحوه الفارسيّ(2:163)،و الزّمخشريّ(1:299).

الزّجّاج: (جبريل)في اسمه لغات،قرئ ببعضها و منها ما لم يقرأ به،فأجود اللّغات(جبرئيل)بفتح الجيم، و الهمز،لأنّ الّذي يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في صاحب الصّور:«جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره،هذا الّذي ضبطه أصحاب الحديث.

و يقال:(جبريل)بفتح الجيم و كسرها،و يقال أيضا (جبرألّ)بحذف الياء و إثبات الهمزة و تشديد اللاّم، و يقال:(جبرين)بالنّون.و هذا لا يجوز في القرآن،أعني إثبات النّون،لأنّه خلاف المصحف.[ثمّ استشهد بشعر] و هذا البيت على لفظ ما في الحديث و ما عليه كثير من القرّاء،و قد جاء في الشّعر«جبريل»قال الشّاعر:

و جبريل رسول اللّه منّا

و روح القدس ليس له كفاء

(1:179)

الماورديّ: قد دخل جبريل و ميكائيل في عموم الملائكة فلم خصّهما بالذّكر؟فعنه جوابان:

أحدهما:أنّهما خصّا بالذّكر تشريفا لهما و تمييزا.

و الثّاني:أنّ اليهود لمّا قالوا:جبريل عدوّنا، و ميكائيل وليّنا خصّا بالذّكر،لأنّ اليهود تزعم أنّهم ليسوا بأعداء للّه و ملائكته،لأنّ جبريل و ميكائيل مخصوصان من جملة الملائكة،فنصّ عليهما لإبطال ما يتأوّلونه من التّخصيص،ثمّ قال تعالى: فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ البقرة:98،و لم يقل:لهم،لأنّه قدل!

ص: 839


1- في الأصل:فعيل!
2- في الأصل في الموردين:الآل!

يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان.(1:163)

نحوه الطّوسيّ(1:364)،و الطّبرسيّ(1:167).

الفخر الرّازيّ: لمّا ذكر الملائكة فلم أعاد ذكر جبريل و ميكائيل مع اندراجهما في الملائكة؟الجواب لوجهين:

الأوّل:أفردهما بالذّكر لفضلهما،كأنّهما لكمال فضلهما صارا جنسا آخر سوى جنس الملائكة.

الثّاني:أنّ الّذي جرى بين الرّسول و اليهود هو ذكرهما،و الآية إنّما نزلت بسببهما،فلا جرم نصّ على اسميهما،و اعلم أنّ هذا يقتضي كونهما أشرف من جميع الملائكة و إلاّ لم يصحّ هذا التّأويل.

و إذا ثبت هذا فنقول:يجب أن يكون جبريل عليه السّلام أفضل من ميكائيل لوجوه:

أحدها:أنّه تعالى قدّم جبريل عليه السّلام في الذّكر، و تقديم المفضول على الفاضل في الذّكر مستقبح عرفا، فوجب أن يكون مستقبحا شرعا،لقوله عليه السّلام:«ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن».

و ثانيها:أنّ جبريل عليه السّلام ينزل بالقرآن و الوحي و العلم و هو مادّة بقاء الأرواح،و ميكائيل ينزل بالخصب و الأمطار و هي مادّة بقاء الأبدان،و لمّا كان العلم أشرف من الأغذية وجب أن يكون جبريل أفضل من ميكائيل.

و ثالثها:قوله تعالى في صفة جبريل: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ التّكوير:21،ذكره بوصف المطاع على الإطلاق،و ظاهره يقتضي كونه مطاعا بالنّسبة إلى ميكائيل،فوجب أن يكون أفضل منه.

و الواو في(جبريل و ميكال)قيل:واو العطف، و قيل:بمعنى أو يعني من كان عدوّا لأحد من هؤلاء،فإنّ اللّه عدوّ لجميع الكافرين.(1:194)

أبو حيّان :و خصّ جبريل و ميكال بالذّكر تشريفا لهما و تفضيلا.و قد ذكرنا عن أستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزّبير قدّس اللّه روحه أنّه كان يسمّي لنا هذا النّوع بالتّجريد،و هو أن يكون الشّيء مندرجا تحت عموم،ثمّ تفرّده بالذّكر،و ذلك لمعنى مختصّ به دون أفراد ذلك العامّ.فجبريل و ميكال جعلا كأنّهما من جنس آخر،و نزل التّغاير في الوصف كالتّغاير في الجنس فعطف،و هذا النّوع من العطف،أعني عطف الخاصّ على العامّ على سبيل التّفضيل،هو من الأحكام الّتي انفردت بها الواو،فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف.

[إلى أن قال:]

و جاء هذا التّرتيب في غاية الحسن فابتدئ بذكر اللّه،ثمّ بذكر الوسائط الّتي بينه و بين الرّسل،ثمّ بذكر الوسائط الّتي بين الملائكة و بين المرسل إليهم،فهذا ترتيب بحسب الوحي،و لا يدلّ تقديم الملائكة في الذّكر على تفضيلهم على رسل بني آدم،لأنّ التّرتيب الّذي ذكرناه هو ترتيب بالنّسبة إلى الوسائط لا بالنّسبة إلى التّفضيل.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ المشار إليه ذيل:نصّ الطّبريّ](1:322)

الآلوسيّ: و أفرد الملكان بالذّكر تشريفا لهما و تفضيلا،كأنّهما من جنس آخر تنزيلا للتّغاير في الوصف منزلة التّغاير في الذّات.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:لأنّ اليهود ذكروهما و نزلت الآية بسببهما،

ص: 840

و قيل:للتّنبيه على أنّ معاداة الواحد و الكلّ سواء في الكفر،و استجلاب العداوة من اللّه تعالى،و إنّ من عادى أحدهم فكأنّما عادى الجميع،لأنّ الموجب لمحبّتهم و عداوتهم على الحقيقة واحد و إن اختلف بحسب التّوهّم و الاعتقاد،و لهذا أحبّ اليهود ميكائيل و أبغضوا جبريل.

و استدلّ بعضهم بتقديم جبريل على ميكائيل على أنّه أفضل منه و هو المشهور،و استدلّوا عليه أيضا بأنّه ينزل بالوحي و العلم و هو مادّة الأرواح،و ميكائيل بالخصب و الأمطار و هي مادّة الأبدان،و غذاء الأرواح أفضل من غذاء الأشباح.

و اعترض بأنّ التّقديم في الذّكر لا يدلّ على التّفضيل؛إذ يحتمل أن يكون ذلك للتّرقّي أو لنكتة أخرى،كما قدّمت الملائكة على الرّسل و ليسوا أفضل منهم عندنا،و كذا نزوله بالوحي ليس قطعيّا بالأفضليّة؛ إذ قد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل فلا بدّ في التّفضيل من نصّ جليّ واضح.

و أنا أقول بالأفضليّة و ليس عندي أقوى دليلا عليها من مزيد صحبته لحبيب الحقّ بالاتّفاق و سيّد الخلق على الإطلاق صلّى اللّه عليه و آله.و كثرة نصرته و حبّه له و لأمّته،و لا أرى شيئا يقابل ذلك،و قد أثنى اللّه تعالى عليه عليه السّلام بما لم يثن به على ميكائيل بل و لا على إسرافيل و عزرائيل و سائر الملائكة أجمعين.

و أخرج الطّبرانيّ-لكن بسند ضعيف-عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،قال:«قال رسول اللّه عليه السّلام أ لا أخبركم بأفضل الملائكة جبرائيل»و أخرج أبو الشّيخ عن موسى بن عائشة،قال:«بلّغني أنّ جبريل إمام أهل السّماء».(1:334)

مكارم الشّيرازيّ: ورد اسم(جبريل)ثلاث مرّات و اسم(ميكال)مرّة واحدة في القرآن الكريم، و يستفاد من الآيات أنّهما ملكان مقرّبان من ملائكة اللّه تعالى.قيل:إنّ اسم جبريل عبريّ،يعني«رجل اللّه»أو «قوّة اللّه»جبر تعني الرّجل أو القوّة،و ئيل بمعنى اللّه.

هذه الآيات الكريمة تعرّف جبريل أنّه رسول الوحي الإلهيّ إلى النّبيّ،و منزّل القرآن على قلبه، و لواسطة الوحي اسم آخر في الآية(102)من سورة النّحل هو: رُوحُ الْقُدُسِ. أمّا الآية(193)من سورة الشّعراء فتسمّيه اَلرُّوحُ الْأَمِينُ، و يصرّح المفسّرون أنّ المقصود من(روح القدس)،و(الرّوح الامين)هو جبرائيل.

و هناك أحاديث تدور حول تشكّل جبرائيل بصور متعدّدة لدى نزوله على النّبيّ،و كان في المدينة ينزل على صورة(دحية الكلبيّ)و هو رجل جميل الطّلعة.

يستفاد من سورة النّجم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله شاهد جبرائيل مرّتين على هيئته الأصليّة.

ذكرت المصادر الإسلاميّة أسماء أربعة من الملائكة المقرّبين هم:جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل، و أعظمهم مرتبة جبرائيل.

و في كتب اليهود ورد ذكر جبريل و ميكال،و من ذلك ما ورد في كتاب دانيال؛حيث وصف جبرائيل بأنّه الغالب و أنّه رئيس الشّياطين!و وصف ميكائيل بأنّه حامي قوم بني إسرائيل.

ذكر بعض المحقّقين أنّ المصادر اليهوديّة خالية من

ص: 841

الدّلالة على خصومة جبرائيل لهؤلاء القوم،و هذا يؤيّد أنّ ادّعاءات اليهود بشأن موقفهم من جبرائيل،لم يكن إلاّ ذريعة للتّنصّل من الإسلام؛إذ لا يوجد في مصادرهم الدّينيّة ما يشير إلى وجود مثل هذه العداوة بينهم و بين جبرائيل.(1:266)

نحوه فضل اللّه.(2:132)

2- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. التّحريم:4

الطّوسيّ: [ذكر القراءات كما تقدّم في سورة البقرة عن الطّبريّ](10:44)

نحوه الطّبرسيّ.(5:313)

الزّمخشريّ: رأس الكروبيّين،و قرن ذكره بذكره مفردا له من بين الملائكة،تعظيما له و إظهارا لمكانته عنده.(4:127)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:44)،و البيضاويّ(2:

486)،و أبو السّعود(6:268)،و الآلوسيّ(28:53).

ابن عطيّة: وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ يحتمل أن يكون عطفا على اسم اللّه تعالى في قوله:(هو) فيكون وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ في الولاية، و يحتمل أن يكون(جبريل)رفعا بالابتداء،و ما بعده عطف عليه.(5:332)

مثله القرطبيّ.(18:192)

أبو حيّان :و يكون(و جبريل)مبتدأ و ما بعده معطوف عليه،و الخبر(ظهير)،فيكون ابتداء الجملة ب(جبريل)و هو أمين وحي اللّه،و اختتامه بالملائكة.

و بدئ ب(جبريل)و أفرد بالذّكر تعظيما له،و إظهارا لمكانته عند اللّه،و يكون قد ذكر مرّتين:مرّة بالنّصّ، و مرّة في العموم،و اكتنف (صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) جبريل تشريفا لهم و اعتناء بهم؛إذ جعلهم بين الّذين يسبّحون اللّيل و النّهار لا يفترون.فعلى هذا(جبريل)داخل في الظّهراء لا في الولاية،و يختصّ الرّسول بأنّ اللّه هو مولاه.

و جوّزوا أن يكون(و جبريل و صالح المؤمنين) عطفا على اسم(اللّه)فيدخلان في الولاية و يكون (و الملائكة)مبتدأ،و الخبر(ظهير)فيكون(جبريل) داخلا في الولاية بالنّصّ،و في الظّهراء بالعموم.

(8:291)

نحوه البروسويّ.(10:53)

الأصول اللّغويّة

1-انكفأ من تكلّم في«جبريل»من اللّغويّين و المفسّرين على بيان معناه أو منشئه أو لغاته،و ذهبوا في ذلك مذاهب شتّى،حتّى أحصوا من لغاته عشرين لغة تقريبا،و من معانيه حوالي عشرة.بيد أنّهم توافقوا جميعا في كونه أعجميّا،فبعضهم قال:هو عبريّ،و آخر قال:سريانيّ.

و لم يشذّ أحد من علماء الأديان السّماويّة في أنّه اسم للملك الّذي أرسله اللّه إلى الأنبياء؛إذ جاء في العهد العتيق:«سمعت صوت إنسان بين أولاي،و قال:

يا جبرائيل فهّم هذا الرّجل«الرّؤيا»دانيال(8:16)، و في العهد الجديد:«أنا جبرائيل الواقف قدّام اللّه،

ص: 842

و أرسلت لأكلّمك و أبشّرك بهذا»إنجيل لوقا(1:19).

كما سمّى به اليهود و النّصارى ذكورهم قديما و حديثا،و أشهر من سمّي به«جبرائيل بن بختيشوع» الطّبيب المسيحيّ المعروف في صدر الدّولة العباسيّة، و«جبرائيل الثّامن»بطريرك الأقباط،و«جبرائيل الموصليّ»و هو راهب موصليّ و غيرهم.

2-و لفظ«جبريل»مركّب من«جبر»و«إيل»كما اتّفق المحقّقون قاطبة،و كلاهما عبريّ حسبما ذهب إليه المتأخّرون و المستشرقون.و رغم أنّهم على وفاق في أنّ لفظ«إيل»يعني اللّه،إلاّ أنّهم على خلاف في معنى «جبر»،فبعض قال:رجل،و هو في العبريّة«جبر»، و قال بعض:قوّة.

فمن قال بالمعنى الأوّل-أي الرّجل-يصير الاسم بعد التّركيب«جبرئيل»و بعد التّعريب«جبريل»، بتبديل موضعي السّكون و الكسرة للباء و الرّاء،و حذف همزة«إيل»،لأنّه ليس في كلام العرب«فعلئيل»أو «فعلئيل»،و بها قرأ أبو عمرو و نافع و ابن عامر و غيرهم،و هي لغة الحجاز،و تعدّ أشهر اللّغات و أفصحها.أو«جبرئل»بحذف الياء،و هي قراءة عاصم.

و من قال بالمعنى الثّاني-أي القوّة-أخذه من الفعل اللاّزم«جابر»،و يصير بعد التّركيب و التّعريب«جبرئيل» بحذف الألف و تبديل موضعي السّكون و الفتحة للباء و الرّاء،و بها قرأ حمزة و الكسائيّ،و هي لغة قيس و تميم.

أو«جبرائيل»بنقل الألف إلى ما بعد الرّاء،و التّبديل بين السّكون و الفتحة كما تقدّم.أو«جبرائل»،و هو كاللّفظ السّابق،إلاّ أنّه تحذف منه الياء،و بها قرأ عكرمة و فيّاض بن غزوان و يحيى بن يعمر.أو«جبرييل»مثل:

سلسبيل،و هو نظير«جبرئيل»بتسهيل الهمزة.أو «جبراييل»نظير«جبرائيل»،بتسهيل الهمزة أيضا، و هي قراءة الأعمش.

أو أخذه من الفعل المتعدّي«جبر»،و يصير بعد التّركيب و التّعريب«جبريل»على القراءة المشهورة، بتبديل موضعي السّكون و الفتحة للباء و الرّاء،و حذف الهمزة،ثمّ قلب فتحة الرّاء كسرة لمجاراة الياء.

الاستعمال القرآنيّ

جاء جبريل ثلاث مرّات اسما لملك الوحي:

1 و 2- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ* مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ البقرة:97،98

3- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ التّحريم:4

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات كلّها مدنيّة فتتقوّى بذلك علاقتها باليهود القاطنين بالمدينة؛حيث كانوا أعداء لجبريل الّذي أنزل القرآن على النّبيّ عليه السّلام،و كانت عداوتهم له ناشئة من ذلك تنقيصا للوحي القرآنيّ،و إلاّ فقد سبق في النّصوص أنّه لا يوجد في كتبهم المقدّسة ما يشعر بها.و يشهد بذلك(1): قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ.

ص: 843

ثانيا:كما يتقوّى بذلك أيضا ما كادوا أن يتّفقوا عليه من أنّ الكلمة عبريّة،جاءت مع كلمات أخرى أسماء للملائكة المقرّبين في تلك الكتب،و يؤيّدها اختلاف العرب في التّلفّظ بها لأنّها كانت أجنبيّة عن لغتها، فاضطربوا في أداءها،أو لم يهتمّوا بها جريا على سنّتهم «إنّها كلمة أعجميّة فالعب بها ما شئت»و أدّى ذلك إلى اختلاف القراءات،كما جاءت في النّصوص.و هذا شاهد على أنّ كثيرا من القراءات نشأت من اللّهجات،و هو الحقّ عندنا.

ثالثا:جاء جبريل في(1)منفردا تنديدا و تعنيفا لهم على عداوتهم له،و في(2)عقيب اللّه و ملائكته و رسله، و بعده ميكال،و في(3)مع اللّه و ملائكته و صالح المؤمنين إعلاما بأنّ عداوة جبريل هي بمثابة عداوة اللّه و رسله و ملائكته جميعا و عداوة ميكال خاصّة،و أنّ الدّين لا يتبعّض،فمن أنكر شيئا منه كان بمنزلة من أنكر الجميع،كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً* أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا النّساء:150،151، و قال: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285، و نظيرها آيات أخرى،لاحظ«ف ر ق».

رابعا:تسمية جبريل و ميكال بعد(ملائكته)في(2) من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ-و قد سمّاه بعضهم تجريدا،و فيه إشعار بتقديمهما على سائر الملائكة عند اللّه، كما أنّ تقديم جبريل على ميكال مشعر بأنّه أفضل من ميكال عند اللّه،و يشهد به موقفه و منصبه في سلسلة المناصب الإلهيّة،فقد فوّض إليه أمر الوحي كما تشهد به الآيات،و فوّض إلى ميكال أمر الأرزاق،كما تنطق به الرّوايات؛و الوحي أفضل و أرقى من الأرزاق،فإنّه غذاء الأرواح،و الأرزاق غذاء الأجسام،و بينهما بون بعيد، فالإنسان إنسان بروحه لا بجسمه.

خامسا:جاء التّعبير عن جبريل ملك الوحي ب(روح القدس): قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا النّحل:102، و ب(الرّوح الأمين): نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ الشّعراء:

193،فقد قسمهما اللّه بين النّبيّ و المؤمنين،فخصّ النّبيّ ب(الرّوح الامين)بصورة الصّفة،و خصّ المؤمنين ب(روح القدس)بصورة الإضافة،و ب(شديد القوى):

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى النّجم:5،و ب(رسول كريم) و بجملة من الصّفات: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ التّكوير:

19-21.

كما وصف اللّه ملائكته بقوله: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:15،16.لاحظ«روح،ق د س،أ م ن، ق و ي،ك ر م،م ل ك»و غيرها.

ص: 844

ج ب ل

اشارة

6 ألفاظ،41 مرّة:35 مكّيّة،6 مدنيّة

في 33 سورة:27 مكّيّة،6 مدنيّة

جبل 3:1-2 الجبال 31:28-3

الجبل 3:3 جبلاّ 1:1

جبال 2:1-1 الجبلّة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجبل:اسم لكلّ وتد من أوتاد الأرض إذا عظم و طال،من الأعلام و الأطوار و الشّناخيب و الأنضاد.فإذا صغر فهو من الآكام و القيران.

و جبلة الجبل:تأسيس خلقته الّتي جبل عليها.

و جبلة الأرض:صلابها.

و جبلة كلّ مخلوق:توسه (1)الّذي طبع عليه.

و يقال للثّوب الجيّد النّسج و الغزل و الفتل:إنّه لجيّد الجبلة.

و جبلة الوجه:بشرته.

و رجل جبل الوجه،أي غليظ بشرة الوجه.

و رجل جبل الرّأس:غليظ جلد الرّأس و العظام.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبلّ:الخلق،جبلهم اللّه،فهم مجبولون.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ أمّة مضت فهي جبلة على حدة،و قال تعالى:

وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:184.

و أمّا الجبلّ،فمن خفّف اللاّم جعله مثل قبيل و قبل.

و جبيل و جبل،و هو الخلق أيضا.

و من قرأ: (جِبِلاًّ) فهو على ثقل الجبلة و معناها واحد.

و جبل الإنسان على هذا الأمر،أي طبع عليه.

و أجبل القوم،أي صاروا في الجبال،و تجبّلوا أي دخلوها.

ص: 845


1- توس-بالفتح،و في مصادر أخرى بالضّمّ-:الطّبيعة و الخلق.

و يقال:و الجبل:الشّجر اليابس.(6:136)

الكسائيّ: الجبلّة و الجبلّة تكسر و ترفع،مشدّدة كسرت أو رفعت،فإذا أردت جماع الجبيل قلت:جبلا، مثل قبيل و قبل.(الأزهريّ 11:96)

الفرّاء: الجبل:سيّد القوم و عالمهم.

فمعنى«أجنّ اللّه جباله»أي سادات قومه،يقال:

هؤلاء جبال بني فلان،و هؤلاء أنياب بني فلان،أي سادتهم.(الأزهريّ 11:96)

الأصمعيّ: الجبل:النّاس الكثير،و العبر مثله.

(الأزهريّ 11:95)

قولهم:«أجنّ اللّه جباله»معناه أجنّ اللّه جبلته،أي خلقته.(الأزهريّ 11:96)

الجبلّ و القبض:الجماعة الكثيرة.(الثّعالبيّ:70)

ابن الأعرابيّ: أجبل،إذا صادف جبلا من الرّمل،و هو العريض الطّويل.و أحبل،إذا صادف حبلا من الرّمل،و هو الدّقيق الطّويل.(الأزهريّ 11:97)

سألته فأجبل،أي وجدته جبلا.(ابن سيده 7:440)

و ابنة الجبل:الحيّة،لأنّ الجبل مأواها.

(ابن سيده 7:441)

و فيه جبلة،أي عيب.(ابن سيده 7:442)

ابن السّكّيت: يقال:مال جبل،أي كثير.[ثمّ استشهد بشعر](7)

أجبل القوم،أي صاروا إلى الجبل.

(الجوهريّ 4:1650)

الدّينوريّ: و الجبل من السّهام:الجافي البري.

(ابن سيده 7:441)

و الجبل:القدح العظيم.(ابن سيده 7:442)

ثعلب :الجبلة:الخلقة،و جمعها:جبال،و العرب تقول:«أجنّ اللّه جباله»أي جعله كالمجنون.

(ابن سيده 7:441)

أبو الهيثم: جبل و جبل،و جبل و جبلّ،و لم يعرف جبلاّ بالضّمّ و تشديد اللاّم،و جبيل و جبلّة، لغات كلّها.(الأزهريّ 11:96)

الزّجّاج: جبل اللّه عزّ و جلّ الخلق جبلا.

و أجبل الرّجل في الحفر،إذا بلغ إلى الحجارة في حفر البئر.(فعلت و أفعلت:9)

ابن دريد :و الجبل معروف،و رجل ذو جبلة،إذا كان غليظ الجسم،و كذلك رجل مجبول،إذا كان غليظا.

و الجبلّة:الأمّة من النّاس،و كذلك الجبلّة.

و أجبل الحافر،إذا أفضى إلى موضع لا يمكنه الحفر فيه.و أجبل الشّاعر،إذا صعب عليه القول.

و الجبلّة:الفطرة،جبل اللّه عزّ و جلّ الخلق يجبلهم و يجبلهم.و هذه جبلّة فلان،أي خليقته الّتي خلق عليها.

و قد سمّت العرب جبلا و جبيلا و جبلة.

و يوم جبلة:يوم معروف.و جبلة:موضع معروف بنجد.

و قد جمعوا جبلا:جبالا و أجبالا.

و يقال:جاء بمال جبل،أي كثير.و الجبل من النّاس:الجماعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك الجبل،و كذلك الجبل و الجبلّ.(1:212)

نحوه الطّوسيّ(2:331)،و الطّبرسيّ(1:372).

ابن بزرج: قالوا:لا حيّا اللّه جبلته؛و جبلته:

ص: 846

غرّته.(الأزهريّ 11:97)

الأزهريّ: قيل:«أجنّ اللّه جباله»أي الجبال الّتي يسكنها،أي أكثر اللّه فيها الجنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(11:96)

و في النّوادر:اجتبلت فلانا على أمر و جبلته،أي أجبرته.(11:97)

الصّاحب: و أجبل القوم:صاروا في الجبال.

و تجبّلوا:دخلوها.

و جبلة الوجه:بشرته.

و جبلة المخلوق:توسه الّذي طبع عليه.

و ثوب جيّد الجبلة،أي الغزل و الفتل.

و جبل الرّأس:قليل الحلاوة.

و يقال:لا حيّا اللّه جبلته،أي وجهه الغليظ.

و أحسن اللّه جباله:بمعنى جسده و خلقه المجبول و جباله.

و الجبلة:السّنام في قول الأعشى.[و قد جاء بشعره في الهامش]و قيل:هو اسم جبل.

و الجبلّ:الخلق،جبلهم اللّه فهم مجبولون.و جبّلهم -للتّكثير-فهم مجبّلون.و الخلق:الجبلّة،و كلّ أمّة مضت فهي جبلة،و كذلك الجبلّ و الجبل مخفّف.و جبل الإنسان على كذا:طبع عليه.

و التّجبيل:التّقطيع،جبّلت الشّجر:قطّعته.

و تجبّلت ما عنده:استنظفته.

و أصابت بني فلان جبلّة بوزن صملّة،أي سنة صعبة.

و الإجبال:المنع،سألناهم فأجبلوا.

و إذا وقع حافر البئر على جبل قيل:أجبل.

و الجبل من النّصال:الّذي ليس بحديد،و لا ينفذ في الشّيء،و فأس جبلة.و أجبل القوم،أي جبل حديدهم.

و مال جبل و جبل،أي كثير.و كذلك الجبل من النّاس،و الجبلّ مثله.

و الجبيلة:القبيلة،عظيمة كانت أو صغيرة.

(7:117)

الخطّابيّ: في حديث عكرمة:«أنّ خالدا الحذّاء كان يسأله فسكت خالد فقال له عكرمة:ما لك أجبلت؟»معناه انقطعت،و أصله:أن يحفر الرّجل في الأرض حتّى إذا بلغ صخرة لا يحيك فيها المعول،قيل:قد أجبل،أي أفضى إلى جبل،كما يقال:أكدى،إذا كان يحفر فأفضى إلى كدية،و هي القطعة الصّلبة من الأرض.

(3:77)

الجوهريّ: الجبل:واحد الجبال.و الجبلان:جبلا طيّئ:أجأ و سلمى.

و جبله اللّه،أي خلقه.

و أجبل القوم،إذا حفروا فبلغوا المكان الصّلب.

و الجبلة بالكسر:الخلقة،يقال للرّجل إذا كان غليظا:إنّه لذو جبلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال أيضا:حيّ جبل،أي كثير.

و امرأة مجبال،أي غليظة الخلق.

و شيء جبل بكسر الباء،أي غليظ جاف.

و الجبلة بالضّمّ:السّنام.و الجبل:الجماعة من النّاس.(4:165)

أبو هلال :الفرق بين النّاس و الجبلّة:أنّ الجبلّة اسم

ص: 847

يقع على الجماعات المجتمعة من النّاس حتّى يكون لهم معظم و سواد،و ذلك أنّ أصل الكلمة:الغلظ و العظم، و منه قيل:الجبل،لغلظه و عظمه.و رجل جبل و امرأة جبلة:غليظة الخلق،و في القرآن: وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ الشّعراء:184،و قال تعالى: وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً يس:62،أي جماعات مختلفة مجتمعة أمثالكم.

و الجبلّ:أوّل الخلق،جبله،إذا خلقه الخلق الأوّل، و هو أن يخلقه قطعة واحدة قبل أن يميّز صورته،و لهذا قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها»و ذلك أنّ القلب قطعة من اللّحم،و ذلك يرجع إلى معنى الغلظ.(229)

الهرويّ: رجل مجبول:عظيم،على التّشبيه بالجبل،و في حديث ابن مسعود:«و كان رجلا مجبولا».

(ابن سيده 7:441)

ابن سيده: الجبل:كلّ وتد من أوتاد الأرض إذا عظم و طال،و أمّا ما صغر و انفرد فهو من القنان و القور و الأكم.و الجمع:أجبل و أجبال و جبال.و أجبل القوم:

صاروا إلى الجبل،و تجبّلوا:دخلوا في الجبل،و استعاره أبو النّجم للمجد و الشّرف.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبلة الجبل،و جبلته:خلقته الّتي خلق عليها.

و أجبل الحافر:انتهى إلى جبل.

و سألته فأجبل،أي وجدته جبلا،عن ابن الأعرابيّ.هكذا حكاه،و إنّما المعروف في هذا أن يقال فيه:فأجبلته.

و أجبل الشّاعر:صعب عليه القول،كأنّما انتهى إلى جبل منه،و هو منه.

و ابنة الجبل:الدّاهية،لأنّها تثقل فكأنّها جبل.

و ابنة الجبل:القوس إذا كانت من النّبع الّذي يكون هناك.

و جبلة الأرض:صلابتها.

و الجبلة:السّنام.

و الجبل:السّاحة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:أجبل،و جبول.

و جبل اللّه الخلق يجبلهم،و يجبلهم:خلقهم.

و جبله على الشّيء:طبعه.

و جبلة الشّيء:طبيعته و أصله،و ما بني عليه.

و جبلته،و جبلته،بالفتح عن كراع:خلقه.

و الجبلة،و الجبلة،و الجبلّ،و الجبلّة و الجبيل، و الجبل،و الجبل،كلّ ذلك:الأمّة من الخلق،و الجماعة من النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و مال جبل:كثير.و الجبلة:الوجه،و قيل:

ما استقبلك منه.

و قيل:جبلة الوجه:بشرته.

و رجل جبيل الوجه:قبيحه،و هو أيضا:الغليظ جلدة الرّأس و العظام.

و امرأة جبلة:غليظة.

و جبل،و جبيل،و جبلة:أسماء.

و يوم جبلة:معروف.و جبلة:موضع بنجد.

(7:440)

الطّوسيّ: و الجبل:جسم عظيم الغلظ شاخص من الأرض،هولها كالوتد في عظمه،و جمعه:أجبال

ص: 848

و جبال.(5:560)

و الجبلّ:الجمع الّذين جبلوا على خليقة،و جبلوا، أي طبعوا.

و أصل الجبل:الطّبع،و منه جبلت التّراب بالماء، إذا صيّرته طينا يصلح أن يطبع فيه،و منه الجبل،لأنّه مطبوع على الثّبات.(8:470)

نحوه الطّبرسيّ.(4:201)

الرّاغب: الجبل:جمعه أجبال و جبال.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و اعتبر معانيه فاستعير،و اشتقّ منه بحسبه،فقيل:

فلان جبل لا يتزحزح،تصوّرا لمعنى الثّبات فيه.و جبله اللّه على كذا:إشارة إلى ما ركّب فيه من الطّبع الّذي يأبى على النّاقل نقله.و فلان ذو جبلّة،أي غليظ الجسم، و ثوب جيّد الجبلّة.و تصوّر منه معنى العظم فقيل للجماعة العظيمة:جبلّ.(87)

الزّمخشريّ: جبله اللّه على الكرم:خلقه،و هو مجبول عليه.«و أجنّ اللّه جباله»أي قبر خلقه من الجنن.

و جبلّة فلان على كذا،و هو من الجبلّة الأوّلين. وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً يس:62،و أجبل القوم و تجبّلوا:صاروا في الجبال.

و من المجاز:امرأة جبلة:عظيمة الخلق.و ناقة جبلة السّنام:تامكته،و رجل جبل الوجه و جبل الرّأس:

غليظهما،و سيف جبل و مجبال:لم يرقّق.قال:

*صافي الحديدة لا ناب و لا جبل*

و امرأة مجبال:غليظة الخلق،و يقال للثّوب المحكم:

إنّه لجيّد الجبلّة.

و أجبل الحافر:بلغ الصّلابة و إن لم تكن جبلا، و أجبل الشّاعر:أفحم،و سألناهم فأجبلوا،إذا لم ينوّلوا.

و طلب حاجة فأجبل،أي أخفق.و أجبل القوم:

لم ينفذ حديدهم.(أساس البلاغة:51)

المدينيّ: في حديث الدّعاء للخادم و المرأة:

«أسألك من خيرها و خير ما جبلت عليه»أي خلقت و طبعت عليه.

و في صفة عبد اللّه بن مسعود:«أنّه كان رجلا مجبولا ضخما».

المجبول:المجتمع الخلق،و امرأة جبلة و مجبولة:عظيمة الخلق.

و قيل:يحتمل أن يريد به مطبوعا،أي حسن الشّمائل مع كونه ضخما،كأنّه جمع إلى الضّخامة في الجسم و الخلق اللّطافة في الطّبع و الخلق و قلّ ما يجتمعان.

(1:293)

ابن برّيّ: «ابنة الجبل»تنطلق على عدّة معان:

أحدها:أن يراد بها الصّدى،و يكون مدحا لسرعة إجابته.[ثمّ استشهد بشعر]

ثانيها:و قد يضرب ابنة الجبل الّذي هو الصّدى مثلا للرّجل الإمّعة المتابع الّذي لا رأي له،و في بعض الأمثال:كنت الجبل مهما يقل تقل.

ثالثها:و ابنة الجبل:الدّاهية،لأنّها تثقل كأنّها جبل.

[ثمّ استشهد بشعر]

رابعها:و ابنة الجبل:القوس إذا كانت من النّبع الّذي يكون هناك،لأنّها من شجر الجبل.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 11:97)

ص: 849

الفيّوميّ: الجبل:معروف،و الجمع:جبال،و أجبل على قلّة.قال بعضهم:و لا يكون جبلا إلاّ إذا كان مستطيلا.

و الجبلّة بكسرتين و تثقيل اللاّم:الطّبيعة و الخليقة و الغريزة بمعنى واحد.

و جبله اللّه على كذا من باب«قتل»:فطره عليه، و شيء جبلّيّ:منسوب إلى الجبلّة،كما يقال:طبيعيّ،أي ذاتيّ،منفعل عن تدبير الجبلّة في البدن بصنع باريها.

ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ يس:38.(90)

الفيروزآباديّ: الجبل محرّكة:كلّ وتد للأرض عظم و طال،فإن انفرد فأكمة أو قنّة،الجمع:أجبل و جبال و أجبال،و سيّد القوم و عالمهم.

و الجبلان:سلمى و أجأ.و جبل بن جوّال:صحابيّ.

و بلاد الجبل:مدن بين أذربيجان و عراق العرب و خوزستان و فارس و بلاد الدّيلم،نسب إليها حسن بن عليّ الجبليّ.

و أجبلوا:صاروا إلى الجبل،و تجبّلوا:دخلوا فيه.

و أجبله:وجده جبلا،أي بخيلا،و الشّاعر:صعب عليه القول،و الحافر:بلغ المكان الصّلب.

و ابنة الجبل:الحيّة،و الدّاهية،و القوس من النّبع.

و المجبول:الرّجل العظيم.

و الجبل:السّاحة،و بالكسر:الكثير و يضمّ، و بالضّمّ:الشّجر اليابس،و الجماعة منّا كالجبل كعنق و عدل و عتلّ و طمرّ و طمرّة و أمير.

و الجبل ككتف:السّهم الجافي البري،أو كلّ غليظ جاف،و الأنيث من النّصال.

و أجبلوا:جبل حديدهم.

و الجبلة و يكسر:الوجه أو بشرته،أو ما استقبلك منه،و المرأة الغليظة،و العيب،و القوّة،و صلابة الأرض، و بالكسر و بالضّمّ و كطمرّة:الأمّة و الجماعة،و كحزقّة و طمرّة:الكثرة من كلّ شيء.

و الجبلة بالكسر و كحزقّة:الأصل.

و ثوب جيّد الجبلة بالكسر،أي الغزل.

و الجبلة مثلّثة و محرّكة و كطمرّة:الخلقة و الطّبيعة، و بالضّمّ:السّنام و يفتح،و ككتاب:الجسد و البدن.

و جبلهم اللّه تعالى يجبل و يجبل:خلقهم،و على الشّيء:طبعه،و جبره كأجبله.

الجبلّة كالأبلّة:السّنة المجدبة.

و التّجبيل:التّقطيع.و تجبّل ما عنده:استنظفه.

و امرأة جبلة و مجبال:غليظة.

و رجل جبيل الوجه كأمير:قبيحه.

و رجل جبل الرّأس:قليل الحلاوة،و ذو جبلة بالكسر:غليظ،و كتنّور:قرية قرب حلب،و كقنفذ:

قدح غليظ من خشب.(3:355)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو ما يكون فطريّا و عظيما،و من مصاديق هذا المفهوم المتظاهر في الطّبيعة:الجبال،و من النّاس منفردا أو مجتمعا ما يكون بالطّبيعة كبيرا أو كثيرا أو عظيما كالرّجل المجبول،و امرأة جبلة أو مجبال،و حيّ جبل،و الجبل في الجماعة،و الجبلّة في الأمّة،و من الأشياء ما جبل في الطّبيعة عظيما.

فالقيدان:الفطرة و العظمة،مأخوذان في جميع مشتقّاتها.[ثمّ ذكر الآيات](2:48)

ص: 850

النّصوص التّفسيريّة

جبل

لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ... الحشر:21

راجع«ق ر أ»(القرآن).

الجبل

1-و 2- ...قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً...

الأعراف:143

راجع«ر أ ي».

3- وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ. الأعراف:171

ابن عبّاس: قلعنا و رفعنا و حبسنا الجبل(فوقهم) فوق رءوسهم.(141)

فقال لهم موسى:خذوا ما آتيناكم بقوّة،يقول:من العمل بالكتاب،و إلاّ خرّ عليكم الجبل،فأهلككم، فقالت:بل نأخذ ما آتانا اللّه بقوّة،ثمّ نكثوا بعد ذلك.

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 9:108)

إنّي لأعلم خلق اللّه،لأيّ شيء سجدت اليهود على حرف وجوههم،لمّا رفع الجبل فوقهم،سجدوا و جعلوا ينظرون إلى الجبل،مخافة أن يقع عليهم،فكانت سجدة رضيها اللّه،فاتّخذوها سنّة.(الطّبريّ 9:108)

مجاهد: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ كما تنتق الزّبدة.

(الطّبريّ 9:109)

سبب رفع الجبل عليهم أنّهم أبوا أن يقبلوا فرائض التّوراة لما فيها من المشقّة،فوعظهم موسى فلم يقبلوا، فرفع الجبل فوقهم،و قيل لهم:إن أخذتموه بجدّ و اجتهاد، و إلاّ ألقي عليكم.(الماورديّ 2:276)

الحسن :لمّا نظروا إلى الجبل خرّ كلّ رجل ساجدا على حاجبه الأيسر،و نظر بعينه اليمنى إلى الجبل،فرقا من أن يسقط عليه،فلذلك ليس في الأرض يهوديّ يسجد إلاّ على حاجبه الأيسر،يقولون:هذه السّجدة الّتي رفعت عنّا بها العقوبة.(الطّبريّ 9:109)

قتادة :جبل نزعه اللّه من أصله،ثمّ جعله فوق رءوسهم،فقال:لتأخذنّ أمري،أو لأرمينّكم به.

(الطّبريّ 9:109)

الإمام الصّادق عليه السّلام:لمّا أنزل اللّه التّوراة على بني إسرائيل لم يقبلوه،فرفع اللّه عليهم جبل طور سيناء، فقال لهم موسى عليه السّلام:إن لم تقبلوه وقع عليكم الجبل، فقبلوه و طأطئوا رءوسهم.(القمّيّ 1:246)

الفرّاء: رفع الجبل على عسكرهم فرسخا في فرسخ.(1:399)

نحوه أبو عبيدة.(1:232)

ابن قتيبة :أي زعزعناه.و يقال:نتقت السّقاء، إذا نفضته لتقتلع الزّبدة منه.و كان نتق الجبل أنّه قطع منه شيء على قدر عسكر موسى،فأظلّ عليهم.و قال لهم موسى:إمّا أن تقبلوا التّوراة و إمّا أن يسقط عليكم.

(174)

ص: 851

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و اذكر يا محمّد إذا اقتلعنا الجبل،فرفعناه فوق بني إسرائيل، كأنّه ظلّة غمام من الظّلال.(9:108)

نحوه السّجستانيّ(71)،و الطّوسيّ(5:28)، و الطّبرسيّ(2:496)،و الخازن(2:252).

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:أحدها:[قول ابن قتيبة المتقدّم]

و الثّاني:بمعنى جذبناه،و النّتق:الجذب،و منه قيل للمرأة الولود:ناتق.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّالث:معناه و رفعناه عليهم من أصله.[ثمّ نقل كلام مجاهد و الفرّاء المتقدّم و قال:]

و اختلف في سبب رفع الجبل عليهم،هل كان انتقاما منهم أو إنعاما عليهم؟على قولين:

أحدهما:أنّه كان انتقاما بالخوف الّذي دخل عليهم.

الثّاني:كان إنعاما لإقلاعهم به عن المعصية.

(2:276)

الواحديّ: أي رفعناه باقتلاع له من أصله،يقال:

نتقه ينتقه نتقا،إذا قلعه من أصله.(2:423)

نحوه الطّباطبائيّ.(8:301)

البغويّ: أي قلعنا.(2:245)

الميبديّ: النّتق في اللّغة يكون قلعا،و يكون رفعا،و يكون بسطا،و كلّ ذلك قد كان من اللّه عزّ و جلّ يومئذ بذلك الجبل،قلعه جبرئيل و رفعه،و بسطه في الهواء فوقهم.(3:777)

الزّمخشريّ: قلعناه و رفعناه،كقوله: وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ البقرة:63،و منه نتق السّقاء،إذا نفضه ليقتلع الزّبدة منه.

و ذلك أنّهم أبوا أن يقبلوا أحكام التّوراة لغلظها و ثقلها،فرفع اللّه الطّور على رءوسهم مقدار عسكرهم، و كان فرسخا في فرسخ.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن مجاهد و الحسن](2:129)

نحوه ابن عطيّة(2:473)،و الفخر الرّازيّ(15:

45)،و النّسفيّ(2:84).

البيضاويّ: أي قلعناه و رفعناه فوقهم،و أصل النّتق:الجذب.(1:376)

مثله الكاشانيّ(2:250)،و نحوه أبو السّعود(3:48).

النّيسابوريّ: فيه أنّ الإنسان لو وكل إلى طبعه و نفسه لا يقبل شيئا من الأمور الدّينيّة،و إنّما يعان على القبول بأمر ظاهر أو باطن.

و فيه أنّ على رءوس أهل الطّلب جبل أمر الحقّ، و هو أمر التّحويل،فيحوّلهم بالقدرة إلى أن يأخذوا ما آتاهم اللّه تعالى بقوّة منه،لا بقوّتهم و إرادتهم.

(9:78)

أبو حيّان :أي جذبنا الجبل بشدّة.و(فوقهم)حال مقدّرة،و العامل فيها محذوف،تقديره:كائنا فوقهم؛إذ كانت حالة النّتق لم تقارن الفوقيّة لكنّه صار فوقهم.

[إلى أن قال:]

فالمعنى-و اللّه أعلم-كأنّه حالة ارتفاعه عليهم ظلّة من الغمام،و هي الظلّة الّتي ليست تحتها عمد بل إمساكها بالقدرة الإلهيّة و إن كانت أجراما،بخلاف الظّلّة الأرضيّة فإنّها لا تكون إلاّ على عمد،فلمّا دانت هذه الظّلمة الأرضيّة فوقهم بلا عمد،شبّهت بظلّة الغمام الّتي ليست

ص: 852

بلا عمد.(4:419)

البروسويّ: النّتق:قلع الشّيء من موضع، و(الجبل)هو الطّور الّذي سمع موسى كلام اللّه و أعطي الألواح و هو عليه،أو جبل من جبال فلسطين،أو الجبل الّذي كان عند بيت المقدس،و(فوقهم)منصوب ب(نتقنا)باعتبار تضمّنه لمعنى رفعنا،كأنّه قيل:رفعنا الجبل فوق بني إسرائيل بنتقه و قلعه من مكانه.فالنّتق من مقدّمات الرّفع،و سبب لحصوله.(3:271)

نحوه الآلوسيّ.(9:98)

رشيد رضا :لعلّ حكمة ختم قصّة بني إسرائيل بهذه الآية هنا،للتّذكير ببدء حالهم في إنزال الكتاب عليهم،في إثر بيان عاقبة أمرهم،في مخالفته و الخروج عنه.فإنّ في تلك الفاتحة إشارة إلى هذه الخاتمة،و ذلك عند ما أخذ عليهم الميثاق ليأخذنّ بالشّريعة بقوّة و عزم، فإنّه رفع فوقهم الطّور،و أوقع في قلوبهم الرّعب من خوف وقوعه بهم،فلا غرو إذا آل أمرهم إلى ترك العمل به بعد طول الأمد،و قساوة القلوب،و الأنس بالذّنوب.

[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عبّاس](9:385)

نحوه المراغيّ.(9:101)

عبد الكريم الخطيب :هذا من نعم اللّه الّتي يبتلي بها عباده،و قد ابتلى اللّه هؤلاء القوم بأن جعل لهم من الجبل وقاية من الشّمس و المطر و العواصف و غيرها، فهو سكن لم يعملوا له،و لم يجهدوا أنفسهم فيه،بل أقامه اللّه لهم،لقد نتقه اللّه فوقهم،أي شقّه،و رفعه.

و من قدرة اللّه أن رفع هذا الجبل فوقهم كأنّه سقف، و لكن بغير عمد حتّى لقد ظنّوا أنّه واقع بهم.(5:513)

مكارم الشّيرازيّ: (نتقنا)من مادّة«نتق» على وزن«قلع»تعني في الأصل:قلع و انتزاع شيء من مكانه،و إلقاءه في جانب آخر.و يطلق على النّساء اللّواتي يلدن كثيرا أيضا«ناتق»لأنّهنّ يفصلن الأولاد من أرحامهنّ و يخرجنّهم بسهولة.

إنّ هذه الآية آخر آية في هذه السّورة تتحدّث حول حياة بني إسرائيل،و هي تتضمّن تذكير قصّة أخرى ليهود عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قصّة فيها عبرة،كما أنّها دليل على إعطاء ميثاق و عهد؛إذ يقول:و اذكروا إذ قلعنا الجبل من مكانه،و جعلناه فوق رءوسهم كأنّه مظلّة وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ.

و قد ظنّوا أنّه سيسقط على رءوسهم،فانتابهم اضطراب شديد و فزع: وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ.

و في تلك الحال قلنا لهم:خذوا ما أعطيناكم من الأحكام بقوّة و جدّيّة خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ.

و اذكروا ما جاء فيه حتّى تتّقوا،و خافوا من العقاب الإلهيّ،و اعملوا بما أخذناه فيه منكم من المواثيق وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

إنّ هذه الآية نفسها جاءت-طبعا بفارق بسيط-في الآية(63)من سورة البقرة،و كما قلنا هناك،فإنّ هذه القصّة وقعت-حسب ما قال المفسّر المعروف العلاّمة الطّبرسيّ في«مجمع البيان»عن ابن زيد-عند ما عاد موسى عليه السّلام من جبل الطّور،و اصطحب معه أحكام التّوراة،فعند ما عرض على قومه الواجبات و الوظائف و أحكام الحلال و الحرام،تصوّروا أنّ العمل بكلّ هذه الوظائف أمر مشكل،و لهذا بنوا على المخالفة و العصيان.

ص: 853

في هذا الوقت نفسه،رفعت قطعة عظيمة من الجبل فوق رءوسهم؛بحيث وقعوا في اضطراب و وحشة كبيرة،فالتجئوا إلى موسى عليه السّلام و طلبوا منه رفع هذا الخطر و الخوف عنهم،فقال لهم موسى عليه السّلام في تلك الحالة:لو كنتم تتعهّدون بأن تكونوا أوفياء لهذه الأحكام لزال عنكم هذا الخطر،فسلّموا و تعهّدوا و سجدوا للّه تعالى،فزال عنهم الخطر،و أزيحت الصّخرة من فوق رءوسهم.

أسئلة و أجوبة:

و هنا سؤالان يطرحان نفسيهما،و قد أشرنا إليهما في سورة البقرة و إلى جوابيهما،و نذكر مختصرا عنهما هنا بالمناسبة.

السّؤال الأوّل:أ لم يكن لأخذ الميثاق في هذه الحالة صفة الإجبار؟

و الجواب:لا شكّ أنّه كانت تحكم في ذلك الظّرف حالة من الإجبار و الاضطرار،و لكن من المسلّم أنّه لمّا ارتفع و زال الخطر فيما بعد،كان بإمكانهم مواصلة هذا السّلوك باختيارهم.

هذا مضافا إلى أنّه لا معنى للإجبار في مجال الاعتقاد،و لكن لا مانع من أن يجبر النّاس في مجال البرامج العمليّة الضّامنة لخيرهم و سعادتهم و صلاحهم.

فهل من العيب لو أنّنا أجبرنا شخصا على ترك عادة شريرة،أو سلوك طريق آمن من الخطر،و عدم سلوك طريق محفوف بالأخطار.

السّؤال الثّاني:كيف رفع الجبل فوق رءوسهم؟

الجواب:ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الجبل قلع من مكانه بأمر اللّه،و استقرّ فوق رءوسهم كمظلّة.

و ذهب آخرون إلى أنّه اهتزّ الجبل اهتزازا شديدا بفعل زلزال شديد؛بحيث شاهد النّاس الّذين كانوا يسكنون في سفح الجبل ظلّ قسم منه فوق رءوسهم.

و يحتمل أيضا أنّ قطعة من الجبل انتزعت من مكانها و استقرّت فوق رءوسهم لحظة واحدة،ثمّ مرّت و سقطت في جانب آخر.

و لا شكّ في أنّ هذا الأمر كان أمرا خارقا للعادة، و ليس حدثا طبيعيّا عاديّا.

و الموضوع الآخر الّذي يجب الانتباه إليه هو أنّه لا يقول:إنّ الجبل صار مظلّة فوق رءوسهم بل قال:

كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ.

و هذا التّعبير إنّما هو لأجل أنّ المظلّة تنصب على رءوس الأشخاص لإظهار الحبّ،و الحال أنّ هذه العمليّة-المذكورة في الآية الحاضرة-كانت من باب التّهديد.أو لأجل أنّ المظلّة شيء مستقرّ و ثابت،و لكن استقرار الجبل فوق رءوسهم كان أمرا يتّسم بعدم الثّبات و الدّوام.

قلنا:مع هذه الآية تختم الآيات المتعلّقة بقصّة بني إسرائيل و الحوادث المختلفة،و الذّكريات الحلوة و المرّة الّتي وقعت في حياتهم«في حياتهم«في هذه السّورة».

و هذه القصّة هي آخر قصص الأنبياء الّتي جاءت في هذه السّورة.

و ذكر هذه القصّة في نهاية قصصهم في هذه السّورة -مع أنّها ليست آخر حدث من الحوادث المرتبطة بهذه الجماعة-لعلّه لأجل أنّ الهدف من جميع هذه القصص

ص: 854

هو التّمسّك بآيات اللّه و العمل بالمواثيق،و لأجل الوصول إلى التّقوى الّذي جاء بيانه في هذه الآية و الآية السّابقة.

يعني أنّ رسالة موسى عليه السّلام و سائر الأنبياء و أعمالهم و مواجهاتهم المستمرّة و الصّعبة،و ما لقوا من صعاب و متاعب و شدائد مضنية،كانت لأجل أن يطبّقوا أوامر اللّه،و ينفّذوا مبادئ الحقّ و العدالة و الطّهر و التّقوى،في المجتمعات البشريّة بشكل كامل.(5:259)

[لاحظ«ن ت ق»]

جبال

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ. سبأ:10

لاحظ«أ و ب»(أوّبى).

الجبال
اشارة

1- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً... الأعراف:74

ابن عبّاس: كانوا يبنون القصور بكلّ موضع، و ينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها شتاء،لتكون مساكنهم في الشّتاء أحصن و أدفأ.(الطّبرسيّ 2:440)

السّدّيّ: ينقبون بيوتهم في الجبال.(266)

الطّبريّ: ذكر أنّهم كانوا ينقبون الصّخر مساكن.

(8:231)

الزّجّاج: يروى أنّهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون أن ينحتوا بيوتا في الجبال،لأنّ السّقوف و الأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم.(2:350)

الماورديّ: لتكون مساكنهم في الشّتاء،لأنّها أحصن و أبقى و أدفأ،فكانوا طوال الآمال طوال الأعمار.

(2:236)

الطّوسيّ: فالجبل جسم عظيم بعيد الأقطار عال في السّماء.و يقال:جبل الإنسان على كذا،أي طبع عليه،لأنّه يثبت عليه لصوق الجبل.و المعنى أنّهم كانوا ينحتون في الجبال سقوفا كالأبنية،فلا ينهدم و لا يخرب.

(4:481)

الواحديّ: كانوا يشقّقون بيوتا في الجبال يسكنونها شتاء،و يسكنون القصور بالصّيف.(2:383)

نحوه البغويّ(2:207)،و الشّربينيّ(1:489).

أبو السّعود :أي الصّخور.(2:511)

مثله البروسويّ.(3:191)

القاسميّ: أي لتسكنوها أيّام الشّتاء.و(الجبال) إمّا مفعول ثان بتضمين«نحت»معنى«اتّخذ»،أو منصوب بنزع الخافض،على ما جاء في الآية الأخرى.(7:2784)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الّذي يبدو للنّظر من هذا التّعبير،هو أنّهم كانوا يغيّرون مكان سكناهم في الصّيف و الشّتاء،ففي فصل الرّبيع و الصّيف كانوا يعمدون إلى الزّراعة و الرّعي في السّهول الواسعة و الخصبة،و لهذا كانت عندهم قصور جميلة في السّهول،و عند حلول فصل البرد و الانتهاء من الحصاد يسكنون في بيوت قويّة منحوتة في قلب الصّخور،و في أماكن آمنة تحفظهم

ص: 855

من خطر السّيول و الطّوفان و الحوادث.(5:92)

الجبال في الدّنيا

1- أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَ الْجِبالَ أَوْتاداً.

النّبأ:6،7

الطّبريّ: و الجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم.

(30:3)

نحوه النّسفيّ(4:325)،و الطّبرسيّ(5:421).

الطّوسيّ: أي و جعلنا الجبال أوتادا للأرض لئلاّ تميد بهم.

فالجبال جمع جبل،و هو بغلظه و ثقله يبلغ أن يكون ممسكا للأرض عن أن تميد بثقله،فعلى ذلك دبّره اللّه، و ذكّر العباد به و ما فيه من العبرة بعظمة من يقدر عليه.

و الوتد:المسمار إلاّ أنّه أغلظ منه،لذلك يقال:

مسامير العناء إذا دقّت كالمسمار من الحديد في القوّة و الدّقّة،و لو غلظت صارت أوتادا،فكذلك وصفت الجبال بأنّها أوتاد للأرض؛إذ جعلت بغلظها ممسكة لها عن أن تميد بأهلها.(10:239)

الميبديّ: وَ الْجِبالَ أَوْتاداً للأرض لولاها ارتجّت بالزّلازل و الرّياح.(10:351)

ابن عطيّة: و شبّه(الجبال)ب(الأوتاد)لأنّها تمسك و تثقل،و تمنع الأرض أن تميد.(5:424)

القرطبيّ: أي لتسكن و لا تتكفّأ و لا تميل بأهلها.(19:171)

أبو حيّان :أي ثبّتنا الأرض بالجبال كما ثبّت البيت بالأوتاد.(8:411)

ابن كثير:أي جعلها لها أوتادا أرساها بها،و ثبّتها و قرّرها،حتّى سكنت و لم تضطرب بمن عليها.

(7:196)

الشّربينيّ: أي الّتي تعرفون شدّتها و عظمها أَوْتاداً أي تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد.و الاستفهام للتّقرير،فيستدلّ بذلك على قدرته على جميع الممكنات.(4:469)

البروسويّ: المراد بجعلها أوتادا لها:إرساؤها بها لتسكن و لا تميد بأهلها؛إذ كانت تميد على الماء،كما يرسى البيت بالأوتاد.فهو من باب التّشبيه البليغ،جمع وتد، و هو ما يوتد و يحكم به المتزلزل المتحرّك من اللّوح و غيره.

فإن قيل:أ ليست إرادة اللّه و قدرته كافيتين في التّثبيت؟أجيب بأنّه نعم إلاّ أنّه مسبّب الأسباب،و ذلك من كمال القدرة.

قال بعضهم:الأوتاد على الحقيقة:سادات الأولياء و خواصّ الأصفياء،فإنّهم جبال ثابتة،و بهم تثبت أرض الوجود.(10:294)

الآلوسيّ: [نحو ما تقدّم عن البروسويّ في جعل الجبال أوتادا،ثمّ أدام الكلام لبيان خلق الجبال في الرّوايات و في الفلسفة](30:6)

القاسميّ: أي للأرض،أي أرسيناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد،حتّى لا تميد بأهلها،فيكمل كون الأرض مهادا بسبب ذلك.قال الإمام مفتي مصر:و إنّما كانت الجبال أوتادا،لأنّ بروزها في الأرض كبروز الأوتاد المغروزة فيها،و لأنّها في تثبيت الأرض و منعها

ص: 856

من الميدان و الاضطراب،كالأوتاد في حفظ الخيمة من مثل ذلك،كأنّ أقطار الأرض قد شدّت إليها.و لو لا الجبال لكانت الأرض دائمة الاضطراب،بما في جوفها من الموادّ الدّائمة الجيشان.(17:6033)

نحوه المراغيّ.(30:7)

الطّنطاويّ: و جعل سبحانه الجبال كالأوتاد تثبيتا لها،فهي في الأرض كالعظام لجسم الإنسان،و هي الّتي تحفظ الماء في باطنها و تخزنه،فيجري ينابيع،و هي الّتي تصدّ الرّياح لحاملات السّحاب فتحجزه،فيمطر على تلك البطاح الّتي أمام الجبال.(25:8)

الطّباطبائيّ: الأوتاد:جمع وتد،و هو المسمار إلاّ أنّه أغلظ منه،كما في«المجمع».و لعلّ عدّ الجبال أوتادا مبنيّ على أنّ عمدة جبال الأرض من عمل البركانات بشقّ الأرض،فتخرج منه موادّ أرضيّة مذابة تنتصب على فم الشّقّة،متراكمة كهيئة الوتد المنصوب على الأرض،تسكن به فورة البركان الّذي تحته،فيرتفع به ما في الأرض من الاضطراب و الميدان.

و عن بعضهم:أنّ المراد بجعل الجبال أوتادا انتظام معاش أهل الأرض بما أودع فيها من المنافع،و لولاها لمادت الأرض بهم،أي لما تهيّأت لانتفاعهم.و فيه أنّه صرف اللّفظ عن ظاهره من غير ضرورة موجبة.

(20:162)

مكارم الشّيرازيّ: و لكي لا ينسي الاستغراق في الحديث عن استواء الأرض و سهولتها،فقد جاءت الآية التّالية لتبيّن أهميّة الجبال و دورها المهمّ في حياة الإنسان وَ الْجِبالَ أَوْتاداً.

تشكّل الجبال آية ربّانيّة زاخرة بالعطاء،و تؤدّي وظائف كثيرة،منها:تحفظ القشرة الأرضيّة من الانهيار،أمام الضّغط الحاصل من الموادّ المذابة داخلها؛ و ذلك لعمق تجذّرها المترابط داخل الأرض.و تحافظ عليها من تأثيرات جاذبيّة القمر،في عمليّة المدّ و الجزر.تشكّل جدران الجبال سدّا منيعا للتّقليل من آثار الرّياح الشّديدة و العواصف المدمّرة.تهيّأ للإنسان الملاجئ الهادئة في مغاراتها و بين تعرّجاتها،لتأمنه من ضربات العواصف المهلكة.تقوم بخزن المياه و ادّخار أنواع المعادن الثّمينة.

بالإضافة لكلّ ما ذكر،فتوزيع الجبال على الأرض بالشّكل الموجود،و تعاملا مع حركة الأرض يعمل على تنظيم حركة الهواء المحيط بالكرة الأرضيّة بالشّكل الّذي يؤثّر بإيجاب على الحياة فوق الأرض.و في هذا المجال،يقول العلماء:لو كان سطح الكرة الأرضيّة مستويا كلّه،لتولّدت عواصف شديدة لا يمكن السّيطرة عليها،جرّاء حركة الأرض و سكون الغلاف الجوّيّ، و لفقدت الأرض صلاحيّتها بتوفير مستلزمات السّكن للإنسان،لأنّ استمرار الاحتكاك الحاصل من حركة الأرض الدّائمة و سكون الغلاف الجوّيّ،سيؤدّي بلا شكّ إلى زيادة حرارة القشرة الأرضيّة،ممّا يجعل الأرض غير صالحة لسكنى الإنسان.(19:288)

فضل اللّه :لأنّها تثبّت الأرض في الميدان،تماما،كما تثبّت الأوتاد الخيمة و تحفظ توازنها،و تحول بالتّالي دون سقوطها متهالكة على الأرض.

و لكن كيف يتمّ ذلك؟فهل أنّها-كما يقال-تعادل

ص: 857

بين نسب الأغوار في البحار و نسب المرتفعات في الجبال؟ أو أنّها تعادل بين التّقلّصات الجوفيّة للأرض و التّقلّصات السّطحيّة؟أو أنّها تثقل الأرض في نقاط معيّنة فلا تميد بفعل الزّلازل و البراكين و الاهتزازات الجوفيّة؟أو لشيء آخر ممّا غاب عنّا علمه؟

و قد يكون التّعبير من جهة الصّورة الظّاهرة الّتي توحي بها صورة الجبال في ثقلها البارز،الّذي يحفظ التّوازن في طبيعته الشّكليّة،كما يعبّر عن الشّمس بأنّها سراج،و عن القمر بأنّه نور.(24:12)

2- وَ الْجِبالَ أَرْساها. النّازعات:32

قتادة :أي أثبتها،لا تميد بأهلها.(الطّبريّ 30:47)

الطّبريّ: و الجبال أثبتها فيها.و في الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره،و هو فيها؛و ذلك أنّ معنى الكلام:و الجبال أرساها فيها.(30:47)

الطّوسيّ: أي و أثبت الجبال في الأرض.

و الإرساء:الإثبات بالثّقل،فالسّفينة ترسو،أي تثبت بثقلها فلا تزول عن مكانها،و ربّما أرست بالبحر بما يطرح لها.فأمّا الجبال فإنّها أوتاد الأرض،و أرسيت بثقلها.

و في جعلها على الصّفة الّتي هي عليها أعظم العبرة.

(10:261)

الزّمخشريّ: و إرساء الجبال و إثباتها أوتادا لها حتّى تستقرّ و يستقرّ عليها.(4:215)

الطّبرسيّ: أي أثبتها في أوساط الأرض.

(5:434)

القرطبيّ: قراءة العامّة (و الجبال) بالنّصب،أي و أرسى الجبال، (ارسيها) يعني أثبتها فيها أوتادا لها.

و قرأ الحسن و عمرو بن ميمون و عمرو بن عبيد و نصر بن عاصم(و الجبال)بالرّفع على الابتداء.

و يقال:هلاّ أدخل حرف العطف على(اخرج) فيقال:إنّه حال بإضمار قد،كقوله تعالى: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ النّساء:90.(19:203)

البيضاويّ: أثبتها،و قرئ(و الارض و الجبال) بالرّفع على الابتداء،و هو مرجوح لأنّ العطف على فعليّة مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ عبس:32.

(2:538)

النّسفيّ: أثبتها،و انتصاب«الأرض و الجبال» بإضمار«دحا»و«أرسى»على شريطة التّفسير.

(4:331)

ابن كثير :أي قرّرها و أثبتها و أكّدها في أماكنها، و هو الحكيم العليم،الرّءوف بخلقه الرّحيم.(7:209)

الشّربينيّ: أي أثبتها على وجه الأرض لتسكن.

و نظيره قوله تعالى: وَ الْجِبالَ أَوْتاداً. (4:481)

أبو السّعود :(و الجبال)منصوب بمضمر يفسّره (ارسيها)أي أثبتها و أثبت بها الأرض أن تميد بأهلها.

و هذا تحقيق للحقّ و تنبيه على أنّ الرّسوّ المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التّنزيل بالتّعبير عنها بالرّواسيّ ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه عزّ و جلّ، و لولاه لما ثبّت في أنفسها فضلا عن إثباتها للأرض، و قرئ (و الارض و الجبال) بالرّفع على الابتداء.

(6:371)

نحوه البروسويّ(10:325)،و الآلوسيّ(30:34).

ص: 858

المراغيّ: أي و ثبّت الجبال في أماكنها و جعلها كالأوتاد،لئلاّ تميد بأهلها و تضطرب بهم.(30:32)

نحوه محمّد جواد مغنية.(7:510)

الطّباطبائيّ: أي أثبتها على الأرض لئلاّ تميد بكم،و ادّخر فيها المياه و المعادن كما ينبئ عنه سائر كلامه تعالى.(20:191)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ ينتقل البيان القرآنيّ إلى (الجبال)حيث ثمّة عوامل تلعب الدّور المؤثّر في استقرار و سكون الأرض،مثل:الفيضانات،العواصف العاتية، المدّ و الجزر،الزّلازل...فكلّ هذه العوامل تعمل على خلخلة استقرار الأرض،فجعل اللّه عزّ و جلّ(الجبال) تثبيتا للأرض،و لهذا تقول الآية: وَ الْجِبالَ أَرْساها.

19:347)

3- وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. الغاشية:19

قتادة :تصاعد إلى الجبل الصّيخود عامّة يومك، فإذا أفضيت إلى أعلاه،أفضيت إلى عيون متفجّرة،و ثمار متهدّلة،ثمّ لم تحرثه الأيدي و لم تعمله،نعمة من اللّه، و بلغة الأجل.(الطّبريّ 30:165)

الطّبريّ: و إلى الجبال كيف أقيمت منتصبة لا تسقط،فتنبسط في الأرض،و لكنّها جعلها بقدرته منتصبة جامدة،لا تبرح مكانها،و لا تزول عن موضعها.

(30:165)

الطّوسيّ: أي و يفكّرون في خلق اللّه تعالى الجبال أوتاد الأرض و مسكه لها،و لولاها لمادت الأرض بأهلها،و لما صحّ من الخلق التّصرّف عليها.(10:337)

مثله الطّبرسيّ.(5:48)

الواحديّ: على الأرض مرساة لا تزول.(4:476)

مثله البغويّ.(5:246)

الميبديّ: على تفاوت خلقتها و متانة أركانها، كيف نصبها اللّه على هذه الأرض ليمنعها بها عن الحركة و الاضطراب.(10:472)

الزّمخشريّ: نصبا ثابتا،فهي راسخة لا تميل و لا تزول.(4:247)

مثله الفخر الرّازيّ(31:158)،و النّسفيّ(4:

352)،و الخازن(7:200).

ابن عطيّة: معناه:أثبتت قائمة في الهواء لا تنتطح.

(5:475)

القرطبيّ: أي كيف نصبت على الأرض؛بحيث لا تزول،و ذلك أنّ الأرض لمّا دحيت مادت،فأرساها بالجبال،كما قال: وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ الأنبياء:31.(20:36)

ابن كثير :أي جعلت منصوبة فإنّها ثابتة راسية لئلاّ تميد الأرض بأهلها،و جعل فيها ما جعل من المنافع و المعادن.(7:277)

أبو السّعود :(و الى الجبال)الّتي ينزلون في أقطارها و ينتفعون بمياهها و أشجارها، كَيْفَ نُصِبَتْ نصبا رصينا،فهي راسخة لا تميل و لا تميد.(6:421)

نحوه البروسويّ(10:417)،و الآلوسيّ(30:

117).

الطّنطاويّ: لطيفة في عجائب الجبال

ص: 859

أوصاف الجبال
اشارة

إنّ الجبال على اختلاف أشكالها،و تباين ضروبها، و تنوّع أصنافها،و تفنّن أحجارها تنقسم إلى أربعة أقسام:صخريّة لا تنبت شيئا،و جبال ذات نبات، و جبال ناريّة،و جبال لطيفة الهواء.و هاك بيانها:

1-فأمّا الجبال الصّخريّة فمثل جبال تهامة،فما هي إلاّ صخور صلدة و أحجار صلبة.لا ينبت عليها إلاّ يسير.

2-و أمّا الجبال ذات النّبات،فهي صخور رخوة.

و طين لين،و تراب و رمل،و حصيات ملس متلبّدات، ساف فوق ساف،متماسك الأجزاء،كثيرة النّبات و الأشجار و الحشائش مثل جبال فلسطين و جبال لكام و طبرستان و ما أشبهها.

3-و أمّا جبال النّار،فإنّه يرى في أعاليها ليلا و نهارا دخان معتكر ساطع في الهواء،مرتفع في الجوّ و ذلك من النّار الّتي في باطن الأرض،و ما الأرض إلاّ كرة ناريّة لها قشرة مثل قشرة البيضة بالنّسبة للبيضة،و تقدّم تحقيق هذا في«آل عمران»و في غيرها فارجع إليه إن شئت.

4-و أمّا الجبال ذات الهواء اللّطيف فهي قسمان:

قسم تهبّ فيه الرّياح اللّيّنة في بعض الأوقات.و قسم تهبّ فيه تلك الرّياح في جميع الأوقات.فأمّا الّذي تهبّ فيه الرّيح اللّيّنة في بعض الأوقات فمثل جبل الثّلج الّذي بدمشق.و الّذي ببلاد(داور)من جبال«غور»و جبل «دماوند»فهذه لمّا كان الثّلج فوقها فإنّه عند ذوبانه يتحلّل إلى أجزاء بخاريّة لطيفة فيرتفع في الجوّ و يلطّف الهواء فتهبّ نسمات لطيفة تشرح الصّدور،و يدفع ذلك البخار الهواء إلى الجهات الخمس.فتلك الرّياح لا تكون إلاّ عند ذوبان الثّلج،فإذا لم يكن ذلك كانت رياحها على حسب حال جوّها و مناخها،فالرّياح متقلّبات ليست دائما معتدلات.و أمّا القسم الّذي تهبّ فيه الرّياح اللّيّنة في جميع الأوقات فمثل جبال[باميان]في بلاد الشّرق و لا حاجة إلى إطالة الأسباب في ذلك.

هذا و لأذكر لك آراء العلماء في هذا الزّمان في أمر الجبال لينشرح صدرك و تقرّ عينك بمناظر الجمال و محاسن الجبال،و لأجعل لك ذلك في خمسة فصول:

الأوّل:كيف كان تكوين الجبال.الثّاني:كيف يكون زوالها.الثّالث:وصف الجبال ذات الأشجار و الثّلج.

و الرّابع:وصف جبال النّار.الخامس:اعتبار العقلاء بعجائب الجبال.و هاك بيانها:

الفصل الأوّل:في تكوين الجبال عند علماء

العصر الحاضر

يقولون:إنّ الأرض أشبه بتفّاحة تجعّدت قشرتها لتقارب أجزائها الدّاخليّة،و الأرض لمّا كانت كرة متّقدة الدّاخل ازدادت برودة قشرتها على توالي الأزمان، و بتوالي البرودة تنزل القشرة فيحصل خسف و زلزلة و أهوال فيرتفع بعض الأماكن و تنخفض أماكن أخرى.

ففي الجبال الآن ما هو في دور الطّفولة،و منها ما بلغ أشدّه، و منها ما أصبح كشيخ،و منها ما أخذ في الفناء.

فالأوّل كجبال«الانديس»بأوروبّا،فهي حديثة العهد،فهي لا تزال ترتفع و تعلو كأنّها جسم حيوان، و هكذا جبال الألب.

و الثّاني كجبال«البرنيس»بأوروبّا.

ص: 860

و الثّالث كجبل المقطّم بمصر،فهو الآن في دور الشّيخوخة،فلقد دلّت الآثار على أنّه كان شامخ الذّرى.

فيه الحيوانات و النّباتات الّتي بقيت آثارها متحجّرة،ثمّ هو الآن شيخ كبرت سنّه،و مثل جبال«الفوزجيش».

و الرّابع كجبال«وايلس»بأوروبّا،فالجبال إذن كالحيوان و كالنّبات تبرز و تكبر ثمّ يعروها البلا.

ثمّ إنّ من الجبال ما كان في قديم الزّمان جزرا مرجانيّة بارزة في البحار ثمّ أخذ ينمو،كما أنّ منها ما صار نسيا منسيّا كما في سلسلة جبال كانت قبل جبال الألب الحديثة العهد.انتهى الفصل الأوّل.

الفصل الثّاني:كيف تزول الجبال

قد تبيّن لك السّبب في زوال الجبال من هذا المقال، و نزيد عليه أنّ الجبال إذا شمخت بأنوفها و استكبرت و أظهرت الخيلاء أخذت العوامل الطّبيعيّة تخضد من شوكتها و تلين من حدّتها و الحوادث الظّاهريّة تحطّ من عظمتها،فالشّمس تحرقها و الصّقيع و الحرّ و البرد و الماء و الهواء و الثّلج و الجليد،و كلّ نبات نبت و كلّ دودة دبّت،و حيوان شبّ،كلّ هذه عوامل متّحدات على تحطيم أحجارها،و تكسير صخورها،و إذلال عظمتها.

و ما أعظم قوّة الماء،و ما أشدّها على الجبال،فهي الّتي تذيب الثّلوج،و تحلّها إلى سيول جارفات ناقشات للجبال نقش الصّانع للحليّ،و ناحتات الصّخور كما ينحت الصّانع التّماثيل.

و أنّ جبال«ويلس»الّتي مرّ ذكرها و أمثالها قد أ فنتها العوامل الطّبيعيّة،و لم يبق منها إلاّ أطلالها البالية، و آثارها الضّئيلة،و لن تمضي عشرات الألوف من السّنين حتّى تصير جبال سويسرا إلى ما صارت إليه جبال ويلس،و ذلك بسبب هذه العوامل على حسب ما يقوله«اللّورد أفبري»انتهى الفصل الثّاني.

الفصل الثّالث:وصف الجبال ذات النّبات
اشارة

و الأشجار و الثّلج

هاك وصفها من مقال«اللّورد أفبري»إذ وصف جبال الألب بما معناه:إنّها متدفّقة الأنهار،زاهية الثّلوج، يأتلف ذراها و السّحاب،و من أجمل مناظرها بهجة، و أحسنها شكلا،و أبهاها رونقا،و أبدعها حسنا، و أشرحها للصّدر،و أحلاها للصّدى،و أكثرها تشويقا للحكمة،الجلد الأزرق،و اللاّريس الأخضر،و الصّخر الأغبر و الأحمر،و الصّنوبر المتعانق الأغصان،و بهجة جمال الزّان،و الأنهار الجارية،و المروج الذّاهبة، و الأشجار الباسقة،و الحيوانات السّانحة،و الأعشاب الكاسية،و الأزهار الجميلة المختلفة الألوان البديعة الأشكال،المدهشة الألباب.المرقية الأذهان،النّاسجة للجبل ثوبا كوكبيّا،و هناك البزاة و الصّقور فوق رءوس الألب طائرات و السّنجاب الجبليّ يجري حذرا خائفا، ذلك بعض أوصاف جبال الألب.

وصف جبال سويسرا

إنّ حدّ ارتفاع الثّلج في«سويسرا»على ارتفاع 8500 قدم أو 9000 قدم،ثمّ يجتمع الثّلج فوق ذلك و يتراكم،فتراه في مبدإ أمره أنهارا عظيمة هائلة تنحدر على الصّخور من جوانب الجبال في كلّ ناحية،فما أسرع أن تجمد في أماكنها و تقف حيث هي إذا ضربها البرد فخرّت صريعة،و ما أجملها للنّاظرين،و ما أبدعها ذكرى

ص: 861

للمفكّرين،إنّ النّاظر ليدهش إذ يراها ثابتة في أماكنها، جامدة في مجاريها فوق الصّخور،و في داخل الأخاديد، و على الرّوابي،و في كلّ مكان،انتهى الفصل الثّالث.

الفصل الرّابع:في وصف جبال النّار

البراكين تبلغ ما بين 223 جبلا و ثلاثمائة جبل،فمنها دائمة الثّوران،و هذه قليلة،و الّتي تثور بين آونة و أخرى،و الّتي هي جامدة ساكنة دائما،و من شاهد فوهة جبل النّار«البركان»المسمّى«فزوف»و هو ثائر فإنّه يشاهد الحمم تسيل على جوانبه،و الحجارة الضّخمة تقذف في جوّه،و هناك جبل نار يسمّى«كوتوپا كسى»فقد ثار عام 1877 فكانت الحمم ترتفع تدريجيّا و تتجمّع في فوهته حتّى إذا ملأتها سالت من جميع جوانبها،فكان النّاظر لها يرى مشهدا رهيبا رائعا مهولا.

قالوا:و أكبر فوهة لبركان فوهة بركان«كيلويا» فقطرها ميلان،و محيطها نحو سبعة أميال،و هي على ارتفاع أربعة آلاف قدم،و في داخلها بحيرة هائلة فيها حمم و موادّ مصهورة كثيرة،و هذه البحيرة تكون على عمق 800 قدم عن شفة الفوهة غالبا،و عمق البحيرة نحو 1400 قدم،فإذا أظلم اللّيل انعكست تلك الأشعّة المتطايرة من حمم تلك البحيرة العظيمة على الغيوم فكستها لونا قرمزيّا قانيا بديع الجمال،حسن الأشكال قليل المثال.بعيد المنال،و الحمم لا تزال تجتمع و ترتفع في جوف الفوهة حتّى تصل إلى الشّفة.و هناك الهول المهول فتفور تلك الحمم و تنحدر انحدار السّيول الجارفات.أو تنفجر من الجوانب،فانظر كيف تتفجّر الأنهار من الجبال.و لكن إذا كانت الجبال ناريّة كما هنا،فإنّها تتفجّر من جوانبها أنهار ناريّة و في تلك الأنهار النّاريّة تنحدر الحمم هناك من الفوهة بسرعة عظيمة.و ذلك لأنّها موادّ مصهورة ذائبة ثمّ بعد ذلك تجمد قليلا قليلا فتتكوّن قشرة جامدة و الحمم الجديدة تجري من تحتها.و قد تنفجر القشرة و يسيل منها فروع مجار صغيرة.و أنهار الحمم قد تبلغ سبعين ميلا.

فهذا وصف وجيز لجبال النّار لتطّلع به على عجائب هذه الدّنيا و بهجتها،و كيف جعل اللّه قمم الجبال جامعة بين النّار الحامية و الحمم المتّقدة و الأنهار النّاريّة المسرعة،و أنّ من أنهارها ما يجري تحت ما تجمد من الحمم،كما ترى الماء في النّهر يغطّيه الثّلج و هو لا يزال جاريا تحته،و كيف جرى من الجبال ماء و نار و علت عليها الأعشاب و الأشجار و الطّيور و الحيوان.أو أصبحت جرداء لا تنبت و لا تزدهي.

هذا مبادئ لما يقصد اللّه في قوله: وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ و من العار على الأمّة الإسلاميّة ألاّ يكون فيها لكلّ علم من هذه العلوم جماعة يفيضون على الأمّة من علومهم أحاديثه لأمر ربّهم.انتهى الفصل الرّابع.

الفصل الخامس:اعتبار العقلاء بالجبال

هذا بعض وصف الجبال في العالم الإنسانيّ،نار و ثلج و شجر و حيوان و هواء و ماء و نعيم و عذاب و حمم مصهورات.و أنهار جاريات.و عجائب مدهشات.

ذلك مظهر الجبال.و كم فيها من كنوز ذهبيّة و موادّ معدنيّة و بدائع حكميّة تبهج النّاظرين و تسرّ المفكّرين.

هذه هي الجبال الّتي نصبها اللّه في الأرض مرقاة

ص: 862

لعقولنا.و سلّما لأنظارنا.و علما لارتقائنا.فلعمري أ يستوي الجاهل و الحكيم.و الذّكيّ و البليد.و هل يستوي من وقف عقله في جمود.و نفسه في خمود.

و ذهنه في لحود.فأصبح لا يرى نور الجمال.و لا بهجة الجبال.و لا عظمة اللّه الّتي تجلّت للنّاظرين.فإذا لم تتّسع بعلوم الجبال و عجائبها.و الأرض و غرائبها.فمن أين تتّسع العقول.و كيف يعثر المسلمون على كنوز الأرض إن لم يدرسوها،أم كيف يقرءونها و هم لم يروها؟و كيف يكون للمسلمين بعد اليوم بقاء و الأرض و جبالها مسخّرات بأيدي أمم الفرنجة.سخّروها بالعلم.

و أخضعوها بالفهم.فإذا بقي المسلمون في الجهالة العمياء مكتفين بالمسائل الفقهيّة فليودّعوا العالم راحلين.

و ليشدّوا الرّكائب إلى ساحة الفناء.و لكنّي أقول:قد اقترب الزّمان و سيقوم في الأمّة من يوقظونها و يذيعون العلوم.

أ فليس من العجب أن يذكر اللّه الجبال و يوبّخ النّاس قائلا: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ الغاشية:17،19.فيا ليت شعري كيف يكتفي المسلمون بنظر الجهلاء.؟إذن أيّ فرق بين العالم و الجاهل.و إذا كان النّظر السّطحيّ كافيا فحينئذ يكون نظر الخليل عليه السّلام في النّجم و القمر و الشّمس كنظر الجهلاء.فأين رفعته إذن.

كلاّ،كلاّ.فالنّظر في الجبال،و النّظر في السّماء،و النّظر في الأرض،و النّظر في الحيوان نظر حكمة و علم لأمرين:

اتّساع العقول حتّى تعرف الخالق معرفة أتمّ و الانتفاع بتلك المخلوقات.و كلّما قلّ العلم بهذه الأشياء قلّ الانتفاع بها و قلّ الشّوق إلى خالقها.فالانتفاع تابع للعلم.و حبّ اللّه تابع للعلم.و علم الجاهل و علم البهائم سيّان،نظر بالبصر و جهل أكبر.فليرفع المسلم عقله عن مقام الجاهلين.حتّى يعرف كيف يحمد ربّ العالمين.

و يصلح بالعمل بلاد المسلمين.و يحفظها من أيدي الأوروبيّين.

نظرة في الجبال أيضا

قال بعض العلماء في عصرنا:الأرض كانت في رأي العلماء قطعة متّصلة بالشّمس أو جزء منها.يدلّك على ذلك أنّ جميع العناصر الموجودة بالشّمس موجودة كلّها بالأرض.و هذا يمكن اثباته بتحليل الطّيف الشّمسيّ لضوء الشّمس.فإنّ أكثر موادّ الشّمس في حالة غازيّة:

فإذا قطعنا هذا الضّوء«أيّ شعاعة منه»بمنشور من البلّور تحلّل الضّوء إلى جملة ألوان،و لكلّ غاز طيف خاصّ، و قد أمكن بذلك أن نعرف الموادّ المؤلّفة منها الشّمس، و نتحقّق من أنّها نفس الموادّ المؤلّفة منها الأرض.

و المتّفق عليه أيضا بين معظم العلماء أنّ الأرض كانت كتلة ملتهبة ثمّ بردت بالتّدريج فصارت غازاتها سوائل ثمّ جمد بعضها.

و من المعقول في هذه الحالة أن تتّجه أثقل الموادّ إلى المركز و يبقى أخفّها على السّطح،و إذا كان بخار الماء قد برد حتّى صار سائلا و ملأ محيطات العالم كما نراها الآن فإنّما يكون قد حدث هذا بالتّدريج،و كانت البحار في البدء عذبة لأنّها تكوّنت من الأمطار،و لكن لما تقادم العهد و صارت الأمطار تقع على اليابسة ثمّ تنحدر منها أنهارا إلى البحر أخذت هذه الأنهار تكتسح أملاح

ص: 863

اليابسة و تنزل بها إلى البحار،ثمّ تعود مياه البحار إلى التّبخّر فيبقى الملح بها،و تزداد كمّيّته بذلك عاما وراء عام.

و ممّا يدلّ على ذلك أنّ البحيرات المنقطعة و الّتي يقلّ نزول المطر فيها مثل البحر الميّت في فلسطين،و البحر الأحمر أكثر ملوحة من المحيطات الكبيرة،فالماء يتبخّر من هذين البحرين كثيرا لوقوعهما في منطقة دافئة و يقلّ نزول المطر فيهما فتقلّ عذوبتهما،و ليست أرضنا مستوية السّطح،إذ فيها نتوءات نسمّيها جبالا في بعض الأمكنة و فيها غئورات في أمكنة أخرى نسمّيها محيطات،و لكن الجبال و البحار إذا قسناهما إلى حجم الأرض لم تكونا إلاّ بمثابة خدوش بسيطة لا يحسب لها حساب.

و أهمّ عامل في انحدار المياه إلى المحيطات و سبب ملوحتها هو الجبال،فما هو أصل الجبال؟في الأرض الآن عدّة براكين خامدة تدلّ على أنّ حرارة باطن الأرض كانت في الزّمن القديم أشدّ ممّا هي الآن،و بديهيّ أنّ مثل هذه الحرارة كانت كثيرا ما تحدث نتوء أو أغوارا في قشرة الأرض،و لكن السّبب الأهمّ الّذي يعزى إليه الآن ارتفاع الجبال و تكوّنها هو الأنهار،و هي أيضا سبب العصور الجليديّة الّتي تناوبت العالم جملة مرار،و كيفيّة ذلك أنّ الأمطار إذا وقعت على اليابسة حملت معها ما تذيبه من جوامد اليابسة،و شقّت لها طريقا فيها حتّى تصل إلى البحر فتنصبّ فيه،فإذا توالى هذا جملة آلاف من السّنين ثقل قعر البحر الّذي انصبّت فيه هذه المياه، فإذا لم يستطع قعر البحر أن يحمل ما عليه من تراكم هذه الموادّ الّتي حملتها إليه الأنهار غار إلى أسفل،و هو في غئوره يدفع باطن اليابسة إلى النّتوء على نحو ما يحدث إذا صنعنا كرة من العجين إذا ضغطنا على جزء منها فغار نتأ جزء آخر يجاوره.

و الجبال الحاضرة يدلّ بعضها على أنّها كانت يوما ما مغمورة بماء البحر بدليل ما يوجد فيها من متحجّرات الأصداف الّتي لا تعيش إلاّ في المياه الملحة،فالأنهار هي أصل الجبال،و الجبال هي أصل العصور الجليديّة و اختلاف مناخ البلدان في الأزمنة القديمة،و كيفيّة ذلك أنّ الجبل إذا ارتفع بلغ طبقة رقيقة من الهواء فتتشعّع منه حرارة الشّمس،و لهذا نجد الحرّ في السّهول،و نجد البرد بل الثّلج أحيانا في الجبال،لأنّ الهواء إذا تكاثف في السّهول،صار بمثابة الغطاء و اللّحاف فيحفظ بذلك الحرارة.أمّا إذا رقّ على الجبال فليس هناك إذن ما يمسك الحرارة،فإذا امتلأت البحار بما تحمله إليها الأنهار غارت قعورها فنتأت عندئذ الجبال،فإذا سقطت عليها الأمطار جمدت و صارت ثلجا،ثمّ يأخذ الثّلج في الانحدار على الجبال و يذهب أيضا إلى البحر حاملا معه شيئا كثيرا من اليابسة،و الجبال تتآكل و تتحاتّ بانحدار الثّلج حتّى تذهب قممها فلا تجمد الأمطار عليها لأنّها غير مرتفعة، و هنا تأخذ السّيول في جرف الجبال فيزيد تحاتّها و يسرع هذا في إثقال قعور البحار،و ارتفاع الجبال و تحاتّها كلاهما يؤدّي إلى تغيّر المناخ و إلى زيادة مياه البحر أو نقصها،فإذا كانت الجبال مرتفعة حدث ما يسمّى«عصرا جليديّا»فتشتدّ البرودة و تنقص مياه البحار لأنّ المطر الّذي تتكوّن سحبه من بخار مياه المحيطات يقع على هذه الجبال فيجمد و لا ينزل إلى البحر

ص: 864

إلاّ ببطء،ففي العصر الجليديّ الأخير مثلا كانت مياه البحر المتوسّط قليلة حتّى إنّ أوربّا كانت متّصلة بأفريقيا في عدّه أماكن،و كانت انجلترا متّصلة بأوروبّا،و كانت آسيا متّصلة بشمالي أمريكا،و كان مناخ مصر أبرد ممّا هو الآن،لأنّ عصر الجليد في أوروبّا كان عصر الأمطار في مصر،و كان جبل المقطّم و هو قاحل الآن حافلا بالحيوان و النّبات ممّا لا نزال نجد متحجّراتهما للآن.

و قد انتاب العالم حسب تحقيق العلماء الآن خمسة عصور جليديّة كانت سببا في إبادة أنواع عديدة من الحيوان و النّبات و نتوء أنواع أخرى.

و من ذلك يتبيّن للقارئ أنّ جبالنا الزّاهية لن تعيش إلى الأبد فإنّها ستتحاتّ من سيلان الماء عليها،ثمّ يثقل قعر البحر فيسيخ و يغور،و تظهر جبال جديدة في أماكن أخرى،و كذلك شكل قارّات العالم لم يكن كما هو الآن و ظاهر من غربيّ أوروبّا و إفريقيا و مطابقته لشرقيّ أمريكا الشّماليّة و الجنوبيّة،أنّ أمريكا كانت جزء متّصلا بأوروبّا و إفريقيا.

تذكرة في قوله تعالى:

أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الغاشية:17-20.

ربّاه!أحمدك على نعمة العلم،و أشكرك على جميل صنعك و إبداعك،و على رأفتك بنا و رحمتك،أنت تعلم أنّ تفسير هذه السّورة آن زمان طبعه،فأوعزت إلى أحد رجال ألمانيا اسمه«ليون»و زوجته أن يدعوا ناشر هذا التّفسير و أنا معه لسياحة في بعض جبال مصر يوم الأحد 10 شوّال سنة 1351 ه الموافق شهر يناير سنة 1933 م شرقي بلدة المعادي المصريّة الّتي في طريق «حلوان»فما ذا ظهر؟ظهر أنّ هذه السّياحة لتحقيق تفسير هذه الآية، أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ الآية،لقد ظهر في الكشف الحديث أنّ الجبال إنّما تخلق أوّلا في البحر،و كأنّ هذه الأرض امرأة و البحر رحمها،و هذا الرّحم فيه مبدأ خلق كلّ شيء،فمنه مبدأ حياة هذه الأحياء الأرضيّة،و منه مبدأ تكوين الجبال،ثمّ تكون هناك تغيّرات عامّه فيصبح البرّ بحرا و البحر برّا.اللّه أكبر!هذا الّذي كنّا نقرؤه في الكتب،و نرى أنّهم يقولون:إنّهم رأوا في الجبال قواقع و محارا و نحوها ممّا هو خاصّ بالبحار.رأيته أنا في ذلك اليوم رأي العين على شاطئ واد من أودية جبالنا المصريّة البعيدة عن بلدة المعادى نحو 7 كيلومترات،و هناك واديان أكبرهما يسمّى«وادي التّيه»الّذي حلّت فيه عساكر نابليون لمّا هجم على مصر فهلك كثير منهم،و لقد رأيت بعيني رأسي القواقع محجّرة و أنواع المحار و الصّدف و عظام السّمك،و أنواعا من السّمك المسمّى«نجم السّمك»الّذي تقدّم في هذا التّفسير كثيرا و كلّها محجّرة،و هكذا رأيت قطعة من الخشب محجّرة،فدلّ ذلك على أنّ هذه كلّها كانت في بحر لجّيّ عظيم فانقلب أودية و صحارى و جبالا،فالبرّ كان بحرا،و البحر كان برّا،و الّذي أدهشني أنّ«ليون»الألمانيّ و زوجته كانا يعرفان هذه الأودية و صفاتها و خواصّها و هما يتوجّهان للرّياضة فيها برّا،و يقولان:لم نر أحدا من المصريّين قطّ في هذه الأماكن و إنّما يؤمّها الأوروبيّون،و قد قالت زوجة ليون:

ص: 865

إنّنا كثيرا ما نتوجّه إلى الغابة المتحجّرة و نمرّ في«وادي التّيه»هذا الّذي أمامنا الآن،و نسافر أربعين كيلو مترا من هذا المكان و نرى هناك جذوع أشجار الواحد منها عرضه مترا و طوله 20 مترا كلّها متحجّرة،و لكنّنا لا نقدر أن نتوجّه اليوم لأنّ السّيّارة«الأتوموبيل»إذا انكسرت لا نجد غيرها فنموت جوعا،و قصّت قصص شبّان من الألمان جاءوها و ضلّوا الطّريق و أشرفوا على الهلاك لو لا أنّ الطّيّارات أنقذتهم،و عاشوا بعد مرض طويل،فإذا كان هناك أتوموبيل آخر فإنّ الإنسان إذ ذاك يكون عنده طمأنينة على حياته بحسب العادة،و لقد حملت معي من كلّ أنواع الموادّ المتحجّرة،و هي الآن تحت يدي،و هي تشبه ما يرسمه العلماء في عصرنا الحاضر في كتبهم من الموادّ المحجّرة المذكورة.(25:

147)

المراغيّ: أي و إلى الجبال كيف وضعت وضعا ثابتا لا ميدان فيه و لا اضطراب،فيتسنّى ارتقاؤها في كلّ حين،و تجعل أمارة للسّالكين في تلك الفيافي و القفار، و تنزل عليها المياه الّتي ينتفع بها في سقي النّبات و ريّ الحيوان.(30:137)

الطّباطبائيّ: و هي أوتاد الأرض المانعة من مورها،و مخازن الماء الّتي تتفجّر منها العيون و الأنهار، و محافظ للمعادن.(20:275)

محمّد جواد مغنية:أوتادا للأرض،فسكّنت على حركتها،و لو لا الجبال لمادت بأهلها،و زالت عن مواضعها.(7:557)

مكارم الشّيرازيّ: الجبال الّتي تشمخ بتعمّق جذورها في باطن الأرض،و تحيط بالأرض على شكل حلقات،لتقلّل من شدّة الزّلازل النّاشئة من ذوبان الموادّ المعدنيّة في باطن الأرض،و كذا ما لها من دور في عمليّة المدّ و الجزر النّاشئة من تأثيرات الشّمس و القمر.

الجبال الّتي لو لا وجودها بهذه الهيئة لما توفّرت ظروف عيش الإنسان على سطح الأرض،لما تمثّله من سدّ منيع أمام قوّة أثر العواصف.و أخيرا،الجبال الّتي تحفظ الماء في داخلها لتخرجه لنا على صورة عيون فيّاضة تعمّ الأرض،ليخضرّ بساطها بأنواع المزارع و الغابات.

و لعلّ ذلك كلّه كان وراء وصفها(أوتادا)في القرآن الكريم.فهي-عموما-مظهر الأبّهة و الصّلابة و الشّموخ،و هي مصدر خير و بركة معطاء،و لعلّ ذلك من علل تفتّح ذهنيّة الإنسان عندها،كما و ليس من العبث أن يتّخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبل النّور و غار حراء محلاّ لعبادته قبل البعثة المباركة.(20:148)

فضل اللّه :على الأرض لتمتدّ قواعدها في الأعماق السّحيقة السّحيقة من الأرض،و لترتفع شامخة في أعالي الفضاء،مع هذه الضّخامة و الصّلابة اللّتين توحيان بالمهابة و الجلال،لينطلق النّظر في دراسة العناصر المكوّنة لها،و الظّروف المحيطة بأوضاعها،و القوانين المتحكّمة فيها،و الأسرار المودعة فيها،و المنافع الّتي تخرج منها، ليتعرّف-من خلال ذلك كلّه-إلى مواقع قدرة اللّه في ذلك،و يكتشف أنّها لا بدّ من أن تكون مخلوقة له،و لو تأمّل في انتصابها المرتفع فوق الأرض،لتكون رواسي فيها،حذرا من أن تميد بأهلها بفعل بعض الاهتزازات

ص: 866

و المتغيّرات و المؤثّرات،ليعرف أنّ ذلك كلّه من تدبير الإله القادر الحكيم.

و ربّما كان الحديث عن الجبال،في خصوصيّتها الوجوديّة،لما تمثّله من ملاذ و ملجإ و مرتع و منبع و مهابة و جلال و روعة و جمال؛بحيث تثير انتباه الإنسان الّذي قد يشغل بالنّظرة السّاذجة إليها،في غفلة الوعي الّذي يبحث عن المواقع الخفيّة للأسرار في ظواهر الكون، فكانت الالتفاتة القرآنيّة لتتعمّق النّظرة فتكون نافذة على المعرفة،لا ملهاة للنّفس.(24:228)

الجبال في القيامة

1- وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً...

الكهف:47

الطّبريّ: عن الأرض،فنبسّها بسّا،و نجعلها هباء منبثّا.(15:257)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:يسيّرها من السّير حتّى تنتقل عن مكانها، لما فيه من ظهور الآية و عظم الاعتبار.

الثّاني:يسيّرها،أي يقلّلها حتّى يصير كثيرها قليلا يسيرا.

الثّالث:بأن يجعلها هباء منثورا.(3:311)

الطّوسيّ: أي ظاهرة فلا يتستّر منها شيء،لأنّ الجبال إذا سيّرت عنها و صارت دكّا ملساء،ظهرت و برزت.(7:53)

الواحديّ: أي و اذكر يوم تسير الجبال من وجه الأرض كما يسير السّحاب في الدّنيا،ثمّ يكسر،فيعود في الأرض.(3:152)

البغويّ: تسيير الجبال:نقلها من مكان إلى مكان.

(3:195)

الميبديّ: أي و اذكر يوم نسيّر الجبال عن وجه الأرض،فنقلعها قلعا و نسيّرها كما نسيّر السّحاب في الدّنيا.

(5:701)

الطّبرسيّ: قيل:إنّه يتعلّق بما قبله،و تقديره:

و الباقيات الصّالحات خير ثوابا في هذا اليوم.

و قيل:إنّه ابتداء كلام،و تقديره:و اذكر يوم نسيّر الجبال يعني يوم القيامة.و تسيير الجبال:قلعها عن أماكنها،فإنّ اللّه سبحانه يقلعها و يجعلها هباء منثورا.

و قيل:نسيّرها على وجه الأرض،كما نسيّر السّحاب في السّماء.ثمّ يجعلها كثيبا مهيلا،كما قال: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ المزّمّل:14،ثمّ يصيّرها كالعهن المنفوش ثمّ يصيّرها هباء منبثّا في الهواء،كما قال: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:5،6

ثمّ يصيّرها بمنزلة السّراب،كما قال: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.(3:474)

نحوه البيضاويّ(2:15)،و أبو السّعود(4:194)، و البروسويّ(5:252)،و القاسميّ(11:4067).

الفخر الرّازيّ: ليس في لفظ الآية ما يدلّ على أنّها إلى أين تسير،فيحتمل أن يقال:إنّه تعالى يسيّرها إلى الموضع الّذي يريده،و لم يبيّن ذلك الموضع لخلقه.

و الحقّ أنّ المراد أنّه تعالى يسيّرها إلى العدم،لقوله

ص: 867

تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:

105-107،و لقوله: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:5-6.(21:132)

الخازن :أي نذهب بها،و ذلك أن يجعل هباء منثورا كما يسيّر السّحاب.(4:174)

الشّربينيّ: أي و اذكر لهم يوم(نسيّر)بأيسر أمر (الجبال)عن وجه الأرض بعواصف القدرة،كما نسيّر نبات الأرض بعد أن صار هشيما بالرّياح،كما قال تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88.[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ المتقدّم](2:381)

الكاشانيّ: نسيّرها في الجوّ،و نجعلها هباء منبثّا.

(3:245)

المراغيّ: [نحو الكاشانيّ و أضاف:]

أي تذهب الجبال،و تتساوى المهاد،و تبقى الأرض سطحا مستويا لا عوج فيه و لا وادي و لا جبل.

(15:156)

الطّباطبائيّ: الظّرف متعلّق بمقدّر،و التّقدير:

و اذكر يوم نسيّر،و تسيير الجبال بزوالها عن مستقرّها و قد عبّر سبحانه عنه بتعبيرات مختلفة،كقوله:

وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14،و قوله:

وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5، و قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:6،و قوله:

وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.

(13:321)

[و قد تقدّم بعض الكلام في«برز»فلاحظ]

مكارم الشّيرازيّ: الآية تذكّر الإنسان بمقدّمات البعث و القيامة،فتقول:إنّ انهيار معالم الشّكل الرّاهن للعالم هي أوّل مقدّمات البعث،و سيتمّ هذا التّغيير لشكل العالم الرّاهن من خلال مجموعة مظاهر في الطّليعة،منها تسيير الجبال الرّواسي،و كلّ ما يمسك الأرض و يبرز عليها،حتّى تبدو الأرض خالية من أيّ من المظاهر السّابقة وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً.

إنّ في القرآن تأكيدا على المظاهر الّتي تطرأ على العالم،و تؤدّي إلى تغيير صورته.و الملاحظة أنّ السّور القصار تؤكّد على هذه المعاني بشكل بارز،في إطار حديثها عمّا بات يعرف اصطلاحا ب«أشراط السّاعة».

إنّ المستفاد من مجموعة تلك السّور أنّ وجه العالم الرّاهن يتغيّر بشكل كلّيّ؛حيث تتلاشى الجبال،و تنهار الأبنية و الأشجار،ثمّ تضرب الأرض سلسلة من الزّلازل،و تنطفئ الشّمس،و يخمد نور القمر،و تظلم النّجوم،و على حطام كلّ ذلك تظهر إلى الوجود سماء جديدة و أرض جديدة،ليبدأ الإنسان على أساس ذلك حياته الأخرى،في مرحلة البعث و الحساب.

سرّ انهدام الجبال:
اشارة

قلنا:إنّه في يوم الحشر و النّشور سيتغيّر نظام العالم المادّيّ،و قد وردت صيغ تعبيريّة مختلفة حول انهدام الجبال في القرآن الكريم،يمكن أن نقف عليها من خلال ما يلي:

في الآيات الّتي نبحثها قرأنا تعبير (نسيّر الجبال) و إنّ

ص: 868

نفس هذه الصّيغة التّعبيريّة يمكن ملاحظتها في الآية (20)من سورة النّبأ،و الآية(3)من سورة التّكوير.

و لكنّنا نقرأ في الآية(10)من سورة المرسلات قوله تعالى: وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ.

في حين أنّنا نقرأ في الآية(14)من سورة الحاقّة قوله تعالى: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً.

و في الآية(14)من سورة المزّمّل قوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً

و في الآية(5)من سورة الواقعة قوله تعالى:

وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا

أخيرا نقرأ قوله تعالى في الآية(5)من سورة القارعة: وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ.

و من الواضح أن ليس هناك تناف أو تضادّ بين مجموع الآيات أعلاه،بل هي صيغ لمراحل مختلفة لزوال جبال العالم و دمارها،هذه الجبال الّتي تعتبر أكثر أجزاء الأرض ثباتا و استقرارا؛حيث تبدأ حركة زوال و انهدام الجبال من نقطة حركة الجبال حتّى نقطة تحوّلها إلى غبار و تراب؛بحيث لا يرى في الفضاء سوى لونها!ترى ما هي أسباب هذه الحركة العظيمة المخيفة؟

إنّها غير معلومة لدينا؛إذ قد يكون السّبب في ذلك هو الزّوال المؤقّت لظاهرة الجاذبيّة؛حيث تكون الحركة الدّورانيّة للأرض سببا في أن تتصادم الجبال فيما بينها، ثمّ حركتها باتّجاه الفضاء.و قد يكون السّبب هو الانفجارات الذّرّيّة العظيمة في النّواة المركزيّة للأرض؛ حيث بسببها تحدث هذه الحركة العظيمة و الموحشة.

إنّ دلالة الأمر كلّه هو أنّ حالة البعث و النّشور تكون في ثورة عظيمة في عالم المادّة الميّت،و أيضا في تجديد حياة النّاس؛حيث تكون كلّ هذه المظاهر هي بداية لعالم جديد يكون في مستوى أعلى و أفضل؛إذ بالرّغم من أنّ الرّوح و الجسم هما اللّذان يحكمان طبيعة هذا العالم،إلاّ أنّ جميع الأمور ستكون أكمل و أوسع و أفضل.

إنّ في التّعبير القرآنيّ دلالة ننتبه من خلالها إلى أنّ عمليّة فناء عيون الماء و دمار البستان هي أمور سهلة، في مقابل الحدث الأعظم الّذي ستتلاشى عنده الجبال الرّاسيات،و يشمل الفناء كلّ الوجود بما فيه الجبال الّتي تعتبر أعظم أوتاده.(9:256)

2- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. مريم:90

راجع«خ ر ر»(تخرّ).

3- وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً.

طه:105

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: [في حديث]قيل إنّ رجلا من ثقيف سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كيف تكون الجبال يوم القيامة مع عظمها؟فقال:«إنّ اللّه يسوقها بأن يجعلها كالرّمال،ثمّ يرسل عليها الرّياح فتفرّقها».(الطّبرسيّ 4:29)

أبو عبيدة :مجازها:يطيّرها فيستأصلها.(2:29)

ابن الأعرابيّ: يقلعها قلعا من أصولها،ثمّ يصيّرها رملا يسيل سيلا،ثمّ يصيّرها كالصّوف المنفوش تطيّرها

ص: 869

الرّياح هكذا و هكذا.و لا يكون العهن من الصّوف إلاّ المصبوغ،ثمّ كالهباء المنثور.(القرطبيّ 11:245)

الطّبريّ: و يسألك يا محمّد قومك عن الجبال،فقل لهم:يذرّيها ربّي تذرية،و يطيّرها:يقلعها،و استئصالها من أصولها،و دكّ بعضها على بعض،و تصييره إيّاها هباء منبثّا.(16:211)

الزّجّاج: النّسف:التّذرية،تصير الجبال كالهباء المنثور،تذرّى تذرية.(3:376)

الطّوسيّ: قيل:إنّه يجعلها بمنزلة الرّمل،ثمّ يرسل عليها الرّياح فتذرّيها كتذرية الطّعام من القشور و التّراب.و قيل:إنّ الجبال تصير كالهباء.(7:208)

نحوه الزّمخشريّ(2:553)،و البيضاويّ(2:61)، و أبو السّعود(4:309)،و الكاشانيّ(3:321).

الواحديّ: قال المفسّرون:يصيّرها اللّه رمالا تسيل،ثمّ يصيّرها كالصّوف المنفوش،يطيّرها الرّياح.

(3:221)

ابن عطية:[أشار إلى حديث النّبيّ المتقدّم ثمّ قال:]

و روي أنّ اللّه تعالى يرسل على الجبال ريحا فتدكدكها حتّى تكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:

5،ثمّ يتوالى عليها حتّى يعيدها كالهباء المنبثّ،فذلك هو النّسف.(4:64)

نحوه أبو حيّان.(6:279)

البغويّ: و النّسف هو القلع،يعني يقلعها من أصلها،و يجعلها هباء منثورا.(3:275)

مثله الخازن.(4:227)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا وصف أمر يوم القيامة،حكى سؤال من لم يؤمن بالحشر،فقال:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ، و في تقرير هذا السّؤال وجوه:

أحدها:أنّ قوله: يَتَخافَتُونَ طه:103، وصف من اللّه تعالى لكلّ المجرمين بذلك،فكأنّهم قالوا:

كيف يصحّ ذلك و الجبال حائلة و مانعة من هذا التّخافت؟!

و ثانيها:قال الضّحّاك:نزلت في مشركي مكّة، قالوا:يا محمّد كيف تكون الجبال يوم القيامة؟و كان سؤالهم على سبيل الاستهزاء.

و ثالثها:لعلّ قومه قالوا:يا محمّد إنّك تدّعي أنّ الدّنيا ستنقضي،فلو صحّ ما قلته لوجب أن تبتدئ أوّلا بالنّقصان ثمّ تنتهي إلى البطلان.لكنّ أحوال العالم باقية كما كانت في أوّل الأمر،فكيف يصحّ ما قلته من خراب الدّنيا؟و هذه شبهة تمسّك بها جالينوس في أنّ السّماوات لا تفنى،قال:لأنّها لو فنيت لابتدأت في النّقصان أوّلا حتّى ينتهي نقصانها إلى البطلان،فلمّا لم يظهر فيها النّقصان علمنا أنّ القول بالبطلان باطل،ثمّ أمر اللّه تعالى رسوله بالجواب عن هذا السّؤال،و ضمّ إلى الجواب أمورا أخر في شرح أحوال القيامة و أهوالها.

الصّفة الأولى:قوله: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً و فيه مسائل:

المسألة الأولى:إنّما قال:(قل)مع فاء التّعقيب،لأنّ مقصودهم من هذا السّؤال الطّعن في الحشر و النّشر، فلا جرم أمره بالجواب مقرونا بفاء التّعقيب،لأنّ تأخير

ص: 870

البيان في مثل هذه المسألة الأصوليّة غير جائز،أمّا في المسائل الفروعيّة فجائزة،لذلك ذكر هناك(قل)من غير حرف التّعقيب.

المسألة الثّانية:الضّمير في قوله:(ينسفها)عائد إلى الجبال،و النّسف:التّذرية،أي تصير الجبال كالهباء المنثور تذرّى تذرية،فإذا زالت الجبال زالت الحوائل، فيعلم صدق قوله:(يتخافتون).

قال الخليل :(ينسفها)أي يذهبها و يطيّرها.أمّا الضّمير في قوله: فَيَذَرُها فهو عائد إلى الأرض، فاستغني عن تقديم ذكرها،كما في عادة النّاس من الإخبار عنها بالإضمار،كقولهم:ما عليها أكرم من فلان، و قال تعالى: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فاطر:45.

و إنّما قال: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً طه:106، ليبيّن أنّ ذلك«النّسف»لا يزيل الاستواء لئلاّ يقدّر أنّها لمّا زالت من موضع إلى موضع آخر صارت هناك حائلة، هذا كلّه إذا كان المقصود من سؤالهم الاعتراض على كيفيّة المخافتة.

أمّا لو كان الغرض من السّؤال ما ذكرنا:من أنّه لا نقصان فيها في الحال،فوجب أن لا ينتهي أمرها إلى البطلان،كان تقرير الجواب أنّ بطلان الشّيء قد يكون بطلانا يقع توليديّا،فحينئذ يجب تقديم النّقصان على البطلان،و قد يكون بطلانا يقع دفعة واحدة،و هاهنا لا يجب تقديم النّقصان على البطلان،فبيّن اللّه تعالى أنّه يفرّق تركيبات هذا العالم الجسمانيّ دفعة بقدرته و مشيئته،فلا حاجة هاهنا إلى تقديم النّقصان على البطلان.(22:116)

القرطبيّ: أي عن حال الجبال يوم القيامة.

(11:245)

ابن كثير :أي هل تبقى يوم القيامة أو تزول؟ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً أي يذهبها عن أماكنها و يمحقها و يسيّرها تسييرا.(4:538)

نحوه القاسميّ(11:4211)،و المراغيّ(16:

152).

البروسويّ: و الجبال:جمع جبل،و هو كلّ وتد للأرض عظم و طال،فإن انفرد فأكمة أو قنّة،و اعتبر معانيه فاستعير و اشتقّ منه بحسبها،فقيل:فلان جبل لا يتزحزح،تصوّرا لمعنى الثّبات فيه،و جبله اللّه على كذا،إشارة إلى ما ركّب فيه من الطّبع الّذي يأبى على النّاقل نقله،و تصوّر منه العظم.(5:427)

الآلوسيّ: السّائلون منكرو البعث من قريش...و قيل:جماعة من ثقيف،و قيل:أناس من المؤمنين، فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً يجعلها سبحانه كالرّمل،ثمّ يرسل عليها الرّياح فتفرّقها.

و الفاء للمسارعة إلى إزالة ما في ذهن السّائل من بقاء الجبال،بناء على ظنّ أنّ ذلك من توابع عدم الحشر، أ لا ترى أنّ منكري الحشر يقولون:بعدم تبدّل هذا النّظام المشاهد في الأرض و السّماوات،أو للمسارعة إلى تحقيق الحقّ حفظا من أن يتوهّم ما يقضي بفساد الاعتقاد.

(16:261)

محمّد جواد مغنية: سأل سائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف تكون الجبال يوم القيامة؟فقال سبحانه لنبيّه الكريم:«قل مجيبا عن هذا السّؤال:إنّ اللّه يقتلعها من

ص: 871

أصولها،و يصيّرها غبارا منتشرا في الفضاء،و يدع أماكنها من الأرض ملساء،لا شيء فيها،و لا ارتفاع، و لا انخفاض».(5:244)

نحوه فضل اللّه.(15:156)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ النّاس كانوا قد سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن مصير الجبال عند انتهاء الدّنيا،و ربّما كان ذلك لأنّهم لم يكونوا يصدّقون أن يكون من الممكن أن تتزلزل و تتصدّع أمثال هذه الجبال العظيمة،الّتي امتدّت جذورها في أعماق الأرض،و شمخت رءوسها إلى السّماء،و إذا كان بالإمكان قلعها من مكانها،فأيّ هواء أو طوفان له مثل هذه القدرة؟و لذلك يقول:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ و الجواب: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً طه:105.

يستفاد من مجموع آيات القرآن حول مصير الجبال أنّها تمرّ عند حلول القيامة بمراحل مختلفة:

فهي ترجف و تهتزّ أوّلا: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ المزّمّل:14.

ثمّ تتحرّك: وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً الطّور:10.

و في المرحلة الثّالثة تتلاشى و تتحوّل إلى كثبان من الرّمل: وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14.

و في المرحلة الأخيرة سيزحزحها الهواء و الطّوفان من مكانها،و يبعثرها في الهواء،و تبدو كالصّوف المنفوش وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5.(10:69)

4- وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ... النّمل:88

ابن عبّاس: (جامدة):قائمة.(الطّبريّ 20:21)

أي تسير سيرا حثيثا مثل السّحاب.

(الطّبرسيّ 4:236)

ابن قتيبة :أي واقفة وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ تسير سير(السّحاب).هذا إذا نفخ في الصّور،يريد:أنّها تجمع و تسيّر،فهي لكثرتها كأنّها جامدة،و هي تسير.

(327)

الطّبريّ: و ترى الجبال يا محمّد،تحسبها قائمة و هي تمرّ.

و إنّما قيل: وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ لأنّها تجمع ثمّ تسيّر،فيحسب رائيها لكثرتها أنّها واقفة،و هي تسير سيرا حثيثا.[ثمّ استشهد بشعر](20:21)

الماورديّ: أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها،كما لا يرى سير السّحاب إذا انبسط لبعد أطرافه.و هذا مثل، و فيما ضرب له ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّه مثل ضربه اللّه تعالى للدّنيا،يظنّ النّاظر إليها أنّها واقفة كالجبال،و هي آخذة بحظّها من الزّوال كالسّحاب،قاله سهل بن عبد اللّه.

الثّاني:أنّه مثل ضربه اللّه للإيمان،تحسبه ثابتا في القلب و عمله صاعدا إلى السّماء.

الثّالث:أنّه مثل للنّفس عند خروج الرّوح،و الرّوح تسير إلى القدس.(4:330)

القشيريّ: و هذا يوم القيامة،أي هي لكثرتها كأنّها جامدة،أي واقفة في مرأى العين و إن كانت في أنفسه تسير سير السّحاب،و السّحاب المتراكم يظنّ

ص: 872

أنّها واقفة و هي تسير،أي تمرّ مرّ السّحاب،حتّى لا يبقى منها شيء،فقال اللّه تعالى: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.(القرطبيّ 13:242)

البغويّ: قائمة واقفة وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ أي تسير سير السّحاب حتّى تقع على الأرض فتستوي بها،و ذلك أنّ كلّ شيء عظيم و كلّ جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته و بعد ما بين أطرافه،فهو في حسبان النّاظر واقف و هو سائر،كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمها،كما أنّ سير السّحاب لا يرى لعظمه و هو سائر.

(3:519)

نحوه المراغيّ.(20:24)

الميبديّ: و ترى الجبال يا محمّد تحسبها جامدة قائمة واقفة مستقرّة مكانها. وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حتّى تقع على الأرض فتستوي بها.

(7:262)

الزّمخشريّ: تجمع الجبال فتسيّر،كما تسيّر الرّيح السّحاب،فإذا نظر إليها النّاظر حسبها واقفة ثابتة في مكان واحد وَ هِيَ تَمُرُّ مرّا حثيثا كما يمرّ السّحاب، و هكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحرّكت لا تكاد تتبيّن حركتها.[ثمّ استشهد بشعر](3:162)

نحوه البروسويّ(6:375)،و الشّربينيّ(3:77).

ابن عطيّة: هذا وصف حال الأشياء يوم القيامة عقب النّفخ في الصّور،و الرّؤية هي بالعين.و هذه الحال للجبال هي في أوّل الأمر تسير و تموج و أمر اللّه تعالى ينسفها و يفتّها خلال ذلك فتصير كالعهن،ثمّ تصير في آخر الأمر هباء منبثّا.(4:273)

الطّبرسيّ: أي واقفة مكانها لا تسير و لا تتحرّك في مرأى العين.(4:236)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا هو العلامة الثّالثة لقيام القيامة،و هي تسيير الجبال.و الوجه في حسبانهم أنّها جامدة،فلأنّ الأجسام الكبار إذا تحرّكت حركة سريعة على نهج واحد في السّمت و الكيفيّة،ظنّ النّاظر إليها أنّها واقفة،مع أنّها تمرّ مرّا حثيثا.(24:220)

نحوه البيضاويّ.(2:185)

القرطبيّ: [نقل كلام ابن قتيبة و القشيريّ ثمّ قال:]

و يقال:إنّ اللّه تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة، ترجع كلّها إلى تفريغ الأرض منها،و إبراز ما كانت تواريه؛فأوّل الصّفات:الاندكاك،و ذلك قبل الزّلزلة،ثمّ تصير كالعهن المنفوش؛و ذلك إذا صارت السّماء كالمهل، و قد جمع اللّه بينهما،فقال: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ المعارج:8،9.

و الحالة الثّالثة:أن تصير كالهباء،و ذلك أن تتقطّع بعد أن كانت كالعهن.

و الحالة الرّابعة:أن تنسف لأنّها مع الأحوال المتقدّمة قارّة في مواضعها،و الأرض تحتها غير بارزة، فتنسف عنها لتبرز،فإذا نسفت فبإرسال الرّياح عليها.

و الحالة الخامسة:أنّ الرّياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنّها غبار،فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة،و هي بالحقيقة مارّة،إلاّ أنّ مرورها من وراء الرّياح كأنّها مندكّة متفتّتة.

ص: 873

و الحالة السّادسة:أن تكون سرابا،فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسّراب.(13:242)

أبو حيّان : وَ تَرَى الْجِبالَ هو من رؤية العين، (تحسبها)حال من فاعل(ترى)أو من(الجبال)، و(جامدة)من جمد مكانه،إذا لم يبرح منه،و هذه الحال للجبال عقيب النّفخ في الصّور،و هي أوّل أحوال الجبال تموج و تسير،ثمّ ينسفها اللّه فتصير كالعهن،ثمّ تكون هباء منبثّا في آخر الأمر، وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ جملة حاليّة،أي تحسبها في رأي العين ثابتة مقيمة في أماكنها و هي سائرة[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:شبّه مرورها بمرّ السّحاب في كونها تسير سيرا وسطا.[ثمّ استشهد بشعر]

و حسبان الرّائي الجبال جامدة مع مرورها،قيل:

لهول ذلك اليوم،فليس له ثبوت ذهن في الفكر في ذلك، حتّى يتحقّق كونها ليست بجامدة.[ثمّ نقل كلام الفخر و القرطبيّ](7:100)

أبو السّعود : وَ تَرَى الْجِبالَ عطف على(ينفخ) داخل في حكم التّذكير،و قوله عزّ و جلّ: تَحْسَبُها جامِدَةً أي ثابتة في أماكنها،إمّا بدل منه أو حال من ضمير(ترى)أو من مفعوله.و قوله تعالى: وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حال من ضمير(الجبال)في (تحسبها)أو في(جامدة)أي تراها رأي العين ساكنة و الحال أنّها تمرّ مرّ السّحاب الّتي تسيّرها الرّياح سيرا حثيثا،و ذلك أنّ الأجرام العظام إذا تحرّكت نحو سمت لا تكاد تتبيّن حركتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أدمج في هذا التّشبيه تشبيه حال(الجبال)بحال (السّحاب)في تخلخل الأجزاء و انتفاشها،كما في وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5، و هذا أيضا ممّا يقع بعد النّفخة الثّانية عند حشر الخلق يبدّل اللّه عزّ و جلّ الأرض غير الأرض،يغيّر هيآتها و يسيّر الجبال عن مقارّها،على ما ذكر من الهيئة الهائلة، ليشاهدها أهل المحشر،و هي و إن اندكّت و تصدّعت عند النّفخة الأولى لكن تسييرها و تسوية الأرض إنّما يكونان بعد النّفخة الثّانية،كما نطق به وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ... الآيات،و يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48.

فإنّ اتّباع الدّاعي الّذي هو إسرافيل عليه السّلام و بروز الخلق للّه تعالى لا يكون إلاّ بعد النّفخة الثّانية.

و قد قالوا في تفسير وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ إنّ صيغة الماضي في المعطوف عليه مستقبلا للدّلالة على تقدّم الحشر على التّسيير و الرّؤية،كأنّه قيل:و حشرناهم قبل ذلك.

هذا و قد قيل:إنّ المراد هي النّفخة الأولى،و الفزع هو الّذي يستتبع الموت لغاية شدّة الهول،كما في فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ الزّمر:

68،فيختصّ أثرها بمن كان حيّا عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم.

و جوّز أن يراد بالإتيان داخرين:رجوعهم إلى أمره تعالى و انقيادهم له.و لا ريب في أنّ ذلك ممّا ينبغي أن تنزّه ساحة التّنزيل عن أمثاله.

و أبعد من هذا ما قيل:إنّ المراد بهذه النّفخة:نفخة الفزع الّتي تكون قبل نفخة الصّعق،و هي الّتي أريدت

ص: 874

ب وَ ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ ص:15،فيسيّر اللّه تعالى عندها الجبال فتمرّ مرّ السّحاب،فتكون سرابا،و ترجّ الأرض بأهلها رجّا، فتكون كالسّفينة الموثقة في البحر،أو كالقنديل المعلّق ترججه الأرواح،فإنّه ممّا لا ارتباط له بالمقام قطعا، و الحقّ الّذي لا محيد عنه ما قدّمناه،و ممّا هو نصّ في الباب ما سيأتي من وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ النّمل:89.

(5:106)

الآلوسيّ: وَ تَرَى الْجِبالَ عطف على(ينفخ) داخل في حكم التّذكير،(و ترى)من رؤية العين،و قوله تعالى: تَحْسَبُها جامِدَةً أي ثابتة في أماكنها لا تتحرّك حال من فاعل(ترى)أو من مفعوله،و جوّز أن يكون بدلا من سابقه،و قوله عزّ و جلّ: وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حال من ضمير(الجبال)في(تحسبها)، و جوّز أن يكون حالا من ضميرها في(جامدة)،و منعه أبو البقاء لاستلزامه أن تكون جامدة و مارّة في وقت واحد،أي و ترى الجبال رأي العين ساكنة و الحال أنّها تمرّ في الجوّ مرّ السّحاب الّتي تسيّرها الرّياح سيرا حثيثا، و ذلك أنّ الأجرام المجتمعة المتكاثرة العدد على وجه الالتصاق إذا تحرّكت نحو سمت لا تكاد تبين حركتها، و عليه قول النّابغة الجعديّ في وصف جيش:

بأرعن مثل الطّود تحسب أنّهم

وقوف لحاج و الرّكاب تهملج

و قيل:شبّه مرّها بمرّ السّحاب في كونها تسير سيرا وسطا،كما قال الأعشى:

كأنّ مشيتها من بيت جارتها

مرّ السّحاب لا ريث و لا عجل

و المشهور في وجه الشّبه السّرعة،و إنّ منشأ الحسبان المذكور ما سمعت.و قيل:إنّ حسبان الرّائي إيّاها جامدة مع مرورها،لهول ذلك اليوم،فليس له ثبوت ذهن في الفكر في ذلك حتّى يتحقّق كونها جامدة.و ليس بذاك و قد أدمج في التّشبيه المذكور تشبيه حال(الجبال) بحال(السّحاب)في تخلخل الأجزاء و انتفاشها،كما في وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5، و اختلف في وقت هذا.[ثمّ ذكر كلام أبي السّعود و أضاف:]

و قال بعضهم:إنّه ممّا يقع عند النّفخة الأولى و ذلك أنّه ترجف الأرض و الجبال ثمّ تنفصل الجبال عن الأرض و تسير في الجوّ ثمّ تسقط فتصير كثيبا مهيلا ثمّ هباء منبثّا،و يرشد إلى أنّ هذه الصّيرورة ممّا لا يترتّب على الرّجفة و لا تعقبها بلا مهلة:العطف بالواو دون الفاء في يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14،و التّعبير الماضي في وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ الكهف:47 لتحقّق الوقوع كما مرّ آنفا،و اليوم في وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية.و يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ إلخ يجوز أن يجعل اسما للحين الواسع الّذي يقع فيه ما يكون عند النّفخة الأولى من النّسف و التّبديل،و ما يكون عند النّفخة الثّانية من اتّباع الدّاعي و البروز للّه تعالى الواحد القهّار،و قد حمل اليوم على ما يسع ما يكون عند النّفختين في فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ* وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً* فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ*... يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ الحاقّة:13-18.و هذا كما تقول:جئته عام كذا،و إنّما مجيئك في وقت من أوقاته.و قد ذهب غير واحد إلى أنّ تبديل الأرض كالبروز بعد النّفخة الثّانية، لما في صحيح مسلم عن عائشة«قلت يا رسول اللّه أ رأيت قول اللّه تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فأين يكون النّاس؟قال على الصّراط».و جاء في غير خبر ما يدلّ على أنّه قبل النّفخة الأولى،و جمع صاحب «الإفصاح»بين الأخبار بأنّ التّبديل يقع مرّتين مرّة قبل النّفخة الأولى و أخرى بعد النّفخة الثّانية،و حكى في «البحر»أنّ أوّل الصّفات ارتجاجها،ثمّ صيرورتها كالعهن المنفوش،ثمّ كالهباء بأن تتقطّع بعد أن كانت كالعهن،ثمّ نسفها بإرسال الرّياح عليها،ثمّ تطييرها بالرّيح في الجوّ كأنّها غبار،ثمّ كونها سرابا،و هذا كلّه على ما يقتضيه كلام السّفارينيّ قبل النّفخة الثّانية،و من تتبّع الأخبار وجدها ظاهرة في ذلك،و الآية هنا تحتمل كون الرّؤية المذكورة فيها قبل النّفخة الثّانية و كونها قبلها (1)،فتأمّل.

ص: 875

و قال بعضهم:إنّه ممّا يقع عند النّفخة الأولى و ذلك أنّه ترجف الأرض و الجبال ثمّ تنفصل الجبال عن الأرض و تسير في الجوّ ثمّ تسقط فتصير كثيبا مهيلا ثمّ هباء منبثّا،و يرشد إلى أنّ هذه الصّيرورة ممّا لا يترتّب على الرّجفة و لا تعقبها بلا مهلة:العطف بالواو دون الفاء في يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14،و التّعبير الماضي في وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ الكهف:47 لتحقّق الوقوع كما مرّ آنفا،و اليوم في وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية.و يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ إلخ يجوز أن يجعل اسما للحين الواسع الّذي يقع فيه ما يكون عند النّفخة الأولى من النّسف و التّبديل،و ما يكون عند النّفخة الثّانية من اتّباع الدّاعي و البروز للّه تعالى الواحد القهّار،و قد حمل اليوم على ما يسع ما يكون عند النّفختين في فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ* وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً* فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ*... يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ الحاقّة:13-18.و هذا كما تقول:جئته عام كذا،و إنّما مجيئك في وقت من أوقاته.و قد ذهب غير واحد إلى أنّ تبديل الأرض كالبروز بعد النّفخة الثّانية، لما في صحيح مسلم عن عائشة«قلت يا رسول اللّه أ رأيت قول اللّه تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فأين يكون النّاس؟قال على الصّراط».و جاء في غير خبر ما يدلّ على أنّه قبل النّفخة الأولى،و جمع صاحب «الإفصاح»بين الأخبار بأنّ التّبديل يقع مرّتين مرّة قبل النّفخة الأولى و أخرى بعد النّفخة الثّانية،و حكى في «البحر»أنّ أوّل الصّفات ارتجاجها،ثمّ صيرورتها كالعهن المنفوش،ثمّ كالهباء بأن تتقطّع بعد أن كانت كالعهن،ثمّ نسفها بإرسال الرّياح عليها،ثمّ تطييرها بالرّيح في الجوّ كأنّها غبار،ثمّ كونها سرابا،و هذا كلّه على ما يقتضيه كلام السّفارينيّ قبل النّفخة الثّانية،و من تتبّع الأخبار وجدها ظاهرة في ذلك،و الآية هنا تحتمل كون الرّؤية المذكورة فيها قبل النّفخة الثّانية و كونها قبلها (1)،فتأمّل.

(20:34)

القاسميّ: وَ تَرَى الْجِبالَ عطف على(ينفخ) داخل في حكم التّذكير تَحْسَبُها جامِدَةً أي ثابتة في أماكنها وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ أي في تخلّل أجزائها و انتفاشها،كما في قوله تعالى: وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5، صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ،إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ النّمل:88،أي فيجازيهم عليه.

تنبيه:

ما ذكرناه في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه كثير.

قالوا:المراد بهذه الآية تسيير الجبال الّذي يحصل يوم القيامة،حينما يبيد اللّه تعالى العوالم،كما قال: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20،و كما قال: وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ، و قال: وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ.

و قال بعض علماء الفلك:لا يمكن أن يكون المراد بهذه ما قالوه؛لعدّة وجوه:

الأوّل:أنّ وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً، لا يناسب مقام التّهويل و التّخويف إذا أريد بها ما يحصل يوم القيامة،و كذلك قوله صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ لا يناسب مقام الإهلاك و الإبادة،على أنّ محلّ هذه الآية على المستقبل،مع أنّها صريحة في إرادة الحال،شيء لا موجب له،و هو خلاف الظّاهر منها.

الثّاني:أنّ سير الجبال للفناء يوم القيامة،يحصل عند خراب العالم و إهلاك جميع الخلائق.و هذا شيء لا يراه أحد من البشر،كما قال: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ الزّمر:

68،أي من الملائكة.فما معنى قوله إذن: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً؟ النّمل:88.

الثّالث:أنّ تسيير الجبال الّذي يحصل يوم القيامة، إذا رآه أحد شعر به،لأنّه ما دام وضعها يتغيّر بالنّسبة للإنسان،فيحسّ بحركتها.و هذا ينافي قوله تعالى:

تَحْسَبُها جامِدَةً أي ثابتة.أمّا في الدّنيا فلا نشعر

ص: 876


1- كذا،و الظّاهر بعدها.

بحركتها،لأنّنا نتحرّك معها و لا يتغيّر وضعنا بالنّسبة لها، و هذا بخلاف ما يحصل يوم القيامة،فإنّ الجبال تنفصل عن الأرض و تنسف نسفا،و هذا شيء يراه كلّ واقف عندها.

الرّابع:ورود هذه الآية في سياق الكلام على يوم القيامة،لورود آية أَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً النّمل:86،المذكورة قبلها في نفس هذا السّياق،و المراد بهما ذكر شيء من دلائل قدرة اللّه تعالى،المشاهدة آثارها في هذا العالم الآن،من حركة الأرض و حدوث اللّيل و النّهار،ليكون ذلك دليلا على قدرته،على البعث و النّشور يوم القيامة.

فإنّ القادر على ضبط حركات هذه الأجرام العظيمة، لا يصعب عليه أن يعيد الإنسان،و أن يضبط حركاته و أعماله و يحصيها عليه.و لذلك ختم هذه الآية بقوله:

إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ فذكر هذه الأشياء في هذا السّياق،هو كذكر الدّليل مع المدلول،أو الحجّة مع الدّعوى،و هي سنّة القرآن الكريم.فإنّك تجد الدّلائل منبثّة بين دعاويه دائما،حتّى لا يحتاج الإنسان لدليل آخر خارج عنها،و ذلك شيء مشاهد في القرآن من أوّله إلى آخره،انتهى كلامه.

و قال العلاّمة المرجانيّ في مقدّمة كتابه:«وفيّة الأسلاف،و تحيّة الأخلاف»في بحث علم الهيئة،ما مثاله:

و يدلّ على حركة الأرض: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ الآية،فإنّه خطاب لجناب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و إيذان الأمر له بالأصالة مع اشتراك غيره في هذه الرّؤية.و حسبان جمود الجبال و ثباتها على مكانها،مع كونها متحرّكة في الواقع بحركة الأرض،و دوام مرورها مرّ السّحاب في سرعة السّير و الحركة.[إلى أن قال:]

فهذه الآية صريحة في دلالتها على حركة الأرض و مرور الجبال معها في هذه النّشأة،و ليس يمكن حملها على أنّ ذلك يقع في النّشأة الآخرة أو عند قيام السّاعة و فساد العالم،و خروجه عن متعاهد النّظام.و أنّ حسبانها جامدة لعدم تبيّن حركة كبار الأجرام إذا كانت في سمت واحد،فإنّ ذلك لا يلائم المقصود من التّهويل على ذلك التّقدير.على أنّ ذلك نقض و إهدام،و ليس من صنع و إحكام.

قال:و العجب من حذّاق العلماء المفسّرين،عدم تعرّضهم لهذا المعنى مع ظهوره،و اشتمال الكتب الحكميّة على قول بعض القدماء،مع أنّه أولى و أحقّ من تنزيل محتملات كتاب اللّه على القصص الواهية الإسرائيليّة، على ما شحنوا بها كتبهم.و ليس هذا بخارج عن قدرة اللّه تعالى و لا بعيد عن حكمته.و لا القول به بمصادم للشّريعة و العقيدة الحقّة،بعد أن تعتقد أنّ كلّ شيء حادث بقدرة اللّه تعالى،و إرادته و خلقه بالاختيار كائنا ما كان،و هو العليّ الكبير،و على ما يشاء قدير.(13:4689)

الطّباطبائيّ: الآية بما أنّها واقعة في سياق آيات القيامة محفوفة بها،تصف بعض ما يقع يومئذ من الآيات و هو سير الجبال.و قد قال تعالى في هذا المعنى أيضا:

وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20،إلى غير ذلك.فقوله: وَ تَرَى الْجِبالَ الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و المراد به تمثيل الواقعة،كما في قوله: وَ تَرَى النّاسَ سُكارى الحجّ:2،أي هذا حالها المشهودة في هذا اليوم تشاهدها لو كنت مشاهدا،و قوله: تَحْسَبُها جامِدَةً أي تظنّها الآن و لم تقم القيامة بعد جامدة غير متحرّكة،و الجملة معترضة أو حاليّة.[إلى أن قال:]

ص: 877

وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20،إلى غير ذلك.فقوله: وَ تَرَى الْجِبالَ الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و المراد به تمثيل الواقعة،كما في قوله: وَ تَرَى النّاسَ سُكارى الحجّ:2،أي هذا حالها المشهودة في هذا اليوم تشاهدها لو كنت مشاهدا،و قوله: تَحْسَبُها جامِدَةً أي تظنّها الآن و لم تقم القيامة بعد جامدة غير متحرّكة،و الجملة معترضة أو حاليّة.[إلى أن قال:]

و في الآية...قولان آخران:

أحدهما:حملها على الحركة الجوهريّة،و أنّ الأشياء كالجبال تتحرّك بجوهرها إلى غاية وجودها، و هي حشرها و رجوعها إلى اللّه سبحانه.

و هذا المعنى أنسب بالنّظر إلى ما في قوله: تَحْسَبُها جامِدَةً من التّلويح إلى أنّها اليوم متحرّكة و لمّا تقم القيامة،و أمّا جعل يوم القيامة ظرفا لحسبان الجمود و للمرور كالسّحاب جميعا،فممّا لا يلتفت إليه.

و ثانيهما:حملها على حركة الأرض الانتقاليّة،و هو بالنّظر إلى الآية في نفسها معنى جيّد إلاّ أنّه أوّلا:يوجب انقطاع الآية عمّا قبلها و ما بعدها من آيات القيامة، و ثانيا:ينقطع بذلك اتّصال قوله: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ بما قبله.

(15:401)

محمّد جواد مغنية:موضوع هذه الآية و الّتي قبلها واحد،و هو الحديث عن يوم القيامة و أهواله؛ و عليه يكون المعنى أنّ اللّه سبحانه يقتلع الجبال من أماكنها و يسيّرها في الفضاء تماما كما تسير السّحاب، و لكن يخيّل للرّائي أنّها ثابتة،ذلك أنّ الجرم الكبير إذا سار في سمت واحد و خطّ مستقيم فلا تدرك الأبصار حركاته لضخامته و بعد أطرافه،و بالخصوص إذا كان الرّائي بعيدا عنه.

و بهذا يتبيّن معنى خطأ من استدلّ بهذه الآية على أنّ القرآن قد أشار إلى حركة الأرض،و هناك آيات كثيرة تؤكّد أنّ المراد بمرور الجبال في هذه الآية هو تسييرها في الفضاء يوم القيامة،من تلك الآيات قوله: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ الكهف:47، و قوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20، و قوله: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ -أي تضطرب - مَوْراً* وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً الطّور:9،10،و كلام القرآن واحد يشهد بعضه على بعض،و ينطق بعضه ببعض.

(6:43)

عبد الكريم الخطيب :هو استعراض لبعض مظاهر قدرة اللّه،و حكمته و تدبيره في خلقه.

فهذه الجبال الّتي يراها الرّائي فيحسبها هامدة جامدة لا حراك بها،هي في الواقع على غير هذا الظّاهر الّذي يبدو للعين منها،إنّها تتحرّك حركة حرّة منطلقة، في يسر و في انتظام،كما يمرّ السّحاب.فما تراه العين منها شيء،و ما هو واقعها شيء آخر.

و إذن ففي الجبال حقيقة لا ترى بالعين،و لا تحسّ بالنّظر و المشاهدة و تلك الحقيقة أنّها متحرّكة،و أنّها تمرّ مرّ السّحاب.

و هنا سؤال:

إذا كنّا نحن في هذا العصر نرى بعين العلم أنّ الجبال تمرّ مرّ السّحاب،و أنّها متحرّكة بحركة الأرض،و أنّ الّذي ينظر إليها من الجوّ،يرى أنّها تسير كما يسير السّحاب فعلا،فكيف كان مفهوم العرب الّذين خوطبوا بهذه الآية،و هم لم يكونوا قد عرفوا أنّ الأرض متحرّكة

ص: 878

تدور حول نفسها مرّة كلّ يوم؟أ لم يكن في إعلان هذه الحقيقة ما يدخل اللّبس على قلوب المؤمنين،فوق ما يحرّك ألسنة المشركين بالبهت و التّكذيب.

و الجواب-و اللّه أعلم-أنّ النّظم القرآنيّ،قد جاء على صورة تدفع هذا الاحتمال من جانبيه جميعا.

فأوّلا:يقرّر القرآن صراحة أنّ الجبال ثابتة في مرأى العين.و هذا لا يجادل فيه أحد،و هذا هو السّرّ في تَحْسَبُها جامِدَةً، و كما يقول سبحانه: وَ الْجِبالَ أَرْساها النّازعات:32،و كما يقول جلّ شأنه:

وَ الْجِبالَ أَوْتاداً النّبأ:7.

و ثانيا:إنّ هذه الجبال الثّابتة في مرأى العين،هي في حقيقتها متحرّكة،و هذه الحركة حقيقة لا تنكشف إلاّ بالعلم و البحث،لأنّها قائمة وراء هذا الظّاهر.فمن كان في استطاعته أن يبحث و يدرس،فليفعل،و سيجد مصداق ذلك،و من لم يكن عنده هذا الاستعداد،فهو بين رجلين:مؤمن باللّه و بآياته،مصدّق بكلّ ما نزل على الرّسول من ربّه.و هذا لا يماري في هذه الحقيقة، و لا يشكّ فيها،و إنّما هو مؤمن بها،مسلّم بما تحدّث بها القرآن عنها،ناظرا إلى اليوم الّذي يقع له من العلم ما يكشف له عن وجه هذه الحقيقة.و مشرك،أو كافر باللّه،فهو مكذّب بآيات اللّه كلّها،جليّها و خفيّها.

فلا يدخل عليه من هذه الآية إلاّ ما امتلأ به قلبه من جحود و إنكار.

و قوله: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، صُنْعَ اللّهِ منصوب على الإغراء بفعل محذوف،تقديره:

انظر،أو تأمّل،أو نحو هذا.

و في هذا دعوة إلى البحث عن هذه الحقيقة الّتي أشارت إليها الآية الكريمة من أمر الجبال،و تحرّكها مع تحرّك الأرض في دورتها اليوميّة.فالّذين يؤمنون باللّه، و يصدّقون بكلماته،يستيقنون أنّ هنا حقيقة كامنة، تشير إليها الآية الكريمة،و لا تكشف عن وجهها،و أنّ على المؤمن أن يطلب هذه الحقيقة،و أن يشهد بعض جلال اللّه منها.

و المفسّرون مجمعون على أنّ ذلك الّذي تحدّث عنه الآية في شأن الجبال،إنّما يقع يوم القيامة،حين تتبدّل الأرض غير الأرض و السّماوات،و كما يقول اللّه تعالى:

وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.

على أنّ الّذي حملنا على مخالفة هذا الإجماع،هو ما جاء في صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ فإنّ ذلك التفات إلى روعة الصّنعة و إحكامها،و هذا لا يكون واقعا في نظر الإنسان يوم القيامة و هو يرى الجبال و قد تناثرت أشلاء!

و إنّما يرى ذلك،و هي قائمة ثابتة،ثمّ هي في نفس الوقت متحرّكة تدور مع الأرض في دورانها دون أن تسقط و تهوى،و في هذا يتجلّى إحكام الصّنع و إتقانه.

و هنا سؤال أيضا و هو:إذا كان ذلك كذلك،فلم لم تنكشف هذه الحقيقة للمسلمين الأوّلين؟و لم لم يطلبها الصّحابة،و لم يكلّفوا أنفسهم البحث عنها،و هم أعرف النّاس بكتاب اللّه،و أقربهم من مواقع الحقّ فيه؟

و نقول:إنّ صحابة رسول اللّه-رضوان اللّه عليهم- كان متعلّقتهم بآيات اللّه،هو الجانب الرّوحيّ منها،و لم يكن يعنيهم من هذا الوجود ظواهره،و إنّما كان همّهم

ص: 879

حقيقته و لبابه،و ما انطوى عليه من علم و حكمة، و تقدير.إنّهم كانوا في مستوى روحيّ رفيع؛بحيث يصغر في أعينهم كلّ ما هو مادّيّ،و إن بهر العيون،و خلب الألباب.و إذن فلا نسأل إذا كان صحابة رسول اللّه قد اطّلعوا على هذه الحقيقة من أمر الجبال أم لم يطّلعوا، لأنّها كانت أقلّ الحقائق الّتي اطّلعوا عليها،و شغلوا بها، من عالم الحقّ.

و من جهة أخرى فإنّ من كان يعرف هذه الحقيقة لم يكن يرى من الحكمة التّحدّث بها،و إذاعتها في المجتمع؛ إذ كانت ممّا لا تصدّقه العقول يومئذ،فالحديث به فتنة، تشغل النّاس،و تثير دخانا كثيفا من الشّكوك و الرّيب، ذلك في الوقت الّذي كانت فيه وجهة الدّعوة الإسلاميّة هي محاربة الشّرك و الإلحاد،و توجيه العقول و القلوب إلى وحدانيّة الإله الواحد،المتفرّد بالخلق و الأمر،ربّ العالمين.فكلّ ما من شأنه أن يشغل عن هذه الغاية،هو في الواقع حركة مضادّة لدعوة الإسلام،و حرب خفيّة عليها.

و لعلّ هذا هو السّرّ في أنّ المرحلة الأولى من الدّعوة الإسلاميّة،قد خلت تماما من التّعرّض للحقائق العلميّة،الّتي تشغل العقول عن النّظر المباشر إلى جلال اللّه سبحانه و تعالى،في صفحة هذا الوجود،نظرا يملأ القلوب روعة و خشوعا،و رهبة لهذا الإبداع الّذي يتمثّل في كلّ كائن من تلك الكائنات المبثوثة في الأرض أو في السّماء.فإنّ زهرة واحدة مثلا،في جمال ألوانها و تناسق أصباغها،و تماثل أجزائها،جديرة بأن تفتح للإنسان طريقا إلى اللّه،و إلى الإيمان به،إيمانا وثيقا،مبرّأ من كلّ شرك،و شكّ.

و من أجل هذا،لم يلق القرآن الكريم أولئك الّذين كانوا يريدون أن يدخلوا معه في ميدان المماحكة و الجدل،لم يلقهم محاجّا أو مجادلا،بل صرف وجهه عنهم،و دعاهم إلى أن يلتمسوا الطّهر لقلوبهم من داء الشّرك أوّلا،فإذا فعلوا ذلك كان كلّ شيء يقع لهم من علم-و إن قلّ-مبارك العطاء،طيب الثّمر.و في هذا يقول اللّه تعالى ردّا على من سألوا هذا السّؤال المتعنّت عن الأهلّة:ما بالها تبدو صغيرة،ثمّ تكبر،ثمّ تعود فتصغر؟: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ البقرة:189.

و من أجل هذا أيضا أمسك كثير من صحابة رسول اللّه،بما كشف لهم الرّسول-صلوات اللّه و سلامه عليه- من أسرار هذا الوجود،في العالم الأرضيّ و السّماويّ، لأنّها كانت فوق أن يحتملها غيرهم.و لو أنّها ذاعت في النّاس يومئذ لكانت فتنة لهم،و كذلك فعل كثير من أهل العلم،الّذين حلّقت أرواحهم،في سماوات عالميّة،فرأوا بشفّافيّة أرواحهم ما لا يراه غيرهم.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:297)

مكارم الشّيرازيّ: و الآية التّالية تشير إلى إحدى آيات عظمة اللّه في هذا العالم الواسع،فتقول:

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها الآية،فهذا الّذي لديه كلّ هذا النّظم و الإبداع في الخلق،لا ريب في علمه و إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ.

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ هذه الآية تشير إلى الحوادث الّتي يقع بين يدي القيامة،لأنّنا نعرف أنّ في نهاية هذه الدّنيا تقع زلازل و انفجارات هائلة،و تتلاشى

ص: 880

الجبال و تنفصل بعضها عن بعض،و هذه اللّطيفة مشار إليها في السّور الأخيرة من القرآن كرارا.و وقوع الآية في سياق آيات القيامة دليل و شاهد على هذا التّفسير.

إلاّ أنّ قرائن كثيرة في الآية تؤيّد تفسيرا آخر،و هو أنّ هذه الآية من قبيل آيات التّوحيد و دلائل عظمة اللّه في هذه الدّنيا،و تشير إلى حركة الأرض الّتي لا نحسّ بها.

و توضيح ذلك:

1-إنّ الآية تقول:تحسب الجبال ساكنة و جامدة مع أنّها تمرّ مرّ السّحاب.و هذا التّعبير واضح أنّه لا ينسجم مع الحوادث الّتي تقع بين يدي القيامة،لأنّ هذه الحوادث من الوضوح بمكان؛بحيث يعبّر عنها القرآن يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى الحجّ:2.

2-تشبيه حركة الجبال بحركة السّحاب يتناسب مع الحركات المتناسقة الهادئة،و لا يتناسب و الانفجارات العظيمة الّتي تصطكّ منها المسامع.

3-التّعبير الآنف الذّكر يدلّ على أنّه في الوقت الّذي ترى الجبال بحسب الظّاهر جامدة،إلاّ أنّها في الواقع تتحرّك بسرعة،على حالتها الّتي ترى فيها جامدة،أي أنّ الحالتين تبيّنان شيئا واحدا.

4-و التّعبير«بالإتقان»الّذي يعني الإحكام و التّنظيم،يتناسب و استقرار نظام العالم،و لا يتناسب و زمان انهياره و تلاشيه.

5-جملة إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ مع ملاحظة أنّ (تفعلون)فعل مضارع،تدلّ على أنّها تتعلّق بهذه الدّنيا، لأنّها تقول:إنّ اللّه خبير بأعمالكم الّتي تصدر في الحال و المستقبل.و لو كانت ترتبط بانتهاء العالم،لكان ينبغي أن يقال:إنّه خبير بما فعلتم،فتأمّلوا بدقّة.

و يستفاد من مجموع هذه القرائن-بدقّة-أنّ هذه الآية تكشف عن إحدى عجائب الخلق،و هي في الواقع تشبه ما جاء في الآيتين آنفتي الذّكر أَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ النّمل:87.

و بناء على ذلك فالآيات محلّ البحث قسم منها في التّوحيد،و قسم منها في المعاد.

و ما نستنتجه من هذا التّفسير،هو أنّ هذه الجبال الّتي نتصوّرها ساكنة جامدة هي في سرعة مطّردة في حركتها.و من المقطوع به أنّه لا معنى لحركة الجبال من دون حركة الأرض المتّصلة بها،فيتّضح من الآية أنّ الأرض تتحرّك كما يمرّ السّحاب.

و وفقا لحسابات علماء اليوم فإنّ سرعة حركة الأرض حول نفسها تقرب من 30 كيلومترا في كلّ دقيقة،و سرعة سيرها في حركتها الانتقاليّة حول الشّمس أكثر من هذا المقدار.

لكن علام عني بالجبال دون غيرها؟لعلّ ذلك إنّما هو لأنّ الجبال يضرب بها المثل لثقلها و قرارها،و تعدّ مثلا حسنا لبيان قدرة اللّه سبحانه؛فحيث أنّ هذه الجبال على عظمتها و ما فيها من ثقل،تتحرّك كالسّحاب بأمر اللّه مع الأرض،فقدرته على كلّ شيء بيّنة و ثابتة.

و على كلّ حال،فالآية تعدّ من معاجز القرآن العلميّة،لأنّنا نعلم أنّ أوّل العلماء الّذين اكتشفوا حركة كرة الأرض غاليلو الإيطالي و كپرنيك اللّهستاني اللّذين

ص: 881

أظهرا هذا الاعتقاد للملإ في أواخر القرن السّادس عشر و أوائل القرن السّابع عشر،بالرّغم من أنّ أصحاب الكنيسة حكموا عليهما بشدّة،و فرضوا عليهما الرّقابة!

إلاّ أنّ القرآن كشف السّتار عن وجه هذه الحقيقة قبل هذين العالمين بألف عام تقريبا!و بيّن حركة الأرض بالأسلوب الآنف الذّكر،على أنّها بعض أدلّة التّوحيد.

و يرى بعض فلاسفة الإسلام،في الوقت الّذي يقبلون فيه التّفسير الثّاني،و هو الإشارة إلى حركة الجبال في هذا العالم،أنّ الآية ناظرة إلى«الحركة الجوهريّة»في الأشياء،و اعتقدوا أنّ الآية منسجمة و النّظريّة المعروفة بالحركة الجوهريّة و مؤيّدة لها،مع أنّ تعبيرات الآية لا تنسجم و إيّاها،لأنّ التّشبيه بحركة السّحاب تناسب الحركة بالمكان«الحركة في الأين» لا الحركة في الجوهر.

فبناء على ذلك فإنّ ظاهر الآية يقبل تفسيرا واحدا،و هو حركة الأرض الميكانيكيّة حول نفسها، أو حول الشّمس.(12:140)

5- وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً. الطّور:10

مجاهد :تدور و تسير الجبال سيرا،هذا في أوّل الأمر ثمّ تنسف حتّى تصير آخرا كالعهن المنفوش.

(أبو حيّان 8:147)

مقاتل:تسير عن أماكنها حتّى تستوي بالأرض.

(القرطبيّ 17:63)

نحوه الواحديّ.(4:185)

الفرّاء: تدور بما فيها و تسير الجبال عن وجه الأرض؛فتستوي هي و الأرض.(3:91)

نحوه الطّبرسيّ.(5:164)

الطّبريّ: و تسير الجبال عن أماكنها من الأرض سيرا،فتصير هباء منبثّا.(27:21)

نحوه البغويّ(4:290)،و الميبديّ(9:334)، و البيضاويّ(2:425)،و ابن كثير(6:431)، و أبو السّعود(6:144)،و الآلوسيّ(27:29).

القرطبيّ: قيل:تسير كسير السّحاب اليوم في الدّنيا.(17:63)

النّسفيّ: في الهواء كالسّحاب،لأنّها تصير هباء منثورا.(4:190)

الشّربينيّ: أي تنتقل من أمكنتها انتقال السّحاب، و حقّق معناه بقوله تعالى:(سيرا)فتصير هباء منثورا، و تكون الأرض قاعا صفصفا.(4:112)

البروسويّ: أي تزول عن وجه الأرض فتصير هباء.و قال بعضهم:تسير الجبال كما تسير السّحاب،ثمّ تنشقّ أثناء السّير حتّى تصير آخره كالعهن المنفوش، لهول ذلك اليوم،و مثله وجود السّالك عند تجلّي الجلال بالفناء،فإنّه لا يبقى منه أثر.(9:189)

نحوه المراغيّ.(27:20)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى زلزلة السّاعة في الأرض الّتي يذكرها تعالى في مواضع من كلامه،كقوله: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:4-6 و قوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.(19:7)

محمّد جواد مغنية:و متى مارت السّماء ارتجّت

ص: 882

الأرض و زالت الجبال عن أماكنها.و تشير الآيتان إلى قيام السّاعة و خراب الكون؛حيث تحشر الخلائق للحساب و الجزاء.(7:162)

مكارم الشّيرازيّ: أجل،الجبال تتقلّع من أمكنتها و تتحرّك و تسير،ثمّ تندكّ و تتلاشى كما تشهد بذلك آيات القرآن الأخر،فتغدوا كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5،ثمّ تكون قاعا خالية من كلّ شيء،كما يقول القرآن: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً طه:105.

(17:149)

فضل اللّه :فتزول عن أماكنها؛و بذلك يقع الزّلزال الّذي تنتهي به الحياة الطّبيعيّة على الأرض،ليستعدّ النّاس للوضع الجديد الّذي ينطلقون فيه سراعا إلى يوم القيامة.(21:234)

6- وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. الواقعة:5

تقدّم في«ب س س»فلاحظ.

7- وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً.

الحاقّة:14

ابن زيد :صارت غبارا.(الطّبريّ 29:56)

ضرب بعضها على بعض حتّى صارتا غبارا.

(الطّوسيّ 10:98)

الفرّاء: و لم يقل:فدككن،لأنّه جعل الجبال كالواحد،و كما قال: أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً الأنبياء:30،و لم يقل:كنّ رتقا،و لو قيل في ذلك:و حملت الأرض و الجبال فدكّت،لكان صوابا، لأنّ الجبال و الأرض كالشّيء الواحد.(3:181)

الطّبريّ: فزلزلتا زلزلة واحدة.و قيل:(فدكّتا) و قد ذكر قبل الجبال و الأرض،و هي جماع،و لم يقل:

فدككن،لأنّه جعل الجبال كالشّيء الواحد.[ثمّ استشهد بشعر](29:56)

القمّيّ: وقعت فدكّ بعضها على بعض.(2:384)

الطّوسيّ: قيل:معناه بسطتا بسطة واحدة،و منه الدّكّان،و يقال:اندكّ سنام البعير،إذا انفرش في ظهره.

و قيل:المعنى حملت الأرض و الجبال فصكّ بعضها على بعض حتّى تندكّ.

و إنّما قيل:(فدكّتا)لأنّه جعل الجبال جملة، و الأرض جملة.(10:98)

الواحديّ: رفعت من أماكنها فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً كسرتا كسرة واحدة لا تثنّى،حتّى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود.(4:345)

نحوه البغويّ.(5:145)

الميبديّ: أي حمل ما على الأرض من جبال و أحجار و أشجار من أماكنها فضربت على الأرض.

(10:209)

الزّمخشريّ: و رفعت من جهاتها بريح بلغت من قوّة عصفها أنّها تحمل الأرض و الجبال،أو بخلق من الملائكة،أو بقدرة اللّه من غير سبب.

و الدّكّ أبلغ من الدّقّ.و قيل فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا،من قولك:

اندكّ السّنام،إذا انفرش،و بعير أدكّ،و ناقة دكّاء،و منه الدّكّان.(4:151)

ص: 883

نحوه الفخر الرّازيّ(30:107)،و البيضاويّ(2:

500)،و النّيسابوريّ(29:36)،و أبو السّعود(6:

295)،و البروسويّ(10:137).

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

قيل:ضرب بعضها ببعض حتّى تفتّت الجبال و نسفتها الرّياح،و بقيت الأرض شيئا واحدا لا جبل فيها و لا رابية،بل تكون قطعة مستوية.و إنّما قال:(دكّتا) لأنّه جعل الأرض جملة واحدة و الجبال جملة واحدة.

(5:346)

أبو حيّان :قرأ الجمهور (و حملت) بتخفيف الميم، و ابن أبي عبلة و ابن مقسم و الأعمش و ابن عامر في رواية يحيى بتشديدها،فالتّخفيف على أن تكون الأرض و الجبال حملتها الرّيح العاصف أو الملائكة أو القدرة من غير واسطة مخلوق.و يبعد قول من قال:إنّها الزّلزلة،لأنّ الزّلزلة ليس فيها حمل إنّما هي اضطراب.

و التّشديد على أن تكون للتّكثير،أو يكون التّضعيف للنّقل،فجاز أن تكون(الارض و الجبال) المفعول الأوّل،أقيم مقام الفاعل،و الثّاني محذوف،أي ريحا تفتّتها أو ملائكة أو قدرة.و جاز أن يكون الثّاني أقيم مقام الفاعل و الأوّل محذوف،و هو واحد من الثّلاثة المقدّرة.

و ثنّى الضّمير في(فدكّتا)و إن كان قد تقدّمه ما يعود عليه ضمير الجمع،لأنّ المراد جملة الأرض و جملة الجبال،أي ضرب بعضها ببعض حتّى تفتّتت،و ترجع كما قال تعالى: كَثِيباً مَهِيلاً، و الدّكّ فيه تفرّق الأجزاء،لقوله:(هباء)و الدّقّ فيه اختلاف الأجزاء.

و قيل:تبسط فتصير أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا،و هو من قولهم:بعير أدكّ و ناقة دكّاء،إذا ضعفا فلم يرتفع سنامهما،و استوت عراجينهما مع ظهريهما.

(8:323)

الشّربينيّ: أي الّتي بها ثباتها،حملتهما الرّيح أو الملائكة أو القدرة من أماكنهما، فَدُكَّتا أي مسحت الجملتان الأرض و أوتادها،و بسطت و دقّ بعضها ببعض دَكَّةً واحِدَةً، أي فصارتا كثيبا مهيلا بأيسر أمر،فلم يميّز شيء منهما عن الآخر بل صارتا في غاية الاستواء،و منه اندكّ سنام البعير،إذا انفرش في ظهره.

[ثمّ نقل كلام الفرّاء](4:372)

الآلوسيّ: رفعتا من أحيازهما بمجرّد القدرة الإلهيّة،من غير واسطة مخلوق أو بتوسّط نحو ريح أو ملك،قيل:أو بتوسّط الزّلزلة،أي بأن يكون لها مدخل في الرّفع،لا أنّها رافعة لهما حاملة إيّاهما،ليقال:إنّها ليس فيها حمل و إنّما هي اضطراب.

و قيل:يجوز أن يخلق اللّه تعالى من الأجرام العلويّة ما فيه قوّة جذب الجبال و رفعها عن أماكنها،أو أن يكون في الأجرام الموجودة اليوم ما فيه قوّة ذلك إلاّ أنّ في البين مانعا من الجذب و الرّفع،و أنّه يزول بعد فيحصل الرّفع.

و كذا يجوز أن يعتبر مثل ذلك بالنّسبة إلى الأرض، و أن تكون قوّتا الجاذبين مختلفتين،فإذا حصل رفع كلّ إلى غاية يريدها اللّه تعالى حدث في ذلك الجاذب ما لم يبق معه ذلك الجذب من زوال مسامّته و نحوه،و حصل بين الجبال و الأرض ما يوجب التّصادم.

و يجوز أيضا أن يحدث في الأرض من القوى

ص: 884

ما يوجب قذفها للجبال،و يحدث للأرض نفسها ما يوجب رفعها عن حيّزها،و كون القوى منها ما هو متنافر و منها ما هو متحابّ ممّا لا يكاد ينكر.

و قيل:يمكن أن يكون رفعهما بمصادمة بعض الأجرام كذوات الأذناب على ما قيل فيها جديدا للأرض،فتنفصل الجبال و ترتفع من شدّة المصادمة، و رفع الأرض من حيّزها.و لا يخفى أنّ كلّ هذا على ما فيه لا يحتاج إليه،و يكفينا القول بأنّ الرّفع بالقدرة الإلهيّة الّتي لا يتعاصاها شيء.[ثمّ قال نحو أبي حيّان و أضاف:]

و قال بعض الأجلّة:أصل الدّكّ:الضّرب على ما ارتفع لينخفض،و يلزمه التّسوية غالبا،فلذا شاع فيها حتّى صار حقيقة،و منه أرض دكّاء،للمتّسعة المستوية، و بعير أدكّ و ناقة دكّاء،إذا ضعفا فلم يرتفع سناماهما، و استوت خدجتهما مع ظهريهما.فالمراد هاهنا فبسطتا بسطة واحدة،و سوّيتا فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا.و لعلّ التّفتّت مقدّمة للتّسوية أيضا.(29:44)

القاسميّ: أي رفعتا و ضربتا ببعضها من شدّة الزّلازل.و في توصيفها بالوحدة تعظيم لها،و إشعار بأنّ المؤثّر لدكّ الأرض و الجبال و خراب العالم،هي وحدها، غير محتاجة إلى أخرى.(16:5914)

الطّباطبائيّ: الدّكّ:أشدّ الدّقّ،و هو كسر الشّيء و تبديله إلى أجزاء صغار،و حمل الأرض و الجبال إحاطة القدرة بها،و توصيف الدّكّة بالواحدة للإشارة إلى سرعة تفتّتهما،بحيث لا يفتقر إلى دكّه ثانية.(19:397)

عبد الكريم الخطيب :أي رفعت الأرض و الجبال، فكانتا كيانا واحدا.

و حمل الأرض و جبالها،هو ظهورها معلّقة في الفضاء،كما هي عليه في حقيقتها،الّتي هي أشبه بكرة معلّقة في فلك الكون.هكذا يراها الإنسان يوم القيامة بما عليها من جبال و بحار،حين يكون محلّقا في سماوات عالية،فوق هذه الأرض.

و دكّ الأرض مع الجبال،هو اندماجها في كيان واحد؛و ذلك في مرأى العين الّتي تنظر إليهما من بعيد،كما ننظر نحن من عالمنا الأرضيّ إلى القمر،فنراه سطحا مستويا،لا جبال فيه،و لا وهاد.و هذا يعني أنّ النّاس إذ يبعثون يوم القيامة،يخرجون من العالم الأرضيّ،إلى عالم آخر.فالأرض هي عالم النّاس الدّنيويّ،و لا شكّ أنّ للنّاس في الآخرة عالما غير هذا العالم.و هذا ما يشير إليه وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:

47،فبروز الأرض لا يبدو إلاّ لمن خرج منها،و نظر إليه من مكان خارج عن فلكها.كما يشير إلى ذلك أيضا، تلك الحالة الّتي سيبعث النّاس عليها في يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4،و في يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7.

(15:1132)

فضل اللّه :فتحوّلتا إلى أجزاء صغيرة متفتّتة لا تملك شيئا من التّماسك و الصّلابة؛و ذلك كناية عن الجوّ الجديد الّذي يحدث في الكون بقدرة اللّه،يوم تبدّل الأرض غير الأرض لتتلاءم مع الحياة الجديدة،في أوضاعها و شئونهما.(23:73)

8- وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ. المعارج:9

ص: 885

مجاهد:كالصّوف.

مثله قتادة.(الطّبريّ 29:73)

الحسن :كالصّوف الأحمر.(البغويّ 5:152)

نحوه الميبديّ.(10:226)

و الجبال يوم القيامة تسير بالرّياح،ثمّ يشتدّ الأمر فتنهدّ،ثمّ يشتدّ الأمر بها فتصير هباء منبثّا.

(ابن عطيّة 5:366)

السّدّيّ: كالصّوف المنفوش.(461)

مثله مقاتل.(البغويّ 5:152)

ابن قتيبة :أي كالصّوف،و ذلك أنّها تبسّ.

(485)

الطّبريّ: و تكون الجبال كالصّوف.(29:73)

الماورديّ: يعني كالصّوف المصبوغ،و المعنى أنّها تلين بعد الشّدّة،و تتفرّق بعد الاجتماع.(6:92)

نحوه الطّبرسيّ(5:353)،و القرطبيّ(18:285).

الطّوسيّ: ف(العهن):الصّوف المنفوش،و ذلك أنّ الجبال تقطّع حتّى تصير بهذه الصّفة،كما أنّ السّماء تشقّق بالغمام و تكون كالمهل.(10:116)

الواحديّ: كالصّوف الأحمر في خفّتها و سيرها.

(4:352)

البغويّ: كالصّوف المصبوغ،و لا يقال:عهن إلاّ للمصبوغ.و قال الحسن:كالصّوف الأحمر،و هو أضعف الصّوف.و أوّل ما تتغيّر الجبال تصير رملا مهيلا،ثمّ عهنا منفوشا،ثمّ تصير هباء منثورا.(5:152)

الزّمخشريّ: كالصّوف المصبوغ ألوانا،لأنّ الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود،فإذا بسّت و طيّرت في الجوّ أشبهت العهن المنفوش إذا طيّرته الرّيح.(4:157)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:125)،و البيضاويّ(2:

503)،و الخازن(7:125)،و النّسفيّ(4:291)، و أبو حيّان(8:324)،و أبو السّعود(6:301)، و البروسويّ(10:159)،و الآلوسيّ(30:59)، و الطّباطبائيّ(20:9).

ابن عطيّة: (العهن):الصّوف دون تقييد.و قد قال بعض اللّغويّين:هو الصّوف المصبوغ ألوانا،و قيل:

المصبوغ،أيّ لون كان.و قال الحسن:هو الأحمر، و استدلّ من قال:إنّه المصبوغ ألوانا...و تشبّه الجبال به على هذا القول،لأنّها جدد بيض و حمر و سود،فيجيء التّشبيه من وجهين:في الألوان و في الانتفاش.و من قال إنّ العهن:الصّوف دون تقييد،جعل التّشبيه في الانتفاش،تخلخل الأجزاء فقط.(5:366)

الشّربينيّ: أي الّتي هي أشدّ الأرض و أثقل ما فيها (كالعهن)أي كالصّوف في الخفّة و الطّيران بالرّيح.

(4:382)

المراغيّ: أي و تكون الجبال هشّة غير متلاحمة، كأنّها الصّوف المنفوش إذا طيّرته الرّيح.(29:68)

مكارم الشّيرازيّ: (العهن):مطلق الصّوف المصبوغ ألوانا.نعم،في مثل ذلك اليوم تتلاشى السّماوات و تذوب،تتدكدك الجبال ثمّ تتناثر في الهواء،كالصّوف الّذي يكون في مهبّ الرّيح.و بما أنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فإنّها قد شبهت بالصّوف المصبوغ بالألوان،ثمّ يتحقّق عالم جديد و حياة جديدة للبشريّة بعد كلّ هذا

ص: 886

الخراب.

عند ما يكون يوم القيامة،في ذلك العالم الجديد، فسيكون فيه الحساب عسيرا و مرعبا؛بحيث ينشغل كلّ بنفسه،و يستغني الواحد عن الآخر.(19:21)

9- يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ. المزّمّل:14

الطّبريّ: و رجفان ذلك:اضطرابه بمن عليه،و ذلك يوم القيامة.(29:135)

الطّوسيّ: أي اعتدنا هذه الأنواع من العذاب في يوم ترجف الأرض،أي تتحرّك باضطراب شديد، (و الجبال)أي و ترجف الجبال معها أيضا.(10:166)

نحوه الطّبرسيّ.(5:380)

الواحديّ: تزلزل و تتحرّك.(4:376)

نحوه البغويّ(5:170)،و الخازن(7:140).

الميبديّ: أي تتحرّك الأرض حركة شديدة، و تزول الجبال عن أماكنها.(10:269)

نحوه النّسفيّ.(4:35)

الفخر الرّازيّ: الرّجفة:الزّلزلة و الزّعزعة الشّديدة.(30:182)

القرطبيّ: أي تتحرّك و تضطرب بمن عليها.

(19:46)

الشّربينيّ: و الرّجفة:الزّلزلة و الزّعزعة الشّديدة، فتزلزل(الارض)أي كلّها،(و الجبال)أي الّتي هي أشدّها.(4:419)

البروسويّ: و الرّجفة:الزّلزلة و الزّعزعة الشّديدة،أي تضطرب و تتزلزل بهيبة اللّه و جلاله، ليكون علامة لمجيء القيامة،و أمارة لجريان حكم اللّه في مؤاخذة العاصين.

أفرد الجبال بالذّكر مع كونها من الأرض،لكونها أجساما عظاما أوتادا لها،فإذا تزلزلت الأوتاد لم يبق للأرض قرار.و أيضا إنّ زلزلة العلويّات أظهر من زلزلة السّفليّات،و من زلزلتها تبلغ القلوب الحناجر خوفا من الوقوع.و كانت الجبال من شدّة الرّجفة مع صلابتها و ارتفاعها(كثيبا).(10:214)

الآلوسيّ: أي استقرّ ذلك العذاب لدينا و ظهر يوم تضطرب الأرض و الجبال و تتزلزل.(29:108)

القاسميّ: أي تضطرب و ترتجّ بالزّلزال.

(16:5961)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى ما يحدث للأرض في هذا اليوم من اضطراب؛حيث تشقّق القبور و تخرج ما فيها؛و حيث تموج بهذه الأمواج المتدافعة من الخلق الّذين يساقون إلى المحشر،و رجفة الأرض و الجبال،هي من رجفة الخلائق يوم البعث،من فزعهم من أحوال هذا اليوم العظيم،كما يقول سبحانه: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ النّمل:87.(15:1263)

10- وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً. المزّمّل:14

ابن عبّاس: الكثيب المهيل:اللّين الّذي إذا مسسته تتابع.(الطّبريّ 29:136)

الرّمل السّائل.(الطّبريّ 29:136)

مثله ابن قتيبة(494)،و الميبديّ(10:269).

ص: 887

مجاهد: ينهال.(الطّبريّ 29:136)

الضّحّاك: المهيل:الّذي إذا وطأته القدم زلّ من تحتها،و إذا أخذت أسفله انهار أعلاه.

(الطّبرسيّ 5:380)

الكلبيّ: هو الرّمل الّذي إذا أخذت منه شيئا تبعك آخره.(الواحديّ 4:376)

نحوه الخازن.(7:140)

الطّبريّ: و كانت الجبال رملا سائلا متناثرا.

(29:136)

القمّيّ: مثل الرّمل ينحدر.(2:392)

الطّوسيّ: [نقل قول ابن عبّاس ثمّ قال:]

فالكثيب:الرّمل المجتمع الكثير،و«مهيل»مفعول من:هلت الرّمل أهيله،و ذلك إذا حرّك أسفله فسال أعلاه.و يقال:مهيول،كما يقال:مكيل و مكيول، و انهال الرّمل انهيالا.(10:166)

الواحديّ: (كثيبا):رملا(مهيلا):سائلا.و يقال لكلّ شيء أرسلته إرسالا من رمل أو تراب أو طعام:

هلته أهيله هيلا.(4:376)

نحوه البغويّ.(5:170)

الطّبرسيّ: و المعنى أنّ الجبال تنقلع من أصولها فتصير بعد صلابتها كالرّمل السّائل.(5:380)

الفخر الرّازيّ: [بيّن معنى كلمة(كثيبا)و(مهيلا)ثمّ قال:]

إذا عرفت هذا فنقول:إنّه تعالى يفرّق تركيب أجزاء الجبال و ينسفها نسفا،و يجعلها كالعهن المنفوش،فعند ذلك تصير كالكثيب،ثمّ إنّه تعالى يحرّكها على ما قال:

وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ الكهف:47،و قال: وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،و قال: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ النّبأ:20،فعند ذلك تصير مهيلا.

فإن قيل:لم لم يقل:و كانت الجبال كثبانا مهيلة؟قلنا:

لأنّها بأسرها تجتمع فتصير كثيبا واحدا مهيلا.

(30:182)

الشّربينيّ: أي و تكون(الجبال)الّتي هي مراسي الأرض و أوتادها.

و عبّر عن شدّة الاختلاط و التّلاشي بالتّوحيد، فقال تعالى:(كثيبا)أي رملا مجتمعا،من كثب الشّيء إذا جمعه،كأنّه«فعيل»بمعنى«مفعول»في أصله،و منه الكثبة من اللّبن.(4:419)

نحوه أبو السّعود.(6:323)

البروسويّ: ...و خصّ الجبال بالتّشبيه بالكثيب المهيل،لأنّ ذلك خاصّة لها،فإنّ الأرض تكون مقرّرة في مكانها بعد الرّجفة،دلّ عليه وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:105-107،و الحاصل أنّ الأرض و الجبال يدقّ بعضها ببعض كما قال تعالى:

وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:

14،فترجع الجبال كَثِيباً مَهِيلاً ثمّ ينسفها الرّيح فتصير(هباء منبثّا)و تبقى الأرض مكانها ثمّ تبدّل كما مرّ.

و في«التّأويلات النّجميّة»:يوم ترجف أرض البشريّة و جبال الأنانيّة،و كانت جبال أنانيّة كلّ واحد،رملا منثورا متفتّتا.شبّه التّعيّنات الاعتباريّة

ص: 888

الموهومة بالرّمل،لسرعة زوالها و انتثارها.(10:215)

الآلوسيّ: وَ كانَتِ الْجِبالُ مع صلابتها و ارتفاعها(كثيبا)رملا مجتمعا،من كثب الشّيء،إذا جمعه،فكأنّه في الأصل«فعيل»بمعنى«مفعول»،ثمّ غلب حتّى صار له حكم الجوامد.و الكلام على التّشبيه البليغ،و قيل:لا مانع من أن تكون رملا حقيقة.[ثمّ أدام الكلام في معنى(مهيلا)](29:108)

المراغيّ: أي ذلك العذاب في يوم تضطرب فيه الأرض،و تزلزل الجبال و تتفرّق أجزاؤها،و تصير كالعهن المنفوش،و كالكثيب المهيل بعد أن كانت حجارة صمّاء،ثمّ ينسفها ربّي نسفا،فلا يبقى منها شيء.

(29:117)

محمّد جواد مغنية: هذا وصف ليوم القيامة و أهواله،منها اهتزاز الأرض بأهلها،و تحويل الجبال إلى تلال من رمل تنهار و تزول لأضعف الأسباب.(7:450)

عبد الكريم الخطيب :إشارة أخرى إلى ما يصيب الجبال من أحداث هذا اليوم و شدّته،و أنّها تتفتّت،و تنهار،و تبدو مثل كثيب من الرّمل المهيل،أي غير المتماسك.(15:1263)

مكارم الشّيرازيّ: و المعنى أنّ الجبال تتلاشى؛ بحيث تظهر بهيئة الرّمل النّاعم-و هو ما لا يستقرّ-و إذا ماديست بالأقدام فإنّها تطمس فيها.و للقرآن المجيد تعابير مختلفة عن مصائر الجبال في يوم القيامة،و لكنّها تحكي عن انعدامها و تبديلها بالأتربة النّاعمة.

(19:128)

11- وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ. المرسلات:10

ابن عبّاس: سوّيت بالأرض.

مثله الكلبيّ.(القرطبيّ 19:157)

المبرّد: قلعت من موضعها.(القرطبيّ 19:157)

نحوه الواحديّ(4:407)،و البغويّ(5:196)، و الخازن(7:163)،و الطّبرسيّ(5:415).

الطّبريّ: و إذا الجبال نسفت من أصلها،فكانت هباء منبثّا.(29:233)

الماورديّ: أي ذهبت.(6:177)

الطّوسيّ: نسف الجبال:إذهابها حتّى لا يبقى لها في الأرض أثر،و النّسف:تحريك الشّيء بما يخرج ترابه و ما اختلط به ممّا ليس منه،و منه سمّي«المنسف»و نسف الحبوب كلّها تجري على هذا الوجه.و قوله:(نسفت)من قولهم:أنسفت الشّيء،إذا أخذته بسرعة.(10:225)

الميبديّ: حرّكت و قلعت من أماكنها و أذهبت بسرعة حتّى لا يبقى لها أثر،يقال:انتسفت الشّيء،إذا أخذته بسرعة.(10:337)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:نسفت كالحبّ المغلث،إذا نسف بالمنسف، و منه قوله: لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ طه:97، و نظيره وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الواقعة:5، وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14، فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً طه:105.

و الثّاني:[نحو الميبديّ](30:269)

القرطبيّ: [نحو الميبديّ و أضاف:]

قيل:النّسف:تفريق الأجزاء حتّى تذروها الرّياح.

ص: 889

و منه نسف الطّعام،لأنّه يحرّك حتّى يذهب الرّيح بعض ما فيه من التّبن.(19:157)

أبو حيّان :أي فرّقتها الرّياح،و ذلك بعد التّسيير، و قبل كونها هباء.(8:405)

نحوه المراغيّ.(29:180)

الشّربينيّ: أي على صلابتها(نسفت)أي ذهب بها كلّها بسرعة،من نسفت الشّيء،إذا اختطفته،أو نسفت كالحبّ،إذا نسف بالمنسف.(4:463)

نحوه أبو السّعود(6:348)،و الآلوسيّ(29:172).

البروسويّ: جعلت كالحبّ الّذي ينسف بالمنسف، و هو ما ينفض به الحبّ و يذرى.[إلى أن قال:]

و فيه إشارة إلى تلاشي جبال الخيالات و الأوهام الفاسدة الكاسدة،عند بوادي المشاهدات و هوادي المعاينات.(10:283)

الطّباطبائيّ: أي قلعت و أزيلت،من قولهم:

نسفت الرّيح الشّيء،أي اقتلعته و أزالته.(20:149)

مكارم الشّيرازيّ: (نسفت)من مادّة«نسف» على وزن حذف،و في الأصل بمعنى وضع حبوب الغذاء في الغربال و تحريكه،لعزل القشور عن الحبوب،و يعني هنا تفتيت الجبال ثمّ نسفها في الرّيح.

و نستفيد من بعض آيات القرآن المجيد أنّ انقراض العالم يلازم وقوع حوادث مهولة؛بحيث يتلاشى نظام العالم بكامله،و حلول نظام الآخرة الجديدة مكان ذلك النّظام.و لا يمكن وصف تلك الحوادث بأيّ بيان،لما فيها من الرّعب و العجب و هل يوصف حادث يقتلع فيه الجبال و تندكّ لتتحوّل إلى غبار و تكون كالصّوف المنفوش،و كما يعبّر بعض المفسّرين فإنّ هذه الحوادث عظيمة للغاية؛بحيث عند ما يرى الإنسان هذه الزّلازل بعينيه يعتبرها كالبالونات الصّغيرة الّتي يفرقعها الأطفال للّعب بها،مقابل أقوى قنبلة ذرّيّة.

و على أيّ حال فإنّ هذه التّعابير القرآنيّة دليل على الاختلاف الكبير بين أنظمة الآخرة و أنظمة الدّنيا.

(19:256)

12- وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً. النّبأ:20

ابن عبّاس: ذلك عند ارتفاع الفزع الأوّل فأزالها عن أماكنها،فصارت كما قال سبحانه: تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،ثمّ يدركها الفزع الثّاني فصارت كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:

5،ثمّ يدركها الفزع الثّالث فصارت كثيبا مهيلا،ثمّ يدركها الفزع الرّابع فسيّرت في الأرض و ذهب بها، و ذلك قوله: وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ المرسلات:10،أي أزيلت بسرعة،حتّى لا يبقى أثر.(الميبديّ 10:354)

الطّبريّ: و نسفت الجبال فاجتثّت من أصولها، فصيّرت هباء منثورا،لعين النّاظر،كالسّراب الّذي يظنّ من يراه من بعد ماء،و هو في الحقيقة هباء.(30:8)

نحوه البغويّ(5:200)،و الخازن(7:167).

القمّيّ: تسير الجبال مثل السّراب الّذي يلمع في المفازة.(2:401)

مثله الكاشانيّ.(5:275)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:سيّرت،أي أزيلت عن مواضعها.الثّاني:نسفت من أصولها.

ص: 890

فَكانَتْ سَراباً فيه وجهان:أحدهما:فكانت هباء.الثّاني:كالسّراب لا يحصل منه شيء،كالّذي يرى السّراب يظنّه ماء و ليس بماء.(6:185)

الطّوسيّ: معناه زيلت الجبال عن أماكنها و أذهب بها حتّى صارت كالسّراب.(10:243)

نحوه الميبديّ(10:354)،و الطّبرسيّ(5:423).

الزّمخشريّ: يعني أنّها تصير شيئا كلا شيء، لتفرّق أجزائها و انبثاث جواهرها.(4:209)

ابن عطيّة: عبارة عن تلاشيها و فنائها بعد كونها هباء منبثّا،و لم يرد أنّ الجبال تعود تشبه الماء على بعد من النّاظر إليها.(5:425)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ اللّه تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة،و يمكن الجمع بينها على الوجه الّذي نقوله:و هو أنّ أوّل أحوالها:الاندكاك،و هو قوله: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14.

و الحالة الثّانية لها:أن تصير كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ و ذكر اللّه تعالى ذلك في قوله: يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:4،5،و قوله: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ المعارج:

8،9.

و الحالة الثّالثة:أن تصير كالهباء،و ذلك أن تتقطّع و تتبدّد بعد أن كانت كالعهن،و هو قوله: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:4-6.

و الحالة الرّابعة:أن تنسف لأنّها مع الأحوال المتقدّمة قارّة في مواضعها،و الارض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرّياح عليها،و هو المراد من قوله: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً طه:105.

و الحالة الخامسة:أنّ الرّياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيّرها شعاعا في الهواء كأنّها غبار،فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجساما جامدة،و هي بالحقيقة مارّة إلاّ أنّ مرورها بسبب مرور الرّياح بها صيّرها مندكّة متفتّتة،و هي قوله: تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،ثمّ بيّن أنّ تلك الحركة حصلت بقهره و تسخيره،فقال: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:47.

الحالة السّادسة:أن تصير سرابا بمعنى لا شيء،فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا،كما أنّ من يرى السّراب من بعد إذا جاء الموضع الّذي كان يراه فيه لم يجده شيئا،و اللّه أعلم.

و اعلم أنّ الأحوال المذكورة إلى هاهنا هي أحوال عامّة.(31:11)

نحوه النّيسابوريّ.(30:8)

القرطبيّ: أي لا شيء كما أنّ السّراب كذلك،يظنّه الرّائي ماء و ليس بماء.(19:174)

مثله الشّربينيّ.(4:471)

البيضاويّ: مثل سراب إذ ترى على صورة الجبال و لم تبق على حقيقتها لتفتّت أجزائها و انبثاثها.

(2:533)

أبو حيّان :أي تصير شيئا كلا شيء،لتفرّق

ص: 891

أجزائها و انبثاث جواهرها.(8:412)

أبو السّعود :أي في الجوّ على هيآتها بعد قلعها من مقارّها،كما يعرب عنه قوله تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88، أي تراها رأي العين ساكنة في أماكنها و الحال أنّها تمرّ مرّ السّحاب الّذي يسيّره الرّياح سيرا حثيثا؛و ذلك أنّ الأجرام العظام إذا تحرّكت نحوا من الأنحاء لا تكاد يتبيّن حركتها،و إن كانت في غاية السّرعة لا سيّما من بعيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أدمج في هذا التّشبيه تشبيه حال الجبال بحال السّحاب في تخلخل الأجزاء و انتفاشها،كما ينطق به قوله تعالى: وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5،يبدّل اللّه تعالى الأرض و يغيّر هيأتها، و يسيّر الجبال على تلك الهيئة الهائلة عند حشر الخلائق بعد النّفخة الثّانية ليشاهدوها،ثمّ يفرّقها في الهواء، و ذلك قوله تعالى: فَكانَتْ سَراباً أي فصارت بعد تسييرها مثل السّراب،كقوله تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:5،6،أي غبارا منتشرا.

و هي و إن اندكّت و انصدعت عند النّفخة الأولى لكن تسييرها و تسوية الأرض إنّما يكونان بعد النّفخة الثّانية،كما نطق به قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً* يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ طه:

105-108،و قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:

48،فإنّ اتّباع الدّاعي الّذي هو إسرافيل عليه السّلام و بروز الخلق للّه تعالى لا يكون إلاّ بعد النّفخة الثّانية.(6:359)

البروسويّ: فيه إشارة إلى إزالة أنانيّة النّفوس و تعيّناتها،فإنّها عند القيامة الكبرى الّتي هي عبارة عن الفناء في اللّه تصير سرابا،حتّى إذا جئتها لم تجدها شيئا.

و لكن العوامّ المحجوبون إذا رأوا أهل الفناء يأكلون ممّا يأكلون منه و يشربون ممّا يشربون منه يظنّون أنّ نفوسهم باقية لبقاء نفوسهم،لكنّهم يظنّون بهم الظّنّ السّوء؛إذ بينهم و بينهم بون بعيد قطعا و فاروق عظيم جدّا،لأنّهم أزالت رياح العناية و التّوفيق جبال نفوسهم عن مقارّ أرض البشريّة،و جعلها اللّه متلاشية، و فتحت سماء أرواحهم فكانت أبوابا كباب السّرّ و الخفيّ و الأخفى،فدخلوا من هذه الأبواب إلى مقام أو أدنى، فكانوا مع الحقّ حيث كان الحقّ معهم.

ثمّ نزلوا من هذه الأبواب العالية الحقيقيّة النّاظرة إلى عالم الولاية،فدخلوا في أبواب العقل و القلب و المتخيّلة و المفكّرة و الحافظة و الذّاكرة،فكانوا في مقام قاب قوسين مع الخلق،حيث كان الخلق معهم،فلم يحتجبوا بالخلق عن الحقّ الّذي هو جانب الولاية، و لا بالحقّ عن الخلق الّذي هو جانب النّبوّة،فكانوا في الظّاهر مصداق قوله تعالى:(يوحى الىّ)فأين المحجوبون عن مقامهم،و أنّى لهم إدراك شأنهم و حقيقة أمرهم.(10:301)

الآلوسيّ: أي فصارت بعد تسييرها مثل سراب، فترى بعد تفتّتها و ارتفاعها في الهواء كأنّها جبال و ليست بجبال بل غبار غليظ متراكم،يرى من بعيد كأنّه جبل

ص: 892

كالسّراب،يرى كأنّه بحر مثلا و ليس به.فالكلام على التّشبيه البليغ،و الجامع أنّ كلاّ من الجبال و السّراب يرى على شكل شيء،و ليس هو بذلك الشّيء.و جوّز أن يكون وجه الشّبه التّخلخل،إذ تكون بعد تسييرها غبارا منتشرا،كما قال تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا.

و المستفاد من«الأزهار البديعة في علم الطّبيعة» لمحمّد الهراويّ: أنّ السّراب هواء تسخّنت طبقته السّفلى الّتي تلي الأرض لتسخّن الأرض من حرّ الشّمس فتخلخلت،و صعد جزء منها إلى ما فوقها من الطّبقات، فكان أكثف ممّا تحته.و خرج بذلك التّسخّن عن موقعه الطّبيعيّ من الأرض،و لانعكاس الأشعّة الضّوئيّة و انكسارها فيه على وجه مخصوص مبيّن في الكتاب المذكور مع انعكاس لون السّماء يظنّ ماء،و ترى فيه صورة الشّيء منقلبة،و قد ترى فيه صور سابحة كقصور و عمد و مساكن جميلة مستغربة،و أشباح سائرة تتغيّر هيئتها في كلّ لحظة،و تنتقل عن محلّها ثمّ تزول،و ما هي إلاّ صور حاصلة من انعكاس صور مرئيّة بعيدة جدّا أو متراكبة في طبقات الهواء المختلفة الكثافة،فاعتبار التّخلخل فقط في وجه الشّبه لا يخلو عن نظر.

و أيّا ما كان فهذا بعد النّفخة الثّانية عند حشر الخلق، فاللّه عزّ و جلّ يسيّر الجبال و يجعلها هباء منبثّا،و يسوّي الأرض يومئذ كما نطق به وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً* يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ طه:

105-108،و يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48، فإنّ اتّباع الدّاعي الّذي هو إسرافيل عليه السّلام،و بروز الخلق للّه تعالى لا يكون إلاّ بعد النّفخة الثّانية،و أمّا اندكاك الجبال و انصداعها فعند النّفخة الأولى.

و قيل:إنّ تسييرها و صيرورتها سرابا عند النّفخة الأولى أيضا،و يأباه ظاهر الآية.نعم لو جعلت الجملة حاليّة،أي فتأتون أفواجا و قد سيّرت الجبال فكانت سرابا،لكان ذلك محتملا.و الظّاهر أنّها تصير سرابا لتسوية الأرض،و لا يبعد أن يكون فيه حكم آخر.

و قول بعضهم:إنّها تجري جريان الماء و تسيل سيلانه كالسّراب فيزيد ذلك في اضطراب متعطّشي المحشر،و غلبة شوقهم إلى الماء،خلاف الظّاهر.

(30:13)

القاسميّ: أي رفعت من أماكنها في الهواء؛و ذلك إنّما يكون بعد تفتيتها و جعلها أجزاء متصاعدة كالهباء.

و في الآية تشبيه بليغ.[ثمّ ذكر نحو الآلوسيّ]

و الجامع أنّ كلاّ منهما يرى على شكل شيء و ليس به.فالسّراب يرى كأنّه بحر و ليس كذلك،و الجبال إذا فتّتت و ارتفعت في الهواء،ترى كأنّها جبال و ليست بجبال بل غبار غليظ متراكم،يرى من بعيد كأنّه جبل.(17:6036)

نحوه المراغيّ.(30:12)

الطّباطبائيّ: السّراب هو الموهوم من الماء اللاّمع في المفاوز،و يطلق على كلّ ما يتوهّم ذا حقيقة و لا حقيقة له،على طريق الاستعارة.

و لعلّ المراد بالسّراب في الآية هو المعنى الثّاني.

ص: 893

بيان ذلك:أنّ تسيير الجبال و دكّها ينتهي بالطّبع إلى تفرّق أجزائها و زوال شكلها،كما وقع في مواضع من كلامه تعالى عند وصف زلزلة السّاعة و آثارها؛إذ قال:

وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً الطّور:10،و قال: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14،و قال:

وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14،و قال:

وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5، و قال: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الواقعة:5،و قال: وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ المرسلات:10.

فتسيير الجبال و دكّها ينتهي بها إلى بسّها و نسفها و صيرورتها كثيبا مهيلا و كالعهن المنفوش،كما ذكره اللّه تعالى.و أمّا صيرورتها سرابا بمعنى ما يتوهّم ماء لامعا، فلا نسبة بين التّسيير و بين السّراب بهذا المعنى.

نعم ينتهي تسييرها إلى انعدامها و بطلان كينونتها و حقيقتها،بمعنى كونها جبلا.فالجبال الرّاسيات الّتي كانت ترى حقائق ذوات كينونة قويّة لا تحرّكه العواصف،تتبدّل بالتّسيير سرابا باطلا لا حقيقة له، و نظيره من كلامه تعالى قوله في أقوام أهلكهم و قطع دابرهم: فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ سبأ:19،و قوله:

فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ المؤمنون:

44،و قوله في الأصنام: إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ النّجم:23.

فالآية بوجه كقوله تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،بناء على كونه ناظرا إلى صفة زلزلة السّاعة.(20:166)

مكارم الشّيرازيّ: و تأتي الآية الأخيرة لتخبرنا عن حال الجبال في ذلك اليوم الحقّ وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً، و بملاحظة كلّ ما جاء في القرآن الكريم بخصوص مصير الجبال ليوم القيامة،تظهر لنا أنّ الجبال ستطويها مراحل متعاقبة،و تبدأ من حركتها وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً الطّور:10.

ثمّ تحمل و تدكّ وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14،فتكون تلالا من الرّمال المتراكمة وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14، فتصبح كأصواف منفوشة وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5،فتتحوّل غبارا متناثرا في الفضاء وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:5،6.

و لا يبقى منها أخيرا إلاّ الأثر،كما أشارت لذلك الآية المبحوثة،و كأنّها سراب يلوح في الأفق،و يصبح سطح الأرض مستويا بعد أن تمحى الجبال من عليه وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً طه:105،106.

السّراب:من«السّرب»و هو الذّهاب في طريق منحدر،فعند ما يسير الإنسان بين المنحدرات في الصّحراء،يتراءى له من بعيد تلألؤا يظنّه ماء،و ما هو إلاّ انكسار في الأشعّة يسمّى السّراب،ثمّ أطلقت كلمة «السّراب»على كلّ ظاهر خال من المحتوى.

و بهذا تكون إشارة الآية إلى بداية حركة الجبال و نهاية أمرها،فيما تعرّضت بقيّة الآيات-الّتي ذكرناها- إلى المراحل المختلفة ما بين البداية و النّهاية.

فإذا كانت عاقبة الجبال على ما لها من شموخ و صلابة

ص: 894

ستنتهي إلى غبار متناثر في الفضاء و على صورة سراب، فما حال ذلك الإنسان الّذي يتصوّر أنّه جبّار شديد البطش عريك القوى،و لكنّه لا يستطيع أن يتحدّى الجبل صلابة!إنّه يوم القيامة.

و لكن هل أنّ هذه الحوادث بالنّفخة الأولى للصّور الّتي تحكي عن نهاية العالم،أم هي متعلّقة بالنّفخة الثّانية، و الّتي تقوم القيامة بها؟

بلا شكّ أنّ الآية يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً النّبأ:18،تشير إلى نفخة الصّور الثّانية،لأنّها تحكي عن إحياء الأموات و جعلهم في عرصة المحشر أفواجا،و كذا الحال بالنّسبة للحوادث المذكورة فإنّها متعلّقة بنفخة الصّور الثّانية،إلاّ أنّه من الممكن حمل بداية حركة الجبال على النّفخة الأولى،و نهاية أمرها (السّراب)ستكون بعد النّفخة الثّانية.

و يحتمل أيضا:إنّ كلّ ما تمرّ به الجبال من مراحل تتعلّق بالنّفخة الأولى للصّور،و قد ذكرتا معا لقرب الفاصلة الزّمنيّة ما بين النّفختين،و جريا مع سياق بعض الآيات القرآنيّة الّتي تناولت حوادث النّفختين معا،كما جاء ذلك في سورتي التّكوير و الانفطار.

و من جميل التّصوير القرآنيّ وصفه للجبال ب(الاوتاد)و الأرض ب(المهاد)،و تأتي الآيات لتخبر عن فناء الأرض الّتي هي مهد الإنسان بعد ما تقتلع الجبال حينما ينفخ في الصّور،و يتناسب هذا التّصوير تماما مع معارفنا؛حيث إنّنا لو أخرجنا أوتاد أيّ شيء فمعنى ذلك أنّنا حكمنا على ذلك الشّيء بالتّحطيم.(19:299)

فضل اللّه :فها هي الجبال الضّخمة الصّلبة الشّامخة الّتي تنتصب بقوّة و مهابة،لتكون أوتادا للأرض تحفظ توازنها،و ترسي قواعدها،تتحوّل بقدرة اللّه إلى أجزاء صغيرة متناثرة في الهواء،كمثل الهباء،حتّى يخيّل إليك أنّ هذه الحقيقة الهائلة الّتي كانت تطلّ على الكون بوجودها الشّامخ،تتحوّل إلى ما يشبه السّراب،الّذي قد يجعلك تحدّق بعينيك باللّمعات المائيّة من بعيد،و لكنّك عند ما تقترن منها تجد نفسك تحدّق بالوهم.و هكذا تتحوّل الجبال عند ما تتطاير ذرّاتها في الهواء إلى ما يشبه الوهم.(24:19)

13- إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ. التّكوير:3

مجاهد :ذهبت.(الطّبريّ 20:66)

مقاتل:فسوّيت بالأرض كما خلقت أوّل مرّة، و ليس عليها جبل و لا فيها واد.(الماورديّ 6:212)

الطّبريّ: و إذا الجبال سيّرها اللّه،فكانت سرابا، و هباء منبثّا.(30:65)

الماورديّ: يعني ذهبت عن أماكنها.(6:212)

الطّوسيّ: فمعنى تسيير الجبال:تصييرها هباء و سرابا.(10:281)

مثله الطّبرسيّ.(5:443)

الميبديّ: أي ذهبت عن أماكنها فصارت هباء منبثّا،و صارت الأرض كما كانت قبل خلق الجبال.

(10:393)

مثله الشّربينيّ.(4:490)

الزّمخشريّ: أي عن وجه الأرض و أبعدت،أو سيّرت في الجوّ تسيير السّحاب.(4:221)

ص: 895

نحوه الفخر الرّازيّ.(31:67)

القرطبيّ: يعني قلعت من الأرض،و سيّرت في الهواء،و هو مثل وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:47.

و قيل:سيرها:تحوّلها عن منزلة الحجارة،فتكون كثيبا مهيلا،أي رملا سائلا،و تكون كالعهن،و تكون هباء منثورا،و تكون سرابا،مثل السّراب الّذي ليس بشيء.و عادت الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا.(19:226)

أبو حيّان :و تسيير الجبال،أي عن وجه الأرض، أو سيّرت فى الجوّ تسيير السّحاب،كقوله: وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ و هذا قبل نسفها؛و ذلك في أوّل هول يوم القيامة.(8:432)

البروسويّ: رفعت عن وجه الأرض و أبعدت عن أماكنها بالرّجفة الحاصلة لا في الجوّ كالسّحاب،فإنّ ذلك بعد النّفخة الثّانية.و السّير:المضيّ في الأرض،و التّسيير ضربان:باختيار و إرادة من السّائر نحو هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ يونس:22،و بقهر و تسخير كتسيير الجبال، و فيه إشارة إلى جبال الأعضاء و الجوارح الرّاسيات، سيّرت عن أرض تعيّناتها،و أيضا إلى جبال الأنواع و الأجناس الواقعة في عالم التّعيّنات.

(10:344)

الآلوسيّ: أي أزيلت عن أماكنها من الأرض بالرّجفة الحاصلة،على أنّ التّسيير مجاز عن ذلك.

و قيل:سيّرت بعد رفعها في الجوّ،كما قال تعالى:

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،و هذا إنّما يكون بعد النّفخة الثّانية.(30:51)

نحوه القاسميّ.(17:6068)

المراغيّ: أي و إذا الجبال قلعت عن الأرض و سيّرت في الهواء حين زلزلة الأرض،فتقطّع أوصالها و تقذف في الفضاء،و تمرّ على الرّءوس مرّ السّحاب، و نحو الآية قوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20،و قوله: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:47.(30:54)

فضل اللّه :بقدرة اللّه،ليكون ذلك موجبا لتفتّت أجزائها،لأنّ طبيعة الحركة تفرض ذلك،فتكون كناية عنه،لتتحوّل بعد ذلك إلى هباء منبثّ تذروه الرّياح في الهواء،و ربّما كان ذلك-كما يقول البعض-من خلال الزّلزال الّذي يصيب الأرض،في ما تحدّث اللّه عنه بقوله:

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها الزّلزال:1.(24:88)

14- وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ.

القارعة:5

قتادة :الصّوف المنفوش.(الطّبريّ 30:281)

الفرّاء: و في قراءة عبد اللّه (كالصّوف المنفوش) ، ذكر أنّ صور الجبال تسير على الأرض،و هي في صور الجبال كالهباء.(3:286)

أبو عبيدة :الصّوف الألوان.(2:309)

الطّبريّ: و يوم تكون الجبال كالصّوف المنفوش، و العهن:هو الألوان من الصّوف.(30:281)

الماورديّ: لخفّته و ضعفه،فشبّه به الجبال لخفّتها،

ص: 896

و ذهابها بعد شدّتها و ثباتها.

و يحتمل أن يريد:جبال النّار تكون كالعهن،لحمرتها و شدّة لهبها،لأنّ جبال الأرض تسير ثمّ تنسف حتّى يدكّ بها الأرض دكّا.(6:328)

الواحديّ: و هو الّذي نفش بالنّدف،و المعنى:أنّها تصير خفيفة في السّير.(4:546)

الميبديّ: العهن:الصّوف المصبوغ،و المنفوش:

المندوف،و اختصاص(العهن)لمعنيين:

أحدهما:أن يكون لألوان الجبال،كقوله: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27.

و الآخر:لما يريد اللّه تعالى في إفنائها،يعيدها بعد الصّلابة رخوة،كقوله: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الواقعة:5، و كقوله: وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14.

(10:591)

نحوه الشّربينيّ.(4:579)

الزّمخشريّ: و شبّه الجبال بالعهن،و هو الصّوف المصبغ ألوانا لأنّها ألوان،و بالمنفوش منه،لتفرّق أجزائها.(4:279)

نحوه الآلوسيّ.(3:221)

ابن عطيّة: و كون الجبال كالعهن إنّما هو وقت التّفتيت قبل النّسف،و مصيرها هباء،و هي درجات، و النّفش:خلخلة الأجزاء و تفريقها عن تراصّها.

(5:516)

الطّبرسيّ: و المعنى أنّ الجبال تزول عن أماكنها و تصير خفيفة السّير.(5:532)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ اللّه تعالى أخبر أنّ الجبال مختلفة الألوان،على ما قال: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27،ثمّ إنّه سبحانه يفرّق أجزائها و يزيل التّأليف و التّركيب عنها، فيصير ذلك مشابها للصّوف الملوّن بالألوان المختلفة إذا جعل منفوشا.و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى:إنّما ضمّ بين حال النّاس و بين حال الجبال،كأنّه تعالى نبّه على أنّ تأثير تلك القرعة في الجبال هو أنّها صارت كالعهن المنفوش،فكيف يكون حال الإنسان عند سماعها،فالويل ثمّ الويل لابن آدم إن لم تتداركه رحمة ربّه.و يحتمل أن يكون المراد أنّ جبال النّار تصير كالعهن المنفوش لشدّة حمرتها.

المسألة الثّانية:قد وصف اللّه تعالى تغيّر الأحوال على الجبال من وجوه:

أوّلها:أن تصير قطعا،كما قال: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14.

و ثانيها:أن تصير كثيبا مهيلا،كما قال: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،ثمّ تصير كالعهن المنفوش،و هي أجزاء كالذّرّ،تدخل من كوّة البيت لا تمسّها الأيدي،ثمّ قال في الرّابع:تصير سرابا،كما قال: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.

المسألة الثّالثة:لم يقل:يوم يكون النّاس كالفراش المبثوث و الجبال كالعهن المنفوش،بل قال: وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:5،لأنّ التّكرير في مثل هذا المقام أبلغ في التّحذير.(32:72)

ص: 897

نحوه النّسفيّ(4:374)،و النّيسابوريّ(30:

164)،و الخازن(7:237)،و أبو حيّان(8:506).

أبو السّعود :أي كالصّوف الملوّن بالألوان المختلفة، المندوف في تفرّق أجزائها و تطايرها في الجوّ،حسبما نطق به قوله تعالى: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،و كلا الأمرين من آثار القارعة بعد النّفخة الثّانية،عند حشر الخلق،يبدّل اللّه عزّ و جلّ الأرض غير الأرض،و يغيّر هيئاتها، و يسيّر الجبال عن مقارّها على ما ذكر من الهيئات الهائلة،ليشاهدها أهل المحشر.

و هي و إن اندكّت و تصدّعت عند النّفخة الأولى، لكن تسييرها و تسوية الأرض إنّما يكونان بعد النّفخة الثّانية،كما ينطق به وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً* يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ طه:

105-108،و يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48، فإنّ اتّباع الدّاعي الّذي هو إسرافيل عليه السّلام و بروز الخلق للّه سبحانه،لا يكون إلاّ بعد البعث قطعا.(5:282)

البيضاويّ: كالصّوف ذي الألوان(المنفوش):

المندوف لتفرّق أجزائها و تطايرها في الجوّ.(2:573)

نحوه الكاشانيّ(5:366)،و القاسميّ(17:6243).

المراغيّ: أي إنّ الجبال لتفتّتها و تفرّق أجزائها لم يبق لها إلاّ صورة الصّوف المنفوش،فلا تلبث أن تذهب و تتطاير،فكيف يكون الإنسان حين حدوثها،و هو ذلك الجسم الضّعيف السّريع الانحلال.(30:227)

نحوه الطّباطبائيّ.(20:349)

مكارم الشّيرازيّ: و(العهن)هو الصّوف المصبوغ،و(المنفوش)هو المنشور،و يتمّ ذلك عادة بآلة الجلح الخاصّة.

سبق أن ذكرنا أنّ القرآن الكريم في مواضع متعدّدة يتحدّث عن الجبال عند قيام القيامة،بأنّها تتحرّك أوّلا، ثمّ تدكّ و تتلاشى،و أخيرا تصبح بشكل غبار متطاير في السّماء.و هذه الحالة الأخيرة تشبّهها الآية بالصّوف الملوّن المجلوح،الصّوف المتطاير في مهبّ الرّيح،لم يبق منه إلاّ ألوان،و هذه آخر مراحل انهدام الجبال.

هذا التّعبير كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ قد يكون إشارة إلى الألوان المختلفة للجبال،فهذه الجبال على الأرض لها ألوان شتّى.

هذه العبارة تدلّ على أنّ الآيات أعلاه تتحدّث عن المرحلة الأولى للقيامة،و هي مرحلة انهدام العالم و نهايته.(20:372)

نحوه فضل اللّه.(24:384)

جبلاّ

وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ.

يس:62

مجاهد :خلقا كثيرا.(الماورديّ 5:27)

نحوه السّدّيّ(396)،و القمّيّ(2:216).

الضّحّاك: الجبلّ الواحد:عشرة آلاف،و الكثير ما لا يحصيه إلاّ اللّه تعالى.(الماورديّ 5:27)

قتادة :جموعا كثيرة.(الماورديّ 5:27)

ص: 898

الكلبيّ: أمما كثيرة.(الماورديّ 5:27)

أبو عبيدة :مثقّل،و بعضهم لا يثقّل،و يضمّ الحرف الأوّل و يثقّل اللاّم،و معناهنّ الخلق و الجماعة.

(2:164)

ابن قتيبة :أي خلقا.و جبلا بالضّمّ و التّخفيف، مثله.و الجبل أيضا:الخلق.[ثمّ استشهد بشعر](367)

الطّبريّ: و لقد صدّ الشّيطان منكم خلقا كثيرا عن طاعتي،و إفرادي بالألوهة حتّى عبدوه،و اتّخذوا من دوني آلهة يعبدونها.

و اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و بعض الكوفيّين (جبلاّ) بكسر الجيم،و تشديد اللاّم،و كان بعض المكّيّين و عامّة قرّاء الكوفة يقرءونه (جبلا)بضمّ الجيم و الباء،و تخفيف اللاّم.و كان بعض قرّاء البصرة يقرءوه (جبلا) بضمّ الجيم،و تسكين الباء.

و كلّ هذه لغات معروفات،غير أنّي لا أحبّ القراءة في ذلك إلاّ بإحدى القراءتين اللّتين إحداهما:بكسر الجيم و تشديد اللاّم،و الأخرى:ضمّ الجيم و الباء و تخفيف اللاّم،لأنّ ذلك هو القراءة الّتي عليها عامّة قرّاء الأمصار.(23:23)

الزّجّاج: و يقرأ (جبلاّ) بكسر الجيم و الباء،و يقرأ (جبلا) بضمّ الجيم و الباء و تقرأ (جبلا) على إسكان الباء و ضمّ الجيم،و يجوز (جبلا) بفتح الجيم و (جبلا) بكسر الجيم،و يجوز أيضا (جبلا) بكسر الجيم و فتح الباء بغير تشديد اللاّم،على جمع جبلة.و جبل،و الجبلة في جميع ذلك معناه خليقة كثيرة و خلق كثير.(4:292)

نحوه البغويّ.(4:18)

الواحديّ: يعني خلقا كثيرا،و فيه لغات:جبلاّ و جبلا و جبلاّ،و هذه الأوجه قرئ بها و معناها الخلق و الجماعة.(3:517)

مثله الكاشانيّ.(4:258)

الميبديّ: و الجبلّ:جمع الجبلّة،و الجبلّ جمع الجمع و الجبل بالتّخفيف جمع جبيل و كلّها لغات،معناها الخلق و الجماعة،أي خلقا كثيرا،جبله أي خلقه.(8:242)

ابن عطيّة: الأمّة العظيمة.[ثمّ ذكر القراءات نحو الزّجّاج](4:64)

الطّبرسيّ: أي أضلّ الشّيطان عن الدّين خلقا كثيرا منكم،بأن دعاهم إلى الضّلال،و حملهم على الضّلال و أغواهم.(4:430)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:في«الجبلّ»ستّ لغات:كسر الجيم و الباء مع تشديد اللاّم،و ضمّهما مع التّشديد،و كسرهما مع التّخفيف،و ضمّهما معه،و تسكين الباء و تخفيف اللاّم مع ضمّ الجيم،و مع كسره.

المسألة الثّانية:في معنى«الجبلّ»الجيم و الباء و اللاّم لا تخلو عن معنى الاجتماع،و الجبلّ فيه اجتماع الأجسام الكثيرة،و جبلّ الطّين فيه اجتماع أجزاء الماء و التّراب.

[إلى أن قال:]

فالجبل:الجمع العظيم،حتّى قيل:إنّ دون العشرة آلاف لا يكون جبلاّ،و إن لم يكن صحيحا.(26:100)

أبو السّعود :و اللاّم في وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً جواب قسم محذوف،و الجملة استئناف مسوق لتشديد التّوبيخ و تأكيد التّقريع،ببيان أنّ جناياتهم

ص: 899

ليست بنقض العهد فقط،بل به و بعدم الاتّعاظ بما شاهدوا من العقوبات النّازلة على الأمم الخالية بسبب طاعتهم للشّيطان.

فالخطاب لمتأخّريهم الّذين من جملتهم كفّار مكّة خصّوا بزيادة التّوبيخ و التّقريع لتضاعف جناياتهم.

و الجبلّ بكسر الجيم و الباء و تشديد اللاّم:الخلق.

و قرئ بضمّتين و تشديد،و بضمّتين و تخفيف، و بضمّة و سكون،و بكسرتين و تخفيف،و بكسرة و سكون،و الكلّ لغات.و قرئ(جبلا)جمع جبلة كفطر و خلق في جمع فطرة و خلقة.و قرئ(جيلا)بالياء،و هو الصّنف من النّاس.

أي و باللّه لقد أضلّ منكم كثيرا أو صنفا كثيرا عن ذلك الصّراط المستقيم،الّذي أمرتكم بالثّبات عليه، فأصابهم لأجل ذلك ما أصابهم بهم من العقوبات الهائلة الّتي ملأ الآفاق أخبارها،و بقي مدى الدّهر آثارها.

(5:307)

النّيسابوريّ: و هو في لغاته كلّها بمعنى الخلق،من جبله اللّه على كذا،أي طبعه عليه.(23:27)

الشّربينيّ: أي أمما كبارا عظاما كانوا كالجبال في قوّة العزائم و صعوبة الانقياد،و مع ذلك كان يلعب بهم كما تلعب الصّبيان بالكرة،فسبحان من أقدره على ذلك و إلاّ فهو أضعف كيدا و أحقر أمرا.(3:359)

البروسويّ: و الجبلّ بكسر الجيم و تشديد اللاّم:

الخلق،أي المخلوق.و لمّا تصوّر من«الجبل»العظم قيل للجماعة العظيمة:تشبيها بالجبل في العظم.(7:423)

الطّباطبائيّ: الجبلّ:الجماعة،و قيل:الجماعة الكثيرة،و الكلام مبنيّ على التّوبيخ و العتاب.(17:103)

الجبلّة

وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ.

الشّعراء:184

ابن عبّاس: خلق الأوّلين.(الطّبريّ 19:108)

الجبلّة:الجماعة إذا كانت عشرة آلاف.

(الآلوسيّ 19:119)

مجاهد :الخليقة.(الطّبريّ 19:109)

نحوه الماورديّ.(4:186)

ابن زيد :الخلق الأوّلين،الجبلّة:الخلق.

(الطّبريّ 19:109)

الفرّاء: قرأها عاصم و الأعمش بكسر الجيم و تشديد اللاّم،و رفعها آخرون و اللاّم مشدّدة في القولين (و الجبلّة).(2:283)

أبو عبيدة :أي الخلق،و جاء خبرها على المعنى الجماع.و إذا نزعت الهاء من آخرها ضممت أوّله،كما هو في آية أخرى وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ يس:62.

(2:90)

ابن قتيبة :الخلق،يقال:جبل فلان على كذا و كذا،أي خلق.[ثمّ استشهد بشعر](320)

الطّبريّ: يعني ب(الجبلّة):الخلق الأوّلين.و في «الجبلّة»للعرب لغتان:كسر الجيم و الباء و تشديد اللاّم، و ضمّ الجيم و الباء و تشديد اللاّم،فإذا نزعت الهاء من آخرها كان الضّمّ في الجيم و الباء أكثر،كما قال جلّ ثناؤه: وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً يس:62،و ربّما

ص: 900

سكّنوا الباء من«الجبل».[ثمّ استشهد بشعر]

(19:108)

الزّجّاج: عطف على الكاف و الميم.المعنى اتّقوا الّذي خلقكم و خلق الجبلّة الأوّلين.[ثمّ أدام نحو الطّبريّ](4:101)

النّحّاس: الخليقة،يقال:جبل فلان على كذا،أي خلق.و قوله:(جبلّة)و(جبلّة)و(جبلة).(5:102)

الطّوسيّ: فالجبلّة:الخليقة الّتي طبع عليها الشّيء،بكسر الجيم.و قيل أيضا:بضمّها،و يسقطون الهاء أيضا فيخفّفون،و منه قوله: وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً يس:62.[ثمّ استشهد بشعر]

و معناه:اتّقوا خليقة الأوّلين في عبادة غير اللّه و الإشراك معه،فهو عطف على(الّذى)فيها.و لا يجوز أن يكون منصوبا ب(خلقكم)لأنّ اللّه تعالى لم يخلق كفرهم،و لا ضلالهم.و إن جعلته منصوبا ب(خلقكم)على أن يكون المعنى اتّقوا اللّه الّذي خلقكم و خلق الخلق الأوّلين،كان جائزا و أخلصوا العبادة للّه.(8:58)

الواحديّ: الجبلّة:الخليقة،يعني الأمم المتقدّمين قبلهم.(3:362)

نحوه الطّبرسيّ(4:202)،و البيضاويّ(2:166).

البغويّ: و الجبلّة:الخلق،يقال:جبل،أي خلق.

(5:103)

الميبديّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:(الجبلّة):الخلق المتجسّد الغليظ،مأخوذ من «الجبل».و معنى ذكر(الجبلّة):إنذارهم ما أوقع اللّه بهم من العقوبات،أي خلقكم و خلق الأوّلين،و قد رأيتم وقائعه بهم.(7:148)

الزّمخشريّ: و قرئ(الجبلّة)بوزن الإبلّة،و الجبلة بوزن الخلقة،و معناهنّ واحد،أي ذوي الجبلّة،و هو كقولك:و الخلق الأوّلين.(3:127)

ابن عطيّة: القرون،و الخليقة الماضية.[ثمّ استشهد بشعر](4:242)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المراد أنّه المتفضّل بخلقهم و خلق من تقدّمهم،ممّن لو لا خلقهم لما كانوا مخلوقين.(24:164)

نحوه النّيسابوريّ.(19:71)

الشّربينيّ: أي الجماعة و الأمم(الاوّلين)الّذين كانوا على خلقة و طبيعة عظيمة،كأنّها الجبال قوّة و صلابة،لا سيّما قوم هود الّذين بلغت بهم الشّدّة حتّى قالوا:من أشدّ منّا قوّة.(3:31)

أبو السّعود :أي و ذوي الجبلّة الأوّلين،و هم من تقدّمهم من الخلائق.(4:116)

نحوه الكاشانيّ(4:49)،و القاسميّ(13:4642).

البروسويّ: الجبلّة:الخلقة،يقال:جبل،أي خلق و لا يتعلّق بها الخلق،فلا بدّ من تقدير المضاف،أي و خلق ذوي الجبلّة الاوّلين،يعني من تقدّمهم من الخلائق.(6:304)

الآلوسيّ: أي و ذوي الجبلّة،أي الخلقة و الطّبيعة، أو و المجبولين على أحوالهم الّتي بنوا عليها،و سبلهم الّتي قيضوا لسلوكها المتقدّمين عليكم من الأمم.

و جاء في رواية عن ابن عبّاس:أنّ الجبلّة:الجماعة إذا كانت عشرة آلاف،كأنّها شبّهت-على ما قيل-

ص: 901

بالقطعة العظيمة من الجبل.و قيل:هي الجماعة الكثيرة مطلقا،كأنّها شبّهت بما ذكر أيضا.(19:118)

نحوه المراغيّ.(19:99)

الطّباطبائيّ: فالمراد ب(الجبلّة)ذوو الجبلّة،أي اتّقوا اللّه الّذي خلقكم و آباءكم الأوّلين الّذي فطرهم، و قرّر في جبلّتهم تقبيح الفساد و الاعتراف بشؤمه.

و لعلّ هذا الّذي أشرنا إليه من المعنى هو الموجب لتخصيص الجبلّة بالذّكر.(15:313)

محمّد جواد مغنية:و(الجبلّة)عطف على الضّمير في(خلقكم)،و المعنى خافوا عذاب اللّه الّذي أوجدكم و أوجد الّذين من قبلكم.(5:516)

مكارم الشّيرازيّ: فلستم أوّل قوم أو جماعة خلقوا على هذه الأرض،فآباؤكم و الأمم الأخرى جاءوا و ذهبوا،فلا تنسوا ماضيهم و ما تقبلون عليه.

و الجبلّة:مأخوذ من«الجبل»و هو معروف:ما ارتفع من الأرض كثيرا،و يسمّى الطّود أحيانا.فالجبلّة:تطلق على الجماعة الكثيرة الّتي هي كالجبل في العظمة.قال بعضهم:الجبلّة مقدار عددها عشرة آلاف.

كما تطلق الجبلّة على الطّبيعة و الفطرة الإنسانيّة، لأنّها لا تتغيّر،كما أنّ الجبل لا يتغيّر عادة.

و التّعبير المتقدّم لعلّه إشارة إلى أنّ شعيبا يقول:إنّما أدعوكم إلى ترك الظّلم و الفساد،و أداء حقوق النّاس و رعاية العدل،لأنّ ذلك موجود في داخل الفطرة الإنسانيّة منذ الخلق الأوّل،و أنا جئتكم لإحياء هذه الفطرة.(11:403)

فضل اللّه :و المراد ب(الجبلّة)الطّبيعة و الفطرة الإنسانيّة الّتي أقام عليها أمر الخلق،في ما أودعه في فطرتهم من الرّغبة في الخير و اتّقاء الشّرّ.فإذا كان اللّه هو الّذي خلقكم و خلق آباءكم الأوّلين،فيجب عليكم أن تتّقوه و تراقبوه في كلّ أموركم،لترتّبوا قضايا الرّبح و الخسارة على أساس رضاه.(17:155)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: «الجبل»على أربعة أوجه:

أحدها:الرّاسي الّذي كان عليه موسى عليه السّلام،و كلّم اللّه سبحانه تكليما،كقوله: فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ الأعراف:143.

و الثّاني:جبل من الجبال،كقوله: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ هود:43.

و الثّالث:جميع الجبال،كقوله: وَ الْجِبالَ أَوْتاداً النّبأ:7،و قوله: وَ الْجِبالَ أَرْساها النّازعات:32.

و الرّابع:جبل على طريق المثل،كقوله: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ هود:42.(177)

الدّامغانيّ: الجبال على ثلاثة أوجه:البرد، الجبال:أربعة أجبل،الجبال هي الجبال كلّها.

فوجه منها،الجبال:البرد،قوله: وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ النّور:43،يعني مجتمع البرد في الهواء كالجبال.

و الوجه الثّاني:الجبال،أربعة أجبل،قوله: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ البقرة:260،يعني أربعة أجبال.

و الوجه الثّالث:الجبال كلّها،قوله: وَ الْجِبالَ

ص: 902

أَوْتاداً النّبأ:7،و نحوه وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ الكهف:

47،و نحوه كثير.(213)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجبل المعروف،و الجمع أجبل و أجبال و جبال،يقال:أجبل القوم،أي صاروا إلى الجبل،و تجبّلوا:دخلوا في الجبل،و أجبلوا:حفروا فبلغوا المكان الصّلب،و أجبل الرّجل:صادف جبلا من الرّمل،و هو العريض الطّويل.

و ابنة الجبل:الحيّة،لأنّ الجبل مأواها،و هي الصّدى،لسرعة إجابته،و يشبّه به الرّجل الإمّعة،و هو المتابع الّذي لا رأي له؛يقال:كنت كالجبل مهما يقل تقل.

و ابنة الجبل أيضا:الدّاهية،لأنّها تثقل كأنّها جبل.و هي القوس،لأنّها من شجر الجبل.

و جبلة الجبل و جبلته:تأسيس خلقته الّتي جبل و خلق عليها،و جبلة الأرض:صلابتها.

و الجبل من السّهام:الجافي البري.

و الجبل:الشّجر اليابس.و قد لوحظ في جميع ما تقدّم،و يأتي من هذه المادّة الغلظة و الخشونة،و هما من أظهر أوصاف الجبل.

و الجبلة:الخلقة،و الجمع جبال تشبيها بعظمة الجبل، يقال:أجنّ اللّه جباله و جبلته:خلقته،أي جعله كالمجنون،و جبل اللّه الخلق يجبلهم و يجبلهم:خلقهم، و جبله على الشّيء:طبعه،يقال:جبل الإنسان على هذا الأمر،أي طبع عليه.و ثوب جيّد الجبلة:جيّد الغزل و النّسج و الفتل،و رجل مجبول:غليظ الجبلة.

و الجبلة:الخلقة أيضا.

و الجبلة أيضا:السّنام،تشبيها بشكل الجبل و ارتفاعه.

و الجبل:الضّخم،و رجل جبل الوجه:غليظ بشرة الوجه،و رجل جبل الرّأس:غليظ جلدة الرّأس و العظام،و الجبل:القدح العظيم،و رجل مجبول:عظيم.

و شيء جبل:غليظ جاف،و يقال للرّجل إذا كان غليظا:إنّه لذو جبلة،و أنت جبل و جبل،أي قبيح.

و رجل جبيل الوجه:قبيحه،و هو الغليظ جلدة الرّأس و العظام.

و يقال مجازا:فلان جبل من الجبال،أي عزيز،و عزّ فلان يزحم الجبال،و الجبل:سيّد القوم و عالمهم.و أجبل الرّجل:انقطع،من قولهم:أجبل الحافر،أي انتهى إلى الجبل،و أجبل الشّاعر:صعب عليه القول،كأنّه انتهى إلى جبل منه.

و الجبلة و الجبلة و الجبلّة و الجبلّ و الجبلّ و الجبل و الجبل و الجبل و الجبيل:الأمّة من الخلق و الجماعة من النّاس،يقال:حيّ جبل،و مال جبل،أي كثير.

2-و ذكر ابن منظور في اللّسان:«أجبلته،أي أجبرته،و نسب صاحب«التّاج»هذا القول إلى ابن عبّاد،و لكنّنا لم نعثر عليه في«المحيط».

و إن صحّت هذه اللّغة فلامها مبدل من الرّاء؛إذ هذا الضّرب من الإبدال مطّرد في لغات عديدة،منها قولهم:

هدم ملدّم و مردّم،أي مرقّع،و هدل الحمام يهدل هديلا، و هدر يهدر هديرا،أي صوّت.

ص: 903

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها«جبل»مفردا:(6)مرّات،و جمعا:(33) مرّة،و«الجبلّة»مرّتين كلّها في(37)آية،في محورين:

ألف:جبل و جبال:

1- وَ لَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143

2- وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأعراف:171

3- قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هود:43

4- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:260

5- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ الحشر:21

6- وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً...

الرّعد:31

7- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الأعراف:74

8- وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ

الحجر:82

9- وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ

الشّعراء:149

10- وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ النّحل:68

11- وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ إبراهيم:46

12- وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:88،90

13- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ... الحجّ:18

14- إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً الأحزاب:72

15- وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ سبأ:10

16- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنّا

ص: 904

فاعِلِينَ الأنبياء:79

17- إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ ص:18

18- وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً الإسراء:37

19- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ

النّور:43

20- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27

21- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً... النّحل:81

22- أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَ الْجِبالَ أَوْتاداً

النّبأ:6،7

23- أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها* وَ الْجِبالَ أَرْساها* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ النّازعات:31،33

24- وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ الغاشية:19

25- وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ النّمل:88

26- وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ التّكوير:3

27- وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:47

28- يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً* وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً الطّور:9،10

29- إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الواقعة:4،5

30- وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً

الحاقّة:14

31- يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ المعارج:8،9

32- يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14

33- وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ* وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ

المرسلات:9،10

34- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً* وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً طه:104،105

35- يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:4،5

ب:جبلّة:

36- وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ يس:62

37- وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ

الشّعراء:184

المحور الأوّل:جبل و جبال في(1-35)

يلاحظ أوّلا:أنّ(الجبل)مفردا و جمعا رمز للشّدّة و الصّلابة،و للعلوّ و الرّفعة،أو للثّقل و العظمة.

ثانيا:أنّه جاء مفردا معرّفا باللاّم ثلاث مرّات بشأن

ص: 905

موسى و بني إسرائيل:مرّتين في(1)حينما سأل موسى ربّه لينظر إليه،فتجلّى ربّه للجبل و جعله دكّا،و سياقها الصّلابة،و مرّة في(2)إذ رفع اللّه الجبل فوق بني إسرائيل كأنّه ظلّة،و سياقها العلوّ و الرّفعة،و التّعريف فيهما للعهد و التّكبير و التّهويل.

ثالثا:و جاء منكّرا مرّتين في(3)بشأن ابن نوح؛إذ قال لأبيه: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ و في(4)بشأن إبراهيم؛إذ أمر بأن يأخذ أربعة من الطّير فيجعل على كلّ جبل منهنّ جزء،و سياقهما العلوّ، و التّنكير فيهما للتّسوية و الإبهام،دون التّكبير و التّهويل.

رابعا:جاء مرّتين في(5)و(6)مفردا و جمعا، و منكّرا و معرّفا،بشأن القرآن الكريم،أنّه لو أنزله اللّه على جبل لكان خاشعا،و لو سيّرت به الجبال،أو قطّعت به الأرض،أو كلّم به الموتى لكان القرآن مستعدّا لها.

و سياقهما الصّلابة،و التّعريف و التّنكير و الإفراد و الجمع فيهما-و هي خاصّة بالقرآن-للتّعميم و الإطلاق،أي لا فرق بينها في تأثّرها بالقرآن لو أنزل عليها.

خامسا:هذه الآيات السّتّ تحاكي قداسة(الجبل) و علاقته بالأنبياء إنذارا و تهديدا،و بالقرآن تعظيما و تبجيلا.

سادسا:جاءت(الجبال)في(7-9)معرّفة باللاّم بشأن قوم ثمود الّذين كانوا يتّخذون من الجبال بيوتا، و التّعريف للعهد أو للتّعظيم و التّكبير،و سياقها الشّدّة و الصّلابة،و كذا الاستمرار و العادة،كما يشعر بهما (تنحتون)و(تتّخذون)و(كانوا ينحتون).

و قد وصفوا في عملهم هذا بأوصاف حاليّة:

مفسدين،آمنين،فارهين،رمزا إلى أنّ اتّخاذهم الجبال بيوتا كان يهدف أمنهم و رفاههم و ينتهي إلى إفسادهم، لكنّهم لم يصلوا إليها إلاّ قليلا،فأخذتهم الصّيحة مصبحين.

سابعا:قد جاءت في(15)آية:(10-24)منافع مادّيّة و معنويّة للإنسان و الحيوان في الجبال،و يختلف سياقها شدّة و صلابة،و علوّا و رفعة،و ثقلا و عظمة، و يشعر بها أنّها جاءت جمعا في الجميع،و إليك البيان:

1-خصّ اللّه في(10)النّحل بالوحي الفطريّ إليها أنّ تتّخذ من الجبال بيوتا من الشّجر و ممّا يعرشون مأمنا لها،ليتّخذ الإنسان منها شرابا مختلفا ألوانه،فللجبال نفع مادّيّ للإنسان و الحيوان،و سياقها العلوّ و الرّفعة، لعطف وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ عليها،فلا تصل إليها الأيدي.

2-و في(11)و(12)ضرب اللّه لمكر الكفّار و لاتّخاذهم للرّحمن ولدا بأنّ الجبال بما لها من الصّلابة و الشّدّة و العظمة،تكاد تزول من مكرهم،و تخرّ من اتّخاذهم له ولدا.و هذا تأثّر معنويّ بها،مثل تأثّرها بالقرآن،و سياقها الصّلابة و العظمة معا.

3-و في(13)نبّه على أنّ الجبال تسجد للّه، كالشّمس و القمر و النّجوم و الشّجر و الدّوابّ و كثير من النّاس،بل كلّ من في السّماوات و الأرض،فتكاد الجبال تعرف اللّه و تسجد له،و هذا أمر معنويّ،و سياقها التّكبير و التّعظيم،لكونها عطفا على الشّمس و القمر و النّجوم و مسبوقة ب(السّماوات)و(الارض).

ص: 906

4-و في(14)نبّه على أنّ الأمانة-و هي الدّين على الأقرب-عرضت على السّماوات و الأرض و الجبال، فأبين أن يحملنها،أي ما كنّ مستعدّة لقبولها مع صلابتها و عظمتها،فعرضت على الإنسان...و هذا أثر معنويّ للجبال،و عطفها على(السّماوات و الارض)تحاكي عظمتها.فسياقها الثّقل و العظمة و ربّما الصّلابة و الرّفعة.

5-و في(15-17)نبّه على أنّ الجبال كانت يسبّحن مع داود كالطّير،كما كانت تسجد له تعالى في(13).

و هو أثر معنويّ،و سياقها العظمة بل الرّفعة من أجل عطف(الطّير)عليها.

6-و في(18)خاطب الإنسان بأن لا يتكبّر و لا يمشي في الأرض مرحا،أي لا يفخر،فإنّه مهما بلغ من القدرة و العظمة،فلم يخرق الأرض و لا يبلغ الجبال طولا،و هذا أمر معنويّ و سياقه العلوّ و العظمة.

7-و في(19)نبّه على أنّه ينزل من السّماء من جبال فيها-و هي سحاب تشبه الجبال-من برد فيصيب به من يشاء و يصرفه عمّن يشاء،و سياقها الرّفعة.و هذا أثر مادّيّ من جهة و معنويّ من جهة أخرى،لإشعارها بالعذاب و الرّحمة،و بالإنذار و البشارة.

8-و في(20-24)نبّه على أسرار خلق الجبال، و أوصافها،فإنّها في(20)اتّصف باختلاف ألوانها(جدد بيض و حمر)،و في(21)بأنّها أكنان،و في(22)و(23) بأنّها أوتاد للأرض و إرساء لها.و تأخير: مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ عن وَ الْجِبالَ أَرْساها يومي بأنّ للجبال دخلا في إنماء النّباتات،لكونها مخازن للمياه الّتي تنبع من العيون و تسيل في الأنهار،و في(24)بأنّ نصبها عجيب.لاحظ«ب ي ض:أبيض،ك ن ن:أكنان،و ت د:

أوتاد،ر س ي:إرساء»و سياقها جميعا الصّلابة و الرّفعة و العظمة.لاحظ نصّ الطّنطاويّ في عجائب الجبال.

ثامنا:قد جاء في(11)آية:(25-35)بسّها، و رصفها،و دكّها،و كثبها و نفشها،فتكون كالعهن المنفوش.و كالسّراب،و نحوهما ممّا يشعر بوهنها و ذهابها عن صفحة الوجود.

و قد أشكل اختلافها على المفسّرين فتكلّفوا الجمع بينها بحملها على مراحل يتتابع بعضها بعضا.

و عندنا أنّها تفنّن في التّشبيه تحكي عن وهن الجبال -بما لها من صلابة-يومئذ و تلاشيها و انعدامها.و مثلها كثير من أوصاف القيامة في القرآن.[لاحظ النّصوص هنا،و راجع هذه الموادّ في مواضعها]

المحور الثّاني:جبلّ و جبلّة في(36)و(37).

يلاحظ أوّلا:أنّهما من مادّة«جبل»و هو-كما تقدّم- رمز العظمة و الصّلابة من بين المخلوقات،فأطلق على الجماعة الكثيرة تشبيها إيّاهم بالجبل،و قد أنهاها ابن عباس إلى عشرة آلاف،و أصل المعنى الخلق،و منه جبّل على كذا،أي فطر و خلق عليه.

ثانيا:جاء في(36)(جبلاّ)بدون تاء،و في(37) (جبلّة)بتاء،و(جبلّ)عند بعضهم جمع(جبلّة)فهو جماعة أكثر و أكبر من(الجبلّة)،فالتّوصيف فيها ب(كثيرا)للمبالغة و التّأكيد.

ثالثا:حذّر اللّه في(36)النّاس من الشّيطان بأنّه أضلّ جماعات كثيرة،كانوا في العظمة و الصّلابة كالجبال الرّاسخات،و مع ذلك أزلّهم عن مواقفهم،و أضلّهم عن

ص: 907

الصّراط المستقيم،فكونوا على حذر منه،و من وساوسه و مكائده،و لا تتّبعوا خطواته،«لاحظ شيطان و إبليس».

رابعا:أمر اللّه في(37)النّاس بتقوى اللّه الّذي خلقهم و خلق الأوّلين،أي الأمم السّابقة،و هم كثيرون.ف(الجبلّة)عطف على الضّمير(كم)،و لا معنى لعطفه على(الّذى)كما قيل.و(الاوّلين)صفة ل(الجبلّة)، فهو بمنزلة(كثيرا)في الأولى،تأكيد للكثرة.

خامسا:سياق الآيتين يشعر بصعوبة الحذر من الشّيطان كصعوبة تقوى اللّه،و أنّهما متلازمان،فمن حذر الشّيطان يتمكّن من تقوى اللّه،و أيضا يتبادر إلى أنّهما في الصّعوبة كإزالة الجبال الرّاسيات من جذورها.

سادسا:قيل:إنّه يشعر أيضا بأنّ الإنسان لمّا كان مفطورا على الخير و الطّاعة،فمقتضى فطرته الحذر من الشّيطان الّذي يصرفه عن فطرته،بالإقبال على تقوى اللّه الّذي يهديه و يجرّه إلى فطرته،و هو لطيف.

ص: 908

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665) شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس، بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:

حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:مصر.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة، بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب

ص: 909


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة، بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:

المكتبة العلميّة،القاهرة.

ابن قيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:

المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر، بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف، الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني، القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ، القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة، بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(244)

غريب الحديث،ط:دار الكتب، بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر، مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:اسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة، القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة، بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي، قم.

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق، بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:

انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:آفتاب،طهران.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة، بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:التّجاريّة، مصر.

ص: 910

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم، بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير،طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ، قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو، طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب، بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:

المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم، بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة، طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر) التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب، مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ، جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب، مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:

الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر، بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة، مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة، مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر، دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة، بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب، بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة، بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-و فعلت و أفعلت،ط:

ص: 911

التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب، القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة، بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة، بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر، بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب، بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:

إسرائيل.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:

الكلّيّات،القاهرة.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب، بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت،3- تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

الشّبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين، الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة، بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي، قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة، طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب، القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب، بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ، قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة، طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:

الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:

المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

الطّنطاويّ:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،

ص: 912

مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة، بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب، بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم، بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر، بيروت.

عبد اللّطيف بغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد، القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر) التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:

ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة، طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن، القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو، طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك، بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب، قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة، القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

ص: 913

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:

الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب، بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف، بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان، طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنية(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:

دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدني،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:

الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:

الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان، طهران.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة، طهران.

معرفت:محمّد هادى(معاصر)

التّفسير و المفسرون،ط:

الجامعة الرّضوية،مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسسة البعثة، بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير، طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن، ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب، بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى، علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة، بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:

مطبعة الإميريكيّ،بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:

جهان،طهران.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 914

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ص: 915

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن نحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابي.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:نعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمر الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن قاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

ص: 916

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدورد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

السّمين:أحمد.(756)

سهل التّستريّ.(284)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

ص: 917

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد.(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

الشّيذلة:عزيزيّ.(494)

الشّيشينيّ(؟)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

علاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن مظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ.(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

ص: 918

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمّد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.

(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن حكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

مطرّف بن الشّخّير.(87)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّووي:يحيى.676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

الواحديّ:عليّ.(468)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 919

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.