المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 7

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلفون

الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ ناصر النّجفيّ قاسم النّوريّ محمّد حسن مؤمن زاده حسين خاك شور السيّد عبد الحميد عظيمي السيّد جواد سيّدي السيّد حسين رضويان علي رضا غفراني محمّد رضا نوري

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و محمّد الملكوتي و مقابلة النصوص إلى محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ و أبي القاسم حسن پور و تنضيد الحروف إلى حسين الطّائيّ في قسم الكمبيوتر.

ص: 5

ص: 6

المحتويات

المقدّمة 9

ب ه ل 11

ب ه م 51

ب و ء 69

ب و ب 111

ب و ر 141

ب و ل 155

ب ي ت 171

ب ي د 233

ب ي ض 241

ب ي ع 291

ب ي ن 327

حرف التّاء 469

تابوت 471

ت ب ب 489

ت ب ر 503

ت ب ع 513

ت ج ر 631

ت ح ت 659

ت ر ب 681

ت ر ف 713

ت ر ق 725

ت ر ك 731

ت س ع 761

ت ع س 775

ت ف ث 785

ت ق ن 793

ت ل ك 801

ت ل ل 819

ت ل و 829

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم 919

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 925

ص: 7

ص: 8

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.

ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد السّابع من موسوعتنا القرآنيّة:

«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.

و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(28)مفردة قرآنيّة من حرف الباء،ابتداء من (ب ه ل)و انتهاء ب(ت ل و)،و أوسع الكلمات فيه بحثا و تنقيبا هي(ب ي ن).

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا بما يضارع الأمل في استمرار العمل،إنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الباء

ب ه ل

اشارة

نبتهل

لفظ واحد،مرّة واحدة،مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :باهلت فلانا،أي دعونا على الظّالم منّا، و بهلته:لعنته.

و ابتهل إلى اللّه في الدّعاء،أي جدّ و اجتهد.

و امرأة بهيلة:لغة في البهيرة.

و الأبهل:شجر يقال له:الأيرس،و ليس بعربيّة محضة،و يسمّى بالعربيّة:عرعرا.

و الباهل:المتردّد بلا عمل،و هو أيضا:الرّاعي بلا عصا.و أبهل الرّاعي إبله:تركها.

و الباهل:النّاقة الّتي ليست بمصرورة،لبنها مباح لمن حلّ و رحل،و إبل بهّل.

و رجل بهلول:حييّ كريم،و امرأة بهلول.

و البهل:الشّيء اليسير الحقير،يقال:أعطاه قليلا بهلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و البهل:واحد لا يجمع.

و امرأة باهلة:لا زوج لها.

و باهلة:حيّ من العرب.(4:54)

الكسائيّ: الباهل من الإبل:الّتي لا سمة عليها، و الجمع:المباهيل.(الخطّابيّ 1:116)

الأحمر: يقال:هو الضّلال بن بهلل،غير مصروف،معناه الباطل،مثل ثهلل.

(الجوهريّ 4:1643)

الأمويّ: البهل:المال القليل.(الأزهريّ 6:309)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البهّل:الإبل الّتي لا صرار عليها،واحدها:باهل.(الأزهريّ 6:310)

بهلا من قولك:مهلا و بهلا،إتباع.

(ابن منظور 11:72)

الأصمعيّ: يبهله:يلعنه،يقال:بهله اللّه،أي لعنه اللّه.(الكنز اللّغويّ:201)

البهلول:الضّحّاك من الرّجال.

ص: 11

المباهيل:الإبل الّتي لا صرار عليها،و هي المبهلة.

(الأزهريّ 6:309)

اللّحيانيّ: [البهل]هو الضّلال بن بهلل،مأخوذ من الإبهال،و هو الإهمال.

و بهلل الوالي رعيّته،و استبهلها،إذا أهملها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:310)

أبو عبيد: في حديث ابن عبّاس:«من شاء باهلته أنّ اللّه لم يذكر في كتابه جدّا و إنّما هو أب».

و في حديث آخر:«من شاء باهلته أنّ الظّهار ليس من الأمة،إنّما قال اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ المجادلة:3.

قوله:باهلته،من الابتهال و هو الدّعاء،قال اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61.[ثمّ استشهد بشعر]

يقول:دعاء عليهم بالموت،و منه قيل:بهلة اللّه عليه،أي لعنة اللّه عليه،و هما لغتان:بهلة اللّه عليه، و بهلة اللّه عليه.(2:300)

ابن الأعرابيّ: الباهل:الّذي لا سلاح معه،و ناقة باهل:مسيّبة،و تكون الّتي لا صرار عليها.

نحوه أبو عبيد.(الأزهريّ 6:309)

ابن السّكّيت: يقال:تباهل القوم،إذا تلاعنوا، و يقال:عليه بهلة اللّه،أي لعنة اللّه.

و مبتهلا:أي مجتهدا في الدّعاء.

و يقال:هو الضّلال بن بهلل،كأنّه المبهل المهمل ابن ثهلل.(الأزهريّ 6:311)

الحربيّ: و قيل:سباك اللّه و بهلك،يعني لعنك.

(2:660)

الزّجّاج: معنى الابتهال في اللّغة:المبالغة في الدّعاء، و أصله:الالتعان.و يقال:بهله اللّه،أي لعنه اللّه؛و معنى لعنه اللّه:باعده اللّه من رحمته.

يقال:ناقة باهل و باهلة،إذا لم يكن عليها صرار، و قد أبهل الرّجل ناقته،إذا تركها بغير صرار.و رجل باهل،إذا لم يكن معه عصا.

فتأويل البهل في اللّغة:المباعدة و المفارقة للشّيء.

(1:423)

يقال للحرّ و ما في يده لا يعترض عليه فيه:قد بهلت فلانا أبهله،إذا خلّيته.

و يقال للعبد أيضا:أبهلته فهو مبهل،إذا خلّيته.

(فعلت و أفعلت:5)

ابن دريد: البهل:اللّعن،يقال:عليهم بهلة اللّه، أي لعنة اللّه.و تباهل القوم،و ابتهلوا،إذا تلاعنوا.

و يقال:ابتهلوا إلى اللّه عزّ و جلّ،إذا أخلصوا له الدّعاء.

و ناقة باهل،أي لا صرار عليها؛و به سمّيت باهلة أمّ هذه القبائل الّتي تنسب إليها.

(1:330)

و بهلول:ضحّاك باشر.(3:381)

أبو بكر ابن الأنباريّ: قال قوم:المبتهل معناه في كلام العرب:المسبّح الذّاكر للّه.

و قال قوم:المبتهل:الدّاعي.(الأزهريّ 6:311)

القاليّ: [قيل:]مهلا و بهلا،في معنى واحد.(2:56)

ص: 12

و المبهلة:الّتي لا صرار عليها،و هذا مثل.(2:289)

السّيرافيّ: البهلول:السّيّد الجامع لكلّ خير.

(ابن سيده 4:233)

ابن خالويه :البهّل:واحدها باهل و باهلة،و هي الّتي تكون مهملة بغير راع.(ابن منظور 11:71)

الأزهريّ: حدّثني بعض أهل العلم أنّ دريد بن الصّمّة أراد أن يطلّق امرأته،فقالت:أ تطلّقني و قد أطعمتك مأدومي،و أبثثتك مكتومي،و أتيتك باهلا غير ذات صرار؟قال (1):جعلت هذا مثلا لمالها،و أنّها أباحت له مالها.

و استبهل فلان الحرب (2)،إذا احتلبها بلا صرار.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:باهلت فلانا،أي لاعنته،و عليه بهلة اللّه و بهلة اللّه،أي لعنة اللّه.

و ابتهل فلان في الدّعاء،إذا اجتهد،و منه قول اللّه جلّ و عزّ: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61،أي يجتهد كلّ منّا في الدّعاء و لعن الكاذب منّا.(6:309)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و الأبهل:حمل شجر.

و أبهل الرّاعي إبله:تركها من الحلب.

و استبهلها فصيلها:انتزع أصرّتها ليرضعها.

و البهّل:الإبل لا رعاة لها.

و امرأة بهلول،بيّن البهللة،و جمعه:بهاليل،سمّوا بذلك لأنّهم يتبهّلون بالعطاء تبهّل الغيوث بالمطر،و هو تفجّرها به.

و أعطاه قليلا بهلا،و لا يجمع.

و الإبهال في الزّرع:أن يفرغ القوم من البذر، و يرسلوا الماء فيما بذروا.

و فلان بهل مال،أي مسترسل إليه.

و يقولون:إنّه لمكفيّ مبهول،للحرّ.فأمّا العبد فمبهل.

و هو الضّلال بن بهلل و بهلل،أي لا يدرى من هو.

و يقولون:مهلا و بهلا-إتباعا-أي لا تفعل.

و بهل-في معنى بله-أي دع.(3:491)

الجوهريّ: البهل:اليسير.

و البهل:اللّعن،يقال:عليه بهلة اللّه و بهلته،أي لعنة اللّه.

و ناقة باهل:لا صرار عليها.

قالت امرأة من العرب لزوجها:أتيتك باهلا غير ذات صرار،و كذلك النّاقة الّتي لا عران عليها،و كذلك الّتي لا سمة عليها.و الجمع:بهّل.

و قد أبهلتها،أي تركتها باهلا،و هي مبهلة،و مباهل في الجمع.

و منه قبل في بني شيبان:استبهلتها السّواحل،لأنّهم كانوا نازلين بشطّ البحر لا يصل إليهم السّلطان،يفعلوا ما شاءوا.

و يقال:بهلته و أبهلته،إذا خلّيته و إرادته.

و المباهلة:الملاعنة.

و الابتهال:التّضرّع،و يقال في قوله تعالى: ثُمَّر.

ص: 13


1- أي قال بعض أهل العلم.
2- هكذا في الأصول،و الّذي في اللّسان«النّاقة»و هو أظهر.

نَبْتَهِلْ أي نخلص في الدّعاء.(4:1642)

أبو هلال: الفرق بين البهل و اللّعن:أنّ اللّعن هو الدّعاء على الرّجل بالبعد،و البهل:الاجتهاد في اللّعن.

قال المبرّد:بهله اللّه،ينبئ عن اجتهاد الدّاعي عليه باللّعن،و لهذا قيل للمجتهد في الدّعاء:المبتهل.(38)

ابن فارس: الباء و الهاء و اللاّم أصول ثلاثة:

أحدها:التّخلية،و الثّاني:جنس من الدّعاء،و الثّالث:

قلّة في الماء.

فأمّا الأوّل فيقولون:بهلته،إذا خلّيته و إرادته.

و من ذلك النّاقة الباهل،و هي الّتي لا سمة عليها،و يقال:

الّتي لا صرار عليها.

و منه حديث المرأة لبعلها.[و قد تقدّم في كلام الأزهريّ]

و أمّا الآخر فالابتهال و التّضرّع في الدّعاء.

و المباهلة يرجع إلى هذا،فإنّ المتباهلين يدعو كلّ واحد منهما على صاحبه،قال اللّه تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61.

و الثّالث:البهل،و هو الماء القليل.(1:311)

الهرويّ: قوله تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نلتعن.

يقال:عليه بهلة اللّه،و بهلته،أي لعنته.

و منه حديث أبي بكر:«من ولي من أمر النّاس شيئا فلم يعطهم كتاب اللّه فعليه بهلة اللّه».يقال:ما له؟بهله اللّه،أي لعنه اللّه.

و ابتهل في الدّعاء،أي اجتهد.و معنى المباهلة:أن يجتمع القوم إذا اختلفوا،فيقولوا:لعنة اللّه على الظّالم منّا.

و منه قول ابن عبّاس:«من شاء باهلته أنّ الحقّ معي».(1:226)

الزّمخشريّ: أبهل النّاقة:تركها عن الحلب،و ناقة باهل:غير مصرورة يحلبها من شاء.

و أبهل الوالي الرّعيّة،و استبهلهم:تركهم يركبون ما شاءوا،لا يأخذ على أيديهم.و أبهل عبده:خلاّه و إرادته.

و مالك بهللا سبهللا،أي مخلّى فارغا،و منه بهله:

لعنه،و عليه بهلة اللّه.

و باهلت فلانا مباهلة،إذا دعوتما باللّعن على الظّالم منكما.و تباهلا،و ابتهلا:التعنا، ثُمَّ نَبْتَهِلْ...

آل عمران:61.

و هو بهلول،و هم بهاليل،و هو الحييّ الكريم.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:رجل باهل:متردّد بغير عمل.و راع باهل:يمشي بغير عصا.و ابتهل إلى اللّه:تضرّع،و اجتهد في الدّعاء اجتهاد المبتهلين.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:32)

ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«من شاء باهلته أنّ اللّه لم يذكر في كتابه جدّا،و إنّما هو أب».

المباهلة:مفاعلة من البهلة و هي اللّعنة،و مأخذها من الإبهال و هو الإهمال و التّخلية،لأنّ اللّعن و الطّرد و الإهمال من واحد واحد،و معنى المباهلة أن يجتمعوا إذا اختلفوا،فيقولوا:بهلة اللّه على الظّالم منّا.

(الفائق 1:140)

ابن سيده: التبهّل:العناء بما تطلب.

و أبهل الرّجل:تركه.و أبهل النّاقة:أهملها.

ص: 14

و ناقة باهل بيّنة البهل:لا صرار عليها،و قيل:

لا خطام عليها،و قيل:لا سمة عليها،و الجمع:بهّل و بهل.

و بهلت النّاقة تبهل بهلا:حلّ صرارها و ترك ولدها يرضعها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الابتهال:الاجتهاد في الدّعاء،و إخلاصه للّه عزّ و جلّ،و في التّنزيل: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61.

و بهل:اسم للسّنة الشّديدة،ككهل.

و باهلة:اسم قبيلة،و قد يجعل اسما للحيّ،قالوا:

باهلة بن أعصر.(4:233)

الرّاغب: أصل البهل:كون الشّيء غير مراعى.

و الباهل:البعير المخلّى عن قيده أو عن سمة،أو المخلّى ضرعها عن صرار.

قالت امرأة:أتيتك باهلا غير ذات صرار،أي أبحت لك جميع ما كنت أملكه،لم أستأثر بشيء دونه.

و أبهلت فلانا:خلّيته و إرادته،تشبيها بالبعير الباهل.

و البهل و الابتهال في الدّعاء:الاسترسال فيه و التّضرّع،نحو قوله عزّ و جلّ: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61.

و من فسّر الابتهال باللّعن،فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللّعن.[ثمّ استشهد بشعر](63)

ابن الأثير: و حديث ابن الصّبغاء:«قال الّذي بهله بريق»أي الّذي لعنه و دعا عليه.و بريق:اسم رجل.

و في حديث الدّعاء:«و الابتهال أن تمدّ يديك جميعا» و أصله التّضرّع و المبالغة في السّؤال.(1:167)

الفيّوميّ: بهله بهلا من باب«نفع»:لعنه.و اسم الفاعل:باهل،و الأنثى:باهلة؛و بها سمّيت قبيلة، و الاسم:البهلة وزان«غرفة».

و باهله مباهلة من باب«قاتل»:لعن كلّ منهما الآخر.

و ابتهل إلى اللّه تعالى:ضرع إليه.(1:64)

الفيروزآباديّ: البهل:المال القليل،و اللّعن، و الشّيء اليسير.

و التّبهّل:العناء بما يطلب.

و أبهله:تركه،و النّاقة:أهملها.

و ناقة باهل:بيّنة البهل:لا صرار عليها،أو لا خطام، أو لا سمة،الجمع كبرد و ركّع.

و كفرحت:حلّ صرارها،و ترك ولدها يرضعها.

و قد أبهلتها فهي مبهلة و مباهل.

و استبهلها:احتلبها بلا صرار.و الوالي الرّعيّة:

أهملهم،و البادية القوم:تركتهم باهلين،أي نزلوها فلا يصل إليهم سلطان،ففعلوا ما شاءوا.

و الباهل:المتردّد بلا عمل،و الرّاعي بلا عصا.

و بهاء:الأيّم.

و كمنعته:خليّته مع رأيه كأبهلته،أو يقال:بهلت للحرّ،و أبهلت للعبد.

و اللّه تعالى فلانا:لعنه.

و البهلة و يضمّ:اللّعنة.

و باهل بعضهم بعضا و تبهّلوا و تباهلوا،أي تلاعنوا.

و الابتهال:الاجتهاد في الدّعاء و إخلاصه.

و الضّلال بن بهلل كقنفذ و جعفر،غير مصروفين،

ص: 15

أي الباطل.

و الإبهال:إرسالك الماء فيما بذرته.

و الأبهل:حمل شجر كبير ورقه كالطّرفاء،و ثمره كالنّبق،و ليس بالعرعر كما توهّم الجوهريّ،دخانه يسقط الأجنّة سريعا،و يبرئ من داء الثّعلب طلاء بخلّ،و بالعسل ينقّي القروح الخبيثة.

و البهلول كسر سور:الضّحّاك،و السّيّد الجامع لكلّ خير.

و بهلا،أي مهلا.

و امرأة بهيلة:بهيرة.

و كأمير:ابن عريب بن حيدان.

و باهلة:قبيلة.(3:350)

العدنانيّ: «البهلول»و يقولون:فلان بهلول، و يعنون به الأبله و المعتوه،و هي كلمة عاميّة.

و في المعاجم كلمة«البهلول»الّتي تعني:

1-الضّحّاك من الرّجال،عن الأزهريّ.

2-الحييّ الكريم،عن الأزهريّ،و ابن عبّاد.

3-السّيّد الجامع لكلّ خير،عن السّيرافيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:امرأة بهلول أيضا،جامع الكرمانيّ، و تهذيب الأزهريّ،و اللّسان،و المدّ.

أمّا جمع البهلول فهو:بهاليل.[ثمّ استشهد بشعر]

(81)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من تحقيق موارد استعمال هذه المادّة،إنّ الأصل الواحد فيها هو:التّخلية و التّرك.و حقيقة اللّعن:الطّرد و التّبعيد،و كذلك «الابتهال»بمعنى التّضرّع،فإنّه في صورة طرد النّفس و تركها،و التّوجّه إلى اللّه المتعال،و هذا هو الفارق بين الابتهال و التّضرّع.و تستعمل بحرف«إلى»إذا كانت بمعنى التّضرّع.و أمّا الماء القليل:فكأنّه بمناسبة كونه مخلّى و متروكا.

فالتّخلية و التّرك محفوظة في جميع موارد استعمال هذه المادّة.

و الفرق بين البهل و اللّعن:أنّ«اللّعن»مفهومه الطّرد،و«البهل»كما نقلناه عبارة عن التّخلية و الاسترسال.و«اللّعن»فيه مفهوم المبغوضيّة،بخلاف «البهل»فهو أعمّ. ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61،أي نترك التّمايلات الشّخصيّة و التّوجّهات النّفسانيّة،و نتوجّه إلى اللّه المتعال متضرّعا،و نطلب في تلك الحالة الخالصة الصّافية،اللّعنة من اللّه على الكاذبين.

فحقيقة هذه الجملة:الدّعاء على الكاذب ببعده من رحمة اللّه،و قربه في حال التّضرّع و الابتهال و التّوجّه التّام.

فظهر أنّ«الابتهال»في الآية الشّريفة بمعنى تخلية النّفس و تركها،ليحصل الخلوص و التّوجّه التّامّ،حتّى يطلب اللّعن للكاذب،و ليس بمعنى اللّعن أو غيره،كما في بعض التّفاسير.(1:330)

ص: 16

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

نبتهل

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.

آل عمران:61

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و الّذى نفس محمّد بيده،إن كان العذاب لقد تدلّى على أهل نجران،و لو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض».(الطّبريّ 3:301)

[و في هذا المعنى روايات أخرى]

نحوه ابن عبّاس.(الطّبريّ 3:301)

إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلاّ أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم.(العروسيّ 1:348)

الإمام الحسن عليه السّلام: قال اللّه تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله؛ حين جحده كفرة الكتاب و حاجّوه: فَقُلْ تَعالَوْا...

الآية.

فأخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الأنفس معه أبي،و من البنين أنا و أخي،و من النّساء فاطمة أمّي من النّاس جميعا،فنحن أهله و لحمه و دمه و نفسه؛و نحن منه و هو منّا.(البحرانيّ 2:410)

ابن عبّاس: نتضرّع في الدّعاء.(البغويّ 1:450)

نجتهد.(الدّرّ المنثور 2:39)

إنّ ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،منهم العاقب،و السّيّد،فأنزل اللّه:

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ... إلى قوله: ثُمَّ نَبْتَهِلْ، يريد ندع اللّه باللّعنة على الكاذب،فقالوا:أخّرنا ثلاثة أيّام، فذهبوا إلى بني قريظة و النّضير و بني قينقاع فاستشاروهم،فأشاروا عليهم أن يصالحوه و لا يلاعنوه، و هو النّبيّ الّذي نجده في التّوراة.فصالحوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ألف حلّة في صفر و ألف في رجب و دراهم.

(الدّرّ المنثور 2:39)

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:هذا الإخلاص،يشير بإصبعه الّتي تلي الإبهام،و هذا الدّعاء،فرفع يديه حذو منكبيه،و هذا الابتهال،فرفع يديه مدّا.

(الدّرّ المنثور 2:40)

ابن الزّبير: ...فدعاهم إلى النّصف،و قطع عنهم الحجّة،فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لخبر من اللّه عنه،و الفصل من القضاء بينه و بينهم،و أمره بما أمره به من ملاعنتهم، إن ردّوا عليه،دعاهم إلى ذلك،فقالوا:يا أبا القاسم، دعنا ننظر في أمرنا،ثمّ نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه.

فانصرفوا عنه،ثمّ خلوا بالعاقب،و كان ذا رأيهم، فقالوا:يا عبد المسيح ما ترى؟

قال:و اللّه يا معشر النّصارى،لقد عرفتم أنّ محمّدا نبيّ مرسل،و لقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، و لقد علمتم:ما لاعن قوم نبيّا قطّ،فبقي كبيرهم، و لا نبت صغيرهم،و إنّه للاستئصال منكم إن فعلتم،فإن كنتم قد أبيتم إلاّ إلف دينكم،و الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم،فوادعوا الرّجل،ثمّ انصرفوا إلى بلادكم حتّى يريكم زمن رأيه.

فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقالوا:يا أبا القاسم قد رأينا ألاّ

ص: 17

نلاعنك،و أن نتركك على دينك،و نرجع على ديننا، و لكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا،يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا،فإنّكم عندنا رضا.(الطّبريّ 3:300)

جابر بن عبد اللّه: قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم العاقب و السّيّد فدعاهما إلى الإسلام،فقالا:أسلمنا يا محمّد، قال:كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام، قالا:فهات،قال:حبّ الصّليب،و شرب الخمر،و أكل لحم الخنزير.

فدعاهما إلى الملاعنة فوعداه إلى الغد،فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أخذ بيد عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين،ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرّا له،فقال:و الّذي بعثني بالحقّ لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا.

(الدّرّ المنثور 2:38)

الشّعبيّ: أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بملاعنتهم،يعني بملاعنة أهل نجران بقوله: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ... فتواعدوا أن يلاعنوه،و واعدوه الغد،فانطلقوا إلى السّيّد و العاقب، و كانا أعقلهم فتابعاهم،فانطلقوا إلى رجل منهم عاقل، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:ما صنعتم؟ و ندّمهم،و قال لهم:إن كان نبيّا ثمّ دعا عليكم،لا يغضبه اللّه فيكم أبدا؛و لئن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدا.قالوا:فكيف لنا و قد واعدنا؟فقال لهم:إذا غدوتم إليه،فعرض عليكم الّذي فارقتموه عليه،فقولوا:نعوذ باللّه،فإن دعاكم أيضا،فقولوا له:نعوذ باللّه،و لعلّه أن يعفيكم من ذلك.

فلمّا غدوا،غدا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم محتضنا حسنا،آخذا بيد الحسين،و فاطمة تمشي خلفه،فدعاهم إلى الّذي فارقوه عليه بالأمس،فقالوا:نعوذ باللّه،ثمّ دعاهم،فقالوا:نعوذ باللّه مرارا.قال:«فإن أبيتم فأسلموا و لكم ما للمسلمين، و عليكم ما على المسلمين،كما قال اللّه عزّ و جلّ.فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد و أنتم صاغرون،كما قال اللّه عزّ و جلّ».

قالوا:ما نملك إلاّ أنفسنا.قال:«فإن أبيتم فإنّي أنبذ إليكم على سواء،كما قال اللّه عزّ و جلّ»قالوا:ما لنا طاقة بحرب العرب،و لكن نؤدّي الجزية،قال:فجعل عليهم في كلّ سنة ألفي حلّة،ألفا في رجب،و ألفا في صفر،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«قد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتّى الطّير على الشّجر،أو العصافير على الشّجر لو تمّوا على الملاعنة».(الطّبريّ 3:299)

نحوه الكلبيّ و مقاتل.(البحرانيّ 2:421)

الإمام الباقر عليه السّلام: السّاعة الّتي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.(العروسيّ 1:352)

يا أبا الجارود،ما يقولون لكم في الحسن و الحسين عليهما السّلام؟

قلت:ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قال:فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟

قلت:احتججنا عليهم بقول اللّه تعالى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ. (العروسيّ 1:348)

عطاء: (ندع)اللّه باللّعنة على الكاذبين.

(الواحديّ 1:445)

قتادة: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خرج ليلا عن أهل

ص: 18

نجران،فلمّا رأوه خرج،هابوا و فرقوا،فرجعوا.

لمّا أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أهل نجران أخذ بيد حسن و حسين،و قال لفاطمة:اتّبعينا،فلمّا رأى ذلك أعداء اللّه رجعوا.(الطّبريّ 3:301)

زيد بن عليّ عليه السّلام: قوله: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... الآية،كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين.(الطّبريّ 3:300)

السّدّيّ: فأخذ،يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بيد الحسن و الحسين و فاطمة،و قال لعليّ:اتّبعنا،فخرج معهم.فلم يخرج يومئذ النّصارى،و قالوا:إنّا نخاف أن يكون هذا هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ليس دعوة النّبيّ كغيرها،فتخلّفوا عنه يومئذ،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لو خرجوا لاحترقوا».

فصالحوه على صلح،على أنّ له عليهم ثمانين ألفا، فما عجزت الدّراهم ففي العروض،الحلّة بأربعين،و على أنّ له عليهم ثلاثا و ثلاثين درعا،و ثلاثا و ثلاثين بعيرا، و أربعة و ثلاثين فرسا غازية كلّ سنة،و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ضامن لها حتّى نؤدّيها إليهم.(الطّبريّ 3:300)

الكلبيّ: نجتهد و نبالغ في الدّعاء.(البغويّ 1:450)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الابتهال:رفع اليدين و تمدّهما،و ذلك عند الدّمعة.(العروسيّ 1:350)

و الابتهال:تبسط يدك و ذراعك (1)إلى السّماء، و الابتهال حين ترى أسباب البكاء.(العروسيّ 1:350)

[في حديث عن أبي مسترق (2)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:]

قلت:إنّا نكلّم النّاس فنحتجّ عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ النّساء:59،فيقولون:نزلت في أمراء السّرايا.

فنحتجّ عليهم بقوله عزّ و جلّ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ... إلى آخر الآية.المائدة:55،فيقولون:

نزلت في المؤمنين.و نحتجّ عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ:

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى الشّورى:23،فيقولون:نزلت في قربى المسلمين.

قال:فلم أدع شيئا ممّا حضرني ذكره من هذا و شبهه إلاّ ذكرته،فقال لي:إذا كان كذلك فادعهم إلى المباهلة،قلت:و كيف أصنع؟قال:أصلح نفسك ثلاثا -و أظنّه قال:و صم و اغتسل-و أبرز أنت و هو إلى الجبّان (3)،فشبّك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه،ثمّ أنصفه،و ابدأ بنفسك،و قل:

اللّهمّ ربّ السّماوات السّبع و ربّ الأرضين السّبع عالم الغيب و الشّهادة الرّحمن الرّحيم،إن كان أبو مسترق جحد حقّا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السّماء و عذابا أليما،ثمّ ردّ الدّعوة عليه،فقل:

و إن كان فلان جحد حقّا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السّماء أو عذابا أليما،ثمّ قال لي:فإنّك لا تلبث أن ترى ذلك فيه،فو اللّه ما وجدت خلقا يجيبني إليه.

(العروسيّ 1:351)

[في حديث مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و تعدادها، قال عليه السّلام:]

و أمّا الرّابعة و الثّلاثون:فإنّ النّصارى ادّعوا أمراء.

ص: 19


1- و في نسخة:يديك و ذراعيك.
2- في نسخة:أبي مسروق.
3- الصّحراء.

فأنزل عزّ و جلّ فيه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ... إلخ،فكانت «نفسي»نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و«النّساء»فاطمة و«الأبناء»الحسن و الحسين.

ثمّ ندم القوم فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الإعفاء فعفا عنهم،و قال:«و الّذي أنزل التّوراة على موسى و الفرقان على محمّد لو باهلونا لمسخهم اللّه قردة و خنازير».

(العروسيّ 1:349)

و فيه روايات كثيرة عن الأئمّة من آل البيت عليهم السّلام، فلاحظ.

مقاتل:نخلص في الدّعاء.(أبو الفتوح 4:366)

محمّد بن المنكدر:[في حديث عن جدّه عبد اللّه]

لمّا قدم السّيّد و العاقب أسقفا نجران في سبعين راكبا، وافدا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كنت معهم،فبينا كرز يسير-و كرز صاحب نفقاتهم-إذ عثرت بغلته،فقال:تعس من نأتيه الأبعد،يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.فقال له صاحبه و هو العاقب:

بل تعست و انتكست!فقال:و لم ذلك؟قال:لأنّك أتعست النّبيّ الأمّيّ أحمد،قال:و ما علمك بذلك؟قال:

أ ما تقرأ من المفتاح الرّابع من الوحي إلى المسيح:أن قل لبني إسرائيل:ما أجهلكم!تتطيّبون بالطّيب لتطيبوا به في الدّنيا عند أهلها،و أهلكم و أجوافكم عندي كالجيفة المنتنة،يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النّبيّ الأمّيّ الّذي يكون في آخر الزّمان،صاحب الوجه الأقمر و الجمل الأحمر،المشرب بالنّور،ذي الجناب الحسن و الثّياب الخشن،سيّد الماضين عندي و أكرم الباقين عليّ،المستنّ بسنّتي،و الصّائر في دار جنّتي،و المجاهد بيده المشركين من أجلي،فبشّر به بني إسرائيل،و مر بني إسرائيل أن يعزّروه و أن ينصروه.

قال عيسى عليه السّلام: قدّوس قدّوس،من هذا العبد الصّالح الّذي قد أحبّه قلبي و لم تره عيني؟قال:هو منك و أنت منه و هو صهرك على أمّك،قليل الأولاد،كثير الأزواج،يسكن مكّة من موضع أساس وطي إبراهيم، نسله من مباركة و هي ضرّة أمّك في الجنّة،له شأن من الشّأن،تنام عيناه و لا ينام قلبه،يأكل الهديّة و لا يقبل الصّدقة،له حوض من شفير زمزم إلى مغيب الشّمس حيث يغرب،فيه شرابان من الرّحيق و التّسنيم،فيه أكاويب عدد نجوم السّماء،من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا،و ذلك بتفضيلي إيّاه على سائر المرسلين، يوافق قوله فعله و سريرته علانيته.

فطوبى له و طوبى لأمّته،الّذين على ملّته يحيون و على سنّته يموتون،و مع أهل بيته يميلون،آمنين مؤمنين مطمئنّين مباركين.و يظهر في زمن قحط و جدب فيدعوني،فترخي السّماء عزاليها حتّى يرى أثر بركاتها في أكنافها،و أبارك فيما يضع فيه يده.قال:إلهي سمّه، قال:نعم هو أحمد،و هو محمّد رسولي إلى الخلق كافّة، و أقربهم منّي منزلة،و أحضرهم عندي شفاعة،لا يأمر إلاّ بما أحبّ،و ينهى لما أكره.

قال له صاحبه:فأنّى تقدم بنا على من هذه صفته؟ قال:نشهد أحواله و ننظر آياته،فإن يكن هو هو ساعدناه بالمسالمة و نكفّه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا،و إن يكن كاذبا كفيناه بكذبه على اللّه عزّ و جلّ.

ص: 20

قال:و لم إذا رأيت العلامة لا تتّبعه؟قال:أ ما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم،أكرمونا و موّلونا و نصبوا لنا الكنائس،و أعلوا فيه ذكرنا،فكيف تطيب النّفس بالدّخول في دين يستوي فيه الشّريف و الوضيع،فلمّا قدموا المدينة قال من رآهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما رأينا وفدا من وفود العرب كانوا أجمل منهم، لهم شعور و عليهم ثياب الحبر،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متناء عن المسجد.فحضرت صلاتهم،فقاموا فصلّوا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تلقاء المشرق،فلمّا قضوا صلاتهم جلسوا إليه و ناظروه.

فقالوا:يا أبا القاسم حاجّنا في عيسى،قال:هو عبد اللّه و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه،فقال أحدهما:بل هو ولده و ثاني اثنين،و قال آخر:بل هو ثالث ثلاثة:أب و ابن و روح القدس،و قد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول:فعلنا و جعلنا و خلقنا،و لو كان واحدا لقال:خلقت و جعلت و فعلت.فتغشّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس السّتّين،منها: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ... إلى آخر الآية،فقصّ عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله القصّة و تلا عليهم القرآن،فقال بعضهم لبعض:قد و اللّه أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم.

فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أمرني بمباهلتكم،فقالوا:إذا كان غدا باهلناك،فقال القوم بعضهم لبعض:حتّى ننظر بما يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش النّاس،أم بأهله من أهل الصّفوة و الطّهارة؟ فإنّهم وشيج الأنبياء و موضع نهلهم.

فلمّا كان من غد غدا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيمينه عليّ عليه السّلام و بيساره الحسن و الحسين عليهما السّلام و من ورائهم فاطمة عليها السّلام، عليهم النّمار النّجرانيّة،و على كتف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كساء قطوانيّ رقيق خشن ليس بكثيف و لا ليّن،فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما و نشر الكساء عليهما، و أدخلهم تحت الكساء،و أدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء،معتمدا على قوسه النّبع،و رفع يده اليمنى إلى السّماء للمباهلة.

و اشرأبّ النّاس ينظرون،و اصفرّ لون السّيّد و العاقب،و كرّا حتّى كاد أن يطيش عقولهما،فقال أحدهما لصاحبه:أ نباهله؟قال:أو ما علمت أنّه ما باهل قوم قطّ نبيّا فنشأ صغيرهم أو بقي كبيرهم،و لكن أره أنّك غير مكترث و أعطه من المال و السّلاح ما أراد،فإنّ الرّجل محارب،و قل له:أ بهؤلاء تباهلنا،لئلاّ يرى أنّه قد تقدّمت معرفتنا بفضله و فضل أهل بيته.

فلمّا رفع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يده إلى السّماء للمباهلة قال أحدهما لصاحبه:و أيّ رهبانيّة؟!دارك الرّجل،فإنّه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل و لا مال،فقالا:يا أبا القاسم أ بهؤلاء تباهلنا؟قال:نعم،هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى اللّه عزّ و جلّ وجهة،و أقربهم إليه وسيلة،قال:فبصبصا يعني ارتعدا و كرّا،و قالا له:

يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف و ألف درع و ألف حجفة و ألف دينار كلّ عام،على أنّ الدّرع و السّيف و الحجفة عندك إعارة حتّى يأتي من وراءنا من قومنا،فنعلمهم بالّذي رأينا و شاهدنا،فيكون الأمر على ملاء منهم،فإمّا

ص: 21

الإسلام و إمّا الجزية و إمّا المقاطعة في كلّ عام.

فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:قد قبلت ذلك منكما أما و الّذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللّه عزّ و جلّ عليكم الوادي نارا تأجّج حتّى يساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فأحرقتهم تأجّجا.

فهبط عليه جبريل الرّوح الأمين عليه السّلام فقال:

يا محمّد،اللّه يقرئك السّلام و يقول لك:و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السّماوات و أهل الأرض لساقطت السّماء كسفا متهافتة و لتقطّعت الأرضون زبرا سائحة فلم تستقرّ عليها بعد ذلك،فرفع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يديه حتّى رئي بياض إبطيه،ثمّ قال:و على من ظلمكم حقّكم و بخسني الأجر الّذي افترضه اللّه فيكم عليهم بهلة اللّه تتابع إلى يوم القيامة.

(الاختصاص 112)

ابن إسحاق :قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وفد نصارى نجران،ستّون راكبا،فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم،في الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم:العاقب،أمير القوم و ذو رأيهم،و صاحب مشورتهم،و الّذي لا يصدرون إلاّ عن رأيه،و اسمه عبد المسيح؛و السّيّد،ثمالهم (1)و صاحب رحلهم و مجتمعهم، و اسمه الأيهم؛و أبو حارثة بن علقمة،أحد بني بكر بن وائل،أسقفّهم و حبرهم و إمامهم،و صاحب مدراسهم.

و كان أبو حارثة قد شرف فيهم،و درس كتبهم، حتّى حسن علمه في دينهم،فكانت ملوك الرّوم من النّصرانيّة قد شرّفوه و موّلوه و أخدموه،و بنوا له الكنائس،و بسطوا عليه الكرامات،لما يبلغهم عنه من علمه و اجتهاد في دينهم.

فلمّا رجعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من نجران،جلس أبو حارثة على بغلة له موجّها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إلى جنبه أخ له،يقال له:كوز بن علقمة-قال ابن هشام:

و يقال:كرز-فعثرت بقلة أبي حارثة،فقال كوز:تعس الأبعد!يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال له أبو حارثة:بل أنت تعست!فقال:و لم يا أخي؟قال:و اللّه إنّه للنّبيّ الّذي كنّا ننتظر.فقال له كوز:ما يمنعك منه و أنت تعلم هذا؟قال:

ما صنع بنا هؤلاء القوم،شرّفونا و موّلونا و أكرمونا،و قد أبوا إلاّ خلافه،فلو فعلت نزعوا منّا كلّ ما ترى.فأضمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة،حتّى أسلم بعد ذلك؛فهو كان يحدّث عنه هذا الحديث فيما بلغني...

لمّا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلّى العصر،عليهم ثياب الحبرات (2)، جبب و أردية،في جمال رجال بني الحارث بن كعب.

قال:يقول بعض من رآهم من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يومئذ:

ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم،و قد حانت صلاتهم،فقاموا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يصلّون،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

دعوهم؛فصلّوا إلى المشرق.

فكانت تسمية الأربعة عشر،الّذين يؤول إليهم أمرهم:العاقب،و هو عبد المسيح؛و السّيّد،و هو الأيهم، و أبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل،و أوس، و الحارث،و زيد،و قيس،و يزيد،و نبيه،و خويلد،ة.

ص: 22


1- ثمال القوم:هو أصلهم الّذي يقصدون إليه،و يقوم بأمورهم و شئونهم.
2- الحبرات:برود من برود اليمن؛الواحدة:حبرة.

و عمرو،و خالد،و عبد اللّه،و يحنّس،في ستّين راكبا.

فكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهم أبو حارثة بن علقمة،و العاقب عبد المسيح،و الأيهم السّيّد-و هم من النّصرانيّة على دين الملك،مع اختلاف من أمرهم،يقولون:هو اللّه، و يقولون:هو ولد اللّه،و يقولون:هو ثالث ثلاثة.

و كذلك قول النّصرانيّة.

فهم يحتجّون في قولهم:«هو اللّه»بأنّه كان يحيي الموتى،و يبرئ الأسقام،و يخبر بالغيوب،و يخلق من الطّين كهيئة الطّير،ثمّ ينفخ فيه فيكون طائرا،و ذلك كلّه بأمر اللّه تبارك و تعالى: وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ مريم:21.

و يحتجّون في قولهم:«إنّه ولد اللّه»بأنّهم يقولون:

لم يكن له أب يعلم،و قد تكلّم في المهد،و هذا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله.

و يحتجّون في قولهم:«إنّه ثالث ثلاثة»بقول اللّه:

فعلنا،و أمرنا،و خلقنا،و قضينا،فيقولون:لو كان واحدا ما قال إلاّ فعلت،و قضيت،و أمرت،و خلقت؛و لكنّه هو و عيسى و مريم.ففي كلّ ذلك من قولهم قد نزل القرآن.

فلمّا كلّمه الحبران قال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أسلما؛ قالا:قد أسلمنا،قال:إنّكما لم تسلما فأسلما؛قالا:بلى، قد أسلمنا قبلك،قال:كذبتما،يمنعكما من الإسلام دعاؤكما للّه ولدا،و عبادتكما الصّليب،و أكلكما الخنزير، قالا:فمن أبوه يا محمّد؟فصمت عنهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلم يجبهما.

فأنزل اللّه تعالى في ذلك قولهم،و اختلاف أمرهم كلّه،صدر سورة آل عمران إلى بضع و ثمانين آية منها...[فذكر الآيات و الاحتجاجات (1)إلى أن أضاف بعد نقل ما قدّمناه عن ابن الزّبير]

قال محمّد بن جعفر: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:ائتوني العشيّة أبعث معكم القويّ الأمين.

قال:فكان عمر بن الخطّاب يقول:ما أحببت الإمارة قطّ حبيّ إيّاها يومئذ،رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظّهر مهجّرا،فلمّا صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الظّهر سلّم،ثمّ نظر عن يمينه و عن يساره،فجعلت أتطاول له ليراني،فلم يزل يلتمس ببصره حتّى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح،فدعاه،فقال:أخرج معهم فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه.

قال عمر:فذهب بها أبو عبيدة.

(ابن هشام 2:222)

ابن زيد :قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت: أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ؟ قال:

الحسن و الحسين (2).(الطّبريّ 3:301)

الإمام الكاظم عليه السّلام:«التّبتّل»أن تقلب كفّيك في الدّعاء إذا دعوت،و«الابتهال»أن تبسطهما فتقدّمهما.

(العروسيّ 1:350)

اجتمعت الأمّة برّها و فاجرها أنّ حديث النّجرانيّ حين دعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،فقال اللّه تبارك و تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا... إلخ فكان تأويل (أَبْناءَنا) الحسن و الحسين، (وَ نِساءَنا) فاطمة،و (أَنْفُسَنا) عليّ بن أبين.

ص: 23


1- راجع النّصوص:«حجج».
2- و في الأصل:حسن و حسين.

طالب عليهم السّلام.(البحرانيّ 2:411)

و هناك أيضا روايات كثيرة عن الأئمّة من آل البيت عليهم السّلام،فراجع.

الكسائيّ: نلتعن.(البغويّ 1:450)

أبو عبيدة :أي نلتعن،يقال:ما له بهله اللّه!و يقال:

عليه بهلة اللّه.(1:96)

ابن قتيبة :أي نتداعى باللّعن،يقال:عليه بهلة اللّه و بهلته،أي لعنته.(106)

الطّبريّ: ثمّ نلتعن،يقال في الكلام:ما له،بهله اللّه! أي لعنه اللّه،و ماله،عليه بهلة اللّه!يريد اللّعن.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

حدّثنا ابن حميد،قال:حدّثنا جرير،قال:فقلت للمغيرة:إنّ النّاس يرون في حديث أهل نجران أنّ عليّا كان معهم.فقال:أمّا الشّعبيّ (1)فلم يذكره،فلا أدري لسوء رأي بني أميّة في عليّ،أو لم يكن في الحديث.[إلى أن ذكر عن علباء بن أحمر اليشكريّ أنّه قال:]

لمّا نزلت هذه الآية،أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى عليّ و فاطمة و ابنيهما الحسن و الحسين،و دعا اليهود ليلاعنهم،فقال شابّ من اليهود:ويحكم،أ ليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة و خنازير؟ لا تلاعنوا،فانتهوا.(3:298)

الزّجّاج :و قوله جلّ و عزّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ أي في عيسى. مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ قيل له:هذا بعد أن أوحيت إليه البراهين و الحجج القاطعة في تثبيت أمر عيسى أنّه عبد،فأمر بالمباهلة بعد إقامة الحجّة،لأنّ الحجّة قد بلغت النّهاية في البيان،فأمر اللّه أن يجتمع هو و النّساء و الأبناء من المؤمنين،و أن يدعوهم إلى أن يتجمّعوا هم و آباؤهم (2)و نساؤهم،ثمّ يبتهلون...[إلى أن قال:]

فدعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المباهلة لأمرين،كلاهما فيه بيان أنّ علماءهم قد وقفوا على أنّ أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حقّ، لأنّهم إذ أبوا أن يلاعنوا دلّ إباؤهم على أنّهم قد علموا أنّهم إن باهلوه نزل بهم مكروه،و أنّهم إذا تركوا المباهلة دلّ ذلك[على]ضعفهم،و من لا علم عنده أنّ فرارهم من المباهلة دليل على أنّهم كاذبون،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صادق.

و قيل:إنّ بعضهم قال لبعض:إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم نارا،و لم يبق نصرانيّ و لا نصرانيّة إلى يوم القيامة.[ثمّ روى عن النّبيّ و قد سبق قوله صلّى اللّه عليه و آله]

و هذا مكان ينبغي أن يمعن النّظر فيه،و يعلم المؤمنون بيان ما هو عليه،و ما عليه من الضّلال من خالفهم،لأنّهم لم يرو أحد أنّهم باهلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لا أجابوا إلى ذلك.(1:423)

الشّريف الرّضيّ: و من سأل عن قوله تعالى:

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ... فقال:أمّا دعاء الأبناء و النّساء فالمعنى فيه ظاهر،فما دعاء الأنفس؟و الإنسان لا يصحّ أن يدعو نفسه كما لا يصحّ أن يأمر و ينهى نفسه؟

فالجواب عن ذلك:أنّ العلماء أجمعوا و الرّواة أطبقوام.

ص: 24


1- قد مرّ كلامه،فراجع.
2- الظّاهر:أبناؤهم.

على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا قدم عليه وفد نصارى نجران، و فيهم الأسقفّ و هو أبو حارثة بن علقمة،و السّيّد و العاقب و غيرهم من رؤسائهم،فدار بينهم و بين رسول اللّه في معنى المسيح عليه السّلام-ما هو مشروح في كتب التّفاسير و لا حاجة بنا إلى استقصاء شرحه،لأنّه خارج عن غرضنا في هذا الكتاب-فلمّا دعاهم صلّى اللّه عليه و آله إلى الملاعنة،أقعد بين يديه أمير المؤمنين عليّا،و من ورائه فاطمة،و عن يمينه الحسن،و عن يساره الحسين عليهم السّلام أجمعين،و دعاهم هو صلّى اللّه عليه و آله إلى أن يلاعنوه،فامتنعوا من ذلك خوفا على أنفسهم،و إشفاقا من عواقب صدقه و كذبهم؛و كان دعاء الأبناء مصروفا إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام،و دعاء النّساء مصروفا إلى فاطمة عليها السّلام، و دعاء الأنفس مصروفا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام،إذ لا أحد في الجماعة يجوز أن يكون ذلك متوجّها إليه غيره،لأنّ دعاء الإنسان نفسه لا يصحّ،كما لا يصحّ أن يأمر نفسه.

و في هذه الآية أيضا دليل على أنّ ابن البنت يسوغ تسميته ابنا في لسان العرب،أ لا ترى إلى قوله تعالى:

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ...، و قد أجمع العلماء على أنّ المراد بذلك الحسن و الحسين عليهما السّلام.

و قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للحسن:إنّ ابني هذا سيّد.و قد قال بعضهم:أنّ هذا مخصوص في الحسن و الحسين أن يسمّيا ابني رسول اللّه دون غيرهما، قال:و من الدّليل على خصوص ذلك فيهما قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كلّ سبب و نسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي»،و ليس يتوجّه قوله:و نسبي،إلاّ إلى من ولدته فاطمة ابنته عليها السّلام؛إذ ليس هناك ولد ذكر من صلبه اتّصل نسبه و ضرب عرقه،فالنّسب إليه من ولد ابنته.

و روى الحسن بن زياد اللّؤلؤيّ صاحب أبي حنيفة، عنه:«إنّ من أوصى لولد فلان،و له ولد ابن و ولد بنت، دخل ولد البنت في الوصيّة»؛فعلى هذا القول يسوغ أن يسمّى ابن البنت ولدا.و قال لي شيخنا أبو بكر محمد بن موسى الخوارزميّ:رواية الحسن بن زياد في ذلك تخالف قول محمّد بن الحسن،فإنّ محمّدا يقول في هذه المسألة:

«إنّ الوصيّة لولد الابن دون ولد البنت».

فإن قال قائل:كيف صحّ دخول الحسن و الحسين في المباهلة و هي:الملاعنة،و هما صغيران،و الأطفال لا يستحقّون اللّعن،و لو كانوا أطفال المشركين،لأنّهم لا ذنوب لهم استحقّوا بها ذلك؟فالّذي أجاب به قاضي القضاة أبو الحسن في هذا:أنّ العقوبات النّازلة في تكذيب الأنبياء عليهم السّلام على وجه الاستئصال تكون عامّة تدخل فيها الصّغار،و إن كان ما ينالهم على وجه المحنة لا على وجه العقوبة،و يجري ذلك مجرى ما ينزل بهم من الأمراض و الأسقام و الجرائح العظام و طوارق الحمام، و قد أومأ أبو عليّ إلى هذا الجواب في تفسيره.

و قال أيضا:«ممّا يدلّ على أنّه تعالى لم يعن الصّغار باللّعن قوله: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ، و الأطفال لا يدخلون تحت هذا الاسم،لأنّ الكاذبين هم الّذين كذبوا على اللّه و رسوله،و الأطفال ليسوا بهذه الصّفة،فقد خرجوا من استحقاق اللّعنة».(229)

الماورديّ: و في قوله: نَبْتَهِلْ تأويلان:

أحدهما:نلتعن،و الثّاني:ندعو بهلاك الكاذب.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 25

فلمّا نزلت هذه الآية،أخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بيد عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،ثمّ دعا النّصارى إلى المباهلة،فأحجموا عنها.

و قال بعضهم لبعض:إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم نارا.(1:398)

الطّوسيّ: [ذكر القصّة نحو الماورديّ ثمّ أضاف بعد قوله:فأحجموا عنها:]

...و أقرّوا بالذّلّة و الجزية.

و يقال:إنّ بعضهم قال لبعض:إن باهلتموه اضطرم الوادي نارا عليكم،و لم يبق نصرانيّ و لا نصرانيّة إلى يوم القيامة.

و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لأصحابه:مثل ذلك.

و لا خلاف بين أهل العلم أنّهم لم يجيبوا إلى المباهلة.

و قيل في معنى الابتهال قولان:

أحدهما:الالتعان،بهله اللّه،أي لعنه،و عليه بهلة اللّه.

الثّاني: (نَبْتَهِلْ) :ندعو بهلاك الكاذب،قال لبيد:

*نظر الدّهر إليهم فابتهل*

أي دعا عليهم بالهلاك كاللّعن،و هو المباعدة من رحمة اللّه عقابا على معصيته.فلذلك لا يجوز أن يلعن من ليس بعاص من طفل أو بهيمة أو نحو ذلك.

و قال أبو بكر الرّازيّ: الآية تدلّ على أنّ الحسن و الحسين ابناه،و أنّ ولد البنت ابن على الحقيقة.

و قال ابن أبي علان:فيها دلالة على أنّ الحسن و الحسين كانا مكلّفين في تلك الحال،لأنّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين.

و استدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان أفضل الصّحابة من وجهين:

أحدهما:أنّ موضوع المباهلة ليتميّز المحقّ من المبطل؛و ذلك لا يصحّ أن يفعل إلاّ بمن هو مأمون الباطن، مقطوعا على صحّة عقيدته،أفضل النّاس عند اللّه.

و الثاني:أنّه صلّى اللّه عليه و آله جعله مثل نفسه بقوله: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ لأنّه أراد بقوله: أَبْناءَنا الحسن و الحسين عليهما السّلام بلا خلاف،و بقوله: وَ نِساءَنا فاطمة عليها السّلام،و بقوله: وَ أَنْفُسَنا أراد به نفسه،و نفس عليّ عليه السّلام،لأنّه لم يحضر غيرهما بلا خلاف،و إذا جعله مثل نفسه،وجب ألاّ يدانيه أحد في الفضل،و لا يقاربه.

و متى قيل لهم:إنّه أدخل في المباهلة الحسن و الحسين عليهما السّلام،مع كونهما غير بالغين و غير مستحقّين للثّواب،و إن كانا مستحقّين للثّواب لم يكونا أفضل الصّحابة.

قال لهم أصحابنا:إنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا بالغين مكلّفين،لأنّ البلوغ و كمال العقل لا يفتقر إلى شرط مخصوص،و لذلك تكلّم عيسى عليه السّلام في المهد بما دلّ على كونه مكلّفا عاقلا،و قد حكيت ذلك عن إمام من أئمّة المعتزلة مثل ذلك.

و قالوا أيضا-أعني أصحابنا-:إنّهما كانا أفضل الصّحابة بعد أبيهما و جدّهما،لأنّ كثرة الثّواب ليس بموقوف على كثرة الأفعال،فصغر سنّهما لا يمنع من أن يكون معرفتهما و طاعتهما للّه،و إقرارهما بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله وقع على وجه يستحقّ به الثّواب ما يزيد على ثواب كلّ من عاصرهما،سوى جدّهما و أبيهما.(2:484)

ص: 26

الواحديّ: قال المفسّرون:لمّا احتجّ اللّه تعالى على النّصارى من طريق القياس بقوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى... آل عمران:59،أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يحتجّ عليهم من طريق الإعجاز و هو المباهلة؛و معنى المباهلة:

الدّعاء على الظّالم من الفريقين.

فلمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وفد نجران إلى المباهلة،و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن،و فاطمة تمشي خلفه و عليّ خلفها،و هو يقول:«إذا دعوت فأمّنوا».

فقال أسقف نجران:يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا،و لا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة.

ثمّ قبلوا الجزية و انصرفوا،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و الّذي نفسي بيده...»[فذكر نحو ما تقدّم عنه صلّى اللّه عليه و سلّم ثمّ قال:]

...عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال:لمّا نزل قوله تعالى: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... إلخ،دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا،و قال:

«هؤلاء أهلي»رواه أحمد في مسنده عن قتيبة.

و أراد بالأنفس:بني العمّ،و العرب تخبر عن ابن العمّ بأنّه نفس،و قد قال تعالى: وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ الحجرات:11،أراد:إخوانكم من المؤمنين.(1:444)

البغويّ: [ذكر نحو ما مضى عن ابن الزّبير و الشّعبيّ و الواحديّ](1:450)

الميبديّ: المباهلة:دعاء شخصين أو جمعين على أحدهما الآخر،و استنزالهما بإصرار،و تأكيد لعنة اللّه عزّ و جلّ على الكاذب منهما.و البهلة:اسم للّعنة، و المباهلة و التّباهل و الابتهال بمعنى واحد في اللّغة.

و فسّر الابتهال نفسه بما بعده،فقال: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.

و قيل:يوم المباهلة إحدى و عشرين من ذي الحجّة.[ثمّ ذكر القصّة نحو ما ذكرنا عن الواحديّ]

(2:147)

الزّمخشريّ: ثمّ نتباهل،بأن نقول:بهلة اللّه على الكاذب منّا و منكم.

و البهلة بالفتح و الضمّ:اللّعنة،و بهله اللّه:لعنه و أبعده من رحمته،من قولك:أبهله،إذا أهمله.و ناقة باهل:لا صرار عليها،و أصل الابتهال هذا ثمّ استعمل في كلّ دعاء يجتهد فيه و إن لم يكن التعانا.[ثمّ ذكر القصّة نحو ما تقدّم عن ابن الزّبير و الواحديّ،و أضاف:]

و عن عائشة رضي اللّه عنها:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خرج و عليه مرط مرجل من شعر أسود،فجاء الحسن فأدخله ثمّ جاء الحسين فأدخله ثمّ فاطمة ثمّ عليّ،ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ... الأحزاب:33.

فإن قلت:ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّ ليتبيّن الكاذب منه و من خصمه؛و ذلك أمر يختصّ به و بمن يكاذبه،فما معنى ضمّ الأبناء و النّساء؟

قلت:ذلك آكد في الدّلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه؛حيث استجرأ على تعريض أعزّته و أفلاذ كبده و أحبّ النّاس إليه لذلك،و لم يقتصر على تعريض نفسه

ص: 27

له،و على ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبّته و أعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة.

و خصّ الأبناء و النّساء،لأنّهم أعزّ الأهل و ألصقهم بالقلوب،و ربّما فداهم الرّجل بنفسه و حارب دونهم حتّى يقتل،و من ثمّة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظّعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب،و يسمّون الذّادة عنهم بأرواحهم:حماة الحقائق،و قدّمهم في الذّكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم و قرب منزلتهم،و ليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس مفدون بها.

و فيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السّلام،و فيه برهان واضح على صحّة نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك.(1:434)

نحوه-في معنى الابتهال و في نقل القصّة-البيضاويّ (1:162)،و النّسفيّ(1:161)،و الخازن(1:302)، و الشّربينيّ(1:223)،و أبو السّعود(1:378)، و الكاشانيّ(1:318)،و البروسويّ(2:44)، و الآلوسيّ(3:188)،و محمّد مخلوف(1:111).

ابن عطيّة :[ذكر موجزا من القصص عن المتقدّمين ثمّ قال:]

و في هذه القصّة اختلافات للرّواة،و عبارات تجري كلّها في معنى ما ذكرناه،لكنّا قصدنا الإيجاز.

و في ترك النّصارى الملاعنة لعلمهم بنبوّة محمّد شاهد عظيم على صحّة نبوّته صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما روي من ذلك خير ممّا روى الشّعبيّ من تقسيم ذلك الرّجل العاقل فيهم أمر محمّد،بأنّه إمّا نبيّ و إمّا ملك،لأنّ هذا نظر دنياويّ.

و ما روى الرّواة من أنّهم تركوا الملاعنة لعلمهم بنبوّته أحجّ لنا على سائر الكفرة،و أليق بحال محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و دعاء النّساء و الأبناء للملاعنة أهزّ للنّفوس و أدعى لرحمة اللّه أو لغضبه على المبطلين.

و ظاهر الأمر أنّ النّبيّ عليه السّلام جاءهم بما يخصّه،و لو عزموا استدعى المؤمنين بأبنائهم و نسائهم،و يحتمل أنّه كان يكتفي بنفسه و خاصّته فقط.(1:447)

الطّبرسيّ: [ذكر في معنى الابتهال نحو ما قال الطّوسيّ ثمّ قال:]

فلمّا دعاهم رسول اللّه إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك،فلمّا رجعوا إلى رجالهم قال لهم الأسقف:انظروا محمّدا في غد،فإن غدا بولده و أهله فاحذروا مباهلته،و إن غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء.

فلمّا كان الغد جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله آخذا بيد عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و الحسن عليه السّلام و الحسين عليه السّلام بين يديه يمشيان و فاطمة عليها السّلام تمشي خلفه،و خرج النّصارى يقدمهم أسقفهم،فلمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد أقبل بمن معه سأل عنهم، فقيل له:هذا ابن عمّه و زوج ابنته و أحبّ الخلق إليه، و هذان ابنا بنته من عليّ عليه السّلام،و هذه الجارية بنته فاطمة أعزّ النّاس عليه و أقربهم إلى قلبه.

فتقدّم رسول اللّه فجثا على ركبتيه،قال أبو حارثة الأسقف:جثا و اللّه كما جثا الأنبياء للمباهلة،فرجع و لم يقدم على المباهلة،فقال السّيّد:ادن يا أبا الحارثة للمباهلة،فقال:لا،إنّي لأرى رجلا جريئا على المباهلة و أنا أخاف أن يكون صادقا،و لئن كان صادقا لم يحل

ص: 28

و اللّه علينا الحول،و في الدّنيا نصرانيّ يطعم الماء.

فقال الأسقف:يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك،و لكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به،فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ألفي حلّة من حلل الأواقيّ،قسمة كلّ حلّة أربعون درهما،فما زاد و نقص فعلى حساب ذلك،و على عارية ثلاثين درعا و ثلاثين رمحا و ثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد،و رسول اللّه ضامن حتّى يؤدّيها،و كتب لهم بذلك كتابا.

و روي أنّ الأسقف قال لهم:إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا،و لا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة.

و قال النّبيّ: و الّذي نفسي بيده لو لا يلاعنوني لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم الوادي عليهم نارا، و لما حال الحول على النّصارى حتّى يهلكوا كلّهم.

قالوا:فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث السّيّد و العاقب إلاّ يسيرا حتّى رجعا إلى النّبيّ،و أهدى العاقب له حلّة و عصا و قدحا و نعلين و أسلما.[ثمّ ذكر في التّفسير نحو الطّوسيّ فراجع](1:451)

ابن الجوزيّ: قال المفسّرون:أراد بأبنائنا:فاطمة و الحسن و الحسين.

و روى مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقّاص قال:لمّا نزلت هذه الآية: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا،قال:«اللّهمّ هؤلاء أهلي».(1:399)

ابو الفتوح :[ذكر القصّة نحو ابن إسحاق و غيره إلى أن قال:]

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فيه قولان:

أحدهما:نتضرّع إلى اللّه في الدّعاء،و الابتهال:

التّضرّع،أي نتضرّع إلى اللّه تعالى ليجيب دعاءنا، و ينكّل بالكاذب منّا،و هو قول عبد اللّه بن عبّاس،و قال مقاتل:نخلص في الدّعاء،و قال الكلبيّ:نجتهد و ندأب فيه،و هذه الأقوال متقاربة.

و الثّاني:نلتعن و نقول:على الكاذب منّا لعنة اللّه، من قول العرب:عليه بهلة اللّه،و بهلته،أي لعنته،قال لبيد:

في قروم سادة من قومهم

نظر الدّهر إليهم فابتهل

أي دعا عليهم.

و يبدو أنّ هذا البيت-و إن استشهد به جمّ غفير من المفسّرين لهذا المعنى-شاهد للمعنى الأوّل،فهو من التّضرّع،أي تضرّع و ذلّ لهم.

[و قوله:] فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ عطف على قوله: ثُمَّ نَبْتَهِلْ، و لذا جزم،يعني نقول:

لعنة اللّه على الكاذب.(4:360)

الفخر الرّازيّ: [ذكر القصّة نحو الزّمخشريّ و أضاف بعد نقل رواية عائشة:]

و اعلم أنّ هذه الرّواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التّفسير و الحديث.[إلى أن قال:]

هذه الآية دالّة على أنّ الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،وعد أن يدعو أبناءه،فدعا الحسن و الحسين،فوجب أن يكونا ابنيه.

ص: 29

و ممّا يؤكّد هذا قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إلى قوله: وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى الأنعام:84،85،و معلوم أنّ عيسى عليه السّلام إنّما انتسب إلى إبراهيم عليه السّلام بالأمّ،لا بالأب؛فثبت أنّ ابن البنت قد يسمّى ابنا،و اللّه أعلم.[إلى أن قال:]

قوله: ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نتباهل،كما يقال:اقتتل القوم و تقاتلوا،و اصطحبوا و تصاحبوا.و الابتهال فيه وجهان:

أحدهما:أنّ الابتهال هو الاجتهاد في الدّعاء،و إن لم يكن باللّعن،و لا يقال:ابتهل في الدّعاء إلاّ إذا كان هناك اجتهاد.

و الثّاني:أنّه مأخوذ من قولهم:عليه بهلة اللّه،أي لعنته،و أصله مأخوذ ممّا يرجع إلى معنى اللّعن،لأنّ معنى اللّعن هو الإبعاد و الطّرد،و بهله اللّه،أي لعنه و أبعده من رحمته،من قولك:أبهله،إذا أهمله.و ناقة باهل، لا صرار عليها،بل هي مرسلة مخلاّة،كالرّجل الطّريد المنفيّ.

و تحقيق معنى الكلمة:أنّ«البهل»إذا كان هو الإرسال و التّخلية،فكان من بهله اللّه فقد خلاّه اللّه و وكله إلى نفسه،و من وكله إلى نفسه فهو هالك لا شكّ فيه،فمن باهل إنسانا فقال:على بهلة اللّه إن كان كذا، يقول:وكلني اللّه إلى نفسي و فوّضني إلى حولي و قوّتي، أي من كلاءته و حفظه،كالنّاقة الباهل الّتي لا حافظ لها في ضرعها،فكلّ من شاء حلبها و أخذ لبنها،لا قوّة لها في الدّفع عن نفسها.و يقال أيضا:رجل باهل،إذا لم يكن معه عصا،و إنّما معناه أنّه ليس معه ما يدفع عن نفسه.

و القول الأوّل أولى،لأنّه يكون قوله: ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي ثمّ نجتهد في الدّعاء،و نجعل اللّعنة على الكاذب.

و على القول الثّاني يصير التّقدير: ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي ثمّ نلتعن فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و هي تكرار.

بقي في الآية سؤالات أربع:

السّؤال الأوّل:الأولاد إذا كانوا صغارا،لم يجز نزول العذاب بهم،و قد ورد في الخبر أنّه صلوات اللّه عليه أدخل في المباهلة الحسن و الحسين عليهما السّلام،فما الفائدة فيه؟

و الجواب:إنّ عادة اللّه تعالى جارية بأنّ عقوبة الاستئصال إذا نزلت بقوم هلكت معهم الأولاد و النّساء، فيكون ذلك في حقّ البالغين عقابا،و في حقّ الصّبيان لا يكون عقابا،بل يكون جاريا مجرى إماتتهم،و إيصال الآلام و الأسقام إليهم.و معلوم أنّ شفقة الإنسان على أولاده و أهله شديدة جدّا،فربّما جعل الإنسان نفسه فداء لهم و جنّة لهم،و إذا كان كذلك:فهو عليه السّلام أحضر صبيانه و نساءه مع نفسه،و أمرهم بأن يفعلوا مثل ذلك، ليكون ذلك أبلغ في الزّجر و أقوى في تخويف الخصم، و أدلّ على وثوقه صلوات اللّه عليه و على آله،بأنّ الحقّ معه.

السّؤال الثّاني:هل دلّت هذه الواقعة على صحّة نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم؟

الجواب:إنّها دلّت على صحّة نبوّته عليه السّلام من وجهين:

أحدهما:و هو أنّه عليه السّلام خوّفهم بنزول العذاب عليهم،و لو لم يكن واثقا بذلك،لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه لأنّ بتقدير:أن يرغبوا في مباهلته،ثمّ

ص: 30

لا ينزل العذاب،فحينئذ كان يظهر كذبه فيما أخبر.

و معلوم أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كان من أعقل النّاس،فلا يليق به أن يعمل عملا يفضي إلى ظهور كذبه،فلمّا أصرّ على ذلك،علمنا أنّه إنّما أصرّ عليه لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم.

و ثانيهما:إنّ القوم لمّا تركوا مباهلته،فلو لا أنّهم عرفوا من التّوراة و الإنجيل ما يدلّ على نبوّته،و إلاّ لما أحجموا عن مباهلته.

فان قيل:لم لا يجوز أن يقال:إنّهم كانوا شاكّين، فتركوا مباهلته خوفا من أن يكون صادقا،فينزل بهم ما ذكر من العذاب؟

قلنا:هذا مدفوع من وجهين:

الأوّل:أنّ القوم كانوا يبذلون النّفوس و الأموال في المنازعة مع الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،و لو كانوا شاكّين لما فعلوا ذلك.

الثّاني:إنّه قد نقل عن أولئك النّصارى أنّهم قالوا:

إنّه و اللّه هو النّبيّ المبشّر به في التّوراة و الإنجيل،و إنّكم لو باهلتموه لحصل الاستئصال،فكان ذلك تصريحا منهم بأنّ الامتناع عن المباهلة كان لأجل علمهم بأنّه نبيّ مرسل من عند اللّه تعالى.

السّؤال الثّالث:أ ليس أنّ بعض الكفّار اشتغلوا بالمباهلة مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم؟حيث قالوا: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ الأنفال:32،ثمّ إنّه لم ينزل العذاب بهم البتّة،فكذا هاهنا،و أيضا فبتقدير نزول العذاب،كان ذلك مناقضا لقوله: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ؟ الأنفال:33.

و الجواب:الخاصّ مقدّم على العامّ،فلمّا أخبر عليه السّلام بنزول العذاب في هذه السّورة على التّعيين،وجب أن يعتقد أنّ الأمر كذلك.

[ثمّ ذكر السّؤال الرّابع في اتّصال قوله إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ آل عمران:62 بما قبله فلاحظ]

(8:85)

نحوه النّيسابوريّ.(3:212)

ابن عربيّ: إنّ لمباهلة الأنبياء تأثيرا عظيما، سببه اتّصال نفوسهم بروح القدس،و تأييد اللّه إيّاهم به،و هو المؤثّر بإذن اللّه في العالم العنصريّ،فيكون انفعال العالم العنصريّ منه كانفعال بدننا من روحنا، بالهيئات الواردة عليه،كالغضب،و الحزن،و الفكر في أحوال المعشوق،و غير ذلك من تحرّك الأعضاء عند حدوث الإرادات و العزائم،و انفعال النّفوس البشريّة منه كانفعال حواسّنا،و سائر قوانا من هيئات أرواحنا.

فإذا اتّصل نفس قدسيّ به أو ببعض أرواح الأجرام السّماويّة و النّفوس الملكوتيّة،كان تأثيرها في العالم عند التّوجّه الاتّصاليّ تأثير ما يتّصل به،فتنفعل أجرام العناصر و النّفوس النّاقصة الإنسانيّة منه بما أراد.أ لم تر كيف انفعلت نفوس النّصارى من نفسه عليه السّلام بالخوف، و أحجمت عن المباهلة و طلبت الموادعة،بقبول الجزية!

(1:193)

القرطبيّ: (أَبْناءَنا) دليل على أنّ أبناء البنات يسمّون أبناء؛و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جاء بالحسن و الحسين، و فاطمة تمشي خلفه و عليّ خلفها،و هو يقول لهم:«إن أنا دعوت فأمّنوا»و هو معنى قوله: ثُمَّ نَبْتَهِلْ. [إلى أن

ص: 31

قال:]

هذه الآية من أعلام نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه دعاهم إلى المباهلة،فأبوا منها و رضوا بالجزية،بعد أن أعلمهم كبيرهم العاقب أنّهم إن باهلوه اضطرم عليهم الوادي نارا،فإنّ محمّدا نبيّ مرسل،و لقد تعلمون أنّه جاءكم بالفصل في أمر عيسى.

فتركوا المباهلة و انصرفوا إلى بلادهم،على أن يؤدّوا في كلّ عام ألف حلّة في صفر و ألف حلّة في رجب، فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على ذلك بدلا من الإسلام.

قال كثير من العلماء:إنّ قوله عليه السّلام في الحسن و الحسين عليهما السّلام لمّا باهل: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ و قوله في الحسن:«إنّ ابني هذا سيّد»مخصوص بالحسن و الحسين أن يسمّيا ابني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دون غيرهما، لقوله عليه السّلام:«كلّ سبب و نسب ينقطع يوم القيامة إلاّ نسبي و سببي»،و لهذا قال بعض أصحاب الشّافعيّ فيمن أوصى لولد فلان و لم يكن له ولد لصلبه و له ولد ابن و ولد ابنة:إنّ الوصيّة لولد الابن دون ولد الابنة؛و هو قول الشّافعيّ.(4:104)

أبو حيّان :أي يدعو كلّ منّي و منكم أبناءه و نساءه و نفسه إلى المباهلة،و ظاهر هذا أنّ الدّعاء و المباهلة بين المخاطب ب(قل)و بين من حاجّه.و فسّر على هذا الوجه «الأبناء»بالحسن و الحسين،و ب«نسائه»فاطمة، و«الأنفس»بعليّ.

قال الشّعبيّ: و يدلّ على أنّ ذلك مختصّ بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مع من حاجّه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث سعد ابن أبي وقّاص،قال:لمّا نزلت هذه الآية: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فاطمة و حسنا و حسينا،فقال:«اللّهمّ هؤلاء أهلي».

و قال قوم:المباهلة كانت عليه و على المسلمين، بدليل ظاهر قوله: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ على الجمع، و لمّا دعاهم دعا بأهله الّذين في حوزته.و لو عزم نصارى نجران على المباهلة و جاءوا لها،لأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المسلمين أن يخرجوا بأهاليهم لمباهلته.

و قيل:المراد ب (أَنْفُسَنا) :الإخوان،قاله ابن قتيبة، قال تعالى: وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ الحجرات:11،أي إخوانكم.

و قيل:أهل دينه،قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.و قيل:

الأزواج.

و قيل:أراد القرابة القريبة،ذكرهما عليّ بن أحمد النّيسابوريّ.[إلى أن قال:]

و قد طوّل المفسّرون بما رووا في قصّة المباهلة و مضمونها أنّه دعاهم إلى المباهلة،و خرج بالحسن و الحسين و فاطمة و عليّ إلى الميعاد،و أنّهم كفّوا عن ذلك و رضوا بالإقامة على دينهم و أن يؤدّوا الجزية، و أخبرهم أحبارهم أنّهم إن باهلوا عذّبوا.و أخبر هو صلّى اللّه عليه و سلّم أنّهم إن باهلوا عذّبوا.

و في ترك النّصارى الملاعنة لعلمهم بنبوّته شاهد عظيم على صحّة نبوّته.[إلى أن قال:]

و في الآية دليل على المظاهرة بطريق الإعجاز،على من يدّعي الباطل بعد وضوح البرهان بطريق القياس.

[ثمّ قال مطالب يأتي في«ن ف س»،إلى أن قال:]

ص: 32

قيل:و في هذه الآية (1)ضروب من البلاغة...منها:

العامّ يراد به الخاصّ في: نَدْعُ أَبْناءَنا، و التّجوّز بإقامة ابن العمّ مقام النّفس،على أشهر الأقوال، و الحذف في مواضع كثيرة.(2:479-481)

ابن كثير :[روى القصص بطولها و اختلافها عن ابن إسحاق و غيره،فلاحظ](2:47-52)

أبو السّعود : نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ اكتفي بهم عن ذكر البنات،لظهور كونهم أعزّ منهنّ.و أمّا النّساء فتعلّقهنّ من جهة أخرى. وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ أي ليدع كلّ منّا و منكم نفسه و أعزّة أهله و ألصقهم بقلبه إلى المباهلة و يحملهم عليها.

و تقديمهم على«النّفس»في أثناء المباهلة الّتي هي من باب المهالك و مظانّ التّلف،مع أنّ الرّجل يخاطر لهم بنفسه،و يحارب دونهم،للإيذان بكمال أمنه عليه الصّلاة و السّلام،و تمام ثقته بأمره،و قوّة يقينه بأنّه لن يصيبهم في ذلك شائبة مكروه أصلا،و هو السّرّ في تقديم جانبه عليه السّلام على جانب المخاطبين في كلّ من المقدّم و المؤخّر مع رعاية الأصل في الصّيغة.فإنّ غير المتكلّم تبع له في الإسناد.[ثمّ قال في معنى الابتهال و في نقل القصّة نحو ما مضى عن ابن الزّبير و الواحديّ و الزّمخشريّ](1:378)

القاسميّ: [ذكر تنبيهات-و هي قول القاشانيّ و قول ابن كثير في نقله الرّوايات و قول الزّمخشريّ:فإن قلت:...إلخ-ثمّ أضاف:]

الرّابع:استنبط من الآية جواز المحاجّة في أمر الدّين، و أنّ من جادل و أنكر شيئا من الشّريعة جازت مباهلته اقتداء بما أمر به صلّى اللّه عليه و سلّم.و المباهلة:الملاعنة.

قال الكازرونيّ في تفسيره:وقع البحث عند شيخنا العلاّمة الدّوانيّ قدّس اللّه سرّه في جواز المباهلة بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فكتب رسالة في شروطها المستنبطة من الكتاب و السّنّة و الآثار،و كلام الأئمّة،و حاصل كلامه فيها:أنّها لا تجوز إلاّ في أمر مهمّ شرعا،وقع فيه اشتباه و عناد لا يتيسّر دفعه إلاّ بالمباهلة،فيشترط كونها بعد إقامة الحجّة و السّعي في إزالة الشّبهة،و تقديم النّصح و الإنذار و عدم نفع ذلك،و مساس الضّرورة إليها.

قال الإمام صدّيق خان في تفسيره:و قد دعا الحافظ ابن القيّم،رحمه اللّه،من خالفه في مسألة صفات الرّبّ تعالى شأنه و إجرائها على ظواهرها من غير تأويل و لا تحريف و لا تعطيل،إلى المباهلة بين الرّكن و المقام، فلم يجبه إلى ذلك و خاف سوء العاقبة.و تمام هذه القصّة مذكور في أوّل كتابه المعروف ب«النّونيّة»،انتهى.

و قد ذكر في«زاد المعاد»في فصل فقه قصّة وفد نجران ما نصّه:و منها:أنّ السّنّة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجّة اللّه و لم يرجعوا بل أصرّوا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة،و قد أمر اللّه سبحانه بذلك رسوله،و لم يقل:إنّ ذلك ليس لأمّتك من بعدك.و دعا إليه ابن عمّه عبد اللّه بن عبّاس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع،و لم ينكر عليه الصّحابة،و دعا إليه الأوزاعيّ سفيان الثّوريّ في مسألة رفع اليدين و لم ينكر عليه ذلك،و هذا من تمام الحجّة،انتهى.(4:857-860)ة.

ص: 33


1- المراد:الآيات 55 إلى 61 من آل عمران،و قد نقلنا موضع الحاجة.

رشيد رضا: يقال:ابتهل الرّجل:دعا و تضرّع، و القوم:تلاعنوا.و فسّر الابتهال هنا بقوله: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ، و تسمّى هذه الآية آية المباهلة.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات الّتي لم نذكرها إلى أن قال:]

و أخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمّد عن أبيه:

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... فجاء بأبي بكر و ولده و بعمر و ولده و بعثمان و ولده و بعليّ و ولده.

و الظّاهر أنّ الكلام في جماعة المؤمنين.

قال الأستاذ الإمام:الرّوايات متّفقة على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم اختار للمباهلة عليّا و فاطمة و ولديهما، و يحملون كلمة (نِساءَنا) على فاطمة،و كلمة (أَنْفُسَنا) على عليّ فقط،و مصادر هذه الرّوايات الشّيعة و مقصدهم منها معروف.

و قد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّى راجت على كثير من أهل السّنّة.و لكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية،فإنّ كلمة (نِساءَنا) لا يقولها العربيّ و يريد بها بنته لا سيّما إذا كان له أزواج،و لا يفهم هذا من لغتهم؛و أبعد من ذلك أن يراد ب (أَنْفُسَنا) عليّ عليه الرّضوان.

ثمّ إنّ وفد نجران الّذين قالوا:إنّ الآية نزلت فيهم لم يكن معهم نساؤهم و أولادهم.

و كلّ ما يفهم من الآية أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يدعو المحاجّين و المجادلين في عيسى[عليه السّلام]من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالا و نساء و أطفالا،و يجمع هو المؤمنين رجالا و نساء و أطفالا،و يبتهلون إلى اللّه تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى[عليه السّلام].

و هذا الطّلب يدلّ على قوّة يقين صاحبه و ثقته بما يقول،كما يدلّ امتناع من دعوا إلى ذلك من أهل الكتاب سواء كانوا نصارى نجران أو غيرهم على امترائهم في حجاجهم و مماراتهم فيما يقولون و زلزالهم فيما يعتقدون و كونهم على غير بيّنة و لا يقين.

و أنّى لمن يؤمن باللّه أن يرضى بأن يجتمع مثل هذا الجمع من النّاس المحقّين و المبطلين في صعيد واحد.

متوجّهين إلى اللّه تعالى في طلب لعنه و إبعاده من رحمته؟ و أيّ جراءة على اللّه و استهزاء بقدرته و عظمته أقوى من هذا؟

قال:أمّا كون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين كانوا على يقين ممّا يعتقدون في عيسى[عليه السّلام]،فحسبنا في بيانه قوله تعالى:

مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فالعلم في هذه المسائل الاعتقاديّة لا يراد به إلاّ اليقين.

و في قوله: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ إلخ وجهان:

أحدهما:أنّ كلّ فريق يدعو الآخر فأنتم تدعون أبناءنا و نحن ندعو أبناءكم،و هكذا الباقي.

و ثانيهما:أنّ كلّ فريق يدعو أهله،فنحن المسلمين ندعو أبناءنا و نساءنا و أنفسنا و أنتم كذلك.و لا إشكال في وجه من وجهي التّوزيع في دعوة الأنفس،و إنّما الإشكال فيه على قول الشّيعة و من شايعهم على القول بالتّخصيص.(3:321)

نحوه المراغيّ.(3:172)

عزّة دروزة :[نحو رشيد رضا ثمّ أضاف بعد نقل الحديث الّذي أخرجه ابن عساكر]

ص: 34

حيث يلوح من هذا أنّ بعض أهل السّنّة أراد مقابلة حديث الشّيعة بحديث مناقض.و مثل هذا شيء كثير في كتب الحديث،و بخاصّة في غير مساند الأحاديث الصّحيحة.و ابن هشام الّذي يروي خبر ما كان بين النّبيّ و وفد نجران بالتّفصيل،و يورد آيات سورة آل عمران في سياق ذلك لم يذكر ذلك،و كلّ ما قاله:إنّ النّبيّ دعاهم إلى الملاعنة و المباهلة،فاستمهلوه لينظروا في الأمر،ثمّ غدوا عليه فقالوا له:يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك.

و ابن كثير المحدّث المفسّر لم يرو ذلك أيضا مع أنّه كثيرا ما نقل عن الطّبريّ،و إنّما روى ما يقارب ما رواه ابن هشام.و لهذا فنحن نتوقّف في الرّوايات الّتي تذكر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استعدّ فعلا للمباهلة،و لا نرى الآية تتحمّل استنباط ذلك،لأنّها جاءت بأسلوب التّحدّي و الإفحام، و اللّه أعلم.(8:109)

سيّد قطب :و قد دعا الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من كانوا يناظرونه في هذه القضيّة إلى هذا الاجتماع الحاشد، ليبتهل الجميع إلى اللّه أن ينزل لعنته على الكاذب من الفريقين.فخافوا العاقبة و أبوا المباهلة،و تبيّن الحقّ واضحا.

و لكنّهم فيما ورد من الرّوايات لم يسلموا احتفاظا بمكانتهم من قومهم،و بما كان يتمتّع به رجال الكنيسة من سلطان و جاه و مصالح و نعيم!!و ما كانت البيّنة هي الّتي يحتاج إليها من يصدّون عن هذا الدّين إنّما هي المصالح و المطامع و الهوى،يصدّ النّاس عن الحقّ الواضح الّذي لا خفاء فيه.(1:405)

عبد الكريم الخطيب :لقد عاشت أجيال النّصارى نحو سبعة قرون قبل مبعث النّبيّ الكريم،و هم على هذا المعتقد في المسيح عليه السّلام،و أنّه هو اللّه،تجسّد في بطن عذراء.

و إنّه لمن العسير أن يتخلّصوا من هذا المعتقد الّذي دانوا به،و أقاموا له بناء ضخما من المنطق العاطفيّ،الّذي امتزج بتفكيرهم،و اختلط بمشاعرهم.و هيهات -و الأمر كذلك-أن يستمعوا إلى قول يخالف ما قالوا، و أن يتصوّروا المسيح على غير الصّورة الّتي انطبعت في كيانهم.

و إذن،فالحديث إليهم بمنطق العقل لا يجدي شيئا، و إقامة البراهين و الحجج بين أيديهم لتفنيد ما زعموا، سيلقونها ببراهين و حجج،و إنّه لا محصّل لهذا إلاّ المماحكة و الجدل،و اتّساع شقّة الخلاف و الخصام.

و إذ كان الأمر كذلك،فلا جدال مع أتباع المسيح فيما يقولون فيه،فإن جاءوا إلى النّبيّ الكريم يجادلونه و يحاجّونه،فلا يلقاهم النّبيّ بجدال و حجاج؛إذ خرج الأمر فيه عن العقل و منطقه،عند أتباعه،و صار إلى الوجدان و العاطفة...فليكن مقطع الحقّ في هذا الموقف، أن يصار فيه إلى الأسلوب العمليّ الملموس الّذي يجابه الحواسّ،و يؤثّر آثاره فيها؛بحيث يعلّق الأثر بمن وقع عليه،و يجد مذاقه الحلو أو المرّ في نفسه.

و جاء وفد من نصارى نجران،بعد أن أداروا الأمر فيما بينهم،و أعدّوا له العدّة،جاءوا يحاجّون النّبيّ في «المسيح»بما عندهم من مقولات فيه،و هم يريدون أن يسقطوا ما تلقّى من كلمات اللّه في المسيح و في أمّه،و بذلك تسقط دعوى النّبيّ كلّها بأنّه رسول من عند اللّه،و أنّ

ص: 35

ما بين يديه من قرآن هو من عند اللّه.

و أخذ النّبيّ-كما أمره اللّه-الطّريق عليهم،فدعاهم إلى أن يدخلوا معه في تجربة عمليّة،هي أبلغ من كلّ قول،و أقوى من كلّ حجّة، تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61.

و لقد خرج النّبيّ الكريم بنفسه،و بابنته فاطمة، و ولديها الحسن و الحسين،و بنسائه جميعا،و طلب إلى هذا الوفد أن يلقوه بأنفسهم،و بأبنائهم و بنسائهم،و أن يبتهلوا جميعا-هو و من معه،و هم و من معهم-إلى اللّه:

أن يجعل لعنته على الكاذب من الفريقين،فيما يقول عن عيسى من مقولات!

و تدبّر الوفد الأمر فيما بينهم،و أداروه على جميع وجوهه،و نظروا إلى أنفسهم،و إلى أبنائهم و نسائهم، فرأوا أنّ الأمر قد صار إلى الجدّ،و أنّهم مبتلون في أنفسهم و أهليهم.و هنا أعادوا النّظر فيما بين أيديهم من أمر المسيح،فرأوا أنّ حجّتهم واهية،و أنّ يقينهم الّذي استيقنوه منه مشوب بشكّ يكاد يغلب هذا اليقين،و بدا لهم أنّ مصرعهم و شيك هم و أهليهم إن هم باهلوا النّبيّ، و أنّ دعوتهم على أنفسهم باللّعنة إن أخطأتهم،فلن تخطئهم دعوة النّبيّ الّتي لا تردّ.فتركوا ما جاءوا له، و عادوا من حيث أتوا،و في قلب كلّ منهم وسواس،و في كيانه صراع عاصف،بين الحقّ الّذي رآه،و الباطل الّذي يعيش فيه.(2:483)

محمّد جواد مغنيّة: هذه هي الآية المعروفة بآية المباهلة،و هي من أمّهات الكتاب.

و القصد الأوّل من هذه الآية الكريمة العظيمة هو تدعيم الدّين الحنيف،و إثبات الرّسالة المحمّديّة الإنسانيّة،بطريق لا عهد به للعلم و العلماء،و لا يقدر عليه أحد على الإطلاق سوى خالق الأرض و السّماء، و مع ذلك يفهمه بسهولة و يسر الجاهل و العالم...

ترتبط هذه الآية بالسّنة التّاسعة لهجرة الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة،و هي السّنة المعروفة بعام الوفود،لأنّ النّاس توافدت فيه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من شتّى بقاع الجزيرة العربيّة،يخطبون ودّه بعد أن أعلى اللّه كلمة الإسلام و نصر المسلمين على أعداء الدّين.[ثمّ نقل القصّة نحو ما سبق عن ابن إسحاق بإيجاز،إلى أن قال:]

و صدق هذه الرّواية لا يحتاج إلى دليل،لأنّها بنفسها تدلّ على صدقها،و تحمل قياسها معها،كما يقول أهل المنطق:إنّ أكثر الّذين أنكروا الحقّ و عاندوه كان الدّافع إلى موقفهم المصالح الخاصّة،و المنافع الشّخصيّة، كما شرحنا ذلك مفصّلا عند الآية(54)من هذه السّورة، فقرة«الحقّ و أرباب المنافع».

ناظر الرّسول وفد نجران في صفات عيسى، و جادلهم بالحجّة الدّامغة،و المنطق السّليم بما لا يقبل المزيد.و لمّا أصرّوا على العناد قطع الكلام معهم،و أنهى المناظرة،و دعاهم إلى ما لا يشبه شيئا،و لا يشبهه شيء من الحجاج و النّقاش،و لكنّه يحسم الموقف بسرعة، و يستأصل النّزاع من الجذور.دعاهم إلى التّفوّه بكلمة واحدة فقط لا يقدم عليها في تلك اللّحظة إلاّ من كان على يقين من صدقه،و لا يحجم عنها إلاّ من كان عالما

ص: 36

بكذبه.و هذه الكلمة هي لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ و لكنّها تقترن بمعجزة خارقة،دونها معجزات المسيح مجتمعة؛حيث تنهال على رأس الكاذب صاعقة من السّماء،تملأ الأرض عليه نارا.

و قد تواترت الرّوايات في كتب الحديث و التّفسير، و منها صحيح مسلم و التّرمذيّ،و تفسير الطّبريّ، و الرّازيّ،و البحر المحيط،و غرائب القرآن،و روح البيان،و المنار،و المراغيّ،و غيرها كثير،تواترت الرّوايات أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله خرج،و عليه مرط-أي كساء غير مخيط-أسود،و قد احتضن الحسين،و أخذ بيد الحسن،و فاطمة و عليّ يمشيان خلفه،و هو يقول:إذا دعوت فأمّنوا،فقال الرّئيس الدّينيّ للوفد:يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوها لو دعت اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله،فلا تباهلوا فتهلكوا،ثمّ قال:

يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك.فقال لهم:أسلموا فأبوا، ثمّ صالحهم على أن يؤدّوا الجزية.

و عاد الوفد مخذولا مرذولا،يجرّ وراءه ثوب الفشل و الخزي،و آمن بعد هذه المباهلة كثير من الّذين لم يكونوا قد آمنوا بعد،كما ازداد المؤمنون إيمانا و تسليما.

(2:76)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ المتكلّم مع الغير في قوله: (نَدْعُ) ،غيره في قوله: (أَبْناءَنا) و (نِساءَنا) و (أَنْفُسَنا) فإنّه في الأوّل مجموع المتخاصمين من جانب الإسلام و النّصرانيّة،و في الثّاني و ما يلحق به من جانب الإسلام،و لذا كان الكلام في معنى قولنا:ندع الأبناء و النّساء و الأنفس،فندعو نحن أبناءنا و نساءنا و أنفسنا،و تدعون أنتم أبناءكم و نساءكم و أنفسكم،ففي الكلام إيجاز لطيف.

و المباهلة و الملاعنة و إن كانت بحسب الظّاهر كالمحاجّة بين رسول اللّه و بين رجال النّصارى،لكن عمّمت الدّعوة للأبناء و النّساء ليكون أدلّ على اطمينان الدّاعي بصدق دعواه،و كونه على الحقّ لما أودعه اللّه سبحانه في قلب الإنسان من محبّتهم و الشّفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه،و يركب الأهوال و المخاطرات دونهم،و في سبيل حمايتهم و الغيرة عليهم و الذّبّ عنهم،و لذلك بعينه قدّم الأبناء على النّساء،لأنّ محبّة الإنسان بالنّسبة إليهم أشدّ و أدوم.

و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسّرين:أنّ المراد بقوله: نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ إلخ،ندع نحن أبناءكم و نساءكم و أنفسكم،و تدعوا أنتم أبناءنا و نساءنا و أنفسنا؛و ذلك لإبطاله ما ذكرناه من وجه تشريك الأبناء و النّساء في المباهلة.

و في تفصيل التّعداد دلالة أخرى على اعتماد الدّاعي و ركونه إلى الحقّ،كأنّه يقول:ليباهل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة اللّه على الكاذبين حتّى يشمل اللّعن و العذاب الأبناء و النّساء و الأنفس،فينقطع بذلك دابر المعاندين،و ينبت أصل المبطلين.

و بذلك يظهر أنّ الكلام لا يتوقّف في صدقه على كثرة الأبناء و لا على كثرة النّساء و لا على كثرة الأنفس، فإنّ المقصود الأخير أن يهلك أحد الطّرفين بمن عنده من صغير و كبير،و ذكور و إناث،و قد أطبق المفسّرون

ص: 37

و اتّفقت الرّواية و أيّده التّاريخ:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حضر للمباهلة و لم يحضر معه إلاّ عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم السّلام ،فلم يحضر لها إلاّ نفسان و ابنان و امرأة واحدة،و قد امتثل أمر اللّه سبحانه فيها.

على أنّ المراد من لفظ الآية أمر،و المصداق الّذي ينطبق عليه الحكم بحسب الخارج أمر آخر،و قد كثر في القرآن الحكم أو الوعد و الوعيد للجماعة؛و مصداقه بحسب شأن النّزول واحد،كقوله تعالى: اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ المجادلة:

2،و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا المجادلة:3،و قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران:181،و قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ البقرة:219؛إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي وردت بلفظ«الجمع»و مصداقها بحسب شأن النّزول«مفرد».

قوله تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ الابتهال:من البهلة بالفتح و الضّمّ،و هي اللّعنة.هذا أصله ثمّ كثر استعماله في الدّعاء و المسألة إذا كان مع إصرار و إلحاح.

و قوله: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ، كالبيان للابتهال، و قد قيل:فنجعل،و لم يقل:فنسأل،إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة؛حيث يمتاز بها الحقّ من الباطل،على طريق التّوقّف و الابتناء.

و قوله: (الْكاذِبِينَ) مسوق سوق العهد دون الاستغراق أو الجنس؛إذ ليس المراد جعل اللّعنة على كلّ كاذب أو على جنس الكاذب بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي المحاجّة الواقعة بينه صلّى اللّه عليه و آله و بين النّصارى؛ حيث قال صلّى اللّه عليه و آله:إنّ اللّه لا إله غيره و إنّ عيسى عبده و رسوله،و قالوا:إنّ عيسى هو اللّه أو إنّه ابن اللّه أو إنّ اللّه ثالث ثلاثة.

و على هذا فمن الواضح أن لو كانت الدّعوى و المباهلة عليها بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بين النّصارى،أعني كون أحد الطّرفين مفردا و الطّرف الآخر جمعا،كان من الواجب التّعبير عنه بلفظ يقبل الانطباق على المفرد و الجمع معا،كقولنا:فنجعل لعنة اللّه على من كان كاذبا، فالكلام يدلّ على تحقّق كاذبين،بوصف الجمع في أحد طرفي المحاجّة.

و المباهلة على أيّ حال:إمّا في جانب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إمّا في جانب النّصارى،و هذا يعطي أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدّعوى،فإنّ الكذب لا يكون إلاّ في دعوى،فلمن حضر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هم عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم السّلام شركة في الدّعوى و الدّعوة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و هذا من أفضل المناقب الّتي خصّ اللّه به أهل بيت نبيّه عليهم السّلام،كما خصّهم باسم الأنفس و النّساء و الأبناء لرسوله صلّى اللّه عليه و آله من بين رجال الأمّة و نسائهم و أبنائهم.

فإن قلت:قد مرّ أنّ القرآن يكثر إطلاق لفظ «الجمع»في مورد المفرد،و أنّ إطلاق النّساء في الآية مع كون من حضرت منهنّ للمباهلة منحصرة في فاطمة عليها السّلام،فما المانع من تصحيح استعمال لفظ الكاذبين بهذا النّحو؟

ص: 38

قلت:إنّ بين المقامين فارقا و هو أنّ إطلاق الآيات لفظ الجمع في مورد المفرد إنّما هو لكون الحقيقة الّتي تبيّنها أمرا جائز التّحقّق من كثيرين يقضي ذلك بلحوقهم بمورد الآية في الحكم،و أمّا فيما لا يجوز ذلك لكون مورد الآية ممّا لا يتعدّاه الحكم،و لا يشمل غيره الوصف فلا ريب في عدم جوازه،نظير قوله تعالى: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ الأحزاب:37،و قوله تعالى: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103، و قوله تعالى: إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ إلى أن قال: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الأحزاب:50.

و أمر المباهلة في الآية ممّا لا يتعدّى مورده و هو مباهلة النّبيّ مع النّصارى،فلو لم يتحقّق في المورد مدّعون بوصف الجمع في كلا الطّرفين،لم يستقم قوله:

(الْكاذِبِينَ) بصيغة الجمع البتّة.

فإن قلت:كما أنّ النّصارى الوافدين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحاب دعوى،و هي أنّ المسيح هو اللّه أو ابن اللّه أو هو ثالث ثلاثة،من غير فرق بينهم أصلا،و لا بين نسائهم و بين رجالهم في ذلك،كذلك الدّعوى الّتي كانت في جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هي:أنّ اللّه لا إله إلاّ هو،و أنّ عيسى بن مريم عبده و رسوله،كان القائمون بها جميع المؤمنين من غير اختصاص فيه بأحد من بينهم حتّى بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلا يكون لمن أحضره فضل على غيره غير أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحضر من أحضر منهم على سبيل الأنموذج،لما اشتملت عليه الآية من الأبناء و النّساء و الأنفس،على أنّ الدّعوى غير الدّعوة،و قد ذكرت أنّهم شركاء في الدّعوة.

قلت:لو كان إتيانه بمن أتى به على سبيل الأنموذج، لكان من اللاّزم أن يحضر على الأقلّ رجلين و نسوة و أبناء ثلاثة،فليس الإتيان بمن أتى به إلاّ للانحصار،و هو المصحّح لصدق الامتثال،بمعنى أنّه لم يجد من يمتثل في الإتيان به أمره تعالى إلاّ من أتى و هو رجل و امرأة و ابنان.

و إنّك لو تأمّلت القصّة وجدت أنّ وفد نجران من النّصارى إنّما وفدوا على المدينة ليعارضوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يحاجّوه في أمر عيسى بن مريم،فإنّ دعوى أنّه عبد اللّه و رسوله إنّما كانت قائمة به مستندة إلى الوحي الّذي كان يدّعيه لنفسه.و أمّا الّذين اتّبعوه من المؤمنين فما كان للنّصارى بهم شغل،و لا لهم في لقائهم هوى،كما يدلّ على ذلك قوله تعالى في صدر الآية: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ آل عمران:61، و كذا قوله تعالى-قبل عدّة آيات-: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ آل عمران:20.

و من هنا يظهر أنّ إتيان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمن أتى به للمباهلة،لم يكن إتيانا بنحو الأنموذج؛إذ لا نصيب للمؤمنين من حيث مجرّد إيمانهم في هذه المحاجّة و المباهلة حتّى يعرضوا للّعن و العذاب المتردّد بينهم و بين خصمهم.و إنّما أتى صلّى اللّه عليه و آله بمن أتى به من جهة أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان طرف المحاجّة و المداعاة،فكان من حقّه أن يعرض نفسه للبلاء المترقّب على تقدير الكذب.فلو لا أنّ الدّعوى

ص: 39

كانت قائمة بمن أتى به منهم كقيامها بنفسه الشّريفة، لم يكن لإتيانه بهم وجه.فإتيانه بهم من جهة انحصار من هو قائم بدعواه من الأبناء و النّساء و الأنفس بهم، لا من جهة الإتيان بالأنموذج،فقد صحّ أنّ الدّعوى كانت قائمة بهم كما كانت قائمة به.

ثمّ إنّ النّصارى إنّما قصدوه صلّى اللّه عليه و آله لا لمجرّد أنّه كان يرى أنّ عيسى بن مريم عليه السّلام عبد اللّه و رسوله و يعتقد ذلك،بل لأنّه كان يدّعيه و يدعوهم إليه؛فالدّعوة هي السّبب العمدة الّتي بعثهم على الوفود و المحاجّة.فحضوره و حضور من حضر معه للمباهلة لمكان الدّعوى و الدّعوة معا،فقد كانوا شركاءه في الدّعوة الدّينيّة كما شاركوه في الدّعوى،كما ذكرناه.

فإن قلت:هب إنّ إتيانه بهم لكونهم منه،و انحصار هذا الوصف بهم لكنّ الظّاهر-كما تعطيه العادة الجارية- أنّ إحضار الإنسان أحبّائه و أفلاذ كبده من النّساء و الصّبيان في المخاطر و المهاول دليل على وثوقه بالسّلامة و العافية و الوقاية،فلا يدلّ إتيانه صلّى اللّه عليه و آله بهم على أزيد من ذلك،و أمّا كونهم شركاء في الدّعوة،فهو بمعزل عن أن يدلّ عليه فعله.

قلت:نعم صدر الآية لا يدلّ على أزيد ممّا ذكر، لكنّك قد عرفت أنّ ذيلها،أعني قوله: عَلَى الْكاذِبِينَ، يدلّ على تحقّق كاذبين في أحد طرفي المحاجّة و المباهلة البتّة،و لا يتمّ ذلك إلاّ بأن يكون في كلّ واحد من الطّرفين جماعة صاحبة دعوى إمّا صادقة أو كاذبة،فالّذين أتى بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مشاركون معه في الدّعوى و في الدّعوة كما تقدّم،فقد ثبت أنّ الحاضرين كانوا بأجمعهم صاحبي دعوى و دعوة معه صلّى اللّه عليه و آله، و شركاء في ذلك.

فإن قلت:لازم ما ذكرته كونهم شركاء في النّبوّة.

قلت:كلاّ فقد تبيّن (1)فيما أسلفناه من مباحث النّبوّة أنّ«الدّعوة و التّبليغ»ليسا بعين النّبوّة و البعثة و إن كانا من شئونها و لوازمها،و من المناصب و المقامات الإلهيّة الّتي يتقلّدها،و كذا تبيّن ممّا تقدّم (2)من مبحث الإمامة أيضا أنّهما ليسا بعين الإمامة و إن كانا من لوازمها بوجه.

(3:223)

مكارم الشّيرازيّ: «المباهلة»من البهل،بمعنى التّرك و رفع القيد.و من ذلك كانت«الباهل»هي النّاقة المخلّى ضرعها مكشوفا،يرضع منه وليدها كيفما شاء.

و الابتهال في الدّعاء:الاسترسال فيه،و التّضرّع إلى اللّه.أمّا تفسير الابتهال باللّعن و الموت و البعد عن اللّه، فذلك لأنّ هذه الأمور من نتائج ترك اللّه العبد و شأنه.

هذا هو معنى«المباهلة»من حيث أصلها.

أمّا المفهوم المستفاد من الآية فهو تبادل اللّعن؛و ذلك بأن يجتمع المتجادلون في أمر دينيّ في مكان ما و يتضرّعون إلى اللّه أن يفضح الكاذب،و ينزل عقابه به.

في هذه الآية يخاطب اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله قائلا:إذا استمرّ أحد في مجادلتك بعد هذه الاستدلالات البيّنة بشأن عيسى،فادعه إلى المباهلة حتّى يأتي بأبنائه و نسائه،و ادع أنت أيضا أبناءك و نساءك،و تضرّعوا إلىل.

ص: 40


1- في تفسير آية(213)من سورة البقرة من المجلّد الثّاني.
2- في تفسير آية(124)من سورة البقرة من المجلّد الأوّل.

اللّه أن يفضح الكاذب.

لعلّ قضيّة المباهلة بهذا الشّكل لم تكن معروفة عند العرب،بل كانت أسلوبا يبيّن صدق النّبيّ و إيمانه بشكل قاطع؛إذ كيف يمكن لمن لا يؤمن كلّ الإيمان بعلاقته باللّه أن يدخل هذا الميدان،فيطلب من معارضيه أن يتقدّموا معه إلى اللّه،يدعونه أن ينزل لعناته على الكاذب،و أن يروا سرعة ما يحلّ بالكاذب من عقاب؟!

لا شكّ أنّ دخول هذا الميدان خطر جدّا،لأنّ «المبتهل»إذا لم يجد استجابة لدعائه و لم يظهر أيّ أثر لعقاب اللّه على معارضيه،فلن تكون النّتيجة سوى فضيحة المبتهل.فكيف يمكن لإنسان عاقل و مدرك أن يخطو مثل هذه الخطوة دون أن يكون مطمئنّا إلى أنّ النّتيجة في صالحه؟

لهذا قيل:إنّ دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المباهلة تعتبر واحدا من الأدلّة على صدق دعوته و إيمانه الرّاسخ بها، بصرف النّظر عن النّتائج الّتي كانت ستكشف عنها المباهلة.[إلى أن قال:]

بعد الآيات الّتي استدلّ فيها على بطلان القول بألوهيّة عيسى بن مريم،يأمر اللّه نبيّه بالمباهلة إذا جاءه من يجادله،من بعد ما جاء من العلم و المعرفة.و أمره أن يقول لهم:إنّي سأدعو أبنائي،و أنتم ادعوا أبناءكم، و أدعو نسائي،و أنتم ادعوا نساءكم،و أدعو نفسي، و تدعون أنتم أنفسكم،و عندئذ ندعو اللّه أن ينزل لعنته على الكاذب منّا.

لا حاجة للقول بأنّ القصد من«المباهلة»لم يكن إحضار جمع من النّاس للّعن،ثمّ ليتفرّقوا كلّ الى سبيله، لأنّ عملا كهذا لن يكون له أيّ تأثير،بل كان المنتظر أن يكون لهذا الدّعاء و اللّعن أثر مشهود عيانا فيحيق بالكاذب عذاب فوريّ.

و بعبارة أخرى:فإنّ المباهلة-و إن لم يكن في الآية ما يشير إلى تأثيرها-كانت بمثابة«السّهم الأخير»بعد أن لم ينفع المنطق و الاستدلال،فإنّ الدّعاء وحده لم يكن المقصود بها.بل كان المقصود منها هو«أثرها الخارجيّ».

يصرّح المفسّرون من الشّيعة و السّنّة أنّ آية المباهلة قد نزلت بحقّ أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أنّ الّذين اصطحبهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله معه للمباهلة بهم هم:الحسن و الحسين و فاطمة و عليّ عليهم السّلام.و عليه،فإنّ (أَبْناءَنا) الواردة في الآية ينحصر مفهومها في الحسن و الحسين عليهما السّلام،و مفهوم (نِساءَنا) ينحصر في فاطمة عليها السّلام،و مفهوم (أَنْفُسَنا) ينحصر في عليّ عليه السّلام.

و هناك أحاديث كثيرة بهذا الخصوص.

حاول بعض أهل السّنّة أن ينكر وجود أحاديث في هذا الموضوع،فصاحب تفسير«المنار»يقول في تفسير الآية:

الرّوايات متّفقة على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اختار للمباهلة عليّا و فاطمة و ولديها،و يحملون كلمة (نِساءَنا) على فاطمة،و كلمة (أَنْفُسَنا) على عليّ فقط،و مصادر هذه الرّوايات شيعيّة،و مقصدهم منها معروف.و قد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّى راجت على كثير من أهل السّنّة.و لكن بالرّجوع إلى مصادر أهل السّنّة الأصليّة يتّضح أنّ الكثير من تلك الطّرق لا تنتهي بالشّيعة و بكتب الشّيعة،و إنكار هذه الأحاديث الواردة

ص: 41

بطريق أهل السّنّة،يسقط سائر أحاديثهم و كتبهم من الاعتبار.

لكي نلقي الضّوء على هذه الحقيقة،نورد هنا بعضا من رواياتهم و مصادرها:

القاضي نور اللّه الشّوشتريّ في المجلّد الثّالث من كتابه النّفيس«إحقاق الحقّ»،الطّبعة الجديدة،ص 46، يتحدّث عن اتّفاق المفسّرين في أنّ (أَبْناءَنا) في هذه الآية إشارة إلى الحسن و الحسين،و (نِساءَنا) إشارة إلى فاطمة،و (أَنْفُسَنا) إشارة إلى عليّ عليه السّلام.

ثمّ يشير في هامش الكتاب إلى نحو ستّين من كبار أهل السّنّة من الّذين قالوا:إنّ آية المباهلة نزلت في أهل البيت،و يذكر أسماء هؤلاء العلماء بالتّفصيل في الصّفحات 46-76.

و من المشاهير الّذين نقل عنهم هذا التصريح:

1-مسلم بن الحجّاج النّيسابوريّ،صاحب أحد الصّحاح السّتّة المعروفة الّتي يعتمدها أهل السّنّة.المجلّد 7 ص 120(طبعة محمّد علي صبيح-مصر).

2-أحمد بن حنبل في كتابه«المسند»ج 1 ص 185 (طبعة مصر).

3-الطّبريّ في تفسيره المعروف،ج 3 ص 192 (المطبعة الميمنيّة-مصر).

4-الحاكم في كتابه«المستدرك»ج 3 ص 150 (طبعة حيدرآباد الدّكن).

5-الحافظ أبو نعيم الأصفهانيّ في كتابه«دلائل النّبوّة)ص 297(طبعة حيدرآباد).

6-الواحديّ النّيسابوريّ في كتابه«أسباب النّزول» ص 74(المطبعة الهنديّة-مصر).

7-الفخر الرّازيّ في تفسيره المعروف،ج 8 ص 85 (المطبعة البهيّة-مصر).

8-ابن الأثير في كتابه«جامع الأصول»ج 9 ص 470(مطبعة السّنّة المحمّديّة-مصر).

9-ابن الجوزيّ في كتابه«تذكرة الخواصّ»ص 17 (طبعة النّجف).

10-القاضي البيضاويّ في تفسيره ج 2 ص 22 (مطبعة مصطفى محمّد-مصر).

11-الآلوسيّ في تفسيره«روح المعاني»ج 3 ص 167(المطبعة المنيريّة-مصر).

12-الطّنطاويّ في تفسيره المعروف«الجواهر»ج 2 ص 120(مطبعة مصطفى البابي الحلبيّ-مصر).

13-الزّمخشريّ في تفسيره«الكشّاف»ج 1 ص 193(مطبعة مصطفى محمّد).

14-الحافظ أحمد بن حجر العسقلانيّ في كتابه «الإصابة»ج 2 ص 503(مطبعة مصطفى محمّد).

15-ابن الصّبّاغ في كتابه«الفصول المهمّة»ص 108(طبعة النّجف).

16-العلاّمة القرطبيّ في كتابه«الجامع لأحكام القرآن»ج 3 ص 104(طبعة مصر سنة 1936).

جاء في كتاب«غاية المراد»عن صحيح مسلم في باب(فضائل عليّ بن أبي طالب)أنّ معاوية قال يوما لسعد بن أبي وقّاص:لم لا تسبّ أبا تراب(عليّ عليه السّلام)!؟ فقال:«تركت سبّه منذ أن تذكّرت الأشياء الثّلاثة الّتي قالها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حقّ عليّ عليه السّلام(و أحدها)عند ما

ص: 42

نزلت آية المباهلة لم يدع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سوى فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ،و قال:اللّهم هؤلاء أهلي.

صاحب«الكشّاف»و هو من كبار علماء أهل السّنّة، يذهب إلى أنّ هذه الآية أقوى دليل على فضيلة أهل الكساء.

يتّفق المفسّرون و المحدّثون و المؤرّخون الشّيعة أيضا أنّ هذه الآية قد نزلت في أهل البيت،و قد أورد صاحب تفسير«نور الثّقلين»روايات كثيرة بهذا الشّأن.

من ذلك أيضا ما جاء في كتاب«عيون أخبار الرّضا» عن المجلس الّذي عقده المأمون في قصره للبحث العلميّ.و جاء فيه عن الإمام الرّضا عليه السّلام قوله:...ميّز اللّه الطّاهرين من خلقه،فأمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بالمباهلة بهم في آية الابتهال.فقال عزّ و جلّ:يا محمّد فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ...

فأبرز النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّا و الحسن و الحسين و فاطمة صلوات اللّه عليهم...

و قال عليه السّلام:فهذه خصوصيّة لا يتقدّمهم فيها أحد، و فضل لا يلحقهم فيه بشر،و شرف لا يسبقهم إليه خلق (1).

كذلك وردت روايات بهذا المضمون في تفسير «البرهان»و«بحار الأنوار»و تفسير«العيّاشيّ»،و كلّها تقول:إنّ الآية قد نزلت في أهل البيت.

هنا اعتراض مشهور أورده الفخر الرّازيّ و آخرون على نزول هذه الآية في أهل البيت.يقول هؤلاء:كيف يمكن أن نعتبر أنّ القصد من(ابناءنا)هو الحسن و الحسين عليهما السّلام مع أنّ(ابناء)جمع و لا تطلق على الاثنين؟ و كذلك(نساءنا)جمع،فكيف تطلق على سيّدة الإسلام فاطمة عليها السّلام وحدها؟و إذا كان القصد من«انفسنا» عليّا عليه السّلام وحده،فلما ذا جاء بصيغة الجمع؟

الجواب:أوّلا:كما سبق أن شرحنا بإسهاب،أنّ هناك أحاديث كثيرة في كثير من المصادر الإسلاميّة الموثوق بها-شيعيّة و سنّيّة-تؤكّد نزول هذه الآية في أهل البيت،و هي كلّها تقول:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يدع للمباهلة غير عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،هذا بذاته قرينة واضحة لتفسير الآية؛إذ إنّ من القرائن الّتي تساعد على تفسير القرآن هي«السّنّة و ما ثبت من أسباب النّزول».

و عليه،فإنّ الاعتراض المذكور ليس موجّها للشّيعة فقط،بل أنّ على جميع علماء الإسلام أن يجيبوا عليه،بموجب ما ذكرناه آنفا.

ثانيا:إطلاق صيغة الجمع على المفرد أو المثنّى ليس أمرا جديدا،فهو كثير الورود في القرآن و في غير القرآن من الأدب العربيّ،و حتّى غير العربيّ.

من ذلك مثلا أنّه عند وضع قانون،أو إعداد اتّفاقيّة،تستعمل صيغة الجمع على وجه العموم.فمثلا قد يقال في اتّفاقيّة:إنّ المسئولين عن تنفيذها هم الموقّعون عليها و أبناؤهم.في الوقت الّذي يمكن أن يكون لأحد الأطراف ولد واحد أو اثنين.فلا يكون في هذا أيّ تعارض مع تنظيم الاتّفاقيّة بصيغة الجمع؛و ذلك لأنّ هناك مرحلتين،مرحلة«الاتّفاق»و مرحلة«التّنفيذ».ة.

ص: 43


1- نور الثّقلين:1:349،البرهان:1:290،تفسير العيّاشيّ:1:177،البحار:20:52 و 6:652 الطّبعة الجديدة.

ففي المرحلة الأولى قد تأتي الألفاظ بصيغة الجمع لكي تنطبق على جميع الحالات.و لكن في مرحلة«التّنفيذ»قد تنحصر الحالة في فرد واحد،و هذا لا يتنافى مع عموميّة المسألة.

و بعبارة أخرى:كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بموجب اتّفاقه مع مسيحيّي نجران،أن يدعو للمباهلة جميع أبنائه و خاصّة نسائه و جميع من كانوا بمثابة نفسه، إلاّ أنّ مصداق الاتّفاق لم ينطبق إلاّ على ابنين و امرأة و رجل،فتأمّل!

في القرآن مواضع متعدّدة ترد فيها العبارة بصيغة «الجمع»إلاّ أنّ مصداقها لا ينطبق إلاّ على فرد واحد، فمثلا نقرأ: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ آل عمران:173،المقصود من (النّاس)في هذه الآية هو«نعيم بن مسعود»حسب قول فريق من المفسّرين،لأنّ هذا كان قد أخذ أموالا من أبي سفيان في مقابل إخافة المسلمين من قوّة المشركين.

و أيضا نقرأ: لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران:181،فهنا المقصود ب«الّذين»في هذه الآية،على رأي كثير من المفسّرين، هو«حييّ بن أخطب»أو«فنحاص».

و قد يطلق الجمع على المفرد للتّكريم،كما جاء عن إبراهيم: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ النّحل:120، فهنا أطلقت كلمة(امّة)و هي اسم جمع،على مفرد.

كما أنّ آية المباهلة تفيد بأنّ أبناء البنت يعتبرون أبناء أبيها أيضا،بخلاف ما كان سائدا في الجاهليّة في اعتبار أبناء الابن فقط هم أبناء الجدّ؛إذ كانوا يقولون:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد

هذا اللّون من التّفكير كان من بقايا التّقاليد الجاهليّة الخاطئة الّتي لم تكن ترى المرأة عضوا من أعضاء المجتمع، بل كانت تنظر إليها على أنّها وعاء لنموّ الأبناء فقط، و ترى أنّ النّسب يلحق بالآباء لا غير،يقول شاعرهم:

و إنّما أمّهات النّاس أوعية

مستودعات و للأنساب آباء

غير أنّ الإسلام قضى على هذا اللّون من التّفكير، و ساوى بين أبناء الابن و أبناء البنت.

نقرأ في الآية(84 و 85)من سورة الأنعام بشأن أبناء إبراهيم: مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ، فالمسيح عيسى بن مريم عدّ هنا من أبناء إبراهيم مع أنّه كان ابنا من جهة البنت.

الأحاديث و الرّوايات الواردة عن طريق الشّيعة و السّنّة بشأن الحسن و الحسين عليهما السّلام تشير إلى كلّ منهما ب«ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»كرارا.

و في الآيات الّتي تحرّم الزّواج ببعض النّساء نقرأ:

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ النّساء:23،يتّفق علماء الإسلام على أنّ الرّجل يحرم عليه الزّواج من زوجة ابنه و زوجة حفيده سواء أ كان من جهة الابن أم البنت،باعتبار شمولهم بالآية المذكورة.

لا شكّ أنّ هذه الآية ليست دعوة عامّة للمسلمين للمباهلة،إذ أنّ الخطاب موجّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 44

وحده.و لكن هذا لا يمنع من أن تكون المباهلة مع المعارضين حكما عامّا،و أنّ الأتقياء من المؤمنين الّذين يخشون اللّه،لهم أن يطلبوا من الّذين لم ينفع فيهم المنطق و الاستدلال التّقدّم للمباهلة.

و تظهر عموميّة هذا الحكم في بعض الرّوايات الإسلاميّة،فقد جاء في تفسير«نور الثّقلين»ج 1 ص 351 عن الإمام الصّادق عليه السّلام،أنّه قال:إذا كان كذلك- أي إذا لم يقبل المعاند الحقّ-فادعهم إلى المباهلة...أصلح نفسك ثلاثا...و ابرز أنت و هو إلى الجبّان(الصّحراء) فشبّك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه،ثمّ انصفه، و ابدأ بنفسك و قل:اللّهمّ ربّ السّماوات السّبع و ربّ الأرضين السّبع عالم الغيب و الشّهادة الرّحمن الرّحيم، إن كان فلانا جحد حقّا و ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا (بلاء)من السّماء و عذابا أليما.ثمّ ردّد الدّعوة عليه...فإنّك لا تلبث أن ترى ذلك فيه.

يتّضح أيضا من هذه الآية أنّه-خلافا للحملات الّتي يشنّها الزّاعمون:أنّ الإسلام دين الرّجال و ليس للمرأة فيه أيّ حساب-قد ساهمت المرأة المسلمة مع الرّجل خلال اللّحظات الحسّاسة في تحقيق الأهداف الإسلاميّة،و وقفت معه ضدّ الأعداء.إنّ الصّفحات المشرقة الّتي تمثّل سيرة سيّدة الإسلام فاطمة الزّهراء عليها السّلام و ابنتها السّيّدة زينب الكبرى،و غيرهما من نساء الإسلام اللاّتي سرن على طريقهما دليل على هذه الحقيقة.(2:334)

محمّد حسين فضل اللّه: [ذكر معنى«المباهلة» نحو الطّبرسيّ،و نقل القصّة عن الطّباطبائيّ ثمّ قال:]

أسلوب الحوار الإسلاميّ:

و لعلّ قيمة هذه القصّة،أنّها تجسّد لنا الأسلوب الإسلاميّ في الحوار،حين يريد الاحتجاج لفكره من جهة،و مواجهة الأفكار المضادّة من جهة أخرى، و تعرّفنا مبلغ التّسامح الإسلاميّ الّذي يريد لأتباعه أن يمارسوه مع الآخرين،انطلاقا من الممارسات النّبويّة الرّائعة،من مركز القوّة لا من مركز الضّعف.

فقد قدم هؤلاء إلى مركز الإسلام القويّ،من أجل أن يناقشوا الدّين الجديد،فأعطاهم النّبيّ كلّ الحريّة في ذلك،إلى مستوى السّماح لهم بأداء طقوسهم و عباداتهم في مسجد النّبيّ تحت سمعه و بصره في مجتمع المسلمين الكبير،حتّى أنّ النّبيّ لم يستجب لتساؤلهم و إنكارهم لذلك،بل طلب منهم أن يتركوا لهم الحريّة في ذلك، ليشعرهم-على الطّبيعة-كيف يحافظ الإسلام على مشاعر الآخرين و حرّيّاتهم،في الإطار العامّ للنّظام الكامل،و ليعطيهم انطباعا ذاتيّا،أنّه لا يؤمن بالقوّة كسبيل من سبل إدخال الآخرين في الإسلام،من دون اقتناع منهم بذلك...

و هكذا كان،و بدأ النّبيّ حواره معهم من موقع الدّليل و الحجّة و البرهان،كما تنقله لنا القصّة سؤالا و جوابا في حوار هادئ قويّ،يستجيب للسّؤال في البداية،ثمّ يطرح السّؤال عليهم من جديد،ليلزمهم بالحجّة من خلال ذلك.

و قد نفهم من الآية الكريمة،أنّ الحوار لم يقتصر على هذا الجانب فحسب،بل تعدّاه إلى جميع الجهات الّتي يختلف فيها المسلمون و المسيحيّون في نظرتهم إلى

ص: 45

عيسى عليه السّلام،و إلى الطّبيعة الاعتقاديّة،لأنّ الآية تتناول المحاجّة فيه بكلّ ما جاءه من العلم.

و يظهر من الآية و من جوّ القصّة أنّ هؤلاء لم يريدوا الاقتناع،بل دخلوا في جدل عقيم لا يحقّق أيّ هدف، و لا يصل إلى أيّة نتيجة؛ممّا دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى طرح المباهلة عليهم،كأسلوب من أساليب التّأثير النّفسيّ الّذي يشعرهم بالثّقة المطلقة بالعقيدة الإسلاميّة، و بمفاهيم الدّعوة الجديدة حتّى أنّ النّبيّ كان مستعدّا لأن يعرّض نفسه للموقف الصّعب عند ما يقف مع أهل بيته ليواجهوا الآخرين بالوقوف بين يدي اللّه في ما تنازعوا فيه،فيطلبون منه سبحانه أن يجعل اللّعنة على الكافرين.

و قد أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يزيد الموقف تأثيرا في الإيحاء النّفسيّ لدى الآخرين بالثّقة،فلم يقتصر على تقديم نفسه للمباهلة و الملاعنة،بل طرح القضيّة على أساس اشتراك أهل بيته معه في ذلك،مع أنّ بإمكانه أن يحصر الأمر بنفسه،دون أن يترك ذلك أيّ تأثير سلبيّ في الموقف.

و لكنّه-كما أشرنا-أراد أن يعطيهم الإيحاء بالاطمئنان الكامل بصدق دعواه،لأنّ الإنسان قد يعرّض نفسه للخطر،و لكنّه لا يعرّض أبناءه و أهل بيته لما يعرّض له نفسه،ممّا يمكن أن يتفاداه.

و لهذا أدرك القوم الموضوع و أبعاده،فاهتزّت أعماقهم بالخوف من الخوض في هذه التّجربة الّتي تستتبع اللّعنة الفعليّة الّتي تتجسّد في عذاب اللّه و عقابه،فأقلعوا عن الأمر و قبلوا الصّلح.[إلى أن قال بعد نقل قول الطّبرسيّ بأنّ المراد ب(ابناءنا)الحسن و الحسين عليهما السّلام...إلخ:]

و نلاحظ على هذا الحديث حول البلوغ و كمال العقل كشرط للمباهلة،أنّ مثل هذا الحديث في الجدل الدّائر فيه،يتوقّف على أن يكون الحسنان عليهما السّلام طرفين مستقلّين في المباهلة،كما لو كانا هما اللّذان يتولّيانها في مقابل نظائرهما من الآخرين،ليباهل الرّجال الرّجال و النّساء النّساء و الأبناء الأبناء.و لكن يمكن أن تكون المسألة واردة على أساس أن يقدّم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-و هو واثق بأنّ الحقّ معه و أنّ النّتيجة الحاسمة الإيجابيّة ستكون له-ابنيه و ابنته و ابن عمّه،ليكونوا طرفا في الابتهال و فريقا في النّتائج الحاسمة الأخيرة،بعيدا عمّا إذا كانوا مشاركين في التّحدّي،و اللّه العالم.[إلى أن قال:]

المباهلة في الخطّ الإسلاميّ العامّ:

و إذا كانت الآية مختصّة بالنّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله في الواقعة الخاصّة مع وفد نصارى نجران،فإنّها لا تختصّ ظاهرا به، بل يمكن أن تنطلق في كلّ مورد مماثل لم يصل فيه الحوار إلى نهاية حاسمة،لعدم استعداد الطّرف الآخر للاقتناع بالحجّة-بعد إقامتها عليه-فتكون المباهلة هي الخيار الأخير في ساحة التّحدّي،فإنّ اللّه قد طرح المسألة على رسوله صلّى اللّه عليه و آله من خلال أنّها وسيلة من وسائل المواجهة، لإسقاط موقف الآخرين في خطّ الباطل لمصلحة موقف الحقّ،لا لخصوصيّة في المورد الخاصّ.[ثمّ استشهد بقول الإمام الصّادق عليه السّلام-في حديث أبي مسترق-و قد سبق، إلى أن قال:]

أمّا الدّرس الّذي نستفيده من ذلك كلّه،فهو العمل على توظيف الجانب الإيمانيّ،بعد ممارسة الجوانب

ص: 46

العمليّة و الفكريّة،في الحوار الهادئ العميق بين الإسلام و خصومه،انطلاقا من الفكرة الحاسمة الواقعيّة الّتي تقول:إنّ على الدّاعية أن لا يهمل أيّ عنصر من عناصر التّأثير على الآخرين في إيصالهم إلى الحقيقة،أو في الإيحاء إليهم بالاطمئنان إلى قوّة هذه الحقيقة،حتّى ليقف الإنسان في أشدّ المواقف حراجة في مجالات التّحدّي،لثقته بأنّ الدّعوة في المستوى القويّ لمواجهة التّحدّي بأقوى منه.

و قد أثار علماء التّفسير حديثا مطوّلا حول دلالة هذه الآية على بعض الجوانب الخلافيّة الّتي وقعت مجالا للأخذ و الرّدّ؛و ذلك مثل مصداقيّة كلمة أَبْناءَنا على الحسن و الحسين عليهما السّلام،ممّا يوحي بأنّ ولد البنت يعتبر مصداقا لمفهوم الابن،و دلالتها بلحاظ التّطبيق،على أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام هو نفس النّبيّ،لأنّ النّبيّ قدّمه في المباهلة من خلال هذه الصّفة.

ثمّ يتفرّع الحديث في اتّجاه دلالة الآية على أنّ هؤلاء الّذين قدّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للمباهلة لهم علاقة بحركة الدّعوة،و لو في نطاق الوصيّة و التّبليغ؛إذ إنّه اعتبرهم -معه-فريقا في النّتيجة الحاسمة على تقدير الصّدق أو الكذب،و لذا جاء بكلمة اَلْكاذِبِينَ بصيغة الجمع.

و قد كثر الحديث و الجدال في هذا الموضوع في بعض كتب التّفسير،كتفسير«المنار»الّذي كان يدافع عن فكرة عدم دلالتها على أيّ شيء يتعلّق بموضوع الإمامة،و كتفسير«الميزان»الّذي يدافع عن فكرة دلالتها على هذا الموضوع و يعالجها بأسلوب علميّ دقيق.و نحن لا نريد الخوض في هذا المجال،بل نكتفي بالإشارة إلى ذلك ليرجع إليه القارئ فى مظانّه،لأنّ منهج التّفسير لدينا يتحرّك في إطار الوحي القرآنيّ لحركة الدّعوة في الحياة.(6:62-75)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البهل،و هو الشّيء اليسير الحقير،كالمال و الماء،يقال:أعطاه قليلا بهلا.ثمّ أطلق على النّاقة الّتي لا صرار عليها و لا خطام و لا سمة،لأنّها مال قليل لا يعتنى به فتهمل؛إذ كانت العرب تطلق المال في الجاهليّة على«الإبل».

يقال:ناقة باهل،أي مسيّبة،و الجمع:بهل و بهّل.

و أبهل النّاقة:أهملها،و هي مبهلة،و الجمع:مباهل، و أبهل الرّاعي إبله:تركها من الحلب،و استبهل فلان النّاقة:احتلبها بلا صرار،و بهلت النّاقة تبهل بهلا:حلّ صرارها و ترك ولدها يرضعها.

2-ثمّ عمّم معناه و توسّع مداه فاستعمل في الآدميّين،يقال:رجل باهل،أي المتردّد بلا عمل،و من لا سلاح معه،و الرّاعي بلا عمل،و استبهل الوالي رعيّته:

أهملها،و امرأة باهلة:لا زوج لها.

و منه:البهل بمعنى اللّعن،أي البعد و الطّرد، و الانقطاع إلى اللّه،و هو التّرك و البعد أيضا؛يقال:بهله اللّه،أي لعنه،و بهلة اللّه عليه.و باهلت فلانا:دعونا على الظّالم منّا،و باهلته أيضا:تركته.و ابتهل القوم و تباهلوا:

تلاعنوا،و ابتهل إلى اللّه في الدّعاء،أي جدّ فيه.

3-و اختلف في«الأبهل»،فقال الخليل :شجر العرعر،و قال سائر اللّغويّين:حمله و ثمرته،و اتّفقوا في

ص: 47

كونه أعجميّا.و إن كان كذلك فهو رباعيّ وافق وزن «أفعل»،فليس من مادّة«ب ه ل»،و لا نعلم أصله؛إذ لم يرد له ذكر في غير العربيّة،و لا سيّما اللّغات السّاميّة.

الاستعمال القرآنيّ

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ

آل عمران:61

يلاحظ أنّها وحيدة الجذر في القرآن،جاءت في سورة مدنيّة(آل عمران)،و لها علاقة خاصّة بالنّصارى، كما سبق في«ابن».و موضوعها مباهلة النّبيّ نصارى نجران الّتي تكرّرت قصّتها في النّصوص التّفسيريّة،و قد أحاطت بجميع أطرافها،فلم يبق لنا مجال للحديث عنها، سوى فهرسة ما يقال فيها،و هي أمور:

1-أمر النّبيّ بالمباهلة بعد المحاجّة،أي أنّه كلّف أوّلا بأن يحاجج المنكرين لدعوته بحجج قويّة،تخاطب عقولهم فتقنعها.فإن أصغوا إليها و اقتنعوا بها فبها المراد، و إلاّ فيباهلهم بأهله و أهلهم لو رضوا بها.

2-الهدف من«المباهلة»إثبات الحقّ و إبطال الباطل بآية سماويّة و شهادة ربّانيّة،تسجّل الدّعوة الحقّة،و تميّز الصّادق من الكاذب و الحقّ من الباطل،فالمباهلة طريق عمليّ إلى ذلك،لا تشوبه شائبة.

3-أثير السّؤال:هل كانت للمباهلة سابقة في الأمم الأخرى و في أهل الكتاب؟و هل كانت سنّة متّبعة بين المؤمنين و المنكرين في الإسلام،يعمل بها الآخرون طبق الشّروط،أو هي خاصّة بالنّبيّ،و كانت حادثة في واقعة،و إن جازت لغيره فما هي شروطها؟و هل حدثت خلال تاريخ الدّعوة الإسلاميّة؟

4-تكمن خطورة هذه القصّة في أنّها تجسّد لنا الأسلوب الإسلاميّ في الحوار،و تعلّمنا مدى التّسامح الإسلاميّ الّذي يجب أن ينتهجه أتباعه في ممارستهم مع الآخرين،و أن يتركوا لهم الحريّة،و يصوّروا لهم انطباعا ذاتيّا بأنّهم لا يؤمنون بالقوّة و لا يتذرّعون بها،لحملهم على اعتناق الإسلام دون إقناع و تصديق.

5-لا خلاف بينهم في أنّ الآية كلّفت المتخاصمين جميعا بأسلوب واحد،ليدعوا أبناءهم و نساءهم و أنفسهم للمباهلة،من دون فرق بينهم،و لا نصّ على شخص منهم،إنّما الخلاف في من اختاره النّبيّ من الأبناء و النّساء و الأنفس للحضور في ساحة المواجهة و التّحدّي.

فكادوا أن يتّفقوا على القول:إنّه اختار الحسن و الحسين و فاطمة و عليّا عليهم السّلام،و لم يخالف ذلك من الجمهور سوى نفر شكّوا في أصل القصّة،بحجّة أنّ ابن إسحاق لم يذكرها إلاّ على سبيل العموم دون خصوص الحادثة،أو ناقشوها في وجوب كون المتباهلين بالغين لسنّ التّكليف،و كان الحسنان آنذاك طفلين لم يبلغا الحلم،و لا يطلق عليهما لفظ الصّادق و الكاذب.أو ناقشوا إطلاق«الأبناء»على اثنين و«النّساء» و«الأنفس»على واحدة.أو أنّ ظاهر(نساءنا)هو أزواجنا بقرينة إردافها ل(ابناءنا)،فلو أريد بها جنس النّساء لأردفهنّ بالرّجال...

و يدفعها أنّه بعد ما ثبت مستفيضا إن لم يكن متواترا

ص: 48

أنّ النّبيّ جاء بهؤلاء الأربعة،و هذا دليل على انطباق المعنى العامّ على هؤلاء خاصّة بفعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و مثل هذا كثير في القرآن،لاحظ نصّ الطّباطبائيّ.

6-اختيار هؤلاء دالّ على قدسيّة نفوسهم و صدق إيمانهم،و على خصوصيّة لا يتقدّمهم فيها أحد،و فضل لا يلحقهم فيه بشر.كما دلّ على أنّ ابن البنت يعدّ ابنا، فالحسن و الحسين كانا ابني النّبيّ عليه السّلام.كما دلّ على ثقة النّبيّ بنفسه و من معه أنّه على الحقّ و أنّ خصومه على الباطل،حتّى أنّه استعدّ أن يضحّي بنفسه و أهله في هذا السبيل.

7-قد اتّفقوا على أنّ المباهلة لم تقع،لنكول النّصارى و إحجامهم عنها،حتّى أعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون،ليبقى نهج إنصاف النبيّ لمخالفيه في العقيدة و مدى عدله أبد الدّهر.و لم يكن إباؤهم الحضور إلاّ لما لمسوه من صدق النّبيّ و كذبهم،فخافوا نزول العذاب عليهم،و شمول اللّعنة لهم.

ص: 49

ص: 50

ب ه م

اشارة

بهيمة

لفظ واحد،3 مرّات،في سورتين مدنيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البهمة:اسم للذّكر و الأنثى،من أولاد بقر الوحش و ضروب الغنم،و الجميع:البهم و البهام.

و البهم أيضا:صغار الغنم.

و البهمى:نبات تجد به الغنم وجدا شديدا ما دام أخضر،فإذا يبس هرّ شوكه و امتنع.الواحد:بهمى أيضا،و يقال للواحدة:بهماة أيضا.

و الإبهام:الإصبع الكبرى الّتي تلي المسبّحة، و الجميع:الأباهيم،و لها مفصلان.

و أبهم الأمر،أي اشتبه،لا يعرف وجهه،و استبهم عليّ هذا الأمر.

و كان ابن عبّاس سئل عن قوله عزّ و جلّ:

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ النّساء:23، فلم يبيّن أدخل بها أم لا؟فقال:«أبهموا ما أبهم اللّه».

و باب مبهم:لا يهتدى لفتحه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البهيم:ما كان من الألوان لونا واحدا،لا شية فيه من الدّهمة و الكمتة.

و صوت بهيم،أي لا ترجيع فيه،و ليل بهيم:لا ضوء فيه إلى الصّباح.

و البهيمة:ذات أربع قوائم،من دوابّ البرّ و البحر.

و«يحشر النّاس يوم القيامة غرلا بهما»أي ليس بهم شيء ممّا كان في الدّنيا،نحو العمى و العرج،و الجذام و البرص.و يقال:بل عراة ليس معهم شيء من متاع الدّنيا.

و البهمة:الأبطال.[ثمّ استشهد بشعر](4:62)

الأخفش:بهمى:لا تصرف،و الواحدة:بهماة.

(الأزهريّ 6:339)

سيبويه :البهمى تكون واحدة و جمعا،و ألفها

ص: 51

للتّأنيث،فلا تنوّن.(الجوهريّ 5:1875)

اللّيث: إذا كان لا يدرى من أين يؤتى لشدّة بأسه، فهو بهمة.(الثّعالبيّ:86)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البهم:واحدها:بهيم،و هو الّذي لا يخلط لونه لون سواه،من سواد كان أو غيره.

(الأزهريّ 6:335)

أبو زيد :يقال:أرض مبهمة،إذا كثر بهماها.

(100)

يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها الضّأن أو المعز ذكرا كان الولد أو أنثى:سخلة،ثمّ هي بهمة،و جمعها:بهم.

(الفيّوميّ 1:64)

مثله أبو عبيد.(ابن منظور 12:56)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«يحشر النّاس يوم القيامة عراة حفاة بهما»معناه عندي أنّه أراد بقوله:

«بهما»يقول:ليس فيهم شيء من الأعراض و العاهات الّتي تكون في الدّنيا من العمى و العرج و الجذام و البرص، و غير ذلك من صنوف الأمراض و البلاء.و لكنّها أجساد مبهمة مصحّحة لخلود الأبد.

و في بعض الحديث تفسيره،قيل:و ما البهم؟قال:

ليس معهم شيء.و هذا أيضا من هذا المعنى،يقول:إنّها أجساد لا يخالطها شيء من الدّنيا،كما أنّ البهيم من الألوان لا يخالطه غيره.

و لا يقال في الأبيض:بهيم.(1:122)

البهمة:الفارس الّذي لا يدرى من أين يؤتى من شدّة بأسه،و البهمة أيضا:هم جماعة الفرسان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:340)

ابن السّكّيت: يقال:استبهم عليهم أمرهم،أي لا يدرون كيف يأتون له.(95)

و إنّه لبهمة من قوم بهم،و هو الشّجاع الّذي لا يدرى كيف يؤتى.

و حائط مبهم:ليس فيه باب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبهم:المصمت.

و الأبهم:المبهم الّذي لا صدع فيه و لا خلط.و فرس بهيم:لم يخلط لونه سواه.

و أبهم عليّ الأمر:أصمته فلم يجعل فيه فرجا أعرفه.

و يقال في البهمة:إنّه شبّه بالفئة.و البهمة:الجماعة.

(170)

البهمة:الشّجاع في شدّة و مضاء،و لا فعل له.

و لا يقال في المرأة و لا في النّساء.(172)

و كلّ لون لم يخلطه لون آخر فهو بهيم،يقال:كميت بهيم،و أشقر بهيم،و أدهم بهيم،و أخضر دجوجيّ.

(234)

تقول:هي الإبهام للإصبع،و لا تقل:البهام.

و البهام:جمع البهم،و البهم:جمع بهمة،و هي أولاد الضّأن.و البهمة:اسم للمذكّر و المؤنّث.

و السّخال:أولاد المعزى،الواحدة:سخلة للمؤنّث و المذكّر،فإذا اجتمعت البهام و السّخال قيل لهما جميعا:

بهام.

و يقال:هم يبهّمون البهم،إذا خرموه عن أمّهاته، فرعوه وحده.(إصلاح المنطق:320)

تقول:هذا فرس جواد بهيم،و هذه فرس جواد

ص: 52

بهيم،و هو الّذي لا يخلط لونه شيء سوى لونه.

(إصلاح المنطق:343)

أبو حاتم: البهيم:الأسود الّذي لا يخالطه بياض.

(الأضداد في اللّغة:97)

الدّينوريّ: البهمى:هي خير أحرار البقول رطبا و يابسا،و هي تنبت أوّل شيء بارضا.و حين تخرج من الأرض تنبت كما ينبت الحبّ،ثمّ يبلغ بها النّبت إلى أن تصير مثل الحبّ.

و يخرج لها إذا يبست شوك مثل شوك السّنبل،و إذا وقع في أنوف الغنم و الإبل أنفت عنه حتّى ينزعه النّاس من أفواهها و أنوفها.

فإذا عظمت البهمى و يبست كانت كلأ يرعاه النّاس حتّى يصيبه المطر من عام مقبل،و ينبت من تحته حبّه الّذي سقط من سنبله.(ابن منظور 12:59)

المبرّد: البهمى:يشبه السّنبل،يقول:فهو لمّا اعتاد هذا المرعى اللّدن استخشن البهمى و سفاها شوكها، فيقول:كأنّه مخلول عن البهمى،أي يراها كالأخلّة.

(1:87)

ثعلب :البهم:صغار المعز.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن منظور 12:56)

الزّجّاج :قيل للإبهام الإصبع:إبهام،لأنّها تبهم الكفّ،أي تطبق عليها.

و طريق مبهم،إذا كان خفيّا لا تستبين.و يقال:

ضربه فوقع مبهما،أي مغشيّا عليه،لا ينطق و لا يميّز.

(الأزهريّ 6:337)

ابن دريد :البهم:معروف،الواحدة:بهمة،و هي صغار الضّأن و المعز جميعا،و الجمع:بهام،و ربّما خصّ بذلك الضّأن.

و الإبهام:معروفة،و الجمع:أباهم و أباهيم.

و أبهمت الباب،إذا أغلقته فهو مبهم.

و الفرس البهيم:الخالص من كلّ بياض،من أيّ لون كان إلاّ الشّهبة.(1:331)

نفطويه: البهيمة:مستبهمة عن الكلام،أي منغلق ذاك عنها،و يقال:أبهمت الباب،إذا سددته.

(الأزهريّ 6:337)

ابن الأنباريّ: البهيم:الّذي لا يخالط سواده لون آخر.(غريب اللّغة:109)

المبهمة:الّتي لا أقفال عليها.يقال:أمر مبهم،إذا كان ملتبسا،لا يعرف معناه و لا بابه.

و رجل بهمة،إذا كان شجاعا لا يدري مقاتله من أين يدخل عليه.

كلام مبهم:لا يعرف له وجه يؤتى منه،مأخوذ من قولهم:حائط مبهم،إذا لم يكن فيه باب،و منه يقال:

رجل بهمة،إذا لم يدر من أين يؤتى له.

(الأزهريّ 6:338)

القاليّ: البهم:واحدها:بهمة،و هو الشّجاع الّذي لا يدرى من أين يؤتى له.و يقال:حائط مبهم،إذا لم يكن فيه باب.

و الأبهم من كلّ شيء:المصمت الّذي لا صدع فيه و لا خلط.

و البهيم من الخيل:الّذي ليس به وضح.(1:27)

و العرب تقول:أضعف الخيل البلق،و أشدّها

ص: 53

البهم.(2:237)

الأزهريّ: [بعد ذكر كلام ابن عبّاس المتقدّم في قول الخليل قال:]

قلت:و قد رأيت كثيرا من أهل العلم يذهبون بمعنى قوله:«أبهموا ما أبهم اللّه»إلى إبهام الأمر و اشتباهه و هو إشكاله،و هو غلط.

و كثير من ذوي المعرفة لا يميّزون بين المبهم و غير المبهم تمييزا مقنعا شافيا،و أنا أبيّنه لك بعون اللّه و توفيقه، فقوله عزّ و جلّ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ النّساء:23،هذا كلّه يسمّى التّحريم المبهم، لأنّه لا يحلّ بوجه من الوجوه و لا سبب من الأسباب، كالبهيم من ألوان الخيل الّذي لا شية فيه تخالف معظم لونه.

و لمّا سئل ابن عبّاس عن قوله: وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ و لم يبيّن اللّه الدّخول بهنّ؟

أجاب،فقال:هذا من مبهم التّحريم الّذي لا وجه فيه غير التّحريم،سواء دخلتم بنسائكم،أو لم تدخلوا بهنّ،فأمّهات نسائكم محرّمات من جميع الجهات.

و أمّا قوله: وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ النّساء:23،فالرّبائب هاهنا لسن من المبهمة،لأنّ لهنّ وجهين مبيّنين أحللن في أحدهما و حرّمن في الآخر.فإذا دخل بأمّهات الرّبائب حرمت الرّبائب،و إن لم يدخل بأمّهات الرّبائب لم يحرمن،فهذا تفسير«المبهم»الّذي أراد ابن عبّاس.

[إلى أن قال:]

قال ابن الأنباريّ: «و رجل بهمة،إذا كان شجاعا لا يدري مقاتله من أين يدخل عليه».

قلت:و الحروف المبهمة:الّتي لا اشتقاق لها، و لا يعرف لها أصول،مثل:الّذي و الّذين و ما و من و عن» و ما أشبهها.

و العرب تقول:البهمى:عقر الدّار،و عقار الدّار، يريدون أنّه من خيار المرتع في جناب الدّار.

و البهائم:أجبل بالحمى على لون واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبهمت الأرض فهي مبهمة،إذا أنبتت البهمى.

و بهّم فلان بموضع كذا،إذا أقام به و لم يبرحه.

البهمة:السّواد.و يقال للّيالي الثّلاث الّتي لا يطلع فيها القمر:بهم،و هي جمع:بهمة.

و في نوادر الأعراب:رجل بهمة،إذا كان لا ينثني عن شيء أراده.و استبهم الأمر،إذا استغلق،فهو مستبهم.(6:335)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و بهّم الرّجل:سئل عن الأمر فأطرق و تحيّر، و كذلك إذا لم يقاتل.

و أبهمت الرّجل عن كذا:نحّيته عنه.

و تبهّم عليه كلامه:أرتج.

و في الحديث:«يحشر النّاس بهما»و فسّر على أنّ البهيم و المبهم:التّامّ الخلق،فمعناه أنّهم يحشرون غير منقوصين بل وفاة الخلق.و قيل:بل عراة لا شيء عليهم يواريهم.

و بهّمت،أي أدمت إلى الشّيء نظرا من غير أن

ص: 54

يشفيني بصري منه.(4:11)

الخطّابيّ: و البهمة:السّخلة،و الذّكر و الأنثى فيه سواء.(1:164)

و قوله:تربّق بهمها:أي تشدّ الأرباق في أعناق البهم،و هي صغار أولاد الغنم،يقال للواحد منها:بهمة، الذّكر و الأنثى فيه سواء.(3:179)

في حديث الإيمان و القدر:«و ترى الحفاة العراة رعاء الإبل و البهم يتطاولون في البنيان».أراد ب«رعاء الإبل و البهم»:الأعراب و أصحاب البوادي الّذين ينتجعون مواقع الغيث و لا تستقرّ بهم الدّار،يعني أنّ البلاد تفتح فيسكنونها و يتطالون في البنيان.

و البهم بالضّمّ:جمع البهيم،و هو المجهول الّذي لا يعرف.(ابن الأثير 1:168)

ابن جنّيّ: البهمة،في الأصل:مصدر وصف به، يدلّ على ذلك قولهم:هو فارس بهمة،كما قال تعالى:

وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ الطّلاق:2،فجاء على الأصل،ثمّ وصف به فقيل:رجل عدل.و لا فعل له، و لا يوصف النّساء بالبهمة.(ابن سيده 4:242)

الجوهريّ: [و بعد نقل قول ابن السّكّيت و أبي عبيدة قال:]

و يقال أيضا للجيش:بهمة،و منه قولهم:فلان فارس بهمة و ليث غابة.

و أمر مبهم:أي لا مأتى له.

و أبهمت الباب:أغلقته.

و الأسماء المبهمة عند النّحويّين،هي أسماء الإشارات، نحو قولك:«هذا،و هؤلاء،و ذاك،و أولئك»...

و استبهم عليه الكلام،أي استغلق،و تبهّم أيضا، إذا أرتج عليه.

و في الحديث:«يحشر النّاس حفاة عراة بهما»أي ليس معه شيء،و يقال:أصحّاء.

و الإبهام:الإصبع العظمى،و هي مؤنّثة،و الجمع:

الأباهيم.

و البهيمة:واحدة البهائم.

و هذا فرس بهيم،و هذه فرس بهيم،أي مصمت، و هو الّذي لا يخلط لونه شيء سوى لونه،و الجمع:بهم، مثل رغيف و رغف.

و بهمى:نبت،قال سيبويه:تكون واحدة و جمعا، و ألفها للتّأنيث فلا تنوّن.و قال قوم:ألفها للإلحاق و الواحدة:بهماة.

و قال المبرّد:هذا لا يعرف،و لا تكون ألف«فعلى» بالضّمّ لغير التّأنيث.

و أبهمت الأرض:كثر بهماها.(5:1875)

ابن فارس :الباء و الهاء و الميم:أن يبقى الشّيء لا يعرف المأتى إليه.

يقال:هذا أمر مبهم.و منه البهمة:الصّخرة الّتي لا خرق فيها،و بها شبّه الرّجل الشّجاع الّذي لا يقدر عليه من أيّ ناحية طلب.

و قال قوم:البهمة:جماعة الفرسان.و منه البهيم:

اللّون الّذي لا يخالطه غيره،سوادا كان أو غيره.

و أبهمت الباب:أغلقته.

و ممّا شذّ عن هذا الباب«الإبهام»من الأصابع، و البهم:صغار الغنم،و البهمى:نبت،و قد أبهمت

ص: 55

الأرض:كثرت بهماها.[ثمّ استشهد بشعر](1:311)

أبو هلال :الفرق بين العامّ و المبهم:أنّ«العامّ» يشتمل على أشياء،و«المبهم»يتناول واحد الأشياء، لكن غير معيّن الذّات،فقولنا:شيء،مبهم.و قولنا:

الأشياء،عامّ.(45)

الهرويّ: و البهيم:يوصف به الحيوان و اللّيل.

و في الحديث:«أنّ عليّا رضي اللّه عنه كان إذا نزل به إحدى المبهمات كشفها»يريد مسألة معضلة شاقّة.قيل لها:مبهمة،لأنّها أبهمت عن البيان،فلم يجعل عليها دليل؛و منه قيل لما لا ينطق:بهيمة.[ثمّ ذكر حديث ابن عبّاس المتقدّم](1:227)

الثّعالبيّ: البهم:صغار أولاد الضّأن و المعز.(57)

رجل شجاع،ثمّ بطل،ثمّ صمّة،ثمّ بهمة.(87)

«في تفصيل ألوان الفرس»إذا كان مصمتا لا شية به و لا وضح،أيّ لون كان،فهو بهيم.(101)

ولد الشّاة حين تضعه أمّه ذكرا كان أو أنثى:سخلة و بهمة.(115)

أبو سهل الهرويّ: و هي الإبهام:للإصبع الأولى الغليظة من يد الإنسان و رجله.

فأمّا البهام بغير ألف فجمع:بهم،و البهم جمع:

بهمة،هي أولاد الضّأن خاصّة.و يقال لأولاد المعزى:

السّخال.(52)

ابن سيده :البهيمة:كلّ ذات أربع قوائم من دوابّ البرّ و الماء،و الجمع:بهائم.

و البهمة:الصّغير من أولاد الغنم و الضّأن و المعز و البقر،من الوحش و غيرها،الذّكر و الأنثى في ذلك سواء.

و قيل:هو بهمة،إذا شبّ،و الجمع:بهم،و بهم، و بهام،و بهامات:جمع الجمع.

و الأبهم:كالأعجم.

و استبهم عليه:استعجم فلم يقدر على الكلام.

و وقع في بهمة لا يتّجه لها،أي خطّة شديدة.

و استبهم عليهم الأمر:لم يدروا كيف يأتون له.[إلى أن قال:]

و المبهم من المحرّمات:ما لا يحلّ بوجه و لا سبب، كتحريم الأمّ و الأخت و ما أشبهه.

و قيل:البهيم:الأسود.

و البهيم من الخيل:الّذي لا شية فيه،الذّكر و الأنثى في ذلك سواء.

و البهيم من النّعاج:السّوداء الّتي لا بياض فيها.

و الجمع من كلّ ذلك:بهم،و بهم.

فأمّا قوله في الحديث:«يحشر النّاس يوم القيامة بهما»فمعناه أنّه ليس بهم شيء ممّا كان في الدّنيا،نحو البرص و العرج.و قيل:بل عراة ليس عليهم من متاع الدّنيا شيء.

و صوت بهيم:لا ترجيع فيه.

و الإبهام من الأصابع:معروفة،و قد تكون في اليد و القدم،و حكى اللّحيانيّ أنّها تذكّر و تؤنّث.[ثمّ استشهد بأشعار]

و البهمى:نبت.

و قال بعض الرّواة:البهمى ترتفع نحو الشّبر،و نباتها ألطف من نبات البرّ،و هي أنجح المرعى في الحافر ما

ص: 56

لم تسف،الواحد و الجميع في كلّ ذلك سواء.و قيل:

واحدته:بهماة،هذا قول أهل اللّغة.

و عندي أنّ من قال:بهماة؛فالألف عنده ملحقة له بجخدب،فإذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأوّل عمّا كان عليه،و جعل الألف للتّأنيث فيما بعد،فيجعلها للإلحاق مع تاء التّأنيث،و يجعلها للتّأنيث إذا فقد الهاء.

و أبهمت الأرض:أنبتت البهمى.

و أرض بهمة:تنبت البهمى،كذلك حكاه أبو حنيفة، و هذا على النّسب.

و البهائم:اسم أرض.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:238)

البهمة:ولد الشّاة بعد عشرين يوما من الضّأن و المعزى،للذّكر و الأنثى،و يلزمه ذلك الاسم و إن فطم حتّى يكون تلوا.الجمع:بهم،و جمع البهم:بهام.

(الإفصاح 2:784)

ليلة بهيم:لا يبصر فيها شيء،و هي أشدّهنّ سوادا، و ليال بهم.(الإفصاح 2:921)

الرّاغب:البهمة:الحجر الصّلب.و قيل للشّجاع:

بهمة تشبيها به،و قيل:لكلّ ما يصعب على الحاسّة إدراكه إن كان محسوسا،و على الفهم إن كان معقولا:

مبهم.

و يقال:أبهمت كذا فاستبهم،و أبهمت الباب:

أغلقته إغلاقا لا يهتدى لفتحه.

و البهيمة:ما لا نطق له؛و ذلك لما في صوته من الإبهام،لكن خصّ في التّعارف بما عدا السّباع و الطّير، فقال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ المائدة:1.

و ليل بهيم:«فعيل»بمعنى«مفعل»قد أبهم أمره للظّلمة،أو في معنى«مفعل»لأنّه يبهم ما يعنّ فيه فلا يدرك.

و فرس بهيم،إذا كان على لون واحد،لا يكاد تميّزه العين غاية التّمييز.

و منه ما روي:«أنّه يحشر النّاس يوم القيامة بهما» أي عراة،و قيل:معرّون ممّا يتوسّمون به في الدّنيا، و يتزيّنون به،و اللّه أعلم.

و البهم:صغار الغنم.

و البهمى:نبات يستبهم منبته لشوكة،و قد أبهمت الأرض:كثر بهمها،نحو أعشبت و أبقلت،أي كثر عشبها و بقلها.(63)

الزّمخشريّ: أبهم الباب:أغلقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و اللّون البهيم:ما لا شية فيه،أيّ لون كان إلاّ الشّهبة.يقال:ليل بهيم،و ليال دهم بهم.

و فلان بهمة من البهم:للشّجاع الّذي يستبهم على أقرانه مأتاه.و قيل سمّي بالبهمة:الّتي هي الصّخرة المصمتة المبهمة.

و من المجاز:أمر مبهم:لا مأتى له،و أبهم فلان عليّ الأمر،و كلام مبهم:لا يعرف له وجه.

و استبهم عليه الأمر:استغلق،و استبهم على الرّجل:أرتج عليه،و صوت بهيم:لا ترجيع فيه.

(أساس البلاغة:32)

«يحشر النّاس يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما» قيل:و ما البهم؟قال:ليس معهم شيء.

ص: 57

البهم:جمع الأبهم،و هو البهيم،أي المصمت الّذي لا يخالط لونه لون آخر.و يجوز أن يكون جمع بهيم مخفّفا كسبل جمع سبيل.

و المعنى ليس معهم شيء من أعراض الدّنيا.شبّه خلوّ جسد العاري عن عرض يكون معه بخلوّ نقبة الفرس عن شية مخالفة لها.

و الأبهم و البهيم أيضا:الحجر المصمت الّذي لا خرق فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من هذا جوّز أن يكون وصفا لأبدانهم بالصّحّة و السّلامة من الأمراض و العاهات الدّنيويّة،إلاّ أنّه فاسد من وجهين آخرين.(الفائق 1:136)

المدينيّ: في الحديث:«أنّ بهمة مرّت بين يديه و هو يصلّي»

قال اللّيث: هي اسم للذّكر و الأنثى من أولاد بقر الوحش و الغنم و الماعز.و قيل:البهمة:السّخلة.

و في الحديث:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال للرّاعي:ما ولّدت؟ قال:بهمة،قال:اذبح مكانها شاة».

و لو لا أنّ«البهمة»اسم لجنس خاصّ،لما كان في سؤاله عليه الصّلاة و السّلام الرّاعي و إجابته عنه ب«بهمة»كثير فائدة،إذ يعرف أنّ ما تلد الشّاة إنّما يكون ذكرا أو أنثى.فلمّا أجاب عنه ب«بهمة»قال:اذبح مكانها شاة،دلّ على أنّه اسم للأنثى دون الذّكر،أي دع هذه الأنثى في الغنم للنّسل،و اذبح مكانها ذكرا،و اللّه عزّ و جلّ أعلم.(1:203)

ابن الأثير :و في حديث عيّاش بن أبي ربيعة:

«و الأسود البهيم كأنّه من ساسم»أي المصمت الّذي لم يخالط لونه لون غيره.[ثمّ ذكر حديث عليّ عليه الصّلاة و السّلام و قد تقدّم]

و البهم جمع:بهمة بالضّمّ،و هي مشكلات الأمور.

[ثمّ ذكر حديث ابن عبّاس و قد تقدّم]

و في حديث الإيمان و القدر:«و ترى الحفاة العراة رعاء الإبل و البهم يتطاولون في البنيان».البهم:جمع بهمة،و هي ولد الضّأن الذّكر و الأنثى،و جمع البهم:

بهام،و أولاد المعز:السّخال،فإذا اجتمعا أطلق عليهما:

البهم و البهام.

و جاء في رواية:«رعاة الإبل البهم»بضمّ الباء و الهاء،على نعت الرّعاة و هم السّود.(1:168)

الفيّوميّ: البهمة:ولد الضّأن،يطلق على الذّكر و الأنثى،و الجمع:بهم،مثل تمرة و تمر،و جمع البهم:بهام، مثل سهم و سهام.

و تطلق البهام على أولاد الضّأن و المعز إذا اجتمعت تغليبا،فإذا انفردت قيل لأولاد الضّأن:بهام،و لأولاد المعز:سخال.

و الإبهام من الأصابع،أي على المشهور،و الجمع:

إبهامات و أباهيم.

و استبهم الخبر و استغلق و استعجم بمعنى.

و أبهمته إبهاما،إذا لم تبيّنه،و يقال للمرأة الّتي لا يحلّ نكاحها لرجل:هي مبهمة عليه كمرضعته.

و منه قول الشّافعيّ: لو تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل الدّخول لم تحلّ له أمّها،لأنّها مبهمة و حلّت له بنتها.

و هذا التّحريم يسمّى«المبهم»،لأنّه لا يحلّ بحال.[إلى أن قال:]

ص: 58

و البهيمة:كلّ ذات أربع من دوابّ البحر و البرّ، و كلّ حيوان لا يميّز فهو بهيمة،و الجمع:البهائم.(64)

الفيروزآباديّ: البهيمة:كلّ ذات أربع قوائم و لو في الماء،أو كلّ حيّ لا يميّز،جمعه:بهائم.

و البهمة:أولاد الضّأن و المعز و البقر،جمعه:بهم و يحرّك،و بهام.جمع الجمع:بهامات.

و الأبهم:الأعجم،و استبهم عليه:استعجم،فلم يقدر على الكلام.

و البهمة بالضّمّ:الخطّة الشّديدة،و الشّجاع الّذي لا يهتدى من أين يؤتى،و الصّخرة،و الجيش.جمعه:

كصرد.

و بهّموا البهم تبهيما:أفردوه عن أمّهاته،و بالمكان:

أقاموا.

و أبهم الأمر:اشتبه كاستبهم،و فلانا عن الأمر:

نحّاه،و الأرض:أنبتت البهمى،لنبت معروف يطلق للواحد و الجميع،أو واحدته بهماة.و أرض بهمة كفرحة:كثيرته.

و المبهم كمكرم:المغلق من الأبواب،و الأصمت كالأبهم.و من المحرّمات:ما لا يحلّ بوجه،كتحريم الأمّ و الأخت،جمعه:بهم بالضّمّ و بضمّتين.

و البهيم:الأسود،و فرس لبني كلاب بن ربيعة، و ما لا شية فيه من الخيل للذّكر و الأنثى و النّعجة السّوداء، و صوت لا ترجيع فيه،و الخالص الّذي لم يشبه غيره.

و يحشر النّاس بهما بالضّمّ،أي ليس بهم شيء ممّا كان في الدّنيا،نحو البرص و العرج،أو عراة.

و البهائم:جبال بالحمى،و ماؤها يقال له:المنجبس، و أرض.

و الإبهام بالكسر،في اليد و القدم:أكبر الأصابع، و قد تذكّر،جمعه:أباهيم و أباهم.

و سعد البهام ككتاب:من المنازل.

و الأسماء المبهمة:أسماء الإشارات عند النّحاة.

(4:83)

الطّريحيّ: و في الحديث:«يكره الحرير المبهم للرّجال»أي الخالص الّذي لا يمازجه شيء.

و منه:فرس بهيم،أي مصمت و هو الّذي لا يخالط لونه شيء سوى لونه،و منه الأسود البهيم.

و فيه«يحشر النّاس يوم القيامة عراة حفاة بهما» يعني ليس فيهم من العاهات و الأعراض الّتي تكون في الدّنيا،كالعور و العرج.

و البهم بالضّمّ:جمع البهمة،و هو المجهول الّذي لا يعرف،و منه الحديث:«شيعتنا البهم».

و في الحديث:«قلوب المؤمنين مبهمة على الإيمان» أي مصمتة،مثل قولهم:فرس بهيم،أي مصمت،كأنّه أراد بقوله:مبهمة،أي لا يخالطها شيء سوى الإيمان.

و هذه الآية مبهمة،أي عامّة أو مطلقة.و أمر مبهم، أي مفصّل لا مأتيّ له.

و في حديث عليّ عليه السّلام: «كان إذا نزل به إحدى المبهمات كشفها»يريد مسألة معضلة مشكلة؛سمّيت مبهمة،لأنّها أبهمت عن البيان،فلم يجعل عليها دليل.

(6:20)

محمّد إسماعيل إبراهيم: البهيمة:كلّ ذات أربع قوائم من دوابّ البرّ أو البحر ما عدا السّباع،

ص: 59

و الجمع:بهائم.(1:82)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الكيفيّة الّتي لا يعرف لها وجه،و لا يستبين أمرها، و لا مأتى لها.

و هذه الحيثيّة توجد في موارد مختلفة فتنطبق عليها، كالحجر الصّلب الّذي لا يستكشف ما فيه و لا يتصرّف فيه،و الرّجل الشّجاع الصّعب الّذي لا يمكن النّفوذ فيه و لا يقدر عليه،و اللّون الكدر الّذي لا يخالطه شيء و لا شية فيه،و الباب المغلق الّذي لا يفتح و لا إليه سبيل، و الخبر أو الأمر الّذي لم يتبيّن.

و من الأنعام:ما يكون عمله و جريان أمره و صوته غير متبيّن لا مأتى إليه،و لا يعرف باطنه و لا يهتدى إليه، كالغنم و البقر و الإبل و ما يشابهها من الأنعام؛فإنّها ليست من السّباع حتّى تعرف منها خصوصيّات السّبعيّة، و لا من الطّيور حتّى تجدّ و تجتهد في تحصيل معاشها و تنظيم أمورها،فكأنّها صمّ بكم عمي.(1:332)

النّصوص التّفسيريّة

بهيمة

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ... المائدة:1

ابن عبّاس: المراد بذلك أجنّة الأنعام الّتي توجد في بطون أمّهاتها،إذ أشعرت و قد ذكيت الأمّهات و هي ميتة،فذكاتها ذكاة أمّهاتها.

و هو المرويّ عن أبي جعفر،و أبي عبد اللّه عليهما السّلام.

(الطّبرسيّ 2:152)

نحوه الشّعبيّ(البغويّ 2:5)،و عبد اللّه بن عمر(ابن عطيّة 2:144).

أنّها وحش الأنعام كالظّباء،و بقر الوحش.

(ابن الجوزيّ 2:268)

الجنين من بهيمة الأنعام فكلوه.(الطّبريّ 6:50)

الضّحّاك: هي الأنعام كلّها:الإبل و البقر و الغنم.

مثله الحسن،و قتادة،و السّدّيّ،و الرّبيع.

(الطّوسيّ 3:415)

بهيمة الأنعام:وحشيّها كالظّباء و بقر الوحش و حمره.(أبو حيّان 3:412)

مثله الكلبيّ،و الفرّاء.(الطّبرسيّ 2:152)

ابن قتيبة :الإبل و البقر و الغنم و الوحوش كلّها.

(138)

الطّبريّ: اختلف أهل التأويل في بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الّتي ذكر اللّه عزّ ذكره في هذه الآية،أنّه أحلّها لنا،فقال بعضهم:هي الأنعام كلّها.

و قال آخرون: بل عنى بقوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أجنّة الأنعام الّتي توجد في بطون أمّهاتها،إذا نحرت أو ذبحت ميتة.

و أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال:عنى بقوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الأنعام كلّها،أجنّتها و سخالها و كبارها،لأنّ العرب لا تمتنع من تسمية جميع ذلك:بهيمة و بهائم،و لم يخصّص اللّه منها شيئا دون شيء،فذلك على عمومه و ظاهره،حتّى تأتي حجّة

ص: 60

بخصوصه،يجب التّسليم لها.

و أمّا النّعم فإنّها عند العرب اسم للإبل و البقر و الغنم خاصّة،كما قال جلّ ثناؤه: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ النّحل:5،ثمّ قال:

وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً النّحل:8، ففصل جنس النّعم من غيرها من أجناس الحيوان.و أمّا بهائمها فإنّها أولادها.

و إنّما قلنا:يلزم الكبار منها اسم بهيمة،كما يلزم الصّغار،لأنّ معنى قول القائل:بهيمة الأنعام،نظير قوله:

ولد الأنعام،فلمّا كان لا يسقط معنى الولادة عنه بعد الكبر،فكذلك لا يسقط عنه اسم البهيمة بعد الكبر.

و قد قال قوم:بهيمة الأنعام:وحشيّها كالظّباء، و بقر الوحش،و الحمر.(6:49)

الزّجّاج :قال بعضهم: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ :الظّباء و البقر الوحشيّة و الحمر الوحشيّة.و الأنعام في اللّغة:

تشتمل على الإبل و البقر و الغنم.

فالتّأويل-و اللّه أعلم- أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أي أحلّت لكم الإبل و البقر و الغنم و الوحش.

و الدّليل على أنّ الأنعام مشتملة على ما وصفنا،قوله عزّ و جلّ: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:142، فالحمولة:الإبل الّتي تحمّل،و الفرش:صغار الإبل.

قال: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ...

الأنعام:143،ثمّ قال: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ الأنعام:144،و هذا مردود على قوله: وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ الأنعام:141،و أنشأ وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً ثمّ ذكر ثمانية أزواج بدلا من قوله: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً. و السّورة تدعى سورة الأنعام،ف بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ هذه.

و إنّما قيل لها:بهيمة الأنعام،لأنّ كلّ حيّ لا يميّز فهو بهيمة.و إنّما قيل له:بهيمة،لأنّه أبهم عن أن يميّز،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ الّذي أحلّ لنا ممّا أبهم هذه الأشياء.

(2:140)

و البهيمة من ذوات الأرواح:ما لا عقل له مطلقا.

(الآلوسيّ 6:49)

السّجستانيّ: الإبل و البقر و الغنم،و البهيمة:كلّ ما كان من الحيوان غير ما يعقل،و يقال:البهيمة:

ما استبهم عن الجواب،أي استغلق.(48)

الطّوسيّ: [ذكر قول ابن عبّاس،و الضّحّاك، و الحسن و غيرهم ثمّ قال:]

و الأولى حمل الآية على عمومها في الجميع.

(3:415)

نحوه الطّبرسيّ.(2:152)

الواحديّ: و البهيمة:اسم لكلّ ذي أربع،من دوابّ البرّ و البحر.

و المراد ب بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ :الأنعام،و زاد ذكر «البهيمة»للتّأكيد،كما يقال:نفس الإنسان.(2:148)

الزّمخشريّ: البهيمة:كلّ ذات أربع في البرّ و البحر،و إضافتها إلى(الأنعام)للبيان،و هي الإضافة الّتي بمعنى:«من»كخاتم فضّة،و معناه البهيمة من الأنعام.

و قيل: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ :الظّباء،و بقر الوحش و نحوها،كأنّهم أرادوا ما يماثل الأنعام و يدانيها من جنس البهائم في الاجترار و عدم الأنياب،فأضيفت إلى

ص: 61

(الانعام)لملابسة الشّبه.(1:591)

نحوه البيضاويّ(1:260)،و النّسفيّ(1:268).

ابن عطيّة :و اختلف في معنى بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ فقال السّدّيّ،و الرّبيع،و قتادة،و الضّحّاك:هي الأنعام كلّها،كأنّه قال:أحلّت لكم الأنعام،فأضاف الجنس إلى أخصّ منه.[ثمّ ذكر قول الضّحّاك و قال:]

و هذا قول حسن؛و ذلك أنّ الأنعام هي الثّمانية الأزواج،و ما انضاف إليها من سائر الحيوان يقال له:

أنعام بمجموعه معها.و كان المفترس من الحيوان كالأسد و كلّ ذي ناب قد خرج عن حدّ الأنعام فصار له نظر ما، ف بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ هي الرّاعي من ذوات الأربع،و هذه على ما قيل:إضافة الشّيء إلى نفسه،كدار الآخرة و مسجد الجامع،و ما هي عندي إلاّ إضافة الشّيء إلى جنسه،و صرّح القرآن بتحليلها.

و اتّفقت الآية و قول النّبيّ عليه السّلام:«كلّ ذي ناب من السّباع حرام»و يؤيّد هذا المنزع الاستثناءان بعد؛إذ أحدهما استثني فيه أشخاص نالتها صفات ما،و تلك الصّفات واقعات كثيرا في الرّاعي من الحيوان.

و الثّاني:استثني فيه حال للمخاطبين و هي الإحرام و الحرم.و الصّيد لا يكون إلاّ من غير الثّمانية الأزواج، فترتّب الاستثناءان في الرّاعي من ذوات الأربع.

و البهيمة في كلام العرب:ما أبهم من جهة نقص النّطق و الفهم،و منه:باب مبهم،و حائط مبهم،و ليل بهيم.و بهمة:للشّجاع الّذي لا يدرى من أين يؤتى له.

(2:144)

الفخر الرّازيّ: قالوا:كلّ حيّ لا عقل له فهو بهيمة،من قولهم:استبهم الأمر على فلان،إذا أشكل، و هذا باب مبهم،أي مسدود الطّريق،ثمّ اختصّ هذا الاسم بكلّ ذات أربع في البرّ و البحر.

و(الانعام)هي الإبل و البقر و الغنم،قال تعالى:

وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ النّحل:5،إلى قوله:

وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ النّحل:8.

ففرّق تعالى بين الأنعام و بين الخيل و البغال و الحمير،و قال تعالى: مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ* وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ يس:71،72،و قال: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ الأنعام:142،إلى قوله:

ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ...

الأنعام:143،و إلى قوله: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ الأنعام:144.

قال الواحديّ: و لا يدخل في اسم الأنعام الحافر، لأنّه مأخوذ من نعومة الوطء.

إذا عرفت هذا فنقول:في لفظ الآية سؤالات:

الأوّل:أنّ«البهيمة»اسم الجنس،و«الأنعام»اسم النّوع،فقوله: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ يجري مجرى قول القائل:حيوان الإنسان،و هو مستدرك.

الثّاني:أنّه تعالى لو قال:أحلّت لكم الأنعام،لكان الكلام تامّا بدليل أنّه تعالى قال في آية أخرى:

وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ الحجّ:30، فأيّ فائدة في زيادة لفظ«البهيمة»في هذه الآية؟

الثّالث:أنّه ذكر لفظ«البهيمة»بلفظ الوحدان، و لفظ«الأنعام»بلفظ الجمع،فما الفائدة فيه؟

ص: 62

و الجواب عن السّؤال الأوّل من وجهين:

الأوّل:أنّ المراد بالبهيمة و بالأنعام شيء واحد، و إضافة«البهيمة»إلى«الأنعام»للبيان،و هذه الإضافة بمعنى«من»كخاتم فضّة،و معناه البهيمة من الأنعام،أو للتّأكيد كقولنا:نفس الشّيء و ذاته و عينه.

الثّاني:أنّ المراد ب«البهيمة»شيء و ب«الأنعام» شيء آخر،و على هذا التّقدير ففيه وجهان:

الأوّل:أنّ المراد من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ الظّباء و بقر الوحش و نحوها،كأنّهم أرادوا ما يماثل الأنعام و يدانيها من جنس البهائم في الاجترار و عدم الأنياب،فأضيفت إلى الأنعام لحصول المشابهة.

الثّاني:أنّ المراد ب بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أجنّة الأنعام.

روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ بقرة ذبحت،فوجد في بطنها جنين،فأخذ ابن عبّاس بذنبها، و قال:هذا من بهيمة الأنعام.

و عن ابن عمر:أنّها أجنّة الأنعام،و ذكاته ذكاة أمّه...[و قد سكت عن جواب السّؤال الثّاني و الثّالث]

(11:125)

نحوه النّيسابوريّ.(6:32)

القرطبيّ: و اختلف في معنى بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ و البهيمة:اسم لكلّ ذي أربع،سمّيت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها و فهمها و عدم تمييزها و عقلها،و منه:

باب مبهم،أي مغلق،و ليل بهيم،و بهمة:للشّجاع الّذي لا يدرى من أين يؤتى له.[ثمّ ذكر معنى الأنعام و قال:]

و قال قوم: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ :وحشيّها كالظّباء و بقر الوحش و الحمر،و غير ذلك.و ذكره غير الطّبريّ عن السّدّيّ و الرّبيع و قتادة و الضّحّاك،كأنّه قال:

أحلّت لكم الأنعام،فأضيف الجنس إلى أخصّ منه.[ثمّ ذكر نصّ قول ابن عطيّة السّابق،و قال:]

قلت:فعلى هذا يدخل فيها«ذوات الحوافر»لأنّها راعية غير مفترسة.و ليس كذلك،لأنّ اللّه تعالى قال:

وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ النّحل:5، ثمّ عطف عليها قوله: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ فلمّا استأنف ذكرها و عطفها على الأنعام دلّ على أنّها ليست منها.

و قيل: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ما لم يكن صيدا،لأنّ الصّيد يسمّى وحشا لا بهيمة،و هذا راجع إلى القول الأوّل.

و روي عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ :الأجنّة الّتي تخرج عند الذّبح من بطون الأمّهات،فهي تؤكل دون ذكاة،و قاله ابن عبّاس.

و فيه بعد،لأنّ اللّه قال: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ و ليس في الأجنّة ما يستثنى.(6:34)

نحوه أبو حيّان.(3:412)

أبو السّعود :البهيمة:كلّ ذات أربع،و إضافتها إلى الأنعام للبيان كثوب الخزّ،و إفرادها لإرادة الجنس،أي أحلّ لكم أكل البهيمة من الأنعام.و هي الأزواج الثّمانية المعدودة في سورة الأنعام،و ألحق بها الظّباء و بقر الوحش و نحوهما.

و قيل:هي المرادة بالبهيمة هاهنا،لتقدّم بيان حلّ الأنعام،و الإضافة لما بينهما من المشابهة و المماثلة في الاجترار و عدم الأنياب.

ص: 63

و فائدتها الإشعار بعلّة الحكم المشتركة بين المضافين،كأنّه قيل:أحلّت لكم البهيمة الشّبيهة بالأنعام الّتي بيّن إحلالها فيما سبق،المماثلة لها في مناط الحكم.(2:233)

مثله البروسويّ(2:337)،و نحوه رشيد رضا(6:

118).

الآلوسيّ: البهيمة من ذوات الأرواح:ما لا عقل له مطلقا،و إلى ذلك ذهب الزّجّاج.و سمّي بهيمة،لعدم تمييزه و إبهام الأمر عليه.

و نقل الإمام الشّعرانيّ عن شيخه عليّ الخواصّ، قدّس سرّه:أنّ سبب تسمية البهائم بهائم ليس إلاّ لكون أمر كلامها و أحوالها أبهم على غالب الخلق،لا أنّ المراد أبهم عليها،و ذكر ما يدلّ على عقلها و علمها.

و قال غير واحد:البهيمة:اسم لكلّ ذي أربع من دوابّ البرّ و البحر،و إضافتها إلى الأنعام للبيان،كثوب خزّ،أي أحلّ لكم أكل البهيمة من الأنعام،و هي الأزواج الثّمانية المذكورة في سورتها.

و اعترض بأنّ«البهيمة»اسم جنس و«الأنعام» نوع منه،فإضافتها إليه كإضافة:حيوان إنسان،و هي مستقبحة.

و أجيب:بأنّ إضافة العامّ إلى الخاصّ إذا صدرت من بليغ و قصد بذكره فائدة فحسنة كمدينة بغداد،فإنّ لفظ «بغداد»لمّا كان غير عربيّ لم يعهد معناه،أضيف إليه «مدينة»لبيان مسمّاه و توضيحه،و كشجر الأراك،فإنّه لمّا كان«الأراك»يطلق على قضبانه،أضيف لبيان المراد و هكذا،و إلاّ فلغو زائد مستهجن.و هنا لمّا كان الأنعام قد يختصّ بالإبل؛إذ هو أصل معناه-على ما قيل-و لذا لا يقال:النّعم إلاّ لها،أضيف إليه(بهيمة)إشارة إلى ما قصد به...[ثمّ ذكر مثل أبي السّعود فلاحظ](6:49)

الطّباطبائيّ: و البهيمة:اسم لكلّ ذي أربع،من دوابّ البرّ و البحر على ما في المجمع،و على هذا فإضافة البهيمة إلى الأنعام من قبيل إضافة النّوع إلى أصنافه، كقولنا:نوع الإنسان و جنس الحيوان.و قيل:البهيمة جنين الأنعام،و عليه فالإضافة لاميّة.

و كيف كان فقوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أي الأزواج الثّمانية،أي أكل لحومها.(5:161)

خليل ياسين: ما معنى البهيمة؟البهيمة:اسم لكلّ ذي أربع،من دوابّ البرّ و البحر.و قال بعضهم:كلّ حيّ لا يفهم فهو بهيمة،و الصّحيح الأخير.و إنّما قال: بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ للتّأكيد،كما يقال:نفس زيد،و شخص عمرو،فمعناه أحلّت لكم الأنعام،و هي الإبل و البقر و الغنم.(1:182)

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة(الانعام)صيغة جمع من«نعم»و تعني الإبل و البقر و الأغنام.أمّا كلمة(بهيمة) فهي مشتقّة من المصدر«بهمة»على وزن«تهمة»و تعني في الأصل:الحجر الصّلب.

و يقال لكلّ ما يعسر دركه:مبهما،و جميع الحيوانات الّتي لا تمتلك القدرة على النّطق تسمّى بهيمة،لأنّ أصواتها تكون مبهمة للبشر.و قد جرت العادة على إطلاق كلمة«بهيمة»على المواشي من الحيوانات فقط، فأصبحت لا تشمل الحيوانات الوحشيّة و الطّيور.

و من جانب آخر فإنّ جنين المواشي يطلق عليه

ص: 64

اسم«بهيمة»لأنّه يكون مبهما نوعا ما.

و على الأساس المذكور فإنّ حكم حلّيّة بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ يشمل إمّا جميع المواشي ما عدا الّتي استثنتها الآية فيما بعد،أو تكون الجملة بمعنى:أجنّة الحيوانات من ذوات اللّحم الحلال،تلك الأجنّة الّتي اكتمل نموّها و هي في بطن أمّها،و كسي جلدها بالشّعر أو الصّوف.

و لمّا كان حكم حلّيّة الحيوانات كالإبل و البقر و الأغنام قد تبيّن للنّاس قبل هذه الآية،لذلك من المحتمل أن تكون الآية-موضوع البحث-إشارة إلى حلّيّة أجنّة هذه الحيوانات.

و الظّاهر من الآية أنّها تشمل معنى واسعا،أي تبيّن حلّيّة هذه الحيوانات،بالإضافة إلى حلّيّة لحوم أجنّتها أيضا.و مع أنّ هذا الحكم كان قد توضّح في السّابق إلاّ أنّه جاء مكرّرا في هذه الآية،كمدمّة للاستثناءات الواردة فيها.(3:511)

2- لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ... الحجّ:28

أبو عبيدة :خرجت مخرج يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً المؤمن:67،و البهائم:الأنعام و الدّوابّ.(2:50)

الزّمخشريّ: البهيمة:مبهمة في كلّ ذات أربع في البرّ و البحر،فبيّنت بالأنعام،و هي الإبل و البقر و الضّأن و المعز.(3:11)

مثله النّسفيّ(3:100)،و النّيسابوريّ(17:94)، و أبو حيّان(6:365)،و البروسويّ(6:26).

الطّبرسيّ: و البهيمة:أصلها من الإبهام،و ذلك أنّها لا تفصح كما يفصح الحيوان النّاطق.(4:81)

الطّباطبائيّ: و البهيمة:ما لا نطق له،و ذلك لما في صوته من الإبهام،لكن خصّ في التّعارف بما عدا السّباع و الطّير،فقال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ المائدة:1.

فالمراد ب بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ :الأنواع الثّلاثة الإبل و البقر و الغنم،من معز أو ضأن،و الإضافة بيانيّة.

(14:370)

3-و نحو ذلك قوله تعالى: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ الحجّ:34.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البهمة،أي ولد بقر الوحش و الغنم و المعز،الذّكر و الأنثى فيه سواء،و الجمع:

بهم و بهم،يقال:هم يبهّمون البهم،أي أفردوه عن أمّهاته فرعوه وحده،و في الحديث:«و ترى الحفاة العراة رعاء الإبل و البهم يتطاولون في البنيان».

و منه البهيمة،و هي ذات الأربع من دوابّ البرّ و البحر،و هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة»،لأنّ الأمور قد أبهمت عليها،و منه قول الحسين عليه السّلام لشمر يوم عاشوراء:«إنّما أنت بهيمة»،و لذا يقال لمن يضرب فيغشى عليه،لا ينطق و لا يميّز:وقع مبهما.

و البهمة:الصّخرة الّتي لا خرق فيها،و الأبهم:

المصمت،أي الشّيء الّذي لا جوف له كالحجر.

و الإبهام:الإصبع الكبرى،قيل لها ذلك لأنّها تبهم الكفّ،أي تطبق عليها.و البهمى:نبات برّيّ تقبل عليه

ص: 65

البهائم ما دام أخضر،فإذا يبس أخرج أشواكا؛فحينئذ تعزف عنه،يقال:أبهمت الأرض فهي مبهمة،أي أنبتت البهمى،و كذا أرض بهمة.

و البهمة:البطل الّذي لا يدرى من أين يؤتى من شدّة بأسه،المفرد و الجمع فيه سواء،و جمعه بهم،يقال:

إنّه لبهمة من قوم بهم.

و البهيم:لون خالص لا يخالطه لون آخر،يقال:

فرس بهيم،أي لم يخلط لونه سواه،و كميت بهيم، و أشقر بهيم،و أدهم بهيم.و ليل بهيم:لا ضوء فيه إلى الصّباح،و صوت بهيم:لا ترجيع فيه.

و طريق مبهم:خفيّ لا يستبين،و حائط مبهم:ليس فيه باب،و باب مبهم:لا يهتدى لفتحه،يقال:أبهمت الباب،أي أغلقته.

و يقال أيضا:أبهم فلان عليّ الأمر،أي أصمته،فلم يجعل فيه فرجا أعرفه،و أبهم الأمر:اشتبه،لا يعرف وجهه فهو مبهم،و استبهم عليه الكلام و الأمر:استغلق فهو مستبهم،و استبهم عليهم أمرهم،أي لا يدرون كيف يأتون له.

و منه أيضا:بهّم فلان بموضع كذا،أي أقام به و لم يبرحه،تشبيها بمكوث البهم في مكانها الّذي تألفه، و بهّمت،أي أدمت إلى الشّيء نظرا من غير أن يشفيني بصري منه،و تبهّم عليه الكلام:ارتجّ،أي التبس.

2-و وردت البهيمة في العبريّة بلفظ«بهمة»،و في العهد القديم(أيّوب 40:15)بلفظ«بهيموث»،جمع «بهمة»العبريّ كما حكاه صاحب«قاموس كتاب مقدّس»عن بعض.

و ذهب«آرثر جفري»إلى أنّ العرب أخذوا«البهيمة» من اللّفظ العبريّ مباشرة،و قد استدلّ بعجز المعجمات العربيّة عن بيان أصله في اللّغة،و استعماله في أحكام اللّحوم المحلّلة و المحرّمة في آيات مدنيّة متأخّرة،تأثّرا بأحكام اليهود و شرائعهم في هذا المضمار.

و نقول:إنّه ركّز كلامه في أمرين:الأوّل:أنّ الإسلام أخذ حكم أكل البهيمة من اليهود في المدينة،بعد الوقوف على حكم التّوراة.و الثّاني:أنّ لفظ«البهيمة»مأخوذ من لغتهم العبريّة.

و الجواب عن الأوّل:أنّ بعض أحكام القرآن ناظر إلى أحكام اليهود،و ربّما يحكيها كقوله: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ... المائدة:45.

و ليس معنى هذا أنّ الإسلام أخذ أحكامه من التّوراة-كما يدّعي-بل أنّ القرآن مهيمن على الكتب السّابقة،فيمضي منها ما يمضي،و يغيّر منها ما يغيّر بوحي من اللّه،كما أحلّ كثيرا من اللّحوم الّتي حرّمتها التّوراة.

أمّا سرّ تأخّرها إلى المدينة،فلأنّها دار التّشريع القرآنيّ و الدّعوة معا،و فيها شرّعت الأحكام.أمّا مكّة فكانت دار الدّعوة في أغلب الأحوال،و من أجل ذلك قلّ التّشريع في المكّيّات،و هذه إحدى مميّزات الآيات و السّور المدنيّة من المكّيّة.

و الجواب عن الثّاني:أنّ هذا اللّفظ-و إن استعمل في القرآن أواخر عهد الرّسالة في المدينة-قد استعمله العرب قبل ظهور الإسلام خلال العصر الجاهليّ الغابر، و لا خلاف بينها في معناه أبدا.

3-و احتمل«أدي شير»في«الألفاظ الفارسيّة»أنّ

ص: 66

«البهيمة»مأخوذ من اللّفظ الفارسيّ«بهمان»أي مبهم.

و هذا بعيد أيضا،لأنّ هذا اللّفظ-كما يبدو من وزنه- صفة مشتقّة من«البهمة»،ثمّ سمّي به،فنقل إلى الاسميّة.

الاستعمال القرآنيّ

في هذه المادّة ثلاث آيات:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ المائدة:1

2- لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ الحجّ:28

3- وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات الثّلاث جاءت خلال مناسك الحجّ،لأنّ الذّبح من جملتها مع تفاوت بينها، فالأخيرتان جاءتا في صميم الموضوع بلفظ متقارب وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، و لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، فجاء فيهما ذكر اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.

أمّا الآية الأولى،فإنّها و إن جاءت خلال آيات الحجّ باعتبار نزول سورة المائدة في حجّة الوداع،و في أوّلها آيتان:(1)و(2)،و في وسطها أربع آيات:(94)إلى (97)في مناسك الحجّ،و لا سيّما الصّيد في الحرم،إلاّ أنّها بدأت بإعلان حلّيّة البهيمة إِلاّ ما يُتْلى، ثمّ ذكر المحرّمات منها في(3): حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ.

ثانيا:طرح الفخر الرّازيّ هنا ثلاث أسئلة:لم أضيف فيها«بهيمة»-و هو اسم جنس-إلى«الأنعام»،و هو اسم نوع،فهي من قبيل حيوان الإنسان؟و لو قال:

أحلّت لكم الأنعام،لكان الكلام تامّا،كما جاءت في آية أخرى؟و لم أفردت«بهيمة»و جمعت«الأنعام»؟ثمّ أجاب عن الأوّل فقط،فلاحظ النّصوص.

ثالثا:ما الفرق بين اللّفظين:البهيمة و الأنعام؟و لم جاءت«بهيمة»مفردة ثلاث مرّات،و لم تأت جمعا؟ و جاءت الأنعام جمعا«32»مرّة،و لم تأت مفردة إلاّ مرّة واحدة في: وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المائدة:95.

و الّذي يخطر بالبال أنّ الأنعام أطلقت في القرآن على الأزواج الثّمانية و غيرها أينما ضمّ إليها الأكل و الحلّ، مثل: وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ الحجّ:

30.و على الأعمّ منها و من الخيل و البغال و الحمير إذا ضمّ إليها الرّكوب،مثل: وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الأنعام:142،و وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ الزّخرف:12.و إذا جمع بين الأكل و الرّكوب،مثل: اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ المؤمن:79،فرّق بينهما بلفظ «منها».

أمّا البهيمة فتعمّ كلّ حيوان،و إنّما أضيفت إلى «الأنعام»لاختصاصها بالمأكول من البهيمة و الأنعام

ص: 67

معا.و إفراد«بهيمة»فيها للجنس،و جمع«الأنعام» للتّعميم لكلّ مأكول منها،من الأزواج الثّمانية و غيرها، و جاءت مفردة تلو«من»لزيادة التّعميم أيضا.

و على كلّ حال،أصبحت بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ تعبيرا قرآنيا شائعا لما يذبح و يؤكل من الأنعام،و لا سيّما في الحجّ،لاحظ«ن ع م».

رابعا:الآيات الثّلاث مدنيّة،على خلاف في سورة الحجّ كما أشرنا إليه مرّات،فلو ثبت كونها مدنيّة لاختصّت البهيمة بالمدينة في القرآن.

ص: 68

ب و ء

اشارة

12 لفظا،17 مرّة:8 مكّيّة،9 مدنيّة

في 12 سورة:6 مكّيّة،6 مدنيّة

باء 2:-2 لنبوئنّهم 2:2

باءوا 3:-3 مبوّأ 1:1

تبوأ 1:-1 تبوّءوا 1:-1

بوّأكم 1:1 يتبوّأ 1:1

بوّأنا 2:1-1 تبوّآ 1:1

تبوّئ 1:-1 نتبوّأ 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الباءة و المباءة:منزل القوم حين يتبوّءون في قبل واد،أو سند جبل.و يقال:بل هو كلّ منزل ينزله القوم،يقال:تبوّءوا منزلا،و قال تعالى: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93.[ثمّ استشهد بشعر]

و المباءة:معطن الإبل حيث تناخ في الموارد،يقال:

أبأنا الإبل إباءة-ممدودة-أي أنخنا بعضها إلى بعض.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّ فلانا لبواء بفلان،أي إن قتل به كان كفء.و أبأت بفلان قاتله،إذا قتلته به،و استبأتهم قاتل أخي،أي طلبت إليهم أن يقيدوه،و استبأته:مثل استقدت به.[ثمّ استشهد بشعر]

و البواء في القود،تقول:اقتل هذا بقتيلك فإنّه بواء به،أي هو يعادله في الكفاءة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البواء:المثل،تقول:دونك هذا فخذه بواء،و قال أبو الدّقيش:العرب تقول:كلّمناهم فأجابونا عن بواء واحد،أي أجابونا جوابا واحدا.

و تقول:هم في هذا الأمر بواء سواء،أي أكفاء نظراء.

و بوّأت الرّمح نحو الفارس،إذا قابلته فسدّدت الرّمح نحوه.

و أبي فلان بفلان،أي قتل به.[ثمّ استشهد بشعر] و قيل:تباوأت،أي توازنت و استوت،و باء بإثمي،

ص: 69

أي استولى عليه.

و يقال:باء فلان بدم فلان إذا أقرّ به على نفسه، و احتمله طوعا،علما بوجوبه.

و باء فلان بذنبه،إذا احتمله كرها،لا يستطيع دفعه عن نفسه،فقد باء به،كما باءت اليهود بالغضب من اللّه.

و باء فلان من أمره هذا بما عليه و ما له.

و الأبواء:موضع.(8:411)

الأحمر:فإن قتله السّلطان بقود قيل:قد أقاد السّلطان فلانا،و أقصّه،و أباءه،و أصبره.

و قد أبأته أبيئه إباءة.(الأزهريّ 15:598)

الفرّاء:يقال:تبوّأ فلان منزلا،إذا نظر إلى أسفل ما يرى و أشدّه استواء و أمكنه لمبيته،فاتّخذه.

(الأزهريّ 15:595)

الباءة:النّكاح،و الهاء فيه زائدة،و النّاس يقولون:

الباه.(الأزهريّ 15:596)

باء بوزن«باع»،إذا تكبّر،كأنّه مقلوب من بأي، كما قالوا:أرى و رأى.(ابن منظور 1:39)

أبو عبيدة :يقال:القوم بواء،أي سواء.

و يقال:ما فلان لفلان ببواء،أي ما هو بكفء.(الأزهريّ 15:597)

أبو زيد :و أبوء:أقرّ و أحتمل.يقال:باء بكذا و كذا،إذا احتمله و أقرّ به.(150)

أبأتت القوم منزلا،و أبأت الإبل فأنا أبيئها إباءة،إذا رددتها إلى المباءة،و هي المراح الّذي تبيت فيه.

(الأزهريّ 15:594)

أبأت القوم منزلا،و بوّأتهم منزلا،تبويئا،إذا نزلت بهم إلى سند جبل أو قبل نهر.و الاسم:المباءة،و هو المنزل.(الأزهريّ 15:595)

يقال:باء فلان ببيئة سوء،أي بحال سوء.

و يقال:في أرض فلان فلاة تبيء في فلاة،أي تذهب.(الأزهريّ 15:596)

بؤت بالذّنب أبوء به بوءا،إذا اعترفت به.

(الأزهريّ 15:597)

باء الرّجل بصاحبه،إذا قتل به،و منه قولهم:«باءت عرار بكحل»،و هما بقرتان قتلت إحداهما بالأخرى.

(الجوهريّ 1:37)

أبأت القوم منزلا،لغة في بوّأتهم منزلا.

(الصّغانيّ 1:8)

التّبوّؤ:أن يعلم الرّجل الرّجل على المكان إذا أعجبه لينزله.(الزّبيديّ 1:47)

الأصمعيّ: يقال:فلان حريص على الباءة،أي على النّكاح.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:595)

المباءة:المنزل،يقال:تبوّأ فلان منزلا،إذا اتّخذه، و بوّأته منزلا.(الأزهريّ 15:594)

نحوه ابن دريد.(3:278)

باء بإثمه و يبوء به بوءا،إذا أقرّ به.

و باء فلان بفلان،إذا كان كفء له،يقتل به.و منه قول المهلهل لابن الحارث بن عبّاد حين قتله:«بؤ بشسع نعل كليب»معناه:كن كفء لشسع نعله،لا دمه.

(الأزهريّ 15:596)

يقال:قد أباءها الرّاعي إلى مبائها فتبوّأته،و بوّأها إيّاه تبويئا.(ابن فارس 1:313)

ص: 70

الأخفش: أبأت بالمكان:أقمت به.و بوّأتك بيتا:

اتّخذت لك بيتا،و قوله تعالى: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يونس:87،أي اتّخذا.(الأزهريّ 15:595)

يقال:باء فلان بفلان،إذا قتل به،و صار دمه بدمه.

و البواء:السّواء،يقال:القوم على بواء.و قسّم المال على بواء،أي على سواء.

و أبأت فلانا بفلان:قتلته به.(الأزهريّ 15:597)

أبأت بالمكان:أقمت به،تبوّأ:نزل و أقام.

(الصّغانيّ 1:8)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،في قوله تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى البقرة:178،كان بين حيّين من العرب قتال،و كان لأحد الحيّين طول على الآخرين،و قالوا:لا نرضى إلاّ أن يقتل بالعبد منّا الحرّ منهم،و بالمرأة الرّجل،فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يتباءوا،مثل يتباعوا،و قيل:يتباوءوا.

هو عندي يتباوءوا مثل يتقاولوا.

و في حديث آخر:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«الجراحات بواء»،يعني أنّها متساوية في القصاص،و أنّه لا يقتصّ للمجروح إلاّ من جارحه الجاني عليه بعينه،و أنّه مع هذا لا يؤخذ إلاّ مثل جراحته سواء،فذلك البواء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال منه:قد باء فلان بفلان،إذا قتل به،و هو يبوء به.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا أقصّ السّلطان أو غيره رجلا من رجل،فقال:

أبأت فلانا بفلان.[ثمّ استشهد بشعر](1:345)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:133)

يقال:فلان حسن البيئة على«فعلة»من قولك:

تبوّأت منزلا.و بات فلان ببيئة سوء.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 1:313)

ابن الأعرابيّ: الباء و الباءة و الباه:مقولات كلّها.

(الأزهريّ 15:596)

ابن السّكّيت :و الإباءة:الفرار،يقال:مرّ فلان مبيئا يعدو.[ثمّ استشهد بشعر](299)

أبو حاتم: الباءة بالمدّ:النّكاح،أصله من باء يبوء بيئة،إذا رجع إلى أهله.(ابن دريد 3:293)

شمر: و قد قالوا:تبوّأ:هيّأ و أصلح،و تبوّأ:نزل و أقام،و المعنيان قريبان.(الأزهريّ 15:595)

المبرّد:و قوله:«أ ما يصبك عدوّ في مباوأة»يقول:

في وتر،يقال:باء فلان بكذا،كما قال مهلهل:«بؤ بشسع كليب»أي هو ثأر بالشّسع.(2:353)

الزّجّاج :معنى باء بذنبه:احتمله،و صار المذنب مأوى الذّنب.

و بوّأته منزلا،أي جعلته ذا منزل.

(الأزهريّ 15:596)

ابن دريد :باء بإثمه يبوء به بوءا و بواء،إذا رجع به.

باء فلان بفلان يبوء به بواء،إذا قتل به،و أبأته أنابه أبيئه إباءة،إذا قتلته به.[ثمّ استشهد بشعر]

و المباءة:المرجع إلى الشّيء.و مباءة البئر لها موضعان:فأحدهما:موضع وقوف سائق السّانية، و الآخر:مباءة الماء إلى جمّها.

و من ذلك الباءة الّتي تحسبها العامّة النّكاح،من

ص: 71

رجوع الماء،و إنّما هو من الرّجوع إلى الشّيء.

(1:169)

و مثل من أمثالهم:باءت عرار بكحل»و قالوا:عرار و هو الوجه،و هما بقرتان-و لهما حديث-قتلت كلّ واحدة صاحبتها،يقولون ذلك إذا تباءى الرّجلان، فقتل كلّ واحد منهما بصاحبه.

و قال أيضا:باءت من البواء،و هو أن يقتل الرّجل بالرّجل،يقال:باء به يبوء بواء،إذا قتل به.(2:185)

و التّبو فعل ممات،ثمّ قالوا:تبوّآ.(3:293)

يتبوّأ،فلم يهمزوا،و همزه قوم فقالوا:تبوّأ يتبوّأ تبوّأ:أقام بالمكان.(3:199)

و أبأت على فلان ماله أبيؤه إباءة،إذا أرحت عليه إبله و غنمه،و أبأت القوم منزلا إباءة منه.و بوّأتهم تبويئا،إذا نزلت بهم إلى سند جبل أو شاطئ نهر.

و الاسم:المباءة و البيئة،و هي المنزل.(3:269)

و بيئة الرّجل مثل بيعة:الموضع الّذي يتبوّأ فيه.

(3:277)

و الباءة بالمدّ:النّكاح معروف،و هو الّذي تسمّيه العامّة الباه.[ثمّ ذكر قول أبي حاتم المتقدّم](3:293)

ابن الأنباريّ: و البواء:التّكافؤ،يقال:ما فلان بواء بفلان،أي ما هو بكفء له.(84)

الباء:النّكاح،يقال:فلان حريص على الباء و الباءة و الباه،بالهاء و القصر،أي على النّكاح.

و الباءة:الواحدة،و الباء:الجمع،و تجمع الباءة على:الباءات.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:596)

القاليّ: قوله:«بؤ بشسع نعل كليب»أمر من قولهم:باء الرّجل بصاحبه بوءا،إذا قتل به،و كان كفء له،أي مت بشسع نعل كليب،فأنت في القود كفء له أيّ كفء،و يقال:القوم بواء،أي أمثال في القود مستوون.

[ثمّ استشهد بشعر](2:132)

قوله:

*فإنّ أخاكم لم يكن من بوائيا*

البواء:السّواء،يريد إنّ أخاكم لم يكن نظيرا لي فأكون بواء له،يقال:بؤ بفلان،أي اذهب به،يقال ذلك للمقتول بمن قتل.(ذيل الأماليّ:135)

الأزهريّ: و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من استطاع منكم الباءة فليتزوّج،و من لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له و جاء»أراد ب«الباءة»النّكاح و التّزويج.

و يقال للجماع نفسه:باءة،و الأصل في الباءة:

المنزل،ثمّ قيل لعقد التّزويج:باءة،لأنّ من تزوّج امرأة بوّأها منزلا.(15:595)

الصّاحب: [ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و باءت عليهم إبل كثيرة،أي راحت تبوء،و أبأتها أنا.

و أبأت على بني فلان مالا،أي أعطيتهم إيّاه و سقته إليهم.

و أباءهم إلى ذاك،أي ألجأهم.

و أباءوا،أي فرّوا.

و تبأبأت:عدوت.

و ما بؤت به،أي ما عنيت به.

و بؤته بالأمر،إذا أزننته به.

و الباءة:الجماع،و كذلك الباء و الباءات.

ص: 72

و هو طيّب الباءة،أي عفيف الفرج،و أصله البيت و المنزل.

و ذلك حرى منه و باءة،أي مكان منه و منزل.

و البيئة:المنزل.

و استباءت الأنثى:طلبت الباءة.[إلى أن قال:]

و باوأت بين القتلى بواء،أي ساويت بينهم.

و تباوأت:توازنت و استويت.

و بؤ بنعل كليب،أي قدرك أن تقتل بنعلهم.

و باءني الشّيء-بوزن باعني-أي وافقني.و باء بكفّي سيف.

و باء الظّبي بكفّة الحبالة،أي وقع.و باء بشرّ فيه، مثله.

و بؤت بالحمل أحسن البوء.

و قوله عزّ و جلّ: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ البقرة:90،أي أقرّوا،و قيل:رجعوا إلى منازلهم.

و كلّمناهم فأجابونا عن بواء واحد،أي جوابا واحدا.و هم في الأمر بواء،أي سواء.

و بوّأت الرّمح نحوه:سدّدته و هيّأته.

و بوى يبوي بيّا:حاكى غيره في فعله،و هو من البواء:السّواء،و هم أبواء و أسواء.

و باوأت الرّجل بعصاي،أي رفعتها عليه و رفع عليّ،و كذلك إذا خاطرته.و البأو:الواسع.(10:443)

الجوهريّ: المباءة:منزل القوم في كلّ موضع، و يسمّى كناس الثّور الوحشيّ:مباءة،و كذلك معطن الإبل.[إلى أن قال:]

و الباءة مثال«الباعة»لغة في المباءة،و منه سمّي النّكاح باء و باءة،لأنّ الرّجل يتبوّأ من أهله،أي يستمكن منها،كما يتبوّأ من داره.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«أمرهم أن يتباءوا»و الصّحيح يتباوءوا على مثال يتقاولوا.

و أبأت القاتل بالقتيل،و استبأته،إذا قتلته به أيضا.

و يقال:بؤ به،أي كن ممّن يقتل به.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:باء بحقّه،أي أقرّ،و ذا يكون أبدا بما عليه، لا له.[ثمّ استشهد بشعر]

و في أرض كذا فلاة تبيء في فلاة،أي تذهب.

(1:37)

ابن فارس :الباء و الواو و الهمزة أصلان:أحدهما:

الرّجوع إلى الشّيء،و الآخر:تساوي الشّيئين.

فالأوّل:الباءة و المباءة،و هي منزلة القوم،حيث يتبوّءون في قبل واد أو سند جبل.و يقال:قد تبوّءوا، و بوّأهم اللّه تعالى منزل صدق.[ثمّ استشهد بشعر]

و المباءة أيضا:منزل الإبل حيث تناخ في الموارد، يقال:أبأنا الإبل نبيئها إباءة-ممدودة-إذا أنخت بعضها إلى بعض.[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو مهديّ: يقال:باءت على القوم بائيتهم،إذا راحت عليهم إبلهم.

و من هذا الباب قولهم:أبئ عليه حقّه،مثل أرح عليه حقّه.و قد أباءه عليه،إذا ردّه عليه.

و من هذا الباب قولهم:باء فلان بذنبه،كأنّه عاد إلى مباءته محتملا لذنبه،و قد بؤت بالذّنب؛و باءت اليهود بغضب اللّه تعالى.

ص: 73

و الأصل الآخر:قول العرب:إنّ فلانا لبواء بفلان، أي إن قتل به كان كفء،و يقال:أبأت بفلان قاتله،أي قتلته.و استبأتهم قاتل أخي،أي طلبت إليهم أن يقيدوه.و استبأت به مثل استقدت.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:باء فلان بفلان،إذا قتل به.

و من هذا الباب قول العرب:كلّمناهم فأجابونا عن بواء واحد،أجابوا كلّهم جوابا واحدا.و هم في هذا الأمر بواء،أي سواء و نظراء.و في الحديث:أنّه أمرهم أن يتباءوا»أي يتباءون في القصاص.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:312)

الهرويّ: قوله تعالى: فَباؤُ بِغَضَبٍ أي لزمهم و رجعوا به،و منه قوله عليه السّلام في دعائه و مناجاته:«أبوء بنعمتك عليّ»أي أقرّ بها،و ألزمها نفسي.

و أصل البواء:اللّزوم،يقال:أباء الإمام فلانا بفلان، أي ألزمه دمه،و قتله به.و فلان بواء لفلان،إذا قتل به.

و هو كقوله:«بوّأه اللّه تعالى منزلا»أي ألزمه إيّاه، و أسكنه إيّاه.قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93،أي أنزلناهم منزلا صالحا.

و المبوّأ:المنزل الملزوم.

و أرض مباءة:منزولة مألوفة،و منه الحديث:

أنّه عليه السّلام حين هاجر قال للمدينة:«هاهنا المتبوّأ».[ثمّ أيّد قوله بآيات]

و الباءة و المباءة:المنزل،ثمّ قيل لعقد النّكاح:باءة، لأنّ من تزوّج امرأة بوّأها منزلا.و يقال للجماع نفسه:

باءة،و في الحديث:«عليكم بالباءة»يعني النّكاح و التّزويج.

و في الحديث:«فقد باء أحدهما بالكفر»أي التزمه و رجع به.(1:215)

ابن سيده :باء إلى الشّيء،يبوء،بوءا:رجع.

و بوت به إليه.

و أبأته؛عن ثعلب،و بؤته؛عن الكسائيّ،كأبأته، و هي قليلة.

و الباءة و الباء:النّكاح.

و بوّأ الرّجل:نكح.[ثمّ استشهد بشعر]

و للبئر،مباءتان:إحداهما-مرجع الماء إلى جمّها، و الأخرى-موضع وقوف سائق السّانية.

و باء بذنبه يبوء بوءا و بواء:احتمله،و قيل:اعترف به.

و باء بدم فلان:أقرّ.

و أبأته:قرّرته.

و باء دمه بدمه بوءا و بواء:عدله.

و باء فلان بفلان بواء،ممدود،و أباءه و باوأه:إذا قتل به فقاومه.

و فلان بواء فلان:أي كفؤه إن قتل به،و كذلك الاثنان و الجميع.

و باءه:قتله به.

و استبأت الحكم و استبأت به،كلاهما:استقدته.

و تباوأ القتيلان:تعادلا.

و بوّأ الرّمح نحوه:قابله به.

و بوّأهم منزلا:نزل بهم إلى سند جبل.

و أباءه منزلا و بوّأه إيّاه و بوّأه فيه:أنزله.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 74

و الاسم:البيئة،و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ الحشر:9،جعل الإيمان محلاّ لهم على المثل،و قد يكون أراد تبوّءوا مكان الإيمان و بلد الإيمان فحذف.

و تبوّأ المكان:حلّه.

و إنّه لحسن البيئة،أي هيئة التّبوّؤ.

و البيئة و الباءة و المباءة:المنزل.

و مباءة الإبل:معطنها.

و أبأت الإبل:أنخت بعضها إلى بعض.

و مباءة النّحل:بيتها في الجبل.

و المباءة من الرّحم:حيث يتبوّأ الولد.

و بات ببيئة سوء؛أي بحال سوء،و عمّ بعضهم به جميع الحال.

و أباء عليه ماله:أراحه.

و أباء منه:فرّ.

و أجابونا على بواء واحد:أي جواب واحد.

(10:560)

الطّوسيّ: التّبوئة:اتّخاذ المواضع لصاحبه،و أصلها:

اتّخاذ منزل تسكنه،تقول:بوّأته منزله أبوّئه تبوئة،و منه المباءات المراح،لأنّه رجوع إلى المستقرّ المتّخذ،و أبأت الإبل أبيئها إباءة،إذا رددتها إلى المباءة،و منه بوّأت بالذّنب،أي رجعت به محتملا له.(2:576)

مثله الطّبرسيّ.(1:495)

و باء:معناه رجع،تقول:باء بذنبه يبوء بوءا،إذا رجع به.و بوّأته منزلا،أي هيّأته،لأنّه يرجع إليه،لأنّه مأواه.

و البواء:قتل الجاني بمن قتله.(3:36)

مثله الطّبرسيّ.(1:530)

و التّبوّؤ:هو اتّخاذ منزل يرجع إليه،و أصله:

الرّجوع من باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:61.[ثمّ استشهد بشعر](6:158)

و التّبوّؤ:الإحلال بالمكان للمقام،يقال:تبوّأ منزلا يتبوّأ،إذا اتّخذه.و بوّأه غيره تبويئا،إذا أحلّه غيره،و منه:

وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93.

(6:383)

الرّاغب: أصل البواء:مساواة الأجزاء في المكان، خلاف النّبوة الّذي هو منافاة الأجزاء؛يقال:مكان بواء، إذا لم يكن نابيا بنازله،و بوّأت له مكانا:سوّيته فتبوّأ، و باء فلان بدم فلان يبوء به،أي ساواه.قال: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يونس:87، وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ...

آل عمران:121، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يوسف:56.

و روي أنّه كان عليه السّلام يتبوّأ لبوله كما يتبوّأ لمنزله.

و بوّأت الرّمح:هيّأت له مكانا،ثمّ قصدت الطّعن به.

و قال عليه السّلام:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار».[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تبوّأ فلان:كناية عن التّزوّج،كما يعبّر عنه بالبناء،فيقال:بنى بأهله.

و يستعمل«البواء»في مكافأة المصاهرة و القصاص، فيقال:فلان بواء لفلان،إذا ساواه.و فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ الأنفال:16،أي حلّ مبوأ،و معه غضب اللّه،

ص: 75

أي عقوبته.و(بغضب)في موضع حال كخرج بسيفه،أي رجع.و جاء له أنّه مغضوب،و ليس مفعولا،نحو مرّ بزيد.

و استعمال(باء)تنبيها على أنّ مكانه الموافق يلزمه فيه غضب اللّه،فكيف غيره من الأمكنة؛و ذلك على حدّ ما ذكر في قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ آل عمران:21، و قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ المائدة:29، أي تقيم بهذه الحالة.

قال:

*أنكرت باطلها و بؤت بحقّها*

و قول من قال:أقررت بحقّها،فليس تفسيره بحسب مقتضى اللّفظ.

و الباءة:كناية عن الجماع.

و حكي عن خلف الأحمر:أنّه قال في قولهم:

«حيّاك اللّه و بيّاك»أنّ أصله:بوّأك منزلا،فغيّر لازدواج الكلمة كما غيّر في قولهم:أتيته الغدايا و العشايا.(69)

الزّمخشريّ: بوّأك اللّه مبوّأ صدق.و تبوّأ فلان منزلا طيّبا.و نزلوا في مباءتهم و باءتهم.و أناخوا إبلهم في مباءتها،و هي معطنها.

و بنو فلان تبوء عليهم إبل كثيرة،أي تروح.و أباء اللّه عليكم نعما لا يسعها المراح.

و بوّأت الرّمح نحوه:سدّدته.[ثمّ استشهد بشعر]

و هم أكفاء سواء،و دماؤهم بواء.و باء فلان بفلان:

صار كفء له.و أبأت فلانا بفلان:قتلته به.[ثمّ استشهد بشعر]

و باء بدمه:أقرّ به على نفسه و احتمله.و باء بحقّي عليه و بذنبه، وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:61.

و من المجاز:النّاس في هذا الأمر بواء،أي سواء.

و كلّمناهم فأجابوا عن بواء واحد،إذا لم يختلف جوابهم.

و فلان طيّب الباءة:للعفيف الفرج،جعل طيّب الباءة،و هي المباءة و المنزل مجازا عن ذلك.و هو رحب المباءة:للسّخيّ الواسع المعروف.

و قرأ فلان كتاب الباءة،إذا كان نكّاحا.

(أساس البلاغة:33)

الطّبرسيّ: يقال:تبوّأ لنفسه بيتا،أي اتّخذه، و بوّأت له بيتا،أي اتّخذته له.

و يقال:إنّ تبوّأ و بوّأ بمعنى،أي اتّخذ بيتا،مثل بدّل و تبدّل،و خلّص و تخلّص.(3:128)

المدينيّ: في الحديث:فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يتباءوا».قال أبو عبيد:كذا قال هشيم،و الصّواب:

يتباوءوا،على مثال يتقاولوا من«البواء»و هو المساواة.

و أبوأت فلانا بفلان،أبيئه إباءة فتباوأ،و باوأت بين القتلى:ساويت.

و قال الزّمخشريّ: «يتباءوا»صحيح،يقال:باء به، إذا كان كفء له،و هم بواء،أي أكفاء،و معناه ذوو بواء.

في حديث وائل بن حجر في القاتل:«إن عفوت عنه يبوء بإثمه و إثم صاحبه»،أي كان عليه عقوبة ذنوبه و عقوبة قتل صاحبه،فأضاف«الإثم»إلى صاحبه،لأنّ قتله سبب لإثمه،كما قال تعالى: قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:27،و إنّما هو رسول اللّه تعالى إليهم،أي لو قتل كان القتل كفّارة لذنوبه،فإذا عفا عنه تثبت عليه ذنوبه.

ص: 76

و في رواية:«إن قتله كان مثله»،لأنّه لم ير لصاحب الدّم أن يقتله،من قبل أنّه ادّعى أنّ قتله كان خطأ أو شبه عمد،فأورث شبهة.

و يحتمل أن يريد أنّه إذا قتله كان مثله في حكم البواء،و صارا متساويين،لا فضل للمقتصّ إذا استوفى حقّه على المقتصّ منه.

في حديث المغازي:«أنّ رجلا بوّأ رجلا برمحه».قال اللّيث:يقال:بوّأت الرّمح نحوه،أي سدّدته قبله و هيّأته له.(1:196)

ابن الأثير :و في الحديث:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار».قد تكرّرت هذه اللّفظة في الحديث،و معناها لينزل منزله من النّار،يقال:بوّأه اللّه منزلا،أي أسكنه إيّاه،و تبوّأت منزلا،أي اتّخذته.

و المباءة:المنزل.و منه الحديث:«قال له رجل:

أصلّي في مباءة الغنم؟قال:نعم»أي منزلها الّذي تأوي إليه،و هو المتبوّأ أيضا.

و منه الحديث:«أنّه قال في المدينة:هاهنا المتبوّأ».

و فيه:«عليكم بالباءة»يعني النّكاح و التّزوّج.

يقال فيه:الباءة و الباء،و قد يقصر،و هو من المباءة:

المنزل،لأنّ من تزوّج امرأة بوّأها منزلا.

و قيل:لأنّ الرّجل يتبوّأ من أهله،أي يستمكن، كما يتبوّأ من منزله.

و منه الحديث الآخر:«أنّ امرأة مات عنها زوجها فمرّ بها رجل و قد تزيّنت للباءة».

و منه حديث الصّادق[عليه السّلام]:«قيل له:ما بال العقرب مغتاظة على ابن آدم؟فقال:تريد البواء»أي تؤذي كما تؤذى.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«فيكون الثّواب جزاء و العقاب بواء».(1:159)

الصّغانيّ: باءني الشّيء،أي وافقني.

و بواء:واد بتهامة.(1:8)

الفيّوميّ: باء يبوء:رجع،و باء بحقّه:اعترف به، و باء بذنبه:ثقل به.

و الباءة بالمدّ:النّكاح و التّزوّج،و قد تطلق الباءة على الجماع نفسه.و يقال أيضا:الباهة وزان«العاهة»، و الباه بالألف مع الهاء.

و ابن قتيبة:يجعل هذه الأخيرة تصحيفا،و ليس كذلك،بل حكاها الأزهريّ عن ابن الأنباريّ.

و بعضهم يقول:الهاء مبدلة من الهمزة،يقال:فلان حريص على الباءة و الباء و الباه،بالهاء و القصر،أي على النّكاح.

قال-يعني ابن الأنباريّ-:الباه:الواحدة،و الباء:

الجمع،ثمّ حكاها عن ابن الأعرابيّ أيضا.

و يقال:إنّ الباءة هو الموضع الّذي تبوء إليه الإبل، ثمّ جعل عبارة عن المنزل،ثمّ كني به عن الجماع،إمّا لأنّه لا يكون إلاّ في الباءة غالبا،أو لأنّ الرّجل يتبوّأ من أهله، أي يستكنّ،كما يتبوّأ من داره.

و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«من استطاع منكم الباءة»على حذف مضاف،و التّقدير:من وجد مؤن النّكاح فليتزوّج،و من لم يستطع أي من لم يجد أهبة، فعليه الصّوم.

و الأبواء:على«أفعال»بفتح الهمزة:منزل بين مكّة

ص: 77

و المدينة قريب من الجحفة،من جهة الشّمال دون مرحلة.

(1:66)

الفيروزآباديّ: باء إليه:رجع أو انقطع،و بؤت به إليه و أبأته و بؤته.

و الباءة و الباء:النّكاح،و بوّأ تبويئا:نكح.

و باء:وافق،و بدمه:أقرّ،و بذنبه بوءا و بواء:احتمله أو اعترف به.

و دمه بدمه:عدله،و بفلان:قتل به فقاومه كأباءه و باوأه.

و تباوءا:تعادلا.

و بوّأه منزلا و فيه:أنزله كأباءه،و الاسم:البيئة بالكسر.و الرّمح نحوه:قابله به.و المكان:حلّه و أقام، كأباء به و تبوّأ.

و المباءة:المنزل،كالبيئة و الباءة.

و بيت النّحل في الجبل،و متبوّأ الولد من الرّحم، و كناس الثّور،و المعطن.

و أباء الإبل بالإبل:ردّها إليه،و منه:فرّ،و الأديم:

جعله في الدّباغ.

و البواء:السّواء و الكفء،و واد بتهامة.

و أجابوا عن بواء واحد،أي بجواب واحد.

و البيئة-بالكسر-:الحالة.

و فلاة تبيء في فلاة:تذهب.

و حاجة مبيئة:شديدة.(1:9)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من طلب علما ليباهي به العلماء فليتبوّأ مقعده من النّار»أي لينزل منزله منها، أو ليهيّئ منزله منها،من بوّأت للرّجل منزلا:هيّأته له، أو من تبوّأت له منزلا:اتّخذته له.و أصله:الرّجوع من «باء»إذا رجع و سمّي المنزل«مباءة»لكون صاحبه يرجع إليه إذا خرج منه.

و مثله:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار».و قد بلغ هذا الحديث غاية الاشتهار،حتّى قيل بتواتره لفظا.

و في الحديث:«من حفر للمؤمن قبرا فكأنّما بوّأه بيتا موافقا إلى يوم القيامة»أي أنزله فيه و أسكنه.

و«بؤت بذنبي»بالباء المضمومة و الهمزة و تاء في الآخر:أقررت و اعترفت.و مثله:«أبوء بنعمتك عليّ» أي أقرّ و أعترف بها.

و في الحديث:«من استطاع منكم الباءة-يعني مؤن النّكاح-فليتزوّج».

و الباءة-بالمدّ لغة-الجماع،ثمّ قيل لعقد النّكاح.

و حكي في ذلك أربع لغات:«الباءة»بالمدّ مع الهاء و هو المشهور،و حذفها،«و الباهة»وزان«العاهة»، و«الباه»مع الهاء،و قيل:الأخيرة تصحيف.

و منه حديث أبي بصير:«قال دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام يوم الجمعة فوجدته قد باهى»من«الباه» أي جامع،و إنّما سمّي النّكاح«باها»لأنّه من المباءة:

المنزل،لأنّ من تزوّج امرأة بوّأها منزلا.و قيل:لأنّ الرّجل يتبوّأ من أهله،أي يتمكّن كما يتبوّأ من منزله.

(1:67)

مجمع اللّغة :1-باء يبوء بوءا من باب«نصر»:

عاد و رجع،و باء بكذا:رجع به،خيرا أو شرّا.و جاء الثّلاثيّ في القرآن في مواضع كلّها في الرّجوع بالسّوء.

ص: 78

2-بوّأت فلانا منزلا:أنزلته فيه،و بوّأته له:هيّأته، و بوّأته فيه:مكّنت فيه.

3-و المبوّأ:اسم مكان من بوّأ،يقال:هذا مبوّأ حسن،أي منزل موافق ملائم.

4-و يقال:تبوّأ فلان منزلا،أي نزله و اتّخذه مسكنا.

(1:132)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:83)

العدنانيّ: المباءة:للخير و الشّرّ.

و يخطّئون من يقول:حلب مباءة نهضة أدبيّة كبيرة،و يقولون:إنّ الصّواب هو:حلب مركز نهضة أو مصدر نهضة،لأنّ المباءة الّتي تعني المنزل،فعلها«باء» الّذي ورد خمس مرّات في القرآن الكريم.

1-في الآية(162)من سورة آل عمران: كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ.

2-و الآية(16)من سورة الأنفال: فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ.

3-و الآية(61)من سورة البقرة: وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ.

4-و الآية(90)من سورة البقرة: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ.

5-و الآية(112)من سورة آل عمران: وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ. و جميع هذه الآيات تعني الشّرّ.

و لكنّ الفعل«بوّأ»ورد مرارا في القرآن الكريم مع مشتقّاته عانيا الخير،كقوله تعالى في الآية(41)من سورة النّحل: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً.

أمّا كلمة«المباءة»فلم ترد في آي الذّكر الحكيم، و لكنّها وردت في الحديث:«قال له رجل:أصلّي في مباءة الغنم؟قال:نعم»أي منزلها الّذي تأوي إليه.

و جاء في الحديث أيضا:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار».

و قال معجم ألفاظ القرآن الكريم:باء بكذا:رجع به خيرا أو شرّا،و جاء الثّلاثيّ في القرآن الكريم كلّه بمعنى السّوء و الشّرّ.

و قال الكسائيّ: لا يكون«باء»إلاّ بشيء إمّا بخير و إمّا بشرّ،و لا يكون لمطلق الانصراف.

و استشهد الأخفش،و محيط المحيط بالآية رقم(3) المذكورة في صدر هذه المادّة.

و ممّا جاء في معجم مقاييس اللّغة:

أ-لهم منزل رحب المباءة آهل.

ب-باء فلان بذنبه:كأنّه عاد إلى مباءته محتملا لذنبه.

ج-بؤت بالذّنب.

د-باءت اليهود بغضب اللّه تعالى.

ه-بوّأهم اللّه تعالى منزل صدق.

و استشهد الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»بالآية رقم(2)و بالآية(29)من سورة المائدة: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ.

و ممّا جاء في«الأساس»:و من المجاز:هو رحب المباءة:للسّخيّ الواسع المعروف.

و ممّا جاء في«النّهاية»:المباءة:المنزل.بوّأه اللّه منزلا:أسكنه إيّاه.

ص: 79

و استشهد«المختار»بالآية رقم(3)و قال:إنّ معنى «باء بإثمه»:رجع به.

و استشهد«اللّسان»بالآية رقم(3)أيضا،و قال:

إنّ معنى الآية(29)من سورة المائدة المذكورة آنفا هو:

إن عزمت على قتلي أثمت أنت لا أنا.و قال أيضا:باء بذنبه و بإثمه:احتمله،و صار المذنب مأوى الذّنب، و قيل:اعترف به.

و ممّا جاء في«المصباح»:

أ-باء بذنبه:ثقل به.

ب-بؤته دارا:أسكنته إيّاها.

و قال«القاموس»:إنّ المباءة هي المنزل.

و ممّا جاء في«التّاج»:

أ-من المجاز:فلان طيّب المباءة،أي المنزل.

ب-هو رحيب المباءة:سخيّ واسع المعروف.[ثمّ استشهد بأشعار]

و استشهد«المدّ»بالآية رقم(3)و(4).

و حذا محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط حذو بعض من سبقوهم،غير خارجين عن دائرة المعاني الّتي أوردوها.

و هذا كلّه يرينا أنّ«المباءة»،و الفعل«باء» و مشتقّاته يمكننا أن نستعملها في الخير و الشّرّ.

أما فعله فهو باء إليه يبوء:رجع إليه.(81)

محمود شيت:تبوّأ منصب القيادة العامّة:أشغل هذا المنصب.(1:100)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّجوع إلى السّفل،أي الانحطاط و التّنزّل.و أمّا الرّجوع المطلق،و الحمل،و التّزويج،و الإسكان، و الرّدّ،و التّساوي،و التّهيئة،و التّمكين،و التّشديد، و غيرها:كلّها معاني مجازيّة و من لوازم الأصل بحسب الموارد و الموضوعات. كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ آل عمران:162، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ الأنفال:

16،أي فقد انحطّ مقامه انحطاطا معنويّا بسبب غضب من اللّه المتعال.

وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ...

البقرة:61،أي انحطّوا عن مقامهم، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ المائدة:29،أي تنحطّ بسبب ذلك الطّغيان. وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ... الأعراف:74، وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يوسف:56، لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ العنكبوت:58،بمعنى الحطّ و التّنزيل الظّاهريّ.و يلزم هذا المعنى مفهوم التّسكين و التّمكين.

فإنّ الأصل في التّبوئة هو التّنزيل من حيث هو،من دون نظر إلى ما يبوّئ منه أو إليه،و سواء كان كلّ واحد منها ظاهريّا مادّيّا أو معنويّا روحانيّا؛فالتّبوّؤ هو النّزول من حيث هو هو.

و الفرق بين التّبوئة و الإسكان و التّنزيل:أنّ «التّبوئة»هو التّنزيل من حيث إنّه نفس النّزول، و«الإسكان»من حيث أنّه نازل إلى مسكن، و«التّنزيل»من جهة النّزول من مرتبة.و أيضا أنّ «الإسكان»يستعمل غالبا في المادّيّات،و«التّنزيل» أعمّ.

و أمّا استعمال هذه المادّة في مفهوم«التّساوي»

ص: 80

فباعتبار تنزيل كلّ من المتساويين منزلة الآخر.

و أمّا«التّزويج»فباعتبار كونه قريبا من الإسكان، كما في قوله تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها الرّوم:21، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يوسف:56،أي ينزل من الأرض حيث يشاء، فإنّ التّفعّل لمطاوعة التّفعيل،فيقال:صرّفته فتصرّف.

وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26،أي جعلنا محلّ البيت له منخفضا و منحطّا،ليسهل بنائها و الطّواف عليها و سائر مناسكها،فإنّ تلك المكان واقعة بين الجبال.

هذا هو المفهوم من الجملة،و بهذا يظهر ما في التّفاسير من التّكلّف و التّجوّز في تفسير هذه الآيات، و اللّه هو الهادي إلى الصّواب.(1:333)

النّصوص التّفسيريّة

باء

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ... الأنفال:16

ابن قتيبة :أي رجع بغضب.(178)

مثله البروسويّ(3:327)،و الآلوسيّ(9:182)، و الطّباطبائيّ(9:38).

الماورديّ: أي صار بالمكان الّذي يحقّ عليه غضب اللّه،مأخوذ من المبوّإ و هو المكان.(2:303)

الطّوسيّ: أي رجع بسخطه تعالى و استحقاق عقابه.(5:109)

ابن عطيّة:و(باء)بمعنى نهض متحمّلا للثّقل المذكور في الكلام،غضبا كان أو نحوه.(2:510)

الطّبرسيّ: أي احتمل غضب اللّه و استحقّه،و قيل:

رجع بغضب من اللّه.(2:530)

باءوا

1- ...وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ... البقرة:61

الضّحّاك: استحقّوا الغضب من اللّه.

(الطّبريّ 1:316)

الرّبيع: فحدث عليهم غضب من اللّه.

(الطّبريّ 1:216)

الكسائيّ: معناه أنّهم رجعوا بغضب من اللّه.

البواء:الرّجوع،إلاّ أنّه لا يكون رجوعا إلاّ بشيء إمّا بشرّ و إمّا بخير.(الماورديّ 1:130)

(باءوا):حفّوا.(النّسفيّ 1:52)

أبو عبيدة :أي احتملوه.(1:42)

احتملوه و أقرّوا به،و منه الدّعاء:أبوء بنعمتك و أبوء بذنبي،أي أقرّ.(الشّربينيّ 1:65)

باء بكذا:اعترف.(أبو حيّان 1:220)

الأخفش: يقول:رجعوا به،أي صار عليهم، و تقول:باء بذنبه يبوء بوءا،و قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ المائدة:29،مثله.(1:273)

ابن قتيبة :أي رجعوا،يقال:بؤت بكذا فأنا أبوء به،و لا يقال:باء بالشّيء.(51)

المبرّد: أنّ أصل ذلك[باء]المنزلة،و معناه أنّهم

ص: 81

نزلوا بمنزلة غضب اللّه.

و روي أنّ رجلا جاء برجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:هذا قاتل أخي،قال:«فهو بواء به»أي أنّه مقتول،فيصير في منزلته.[ثمّ استشهد بشعر](الماورديّ 1:130)

باء بكذا:نزل و تمكّن.(أبو حيّان 1:220)

الطّبريّ: انصرفوا و رجعوا،و لا يقال:«باءوا»إلاّ موصولا إمّا بخير و إمّا بشرّ،يقال منه:باء فلان بذنبه يبوء به بوءا و بواء.و منه قول اللّه عزّ و جلّ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ المائدة:29،يعني تنصرف متحمّلها،و ترجع بهما قد صارا عليك دوني،فمعنى الكلام إذا:و رجعوا منصرفين متحمّلين غضب اللّه،قد صار من اللّه غضب،و وجب عليهم منه سخط.(1:316)

الزّجّاج :يقال:بؤت بكذا و كذا،أي احتملته.

(1:145)

أنّ أصل ذلك:التّسوية،و معناه أنّهم تساووا بغضب من اللّه،و منه ما يروى عن عبادة بن الصّامت قال:

«جعل اللّه الأنفال إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقسّمها بينهم على بواء» أي على سواء بينهم في القسم.(الماورديّ 1:130)

الطّوسيّ: [ذكر قول الطّبريّ و الزّجّاج و أضاف:]

و الأصل:الرّجوع،على ما ذكرناه.و قال قوم:هو الاعتراف،و معناه أنّهم اعترفوا بما يوجب عليهم غضب اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:278)

نحوه الطّبرسيّ.(1:122)

الزّمخشريّ: وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ من قولك:

باء فلان بفلان،إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له و مكافأته،أي صاروا أحقّاء بغضبه.(1:285)

مثله البيضاويّ(1:59)،و النّسفيّ(1:51)، و النّيسابوريّ(1:330).

ابن عطيّة :معناه مرّوا متحمّلين له،تقول:بؤت بكذا،إذا تحمّلته،و منه قول مهلهل ليحيى بن الحارث بن عبّاد:«بؤ بشسع نعل كليب».

(1:155)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى:(و باءوا)ففيه وجوه:

أحدها:البوء:الرّجوع،فقوله:(باءوا)أي رجعوا و انصرفوا بذلك،و لا يقال:باء إلاّ بشرّ.

و ثانيها:البوء:التّسوية،فقوله:(باءوا)أي استوى عليهم غضب اللّه،قاله الزّجّاج.

و ثالثها:(باءوا)أي استحقّوا،و منه قوله تعالى:

أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ المائدة:29،أي تستحقّ الإثمين جميعا.(3:102)

القرطبيّ: أي انقلبوا و رجعوا،أي لزمهم ذلك، و منه قوله عليه السّلام في دعائه و مناجاته:«أبوء بنعمتك عليّ» أي أقرّ بها و أنزلها نفسي.(1:430)

نحوه البروسويّ.(1:151)

أبو حيّان :و تقدّم تفسير(باء)،فعلى من قال:

(باء):رجع،تكون«الباء»للحال،أي مصحوبين بغضب.و من قال:استحقّ،ف«الباء»صلة،نحو *لا يقرأن بالسّور*أي استحقّوا غضبا.و من قال:نزل و تمكّن أو تساووا،و الباء ظرفيّة،فعلى القول الأوّل تتعلّق بمحذوف،و على الثّاني لا تتعلّق،و على الثّالث بنفس(باء).

و زعم الأخفش:أنّ«الباء»في قوله:(بغضب)

ص: 82

للسّبب،فعلى هذا تتعلّق ب(باء)و يكون مفعول(باء) محذوفا،أي استحقّوا العذاب،بسبب غضب اللّه عليهم.

و(باء)يستعمل في الخير لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً العنكبوت:58، وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93، نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74.

و في الشّرّ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:61، أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ المائدة:29، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ البقرة:90.

و قد جاء استعمال المعنيين في الحديث:«أبوء بنعمتك عليّ و أبوء بذنبي».و قال بعض النّاس:«باء» لا تجيء إلاّ في الشّرّ.(1:236)

الشّربينيّ: (و باءوا)رجعوا.و لا يقال:باء إلاّ بشرّ، و أصل البوء:المساواة.(1:65)

نحوه الطّريحيّ.(1:67)

الآلوسيّ: أي نزلوا و تمكّنوا بما حلّ بهم من البلاء و النّقم في الدّنيا،أو بما تحقّق لهم من العذاب في العقبى،أو بما كتب عليهم من المكاره فيهما.أو رجعوا بغضب،أي صار عليهم،و لذا لم يحتج إلى اعتبار المرجوع إليه،أو صاروا أحقّاء به،أو استحقّوا العذاب بسببه،و هو بعيد.

و أصل البواء،بالفتح و الضّمّ:مساواة الأجزاء،ثمّ استعمل في كلّ مساواة،فيقال:هو بواء فلان،أي كفؤه، و منه:«بؤ لشسع نعل كليب»،و حديث:«فليتبوّأ مقعده من النّار».(1:276)

القاسميّ: أي رجعوا به،أي صار عليهم،أو صاروا أحقّاء به،من قولهم:باء فلان بفلان،أي صار حقيقا أن يقتل بمقابلته.

فالباء على التّقديرين صلة(باءوا)لا للملابسة و إلاّ لاحتيج اعتبار المرجوع إليه،و لا دلالة في الكلام عليه.

(2:139)

2- ...فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ. البقرة:90

ابن عبّاس: يعني استوجبوا،بلغة جرهم.

(اللّغات في القرآن:17)

مؤرّج السّدوسيّ: (فباءوا)استوجبوا اللّعنة،بلغة جرهم.(الطّوسيّ 1:350)

الفرّاء: لا يكون(باءوا)مفردة حتّى توصل بالباء، فيقال:باء بإثم يبوء بوءا.(1:60)

أبو عبيدة :احتملوه و أقرّوا به.(1:350)

مثله ابن هشام.(السّيرة النّبويّة 2:190)

الزّجّاج :معنى(باءوا)في اللّغة:احتملوا،يقال:قد بؤت بهذا الذّنب،أي تحمّلته.(1:174)

الطّوسيّ: أي رجعوا،و المراد رجعت اليهود من بني إسرائيل بعد ما كانوا عليه من الاستنصار لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله في الاستفتاح به،و بعد ما كانوا يخبرون النّاس من قبل مبعثه أنّه نبيّ مبعوث،مرتدّين على أعقابهم،حين بعثه اللّه نبيّا.(الطّوسيّ 1:349)

ابن عطيّة :(و باءوا)معناه مضوا متحمّلين لما يذكر أنّهم باءوا به.(1:179)

القرطبيّ: أي رجعوا،و أكثر ما يقال في الشّرّ.

(2:28)

ص: 83

3- ...وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ... آل عمران:112

أبو عبيدة :أحرزوه و بانوا به.(1:101)

الطّبريّ: و تحمّلوا غضب اللّه،فانصرفوا به مستحقّيه.(4:50)

الطّوسيّ: أي رجعوا بغضب اللّه الّذي هو عقابه و لعنه.(2:562)

نحوه البروسويّ(2:79)،و الشّربينيّ(1:140)

الزّمخشريّ: استوجبوه.(1:455)

مثله النّسفيّ.(1:176)

الفخر الرّازيّ: معناه أنّهم مكثوا و لبثوا و داموا في غضب.و أصل ذلك مأخوذ من«البوء»و هو المكان، و منه:تبوّأ فلان منزل كذا و بوّأته إيّاه.

و المعنى أنّهم مكثوا في غضب من اللّه و حلّوا فيه، و سواء قولك:حلّ بهم الغضب،و حلّوا به.(8:197)

نحوه النّيسابوريّ(4:42)،و المراغيّ(4:28).

القرطبيّ: أي رجعوا،و قيل:احتملوا.

و أصله في اللّغة أنّه لزمهم.(4:175)

الآلوسيّ: أي رجعوا به،و هو كناية عن استحقاقهم له و استيجابهم إيّاه،من قولهم:باء فلان بفلان،إذا صار حقيقا أن يقتل به،فالمراد صاروا أحقّاء بغضبه سبحانه.(4:29)

رشيد رضا :كانوا أحقّاء به،من«البواء»و هو المساواة.يقال:باء فلان بدم فلان أو بفلان،إذا كان حقيقا أن يقتل به لمساواته له.أو أقاموا فيه و لبثوا،من «المباءة»أي حلّوا مبوّأ أو بيئة من الغضب.(4:68)

الطّباطبائيّ: (باءوا)أي اتّخذوا مباءة و مكانا،أو رجعوا.(3:384)

تبوا

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ... المائدة:29

ابن مسعود: أي تحمل إثم قتلي و إثمك الّذي كان منك قبل قتلي.

مثله ابن عبّاس،و الحسن،و قتادة.

(النّيسابوريّ 6:82)

نحوه الزّمخشريّ.(1:607)

مجاهد :أي أريد أن يكون عليك خطيئتك و دمي فتبوء بهما.(1:193)

أبو عبيدة :أي أن تحتمل إثمي و تفوز به،و له موضع آخر:أن تقرّ به،تقول:بؤت بذنبي،و يقال:قد أبأت الرّجل بالرّجل،أي قتلته،و قد أبأ فلان بفلان،إذا قتله بقتيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أبأت بهذا المنزل،أي نزلت.(1:161)

ابن قتيبة :أي تنقلب و تنصرف بإثمي،أي بقتلي.

(142)

نحوه الطّريحيّ.(1:67)

الزّجّاج :أي أن ترجع إلى اللّه بإثمي و إثمك.

(2:167)

الجصّاص :و معنى(تبوا)ترجع،يقال:باء،إذا رجع إلى المباءة،و هي المنزل،و باءوا بغضب اللّه:رجعوا.

و البواء:الرّجوع بالقود،و هم في هذا الأمر بواء،أي

ص: 84

سواء،لأنّهم يرجعون فيه إلى معنى واحد.

(2:404)

مثله الطّوسيّ(3:496)،و نحوه القرطبيّ(6:

138).

ابن عطيّة :و(تبوء)معناه تمضي متحمّلا.

(2:179)

الآلوسيّ: و أصل البوء:اللّزوم،و في النّهاية:

«أبوء بنعمتك عليّ و أبوء بذنبي»أي ألتزم و أرجع و أقرّ.

و المعنى إنّي أريد باستسلامي و امتناعي عن التّعرّض لك أن ترجع بإثمي،أي تتحمّله لو بسطت يدي إليك حيث كنت السّبب له...(6:113)

نحوه المراغيّ.(6:96)

عزّة دروزة :(ان تبوا)تعود،و المعنى في مقامها أن تتحمّل إثم قتلي.(11:80)

الطّباطبائيّ: أي ترجع بإثمي و إثمك،كما فسّره بعضهم.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و قال:]

و على هذا فتفسيره ب«الرّجوع»تفسير بلازم المعنى.(5:304)

حسنين محمّد مخلوف: ترجع و تقرّ،من«البوء» و هو الرّجوع و اللّزوم،يقال:باء إليه:رجع،و بؤت به إليه:رجعت،و باء بحقّه:أقرّ و لزم،أي أنّي أريد أن تبوء بإثم قتلك لي،و بإثمك الّذي قد صار إليك بذنوبك من قبل قتلي.(190)

بوّأكم

...وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً...

الأعراف:74

أبو عبيدة: أي أنزلكم.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:218)

مثله الزّجّاج(2:350)،و ابن قتيبة(169)، و البروسويّ(3:191).

الطّبريّ: و أنزلكم في الأرض،و جعل لكم فيها مساكن.(8:231)

نحوه الطّبرسيّ(2:440)،و رشيد رضا(8:

503)،و المراغيّ(8:197)،و الآلوسيّ(8:163).

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يعني أنزلكم في الأرض،و هي أرض الحجر بين الشّام و المدينة.

و الثّاني:فيها من منازل تأوون إليها،و منه قولهم:

بوّأته منزلا،إذا أمكنته منه ليأوي إليه.[ثمّ استشهد بشعر](2:235)

الطّوسيّ: [ذكر نحو الماورديّ و أضاف:]

و أصله من«الرّجوع»من قوله: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ البقرة:90، وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:

61،أي رجعوا.[ثمّ استشهد بشعر](4:481)

الزّمخشريّ: و نزّلكم،و المباءة:المنزل.(2:90)

مثله النّسفيّ(2:61)،و النّيسابوريّ(8:165)، و القاسميّ(7:2784).

ابن عطيّة :معناه مكّنكم،و هي مستعملة في المكان و ظروفه،تقول:تبوّأ فلان منزلا حسنا،و منه قوله تعالى: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ آل عمران:121.[ثمّ استشهد بشعر](2:422)

الفخر الرّازيّ: أنزلكم،و المبوّأ:المنزل من

ص: 85

الأرض،أي في أرض الحجر بين الحجاز و الشّام.

(14:163)

ابن الجوزيّ: أي أنزلكم،يقال:تبوّأ فلان منزلا، إذا نزله.و بوّأته:أنزلته.[ثمّ استشهد بشعر](3:224)

القرطبيّ: وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ فيه محذوف، أي و بوّأكم في الأرض منازل.(7:239)

أبو حيّان :أنزلكم بها و أسكنكم إيّاها.(4:329)

نحوه الشّربينيّ.(1:489)

الطّباطبائيّ: أي مكّنهم في منازلهم منها.

(8:181)

حسنين محمّد مخلوف: جعل لكم مباءة فيها، أي منازل تسكنونها.يقال:بوّأه منزلا:أنزله و هيّأه له، و مكّن له فيه.(267)

بوّأنا

1- وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ...

يونس:93

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه وطّأ منزل بني إسرائيل.و التّبوّؤ:توطئة المنزل لصاحبه الّذي يأوي إليه،تقول:بوّأته منزلا تبويئا و تبوّؤا.و باء بالأمر بواء، أي رجع.(5:492)

ابن عطيّة :لقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار،و حلّلناهم من الأماكن أحسن محلّ.(3:142)

الطّبرسيّ: مكّنّاهم مكانا محمودا...(3:132)

الفخر الرازيّ: أي اسكنّاهم مكان صدق،أي مكانا محمودا.(17:158)

مثله النّيسابوريّ(11:117)،و الطّباطبائيّ(10:

120).

الطّريحيّ: أي أنزلناهم،و يقال:جعلنا لهم مباءة، و هو المنزل الملزوم.(1:67)

البروسويّ: أي أسكنّاهم و أنزلناهم بعد ما أنجيناهم، و أهلكنا أعداءهم فرعون و قومه.(4:79)

الآلوسيّ: كلام مستأنف سيق لبيان النّعم الفائضة عليهم إثر نعمة الإنجاء على وجه الإجمال،و إخلالهم بشكرها،و بوّأ،بمعنى أنزل كأباء،و الاسم منه:البيئة بالكسر،كما في«القاموس».

و جاء بوّأه منزلا و بوّأه في منزل،و كذا بوّأت له مكانا،إذا سوّيته،و هو ممّا يتعدّى لواحد و لاثنين،أي أنزلناهم بعد أن أنجيناهم،و أهلكنا أعداءهم.(11:189)

عزّة دروزة :مكّنّا و خوّلنا و هيّأنا.(4:45)

2-و اذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت ان لا تشرك بى شيئا...الحجّ:26

ابن عبّاس:جعلنا.(البغويّ 3:334)

السّدّيّ: كانت العلامة ريحا هبّت،فكشف حول البيت،يقال لها:الخجوج.(الطّوسيّ 7:308)

مقاتل بن حيّان: هيّأنا.(البغويّ 3:334)

دلّلناه عليه.(ابن الجوزيّ 5:423)

قطرب: بعثت سحابة فتطوّقت حيال الكعبة،فبنى على ظلّها.(الماورديّ 4:17)

الفرّاء: و قوله: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ و لم يقل:بوّأنا إبراهيم،و لو كان بمنزلة قوله: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ

ص: 86

مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93،فإن شئت أنزلت(بوّأنا) بمنزلة جعلنا،و كذلك سمعت في التّفسير.و إن شئت كان بمنزلة قوله: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ...

النّمل:72،معناه:ردفكم،و كلّ صواب.(2:223)

أبو عبيدة :مجازه من قوله:

*ليتني كنت قبله قد بوّأت مضجعا*

و يقال للرّجل:هل تبوّأت بعدنا؟أي هل تزوّجت؟

(2:49)

ابن قتيبة :أي جعلنا له بيتا.(292)

ثعلب :و إنّما أدخل اللاّم،على أنّ(بوّأنا)في معنى جعلنا،فيكون بمعنى رَدِفَ لَكُمْ أي ردفكم.

(ابن الجوزيّ 5:423)

الطّبريّ: وطّأنا له مكان البيت.(17:142)

مثله الرّمّانيّ(الماورديّ 4:17)،و البغويّ(3:

334)

الزّجّاج :جعلنا مكان البيت مبوّأ لإبراهيم،و المبوّأ:

المنزل.

فالمعنى أنّ اللّه أعلم إبراهيم مكان البيت،فبنى البيت على أسّه القديم،و كان البيت في أيّام الطّوفان رفع إلى السّماء حين غرّق اللّه الأرض و ما عليها،فشرّف بيته بأن أخرجه عن جملة ما غرّق.و يروى أنّ البيت كان من ياقوتة حمراء.(3:422)

بيّنّا له مكان البيت ليبنيه،و يكون مباءة له و لعقبه، يرجعون إليه و يحجّونه.(الآلوسيّ 17:141)

ابن الأنباريّ: إنّ المعنى جعلنا البيت مثوبة و مسكنة.(الطّبرسيّ 4:80)

الهرويّ: أي أريناه أصله.(1:216)

القيسيّ: إنّما دخلت اللاّم في(ابراهيم)على أنّ «بوّأت»محمول على معنى«جعلت».و أصل«بوّأ»ألاّ يتعدّى بحرف.و قيل:اللاّم زائدة،و قيل:هي متعلّقة بمصدر محذوف.(2:97)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول الرّمّانيّ و قد تقدّم]

و الثّاني:معناه عرّفناه مكان البيت بعلامة يستدلّ بها.(14:17)

الطّوسيّ: و معناه جعلنا له علامة يرجع إليها.

و قال قوم:معنى(بوّأنا)وطّأنا.[ثمّ ذكر قول السّدّيّ و نحو قول قطرب و أضاف:]

و أصل بوّأنا،من قوله: وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:61،أي رجعوا بغضب منه.(7:308)

نحوه الطّبرسيّ.(4:80)

الميبديّ: أي و اذكر يا محمّد كيف كان بدء بناء البيت.

و قيل:فيه مضمر تقديره:(و أوحينا إذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت ان لا تشرك)يقال:تبوّأ الرّجل منزلا:اتّخذه،و بوّأه غيره منزلا:أعطاه.و أصله«باء» إذا رجع.و بوّأته:جعلت له منزلا يرجع إليه.

و اللاّم في(لابراهيم)زيادة لقوله: بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ يونس:93، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:

121،و المبوّأ و المباءة:المنزل.(6:360)

الزّمخشريّ: و اذكر حين جعلنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ مباءة،أي مرجعا يرجع إليه،للعمارة و العبادة.

ص: 87

(3:10)

مثله الفخر الرّازيّ(23:26)،و النّسفيّ(3:98)، و النّيسابوريّ(17:92)،و القاسميّ(12:4334)، و نحوه البروسويّ(6:23).

ابن عطيّة :و«بوّأ»هي تعدية باء بالتّضعيف،و باء معناه رجع،فكأنّ المبوّئ يردّ المبوّأ إلى المكان، و استعملت اللّفظة بمعنى«سكن»،و منه قوله تعالى:

نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74.[ثمّ استشهد بشعر]

و اللاّم في قوله تعالى:(لإبراهيم)قالت فرقة:هي زائدة،و قالت فرقة:(بوّأنا)نازلة منزلة فعل يتعدّى باللاّم،كنحو جعلنا.و الأظهر أن يكون المفعول الأوّل ب(بوّأنا)محذوفا،تقديره:النّاس أو العالمين.ثمّ قال:

(لإبراهيم)بمعنى له كانت هذه الكرامة،و على يديه بوّءوا.

(4:117)

القرطبيّ: أي اذكر إذ بوّأنا لإبراهيم،يقال:بوّأته منزلا و بوّأت له،كما يقال:مكّنتك و مكّنت لك.فاللاّم في قوله:(لإبراهيم)صلة للتّأكيد،كقوله: رَدِفَ لَكُمْ، و هذا قول الفرّاء.و قيل: بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ، أي أريناه أصله ليبنيه،و كان قد درس بالطّوفان و غيره،فلمّا جاءت مدّة إبراهيم عليه السّلام أمره اللّه ببنيانه،فجاء إلى موضعه و جعل يطلب أثرا،فبعث اللّه ريحا،فكشفت عن أساس آدم عليه السّلام،فرتّب قواعده عليه.

و قيل:(بوّأنا)نازلة منزلة فعل يتعدّى باللاّم،كنحو جعلنا،أي جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوّأ.[ثمّ استشهد بشعر](12:36)

البيضاويّ: أي و اذكر إذ عيّنّاه و جعلناه له مباءة.

و قيل:اللاّم زائدة و(مكان)ظرف،أي و إذ أنزلنا فيه.

(2:89)

أبو حيّان :أي و اذكر إذ بوّأنا،أي جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة،أي مرجعا يرجع إليه للعمارة و العبادة.قيل:و اللاّم زائدة،أي بوّأنا إبراهيم مكان البيت،أي جعلناه يبوء إليه،كقوله: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً العنكبوت:58.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:مفعول(بوّأنا)محذوف،تقديره:بوأنا النّاس،و اللاّم في(لإبراهيم)لام العلّة،أي لاجل إبراهيم كرامة له و على يديه.(6:363)

نحوه الآلوسيّ.(17:141)

الطّباطبائيّ: بوّأ له مكانا كذا،أي جعله مباءة و مرجعا له يرجع إليه و يقصده.

و قوله: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الظّرف فيه متعلّق بمقدّر،أي و اذكر وقت كذا.و فيه تذكير لقصّة جعل البيت معبدا للنّاس،ليتّضح به أنّ صدّ المؤمنين عن المسجد الحرام ليس إلاّ إلحادا بظلم.

و تبوئته تعالى مكان البيت لإبراهيم،هي جعل مكانه مباءة و مرجعا لعبادته،لا لأن يتّخذه بيت سكنى يسكن فيه،و يلوح إليه قوله بعد: طَهِّرْ بَيْتِيَ بإضافة البيت إلى نفسه.

و لا ريب أنّ هذا«الجعل»كان وحيا لإبراهيم، فقوله: بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ في معنى قولنا:

أوحينا إلى إبراهيم أن اتّخذ هذا المكان مباءة و مرجعا

ص: 88

لعبادتي.و إن شئت فقل:أوحينا إليه أن اقصد هذا المكان لعبادتي،و بعبارة أخرى أن اعبدني في هذا المكان.

(14:367)

تبوّئ

وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. آل عمران:121

ابن عبّاس: توطّن المؤمنين.[ثمّ استشهد بشعر]

(السّيوطيّ 2:104)

مثله سعيد بن جبير.(الآلوسيّ 4:41)

أبو عبيدة :متّخذا لهم مصافا معسكرا.(1:103)

ابن قتيبة :من قولك:بوّأتك منزلا،إذا أفدتك إيّاه و أسكنتكه.(109)

الطّبريّ: [ذكر مباحث في وقعة أحد ثمّ قال:]

فلم يزل النّاس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،الّذين كان من أمرهم حبّ لقاء القوم،حتّى دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فلبس لأمته،فكانت تبوئة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المؤمنين مقاعد للقتال،ما ذكرنا من مشورته على أصحابه بالرّأي الّذي ذكرنا،على ما وصفه الّذين حكينا قولهم.

يقال منه:بوّأت القوم منزلا و بوّأته لهم،فأنا أبوّئهم المنزل تبوئة،و أبوّئ لهم منزلا تبوئة.و قد ذكر أنّ في قراءة عبد اللّه بن مسعود: (و إذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين (1)مقاعد للقتال) و ذلك جائز،كما يقال:ردفك و ردف لك،و نقدت لها صداقها و نقدتها.[ثمّ استشهد بشعر](4:71)

الماورديّ: أي تتّخذ منزلا تبوّئ فيه المؤمنين.

و معنى الآية أنّك ترتّب المؤمنين في مواضعهم.

(1:420)

الطّوسيّ: و معنى تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مثل تبوّئ للمؤمنين،حذف اللاّم،كما قال: رَدِفَ لَكُمْ النّمل:72،و يجوز ردفكم،فإذا عدّاه فمعناه رتّب المؤمنين على مواضعهم قدمة،و إذا لم يتعدّ فمعناه تتّخذ لهم مواضع.[ثمّ استشهد بشعر](2:576)

الزّمخشريّ: تنزّلهم.و قرأ عبد اللّه (للمؤمنين) بمعنى تسوّي لهم و تهيّئ.(1:460)

نحوه البيضاويّ(1:179)،و النّسفيّ(1:179)، و الطّريحيّ(1:67)،و البروسويّ(2:87)،و الآلوسيّ (4:54)،و القاسميّ(4:953).

ابن عطيّة :معناه تعيّن لهم مقاعد يتمكّنون فيها و يثبتون،تقول:تبوّأت مكان كذا،إذا حللته حلولا متمكّنا تثبت فيه،و منه قوله تعالى: نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74.(1:501)

نحوه أبو حيّان(3:45)،و القرطبيّ(4:185).

الطّبرسيّ: أي تهيّئ للمؤمنين مواطن للقتال.

و قيل:معناه تجلسهم و تقعدهم في مواضع القتال،ليقفوا فيها و لا يفارقوها.(1:495)

الفخر الرّازيّ: يقال:بوّأته منزلا و بوّأت له منزلا، أي أنزلته فيه.و المباءة و الباءة:المنزل.(8:219)

نحوه النّيسابوريّ.(4:54)

القرطبيّ: و أصل التّبوّؤ:اتّخاذ المنزل،بوّأته منزلا،إذا أسكنته إيّاه...(4:185)

ص: 89


1- كذا،و الظّاهر:(للمؤمنين)كما حكاه الزّمخشريّ.

رشيد رضا: أي توطّنهم و تنزّلهم أماكن و مواضع في الشّعب من«أحد»لأجل القتال فيها.[إلى أن قال:]

و قيل:تبوئة المقاعد:تسويتها و تهيئتها.(4:108)

نحوه حسنين محمّد مخلوف.(123)

عزّة دروزة :تعدّ أو تهيّئ.(8:151)

الطّباطبائيّ: و التّبوئة:تهيئة المكان للغير،أو إسكانه أو إيطانه المكان.(4:5)

بنت الشّاطئ: و سأل نافع عن قوله تعالى:

تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، فقال ابن عبّاس:

توطّن المؤمنين،و لمّا سأله ابن الأزرق:و هل تعرف العرب ذلك؟قال:نعم،أ ما سمعت قول الأعشى:

و ما بوّأ الرّحمن بيتك منزلا

بأجياد غزّى الفنا و المحرّم

الكلمة من آية آل عمران:(121)،و الخطاب فيها للرّسول عليه الصّلاة و السّلام وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و معها آيات:

في المهاجرين و المؤمنين: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً النّحل:41، لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً العنكبوت:58، وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93،و الحجّ:26،و الأعراف:74.

كما جاء فعل«التّبوّؤ»في آيات:

وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يوسف:56، وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74، وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يونس:87، وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ الحشر:9.

و من الثّلاثيّ جاء الفعل ماضيا خمس مرّات، و مضارعا«تبوء»تسعا و عشرين مرّة،كلّها في المعنويّ، من البوء برضوان اللّه،أو بسخطه و غضبه،و البوء بالإثم.

و تفسير(تبوّئ)في آية آل عمران ب«توطّن»يبدو قريبا،و في القرآن منه: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ التّوبة:25.

و تذكر«المعاجم»في بوّأ:أنزل،و الاسم:البيئة، و تبوّأ المكان:حلّه،و متبوّأ الولد:موضعه من رحم أمّه، و يقال:باء إليه:رجع،و بالذّنب:أقرّ،و اعترف به.

و ذهب الرّاغب إلى أصل البواء:مساواة الأجزاء في المكان،خلاف النّبوة.يقال:مكان بواء،إذا لم يكن نابيا، و بوّأت له مكانا:سوّيته فتبوّأ.

و يستعمل البواء في مكافأة-أي تكافؤ-المصاهرة و القصاص،فيقال:فلان بواء فلان.

و عند ابن الأثير أنّ أصل البوء:اللّزوم،و منه الحديث:«فقد باء به أحدهما»أي التزمه و رجع به.

و في حديث:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار»قال ابن الأثير:معناها لينزل منزله من النّار.

على أنّه ذكر فيه أيضا معنى المساواة،في مثل:

ب«بوّأت بين القتلى»أي ساويت،و هم بواء أي أكفاء.

و منه الحديث:«الجراحات بواء»أي سواء في القصاص، لا يؤخذ إلاّ ما يساويها.

و نستأنس بهذا كلّه،فنرى أنّ التّبوئة في آية آل عمران ليست توطين النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام للمؤمنين على إطلاقه،و إنّما هي وضع كلّ منهم في مكانه

ص: 90

السّويّ الّذي يلائمه،و يكون كفء له.و هذا الملحظ من «التّكافؤ و المساواة»ملحوظ في سائر صيغ المادّة، و استعمالها.(الإعجاز البيانيّ للقرآن:501)

لنبوّئنّهم

1- ...لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. النّحل:41

ابن عبّاس: تبوّأهم اللّه المدينة،و أحلّ لهم فيها غنيمة حسنة،يأخذونها من أموال الكفّار.

مثله قتادة،و الشّعبيّ.(الطّوسيّ 6:383)

لننزّلنّهم المدينة.(ابن الجوزيّ 4:448)

الشّعبيّ: لنبوّئنّهم مباءة حسنة و هي المدينة؛ حيث آواهم أهلها و نصروهم.

مثله الحسن،و قتادة.(الفخر الرّازيّ 20:34)

و مثله الطّريحيّ.(1:67)

مجاهد :لنرزقنّهم في الدّنيا رزقا حسنا.

(الطّبريّ 14:107)

الضّحّاك: أنّه النّصر على عدوّهم.

(الماورديّ 3:188)

أسكنهم المدينة،و رزقهم الغنيمة،و نصرهم على العدوّ.(الميبديّ 5:388)

الطّبريّ: لنسكننّهم في الدّنيا مسكنا يرضونه صالحا.

و قال آخرون: عنى بقوله: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً لنرزقنّهم في الدّنيا رزقا حسنا.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:معنى (لنبوّئنّهم)لنحلّنّهم و لنسكننّهم،لأنّ التّبوّؤ في كلام العرب:الحلول بالمكان و النّزول به،و منه قول اللّه تعالى:

وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93.

(14:106)

الزّجّاج :أي لأنّهم صاروا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى الإسلام،و سمعوا ثناء اللّه عليهم.(3:200)

الماورديّ: [نقل قول ابن عبّاس،و مجاهد، و الضّحّاك ثمّ قال:]

و الرّابع:أنّه لسان صدق.

و يحتمل قولا خامسا:أنّه ما استولوا عليه من فتوح البلاد،و صار لهم فيها من الولايات.

و يحتمل قولا سادسا،أنّه ما بقي لهم في الدّنيا من الثّناء،و ما صار فيها لأولادهم من الشّرف.(3:188)

البغويّ: و هو أنّه أنزلهم المدينة،و قيل:معناه لنحسننّ إليهم في الدّنيا.(3:80)

الميبديّ: أي دارا و بلدة حسنة،و هي المدينة دار العلم،و متنزّل الملائكة،و مبوّأ الحلال و الحرام،أنقذ اللّه بها رسله من دار الشّرك،و أحكم بها أحكام دينه بالنّاسخ،و عقد له به الاجتماع،و ختم بها القرآن.

(5:387)

الزّمخشريّ: (حسنة)صفة للمصدر،أي لنبوّئنّهم تبوئة حسنة.و في قراءة عليّ رضي اللّه عنه (لنثوينّهم) و معناه إثواءة حسنة.

و قيل:لننزّلنّهم في الدّنيا منزلة حسنة،و هي الغلبة على أهل مكّة الّذين ظلموهم،و على العرب قاطبة، و على أهل المشرق و المغرب.

ص: 91

و قيل:لنبوّئنّهم مباءة حسنة،و هي المدينة حيث آواهم أهلها و نصروهم.(2:410)

مثله الفخر الرّازيّ(20:34)،و نحوه النّسفيّ(2:

287)،و النّيسابوريّ(14:68).

ابن عطيّة :قرأ الجمهور (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) و قرأ ابن مسعود و نعيم بن ميسرة و الرّبيع بن خثيم و أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: (لنثوينّهم) و هاتان اللّفظتان معناهما التّقرير.(3:394)

الطّبرسيّ: أي بلدة حسنة بدل أوطانهم.و هي المدينة.و قيل:لنعطينّهم حالة حسنة و هي النّصر و الفتح.و قيل:هي ما استولوا عليه من البلاد و فتح لهم من الولايات.(3:361)

أبو حيّان :[ذكر أقوال السّابقين المتقدّمة(5:592)]

البروسويّ: لننزّلنّهم في الدّنيا حسنة،أي مباءة حسنة،و هي المدينة المنوّرة؛حيث آواهم أهلها و نصروهم،يقال:بوّأه منزلا:أنزله،و المباءة:المنزل.

فهي منصوبة على الظّرفيّة،أو على أنّها مفعول ثان إن كان لنبوّئنّهم في معنى لنعطينّهم.(5:36)

الآلوسيّ: أي مباءة حسنة،و حاصله لننزّلنّهم في الدّنيا منزلا حسنا،و عن الحسن:دارا حسنة،و التّقدير الأوّل أظهر لدلالة الفعل عليه،و الثّاني أوفق بقوله تعالى: تَبَوَّؤُا الدّارَ... الحشر:9.

و أيّا ما كان ف(حسنة)صفة محذوف منصوب نصب الظّروف،و جوّز أن يكون مفعولا ثانيا(لنبوّئنّهم)على معنى لنعطينّهم منزلة حسنة،و فسّر ذلك بالغلبة على أهل مكّة الّذين ظلموهم،و على العرب قاطبة.

و قيل:هي ما بقي لهم في الدّنيا من الثّناء،و ما صار لأولادهم من الشّرف.

و عن مجاهد:أنّ التّقدير:معيشة حسنة،أي رزقا حسنا.

و قيل:التّقدير:عطيّة حسنة،و المراد بالعطيّة المعطى،و يفسّر ذلك بكلّ شيء حسن ناله المهاجرون في الدّنيا.

و قدّر بعضهم:تبوئة حسنة،فهو صفة مصدر محذوف،و قد تعتبر هذه التّبوئة بحيث تشمل إعطاء كلّ شيء حسن صار للمهاجرين على السّابق.

و في«البحر»:أنّ الظّاهر أنّ انتصاب(حسنة)على المصدر على غير الصّدر،لأنّ معنى(لنبوّئنّهم)لنحسننّ إليهم ف(حسنة)بمعنى إحسانا،و على جميع التّقادير اَلَّذِينَ هاجَرُوا مبتدأ،و جملة(لنبوّئنّهم)خبره.

(14:145)

المراغيّ: لنسكننّهم في الدّنيا مساكن حسنة يرضونها؛إذ هم لمّا تركوا مساكنهم و أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه عوّضهم اللّه خيرا منها في الدّنيا،فمكّن لهم في البلاد و حكّمهم في رقاب العباد،و صاروا أمراء و حكّاما، و كان كلّ منهم للمتّقين إماما.(14:85)

الطّباطبائيّ: قيل:أي بلدة حسنة بدلا ممّا تركوه من وطنهم كمكّة و حواليها،بدليل قوله:(لنبوّئنّهم) فإنّه من:بوّأت له مكانا،أي سوّيت و أقررته فيه.

و قيل:أي حالة حسنة من الفتح و الظّفر و نحو ذلك، فيكون قوله:(لنبوّئنّهم)إلخ،من الاستعارة بالكناية.

و الوجهان:متّحدان مآلا،فإنّهم إنّما كانوا يهاجرون

ص: 92

ليعقدوا مجتمعا إسلاميّا طيّبا لا يعبد فيه إلاّ اللّه،و لا يحكم فيه إلاّ العدل و الإحسان.

أو ليدخلوا في مجتمع هذا شأنه،فلو رجوا في مهاجرهم غاية حسنة،أو وعدوا بغاية حسنة،كان ذلك هذا المجتمع الصّالح،و لو حمدوا البلدة الّتي يهاجرون إليها لكان حمدهم للمجتمع الإسلاميّ المستقرّ فيها لا لمائها أو هوائها،فالغاية الحسنة الّتي يعدهم اللّه في الدّنيا هي هذا المجتمع،سواء أريد بالحسن البلدة أو الغاية.

(12:254)

2- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً... العنكبوت:58

الفرّاء: قرأها العوامّ: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) و حدّثني قيس عن أبي إسحاق أنّ ابن مسعود قرأها: (لنثوينّهم) و قرأها كذلك يحيى بن وثّاب.و كلّ حسن بوّأته منزلا و أثويته منزلا.(2:318)

أبو عبيدة :مجازه لننزّلنّهم،و هو من قولهم:«اللّهمّ بوّأنا مبوّأ صدق».(2:117)

ابن قتيبة :أي لننزّلنّهم.و من قرأ: (لنثوينّهم) فهو من ثويت بالمكان،أي أقمت به.(338)

نحوه الزّجّاج.(4:173)

الطّبريّ: لننزّلنّهم من الجنّة علاليّ.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض الكوفيّين (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) بالباء، و قرأته عامّة قرّاء الكوفة بالثّاء (لنثوينّهم) .

و الصّواب من القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار،قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب؛و ذلك أنّ قوله: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) من بوّأته منزلا،أي أنزلته،و كذلك (لنثوينّهم) إنّما هو من أثويته مسكنا،إذا أنزلته منزلا،من الثّواء و هو المقام.(21:10)

نحوه الماورديّ.(4:292)

أبو زرعة :قرأ حمزة و الكسائيّ: (لنثوينّهم) بالثّاء،من أثويت،أي لنقيمنّهم،يقال:ثوى الرّجل بالمكان،إذا أقام به،و أثواه غيره،إذا جعله بذلك المكان.و حجّتهما، وَ ما كُنْتَ ثاوِياً القصص:45، أي مقيما.

و قرأ الباقون: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) أي لننزّلنّهم،من بوّأت.

تقول العرب:بوّأت فلانا منزلا،أي أنزلته،قال تعالى:

وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93.

و تقول:تبوّأ فلان المنزل،و قال اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ الحشر:9،أي اتّخذوها.

قال الفرّاء:بوّأته منزلا و أثويته منزلا سواء.(544)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصما (لنثوينّهم) بالثّاء،من أثويته منزلا،أي جعلت له منزل مقام، و الثّواء:المقام.الباقون بالباء من قولهم:بوّأته منزلا.كما قال تعالى: مُبَوَّأَ صِدْقٍ في قوله: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ يونس:93، وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26.

و يحتمل أن تكون اللاّم زائدة،كقوله: رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ النّمل:72،و يحتمل أن يكون المراد(بوّأنا) لدعاء إبراهيم(مكان البيت)،و يقول القائل:اللّهمّ بوّأنا

ص: 93

مبوّأ صدق،أي أنزلنا منزل صدق.(8:220)

الزّمخشريّ: لننزّلنّهم(من الجنّة)علاليّ.

و قرئ (لنثوينّهم) من الثّواء،و هو النّزول للإقامة، يقال:ثوى في المنزل،و أثوى هو و أثوى غيره.و ثوى غير متعدّ،فإذا تعدّى بزيادة همزة النّقل لم يتجاوز مفعولا واحدا،نحو ذهب و أذهبته.

و الوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين و إلى الغرف، إمّا إجراؤه مجرى لننزّلنّهم و نبوّئنّهم،أو حذف الجارّ و إيصال الفعل،أو تشبيه الظّرف المؤقّت بالمبهم.

(3:210)

مثله النّسفيّ(3:262)،و نحوه البيضاويّ(2:

213)،و النّيسابوريّ(21:13)،و الآلوسيّ(21:11).

ابن عطيّة :قرأ جمهور القرّاء (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) من المباءة،أي لننزّلنّهم و لنمكّننّهم ليدوموا فيها،و (غُرَفاً) مفعول ثان،لأنّه فعل يتعدّى إلى مفعولين.

و قرأ حمزة و الكسائيّ (لنثوينّهم) من أثوى يثوي، و هو معدّى ثوى،بمعنى أقام،و هي قراءة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،و ابن مسعود،و الرّبيع بن خيثم (1)، و ابن وثّاب،و طلحة.

و قرأها بعضهم لنثوّينّهم بفتح الثّاء و تشديد الواو،معدّى بالتّضعيف لا بالهمزة.

و قرأ يعقوب (لنبوّينّهم) بالياء من تحت.(4:324)

نحوه القرطبيّ(13:359)،و أبو حيّان(7:156)، و الشّربينيّ(3:150).

الطّبرسيّ: [ذكر نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و من قرأ (لنثوينّهم) فحجّته قوله: وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ القصص:45،أي مقيما نازلا فيهم.[ثمّ استشهد بشعرين]

فإذا تعدّى بحرف جرّ فزيدت عليه الهمزة وجب أن يتعدّى إلى المفعول الثّاني بحرف جرّ،و ليس في الآية حرف جرّ.

قال أبو الحسن: قرأ الأعمش (لنثوينّهم من الجنّة غرفا) و لا يعجبني،لأنّك لا تقول:أثويته الدّار.

قال أبو عليّ: و وجهه أنّه كان في الأصل:لنثوينّهم من الجنّة في غرف،كما يقول:لننزّلنّهم من الجنّة في غرف،و حذف الجارّ كما حذف من قولك:«أمرتك الخير فافعل ما أمرت به».و يقوّي ذلك أنّ الغرف و إن كانت أماكن مختصّة،فقد أجريت المختصّة من هذا الحروف مجرى غير المختصّ،نحو قوله:

*كما عسل الطّريق الثّعلب*

و نحو«ذهبت الشّام»عند سيبويه.(4:290)

الطّباطبائيّ: و التّبوئة:الإنزال على وجه الإقامة.

(16:145)

مبوّأ

وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ... يونس:93.

ابن عبّاس: هو لأردن و فلسطين.(أبو حيّان 5:190)

الضّحّاك: منازل صدق،مصر و الشّأم.

(الطّبريّ 11:166)

ص: 94


1- و الصّحيح:خثيم.

الشّام و بيت المقدس.

مثله قتادة،و ابن زيد.(أبو حيّان 5:190)

الحسن :هو مصر،و هو منزل صالح خصب آمن.

(الطّوسيّ 5:493)

مقاتل: بيت المقدس.(أبو حيّان 5:190)

ابن قتيبة :أي أنزلناهم منزل صدق.(199)

الطّبريّ: قيل:عنى بذلك الشّأم و بيت المقدس.

و قيل:عنى به الشّأم و مصر.(11:166)

الماورديّ: و في قوله تعالى: مُبَوَّأَ صِدْقٍ تأويلان:

أحدهما:أنّه كالصّدق في الفضل،و الثّاني:أنّه تصدّق به عليهم.

و يحتمل تأويلا ثالثا:أنّه وعدهم إيّاه فكان وعده وعد صدق.(2:449)

الطّوسيّ: و قوله: مُبَوَّأَ صِدْقٍ أي منزل صدق،أي فيه فضل كفضل الصّدق،كما يقال:أخو صدق.

و قيل:إنّه يصدق فيما يدلّ عليه من جلالة النّعمة.

(5:492)

الواحديّ: ما بين المدينة و الشّام،في أرض يثرب.

(2:559)

البغويّ: منزل صدق،يعني مصر.و قيل:الأردن و فلسطين،و هي الأرض المقدّسة الّتي كتب اللّه ميراثا لإبراهيم و ذرّيّته.(2:433)

نحوه الميبديّ(4:333)،و القرطبيّ(8:381).

الزّمخشريّ: منزلا صالحا مرضيّا،و هو مصر و الشّأم.(2:252)

مثله النّسفيّ(2:175)،و البيضاويّ(1:457)، و أبو السّعود(2:272).

ابن عطيّة :أي يصدق فيه ظنّ قاصده و ساكنه و أهله،و يعني بهذه الآية إحلالهم بلاد الشّام و بيت المقدس،قاله قتادة،و ابن زيد،و قيل:بلاد مصر و الشّام،قاله الضّحّاك.و الأوّل أصحّ بحسب ما حفظ من أنّهم لن يعودوا إلى مصر،على أنّ القرآن كذلك.

وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:59،يعني ما ترك القبط من جنّات و عيون و غير ذلك،و قد يحتمل أن يكون(أورثناها)معناه الحالة من النّعمة،و إن لم يكن في قطر واحد.(3:142)

الطّبرسيّ: «المبوّأ»يجوز أن يكون مصدرا،و يجوز أن يكون مكانا،و يكون المفعول الثّاني من بوّأت على هذا محذوفا،كما حذف من قوله: وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ... الأعراف:74.

و يجوز أن ينتصب«المبوّأ»نصب المفعول به على الاتّساع و إن كان مصدرا،فقد أجاز ذلك سيبويه في قوله:أمّا الضّرب فأنت ضارب..

أخبر سبحانه عن نعمه عليهم بعد أن أنجاهم و أهلك عدوّهم،يقول:مكّنّاهم مكانا محمودا،و هو بيت المقدس و الشّام.

و إنّما قال: مُبَوَّأَ صِدْقٍ لأنّ فضل ذلك المنزل على غيره من المنازل كفضل الصّدق على الكذب.

و قيل:معناه أنزلناهم في موضع خصب و أمن يصدق فيما يدلّ عليه من جلالة النّعمة.

ص: 95

و قال الحسن:يريد به مصر؛و ذلك أنّ موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا و رجع إلى مصر،و تبوّأ مساكن آل فرعون.(3:132)

ابن الجوزيّ: أي أنزلناهم منزل صدق،أي منزلا كريما.(4:62)

الفخر الرّازيّ: أي اسكنّاهم مكان صدق،أي مكانا محمودا،و قوله: مُبَوَّأَ صِدْقٍ فيه وجهان:

الأوّل:يجوز أن يكون(مبوّأ صدق)مصدرا،أي بوّأناهم تبوّأ صدق.

الثّاني:أن يكون المعنى منزلا صالحا مرضيّا.

و إنّما وصف«المبوّأ»بكونه صدقا لأنّ عادة العرب أنّها إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصّدق،تقول:رجل صدق،و قدم صدق.قال تعالى: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الإسراء:80، و السّبب فيه أنّ ذلك الشّيء إذا كان كاملا في وقته صالحا للغرض المطلوب منه،فكلّ ما يظنّ فيه من الخير،فإنّه لا بدّ و أن يصدق ذلك الظّنّ.(17:158)

نحوه النّيسابوريّ(11:117)،و الخازن(3:17)، و البروسويّ(4:79)،و الآلوسيّ(11:189)، و القاسميّ(9:3395)،و المراغيّ(11:152)، و حسنين محمّد مخلوف(1:355).

أبو حيّان :و انتصب(مبوّأ صدق)على أنّه مفعول ثان ل(بوّأنا)كقوله: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً

العنكبوت:58.

و قيل:يجوز أن يكون مصدرا،و معنى(صدق)أي فضل و كرامة،و منه: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ القمر:55.

و قيل:مكان صدق الوعد،و كان وعدهم فصدقهم وعده.

و قيل:(صدق)تصدّق به عليهم،لأنّ الصّدقة و البرّ من الصّدق.

و قيل:(صدق)فيه ظنّ قاصده و ساكنه.

و قيل:منزلا صالحا مرضيّا.[ثمّ ذكر بقيّة أقوال السّابقين و قال:]

و قيل:ما بين المدينة و الشّام من أرض يثرب،ذكره عليّ بن أحمد النّيسابوريّ،و هذا على قول من قال:إنّ بني إسرائيل هم الّذين بحضرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(5:190)

الشّربينيّ: [ذكر مثل الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قيل:أرض الشّام و الفرس و الأردن،لأنّها بلاد الخصب و الخير و البركة.(2:36)

رشيد رضا :قلنا:إنّ المبوّأ مكان إقامة الأمين، و أضيف إلى«الصّدق»لدلالته على صدق وعد اللّه تعالى لهم به،و هو منزلهم من بلاد الشّام الجنوبيّة المعروفة بفلسطين.(11:478)

سيّد قطب :و المبوّأ:مكان إقامة الأمين.و إضافته إلى الصّدق تزيده أمانا و ثباتا و استقرارا،كثبات الصّدق الّذي لا يضطرب و لا يتزعزع اضطراب الكذب و تزعزع الافتراء.(3:1818)

الطّباطبائيّ: أي أسكنّاهم مسكن صدق.و إنّما يضاف الشّيء إلى الصّدق نحو:وعد صدق،و قدم صدق،و لسان صدق،و مدخل صدق،و مخرج صدق، للدّلالة على أنّ لوازم معناه و آثاره المطلوبة منه موجودة فيه صدقا من غير أن يكذب في شيء من آثاره الّتي

ص: 96

يعدها بلسان دلالته الالتزاميّة لطالبه.

فوعد صدق مثلا هو الوعد الّذي سيفي به واعده، و يسرّ بالوفاء به موعوده،و يحقّ أن يطمع فيه و يرجى وقوعه.فإن لم يكن كذلك فليس بوعد صدق بل وعد كذب،كأنّه يكذب في معناه و لوازم معناه.

و على هذا فقوله: مُبَوَّأَ صِدْقٍ يدلّ على أنّ اللّه سبحانه بوّأهم مبوّأ يوجد فيه جميع ما يطلبه الإنسان من المسكن من مقاصد السّكنى،كطيب الماء و الهواء و بركات الأرض و وفور نعمها و الاستقرار فيها و غير ذلك،و هذه هي نواحي بيت المقدس و الشّام الّتي أسكن اللّه بني إسرائيل فيها،و سمّاها الأرض المقدّسة المباركة،و قد قصّ القرآن دخولهم فيها.

و أمّا قول بعضهم:إنّ المراد بهذا المبوّأ«مصر»دخلها بنو إسرائيل و اتّخذوا فيها بيوتا،فأمر لم يذكره القرآن.

على أنّهم لو فرض دخولهم فيها ثانيا لم يستقرّوا فيها استقرارا مستمرّا،و تسمية ما هذا شأنه(مبوّأ صدق)ممّا لا يساعد عليه معنى اللّفظ.(10:120)

لاحظ:ص د ق(صدق).

تبوّءوا

وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ... الحشر:9

الطّبريّ: يقول:اتّخذوا المدينة-مدينة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم- فابتنوها منازل.(28:41)

الشّريف الرّضيّ: قوله تعالى: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ و هذه استعارة،لأنّ(تبوّءوا الدّار)هو استيطانها و التّمكّن فيها،و لا يصحّ حمل ذلك على حقيقته في الإيمان،فلا بدّ إذن من حمله على المجاز و الاتّساع.فيكون المعنى أنّهم استقرّوا في الإيمان كاستقرارهم في الأوطان.

و هذا من صميم البلاغة و لباب الفصاحة،و قد زاد اللّفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا،أ لا ترى كم بين قولنا:«استقرّوا في الإيمان»و بين قولنا:«تبوّءوا الإيمان».

و أنا أقول أبدا:إنّ الألفاظ خدم للمعاني،لأنّها تعمل في تحسين معارضها،و تنميق مطالعها.(330)

نحوه خليل ياسين.(20:250)

الماورديّ: و يكون على التّقديم و التّأخير، و معناه تبوّءوا الدّار من قبلهم و الإيمان.

الثّاني:أنّ الكلام على ظاهره،و معناه أنّهم تبوّءوا الدّار و مواساتهم بأموالهم و مساكنهم.(5:505)

مثله ابن الجوزيّ.(8:212)

الطّوسيّ: أي جعلوا ديارهم موضع مقامهم، و آمنوا باللّه من قبلهم.

نزلت في الأنصار،فإنّهم نزلوا المدينة قبل نزول المهاجرين.(9:565)

البغويّ: و هم الأنصار،(تبوّءوا الدّار)توطّنوا الدّار -أي المدينة-اتّخذوها دار الهجرة و الإيمان.(5:58)

مثله الخازن.(7:52)

الميبديّ: أي لزموا المدينة و دورهم بها، (و الايمان)منصوب بفعل مضمر،يعني و قبلوا الإيمان و آثروه.و قيل:معناه لزموا المدينة و مواضع الإيمان.

و ذكر النّقّاش:أنّ الإيمان اسم المدينة،سمّاها

ص: 97

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم به.(10:46)

الزّمخشريّ: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا... معطوف على المهاجرين،و هم الأنصار.

فإن قلت:ما معنى عطف(الايمان)على(الدّار)، و لا يقال:تبوّءوا الإيمان؟

قلت:معناه تبوّءوا الدّار و أخلصوا الإيمان،كقوله:

*علفتها تبنا و ماء باردا*

أي و جعلوا الإيمان مستقرّا و متوطّنا لهم،لتمكّنهم منه و استقامتهم عليه،كما جعلوا المدينة كذلك.

أو أراد دار الهجرة و دار الإيمان،فأقام لام التّعريف في الدّار مقام المضاف إليه،و حذف المضاف من دار الإيمان،و وضع المضاف إليه مقامه.

أو سمّي المدينة،لأنّها دار الهجرة و مكان ظهور الإيمان بالإيمان.(4:83)

نحوه الرّازيّ(339)،و البيضاويّ(2:466)، و النّسفيّ(4:241)،و النّيسابوريّ(28:31).

ابن عطيّة :هم الأنصار...و المعنى تبوّءوا الدّار مع الإيمان معا.

(و الايمان)لا يتبوّأ لأنّه ليس مكانا،و لكن هذا من بليغ الكلام،و يتخرّج على وجوه كلّها جميل حسن.

(5:287)

الطّبرسيّ: يعني المدينة،و هي دار الهجرة،تبوّأها الأنصار قبل المهاجرين،و تقدير الآية:و الّذين تبوّءوا الدّار من قبلهم و الإيمان،لأنّ الأنصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين.

و عطف(الايمان)على(الدّار)في الظّاهر لا في المعنى، لأنّ(الايمان)ليس بمكان يتبوّأ،و التّقدير:و آثروا الإيمان.(5:261)

الفخر الرّازيّ: و المراد من(الدّار):المدينة،و هي دار الهجرة تبوّأها الأنصار قبل المهاجرين،و تقدير الآية:و الّذين تبوّءوا المدينة و الإيمان من قبلهم.

فإن قيل:في الآية سؤالان:أحدهما:أنّه لا يقال:

تبوّأ الإيمان،و الثّاني:تبوّءوا بتقدير أن يقال ذلك،لكنّ الأنصار ما تبوّءوا الإيمان قبل المهاجرين.

و الجواب عن الأوّل من وجوه:

أحدها:تبوّءوا الدّار و أخلصوا الإيمان.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثانيها:جعلوا الإيمان مستقرّا و وطنا لهم،لتمكّنهم منه و استقامتهم عليه،كما أنّهم لمّا سألوا سلمان عن نسبه فقال:أنا ابن الإسلام.

و ثالثها:أنّه سمّى المدينة ب(الايمان)لأنّ فيها ظهر الإيمان و قوي.

و الجواب عن السّؤال الثّاني من وجهين:

الأوّل:أنّ الكلام على التّقديم و التّأخير،و التّقدير:

و الّذين تبوّءوا الدّار من قبلهم و الإيمان.

و الثّاني:أنّه على تقدير حذف المضاف،و التّقدير:

تبوّءوا الدّار و الإيمان من قبل هجرتهم.(29:287)

القرطبيّ: لا خلاف أنّ الّذين تبوّءوا الدّار هم الأنصار الّذين استوطنوا المدينة قبل المهاجرين إليها، (و الايمان)نصب بفعل غير تبوّأ،لأنّ التّبوّؤ إنّما يكون في الأماكن،و(من قبلهم)،(من)صلة تبوّأ.

و المعنى و الّذين تبوّءوا الدّار من قبل المهاجرين

ص: 98

و اعتقدوا الإيمان و أخلصوه،لأنّ الإيمان ليس بمكان يتبوّأ،كقوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ يونس:71،أي و ادعوا شركاءكم،ذكره أبو عليّ، و الزّمخشريّ و غيرهما،و يكون من باب قوله:

*علفتها تبنا و ماء باردا*

و يجوز حمله على حذف المضاف،كأنّه قال:تبوّءوا الدّار و مواضع الإيمان.

و يجوز حمله على ما دلّ عليه(تبوّأ)،كأنّه قال:لزموا الدّار و لزموا الإيمان فلم يفارقوهما.

و يجوز أن يكون تبوّأ الإيمان على طريق المثل،كما تقول«تبوّأ من بني فلان الصّميم»و التّبوّؤ:التّمكّن و الاستقرار.و ليس يريد أنّ الأنصار آمنوا قبل المهاجرين،بل أراد آمنوا قبل هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم.

(18:20)

نحوه أبو السّعود.(6:227)

أبو حيّان : وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا... معطوف على المهاجرين و هم الأنصار،فيكون قد وقع بينهم الاشتراك فيما يقسّم من الأموال.

و قيل:هو مستأنف مرفوع بالابتداء،و الخبر (يحبّون).أثنى اللّه تعالى بهذه الخصال الجليلة،كما أثنى على المهاجرين بقوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً الحشر:8، و(الايمان)معطوف على(الدّار)و هي المدينة.

و الإيمان ليس مكانا فيتبوّأ،فقيل:هو من عطف الجمل،أي و اعتقدوا الإيمان و أخلصوا فيه،قاله أبو عليّ،فيكون كقوله:

*علفتها تبنا و ماء باردا*

أو يكون ضمّن(تبوّءوا)معنى لزموا،و اللّزوم قدر مشترك في الدّار و الإيمان،فيصحّ العطف.

أو لمّا كان الإيمان قد شملهم،صار كالمكان الّذي يقيمون فيه.لكن يكون ذلك جمعا بين الحقيقة و المجاز.

[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ،و ابن عطيّة المتقدّمين]

(8:247)

الشّربينيّ: أي جعلوا بغاية جهدهم(الدّار)أي الكاملة في الدّور الّتي جعلها اللّه تعالى في الأزل للهجرة، و هيّأها للنّصرة،و جعلها محلّ إقامتهم.و في قوله تعالى:

(و الايمان)أوجه:

أحدها:أنّه ضمّن(تبوّءوا)معنى لزموا،فيصحّ عطف(الايمان)عليه؛إذ الإيمان لا يتبوّأ.

ثانيها:أنّه منصوب بمقدّر،أي و اعتقدوا أو و ألفوا أو و أحبّوا أو و أخلصوا.[ثمّ استشهد بشعر]

ثالثها:أنّه يتجوّز في الإيمان،فيجعل لاختلاطه بهم و ثباتهم عليه كالمكان المحيط بهم،فكأنّهم نزلوه.و على هذا فيكون جمع بين الحقيقة و المجاز في كلمة واحدة، و فيه خلاف مشهور.

رابعها:أن يكون الأصل:دار الهجرة و دار الإيمان، فأقام لام التّعريف في(الدّار)مقام المضاف إليه،و حذف المضاف من دار الإيمان،و وضع المضاف إليه مقامه.

خامسها:أن يكون سمّي المدينة به،لأنّها دار الهجرة و مكان ظهور الإيمان.قال هذين الوجهين الزّمخشريّ،و ليس فيه إلاّ قيام«أل»مقام المضاف إليه.

و هو محلّ خلاف،و هو أنّ«أل»هل تقوم مقام الضّمير المضاف إليه؟

ص: 99

فالكوفيّون يجوّزونه،كقوله تعالى: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:41،أي مأواه،و البصريّون يمنعونه،و يقولون:الضّمير محذوف،أي المأوى له.

و أمّا كونها عوضا عن«المضاف إليه»فقال ابن عادل:لا نعرف فيه خلافا.

سادسها:أنّه منصوب على المفعول معه،أي مع الإيمان.قال وهب:سمعت مالكا يذكر فضل«المدينة» على غيرها من الآفاق،فقال:إنّ المدينة تبوّأت بالإيمان و الهجرة،و إنّ غيرها من القرى افتتحت بالسّيف،ثمّ قرأ: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ. (4:246)

البروسويّ: و أصل«البواء»مساواة الأجزاء في المكان،خلاف«النّبو»الّذي هو منافاة الأجزاء،يقال:

مكان بواء،إذا لم يكن نابيا بنازله،و بوّأت له مكانا:

سوّيت.و روي أنّه عليه السّلام كان يتبوّأ لبوله كما يتبوّأ لمنزله، و تبوّؤ لمنزل:اتّخاذه منزلا و التّمكّن و الاستقرار فيه، فالمتبوّأ فيه لا بدّ أن يكون من قبيل المنازل و الأمكنة.

و(الدّار)هي المدينة و تسمّى قديما يثرب،و حديثا طيبة،و طابة كذلك،بخلاف(الايمان)فإنّه ليس من هذا القبيل،فمعنى تبوّئهم الدّار و الإيمان:أنّهم اتّخذوا المدينة و الإيمان مباءة،و تمكّنوا فيهما أشدّ تمكّن،على تنزيل الحال منزلة المكان.

و قيل:ضمّن التّبوّؤ معنى اللّزوم.و قيل:تبوّءوا الدّار و أخلصوا الإيمان أو قبلوه أو آثروه،كقول من قال:

*علفتها تبنا و ماء باردا*

أي و سقيتها ماء باردا،فاختصر الكلام،و قيل غير ذلك.

يقول الفقير: لعلّ أصل الكلام:و الّذين تبوّءوا دار الإيمان،فإنّ«المدينة»يقال لها:دار الإيمان،لكونها مظهره و مأوى أصله،كما يقال لها:دار الهجرة،و إنّما عدل إلى ما ذكر من صورة العطف تنصيصا على إيمانهم؛إذ مجرّد التّبوّؤ لا يكفي في المدح.(9:432)

الآلوسيّ: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا... الأكثرون على أنّه معطوف على المهاجرين،و المراد بهم الأنصار.و التّبوّؤ:

النّزول في المكان،و منه المباءة للمنزل،و نسبته إلى (الدّار)و المراد بها«المدينة»ظاهرا.

و أمّا نسبته إلى(الايمان)فباعتبار جعله مستقرّا و متوطّنا على سبيل الاستعارة المكنيّة التّخييليّة، و التّعريف في(الدّار)للتّنويه،كأنّها الدّار الّتي تستحقّ أن تسمّى دارا،و هي الّتي أعدّها اللّه تعالى لهم ليكون تبوّؤهم إيّاها مدحا لهم.

و قال غير واحد:الكلام من باب:

*علفتها تبنا و ماء باردا*

أي تبوّءوا الدّار و أخلصوا الإيمان.و قيل:التّبوّؤ مجاز مرسل عن اللّزوم،و هو لازم معناه،فكأنّه قيل:لزموا الدّار و الإيمان.

و قيل:في توجيه ذلك أنّ«أل»في(الدّار)للعهد، و المراد:دار الهجرة،و هي تغني غناء الإضافة.و في (و الايمان)حذف مضاف،أي و دار الإيمان،فكأنّه قيل:تبوّءوا دار الهجرة و دار الإيمان.

على أنّ المراد بالدّارين«المدينة»،و العطف كما في قولك:رأيت الغيث و اللّيث،و أنت تريد زيدا،و لا يخفى ما فيه من التّكلّف و التّعسّف.

ص: 100

و قيل:إنّ(الايمان)مجاز عن المدينة،سمّي محلّ ظهور الشّيء باسمه مبالغة،و هو كما ترى.

و قيل:الواو للمعيّة،و المراد:تبوّءوا الدّار مع إيمانهم، أي تبوّءوها مؤمنين،و هو أيضا ليس بشيء،و أحسن الأوجه ما ذكرناه أوّلا.

و ذكر بعضهم أنّ(الدّار)علم بالغلبة على المدينة كالمدينة،و أنّه أحد أسماء لها منها طيبة،و طابة، و يثرب،و جابرة،إلى غير ذلك.(28:51)

عزّة دروزة :الجمهور على أنّ الجملة كناية عن الأنصار،و(الدّار)هي دار الهجرة،أي المدينة حيث كانوا مقيمين فيها،و قد آمنوا قبل قدوم المهاجرين.

(8:216)

الطّباطبائيّ: قيل:إنّه استئناف مسوق لمدح الأنصار لتطيب بذلك قلوبهم؛إذ لم يشركوا في الفيء.

وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا... و المراد بهم:الأنصار،مبتدأ خبره(يحبّون)إلخ،و المراد بتبوّءوا الدّار و هو تعميرها بناء مجتمع دينيّ يأوي إليه المؤمنون على طريق الكناية، (و الايمان)معطوف على(الدّار)و تبوّءوا الإيمان و تعميره:رفع نواقصه من حيث العمل؛بحيث يستطاع العمل بما يدعو إليه من الطّاعات و القربات،من غير حجر و منع،كما كان بمكّة.

و احتمل أن يعطف(الايمان)على(تبوّءوا)و قد حذف الفعل العامل فيه،و التّقدير:و آثروا الإيمان.

و قيل:إنّ قوله: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا... معطوف على قوله:(المهاجرين)و على هذا يشارك الأنصار المهاجرين في الفيء.

و الإشكال عليه بأنّ المرويّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قسّمه بين المهاجرين،و لم يعط الأنصار منه شيئا إلاّ ثلاثة من فقرائهم،مدفوع بأنّ الرّواية من شواهد العطف دون الاستئناف؛إذ لو لم يجز إعطاؤه للأنصار لم يجز لا للثّلاثة و لا للواحد،فإعطاء بعضهم منه دليل على مشاركتهم لهم،غير أنّ الأمر لمّا كان راجعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان له أن يصرفه كيف يشاء،فرجّح أن يقسّمه بينهم على تلك الوتيرة.(19:205)

مكارم الشّيرازيّ: و النّقطة الجديرة بالذّكر هنا أنّ(تبوّءوا)من مادّة«بواء»على وزن«دواء»و هي في الأصل بمعنى:تساوي أجزاء المكان،و بعبارة أخرى يقال:«بواء»لترتيب و تسوية مكان ما.

هذا التّعبير كناية لطيفة لهذا المعنى،و هو أنّ طائفة الأنصار-أهل المدينة-قد هيّئوا الأرضيّة المناسبة للهجرة،و كما يخبرنا التّاريخ،فإنّ الأنصار قدموا مرّتين للعقبة-و هي موضع مرتفع قرب مكّة-و بايعوا رسول اللّه متنكّرين،و رجعوا إلى المدينة مبلّغين،و معهم مصعب ابن عمير ليعلّمهم أمور دينهم،و ليهيّئ الأرضيّة المناسبة لهجرة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.

و بناء على هذا فإنّ الأنصار لم يهيّئوا بيوتهم كمظهر معبّر لاستقبال المهاجرين،بل إنّهم فتحوا قلوبهم و نفوسهم و أجواء مجتمعهم قدر المستطاع للتّكيّف في التّعامل،مع وضع الهجرة المرتقب.

و التّعبير(من قبلهم)يوضح لنا أنّ كلّ تلك الأمور كانت قبل هجرة مسلمي مكّة،و هذا أمر مهمّ.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الطّباطبائيّ فلاحظ](18:181)

ص: 101

يتبوّأ

وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ... يوسف:56

عبد الرّحمن بن زيد:يصنع في الدّنيا ما يشاء لتفويض الأمر إليه.(الماورديّ 3:53)

سعيد بن جبير:يتّخذ من أرض مصر منزلا حيث يشاء.(الماورديّ 3:53)

الزّمخشريّ: قرئ بالنّون و الياء،أي كلّ مكان أراد أن يتّخذه منزلا و متبوّأ له يمنع منه،لاستيلائه على جميعها،و دخوله تحت ملكته و سلطانه.(2:329)

الطّبرسيّ: و قوله:(يتبوّأ)في موضع نصب على الحال،تقديره:مكّنّاه متبوّأ حيث يشاء،أي يتصرّف فيها حيث يشاء،و ينزل منها حيث يشاء.(3:241)

نحوه الفخر الرّازيّ.(18:163)

النّيسابوريّ: و المراد بيان استقلاله بالتّقلّب و التّصرّف فيها؛بحيث لا ينازعه أحد.(13:20)

البروسويّ: أي ينزل من بلادها حيث يشاء، و يتّخذه مباءة و منزلا.و هو عبارة عن كمال قدرته على التّصرّف فيها و دخولها تحت سلطانه،فكأنّها منزله، يتصرّف فيها كما يتصرّف الرّجل في منزله.(4:283)

نحوه القاسميّ.(9:3560)

الآلوسيّ: ينزل من قطعها و بلادها(حيث يشاء).

(13:6)

حسنين محمّد مخلوف: يتّخذ من أرض مصر منزلا و موطنا ينزله حيث يشاء،يقال:بوّأه منزلا،و في منزل:أنزله.(1:388)

تبوّآ

وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً... يونس:87

الطّبريّ: و أوحينا إلى موسى و أخيه أن اتّخذا لقومكما بمصر بيوتا،يقال منه:تبوّأ فلان لنفسه بيتا،إذا اتّخذه،و كذلك تبوّأ مصحفا،إذا اتّخذه،و بوّأته أنا بيتا، إذا اتّخذته له.(11:153)

نحوه البغويّ(2:431)،و الخازن(3:166)

الفارسيّ: «تبوّأ»فعل يتعدّى إلى مفعولين،و اللاّم في قوله:(لقومكما)كالّتي في قوله: رَدِفَ لَكُمْ النّمل:72،و يقوّي ذلك قوله: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26،فدخلت اللاّم على غير المطاوع،كما دخلت على المطاوع في قوله: تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما. (الطّبرسيّ 3:129)

الماورديّ: يعني تخيّرا و اتّخذا لهم بيوتا يسكنونها.

[ثمّ استشهد بشعر](2:447)

الزّمخشريّ: تبوّأ المكان:اتّخذه مباءة،كقولك:

توطّنه،إذا اتّخذه وطنا،و المعنى اجعلا بمصر بيوتا من بيوته مباءة لقومكما،و مرجعا يرجعون إليه للعبادة و الصّلاة فيه.(2:249)

نحوه الطّبرسيّ.(3:129)

و مثله الفخر الرّازيّ(17:147)،و النّسفيّ(2:173)، و نحوه النّيسابوريّ(11:110)،و البروسويّ(4:72).

ابن عطيّة :(تبوّآ)معناه تخيّرا و اتّخذا،و هي لفظة

ص: 102

مستعملة في الأماكن و ما يشبه بها.[ثمّ استشهد بأشعار]

و قرأ النّاس: (تبوّآ) بهمزة على تقدير:تبوّعا،و قرأ حفص في رواية هبيرة:(تبوّيا)و هذا تسهيل ليس بقياسيّ،و لو جرى على القياس لكان بين الهمزة و الألف.(3:138)

القرطبيّ: أي اتّخذا. لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يقال:بوّأت زيدا مكانا،و بوّأت لزيد مكانا.(8:371)

أبو حيّان :و(تبوّآ):اتّخذا مباءة،أي مرجعا للعبادة و الصّلاة،كما تقول:توطّن:اتّخذ موطنا.[ثمّ ذكر نحو ابن عطيّة](5:185)

الآلوسيّ: و التّبوّؤ:اتّخاذ المباءة،أي المنزل، كالتّوطّن:اتّخاذ الوطن،و الجمهور على تحقيق الهمزة.

و منهم من قرأ (تبوّيا لقومكما بمصر بيوتا) فجعلها ياء، و هي مبدلة من الهمزة تخفيفا.

و الفعل-على ما قيل-ممّا يتعدّى لواحد،فيقال:

تبوّأ زيد كذا.لكن إذا أدخلت اللاّم على الفاعل،فقيل:

تبوّأ لزيد كذا،تعدّى لما كان فاعلا باللاّم فيتعدّى لاثنين،و خرجت الآية على ذلك.ف(لقومكما)أحد المفعولين.و قيل:هو متعدّ لواحد،و(لقومكما)متعلّق بمحذوف وقع حالا من«البيوت».و اللاّم على الوجهين غير زائدة.

و قال أبو عليّ: هو متعدّ بنفسه لاثنين،و اللاّم زائدة، كما في(ردف لكم)،و«فعّل»و«تفعّل»قد يكونان بمعنى، مثل علّقتها و تعلّقتها،و التّقدير:بوّءا قومكما بيوتا يسكنون فيها،أو يرجعون إليها للعبادة.(11:171)

رشيد رضا :يقال:تبوّأ الدّار:اتّخذها مبوأ و مباءة،أي مسكنا ثابتا و ملجأ يبوء إليه،أي يرجع كلّما فارقه لحاجة،و بوّأها غيره.

و قوله:(ان تبوّآ)تفسير ل(اوحينا)لأنّه بمعنى قلنا لهما:اتّخذا لقومكما بيوتا في مصر،تكون مساكن و ملاجئ يبوءون إليها،و يعتصمون بها.(11:471)

نحوه المراغيّ.(11:144-146)

عزّة دروزة :(تبوّآ)هيّئا و اختارا.(4:44)

حسنين محمّد مخلوف: أي اتّخذا لهم مباءة، أي بيوتا بمصر يسكنون فيها.يقال:بوّأت له مكانا:

سوّيته و هيّأت له،و تبوّأ المكان:اتّخذه مباءة،و منه:

تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ... آل عمران:

121.(1:354)

نتبوّأ

...وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ...

الزّمر:74

السّدّيّ: ننزل منها حيث نشاء.(الطّبريّ 24:37)

مثله ابن قتيبة.(384)

الطّبريّ: نتّخذ من الجنّة بيتا و نسكن منها،حيث نحبّ و نشتهي.(24:37)

نحوه الهرويّ(1:216)،و ابن عطيّة(4:543)، و أبو حيّان(7:443).

الماورديّ: يعني منازلهم الّتي جوّزوا بها،لأنّهم مصروفون عن إرادة غيرها.(5:138)

الطّوسيّ: معناه نتّخذ متبوّأ،أي مأوى حيث

ص: 103

نشاء.و أصله:الرّجوع،من قولهم:باء بكذا،أي رجع به.(9:50)

نحوه الطّبرسيّ.(4:511)

الآلوسيّ: أي يتبوّأ منّا في أيّ مكان أراده من جنّته الواسعة،لا أنّ كلاّ منهم يتبوّأ في أيّ مكان من مطلق الجنّة،أو من جنّات غيره المعيّنة لذلك الغير،فلا يقال:

إنّه يلزم جواز تبوّؤ الجميع في مكان واحد وحدة حقيقة، و هو محال،أو أن يأخذ أحدهم جنّة غيره،و هو غير مراد.

و قيل:الكلام على ظاهره،و لكلّ منهم أن يتبوّأ في أيّ مكان شاء من مطلق الجنّة و من جنّات غيره،إلاّ أنّه لا يشاء غير مكانه،لسلامة نفسه و عصمة اللّه تعالى له عن تلك المشيئة.(24:35)

المراغيّ: أي و جعلنا نتصرّف في أرض الجنّة تصرّف الوارث فيما يرث،فنتّخذ منها مباءة و مسكنا حيث شئنا.(24:39)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الباءة،أي منزل القوم حين يتبوّءون في قبل واد أو سند جبل،ثمّ أطلق على كلّ منزل ينزله القوم،يقال:تبوّءوا منزلا،أي اتّخذوه لهم منزلا،و أبأت القوم منزلا و بوّأتهم:اتّخذته لهم،و بوّأته لهم:هيّأته لهم،و أبأت بالمكان:أقمت به.

و المباءة:منزل القوم أيضا،و هو إمّا مصدر ميميّ، مثل:المجاعة،أو اسم مكان مثل:المناحة،يقال:استباء المكان،أي اتّخذه مباءة.

و المباءة:معطن القوم للإبل حيث تناخ في الموارد، و بيتها في الجبل،و كذا منزل الغنم أيضا،و في الحديث:

«قال له رجل:أصلّي في مباءة الغنم؟قال:نعم».و يقال أيضا:أبأت الإبل فأنا أبيئها إباءة،أي رددتها إلى المباءة،و هو المراح الّذي تبيت فيه.و أبأت على فلان ماله:أرحت عليه إبله و غنمه،و أبأت على بني فلان مالا:أعطيتهم إيّاه و سقته إليهم.

و المباءة:كناس الثّور الوحشيّ،و بيت النّحل في الجبل،و متبوّأ الولد من الرّحم،و مرجع الماء إلى جمّ البئر،و موضع وقوف سائق السّانية عند البئر.

و البيئة:اسم مصدر مثل:الحيرة،من قولهم:تبوّأت منزلا،فهو كالباءة،أي الموضع الّذي يتبوّأ فيه.أو مصدر مثل:الحيطة،من:باء يبوء بيئة،أي رجع إلى أهله،يقال:فلان حسن البيئة،و باء بيئة سوء،أي بحال سوء.

و البواء:مصدر باء فلان بذنبه يبوء بوءا و بواء،أي احتمله كرها لا يستطيع دفعه عن نفسه،و كأنّ المذنب صار مأوى الذّنب و منزله.و باء فلان بدم فلان:أقرّ به على نفسه و احتمله طوعا علما بوجوبه.و باء الرّجل بصاحبه:قتل به،و منه المثل:«باءت عرار بكحل»، و هما بقرتان قتلت إحداها بالأخرى.

ثمّ استعمل«البواء»اسما للمفرد و المثنّى و الجمع، بمعنى الكفء و النّظير؛إذ هو مأوى طالب العدل و مظنّته، يقال:هم في هذا الأمر بواء،أي أكفاء و نظراء،و قسّم المال على بواء:على سواء،و كلّمناهم فأجابونا عن بواء واحد،أي أجابونا جوابا واحدا.و منه حديث الإمام

ص: 104

جعفر الصّادق عليه السّلام قيل له:ما بال العقرب مغتاظة على بني آدم؟فقال:«تريد البواء»،أي تؤذي كما تؤذى.

و يقال أيضا:إنّ فلانا لبواء بفلان،أي إن قتل به كان كفء،و منه قول المهلهل بن ربيعة لابن الحرث بن عبّاد حين قتله:«بؤ بشسع نعلي كليب»،أمر من:باء يبوء،أي كن كفء لشسع نعليه.

2-و الباءة:عقد التّزويج،و أصله:البيت و المنزل، لأنّ من تزوّج امرأة بوّأها منزلا،ثمّ أطلق على النّكاح نفسه،يقال:فلان حريص على الباءة،أي على النّكاح، و هو طيّب الباءة:عفيف الفرج.و استباءت الأنثى:

طلبت الباءة،و في الحديث:«عليكم بالباءة»،أي النّكاح و التّزويج.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت(16)مرّة:فعلا مجرّدا(6)مرّات،و مزيدا من باب التّفعيل(6)مرّات أيضا،و من باب التّفعّل(4) مرّات،و اسم مكان:مبوّأ،مرّة واحدة.

باء:

1- أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ آل عمران:162

2- وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الأنفال:16

3- ...وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ البقرة:61

4- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ آل عمران:112

5- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ البقرة:90

6- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ المائدة:29

بوّأ:

7- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الأعراف:74

8- وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

يونس:93

9- وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ

الحجّ:26

تبوّأ:

10- وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آل عمران:121

ص: 105

11- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ النّحل:41

12- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ العنكبوت:58

13- وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يونس:87

14- وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:56

15- وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

الحشر:9

16- وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الزّمر:74

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات حسب المعنى الّذي أريد بها من مادّة«ب و ء»قسمان:قسم أريد بها الرّجوع إلى الشّرّ أو تحمّله أو استحقاقه قصاصا و على سواء -و الفعل فيها مجرّد-و هي السّتّ الأولى.و قسم أريد بها الإسكان و الإباءة في مكان-و الفعل فيها مزيد من بابين-و هي باقي الآيات.

ثانيا:في القسم الأوّل بحوث:

1-جاءت(1)مقابلة على سبيل العموم بين من اتّبع رضوان اللّه،و من باء بسخط من اللّه،ليتّضح الموقفان و يتميّز الفريقان.فمآل الفريق الأوّل رضوان اللّه و نعم المصير،و مآل الفريق الثّاني جهنّم و بئس المصير،و فيهما إيهام التّناسب بين الاتّباع و الرّجوع،على سبيل التّقابل بينهما،كأنّه قال:منهم من اتّبع رضوان اللّه،و منهم من لم يتّبعه فباء بغضب من اللّه،و التّقابل بين فريقي الحقّ و الباطل سنّة متّبعة في القرآن،تركيزا في البون البعيد بينهما،و بلاغا في التّبشير و الإنذار.

2-و جاءت خاصّة بمن يولّي الدّبر خلال الحرب، فإنّه حين أدبر قد باء بغضب من اللّه،و مأواه جهنّم و بئس المصير.إلاّ من أدبر و هو متحرّف لقتال أو متحيّز إلى فئة،فلا تشمله هذه العقوبة و لا يناله الغضب.فالفرار عن المعركة من أظهر مصاديق البوء بغضب من اللّه.

و فيهما إيهام التّناسب بين الإدبار من المعركة-و هو الرّجوع منها-و بين الرّجوع إلى غضب اللّه،أي أنّه حينما أدبر منها أقبل إلى غضب اللّه،و حينما رجع منها رجع إلى غضب اللّه.

3-و قد جاء في(1): باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ، و فى الباقي: باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ بسياق واحد،و هو تنكير «سخط»و«غضب»صادرين عن اللّه تكبيرا لهما.

و الفرق بينهما على قول أبي هلال:«أنّ الغضب يكون من الصّغير على الكبير و من الكبير على الصّغير،و السّخط لا يكون إلاّ من الكبير على الصغير»،و هو المراد بهما في الآيتين.

ص: 106

4-و جاءت(3)و(4)و(5)ذمّا لبني إسرائيل مع فروق بينها.

منها:الجمع بين الذّلّة و المسكنة و غضب اللّه في(3) و(4)دون(5)حيث خصّت بغضب اللّه،كما يأتي.

و منها:الجمع بين الذّلّة و المسكنة في(3)مقدّما على وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ و الفصل بينهما في(4)حيث قدّمت فيها وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ على وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ و أخّرت عنها: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ مع تكرار(ضربت)تقديما لعذاب الدّنيا على الآخرة في(3)و توسيطا في(4)بين شطري عذاب الدّنيا و هما الذّلّة و المسكنة-عذاب الآخرة،و هو غضب اللّه-ربطا و استيثاقا بين العذابين،و تذكارا بأنّ الذّلّة و المسكنة من مظاهر غضب اللّه عليهم في الدّنيا، و لا ريب أنّ سياق(4)آكد خصوصا مع تكرار(ضربت) فيها.

و منها:إضافة أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ في(4)وعدا بالرّحمة لمن آمن منهم و اهتدى،و هذا أيضا تسجيل للبشارة فيها.لاحظ(ث ق ف)و(ح ب ل)

و منها:التّفاوت بينهما ذيلا في كلمتين مع اشتراكهما في عدّ الكفر بآيات اللّه و قتل الأنبياء جرما لهم ففي(3) وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ و في(4) وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ فالفرق بينهما في(الأنبياء)و(النّبيّين) و في(الحقّ)و(حقّ)فما هو الوجه فيهما؟

فنقول:-و اللّه أعلم-أنّ اَلْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ أشدّ و آكد من اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ مساوقة لما قلنا إنّ سياق (4)آكد،و ذلك لأنّ(الانبياء)جمع كثرة،و(النّبيّين) جمع كثرة،و(النّبيّين)جمع قلّة خلافا للآلوسيّ(1:

276)و أبي حيّان(1:237)حيث خصّا الفرق بينهما بذلك بالنّكرة و ساوى بينهما إذا كانا معرفة كما هنا.

و أيضا(بغير حقّ)أي:حقّ و لو كان قليلا فتنفي الحقّ إطلاقا،أمّا(بغير الحقّ)تعني الحقّ المعهود،و لو كانت(أل)للجنس فلا تبلغ أيضا ما تفيده النّكرة من التّأكيد و الإطلاق.

5-و جاءت(6)مقابلة بين إثمي ابني آدم،فيتحمّل القاتل إثمه و إثم المقتول كليهما،فيكون من أصحاب النّار،أي يلازمه عذاب النّار،لا ينفكّ عنه،كما لزمه إثم القتل ظلما.

و منها أنّ سياقهما يختلف عن سياق(5)،فإنّه أشدّ و أقسى عقوبة؛حيث بدأت ب بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ و استكملت ب بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ و اختتمت ب فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ فتكرّر«غضب»من دون«من اللّه» تفخيما له.فالكفر بآيات اللّه يجلب غضبا من اللّه، و البغي أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء يجلب غضبا آخر منه،ثمّ يتبعهما عذاب مهين،و ليس مطلق العذاب.

هذا مع السّكوت فيها عن عذاب الدّنيا أي الذّلّة و المسكنة رمزا إلى أنّهما ليسا بشيء يذكر إزاء عذاب الآخرة،و غضب اللّه فيها.

ثالثا:في القسم الثّاني جاء الفعل متعدّيا من باب «التّفعيل»أو من«التّفعّل»،و أريد به الإسكان و تهيئة

ص: 107

المكان،ففي(7)بوّأ اللّه قوم ثمود في الأرض يتّخذون من سهولها قصورا،و ينحتون الجبال بيوتا.

و في(8)بوّأ اللّه بني إسرائيل مبوّأ صدق،و رزقهم من الطّيّبات.

و في(9)بوّأ اللّه لإبراهيم مكان البيت،و نهاه عن الشّرك باللّه،و أمره بتطهير البيت للطّائفين...

و في(13)أوحى اللّه إلى موسى و أخيه أن يبوّءا لقومهما بمصر بيوتا يجعلونها قبلة،ليقيموا الصّلاة.

و في(14)مكّن اللّه ليوسف في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء.

و في(15)بوّأ الأنصار الدّار و الإيمان للمهاجرين، يحبّونهم و يؤثرونهم على أنفسهم.

و في(10)يبوّئ النّبيّ المؤمنين مقاعد للقتال في غزوة أحد.

و في(11)يبوّئ اللّه المهاجرين في الدّنيا حسنة،و أجر الآخرة أكبر لهم.

و في(12)بوّأ اللّه الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات من الجنّة غرفا تجري من تحتها الأنهار...

و في(16)يحمد المؤمنون اللّه الّذي صدقهم وعده، و أورثهم أرض الجنّة يتبوّءوا منها حيث شاءوا.

رابعا:قد استعمل القرآن الفعل«باء»مجرّدا في الشّرّ،و مزيدا من بابي«التّفعيل»و«التّفعّل»في الخير دائما،و لا ندري هل هذا من عطاء القرآن،أو له أصل في اللّغة؟و على كلّ،فعلينا أن نتأسّى بالقرآن،و نحفظ هذه المزيّة لهذه المادّة.

و لعلّ في بابي«التّفعيل»و«التّفعّل»هنا شيء من المبالغة و الصّمود،و لا سيّما فيما يكون الفاعل هو اللّه، و أولى منه ما عبّر اللّه عن نفسه بلفظ«الجمع»تعظيما و إكبارا للعمل في(8)و(9)و(11)و(12).

خامسا:الفاعل في القسم الثّاني هو اللّه في(7)إلى (9)و(11)و(12)،أو نبيّ من الأنبياء في(13)و(14)، أو أنصار النبيّ في(12)،أو أهل الجنّة في(16).و هذه المزيّة أخرى لهذه المادّة في القرائن،في حين أنّ الفاعل في القسم الأوّل هو الإنسان الكافر في(1)إلى(5)،أو الآثم في(6).

سادسا:جاء الفعل من باب«التّفعيل»إذا نسب إلى اللّه،كما سبق،أو إلى النّبيّ عليه السّلام في(10)،فشاركه في ذلك تكريما له.و من باب«التّفعّل»إذا نسب إلى غيرهما في(13)إلى(16)،و كلاهما متعدّ:«التّفعيل»إلى مفعولين،و«التّفعّل»إلى مفعول واحد.

سابعا:يبدو أنّ المراد ببعضها إعداد المكان و اتّخاذه مبوّأ،كما في(9)و(13)و(15)،و في بعضها الإسكان و التّخليد،كما في(7)و(8)و(11)و(12)و(14) و(16)،فلاحظ.

ثامنا:هناك وحدة تعبير في شأن يوسف لمّا صار عزيز مصر؛حيث قال في(14): مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ، و في شأن أهل الجنّة لمّا استقرّوا فيها؛حيث قال في(16): وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ، ممّا يدلّ على إسباغ النّعمة و توسيع العيش.

تاسعا:اختلفوا اختلافا فاحشا في(12) وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ حيث عطف(الايمان)على

ص: 108

(الدّار)و لا معنى لتبوّؤ الإيمان فالإيمان ليس مكانا كالدّار؟فقالوا:أي جعلوا ديارهم موضع مقامهم و آمنوا باللّه من قبلهم،أو توطّنوا المدينة و اتّخذوها دار الهجرة و الإيمان،أو لزموا المدينة و قبلوا الإيمان و آثروه،أو لزموا المدينة و مواضع الإيمان،أو تبوّؤ الدّار و أخلصوا الإيمان، أو جعلوا الإيمان مستقرّا و متوطّنا لهم لتمكّنهم منه و استقامتهم عليه،كما جعلوا المدينة كذلك،أو أريد دار الهجرة و دار الإيمان فأقيم(ال)من(الدّار)مقام المضاف إليه،و حذف من دار الإيمان،و وضع المضاف إليه-و هو الإيمان-مقامه أو سمّي المدنيّة(الايمان)لأنّها دار الهجرة دار الإيمان،أو تبوّأ الدّار مع الإيمان،أو و اعتقدوا الإيمان و أخلصوه،أو أن تبوّءوا الإيمان على سبيل المثل مثل«تبوّأ من بنى فلان الصّميم»،أو ضمّن(تبوّءوا)معنى«لزموا»أو لمّا كان الإيمان حد شملهم صار كالمكان الّذي يقيمون فيه -لكنّه استلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز-أو اتّخذوا المدينة و الإيمان مباءة،أو أنّ تبوّأ الإيمان:تعميره و رفع نواقصه،أو أريد بالإيمان القلوب بعلاقة الحالّ و المحلّ أي أنّ الأنصار تبوّءوا دارهم و قلوبهم للمهاجرين إلى غيرها.

هذا:و قد التزم كلّهم بتقدير شيء أو حذف أو تجوّز و نحوها و الّذي نختاره هو قول الشّريف الرّضيّ الأديب البارع-و قد تقدّم-و هو أنّه استعارة حيث شبّه الإيمان بالمكان لأنّهم استقرّوا في الإيمان كاستقرارهم في الأوطان،و قال:إنّه من صميم البلاغة و لباب الفصاحة و قد زاد لفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا،أ لا ترى كم بين قولنا:«استقرّوا في الإيمان»و بين قولنا«تبوّءوا الإيمان...»و بعض تلك الوجوه يحتمل هذا الوجه أيضا و منها قول البروسويّ:إنّه استعارة مكنيّة تخييليّة و هناك بحث آخر في قوله: مِنْ قَبْلِهِمْ حيث أنكروا إيمان الأنصار قبل المهاجرين فقالوا فيه تقديم و تأخير:

أي و الّذين تبوّأ الدّار من قبلهم و الإيمان،أو أريد أنّ الأنصار آمنوا قبل هجرتهم،لا قبل إيمانهم.

و عاشرا:اختلفوا أيضا في(8) وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ في أربع:

1-«مبوّء»هل هو مصدر ميميّ،أو اسم مكان وجهان محتملان لا ترجيح لأحدهما.

2-نصب(مبوّء)إمّا لكونه مفعولا مطلقا للفعل أي:

بوّأناهم تبوّأ صدق،و هذا هو الرّاجح بناء على كونه مصدرا،أو ظرفا للفعل أي بوّأناهم في مبوإ صدق كقوله: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً العنكبوت:58.

و إليه يؤل تفسيره بالمنزل و المكان في النّصوص أو مفعولا ثانيا للفعل على الاتّساع إن كان مصدرا هذه وجوه ثلاثة و لكلّ وجه و لعلّ الظّرفيّة أوجه فيكون نظير: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ القمر:54،55 و وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الإسراء:80.

3-اختلفوا في معنى(مبوّأ صدق):إنّه كالصّدق في الفضل نظير أخو صدق أن كفضل الصّدق على الكذب، أو تصدّق به عليهم،لأنّ الصّدقة و البرّ من الصّدق، صالحا مرضيّا يصدق فيه ظنّ قاصده و ساكنه و أهله، مكانا محمودا،منزلا كريما،موضع خصب و أمن يصدق فيما يدلّ عليه من جلالة النّعمة،فضل و كرامة،مكان صدق الوعد،أضيف إلى الصّدق لدلالته على صدق

ص: 109

وعد اللّه تعالى لهم به.قال الفخر الرّازيّ:وصف بالصّدق لأنّ عادة العرب أنّها إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصّدق،تقول:رجل صدق،و قدم صدق و في القرآن:

«مدخل صدق و مخرج صدق»و السّبب فيه أنّه إذا كان صالحا فكلّ ما يظنّ فيه من الخير فإنّه صدق.لاحظ:

(ص د ق).

4-اختلفوا لو أريد به بلد في أنّه مصر أو الأردن،أو الشّام،أو بيت المقدس أو فارس-و هو بعيد-و ضعّفوا كونه مصر بأنّ بني إسرائيل منذ خروجهم من مصر لم يرجعوا إليها،و قيل رجع موسى إليها و هذا قوله تعالى: وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:59.

ص: 110

ب و ب

اشارة

7 ألفاظ،27 مرّة:21 مكّيّة،6 مدنيّة

في 17 سورة:12 مكّيّة،5 مدنيّة

باب 4:2-2 أبواب 8:8

الباب 6:3-3 الأبواب 2:2

بابا 2:2 أبوابا 2:2

أبوابها 3:2-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الباب:معروف،و الفعل منه،التّبويب.

و البابة في الحدود و الحساب،و نحوه:الغاية.

و البابة:ثغر من ثغور الرّوم.

و باب الأبواب:من ثغور الخزر.

و البوّاب:الحاجب.و لو اشتقّ منه فعل على«فعالة» لقيل:بوابة،بإظهار الواو.و لا يقلب ياء،لأنّه ليس بمصدر محض،إنّما هو اسم.

و أهل البصرة في أسواقهم يسمّون السّاقي الّذي يطوف عليهم بالماء:بيّابا.

و بيبة:اسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و بالبحرين موضع يعرف ب«بابين»[ثمّ استشهد بشعر]

و البوباة:الفلاة،و هي الموماة.(8:415)

سيبويه :بيّبت له حسابه بابا.(ابن سيدة 10:557)

أبو مالك: يقال:أتانا فلان ببابيّة،أي بأعجوبة.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:611)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و بوّب الرّجل،إذا حمل على العدوّ.(الأزهريّ 15:612)

الفرّاء: باب الرّجل،إذا حفر كوّة.

(الصّغانيّ 1:72)

أبو عبيد: تبوّبت بوّابا،أي اتّخذت بوّابا.

(الأزهريّ 15:611)

ابن الأعرابيّ: باب:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و البويب:موضع تلقاء مصر،إذا برق البرق من

ص: 111

قبله لم يكد يخلف.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيدة 10:557)

ابن السّكّيت :البابة،عند العرب:الوجه الّذي أريده و يصلح لي.

فإذا قال النّاس:من بابتي،فمعناه من الوجه الّذي أريده و يصلح لي.(الأزهريّ 15:612)

الدّينوريّ: البوباة:عقبة كئود على طريق من أنجد من حاجّ اليمن.(ابن سيدة 10:556)

المبرّد: البوباة هي المتّسع من الأرض،و بعضهم يقول:هي الموماة بعينها،قلبت الميم باء،لأنّهما من الشّفة.(1:117)

ثعلب :باب فلان،إذا حفر كوّة،و هو البيب.

البيب:كوّة الحوض،و هي مسيل الماء،و الصّنبور، و الثّعلب،و المثعب،و الأسكوب (1).

(الأزهريّ 15:611)

ابن دريد :الباب:معروف.و البيب:مسيل الماء من مفرغ الدّلو إلى الحوض؛و به سمّي الرّجل بيبة.

(3:198)

الأزهريّ: قال أبو العميثل:البابة:الخصلة.و قيل:

بابات الكتاب:سطوره؛بابة،و بابات،و أبواب.[ثمّ استشهد بشعر](15:612)

الصّاحب: ...البابيّة:الأعجوبة،و تخفّف الياء منه.

[إلى أن قال:]

و في المثل:«هيّ بن بيّ»و«هيّان بن بيّان»، و لا يعرف لهما أصل.و قيل:يعنى به البعوضة.

و ببت،أي جبت و شققت.[ثمّ ذكر نحو الخليل إلى أن قال:]

و البوباة:ثنيّة بطريق الطّائف.(10:447)

ابن جنّيّ: البوباة:الفلاة.(ابن سيدة 10:556)

الجوهريّ: الباب يجمع أبوابا،و قد قالوا:أبوبة، للازدواج.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبوّبت بوّابا:اتّخذته.

و أبواب مبوّبة،كما يقال:أصناف مصنّفة.

و هذا شيء من بابتك،أي يصلح لك.(1:90)

ابن فارس :الباء و الواو و الباء أصل واحد،و هو قولك:تبوّبت بوّابا،أي اتّخذت بوّابا.

و الباب:أصل ألفه واو،فانقلبت ألفا.

فأمّا البوباة فمكان،و هو أوّل ما يبدو من قرن إلى الطّائف.[ثمّ استشهد بشعر](1:314)

ابن سيدة :الباب:معروف،و الجمع:أبواب و بيبان.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بوّاب:لازم للباب،و حرفته البوابة.

و باب للسّلطان يبوب:صار له بوّابا.

و بابات الكتاب:سطوره.و لم أسمع لها بواحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يريد ببابات الكتاب:أبوابه.

و هذا بابة هذا،أي شرطه.(10:556)

الرّاغب: «الباب»يقال لمدخل الشّيء،و أصل ذلك:مداخل الأمكنة،كباب المدينة و الدّار و البيت، و جمعه:أبواب.[إلى أن قال:]

و منه يقال في العلم:باب كذا،و هذا العلم باب إلىب.

ص: 112


1- ابن منظور 1:225:الأسلوب.

علم كذا،أي به يتوصّل إليه.و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنا مدينة العلم و عليّ بابها»أي به يتوصّل.[ثمّ استشهد بشعر،و ذكر آيات إلى أن قال:]

و قد يقال:أبواب الجنّة و أبواب جهنّم:للأشياء الّتي بها يتوصّل إليهما.[ثمّ استشهد بآيات و قال:]

و ربّما قيل:هذا من باب كذا،أي ممّا يصلح له، و جمعه:بابات.

و بوّبت بابا،أي عملت،و أبواب مبوّبة.

و البوّاب:حافظ البيت،و تبوّبت بابا:اتّخذته، و أصل باب:بوب.(64)

الزّمخشريّ: يقال:هذا ليس من بابتك،أي ممّا يصلح لك.

و فلان من أهون باباته الكذب،و هي أنواع خبثه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بوّب المصنّف كتابه،و كتاب مبوّب،و تراجم أبواب سيبويه عظيمة النّفع.(أساس البلاغة:33)

الفيّوميّ: الباب في تقدير«فعل»بفتحتين،و لهذا قلبت الواو ألفا.و يجمع على:أبواب،مثل سبب و أسباب،و يضاف للتّخصيص،فيقال:باب الدّار و باب البيت.

و يقال لمحلّة ببغداد:باب الشّام،و إذا نسبت إلى المتضايفين و لم يتعرّف الأوّل بالثّاني جاز إلى الأوّل فقط،فتقول:البابيّ،و إليهما معا،فيقال:البابيّ الشّاميّ، و إلى الأخير فيقال:الشّاميّ.و قد ركّب الاسمان و جعلا اسما واحدا،و نسب إليهما،فقيل:البابشاميّ،كما قيل:

الدّارقطنيّ،و هي نسبة لبعض أصحابنا.(1:65)

الفيروزآباديّ: البوباة:الفلاة،و عقبة كئود بطريق اليمن.

و الباب:معروف،جمعه:أبواب و بيبان؛و أبوبة نادر.

و البوّاب:لازمه،و حرفته البوابة.

و باب له يبوب:صار بوّابا له.و تبوّب بوّابا:اتّخذه.

و الباب و البابة في الحساب و الحدود:الغاية.

و بابات الكتاب:سطوره،لا واحد لها.

و هذا بابته:أي يصلح له.

و البابة:الوجه،جمعه:بابات.

و هذا بابته،أي شرطه.

و باب:حفر كوّة.

و البابيّة:الأعجوبة.(1:39)

الطّريحيّ: و في الحديث:«لا تصدّقوا حتّى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أوّلها إلاّ بآخرها».ثمّ قال:«ضلّ أصحاب الثّلاثة».

قيل:كأنّ المراد بالأربعة:الإيمان باللّه،و رسوله، و الكتاب الّذي أنزل،و بولاية الأمر،و بالثّلاثة في قوله:

«ضلّ أصحاب الثّلاثة»يريد من أقرّ بالثّلاثة السّابقة و أنكر الولاية»[إلى أن قال:]

و المعروف من أهل اللّغة بأنّ«بابا»مذكّر،و كذا ناب،و لذا عيب على ابن أبي الحديد قوله:

يا قالع الباب الّتي عن هزّها

عجزت أكفّ أربعون و أربع

و أصل باب:بوب،قلبت الواو ألفا،لتحرّكها و انفتاح ما قبلها،و إذا صغّرتها زالت علّة القلب،و رجعت في التّصغير إلى الأصل،و قلت:«بويب»،و كذا«ناب».

ص: 113

و في الخبر الصّحيح:«أنا مدينة العلم و عليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب».

رواه الكثير منهم،و نقل عليه بعضهم إجماع الأمّة، لأنّه جعل نفسه الشّريفة صلّى اللّه عليه و آله:تلك المدينة،و منع الوصول إليها إلاّ بواسطة«الباب»،فمن دخل منه كان له من المعصية مندوحة،و فاز فوزا عظيما،و اهتدى صراطا مستقيما.[و هناك روايات أخرى فراجع]

(2:10)

مجمع اللّغة :الباب:مدخل المكان،و جمعه:

أبواب.

و يستعمل الباب مجازا فيما يوصل إلى غيره،و أكثر ما ورد في القرآن بالمعنى الحقيقيّ.(1:134)

النّصوص التّفسيريّة

باب

1- وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ... يوسف:67

راجع«د خ ل».

2- ...وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ.

الرّعد:23

ابن عبّاس: مِنْ كُلِّ بابٍ من أبواب قصورهم و بساتينهم،بالتّحيّة من اللّه سبحانه،و التّحف و الهدايا.

(الطّبرسيّ 3:290)

لهم خيمة من درّة مجوّفة،طولها فرسخ و عرضها فرسخ،لها ألف باب مصارعها من ذهب،يدخلون عليهم من كلّ باب،يقولون لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ.

(الشّربينيّ 2:157)

الأصمّ: مِنْ كُلِّ بابٍ باب الصّلاة،و باب الزّكاة، و باب الصّبر.(أبو حيّان 5:387)

عبد اللّه بن عمرو: إنّ في الجنّة قصرا يقال له:

عدن،حوله البروج و المروج،فيه خمسة آلاف حبرة، لا يدخله إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد.

(الطّبريّ 13:142)

الطّبريّ: ذكر أنّ لجنّات عدن خمسة آلاف باب.

(13:141)

الطّوسيّ: أي يدخلون من كلّ باب بالتّحيّة و الكرامة،و في ذلك تعظيم الذّكر للملائكة.(6:246)

الطّبرسيّ: مِنْ كُلِّ بابٍ من أبواب الجنّة الثّمانية.و قيل:من كلّ باب من أبواب البرّ كالصّلاة و الزّكاة و الصّوم.(3:290)

البيضاويّ: من أبواب المنازل،أو من أبواب الفتوح و التّحف.(1:519)

مثله أبو السّعود.(3:412)

أبو حيّان :أي بالتّحف و الهدايا من اللّه تعالى تكرمة لهم.

قال أبو بكر الورّاق: هذه[أي الخصال الّتي ذكرت في هذه الآيات]ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنّة، من عملها دخلها من أيّ باب شاء.

نحوه الأصمّ.(5:387)

الشّربينيّ: و لمّا كان إتيانهم[الملائكة]من

ص: 114

الأماكن المعتادة مع القدرة على غيرها،أدلّ على الأدب و الكرم قال تعالى: مِنْ كُلِّ بابٍ (2:157)

الصّافيّ: من أبواب غرفهم و قصورهم.(3:68)

البروسويّ: من أبواب المنازل،فإنّه يكون لمقامهم و منازلهم أبواب،فيدخلون عليهم،من كلّ باب ملك.

(4:367)

الآلوسيّ: قال أبو الأصمّ:أريد من كلّ باب من أبواب البرّ،كباب الصّلاة،و باب الزّكاة،و باب الصّبر.

و قيل:من أبواب الفتوح و التّحف.قيل:فعلى هذا المراد بالباب:النّوع،و(من)للتّعليل،و المعنى يدخلون لإتحافهم بأنواع التّحف.و تعقّب بأنّ في كون«الباب» بمعنى النّوع كالبابة نظرا،فإنّ ظاهر كلام«الأساس» و غيره يقتضي أن يكون مجازا أو كناية عمّا ذكر،لأنّ الدّار الّتي لها أبواب إذا أتاهم الجمّ الغفير يدخلونها من كلّ باب،فأريد به دخول الأرزاق الكثيرة عليهم،و أنّها تأتيهم من كلّ جهة،و تعدّد الجهات يشعر بتعدّد المأتيّات،فإنّ لكلّ جهة تحفة.(13:144)

الطّباطبائيّ: و هذا عقبى أعمالهم الصّالحة الّتي داموا عليها في كلّ باب من أبواب الحياة بالصّبر على الطّاعة و عن المعصية و عند المصيبة،مع الخشية و الخوف.

(11:347)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من آيات القرآن الكريم و الأحاديث الشّريفة أنّ للجنّة عدّة أبواب، و لكن هذا التّعدّد للأبواب ليس لكثرة الدّاخلين إلى الجنّة فيضيق عليهم الباب الواحد،و ليس كذلك للتّفاوت الطّبقيّ حتّى تدخل كلّ مجموعة من باب، و لا لبعد المسافة أو قربها،و لا لجمال الأبواب و كثرتها.

و أبواب الجنّة ليست كأبواب القصور و البساتين في الدّنيا،بل تعدّدت هذه الأبواب بسبب الأعمال المختلفة للأفراد.و لذا نقرأ في بعض الأخبار أنّ للأبواب أسماء مختلفة،فهناك باب يسمّى:باب المجاهدين،و المجاهدون يدخلون بسلاحهم من ذلك الباب إلى الجنّة،و الملائكة تحيّيهم!

و روي عن الإمام الباقر عليه السّلام:«و اعلموا أنّ للجنّة ثمانية أبواب،عرض كلّ باب مسيرة أربعين سنة».

و من الظّريف أنّ القرآن الكريم يذكر لجهنّم سبعة أبواب لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ الحجر:44،و طبقا للرّوايات فإنّ للجنّة ثمانية أبواب.و هذه إشارة واضحة إلى أنّ طرق الوصول إلى السّعادة و جنّة الخلد أكثر من طرق الوصول إلى الشّقاء و الجحيم،و رحمة اللّه سبقت غضبه «يا من سبقت رحمته غضبه».

و من ألطف ما في الأمر أنّ الآيات السّابقة أشارت إلى ثماني صفات من صفات أولي الألباب،و كلّ واحدة منها-في الواقع-هي باب من أبواب الجنّة،و طريق للوصول إلى السّعادة الأبديّة.(7:347)

3- لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ.

الحجر:44

راجع«أبواب».

4- فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ... الحديد:13

ص: 115

عبادة بن الصّامت:هذا باب الرّحمة.

(الطّبريّ 27:225)

كعب الأحبار:الباب الّذي في بيت المقدس إنّه الباب الّذي قال اللّه: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ... (الطّبريّ 27:225)

و فيه مطالب راجع:«س و ر».

الباب

1- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ...

البقرة:58

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لكلّ أمّة صدّيق و فاروق،و صدّيق هذه الأمّة و فاروقها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،إنّ عليّا سفينة نجاتها و باب حطّتها.(العروسيّ 1:82)

الإمام عليّ عليه السّلام: [في حديث]إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لي:«مثلك في أمّتي مثل باب حطّة في بني إسرائيل،فمن دخل في ولايتك فقد دخل الباب كما أمره اللّه عزّ و جلّ».(العروسيّ 1:82)

و نحن باب حطّة.

نحوه عن الإمام الباقر عليه السّلام.(العروسيّ 1:83)

ابن عبّاس: إنّه أحد أبواب بيت المقدس،و هو يدعى باب حطّة.(الطّبريّ 1:299)

نحوه الضّحّاك و السّدّيّ و مجاهد و قتادة.

(الفخر الرّازيّ 3:88)

(و ادخلوا الباب سجّدا):ركّعا،من باب صغير.

(الطّبريّ 1:300)

مجاهد :باب الحطّة من باب إيلياء،من بيت المقدس.(الطّبريّ 1:299)

إنّه باب في الجبل الّذي كلّم عليه موسى عليه السّلام كالفرضة.(ابن عطيّة 1:149)

إنّه باب حطّة و هو الباب الثّامن ببيت المقدس.

مثله السّدّيّ.(الماورديّ 1:125)

السّدّيّ: أمّا الباب فباب من أبواب بيت المقدس.

نحوه الطّبريّ.(الطّبريّ 1:299)

الجبّائيّ: الآية على قول من يزعم أنّه باب القبّة، أدلّ منها على قول من يزعم أنّه باب القرية،لأنّهم لم يدخلوا القرية في حياة موسى.و آخر الآية يدلّ على أنّهم كانوا يدخلون هذا الباب على غير ما أمروا به في أيّام موسى،لأنّه قال: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ البقرة:59.و العطف بالفاء الّتي هي للتّعقيب من غير تراخ،يدلّ على أنّ هذا التّبديل منهم كان في أثر الأمر،فدلّ على أنّه كان في حياة موسى.

(الطّبرسيّ 1:119)

الطّوسيّ: أي الباب الّذي أمروا بدخلوها.و قيل:

باب القبّة الّتي كان يصلّي إليها موسى.و قال قوم:باب القرية الّتي أمروا بدخولها.(1:263)

نحوه الطّبرسيّ.(1:119)

البغويّ: يعني بابا من أبواب القرية،و كان لها سبعة أبواب.(1:121)

نحوه الشّربينيّ.(1:62)

الزّمخشريّ: (الباب):باب القرية،و قيل:هو باب القبّة الّتي كانوا يصلّون إليها،و هم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه الصّلاة و السّلام،أمروا

ص: 116

بالسّجود عند الانتهاء إلى الباب،شكرا للّه و تواضعا.

(1:283)

مثله النّيسابوريّ(1:322)،نحوه البيضاويّ(1:

58)،و أبو السّعود(1:137).

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في(الباب)على وجهين:

أحدهما:و هو قول ابن عبّاس و الضّحّاك و مجاهد و قتادة،إنّه باب يدعى باب الحطّة من بيت المقدس.

و ثانيهما:حكى الأصمّ عن بعضهم:أنّه عنى بالباب جهة من جهات القرية،و مدخلا إليها.(3:88)

النّسفيّ: [قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و إنّما دخلوا(الباب)في حياته،و دخلوا بيت المقدس بعده.(1:49)

الخازن :من قال:إنّ القرية هي أريحاء،قال:

ادخلوا من أيّ باب كان من أبوابها،و كان لها سبعة أبواب.

و من قال:إنّ القرية هي بيت المقدس،قال:هو باب حطّة.(1:54)

نحوه البروسويّ.(1:143)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل أقوال السّابقين](1:221)

نحوه الآلوسيّ.(1:265)

الكاشانيّ: (الباب):باب القرية،مثّل اللّه تعالى على الباب مثال محمّد و عليّ عليهما السّلام،و أمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك،و يجدّدوا على أنفسهم بيعتهما و ذكر موالاتهما،و يذكروا العهد و الميثاق المأخوذين عليهم لهما.(1:120)

القاسميّ: في«التّأويلات»:يحتمل المراد من (الباب)حقيقة الباب،و هو باب القرية الّتي أمروا بالدّخول فيها.و يحتمل المراد من(الباب):القرية نفسها،لا حقيقة الباب-كقوله: وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ ذكر القرية و لم يذكر الباب-و ذلك في اللّغة جائز.و يقال:فلان دخل في باب كذا،لا يعنون حقيقة الباب،و لكن كونه في أمر هو فيه.(2:134)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً... النّساء:154.

2- وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ... يوسف:25

الرّازيّ: فإن قيل:كيف وحّد الباب في قوله:

وَ اسْتَبَقَا الْبابَ بعد جمعه في قوله: وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ.

قلنا:لأنّ إغلاق الباب للاحتياط لا يتمّ إلاّ بإغلاق جميع أبواب الدّار،سواء كانت كلّها في جدار الدّار أو لا.

و أمّا هربه منها إلى الباب،فلا يكون إلاّ إلى باب واحد إن كانت كلّها في جدار واحد،و لأنّ خروجه في وقت هربه لا يتصوّر إلاّ من باب واحد منها،و إن كان بعض الأبواب داخل بعض،فإنّه أوّل ما يقصد الباب الأدنى لقربه،و لأنّ الخروج من الباب الأوسط و الباب الأقصى موقوف على الخروج من الباب الأدنى،فلذلك وحّد الباب.(148)

أبو حيّان :تقدّم أنّ الأبواب سبعة،فكان تنفتح له الأبواب بابا بابا من غير مفتاح،على ما نقل عن كعب أنّ فراش القفل كان يتناثر و يسقط حتّى خرج من الأبواب.

ص: 117

و يحتمل أن تكون الأبواب المغلقة ليست على التّرتيب بابا فبابا بل تكون في جهات مختلفة،كلّها منافذ للمكان الّذي كانا فيه،فاستبقا إلى باب يخرج منه، و لا يكون السّابع على التّرتيب بل أحدها.(5:296)

الشّربينيّ: فإن قيل:كيف وحّد الباب و قد جمعه في قوله: وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ؟

أجيب بأنّه أراد:الباب البرّانيّ الّذي هو المخرج من الدّار و المخلص من العار.فقد روى كعب الأحبار أنّ يوسف لمّا هرب جعل فراش القفل يتناثر و يسقط،حتّى خرج من الأبواب.(2:102)

نحوه البروسويّ.(4:239)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان ثمّ قال:]

و نصب الباب على الاتّساع،لأنّ أصل«استبق»أن يتعدّى ب«إلى»لكن جاء كذلك على حدّ وَ إِذا كالُوهُمْ المطفّفين:3،و وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً الأعراف:155.

و قيل:إنّه ضمن«الاستباق»معنى الابتدار،فعدّى تعديته... وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ، أي عند الباب البرّانيّ.(12:217،218)

بابا

1- وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. الحجر:14

الضّحّاك:

في الدّركة الأولى أهل التّوحيد الّذين أدخلوا النّار،يعذّبون فيها بقدر ذنوبهم ثمّ يخرجون منها، و في الثّانية النّصارى،و في الثّالثة اليهود،و في الرّابعة الصّابئون،و في الخامسة المجوس،و في السّادسة أهل الشّرك،و في السّابعة المنافقون،فذلك قوله سبحانه و تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145.(البغويّ 3:59)

نحوه الحسن و أبو مسلم.(الطّبرسيّ 3:338)، و الزّمخشريّ(2:391)،و النّسفيّ(2:273).

الميبديّ: و لو أظهرنا لهم أوضح آية و هو فتح باب مِنَ السَّماءِ. (5:294)

مثله النّسفيّ.(2:270)

أبو السّعود :أي بابا ما،لا بابا من أبوابها المعهودة -كما قيل-و يسّرنا لهم الرّقيّ و الصّعود إليه.(4:11)

مثله البروسويّ(4:446)،و نحوه الآلوسيّ(14:19)

2- حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ...

المؤمنون:77

راجع«ع ذ ب»

ابواب

1- فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ... الأنعام:44

2- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ... الأعراف:40

راجع«ف ت ح».

3- لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ.

الحجر:44

ص: 118

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:لجهنّم سبعة أبواب،باب منها لمن سلّ السّيف على أمّتي.أو قال:على أمّة محمّد.

إنّ من أهل النّار من تأخذه النّار إلى كعبيه،و إنّ منهم من تأخذه النّار إلى حجزته،و منهم من تأخذه النّار إلى تراقيه،منازلهم بأعمالهم؛فذلك قوله: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ. (ابن كثير 4:163)

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث]إنّ جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض-و وضع إحدى يديه على الأخرى فقال:هكذا-و إنّ اللّه وضع الجنان على العرض،و وضع النّيران بعضها فوق بعض،فأسفلها جهنّم و فوقها لظى،و فوقها الحطمة،و فوقها سقر،و فوقها الجحيم،و فوقها الهاوية.

و في رواية الكلبيّ: أسفلها الهاوية،و أعلاها جهنّم.

(الطّبرسيّ 3:338)

نحوه الحسن و قتادة و ابن جريج.(الطّوسيّ 6:338)

ابن عبّاس: إنّ الباب الأوّل جهنّم،و الثّاني سعير، و الثّالث سقر،و الرّابع جحيم،و الخامس لظى، و السّادس الحطمة،و السّابع الهاوية.

نحوه مجاهد،و عكرمة،و الجبّائيّ.

(الطّبرسيّ 3:338)

إنّ جهنّم لمن ادّعى الرّبوبيّة،و لظى لعبدة النّار، و الحطمة لعبدة الأصنام،و سقر لليهود،و السّعير للنّصارى،و الجحيم للصّابئين،و الهاوية للموحّدين.

(الزّمخشريّ 2:391)

عكرمة :لها سبعة أطباق.(الطّبريّ 14:35)

قتادة :و هي و اللّه منازل بأعمالهم.(الطّبريّ 14:36)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام]

للنّار سبعة أبواب:باب يدخل منه فرعون و هامان و قارون،و باب يدخل منه المشركون و الكفّار ممّن لم يؤمن باللّه طرفة عين،و باب يدخل منه بنو أميّة هو لهم خاصّة لا يزاحمهم فيه أحد،و هو باب لظى،و هو باب سقر،و هو باب الهاوية.تهوى بهم سبعين خريفا،فكلمّا فارت بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا، فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلّدين.و باب يدخل منه مبغضونا و محاربونا و خاذلونا و إنّه لأعظم الأبواب و أشدّها حرّا.الحديث(البحرانيّ 2:345)

ابن جريج: قوله: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ أوّلها جهنّم،ثمّ لظى،ثمّ الحطمة،ثمّ السّعير،ثمّ سقر،ثمّ الجحيم،ثمّ الهاوية.و الجحيم فيها أبو جهل.

(الطّبريّ 14:35)

الطّبريّ: لجهنّم سبعة أطباق،لكلّ طبق منهم-يعني من أتباع إبليس-جزء،يعني قسما و نصيبا مقسوما.

(14:35)

القمّيّ: يدخل في كلّ باب أهل ملّة.[ثمّ ذكر درجات الأبواب و كيفيّاتها،و لم نذكره لطوله،فراجع]

(1:377)

ابن عطيّة :[نقل قول ابن جريج المتقدّم و أضاف:]

و إنّ في كلّ طبق منها بابا،فالأبواب على هذا بعضها فوق بعض.و عبّر في هذه الآية عن النّار جملة ب(جهنّم) إذ هي أشهر منازلها و أوّلها،و هي موضع عصاة المؤمنين

ص: 119

الّذين لا يخلدون،و لهذا روي أنّ جهنّم تخرب و تبلى.

و قيل:إنّ النّار أطباق كما ذكرنا،لكن«الأبواب السّبعة»كلّها في جهنّم على خطّ استواء،ثمّ ينزل من كلّ باب إلى الطّابق الّذي يفضى إليه.

و اختصرت ما ذكر المفسّرون في المسافات الّتي بين الأبواب،و في هواء النّار،و في كيفيّة الحال؛إذ هي أقوال أكثرها لا يستند،و هي في حيّز الجائز،و القدرة أعظم منها،عافانا اللّه من ناره،و تغمّدنا برحمته بمنّه.

(3:363)

الطّبرسيّ: فيه قولان:

[و ذكر قول عليّ و ابن عبّاس و الضّحّاك و قال:]

و القولان متقاربان.(3:338)

الخازن :يعني سبع طبقات لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ يعني لكلّ دركة قوم يسكنونها.

و المعنى أنّ اللّه سبحانه و تعالى يجزّئ أتباع إبليس سبعة أجزاء،فيدخل كلّ قسم منهم دركة من النّار.

و السّبب فيه أنّ مراتب الكفّار مختلفة،فلذلك اختلفت مراتبهم في النّار.(4:55)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ جهنّم هي واحدة،و لها سبعة أبواب.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ](5:455)

أبو السّعود : لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ يدخلونها لكثرتهم،أو سبع طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في الغواية و المتابعة.[إلى أن قال:] لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ من الأتباع أو الغواة جُزْءٌ مَقْسُومٌ حزب معيّن مفرز من غيره،حسبما يقتضيه استعداده.[و قد حكى الأقوال المتقدّمة]

و لعلّ حصرها في السّبع لانحصار المهلكات في المحسوسات بالحواسّ الخمس،و مقتضيات القوّة الشّهويّة و الغضبيّة.(4:22)

البروسويّ: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ يدخلون منها كلّ باب فوق باب على قدر الطّبقات،لكلّ طبقة باب لِكُلِّ بابٍ من تلك الأبواب المنفتح على طبقة من الطّبقات.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود و قال:]

و اختلفت الرّوايات في ترتيب طبقات النّار،و في الأكثر: جهنّم أوّلها،و فيما بعدها اختلاف أيضا.[إلى أن قال:]

و في«بحر العلوم»: اعلم أنّه لا يتعيّن لتلك الأبواب السّبعة إلاّ من عصى اللّه تعالى بالأعضاء السّبعة:العين و الأذن و اللّسان و البطن و الفرج و الرّجل.و الأولى في التّرتيب ما في«الفتوحات»:إنّ كونها سبعة أبواب بحسب أعضاء التّكليف،و هي السّمع و البصر و اللّسان و اليدان و القدمان و الفرج و البطن.

فالأعضاء السّبعة مراتب أبواب النّار،فاحفظها كلّها من كلّ ما نهاه اللّه و حرّمه،و إلاّ يصير ما كان لك عليك و تنقلب النّعمة عقوبة.

و في«التّأويلات النّجميّة»: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ البعد و الاحتراق من الفراق لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ من الحرص و الشّره و الحقد و الحسد و الغضب و الشّهوة و الكبر، لِكُلِّ بابٍ من الأرواح المتّبعين لإبليس النّفس المتّصفين بصفاتها جُزْءٌ مَقْسُومٌ بحسب الاتّصاف بصفاتها.

و قيل:خلق اللّه تعالى للنّار سبعة أبواب دركات

ص: 120

بعضها تحت بعض،و للجنّة ثمانية أبواب درجات بعضها فوق بعض،لأنّ الجنّة فضل،و الزّيادة في الفضل و الثّواب كرم،و في العذاب جور.

و قيل:الأذان سبعة كلمات و الإقامة ثمان،فمن أذّن و أقام،غلقت عنه أبواب النّيران و فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية...(4:470)

الآلوسيّ: [نقل أقوال السّابقين ثمّ قال:]

و ذكر السّهيليّ في«كتاب الأعلام»أنّه وقع في «كتب الرّقائق»أسماء هذه الأبواب،و لم ترد في أثر صحيح.و ظاهر القرآن و الحديث يدلّ على أنّ منها ما هو من أوصاف النّار،نحو السّعير و الجحيم و الحطمة و الهاوية،و منها ما هو علم للنّار كلّها،نحو جهنّم و سقر و لظى،فلذا أضربنا عن ذكرها،انتهى.

و أقرب الآثار الّتي وقفنا عليها إلى الصّحّة-فيما أظنّ- ما روي عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه لكثرة مخرّجيه، و تحتاج جميع الآثار إلى التزام أن يقال:إنّ جهنّم تطلق على طبقة مخصوصة،كما تطلق على النّار كلّها.

و قيل:الأبواب على بابها،و المراد أنّ لها سبعة أبواب يدخلونها لكثرتهم و الإسراع بتعذيبهم.[إلى أن قال:]

و بالجملة في تعيين أهلها كترتيبها،اختلاف في الرّوايات.

و لعلّ حكمة تخصيص هذا العدد انحصار مجامع المهلكات في المحسوسات بالحواسّ الخمس،و مقتضيات القوّة الشّهوانيّة و الغضبيّة،أو أنّ أصول الفرق الدّاخلين فيها سبعة.(14:53)

الطّباطبائيّ: لم يبيّن سبحانه في شيء من صريح كلامه ما هو المراد بهذه الأبواب،أ هي كأبواب الحيطان مداخل تهدي الجميع إلى عرصة واحدة،أم هي طبقات و دركات تختلف في نوع العذاب و شدّته؟

و كثيرا ما يسمّى في الأمور المختلفة الأنواع كلّ نوع بابا،كما يقال:أبواب الخير،و أبواب الشّرّ،و أبواب الرّحمة،قال تعالى: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ الأنعام:44.

و ربّما سمّي أسباب الشّيء و طرق الوصول إليه أبوابا كأبواب الرّزق،لأنواع المكاسب و المعاملات.

و ليس من البعيد أن يستفاد المعنى الثّاني من متفرّقات آيات النّار،كقوله تعالى: وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها... قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها الزّمر:

71،72،و قوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145،إلى غير ذلك من الآيات.

و يؤيّده قوله: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ الحجر:44،فإنّ ظاهره أنّ نفس الجزء مقسوم موزّع على(الباب)و هذا إنّما يلائم الباب بمعنى الطّبقة دون الباب بمعنى المدخل،و أمّا تفسير بعضهم الجزء المقسوم بالفريق المعيّن المفروز من غيره فوهنه ظاهر.

و على هذا فكون جهنّم لها سبعة أبواب،هو كون العذاب المعدّ فيها متنوّعا إلى سبعة أنواع،ثمّ انقسام كلّ نوع أقساما حسب انقسام الجزء الداخل الماكث فيه؛ و ذلك يستدعي انقسام المعاصي الموجبة للدّخول فيها سبعة أقسام،و كذا انقسام الطّرق المؤدّية و الأسباب

ص: 121

الدّاعية إلى تلك المعاصي ذاك الانقسام،و بذلك يتأيّد ما ورد من الرّوايات في هذه المعاني.(12:170)

مكارم الشّيرازيّ: قرأنا في الآيات مورد البحث أنّ لجهنّم سبعة أبواب،و ليس بعيدا أن يكون ذكر العدد في هذا المورد للكثرة،كما ورد هذا العدد في الآية السّابعة و العشرين من سورة لقمان،بهذا المعنى أيضا.

و من الواضح أنّ تعدّد أبواب جهنّم-كما هو تعدّد أبواب الجنّة-لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم،بل هي إشارة إلى الأسباب و العوامل المتعدّدة الّتي تؤدّي لدخول النّاس في جهنّم،و أنّ لكلّ من هذه الذّنوب باب معيّن يؤدّي إلى مدركه.

ففي نهج البلاغة:«إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللّه لخاصّة أوليائه»،و في الحديث المعروف:«إنّ السّيوف مقاليد الجنّة»..فهذه التّعبيرات تبيّن لنا بوضوح ما المقصود من تعدّد أبواب الجنّة و النّار.

و ثمّة نكتة لطيفة في ما روي عن الإمام الباقر عليه السّلام:

«إنّ للجنّة ثمانية أبواب»،في حين أنّ الآيات تذكر أنّ لجهنّم سبعة أبواب،و هذا الاختلاف في العددين إشارة إلى أنّه مع كثرة أبواب العذاب و الهلاك إلاّ أنّ أبواب الوصول إلى السّعادة و النّعيم أكثر،و قد تحدّثنا عن ذلك في تفسير الآية الثّالثة و العشرين من سورة الرّعد.

(8:62)

4- ...فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها...

النّحل:29

الطّبريّ: يعني طبقات جهنّم.(14:99)

الميبديّ: أي دركاتها.

و قيل:المراد به عذاب القبر؛فقد جاء في الخبر:

«القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار.

و قيل:يخاطبون به عند البعث.(5:372)

ابن عطيّة : أَبْوابَ جَهَنَّمَ مفضية إلى طبقاتها الّتي هي بعض على بعض،و«الأبواب»كذلك باب على باب.(3:389)

الطّبرسيّ: أي طبقات جهنّم و دركاتها.(3:357)

أبو حيّان :و الظّاهر«الأبواب»حقيقة.و قيل:

المراد:الدّركات،و قيل:الأصناف،كما يقال:فلان ينظر في باب من العلم،أي صنف.

و أبعد من قال:المراد بذلك:عذاب القبر،مستدلاّ بما جاء:«القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار».(5:486)

أبو السّعود :أي كلّ صنف بابه المعدّ له.

و قيل:أبوابها:أصناف عذابها،فالدّخول عبارة عن الملابسة و المقاساة.(4:57)

الآلوسيّ: فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خطاب لكلّ صنف منهم أن يدخل بابا من أبواب جهنّم،و المراد بها إمّا المنفذ أو الطّبقة،و لا يجوز أن يكون خطابا لكلّ فرد، لئلاّ يلزم دخول الفرد من الكفّار من أبواب متعدّدة.أو يكون لجهنّم أبواب بعدد الأفراد.[ثمّ أدام نحو أبي حيّان]

(14:129)

نحوه الطّباطبائيّ.(12:234)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى 5 و 6: قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

ص: 122

الزّمر:72،و قوله تعالى: اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن:76.

7- فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. القمر:11

ابن عبّاس: أَبْوابَ السَّماءِ فتحت من غير سحاب،لم تغلق أربعين يوما.(أبو حيّان 8:177)

الماورديّ: و في فتح أبواب السّماء قولان:أحدهما:

أنّه فتح رتاجها (1)،و سعة مسالكها.

الثّاني:أنّها المجرّة،و هي شرج السّماء،و منها فتحت بماء منهمر،قاله عليّ عليه السّلام.(5:412)

نحوه القرطبيّ(17:132)،و البروسويّ(9:

272).

الطّوسيّ: و في الكلام حذف تقديره:أنّ نوحا عليه السّلام لمّا دعا ربّه،فقال:إنّي مغلوب فانتصر،يا ربّ و أهلكهم،فأجاب اللّه دعاءه و فتح أبواب السّماء بالماء، و معناه:أجرى الماء من السّماء،فجريانه إنّما فتح عنه باب كان مانعا له؛و ذلك من صنع اللّه الّذي لا يقدر عليه سواه.

و جاء ذلك على طريق البلاغة.(9:447)

نحوه الطّبرسيّ.(5:189)

ابن عطيّة :قال النّقّاش:يعني ب«الأبواب»المجرّة، و هي شرج السّماء،كشرج العيبة.

و قال قوم من أهل التّأويل:الأبواب حقيقة،فتحت في السّماء أبواب جرى منها الماء.

و قال جمهور المفسّرين:بل هو مجاز و تشبيه،لأنّ المطر كثر كأنّه من أبواب.(5:214)

نحوه أبو حيّان.(8:177)

الفخر الرّازيّ: المراد من الفتح و الأبواب و السّماء:

حقائقها،أو هو مجاز؟

نقول فيه قولان:

أحدهما:حقائقها،و للسّماء أبواب تفتح و تغلق و لا استبعاد فيه.

و ثانيهما:هو على طريق الاستعارة،فإنّ الظّاهر أنّ الماء كان من السّحاب،و على هذا فهو كما يقول القائل في المطر الوابل:جرت ميازيب السّماء و فتح أفواه القرب، أي كأنّه ذلك،فالمطر في الطّوفان كان بحيث يقول القائل:فتحت أبواب السّماء.و لا شكّ أنّ المطر من فوق كان في غاية الهطلان.(29:36)

نحوه النّيسابوريّ(27:51)،و الخازن(6:228).

الشّربينيّ: أَبْوابَ السَّماءِ أي كلّها في جميع الأقطار.و عبّر بجمع القلّة عن جمع الكثرة.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](4:145)

الآلوسيّ: في الكلام استعارة تمثيليّة بتشبيه تدفّق المطر عن السّحاب بانصباب أنهار انفتحت بها أبواب السّماء،و انشقّ أديم الخضراء.و هو الّذي ذهب إليه الجمهور،و ذهب قوم إلى أنّه على حقيقته،و هو ظاهر كلام ابن عبّاس.

أخرج ابن المنذر،و ابن أبي حاتم عنه أنّه قال:لم تمطر السّماء قبل ذلك اليوم و لا بعده إلاّ من السّحاب، و فتحت أبواب السّماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماءان.

و في رواية:لم تقلع أربعين يوما.و عن النّقّاش أنّهب.

ص: 123


1- الرّتاج هو الباب.

أريد بالأبواب المجرّة و هي شرج السّماء كشرج العيبة.

و المعروف من«الإرصاد»أنّ المجرّة كواكب صغار متقاربة جدّا،و اللّه تعالى أعلم.

و من العجيب أنّهم كانوا يطلبون المطر سنين فأهلكهم اللّه تعالى بمطلوبهم.(27:81)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ تعبير انفتاح أبواب السّماء لتعبير رائع جدّا،و يستعمل عادة عند هطول الأمطار الغزيرة.(17:285)

الابواب

1- ...وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ.

يوسف:23

البغويّ: و كانت سبعة.(2:483)

أبو السّعود :قيل:كانت سبعة،و لذلك جاء الفعل بصيغة«التّفعيل»دون«الإفعال».و قيل:للمبالغة في الإيثاق و الإحكام.(3:379)

نحوه البروسويّ.(4:236)

[لاحظ«غ ل ق»]

2- جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ. ص:50

الحسن :أبواب تكلّم،فتكلّم:انفتحي،انغلقي.

(الطّبريّ 23:174)

الفرّاء: ترفع(الابواب)لأنّ المعنى مفتّحة لهم أبوابها.و العرب تجعل الألف و اللاّم خلفا من الإضافة، فيقولون:مررت على رجل حسنة العين،و قبيح الأنف، و المعنى:حسنة عينه قبيح أنفه.

و منه قوله: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:

39،فالمعنى-و اللّه أعلم-مأواه.[ثمّ استشهد بشعر]

و لو قال:(مفتّحة لهم الابواب)على أن تجعل «المفتّحة»في اللّفظ ل«الجنّات»و في المعنى ل(الابواب).

فيكون مثل قول الشّاعر[ثمّ ذكر قوله]

و كذلك تجعل معنى(الابواب)في نصبها،كأنّك أردت:مفتّحة الأبواب،ثمّ نوّنت فنصبت.[ثمّ استشهد بشعر](2:408)

الطّبريّ: [قال نحو الفرّاء و أضاف:]

فإن قال لنا قائل:و ما في قوله: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ من فائدة خبر،حتّى ذكر ذلك؟

قيل:فإنّ الفائدة في ذلك إخبار اللّه تعالى عنها أنّ أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكّانها إيّاها،بمعاناة بيد و لا جارحة،و لكن بالأمر فيما ذكر.(23:173)

الزّجّاج :و معنى مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ أي منها،و قال بعضهم:مفتّحة لهم أبوابها.و المعنى واحد، إلاّ أنّ على تقدير العربيّة«الأبواب منها»أجود من أن تجعل الألف و اللاّم بدلا من الهاء و الألف.

لأنّ معنى الألف و اللاّم ليس معنى الهاء و الألف في شيء،لأنّ الهاء و الألف اسم،و الألف و اللاّم دخلتا للتّعريف،و لا يبدل حرف جاء لمعنى من اسم و لا ينوب عنه،هذا محال.(4:337)

الزّمخشريّ: و في(مفتّحة)ضمير«الجنّات»، و(الابواب)بدل من الضّمير،تقديره:مفتّحة هي الأبواب،كقولهم:ضرب زيد اليد و الرّجل،و هو من بدل الاشتمال.(3:378)

ص: 124

النّسفيّ: ارتفاع(الابواب)بأنّها فاعل(مفتّحة)، و العائد محذوف،أي مفتّحة لهم الأبواب منها،فحذف كما حذف في قوله: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:39،أي لهم أو أبوابها،إلاّ أنّ الأوّل أجود، أو هي بدل من الضّمير في(مفتّحة)و هو ضمير الجنّات، تقديره:مفتّحة هي الأبواب،و هو من بدل الاشتمال.

(5:45)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ و أضاف:]

أمّا قوله:و في(مفتّحة)ضمير«الجنّات»،فجمهور النّحويّين أعربوا(الابواب)مفعولا لم يسمّ فاعله.و جاء أبو عليّ فقال:إذا كان كذلك لم يكن في ذلك ضمير يعود على(جنّات عدن)من الحاليّة إن أعرب(مفتّحة)حالا أو من النّعت إن أعرب نعتا لجنّات عدن،فقال في «مفتّحة»ضمير يعود على«الجنّات»حتّى ترتبط الحال بصاحبها،أو النّعت بمنعوته،و(الابواب)بدل.

و قال من أعرب(الابواب)مفعولا لم يسمّ فاعله، العائد على(الجنّات)محذوف،تقديره:الأبواب منها.

و ألزم أبو عليّ البدل في مثل هذا لا بدّ فيه من الضّمير،إمّا ملفوظا به أو مقدّرا،و إذا كان الكلام محتاجا إلى تقدير واحد كان أولى ممّا يحتاج إلى تقديرين.

و أمّا الكوفيّون فالرّابط عندهم هو«أل»لمقامه مقام الضّمير،فكأنّه قال:مفتّحة لهم أبوابها.

و أمّا قوله:و هو من بدل الاشتمال،فإن عنى بقوله اليد و الرّجل،فهو وهم،و إنّما هو بدل بعض من كلّ.و إن عنى(الابواب)فقد يصحّ،لأنّ أبواب الجنّات ليست بعضا من الجنّات.

و أمّا تشبيهه ما قدّره من قوله:مفتّحة هي الأبواب، بقولهم:ضرب زيد اليد و الرّجل،فوجهه أنّ(الابواب) بدل من ذلك الضّمير المستكنّ،كما أنّ اليد و الرّجل بدل من الظّاهر الّذي هو زيد.(7:405)

نحوه الآلوسي.(24:213)

طه الدّرّة: أي مفتوحة لهم أبوابها.[إلى أن قال:]

و قرئ برفع الاسمين على أن (مفتّحة) خبر مقدّم، و (الابواب) مبتدأ مؤخّر،أو هما خبران لمبتدإ محذوف، و الأوّل أقوى.

و قيل:(الابواب)بدل من الضّمير المستتر في (مفتّحة)،و هو ضعيف،و على رفع الاسمين فالجملة الاسميّة صالحة للحاليّة من(جنّات عدن)و للوصفيّة لها، و الرّابط على الاعتبارين محذوف،التّقدير:مفتّحة لهم الأبواب منها.(12:322)

لاحظ«ج ن ن»،و«ف ت ح».

ابوابا

1- ...وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ.

الزّخرف:34

ابن زيد :«الأبواب»من فضّة.(الطّبريّ 25:71)

مثله أكثر المفسّرين.

الطّباطبائيّ: تنكير(ابوابا)و(سررا)للتّفخيم.

(18:101)

2- وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً. النّبأ:19

عليّ عليه السّلام:تفتح أبواب الجنان.(القمّيّ 2:401)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و شقّقت السّماء

ص: 125

فصدّعت،فكانت طرقا،و كانت من قبل شدادا لا فطور فيها و لا صدوع.

و قيل:معنى ذلك و فتحت السّماء فكانت قطعا كقطع الخشب المشقّقة لأبواب الدّور و المساكن.

قالوا:و معنى الكلام و فتحت السّماء فكانت قطعا كالأبواب.فلمّا أسقطت الكاف صارت«الأبواب» الخبر،كما يقال في الكلام:كان عبد اللّه أسدا،يعني كالأسد.(30:8)

نحوه الطّوسيّ.(10:242)

الواحديّ: أي ذات أبواب.(4:314)

البغويّ: [قال مثل الواحديّ و أضاف:]

و قيل:تنحلّ و تتناثر حتّى يصير فيها أبواب و طرق.

(5:200)

نحوه الخازن(7:167)،و الطّبرسيّ(5:423).

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و قيل:إنّ لكلّ عبد بابين في السّماء،بابا لعمله و بابا لرزقه،فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب.(10:354)

الزّمخشريّ: المعنى كثرت أبوابها المفتّحة لنزول الملائكة،كأنّها ليست إلاّ أبوابا مفتّحة،كقوله:

وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً القمر:12،كأنّ كلّها عيون تتفجّر.(4:209)

نحوه أبو حيّان.(8:412)

ابن عطيّة :و قوله تعالى: فَكانَتْ أَبْواباً قيل:

معناه تتفطّر و تتشقّق حتّى يكون فيها فتوح كالأبواب في الجدارات.

و قال آخرون،فيما حكى مكّيّ بن أبي طالب:

الأبواب هنا فلق الخشب الّتي تجعل أبوابا لفتوح الجدارات،أي تتقطّع السّماء قطعا صغارا حتّى تكون كألواح الأبواب.و القول الأوّل أحسن.

و قال بعض أهل العلم:تتفتّح في السّماء أبواب للملائكة؛من حيث يصعدون و ينزلون.(5:425)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:قوله: وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً يفيد أنّ السّماء بكلّيّتها تصير أبوابا، فكيف يعقل ذلك؟

قلنا:فيه وجوه:

أحدها:أنّ تلك الأبواب لمّا كثرت جدّا صارت كأنّها ليست إلاّ أبوابا مفتّحة،كقوله: وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً القمر:12،أي كأنّ كلّها صارت عيونا تتفجّر.

و ثانيها:قال الواحديّ:هذا من باب تقدير حذف المضاف،و التّقدير:فكانت ذات أبواب.

و ثالثها:أنّ الضّمير في قوله: فَكانَتْ أَبْواباً عائد إلى مضمر،و التّقدير:فكانت تلك المواضع المفتوحة أبوابا لنزول الملائكة،كما قال تعالى: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22.(31:11)

نحوه النّيسابوريّ(30:8)،و الشّربينيّ(4:471)، و الآلوسيّ(30:13).

أبو السّعود :[قال نحو الزّمخشريّ ثمّ أضاف:]

و قيل:(الابواب):الطّرق و المسالك،أي تكشط فينفتح مكانها،و تصير طرقا لا يسدّها شيء.(6:358)

نحوه البروسويّ.(10:300)

الطّنطاويّ: أي صارت من كثرة شقوقها كأنّ الكلّ أبواب.(25:9)

ص: 126

ابوابها

1- ...وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. البقرة:189

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها و لا تؤتى المدينة إلاّ من بابها».[و يروى]«أنا مدينة الحكمة».

(الطّبرسيّ 1:284)

الإمام عليّ عليه السّلام: [في حديث]...نحن البيوت الّتي أمر اللّه بها أن يؤتى من أبوابها،نحن باب اللّه و بيوته الّتي يؤتى منها،فمن بايعنا و أقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها،و من خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها.[و في معناها روايات أخرى]

(البحرانيّ 2:103)

[و في حديث]و قد جعل اللّه للعلم أهلا،و فرض على العباد طاعتهم بقوله: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها و البيوت هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء، و أبوابها أوصياؤهم.(العروسيّ 1:177)

ابن عبّاس: إنّه كان المحرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها و لكنّهم كانوا ينقّبون في ظهر بيوتهم،أي في مؤخّرها نقبا يدخلون و يخرجون منه،فنهوا عن التّديّن بذلك.

مثله قتادة،و عطاء.(الطّبرسيّ 1:284)

الزّمخشريّ: أي و باشروا الأمور من وجوهها الّتي يجب أن تباشر عليها و لا تعكسوا.

و المراد:وجوب توطين النّفوس و ربط القلوب، على أنّ جميع أفعال اللّه حكمة و صواب من غير اختلاج شبهة،و لا اعتراض شكّ في ذلك،حتّى لا يسأل عنه لما في السّؤال من الاتّهام بمقارفة الشّكّ لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء:23.(1:341)

لاحظ«ب ي ت».

2- وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها. الزّمر:71

راجع«ف ت ح».

3- وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها... الزّمر:73

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: في خبر بلال عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:قلت لبلال:فما(ابوابها)يعني الجنّة؟

قال:إنّ أبوابها مختلفة:باب الرّحمة من ياقوتة حمراء،و قال:اكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،أمّا باب الصّبر فباب صغير،مصراع واحد من ياقوتة حمراء.

و أمّا باب الشّكر فإنّه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان، مسيرة ما بينهما مسيرة خمسمائة عام،له ضجيج و حنين، يقول:اللّهمّ جئني بأهلي.

قال:هل قلت:يتكلّم الباب؟قال:نعم ينطقه اللّه ذو الجلال و الإكرام.و أمّا باب البلاء هو باب الصّبر.

قال:قلت:فما البلاء؟قال:المصائب و الأسقام و الأمراض و الجذام،و هو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد،ما أقلّ من يدخل فيه.

أمّا الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصّالحون،و هم أهل الزّهد و الورع و الرّاغبون إلى اللّه عزّ و جلّ

ص: 127

المستأنسون به.(العروسيّ 4:507)

[لاحظ«ف ت ح»]

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «الباب»على سبعة أوجه:المنزل، السّكّة،الباب بعينه،الدّرب،المدخل و المخرج،مستفتح الأمر،الطّريق.

فوجه منها:الباب يعني المنزل،فذلك قوله تعالى:

لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ الحجر:44،يعني سبعة منازل.

و الوجه الثّاني:الباب يعني السّكّة،قوله: وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ يوسف:67،يعني سكّة واحدة. وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ يعني سكك متفرّقة.

و الوجه الثّالث:الباب بعينه،قوله: جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ص:50،كقوله تعالى: فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:71،مثلها: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً البقرة:58.

و الوجه الرّابع:الباب يعني الدّرب،كقوله تعالى:

اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ المائدة:23،يعني الدّرب.

و الوجه الخامس،الباب:المدخل و المخرج،قوله تعالى: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها البقرة:189،من المدخل و المخرج.

و الوجه السّادس:الباب يعني مستفتح الأمر،فذلك قوله: حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ المؤمنون:77،يعني مستفتح العذاب،مثلها: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ الأنعام:44.

و الوجه السّابع:الباب:الطّريق،قوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ الأعراف:40،يعني طرق السّماء، مثلها: وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ الحجر:14.

(149)

الفيروزآباديّ: «الباب»قد ورد في القرآن لاثني عشر معنى.[فذكر نحو الدّامغانيّ إلاّ أنّه قال:]

الثّاني:لمساكن المثوبة جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ص:50، وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:73.

الرّابع:باب المكر و الحيلة وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ يوسف:23.

الخامس:باب الهرب و الهزيمة من المعصية وَ اسْتَبَقَا الْبابَ يوسف:25، وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ.

السّابع:دروب مدينة«أريحاء،و أذرح» وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً البقرة:58، اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ المائدة:23.

الحادي عشر:بمعنى أبواب الاستدراج بإظهار النّعم فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ الأنعام:44.

الثّاني عشر:الباب المشترك بين المؤمنين و المنافقين لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ الحديد:13.[ثمّ ذكر معان نحو ما نقلناه من اللّغويّين فراجع](2:198)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الباب،أي مدخل البيت و غيره،و البوّاب:اللاّزم له،و هو الحاجب،و حرفته البوابة.يقال:تبوّبت بوّابا،أي اتّخذته،و باب للسّلطان يبوب بوبا:صار له بوّابا.

ص: 128

و البابة:الغاية في الحدود و الحساب و نحوه،يقال:

بيّنت له حسابه بابا بابا.و البابة أيضا:الوجه الّذي أريده و يصلح لي،يقال:هذا شيء من بابتك،أي يصلح لك، و هذا من بابتي،و هو استعمال مجازيّ.

و من المجاز أيضا قولهم:باب الصّلاة،و باب الجهاد، و باب الرّزق،و باب اللّه.

ثمّ سرى هذا الاستعمال في اللّغات الأخرى كاللاّتينيّة،فيقول السّائل في اللّغة الإيطاليّة:«اللّه باب اللّه»،و يطلق الغربيّون على قصر السّلطان:الباب العالي،و باب السّعادة،و باب السّماء،و على الحياة الدّنيا و الآخرة:البابين،كما سمّي بناء مكتب الوزراء إبّان الدّولة العثمانيّة:الباب العالي.

2-و البابيّة:فرقة ضالّة،ظهرت في شيراز سنة (1260)ه،نسبة إلى الباب،و هو مؤسّسها عليّ محمّد الشّيرازيّ؛إذ ادّعى أنّه باب العلم ثمّ باب المهديّ عليه السّلام.

و سرعان ما تلقّب بلقب آخر و هو النّقطة الأولى ثمّ عاد و ادّعى أنّه المهديّ بعينه.

و لمّا طاوعه أنصاره-و جلّهم كانوا من الطّائفة الشّيخيّة-ادّعى أنّه يوحى إليه،و أنّ اللّه أنزل عليه كتابا يسمّى البيان.ثمّ لقّب نفسه بالذّكر،و زعم أنّه المراد من الآية فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّحل:

43.و أخيرا آل مصيره إلى الهلاك،فقتل في تبريز بفتوى العلماء عام(1266)ه.

و افترق تابعوه بعده فئتين:فئة تبعت وصيّه الملقّب ب«صبح أزل»و تسمّت بالأزليّة،و فئة تبعت أخا صبح أزل الملقّب ب«بهاء اللّه»و تسمّت بالبهائيّة.

و انقسمت هذه بدورها إلى فئتين:فئة-و هي الأكثريّة- تبعت ابنه عبّاس أفندي،و الأخرى تبعت ابنه الآخر محمّد عليّ،و يظنّ أنّها بادت،كما أنّ الأزليّة على وشك الانقراض أيضا.فالبهائيّة الّذين لهم نشاط بارز في البلاد جلّهم من أتباع عبّاس أفندي.

الاستعمال القرآنيّ

و جاءت مفردة و جمعا 27 مرّة في(24)آية:

1- وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ البقرة:58

2- وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً النّساء:154

3- وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:161

4- قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

المائدة:23

5- وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ يوسف:23

6- وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ

ص: 129

أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يوسف:25.

7- وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يوسف:67

8- ...وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ البقرة:189

9- فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ

القمر:11

10- وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ الحجر:14،15

11- حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ المؤمنون:77

12- فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ الأنعام:44

13- وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ* وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ

الزّخرف:33،34

14- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

الأعراف:40

15- وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً النّبأ:19

16- جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ص:50

17- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ الرّعد:23

18- وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73

19- وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ

الزّمر:71

20- لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ الحجر:44

21- فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29

22- قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الزّمر:72

23- اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن:76

24- يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ الحديد:13

يلاحظ أوّلا:أنّ الباب جاء(25)مرّة:(11)مرّة

ص: 130

مفردا،و(14)مرّة جمعا،و كرّر المفرد في(6)،و جاء مع الجمع في(7)و في(20).

ثانيا:جاءت سبعة منها:(1)إلى(7)في شأن بني إسرائيل عامّة،و أبناء يعقوب خاصّة،فالأربع الأولى منها في دخول بني إسرائيل القرية المقدّسة،أي«بيت المقدس»،حيث أمروا بأن يدخلوا الباب سجّدا في ثلاث منها.و لمّا خافوا أهلها و تمهّلوا في الدّخول جاء في(4):

قالَ رَجُلانِ الآية.

و فيها نكات ينبغي الالتفات إليها:

1-أنّ باب هذه القرية كان بمثابة امتحان لبني إسرائيل؛حيث أمرهم نبيّهم موسى عليه السّلام مؤكّدا أن يدخلوها و هم يأبون،خوفا من الأهالي،حتّى قالوا له بعد أن أصرّ عليهم الرّجلان: يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ* قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ* قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ المائدة:24-26.

2-في واحدة منها-و هي(3)-قدّم أمرهم بالسّكن في هذه القرية قبل الأمر بدخولها،إعلاما بأنّه الهدف من الدّخول.

3-في اثنتين منها-و هما(1)و(3)-جاء وَ قُولُوا حِطَّةٌ، أي أمرهم بأن يسألوا اللّه أن يحطّ ذنوبهم، فسمّي الباب(باب حطّة).و في حديث أهل البيت:

«نحن باب حطّتكم»،أي تختبرون بنا،لاحظ مجمع البيان(1:234)،و بيّنهما قوله فيهما: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ أو(خطياتكم).

4-جاء في(1)و(3)أيضا: وَ كُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ، أي أنّكم في رخاء من العيش،و زاد في(1):

(رغدا)،و هو العيش الموسّع،تطميعا لهم.

5-جاء في ختام(1)و(3): وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، أي نزيد المحسنين على غفران خطاياهم جزاء آخر في الدّنيا و الآخرة،و هذا ترغيب و تطميع آخر لهم.

6-ابتدأت(2)ب رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ، أي رفع الجبل فوقهم،و سلّطه عليهم،تخويفا لهم و تذكارا لميثاقهم،ليستعدّوا للدّخول.و أضاف: وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً، و رغم كلّ ذلك فإنّهم أبوا الدّخول.

7-جاء في(4)حكاية عن الرّجلين: اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، أي ضمن الرّجلان لهم الغلبة على الأعداء إذا توكّلوا على اللّه إيمانا به،و مع ذلك أبوا و امتنعوا.

8-إذا ضمّت هذه الآيات الأربع بعضها إلى بعض فإنّها تحاكي أساليب التّأكيد لهم تخويفا و تطميعا،إلاّ أنّهم أعرضوا عنها،و أصرّوا على موقفهم السّلبيّ تجاه أمر اللّه.

ثالثا:أمّا الثّلاث الأخيرة من هذه الآيات السّبع، فاثنتان منها-و هما(5)و(6)-جاءتا في مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السّلام حيث خلت به،و راودته في بيتها عن نفسه،و قالت له: هَيْتَ لَكَ، أي أقبل و تعال؛

ص: 131

و ذلك بعد أن غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ. و فيها بحوث:

1-هذه الجملة بما فيها من صيغة(التّفعيل):

(غلّقت)الدالّة على البتّ و القطع،و الجمع المحلّى بألف الاستقراء:«الأبواب»،تحكي غاية سعيها في الاستتار، و أن لا يطّلع على خطيئتها غيرها،و سيّما زوجها.

2-تحاشى يوسف عن تلبية رغبتها في(5)و قال:

مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ، أي انتحى يوسف إلى قيم أخلاقيّة و عقائديّة؛إذ العزيز ربّاه و أحسن مثواه،و ما طلبته منه خيانة للعزيز و ظلم له،و لا فلاح للظّالمين،و اللّه عليم به، و معاذ اللّه أن يعصيه.

3-إنّ الموقف كان عليه خطيرا؛حيث قال اللّه بعد (5): وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ.

4-و لكن مع كلّ هذا التّستّر و الحذر ألفيا سيّدها لدى الباب حينما استبقا الباب،فانكشف السّرّ.

5-إنّها بادرت من فرط كيدها إلى قولها لزوجها:

ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً، فألقت الجرم على كاهل يوسف،إلاّ أنّ يوسف لم يسكت،بل دافع عن نفسه،و ألقى الجرم عليها فورا،و قال: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي يوسف:26.

6-و واحدة منها-أي(7)-و هي الّتي جمعت بين «الباب»و«الأبواب»،جاءت في طلب يعقوب من بنيه حينما تجهّزوا للمسير إلى العزيز أن لا يدخلوا من باب واحد،بل من أبواب متفرّقة،اعترافا بأنّ هذا لا يغني عنهم من اللّه شيئا.فدخلوا من حيث أمرهم أبوهم لحاجة في نفس يعقوب دون أن يغنيهم شيئا.

قال في مجمع البيان(5:479)نقلا عن ابن عبّاس و غيره:«خاف عليهم العين،لأنّهم كانوا ذوي جمال و هيئة و كمال،و هم إخوة يوسف أولاد رجل واحد».

و زاده الآلوسيّ(13:15)بيانا،و بحث طويلا في أثر العين.و زاد الفخر الرّازيّ(18:174)وجهين آخرين فلاحظ.

7-و يخطر بالبال أنّ الجمع بين الأمر و النّهي،و بين «الباب»و«الأبواب»،مع ما فيه من لون من التّكرار، لا يخلو من سرّ.قال الآلوسيّ:«إنّ عدم الدّخول من باب واحد غير مستلزم للدّخول من أبواب متفرّقة،و في دخولهم من بابين أو ثلاثة بعض ما في الدّخول من باب واحد من نوع اجتماع مصحّح لوقوع المحذور،و إنّما لم يكتف بهذا الأمر مع كونه مستلزما للنّهي السّابق إظهارا لكمال العناية به،و إيذانا بأنّه المراد بالأمر المذكور لا تحقيق شيء آخر».

و قد سبق أن ذكرنا في«أ ث م»و«ب ر ر»وجه الجمع بين الأمر و النّهي في قوله تعالى: تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ المائدة:2.

و على العموم فالجمع بين الأمر بشيء و النّهي عن ضدّه من أساليب التّأكيد و التّركيز في الشّيء،و له نظائر في القرآن،و من أكثرها و أبرزها آيات الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.

رابعا:تحمل الآية(8)تشريعا اجتماعيّا،و هو أنّ المؤمنين مكلّفون بأن يأتوا البيوت من أبوابها دون ظهورها،كما كان الجهّال و السّوقة يفعلونه.

خامسا:ترجع خمس من الآيات-(9)إلى(13)-

ص: 132

إلى ما وقع أو يقع في الحياة الدّنيا عذابا للأمم،فجاءت الآية(9)في فتح أبواب السّماء عند الطّوفان حين إغراق قوم نوح،و ليس المراد بها أنّ للسّماء أبوابا تنزل من خلالها الأمطار عند فتحها،بل هذه استعارة لطيفة أريد بها شدّة الأمطار،تشبيها بمياه حبست وراء الأبواب، فإذا فتحت سالت المياه بشدّة.

و في(10)توبيخ من اللّه للكفّار بأنّهم لو فتحت عليهم أبواب السّماء فعرجوا فيها،لقالوا:هذا سحر أحاط بنا،ليس له حقيقة.و المراد بأبواب السّماء فيها تشبيه أيضا،و هو مجاز.

و في الآية(11)إنذار للكفّار بفتح باب من العذاب الشّديد عليهم،و هو مجاز أيضا.

و أمّا الآية(12)فحكاية اختبار و إنذار من اللّه للأمم السّالفة بأنّهم لمّا نسوا ما ذكّروا به من البأساء و الضّرّاء، فتح اللّه عليهم أبواب كلّ شيء،و وسّع عليهم في العيش،حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذهم بغتة.و معلوم أنّ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ بما فيها من الوسعة و الشّمول استعارة،تشبيها لأنواع طرق العيش بأبواب مفتوحة أمامهم،فهذا مجاز أيضا.

و الآية(13)اختبار للكفّار أيضا،بأنّه لو لا أن يريد اللّه أن يكون النّاس سواسيّة لجعل لبيوت الكفّار سقفا من فضّة،و لبيوتهم أبوابا و سررا عليها يتّكئون،أي تكون بيوتهم فخمة كالقصور،لها أبواب متعدّدة.

فالجمع فيها للتّعظيم و التّفخيم،و«الأبواب»هنا حقيقة و ليست مجازا.

سادسا:أنّ ما مرّ بنا من الآيات الثّلاث عشرة أريد فيها-من«الباب»و«الأبواب»،سواء كانت حقيقة أم مجازا-ما يتعلّق بالدّنيا.أمّا باقي الآيات(14)إلى(24) فأريد بها ما يتعلّق بالآخرة،و إليكم التّفصيل:

1-موضوع الآيتين(14)و(15)فتح أبواب السّماء في الآخرة أمام النّاس،مؤمنهم و كافرهم.فأمّا المؤمنون فتفتح لهم أبواب السّماء،فتصعد أرواحهم منها إلى الجنّة.

و أمّا الكافرون فلا تفتح لهم و لا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط،و هو تعليق على المحال، فلا يدخلونها أبدا.و هذا المعنى معلوم في(14).و أمّا الآية(15)فيحتمل أن يراد بها ما ذكر،أو ما ذكره الطّبرسيّ في مجمع البيان(10:273):«فتحت السّماء، أي شقّت لنزول الملائكة،فكانت ذات أبواب».

و نحن لا ندري ما المراد ب(السّماء)في الآيتين،أ هي السّماء المحسوسة لنا؟و هو بعيد؛إذ لا يناسب صعود الأرواح و نزول الملائكة.أم هي السّماوات العلى الّتي هي مأوى الملائكة و أرواح المقرّبين؟

و كيف كان فالجمع:«أبواب»فيهما دالّ على الكثرة و السّعة الخاصّة بهؤلاء المقرّبين من الملائكة و أرواح المؤمنين،و أريد بالأبواب ما يناسب تلك السّماء حقيقة أو مجازا،و اللّه به عليم.

2-الآيات الثّلاث(16)إلى(18)راجعة إلى أهل الجنّة و أبوابها،فجاءت في(16)و(17): جَنّاتُ عَدْنٍ، أي أنّ مأواهم جنّات و ليست جنّة واحدة، و هي«عدن»أي دار إقامة دائمة و ليست مؤقّتة،و هو عبارة عن الخلود،إلى هنا تلتقي الآيتان ثمّ تفترقان:

فاكتفى في(16)بأنّ أبوابها مفتّحة لهم،قال

ص: 133

الطّبرسيّ(8:409):«أي يجدون أبوابها مفتوحة حين يردونها،و لا يحتاجون إلى الوقوف عند أبوابها حتّى تفتح.و قيل:معناه لا يحتاجون إلى مفاتيح،بل تفتح بغير مفتاح،و تغلق بغير مغلاق...».و صيغة(التّفعيل)في «مفتّحة»للتّكثير،لكثرة الأبواب،أو للإكمال و الإتمام، أي فتحت لهم على مصراعيها كاملة،عكس غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ في الآية(5)؛حيث كانت للشّدّ و السّدّ،و قد سبقت.

أمّا في(17)فقد زاد يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ، أي لا يدخلونها وحدهم،بل مع هؤلاء الأقرباء،و هذا أهنأ لهم و أمتع.

كما زاد وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، أي أنّهم يكونون في خدمتهم،يدخلون عليهم من جميع الأبواب.و معلوم أنّ«الجمع»في«الجنّات»و«الملائكة» و«كلّ باب»يعني التّفخيم و التّعظيم و التّوسعة.و ما ظنّك بهؤلاء الّذين دخلوا جنّات عدن مع جميع أقاربهم، و جمع غفير من الملائكة في خدمتهم يدخلون عليهم و يخرجون من كلّ باب جماعة و فرادى،ليهيّئوا لهم ما تشتهي الأنفس و تلذّ الأعين!

أمّا الآية(18)في وصف المتّقين مع قرينتها(19)في وصف الكافرين،ففيهما آفاق من البحث:

أوّلها:أنّهما بدأتا ب«سيق»،أي يساق كلّ من المتّقين و الكافرين،هؤلاء إلى الجنّة،و هؤلاء إلى جهنّم، و الفعل المجهول إمّا للتّعمية و التّفخيم لحالة السّوق بحيث لا يدرك مداها،ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن من الشّدّة و العظمة،أي من الهناء و المحبّة و الحرمة لأهل الجنّة،و من العناء و الغضب و الإهانة لأهل النّار.

أو أريد بالمجهول:عدم التّركيز و الاهتمام بالفاعل،أي لا يهمّ من كان السّائق لهم،إنّما المهمّ وصف مصير الفريقين،و الأوّل أولى.

ثانيها:في السّوق نوع من الكراهة للمسوق،و من الإكراه و الإجبار من قبل السّائق،و فيه تحقير و ذلّة لمن يساق،و هذا مفهوم في أهل النّار.أمّا أهل الجنّة فإنّهم تائقون إليها مستعجلون في دخولها بطبيعتهم،فما الموجب لسوقهم؟

و الجواب في التّفاسير بوجوه:منها:أنّ سوق أهل النّار و طردهم إليها بالخزي و الهوان كما يفعل بالأسارى و الخارجين على السّلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، و سوق أهل الجنّة هو سوق مراكبهم إلى دار الكرامة و الرّضوان،لأنّه لا يذهب بهم إلاّ راكبين لشرفهم.على تأمّل فيه للآلوسيّ في تعميمه لجميع المتّقين؛حيث جاء في الأحاديث أنّهم على طبقات و لهم مراتب،فلاحظ.

و منها:أنّهم لمّا أحبّوا اللّه أحبّ اللّه لقاءهم،فاشتاق إليهم فساقهم إليه،كما قال الشّاعر الفارسيّ:

تا كه از جانب معشوق نباشد كششى

كوشش عاشق بيچاره به جائى نرسد

أي:إن كنت لا تلقى حبيبا يرتضي

وصلا فلا تأل فأنت الخاسر

و منها:أنّها جاءت هكذا للمشاكلة بين الفريقين، و ما يوهمه لفظ«سيق»من التّحقير فيهما يدفعه قوله:

(الى الجنّة)و ما بعده في أهل الجنّة.

و منها قول بعض المتصوّفة:إنّ المتّقين حينما يرون

ص: 134

اللّه في المحشر يكرهون فراق ذلك الموطن طمعا في رؤيته ثانيا،و لشدّة حبّهم و شغفهم،لا يكاد يخطر ببالهم أنّهم سيرونه سبحانه إذا دخلوا الجنّة،فيحجمون عن المسير، فيساقون إلى الجنّة،و المراد ب«الرّؤية»طبعا ينبغي أن لا يستلزم التّجسيم.

و منها:ما خطر بالبال أنّ المتّقين من فرط تواضعهم و خضوعهم يرون أنفسهم مقصّرين أمام ربّهم، لا يليقون بدار كرامة اللّه،فأحجموا عن المسير حياء حتّى سيقوا إليها.

ثالثها:جاء السّوق في الفريقين«زمرا»،و به سمّيت السّورة؛و ذلك إشارة إلى طبقاتهم حسب أعمالهم، و درجاتهم حسب جزائهم،كما قال تعالى: فَتَأْتُونَ أَفْواجاً النّبأ:18.

رابعها:جاء فيهما حَتّى إِذا جاؤُها، ثمّ جاء في أهل النّار فُتِحَتْ أَبْوابُها بلا«واو»،فجعلت جواب «إذا»تأكيدا أنّها كانت مغلقة قبلها،و إشارة إلى وقوفهم خلفها ذلاّ و حقارة،منتظرين فتح الأبواب.و جاء في أهل الجنّة وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها بزيادة«واو»من دون جواب فيها ل«إذا»،فما هو السّرّ فيها؟

و الجواب بوجوه:منها:«الواو»حاليّة،أي جاءوها و الحال أنّها كانت مفتوحة أبوابها من ذي قبل،انتظارا لهم و كرامة.و يناسبه أنّها قرئت بالتّشديد أيضا (و فتّحت)تأكيدا أنّ خزنة الجنّة فتحوا أبوابها،و وقفوا منتظرين لهم،كما يفتح الخدم باب المنزل للضّيف قبل قدومه إكراما و انتظارا له.و عليه فتكون الآية من قبيل:

«مفتّحة لهم الأبواب»في(16)،و حذف الجواب إيذانا بأنّ لهم من ضروب الكرامات ما لا يحيط به نطاق العبارة،و ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن.

و منها:أنّها«واو الثّمانية»،إشارة إلى أنّ أبواب الجنّة ثمانية،كما جاءت في الأحاديث؛و ذلك لأنّ من عادة قريش أنّهم يعدّون من الواحد،فيقولون:خمسة، ستّة،سبعة،فإذا بلغوا السّبعة قالوا:و ثمانية.و في القرآن شواهد منه،مثل: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ الحاقّة:7، وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ الكهف:22 و نحوهما.و هذا الوجه مقبول لو كانت هذه الجملة وحدها معطوفة بالواو،و الحال أنّ ما بعدها جمل معطوفة عليها،و هي أوّلها.

و منها:أنّ اللّه فرّق بين الفريقين بأن جعل فتح أبواب جهنّم منتهى سير أهلها،فجعلها جواب الشّرط.

أمّا أهل الجنّة فإنّ فتح أبواب الجنّة لهم ليس نهاية سيرهم،بل هو أحد مراحله،و لهم بعده مراحل لا تنتهي،فلهذا عطفت بعضها على بعض دون ذكر غاية تكون جواب«إذا»،بل حذف الجواب إشعارا بعظم ما لهم من الكرامات،كما سبق في الوجه الأوّل،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

خامسها:أنّ لكلا الجنّة و النّار خزنة و حجبة، لا يدخلها أحد إلاّ بإذنهم،و لهم أن يتحدّثوا مع الدّاخلين بما فيه توبيخ و إهانة،أو سلام و شكر و كرامة.و شتّان ما بين قولهم لأهل الجنّة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ، و قولهم لأهل النّار: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا. و شتّان ما بين كلمة أهل الجنّة: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ اَلَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ، و جواب أهل النّار للخزنة: قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71-74.

ص: 135

خامسها:أنّ لكلا الجنّة و النّار خزنة و حجبة، لا يدخلها أحد إلاّ بإذنهم،و لهم أن يتحدّثوا مع الدّاخلين بما فيه توبيخ و إهانة،أو سلام و شكر و كرامة.و شتّان ما بين قولهم لأهل الجنّة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ، و قولهم لأهل النّار: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا. و شتّان ما بين كلمة أهل الجنّة: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ اَلَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ، و جواب أهل النّار للخزنة: قالُوا بَلى وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ الزّمر:71-74.

سادسها:قد نطق القرآن في(20)بأنّ أبواب جهنّم سبعة،أمّا أبواب الجنّة فليس في القرآن ما يكشف عن عددها،سوى ما قيل في«واو الثّمانية»،و قد سبق، و لا دلالة فيها،إلاّ أنّ الأحاديث دلّت على أنّها ثمانية، و تكلّم بعضهم في سرّها.

و مهما كان،فزيادة أبواب الجنّة على أبواب النّار بواحدة دلالة على أنّ عدد أهل الجنّة أكثر من أهل النّار، أو أنّ رحمة اللّه أوسع من سخطه،و أنّ رحمته سبقت غضبه.

بيد أنّ الأبواب-بغضّ النّظر عن الأحاديث-دلّت على كثرتها،و لعلّها بعدد نفوس الخلائق،كما قالوا:

الطّرق إلى اللّه بعدد أنفاس الخلائق،أو بعدد الحسنات الّتي أتى بها العباد و الصّالحون،و هذا هو الّذي يليق بساحته المقدّسة و رحمته الواسعة،فهناك باب الصّلاة، و باب الصّوم،و باب الحجّ،و باب الزّكاة،و باب الأمر بالمعروف،و باب التّقوى،و باب الزّهد،و هلمّ جرّا، و البحث بعد مفتوح.

3-و أمّا الآيات السّتّ الباقية-(19)إلى(24)- فراجعة إلى أهل النّار،و هي ضعف آيات أهل الجنّة المتقدّمة،ترجيحا لجانب الإنذار على جانب التبشير لمزيد الحاجة إليه،و كشفا عن توغّلهم في الكفر و العصيان،و إصرارهم على الإثم و الطّغيان.

أمّا أوّلها-و هي(19)-فقد سبق القول فيها مع شقيقتها(18)مشروحا.

و أمّا ثانيتها-و هي(20)-فهي وحيدة في القرآن بأنّ جهنّم لها سبعة أبواب،و جاءت خلال محاججة إبليس للّه،ابتداء من الآية(32)من سورة الحجر:

قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ...، و انتهاء بهذه الآية: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ -(44).و عقّبها اللّه بأحوال المتّقين: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ* وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ* لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ -(45)إلى(48)-في أربع آيات.

و جاءت لأهل النّار آيتان،ففضّل أهل الجنّة عليهم باثنتين،فضلا عن البون الشّاسع فيما بين الفريقين؛حيث اكتفى في أهل النّار-و قد قدّمهم في الذّكر تتميما لحجاج إبليس-بثلاثة أمور: إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ و المراد بسبعة أبواب،إمّا عدد السّبعة،كما جاء في النّصوص فلاحظها،أو هي للتّكثير كقوله: وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ لقمان:27.

أمّا أهل الجنّة فوصفهم بستّ خصال،أي ضعف ما وصف به أهل النّار،و هي وصفهم-أوّلا-بالمتّقين، و أنّ لهم جنّات و عيونا،تأكيدا لشدّة تقواهم الّتي كانت سببا لاستحقاقهم للجنّات و العيون الكثيرة.

و التّرحيب بهم-ثانيا-ليدخلوها بسلام آمنين من دون ذكر المرحّب أ هو اللّه أم الملائكة،ليذهب ذهن

ص: 136

السّامع إلى كلّ مذهب.إلاّ أنّه قد سبق في الآية(18)أنّ خزنتها هم المرحّبون بهم.و فيه إذن لهم و دعوة منهم بالدّخول تكريما،مع تبشيرهم بأنّها دار سلامة و أمن لهم،أو المراد:«قولوا:سلاما».

ثمّ وصف حالتهم النّفسيّة-ثالثا-بأن نزع اللّه بماله من العزّة و الجلال ما في قلوبهم من غلّ:(نزعنا).و هذا ممّا رسب في نفوسهم من دار الدّنيا لتطييب نفوسهم عند دخول الجنّة.

ثمّ تبشيرهم-رابعا-بأنّهم بما فيهم من تقوى القلب و طيب النّفس،سوف يكونون في الجنّة إخوانا على سرر متقابلين،أي يستأنس بعضهم ببعض،و يحدّث بعضهم بعضا.

و خامسا-بأنّهم لا يمسّهم نصب ممّا ابتلوا به في حياتهم الدّنيا.

و سادسا-بأنّهم فيها مخلّدون لا يخرجون منها أبدا.

و هذه الأوصاف تبيان لما مضى في(18): وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ. و قد ختمت هذه الآيات بأوصاف للّه تعمّ الفريقين نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ الحجر:49،50،تقديما لجزاء المتّقين على عقاب المكذّبين.

أمّا الثّلاث الّتي بعدها-(21)إلى(23)-فذات مضمون واحد و ألفاظ متقاربة؛حيث قيل لهم:

اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، فركّز فيها في ثلاثة عناصر:أمرهم بدخول أبوابها،و وعيدهم بأنّهم خالدون فيها،و أنّها بئس مثوى المتكبّرين،إعلاما بأنّ رذيلة الكبر ألجأتهم إلى الكفر باللّه الرّحيم،و جرّتهم إلى عذاب الجحيم.

و هذا السّياق الواحد المتكرّر في القرآن في هذه الآيات الثّلاث،من أشدّ و أقسى التّهديد و الوعيد، و صيغة الجمع في«الأبواب»للتّكثير و التّهويل.

أمّا الآية الأخيرة-(24)-فتمتاز من بينها باختصاصها بالمنافقين و المنافقات الّذين يتذبذبون بين الفريقين:المؤمنين و الكافرين.و لنستوعب مغزى الآية،فنمرّ على ما قبلها،و هي تصف موقف المؤمنين و المؤمنات و هم في طريقهم إلى الجنّة،فتقول: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الحديد:

12،و تلتها هذه الآية في شأن المنافقين و المنافقات، حيث ينظرون إلى المؤمنين و المؤمنات و نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم،فيقولون لهم:انظرونا نقتبس من نوركم،فيقال لهم:ارجعوا وراءكم،أي إلى الدّنيا فالتمسوا نورا.

و هذا استهزاء منهم،لأنّه لا رجوع من الآخرة إلى الدّنيا،كما كانوا يستهزءون بالمؤمنين في الدّنيا،و لا شكّ أنّه نور الإيمان الّذي اكتسبه المؤمنون و المؤمنات في الدّنيا،و لم يكتسبه المنافقون و المنافقات.و بعد أن يئسوا من اقتباس النّور ليواصلوا طريقهم إلى الجنّة في ظلمات المحشر،ضرب بين الفريقين سور له باب،باطنه فيه الرّحمة-و هو جانب المؤمنين-و ظاهره-من قبله العذاب و هو جانب المنافقين-من قبله العذاب.فلكلّ

ص: 137

من الفريقين من السّور الحائل بينهما ما يناسبهما من الرّحمة و العذاب،و البحث فيها مشروحا موكول إلى «ن ف ق»،إلاّ أنّنا نشير هنا إلى نكات:

منها:أنّ الآيتين تجعل كلاّ من الفريقين بوصف المؤمنين و المؤمنات و المنافقين و المنافقات إلى جانب الآخر بأسلوب متقارب: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ، تركيزا في التّمييز بينهما واضحا جليّا،فتجعل المؤمنين و المؤمنات في صفّ من دون فرق بين الذّكور و الإناث،و المنافقين و المنافقات كذلك في صفّ مقابل لهم.

و منها:أنّ الهادي إلى الجنّة يومئذ هو نور الإيمان المكتسب في الحياة الدّنيا.

و منها:أنّ طريق الفريقين عبر النّار،كما قال:

وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71.فإذا تجاوز الفريق الأوّل النّار ضرب بينهما بسور،هو الحائل بين الجنّة و النّار،و يبقى الفريق الثّاني خلف السّور مخلّدا في النّار.

و منها:لعلّ وجود الباب في السّور بعد مرور الفريق الأوّل تذكار للفريقين:للفريق الأوّل شكرا منهم بأنّهم نجوا ممّا خلف الباب من النّار،و للفريق الثّاني حسرة منهم بأنّهم بقوا خلفه و لم يتجاوزوه،و انتظارا منهم لينفتح يوما ما،و الانتظار أشدّ من العذاب.و هناك وجه آخر،و هو أنّ الباب بقي ليدخله من يشمله الغفران بعد مضيّ مدّة من العذاب عليه،فهو من هذه النّاحية باب الرّجاء لأهل النّار.

و منها:أنّ الباب ذو وجهين متضادّين من الرّحمة و العذاب،إلاّ أنّ الرّحمة في الوجه الباطن الّذي يلي الجنّة دار المؤمنين و يغلق و يقفل على من بقي خلفه،و ظاهره يلي النّار دار المنافقين.و يخطر بالبال أنّ هذا الباب نموذج كامل و مظهر تامّ من النّفاق،فالمنافق ذو وجهين،له باطن و ظاهر،و المعيار للنّجاة هو الباطن دون الظّاهر، فإذا خالف الظّاهر الباطن-كما هو حال المنافق-فهذا الظّاهر مثار العذاب بدل أن يكون مثار الرّحمة،كما يزعمه المنافق،بل الرّحمة في جانب الباطن الّذي كان عليه المؤمنون،و العذاب من جانب الظّاهر الّذي كان عليه المنافقون.

و لعلّك تقول:إنّ المنافقين باطنهم الكفر دون ظاهرهم،فينبغي القول بالعكس،فنقول:نعم،لكنّهم استتروا وراء هذا الظّاهر حفاظا على أنفسهم،فأنّبهم اللّه بأنّ هذا الظّاهر الّذي باطنه الكفر هو مثار العذاب الأشدّ عليهم،إضافة إلى عذاب الكفر الباطن.فهم أسوء حالا من الكفّار الّذين لهم وجه واحد،و هو الكفر ظاهرا و باطنا،فلهم عذاب واحد.

و من هنا ينشأ وجه ثالث،لوجود الباب في السّور، و هو أنّ باب النّفاق مثّل أمام المنافقين ليتذكّروا حالتهم الخبيثة في الحياة الدّنيا،فيتأسّفوا لها،و يعترفوا باستحقاقهم النّار عدلا من اللّه.

سابعا:لو مررنا مرّة أخرى على آيات«الباب» و«الأبواب»،لوجدنا ستّا منها مدنيّة،و هي(1)و(2) و(4)و(8)و(17)و(24)،و الباقي مكّيّة،و سياق ستّ منها مدح و ثناء،و هي(4)و(7)و(8)و(16)و(17) و(18)،و سياق الباقي ذمّ و هوان.و جاء في النّوعين

ص: 138

«الباب»و«الأبواب»و المكّيّ و المدنيّ،إلاّ أنّ خمسا من النّوع الأوّل(أي المدح)جاءت بلفظ الجمع،و واحدة بلفظ المفرد،و هي الآية(4)،و استوى عدد المكّيّ و المدنيّ فيها:أي ثلاث منها مكّيّة و ثلاث مدنيّة.

و لكن ممّا يؤسف له أنّ أبواب الشّرّ فاقت أبواب الخير،و أبواب الخسران فاقت أبواب الفلاح و النّجاح بنسبة 24/6،أي ثلاثة أرباع منها شرّ،و ربع خير، فلاحظ.و صدق اللّه العليّ العظيم حيث قال:

وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ العصر:1-3،و قال: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ سبأ:13.

ص: 139

ص: 140

ب و ر

اشارة

4 ألفاظ،5 مرّات:3 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

يبور 1:1 بورا 2:1-1

تبور 1:1 البوار 1:-1

النّصوص اللّغويّة

شهر بن حوشب: البوار:الفساد و الكساد،مأخوذ من قولهم:بارت السّلعة،إذا كسدت كساد الفاسد،و منه الحديث:«نعوذ باللّه من بوار الأيّم».(القرطبيّ 13:11)

الخليل :البوار:الهلاك،يقال:هو بور،و هي بور، و هما بور،و هم بور،و هنّ بور،هذا في لغة،و أمّا في اللّغة الفضلى:فهو بائر،و هما بائران،و هم بور،أي ضالّون هلكى،و منه قول اللّه عزّ و جلّ: وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12.

و سوق بائرة،أي كاسدة،و بارت البياعات،أي كسدت.

و البور:التّجربة،برت فلانا،و برت ما عنده:

جرّبته.

و يقال:برت النّاقة أبورها،أي من الفحل،لأنظر أ حامل هي أم لا،و ذلك الفحل:مبور،إذا كان عارفا بالحالين.[ثمّ استشهد بشعر]

البوريّة:الباريّة.(8:285)

الأحمر:نزلت بوار على النّاس،أي بلاء.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:317)

اليزيديّ: يقال:بار السّعر و الطّعام،أي هلك، و البوار:الهلاك.(غريب القرآن:276)

البور:الأرض الّتي تجمّ سنة لتزرع من قابل، و كذلك البوار.(ابن فارس 1:317)

أبو عبيدة : وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً واحدهم:بائر، أي هالك،و منه قولهم:«نعوذ باللّه من بوار الأيّم».و بار الطّعام و بارت السّوق،أي هلكت.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم:رجل بور و رجلان بور و رجال بور

ص: 141

و قوم بور،و كذلك الواحدة و الثّنتان و الجميع من المؤنّثة.

(2:72)

رجل بائر و بور بضمّ الباء،أي هالك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يكون البائر:الكاسد،من قولهم:بارت السّوق، إذا كسدت.(القاليّ 2:217)

أبو زيد :يقال:إنّه لفي حور و بور،أي ضيعة.

(ابن فارس 1:316)

الأصمعيّ: بار يبور بورا،إذا جرّب.

(الأزهريّ 15:265)

البورياء بالفارسيّة،و هو بالعربيّة:باريّ و بوريّ.

[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 2:598)

أبو عبيد:يقال للرّجل إذا قذف امرأة بنفسه،إنّه فجر بها،فإن كان كاذبا فقد ابتهرها،و إن كان صادقا فهو الابتيار«افتعال»من برت الشّيء أبوره،إذا خبرته.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:266)

«في كتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأكيدر دومة:و لكم البور و المعامي و أغفال الأرض».

البور:الأرض الّتي لم تزرع،و المعامي:المجهولة، و الأغفال نحوها.(الأزهريّ 15:267)

ابن السّكّيت :و البور:مصدر بار يبور بورا،إذا اختبر.

و البور:الرّجل الفاسد الهالك الّذي لا خير فيه.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:125)

أبو الهيثم: البائر:الهالك،و البائر:المجرّب،و البائر:

الفاسد،و سوق بائرة،أي فاسدة.(الأزهريّ 15:267)

ابن قتيبة: بور،و هو من بار يبور،إذا هلك و بطل.يقال:بار الطّعام،إذا كسد،و بارت الأيّم،إذا لم يرغب فيها.و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتعوّذ باللّه من بوار الايّم.[ثمّ ذكر قول أبي عبيدة و قال:]

و قد سمعنا[هم يقولون]:رجل بائر،و رأيناهم ربّما جمعوا«فاعلا»على«فعل»نحو عائذ و عوذ،و شارف و شرف.(311)

الدينوريّ: البور،بفتح الباء و سكون الواو:

الأرض كلّها قبل أن تستخرج حتّى تصلح للزرع أو الغرس.(ابن سيدة 10:332)

ابن أبي اليمان :و البور:القوم الهلكى،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12.(400)

المبرّد:في قول الشاعر:

بضرب كآذان الفراء فضوله

و طعن كإيزاغ المخاض تبورها

و البور:أن تعرض على الفحل ليعلم أ هي حامل أم حائل؟(1:187)

الزّجّاج :بار الرّجل الشّيء،إذا اختبره.و أباره،إذا أهلكه.(فعلت و أفعلت:189)

البائر في اللّغة:الفاسد الّذي لا خير فيه،و كذلك أرض بائرة:متروكة من أن يزرع فيها.

(ابن سيدة 10:331)

ابن دريد :و البور مصدر بار الشّيء يبور بورا،إذا هلك،و الرّجل بور،أي هالك،الواحد و الجمع فيه سواء.و في التّنزيل: وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12.

و دار البوار:دار الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 142

و يقال:حائر بائر دائر،و يقال:بارت السّوق،إذا أفرط رخص سلعها.(1:277)

القاليّ: و يقولون:حائر بائر:فالحائر:المتحيّر، و البائر:الهالك،و البوار:الهلاك.(2:217)

الأزهريّ: بار الفحل النّاقة يبورها بورا،إذا جعل يتشمّمها لينظر أ لاقح هي أم لا.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:بارت السّوق تبور،و بارت البياعات،إذا كسدت.

و من هذا قيل:«نعوذ باللّه من بوار الأيّم»و هو أن تبقى المرأة في بيتها لا يخطبها خاطب.

و في حديث:«كنّا نبور أولادنا بحبّ عليّ عليه السّلام»أي نختبر و نمتحن.(15:265)

الصّاحب:البوار:الهلاك،باروا.

و هم بور،أي فقراء.

و تركته في حور بور و حير بير-و يقال بغير تنوين-:

و هي الهلاك.

و أرضون بور:خرابات.و البور و البور من الأرض:

الّتي لم تزرع.

و شيء بائر و بأر و بور و بور،أي فاسد.

و البور:التّجربة،برته و برت ما عنده.

و الابتيار:النّكاح،بغير همز،من قولهم:ابتار الفحل النّاقة و بارها،إذا ضربها.

و البوريّ و البورياء:معروف.(10:270)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ لهذا القرآن شرّة،ثمّ إنّ للنّاس عنه فترة،فمن كانت فترته إلى القصد فنعمّا هو،و من كانت فترته إلى الإعراض فأولئكم بور».

قوله:«فأولئكم بور»يقال:رجل بائر،أي هالك، و قوم بور:هلكى،و يقال أيضا للواحد:بور.[ثمّ استشهد بشعر](1:198)

الجوهريّ: و قوم بور:هلكى.قال اللّه تعالى:

وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12،و هو جمع بائر مثل حائل و حول.و حكى الأخفش عن بعضهم أنّه لغة و ليس بجمع لبائر،كما يقال:أنت بشر و أنتم بشر.

و قد بار فلان،أي هلك.و أباره اللّه:أهلكه.

و رجل حائر بائر،إذا لم يتّجه لشيء،و هو اتباع لحائر.[إلى أن قال:]

و يقال أيضا:بار الفحل النّاقة و ابتارها،إذا تشمّمها ليعرف لقاحها من حيالها.و منه قولهم:بر لي ما عند فلان،أي اعلمه و امتحن لي ما في نفسه.

و حكى الأحمر:«نزلت بوار على الكفّار».مثل قطام.[ثمّ استشهد بشعر]

و بار عمله:بطل،و منه قوله تعالى: وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ فاطر:10.

و البارياء و البورياء:الّتي من القصب.(2:597)

ابن فارس :الباء و الواو و الرّاء أصلان:أحدهما:

هلاك الشّيء،و ما يشبهه من تعطّله و خلوّه،و الآخر:

ابتلاء الشّيء و امتحانه.

فأمّا الأوّل فقال الخليل :البوار:الهلاك.[و هكذا ذكر قول الخليل المتقدّم إلى أن قال:]

قال أبو زياد: البور من الأرض الموتان،الّتي لا تصلح أن تستخرج،و هي أرضون أبوار.و منه كتاب

ص: 143

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأكيدر:«إنّ لنا البور و المعامي».

و الأصل الثّاني:التّجربة و الاختبار،تقول:برت فلانا و برت ما عنده،أي جرّبته.(1:316)

الهرويّ: و أرض بائرة:معطّلة عن الزّراعة.

و في الحديث:«كان لا يرى بأسا بالصّلاة على البوريّ»و هي حصر القصب.

قلت:هي البوريّ،و الباريّة،و البورياء،ثلاث لغات.(1:218)

الثّعالبيّ: [في صفات الأرض]فإذا لم تهيّأ للزّراعة فهي بور.(286)

ابن سيدة :البوار:الهلاك و بار بورا،و بوارا، و أبارهم اللّه.و رجل بور.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك الاثنان،و الجميع،و المؤنّث.و في التّنزيل:

وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12،و قد يكون«بور» جمع بائر.

و قيل:رجل بائر،و قوم بور بفتح الباء،فهو على هذا اسم للجمع،كنائم و نوم،و صائم و صوم.

و دار البوار:دار الهلاك.

و نزلت بوار على النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و بارت السّوق:كسدت.

و بور الأرض بالضّمّ:ما بار منها فلم يعمر بالزّرع.

و رجل حائر بائر،يكون من الكسل،و يكون من الهلاك.

و باره بورا،و ابتاره-كلاهما-:اختبره.[ثمّ استشهد بشعر]

و الفحل يبور النّاقة،و يبتارها:ينظر أ لاقح هي أم حائل؟

و فحل مبور:عارف بالحالين.

و ابن بور:حكاه ابن جنّيّ في«الإمالة»،و الّذي ثبت في كتاب سيبويه:ابن نور،بالنّون.

و البوريّ،و البوريّة،و البورياء،و الباريّ، و البارياء،و الباريّة-فارسيّ معرّب-قيل:هو الطّريق، و قيل:الحصير المنسوج.(10:331)

البوار:بارت السّوق تبور بورا و بوارا:كسدت، و أفرط رخص سلعها.(الإفصاح 2:1204)

الطّوسيّ: و البور:الفاسد،و يقال:بارت السّلعة تبور بورا،إذا بقيت لا تشترى بقاء الفاسد الّذي لا يراد.

و البائر:الباقي على هذه الصّفة.

و البور:مصدر كالنّور،لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث.

و قيل:هو جمع بائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و نعوذ باللّه من بوار الإثم.(7:479)

نحوه الطّبرسيّ.(4:163)

الرّاغب: البوار:فرط الكساد،و لمّا كان فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد،كما قيل:كسد حتّى فسد، عبّر بالبوار عن الهلاك،يقال:بار الشّيء يبور بورا و بؤرا.[إلى أن قال:]

و بار الفحل النّاقة،إذا تشمّمها أ لاقح هي أم لا؟ثمّ يستعار ذلك للاختبار،فيقال:برت كذا:اختبرته.

(65)

الزّمخشريّ: [و في حديث علقمة الثّقفيّ«يبتار به إسلامنا»]

باره يبوره و ابتاره،مثل خبره يخبره و اختبره،في

ص: 144

البناء و المعنى.[ثمّ ذكر معنى الحديث إلى أن قال:]

و من الابتيار حديث عون،قال:بلغني أنّ داود سأل سليمان صلوات اللّه عليهما و هو يبتار علمه،فقال:

أخبرني ما شرّ شيء؟قال:امرأة سوء إن أعطيتها باءت و فخرت،و إن منعتها شكت و نفرت.(الفائق 1:132)

فلان له نوره،و عليك بوره،أي هلاكه.و قوم بور، و أحلّوا دار البوار،و نزلت بوار على الكفّار.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنو فلان بادوا و باروا،و أبادهم اللّه و أبارهم.

و هو حائر بائر،و إنّه لفي حور و بور.و برت النّاقة فأنا أبورها،إذا أدنيتها من الفحل،تنظر أ حائل هي أم حامل؟و يقال لذلك الفحل:المبور.

و من المجاز:بارت البياعات:كسدت،و سوق بائرة.

و بارت الأيّم،إذا لم يرغب فيها.

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتعوّذ من بوار الأيّم.

و بارت الأرض،إذا لم تزرع،و أرض بوار و أرضون بور.

و برلي ما عند فلان:و اخبر.(أساس البلاغة:33)

المدينيّ: في الحديث:«في الصّلاة على البوريّ».

البوريّة و الباريّة مشدّدتان،و البورياء مخفّف،ثلاث لغات:جنس من الحصير.و«فوعيل»معدوم من كلام العرب،و يحتمل أن يكون معرّبا.

في حديث قتل عليّ رضي اللّه عنه: «أبرنا عترته» أي أهلكناه،و أصله من قولهم:بار يبور بورا،إذا هلك، و أبرته:أهلكته.(1:198)

ابن الأثير :و في حديث أسماء:«في ثقيف كذّاب و مبير»أي مهلك يسرف في إهلاك النّاس،يقال:بار الرّجل يبور بورا فهو بائر،و أبار غيره فهو مبير.[و ذكر أحاديث أخر و قد تقدّمت](1:161)

الصّغانيّ: المبور،بكسر الميم:الفحل الّذي يعرف الحائل من اللاّقح.

و بور بالضّمّ،في الأعلام:واسع.

و البوريّ: جنس من السّمك،و هو الّذي يقال له باليمن:السّمك العربيّ.(2:427)

الفيّوميّ: بار الشّيء يبور بورا بالضّمّ:هلك،و بار الشّيء بوارا:كسد،على الاستعارة،لأنّه إذا ترك صار غير منتفع به،فأشبه الهالك من هذا الوجه.

و البويرة:بصيغة التّصغير:موضع كان به نخل بني النّضير.(1:65)

الفيروزآباديّ: البور:الأرض قبل أن تصلح للزّرع،أو الّتي تجمّ سنة لتزرع من قابل.

و الاختبار كالابتيار،و الهلاك،و أباره اللّه،و كساد السّوق كالبوار فيهما.و الجمع:بائر.

و بالضّمّ:الرّجل الفاسد،و الهالك لا خير فيه، يستوي فى الاثنان و الجمع و المؤنّث.

و ما بار من الأرض فلم يعمر كالبائر و البائرة.

و كقطام:اسم الهلاك.

و فحل مبور كمنبر:عارف بالنّاقة أنّها لاقح أم حائل.

و البوريّ و البوريّة و البورياء و الباريّ و البارياء و الباريّة:الحصير المنسوج،و الطّريق،معرّب.

و رجل حائر بائر:لم يتّجه لشيء و لا يأتمر رشدا،

ص: 145

و لا يطيع مرشدا.

و ابتارها:نكحها.

و باره:جرّبه،و النّاقة:عرضها على الفحل لينظر أ لاقح أم لا؟لأنّها إذا كانت لاقحا بالت في وجهه.

و عمله:بطل،و منه: وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ فاطر:10.

و الفحل النّاقة:تشمّمها ليعرف لقاحها من حيالها.

و بوار الأيّم:أن تبقى في بيتها لا تخطب.

و أرسله ببوريّة بالضّمّ،إذا ترك و رأيه،و لم يؤدّب.

(1:391)

الطّريحيّ: في الحديث:«سألته عن السّجود على البورياء»هي-بالمدّ-الّتي تسفّ من القصب.(3:231)

المصطفويّ: و الّذي يقوى في النّظر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الخسران المشرف إلى الانعدام و الهلاكة.و هذا المعنى ينطبق على جميع موارد استعمالها، من الفساد و الهلاكة و البطلان و الكساد و التّعطيل و الضّلالة.و بهذا المعنى يظهر الفرق بينها و بين الخسران و الهلاكة و غيرها.

و أمّا مفهوم الاختبار و الامتحان،فكأنّ المختبر ليس له غرض استفادة و لا انتفاع في عمله بل مجرّد الاختبار، و على هذا فهو خاسر في صرف الوقت أو صرف المال بهذا المنظور،و لا يبعد أن تكون التّعدية بتقدير حرف «في»أي بار فيه و برت في فلان،ثمّ حذفت الحرف لرفع الاشتباه بسائر المفاهيم.(1:337)

النّصوص التّفسيريّة

يبور

...وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ. فاطر:10

مجاهد :هو ما عمل للرّياء فإنّه يفسد.

(الطّوسيّ 8:417)

قتادة :معناه مكرهم يفسد.(الطّوسيّ 8:416)

يبطل.(الماورديّ 4:465)

مثله ابن قتيبة.(360)

ابن زيد :بار فلم ينفعهم،و لم ينتفعوا به،و ضرّهم.

(الطّبريّ 22:121)

يحيى بن سلاّم: يفسد عند اللّه تعالى.

(الماورديّ 4:465)

قطرب:يهلك،و البوار:الهلاك.

(الماورديّ 4:465)

الطّبريّ: و عمل هؤلاء المشركين يبور،فيبطل فيذهب،لأنّه لم يكن للّه،فلم ينفع عامله.(22:121)

الطّوسيّ: قيل:معنى يبور:يكسد،فلا ينفذ في ما يريدون.(8:416)

نحوه الطّبرسيّ(4:402)،و البيضاويّ(2:269)، و الشّربينيّ(3:316).

الميبديّ: أي يكسد و يفسد و يضمحلّ«و كلّ يعمل على شاكلته»فللمكر السّيّئ قوم أشقياء،و للكلم الطّيّب و العمل الصّالح قوم سعداء.(8:165)

الزّمخشريّ: أي يكسد و يفسد دون مكر اللّه بهم،

ص: 146

حين أخرجهم من مكّة و قتلهم،و أثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم جميعا،و حقّق فيهم قوله:

وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ الأنفال:30،و قوله: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.(3:303)

نحوه النّسفيّ.(3:335)

ابن عطيّة :معناه يفسد و يبقى لا نفع فيه،و قال بعض المفسّرين:يدخل في الآية أهل الرّبا.(4:432)

أبو حيّان :[ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و(هو)مبتدأ،و(يبور)خبره،و الجملة خبر عن قوله:(و مكر اولئك).

و أجاز الحوفيّ و أبو البقاء:أن يكون(هو)فاصلة، و(يبور)خبر(و مكر اولئك)،و الفاصلة لا يكون ما بعدها فعلا.

و لم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمناه إلاّ عبد القاهر الجرجانيّ في«شرح الإيضاح»له،فإنّه أجاز في:كان زيد هو يقوم،أن يكون هو فصلا،و ردّ ذلك عليه.

(7:304)

البروسويّ: يهلك و يفسد،فإنّ البوار فرط الكساد،و لمّا كان فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد-كما قيل:كسد حتّى فسد-عبّر ب«البوار»:عن الهلاك و الفساد،و لقد أبارهم اللّه تعالى إبارة بعد إبارة مكراتهم.

[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ](7:326)

الآلوسيّ: أي و مكر أولئك المفسدين المشهورين (هو يبور)أي يفسد.

و أصل البوار:فرط الكساد أو الهلاك،فاستعير هنا للفساد عدم التّأثير،لأنّ فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد -كما قيل:كسد حتّى فسد-أو لأنّ الكاسد يكسد في الغالب لفساده،و لأنّ الهالك فاسد لا أثر له.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن أبي حيّان](22:176)

تبور

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ.

فاطر:29

يحيى بن سلاّم:لن تفسد.(الماورديّ 4:472)

الطّبريّ: لن تكسد و لن تهلك،من قولهم:بارت السّوق،إذا كسدت،و بار الطّعام.(22:132)

الرّمّانيّ: لن تكسد.(الماورديّ 4:472)

مثله الطّريحيّ.(3:231)

الطّوسيّ: أي لا تكسد،و قيل:لا تفسد.(8:427)

الميبديّ: يعني ربح تجارة لن تكسد و لن تخسر، و ذلك ما وعد اللّه من الثّواب.(8:177)

الزّمخشريّ: أي تجارة ينتفي عنها الكساد،و تنفق عند اللّه ليوفّيهم بنفاقها عنده أجورهم.(3:308)

مثله النّسفيّ.(3:340)

ابن عطيّة :معناه تكسد و يتعذّر.(4:438)

الطّبرسيّ: أي راجين بذلك تجارة لن تكسد،و لن تفسد،و لن تهلك.(4:407)

نحوه البيضاويّ.(2:272)

الفخر الرازيّ: إشارة إلى الإخلاص،أي ينفقون، لا ليقال:إنّه كريم،و لا لشيء من الأشياء غير وجه اللّه،

ص: 147

فإنّ غير اللّه بائر،و التّاجر فيه تجارته بائرة.(26:22)

أبو حيّان :لن تكسد،و لا يتعذّر الرّبح فيها،بل ينفق عند اللّه.(7:312)

أبو السّعود :أي لن تكسد و لن تهلك بالخسران أصلا.صفة لتجارة،جيء بها للدّلالة على أنّها ليست كسائر التّجارات الدّائرة بين الرّبح و الخسران،لأنّه اشتراء باق بفان،و الإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعيّة بحصول مرجوّهم.(5:282)

البروسويّ: البوار:فرط الكساد،و الوصف بائر.

و لمّا كان فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد عبّر بالبوار:عن الهلاك مطلقا.

و من الهلاك المعنويّ ما في قولهم:خذوا الطّريق و لو دارت،و تزوّجوا البكر و لو بارت،و اسكنوا المدن و لو جارت.

و المعنى لن تكسد و لن تهلك مطلقا بالخسران أصلا.

(7:345)

الآلوسيّ: أي لن تكسد،و قيل:لن تهلك بالخسران،صفة تجارة،و ترشيح للمجاز.[إلى أن قال:]

و فسّر(لن تبور)ب«لن تبيد»و هو كما ترى.

(22:192)

القاسميّ: و البوار بمعنى الكساد،و الهلاك:ترشيح للاستعارة.(14:4984)

بورا

1- ...وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً. الفرقان:18

ابن عبّاس: قوم قد ذهبت أعمالهم و هم في الدّنيا، و لم تكن لهم أعمال صالحة.(الطّبريّ 18:190)

هلكى.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 18:190)

البور في لغة أزد عمان:الفاسد.(ابن الجوزيّ 6:78)

هلكى بلغة عمان،و هم من اليمن.

(الآلوسيّ 18:250)

الحسن :هم الّذين لا خير فيهم.

(الطّبريّ 18:190)

ابن زيد :ليس من الخير في شيء.

(الطّبريّ 18:191)

الأخفش: جماعة البائر،مثل اليهود،و واحدهم:

الهائد.و قال بعضهم:هي لغة على غير واحد،كما يقال:

أنت بشر و أنتم بشر.(2:642)

[بور]إنّه اسم جمع،يقال:رجل بور،أي فاسد هالك لا خير فيه،و امرأة بور،و قوم بور،كما يقال:أنت بشر و أنتم بشر.(النّيسابوريّ 18:46)

الطّبريّ: و كانوا قوما هلكى،قد غلب عليهم الشّقاء و الخذلان...

و أمّا«البور»فمصدر واحد،و جمع للبائر،يقال:

أصبحت منازلهم بورا،أي خالية لا شيء فيها،[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل:إنّ(بور)مصدر كالعدل و الزّور و القطع، لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث،و إنّما أريد ب«البور»في هذا الموضع أنّ أعمال هؤلاء الكفّار كانت باطلة،لأنّها لم تكن للّه.(18:190)

ص: 148

نحوه البغويّ(3:439)،و الميبديّ(12:7).

القمّيّ: أي قوم سوء.(2:112)

الهرويّ: أي هلكى،يقال:رجل بور و قوم بور، و يكون(بور)جمع بائر.و قد بار يبور،إذا بطل و هلك.

(1:218)

الماورديّ: فيه ثلاث تأويلات:

أحدها:يعني هلكى،قاله ابن عبّاس؛مأخوذ من «البوار»و هو الهلاك.

الثّاني:هم الّذين لا خير فيهم،قاله الحسن:مأخوذ من:بوار الأرض،و هو تعطّلها من الزّرع،فلا يكون فيها خير.

الثّالث:أنّ البوار:الفساد،قاله شهر بن حوشب، و قتادة؛مأخوذ من قولهم:بارت،إذا كسدت كساد الفاسد.و منه الأثر المرويّ«نعوذ باللّه من بوار الأيّم».

[ثمّ استشهد بشعر](4:137)

الطّوسيّ: أي هلكى فاسدين.(7:479)

مثله الطّبرسيّ.(4:164)

الزّمخشريّ: البور:الهلاك،يوصف به الواحد و الجمع،و يجوز أن يكون جمع:بائر،كعائذ و عوذ.

(3:86)

نحوه البيضاويّ(2:141)،و النّسفيّ(3:161)، و النّيسابوريّ(18:146)،و أبو السّعود(4:501)، و المراغيّ(18:158).

ابن عطيّة :معناه هلكى،و البوار:الهلاك.

و اختلف في لفظة(بور)فقالت فرقة:هو مصدر يوصف به الجمع و الواحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالت فرقة:هي جمع بائر،و هو الّذي قد فارقه الخير،فحصل بذلك في حكم الهلاك،باشره الهلاك بعد أو لم يباشر.(4:204)

القرطبيّ: و قال أبو الدّرداء رضي اللّه عنه،و قد أشرف على أهل حمص:يا أهل حمص!هلمّ إلى أخ لكم ناصح.فلمّا اجتمعوا حوله قال:

ما لكم لا تستحون؟تبنون ما لا تسكنون،و تجمعون ما لا تأكلون،و تأملون ما لا تدركون،إنّ من كان قبلكم بنوا مشيدا،و جمعوا عبيدا،و أملوا بعيدا،فأصبح جمعهم بورا،و آمالهم غرورا،و مساكنهم قبورا.

فقوله بورا:أي هلكى.و في خبر آخر:فأصبحت منازلهم بورا.[إلى أن قال:]

و قيل:بورا:عميا عن الحقّ.(13:11)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل أقوال السّابقين](6:489)

نحوه البروسويّ(6:197)،و الآلوسيّ(18:250)

الطّباطبائيّ: البور:جمع بائر،و هو الهالك، و قيل:الفاسد.

لمّا نفى المعبودون المسئولون عن سبب ضلال عبّادهم نسبة الإضلال إلى أنفسهم،أخذوا في نسبته إلى الكفّار أنفسهم،مع بيان السّبب الّذي أضلّهم،و هو أنّهم كانوا قوما هالكين أو فاسدين،و قد متّعتهم و آباءهم من أمتعة الحياة الدّنيا و نعمها،حتّى طال عليهم التّمتيع امتحانا و ابتلاء،فتمتّعوا منها و اشتغلوا بها، حتى نسوا الذّكر الّذي جاءت به الرّسل،فعدلوا عن التّوحيد إلى الشّرك.

فكونهم قوما هالكين أو فاسدين بسبب انكبابهم

ص: 149

على الدّنيا و انهماكهم في الشّهوات،هو السّبب في استغراقهم في التّمتّع،و انصراف هممهم إلى الاشتغال بالأسباب،و هو السّبب لنسيانهم الذّكر،و العدول عن التّوحيد إلى الشّرك؛فتبيّن بذلك أنّ قوله: وَ كانُوا قَوْماً بُوراً من تمام الجواب.

و أمّا من جعل الجملة اعتراضا تذييليّا مقرّرا لمضمون ما قبله،و استفاد منه أنّ السّبب الأصليّ في ضلالهم أنّهم كانوا بحسب ذواتهم أشقياء هالكين، و ليس ذلك إلاّ بقضاء حتم منه تعالى في سابق علمه،فهو المضلّ لهم حقيقة،و إنّما نسب إلى أنفسهم أدبا.

ففيه أوّلا:إنّه إفساد لمعنى الآية؛إذ لا موجب حينئذ لإيراد الاستدراك،بقوله: وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ لكونه فضلا لا حاجة إليه.

و ثانيا:أنّ نسبة البوار و الشّقاء إلى ذوات الأشياء ينافي ما أطبق عليه العقلاء بفطرتهم،من تأثير التّعليم و التّربية،و الحسّ و التّجربة يؤيّدان ذلك،و هو يناقض القول بالاختيار و الجبر معا.أمّا مناقضة القول بالاختيار فظاهر،و أمّا مناقضة القول بالجبر،فلأنّ الجبريّ يقصر العلّيّة في الواجب تعالى و ينفيه عن غيره،و يناقضه نسبة الاقتضاء الضّروريّ إلى ذوات الأشياء و ماهيّاتها.

و ثالثا:أنّ فيه خلطا في معنى القضاء من حيث متعلّقه،فكون القضاء حتما لا يوجب خروج الفعل الّذي تعلّق به من الاختيار إلى الإجبار،فإنّ القضاء إنّما تعلّق بالفعل بحدوده،و هو صدوره عن اختيار الفاعل من حيث إنّه صادر عن اختياره،فتعلّقه يوجب تأكّد كونه اختياريّا،لا أنّه يزيل عنه وصف الاختيار.

و رابعا:أنّ قولهم:إنّ المضلّ بالحقيقة هو اللّه،و إنّما نسبوا الضّلال إلى الكفّار أنفسهم تأدّبا.و بمثله صرّحوا في نسبة المعاصي و الأعمال القبيحة الشّنيعة و الفجائع الفظيعة إلى فواعلها،أنّها في عين أنّها من أفعاله تعالى إنّما تنسب إلى غيره تأدّبا،كلام متهافت،فإنّ الأدب-كما تقدّم تفصيل القول فيه في الجزء السّادس من الكتاب- هو الهيئة الحسنة الّتي ينبغي أن يقع عليها فعل ما، و بعبارة أخرى ظرافة الفعل؛و إذ كان الحقّ الصّريح في الفعل غير الجميل أنّه فعل اللّه سبحانه و لا يشاركه في فعله غيره بأيّ وجه فرض،كانت نسبته إلى غيره تعالى نسبة باطلة غير حقّ،و كذبا و فرية لا تطابق الواقع.

فليت شعري أيّ أدب جميل في إماطة حقّ صريح و إحياء باطل؟و أيّ ظرافة و لطف في الكذب و الفرية بإسناد الفعل إلى غير فاعله؟

و اللّه سبحانه أجلّ من أن يعظم بباطل أو بالسّتر على بعض أفعاله،أو بالكذب و الفرية بإسناد بعض ما يفعله إلى غيره؛و إذ كان جميلا لا يفعل إلاّ الجميل،فما معنى التّأدّب بنفي بعض أفعاله عنه؟(15:191)

بنت الشّاطئ:و سأل نافع عن قوله تعالى:

وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً فقال ابن عبّاس:هلكى،بلغة عمان،و هم من اليمن.[ثمّ استشهد بشعر]

الكلمة من آية الفتح:12،في المخلّفين من الأعراب:

[ثمّ ذكرت الآيات الآتية في الاستعمال القرآنيّ و قالت:]

تفسير(بور)بهلكى قريب،و القول إنّها بلغة عمان، يسوّغ التّرادف.ثمّ لا يفوتنا ما في دلالة مادّتها على

ص: 150

البوار،و هو في الأصل للأرض لا تصلح للزّراعة.و منه أخذ البوار لكساد السّوق،و تجوّزت العربيّة فاستعملته في العقم و الفساد و الخسر و الضّياع.

و كلّ ما في القرآن من مادّته،هو من هذا الخسر بالضّلال و الكفر،و إنّه لأفدح الضّياع و الهلاك.

و قد ردّه«الرّاغب»إلى فرط الكساد،يؤدّي إلى الفساد،فيعبّر بالبوار عن الهلاك: وَ كانُوا قَوْماً بُوراً أي هلكى،جمع:بائر.و قيل:هو مصدر يوصف به الواحد و الجمع،فيقال:رجل بور،و قوم بور.[ثمّ استشهد بشعر]

و نرى المصدريّة في الآية: قَوْماً بُوراً أبلغ و أقوى من حمل اللّفظ على جمع بائر؛لما في وصفهم بالمصدر،من محض بوار و هلاك.

(الإعجاز البيانيّ للقرآن:449)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الفساد و الكساد، و الامتحان و الاختبار،فمن الأوّل:البوار،يقال:بارت السّلعة و البياعات تبور بورا و بوارا،أي كسدت كساد الفاسد،و سوق بائرة:كاسدة.

و تجوّزوا فيه،فأطلقوا هذا المعنى على النّاس، فقالوا:بارت الأيّم،أي بقيت في بيتها لا تخطب و لا يرغب فيها،و في الدّعاء«نعوذ باللّه من بوار الأيّم».

و البور:الرّجل الفاسد الّذي لا خير فيه،و هو الهالك أيضا،لأنّ في فساد الأنفس و الأشياء هلاكها،يقال:بار السّعر و الطّعام،أي هلك،و بار فلان يبور بورا و بوارا:

هلك،و أباره اللّه:أهلكه،و هو و هي و هما و هم و هنّ بور،و هو أيضا بائر و هما بائران و هم بور،أي ضالّون هلكى.و البوار:اسم الهلاك،يقال:نزلت بوار على النّاس،أي بلاء.

و من الثّاني:البور،يقال:بار الفحل النّاقة يبورها بورا:جعل يتشمّمها لينظر أ لاقح هي أم حائل،و هو مبور.و برتها أنا:عرضتها عليه لأجل ذلك فإذا كانت لاقحا بالت في وجهه فلم يقربها،و إذا كانت حائلا ضربها،يقال:ابتار الفحل النّاقة و بارها،أي ضربها.

و من ثمّ أطلق«البور»على التّجربة،يقال:برت فلانا و برت ما عنده أبوره بورا،أي جرّبته،و في الحديث:

«كنّا نبور أولادنا بحبّ عليّ عليه السّلام»،أي نختبرهم و نمتحنهم.

2-و البور:مصدر بار المتاع و نحوه يبور بورا:كسد، استعمل وصفا للأرض الّتي تجمّ سنة لتزرع من قابل، و هي أرض بور أيضا،فكأنّها أجهدت بالزّراعة فتداعت و فسدت،فتترك عاما و تزرع عاما،كي تستعيد قوّتها.أو هي الأرض الّتي لم تزرع بتاتا،فهي كاسدة ككساد البضاعة،و هي أرض بائرة أيضا.

و قد أصرّ بعض المستشرقين على أنّ لفظ«البور» دخيل في العربيّة،إلاّ أنّهم اختلفوا في أصله،فبعضهم زعم أنّه آراميّ و آخر سريانيّ.و لا مشاحّة في وروده بهذا المعنى في بعض اللّغات السّاميّة،و بلفظ«بور»في العبريّة،و«بورا»في الآراميّة و السّريانيّة (1).

3-و الباريّ و الباريّة و البارياء،و البوريّ و البوريّة

ص: 151


1- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم(148).

و البورياء:الحصير المنسوج من القصب.و حكى الجوهريّ عن الأصمعيّ،و الجواليقيّ عن ابن قتيبة أنّ الباريّ و البوريّ فارسيّان معرّبان،و أصلهما في الفارسيّة «بوريا».

و لكن ليس كما قالا؛إذ لو كانا لفظين فارسيّين لما أناط الجوهريّ و الجواليقيّ-و هما من أهل فارس-رواية ذلك بعربيّين لا يفقهان الفارسيّة و لا يتكلّمان بها،بل أرسلا الكلام إرسالا،كما هو ديدنهما في الألفاظ الفارسيّة.

ثمّ إنّ المعجمات الفارسيّة اليوم لا تجزم بذلك،بل صرّح بعضها بأنّ«بوريا»لفظ آراميّ (1).و في الحقيقة أنّه لفظ سريانيّ،و قد جاء بهذا اللّفظ في السّريانيّة،و بلفظ «بورية»في الآراميّة (2).

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها أربعة ألفاظ في خمس آيات:

1- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ فاطر:29

2- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ

فاطر:10

3- قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً الفرقان:18

4- بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12

5- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت في ثلاث صيغ:فعل مرّتين في(1)و(2)،و صفة مرّتين أيضا في(3)و(4)، و مصدر مرّة واحدة في(5).

ثانيا:ذكر المفسّرون أنّ معناها الهلاك و الفساد و الكساد.و الّذي يتبادر منها أنّ«البوار»ليس مطلق الهلاك و الفساد،بل هلاك و فساد ما شأنه الاستقامة و الصّلاح،و هذا ما يعبّر عنه في التّجارة و السّوق و المتاع و الطّعام و نحوها بالكساد،و هو المعنى الحقيقيّ لها،أي الخسران و الضّلال فيما يتوقّع نفعه و صلاحه.

ثالثا:جاء الفعل«تبور»في(1)بمعنى كساد التّجارة الّتي يتوقّع فيها الرّبح،و الفعل«يبور»في(2)بمعنى خسران مكر الّذين يمكرون السّيّئات،لأنّهم يحسبون أنّ مكرهم ينفعهم،و لكنّ ظنونهم و أمانيّهم لم تتحقّق، فأصبح مكرهم خاسرا كاسدا.

رابعا:جاء هذا المعنى بعينه في(بور)،و هو جمع بائر في الآيتين(3)و(4).أمّا(3)فإنّ الكفّار الّذين متّعهم اللّه و آباءهم في الحياة الدّنيا يتوقّع انتفاعهم بنعم اللّه في طريق السّعادة و الفلاح،و لكنّهم خسروها لمّا نسوا الذّكر.

ص: 152


1- معجم«دهخدا»،لفظ«بوريا».
2- المعجم المقارن للدّكتور محمّد جواد مشكور(1:89).

و كذلك(4)،فقد ظنّ الأعداء أنّ النّبيّ و المؤمنين سوف يقتلون و لا ينقلبون و هم في طريقهم إلى مكّة، و لكنّهم أخطئوا في ظنّهم و خسروا،و كسدت تمنّيّاتهم السّيّئة و لم توجد.فوقع الصّلح و كان فتحا مبينا،و رجع المؤمنون إلى المدينة سالمين غانمين.

و أيّ غنيمة أعظم من الصّلح الّذي عقد بين جماعة المؤمنين و بين قريش،و هم ألدّ أعدائهم الّذين شنّوا الحرب من ذي قبل على النّبيّ و من معه مرارا و تكرارا.

و قد أطفئت نائرة الحرب بهذا الصّلح،و حلّ مكانها الهدوء و الطّمأنينة الّتي أعقبت اعتناق خلق كثير منهم الدّين الحنيف.

خامسا:تبديل الوصف(بورا)في الآيتين(3)و(4) من الفعل(تبور)و(يبور)في(1)و(2)بسياق واحد:

وَ كانُوا قَوْماً بُوراً، وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً، للدّوام و الاستمرار،أي أنّهم أصبحوا قوما خاسرين كاسدين فاسدين،لا يزالوا كذلك إلى آخر حياتهم،بل إلى أبد الآبدين في الدّنيا و الآخرة.

سادسا:و هذا المعنى بعينه سار في(5)،فإنّ الّذين أوتوا نعمة اللّه يتوقّع انتفاعهم بها و إحلالهم قومهم دار الفلاح و النّجاح،و لكنّهم بدّلوا نعمة اللّه كفرا،و أحلّوا قومهم دار البوار،و هي دار الخسران.و هذا السّياق بما فيه من ألفاظ(احلّوا)و(قومهم)و(دار البوار)،بالغ في الدّمار و الشّمول.

سابعا:قد برز و تجلّى التّرتيب الطّبيعيّ بين الآيات، فبدأت بالفعل كحادثة في(1)و(2)،ثمّ انقلب الفعل إلى الوصف الدّائم الشّامل للقوم في(3)و(4).ثمّ تجاوز حدّ الوصف و انتهى إلى الإحلال لدار البوار،و هي مفسّرة بعدها بقوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ إبراهيم:

29،فكرّر كلّ من الفعل و الوصف مرّتين،و اجتمعت في واحدة.

ثامنا:الآيات كلّها مكّيّة سوى واحدة،و هي آية الفتح(4)،و سياقها ذمّ للمشركين.و بدأت بالخير و انتهت إلى الشّرّ،ليتحقّق معنى الخسران و الكساد.أمّا آية الفتح المدنيّة المتأخّرة نزولا-طبعا-عنها،فليس فيها ذكر الخير،لوضوح معنى الخسران فيها ممّا تقدّمتها من الآيات،إلاّ أنّها مسبوقة في القرآن أيضا بآية النّعمة يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ... إبراهيم:27.

ص: 153

ص: 154

ب و ل

اشارة

لفظان،4 مرّات:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان

في 3 سور:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

بال 2:2 بالهم 2:-2

النصوص اللّغويّة

الخليل :البول:معروف،و قد بال يبول.

و البال:بال النّفس و هو الاكتراث،و منه اشتقّ:

باليت،و المصدر:المبالاة.

و في مواعظ الحسن:لا يبالهم بالة،و لم أبال و لم أبل على القصر.

و البال أيضا:رخاء العيش،تقول:إنّه لناعم البال و رخيّ البال.(8:338)

الضّبّيّ: بال الرّجل يبول بولا شريفا فاخرا،إذا ولد له ولد يشبهه.

و البال:القلب.

و البال:الحال.

و البال:جمع البالة،و هي عصا فيها زجّ،يكون مع صيّادي أهل البصرة.

و البال:جمع البالة،و هي الجراب الصّغير.

(الأزهريّ 15:392)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البال:القلب.

و البال:جمع البالة،و هي الجراب الضّخم.

(الأزهريّ 15:392)

أبو زيد :من أسماء النّفس:البال.

(الأزهريّ 15:392)

الأصمعيّ: يقال لنطف البغال:أبوال البغال،و منه قيل للسّراب:«أبوال البغال»على التّشبيه.و إنّما شبّه بأبوال البغال،لأنّ بول البغال كاذب لا يلقح،و السّراب كذلك.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:321)

ابن الأعرابيّ: بالى فلان فلانا،إذا فاخره.

و بالاه،إذا ناقصه.و بالى بالشّيء،إذا اهتمّ به.

(الأزهريّ 15:392)

ص: 155

شحمة بوّالة،إذا أسرع ذوبها.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن فارس 1:321)

شمر: البال:الحال و الشّأن.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:392)

أبو سعيد الضّرير: البالة:الرّائحة و الشّمّة،و هو من قولهم:بلوته،إذا شممته و اختبرته.

و إنّما كان أصلها«بلوة»و لكنّه قدّم الواو قبل اللاّم فصيّرها ألفا،كقولك:«قاع»و«قعا».[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 11:75)

المبرّد: و قول الشّاعر:

*و قد نعمت ما باله*

فما زائدة،و البال هاهنا:الحال.

و للبال موضع آخر،و حقيقته الفكر،تقول:ما خطر هذا على بالي.(1:215)

الطّبريّ: و البال:كالمصدر مثل الشّأن،لا يعرف منه فعل،و لا تكاد العرب تجمعه إلاّ في ضرورة شعر، فإذا جمعوه قالوا:بالات.(26:39)

نحوه القرطبيّ.(16:224)

ابن دريد :و البول:معروف،و البوال:داء يصيب الإنسان،فيأخذه البول.و رجل بولة:كثير البول.

(1:329)

الأزهريّ: و لم يخطر ببالي ذلك الأمر،أي لم يكرثني.

و البال:الأمل،يقال:فلان كاسف البال،و كسوف باله:أن يضيق عليه أمله.

و هو رخيّ البال،إذا لم يشتدّ عليه الأمر،و لم يكترث.(15:392)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و البالة:الرّائحة-غير مهموزة-و سمكة طويلة.

و أمر ذو بال،أي ذو جلال و خطر.

و ما ألقي لقوله بالا،أي ما أستمع له و لا أكترث.

البول:معروف،و بول الرّجل:ولده.

و الانفجار.و الانسكاب،زقّ بوّال.

و بال الشّحم يبول،إذا ذاب.[إلى أن قال:]

و البيلة:البول.

و استبالوا الخيل:وقّفوها لتبول.

وقاع بولان:موضع تسرق العرب فيه متاع الحاجّ.

و في مثل:«بال حمار فاستبال أحمرة».

(10:355)

الجوهريّ: البول:واحد الأبوال،و قد بال يبول.

و الاسم:البيلة،كالجلسة و الرّكبة.

و يقال:أخذه بوال بالضّمّ،إذا جعل البول يعتريه كثيرا.

و كثرة الشّراب مبولة،بالفتح.و المبولة بالكسر:

كوز يبال فيه.

و يقال:لنبيلنّ الخيل في عرصاتكم.

و قولهم:ليس هذا من بالي،أي ممّا أباليه.

و البال:الحوت العظيم من حيتان البحر،و ليس بعربيّ.

و البالة:وعاء الطّيب،فارسيّ معرّب،و أصله بالفارسيّة«بيله».[ثمّ استشهد بشعر](4:1642)

نحوه الرّازيّ.(83)

ص: 156

أبو هلال: الفرق بين القلب و البال:أنّ القلب:اسم للجارحة،و سمّي بذلك لأنّه وضع في موضعه من الجوف مقلوبا.و البال و الحال و حال الشّيء:عمدته،فلمّا كان القلب عمدة البدن سمّي بالا.

فقولنا:«بال»يفيد خلاف ما يفيده قولنا:«قلب»، لأنّ قولنا:«بال»يفيد أنّه الجارحة الّتي هي عمدة البدن،و قولنا:«قلب»يفيد أنّه الجارحة الّتي وضعت مقلوبة،أو الجارحة الّتي تتقلّب بالأفكار و العزوم.

و يجوز أن يقال:إنّ«البال»هو الحال الّتي معها، و لهذا يقال:اجعل هذا على بالك.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:هو في حال حسنة،و لا يقال:في بال حسن،فيفرّق بذلك.

الفرق بين الحال و البال:أنّ قولنا للقلب:بال،يفيد أنّه موضع الذّكر،و القلب يفيد التّقلّب بالأفكار و العزوم،على ما ذكرنا.(132)

ابن فارس :الباء و الواو و اللاّم أصلان:أحدهما:

ماء يتحلّب،و الثّاني:الرّوع.

فالأوّل:البول،و هو معروف،و فلان حسن البيلة، و هي الفعلة من البول.و أخذه بوال،إذا كان يكثر البول.

و ربّما عبّروا عن النّسل بالبول.[ثمّ استشهد بشعر]

أمّا الأصل الثّاني:فالبال بال النّفس،و يقال:

ما خطر ببالي،أي ما ألقي في روعي.

فإن قال قائل:فإنّ الخليل ذكر أنّ بال النّفس هو الاكتراث،و منه اشتقّ:ما باليت،و لم يخطر ببالي.

قيل له:هو المعنى الّذي ذكرناه،و معنى«الاكتراث» أن يكرثه ما وقع في نفسه،فهو راجع إلى ما قلناه.

و المصدر:البالة و المبالاة،و منه قول ابن عبّاس، و سئل عن الوضوء باللّبن:«ما أباليه بالة،اسمح يسمح لك».

و ممّا حمل على هذا:البال،و هو رخاء العيش،يقال:

إنّه لراخي البال،و ناعم البال.(1:321)

ابن سيدة :بال الإنسان و غيره يبول بولا، و استعاره بعض الشّعراء،فقال:

*بال نهيل في الفضيخ ففسد*

و الاسم:البيلة.

و البوال:داء يكثر منه البول.

و رجل بولة:كثير البول،يطّرد على هذا باب.

و إنّه لحسن البيلة،من البول.

و البول:الولد.

و البال:الحال.

و البال:الخاطر.

و البال:المرّ الّذي يعتمد به في أرض الزّرع.

و البال:سمكة غليظة تدعى جمل البحر.

و البال:رخاء العيش.

و إنّما قضينا على هذه الألف بالواو لأنّها عين مع كثرة«ب و ل»،و قلّة«ب ي ل».

و البالة:القارورة و الجراب،و قيل:وعاء الطّيب، فارسيّ أصلها:باله.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و قيل:هي بالفارسيّة ييله،فألف بالة على هذا ياء.

(10:435)

الرّاغب:البال:الحال الّتي يكترث بها،و لذلك يقال:ما باليت بكذا بالة،أي ما اكترثت به.[إلى أن قال:]

ص: 157

و يعبّر بالبال:عن الحال الّذي ينطوي عليه الإنسان،فيقال:خطر كذا ببالي.(67)

الزّمخشريّ: ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:

«سئل عن الوضوء من اللّبن،فقال:ما أباليه بالة،اسمح يسمح لك»أي مبالاة،و أصلها:بالية،كعافية.

(الفائق 1:129)

و في حديث الأحنف:«فما ألقى لذلك بالا».إلقاء البال للأمر:الاكتراث له،و الاحتفال به.

(الفائق 1:134)

عمر قال لمولاه أسلم،و رآه يحمل متاعه على بعير من إبل الصّدقة:«فهلاّ ناقة شصوصا أو ابن لبون بوّالا»، هي الّتي قلّ لبنها جدّا...بوّالا،أي كثير البول لهزاله،أراد ألاّ يستعمل ما ينفس بمثله من إبل الصّدقة.

(الفائق 2:243)

الطّبرسيّ: البال:الحال،و الشّأن.و البال:القلب أيضا،يقال:خطر ببالي كذا.

و البال:لا يجمع،لأنّه أبهم أخواته من الحال و الشّأن.(5:96)

المدينيّ: في حديث الأحنف:«نعي له حسكة الحنظليّ،فما ألقى له بالا»أي ما استمع إليه،و ما اكترث به.

و منه الحديث:«لا يبالي اللّه تعالى بهم بالة»،أي لا يرفع لهم قدرا،و لا يقيم لهم وزنا.

يقال:ما باليت به مبالاة و بالية و بالة.و قيل:هو اسم من بالى يبالي،حذفت ياؤه،بناء على قولهم:لم أبل به.

فأمّا قولهم:لا أصبتك ببالّة،فهو بالتّثقيل،أي بخير.

و يقال:ما ألقي لقولك بالا،أي ما أبالي به.

و قيل:قولهم:ما باليته و ما باليت به،هو كالمقلوب من المباولة،مأخوذ من البال،أي لم أجره ببالي.و أصل البال:الحال.و منه الحديث:«كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد اللّه تعالى فهو أقطع».

في حديث المغيرة:«أنّه كره ضرب البالة».

البالة بالتّخفيف:حديدة يصاد بها السّمك.يقال:

ارم بها فما خرج فهو لي بكذا،و إنّما كرهه لأنّه غرر،و قد يخرج و قد لا يخرج.

و البالة أيضا:فأرة المسك،أو الجراب الصّغير.

و قيل:هو تعريب«بيلة»،و منه يسمّى الصّيدلانيّ بالفارسيّة:بيلور،و يحتمل أن يكون الأوّل أيضا معرّبا.

(1:188)

ابن الأثير :في الحديث«من نام حتّى أصبح،فقد بال الشّيطان في أذنه»قيل:معناه سخر منه و ظهر عليه، حتّى نام عن طاعة اللّه عزّ و جلّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث آخر عن الحسن مرسلا:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:فإذا نام شغر الشّيطان برجله،فبال في أذنه».

و حديث ابن مسعود:«كفى بالرّجل شرّا أن يبول الشّيطان في أذنه».

و كلّ هذا على سبيل المجاز و التّمثيل.

و فيه:«أنّه خرج يريد حاجة فاتّبعه بعض أصحابه،فقال:تنحّ فإنّ كلّ بائلة تفيخ»يعني أنّ من يبول يخرج منه الرّيح،و أنّث البائل ذهابا إلى النّفس.[ثمّ ذكر حديث عمر المتقدّم عن الفائق و أضاف:]

ص: 158

وصفه ب«البول»تحقيرا لشأنه،و أنّه ليس عنده ظهر يرغب فيه لقوّة حمله،و لا ضرع فيحلب،و إنّما هو بوّال.

و فيه:«كان للحسن و الحسين قطيفة بولانيّة»هي منسوبة إلى«بولان»:اسم موضع كان يسرق فيه الأعراب متاع الحاجّ.و«بولان»أيضا:في أنساب العرب.(1:163)

أبو حيّان :البال:الفكر،تقول:خطر في بالي كذا، و لا يثنّى و لا يجمع،و شذّ قولهم:بالات،في جمعه.

(8:70)

الفيّوميّ: البال:القلب،و خطر ببالي،أي بقلبي.

و هو رخيّ البال،أي واسع الحال.

و بال الإنسان و الدّابّة يبول بولا و مبالا فهو بائل،ثمّ استعمل البول في العين (1)،و جمع على:أبوال.

(1:66)

الفيروزآباديّ: البول:معروف،جمعه:أبوال، و قد بال،و الاسم:البيلة بالكسر.و الولد،و العدد الكثير،و الانفجار.

و بهاء:بنت الرّجل.

و كغراب:داء يكثر منه البول.و كهمزة:الكثيرة.

و المبولة كمكنسة:كوزه،و الشّراب مبولة كمرحلة.

و البال:الحال،و الخاطر،و القلب،و الحوت العظيم، و المرّ الّذي يعتمل به في أرض الزّرع،و رخاء العيش.

و بهاء:القارورة،و الجراب،و وعاء الطّيب، و موضع بالحجاز،و هلال بن زيد بن يسار بن بولى كسكرى،تابعيّ.

و بال:ذاب.

و أبوال البغال:السّراب.

و بالوية:اسم.

و ما أباليه بالة،في المعتلّ.(3:349)

العدنانيّ: و يقولون:أصيب فلان بداء كثرة التّبويل،و هي جملة طويلة،خير منها«البوال»و هو داء يكثر منه البول،كما يقول:ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم، و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و تذكرة عليّ، و الوسيط،و قاموس حتّي الطّبّيّ،لم يضبط حركة الباء.

و يبدو أنّ وزن«فعال»قياسيّ في الأمراض و الأوجاع،فهناك السّلال،و الزّحار:الدّيزنتري، و الصّداع...و كثير غيرها،أورده الثّعالبيّ في الباب السّادس عشر من«فقه اللّغة».

أمّا رجل بولة،فمعناه كثير البول.و فعله:بال يبول بولا،و مبالا.(84)

المصطفويّ: لا يخفى ما في بين«البال»و«البلو» من الاشتقاق الأكبر،و قد تقدّم أنّ«البلو»هو إيجاد التّحوّل و التّقلّب.و بهذه المناسبة يكون الأصل في كلمة «البال»هو الحال الباطنيّة القلبيّة،و استعمالها في القلب و النّفس،و تحرّك القلب،و رخاء العيش؛بمناسبة هذا الأصل،فإنّ«القلب»من التّقلّب و التّحرّك،فيها إحدى الحالات.ل.

ص: 159


1- أي في الماء الخارج من القبل.

و أمّا«البول»فبمناسبة ظهور الرّخاء الكامل و الحالة الحسنة الطّيّبة،بعد نهاية الشّدّة و الحصر و الضّيق.و هذا المعنى أظهر أثر يتراءى عند البول،و العرب تسمّي كلّ ما يستهجن،بأثره أو بما يلازمه كالغائط.[إلى أن فسّر الآية-يوسف:50،و طه:51(1)و(2)كما يأتي في الاستعمال القرآنيّ-بمعنى الحالة الباطنيّة،ثمّ قال:]

و هذا الإطلاق ينفي كون البال بمعنى القلب،و أمّا الحالة الباطنيّة فلا تختصّ بالحيوان بل و في كلّ شيء بحسبه.

و الفرق بين الحالة و البال:أنّ«الحالة»أعمّ من التّحوّل في الظّاهر أو الباطن،و«البال»يطلق على الحالة الباطنيّة.و أيضا أنّ أكثر استعمال«البال»في الحالة الّتي يلازمها الضّيق و المحدوديّة،كما قلنا في«البلو».

(1:338)

النّصوص التّفسيريّة

بال

1- ...قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ. يوسف:50

ابن عبّاس: يقول:قل للملك حتّى يسأل عن خبر النّسوة.(198)

الطّبريّ: سل الملك ما شأن النّسوة.(12:234)

الطّبرسيّ: أي ما حالهنّ و ما شأنهنّ.(3:240)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(11:92)،و الفخر الرّازيّ (18:152)،و النّيسابوريّ(13:12)،و القرطبيّ(9:

206).

أبو حيّان :و إنّما قال:سل الملك عن شأن النّسوة، و لم يقل:سله أن يفتّش عنهنّ،لأنّ السّؤال ممّا يهيّج الإنسان و يحرّكه للبعث عمّا سئل عنه،فأراد أن يورد عليه السّؤال ليجري التّفتيش عن حقيقة القصّة،و قصّ الحديث حتّى يتبيّن له براءته بيانا مكشوفا،يتميّز فيه الحقّ من الباطل.(5:316)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي حيّان ثمّ أضاف:]

و لو قال:سله أن يفتّش،لكان تهييجا له عن الفحص عن ذلك،و فيه جراءة عليه،فربّما امتنع منه و لم يلتفت إليه.(12:257)

الحجازيّ: (بال النّسوة):حالهنّ و أمرهنّ الّذي يشغل البال.(12:73)

رشيد رضا :أي ما حقيقة أمرهنّ معي،فالبال:

الأمر الّذي يهتمّ به و يبحث عنه،فهو يقول:سله عن حالهنّ ليبحث عنه و يعرف حقيقته،فلا أحبّ أن آتيه و أنا متّهم بقضيّة عوقبت عليها أو أعقبها بالسّجن، و طال مكثي فيه و أنا غير مذنب،فأقبل منه العفو.

(12:321)

نحوه المراغيّ.(12:157)

الطّباطبائيّ: البال:هو الأمر الّذي يهتمّ به.

يقول:ما هو الأمر العظيم و الشأن الخطير الّذي أوقعهنّ فيما وقعن فيه،و ليس إلاّ هواهنّ فيه و ولههنّ في حبّه، حتّى أنساهنّ أنفسهنّ،فقطّعن الأيدي مكان الفاكهة تقطيعا.فليفكّر الملك في نفسه أنّ الابتلاء بمثل هذه العاشقات الوالهات عظيم جدّا،و الكفّ عن معاشقتهنّ

ص: 160

و الامتناع من إجابتهنّ بما يردنه-و هنّ يفدينه بالأنفس و الأموال-أعظم،و لم تكن المراودة بالمرّة و المرّتين و لا الإلحاح و الإصرار يوما أو يومين،و لن تتيسّر المقاومة و الاستقامة تجاه ذلك إلاّ لمن صرف اللّه عنه السّوء و الفحشاء ببرهان من عنده.(11:195)

2- فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى. طه:51

مقاتل: إنّه سأله عن أخبارها و أحاديثها،و لم يكن له بذلك علم؛إذ التّوراة إنّما نزلت عليه بعد هلاك فرعون، فقال: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي. (ابن الجوزيّ 5:292)

ابن قتيبة :أي فما حالها؟يقال:أصلح اللّه بالك، أي حالك.(279)

الطّبريّ: فما شأن الأمم الخالية من قبلنا.

(16:173)

نحوه الحجازيّ.(16:50)

النّقّاش: إنّما قال فرعون: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى لمّا سمع مؤمن آله: يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ...

المؤمن:30،31،و ردّ موسى العلم إلى اللّه تعالى،لأنّه لم تأته التّوراة بعد.(ابن عطيّة 4:47)

البغويّ: و معنى البال:الحال،أي ما حال القرون الماضية و الأمم الخالية،مثل قوم نوح و عاد و ثمود فيما تدعونني إليه،فإنّها كانت تعبد الأوثان و تنكر البعث.

(3:264)

نحوه الخازن(4:219)،و الطّبرسيّ(4:13).

الزّمخشريّ: سأله عن حال من تقدّم و خلا من القرون،و عن شقاء من شقي منهم و سعادة من سعد.

فأجابه بأنّ هذا سؤال عن الغيب،و قد استأثر اللّه به لا يعلمه إلاّ هو،و ما أنا إلاّ عبد مثلك لا أعلم منه إلاّ ما أخبرني به علاّم الغيوب،و علم أحوال القرون مكتوب عند اللّه في اللّوح المحفوظ،لا يجوز على اللّه أن يخطئ شيئا أو ينساه.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون فرعون قد نازعه في إحاطة اللّه بكلّ شيء و تبيّنه لكلّ معلوم،فتعنّت و قال:ما تقول في سوالف القرون و تمادى كثرتهم و تباعد أطراف عددهم، كيف أحاط بهم و بأجزائهم و جواهرهم؟

فأجاب بأنّ كلّ كائن محيط به علمه و هو مثبت عنده في كتاب،و لا يجوز عليه الخطأ و النّسيان كما يجوزان عليك أيّها العبد الذّليل و البشر الضّئيل.(2:539)

ابن عطيّة :و قول فرعون: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى يحتمل أن يريد محاجّته بحسب ما تقدّم من القول و مناقضته فيه،فليس يتّجه على هذا أن يريد ما بال القرون الأولى و لم يوجد أمرك عندها،فردّ موسى عليه السّلام علم ذلك إلى اللّه تعالى.

و يحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام الأوّل و الرّجوع إلى سؤال موسى عن حالة من سلف من النّاس روغانا في الحجّة وحيدة،و قال:(البال)الحال،فكأنّه سألهم عن حالهم كما جاء في الحديث:«يهديكم اللّه و يصلح بالكم».(4:47)

ابن الجوزيّ: اختلفوا فيما سأل عنه من حال القرون الأولى،على ثلاثة أقوال:

أحدها:[و هو قول مقاتل]

و قيل:أراد أنّي رسول،و أخبار الأمم علم غيب،

ص: 161

فلا علم لي بالغيب.

و الثّاني:أنّ مراده من السّؤال عنها:لم عبدت الأصنام،و لم لم يعبد اللّه إن كان الحقّ ما وصفت؟

و الثّالث:أنّ مراده:مالها لا تبعث و لا تحاسب و لا تجازى؟فقال:علمها عند اللّه،أي علم أعمالها.

و قيل:الهاء في(علمها)كناية عن القيامة،لأنّه سأله عن بعث الأمم،فأجابه بذلك.(5:291)

نحوه القرطبيّ.(11:205)

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله تعالى: قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى فاعلم أنّ في ارتباط هذا الكلام بما قبله وجوها:

أحدها:أنّ موسى عليه السّلام لمّا قرّر على فرعون أمر المبدإ و المعاد،قال فرعون:إن كان إثبات المبدإ في هذا الحدّ من الظّهور فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى ما أثبتوه و تركوه؟

فكان موسى عليه السّلام لما استدلّ بالدّلالة القاطعة على إثبات الصّانع،قدح فرعون في تلك الدّلالة،بقوله:إن كان الأمر في قوّة هذه الدّلالة-على ما ذكرت-وجب على أهل القرون الماضية أن لا يكونوا غافلين عنها، فعارض الحجّة بالتّقليد.

و ثانيها:أنّ موسى عليه السّلام هدّد بالعذاب أوّلا في قوله:

إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّى طه:48،فقال فرعون: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى، فإنّها كذّبت،ثمّ إنّهم ما عذّبوا؟

و ثالثها،و هو الأظهر:أنّ فرعون لمّا قال: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى طه:49،فذكر موسى دليلا ظاهرا و برهانا باهرا على هذا المطلوب،فقال: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى طه:50،فخاف فرعون أن يزيد في تقرير تلك الحجّة،فيظهر للنّاس صدقه و فساد طريق فرعون،فأراد أن يصرفه عن ذلك الكلام و أن يشغله بالحكايات،فقال: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى؟ فلم يلتفت موسى عليه السّلام إلى ذلك الحديث بل قال: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ طه:52،و لا يتعلّق غرضي بأحوالهم فلا أشتغل بها.

ثمّ عاد إلى تتميم كلامه الأوّل و إيراد الدّلائل الباهرة على الوحدانيّة،فقال: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً طه:53،و هذا الوجه هو المعتمد في صحّة هذا النّظم.(22:66)

أبو حيّان :[قال نحو الزّمخشريّ و ابن الجوزيّ و الفخر الرّازيّ إلاّ أنّه أضاف:]

و قيل:سأله عن أخبارها و أحاديثها ليختبر أ هما نبيّان أو هما من جملة القصّاص الّذين دارسوا قصص الأمم السّالفة،و لم يكن عنده عليه السّلام علم بالتّوراة،إنّما أنزلت عليه بعد هلاك فرعون،فقال: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي طه:52.(6:247)

نحوه الآلوسيّ.(16:203)

أبو السّعود :[ذكر الوجه الثّالث كما في كلام الفخر الرّازيّ ثمّ أضاف:]

و أمّا ما قيل:من أنّه سأله عن حال من خلا من القرون و عن شقاء من شقي منهم و سعادة من سعد، فيأباه قوله تعالى: قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ طه:

52،فإنّ معناه أنّه من الغيوب الّتي لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى،و إنّما أنا عبد لا أعلم منها إلاّ ما علّمنيه من الأمور

ص: 162

المتعلّقة بما أرسلت به،و لو كان المسئول عنه ما ذكر من الشّقاوة و السّعادة لأجيب ببيان أنّ من اتّبع الهدى منهم فقد سلم،و من تولّى فقد عذّب حسبما نطق به قوله تعالى: وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى* إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا... طه:47،48.(4:285)

الطّريحيّ: أي ما حال الأمم الماضية في السّعادة و الشّقاوة.(5:326)

نحوه الكاشانيّ.(3:309)

البروسويّ: و المعنى فما بال القرون الماضية، و ما خبر الأمم الخالية،مثل قوم نوح و عاد و ثمود،و ما ذا جرى عليهم من الحوادث المفصّلة.

قال في الأسئلة المقحمة:«فإن قلت:هذا لا يليق بما تقدّم.قلنا:إنّ موسى كان قد قال له: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ المؤمن:30،أن يلحقكم ما قد لحقهم إن لم تؤمنوا بي،فلهذا سأله فرعون عن حالهم» انتهى.

يقول الفقير:هذا و إن كان مطابقا لمقتضى الفاء إلاّ أنّ الجواب لا يساعده،مع أنّ القائل بالخوف ليس هو موسى بل الّذي آمن.و بعيد أن يحمل الّذي آمن على موسى لعدم مساعدة السّباق و السّياق،فارجع إلى سورة المؤمن.[ثمّ ذكر الوجه الثّالث المتقدّم في كلام الفخر الرّازيّ فراجع](5:395)

الطّباطبائيّ: أي ما حال الأمم و الأجيال الإنسانيّة الماضية الّتي ماتوا و فنوا لا خبر عنهم و لا أثر، كيف يجزون بأعمالهم و لا عامل في الوجود و لا عمل، و ليسوا اليوم إلاّ أحاديث و أساطير؟

فالآية نظيرة ما نقل عن المشركين في قوله:

وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10،و ظاهر الكلام أنّه مبنيّ على الاستبعاد من جهة انتفاء العلم بهم و بأعمالهم للموت و الفوت،كما يشهد به جواب موسى عليه السّلام.(14:169)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر الأقوال من دون إضافة]

(10:16)

بالهم

1- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ. محمّد:2

ابن عبّاس: حالهم و شأنهم و نيّاتهم و عملهم في الدّنيا.(427)

أمرهم.(الطّبريّ 26:39)

مجاهد :شأنهم.(الطّبريّ 26:39)

قتادة :أصلح حالهم.

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 26:39)

الطّبريّ: يقول:و أصلح شأنهم و حالهم في الدّنيا عند أوليائه،و في الآخرة،بأن أورثهم نعيم الأبد و الخلود الدّائم في جنانه.(26:39)

نحوه الطّبرسيّ(5:97)،و الطّريحيّ(5:326).

النّقّاش:أصلح نيّاتهم.(الماورديّ 5:291)

الماورديّ: [ذكر قول مجاهد و قتادة و ابن عبّاس ثمّ قال:]

و الثّلاثة متقاربة و هي متأوّلة على إصلاح ما تعلّق

ص: 163

بدنياهم.

الرّابع:و هو على هذا التّأويل محمول على إصلاح دينهم،و«البال»لا يجمع لأنّه أبهم إخوانه من الشّأن و الحال و الأمر.(5:291)

مثله القرطبيّ.(16:224)

البغويّ: حالهم،قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:عصمهم أيّام حياتهم،يعني أنّ هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتّى لا يعصوا.(4:208)

الزّمخشريّ: أي حالهم و شأنهم بالتّوفيق في أمور الدّين،و بالتّسليط على الدّنيا بما أعطاهم من النّصرة و التّأييد.(3:530)

نحوه البروسويّ.(8:497)

ابن عطيّة :[نقل قول قتادة و مجاهد ثمّ قال:]

و تحرير التّفسير في اللّفظة أنّها بمعنى الفكر،و الموضع الّذي فيه نظر الإنسان و هو القلب،فإذا صلح ذلك صلحت حاله،فكأنّ اللّفظة مشيرة إلى صلاح عقيدتهم و غير ذلك من الحال تابع،فقولك:خطر في بالي كذا، و قولك:أصلح اللّه بالك،المراد بهما واحد،ذكره المبرّد...

(5:109)

نحوه أبو حيّان.(8:73)

الخازن :[قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل: أَصْلَحَ بالَهُمْ يعني قلوبهم،لأنّ القلب إذا صلح صلح سائر الجسد.(6:144)

الآلوسيّ: أي حالهم في الدّين و الدّنيا بالتّوفيق و التّأييد.و تفسير«البال»بالحال مرويّ عن قتادة، و عنه تفسيره بالشّأن و هو الحال أيضا أو ما له خطر، و عليه قول الرّاغب.[ثمّ جاء بقوله و قول أبي حيّان]

(26:38)

مكارم الشّيرازيّ: و يمكن القول بأنّ غفران ذنوبهم نتيجة إيمانهم،و أنّ إصلاح بالهم نتيجة أعمالهم الصّالحة.

إنّ للمؤمنين هدوء فكريّا و اطمئنانا روحيّا من جهة،و توفيقا و نجاحا في برامجهم العلميّة من جهة ثانية، فإنّ لإصلاح البال إطارا واسعا يشمل الجميع،و أيّ نعمة أعظم من أن تكون للإنسان روح هادئة،و قلب مطمئنّ، و برامج مفيدة بنّاءة.(16:294)

2- سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ. محمّد:5

الطّبريّ: و يصلح أمرهم و حالهم في الدّنيا و الآخرة.(26:44)

نحوه الزّجّاج.(5:7)

الطّوسيّ: أي شأنهم أو حالهم،و ليس في ذلك تكرار البال،لأنّ المعنى يختلف،لأنّ المراد بالأوّل أنّه يصلح حالهم في الدّين و الدّنيا،و بالثّاني يصلح حالهم في النّعيم،فالأوّل سبب النّعيم،و الثّاني نفس النّعيم.

(9:292)

نحوه الميبديّ(9:180)،و الطّبرسيّ(5:98).

البغويّ: يرضي خصماءهم و يقبل أعمالهم.

(4:211)

الخازن :و يرضى عن أعمالهم و يقبلها.(6:146)

البروسويّ: أي شأنهم و حالهم بالعصمة و التّوفيق.

و الظّاهر أنّ السّين للتّأكيد،و المعنى:يهديهم اللّه البتّة إلى

ص: 164

مقاصدهم الأخرويّة،و يصلح شأنهم بإرضاء خصمائهم، لكرامتهم على اللّه بالجهاد و الشّهادة.(8:500)

الطّباطبائيّ: قوله: سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ الضّمير ل وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ محمّد:

4،فالآية و ما يتلوها لبيان حالهم بعد الشّهادة،أي سيهديهم اللّه إلى منازل السّعادة و الكرامة،و يصلح حالهم بالمغفرة و العفو عن سيّئاتهم،فيصلحون لدخول الجنّة.

و إذا انضمّت هذه الآية إلى قوله تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ آل عمران:169،ظهر أنّ المراد ب«إصلاح بالهم»:

إحياؤهم حياة يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء.[ثمّ ذكر قول الطّبرسيّ (1)في وجه تكرير قوله:(بالهم)و أضاف:]

و الفرق بين ما ذكره من المعنى و ما قدّمناه،أنّ قوله تعالى: وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ على ما ذكرنا كالعطف التّفسيريّ،لقوله:(سيهديهم)دون ما ذكره،و قوله الآتي: وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ على ما ذكره،كالعطف التّفسيريّ لقوله: وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ دون ما ذكرناه.(18:226)

مكارم الشّيرازيّ: يهبهم هدوء الرّوح، و اطمئنان الخاطر،و النّشاط المعنويّ و الرّوحيّ، و الانسجام مع صفاء ملائكة اللّه و معنويّاتهم؛حيث يجعلهم جلساءهم و ندماءهم في مجالس أنسهم و لذّتهم، و يدعوهم إلى ضيافته في جوار رحمته.(16:302)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان:الأوّل:البول،و هو سائل تفرزه الكليتان عبر الحالبين،فيتجمّع في المثانة،ثمّ تدفعه المثانة بواسطة المجاري البوليّة إلى القضيب ليطرحه في الخارج.و فعله بال يبول بولا،و الجمع:أبوال، و الاسم:البيلة،و رجل بولة:كثير البول،و البوال:داء يصيب الإنسان فيأخذه البول،يقال:أخذه بوال،أي جعل البول يعتريه كثيرا.

و المبولة:كثرة الشّراب،لأنّها توجب كثرة البول و المبولة:كوز يبال فيه،و المبال:الفرج،لأنّه مخرجه.

و أبال الخيل و استبالها:أوقفها للبول،يقال:لنبيلنّ الخيل في عرصاتكم،و في المثل:بال حمار فاستبال أحمرة.

و من المجاز:بال الرّجل بولا شريفا فاخرا،أي ولد له ولد يشبهه،و إنّه لحسن البيلة،أي الولد،و بال الشّحم يبول:ذاب،يقال:شحمة بوّالة،أي أسرع ذوبها.

و أبوال البغال:نطفها،لأنّ بولها كاذب لا يلقح،و كذا يقال للسّراب،لأنّه يتراءى للرّائي ماء في نصف النّهار.

و الثّاني:البال،و هو القلب و الذهن و كلّ ما يقع في النّفس،يقال:ما خطر هذا على بالي،و ما يخطر فلان ببالي،و إنّه لناعم البال و رخيّ البال،أي واسع العيش.

و البال:الاكتراث و الاهتمام،يقال:أمر ذو بال،أي شريف يحتفل له و يهتمّ به،و ما ألقي لقوله بالا:ما أستمع له و لا أكترث،و في الحديث:«كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللّه فهو أبتر».

و منه أيضا:المبالاة،يقال:ما باليت بالشّيء

ص: 165


1- انظر قول الطّوسيّ في النّصّ.

و ما أبالي به مبالاة،أي ما اكترثت له و ما اهتممت به، و باليت فلانا مبالاة:فاخرته.و هو من المقلوب،و أصله:

بايلت أبايل مبايلة،فقدّم اللاّم على الواو،مثل:قاع فلان يقوع قوعا،وقعا يقعى قعا،أي خنس و نكص.

2-و قد ربط المصطفويّ بين«البال»و«البلو»و أنّهما يحملان معنى التّحوّل و القلب،و أنّ«البول»يسمّى به لتحوّل الإنسان به من حالة الحصر و الشّدّة إلى حالة الرّاحة،و بذلك ربط بين المعنيين المذكورين لهذه المادّة، و هو تكلّف ظاهر.

3-و البال:الحوت العظيم،و هو لفظ فارسيّ،أخذ من اللّفظ اليونانيّ«فالائينا»،و يضارعه لفظا و معنى «وال»في الألمانيّة و الإنجليزيّة.

و البالة:وعاء الطّيب أو الجراب الصّغير،و الرّائحة و الشّمّة،و سمكة طويلة.قيل:أصله فارسيّ،و يعني حوت العنبر،و قيل:هنديّ،و يعني رائحة طيّبة.

و البالة:عصا في أحد طرفيها حديدة مدبّبة تستعمل في صيد السّمك،يقال:قد أمكنك الصّيد فألق البالة.

و يسمّيها صيّاد و السّمك اليوم في جنوب العراق و وسطه «فالة»،بإبدال الباء فاء،ممّا ينبئ عن كون بائها تلفظ بإشباع بين الباء و الفاء،أي حرف«پ»الفارسيّ.و هذا الأمر-أي قلب«الباء»المشبعة فاء-مطّرد في الألفاظ المعرّبة،مثل:فردوس و فارس،و هما في الفارسيّة «پرديس»و«پارس»بباء مشبع.و على هذا فأصل اللّفظ فارسيّ.

الاستعمال القرآنيّ

لم يأت من هذه المادّة في القرآن سوى«بال»أربع مرّات:مضافا إلى الاسم مرّتين،و إلى الضّمير مرّتين أيضا:

1- وَ قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يوسف:50

2- قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى طه:51

3- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ محمّد:2

4- وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ* وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ محمّد:4،5

يلاحظ أوّلا:أنّ«البال»-كما سبق في النّصوص و في الأصول اللّغويّة-ما يشغل القلب من الهموم و الأمانيّ و الأهواء و الأحوال الفاسدة أو الصّالحة الّتي يهتمّ بها الإنسان،و بهذا المعنى جاء في الآيات.

ثانيا:يقول يوسف في(1)-و هو في السّجن- للرّسول الّذي جاءه من قبل الملك ليأخذه إليه: اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ (أي الملك) فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ...، و فيها مواضع للسّؤال:

1-لم لم يأت يوسف الملك فورا،و قد بقي في السّجن سبع سنين،بل تمهّل و كلّف الرّسول بما كلّف؟يخطر بالبال أنّه أراد أن يطّلع الملك على حقيقة الحال قبل حضوره لديه،و أنّه لم يكن خاطئا،بل الخاطئ امرأته و النّسوة

ص: 166

اللاّتي دعتهنّ إلى بيتها،ليحكم الملك ببراءته قبل حضوره،و قد فعل.

2-لقد بذلت امرأة العزيز جهودا لإخضاع يوسف لمطامعها،و كانت دعوة النّساء إلى بيتها واحدا منها،فلم لم يذكر يوسف شيئا من ذلك،و اكتفى بقطع النّساء أيديهنّ؟

و خير ما قيل فيه ما ذكره الطّباطبائيّ: «ليتفكّر الملك أنّ الابتلاء بمثل هذه العاشقات الوالهات اللاّتي قطّعن الأيدي مكان الفاكهة،عظيم جدّا...».و نضيف إليه قولنا:يبدو أنّها كانت أشدّ المواقف ليوسف؛حيث أبصر شدّة ولههنّ إليه،فأمسك عن تلبية رغباتهنّ،و كان أمرا صعبا عليه و جهدا بليغا منه.

3-لم عدّ يوسف قطع أيديهنّ كيدا منهنّ،مع أنّه صدر عنهنّ بلا إرادة و قصد؟و الإجابة عليه بوجهين:

الأوّل:أنّ امرأة العزيز أعدّت العدّة لهذه المواجهة كيدا ليوسف،و كانت النّسوة آلات كيد لها.فكنّ شريكات في ذلك.

الثّاني:أنّ هذه المواجهة كانت مؤامرة،حاكت خيوطها امرأة الملك و النّسوة،فكان قطع أيديهنّ تصنّعا منهنّ لإلقاء يوسف في حبائل الهوى.و ليس سهوا و و لها منهنّ.

ثالثا:سأل فرعون موسى في(2):فما بال القرون الاولى؟و ذلك بعد أن حاجّه موسى في ربّه و أفحمه.و قد طرح نفس هذا السّؤال في التّفاسير:ما سرّ هذا السّؤال؟ و ما علاقته بما سبقه من احتجاج موسى عليه؟و الجواب عليه بوجوه:

1-إنّ موسى كان يدعوه إلى اللّه العالم بكلّ شيء، و أنّه مبعوث من قبله،فأراد فرعون أن يناقشه و يقول له:لو كنت صادقا في ذلك فأنت تعلم حال الأمم السّابقة،لأنّ ربّك أخبرك بها؟فهذا السّؤال تتميم للحجاج في الرّبّ.فأجابه موسى بأنّ ذلك كلّه يعلمه اللّه،و لست عالما بحال الأمم،لأنّ التّوراة لم تنزل حينذاك،بل نزلت بعده بسنين.

2-إنّما سأله فرعون عن ذلك لمّا سمع مؤمنا من آله يقول للنّاس: يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ... المؤمن:

30 و 31،فلمّا واجه موسى سأله عن هؤلاء الأقوام الّذين ذكرهم هذا الرّجل ممّن آمن بموسى ليعرف حالهم، أو ليحتجّ على موسى بأنّ هؤلاء كانوا عبدة أصنام منكرين للبعث و النّبوءات،و أنا أدعو النّاس إلى عبادتي، و أنا خير من الأصنام.أو لم عبدوا الأصنام و لم يعبدوا اللّه،لو كنت صادقا في دعواك و كنت على حقّ؟فأجابه موسى:بأنّ علمها عند ربّي،و عليه فهذا من تتمّة الحجاج أيضا.

3-إنّ موسى هدّده بالعذاب في قوله: إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّى طه:

48،فقال فرعون:فما بالهم لم يعذّبوا جميعا؟فهو من تتمّة الحجاج أيضا.

4-إنّ موسى لمّا ذكر دليلا ظاهرا و برهانا باهرا على وجود الخالق الّذي أعطى كلّ شيء خلقه،خاف فرعون أن يزيد في تقرير الحجّة فيظهر للنّاس صدقه،فصرفه عن ذلك،و شغله بأخبار الأمم السّالفة،إلاّ أنّ موسى لم

ص: 167

يغفل عن ذلك،بل قال: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ طه:52،مزيدا في الحجاج بشأن الرّبّ.

5-إنّ موسى لمّا أخبر عن عذاب الأقوام،قال فرعون:إنّهم اليوم ليسوا إلاّ أحاديث،و لا يعلم حالهم، فكيف يعذّبهم؟

فأجاب موسى بأنّ حالهم معلوم للّه تعالى،مثبت في كتاب عنده،فيجزيهم حسب أعمالهم،و يؤيّده ذكر «الكتاب»الّذي فيه الأعمال.

و على كلّ حال،فأكثر هذه الوجوه-إن لم نقل:كلّها -لها ارتباط و اتّصال بما تقدّمها من احتجاج موسى على وجود الرّبّ سبحانه.

رابعا:جاء في الآيتين(3)و(4)إصلاح بال المؤمنين مرّتين؛ففي الأولى قارن اللّه المؤمنين بالكافرين،فقال في الكافرين: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، و في المؤمنين: كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ*وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ.

و في الثّانية قال في شأن المستشهدين في سبيل اللّه:

وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ* وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ، و في الآيتين مواضع تلفت النّظر و تثير السّؤال:

1-جاء في الأولى إضلال أعمال الكافرين مقابل إصلاح بال المؤمنين،فركّز في جانب الكفّار إضلال أعمالهم،و في جانب المؤمنين إصلاح بالهم.و يبدو أنّ المقارنة بينهما تكشف عمّا أضمر في كلّ منهما،ففي الكفّار أضمر فساد بالهم كعلّة لضلال أعمالهم،و في المؤمنين أضمر صلاح أعمالهم كنتيجة لإصلاح بالهم،أي أنّهم لمّا أصلح بالهم فسيتبعه حتما صلاح أعمالهم.و الحاصل هو تتابع أعمال كلّ فريق لأحوال بالهم،كما قال تعالى:

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ الإسراء:84.

2-و جاء في جانب الكفّار الّذين صدّوا عن سبيل اللّه أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، فنسب الصّدّ إليهم و الإضلال إلى اللّه،مجازاة لصدّهم.فليس هذا الإضلال جبرا و لا ظلما كما فهمته الأشاعرة،فجزاء السّيّئ بالسّيّئ عدل: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:

40،و كذلك نسبة إصلاح بالهم إلى اللّه جزاء لهم و رحمة عليهم.و مثلها كلّ ما يشعر بالجبر في القرآن من آيات الهداية و الضّلالة،كقوله: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ البقرة:26.

3-و كذلك إضلال أعمالهم يناسب صدّهم عن سبيل اللّه،فإنّ السّبيل إذا صدّ عنه ضلّ السّالك فيه،فعمله عمل ضالّ.و جاء في جانب المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أَصْلَحَ بالَهُمْ، فصلاح الأعمال ينشأ من صلاح البال،كما كان ضلال الأعمال ناشئا من الصّدّ عن السّبيل.

4-قدّم في(3)الكافرين على المؤمنين تقديما للإنذار على التّبشير،كما جاء عكسه في القرآن كثيرا،حسب مقتضى الأحوال[لاحظ«ب ش ر»]

5-وصف الّذين كفروا بأنّهم صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ، و وصف الّذين آمنوا بأنّهم عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ. و هذا التّقابل نوع من المحسّنات أيضا،فيفيد عدم اتّصاف كلّ من الفريقين بما اتّصف به الآخر.فالكفّار لم يتّصفوا بعمل الصّالحات،و لم يؤمنوا بما نزّل على محمّد،كما أنّ المؤمنين لم يتّصفوا بالصّدّ

ص: 168

عن سبيل اللّه.و منه يستشفّ أنّ الصّدّ عن سبيل اللّه يضادّ الإيمان باللّه و بالرّسول.

6-جاء التّعبير ب سَبِيلِ اللّهِ في جانب الكفّار، و ب وَ هُوَ الْحَقُّ في جانب المؤمنين،و هما شيء واحد، فإنّ سبيل اللّه هو الحقّ،و هذا أيضا فرع آخر من المحسّنات،فيفيد أنّ الكفّار حينما صدّوا عن سبيل اللّه صدّوا عن الحقّ،و المؤمنين حينما آمنوا بالحقّ نهجوا سبيل اللّه،و هذا ما عبّر عنه في آية تلتهما كبيان لهما بالحقّ و الباطل،فقال: ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ... و بالمقابلة بينهما يعرف أنّ الباطل ليس من ربّهم،بل من الشّيطان لا محالة.

7-زاد في جانب المؤمنين-كتمهيد أو نتيجة لإصلاح أعمالهم- كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ، فإنّ اللّه إذا أراد بعباده خيرا يكفّر سيّئاتهم ليستعدّوا لإصلاح بالهم، أو يصلح بالهم ليغفر ذنوبهم.

8-قال في(4): وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، فجمع بين«السّبيل»و«الإضلال» أيضا مثل(1)،و لكنّ الأمر في(4)عكس ما في(1)، فهناك أثبت«الإضلال»لمن صدّ النّاس عن«السّبيل»، و هنا نفى«الإضلال»عمّن استشهد(فى سبيل اللّه)ليبقى مفتوحا أمام النّاس،و بينهما بون بعيد،و وقف الفريقان موقفين متضادّين جدّا،هكذا يبيّن اللّه آياته.

9-قال في المستشهدين: سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ* وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ، و هؤلاء يشاركون غيرهم من المؤمنين الّذين ذكروا في(3) بأمرين:إصلاح بالهم،و عدم إضلال أعمالهم،و فاقوهم بأمرين:هدايتهم و إدخالهم الجنّة الّتي عرّفها لهم، و الأمران مفهومان في(3)إيماء،و في(4)تصريحا.

كما أنّ تكفير السّيّئات في جانب المؤمنين حذف في جانب المستشهدين لكونه مفروغا منه،فإنّ الشّهيد في المعركة يغفر ذنوبه بأوّل قطرة دم وقعت منه على الأرض كما جاء في الحديث،فليس هذا تفوّقا لسائر المؤمنين على المستشهد و لعلّ في حذفه منهم إشعارا بذلك.

و المراد بالهداية هنا:إمّا الهداية الباطنيّة الّتي تجاري إصلاح البال،أو الهداية إلى السّبيل الّذي يجاري دخول الجنّة.

10-و تلك عشرة كاملة-زاد في وصف الجنّة المستشهدين عَرَّفَها لَهُمْ، أي أنّهم حين استشهدوا شاهدوا الجنّة قبل دخولها؛إذ عرّفها لهم اللّه،و شاهد بعض المقرّبين الجنّة في ساحة المعركة،أو في طريقهم إليها قبل حضورها و قبل استشهادهم فيها،كما ترمز إليه بعض الآيات و الرّوايات.و هذه مزيّة للشّهداء لا يشاركهم فيها أحد مهما بلغوا من مراتب القرب شاهدة على أنّهم استشهدوا عن بصيرة فائقة و ليس عن غفلة و غيلة،كما يتوهّم ضعفاء الإيمان،و تفوّه به المنافقون كلاّ.

[لاحظ«ش ه د»]

ص: 169

ص: 170

ب ي ت

اشارة

20 لفظا،73 مرّة:29 مكّيّة،44 مدنيّة

في 29 سورة:18 مكّيّة،11 مدنيّة

يبيتون 1:1 بيوتا 9:6-3

بيت 5:4-1 بيوتهم 4:3-1

البيت 14:4-10 بيوتهنّ 1:-1

بيتا 2:1-1 بيوتكم 6:2-4

بيته 1:-1 بيوتكنّ 2:-2

بيتها 1:1 بيوتنا 1:-1

بيتك 2:1-1 بياتا 3:3

بيتي 3:1-2 بيّت 1:-1

بيوت 10:-10 يبيّتون 2:-2

البيوت 4:1-3 لنبيّتنّه 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البيت:من بيوت النّاس،و بيت:من أبيات الشّعر.

و بيوتات العرب:أحياؤها.

و بيّتّ بيتا،أي بنيته.

و بيّت بنو فلان قولهم،أي قدّروه و أصلحوه،شبّه بتقدير أبيات الشّعر.

و بيّتوا هذا العمل،بياتا،أي عملوه ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيتوتة:دخولك في اللّيل،تقول:بتّ أصنع كذا، إذا كان باللّيل،و بالنّهار ظللت.

و من فسّر«بات»على النّوم فقد أخطأ،أ لا ترى أنّك تقول:بتّ أراعي النّجوم،معناه بتّ أنظر إليها، فكيف نام و هو ينظر إليها؟!

و تقول:أباتهم اللّه إباتة حسنة،فباتوا بيتوتة صالحة.

و أتاهم الأمر بياتا،أي أتاهم في جوف اللّيل.و بات يصلّي.

و المبيت:يجمع كلّ المعاني.(8:138)

الفرّاء:بات الرّجل،إذا سهر اللّيل كلّه،في طاعة

ص: 171

أو معصية.(الأزهريّ 14:333)

هو جاري بيت،بيت و بيتا لبيت،و بيت لبيت.

و بيت الرّجل:داره،و بيته:قصره.

(الأزهريّ 14:335)

و جمع البيت:أبياوات،و هذا نادر،و تصغيره:بييت و بييت،بكسر أوّله،و العامّة تقول:بويت.و كذلك القول في تصغير شيخ،و عير،و شيء و أشباهها.

(ابن منظور 2:14)

الأصمعيّ: العرب تكني عن المرأة:بالبيت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخباء:بيت صغير من صوف أو شعر،فإذا كان أكبر من الخباء فهو بيت،ثمّ مظلّة إذا كبرت عن البيت، و هي تسمّى:بيتا أيضا إذا كان ضخما مروّقا.

(الأزهريّ 14:335)

أبو عبيد: و بتّ القوم،و بتّ بهم:بتّ عندهم.

(ابن سيدة 9:526)

ابن الأعرابيّ: يقال للفقير:المستبيت،و فلان لا يستبيت ليلة،أي ليس له بيت ليلة من القوت.

(الأزهريّ 14:334)

العرب تقول:أبيت و أبات،و أصيد و أصاد،و يموت و يمات و يدوم و يدام،و أعيف و أعاف،و أخيل الغيث بناحيتكم،و أخال لغة،و أزيل،أقول ذلك يريدون:

أزال.

و من كلام بني أسد:ما يليق بكم الخير و لا يعيق، اتباع.

بات الرّجل يبيت بيتا،إذا تزوّج.و بيت العرب:

شرفها،و الجميع:البيوت،ثمّ يجمع بيوتات جمع الجمع.

و يقال:بيت تميم في بني حنظلة،أي شرفها.

(الأزهريّ 14:334)

ابن قتيبة :إنّه[النّبيّ]قال لأبي ذرّ:كيف نصنع إذا مات النّاس حتّى يكون البيت بالوصيف؟

لم يرد ب«البيت»مساكن النّاس،لأنّها عند فشوّ الموت ترخص،و إنّما أراد بالبيت:القبر،و ذلك أنّ مواضع القبور تضيق عليهم،فيبتاعون كلّ قبر بوصيف، و لهذا ذهب حمّاد في تأويله.(الأزهريّ 14:334)

ابن أبي اليمان :و البيت:قوت ليلة،يقال:

ما عنده بيت ليلة و بيتة ليلة.(215)

كراع النّمل:و البيت:التّزويج.

(ابن سيدة 9:526)

الزّجّاج :كلّ من أدركه اللّيل فقد بات،نام أو لم ينم،و في التّنزيل: وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً الفرقان:64.(ابن سيدة 9:526)

ابن كيسان :«بات»يجوز أن يجري مجرى«نام»، و أن يجري مجرى«كان»قاله في باب كان و أخواتها:

ما زال و ما انفكّ و ما فتئ و ما برح.(الأزهريّ 14:334)

ابن دريد :البيت:معروف،و بيّتّ الأمر تبييتا،إذا عملته باللّيل.و كلّ كلام لخّصته أو رأي أجلته باللّيل فهو مبيّت.

و ماء بيّوت،إذا بات ليلة في إنائه.

و بيّت القوم،إذا أوقعت بهم ليلا،و المصدر:

التّبييت،و الاسم:البيات،و في التّنزيل: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ الأعراف:97.

ص: 172

و المبيت:الموضع الّذي يبات فيه.و سمّي البيت من الشّعر لضمّه الحروف و الكلام كما يضمّ البيت أهله.

و قد سمّى اللّه عزّ و جلّ بيت العنكبوت بيتا،و ذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ العنكبوت:41.

و البيت من بيوتات العرب:الّذي يجمع شرف القبيلة كآل حصن الفزاريّين و آل ذي الجدّين الشّيبانيّين،و آل عبد المدان الحارثيّين.و كان ابن الكلبيّ يزعم أنّ هذه البيوت أعلى بيوت العرب.(1:199)

و البيت:معروف،و الجمع:بيوت و أبيات.

و بيوتات العرب الواحد:بيت،و تصغير أبيات:

أبيّات.

و أبيات الشّعر و بيوته.

و بيّت القوم الكلام تبييتا،إذا زوّروه و أصلحوه بليل.

و ماء بيّوت،إذا بات ليلته،و لا يقال:بيوتيّ و إن كانت العامّة قد أولعت به،و هو خطأ.

و بيّتّ القوم تبييتا و بياتا،إذا طرقتهم ليلا.

و المبيت و المبات:الموضع الّذي يبات فيه.

و بات فلان بيتة حسنة.(3:199)

الأزهريّ: و منه قول جبريل للنّبيّ عليهما الصّلاة و السّلام:«بشّر خديجة ببيت من قصب»أراد بشّرها بقصر من لؤلؤة مجوّفة.

و سمعت أعرابيّا يقول:اسقني من بيّوت السّقاء،أي من لبن حلب ليلا و حقن في السّقاء حتّى برد فيه ليلا، و كذلك الماء إذا برّد في المزادة ليلا:بيّوت.

و يقال:بيّت فلان بني فلان،أي أتاهم بياتا فكبسهم،و هم غارّون.

و قال العبّاس يمدح النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

حتّى احتوى بيتك المهيمن من

خندف علياء تحتها النّطق

أراد ببيته:شرفه العالي،جعل في أعلى خندف بيتا.

و البيت:من أبيات الشّعر سمّي بيتا،لأنّه كلام جمع منظوما فصار كبيت جمع من شقق و كفاء و رواق و عمد.

و سمّى اللّه جلّ و عزّ الكعبة:البيت الحرام.

و قال نوح حين دعا ربّه: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً نوح:28،فسمّى سفينته الّتي ركبها أيّام الطّوفان:بيتا.

و يقال:بنى فلان على امرأته بيتا،إذا أعرس بها و أدخلها بيتا مضروبا،و قد نقل إليه ما يحتاجان إليه من آلة و فراش و غيره.(14:336)

الصّاحب:بيت اللّه:الكعبة.[ثمّ قال نحو الخليل و الأصمعيّ و أضاف:]

و البيت:الفرش.

و لبن و ماء بيّوت،إذا مضى عليه ليل فبرد و صفا.

و حوض بيّوت:ملئ بالأمس.

و بيّوت الهمّ:الّذي بات في الصّدر.

و سنّ بيّوتة:لا تسقط.

و تبيّتّه عن كذا،أي احتبسته فأبتّه عندي.

و يقولون:بيّتك اللّه في عافية،و لا يقولون:أباتك.

و أبتات يبتات:بمعنى بيّت.

ص: 173

و بيّت فلان قول فلان،أي غيّره.

و سمّي بيت الشّعر بيتا،لأنّه مقدّر بوزن معلوم.

و بيّت:قدّر،من قوله عزّ و جلّ: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108.

و التّبييت في النّخل:أن يشذّ بها من شوكها و سعفها.

(9:473)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كان لا يبيّت مالا و لا يقيّله».

قوله:«لا يبيّت مالا»معناه أنّ مال الصّدقة إذا وافاه مساء لم يمسكه عنده إلى اللّيل،لكنّه يفرّقه في أهله،و إذا جاءه صباحا لم يمسكه إلى وقت القائلة،و هي قبيل الظّهر إلى أن ينتصف النّهار.(1:532)

الجوهريّ: البيت:معروف،و الجمع:بيوت و أبيات،و أباييت عن سيبويه،مثل أقوال و أقاويل.

و تصغيره:بييت،و بييت أيضا،بكسر أوّله.و العامّة تقول:بويت.و كذلك القول في تصغير شيخ و عير و شيء و أشباهها.

و البيت أيضا:عيال الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان جاري بيت بيت،أي ملاصقا،بنيا على الفتح لأنّهما اسمان جعلا واحدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و البائت:الغابّ،يقال:خبر بائت،و كذلك البيّوت.

و البيّوت أيضا:الأمر يبيت عليه صاحبه مهتمّا به.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بات يبيت و يبات بيتوتة.تقول:أباتك اللّه بخير.

و بات يفعل كذا،إذا فعله ليلا،كما يقال:ظلّ يفعل كذا،إذا فعله نهارا.

و بيّت العدوّ،أي أوقع بهم ليلا،و الاسم:البيات.

و بيّت أمرا،أي دبّره ليلا،و منه قوله تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108.(1:244)

ابن فارس :الباء و الياء و التّاء أصل واحد،و هو المأوى و المآب،و مجمع الشّمل.يقال:بيت و بيوت و أبيات.و منه يقال لبيت الشّعر:بيت،على التّشبيه، لأنّه مجمع الألفاظ و الحروف و المعاني،على شرط مخصوص،و هو الوزن.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيت:عيال الرّجل و الّذين يبيت عندهم.

و يقال:ما لفلان بيتة ليلة،أي ما يبيت عليه من طعام و غيره.

و بيّت الأمر،إذا دبّره ليلا.قال اللّه تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108،أي حين يجتمعون في بيوتهم.غير أنّ ذلك يخصّ باللّيل.النّهار:

يظلّ كذا.

و البيّوت:الماء الّذي يبيت ليلا.و البيّوت:الأمر يبيّت عليه صاحبه مهتمّا به.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيات و التّبييت:أن تأتي العدوّ ليلا،كأنّك أخذته في بيته.(1:324)

ابن سيدة :البيت من الشّعر:ما زاد على طريقة واحدة،و هو مذكّر،يقع على الصّغير و الكبير،و قد يقال للمبنيّ من غير الأبنية الّتي هي الأخبية:بيت.

و جمع البيت:أبيات،و أباييت،و بيوت،و بيوتات، و حكى أبو عليّ عن الفرّاء:أبياوات،و هذا نادر.

و بيّت البيت:بنيته.

ص: 174

و البيت من الشّعر مشتقّ من بيت الخباء،و هو يقع على الصّغير و الكبير،كالرّجز و الطّويل،و ذلك لأنّه يضمّ الكلام،كما يضمّ البيت أهله،و لذلك سمّوا مقطّعاته أسبابا و أوتادا على التّشبيه لها بأسباب البيوت و أوتادها،و الجمع:أبيات.و حكى سيبويه في جمعه:

بيوت،فتبعه ابن جنّيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيت اللّه:الكعبة.قال الفارسيّ:و ذلك كما قيل للخليفة:عبد اللّه.و الجنّة:دار السّلام.

و البيت:القبر،أراه على التّشبيه.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و فلان بيت قومه:أي شريفهم،عن أبي العميثل الأعرابيّ.

و بيت الرّجل:امرأته.[ثمّ استشهد بشعر]

و مرأة متبيّتة:أصابت بيتا و بعلا.

و هو جاري بيت بيت.قال سيبويه:من العرب من يبنيه كخمسة عشر،و منهم من يضيفه إلاّ في حدّ الحال.

و بات يفعل كذا و كذا يبيت و يبات بيتا،و بياتا، و مبيتا،و بيتوتة:أي يفعله ليلا،و ليس من النّوم.

و الاسم من كلّ ذلك:البيتة.

و أباته اللّه أحسن بيتة،أي:إباتة،لكنّه أراد به الضّرب من المبيت،فبناه على فعلة،كما قالوا:قتله شرّ قتلة،و بئست الميتة،إنّما أرادوا الضّرب الّذي أصابه من القتل و الموت.

و بيّت الأمر:عمله ليلا،أو دبّره ليلا،و في التّنزيل:

بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ النّساء:81، و فيه: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108.

و بيّت القوم:أوقع بهم ليلا،و الاسم البيات.

و ماء بيّوت:بات فبرد.[ثمّ استشهد بشعر]

و المبيت:الموضع الّذي يبات فيه.

و ما له بيت ليلة.و بيتها:أي قيتتها.

و البيتة:حال المبيت.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:524)

البيت:القصر،و المسكن،و الحجرة،و البيت من الشّعر و المدر:معروف،ثمّ استعمل فيما سوى ذلك.(الإفصاح 1:554)

البيت:الخباء الضّخم،و هو ما يكون على أربعة أعمدة أو أكثر.(الإفصاح 1:558)

البيت:الكعبة،و بيت اللّه:المسجد،و بيت اللّه الحرام:

المسجد الحرام بمكّة.(الإفصاح 2:1270)

الرّاغب: أصل البيت:مأوى الإنسان باللّيل،لأنّه يقال:بات:أقام باللّيل،كما يقال:ظلّ بالنّهار،ثمّ قد يقال للمسكن:بيت من غير اعتبار اللّيل فيه،و جمعه:

أبيات و بيوت.

لكن«البيوت»بالمسكن أخصّ،و«الأبيات» بالشّعر.

و يقع ذلك على المتّخذ من حجر و مدر و صوف و وبر.و به شبّه بيت الشّعر،و عبّر عن مكان الشّيء بأنّه بيته،و صار«أهل البيت»متعارفا في آل النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام.و نبّه النّبيّ بقوله:«سلمان منّا أهل البيت»أنّ مولى القوم يصحّ نسبته إليهم،كما قال:«مولى القوم منهم و ابنه من أنفسهم».

و بيت اللّه و البيت العتيق:مكّة.[ثمّ ذكر جملة من

ص: 175

الآيات و فسّرها،لاحظ النّصوص التّفسيريّة](64)

الحريريّ: و بات يفعل كذا،إذا فعله ليلا.(13)

و من ذلك توهّمهم أنّ بات فلان،أي نام،و ليس هو كذاك (1)بل معنى بات:أظلّه المبيت و أجنّه اللّيل،سواء نام أو لم ينم،يدلّ عليه قوله تعالى: يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً الفرقان:64.[ثمّ استشهد بشعر](196)

الزّمخشريّ: ما له بيت ليلة و بيتة ليلة.و فلان لا يستبيت،أي لا يملك البيتة.و تبيّتّ الطّعام.أكلته عند المضجع،و شرّ الطّعام المتبيّت.و بيّته العدوّ،و من عادته البيات.و بيّت الأمر:دبّره ليلا إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108،و هذا أمر قد بيّت بليل.و خفت بيّوت أمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و بتّ عنده في مبيت صدق.و بيتوتة طيّبة.و أباتك اللّه إباتة حسنة.و بيّتك اللّه في عافية.و فلان من أهل البيوتات،و هو من بيت كريم.و قلت:أبياتا من الشّعر و بيوتا،و لي في هذا المعنى أبيّات.و كم من أبابيت ملاح للعرب.

و من المجاز:قال بدويّ لآخر:هل لك بيت،أي امرأة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بات فلان،إذا تزوّج،و بنى فلان عليه بيتا،إذا أعرس.و تزوّجت فلانة على بيت،أي على فرش يكفي البيت.(أساس البلاغة:34)

«لا صيام لمن لم يبيّت الصّيام من اللّيل»و روي «يبتّ»،أي لم يقطعه على نفسه بالنّيّة.(الفائق 1:72)

عائشة: تزوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على بيت قيمته خمسون درهما،و روي:«على بتّ».

البيت:فرش البيت،و هو معروف عندهم،يقولون:

تزوّج فلان امرأة على بيت.

البتّ:الكساء،و قيل:الطّيلسان من خزّ.

(الفائق 1:142)

ابن الأثير :و فيه:«لا صيام لمن لم يبيّت الصّيام»، أي ينويه من اللّيل،يقال:بيّت فلان رأيه،إذا فكّر فيه و خمّره.و كلّ ما فكّر فيه و دبّر بليل فقد بيّت.

و منه الحديث:«هذا أمر بيّت بليل».

و الحديث الآخر:«أنّه سئل عن أهل الدّار يبيّتون» أي يصابون ليلا.

و تبييت العدوّ:هو أن يقصد في اللّيل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتة،و هو البيات.

و منه الحديث:«إذا بيّتّم فقولوا:حم لا ينصرون» و قد تكرّر في الحديث.

و كلّ من أدركه اللّيل فقد بات يبيت،نام أو لم ينم.

(1:170)

الصّغانيّ: [بعد ذكر جملة ممّا تقدّم قال:]

و تبيّته عن حاجته:حبسه عنها.

و ابتات،أي بيّت.

و التّبييت في النّخل:أن تشذّ بها من شوكها و سعفها.

(1:304)

الفيّوميّ: بات يبيت بيتوتة و مبيتا و مباتا فهو بائت،و تأتي نادرا بمعنى نام ليلا.و في الأعمّ الأغلب بمعنى فعل ذلك الفعل باللّيل،كما اختصّ الفعل في«ظلّ» بالنّهار.».

ص: 176


1- كذا،و الظّاهر،«كذلك».

فإذا قلت:بات يفعل كذا،فمعناه فعله باللّيل، و لا يكون إلاّ مع سهر اللّيل؛و عليه قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً الفرقان:64.

[ثمّ أيّده بقول الفرّاء و الخليل المتقدّمين و أضاف:]

و قال ابن القطّاع:بات يفعل كذا،إذا فعله ليلا، و لا يقال:بمعنى نام.

و قد تأتي بمعنى«صار»يقال:بات بموضع كذا،أي صار به،سواء كان في ليل أو نهار؛و عليه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«فإنّه لا يدري أين باتت يده»و المعنى صارت و وصلت.و على هذا المعنى قول الفقهاء:بات عند امرأته ليلة،أي صار عندها،سواء حصل معه نوم أم لا؟

و بات يبات من باب«تعب»لغة:و البيت:المسكن، و بيت الشّعر:معروف.

و بيت الشّعر:ما يشتمل على أجزاء معلومة، و تسمّى أجزاء التّفعيل،سمّي بذلك على الاستعارة بضمّ الأجزاء بعضها إلى بعض على نوع خاصّ،كما تضمّ أجزاء البيت في عمارته على نوع خاصّ،و الجمع:بيوت و أبيات.

و بيت العرب:شرفها،يقال:بيت تميم في حنظلة، أي شرفها.

و البيات بالفتح:الإغارة ليلا،و هو اسم من بيّته تبييتا،و بيّت الأمر:دبّره ليلا،و بيّت النّيّة،إذا عزم عليها ليلا،فهي مبيّتة بالفتح اسم مفعول.(1:68)

الفيروزآباديّ: البيت من الشّعر و المدر:معروف، جمعه:أبيات و بيوت،جمع جمعه:أباييت و بيوتات و أبياوات،و تصغيره:بييت و بييت،و لا تقل:بويت.

و الشّرف،و الشّريف،و التّزويج،و القصر،و عيال الرّجل،و الكعبة،و القبر،و فرش البيت،و بيت الشّاعر.

و البيّوت كخرّوب،الماء البارد،و الغابّ من الخبز كالبائت،و الأمر يبيت له صاحبه مهتمّا.

و بات يفعل كذا يبيت و يبات بيتا و بياتا و مبيتا و بيتوتة،أي يفعله ليلا،و ليس من النّوم.

و من أدركه اللّيل فقد بات،و قد بتّ القوم و بهم و عندهم،و أباته اللّه أحسن بيتة بالكسر،أي إباتة.

و بيّت الأمر:دبّره ليلا،و النّخل:شذّ بها،و العدوّ:

أوقع بهم ليلا.

و البيتة بالكسر:القوت كالبيت.

و المستبيت:الفقير.

و امرأة متبيّتة:أصابت بيتا و بعلا.

و تبيّته عن حاجته:حبسه عنها.

و لا يستبيت ليلة،أي ما له بيت ليلة.

و سنّ بيّوتة،أي لا تسقط.

و بيات كسحاب:قرية،و كورة قرب واسط.

(1:149)

الطّريحيّ: و في الحديث:«لا يأمن البيات من عمل السّيّئات»،البيات:الأخذ بالمعاصي.[ثمّ ذكر حديث«لا صيام لمن لا يبيّت»ثمّ قال:]

و في الحديث:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر»أي لا ينامنّ.

و البيت من الشّعر و غيره،يسمّى به،لأنّه يبات فيه،و الجمع:بيوت و أبيات.

ص: 177

و في حديث الزّكاة:«و لا أفلح من ضيّع عشرين بيتا من ذهب بخمسة و عشرين درهما.قلت:ما معنى خمسة و عشرين درهما؟قال:من منع من الزّكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي»و المراد بالخمسة و العشرين درهما الّتي أوجبها اللّه عزّ و جلّ في الألف؛حيث جعل في الزّكاة في كلّ ألف خمسة و عشرين درهما.

و المبيت:أحد الحيطان السّبعة الموقوفة على فاطمة.

و المبيت:الّذي أعطاه النّبيّ لسلمان،فكاتب عليه و خلّص رقبته من مولاه الكافر.

و البائت:الغابّ،و منه«لحم بائت».(2:194)

محمّد إسماعيل إبراهيم: [ذكر نحو ما تقدّم عن اللّغويّين](1:84)

محمود شيت: [ذكر نحو اللّغويّين و أضاف:]

1-أ-بيّت الجيش الأعداء:أوقع بهم ليلا.و بيّت الهجوم:أعدّ خطّته و دبّرها للهجوم ليلا.

ب-مبيّت:يقال:الهجوم المبيّت:الهجوم المدبّر ليلا.الدّفاع المبيّت:الدّفاع المدبّر ليلا.الانسحاب المبيّت:الانسحاب حسب خطّة مرسومة ليلا.التّقدّم المبيّت:التّقدّم حسب خطّة موضوعة مدبّرة ليلا.

(1:101)

العدنانيّ: «أبيات و بيوت».

و يخطّئون من يجمع البيت الّذي نسكنه على أبيات، و يقولون:إنّ الصّواب هو البيوت،و يرون أنّ الأبيات هي جمع بيت الشّعر.

و لكن:

يجمع البيت الّذي نسكنه و بيت الشّعر على:أبيات و بيوت،كلّ من سيبويه،و المتنبّيّ الّذي قال في بيوت الشّعر:

و ما قلت من شعر تكاد بيوته

إذا كتبت يبيضّ من نورها الحبر

و ابن جنّيّ،و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و شوقي الّذي قال في الأبيات الّتي تسكن:

ألمّ على أبيات ليلى بي الهوى و ما غير أشواقي دليل و لا ركب

و المتن،و الوسيط.

و يرى الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»أنّ «البيوت»أخصّ بالمسكن،و«الأبيات»بأبيات الشّعر.

و ذكر«اللّسان»أنّ البيت من الشّعر مشتقّ من بيت الخباء،لأنّه يضمّ الكلام كما يضمّ البيت أهله،و لذلك سمّوا مقطّعاته أسبابا و أوتادا،على التّشبيه لها بأسباب البيوت و أوتادها.

أمّا جمع الجمع فهو:أباييت و بيوتات.و حكى أبو عليّ عن الفرّاء:أبياوات،و هذا نادر.

و يصغّر البيت على:بييت و بييت،و لا يجوز تصغيره على:بويت،و قد نسبه«الصّحاح»إلى العامّة.

و من معاني البيت:

1-فرش البيت.

2-الكعبة.

3-القبر.

4-بيت اللّه:المسجد.

5-بيت الرّجل:امرأته و عياله.

ص: 178

6-بيت القصيد:أحسن أبيات القصيدة.

7-هو جاري بيت بيت:بيته ملاصق بيتي.

«اشتريت بيوتا خمسة أو خمسا»

و يخطّئون من يقول:اشتريت بيوتا خمسا،و يقولون إنّ الصّواب هو:اشتريت بيوتا خمسة،لأنّ البيت مذكّر، و العدد من(3-10)يذكّر مع المعدود المؤنّث،و يؤنّث مع المعدود المذكّر،نحو:اشتريت خمسة بيوت،و ثلاث قرى،و لكن:

ليس العدد في المثل الأوّل مضافا إلى معدوده،كما هي الحال في المثل الثّاني،بل هو نعت لمعدوده.و القاعدة النّحويّة تقول:«إذا كان النّعت اسم عدد،و كان منعوته في الأصل معدودا محذوفا،نحو:اشريت عدّة بيوت، بعت منها في هذا العامّ أربعة أو أربعا،لأنّ النّعت هنا يجوز أن تلحقه تاء التّأنيث،و أن يتجرّد منها.

و أنا أوثر التّقيّد بالقاعدة العامّة،و الاكتفاء بقولنا:

اشتريت بيوتا خمسة،لكي نبتعد عن الشّذوذ و الاستثناءات في قواعدنا النّحويّة.

«يبيت و يبات»

و يخطّئون من يقول:يبات ليله ينظم الشّعر، و يقولون:إنّ الصّواب هو:يبيت ليله...،اعتمادا على قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً الفرقان:64،و اعتمادا على قول معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أقرب الموارد،و لكن:

أجاز«يبيت و يبات»كليهما:ابن الأعرابيّ و الصّحاح،و المحكم،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن، و الوسيط.

و قد اختلفوا في معنى«بات»فالفرّاء قال:بات الرّجل،إذا سهر اللّيل كلّه في طاعة اللّه،أو معصيته.

و قال اللّيث:بات:دخل في اللّيل،و من قال:بات فلان،إذا نام،فقد أخطأ.

و قال ابن كيسان:«بات»يجوز أن يجري مجرى «نام»،و أن يجري مجرى«كان،قاله في كان و أخواتها.

و المعقول هو قول الزّجّاج:كلّ من أدركه اللّيل،فقد بات،نام أو لم ينم.

و بات يبيت من باب«ضرب»،و بات يبات من باب«فرح».

أمّا مصادره فهي:بات يبيت أو يبات بيتا،و بياتا، و مباتا،و بيتوتة.

و من معاني بات:

1-بات الشّيء:مضت عليه ليلة،فهو بائت.يقال:

خبز بائت،و شراب بائت.

2-بات فلان:تزوّج.

3-بات يفعل كذا:فعله ليلا.

4-بات به،و عنده:نزل.(85)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو سكنى البيت ليلا،و منه:البيات و البيتوتة، و بهذه المناسبة أطلق لفظ«البيت»على محلّ يسكن ليلا، ثمّ أخذ منه البيت لكلّ مسكن و مأوى،لحيوان أو غيره.

[ثمّ دخل في تفسير الآيات،لاحظ النّصوص التّفسيريّة](1:340)

ص: 179

النّصوص التّفسيريّة

يبيتون

وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً. الفرقان:64

ابن عبّاس: من صلّى ركعتين أو أكثر بعد العشاء، فقد بات للّه ساجدا و قائما.(القرطبيّ 13:72)

الحسن :يبيتون للّه على أقدامهم،و يفرشون له وجوههم،تجري دموعهم على خدودهم،خوفا من ربّهم.(الفخر الرّازيّ 24:108)

الكلبيّ: من أقام ركعتين بعد المغرب و أربعا بعد العشاء،فقد بات ساجدا و قائما.(القرطبيّ 13:72)

الفرّاء: جاء في التّفسير:أنّ من قرأ شيئا من القرآن في صلاة و إن قلّت،فقد بات ساجدا و قائما.و ذكروا أنّهما الرّكعتان بعد المغرب،و بعد العشاء ركعتان.

(2:272)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ: يصلّون للّه،يراوحون بين سجود في صلاتهم و قيام.(19:35)

الطّوسيّ: يعني يعبدون اللّه في لياليهم و يقيمون بالصّلاة،و يسجدون فيها.(7:505)

القشيريّ: يبيتون لربّهم ساجدين و يصبحون واجدين،فوجد صباحهم ثمرات سجود أرواحهم،كذا في الخبر:«من كثرت صلاته باللّيل حسن وجهه بالنّهار»أي عظم ماء وجهه عند اللّه،و أحسن الأشياء ظاهر بالسّجود محسّن،و باطن بالوجود مزيّن.

و يقال:متّصفين بالسّجود قياما بآداب الوجود.

(4:321)

نحوه البروسويّ.(6:242)

البغويّ: يقال لمن أدرك اللّيل:بات،نام أو لم ينم، يقال:بات فلان قلقا،و المعنى:يبيتون لربّهم باللّيل في الصّلاة.(3:455)

الزّمخشريّ: البيتوتة:خلاف الظّلول،و هو أن يدركك اللّيل نمت أو لم تنم.[ثمّ ذكر كلام الفرّاء و أضاف:]

و الظّاهر أنّه وصف لهم بإحياء اللّيل أو أكثره، يقال:فلان يظلّ صائما و يبيت قائما.(3:99)

مثله الفخر الرّازيّ(24:108)،و النّسفيّ(3:

174)،و الخازن(5:88).

البيضاويّ: وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً في الصّلاة و تخصيص البيتوتة لأنّ العبادة باللّيل أحمز و أبعد عن الرّياء،و تأخير القيام للرّويّ، و هو جمع قائم أو مصدر أجري مجراه.(2:150)

نحوه الكاشانيّ.(4:23)

أبو حيّان :و البيتوتة هو أن يدركك اللّيل نمت أو لم تنم،و هو خلاف الظّلول.و بجيلة و أزد السّراة يقولون:

يبات،و سائر العرب يقولون:يبيت.

و لمّا ذكر حالهم بالنّهار بأنّهم يتصرّفون أحسن تصرّف ذكر حالهم باللّيل،و الظّاهر أنّه يعني إحياء اللّيل بالصّلاة أو أكثره.[إلى أن قال:]

و في هذه الآية حضّ على قيام اللّيل في الصّلاة.

(6:513)

ص: 180

مثله الآلوسيّ(19:44)،و نحوه أبو السّعود(5:24).

القاسميّ: أي يكون لهم في اللّيل فضل صلاة و إنابة،كما قال تعالى: كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ* وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الذّاريات:

17،18،و قوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ السّجدة:16،و قوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الزّمر:9.

و البيتوتة لغة:الدّخول في اللّيل،يقال:بات يفعل كذا يبيت و يبات،إذا فعله ليلا،و قد تستعار«البيتوتة» للكينونة مطلقا.إلاّ أنّ الحقيقة أولى،لكثرة ما ورد في معناها ممّا تلونا،و لذلك قال السّلف:في الآية مدح قيام اللّيل و الثّناء على أهله.(12:4589)

الطّباطبائيّ: البيتوتة:إدراك اللّيل،سواء نام أم لا.و المعنى:و هم الّذين يدركون اللّيل حال كونهم ساجدين فيه لربّهم،و قائمين،يتراوحون سجودا و قياما.و يمكن أن يراد به التّهجّد بنوافل اللّيل.

(15:240)

عبد المنعم الجمّال: و الّذين يبيتون ساجدين عابدين،فهم يحيون هزيعا من اللّيل في الصّلاة و الذّكر.

(3:2235)

بيّت

وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً. النّساء:81

ابن عبّاس:غيّر أولئك ما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

نحوه قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 5:178)

ما يسرّون من النّفاق.

مثله الضّحّاك.(البغويّ 1:666)

الحسن :أي قدّر جماعة منهم ليلا غير الّذي تقول، أي غير ما يقولون على جهة التّكذيب.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 2:80)

معناه:فدبّرت غير الّذي تقول على جهة التّكذيب.

(الماورديّ 1:510)

الفرّاء: بَيَّتَ طائِفَةٌ القراءة أن تنصب التّاء، لأنّها على جهة«فعل».و في قراءة عبد اللّه: (بيّت مبيّت منهم) غير الّذي تقول.و معناه:غيّروا ما قالوا و خالفوا.

و قد جزمها حمزة و قرأها (بيّت طائفة) .جزمها لكثرة الحركات،فلمّا سكّنت التّاء اندغمت في الطّاء.

(1:279)

أبو عبيدة :أي قدّروا ذلك ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

بيّتوا،أي قدّروا بليل.[ثمّ استشهد بشعر]

كلّ شيء قدّر بليل فهو تبيّت.(1:133)

نحوه ابن قتيبة.(131)

كلّ أمر قضي بليل قيل:قد بيّت.

مثله الأصمعيّ و المبرّد.(أبو حيّان 3:303)

الأخفش:تقول العرب للشّيء إذا قدّر:بيت يشبّهونه بتقدير بيوت الشّعر.(البغويّ 1:666)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:غيّر جماعة منهم ليلا الّذي تقول لهم.و كلّ عمل عمل ليلا،فقد بيّت؛

ص: 181

و من ذلك بيّت العدوّ،و هو الوقوع بهم ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ يعني و اللّه يكتب ما يغيّرون من قولك:ليلا في كتب أعمالهم،الّتي تكتبها حفظته.

و أمّا قوله: بَيَّتَ طائِفَةٌ فإنّ التّاء من(بيّت) تحرّكها بالفتح عامّة قرّاء المدينة و العراق و سائر القرّاء، لأنّها لام«فعّل».و كان بعض قرّاء العراق يسكّنها،ثمّ يدغمها في الطّاء،لمقاربتها في المخرج.

و الصّواب من القراءة في ذلك،ترك الإدغام،لأنّها أعني التّاء و الطّاء من حرفين مختلفين،و إذا كان كذلك، كان ترك الإدغام أفصح اللّغتين عند العرب،و اللّغة الأخرى جائزة،أعني الإدغام في ذلك محكيّة.

(5:177)

الزّجّاج :يقال لكلّ امر قد قضي بليل:قد بيّت.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا و نظائره في كتاب اللّه من أبين آيات النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّهم ما كانوا يخفون عنه أمرا إلاّ أظهره اللّه عليه.

وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فيه وجهان:يجوز أن يكون-و اللّه أعلم-ينزله إليك في كتابه،و جائز أن يكون(يكتب ما يبيّتون):يحفظه عليهم ليجازوا به.

فأمّا قوله: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ فذكّر،و لم يقل:

بيّتت،فلأنّ كلّ تأنيث غير حقيقيّ فتعبيره بلفظ التّذكير جائز،تقول:قالت طائفة من أهل الكتاب،و قال طائفة من المسلمين،لأنّ طائفة و فريقا في معنى واحد،فكذلك قوله عزّ و جلّ: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ البقرة:

275،و قوله: يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يونس:57،يعني الوعظ إذا قلت:فمن جاءه موعظة.

و قرأ القرّاء (بيّت طائفة) على إسكان التّاء و إدغامها في الطّاء.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الطّبريّ في القراءة]

(2:81)

نحوه الشّربينيّ.(1:318)

الرّمّانيّ: و فيه معنى الإخفاء في النّفس،و كذلك لا يوصف تعالى به.(الطّوسيّ 3:296)

الماورديّ: و التّبييت:كلّ عمل دبّر ليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و في تسمية العمل باللّيل بياتا قولان:أحدهما:لأنّ اللّيل وقت المبيت.و الثّاني:لأنّه وقت البيوت.

(1:509)

الطّوسيّ: [نقل القراءات نحو ما تقدّم عن الطّبريّ و أضاف:]

يعني خرجوا من عندك بيّت طائفة منهم،يعني دبّر جماعة منهم ليلا.قال المبرّد:التّبييت:كلّ شيء دبّر ليلا.و قال الجبّائيّ:معناه دبّروه في بيوتهم،و هذا بعيد لا وجه له في اللّغة.(3:269)

نحوه الطّبرسيّ.(1:80)

البغويّ: ما يزوّرون و يغيّرون و يقدّرون.

(1:666)

الزّمخشريّ: بَيَّتَ طائِفَةٌ: زوّرت طائفة و سوّت غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ خلاف ما قلت و ما أمرت به،أو خلاف ما قالت و ما ضمنت من الطّاعة،لأنّهم أبطلوا الرّدّ لا القبول،و العصيان لا الطّاعة،و إنّما ينافقون

ص: 182

بما يقولون و يظهرون.

و التّبييت إمّا من البيتوتة،لأنّه قضاء الأمر و تدبيره باللّيل،يقال:هذا أمر بيّت بليل،و إمّا من أبيات الشّعر، لأنّ الشّاعر يديرها و يسوّيها.(1:546)

نحوه البيضاويّ(1:232)،و النّسفيّ(1:238).

ابن عطيّة :بيت:معناه فعل ليلا.فإمّا أخذ من «بات»،و إمّا من«البيت»لأنّه ملتزم باللّيل و في الأسرار الّتي يخاف شياعها.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:83)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال الزّجّاج:كلّ أمر تفكّروا فيه كثيرا و تأمّلوا في مصالحه و مفاسده كثيرا،قيل:هذا أمر مبيّت،قال تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108.

و في اشتقاقه وجهان:

الأوّل:اشتقاقه من«البيتوتة»لأنّ أصلح الأوقات للفكر أن يجلس الإنسان في بيته باللّيل،فهناك تكون الخواطر أخلى و الشّواغل أقلّ.فلمّا كان الغالب أنّ الإنسان وقت اللّيل يكون في البيت،و الغالب له أنّه إنّما يستقصي في الأفكار في اللّيل،لا جرم سمّي الفكر المستقصى مبيّتا.

الثّاني:اشتقاقه من:بيت الشّعر،قال الأخفش:

العرب إذا أرادوا قرض الشّعر بالغوا في التّفكّر فيه، فسمّوا المتفكّر فيه المستقصى مبيّتا،تشبيها له ببيت الشّعر،من حيث أنّه يسوّى و يدبّر.

المسألة الثّانية:أنّه تعالى خصّ طائفة من جملة المنافقين بالتّبييت،و في هذا التّخصيص وجهان:

أحدهما:أنّه تعالى ذكر من علم أنّه يبقى على كفره و نفاقه،فأمّا من علم أنّه يرجع عن ذلك فإنّه لم يذكرهم.

و الثّاني:أنّ هذه الطّائفة كانوا قد أسهروا ليلهم في التّبييت،و غيرهم سمعوا و سكتوا و لم يبيّتوا،فلا جرم لم يذكروا.[ثمّ نقل القراءات،و مجيء الفعل مذكّرا كما تقدّم عن الطّبريّ و الزّجّاج](10:195)

نحوه القرطبيّ(5:289)،و النّيسابوريّ(5:90)، و القاسميّ(5:1408).

الخازن :التّبييت:كلّ أمر يفعل باللّيل،يقال:هذا أمر مبيّت،إذا دبّر بليل و قضي بليل فقد بيّت،و المعنى أنّهم قالوا و قدّروا أمرا باللّيل غير الّذي أعطوك بالنّهار من الطّاعة.

و قيل:معنى بيّت:غيّر و بدّل طائفة منهم غير الّذي تقول،يعني غير الّذي عهدت إليهم؛فعلى هذا يكون التّبييت بمعنى التّبديل.(1:469)

أبو حيّان :و قال أبو رزين:بيّت:ألّف،و قيل:هيّئ و زوّر،و قيل:قصد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:التّبييت:التّبديل بلغة طيّئ.[ثمّ استشهد بشعر](3:303)

رشيد رضا : بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ دبّرت في أنفسها ليلا غير الّذي تقول لها،و تظهر الطّاعة فيه نهارا،أو بيّتت غير الّذي تقوله هي لك و تؤكّده من طاعتك.

و التّبييت ما يدبّر في اللّيل من رأي و نيّة و عزم على عمل،و منه قصد العدوّ ليلا للإيقاع به،و منه تبييت نيّة

ص: 183

الصّيام،أي القصد إليه ليلا.

و اشتقاقه من«البيتوتة»فإنّ وقتها هو الوقت الّذي يجتمع فيه الفكر و يصفو فيه الذّهن.

و قيل:إنّه مشتقّ من أبيات الشّعر،أي روزوا و رتّبوا في سرائرهم غير ما تأمرهم به كما يروزون الأبيات من الشّعر.أي يعزمون على المخالفة مع التّفكّر في كيفيّتها و اتّقاء غوائلها،كما يرتّبون أبيات الشّعر و يزنونها.

قال الأستاذ الإمام:ليس هذا خاصّا بالمنافقين بل يكون من ضعفاء الإيمان و مرضى القلوب،و هذا الرّأي هو الموافق لما قاله في الآيات السّابقة.

و روى ابن جرير عن ابن عبّاس أنّه قال:هم ناس يقولون عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم آمنّا باللّه و رسوله ليأمنوا على دمائهم و أموالهم،و إذا برزوا من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خالفوا إلى غير ما قالوا عنده،فعاتبهم اللّه.(5:286)

الطّباطبائيّ: و التّبييت من«البيتوتة»و معناه إحكام الأمر و تدبيره ليلا.(5:18)

عبد المنعم الجمّال: التّبييت:تدبير الأمور بليل،و كلّ أمر دبّر في خفاء يقال فيه:هذا أمر بيّت بليل.(1:577)

يبيّتون

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. النّساء:108

ابن عبّاس:يؤلّفون و يقولون من القول ما لا يرضى اللّه و لا يرضونه مقدّم و مؤخّر.(79)

نحوه أبو زيد.(ابن عطيّة 2:110)

الطّبريّ: يعني:و اللّه شاهدهم،إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول،يقول:حين يسوّون ليلا ما لا يرضى من القول،فيغيّرونه عن وجهه،و يكذبون فيه.و قد بيّنّا معنى«التّبييت»في غير هذا الموضع،و أنّه كلّ كلام أو أمر أصلح ليلا.و قد حكي عن بعض الطّائيّين أنّ التّبييت في لغتهم:التّبديل.[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن أبي رزين أنّه كان يقول في معنى قوله:

(يبيّتون):يؤلّفون.

و هذا القول شبيه المعنى بالّذي قلناه؛و ذلك أنّ التّأليف هو التّسوية و التّغيير عمّا هو به،و تحويله عن معناه إلى غيره.(5:271)

الزّجّاج :كلّ ما فكّر فيه أو خيض فيه بليل فقد بيّت.

يعني به هذا السّارق،و الّذي بيّت من القوم أن قال [في قصّة سرقة أبي طعمة درعا و رميه في دار اليهوديّ]:

أرمي اليهوديّ بأنّه سارق الدّرع و أحلف أنّي لم أسرقها، فتقبل يميني لأنّي على ديني،و لا تقبل يمين اليهوديّ.فهذا ما بيّت من القول و اللّه أعلم.(2:101)

الطّوسيّ: [قال نحو الطّبريّ و أضاف:]

المعني بالآية:الرّهط الّذين مشوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مسألة المدافعة عن بني أبيرق،و الجدال عنه وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً يعني يعلم ما يعلمه هؤلاء المستخفون من النّاس،و تبييتهم ما لا يرضى من القول

ص: 184

و غيره من أفعالهم.(3:219)

البغويّ: يتقوّلون و يؤلّفون،و التّبييت:تدبير الفعل ليلا.(1:699)

نحوه الخازن.(1:495)

ابن عطيّة : يُبَيِّتُونَ يدبّرون ليلا،انطلقت العبارة على كلّ استسرار بهذا؛إذ اللّيل مظنّة الاستتار و الاختفاء.[إلى أن قال:]

و يحتمل أن تكون اللّفظة مأخوذة من«البيت»،أي يستسرّون في تدبيرهم بالجدرات.(2:110)

الطّبرسيّ: أي يدبّرون باللّيل قولا لا يرضاه اللّه.

و قيل:يغيّرون القول من جهته و يكذبون فيه.

و قيل:إنّه قول ابن أبيرق في نفسه باللّيل:أرمي بهذا الدّرع في دار اليهوديّ ثمّ أحلف إنّي بريء منه، فيصدّقني المسلمون لأنّي على دينهم،و لا يصدّقون اليهوديّ لأنّه ليس على دينهم.

و قيل:إنّه رمى بالدّرع إلى دار لبيد بن سهل.

(2:107)

نحوه النّسفيّ.(1:250)

الفخر الرّازيّ: أي يضمرون و يقدّرون في أذهانهم.و ذكرنا معنى«التّبييت»في قوله: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ. و الّذي لا يرضاه اللّه من القول هو أنّ طعمة قال:

أرمي اليهوديّ بأنّه هو الّذي سرق الدّرع و أحلف أنّي لم أسرقها،فيقبل الرّسول يميني لأنّي على دينه،و لا يقبل يمين اليهوديّ.

فإن قيل:كيف سمّي التّبييت قولا و هو معنى في النّفس؟

قلنا:مذهبنا أنّ الكلام الحقيقيّ هو المعنى القائم بالنّفس،و على هذا المذهب فلا إشكال.و من أنكر كلام النّفس فله أن يجيب بأنّ طعمة و أصحابه لعلّهم اجتمعوا في اللّيل و رتّبوا كيفيّة الحيلة و المكر،فسمّى اللّه تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيّت الّذي لا يرضاه.(11:36)

الشّربينيّ: أي يدبّرون ليلا على طريق الإمعان في الكفر و الإتقان للرّأي.(1:331)

مثله الحجازيّ.(5:54)

أبو السّعود :يدبّرون و يزوّرون.(2:194)

مثله البروسويّ(2:280)،و نحوه شبّر(2:97)، و القاسميّ(5:1539).

الآلوسيّ: أي يدبّرون،و لمّا كان أكثر التّدبير ممّا يبيّت عبّر به عنه،و الظّرف متعلّق بما تعلّق به ما قبله.

(5:141)

لنبيّتنّه

قالُوا تَقاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَ إِنّا لَصادِقُونَ. النّمل:49

ابن عبّاس:لندخلنّ عليه و على أهله ليلا و لنقتلنّه و أهله.(319)

الفرّاء: (لَنُبَيِّتَنَّهُ) التّاء و النّون و الياء كلّ قد قرئ به،فمن قال: (تَقاسَمُوا) فجعل (تَقاسَمُوا) خبرا،فكأنّه قال:قالوا متقاسمين: (لَنُبَيِّتَنَّهُ) بالنّون.ثمّ يجوز الياء على هذا المعنى،فتقول:قالوا: (ليبيّتنّه) بالياء،كما تقول:

قالوا:لنقومنّ و ليقومنّ.

و من قال: (تقاسموا) فجعلها في موضع جزم،

ص: 185

فكأنّه قال:تحالفوا و أقسموا لتبيّتنّه بالتّاء و النّون تجوز من هذا الوجه،لأنّ الّذي قال لهم: (تَقاسَمُوا) معهم في الفعل داخل،و إن كان قد أمرهم؛أ لا ترى أنّك تقول:

قوموا نذهب إلى فلان،لأنّه أمرهم و هو معهم في الفعل.

فالنّون أعجب الوجوه إليّ،و إنّ الكسائيّ يقرأ بالتّاء، و العوامّ على النّون.

و هي في قراءة عبد اللّه (تَقاسَمُوا) ثمّ لنقسمنّ ما شهدنا مهلك أهله.و قد قال اللّه: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ آل عمران:61،لأنّهم دعوهم ليفعلوا جميعا ما دعوا إليه.و قرأها أهل المدينة و عاصم و الحسن بالنّون،و أصحاب عبد اللّه بالتّاء.

حدّثنا أبو العبّاس،قال:حدّثنا محمّد،قال:حدّثنا الفرّاء،قال:حدّثني سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد أنّه قرأ (ليبيّتنّه) بالياء.(2:296)

نحوه أبو زرعة.(530)

الطّبريّ: و يتوجّه قوله: تَقاسَمُوا بِاللّهِ إلى وجهين:

أحدهما:النّصب على وجه الخبر،كأنّه قيل:قالوا:

متقاسمين،و قد ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه.

و لا يصلحون (تَقاسَمُوا بِاللّهِ) و ليس فيها قالوا،فذلك من قراءته يدلّ على وجه النّصب في(تقاسموا)،على ما وصفت.

و الوجه الآخر:الجزم كأنّهم قال بعضهم لبعض:

أقسموا باللّه،فعلى هذا الوجه الثّاني تصلح قراءة (لنبيّتنّه) بالياء و النّون،لأنّ القائل لهم:تقاسموا،و إن كان هو الآمر،فهو فيمن أقسم،كما يقال في الكلام:

انهضوا بنا نمض إلى فلان،و انهضوا نمضي إليه.

و على الوجه الأوّل الّذي هو وجه النّصب،القراءة فيه بالنّون أفصح،لأنّ معناه:قالوا متقاسمين:

(لنبيّتنّه).و قد تجوز الياء على هذا الوجه،كما يقال في الكلام:قالوا:لنكر منّ أباك،و ليكر منّ أباك.

و بالنّون قرأ ذلك قرّاء المدينة،و عامّة قرّاء البصرة، و بعض الكوفيّين.و أمّا الأغلب على قرّاء أهل الكوفة، فقراءته بالياء و ضمّ التّاء جميعا.و أمّا بعض المكّيّين، فقرأه بالياء.

و أعجب القراءات في ذلك إليّ النّون،لأنّ ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللّذين بيّنت من النّصب و الجزم،و إن كان كلّ ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت.و أكرهها إليّ القراءة بها الياء،لقلّة قارئ ذلك كذلك.

و قوله: لَنُبَيِّتَنَّهُ قال:ليبيّتنّ صالحا ثمّ يفتكوا به.(19:172)

نحوه الزّجّاج(4:123)،و ابن الجوزيّ(6:182)، و القرطبيّ(13:216)،و القاسميّ(13:4674).

الماورديّ: أي لنقتلنّه و أهله ليلا،و البيات:قتل اللّيل.(4:220)

نحوه البغويّ(3:509)،و الشّربينيّ(3:65)، و أبو السّعود(5:90)،و المشهديّ(7:355)، و البروسويّ(6:357)،و عزّة دروزة(3:163).

الطّوسيّ: المعنى أنّهم تحالفوا:لنطرقنّهم ليلا،يقال لكلّ عمل باللّيل:تبييت،و منه قوله: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ النّساء:108.[ثمّ استشهد

ص: 186

بشعر]

و قال ابن إسحاق: إنّهم لمّا أتوا صالحا لتبييته، دفعتهم الملائكة بالحجارة.(8:102)

نحوه الطّبرسيّ(4:227)،و الخازن(5:126).

الزّمخشريّ: و البيات:مباغتة العدوّ ليلا.و عن الاسكندر أنّه أشير عليه بالبيات،فقال:ليس من آيين الملوك استراق الظّفر.(3:152)

ابن عطيّة :[قال نحو الطّبريّ و أضاف:]

و روي في قصص هذه الآية أنّ هؤلاء التّسعة لمّا كان في صدر الثّلاثة الأيّام بعد عقر النّاقة و قد أخبرهم صالح بمجيء العذاب،اتّفق هؤلاء التّسعة فتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلا،فيقتلوه و أهله المختصّين به.قالوا:

فإن كان كاذبا في وعيده أوقعنا به ما يستحقّ،و إن كان صادقا كنّا قد عجّلناه قبلنا و شفينا نفوسنا.

قال الدّاوديّ: فجاءوا و اختفوا لذلك في غار قريب من داره،فروي أنّه انحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا،و روي أنّه طبقت عليهم الغار فهلكوا فيه حين هلك قومهم.و كلّ فريق لا يعلم بما جرى على الآخر، و كانوا قد بنوا على جحود الأمر من قرابة صالح الّذين يمكن أن يغضبوا له،فهذا كان أمرهم،و المكر نحو الخديعة،و سمّى اللّه تعالى عقوبتهم باسم ذنبهم،و هذا مهيع.(4:264)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

التّقييد بالحال ليس إلاّ من باب نسبة التّقييد لا من نسبة الكلام الّتي هي الإسناد،فإذا أطلق عليها الخبر كان ذلك على تقدير أنّها لم تكن حالا،لجاز أن تستعمل خبرا،و كذلك قولهم في الجملة الواقعة قبله صلة:إنّها خبريّة،هو مجاز،و المعنى أنّها لو لم تكن صلة لجاز أن تستعمل خبرا.و هذا شيء فيه غموض،و لا يحتاج إلى الإضمار،فقد كثر وقوع الماضي حالا بغير«قد»كثرة ينبغي القياس عليها.

و على هذا الإعراب احتمل أن يكون(باللّه)متعلّقا ب(تقاسموا)الّذي هو حال،فهو من صلته ليس داخلا تحت القول،و المقول(لنبيّتنّه)و ما بعده احتمل أن يكون هو و ما بعده هو المقول.[ثمّ نقل القراءات نحو ما تقدّم عن الطّبريّ](7:83)

الآلوسيّ: [قال نحو ما تقدّم عن الطّبريّ و الزّمخشريّ](19:213)

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة لَنُبَيِّتَنَّهُ مأخوذة من التّبييت،و معناه الهجوم ليلا،و هذا التّعبير يدلّ على أنّهم كانوا يخافون من جماعة صالح و أتباعه، و يستوحشون من قومه لذلك.و من أجل أن يصلوا إلى هدفهم،و لا يكونوا في الوقت ذاته مثار غضب أتباع صالح،اضطرّوا إلى أن يبيّتوا الأمر،و اتّفقوا أن لو سألوهم عن مهلك النّبيّ-لأنّهم كانوا معروفين بمخالفته من قبل-حلفوا بأن لا علاقة لهم بذلك الأمر،و لم يشهدوا الحادثة أبدا.

جاء في التّواريخ أنّ المؤامرة كانت بهذه الصّورة، و هي أنّ جبلا كان في طرف المدينة و كان فيه غار يتعبّد فيه صالح،و كان يأتيه ليلا بعض الأحيان يعبد اللّه فيه و يتضرّع إليه،فصمّموا على أن يكمنوا له هناك ليقتلوه عند مجيئه في اللّيل،و يحملوا على بيته بعد استشهاده ثمّ

ص: 187

يعودوا إلى بيوتهم،و إذا سئلوا أظهروا جهلهم و عدم معرفتهم بالحادث.

فلمّا كمنوا في زاوية و اختبئوا في ناحية من الجبل انثالت صخور من الجبل تهوي إلى الأرض،فهوت عليهم صخرة عظيمة فأهلكتهم في الحال.(12:85)

بيت

1- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ. آل عمران:96

ابن عبّاس:مسجد.(52)

مثله الفرّاء.(1:227)

البروسويّ: البيت:ما يبيت فيه أحد،ثمّ استعمل في المكان مطلقا.[لاحظ أول](2:66)

2- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. العنكبوت:41

ابن عبّاس: مسكنا.يقول:إنّ بيت العنكبوت لا يقيها من حرّ و لا برد،كذلك الآلهة لا تنفع من عبدها في الدّنيا و لا في الآخرة.(335)

ذلك مثل ضربه اللّه لمن عبد غيره،أنّ مثله كمثل بيت العنكبوت.(الطّبريّ 20:152)

قتادة :هذا مثل ضربه اللّه للمشرك،مثل إلهه الّذي يدعوه من دون اللّه،كمثل بيت العنكبوت،واهن ضعيف لا ينفعه.(الطّبريّ 20:153)

ابن زيد :هذا مثل ضربه اللّه،لا يغني أولياؤهم عنهم شيئا،كما لا يغني العنكبوت بيتها هذا.

(الطّبريّ 20:153)

الطّبريّ: يقول تعالى:لو كان هؤلاء الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء،يعلمون أنّ أولياءهم الّذين اتّخذوهم من دون اللّه،في قلّة غنائهم عنهم كغناء بيت العنكبوت عنها،و لكنّهم يجهلون ذلك،فيحسبون أنّهم ينفعونهم،و يقرّبونهم إلى اللّه زلفى.(20:153)

الزّجّاج :(لو)متّصلة بقوله:(اتّخذوا)،أي لو علموا أنّ اتّخاذهم الأولياء كاتّخاذ العنكبوت،ليس أنّهم لا يعلمون أنّ بيت العنكبوت ضعيف؛و ذلك أنّ بيت العنكبوت لا بيت أضعف منه،فيما يتّخذه الهوامّ في البيوت،و لا أقلّ وقاية منه من حرّ أو برد.

و المعنى:أنّ أولياءهم لا ينقصونهم،و لا يرزقونهم و لا يدفعون عنهم ضررا،كما أنّ بيت العنكبوت غير موقّ للعنكبوت.(4:169)

الماورديّ: يعني أنّهم عبدوا ما لا يغني عنهم شيئا، كبيت العنكبوت الّذي لا يدفع شيئا،و هو من أبلغ الأمثال فيهم.(4:283)

الزّمخشريّ: و لقائل أن يقول:مثل المشرك الّذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الّذي يعبد اللّه مثل عنكبوت يتّخذ بيتا،بالإضافة إلى رجل يبني بيتا بآجرّ و جصّ أو ينحته من صخر،و كما أنّ أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت،كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبادة الأوثان(لو كانوا يعلمون).(3:206)

الفخر الرّازيّ: في الآية لطائف نذكرها في مسائل:

ص: 188

المسألة الأولى:ما الحكمة في اختيار هذا المثل من بين سائر الأمثال؟فنقول:فيه وجوه:

الأوّل:إنّ البيت ينبغي أن يكون له أمور:حائط حائل،و سقف مظلّ،و باب يغلق،و أمور ينتفع بها، و يرتفق،و إن لم يكن كذلك فلا بدّ من أحد أمرين:إمّا حائط حائل يمنع من البرد،و إمّا سقف مظلّ يدفع عنه الحرّ.فإن لم يحصل منهما شيء فهو كالبيداء ليس ببيت لكن بيت العنكبوت لا يجنّها و لا يكنّها.

و كذلك المعبود ينبغي أن يكون منه الخلق و الرّزق و جرّ المنافع و به دفع المضارّ،فإن لم تجتمع هذه الأمور فلا أقلّ من دفع ضرّ أو جرّ نفع،فإنّ من لا يكون كذلك فهو و المعدوم بالنّسبة إليه سواء.فإذن كما لم يحصل للعنكبوت باتّخاذ ذلك البيت من معاني البيت شيء، كذلك الكافر لم يحصل له باتّخاذ الأوثان أولياء من معاني الأولياء شيء.

الثّاني:هو أنّ أقلّ درجات البيت أن يكون للظّلّ، فإنّ البيت من الحجر يفيد الاستظلال و يدفع أيضا الهواء و الماء و النّار و التّراب،و البيت من الخشب يفيد الاستظلال و يدفع الحرّ و البرد،و لا يدفع الهواء القويّ و لا الماء و لا النّار،و الخباء الّذي هو بيت من الشّعر أو الخيمة الّتي هي من ثوب إن كان لا يدفع شيئا،يظلّ و يدفع حرّ الشّمس.لكن بيت العنكبوت لا يظلّ فإنّ الشّمس بشعاعها تنفذ فيه.

فكذلك المعبود أعلى درجاته أن يكون نافذ الأمر في الغير،فإن لم يكن كذلك فيكون نافذ الأمر في العابد، فإن لم يكن فلا أقلّ من أن لا ينفذ أمر العابد فيه،لكن معبودهم تحت تسخيرهم إن أرادوا أجلّوه و إن أحبّوا أذلّوه.

الثّالث:أدنى مراتب البيت أنّه إن لم يكن سبب ثبات و ارتفاق،لا يصير سبب شتات و افتراق،لكن بيت العنكبوت يصير سبب انزعاج العنكبوت،فإنّ العنكبوت لو دام في زاوية مدّة لا يقصد و لا يخرج منها، فإذا نسج على نفسه و اتّخذ بيتا،يتبعه صاحب الملك بتنظيف البيت منه و المسح بالمسوح الخشنة المؤذية لجسم العنكبوت.

فكذلك العابد بسبب العبادة ينبغي أن يستحقّ الثّواب،فإن لم يستحقّه،فلا أقلّ من أن لا يستحقّ بسببها العذاب،و الكافر يستحقّ بسبب العبادة العذاب.

(25:67)

نحوه النّيسابوريّ(20:94)،و البروسويّ(6:

47)،و المراغيّ(20:143).

أبو حيّان:و قال الزّمخشريّ: الغرض تشبيه ما اتّخذوه متّكلا و معتمدا في دينهم،و تولّوه من دون اللّه ممّا هو مثل عند النّاس في الوهن و ضعف القوّة،و هو نسج العنكبوت،أ لا ترى إلى مقطع التّشبيه و هو قوله: إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ انتهى.

يعني بقوله:أ لا ترى إلى مقطع التّشبيه بما ذكر أوّلا أنّ الغرض تشبيه المتّخذ بالبيت لا تشبيه المتّخذ بالعنكبوت،و الّذي يظهر هو تشبيه المتّخذ من دون اللّه وليّا بالعنكبوت المتّخذة بيتا،أي فلا اعتماد للمتّخذ على وليّه من دون اللّه،كما أنّ العنكبوت لا اعتماد لها على بيتها في استظلال و سكنى بل لو دخلت فيه خرقته،ثمّ بيّن

ص: 189

حال بيتها و أنّه في غاية الوهن؛بحيث لا ينتفع به،كما أنّ تلك الأصنام لا تنفع و لا تجدي شيئا البتّة.

و قوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ليس مرتبطا بقوله:

وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لأنّ كلّ أحد يعلم ذلك،فلا يقال فيه: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ و إنّما المعنى لو كانوا يعلمون أنّ هذا مثلهم و أنّ أمر دينهم بالغ من الوهن هذه الغاية،لأقلعوا عنه،و ما اتّخذوا الأصنام آلهة.

و قال الزّمخشريّ: إذا صحّ تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت و قد صحّ إنّ أوهن البيوت بيت العنكبوت،فقد تبيّن أنّ دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون.أو أخرج الكلام بعد تصحيح التّشبيه مخرج المجاز،و كأنّه قال:و إنّ أوهن ما يعتمد عليه في الدّين عبادة الأوثان لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. [ثمّ ذكر عبارة الزّمخشريّ المتقدّمة و أضاف:]

و ما ذكره من قوله:و لقائل أن يقول إلخ،لا يدلّ عليه لفظ الآية،و إنّما هو تحميل للّفظ ما لا يحتمله،كعادته في كثير من تفسيره.(7:152)

الآلوسيّ: وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ إلخ في موضع الحال من فاعل(اتّخذت)المستكن فيه،و جوّز كونه في موضع الحال من مفعوله بناء على جواز مجيء الحال من النّكرة.و على الوجهين وضع المظهر موضع الضّمير الرّاجع إلى ذي الحال،و الجملة من تتمّة الوصف.

و اللاّم في البيوت للاستغراق،و المعنى مثل المتّخذين لهم من دون اللّه تعالى أولياء في اتّخاذهم إيّاهم كمثل العنكبوت،و ذلك أنّها اتّخذت لها بيتا،و الحال أنّ أوهن كلّ البيوت و أضعفها بيتها،و هؤلاء اتّخذوا لهم من دون اللّه تعالى أولياء و الحال أنّ أوهن كلّ الأولياء و أضعفها أولياؤهم.

و إن شئت فقل:إنّها اتّخذت بيتا في غاية الضّعف و هؤلاء اتّخذوا إلها أو متّكلا في غاية الضّعف فهم و هي مشتركان في اتّخاذ ما هو في غاية الضّعف في بابه.

و يجوز أن تكون جملة(اتّخذت)حالا من (العنكبوت)بتقدير«قد»أو بدونها،أو صفة لها لأنّ «أل»فيها للجنس،و قد جوّزوا الوجهين في الجمل الواقعة بعد المعرّف بال الجنسيّة،نحو قوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5.

و عن الفرّاء أنّ الجملة صلة لموصول محذوف وقع صفة(العنكبوت)أي الّتي اتّخذت،و خرّج الآية الّتي ذكرناها على هذا.و اختار حذف الموصول في مثله ابن درستويه،و عليه لا يوقف على العنكبوت،و أنت تعلم أنّ كون الجملة صفة أظهر.

[و ذكر كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و هو وجه حسن ذكره الزّمخشريّ في الآية،و قد اعتبر فيه تفريق التّشبيه،و الغرض إبراز تفاوت المتّخذين و المتّخذ مع تصوير توهين أمر أحدهما، و إدماج توطيد الآخر.

و عليه يجوز أن يكون قوله تعالى: وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ جملة حاليّة،لأنّه من تتمّة التّشبيه،و أن يكون اعتراضيّة لأنّه لو لم يؤت به لكان في ضمنه ما يرشد إلى هذا المعنى،و إلى كونه جملة حاليّة ذهب الطّيّبيّ.

و قال صاحب«الكشف»:كلام الزّمخشريّ إلى كونه

ص: 190

اعتراضيّة أقرب،لأنّ قوله:و كما أنّ أوهن البيوت إلخ ليس فيه إيماء إلى تقييد الأوّل.و قد تعقّب أبو حيّان هذا الوجه بأنّه لا يدلّ عليه لفظ الآية،و إنّما هو تحميل اللّفظ ما لا يحتمله،كعادته في كثير من تفسيره،و هذه مجازفة على صاحب«الكشّاف»كما لا يخفى.

و يجوز أن يكون المعنى مثل الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء فيما اتّخذوه معتمدا و متّكلا في دينهم و تولّوه من دون اللّه تعالى،كمثل العنكبوت فيما نسجته و اتّخذته بيتا،و التّشبيه على هذا من المركّب فيعتبر في جانب المشبّه اتّخاذ و متّخذ و اتّكال عليه،و كذلك في الجانب الآخر ما يناسبه.و يعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من ذلك كلّه بالهيئة المنتزعة من هذا بالأسر.

و الغرض تقرير وهن أمر دينهم،و أنّه بلغ الغاية الّتي لا غاية بعدها،و مدار قطب التّشبيه أنّ أولياءهم بمنزلة منسوج العنكبوت ضعف حال و عدم صلوح اعتماد،و على هذا يكون قوله تعالى: إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ تذييلا يقرّر الغرض من التّشبيه.

و جوّز أن يكون المعنى و الغرض من التّشبيه ما سمعت إلاّ أنّه يجعل التّذييل استعارة تمثيليّة،و يكون ما تقدّم كالتّوطئة لها،فكأنّه قيل:و إنّ أوهن ما يعتمد عليه في الدّين عبادة الأوثان،و هي تقرّر الغرض من التّشبيه بتبعيّة تقرير المشبّه،و كأنّ التّقرير في الوجه السّابق بتبعيّة تقرير المشبّه به،و هذا قريب من تجريد الاستعارة و ترشيحها.

و نظير ذلك قولك:زيد في الكرم بحر و البحر لا يخيّب من أتاه،إذا كان البحر الثّاني مستعارا للكريم،و ذكر الطّرفين إنّما يمنع من كونه استعارة لو كان في جملته، و رجّح السّابق لأنّ عادة البلغاء تقرير أمر المشبّه به ليدلّ به على تقرير المشبّه،و لأنّ هذا إنّما يتميّز عن الألغاز بعد سبق التّشبيه.

و جوّز أن يكون قوله تعالى:(مثل الّذين)إلخ كالمقدّمة الأولى،و قوله سبحانه: وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ كالثّانية،و ما هو كالنّتيجة محذوف مدلول عليه بما بعد كما في«الكشف»،و المجموع يدلّ على المراد من تقرير وهن أمر دينهم،و أنّه بلغ الغاية الّتي لا غاية بعدها على سبيل الكناية الإيمائيّة،فتأمّل.(20:160)

الطّباطبائيّ: و يكون قوله: وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ بيانا لصفة البيت الّذي أخذته العنكبوت،و لم يقل:إنّ أوهن البيوت لبيتها،كما هو مقتضى الظّاهر أخذا للجملة بمنزلة المثل السّائر الّذي لا يتغيّر.

و المعنى أنّ اتّخاذهم من دون اللّه أولياء،و هم آلهتهم الّذين يتولّونهم و يركنون إليهم،كاتّخاذ العنكبوت بيتا هو أوهن البيوت؛إذ ليس له من آثار البيت إلاّ اسمه، لا يدفع حرّا و لا بردا،و لا يكنّ شخصا و لا يقي من مكروه.كذلك ليس لولاية أولياءهم إلاّ الاسم فقط، لا ينفعون و لا يضرّون و لا يملكون موتا و لا حياة و لا نشورا.

و مورد المثل هو اتّخاذ المشركين آلهة من دون اللّه، فتبديل الآلهة بالأولياء لكون السّبب الدّاعي إلى اتّخاذ الآلهة زعمهم أنّ لهم ولاية لأمرهم و تدبيرا لشأنهم،من جلب الخير إليهم،و دفع الشّرّ عنهم،و الشّفاعة في حقّهم.

ص: 191

و الآية مضافا إلى إيفاء هذه النّكتة تشمل بإطلاقها كلّ من اتّخذ في أمر من الأمور و شأن من الشّئون وليّا من دون اللّه،يركن إليه و يراه مستقلاّ في أثره الّذي يرجوه منه و إن لم يعدّ من الأصنام،إلاّ أن يرجع ولايته إلى ولاية اللّه كولاية الرّسول و الأئمّة و المؤمنين،كما قال تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ يوسف:106.(16:130)

3- فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

الذّاريات:36

ابن عبّاس: غير أهل بيت.(442)

مثله البغويّ(5:286)،و الخازن(6:204).

مجاهد :لوط و ابنتاه.(الآلوسيّ 27:14)

سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر.

(الآلوسيّ 27:14)

الإمام الباقر عليه السّلام: «في حديث أبي بصير:قلت له:

جعلت فداك فهل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذا يعملون؟فقال:نعم إلاّ أهل بيت منهم مسلمين،أ ما تسمع لقوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .(العروسيّ 5:127)

قتادة :لو كان فيها أكثر من ذلك لأنجاهم اللّه، ليعلموا أنّ الإيمان عند اللّه محفوظ لا ضيعة على أهله.

(الطّبريّ 27:2)

ابن زيد :هؤلاء قوم لوط،لم يجدوا فيها غير لوط.(الطّبريّ 27:2)

الطّبريّ: و هو بيت لوط.(27:2)

الطّوسيّ: و البيت الّذي وجده في تلك القرية من المؤمنين هم أتباع لوط.(9:390)

الزّمخشريّ: قيل:هم لوط و ابنتاه،و قيل:كان لوط و أهل بيته الّذين نجوا ثلاثة عشر.(4:19)

مثله أبو السّعود(6:139)،و نحوه البروسويّ(9:

164).

الفخر الرّازيّ: فكأنّه تعالى قال:أخرجنا المؤمنين فما وجدنا الأعمّ منهم إلاّ بيتا من المسلمين،و يلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين،و هذا كما لو قال قائل لغيره:من في البيت من النّاس؟فيقول له:ما في البيت من الحيوانات أحد غير زيد،فيكون مخبرا له بخلوّ البيت عن كلّ إنسان غير زيد.(28:219)

القرطبيّ: يعني لوطا و بنتيه.و فيه إضمار أي فما وجدنا فيها غير أهل بيت.و قد يقال:بيت شريف، يراد به الأهل.(17:48)

الشّربينيّ: أي واحد و هو بيت ابن أخي إبراهيم عليهما السّلام.(4:103)

نحوه المراغيّ(27:5)،و الطّباطبائيّ(18:379).

الآلوسيّ: أي غير أهل بيت،للبيان بقوله تعالى:

مِنَ الْمُسْلِمِينَ فالكلام بتقدير مضاف.و جوّز أن يراد بالبيت نفسه:الجماعة مجازا.(27:14)

البيت

1- وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ

ص: 192

طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ.

البقرة:125

الإمام الباقر عليه السّلام: إذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت،و قل:اللّهمّ إنّي أشهدك أنّ هذا بيتك الحرام الّذي جعلته مثابة للنّاس و أمنا مباركا و هدى للعالمين.(العروسيّ 1:122)

عطاء: معناه طهّرا مكان البيت الّذي تبنياه فيما بعد.

(الطّوسيّ 1:456)

السّدّيّ: يقول:ابنيا بيتي.(الطّبريّ 1:538)

الطّبريّ: و البيت الّذي جعله اللّه(مثابة للنّاس)هو البيت الحرام.(1:532)

[ذكر وجهين في قوله: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ و هما:ابنيا بيتي تطهّرا عن الشّرك.أو طهّرا مكانه قبل بناءه و البيت بعد بناءه](1:538)

نحوه الماورديّ(1:188).

الزّجّاج :الأجود فيه فتح الياء،و إن شئت سكّنتها.

(1:207)

ابن عطيّة :البيت:الكعبة.(1:207)

و أضاف اللّه البيت إلى نفسه تشريفا للبيت،و هي إضافة مخلوق إلى خالق،و مملوك إلى مالك.

(1:208)

الطّبرسيّ: (البيت)الّذي جعله اللّه مثابة هو البيت الحرام،و هو الكعبة.و روي أنّه سمّي البيت الحرام،لأنّه حرم على المشركين أن يدخلوه.و سمّي الكعبة،لأنّها مربّعة.و صارت مربّعة،لأنّها بحذاء البيت المعمور و هو مربّع.و صار البيت المعمور مربّعا،لأنّه بحذاء العرش و هو مربّع،و صار العرش مربّعا،لأنّ الكلمات الّتي بني عليها الإسلام أربع،و هي سبحان اللّه،و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر.(1:203)

القرطبيّ: و قرأ الحسن و ابن أبي إسحاق و أهل المدينة و هشام و حفص (بَيْتِيَ) بفتح الياء،و الآخرون بإسكانها.[إلى أن قال:]

لمّا قال اللّه تعالى: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ دخل فيه بالمعنى جميع بيوته تعالى،فيكون حكمها حكمه في التّطهير و النّظافة.و إنّما خصّ الكعبة بالذّكر لأنّه لم يكن هناك غيرها،أو لكونها أعظم حرمة.و الأوّل أظهر،و اللّه أعلم.

و في التّنزيل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ النّور:

36،و هناك يأتي حكم المساجد إن شاء اللّه تعالى.[ثمّ ذكر حكم دخول البيت و الصّلاة فيها فراجع]

(2:114)

أبو حيّان :لمّا ردّ على اليهود في إنكارهم التّوجّه إلى الكعبة،و كانت الكعبة بناء إبراهيم أبيهم كانوا أحقّ بتعظيمها،لأنّها من مآثر أبيهم،و لوجه آخر من إظهار فضلها و هو كونها مثابة للنّاس و أمنا،و أنّ فيها مقام إبراهيم،و أنّه تعالى أوحى إليه و إلى ولده ببنائها و تطهيرها،و جعلها محلاّ للطّائف و العاكف و الرّاكع و السّاجد،و أمره بأن ينادي في النّاس بحجّها.

و(البيت)هنا الكعبة على قول الجمهور،و قيل:

المراد البيت الحرام لا نفس الكعبة،لأنّه وصفه بالأمن، و هذه صفة جميع الحرم لا صفة الكعبة فقط.و يجوز إطلاق البيت و يراد به كلّ الحرم،و أمّا«الكعبة»فلا تطلق

ص: 193

إلاّ على البناء الّذي يطاف به،و لا تطلق على كلّ الحرم.

[إلى أن قال:]

(بيتى)هذه إضافة تشريف لا أنّ مكانا محلّ للّه تعالى،و لكن لمّا أمر ببنائه و تطهيره و إيفاد النّاس من كلّ فجّ إليه،صار له بذلك اختصاص،فحسنت إضافته إلى اللّه بذلك،و صار نظير قوله:(ناقة اللّه)و(روح اللّه)من حيث أنّ في كلّ منهما خصوصيّة لا توجد في غيره، فناسب الإضافة إليه تعالى.

و الأمر بتطهيره يقتضي سبق وجوده إلاّ إذا حملنا التّطهير على البناء و التّأسيس على الطّهارة و التّقوى، و قد تقدّم أنّه كان مبنيّا على عهد نوح.(1:379)

البروسويّ: دخل فيه بالمعنى جميع بيوته تعالى، فيكون حكمها حكمه في التّطهير و النّظافة.و إنّما خصّ «الكعبة»بالذّكر لأنّه لم يكن هناك غيرها.[إلى أن قال:]

ثمّ اعلم أنّ البيت الّذي شرّفه اللّه بإضافته إلى نفسه و هو بيت القلب في الحقيقة،يأمر اللّه تعالى بتطهيره من دنس الالتفات إلى ما سواه،فإنّه منظر للّه.[ثمّ استشهد بشعر]

فلا بدّ من تصفيته حتّى تعكف عنده الأنوار الإلهيّة و الأسرار الرّحمانيّة،و تنزل السّكينة و الوقار،فعند وصول العبد إلى هذه الرّتبة فقد سجد لربّه حقيقة،و ركع و ناجى مع اللّه بسرّه.(1:227)

2- وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. الأنفال:35

الطّبريّ: يعني بيت اللّه العتيق.(9:240)

البروسويّ: أي بيت اللّه،و هو الكعبة.(3:342)

الآلوسيّ: أي المسجد الحرام الّذي صدّوا المسلمين عنه.و التّعبير عنه ب(البيت)للاختصار مع الإشارة إلى أنّه بيت اللّه تعالى،فينبغي أن يعظّم بالعبادة،و هم لم يفعلوا.(9:203)

رشيد رضا :من المعلوم أنّ البيت إذا أطلق معرّفا انصرف عندهم إلى بيت اللّه المعروف بالكعبة،و البيت الحرام،على القاعدة اللّغويّة في انصراف مثله إلى الأكمل في جنسه،كالنّجم للثّريّا،و هي أعظم النّجوم هداية.

(9:66)

3- وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ.

الحجّ:26.

كعب الأحبار: كان البيت غثاة و هي الماء،قبل أن يخلق اللّه الأرض بأربعين عاما و منه دحيت الأرض.

(السّيوطيّ 4:353)

الإمام عليّ عليه السّلام: لمّا أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل و هاجر،فلمّا قدم مكّة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة،فيه مثل الرّأس،فكلّمه فقال يا إبراهيم:ابن على ظلّي أو على قدري و لا تزد و لا تنقص.فلمّا بنى خرج و خلّف إسماعيل و هاجر، و ذلك حين يقول اللّه: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ. (السّيوطيّ 4:352)

نحوه ابن جريج(السّيوطيّ 4:353)،و الكلبيّ (الميبديّ 6:361).

ص: 194

عائشة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:دثّر مكان البيت،فلم يحجّه هود و لا صالح حتّى بوّأه اللّه لإبراهيم.

(السّيوطيّ 4:352)

ابن عبّاس: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ بيّنّا لإبراهيم (مكان البيت)الحرام بسحابة وقفت على حياله،فبنى إبراهيم البيت على حيال السّحابة،و أوحينا إليه.

(279)

أبو عبيدة :أخبرني أبان أنّ البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درّة واحدة،و بلغني أنّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعا حتّى إذا أغرق اللّه قوم نوح فقد و بقي أساسه،فبوّأه اللّه لإبراهيم فبناه بعد ذلك،فذلك قول اللّه:

وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ.

(السّيوطيّ 4:353)

الطّبريّ: و البيت الّذي أمر إبراهيم خليله صلّى اللّه عليه و سلّم ببنائه و تطهيره من الآفات و الرّيب و الشّرك،و اذكر يا محمّد كيف ابتدأنا هذا البيت الّذي يعبد قومك فيه غيري،إذ بوّأنا لخليلنا إبراهيم.(17:142)

الطّوسيّ: و البيت مكان مهيّأ بالبناء للبيتوتة،فهذا أصله،و جعل البيت الحرام على هذه الصّورة.(7:309)

ابن عطيّة :(البيت)هو الكعبة،و كان فيما روي قد جعله اللّه تعالى متعبّدا لآدم عليه السّلام،ثمّ درس بالطّوفان و غيره،فلمّا جاءت مدّة إبراهيم أمر اللّه تعالى ببنائه، فجاء إلى موضعه و جعل يطلب أثرا،فبعث اللّه ريحا فكشف له عن أساس آدم،فرفع قواعده عليه.

(4:117)

الفخر الرّازيّ: و كان قد رفع البيت إلى السّماء أيّام الطّوفان و كان من ياقوتة حمراء،فأعلم اللّه تعالى إبراهيم عليه السّلام مكانه بريح أرسلها فكشفت ما حوله،فبناه على وضعه الأوّل.(23:26)

السّيوطيّ: عن حوشب بن عقيل قال:سألت محمّد بن عباد بن جعفر:متى كان البيت؟

قال:خلقت الأشهر له.

قلت:كم كان طول بناء إبراهيم؟

قال:ثمانية عشر ذراعا.

قلت:كم هو اليوم؟

قال:ستّة و عشرون ذراعا.

قلت:هل بقي من حجارة بناء إبراهيم شيء؟قال:

حشى به البيت الاّ حجرين ممّا يليان الحجر.(4:353)

البروسويّ: [قال نحو ما تقدّم عن أبي السّعود و أضاف:]

و هو البناء الموجود اليوم،و كان البيت في الوضع القديم مثلّث الشّكل،إشارة إلى قلوب الأنبياء عليهم السّلام؛إذ ليس لنبيّ إلاّ خاطر إلهيّ و ملكيّ و نفسيّ.ثمّ كان في الوضع الحادث على أربعة أركان إشارة إلى قلوب المؤمنين بزيادة الخاطر الشّيطانيّ-ذكر المحدّث الكازرونيّ في مناسكه-إنّ هذا البيت خامس خمسة عشر،سبعة منها في السّماء إلى العرش،و سبعة منها إلى تخوم الأرض السّفلى،لكلّ بيت منها حرم كحرم هذا البيت،لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السّابعة،و لكلّ بيت من أهل السّماء و الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت،و أفضل الكلّ الكعبة المكرّمة.(6:23)

ص: 195

الآلوسيّ: و المراد بالبيت:بيت اللّه عزّ و جلّ الكعبة المكرّمة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن البروسويّ و أضاف:]

و ارتفاعها سبعة و عشرون ذراعا و ربع ذراع، و الذّراع أربع و عشرون إصبعا،و الإصبع ستّ شعيرات،و الشّعيرة ستّ شعرات من شعر البرذون.

و أمّا طولها في الأرض فمن الرّكن اليمانيّ إلى الرّكن الأسود خمسة و عشرون ذراعا،و كذا ما بين اليمانيّ و الغربيّ.

و أمّا عرضها فهو من الرّكن اليمانيّ إلى الرّكن الأسود عشرون ذراعا،و طول الباب ستّة أذرع و عشرة أصابع،و عرضه أربعة أذرع.

و الباب في جدارها الشّرقيّ و هو من خشب السّاج، مضبّب بالصّفائح من الفضّة،و ارتفاع ما تحت عتبة الباب من الأرض أربعة أذرع و ثلاث أصابع،و الميزاب في وسط جدار الحجر.

و عرض الملتزم و هو ما بين الباب و الحجر الأسود أربعة أذرع،و ارتفاع الحجر الأسود من الأرض ثلاثة أذرع إلاّ سبعا،و عرض القدر الّذي بدر منه شبر و أربع أصابع مضمومة.

و عرض المستجار و هو بين الرّكن اليمانيّ إلى الباب المسدود في ظهر الكعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع و خمس أصابع،و عرض الباب المسدود ثلاثة أذرع و نصف ذراع،و طوله أكثر من خمسة أذرع.

و أمّا الحجر و يسمّى الحطيم و الحظيرة،فعلى هيئة نصف دائرة من صوب الشّام و الشّمال بين الرّكن العراقيّ و الشّاميّ.و حدّه من جدار الكعبة الّذي تحت الميزاب إلى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا و ثماني أصابع،منها سبعة أذرع أو ستّة و شبر من أرض الكعبة،و الباقي كان زربا لغنم سيّدنا إسماعيل عليه السّلام فأدخلوه في الحجر، و ما بين بابي الحجر عشرون ذراعا.

و عرض جدار الحجر ذراعان،و ذرع تدوير جدار الحجر من داخله ثمانية و ثلاثون ذراعا،و من خارجه أربعون ذراعا و ستّ أصابع.

و ارتفاع جدار الحجر ذراعان،فذرع الطّوق وحده حوالي الكعبة،و الحجر مائة ذراع و ثلاثة و عشرون ذراعا،و اثنتا عشرة إصبعا.

و هذا على ما ذكره الإمام حسين بن محمّد الآمديّ في رسالة له في ذلك،و العهدة عليه،و إنّا لنرجوا من ربّ البيت أن يوفّقنا لزيارة بيته و تحقيق ذلك بلطفه و كرمه.

(17:142)

4- لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. الحجّ:33

[راجع«ع ت ق»]

5- وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. الطّور:4

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أتي بي إلى السّماء السّابعة فرفع لنا البيت المعمور فإذا هو حيال الكعبة،لو خرّ خرّ عليها، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك،إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه.(الماورديّ 5:377)

الإمام عليّ عليه السّلام:بيت في السّماء يقال له:

الضّراح،و هو بحيال الكعبة من فوقها،حرمته في السّماء

ص: 196

كحرمة البيت في الأرض،يصلّي فيه كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة،و لا يعودون فيه أبدا.[و بهذا المعنى نقل عنه الطّبريّ روايات أخرى](الطّبريّ 27:16)

نحوه عكرمة و مجاهد(الطّبريّ 27:17)،و البغويّ (6:144)،و النّسفيّ(4:189)،و الخازن(6:206).

عائشة: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قدم مكّة فأرادت عائشة أن تدخل البيت،فقال لها بنو شيبة:إنّ أحدا لا يدخله ليلا، و لكن نخلّيه لك نهارا،فدخل عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فشكت إليه أنّهم منعوها أن تدخل البيت،فقال:إنّه ليس لأحد أن يدخل البيت ليلا.إنّ هذه الكعبة بحيال البيت المعمور الّذي في السّماء،يدخل ذلك المعمور سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة،لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة.(السّيوطيّ 6:117)

ابن عبّاس: و أقسم بالبيت المعمور بالملائكة، و هو في السّماء السّادسة،بحيال الكعبة،ما بينه و بين الكعبة إلى تخوم الأرضين السّابعة حرم،يدخل فيه كلّ يوم سبعون ألف ملك،لا يعودون إليه أبدا،و هو البيت الّذي بناه آدم و رفع إلى السّماء السّادسة من الطّوفان، و هو يسمّى الضّراح،و هو مقابل الكعبة.(443)

و هو بيت في السّماء الرّابعة بحيال الكعبة،تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة.

(الطّبرسيّ 5:163)

مثله مجاهد(الطّبرسيّ 5:163)،و الطّوسيّ(9:

402).

البيت الّذي في السّماء الدّنيا يقال له:الضّراح،و هو بفناء البيت الحرام،لو سقط سقط عليه،يدخله كلّ يوم ألف ملك،لا يعودون إليه أبدا.(الطّبرسيّ 5:163)

الضّحّاك: يزعمون أنّه يروح إليه كلّ يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس،يقال لهم الجنّ.

(الطّبريّ 27:17)

الحسن : وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ: هو البيت الحرام.

(الماورديّ 5:378)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ اللّه وضع تحت العرش أربع أساطين،و سمّاهنّ«الضّراح»و هو بيت المعمور،و قال للملائكة:طوفوا به،ثمّ بعث ملائكته فقال:ابنوا في الأرض بيتا بمثاله و قدره،و أمر من في الأرض أن يطوفوا بالبيت.(العروسيّ 5:136)

السّدّيّ: اَلْبَيْتِ الْمَعْمُورِ :هو بيت فوق ستّ سماوات،و دون السّابعة،يدعى الضّراح،يصلّي فيه كلّ يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس،لا يرجعون إليه أبدا،و هو بحذاء البيت العتيق.

(الماورديّ 5:378)

الرّبيع: إنّ البيت المعمور كان في الأرض في موضع الكعبة في زمان آدم،حتّى إذا كان زمان نوح أمرهم أن يحجّوا،فأبوا عليه و عصوه،فلمّا طغى الماء رفع فجعل بحذائه في السّماء الدّنيا،فيعمره فبوّأ اللّه لإبراهيم الكعبة البيت الحرام حيث كان،قال اللّه تعالى: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الآية.(الماورديّ 5:378)

ابن زيد :بيت اللّه الّذي في السّماء.

(الطّبريّ 27:17)

الفرّاء: بيت كان آدم عليه السّلام بناه،فرفع أيّام الطّوفان، و هو في السّماء السّادسة بحيال الكعبة.(3:91)

ص: 197

الطّبريّ: يقول:و البيت الّذي يعمر بكثرة غاشيته،و هو بيت فيما ذكر في السّماء بحيال الكعبة من الأرض،يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة،ثمّ لا يعودون فيه أبدا.(27:16)

نحوه الزّجّاج.(5:61)

الزّمخشريّ: الضّراح في السّماء الرّابعة،و عمرانه كثرة غاشيته من الملائكة،و قيل:الكعبة لكونها معمورة بالحجّاج و العمّار و المجاورين.(4:22)

نحوه أبو السّعود.(5:106)

الفخر الرّازيّ: و أمّا(البيت المعمور)ففيه وجوه:

الأوّل:هو بيت في السّماء العليا عند العرش، و وصفه بالعمارة لكثرة الطّائفين به من الملائكة.

الثّاني:هو بيت اللّه الحرام،و هو معمور بالحاجّ الطّائفين به العاكفين.

الثّالث:البيت المعمور،اللاّم فيه لتعريف الجنس، كأنّه يقسم بالبيوت المعمورة و العمائر المشهورة و السّقف المرفوع و السّماء...[إلى أن قال:]

ما الحكمة في اختيار هذه الأشياء؟نقول هي تحتمل وجوها:

أحدها:إنّ الأماكن الثّلاثة،و هي:الطّور،و البيت المعمور،و البحر المسجور،أماكن كانت لثلاثة أنبياء، ينفردون فيها للخلوة بربّهم،و الخلاص من الخلق، و الخطاب مع اللّه.

أمّا الطّور فانتقل إليه موسى عليه السّلام،و البيت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و البحر المسجور يونس عليه السّلام.و الكلّ خاطبوا اللّه هناك، فقال موسى: أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ، الأعراف:

155،و قال: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ الأعراف:143

و أمّا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:«السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين.لا أحصى ثناء عليك،كما أثنيت على نفسك».

و أمّا يونس فقال: لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ الأنبياء:87،فصارت الأماكن شريفة بهذه الأسباب،فحلف اللّه تعالى بها.(28:239)

البيضاويّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

أو قلب المؤمن و عمارته بالمعرفة و الإخلاص.

(2:424)

الشّربينيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين].(4:111)

البروسويّ: أي الكعبة و عمارتها بالحجّاج و العمّار و المجاورين.أو الضّراح،يعني اسم البيت المعمور الضّراح.

قال السّهيليّ رحمه اللّه: و هو في السّماء السّابعة، و اسمها عروبا.قال وهب بن منبّه:من قال:سبحان اللّه و بحمده،كان له نور يملأ ما بين عروبا و حريبا.و حريبا هي الأرض السّابعة،انتهى.

و هو حيال الكعبة،و عمرانه كثرة غاشيته من الملائكة،يزوره كلّ يوم سبعون ألف ملك بالطّواف و الصّلاة،و لا يعودون إليه أبدا.و حرمته في السّماء كحرمة الكعبة في الأرض،و هو عدد خواطر الإنسان في اليوم و اللّيلة،و منه قيل:إنّ القلب مخلوق من البيت المعمور.و قيل:باطن الإنسان كالبيت المعمور، و الأنفاس كالملائكة دخولا و خروجا.

و في أخبار المعراج:رأيت في السّماء السّابعة البيت

ص: 198

المعمور،و إذا أمامه بحر،و إذا يؤمر الملائكة فيخوضون في البحر يخرجون فينفضون أجنحتهم،فيخلق اللّه من كلّ قطرة ملكا يطوف،فدخلته و صلّيت فيه.

و سمّي بالضّراح بضمّ الضّاد المعجمة،لأنّه ضرح أي رفع و أبعد حيث كان في السّماء السّابعة،و الضّرح هو الإبعاد و التّنحية.يقال:ضرحه،أي نحاه و رماه في ناحية،و أضرحه عنك،أي أبعده،و الضّريح:البعيد.

و قيل:كان بيتا ياقوتة أنزله اللّه موضع الكعبة، فطاف به آدم و ذرّيّته إلى زمان الطّوفان،فرفع إلى السّماء،و كان طوله كما بين السّماء و الأرض.و ذهب بعضهم إلى أنّه في السّماء الرّابعة،و لا منافاة فقد ثبت أنّ في كلّ سماء بحيال الكعبة في الأرض بيتا.

يقول الفقير:و الّذي يصحّ عندي من طريق الكشف أنّ البيت المعمور في نهاية السّماء السّابعة،فإنّه إشارة إلى مقام القلب،فكما أنّ القلب بمنزلة الأعراف فإنّه برزخ بين الرّوح و الجسد كما أنّ الأعراف برزخ بين الجنّة و النّار،فكذا البيت المعمور فإنّه برزخ بين العالم الطّبيعيّ الّذي هو الكرسيّ و العرش،و بين العالم العنصريّ الّذي هو السّماوات السّبع و ما دونها.

و هذا لا ينافي أن يكون في كلّ سماء بيت على حدة هو على صورة البيت المعمور،كما أنّه لا ينافي كون الكعبة في مكّة أن يكون في كلّ بلدة من بلاد الإسلام مسجد على حدة صورتها،فكما أنّ الكعبة أمّ المساجد و جميع المساجد صورها و تفاصيلها،فكذا البيت المعمور أصل البيوت الّتي في السّماوات،فهو الأصل في الطّواف و الزّيارة،و لذا رأى النّبيّ عليه السّلام ليلة المعراج إبراهيم عليه السّلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور الّذي هو بإزاء الكعبة، و إليه تحجّ الملائكة.

و قال بعضهم:المراد ب(البيت المعمور):قلب المؤمنين و عمارته بالمعرفة و الإخلاص،فإنّ كلّ قلب ليس فيه ذلك فهو خراب ميّت،فكأنّه لا قلب.

(9:185)

الآلوسيّ: قال الحسن:هو الكعبة،يعمره اللّه تعالى كلّ سنة بستّمائة ألف من النّاس،فإن نقصوا أتمّ سبحانه العدد من الملائكة.و أنت تعلم أنّ من المجاز المشهور:

مكان معمور،بمعنى مأهول مسكون،تحلّ النّاس في محلّ هو فيه،فعمارة الكعبة بالمجاورين عندها و بحجّاجها، صحّ خبر الحسن المذكور أم لا.(27:27)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد به:الكعبة المشرّفة، فإنّها أوّل بيت وضع للنّاس،و لم يزل معمورا منذ وضع إلى يومنا هذا،قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ آل عمران:96.

(19:6)

مكارم الشّيرازيّ: و هناك تفاسير مختلفة في (البيت المعمور)إذ قال بعضهم:المراد منه البيت الّذي في السّماء محاذيا للكعبة،و هو معمور بطواف الملائكة و زيارتهم إيّاه،و يلاحظ هذا المعنى في روايات إسلاميّة مختلفة،وردت في مصادر متعدّدة.

و قال بعضهم:المراد منه الكعبة و بيت اللّه في الأرض الّذي هو معمور بالحاجّ و الزّائرين،و هو أوّل بيت وضع للنّاس على الأرض،كما نعلم.

و طبقا لبعض الرّوايات فإنّ سبعين ألف ملك

ص: 199

يزورون ذلك البيت كلّ يوم،و لا يعودون إليه أبدا.

و قال بعضهم:المراد من(البيت المعمور)هو قلب المؤمن الّذي يعمره الإيمان و ذكر اللّه.إلاّ أنّ ظاهر الآية هو واحد من المعنيين الأوّلين المذكورين آنفا،و بملاحظة التّعابير المختلفة في القرآن عن الكعبة بالبيت،يكون المعنى الثّاني أكثر انسجاما.(17:144)

بيتك

1- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. الأنفال:5

ابن عبّاس: من المدينة.(145)

مثله الطّبريّ(9:182)،و البروسويّ(3:314)، و شبّر(3:7)،و الطّباطبائيّ(9:15).

ابن جريج:من المدينة إلى بدر.(الطّبريّ 9:182)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:كما أخرجك ربّك من مكّة إلى المدينة بالحقّ،مع كراهة فريق من المؤمنين،كذلك ينجز وعدك في نصرك على أعدائك بالحقّ.

و الثّاني:كما أخرجك ربّك من بيتك من المدينة إلى بدر بالحقّ،كذلك جعل لك غنيمة بدر بالحقّ.(2:295)

الزّمخشريّ: يريد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها، لأنّها مهاجره و مسكنه،فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت بساكنه.(2:143)

مثله الفخر الرّازيّ(5:125)،و البيضاويّ(1:

384)،و النّسفيّ(2:94).

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ(من بيتك)هو مقام سكناه، و قيل:المدينة لأنّها مهاجره و مختصّة به،و قيل:مكّة، و فيه بعد لأنّ الظّاهر أنّ هذا إخبار عن خروجه إلى بدر، فصرفه إلى الخروج من مكّة ليس بظاهر.(4:463)

نحوه الآلوسيّ(9:169)،و القاسميّ(8:2954).

2- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ... إبراهيم:37

ابن عبّاس:مكّة.(214)

الطّبريّ: و إنّه بيت طهّره اللّه من السّوء،و جعله قبلة،و جعله حرمه،اختاره نبيّ اللّه إبراهيم.(13:232)

الماورديّ: لأنّه قبلة الصّلوات فلذلك أسكنهم عنده،و أضاف«البيت»إليه،لأنّه لا يملكه غيره.

(3:138)

الطّوسيّ: و إنّما أضاف«البيت»إلى اللّه،لأنّه مالكه من غير أن يملكه أحد سواه.لأنّ ما عداه قد ملك غيره من العباد.و سمّاه«بيتا»قبل أن يبنيه إبراهيم لأمرين:

أحدهما:أنّه لمّا كان المعلوم أنّه يبنيه،فسمّاه ما يكون بيتا.و الثّاني:قيل:إنّه كان البيت قبل ذلك،و إنّما خربته طسم و اندوس،و قيل:إنّه رفع عند الطّوفان إلى السّماء.

(6:300)

مثله الطّبرسيّ(3:318)،و نحوه ابن الجوزيّ(4:

365).

البغويّ: و إنّ هناك بيت اللّه يبنيه هذا الغلام و أبوه، و إنّ اللّه لا يضيع أهله.و كان موضع البيت مرتفعا من

ص: 200

الأرض كالرّابية،تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه و شماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء،فنزلوا في أسفل مكّة.(3:44)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ قوله: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ يقتضي وجود البيت حالة الدّعاء،و سبقه قبله.

(5:432)

أبو السّعود :و تسميته إذ ذاك«بيتا»و لم يكن له بناء-و إنّما كان نشزا مثل الرّابية،تأتيه السّيول فتأخذ ذات اليمين و ذات الشّمال-ليست باعتبار ما سيئول إليه الأمر من بنائه عليه السّلام،فإنّه ينزع إلى اعتبار عنوان الحرمة أيضا كذلك،بل إنّما هي باعتبار ما كان من قبل،فإنّ تعدّد بناء الكعبة المعظّمة ممّا لا ريب فيه،و إنّما الاختلاف في كمّيّة عدده،و قد ذكرناها في سورة البقرة بفضل اللّه تعالى.(3:493)

البروسويّ: و في«التأويلات النّجميّة»: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ و هو القلب المحرّم أن يكون بيتا لغير اللّه،كما قال:لا يسعني أرضي و لا سمائي و إنّما يسعني قلب عبدي المؤمن.(4:426)

[لاحظ«ح ر م»]

بيتى

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً.

نوح:28

ابن عبّاس:ديني.(487)

مثله جويبر.(الماورديّ 6:106)

يعني صديقي الدّاخل إلى منزلي.(الماورديّ 6:106)

شريعتي.(أبو حيّان 8:343)

الضّحّاك: مسجدي.(الطّبريّ 29:101)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّما يعني«الولاية»من دخل فيها دخل في بيوت الأنبياء.(القمّيّ 2:388)

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(العروسيّ 5:429)

الطّبريّ: يقول:و لمن دخل مسجدي و مصلاّي مصلّيا مؤمنا،يقول:مصدّقا بواجب فرضك عليه.

(29:101)

الزّجّاج :قالوا:بيتي مسجدا،و إن شئت أسكنت الياء و إن شئت فتحتها.(5:231)

الثّعلبيّ: سفينته.(ابن الجوزيّ 8:375)

الطّوسيّ: قيل:المراد بالبيت:مسجده،و قيل:

أراد سفينته؛و ذلك على وجه الانقطاع إليه تعالى،لأنّه لا يفعل معصية يستحقّ بها العقاب.فأمّا والداه و المؤمنون و المؤمنات الّذين استغفر لهم فيجوز أن يكون منهم معاص يحتاج أن يستغفرها لهم.(10:142)

الزّمخشريّ: منزلي،و قيل:مسجدي،و قيل:

سفينتي.خصّ أوّلا من يتّصل به،لأنّهم أولى و أحقّ بدعائه.(4:165)

نحوه الخازن(7:131)،و مكارم الشّيرازيّ(19:

70).

ابن عطيّة :و قال ابن عبّاس أيضا:بيته:شريعته و دينه،استعار لها بيتا،كما يقال:قبّة الإسلام،و فسطاط الدّين،و قيل:أراد سفينته،و قيل:داره.(5:377)

ص: 201

نحوه الآلوسيّ.(29:81)

الطّبرسيّ: أي دخل داري،و قيل:سفينتي، و قيل:يريد بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(5:365)

الفخر الرّازيّ: و قيل:لمن دخل في ديني.فإن قيل:فعلى هذا التّفسير يصير قوله:(مؤمنا)مكرّرا.

قلنا:إنّ من دخل في دينه ظاهرا،قد يكون مؤمنا بقلبه،و قد لا يكون،و المعنى:و لمن دخل في ديني دخولا مع تصديق القلب.(30:147)

القرطبيّ: أي مسجدي و مصلاّي مصلّيا مصدّقا باللّه.و كان إنّما يدخل بيوت الأنبياء من آمن منهم، فجعل المسجد سببا للدّعاء بالمغفرة.و قد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«الملائكة تصلّي على أحدكم ما دام في مجلسه الّذي صلّى فيه ما لم يحدث فيه،تقول:اللّهمّ اغفر له اللّهمّ ارحمه» الحديث.(18:314)

النّيسابوريّ: و قيل:ديني،و على هذا يكون قوله:(مؤمنا)احترازا من المنافق،أي دخولا مع تصديق القلب،ثمّ عمّم دعاء الخير للمؤمنين و المؤمنات،و دعاء الشّرّ لأهل الظّلم و الشّرك إلى يوم القيامة.(29:60)

نحوه الشّربينيّ(4:396)،و أبو السّعود(6:312).

البروسويّ: أي منزلي،و قيل:مسجدي فإنّه بيت أهل اللّه،و إن كان بيت اللّه من وجه.و قيل:سفينتي، فإنّها كالبيت في حرز الحوائج و حفظ النّفوس،عن الحرّ و البرد و غيرهما.(10:186)

بيوت

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ. النّور:36

عائشة: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ببناء المساجد في الدّور و أن تنظّف و تطيّب.(الدّرّ المنثور 5:50)

ابن عبّاس: و هي المساجد تكرم،و نهي عن اللّغو فيها.

يعني كلّ مسجد يصلّى فيه،جامع أو غيره.

(الطّبريّ 18:144)

هي المساجد الّتي من عادتها أن تنوّر بذلك النّوع من المصابيح.

مثله الحسن و مجاهد.(أبو حيّان 6:458)

كنت في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قرأ القارئ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ فقلت:يا رسول اللّه ما البيوت؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:بيوت الأنبياء عليهم السّلام،و أومأ بيده إلى بيت فاطمة الزّهراء صلوات اللّه عليها ابنته.

[و هناك روايات أخرى فلاحظ](البحرانيّ 7:94)

...إنّها المساجد المخصوصة للّه تعالى بالعبادة،و أنّها تضيء لأهل السّماء كما تضيء النّجوم لأهل الأرض.

مثله مجاهد و الحسن.(القرطبيّ 12:265)

هي المساجد تكرم،و نهي عن اللّغو فيها، وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، يتلى فيها كتابه،(يسبّح)يصلّي له فيها بالغدوّ صلاة الغداة،و الآصال صلاة العصر،و هما أوّل ما فرض اللّه من الصّلاة،و أحبّ أن يذكرهما،و يذكرهما عباده.(الدّرّ المنثور 5:50)

ص: 202

أنس بن مالك: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هذه الآية فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ فقام إليه رجل فقال:أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه؟قال:بيوت الأنبياء،فقام إليه أبو بكر فقال:يا رسول اللّه هذا البيت منها لبيت عليّ و فاطمة، قال:نعم من أفاضلها.(الدّرّ المنثور 5:50)

مجاهد :بيوت الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(أبو حيّان 6:458)

عكرمة :سائر البيوت.(الماورديّ 4:106)

الحسن :في المساجد.

مثله سالم بن عمرو ابن زيد و أبو صالح(الطّبريّ 18:

144)،و مثله الزّجّاج(4:45).

يعنى به بيت المقدّس.(القرطبيّ 12:265)

الإمام الباقر عليه السّلام: هي بيوت الأنبياء،و بيت عليّ منها.(العروسيّ 3:607)

قتادة :هي المساجد أذن اللّه في بنيانها و رفعها، و أمر بعمارتها و بطهورها.(الدّرّ المنثور 5:50)

عمرو بن ميمون: أدركت أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هم يقولون:المساجد:بيوت اللّه،و إنّه حقّ على اللّه أن يكرم من زاره فيها.(الطّبريّ 18:144)

الطّبريّ: و عنى بالبيوت المساجد.[إلى أن قال:]

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في ذلك،لدلالة قوله: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ النّور:36،37، على أنّها بيوت بنيت للصّلاة،فلذلك قلنا:هي المساجد.

(18:145)

البغويّ: و روى صالح بن بريدة في قوله تعالى:

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ قال:إنّما هي أربعة مساجد لم يبنها إلاّ نبيّ: الكعبة بناها إبراهيم و إسماعيل فجعلاها قبلة، و بيت المقدس:بناه داود و سليمان،و مسجد المدينة:بناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و مسجد قباء أسّس على التّقوى:بناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(3:418)

نحوه أبو السّعود.(4:464)

الزّمخشريّ: (فى بيوت)يتعلّق بما قبله،أي كمشكاة في بعض بيوت اللّه و هي المساجد،كأنّه قيل:

مثل نوره كما يرى في المسجد نور المشكاة الّتي من صفتها كيت و كيت،أو بما بعده و هو يسبّح.(3:68)

ابن عطيّة :الباء في(بيوت)تضمّ و تكسر، و اختلف في الفاء من قوله:(فى)،فقيل:هي متعلّقة ب(مصباح)،قال أبو حاتم:و قيل:متعلّقة ب يُسَبِّحُ المتأخّر،فعلى هذا التّأويل يوقف على(عليم).

قال الرّمّانيّ: هي متعلّقة ب يُوقَدُ، و اختلف النّاس في البيوت.[و نقل قول ابن عبّاس و مجاهد ثمّ قال:]

و قال عكرمة: أراد بيوت الإيمان على الإطلاق مساجد و مساكن،فهي الّتي يستصبح فيها باللّيل للصّلاة و قراءة العلم.و قال مجاهد:أراد بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(4:185)

الطّبرسيّ: فِي بُيُوتٍ... معناه هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها،و هي المساجد في قول ابن عبّاس و الحسن و مجاهد و الجبّائيّ.و يعضده قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«المساجد بيوت اللّه في الأرض و هي تضيء لأهل السّماء كما تضيء النّجوم لأهل الأرض».[إلى أن قال:]

و قيل:هي بيوت الأنبياء،و روي ذلك مرفوعا أنّه

ص: 203

سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا قرأ الآية،أيّ بيوت هذه؟فقال:

بيوت الأنبياء.فقام أبو بكر،فقال:يا رسول اللّه هذا البيت منها-يعني بيت عليّ و فاطمة-قال:نعم،من أفاضلها.و يعضد هذا القول قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33،و قوله: رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود:73،فالإذن برفع بيوت الأنبياء و الأوصياء مطلق.(4:144)

الفخر الرّازيّ: أكثر المفسّرين قالوا:المراد من قوله:(فى بيوت)المساجد،و عن عكرمة قال:هي البيوت كلّها،و الأوّل أولى لوجهين:الأوّل:أنّ في البيوت ما لا يمكن أن يوصف بأنّ اللّه تعالى أذن أن ترفع، الثّاني:أنّه تعالى وصفها بالذّكر و التّسبيح و الصّلاة، و ذلك لا يليق إلاّ بالمساجد.(24:3)

البيضاويّ: (فى بيوت)متعلّق بما قبله،أي كمشكاة في بعض بيوت،أو توقد في بعض بيوت، فيكون تقييدا للممثّل به بما يكون تحبيرا و مبالغة فيه، فإنّ قناديل المساجد تكون أعظم،أو تمثيلا لصلاة المؤمنين أو أبدانهم بالمساجد،و لا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة؛إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة و لا كثرة،أو بما بعده و هو(يسبّح).و فيها تكرير مؤكّد لا ب(يذكر)لأنّه من صلة(ان)فلا يعمل فيما قبله، أو بمحذوف مثل سبّحوا في بيوت،و المراد بها المساجد، لأنّ الصّفة تلائمها.

و قيل:المساجد الثّلاثة،و التّنكير للتّعظيم.(2:128)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ قوله:(فى بيوت)أريد به مدلوله من الجمعيّة.

و سمّي«بيوتا»من حيث فيه مواضع يتحيّز (1)بعضها عن بعض،و يؤثر أنّ عادة بني إسرائيل في و قيده في غاية التّهمّم،و الزّيت مختوم على ظروفه،و قد صنع صنعة و قدّس حتّى لا يجري الوقيد بغيره،فكان أضوأ بيوت الأرض.و الظّاهر أنّ(فى بيوت)مطلق،فيصدق على المساجد،و البيوت الّتي تقع فيها الصّلاة و العلم.

(6:458)

الآلوسيّ: استئناف لبيان حال من حصلت لهم الهداية لذلك النّور،و ذكر بعض أعمالهم القلبيّة و القالبيّة، فالجارّ و المجرور،أعني متعلّق قوله تعالى:(فى بيوت) ب(يسبّح)،و فيها تكرير،لذلك جيء به للتّأكيد و التّذكير بما بعد في الجملة،و للإيذان بأنّ التّقديم للاهتمام دون الحصر.[ثمّ أطال الكلام في إعراب الجملة فراجع]

(18:173)

الطّباطبائيّ: (فى بيوت)متعلّق بقوله في الآية السّابقة:(كمشكاة)،أو قوله: يَهْدِي اللّهُ، و المآل واحد،و من المتيقّن من هذه البيوت:المساجد،فإنّها معدّة لذكر اسمه فيها ممحّضة لذلك،و قد قال تعالى:

وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً الحجّ:40.

(15:126)

مكارم الشّيرازيّ: و يجب أن نعرف الآن أين موضع هذا المصباح؟و شكل موضعه؟ليتّضح لنا ما كان ضروريّا إيضاحه في هذا المجال،لهذا نقول الآية التّالية:

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ.ز.

ص: 204


1- كذا،و الظّاهر:يتميّز.

و قد اعتبر العديد من المفسّرين هذه الآية مرتبطة -كما قلنا-بالآية الّتي سبقتها.إلاّ أنّ البعض من المفسّرين قال:إنّ هذه الجملة ترتبط بالجملة الّتي تليها، إلاّ أنّ ذلك بعيد عن الصّواب.

و قد يسأل عن خصائص البيوت الّتي احتوت مثل هذه المصابيح المنيرة الّتي ورد ذكرها في هذه الآية، و الّتي يحرسها رجال أشدّاء يقظون،و هم الّذين يحفظون هذه المصابيح المنيرة،إضافة إلى أنّ هؤلاء الرّجال يبحثون عن مصدر نور،فيهرعون إليه بعد أن يتعرّفوا على موضع هذا النّور،و ما المقصود من هذه البيوت؟

الجواب يتّضح بما ذكرته آخر الآية من خصائص، حيث تقول: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ النّور:36،37،إنّ هذه الخصائص تكشف عن أنّ هذه البيوت هي المراكز الّتي حصّنت بأمر من اللّه،و أنّها مركز لذكر اللّه و لبيان حقيقة الإسلام و تعاليم اللّه،و يضمّ هذا المعنى الواسع:المساجد و بيوت الأنبياء و الأولياء، خاصّة بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و بيت عليّ عليه السّلام.و لا دليل يؤيّد حصرها-من قبل بعض المفسّرين-بالمساجد أو بيوت الأنبياء و أمثالها.

و قد نشاهد في أحاديث كالحديث المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام«هي بيوت الأنبياء،و بيت عليّ منها».

و في حديث آخر حيث سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا قرأ الآية، أيّ بيوت هذه؟فقال:«بيوت الأنبياء».فقام أبو بكر فقال:«يا رسول اللّه،هذا البيت منها،يعني بيت عليّ و فاطمة.قال:«نعم،من أفاضلها».

كلّ ذلك إشارة إلى مصاديق واضحة تذكرها الأحاديث كعادتها،حين تفسير القرآن.

أجل إنّ كلّ مركز يقام بأمر من اللّه،و يذكر فيه اسمه و يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال،و فيه رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر اللّه،فهي مواضع لمشكاة الأنوار الإلهيّة و الإيمان و الهداية.

و لهذه البيوت عدّة خصائص:أوّلها:أنّها شيّدت بأمر من اللّه،و رفعت جدرانها و أحكم بناؤها لتمنع تسلّل الشّياطين،و هي أيضا مركز لذكر اللّه،و أخيرا فإنّ فيها رجالا يحرسونها ليل نهار،و هم يسبّحون اللّه،لا تلهيهم تجارة عن ذكر اللّه.

هذه البيوت بهذه الخصائص،مصادر للهداية و الإيمان.(11:95)

البيوت

1- ...وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. البقرة:189

الإمام عليّ عليه السّلام: و قد جعل اللّه للعلم أهلا،و فرض على العباد طاعتهم،بقوله: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها. و(البيوت)هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء،و(أبوابها)أوصياؤهم.[و هناك روايات أخرى تقدّمت في«ب و ب»فراجع](العروسيّ 1:177)

ابن عبّاس:إنّ سبب نزول ذلك،ما روى داود عن قيس بن جبير:أنّ النّاس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا

ص: 205

حائطا من بابه،فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دارا،و كان رجل من الأنصار يقال له:رفاعة بن أيّوب،فجاء فتسوّر الحائط على رسول اللّه،فلمّا خرج من باب الدّار خرج رفاعة،فقال رسول اللّه:«ما حملك على ذلك؟فقال:

يا رسول اللّه رأيتك خرجت منه فخرجت منه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّي رجل أحمس،فقال:إن تكن أحمس فديننا واحد»،فأنزل اللّه تعالى: لَيْسَ الْبِرُّ الآية.

مثله قتادة و عطاء.(الماورديّ 1:250)

ابن زيد :عنى ب(البيوت):النّساء،سمّيت بيوتا للإيواء إليهنّ،كالإيواء إلى البيوت،و معناه:لا تأتوا النّساء من حيث لا يحلّ من ظهورهنّ،و آتوهنّ من حيث يحلّ من قبلهنّ.(الماورديّ 1:250)

أبو عبيدة :معناه ليس البرّ أن تطلبوا الخير من غير أهله،و تأتوه من غير بابه.(الماورديّ 1:250)

الفارسيّ: و اختلفوا في:البيوت و العيون و الشّيوخ و الغيوب و الجيوب،في ضمّ الحرف الأوّل من هذه كلّها، و كسره.

فقرأ ابن كثير و ابن عامر و الكسائي (الغيوب) بضمّ الغين،و كسر الباء من(البيوت)و العين من(العيون).

و قرأ أبو عمرو بضمّ ذلك كلّه:الباء و العين و الغين و الجيم و الشّين.

و اختلف عن نافع فروى المسيّبيّ و قالون:(البيوت) بكسر الباء،و هذه وحدها،و ضمّ الغين و العين و الجيم و الشّين.

و قال ورش عن نافع:إنّه ضمّ ذلك كلّه،و الباء من (البيوت)،و كذلك قال إسماعيل بن جعفر و ابن جمّاز عنه:إنّه ضمّها كلّها.

قال أبو بكر ابن أبي أويس: (البيوت،و الغيوب، و العيون،و الجيوب،و جيوبهنّ،و الشّيوخ)بكسر أوّل ذلك كلّه.قال الواقديّ عن نافع:(البيوت)بضمّ الباء.

و اختلف عن عاصم أيضا،فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه:أنّه كسر الباء من(البيوت)،و العين من (العيون)،و الغين من(الغيوب)،و الشّين من(شيوخا)، و ضمّ الجيم من(الجيوب)وحدها.

قال:يبدأ بالكسر ثمّ يشمّها الضّمّ.

و روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنّه كان يكسر الشّين من(شيوخا)وحدها،و يضمّ الباقي،و هذا غلط.

و قال عمرو بن الصّبّاح،عن أبي عمر عن عاصم (شيوخا)بضمّ الشّين،و ضمّ سائر الحروف.

و كان حمزة يكسر الأوّل من هذه الحروف كلّها.

و قال خلف و أبو هشام عن سليم عن حمزة:إنّه كان يشمّ الجيم الضّمّ،ثمّ يشير إلى الكسر،و يرفع الياء من قوله:

(جيوبهنّ)،و هذا شيء لا يضبط.

و قال غير سليم:بكسر الجيم.

أمّا من ضمّ الفاء من شيوخ،و عيون،و جيوب، فبيّن لا نظر فيه،بمنزلة«فعول»إذا كان جمعا،و لم تكن عينه ياء،و أمّا من قال:(شيوخ و جيوب)فكسر الفاء، فإنّما فعل ذلك من أجل الياء،أبدل من الضّمّة الكسرة، لانّ الكسرة للياء أشدّ موافقة من الضّمّة لها.

فإن قلت:هلاّ استقبح ذلك،لأنّه أتى بضمّة بعد كسرة،و ذلك ممّا قدّمت أنّهم قد رفضوه في كلامهم، فهلاّ رفض أيضا القارئ للجيوب ذلك؟

ص: 206

قيل:إنّ الحركة إذا كانت للتّقريب من الحرف لم تكره،و لم تكن بمنزلة ما لا تقريب فيه-أ لا ترى أنّه لم يجئ في الكلام عند سيبويه على«فعل»إلاّ ابل.و قد أكثروا من هذا البناء،و استعملوه على اطّراد،إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من الحرف؛و ذلك قولهم:

ماضغ لهم،و رجل محك و جئز.و قالوا في الفعل:شهد و لعب.

و استعملوا في إرادة التّقريب ما ليس في كلامهم على بنائه البتّة.و ذلك نحو:شعير و رغيف و شهيد،و ليس في الكلام شيء على«فعيل»على غير هذا الوجه،فكذلك نحو:شيوخ و جيوب،يستجاز فيه ما ذكرنا للتّقريب و التّوفيق بين الجمعين.

و ممّا يدلّ على جواز ذلك أنّك تقول في تحقير فلس:

فليس،و لا يكسر أحد الفاء في هذا النّحو.فإذا كانت العين ياء،كسروا الفاء،فقالوا:عيينة و بييت،فكسروا الفاء هاهنا لتقريبه من الياء،ككسر الفاء من«فعول» و ذلك ممّا قد حكاه سيبويه،فكما كسرت الفاء من:

عيينة و نحوه،و إن لم يكن في أبنية التّحقير،على هذا الوزن لتقريب الحركة ممّا بعدها،كذلك كسروا الفاء من (جيوب)و نحوها.

و ممّا يقوّي هذا الكسر في الفاء إذا كان العين ياء للإتباع،أنّه قد جاء في الجموع ما لزمته الكسرة في الفاء،و لم نعلم أحدا ممّن يسكن إلى روايته حكى فيه غير ذلك،و ذلك قولهم في جمع قوس:قسيّ،فلو لا أنّ الكسر في هذا الباب قد تمكّن،ما كان الحرف ليجيء على الكسر خاصّة،و لا يستعمل فيه غيره،فإذا نسبت إلى قسيّ-اسم رجل-قلت:قسويّ،فرددت الضّمّة الّتي هي الأصل،و قياس من قال:صعقيّ أن يقول:

قسويّ،فيقرّ الكسرة،و إن كانت الكسرة في العين الّتي لها كسرت الفاء،قد زالت كما زالت من صعقيّ.[ثمّ استشهد بشعرين](الحجّة للقرّاء السّبعة 2:280)

نحوه أبو زرعة(127)،و البغويّ(1:236).

الماورديّ: فيه ستّة أقاويل:

أحدها و ثانيها:[قول ابن عبّاس و أبي زيد و قد تقدّم].

و الثّالث:أنّه في النّسيء و تأخير الحجّ به،حين كانوا يجعلون الشّهر الحلال حراما بتأخير الحجّ، و الشّهر الحرام حلالا بتأخير الحجّ عنه،و يكون ذكر البيوت و إتيانها من ظهورها مثلا لمخالفة الواجب في الحجّ و شهوره.و المخالفة:إتيان الأمر من خلفه،و الخلف و الظّهر في كلام العرب واحد.

و الرّابع:أنّ الرّجل كان إذا خرج لحاجته،فعاد و لم ينجح لم يدخل من بابه،و دخل من ورائه،تطيّرا من الخيبة،فأمرهم اللّه أن يأتوا بيوتهم من أبوابها.

و الخامس:[قول أبي عبيدة و قد تقدّم]

و القول السّادس:أنّه مثل ضربه اللّه عزّ و جلّ لهم، بأن يأتوا البرّ من وجهه،و لا يأتوه من غير وجهه.

(1:250)

الطّوسيّ: (البيوت و السّيوح (1)و الغيوب و الجيوب)بكسر أوّلها.شاميّ و الكسائيّ و الأعشى لا يكسرون(الغيوب)و يكسرها حمزة و يحيى إلاّق.

ص: 207


1- كذا،و الظّاهر«الشّيوخ»كما سبق.

(الجيوب)،و يكسرها ابن كثير إلاّ(الجيوب و الغيوب)، و ابن فليح يكسرها كلّها،و قالون يكسر منها(البيوت) فقط،و أبو عمرو يضمّها كلّها.(2:140)

نحوه الطّبرسيّ(1:283)،و ابن الجوزيّ(1:

196)،و الفخر الرّازيّ(5:139)،و القرطبيّ(2:

346)،و البيضاويّ(1:104).

النّسفيّ: (البيوت)و بابه مدنيّ و بصريّ و حفص و هو الأصل،مثل كعب و كعوب.و من كسر الباء فلمكان الياء بعدها،و لكن هي توجب الخروج من كسر إلى ضمّ،و كأنّه قيل لهم عند سؤالهم عن الأهلّة و عن الحكمة في نقصانها و تمامها:معلوم أنّ كلّ ما يفعله اللّه تعالى لا يكون إلاّ حكمة،فدعوا السّؤال عنه و انظروا في خصلة واحدة تفعلونها ممّا ليس من البرّ في شيء و أنتم تحسبونها برّا،فهذا وجه اتّصاله بما قبله.

و يحتمل أن يكون ذلك على طريق الاستطراد لما ذكر أنّها مواقيت الحجّ،لأنّه كان من أفعالهم في الحجّ.

و يحتمل أن يكون هذا تمثيلا لتعكيسهم في سؤالهم،و إنّ مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت و يدخل من ظهره.

و المعنى:ليس البرّ و ما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم،و لكن البرّ برّ من اتّقى ذلك و تجنّبه،و لم يجسر على مثله. وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها و باشروا الأمور من وجوهها الّتي يجب أن تباشر عليها و لا تعكسوا.

أو المراد وجوب الاعتقاد بأنّ جميع أفعاله تعالى حكمة و صواب،من غير اختلاج شبهة،و لا اعتراض شكّ في ذلك،حتّى لا يسأل عنه لما في السّؤال من الاتّهام بمقارنة الشّكّ،لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.(1:97)

الآلوسيّ: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها؛ إذ ليس في العدول برّا،و باشروا الأمور عن وجهها،و الجملة عطف على وَ لَيْسَ الْبِرُّ إمّا لأنّه في تأويل:و لا تأتوا البيوت من ظهورها،أو لكونه مقول القول،و عطف الإنشاء على الإخبار جائز فيما له محلّ من الإعراب،سيّما بعد القول.(2:74)

2- وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. النّساء:15

[راجع«م س ك».]

بيوتا

1- وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. يونس:87

راجع«ج ع ل»،«ق ب ل»

2- وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ. النّحل 68

راجع«ن ح ل»

3- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ. النّحل:80

ص: 208

ابن عبّاس: يعني الخيام و الفساطيط.(228)

الفرّاء: يعني الفساطيط للسّفر،و بيوت العرب الّتي من الصّوف و الشّعر.(2:111)

الطّبريّ: (من بيوتكم)الّتي هي من الحجر و المدر.

و هي البيوت من الأنطاع (1)،و الفساطيط من الشّعر و الصّوف و الوبر.(14:153)

ابن عطيّة :هذه آية تعديد نعمة اللّه على النّاس في البيوت،فذكر أوّلا بيوت التّمدّن و هي الّتي للإقامة الطّويلة،و هي أعظم بيوت الإنسان،و إن كان الوصف ب(سكنا)يعمّ جميع البيوت. وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً يحتمل أن يعمّ به بيوت الأدم و بيوت الشّعر و بيوت الصّوف،لأنّ هذه هي من الجلود.

(3:412)

نحوه القرطبيّ.(10:152)

ابن العربيّ: اعلموا وفّقكم اللّه لسلوك سبيل المعارف،أنّ كلّ ما علاك فأظلّك فهو سقف،و كلّ ما أقلّك فهو أرض،و كلّ ما سترك من جهاتك الأربع فهو جدار،فإذا انتظمت و اتّصلت فهو بيت.(3:1167)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ البيوت الّتي يسكن الإنسان فيها على قسمين:

القسم الأوّل:البيوت المتّخذة من الخشب و الطّين و الآلات الّتي بها يمكن تسقيف البيوت،و إليها الإشارة بقوله: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً و هذا القسم من البيوت لا يمكن نقله،بل الإنسان ينتقل إليه.

و القسم الثّاني:القباب و الخيام و الفساطيط،و إليها الإشارة بقوله: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً... الآية.و هذا القسم من البيوت يمكن نقله و تحويله من مكان إلى مكان.و اعلم أنّ المراد:الأنطاع، و قد تعمل العرب البيوت من الأدم و هي جلود الأنعام، أي يخفّ عليكم حملها في أسفاركم.(20:92)

نحوه النّيسابوريّ(14:102)،و الخازن(4:88).

البيضاويّ: موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم كالبيوت المتّخذة من الحجر و المدر،«فعل»بمعنى «مفعول» وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً هي القباب المتّخذة من الأدم،و يجوز أن يتناول المتّخذة من الوبر و الصّوف و الشّعر،فإنّها من حيث إنّها نابتة على جلودها،يصدق عليها أنّها من جلودها.(1:565)

نحوه أبو السّعود(4:83)،و البروسويّ(5:65)، و القاسميّ(10:3844).

أبو حيّان :[نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

الظّاهر أنّه لا يندرج في البيوت الّتي من جلود الأنعام بيوت الشّعر و بيوت الصّوف و الوبر.و قال ابن سلاّم:

تندرج،لأنّها ثابتة فيها فهي منها.(5:523)

الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أبي حيّان ثمّ قال:]

و اعترض بأنّ(من)على الأوّل تبعيضيّة،و على إرادة البيوت الّتي من الشّعر و نحوه ابتدائيّة.فإذا عمّم ذلك يلزم استعمال المشترك في معنييه.

و أجيب بأنّ القائل بذلك لعلّه يرى جواز هذا الاستعمال،و ممّن قال بذلك البيضاويّ و هو شافعيّ.

و قيل:الجلود مجاز عن المجموع.(14:203)

سيّد قطب :و نستطرد هنا إلى شيء عن نظرةد.

ص: 209


1- الأنطاع:الجلود.

الإسلام إلى البيت،بمناسبة هذا التّعبير الموحي: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً فهكذا يريد الإسلام البيت مكانا للسّكينة النّفسيّة و الاطمئنان الشّعوري.

هكذا يريده مريحا تطمئنّ إليه النّفس و تسكن و تأمن، سواء بكفايته المادّيّة للسّكنى و الرّاحة،أو باطمئنان من فيه بعضهم لبعض،و بسكن من فيه كلّ إلى الآخر.

فليس البيت مكانا للنّزاع و الشّقاق و الخصام،إنّما هو مبيت و سكن و أمن و اطمئنان و سلام.

و من ثمّ يضمن الإسلام للبيت حرمته،ليضمن له أمنه و سلامه و اطمئنانه.فلا يدخله داخل إلاّ بعد الاستئذان و لا يقتحمه أحد-بغير حقّ-باسم السّلطان، و لا يتطلّع أحد على من فيه لسبب من الأسباب، و لا يتجسّس أحد على أهله في غفلة منهم أو غيبة، فيروع أمنهم،و يخلّ بالسّكن الّذي يريده الإسلام للبيوت،و يعبّر عنه ذلك التّعبير الجميل العميق.

و لأنّ المشهد مشهد بيوت و أكنان و سرابيل،فإنّ السّياق يعرض من الأنعام جانبها الّذي يتناسق مع مفردات المشهد: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً... الآية.و هو هنا كذلك يستعرض من نعمة الأنعام ما يلبي الضّرورات و ما يلبّي الأشواق،فيذكر المتاع إلى جانب الأثاث،و المتاع و لو أنّه يطلق على ما في الأرحال من فرش و أغطية و أدوات،إلاّ أنّه يشي بالتّمتّع و الارتياح.(4:2186)

الطّباطبائيّ: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً أي جعل لكم بعض بيوتكم سكنا تسكنون إليه، و من البيوت ما لا يسكن إليه كالمتّخذ لادّخار الأموال و اختزان الأمتعة و غير ذلك،و قوله: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً أي من جلودها بعد الدّبغ،و هي الأنطاع و الأدم(بيوتا)و هي القباب و الخيام.(12:314)

مكارم الشّيرازيّ: البيوت:جمع بيت،مأخوذ من«البيتوتة»و هي في الأصل بمعنى التّوقّف ليلا.

و أطلقت كلمة«بيت»على الحجرة أو الدّار لحصول الاستفادة منهما للسّكن ليلا.

و يلزمنا هنا التّنويه بالملاحظة التّالية:أنّ القرآن الكريم لم يقل:إنّ اللّه جعل بيوتكم سكنا لكم،و إنّما ذكر كلمة(من)التّبعيضيّة أوّلا،و قال: مِنْ بُيُوتِكُمْ و ذلك لدقّة كلام اللّه التّامّة في التّعبير؛حيث إنّ الدّار أو الحجرة الواحدة تلحقها مرافق أخرى كالمخزن و الحمّام و غيرهما.

و بعد أن تطرّق القرآن الكريم إلى ذكر البيوت الثّابتة،عرّج على ذكر البيوت المتنقّلة،فقال: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً. (8:251)

محمّد حسين فضل اللّه: ثمّ تتحرّك الجولة القرآنيّة في آفاق حياة النّاس،لتدلّهم على آثار نعمة اللّه فيها،فتدخل إلى بيوتهم،و إلى ما يسّره اللّه لهم من طمأنينة العيش و راحته فيها وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً يتخفّف الإنسان فيها من جهد العمل، و تعب التّنقّل،و يحسّ فيها بأنّه يسكن إلى أرض و سقف،يتحقّق له فيها الكثير من السّكينة و الطّمأنينة و راحة الرّوح و الجسد.

و لعلّ هذه المشاعر الّتي يستوحيها الإنسان من كلمة السّكن،و من معنى البيت في الواقع،لا يفهمها إلاّ الّذين

ص: 210

يفقدون البيت،و ينتقلون باستمرار من مكان إلى مكان في دوّامة من عدم الاستقرار.

و قيمة البيت لا تتعلّق بالجدران الّتي تحوطه و السّقف الّذي يظلّه،بل في ما يتضمّنه معنى السّكن في داخله،من حرمة معنويّة جعلها اللّه له؛إذ حرّم اللّه على الآخرين دخوله دون إذن صاحبه،و التّلصّص عليه،و التّجسّس على ما في داخله.و أحلّ لصاحبه مواجهة كلّ من يحاول الاعتداء عليه،بأيّ شكل من الأشكال،لأنّ اللّه يريد للإنسان أن يكون البيت ساحة مغلقة،يمارس فيها خصوصيّاته الذّاتيّة و العائليّة،في الحدود الّتي أراد اللّه له فيها أن يعيش حرّيّته الخاصّة.

وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً... الآية.

ليس من الضّروريّ دائما أن تكون البيوت ثابتة،من حجارة و حديد و خشب و نحوها،فهناك نوع آخر من البيوت الخفيفة الّتي يحملها الإنسان معه عند ما يسافر، و ينصبها-حيث يشاء-بسرعة،عند ما يقيم،كالبيوت الّتي كان العرب و غيرهم من البدو يصنعونها على شكل الخيام،ليقيموا فيها مدّة،ثمّ يحملونها معهم عند ما يريدون السّفر.

لذا فإنّ خلق اللّه للأنعام الّتي يصنعون من جلودها البيوت الخفيفة المتنقّلة،تعدّ نعمة في هذا المجال، وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ، و الأنعام نعمة أيضا لجهة ما يصنعه النّاس من صوفها و وبرها و شعرها من فراش و ثياب و رياش،يتناسب مع الحياة الدّاخليّة في أجواء البيت و أهله.(13:272)

4- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ. النّور:29

ابن عبّاس: استثنى من البيوت الّتي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها،نحو الفنادق و هي الخانات،و الرّبط،و حوانيت البيّاعين.

مثله عكرمة و الحسن(أبو حيّان 6:446).

و نحوه ابن الحنفيّة(الطّبريّ 18:114)،و قتادة و مجاهد(أبو حيّان(6:447).

ابن الحنفيّة: هي دور مكّة.(أبو حيّان 6:447)

الشّعبيّ: إنّها الحوانيت،و البيوت الّتي فيها أمتعة النّاس.(الطّبرسيّ 4:136)

هي حوانيت القيساريّة و السّوق.(أبو حيّان 6:446)

مجاهد :كانوا يصنعون أو يضعون بطريق المدينة أقتابا و أمتعة،في بيوت ليس فيها أحد،فأحلّ لهم أن يدخلوها بغير إذن.(الطّبريّ 18:114)

في الفنادق الّتي في طرق المسافرين،لا يسكنها أحد بل هي موقوفة،يأوي إليها كلّ ابن سبيل.

(أبو حيّان 6:446)

عطاء: إنّها الخرابات المعطّلة،و يدخلها الإنسان لقضاء الحاجة.(الطّبرسيّ 4:136)

الإمام الصّادق عليه السّلام: هي الحمّامات و الخانات و الأرحية،تدخلها بغير إذن.(البحرانيّ 3:129)

ابن جريج:إنّها جميع البيوت الّتي لا ساكن لها،لأنّ الاستئذان إنّما جعل لأجل السّاكن.(ابن الجوزيّ 6:29)

ابن زيد :بيوت التّجّار،ليس عليكم جناح أن

ص: 211

تدخلوها بغير إذن،الحوانيت الّتي بالقيساريّات و الأسواق.(الطّبريّ 18:115)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه عمّ بقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ كلّ بيت لا ساكن به،لنا فيه متاع ندخله بغير إذن،لأنّ الإذن إنّما يكون ليؤنس المأذون عليه قبل الدّخول،أو ليأذن للدّاخل إن كان له مالكا،أو كان فيه ساكنا.

فأمّا إن كان لا مالك له،فيحتاج إلى إذنه لدخوله و لا ساكن فيه،فيحتاج الدّاخل إلى إيناسه،و التّسليم عليه،لئلاّ يهجم على ما لا يحبّ رؤيته منه،فلا معنى للاستئذان فيه.

فإذا كان ذلك،فلا وجه لتخصيص بعض ذلك دون بعض؛فكلّ بيت لا مالك له و لا ساكن-من بيت مبنيّ ببعض الطّرق للمارّة و السّابلة ليأووا إليه،أو بيت خراب قد باد أهله و لا ساكن فيه؛حيث كان ذلك-فإنّ لمن أراد دخوله أن يدخل بغير استئذان،لمتاع له يؤويه إليه،أو للاستمتاع به،لقضاء حقّه،من بول أو غائط أو غير ذلك.

و أمّا بيوت التّجّار،فإنّه ليس لأحد دخولها إلاّ بإذن أربابها و سكّانها.

فإن ظنّ ظانّ أنّ التّاجر إذا فتح دكّانه و قعد للنّاس، فقد أذن لمن أراد الدّخول عليه في دخوله،فإنّ الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّ؛و ذلك أنّه ليس لأحد دخول ملك غيره،بغير ضرورة ألجأته إليه،أو بغير سبب أباح له دخوله،إلاّ بإذن ربّه،لا سيّما إذا كان فيه متاع.

فإن كان التّاجر قد عرف منه أنّ فتحه حانوته إذن منه لمن أراد دخوله في الدّخول،فذلك بعد راجع إلى ما قلنا:من أنّه لم يدخله من دخله إلاّ بإذنه.

و إذا كان ذلك كذلك،لم يكن من معنى قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ... الآية.في شيء،و ذلك أنّ الّتي وضع اللّه عنّا الجناح في دخولها بغير إذن من البيوت،هي ما لم يكن مسكونا؛إذ حانوت التّاجر لا سبيل إلى دخوله إلاّ بإذنه،و هو مع ذلك مسكون،فتبيّن أنّه ممّا عنى اللّه من هذه الآية بمعزل.

و قال جماعة من أهل التّأويل:هذه الآية مستثناة من قوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها النّور:27.[إلى أن قال:]

و ليس في قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ دلالة على أنّه استثناء من قوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا، لأنّ قوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ... الآية.حكم من اللّه في البيوت الّتي لها سكّان و أرباب.و قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً... الآية.حكم منه في البيوت الّتي لا سكّان لها و لا أرباب معروفون،فكلّ واحد من الحكمين حكم في معنى غير معنى الآخر.و إنّما يستثنى الشّيء من الشّيء إذا كان من جنسه أو نوعه.في الفعل أو النّفس.فأمّا إذا لم يكن كذلك،فلا معنى لاستثنائه منه.(18:114،115)

الزّجّاج :أي ليس عليكم جناح أن تدخلوا هذه بغير إذن،و جاء في التّفسير:أنّه يعني بها الخانات،

ص: 212

و يقال للخان:فندق و فنتق بالدّال و التّاء.

و إنّما قيل:ليس عليكم جناح أن تدخلوا هذه البيوت،لأنّه حظر أن تدخل البيوت الّتي ليست لهم إلاّ بإذن،فأعلموا أنّ دخول هذه المواضع المباحة نحو الخانات و حوانيت التّجارة الّتي تباع فيها الأشياء، و يبيح أهلها دخولها جائز.

و قيل:إنّه يعني بها الخربات الّتي يدخلها الرّجل لبول أو غائط.(4:39)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال المختلفة ثمّ قال:]

و قال قوم:هي جميع ذلك،حملوه على عمومه،لأنّ الاستئذان إنّما جاء لئلاّ يهجم على ما لا يجوز من العورة.

و هو الأقوى،لأنّه أعمّ فائدة.(7:427)

نحوه الميبديّ.(6:511)

ابن عطيّة :روي أنّ بعض النّاس لمّا نزلت آية الاستئذان تعمّق في الأمر،فكان لا يأتي موضعا خربا و لا مسكونا إلاّ سلّم و استأذن،فنزلت هذه الآية أباح اللّه فيها رفع الاستئذان في كلّ بيت لا يسكنه أحد،لأنّ العلّة إنّما هي في الاستئذان خوف الكشفة على الحرامات،فإذا زالت العلّة زال الحكم.[إلى أن قال:]

و قال ابن زيد و الشّعبيّ: هي حوانيت القيساريّات و السّوق.و قال الشّعبيّ:لأنّهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها،و قالوا للنّاس:هلمّ.و هذا قول غلّط قائله لفظ «المتاع»،و ذلك أنّ بيوت القيساريّة محظورة بأموال النّاس غير مباحة لكلّ من أراد دخولها بإجماع، و لا يدخلها إلاّ من أذن له بها،بل أربابها موكلون بدفع النّاس عنها.

و قال محمّد بن الحنفيّة أيضا:أراد تعالى دور مكّة، و هذا على القول بأنّها غير متملّكة و أنّ النّاس شركاء فيها و أنّ مكّة أخذت عنوة.

و هذا هو في هذه المسألة القول الضّعيف،يردّه قوله عليه السّلام:«و هل ترك لنا عقيل منزلا»،و قوله:«من دخل دار أبي سفيان»«و من دخل داره»و غير ذلك من وجوه النّظر،و باقي الآية بيّن،ظاهره التّوعّد.(4:175)

نحوه القرطبيّ(12:221)،و أبو حيّان(6:446)

الفخر الرّازيّ: اختلف المفسّرون في المراد من قوله: بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ على أقوال:

أحدها:و هو قول محمّد بن الحنفيّة أنّها الخانات...[و قد تقدّم]

و ثانيها:أنّها الخربات يتبرّز فيها،و المتاع:التّبرّز، و ثالثها:الأسواق،و رابعها:أنّها الحمّامات.

و الأولى أن يقال:إنّه لا يمتنع دخول الجميع تحت الآية،فيحمل على الكلّ،و العلّة في ذلك أنّها إذا كانت كذلك فهي مأذون بدخولها من جهة العرف،فكذلك نقول:إنّها لو كانت غير مسكونة و لكنّها كانت مغصوبة، فإنّه لا يجوز للدّاخل أن يدخل فيها،لكن الظّاهر من حال الخانات أنّها موضوعة لدخول الدّاخل.(23:200)

البيضاويّ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ كالرّبط و الخانات و الحوانيت، فِيها مَتاعٌ استمتاع(لكم)كالاستكنان من الحرّ و البرد و إيواء الأمتعة و الجلوس للمعاملة،و ذلك استثناء من الحكم السّابق،لشموله البيوت المسكونة و غيرها.

(2:123)

ص: 213

نحوه أبو السّعود(3:401)،و البروسويّ(6:

139)،و المراغيّ(18:96)،و عبد المنعم الجمّال(3:

2168)،و عبد الكريم الخطيب(9:1261).

5- ...لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

النّور:61

ابن عبّاس: يعني بيوتكم أو المساجد،و ليس فيها أحد.(299)

هي المساجد،يقول:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين.(الطّبريّ 18:174)

نحوه إبراهيم النّخعيّ،و الحسن.(القرطبيّ 12:318)

المراد بالبيوت:البيوت المسكونة،أي فسلّموا على أنفسكم.و قالوا:يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة، و يسلّم المرء فيها على نفسه،بأن يقول:السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين.

مثله جابر بن عبد اللّه و عطاء.(القرطبيّ 12:318)

الحسن:إذا دخلتم بيوت غيركم فسلّموا عليهم.

(ابن الجوزيّ 6:67)

قتادة :أنّها بيوت أنفسكم،فسلّموا على أهاليكم و عيالكم.

مثله جابر بن عبد اللّه،و طاوس.(ابن الجوزيّ 6:67)

الماورديّ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فيها قولان:

أحدهما:أنّه المساجد،الثّاني:أنّها جميع البيوت.

(4:125)

نحوه الطّوسيّ.(7:464)

ابن العربيّ: [مثل الماورديّ و أضاف:]

و الصّحيح هو الأوّل،لعموم القول،و لا دليل على التّخصيص.(3:1408)

البيضاويّ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً... من هذه البيوت فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ. (2:135)

نحوه النّسفيّ(3:155)،و أبو السّعود(4:486)، و البروسويّ(6:182)،و الآلوسيّ(18:222)

و المراغيّ(18:137)،و الطّباطبائيّ(15:165).

بيوتكم

1- ...يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ... آل عمران:154

الزّجّاج :تقرأ (بُيُوتِكُمْ) بضمّ الباء و كسرها، و روى أبو بكر ابن عيّاش عن عاصم:بكسر الباء،قال أبو إسحاق:و قرأناها بإقراء أبي عمرو عن عاصم (بُيُوتِكُمْ) بضمّ الباء،و الضّمّ الأكثر الأجود.و الّذين كسروا(بيوت)كسروها لمجيء الياء بعد الباء،و«فعول» ليس بأصل في الكلام،و لا من أمثلة الجمع،فالاختيار (بيوت)مثل قلب و قلوب و فلس و فلوس.(1:480)

الآلوسيّ: و منازلكم بالمدينة.(4:96)

2- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ

ص: 214

إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً... النّور:61

الفرّاء:المراد:في بيوت أزواجكم و عيالكم، أضافه إليهم،لأنّ بيت المرأة كبيت الزّوج.

(الفخر الرّازيّ 24:36)

ابن قتيبة :أراد:و لا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم و أزواجكم.و قال بعضهم:أراد أن تأكلوا من بيوت أولادكم،فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء،لأنّ الأولاد كسبهم،و أموالهم كأموالهم،يدلّك على هذا،أنّ النّاس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم،و أنّ اللّه سبحانه عدّد القرابات و هم أبعد نسبا من الولد،و لم يذكر الولد.

و قال المفسّرون في قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ اللّهب:1،2، أراد:ما أغنى عنه ماله و ولده،فجعل الولد كسبا.

ثمّ قال: أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ يريد إخوتكم ...أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ، يعني العبيد،لأنّ السّيّد يملك منزل عبده،هذا على تأويل ابن عبّاس.

و قال غيره:أو ما خزنتموه لغيركم.يريد الزّمنى الّذين كانوا يحزنون للغزاة أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً، من منازل هؤلاء إذا دخلتموها،و إن لم يحضروا و لم يعلموا،من غير أن تتزوّدوا و تحملوا،و لا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو فرادى.و إن اختلفتم فكان فيكم الزّهيد،و الرّغيب، و الصّحيح،و العليل.

و هذا من رخصته للقرابات و ذوي الأواصر، كرخصته في الغرباء و الأباعد لمن دخل حائطا و هو جائع:أن يصيب من ثمره،أو مرّ في سفر بغنم و هو عطشان:أن يشرب من رسلها،و كما أوجب للمسافر على من مرّ به:الضّيافة،توسعة منه و لطفا بعباده،و رغبة بهم عن دناءة الأخلاق،و ضيق النّظر.

(تأويل مشكل القرآن:333)

ابن زيد :هذا شيء و قد انقطع،إنّما كان هذا في الأوّل لم يكن لهم أبواب،و كانت السّتور مرخاة،فربّما دخل الرّجل البيت و ليس فيه أحد،فربّما وجد الطّعام و هو جائع فسوّغه اللّه أن يأكله،و قد ذهب ذلك اليوم.

البيوت اليوم فيها أهلها،و إذا أخرجوا أغلقوها،فقد ذهب ذلك.(الطّبريّ 18:169)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و أشبه الأقوال الّتي ذكرنا في تأويل قوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ إلى قوله: أَوْ صَدِيقِكُمْ القول الّذي ذكرنا عن الزّهريّ،عن عبيد اللّه بن عبد اللّه؛و ذلك أنّ أظهر معاني قوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ أنّه لا حرج على هؤلاء الّذين سمّوا في هذه الآية،أن يأكلوا من بيوت من ذكره اللّه فيها،على ما أباح لهم من الأكل منها.

فإذ كان ذلك أظهر معانيه،فتوجيه معناه إلى الأغلب الأعرف من معانيه،أولى من توجيهه إلى الأنكر منها.فإذ كان ذلك كذلك،كان ما خالف من التّأويل قول من قال:معناه ليس في الأعمى و الأعرج حرج،

ص: 215

أولى بالصّواب.و كذلك أيضا الأغلب من تأويل قوله:

وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أنّه بمعنى:

و لا عليكم أيّها النّاس.

ثمّ جمع هؤلاء و الزّمنى الّذين ذكرهم قبل في الخطاب،فقال:أن تأكلوا من بيوت أنفسكم،و كذلك تفعل العرب إذا جمعت بين خبر الغائب و المخاطب،غلّبت المخاطب،فقالت:أنت و أخوك قمتما،و أنت و زيد جلستما، و لا تقول:أنت و أخوك جلسا،و كذلك قوله:

وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ و الخبر عن الأعمى و الأعرج و المريض،غلّب المخاطب،فقال:أن تأكلوا،و لم يقل:أن يأكلوا.

فإن قال قائل:فهذا الأكل من بيوتهم قد علمناه، كان لهم حلالا؛إذ كان ملكا لهم،أو كان أيضا حلالا لهم الأكل من مال غيرهم؟

قيل له:ليس الأمر في ذلك على ما توهّمت،و لكنّه كما ذكرناه عن عبيد اللّه بن عبد اللّه،أنّهم كانوا إذا غابوا في مغازيهم،و تخلّف أهل الزّمانة منهم،دفع الغازي مفتاح مسكنه إلى المتخلّف منهم،فأطلق له في الأكل ممّا يخلّف في منزله من الطّعام،فكان المتخلّفون يتخوّفون الأكل من ذلك و ربّه غائب،فأعلمه اللّه أنّه لا حرج عليه في الأكل منه،و أذن لهم في أكله.

فإذ كان ذلك كذلك تبيّن أنّ لا معنى لقول من قال:

إنّما أنزلت هذه الآية من أجل كراهة المستتبع أكل طعام غير المستتبع،لأنّ ذلك لو كان كما قال من قال ذلك، لقيل:ليس عليكم حرج أن تأكلوا من طعام غير من أضافكم،أو من طعام آباء من دعاكم،و لم يقل:أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم.

و كذلك لا وجه لقول من قال:معنى ذلك:ليس على الأعمى حرج في التّخلّف عن الجهاد في سبيل اللّه،لأنّ قوله: أَنْ تَأْكُلُوا خبر(ليس)،و(ان)في موضع نصب على أنّها خبر لها،فهي متعلّقة ب(ليس)،فمعلوم بذلك أنّ معنى الكلام:ليس على الأعمى حرج أن يأكل من بيته، لا ما قاله الّذين ذكرنا،من أنّه لا حرج عليه في التّخلّف عن الجهاد.

فإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا،تبيّن أنّ معنى الكلام:لا ضيق على الأعمى،و لا على الأعرج،و لا على المريض،و لا عليكم أيّها النّاس،أن تأكلوا من بيوت أنفسكم،أو من بيوت آبائكم،أو من بيوت أمّهاتكم،أو من بيوت إخوانكم،أو من بيوت أخواتكم،أو من بيوت أعمامكم،أو من بيوت عمّاتكم،أو من بيوت أخوالكم، أو من بيوت خالاتكم،أو من البيوت الّتي ملكتم مفاتحها،أو من بيوت صديقكم،إذا أذنوا لكم في ذلك، عند مغيبهم و مشهدهم.(18:170)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:من أموال عيالكم و أزواجكم لأنّهم في بيته.

الثّاني:من بيوت أولادكم،فنسب بيوت الأولاد إلى بيوت أنفسهم،لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنت و مالك لأبيك» و لذلك لم يذكر اللّه بيوت الأبناء حين ذكر بيوت الآباء و الأقارب،اكتفاء بهذا.

الثّالث:يعني بها البيوت الّتي هم ساكنوها خدمة لأهلها و اتّصالا بأربابها كالأهل و الخدم.(4:123)

ص: 216

نحوه ابن العربيّ.(3:1403)

الزّمخشريّ: فإن قلت:هلاّ ذكر الأولاد؟قلت:

دخل ذكرهم تحت قوله:(من بيوتكم)لأنّ ولد الرّجل بعضه و حكمه حكم نفسه،و في الحديث:«إنّ أطيب ما يأكل المرء من كسبه،و إنّ ولده من كسبه»،و معنى (من بيوتكم):من البيوت الّتي فيها أزواجكم و عيالكم،و لأنّ الولد أقرب ممّن عدّد من القرابات،فإن كان سبب الرّخصة هو القرابة كان الّذي هو أقرب منهم أولى.

فإن قلت:ما معنى أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ؟

قلت:أموال الرّجل إذا كان له عليها قيّم و وكيل يحفظها له أن يأكل من ثمر بستانه و يشرب من لبن ماشيته،و ملك المفاتح كونها في يده و حفظه.و قيل:

بيوت المماليك،لأنّ مال العبد لمولاه.و قرئ (مفتاحه) .

فإن قلت:فما معنى (أَوْ صَدِيقِكُمْ) ؟

قلت:معناه أو بيوت أصدقائكم،و الصّديق يكون واحدا و جمعا،و كذلك الخليط و الفطين و العدوّ.[إلى أن قال:]

و قالوا:إذا دلّ ظاهر الحال على رضا المالك قام ذلك مقام الإذن الصّريح،و ربّما سمج الاستئذان و ثقل،كمن قدّم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه.(جميعا او اشتاتا)أي مجتمعين أو متفرّقين،نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرّجون أن يأكل الرّجل وحده، فربّما قعد منتظرا نهاره إلى اللّيل،فإن لم يجد من يواكله أكل ضرورة.

و قيل:في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلاّ مع ضيفهم.

و قيل:تحرّجوا عن الاجتماع على الطّعام،لاختلاف النّاس في الأكل،و زيادة بعضهم على بعض.(3:77)

نحوه أبو حيّان(6:474)،و أبو السّعود(4:485).

الطّبرسيّ: [قال نحو قول الماورديّ الثّاني و أضاف:]

ثمّ ذكر بيوت الأقارب بعد الأولاد،فقال: أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ -إلى قوله- أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ و هذه الرّخصة في أكل مال القرابات و هم لا يعلمون ذلك كالرّخصة لمن دخل حائطا و هو جائع أن يصيب من ثمره،أو مرّ في سفره بغنم و هو عطشان أن يشرب من رسله،توسعة منه على عباده،و لطفا لهم و رغبة بهم عن دناءة الأخلاق و ضيق العطن.

و قال الجبّائيّ: إنّ الآية منسوخة بقوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ الأحزاب:53،و بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه»،و المرويّ عن أئمّة الهدى صلوات اللّه عليهم أنّهم قالوا:لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكر اللّه تعالى بغير إذنهم،قدر حاجتهم من غير إسراف.[ثمّ أدام الكلام في مصداق أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ فلاحظ](4:156)

الفخر الرّازيّ: إنّ اللّه تعالى ذكر أحد عشر موضعا في هذه الآية أوّلها قوله: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ، و فيه سؤال و هو أن يقال:أيّ فائدة في إباحة أكل الإنسان طعامه في بيته؟[ثمّ أجاب بما تقدّم عن الفرّاء و ابن قتيبة و أضاف:]

ص: 217

و الدّليل على هذا أنّه سبحانه و تعالى عدّد الأقارب و لم يذكر الأولاد،لأنّه إذا كان سبب الرّخصة هو القرابة كان الّذي هو أقرب منهم أولى.

[ثمّ عدّد بيوت بقيّة القرابات و قال:]

و عاشرها:قوله تعالى: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ.

و قرئ (مفتاحه) و فيه وجوه.[ثمّ أطال البحث في مصداقه،فراجع](24:36)

نحوه الشّربينيّ.(2:641)

البروسويّ: [نحو ما تقدّم عن الفخر الرّازيّ و أضاف:]

قال المفسّرون:هذا كلّه إذا علم رضى صاحب البيت بصريح الإذن أو بقرينة دالّة،كالقرابة و الصّداقة و نحو ذلك.و لذلك خصّ هؤلاء بالذّكر لاعتيادهم التّبسّط فيما بينهم،يعني ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها و إن لم يحضروا و يعلموا،من غير أن تتزوّدوا و تحملوا.

قال الإمام الواحديّ في«الوسيط»:و هذه الرّخصة في أكل مال القرابات و هم لا يعلمون ذلك،كرخصته لمن دخل حائطا و هو جائع أن يصيب من ثمره،أو مرّ في سفر بغنم و هو عطشان أن يشرب من رسلها،توسعة منه تعالى و لطفا بعباده،و رغبة بهم عن دناءة الأخلاق و ضيق النّظر.

و احتجّ أبو حنيفة بهذه الآية على من سرق من ذي محرم لا تقطع يده،أي إذا كان ماله غير محرز،كما في «فتح الرّحمن»لأنّه تعالى أباح لهم الأكل من بيوتهم و دخولها بغير إذنهم،فلا يكون ماله محرزا منهم،أي إذا لم يكن مقفلا و مخزونا و محفوظا بوجه من الوجوه المعتادة، و لا يلزم منه أن لا تقطع يده إذا سرق من صديقه،لأنّ من أراد سرقة المال من صديقه لا يكون صديقا له بل خائنا عدوّا له في ماله بل في نفسه.

فإنّ من تجاسر على السّرقة تجاسر على الإهلاك، فربّ سرقة مؤدّية إلى ما فوقها من الذّنوب،فعلى العاقل أن لا يغفل عن اللّه،و ينظر إلى أحوال الأصحاب رضي اللّه عنهم،كيف كانوا إخوانا في اللّه،فوصلوا بسبب ذلك إلى ما وصلوا من الدّرجات و القربات،و امتازوا بالصّدق الأتمّ و الإخلاص الأكمل و النّصح الأشمل عمّن عداهم، فرحمهم اللّه تعالى و رضي عنهم،و ألحقنا بهم في نيّاتهم و أعمالهم.(6:179)

بياتا

وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ. الأعراف:4

ابن عبّاس: ليلا أو نهارا.(124)

الماورديّ: يعني في نوم اللّيل.(2:200)

ابن عطيّة :(بياتا)نصب على المصدر في موضع الحال.(2:374)

نحوه أبو حيّان.(4:268)

الطّبرسيّ: (بياتا)أي ليلا،يقال:بات بياتا حسنا و بيتة حسنة،و المصدر في الأصل:بات بيتا.و إنّما سمّي البيت بيتا،لأنّه يصلح للمبيت.[إلى أن قال:]

و أقول:إنّ الأولى أن يكون(بياتا)مصدرا وضع موضع الحال،فيكون بمعنى بائتين أو قائلين،فيكون

ص: 218

حالا عن الهاء و الميم في(جاءهم).(2:396)

البيضاويّ: بائتين كقوم لوط،مصدر وقع موقع الحال.(1:341)

نحوه أبو السّعود(2:474)،و شبّر(2:345).

الشّربينيّ: أي وقت الاستكان في البيوت ليلا، كما جاء[بشأن]قوم لوط عليه السّلام.(1:463)

البروسويّ: (بياتا)مصدر بمعنى الفاعل،واقع موضع الحال،أي بائتين كقوم لوط.

قال الحدّاديّ: سمّي اللّيل بياتا،لأنّه يبات فيه.

و البيتوتة:خلاف الظّلول،و هو أن يدركك اللّيل،نمت أو لم تنم.(3:135)

نحوه القاسميّ.(7:2611)

رشيد رضا :و البيات:الإغارة على العدوّ ليلا، و الإيقاع به فيه على غفلة منه،فهو اسم للتّبييت،و هو يشمل ما يدبّره المرء أو ينويه ليلا،و منه تبييت نيّة الصّيام.

و قيل:يأتي مصدرا لبات يبيت،إذا أدركه اللّيل.

(8:311)

الطّباطبائيّ: و البيات:التّبييت،و هو قصد العدوّ ليلا.(8:9)

محمّد جواد مغنيّة: و قيل:إنّ(بياتا)مصدر في موضع الحال،أي بائتين،(و هم قائلون)عطف على (بياتا)أي بائتين أو قائلين،و الأرجح أنّ(بياتا)مفعول فيه،لأنّها بمعنى ليلا.(3:301)

طه الدّرّة: (بياتا)هو مصدر في موضع الحال، و المعنى:مبيتين.و قيل:هو مفعول لأجله،و قيل:هو ظرف زمان.و الأوّل أقوى لعطف الجملة الاسميّة عليه.

(4:345)

و بهذا المعنى جاءت الآيتان: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ الأعراف:97،و قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً... يونس:50.

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البيت و البيوت على ثلاثة عشر وجها:المنازل،المساجد،السّفينة،الكعبة،المنزل في الجنّة،الحجر،السّجن،العشّ،الخيام،الكهف،البيت بعينه،الملك،الخانات.

فوجه منها:البيوت يعني المنازل،قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ النّور:27،يعني المنازل،و قال: مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ النّور:61،و قال تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الأحزاب:53،كقوله: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً النّور:61.

و الوجه الثّاني:البيوت يعني المساجد،فذلك قوله تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يونس:87،يعني مساجدا،مثلها وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً يونس:87،يعني مساجدكم قبلة إلى الكعبة،كقوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ النّور:36.

و الوجه الثّالث:البيت يعني السّفينة،قوله: وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً نوح:28،يعني سفينتي،و يقال:

ديني.

ص: 219

و الوجه الرّابع:البيت يعني الكعبة،قوله: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ الحجّ:26،مثلها وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ البقرة:125،يعني الكعبة.

و الوجه الخامس:البيت:المنزل في الجنّة،قوله:

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ التّحريم:11،يريد منزلا في الجنّة.

و الوجه السّادس:البيوت يعني الحجر،قوله تعالى:

وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:34،أي في حجركنّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ، كقوله تعالى:

وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ الأحزاب:33،أي في حجرتكنّ.

و الوجه السّابع:البيوت:السّجون،قوله تعالى:

فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ النّساء:15،يعني فاحبسوهنّ في السّجون.

و الوجه الثّامن:البيت:العشّ،قوله: أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً النّحل:68،يعني العشّ،قوله:

اِتَّخَذَتْ بَيْتاً العنكبوت:41،أي نسجت عشّا.

و الوجه التّاسع:البيوت يعني الخيام الفساطيط، قوله تعالى: مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً النّحل:80، يعني الخيام.

و الوجه العاشر:البيوت:الكهف و الغيران،قوله تعالى: وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً الشّعراء:149، يعني كهوفا و غيرانا.

و الوجه الحادي عشر:البيت هو بيت بعينه،قوله تعالى: وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الطّور:4،كقوله: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ النّساء:100.

و الوجه الثّاني عشر:البيت:الملك،قوله تعالى:

وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها يوسف:23،يعني في ملكها،و حرمتها.

و الوجه الثّالث عشر:البيوت يعني الخانات،قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً النّور:29، يعني الخانات.(143)

الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على خمسة عشر وجها.[ثمّ قال نحو الدّامغانيّ و أضاف:]

الأوّل:بمعنى غرف الكرامة: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ التّحريم:11.

الثّاني:بمعنى الضّراح في السّماء: وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الطّور:4

الثّالث:بمعنى بيت النّبوّة: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب:33.[ثمّ استشهد بشعر](بصائر ذوي التّمييز 2:196)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:المبيت ليلا،يقال:بات أي نام في الليل...و أباتهم اللّه إباتة حسنة،و أباتك اللّه بخير،و بات فلان بيتة حسنة،أي حالة حسنة.

و منه البيتوتة،أي الدّخول في اللّيل،يقال:بتّ أصنع كذا،و بات الرّجل:سهر اللّيل كلّه في طاعة أو معصية،و بتّ أراعي النّجوم:بتّ أنظر إليها.

و التّبييت:تدبير الشّيء بليل،يقال:بيّتّ الأمر تبييتا،أي دبّرته ليلا فهو مبيّت،و هذا أمر بيّت بليل، و بيّت القوم الكلام تبييتا:زوّروه و أصلحوه بليل،و بيّت الشّيء:قدّر،و بيّت العدوّ:أوقع به ليلا.

ص: 220

و البيّوت:ماء بات ليلته في إنائه أو لبن برّد في المزادة ليلا،يقال:اسقني من بيّوت السّقاء،أي من لبن حلب ليلا و حقن في السّقاء حتّى برد فيه ليلا.و البيّوت:الأمر يبيّت عليه صاحبه مهتمّا به،يقال:همّ بيّوت،أي بات في الصّدر.

و المستبيت:الفقير،يقال:فلان لا يستبيت ليلة، أي ليس له بيت ليلة،أي قوت ليلة.

2-و منه البيت و هو المأوى الّذي يتّخذ ليلا،ثمّ أطلق على كلّ مأوى،يقال:هو جاري بيت بيت،و بيتا لبيت،و بيت لبيت،أي ملاصقا.

و بيت العرب:شرفها،و بيوتها و بيوتاتها:أحياؤها.

كما نسب البيت إلى أماكن مقدّسة لدى المسلمين و النّصارى و اليهود،مثل:بيت اللّه،أي الكعبة،و البيت الحرام،و البيت العتيق،و بيت الأحزان،و بيت مال المسلمين و غيرها.و«بيت لحم»،أي بيت الخبز في السّريانيّة،و هو المكان الّذي ولد فيه داود عليه السّلام،ثمّ المسيح عليه السّلام،و هو اليوم مدينة عامرة.و بيت المقدس، و«بيت إيل»،أي بيت اللّه في العبريّة،و هو معبد بناه يعقوب عليه السّلام.

و اشتقّ بيت الشّعر من بيت الخباء؛و ذلك لأنّه يضمّ الكلام كما يضمّ البيت أهله،فسمّوا تفعيلاته أسبابا و أوتادا،تشبيها بأسباب البيوت و أوتادها.

3-و أطلق البيت على القبر،لأنّه مأوى الميّت أبد الدّهر ليلا و نهارا،و على عيال الرّجل،لأنّهم يبيتون معه فيه.و جاء هذان المعنيان في بعض اللّغات السّاميّة، ففي الأكديّة«بيتوم»،أي القبر،و في العبريّة«بيت»، و السّريانيّة«بيتا»،أي الدّار و عيال الرّجل و السّبط.

و هما إمّا أصيلان في العربيّة،و إمّا منقولان من هذه اللّغات إليها،و الأوّل هو الأقرب.

الاستعمال القرآنيّ

في هذه المادّة ثلاثة محاور:فعل،و اسم،و مصدر.

المحور الأوّل:جاء منها خمسة أفعال في أربع آيات:

1- وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً

الفرقان:64

2- وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً

النّساء:81

3- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً النّساء:108

4- قالُوا تَقاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَ إِنّا لَصادِقُونَ النّمل:49

يلاحظ أوّلا:أنّ أصل هذه المادّة-كما تقدّم-المبيت ليلا،و اشتقّ منه الفعل مجرّدا و مزيدا،و أريد به العمل في اللّيل.و أمّا المجرّد:بات يبيت،إذا جاء بدون متعلّق فمعناه النوم ليلا،و إذا قيّد بعمل ما فمعناه الإتيان به ليلا.و منه الآية(1): يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً، أي يسجدون و يقومون ليلا،أو يديمون السّجود و القيام ليلا.و هذه إحدى صفات عباد الرّحمن،جاءت في ثلاث عشرة آية من سورة الفرقان،من(64-76)،فلاحظ.

ص: 221

ثانيا:جاء منها الفعل المزيد من باب«التّفعيل»أربع مرّات:واحدة بلفظ الماضي في(2): بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ، و ثلاث بلفظ المضارع في(2-4)، و قد تعدّى الفعل في(2)و(3)ثلاث مرّات إلى الإقدام على هذا القول:

بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ، أي قولا مغايرا لما تقول.

وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ، أي قولا أو عملا يبيّتونه ليلا.

إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ.

و تعدّى في واحدة-و هي(4)-إلى الشّخص تَقاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ، أي لنبيّتنّ صالحا و أهله.

ثالثا:جاء في اللّغة:بيّت عملا يبيّته:قدّره و دبّره ليلا،و يبدو أنّه تضمين و إشراب من قولهم:هذا أمر دبّر بليل و قدّر بليل،فجعلوا«بيّته»مكان«دبّره ليلا».

و هذا يجري في(2)و(3)،و يكاد المفسّرون يتّفقون عليه.

أمّا(4)ففسّروها ب«لنقتلنّه ليلا»،أو«لنتطرّقنّ إليهم لنقتلنّه»،و يناسبه ذيل الآية ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ. فقد بان الفرق في عرف القرآن بين بيّت عملا و بيّت شخصا،فأريد بالأوّل دبّره ليلا، و بالثاني نكّل به و تعرّض له بقتل أو نحوه ليلا.

رابعا:سياق الفعل المجرّد في(1)مدح و الفعل المزيد ذمّ،فهل هذا خاصّ بالقرآن أو يعمّ اللّغة؟فلاحظ.

المحور الثّاني:جاء الاسم منها مفردا(28)مرّة،في (25)آية،و جمعا(35)مرّة في(24)آية:

المفرد:

1- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ آل عمران:96

2- وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ

الحجّ:26

3- وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ البقرة:127

4- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ إبراهيم:37

5- فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ آل عمران:97

6- وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَ عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ

البقرة:125

7- جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ وَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ الْهَدْيَ وَ الْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

المائدة:97

8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ

ص: 222

اَلشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً المائدة:2

9- ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:29

10- لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33

11- إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ البقرة:158

12- فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ قريش:3

13- وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ

الأنفال:35

14- وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الطّور:4

15- قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هود:73

16- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33

17- وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ

القصص:12

18- فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

الذّاريات:36

19- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ

التّحريم:11

20- وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً النّساء:100

21- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً

نوح:28

22- أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً

الإسراء:93

23- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ الأنفال:5

24- وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ يوسف:23

25- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:41

الجمع:

1- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ

ص: 223

يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ النّور:36،37

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا... الأحزاب:53

3- وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يونس:87

4- وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:49

5- وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ النّحل 68

6- وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:41

7- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ الأعراف:74

8- وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ

الشّعراء:149

9- وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ

الحجر:82

10- فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ النّمل:52

11- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ النّحل:80

12 و 13- وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ* وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ

الزّخرف:33،34

14- ...يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ

آل عمران:154

15- وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً

الأحزاب:13

16- ...وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ

الحشر:2

17- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب:34

18- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33

19- وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ البقرة:189

ص: 224

20- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ النّور:61

21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النّور:27

22- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ النّور:29

23- وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً

النّساء:15

24- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ

الطّلاق:1

يلاحظ أوّلا:أنّ الثّلاث عشرة الأولى منها أريد بها الكعبة المشرّفة و شئونها بنحو من الأنحاء:ففي(1)أنّها أوّل بيت وضع معبدا للنّاس،و في(2-4)بناء البيت بيد إبراهيم وحده-أو مع ابنه إسماعيل-و دعوته النّاس إلى الحجّ،و في(5-11)وجوب الحجّ و جملة من أعماله،و في (12)الدّعوة إلى عبادة ربّ هذا البيت.

و في الآيات مواضع للبحث و النّظر:

1-التّركيز أنّه للنّاس عامّة أربع مرّات في(1)و(4) و(6)و(7)،و هذا يعطيه السّمة الشّعبيّة و العالميّة بين الأمم،فلا يخصّ العرب و غيرهم من الشّعوب المسلمة.

فجاء في(1): أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ، و في(4): فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، و في(6): جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً، و في(7): جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ.

فالكعبة أوّل معبد للنّاس بركة و هداية،تهوي أفئدتهم إليها و إلى من يقطن حولها من آل إبراهيم،و هي مثابة للنّاس و أمن و قيام.و لكلّ من هذه الألفاظ مفاهيمها السّامية،و ستأتي إن شاء اللّه في مواضعها.

2-إنّ اللّه بوّأ لإبراهيم مكان البيت،و رفع إبراهيم مع ابنه اسماعيل قواعده،و هذا يشير إلى أنّه رفع قواعده فقط،أمّا أصل البناء فقد كان لآدم عليه السّلام،كما تحدّثت به الرّوايات.

3-أسكن إبراهيم ذرّيّته بوادي مكّة جوار البيت ليقيموا الصّلاة فيه،و كانت أرضه غير صالحة للزّراعة، فدعا لهم بما سيأتي.

4-نهى اللّه إبراهيم في(2)عن أن يشرك به شيئا، و أمره بأن يطهّر بيته للطّائفين و القائمين و الرّكّع السّجود، و يطهّره في(6)للطّائفين و العاكفين و الرّكّع السّجود.

ص: 225

5-أطلق على البيت(بيتى)في(2)و(6)،و(بيتك) في(4)،و(البيت)-بلام العهد-في(2)و(3)و(5)و(6) و(11)و(12)و(13)سبع مرّات.و(بيتي)و(بيتك) كلاهما نسبة إلى اللّه تشريفا للبيت،و هما أبلغ من«بيت اللّه»،و لم يأت في القرآن،لأنّهما يحكيان الحضور،و هذا يحكي الغيبة.

6-جاء«بيتك المحرم»في(4)،و«البيت الحرام»في(7)و(8)،و(البيت العتيق)في(9)و(10).

و هذا كلّه تشريف من اللّه و تكريم منه للبيت،إشعارا بأنّه بيته،أي خاصّ بعبادته،لا يشركه فيه غيره،فهو بيت اللّه و بيت التّوحيد،أو لا يملكه أحد غير اللّه،فهو له وحده دون سواه،و الأوّل أقرب.

و إشعارا كذلك بأنّه-كما في المجمع(3:318)-محرّم «أي لا يصل إليه أحد إلاّ بالإحرام،أو حرّم فيه ما أحلّ في غيره،أو عظيم الحرمة»،و هو الأقرب.و بأنّه حرام و نحو ذلك،و بأنّه عتيق كما في المجمع(4:82):«لأنّه أعتق من أن يملكه العبيد،أو من أن تصل الجبابرة إلى تخريبه،أو من الطّوفان،فغرقت الأرض كلّها إلاّ موضع البيت،أو لأنّه قديم،بناه آدم ثمّ جدّده إبراهيم»،و هو الأقرب.

فكأنّ اللّه أراد بذلك أنّ هذا البيت كان محلّ عبادة لآدم و لمن تلاه من الأنبياء،و هذا نهاية التّعظيم للبيت، و يوافق كونه للنّاس عامّة.

7-جاء في(7): اَلْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ، و في الآية (95)من المائدة: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ، فكرّر التّعبير عن البيت ب(الكعبة)في آيتين من المائدة-و هما(95) و(97)-تخليدا لاسم اصطلح عليه النّاس البيت قديما.

و العرب تسمّي كلّ بيت مربّع كعبة،فاللاّم فيها للعهد كما في«البيت»،و العهد يحكي أنس النّاس بهذا البيت و اهتمامهم به،و أنّ اسمه كان سائرا على ألسنتهم ب«البيت»تارة،و«الكعبة»تارة أخرى،إلاّ أنّ«البيت» كان أكثر تداولا من الكعبة؛حيث كرّر سبع مرّات كما سبق.لاحظ«ك ع ب»

8-حكى القرآن عن لسان إبراهيم أدعية له و لذرّيّته في آيتين تتلوهما آيات،ففي(2)يشرك معه إسماعيل: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، و في(4): رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.

و إن دلّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على أنّ الكعبة معدّة للدّعاء لقبول الأعمال و للذّرّيّة لدينهم و لدنياهم،لاحظ آيات البقرة:(126)و(129)و المائدة:(35)إلى(41).

9-جاء اسم إبراهيم مع البيت في خمس آيات:(2-6)، لأنّها تتمّة لما قبلها،و هذا تكريم لإبراهيم شيخ الأنبياء و باني البيت،ليقرن اسمه باسم البيت و الحجّ مدى الدّهر.

10-و في الآيات ذكر للحجّ في(5)و للحجّ و العمرة في(11)،و لبعض أعمال الحجّ و مشاهدة مقام إبراهيم في (5)و(6)،و الصّفا و المروة و الطّواف بهما في(11)، و الطّواف حول البيت في(2)و(6)و(9)،و شعائر اللّه في (8)و(11)،و الشّهر الحرام و الهدي و القلائد في(7) و(8)،و أمّ البيت في(8)،و قضاء تفثهم و إيفاء نذورهم في(9).هذا إلى جانب آيات أخرى جاءت في شأن الحجّ،لاحظ«ح ج ج».

ص: 226

11-ركّز في(12)عبادة ربّ هذا البيت،فجعل البيت رمزا للمعبود الحقّ،و هذا تكريم و احتفاء بالغ بشأن البيت.

12-ذكر في(13)صلاة المشركين عند البيت أنّها مكاء و تصدية،أي صفير و تصفيق،بدل الدّعاء و التّسبيح.فعن ابن عبّاس:كانت قريش تطوف بالبيت عراة،يصفرون و يصفّقون،و ذكر اللّه ذلك تنبيها على البون الشّاسع بين عبادتهم عند البيت،و بين ما جاء في الآيات في شأن البيت من عبادة إبراهيم و إسماعيل و ذرّيّته،و منهم النّبيّ عليه السّلام و المؤمنون.

13-انفردت هذه الآية المدنيّة من بين آيات البيت مكّيّها و مدنيّها بأنّ سياقها ذمّ للمشركين-و ليس للبيت- و سلوكهم الشّائن في انتهاك حرمة البيت،و سائر الآيات مدح و تكريم و تعظيم،بما يليق بالبيت الحرام.

ثانيا:جاء في(14): وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، و هذا ممّا أقسم اللّه به في افتتاح سورة الطّور: وَ الطُّورِ* وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الطّور:1-6، و قد أطال المفسّرون في تفسيرها،لاحظ النّصوص، و المتحصّل منها رؤيتان:

إحداهما:حمل ما ذكر على معان مقدّسة سامية، فالطّور:طور موسى،و الكتاب:التّوراة و القرآن،أو كتاب كتبه اللّه للملائكة و ما أشبهها،و البيت المعمور:

بيت في السّماء حيال الكعبة تطوف حوله الملائكة،أو البيت الحرام،أو قلب العارف و نحوها.أمّا السّقف المرفوع و البحر المسجور فهما السّماء و البحر قولا واحدا.

ثانيتهما:حملها على معانيها اللّغويّة الدّائرة عند النّاس،فالطّور:مطلق الجبل،و الكتاب:كلّ ما يكتب و يسطر،فهذا نظير قوله: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ القلم:1،و البيت المعمور:كلّ بيت عمّر ليعيش فيه النّاس،و السّقف المرفوع:سقف تلك البيوت،أو السّماء و هي السّماء،و البحر هو البحر.

فعلى هذه الرّؤية أقسم اللّه في هذه الآيات بجملة من نعمه على العباد،و ما خلق اللّه لمعيشتهم كالجبل و السّماء و البحر و الكتاب و البيت.و بناء على الرّؤية الأولى فأقسم بجملة من المقدّسات.

و لو لا الرّوايات لاخترنا الرّؤية الأخيرة المفهومة لدى النّاس،و يؤيّدها إرداف البحر بها.فهذه نظير سائر أقسام القرآن،قسم بما خلقه اللّه لعباده منّة عليهم، و طلبا للشّكر منهم،و تنبيها على آثار قدرته،و إقامة للحجّة عليهم.

ثالثا:جاء في ثلاث آيات بعدها-و هي(15-17) -(اهل البيت)و أريد بأولاها أهل بيت إبراهيم، و بثانيتها أهل بيت النّبيّ،و قد تحدّثنا حولهما في«أ ه ل».

و ثالثتها أهل بيت عمران والد موسى،و المراد بها أفراد الأسرة أو العائلة الّذين يعيشون في بيت واحد،إلاّ أنّ لفظ البيت في(اهل البيت)قد تغوفل عنه،و يلحظ فيه نفس الأسرة.

و التّعريف في«البيت»للعهد،إيماء إلى شهرة أهل بيت إبراهيم و أهل بيت النّبيّ عليهما السّلام.و التّنكير في«أهل بيت»للتّعمية،لأنّه كلام أخت موسى،أرادت به أن ترشد امرأة فرعون إلى أمّ موسى،دون أن تعرف من أيّ

ص: 227

أهل بيت هي،حفاظا عليهم من القتل.

رابعا:جاء في(18): غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حول الحديث عن قوم لوط؛حيث قال: قالُوا -أي المرسلون إلى إبراهيم- إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ* فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:

32-36،و المراد به أهل بيت لوط،يعني لوطا و بنتيه، و معنى«البيت»فيها قد غضّ النّظر عنه أيضا كسابقتها.

خامسا:جاء«بيت»في ستّة بعدها-(19-24)- للأنبياء و المقرّبين،سوى واحدة منها،ففي(19)دعت امرأة فرعون اللّه بأن يرزقها بيتا في الجنّة: إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ... التّحريم:11،و المراد بالبيت هنا:مطلق السّكن،دون البيت بمعناه المعروف.

و في(20)جزاء من يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه و رسوله ثمّ يدركه الموت،بأنّه قد وقع أجره على اللّه، و المراد من«البيت»:ما يعمّ البلد،أي من سافر من بلده مهاجرا.

و في(21)دعا نوح ربّه أن يغفر له و لوالديه و لمن دخل بيته مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات.قالوا:المراد ب وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً من دخل داري أو سفينتي أو مسجدي،أو ديني،أو بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله،على بعد في الأخيرين.و مغزاه من جاءني مؤمنا،فهذا تعميم لكلّ من تبعه،إضافة إلى الّذين آمنوا به فعلا.

و في المجمع(5:365):«دعا نوح عليه السّلام-في هذه الآيات-دعوتين:دعوة على الكافرين،و دعوة للمؤمنين؛فاستجاب اللّه دعوته على الكافرين،فأهلك من كان منهم على وجه الأرض.و نرجو أن يستجيب دعوته للمؤمنين أيضا فيغفر لهم.

و في(22)اقترح المشركون على النّبيّ أن يكون له بيت من زخرف و غير ذلك كشرط للإيمان به،و مع ذلك لن يؤمنوا به حتّى ينزّل عليهم كتابا يقرءونه.

و في(23)يذكّر اللّه النّبيّ بأنّه أخرجه من بيته و إنّ فريقا من المؤمنين لكارهون،و أريد به خروجه مع النّاس إلى«بدر».فشبّه ذلك بسؤالهم الأنفال طمعا فيها، قال في أوّل السّورة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ الأنفال:1،ثمّ وصف المؤمنين الصّادقين، و قال: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ...

الأنفال:5،و المراد بالبيت:ما يعمّ الوطن و الولد.

و في(24)ذكر مراودة امرأة العزيز يوسف في بيتها عن نفسه،و قد تحدّثنا عنه في«الأبواب».و عبّر عنها ب اَلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها بدل«امرأة العزيز»،تمهيدا لما قال يوسف بعدها: مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، أي أنّي لا أخون من أنا في بيته،و الّذي أحسن مثواي، لهوى امرأة في بيتها،لأنّ بيتها بيته.

و هذه الآية منفردة في سياقها بإتيان«البيت»بموقع الذّمّ،و نظيرها الآية(25)كما يأتي.و سائر الآيات كلّها مدح.و في هذه الآية مدح ليوسف أيضا و ذمّ لمن هو في بيتها،و لهذه الغاية ذكرها اللّه تعالى؛إذ سورة يوسف مسرح قرآنيّ للعشق و العفّة.و الأوّل تمهيد للثّاني،لأنّ العفّة هي الهدف فيها.

و جاء في(25)اتّخاذ العنكبوت بيتا،و وصفه بأنّه

ص: 228

أوهن البيوت،فالتنكير فيها للتّحقير و الوهن،و هذا يجري مجرى الذّمّ.

سادسا:ما تقدّم من البحوث راجع إلى«البيت» مفردا،و أمّا«البيوت»جمعا فجاءت بستّة أساليب:

الأوّل:أسلوب المدح و التّكريم:(4)آيات:

1-الآية(1)ذكر فيها بيوت العبادة و المساجد الّتي أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه،و الّتي يسبّح فيها بالغدوّ و الآصال رجال متّصفون بصفات سامية:

لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه أوّلا،و عن إقامة الصّلاة ثانيا،و عن إيتاء الزّكاة ثالثا،و يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب و الأبصار رابعا.و نتيجة ذلك أنّ اللّه يجزيهم أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله و اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.

هذه هي بيوت اللّه الّتي تخصّ عباد اللّه المتّصفين بتلك الصّفات.

و من عظم بيوت اللّه في الآية أنّها متّصلة بآية النّور، قال الطّبرسيّ في المجمع(4:144): فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ أي هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها...و يعضده قول النّبيّ:«المساجد بيوت اللّه في الأرض،و هي تضيء لأهل السّماء كما تضيء النّجوم لأهل الأرض».و معنى ذلك أنّ نور اللّه بماله من الصّفات يتلألأ في المساجد من خلال تسبيح هؤلاء الرّجال،و هذا غاية التّعظيم لبيوت اللّه.

2-الآية(2)ذكر فيها بيوت النّبيّ؛حيث منع المؤمنون أن يدخلوها إلاّ أن يؤذن لهم إلى طعام غير ناظرين إناه،فإذا طعموا فلينتشروا،فذكر فيها بيوت النّبيّ تكريما يلي تكريم بيوت اللّه في(1)مع فرق بيّن بينهما،فإنّ المؤمنين كانوا يتغذّون في بيوت اللّه غذاء الرّوح،و في بيوت النّبيّ غذاء الجسم و الرّوح معا.

3-جاء في(3)أنّ اللّه أوحى إلى موسى و أخيه أن يتبوّءا لقومهما بمصر بيوتا،يجعلونها قبلة لبني إسرائيل، ليتوجّهوا نحوها و يقيموا الصّلاة إليها.فكانت هذه البيوت بيوتا للّه أيضا،لاحظ«ق ب ل».

4-جاء في(4)أنّ عيسى عليه السّلام قال لبني إسرائيل خلال ما جاءهم بها من الآيات و المعجزات: وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، فلكلّ من اللّه عزّ و جلّ و موسى و عيسى و محمّد عليهم السّلام حظّ من البيوت في هذه الآيات الأربع.

الثّاني:بيان قدرة اللّه و آياته في خلق بيوت حشرتين من أصغر الحشرات،و هما النّحل و العنكبوت،و فيه آيتان:

1-جاء في(5)أنّ اللّه أوحى إلى النّحل وحيا فطريّا أن تتّخذ من الجبال و من الشّجر و ممّا يعرشون بيوتا،فيها أسرار من خلق اللّه من الأشكال الهندسيّة،كما في النّحل نفسها أيضا في أكلها من كلّ الثّمرات،و في ما يخرج من بطونها من شراب مختلف ألوانه،فيه شفاء للنّاس،و من أجل عظم أمر النّحل سمّيت السّورة باسمها.

2-جاء في(6)تشبيه الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء بالعنكبوت الّتي اتّخذت بوحي فطريّ من اللّه بيتا من أوهن البيوت،فصارت الآية كبيت القصيد في هذه السّورة،فسمّيت باسمها كما سمّيت سورة النّحل باسمها.

و على الرّغم من أنّ بيتها من أوهن البيوت ذكر«البيت»

ص: 229

في الآية ثلاث مرّات:مفردا مرّتين،و جمعا مرّة،تلميحا بعظم العنكبوت في نفسها و في بيتها،فإنّ العلم الحديث كشف عنه أسرارا،منها أنّه من أصلب الموادّ حتّى الحديد،إضافة إلى اشتماله على أشكال هندسيّة دقيقة.

الثّالث:أربع آيات بعدها:(7-10)-و كلّها مكّيّة- في قوم ثمود،و هم أصحاب الحجر و صالح،فجاء في الثّلاث الأولى-تأكيدا لقوّتهم-أنّهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فارهين فيها،و هذه البيوت لا تزال باقية،اكتشفها خبراء الآثار حديثا،و كانت موجودة حين نزول القرآن،كما قال في(10): فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً.

و ذكر في(7)أنّ اللّه جعلهم خلفاء من بعد عاد، و بوّأهم في الأرض،و كانوا يتّخذون من سهولها قصورا، و ينحتون من الجبال بيوتا.و تضمّنت هذه الآيات جدال عنيف وقع بينهم و بين صالح و غيره من رسلهم،ثمّ أخذتهم الصّيحة فكانوا من الهالكين،و جميع سياقها ذمّ.

الرّابع:خاطب اللّه في(11)المشركين و العرب تأكيدا لما أنعم عليهم،بأن جعل لهم من بيوتهم سكنا، و من جلود الأنعام بيوتا يستخفّونها يوم ظعنهم-أي ارتحالهم-من مكان إلى مكان،و يوم إقامتهم في مكان.

فكان لهم صنفان من البيوت:بيوت ثابتة مبنيّة من الحجر و الطّين و الخشب،و بيوت متنقّلة من جلود الأنعام و أوبارها و أشعارها.و هذه مكّيّة أيضا،إلاّ أنّ سياقها الامتنان دون الذّمّ.

الخامس:جاء في(12)و(13)نوع آخر من الحجاج مع المشركين عقيب قولهم: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا اَلْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزّخرف:31، و الرّدّ عليهم بأنّ اللّه هو الّذي قسّم بين النّاس معايشهم،و رفع بعضهم فوق بعض درجات فيها،نبّه على سنّة إلهيّة بأنّه لو لا أنّ سنّته جرت على كون النّاس أمّة واحدة في معايشهم لا يفرّق بين مؤمنهم و كافرهم، لجعل بيوت الّذين كفروا ذات سقف من فضّة و أبواب و سرر عليها يتّكئون،أي لوسّع لهم في العيش فوق الّذين آمنوا بما هي متاع الحياة الدّنيا،و خصّ الآخرة بالمتّقين،إلاّ أنّ اللّه لا يميّز المؤمن من الكافر فيما قدّر لهما من المعيشة.

السّادس:جاء في ثلاث بعدها:(14-16)-و كلّها مدنيّة راجعة إلى معارك القتال بين المؤمنين و الكفّار- إزراء بموقف بعض المؤمنين في أحد و الأحزاب،و إدانة اليهود في معركة بني النّضير:

1-وبّخ اللّه في(14)طائفة من المؤمنين،قالوا بعد الهزيمة في معركة أحد: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، بقوله: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ...، آل عمران:

154،أي أنّ الموت و الحياة مقدّران،لا يؤخّران و لا يقدّمان،فلو بقيتم في بيوتكم و لم تخرجوا إلى ساحة المعركة لأدرككم الموت المقدّر لكم.

2-و وبّخ في(15)الفريق الّذي كان يستأذن النّبيّ للخروج من معركة الأحزاب بذريعة أنّ بيوتهم عورة، بقوله: وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً، و تعكس الآيتان ضعف نفوس بعض المؤمنين أمام الأعداء في سوح القتال.

ص: 230

3-أمّا الآية(16)فجاءت حول غزوة بني النّضير من اليهود؛حيث نصر اللّه المؤمنين،فقذف في قلوبهم الرّعب،و كانوا يخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين، و كان هذا عبرة لأولى الأبصار.

السّابع:سياق الآيات(17-24)التّشريع،و كلّها مدنيّة.و هي ثماني آيات:

1-جاءت الآيتان(17)و(18)خلال الآيات (28-34)من سورة الأحزاب في نساء النّبيّ عليه السّلام،ابتداء من يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا -إلى- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ...، و البحث فيها تفصيلا موكول إلى«زوج» و«ن ب أ».و قد نبّه خلالها إلى جملة من فضائلهنّ،منها:

أنّهنّ لسن كأحد من النّساء إن اتّقين،و أنّ من يعمل منهنّ صالحا فأجرها ضعفان،و من يأت بفاحشة فعذابها ضعفان.ثمّ كلّفهنّ بأمور،منها:القرار في بيوتهنّ،و عدم التّبرّج،و ذكر ما يتلى في بيوتهنّ من آيات اللّه و الحكمة.

فركّز القرآن لفظ(بيوتهنّ)مرّتين،منوّها بالحفاظ على موقفهنّ فيها،حيال النّبيّ عليه السّلام.فبيوتهنّ أمان لعفّتهنّ، و تذكار لتلاوة الآيات الّتي تلاها جبرئيل فيها على النّبيّ و تلاها النّبيّ عليهنّ و على غيرهنّ،و هي مصادر حكمه و سنّته المباركة.

ثمّ إنّه أضاف«البيوت»إليهنّ هنا؛حيث خاطبهنّ، و أضافها إلى النّبيّ؛إذ خاطب المؤمنين في الآية(2):

لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ...، و هذا تكريم و تشريف آخر لهنّ.

2-في الآية(19)إرشاد للنّاس بأن يأتوا البيوت من أبوابها دون ظهورها،فإنّه تقوى و فلاح،فذكر «البيوت»سلبا و إيجابا و أمرا و نهيا مرّتين اهتماما بها،فقد سبق مرارا أنّ الأمر بشيء و النّهي عن ضدّه معا رمز إلى عظم التّكليف.ثمّ إنّهم ذكروا لها شأن نزول،و جعلها بعضهم مثلا لمن طلب الخير،أو العلم من غير أهله.

فعن عليّ عليه السّلام«أنّ البيوت هي بيوت العلم، استودعته الأنبياء،و أبوابها الأوصياء»،و مثله قوله صلّى اللّه عليه و آله:«أنا مدينة العلم و عليّ بابها».و عند بعضهم أنّ البيوت كناية عن النّساء،و معناها لا تأتوا النّساء من ظهورهنّ بل من قبلهنّ،إلى غير ذلك ممّا جاء في النّصوص،فلاحظ.

3-تعرّضت الآيات(20)-(22)-و كلّها من سورة النّور-فجاء في(20)أمران:

أوّلهما:أن يأكل المؤمنون من بيوتهم أو بيوت أقربائهم من الآباء و الأمّهات و الإخوان و الأخوات و الأعمام و الخالات و الأصدقاء،أو الّتي ملكوا مفاتحها.

و ثانيهما:أن يسلّموا على أنفسهم حين الدّخول تحيّة من اللّه.و فيها مواقف للبحث و النّظر:

الأوّل:لقد كرّرت«البيوت»في هذه الآية الطّويلة عشر مرّات،رغم سهولة الاكتفاء بذكرها مرّتين:مرّة في حكم السّلام،و أخرى في حكم الأكل بعطف بعض الأقرباء على بعض،كما عطف أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ على الأقرباء من دون تكرار«البيوت»،فما هو وجه التّكرار؟

نقول:سياق الآية مبنيّ على التّفصيل و البسط، و ذكر الأقرباء الأقرب منهم فالأقرب،و هذا يوجب

ص: 231

التّكرار،لينفصل كلّ صنف من الأقرباء عن الأصناف الأخر بلفظ«بيوت»،فلكلّ منهم بيوت تختلف عن بيوت الآخرين.

الثّاني:لم لم تذكر بيوت الأولاد و الأزواج؟

أجابوا بأنّ«بيوتكم»يغني عن ذلك،إشعارا بتماسك القرابة بين الرّجل و أولاده و أزواجه،فبيوتهم هي بيوته تماما،و قد جاء في الحديث«أنت و مالك لأبيك».

الثّالث:ما المراد ب أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ؟ قالوا:

هذا يشمل الوكيل و الوصيّ و القيّم و العبد و نحوهم.

الرّابع:كلّ ذلك مشروط بعدم سبق النّهي من قبل هؤلاء الأقرباء،و بفقد العلم بكراهتهم،و إلاّ فلا يحلّ الأكل من بيوتهم،فهذا من قبيل حقّ المارّة ليس على إطلاقه.

و تنهى الآية(21)عن دخول بيوت الآخرين و هي مسكونة إلاّ بعد الاستئناس ثمّ السّلام على أهلها.

و لعلّها بيوت غير هؤلاء الأقرباء و الأصدقاء، و الأقرب شمولها لبيوتهم،لأنّ حكم الدّخول يختلف عن حكم الأكل.

و جوّزت الآية(22)دخول بيوت غير مسكونة لمن كان له متاع فيها،لاحظ النّصوص.

4-جاءت الآيتان(23)و(24)في شأن النّساء في بيوت أزواجهنّ:فتتحدّث الآية(23)حول النّساء اللاّتي يأتين الفاحشة،و يشهد عليهنّ أربعة من المسلمين.فيجب إمساكهنّ في البيوت حتّى الموت،أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا.و نسخ ذلك بالرّجم في المحصنين و الجلد في البكرين،قال النّبيّ عليه السّلام:«خذوا عنّي،قد جعل اللّه لهنّ سبيلا،البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام،و الثّيّب بالثّيّب جلد مائة و الرّجم»،المجمع(2:

20)،لاحظ«ف ح ش».

و تتحدّث الآية(24)حول المطلّقات بأن لا يخرجوهنّ من بيوتهنّ أيّام العدّة،إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة، لاحظ«ط ل ق».

المحور الثّالث:جاء المصدر في ثلاث آيات:

1- وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ الأعراف:4

2- أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ الأعراف:97

3- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ يونس:50

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات كلّها مكّيّة و سياقها ذمّ، و حكاية عن عاقبة الأقوام السّالفة عامّة في(1)و(2)، و عن المشركين أعداء النّبيّ عليه السّلام في(3).

ثانيا:أنّ«بياتا»و إن كان مصدرا بمعنى البيتوتة و النّوم ليلا،إلاّ أنّه جاء فيها اسما بمعنى اللّيل بإزاء النّهار،و قد صرّح به في(3): إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً، و كنّي عنه في(1): فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ، فإنّ القيلولة هي النّوم في النّهار.

و أمّا الآية(2)فصريحة في أنّ المراد به اللّيل،قال:

أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ. ثمّ قال: أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ، فجاء فيها«ضحى»بدل«نهار»في(3).

ص: 232

ب ي د

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البيد من قولك:باد يبيد،و أباده اللّه.

و البيداء:مفازة لا شيء فيها،و بين المسجدين أرض ملساء اسمها:البيداء.

و في الحديث:«إنّ قوما يغزون البيت فإذا نزلوا البيداء،و هي مفازة بين مكّة و المدينة ملساء،بعث اللّه ملكا فيقول:يا بيداء بيدي بهم،فيخسف بهم».

و بيد بمعنى«غير»و يقال:بمعنى«على».و ميد:لغة فيها.

و أتان بيدانة،أي تسكن البيداء.(8:84)

سيبويه :باد يبيد بيدا،إذا هلك.و بادت الشّمس بيودا:غربت منه.(ابن منظور 3:97)

الكسائيّ: «في حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا و أوتيناه من بعدهم».

قوله:«بيد»يعني:غير أنّا أوتينا الكتاب من بعدهم،فمعنى بيد معنى«غير»بعينها.(أبو عبيد 1:89)

ابن شميّل:البيداء:المكان المستوي المشرف، قليلة الشّجر،جرداء،تقود اليوم و نصف يوم فأقلّ، و أشرافها شيء قليل لا تراها إلاّ غليظة صلبة،لا تكون إلاّ في أرض طين.(الأزهريّ 14:207)

أبو عبيد:[ذكر حديث النّبيّ: «نحن الآخرون...» ثمّ قال:]

و فيه لغة أخرى«ميد»بالميم،و العرب تفعل هذا تدخل الميم على الباء،و الباء على الميم،كقولك:أغمطت عليه الحمّى و أغبطت،و قوله:سمّد رأسه و سبّد رأسه، و هذا كثير في الكلام.

و أخبرني بعض الشّاميّين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:أنا أفصح العرب ميد أنّي من قريش،و نشأت في بني سعد ابن بكر،و فسّره:من أجل.

و هذه الأقوال[قول الكسائيّ و الأمويّ و ما قاله هو]

ص: 233

كلّها بعضها قريب من بعض في المعنى،مثل«غير» و«على».

و بعض المحدّثين يحدّثه:بأيد أنّا أعطينا الكتاب من بعدهم،يذهب به إلى«القوّة»،و ليس لها هاهنا معنى نعرفه.(1:89)

ابن السّكّيت :بيد بمعنى«غير»يقال:رجل كثير المال بيد أنّه بخيل،معناه:غير أنّه بخيل.

و البيد:جمع للبيداء،و هي الفلاة.

(الأزهريّ 14:207)

الأمويّ: بيد معناها«على».[ثمّ استشهد بشعر]

(أبو عبيد 1:89)

شمر: البيدانة:الأتان الوحشيّة،أضيفت إلى البيداء،و الجمع:البيدانات.(الأزهريّ 14:206)

ابن دريد :باد الشّيء يبيد بيودا،إذا نفد،و أباده الدّهر إبادة.

و يقولون:لا أفعل ذلك بيد أنّي كذا و كذا،أي لأنّي.

و في الحديث:«أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش و استرضعت في بني سعد بن بكر».[إلى أن قال:]

و البيداء:القفر،و الجمع بيد.و البيداء:موضع معروف،و هو الّذي في الحديث.و الصّحاري كلّها يقال لها:بيد.

و البيدانة:الأتان الوحشيّة،منسوبة إلى البيد.

(3:201)

الصّاحب: البيد:من قولك:باد يبيد بيادا،و أباده اللّه إبادة.

و أتى فلان بطعام بيد،أي رديء.

و أتان بيدانة:تسكن البيداء.

و البيدانة:الصّحراء.

و بادت النّخلة تبيد بيدا،إذا لم تحمل.

و بيدان:اسم موضع.(9:375)

ابن جنّيّ: سمّيت بذلك لأنّها تبيد من يحلّها، و الجمع:بيد،كسّروه تكسير الصّفات؛لأنّه في الأصل صفة،و لو كسّروه تكسير الأسماء فقيل:بيداوات لكان قياسا.(ابن سيده 9:407)

الجوهريّ: البيداء:المفازة،و الجمع:بيد.

و باد الشّيء يبيد بيدا و بيودا:هلك.و أبادهم اللّه، أي أهلكهم.

و البيدانة:الأتان،اسم لها.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيد بمعنى«غير»يقال:إنّه كثير المال،بيد أنّه بخيل.(2:450)

ابن فارس :الباء و الياء و الدّال أصل واحد،و هو أن يودي الشّيء،يقال:باد الشّيء بيدا و بيودا،إذا أودى.و البيداء:المفازة،من هذا أيضا،و الجمع بينهما في المعنى ظاهر.

و يقال:إنّ البيدانة:الأتان تسكن البيداء.

فأمّا قولهم:بيد فكذا جاء بمعنى«غير».يقال:فعل كذا بيد أنّه كان كذا.[ثمّ ذكر الحديث:نحن الآخرون...و قال:]

و هذا يباين القياس الأوّل.و لو قيل:إنّه أصل برأسه،لم يبعد.(1:325)

الثّعالبيّ: فإذا كانت[الأرض]تبيد سالكها، فهي:البيداء،و المفازة كناية عنها.(285)

ص: 234

ابن سيده: باد الشّيء يبيد بيدا،و بيادا،و بيودا، و بيدودة،الأخيرة عن اللّحيانيّ:انقطع و ذهب.

و البيداء:الفلاة،و قيل:المفازة المستوية تجري فيها الخيل.[و بعد نقل بيت عن أبي زيد و شرحه مفصّلا قال:]

و البيدانة:الحمار الوحشيّة.(9:406)

البيداء:الفلاة و المفازة،لأنّها تبيد من يحلّها، الجمع:بيد و بيداوات.(الإفصاح 2:105)

الرّاغب: يقال:باد الشّيء يبيد بيادا،إذا تفرّق و توزّع في البيداء،أي المفازة.و جمع البيداء:بيد،و أتان بيدانة:تسكن البيداء.(65)

الزّمخشريّ: نزلنا بالبيداء،و قطعنا بيدا عن بيد، و أبادهم اللّه فبادوا.و في الحديث:«بعث اللّه جبريل فقال:يا بيداء بيدي بهم،فيخسف بهم».و صاد عيرا و بيدانة.و هو كثير المال بيد أنّه بخيل.

(أساس البلاغة:34)

ابن الأثير :«أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش» بيد بمعنى«غير».

و منه الحديث الآخر:«بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا».و قيل:معناه:«على أنّهم»،و قد جاء في بعض الرّوايات:«بايد أنّهم»و لم أره في اللّغة بهذا المعنى.

و قال بعضهم:إنّها بأيد،أي بقوّة،و معناه:نحن السّابقون إلى الجنّة يوم القيامة بقوّة أعطانا اللّه و فضّلنا بها.

و في حديث الحجّ:«بيداؤكم هذه الّتي تكذبون فيها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.[إلى أن قال:]

و منه الحديث:«فإذا هم بديار باد أهلها»أي هلكوا و انقرضوا.

و حديث الحور العين«نحن الخالدات فلا نبيد»أي لا نهلك و لا نموت.(1:171)

الفيّوميّ: باد يبيد بيدا و بيودا:هلك،و يتعدّى بالهمزة،فيقال:أباده اللّه تعالى.

و البيداء:المفازة،و الجمع:بيد بالكسر.

و بيد مثل«غير»وزنا و معنى،يقال:هو كثير المال بيد أنّه بخيل.(1:68)

الفيروزآباديّ: باد يبيد بوادا و بيدا و بيادا و بيودا و بيدودة:ذهب و انقطع.

و الشّمس بيودا:غربت.

و البيداء:الفلاة،الجمع:بيد،و القياس بيداوات.

و أرض ملساء بين الحرمين.

و البيدانة:الأتان الوحشيّة،أو الّتي تسكن البيداء لا اسم لها،و وهم الجوهريّ.الجمع:بيدانات.

و بيد و بايد،بمعنى«غير»و«على»و«من أجل».

و طعام بيد:رديء.

و بيدان:رجل،و موضع،أو ماءة لبني جعفر بن كلاب.(1:289)

الطّريحيّ: و البيداء أرض مخصوصة بين مكّة و المدينة،على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة،كأنّها من الإبادة و هي الإهلاك.

و في الحديث:«نهى عن الصّلاة في البيداء»و علّل بأنّها من الأماكن المغضوب عليها.

و فيه:«البيداء هي ذات الجيش».

ص: 235

و في آخر:«قلت:و أين حدّ البيداء؟قال:كان جعفر إذا بلغ ذات الجيش جدّ في السّير ثمّ لا يصلّي حتّى يأتي معرّس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.قلت:و أين حدّ ذات الجيش؟ فقال:دون الحفيرة بثلاثة أميال».(3:18)

محمود شيت: أباد الجيش أعداءه:أهلكهم.

و حرب الإبادة:الحرب الّتي تقضي على الحرث و النّسل.(1:102)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ المعنى الحقيقيّ لهذه المادّة:هو التّبدّد و التّفرّق بين الأجزاء،و لا يبعد أن يكون بين«البدّ»و«البيد»اشتقاق أكبر،و أن يكون «البدّ»أوّل مرتبة من التّفرّق،و«البيد»ما تحصّل منه، و المرتبة الثّانية،بمناسبة فكّ الإدغام،و قلب الدّال المشدّدة ياء.

و بهذا الاعتبار تسمّى الأراضي المتّسعة الّتي ليست فيها آثار العمارة:بيداء،فكأنّها متبدّدة،قد باد ما كان فيها من صور العمارات.

و أمّا البيد بمعنى«الغير»فباعتبار تبدّد الحالة السّابقة في ذلك المورد،و تبدّلها إلى هذه الحالة المستثناة المستخرجة.(1:342)

النّصوص التّفسيريّة

تبيد

وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً. الكهف:35

ابن عبّاس:أن تهلك.(247)

الطّبريّ: (ما أظنّ أن تبيد هذه الجنّة أبدا):لا تفنى و لا تخرب.(15:246)

مثله الميبديّ(5:691)،و النّيسابوريّ(15:

132)،و النّسفيّ(3:13).

الطّوسيّ: أي تهلك هذه الجنّة أبدا.(7:43)

الطّبرسيّ: أي ما أقدر أن تفنى هذه الجنّة و هذه الثّمار أبدا.و قيل:يريد ما أظنّ هذه الدّنيا تفنى أبدا.

(3:468)

الفخر الرّازيّ: جمع بين هذين،فالأوّل قطعه بأنّ تلك الأشياء لا تهلك و لا تبيد أبدا،مع أنّها متغيّرة متبدّلة.

فإن قيل:هب أنّه شكّ في القيامة،فكيف قال:

ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً مع أنّ الحدس يدلّ على أنّ أحوال الدّنيا بأسرها ذاهبة باطلة غير باقية؟

قلنا:المراد أنّها لا تبيد مدّة حياته و وجوده.

(21:125)

القرطبيّ: أنكر فناء الدّار.(10:404)

البروسويّ: تفنى و تهلك و تنعدم،من باد،إذا ذهب و انقطع.(5:246)

الآلوسيّ: أي تهلك و تفنى،يقال:باد يبيد بيدا و بيودا و بيدودة،إذا هلك.(15:275)

مثله محمّد حسنين مخلوف.(1:476)

القاسميّ: أي تهلك و تفنى.(11:4058)

مثله المراغيّ.(15:147)

محمّد عزّة دروزة: تهلك و تزول.(6:21)

الطّباطبائيّ: نفي الظنّ بأمر كناية عن كونه فرضا

ص: 236

و تقديرا لا يلتفت إليه،حتّى يظنّ به و يمال إليه.فمعنى ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أنّ بقاءه و دوامه ممّا تطمئنّ إليه النّفس و لا تتردّد فيه،حتّى تتفكّر في بيده و تظنّ أنّه سيفنى.

و هذا حال الإنسان فإنّ نفسه لا تتعلّق بالشّيء الفاني من جهة أنّه متغيّر يسرع إليه الزّوال،و إنّما يتعلّق القلب عليه بما يشاهد فيه من سمة البقاء كيفما كان، فينجذب إليه و لا يلوي عنه إلى شيء من تقادير فنائه.

فتراه إذا أقبلت عليه الدّنيا اطمأنّ إليها و أخذ في التّمتّع بزينتها و الانقطاع إليها،و اعتورته أهواؤه و طالت آماله،كأنّه لا يرى لنفسه فناء،و لا لما بيده من النّعمة زوالا،و لا لما ساعدته عليه من الأسباب انقطاعا، و تراه إذا أدبرت عنه الدّنيا أخذه اليأس و القنوط، فأنساه كلّ رجاء للفرج،و سجّل عليه أنّه سيدوم و يدوم عليه الشّقاء،و سوء الحال.

و السّبب في ذلك كلّه ما أودعه اللّه في فطرته من التّعلّق بهذه الزّينة الفانية فتنة و امتحانا،فإذا أعرض عن ذكر ربّه انقطع إلى نفسه و الزّينة الدّنيويّة الّتي بين يديه،و الأسباب الظّاهريّة الّتي أحاطت به،و تعلّق على حاضر الوضع الّذي يشاهده،و دعته جاذبة الزّينات و الزّخارف أن يجمد عليها و لا يلتفت إلى فنائها، و هو القول بالبقاء.

و كلّما قرعته قارعة العقل الفطريّ أنّ الدّهر سيغدر به،و الأسباب ستخذله،و أمتعة الحياة ستودّعه، و حياته المؤجّلة ستبلغ أجلها،منعه اتّباع الأهواء و طول الآمال الإصغاء لها و الالتفات إليها.

و هذا شأن أهل الدّنيا لا يزالون على تناقض من الرّأي يعملون ما يصدّقونه بأهوائهم و يكذّبونه بعقولهم، لكنّهم يطمئنّون إلى رأي الهوى،فيمنعهم عن الالتفات إلى قضاء العقل.

و هذا معنى قولهم:بدوام الأسباب الظّاهريّة و بقاء زينة الحياة الدّنيا،و لهذا قال فيما حكاه اللّه: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً و لم يقل:هذه لا تبيد أبدا.(13:310)

عبد الكريم الخطيب :هكذا يكيد هذا الضّالّ لصاحبه،و يجيء إليه بما يظنّ أنّه يملأ قلبه حسرة و حسدا،فيتحدّث عن جنّته هذا الحديث الّذي يتيه فيه فخرا و زهوا،بما يملك بين يديه،من ثراء طائل،و جاه عظيم.

إنّه ينظر إلى جنّته كأنّه يراها لأوّل مرّة،فيقول:

ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ثمّ ينظر في وجه صاحبه ليرى وقع هذه الكلمة على مشاعره،فيرى استنكارا و امتعاضا و تعجّبا،من هذا الغرور الّذي يذهل صاحبه عن بدهيّات الأمور.

فهل رأى هذا الأحمق الجهول،فيما يدور في دنياه هذه شيئا لا يبيد أبدا؟و هل هذه أوّل جنّة كانت في هذه البقعة؟ألا يجوز أنّها قامت على أنقاض دور كانت عامرة،أو جنّات كانت خيرا من جنّته؟(8:618)

محمود صافي:و المصدر المؤوّل(ان تبيد)في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي ظنّ.(15:186)

المصطفويّ: أي ما أظنّ أن تنمحي هذه العمارة و تتبدّد هذه الصّورة،من نظم الأنهار و الأشجار و العمارة.(1:342)

ص: 237

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البيداء،و هي مفازة لا شيء فيها،و جمعها بيد،و منه قولهم:باد الرّجل يبيد بيدا،أي هلك،و كأنّه حلّ في البيداء فأبادته،و أباده اللّه:أهلكه،و أباده الدّهر إبادة.و باد الشّيء يبيد بيدا و بيادا و بيودا و بيدودة:نفد و ذهب،و بادت الشّمس:

غربت.

و منه:البيدانة:الأتان الوحشيّة،و جمعها بيدانات، و سمّيت بذلك لسكونها البيداء،يقال:أتان بيدانة،فهي على وزن«فعلانة»،مثل:صفوانة:صخرة ملساء.

و قيل:لكونها عظيمة البدن،فهي-على هذا القول- على وزن«فيعالة»،مثل:عيثامة و عيثارة،و هما نوعان من الشّجر.

2-و بيد:غير،أو على،أو من أجل،و أيّ من هذه المعاني لا يطابق ما ذهبنا إليه كأصل لهذه المادّة،أي البيداء،و ما ذهب إليه غيرنا كابن فارس،و هو الهلاك، قال:«و هذا يباين القياس الأوّل،و لو قيل:إنّه أصل برأسه لم يبعد».

و نرى أنّ«ميد»-الّذي قيل فيه:إنّه لغة في«بيد»- هو الأصل،و«بيد»لغة فيه،كقولهم:باسمك،أي ما اسمك؟و بهلا،أي مهلا.و هو من:مادهم يميدهم،أي زادهم،و على ذلك فإنّ معنى«ميد»هو«على»الّتي تفيد العلوّ و الفوقيّة،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش»،أي فضلا عن ذلك،و فيه وجوه أخرى سنتعرّض لها في«م ي د»إن شاء اللّه.

3-و بين«ب ي د»و«أ ب د»اشتقاق أكبر،فأصل المادّة الأولى مشرب معنى التّوحّش كما رأيت،و هو يضارع أحد أصلي«أ ب د»،أي التّوحّش،كما مرّ هناك،يقال:أبدت البهيمة أبودا:توحّشت،و نفرت من الإنس.

كما أنّ«باد»ورد في إحدى لغات السّريانيّة بلفظ «إبد»،و هو يطابق«الأبد»لفظا أيضا،و هذا يدلّ على وحدة المادّتين و اتّحاد مغرسهما.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت هذه المادّة مرّة واحدة،فعلا مضارعا في سورة مكّيّة:

وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً الكهف:35

يلاحظ أوّلا:أنّ استعمالها وحيدة و منفردة في القرآن دون ضرورة-كرعاية الفواصل-يحكي قلّة تداولها عند العرب حينذاك.و مع ذلك ففيه إيهام التّناسب بين«تبيد»و«أبدا».فلو جاء«تهلك»لانتفى ذلك،و لعلّه الموجب لمجيئه بدله.فهذا الأمر-إيهام التّناسب-قام مقام رعاية الفواصل في غيرها،ممّا جاء مرّه واحدة في القرآن.

ثانيا:هناك حكمة أخرى في إتيان«البيد»مقرونا بالجنّة،رغم وجود ما يضارعه أصلا و استعمالا،و هي أنّ هذا الضّرب من الاستعمال يراد به الإمعان في تصوير مشهدين متناقضين تماما،مشهد يصوّر روضة غنّاء ذات أثمار يانعة،و مشهد يصوّر بيداء يهماء لا حياة فيها و لا ماء؛إذ ينبئ الفعل«باد يبيد»-كما بيّنّا آنفا-بالحلول

ص: 238

في الصّحراء،و هو الهلاك و الرّدى،و شتّان بين المشهدين،فهما كالموت و الحياة،و السّراب و الماء.

ثالثا:جاءت في القرآن ألفاظ مترادفة للبيد فيما يلي:

الأشياء:

1-البوار: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28

2-التّدمير: وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ الأعراف:137

3-الموت: وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164

4-الهلاك: كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ آل عمران:117

الأشخاص و الذّوات:

1-الدّمدمة: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها الشّمس:14

2-الرّدى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى طه:16

3-الزّهوق: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ التّوبة:55

4-النّحب: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الأحزاب:23

5-الوفاة: ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ البقرة:281

6-التّدمير: فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الفرقان:36

7-الموت: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ البقرة:161

8-الهلاك: وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى النّجم:50

9-التّباب: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ اللّهب:1

اسم المعنى:

1-التّباب: وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ

المؤمن:37

2-الزّهوق: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81

ص: 239

ص: 240

ب ي ض

اشارة

6 ألفاظ،12 مرّة:9 مكّيّة،3 مدنيّة

في 10 سور:8 مكّيّة،2 مدنيّتان

الأبيض 1:-1 ابيضّت 2:1-1

بيضاء 6:6 تبيضّ 1:-1

بيض 1:1 بيض 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البيض:معروف،و دجاجة بيوض، و هنّ بيض للجماعة،مثل حيد:جمع حيود،و هي الّتي تحيد عنك.

و بيضة الحديد:معروفة،و بيضة الإسلام:جماعاتهم.

و الجارية:بيضة الخدر:لأنّها في خدرها مكنونة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ابتيض القوم،إذا استبيحت بيضتهم، و ابتاضهم العدوّ،إذا استأصلهم.

و غراب بائض،و ديك بائض،و هما مثل الوالد.

و«بيضة العقر»مثل يضرب،و ذلك أن تغتصب الجارية فتفتضّ،فتجرّب ببيضة،و تسمّى تلك البيضة:

بيضة العقر.

و بيضة البلد:تريكة النّعامة.

و الأبيضان:الشّحم و اللّبن.و البيضة:الخصية، و البيضة:بيضة الرّمل،و البيضة:أصل القوم و مجمعهم.(7:69)

الكسائيّ: بايضني فلان فبضته:من البياض.

(الأزهريّ 12:88)

ما رأيته مذ أجردان،و مذ جريدان و أبيضان،يريد يومين أو شهرين.(الأزهريّ 12:87)

ابن شميّل:أفرخ بيضة القوم،إذا ظهر مكتوم أمرهم،و أفرخت البيضة،إذا صار فيها فرخ.

(الأزهريّ 12:86)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و البيضاء:القدر،و يقال للقدر أيضا:أمّ بيضاء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:88)

ص: 241

الفرّاء:باض،إذا أقام بالمكان.(الأزهريّ 12:84)

الأبيضان:الماء و الحنطة،و الأبيضان:عرقا الوريد.

(الأزهريّ 12:87)

العرب لا تقول:حمر و لا بيض و لا صفر.و ليس ذلك بشيء،إنّما ينظر في هذا إلى ما سمع من العرب،يقال:

ابيضّ و ابياضّ،و احمرّ و احمارّ.

و العرب تقول:فلانة مسودة و مبيضة،إذا ولدت البيضان و السّودان،و أكثر ما يقولون:موضحة،إذا ولدت البيضان.

و لعبة لهم يقولون:أبيضي حبالا،و أسيدي حبالا.

و لا يقال:ما أبيض فلانا،و ما أحمر فلانا،من البياض و الحمرة،و قد جاء ذلك نادرا في شعر قديم:

أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم

لؤما و أبيضهم سربال طبّاخ

(الأزهريّ 12:88)

البيض:جمع أبيض و بيضاء،و البيضة:اسم ماء.

و البيضتان و البيضتان،بالكسر و الفتح:موضع على طريق الشّام من الكوفة.

(ابن منظور 7:129)

أبو عبيدة :الأبيضان:الشّحم و اللّبن.

(الأزهريّ 12:87)

باضت البهمى:سقطت نصالها.(الأزهريّ 12:84)

أبو زيد :و بيضات الخدور:نسوة كأنّهنّ بيض النّعام.(45)

و يقال:ذهب منه الأبيضان،أي شبابه و شحمه.(83)

تقول العرب:لك سواد الأرض و غامرها،يريد العامر و الغامر،و كذلك يقول:لك سوادها و بياضها، يريد المكان الّذي فيه نبت و الّذي لا نبت فيه،و يدلّك على ما قلنا قوله عزّ و جلّ: مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64.

(254)

البيضة:بيضة الحبن،و البيضة:أصل القوم و مجتمعهم،و يقال:أتاهم العدوّ في بيضتهم،و قد ابتيض القوم،إذا أخذت بيضتهم عنوة.و بيضة القيظ:شدّة حرّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيضة:بيضة الخصية.

يقال لوسط الدّار:بيضة،و لجماعة المسلمين:بيضة، و لورم في ركبة الدّابّة:بيضة.(الأزهريّ 12:86)

الأصمعيّ: الأبيضان:الخبز و الماء.

(الأزهريّ 12:87)

البيض:ورم يكون في يد الفرس مثل النّفخ و الغدد، و هو من العيوب الهيّنة،يقال:قد باضت يد الفرس:

تبيض بيضا.(ابن منظور 7:127)

بيضة الدّار:وسطها و معظمها.(الهرويّ 1:232)

ابن الأعرابيّ: البيضة بكسر الباء:أرض بالدّوّ حفروا بها حتّى أتتهم الرّيح من تحتهم فرفعتهم،و لم يصلوا إلى الماء.(الأزهريّ 12:86)

يقال:ذهب أبيضاه:شحمه و شبابه.

(الأزهريّ 12:87)

البيضاء:الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 12:88)

باض السّحاب،إذا أمطر.(الأزهريّ 12:84)

البيضاء:حبالة الصّائد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 242

(الأزهريّ 12:88)

و بيضة البلد:السّيّد،و قد يذمّ ببيضة البلد.[ثمّ استشهد بشعر]

إذا مدح بها فهي الّتي فيها الفرخ،لأنّ الظّليم حينئذ يصونها،و إذا ذمّ بها فهي الّتي قد خرج الفرخ منها، و رمى بها الظّليم،فداسها النّاس و الإبل.

(ابن سيده 8:237)

ابن السّكّيت :الشّهباء و البيضاء:الصّافيتا الحديد.

(45)

يقال لشدّة الحرّ:السّهام.و إذا اشتدّ الحرّ قيل:

بيضة الحرّ،و وغرة الحرّ.(386)

البيض:السّواء،و البدر،و النّصف.و لا يقال:أيّام البيض،و إنّما قيل:البيض لبياضهنّ من أوّل اللّيل إلى آخره،فإذا جاوزن النّصف فقد أدرع الشّهر.(398)

قالوا:«ليالي البيض»كالبدر،سمّيت ليالي البيض لبياضهنّ من أوّلهنّ إلى آخرهنّ.(402)

و يقال:بيّضت السّقاء و بيّضت الإناء،أي ملأته.

(إصلاح المنطق:372)

الأبيضان:اللّبن و الماء.(الأزهريّ 12:87)

يقال للأسود:أبو البيضاء،و للأبيض:أبو الجون.

(ابن منظور 7:124)

ابن حبيب:البيضة بالكسر:بالحزن لبني يربوع، و البيضة بالفتح:بالصّمّان لبني دارم.(ابن منظور 7:129)

أبو حاتم:يقال:فلان بيضة البلد،إذا ذمّ،أي قد انفرد.و يقال ذلك في المدح.[ثمّ استشهد بشعر]

(117)

الضّرير: يقال لما بين العذيب و العقبة:بيضة،و بعد البيضة:البسيطة.(الأزهريّ 12:87)

شمر: البيضة:أرض بيضاء لا نبات بها،و السّورة:

أرض بها نخيل.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:86)

و في الحديث:«حتّى يستبيح بيضتهم»،يريد جماعتهم و أصلهم.(الهرويّ 1:131)

الجاحظ: «فخر صاحب الدّيك بكثرة ما اشتقّ من البيض»قال صاحب الدّيك:فخرتم للكلب بكثرة ما اشتقّ للأشياء من اسم الكلب،و قد اشتقّ لأكثر من ذلك العدد من البيض،فقالوا لقلانس الحديد:بيض، و قالوا:فلان يدفع عن بيضة الإسلام،و قالوا:قال عليّ ابن أبي طالب رضي اللّه عنه:أنا بيضة البلد،و في موضع الذّمّ من قولهم:[ثمّ استشهد بشعر]

و يسمّى رأس الصّومعة و القبّة:بيضة،و يقال للمجلس إذا كان معمورا غير مطوّل:بيض جاثمة، و يقال للوعاء الّذي يكون فيه الحبن و الخراج،و هو الّذي يجتمع فيه القيح:بيضة.(2:336)

و يقال:في المثل للّذي يعطي عطيّة لا يعود في مثلها:

«كانت بيضة الدّيك»،فإن كان معروف له قيل:«بيضة العقر».

و يقال:دجاجة بيوض في دجاج بيض و بيض، باسكان موضع العين من الفعل،من لغة سفلى مضر، و ضمّ موضع العين من نظيره من الفعل مع الفاء،من لغة أهل الحجاز.

و يقال:عمد الجرح يعمد عمدا،إذا عصر قبل أن ينضج فورم،و لم يخرج بيضته،و ذلك الوعاء و الغلاف

ص: 243

الّذي يجمع المدّة يسمّى:بيضة.و إذا خرج ذلك بالعصر من موضع العين فقد أفاق صاحبه.(2:343)

و بيض الجرح و الخراج و الحبن:الوعاء الّذي يجمع فيه الصّديد،إذا خرج برئ و صلح.

و قد يسمّون ما في بطون إناث السّمك:بيضا،و ما في بطون الجراد:بيضا،و إن كانوا لا يرون قشرا يشتمل عليه،و لا قيضا يكون لما فيه حضنا.(4:337)

ابن أبي اليمان :البيض:بيض الرّءوس.و البيض:

بيض الطّير.(498)

المبرّد:العرب تقول للرّجل الكريم:هو بيضة البلد،يمدحونه،و يقولون للآخر:هو بيضة البلد،إذا ذمّوه.

فالممدوح يراد به البيضة الّتي تصونها النّعامة و توقّيها الأذى،لأنّ فيها فرخها،فالممدوح من هاهنا، فإذا انفلقت و انقاضت عن فرخها،رمى بها الظّليم فتقع في البلد القفر،من هاهنا ذمّ الآخر.(الأزهريّ 12:85)

ابن دريد :البيض:معروف،جمع:بيضة.

و البيض:داء يصيب الخيل في قوائمها.و البيضة:الأرض البيضاء الملساء.و الأبيض:عرق في حالب البعير و الإنسان.[ثمّ استشهد بشعر](1:305)

القاليّ: و ابتاضه اللّه و ابتاضهم اللّه،و ابتاض بنو فلان بني فلان،إذا أتوا عليهم و على أموالهم.

و البيضة:المعظم،و منه:هذا البلد بيضة الإسلام، أي مجتمعه،كما تجمع البيضة الّتي على الرّأس الشّعر.

(ذيل الأماليّ و النّوادر:60)

الأزهريّ: [نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

و يقال:غراب بائض،و ديك بائض،و هما مثل الوالد.

قلت:يقال:دجاجة بائض،بغير هاء،لأنّ الدّيك لا يبيض.

و قال غير اللّيث: بيضة العقر:بيضة يبيضها الدّيك مرّة واحدة،ثمّ لا تعود،تضرب مثلا لمن يصنع صنيعة إلى إنسان،ثمّ لا يربّها بمثلها.

باض الحرّ،إذا اشتدّت.(12:84)

قال اللّيث و غيره:إذا قالت العرب:فلان أبيض و فلانة بيضاء،فالمعنى نقاء العرض من الدّنس و العيوب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا كثير في كلامهم و شعرهم لا يذهبون به إلى بياض اللّون،و لكنّهم يريدون المدح بالكرم و نقاء العرض من العيوب و الأدناس.

و إذا قالوا:فلان أبيض الوجه و فلانة بيضاء الوجه، أرادوا نقاء اللّون من الكلف و السّواد الشّائن.

(12:87)

و بيضاء بني جذيمة:في حدود الخطّ بالبحرين.

(12:88)

يقال:بيّضت الإناء،إذا فرّغته،و بيّضته،إذا ملأته، و هذا من الأضداد.

و قال ابن بزرج:قال بعض العرب:يكون على الماء بيضاء القيظ،و ذلك عند طلوع الدّبران إلى طلوع سهيل.

قلت:و الّذي حفظته عن العرب:يكون على الماء حمراء القيظ،و حمرّ القيظ،و حمارّة القيظ.

ص: 244

و مبيض النّعام و الطّير كلّه:الموضع الّذي يبيض فيه.

و المبيّضة:الّذين يبيّضون راياتهم،و هم الحروريّة، و جمع الأبيض و البيضاء:بيض.(12:89)

الصّاحب:البيض:معروف،الواحدة:بيضة.

و دجاجة بيوض،و هنّ بيّض،و بيضة الخدر:الجارية.

و بيضة النّهار:بياضه،و بايضنا فلان بذلك الأمر مبايضة،أي جاهرنا في بيضة النّهار.

و باض فلان بني فلان و ابتاضهم:دخل بيضتهم.

و بيضة البلد:الفقع،و هو في الشّرف و المدح أيضا.

و النّفخ الّتي في قوائم الفرس:البيض،يقال:باضت يداه،و باض العود،إذا ذهبت بلّته و يبس فهو يبيض بيوضا.

و باضت البهمى:سقطت نصالها.

و باض الحرّ:اشتدّ،و بيضاء القيظ و بيضته:

صميمه.

و غراب بائض،من قولهم:ابتاضوهم،أي استأصلوهم.

و أبيضا عنق البعير:هما عرقان قد سالا عداء العنق،و قيل:هما عرقان في البطن.

و ما بقي لهم صميل إلاّ بيّض،أي سقاء إلاّ ملئ.

و الأبيضان:اللّبن و الماء،و قيل:الشّحم و الشّباب.

و ما رأيته مذ أبيضان،أي يومان أو شهران،و ابيضّ الشّهر و ابيضضّ.

و بايضني فبضته،من البياض.

و البيضاء:برّة صغار إلى البياض.

و من ألوان التّمر:البيض،واحدتها:بيضة.

و البياض من الأرض:ما لا شجر فيه و لا ماء،و هو أيضا عندهم:الشّخص،كالسّواد.

و الأبيض:كوكب في حاشية المجرّة.

و يقال:ما علّمك أهلك إلاّ بيضا و بضّا.

و الابتياض:الاختيار،و هو الاستيصال أيضا.

و الأبائض:هضبات يواجهن ثنيّة هرشى.

و ابن بيض:رجل تاجر مكثر،و في المثل:«سدّ ابن بيض الطّريق»،و له حديث.

و نزلت بيضاء من الأمر،أي داهية.(8:54)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه صالح أهل خيبر على أنّ له الصّفراء،و البيضاء،و الحلقة».

الصّفراء:الذّهب.و البيضاء:الفضّة،و يقال:

ما لفلان صفراء و لا بيضاء.و الحلقة:الدّروع.(1:562)

في حديث سعد: «أنّه سئل عن بيع البيضاء بالسّلت،فكرهه».

البيضاء:الرّطب من السّلت،كره بيعه ليابس منه، لأنّه ممّا يدخله الرّبا.(2:225)

و في الحديث:«لا تقوم السّاعة حتّى يظهر الموت الأبيض،قالوا:يا رسول اللّه،ما الموت الأبيض؟قال:

موت الفجاءة»فإنّما نراه.و اللّه أعلم،سمّاه الموت الأبيض،لأنّه يغافص الإنسان مغافصة من غير أن يتقدّمه مرض يغيّر لونه،لكن يأخذه ببياض لونه و نضارته،فلذلك سمّاه الموت الأبيض.(3:68)

الجوهريّ: البياض:لون الأبيض،و قد قالوا:

بياض و بياضة،كما قالوا:منزل و منزلة.

ص: 245

و قد بيّضت الشّيء تبييضا،فابيضّ ابيضاضا، و ابياضّ ابييضاضا.

و جمع الأبيض:بيض،و أصله:بيض بضمّ الباء، و إنّما أبدلوا من الضّمّة كسرة لتصحّ الياء.

و بايضه فباضه يبيضه،أي فاقه في البياض، و لا تقل:يبوضه.

و هذا أشدّ بياضا من كذا،و لا تقل:أبيض منه، و أهل الكوفة يقولونه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبيض:السّيف،و الجمع:البيض.

و البيضان من النّاس:خلاف السّودان.

قال ابن السّكّيت: الأبيضان:اللّبن و الماء،و منه قولهم:بيّضت السّقاء،و بيّضت الإناء،أي ملأته من الماء و اللّبن.

و الأبيضان:عرقان في حالب البعير.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيضة:واحدة البيض من الحديد و بيض الطّائر جميعا.

و قولهم:«هو أذلّ من بيضة البلد»أي من بيضة النّعامة الّتي تتركها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيضة:الخصية.و بيضة كلّ شيء:حوزته.

و بيضة القوم:ساحتهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيض أيضا:ورم يكون في يد الفرس مثل النّفخ و الغدد قال الأصمعيّ:هو من العيوب الهيّنة،يقال:قد باضت يد الفرس تبيض بيضا.

و باضت الطّائرة فهي بائض.

و دجاجة بيوض،إذا أكثرت البيض،و الجمع:

بيض،مثال صبور و صبر.و يقال:بيض،في لغة من يقول في الرّسل:رسل،و إنّما كسرت الباء لتسلم الياء.

و ابتاض الرّجل:لبس البيضة.

و قولهم:«سدّ ابن بيض الطّريق»قال الأصمعيّ:هو رجل كان في الزّمن الأوّل،يقال له:ابن بيض،عقر ناقته على ثنيّة،فسدّ بها الطّريق،و منع النّاس من سلوكها.[ثمّ استشهد بشعر]

و المبيّضة،بكسر الياء:فرقة من الثّنويّة،و هم أصحاب المقنّع،سمّوا بذلك لتبييضهم ثيابهم،مخالفة للمسوّدة من أصحاب الدّولة العبّاسيّة.

و بيضة،بكسر الباء:اسم بلد.(3:1067)

ابن فارس :الباء و الياء و الضّاد أصل،و مشتقّ منه،و مشبّه بالمشتقّ.

فالأصل:البياض من الألوان،يقال:ابيضّ الشّيء.

و أمّا المشتقّ منه:فالبيضة للدّجاجة و غيرها،و الجمع:

البيض.و المشبّه بذلك:بيضة الحديد.

و من الاستعارة قولهم للعزيز في مكانه:هو بيضة البلد،أي يحفظ و يحصّن كما تحفظ البيضة.يقال:حمى بيضة الإسلام و الدّين.

فإذا عبّروا عن الذّليل المستضعف بأنّه بيضة البلد، يريدون أنّه متروك مفرد كالبيضة المتروكة بالعراء، و لذلك تسمّى:البيضة التّريكة،و قد فسّرت في موضعها.

و يقال:باضت البهمى،إذا سقطت نصالها.و باض الحرّ:اشتدّ،و يراد بذلك أنّه تمكّن كأنّه باض و فرّخ و توطّن.(1:326)

ص: 246

الهرويّ: و في حديث ظبيان،و ذكر حمير،قال:

«و كانت لهم البيضاء و السّوداء و فارس الحمراء، و الجزية الصّفراء».

أراد بالبيضاء و السّوداء:الخراب و العامر من الأرض،لأنّ الموات من الأرض يكون أبيض،فإذا غرس فيه الغراس و نبت النّبات اسودّ و اخضرّ.

و أراد بفارس الحمراء:العجم،و بالجزية الصّفراء:

الذّهب،كانوا يجتبون الخراج ذهبا.(231)

الثّعالبيّ: الأدم من النّاس:السّود،و من الإبل:

البيض،و من الضّباء:الحمر.(315)

[و في الاستعارة يقال:]عيش أخضر،موت أحمر، نعمة بيضاء.(106)

ابن سيده :البياض:ضدّ السّواد،يكون ذلك في الحيوان و النّبات،و غير ذلك ممّا يقبله،حكاه ابن الأعرابيّ في الماء.و قد أباض و ابيضّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أباض الكلأ:ابيضّ و يبس.

و بايضني فبضته:كنت أشدّ منه بياضا.

و ابيضت المرأة و أباضت:ولدت البيض،و كذلك الرّجل.

و في عينه بياضة،أي بياض.و بيّض الشّيء:جعله أبيض.

و البيّاض:الّذي يبيّض الثّياب،على النّسب لا على الفعل،لأنّ حكم ذلك إنّما هو مبيّض.

و الأبيض:عرق السّرّة،و قيل:عرق في الصّلب، و قيل:عرق في الحالب،صفة غالبة،و كلّ ذلك لمكان البياض.

و الأبيضان:عرقان في القلب،لبياضهما.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما رأيته مذ أبيضان،يعني يومين أو شهرين، و ذلك لبياض الأيّام.

و بياض الكبد و القلب و الظّفر:ما أحاط به،و قيل:

بياض القلب من الفرس:ما أطاف بالعرق من أعلى القلب.

و بياض البطن:بنات اللّبن و شحم الكلى و نحو ذلك، سمّوها بالعرض كأنّهم أرادوا ذات البياض.

و المبيّضة:أصحاب البياض،كقولك:المسوّدة و المحمّرة لأصحاب السّواد و الحمرة.

و كتيبة بيضاء:عليها بياض الحديد.

و البيضاء:الشّمس،لبياضها.

و البيض:ليلة ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة.

و كلّمته فما ردّ عليّ سوداء و لا بيضاء،أي كلمة قبيحة و لا حسنة،على المثل.و كلام أبيض:مشروح، على المثل أيضا.

و اليد البيضاء:الحجّة المبرهنة،و هي أيضا اليد الّتي لا تمنّ و الّتي عن غير سؤال،و ذلك لشرفها في أنواع الحجاج و العطاء.

و أرض بيضاء:ملساء لا نبات فيها،كأنّ النّبات كان يسوّدها،و قيل:هي الّتي لم توطأ،و كذلك البيضة.

و بياض الأرض:ما لا عمارة فيه،و بياض الجلد:ما لا شعر عليه.

ص: 247

و البيضة:معروفة،و الجمع:بيض،و في التّنزيل:

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ الصّافّات:49،و يجمع البيض على بيوض.[ثمّ استشهد بشعر]

و باض الطّائر و النّعامة بيضا:ألقت بيضها.

و دجاجة بيّاضة و بيوض:كثيرة البيض،و الجمع:بيض فيمن قال:رسل،و بيض فيمن قال:رسل،كسروا الباء لتسلم الياء و لا تنقلب،و قد قالوا:بوض.

و رجل بيّاض:يبيع البيض.

ديك بائض،كما يقال:والد،و كذلك الغراب.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيضة:من السّلاح،سمّيت بذلك لأنّها على شكل بيضة النّعام.

و البيضة:عنب بالطّائف أبيض عظيم الحبّ.

و بيضة الخدر:الجارية.و بيضة العقر:مثل يضرب؛ و ذلك أن تغصب الجارية فتجرّب ببيضة.و بيضة البلد:

تريكة النّعامة.

بيضة البلد:عليّ بن أبي طالب،أي أنّه فرد ليس مثله في الشّرف،كالبيضة الّتي هي تريكة وحدها ليس معها غيرها.و قد يذمّ ببيضة البلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيضة السّنام:شحمته.و بيضة الجنين:أصله، و كلاهما على المثل.و بيضة القوم:وسطهم.و بيضة الدّار:وسطها.و بيضة الإسلام:جماعتهم.و بيضة القوم:

أصلهم.

و باضوهم و ابتاضوهم:استأصلوهم،و بيضة الصّيف:معظمه،و بيضة الحرّ:شدّته.

و باضت الأرض:اصفرّت خضرتها أو نفضت التّمرة و أيبست،و قيل:باضت:أخرجت ما فيها من النّبات،و قد باض:اشتدّ.

و ابن بيض:رجل،و قيل:ابن بيض.

و البييضة:اسم ماء.(8:235)

البيضة:من حديد تلبس في الرّأس،و ابتاض:

لبسها.(الإفصاح 1:615)

البيض:هو للطّير بمنزلة الولد للدّوابّ،تضعه إناث الطّير و تحتضنه إلى أن تفرخ.الجمع:بيوض،و الواحدة:

بيضة،و الجمع:بيضات.

باضت الدّجاجة تبيض بيضا:ألقت بيضها فهي بائض،و الجمع:بوائض،و هي بيوض.(الإفصاح 2:885)

البيضاء:السّنة البيضاء شرّ من الشّهباء،و السّنة الشّهباء:الّتي ليس فيها مطر.(الإفصاح 2:955)

الطّوسيّ: الأبيض:نقيض الأسود،و البياض:

ضدّ السّواد،يقال:ابيضّ و ابياضّ ابيضاضا،و بيّضه تبييضا،و تبيّض تبيّضا.و بيضة الطّير،و بيضة الحديد، و بيضة الإسلام:مجتمعه،و ابتاضوهم،أي استأصلوهم، لأنّهم اقتلعوا بيضهم،و أصل الباب:البياض.(2:134)

نحوه الطّبرسيّ.(1:280)

الرّاغب:البياض في الألوان:ضدّ السّواد،يقال:

ابيضّ ابيضاضا و بياضا،فهو مبيضّ و أبيض،قال عزّ و جلّ: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ... وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ...

آل عمران:106،107.

و الأبيض:عرق سمّي به لكونه أبيض.و لمّا كان البياض أفضل لون عندهم-كما قيل:البياض أفضل،

ص: 248

و السّواد أهول،و الحمرة أجمل،و الصّفرة أشكل-عبّر عن الفضل و الكرم بالبياض،حتّى قيل لمن لم يتدنّس بمعاب:هو أبيض الوجه.

و قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة،و اسودادها عن الغمّ،و على ذلك: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا النّحل:58،و على نحو الابيضاض قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ القيمة:22،و قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ عبس:38،39.

و قيل:أمّك بيضاء من قضاعة،و على ذلك قوله تعالى: بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ الصّافّات:46.و سمّي البيض لبياضه.الواحدة:بيضة،و كنّي عن المرأة بالبيضة تشبيها بها في اللّون،و كونها مصونة تحت الجناح.

و بيضة البلد:لما يقال في المدح و الذّمّ،أمّا المدح فلمن كان مصونا من بين أهل البلد و رئيسا فيهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الذّمّ فلمن كان ذليلا معرّضا لمن يتناوله، كبيضة متروكة بالبلد،أي العراء و المفازة.

و بيضتا الرّجل،سمّيتا بذلك تشبيها بها في الهيئة و البياض.يقال:باضت الدّجاجة و باض كذا،أي تمكّن.

[ثمّ استشهد بشعر]

و باض الحرّ:تمكّن،و باضت يد المرأة،إذا ورمت ورما على هيئة البيض،و يقال:دجاجة بيوض و دجاج بيض.(66)

الزّمخشريّ: اجتمع للمرأة الأبيضان:الشّحم و الشّباب،و هو لا يشرب إلاّ الأبيضين.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما رأيته مذ أبيضان،أي يومان.و دجاجة بيوض و دجاج بيض،و غراب بائض.

و من المجاز:فلان يحوط بيضة الإسلام،و بيضة قومه.و باض بني فلان و ابتاضهم:دخل في بيضتهم، و أوقعوا بهم فابتاضوهم،أي استأصلوا بيضتهم.

و باضت الأرض:انبتت الكمأة،و هي بيض الأرض، و به فسّر المثل:«هو أذلّ من بيضة البلد»و باض الحرّ:

اشتدّ.و أتيته في بيضة القيظ و بيضاء القيظ،و هي صميمه:بين طلوع سهيل و الدّبران.[ثمّ استشهد بشعر]

و بايضني فلان:جاهرني،من بياض النّهار.

و فرس ذو بيض،و هي نفخ و غدد تحدث في أشاعره،يقال:باضت يداه و رجلاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و هي بيضة الخدر،و من بيضات الحجال.

و في مثل:«كانت بيضة العقر»للمرّة الأخيرة.

«و لا يزايل سوادي بياضك»أي شخصي شخصك.

و بيّض الإناء:ملأه و فرّغه.و عن بعض العرب:

ما بقي لهم صميل إلاّ بيّض،أي سقاء يابس إلاّ ملئ.

و في مثل:«سدّ ابن بيض الطّريق».

(أساس البلاغة:34)

«لا تقوم السّاعة حتّى يظهر الموت الأبيض،قالوا:

يا رسول اللّه و ما الموت الأبيض؟قال:موت الفجاءة».

معنى البياض فيه:خلوّه عمّا يحدثه من لا يغافص من توبة و استغفار و قضاء حقوق لازمة،و غير ذلك،من

ص: 249

قولهم:بيّضت الإناء،إذا فرّغته،و هو من الأضداد.

(الفائق 1:141)

عنه صلّى اللّه عليه و آله:«أعطيت الكنزين:الأحمر و الأبيض»، هما الذّهب و الفضّة.(الفائق 1:317)

المدينيّ: في الحديث:«لا تسلّط عليهم عدوّا من غيرهم فيستبيح بيضتهم»أي مجتمعهم و موضع سلطانهم و مستقرّ دعوتهم،و تشبيها بالبيضة لاجتماعها و تلاحك أجزائها،و استناد ظاهرها إلى باطنها،و امتناع باطنها بظاهرها.

و قيل:المراد بالبيضة:المغفر الّذي هو من آلة الحرب،فكأنّه شبّه مكان اجتماعهم و مظنّة اتّفاقهم و التئامهم ببيضة الحديد الّتي تحصّن الدّارع و تردّ القوارع.

و قيل:أي إذا أهلك الفراخ الّتي خرجت من البيضة ربّما انفلت منها بعضها،فإذا أهلكت البيضة كان في ذلك هلاك كلّ ما فيها.

و في الحديث:«فخذ الكافر في النّار مثل البيضاء» كأنّه اسم جبل،لأنّه في الحديث مقرون بورقان و أحد، و هما جبلان بالمدينة.

في الحديث:«أعطيت الكنزين:الأحمر و الأبيض» فالأحمر:ملك الشّام،و الأبيض:ملك فارس.قاله صلّى اللّه عليه و سلّم:

في حفر الخندق.

قال إبراهيم الحربيّ: إنّما قال لملك فارس:الكنز الأبيض،لبياض ألوانهم،و لذلك قيل لهم:بنو الأحرار، يعني البيض،و لأنّ الغالب على كنوزهم الورق،و هو أبيض.و إنّما فتحها عمر رضي اللّه عنه،و أخذ أبيض المدائن،و هو موضع المسجد اليوم.

قال:و الغالب على ألوان أهل الشّام الحمرة،و على بيوت أموالهم الذّهب،و هي حمراء.

في حديث دخول النّبيّ المدينة للهجرة،قال:

«فنظرنا فإذا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه مبيّضين»بكسر الياء و تشديدها،أي لابسين ثياب بياض.

يقال:هم المبيّضة و المسوّدة،و ذلك فيما قيل:إنّ الزّبير رضي اللّه عنه،لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في ركب قافلين من الشّام للتّجارة مسلمين،فكسا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أبا بكر ثياب بياض.(1:206)

ابن الأثير :في حديث الحديبيّة:«ثمّ جئت بهم لبيضتك تفضّها»أي أهلك و عشيرتك.

و فيه:«لعن اللّه السّارق يسرق البيضة فتقطع يده» يعني الخوذة.

قال ابن قتيبة: الوجه في الحديث أنّ اللّه تعالى لمّا أنزل وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما المائدة:

38،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لعن اللّه السّارق يسرق البيضة فتقطع يده»على ظاهر ما نزل عليه،يعني بيضة الدّجاجة و نحوها.

ثمّ أعلمه اللّه تعالى بعد أنّ القطع لا يكون إلاّ في ربع دينار فما فوقه،و أنكر تأويلها بالخوذة،لأنّ هذا ليس موضع تكثير لما يأخذه السّارق،إنّما هو موضع تقليل، فإنّه لا يقال:قبّح اللّه فلانا عرّض نفسه للضّرب في عقد جوهر،إنّما يقال:لعنه اللّه تعرّض لقطع يده في خلق رثّ أو كبّة شعر.

و فيه:«كان يأمرنا أن نصوم الأيّام البيض»هذا

ص: 250

على حذف المضاف يريد أيّام اللّيالي البيض،و هي الثّالث عشر و الرّابع عشر و الخامس عشر.و سمّيت لياليها بيضا،لأنّ القمر يطلع فيها من أوّلها إلى آخرها.

و أكثر ما تجيء الرّواية:الأيّام البيض،و الصّواب أن يقال:أيّام البيض بالإضافة،لأنّ البيض من صفة اللّيالي.

و منه حديث توبة كعب بن مالك:«فرأى رجلا مبيضّا يزول به السّراب»و يجوز أن يكون مبيضّا بسكون الباء و تشديد الضّاد،من البياض.(1:172)

الصّغانيّ: قيل:البيضة:ما بين واقصة إلى العذيب،متّصلة بالحزن لبني يربوع.و قيل:البيضة:لبني دارم بالصّمّان.(4:61)

من ألوان التّمر:البيضة،و الجمع:البيض.

و الأبيض:كوكب في حاشية المجرّة.

و ابتاض:اختار.

و الأبائض:هضبات تواجههنّ ثنيّة هرشى.و قد ذكرت في«أبض».

و البيضاء:الدّاهية.

و ابن بيض:لغة في ابن بيض.

و البيضاء:مدينة بفارس.و البيضاء:كورة بالمغرب.

و البيضاء:مدينة ببلاد الخزر.

و البيضاء:ماء لبني معاوية ابن عقيل بنجد.

و البيضاء:عقبة في جبل يسمّى المناقب.

و البيضاء:ثنيّة التّنعيم.

و البيضاء:أربع قرى بمصر.

و البيضاء:ماءة لبني السّلول.

و قد يقال لمدينة حلب:البيضاء.

و البيضاء:موضع بحمى الرّبذة.

و البيضاء:فرس قعنب بن عتّاب بن الحارث.

و البيضاء:دار عمرها عبيد اللّه بن زياد ابن أبيه بالبصرة.

و البيضاء:بيضاء البصرة،و هي المخيّس.

و بيضان:جبل لبني سليم.

و بيضان الزّروب:موضع.

و البيضتان:موضع فوق زبالة.(4:62)

الفيّوميّ: باض الطّائر و نحوه يبيض بيضا فهو بائض،و البيض له بمنزلة الولد للدّوابّ،و جمع البيض:

بيوض،الواحدة:بيضة،و الجمع:بيضات بسكون الياء، و هذيل تفتح على القياس.

و يحكى عن الجاحظ أنّه صنّف كتابا فيما يبيض و يلد من الحيوانات فأوسع في ذلك،فقال له عربيّ:يجمع ذلك كلّه كلمتان:«كلّ أذون ولود و كلّ صموخ بيوض».

و البياض:من الألوان،و شيء أبيض:ذو بياض، و هو اسم فاعل،و به سمّي،و منه:أبيض بن حمّال المأربيّ،و الأنثى:بيضاء،و بها سمّي،و منه:سهيل بن بيضاء،و الجمع:بيض،و الأصل:بضمّ الباء،لكن كسرت لمجانسة الياء.

و قولهم:صام أيّام البيض،هي مخفوضة بإضافة «أيّام»إليها،و في الكلام حذف،و التّقدير:أيّام اللّيالي البيض،و هي ليلة ثلاث عشرة و ليلة أربع عشرة و ليلة خمس عشرة.

و سمّيت هذه اللّيالي بالبيض لاستنارة جميعها

ص: 251

بالقمر،قال المطرّزيّ: و من فسّرها بالأيّام فقد أبعد.

و ابيضّ الشّيء ابيضاضا،إذا صار ذا بياض.

(1:68)

الفيروزآباديّ: الأبيض:ضدّ الأسود،الجمع:

بيض،أصله:بيض بالضّمّ،أبدلوه بالكسر لتصحّ الياء.

و السّيف،و الفضّة،و كوكب في حاشية المجرّة،و الرّجل النّقيّ العرض،و جبل العرج،و جبل بمكّة،و قصر للأكاسرة،و كان من العجائب إلى أن نقضه المكتفي، و بنى بشرافاته أساس التّاج،و بأساسه شرافاته، فتعجّب من هذا الانقلاب.

و الأبيضان:اللّبن و الماء،أو الشّحم و اللّبن،أو الشّحم و الشّباب،أو الخبز و الماء،أو الحنطة و الماء.

و ما رأيته مذ أبيضان:مذ شهران أو يومان.

و الموت الأبيض:الفجأة،و الأبائض:في«أ ب ض».

و البيضاء:الدّاهية،و الحنطة،و الرّطب من السّلت، و الخراب،و الجراب،و القدر كأمّ بيضاء،و حبالة الصّائد،و فرس قعنب بن عتّاب.

و هذا أشدّ بياضا منه و أبيض منه،شاذّ كوفيّ.

و البيضة:واحدة بيض الطّائر،الجمع:بيوض و بيضات،و الحديد،و الخصية،و حوزة كلّ شيء، و ساحة القوم،و موضع بالصّمّان،و يكسر.

و بيضة النّهار:بياضه.

و هو أذلّ من بيضة البلد:من بيضة النّعام الّتي تتركها.

و هو بيضة البلد:واحده الّذي يجتمع إليه و يقبل قوله،ضدّ.

و بيضة البلد:الفقع.

و بيضة العقر:يبيضها الدّيك مرّة واحدة،ثمّ لا يعود.

و بيضة الخدر:جاريته.

و البيضتان،و يكسر:موضع فوق زبالة.

و البيضة بالكسر:الأرض البيضاء الملساء،و لون من التّمر،الجمع:البيض.

و ابن بيض و قد يفتح،أو هو و هم للجوهريّ:تاجر مكثر من عاد،عقر ناقته على ثنيّة،فسدّ بها الطّريق، و منع النّاس من سلوكها.

و بيضات و بيضان الزّروب بالكسر:بلد.و البيضان:

جبل لبني سليم،و ضدّ السّودان.

و البيض بالفتح:ورم في يد الفرس،و قد باضت يده تبيض بيضا،و الدّجاجة فهي بائض و بيوض،الجمع:

بيض و بيض ككتب و ميل،و الحرّ:اشتدّ،و البهمى:

سقطت نصالها،كأباضت و بيّضت،و فلانا:غلبه في البياض،و العود:ذهبت بلّته،و بالمكان:أقام، و السّحاب:مطر.

و امرأة مبيضة:ولدت البيضان،و مسودة:ضدّها، و لهم لعبة يقولون:أبيضي حبالا و أسيدي حبالا.

و بيّضه:ضدّ سوّده،و ملأه،و فرّغه،ضدّ.

و المبيّضة كمحدّثة:فرقة من الثّنويّة لتبييضهم ثيابهم مخالفة للمسوّدة من العبّاسيّين.

و ابتاض:لبس البيضة،و القوم:استأصلهم فابتيضوا،و ابيضّ و ابياضّ:ضدّ اسودّ و اسوادّ.

و أيّام البيض،أي أيّام اللّيالي البيض و هي الثّالث

ص: 252

عشر إلى الخامس عشر،أو الثّاني عشر إلى الرّابع عشر،و لا تقل:الأيّام البيض.(2:337)

القلقشنديّ: اللّون الأوّل:البياض،و منه:

الأبيض الصّافي،و الأشقر و هو ما كان يعلوه حمرة.فإن كان الغالب في شقرته البياض قيل:فضّيّ،فإن زاد قيل:

أشقر.(2:98)

الطّريحيّ: و في الحديث:«التّقصير في بياض يوم» يريد من الفجر إلى الغروب.

و في حديث الحائض:«يمسك عنها زوجها حتّى ترى البياض»يريد الطّهر من الحيض.

و البيضة:واحد البيض،من الطّير و الحديد.

و البيضتان:أنثيا الرّجل.

و البيضاء:أحد قلانس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّتي كان يلبسها.

و في وصف الشّريعة:بكونها بيضاء نقيّة،تنبيها على كرمها و فضلها،لأنّ البياض لمّا كان أفضل لون عند العرب عبّر به عن الكرم و الفضل،حتّى قيل لمن لم يتدنّس بمعاب:هو أبيض الوجه،و يحتمل أن يكون المراد منها كونها مصونة عن التّبديل و التّحريف،خالية عن التّكاليف الشّاقّة.(4:198)

مجمع اللّغة :البياض:ضدّ السّواد،يقال:ابيضّ، أيّ صار أبيض و هي بيضاء.و الجمع:بيض.و بياض الوجه يكنّى به عن الإشراق و السّرور.

2-و البيض ما يلقيه الطّائر ليحضنه،و قد شبّهت به حور الجنّة في قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ الصّافّات:49.(1:138)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:84)

العدنانيّ: البيض:و يجمعون الأبيض:على بيضان،و الصّواب على بيض،لأنّ القياس هو أن نجمع «أفعل فعلاء»على«فعل»و مؤنّث الأبيض هو البيضاء.

و قد قال تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27،الجدد:

جمع جدّة،و هي طريق في الجبل و غيره.[ثمّ ذكر حديث الأمر بالصّوم في أيّام البيض المتقدّم في النّهاية]

و ممّن ذكر«البيض»أيضا:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و المغرب،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

أمّا الجمع:بيضان،فلا يطلق إلاّ على النّاس،لأنّهم خلاف السّودان،كما قال الصّحاح،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.

و البيضان أيضا:

1-جمع بيضة،و هي الخصية.

2-اسم جبل لبني سليم.

المبيض:

و يسمّون محلّ البيض في بطن الأنثى:مبيضا، و الصّواب:مبيض،لأنّ اسم المكان يصاغ من الثّلاثيّ على وزن«مفعل»،إذا كان الفعل صحيح الآخر مكسور العين في المضارع،مثل:يبيض.فأصل هذا الفعل هو يبيض،ثمّ يحوّل إلى يبيض بالإعلال بالتّسكين.

و قد ذكر قاموس حتّي الطّبّيّ المبيض مرارا،لكنّه -كعادته-لم يضبطه بالشّكل.

و المبيض هو أيضا:المكان الّذي تضع فيه القطاة

ص: 253

و الدّجاجة و غيرها بيوضها:ابن سيده،و التّاج في مادّة -فحص-و المدّ.

بيضة البلد:

و يخطّئون من يقول حين يريد أن يذمّ رجلا:هذا بيضة البلد.و يقولون:إنّ هذه الجملة لا تعني إلاّ أنّ فلانا سيّد في بلده.و يؤيّدهم في قولهم هذا:المعجم الوسيط الّذي جاء فيه:فلان بيضة البلد،إذا عرف بالسّيادة.

و لكن:

1-قال ابن الأعرابيّ،و أبو حاتم السّجستانيّ، و أبو بكر الزّبيديّ،و معجم مقاييس اللّغة،و ابن سيده، و ابن منظور،و إدورد لين،و أحمد رضا:إنّ بيضة البلد تعني المدح و الذّمّ،و قد وضّح اللّسان ذلك بقوله:بيضة البلد:تريكة النّعامة.و بيضة البلد:السّيّد،عن ابن الأعرابيّ:و قد يذمّ ب«بيضة»البلد.و أنشد في الذّمّ للرّاعي:

لو كنت من أحد يهجى هجوتكم

يا ابن الرّقاع،و لكن لست من أحد

تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا

و ابنا نزا،فأنتم بيضة البلد

أراد أنّه لا نسب له و لا عشيرة تحميه.قال:و سئل ابن الأعرابيّ عن ذلك،فقال:إذا مدح بها فهي الّتي فيها الفرخ،لأنّ الظّليم ذكر النّعام حينئذ يصونها،و إذا ذمّ بها فهي الّتي قد خرج الفرخ منها،و رمى بها الظّليم،فداسها النّاس و الإبل.

2-و ذكر ابن الأنباريّ أنّ«بيضة البلد»من الأضداد،فيقال للرّجل إذا مدح:هو بيضة البلد،أي واحد أهله و المنظور إليه منهم،و يقال للرّجل إذا ذمّ:هو بيضة البلد،أي هو حقير مهين كالبيضة الّتي تفسدها النّعامة فتتركها ملقاة،لا تلتفت إليها.

قالت امرأة من العرب ترثي عمرا بن عبد ودّ، و تذكر قتل عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه،إيّاه:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته ما أقام الرّوح في جسدي

لكنّ قاتله من لا يعاب به

و كان يدعى قديما بيضة البلد

فهنا جاءت بيضة البلد في المدح.

3-و اكتفى الصّحاح بالمعنى السّلبيّ ل«بيضة البلد» فقال:فلان أذلّ من بيضة البلد.

و أنا أنصح بأن نكتفي بالمعنى الإيجابيّ المديح في قولنا:

فلان بيضة البلد،لأنّه المعنى المشهور المتداول.راجع مادّة الأضداد في هذا المعجم.

دجاجة بائض،بيوض،بيّاضة

و يقولون:هذه الدّجاجة بائضة،و الصّواب:

1-بائض،كما قال الأزهريّ،و الصّحاح،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط،و جمعها:بوائض.

و ذكر أنّ سبب قولنا:دجاجة بائض بدلا من بائضة،هو أنّ الدّيك لا يبيض:الأزهريّ،و اللّسان، و التّاج،و المدّ.

ذكر المصباح«بايض»بدلا من«بائض».

2-و بيوض،الصّحاح و المحكم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار،و المصباح،و القاموس،

ص: 254

و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و ذكر الصّحاح،و التّاج،و المدّ:أنّ الدّجاجة البيوض هي الّتي تبيض كثيرا.

و تجمع البيوض على:بيض و بيض.و زاد التّاج و المتن جمعا ثالثا هو:بوض.

3-و بيّاضة:المحكم،و مستدرك التّاج،و المدّ، و المتن،و الوسيط.

و يجيز المحكم،و التّاج أن نقول للدّيك:هو بائض أيضا،كما يقال:للأب والد،و للغراب.كقول الشّاعر:

*بحيث يعتشّ الغراب البائض*

[ثمّ استشهد بشعر آخر]

و أوصي بإهمال استعمال بيضة الدّيك،لأنّ الدّيك لا يبيض.(87)

محمود شيت: أ-الأبيض:السّيف.

ب-البيضة:الخوذة الحديديّة الّتي يلبسها الجنود و الضّبّاط في الحرب،و في التّدريب الإجماليّ و نحوهما.

ج-البيّاض:من أرباب الحرف الإداريّين الّذين يبيّضون القدور و نحوها بالقصدير.(1:103)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو لون البياض،و باعتبار كون البياض أحسن لون من جهة الضّياء و النّور،يستعار به عن الفضل و الكرم و المسرّة و أمثالها،في مقابل ما يرادف الظّلمة و الوحشة و الضّلال، و لمّا كان البياض أوّل ما يتراءى من البيضة حين خروجها من الدّجاجة،سمّيت بها.

و أمّا بيضتا الرّجل تشبيها لهما بالبيضة في الشّكل، و في كونهما فيما بين الرّجلين،و أنّهما مبدأ تكوّن حيوان.

و أمّا بيضة البلد:فلكونها متكوّنة من تمدّن مملكة أو دين،ثمّ تستنتج منها نتائج مدنيّة و روحانيّة،كالبيضة المتكوّنة من الحيوان الّتي يخرج منها حيوان آخر.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و لم يستعمل من هذه المادّة و أمثالها صيغ مجرّدة؛إذ البياض و السّواد و الظّلمة و ما يشابهها غير قابلة للانتساب،فهي بمعناها الحقيقيّ ثابتة في موضوعاتها لا تقبل الحدوث و التجدّد إلاّ إذا كانت على صيغة «افعلّ»أو«افعالّ»إذا أريد عروض المعنى إلى ذات في المرتبة الثّانية لا ذاتا.

و أمّا الصّيغ المجرّدة من الصّفات لا من الأفعال، فلا مانع في اشتقاقها،كما في الأبيض و البيضاء و البيض.

فالفرق بين الأبيض و ابيضّ:أنّ الأوّل يدلّ على ذات ثبت فيها البياض،و الثّاني على حدوث البياض لذات و ثبوته فيها.(1:343)

النّصوص التّفسيريّة

الابيض

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ... وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ...

البقرة:187

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: عن عديّ بن حاتم قال:قلت يا رسول اللّه،قول اللّه:(و كلوا)الآية.

ص: 255

قال:هو بياض النّهار و سواد اللّيل.

(الطّبريّ 2:172)

لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال،و لا الفجر المستطيل،و لكن الفجر المستطير في الأفق.

[و في رواية أخرى]لا يغرّنّكم نداء بلال،و لا هذا البياض،حتّى يبدو الفجر و ينفجر.

(الطّبريّ 2:173)

الإمام عليّ عليه السّلام: (إنّه لمّا صلّى الفجر قال:هذا حين يتبيّن اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. (الطّبريّ 2:174)

ابن عبّاس: يعني اللّيل من النّهار،فأحلّ لكم المجامعة و الأكل و الشّرب،حتّى يتبيّن لكم الصّبح،فإذا تبيّن الصّبح حرم عليهم المجامعة و الأكل و الشّرب،حتّى يتمّوا الصّيام إلى اللّيل،فأمر بصوم النّهار إلى اللّيل، و أمر بالإفطار باللّيل.(الطّبريّ 2:171)

هما فجران،فأمّا الّذي يسطع في السّماء فليس يحلّ و لا يحرّم شيئا،و لكنّ الفجر الّذي يستبين على رءوس الجبال هو الّذي يحرّم الشّراب.(الطّبريّ 2:173)

الحسن :اللّيل من النّهار.(الطّبريّ 2:171)

الإمام الباقر عليه السّلام:[في جواب كتاب حصين بن أبي الحصين]

الفجر رحمك اللّه:الخيط الأبيض،و ليس هو الأبيض صعداء،و لا تصلّ في سفر و حضر حتّى تتبيّنه رحمك اللّه،فإنّ اللّه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، فالخيط الأبيض هو الفجر الّذي يحرّم به الأكل و الشّرب في الصّيام،و كذلك هو الّذي يوجب الصّلاة.(البحرانيّ 2:91)

قتادة :فهما علمان و حدّان بيّنان،فلا يمنعكم أذان مؤذّن مراء،أو قليل العقل من سحوركم،فإنّهم يؤذّنون بهجيع من اللّيل طويل،و قد يرى بياض ما على السّحر،يقال له:الصّبح الكاذب،كانت تسمّيه العرب، فلا يمنعكم ذلك من سحوركم،فإنّ الصّبح لا خفاء به، طريقة معترضة في الأفق،و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الصّبح،فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا.

(الطّبريّ 2:171)

السّديّ: حتّى يتبيّن لكم النّهار من اللّيل،ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل.(الطّبريّ 2:171)

ابن زيد :الخيط الأبيض:الّذي يكون من تحت اللّيل يكشف اللّيل،و الأسود:ما فوقه.

(الطّبريّ 2:176)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الآية،فقال بعضهم:يعني بقوله:

اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ :ضوء النّهار،و بقوله: اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ :سواد اللّيل.

فتأويله على قول قائلي هذه المقالة:و كلوا باللّيل في شهر صومكم،و اشربوا،و باشروا نساءكم،مبتغين ما كتب اللّه لكم من الولد،من أوّل اللّيل إلى أن يقع لكم ضوء النّهار،بطلوع الفجر من ظلمة اللّيل و سواده.[إلى أن قال:]

عن سهل بن سعد،قال:نزلت هذه الآية: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ الآية،فلم ينزل مِنَ الْفَجْرِ،

ص: 256

قال:فكان رجال إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود و الخيط الأبيض،فلا يزال يأكل و يشرب حتّى يتبيّن له،فأنزل اللّه بعد ذلك مِنَ الْفَجْرِ، فعلموا أنّما يعني بذلك:اللّيل و النّهار.

و قال متأوّلو قول اللّه تعالى ذكره: حَتّى يَتَبَيَّنَ الآية،إنّه بياض النّهار و سواد اللّيل،صفة ذلك البياض أن يكون منتشرا مستفيضا في السّماء،يملأ بياضه و ضوؤه الطّرق.فأمّا الضّوء السّاطع في السّماء،فإنّ ذلك غير الّذي عناه اللّه بقوله: اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.

عن أبي مجلز:الضّوء السّاطع في السّماء ليس بالصّبح،و لكن ذاك الصّبح الكاذب،إنّما الصّبح إذا انفضح الأفق.

و قال آخرون: اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: هو ضوء الشّمس،و اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: هو سواد اللّيل.[إلى أن قال:]

و أولى التّأويلين بالآية:التّأويل الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: بياض النّهار،و اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: سواد اللّيل،و هو المعروف في كلام العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه شرب أو تسحّر،ثمّ خرج إلى الصّلاة،فإنّه غير دافع صحّة ما قلنا في ذلك،لأنّه غير مستنكر أن يكون صلّى اللّه عليه و سلّم شرب قبل الفجر،ثمّ خرج إلى الصّلاة؛إذ كانت الصّلاة صلاة الفجر،هي على عهده كانت تصلّى بعد ما يطلع الفجر،و يتبيّن طلوعه،و يؤذّن لها قبل طلوعه.

و أمّا الخبر الّذي روي عن حذيفة:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يتسحّر و أنا أرى مواقع النّبل».فإنّه قد استثبت فيه،فقيل له:أبعد الصّبح؟فلم يجب في ذلك بأنّه كان بعد الصّبح،و لكنّه قال:هو الصّبح؛و ذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه:هو الصّبح لقربه منه،و إن لم يكن هو بعينه،كما تقول العرب:هذا فلان شبها،و هي تشير إلى غير الّذي سمّته،فتقول:هو هو،تشبيها منها له به، فكذلك قول حذيفة:هو الصّبح،معناه:هو الصّبح شبها به و قربا منه.(2:171-176)

نحوه القرطبيّ.(2:318)

الزّجّاج :هما فجران:أحدهما:يبدو أسود معترضا و هو الخيط الأسود،و الأبيض:يطلع ساطعا يملأ الأفق، و حقيقته حتّى يتبيّن لكم اللّيل من النّهار.و جعل اللّه عزّ و جلّ حدود الصّيام طلوع الفجر الواضح،إلاّ أنّ اللّه عزّ و جلّ بيّن في فرضه ما يستوي في علمه أكثر النّاس.

(1:257)

الماورديّ: اختلف في المراد ب اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ و اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ على ثلاثة أقاويل:

أحدها:ما رواه سهل بن سعد[و قد سبق]

و القول الثّاني:أنّه يريد ب اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: ضوء النّهار:و هو الفجر الثّاني،و ب اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: سواد اللّيل،قبل الفجر الثّاني.

و روى الشّعبيّ عن عديّ بن حاتم[الحديث و قد سبق]

و سمّي خيطا،لأنّ أوّل ما يبد من البياض ممتدّ كالخيط[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 257

و الخيط في كلامهم عبارة عن اللّون.

و الثّالث:ما حكي عن حذيفة بن اليمان أنّ اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ :ضوء الشّمس،و روي نحوه عن عليّ و ابن مسعود،و قد روى زرّ بن حبيش عن حذيفة،قال:

«كان النّبيّ يتسحّر و أنا أرى مواقع النّبل».[و قد مرّ عند الطّبريّ،ثمّ قال:]

و هذا قول قد انعقد الإجماع على خلافه.(1:245)

الطّوسيّ: يعني بياض الفجر من سواد اللّيل، و قيل:خيط الفجر الثّاني ممّا كان في موضعه من الظّلام، و قيل:النّهار من اللّيل،فأوّل النّهار:طلوع الفجر الثّاني،لأنّه أوسع ضياء.[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن حذيفة و الأعمش و جماعة:أنّ اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ :هو ضوء الشّمس،و جعلوا أوّل النّهار:

طلوع الشّمس،كما أنّ آخره:غروبها،بلا خلاف في الغروب.و أكثر المفسّرين على القول الأوّل،و عليه جميع الفقهاء،لا خلاف فيه بين الأمّة اليوم.(2:134)

البغويّ: يعني بياض النّهار من سواد اللّيل،سمّيا خيطين لأنّ كلّ واحد منها يبدو في الابتداء ممتدّا كالخيط.(1:229)

الزّمخشريّ: اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ :هو أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق،كالخيط الممدود:

و(الخيط الاسود):ما يمتدّ معه من غبش اللّيل،شبّها بخيطين أبيض و أسود.(1:339)

ابن عطيّة :و(الخيط):استعارة،و تشبيه،لرقّة البياض أوّلا،و رقّة السّواد الحافّ به.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعض المفسّرين:(الخيط):اللّون،و هذا لا يطّرد لغة.و المراد فيما قال جميع العلماء:بياض النّهار و سواد اللّيل،و هو نصّ قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لعديّ بن حاتم،في حديثه المشهور.(1:258)

الطّبرسيّ: أي ليظهر و يتميّز لكم على التّحقيق اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ أي النّهار من اللّيل،فأوّل النّهار:طلوع الفجر الثّاني.و قيل:بياض الفجر من سواد اللّيل،و قيل:بياض أوّل النّهار من سواد آخر اللّيل.

و إنّما شبّه ذلك ب(الخيط)لأنّ القدر الّذي يحرم الإفطار من البياض يشبه الخيط،فيزول به مثله من السّواد،و لا اعتبار بالانتشار.(1:281)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال عديّ بن حاتم.[و ذكر الحديث كما تقدّم]

و قال[صلّى اللّه عليه و آله]:«إنّك لعريض القفا،إنّما ذلك بياض النّهار و سواد اللّيل»و إنّما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّك لعريض القفا»لأنّ ذلك ممّا يستدلّ به على بلاهة الرّجل.

و نقول:يدلّ قطعا على أنّه تعالى كنّى بذلك عن بياض أوّل النّهار و سواد آخر اللّيل.

و فيه إشكال و هو أنّ بياض الصّبح المشبّه ب(الخيط الاسود)و هو بياض الصّبح الكاذب،لأنّه بياض مستطيل يشبه الخيط،فأمّا بياض الصّبح الصّادق فهو بياض مستدير في الأفق،فكان يلزم بمقتضى هذه الآية أن يكون أوّل النّهار من طلوع الصّبح الكاذب، و بالإجماع أنّه ليس كذلك.

ص: 258

و جوابه:أنّه لو لا قوله تعالى في آخر هذه الآية:

(من الفجر)،لكان السّؤال لازما؛و ذلك لأنّ الفجر إنّما يسمّى فجرا،لأنّه ينفجر منه النّور،و ذلك إنّما يحصل في الصّبح الثّاني لا في الصّبح الأوّل،فلمّا دلّت الآية على أنّ هذا اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ يجب أن يكون من الفجر،علمنا أنّه ليس المراد منه الصّبح الكاذب بل الصّبح الصّادق.

فإن قيل:فكيف يشبّه الصّبح الصّادق بالخيط،مع أنّ الصّبح الصّادق ليس بمستطيل و الخيط مستطيل.

جوابه:أنّ القدر من البياض الّذي يحرم هو أوّل الصّبح الصّادق،و أوّل الصّبح الصّادق لا يكون منتشرا بل يكون صغيرا دقيقا،بل الفرق بينه و بين الصّبح الكاذب:أنّ الصّبح الكاذب يطلع دقيقا،و الصّادق يبدو دقيقا،و يرتفع مستطيلا،فزال السّؤال.

فأمّا ما حكي عن عديّ ابن حاتم فبعيد،لأنّه يبعد أن يخفى على مثله هذه الاستعارة مع قوله تعالى: مِنَ الْفَجْرِ. [إلى أن قال:]

المسألة الرّابعة:زعم الأعمش أنّه يحلّ الأكل و الشّرب و الجماع بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشّمس،قياسا لأوّل النّهار على آخره،فكما أنّ آخره بغروب القرص،وجب أن يكون أوّله بطلوع القرص.

و قال:في الآية أنّ المراد ب اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ و اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: النّهار و اللّيل،و وجه الشّبه ليس إلاّ في البياض و السّواد.فأمّا أن يكون التّشبيه في الشّكل مرادا،فهذا غير جائز،لأنّ ظلمة الأفق حال طلوع الصّبح لا يمكن تشبيهها بالخيط الأسود في الشّكل البتّة، فثبت أنّ المراد ب اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ و اَلْخَيْطِ اَلْأَسْوَدِ هو النّهار و اللّيل.

ثمّ لمّا بحثنا عن حقيقة اللّيل في قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وجدناها عبارة عن زمان غيبة الشّمس،بدليل أنّ اللّه تعالى سمّى ما بعد المغرب ليلا مع بقاء الضّوء فيه؛فثبت أن يكون الأمر في الطّرف الأوّل من النّهار كذلك،فيكون قبل طلوع الشّمس ليلا،و أن لا يوجد النّهار إلاّ عند طلوع القرص،فهذا تقرير قول الأعمش.

و من النّاس من سلّم أنّ أوّل النّهار إنّما يكون من طلوع الصّبح،فقاس عليه آخر النّهار،و منهم من قال:

لا يجوز الإفطار إلاّ بعد غروب الحمرة،و منهم من زاد عليه و قال:بل لا يجوز الإفطار إلاّ عند طلوع الكواكب، و هذه المذاهب قد انقرضت،و الفقهاء أجمعوا على بطلانها،فلا فائدة في استقصاء الكلام فيها.

المسألة الخامسة:قوله تعالى:(من الفجر)فقيل:

للتّبعيض،لأنّ المعتبر بعض الفجر لا كلّه،و قيل:

للتّبيين،كأنّه قيل:الخيط الأبيض الّذي هو الفجر.

(5:120)

نحوه الشّربينيّ.(1:123)

أبو حيّان :ظاهره أنّه الخيط المعهود،و لذلك كان جماعة من الصّحابة إذا أرادوا الصّوم،ربط أحدهم في رجله خيطا أبيض و خيطا أسود،فلا يزال يأكل و يشرب حتّى يتبيّنا له،إلى أن نزل قوله تعالى:(من الفجر)،فعلموا أنّما عنى بذلك من اللّيل و النّهار.روى ذلك سهل بن سعد في نزول هذه الآية،و روى أنّه كان بين نزول:(و كلوا)الآية،و بين نزول:(من الفجر)سنة

ص: 259

من رمضان إلى رمضان.

قال الزّمخشريّ: و من لا يجوّز تأخير البيان،و هم أكثر الفقهاء و المتكلّمين،و هو مذهب أبي عليّ و أبي هاشم،فلم يصحّ عندهم هذا الحديث،لمعنى حديث سهل بن سعد.و أمّا من يجوّزه فيقول:ليس بعبث،لأنّ المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب،و يعزم على فعله إذا استوضح المراد به،انتهى كلامه.

و ليس هذا عندي من تأخير البيان إلى وقت الحاجة،بل هو من باب النّسخ،أ لا ترى أنّ الصّحابة عملت به،أعني بإجراء اللّفظ على ظاهره إلى أن نزلت:

مِنَ الْفَجْرِ، فنسخ حمل اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ و اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ على ظاهرهما،و صارا ذلك مجازين،شبّه بالخيط الأبيض:ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق، و بالأسود:ما يمتدّ معه من غبش اللّيل،شبّها بخيطين أبيض و أسود.

و أخرجه من الاستعارة إلى التّشبيه قوله:(من الفجر)كقولك:رأيت أسدا من زيد،فلو لم يذكر«من زيد»كان استعارة،و كان التّشبيه هنا أبلغ من الاستعارة،لأنّ الاستعارة لا تكون إلاّ حيث يدلّ عليها الحال أو الكلام،و هنا لو لم يأت(من الفجر)لم يعلم الاستعارة،و لذلك فهم الصّحابة الحقيقة من الخيطين قبل نزول(من الفجر).

حتّى أنّ بعضهم،و هو عديّ بن حاتم غفل عن هذا التّشبيه،و عن بيان قوله:(من الفجر)فحمل الخيطين على الحقيقة،و حكى ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فضحك، و قال:«إن كان وسادك لعريضا»،و روي:«إنّك لعريض القفا،إنّما ذاك بياض النّهار و سواد اللّيل».و القفا العريض يستدلّ به على قلّة فطنة الرّجل.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج بأنّهما فجران،و أضاف:]

فعنده الخيطان:هما الفجران،سمّيا بذلك لامتدادهما تشبيها بالخيطين،و قوله:(من الفجر)يدلّ على أنّه أريد ب اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ :الصّبح الصّادق؛و هو البياض المستطير في الأفق،لا الصّبح الكاذب،و هو البياض المستطيل،لأنّ الفجر هو انفجار النّور،و هو بالثّاني لا بالأوّل.

و شبّه ب(الخيط)و ذلك بأوّل حاله،لأنّه يبدو دقيقا،ثمّ يرتفع مستطيرا.فبطلوع أوّله في الأفق يجب الإمساك.هذا مذهب الجمهور،و به أخذ النّاس،و مضت عليه الأعصار و الأمصار،و هو مقتضى حديث ابن مسعود و سمرة بن جندب.

و قيل:يجب الإمساك بتبيّن الفجر في الطّرق و على رءوس الجبال،و هذا مرويّ عن عثمان و حذيفة و ابن عبّاس و طلق بن عليّ و عطاء و الأعمش و غيرهم.

و روي عن عليّ أنّه صلّى الصّبح بالنّاس،ثمّ قال:

«الآن تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود»،و ممّا قادهم إلى هذا القول أنّهم يرون أنّ الصّوم إنّما هو في النّهار،و النّهار عندهم من طلوع الشّمس إلى غروبها.

[إلى أن قال:]

و(من)الأولى هي لابتداء الغاية،قيل:و هي مع ما بعدها في موضع نصب،لأنّ المعنى حتّى يباين الخيط الأبيض الخيط الأسود،كما يقال:بانت اليد من زندها، أي فارقته.

ص: 260

و(من)الثّانية للتّبعيض،لأنّ اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هو بعض الفجر و أوّله،و يتعلّق أيضا ب(يتبيّن)،و جاز تعلّق الحرفين بفعل واحد و قد اتّحد اللّفظ لاختلاف المعنى، ف(من)الأولى هي لابتداء الغاية و(من)الثّانية هي للتّبعيض.

و يجوز أن يكون للتّبعيض للخيطين معا على قول الزّجّاج،لأنّ الفجر عنده فجران،فيكون الفجر هنا لا يراد به الأفراد بل يكون جنسا.قيل:و يجوز أن يكون (من الفجر)حالا من الضّمير في الأبيض،فعلى هذا يتعلّق بمحذوف،أي كائنا من الفجر.

و من أجاز أن تكون(من)للبيان أجاز ذلك هنا، فكأنّه قيل:حتّى يتبيّن لكم اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الّذي هو الفجر مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ و اكتفى ببيان اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ عن بيان اَلْخَيْطِ الْأَسْوَدِ لأنّ بيان إحداهما بيان للثّاني.

و كان الاكتفاء به أولى،لأنّ المقصود بالتّبيّن و المنوط بتبيينه الحكم من إباحة المباشرة و الأكل و الشّرب، و لقلق اللّفظ لو صرّح به؛إذ كأن يكون(حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى اللّيل، فيكون(من الفجر)بيانا للخيط الأبيض،و(من الّيل) بيانا للخيط الأسود،و لكون مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ جاء فضلة،فناسب حذف بيانه.(2:50)

فاضل المقداد: اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ: هو الفجر الثّاني المعترض في الأفق كالخيط الممدود،و(الخيط الاسود):ما يمتدّ معه من الغبش،تشبيها بخيطين أبيض و أسود،و ليسا بمستعارين لقوله:(من الفجر)،لأنّ من شرط الاستعارة أن يجعل المستعار منه نسيا منسيّا.

روى سهل السّاعديّ أنّها نزلت و لم يكن قوله:

(من الفجر)،فكان رجالا إذا صاموا يشدّون في أرجلهم خيوطا بيضا و سودا،فلم يزالوا يأكلون و يشربون حتّى يتبيّن لهم،ثمّ نزل لهم البيان في قوله:(من الفجر).

فإن صحّ هذا النّقل ففيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب،و هو مذهب الأشاعرة.

و منعه أبو الحسين محتجّا بأنّ الخطاب بما لا يفهم منه المراد عبث،و هو قبيح لا يصدر عن الحكيم.

و فيه نظر،لجواز أن يكون المراد بالخطاب هو استعداد الامتثال و العزم على فعل المأمور به بعد البيان، فيثاب على العزم فلا يكون عبثا،لكن ينبغي أن يكون هذا قبل دخول رمضان،و إلاّ لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة،و هو باطل إجماعا.(1:215)

البروسويّ: هو أوّل ما يبدو من بياض النّهار، كالخيط الممدود دقيقا ثمّ ينتشر، مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: هو ما يمتدّ من سواد اللّيل مع بياض النّهار.

فإنّ الصّبح الصّادق إذا بدا يبدو كأنّه خيط ممدود في عرض الأفق،و لا شكّ أنّه يبقى معه بقيّة من ظلمة اللّيل؛ بحيث يكون طرفها الملاصق لما يبدو من الفجر كأنّه خيط أسود في جنب خيط أبيض،لأنّ نور الصّبح إنّما ينشقّ في خلال ظلمة اللّيل،فشبّها بخيطين أبيض و أسود،(من الفجر)،أي انشقاق عمود الصّبح بيان للخيط الأبيض،و اكتفى ببيانه عن بيان الأسود لدلالته عليه.

و التّقدير:حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الفجر

ص: 261

من الخيط الأسود من اللّيل.(1:300)

الآلوسيّ: هو أوّل ما يبدو من الفجر الصّادق المعترض في الأفق قبل انتشاره،و حمله على الفجر الكاذب المستطيل الممتدّ كذنب السّرحان و هم. مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ و هو ما يمتدّ مع بياض الفجر،من ظلمة آخر اللّيل.(2:66)

رشيد رضا :أي و يباح لكم الأكل و الشّرب كالمباشرة عامّة اللّيل،حتّى يتبيّن لكم بياض الفجر.

فمتى تبيّن وجب الصّيام.

و ما أحسن التّعبير عن أوّل طلوع الفجر بالخيطين، و اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ :هو أوّل ما يبدو من الفجر الصادق،فمتى أسفر و لا يظهر وجه لتسميته خيطا.فما ذهب إليه بعض السّلف كالأعمش:من أنّ ابتداء الصّوم من وقت الإسفار،تنافيه عبارة القرآن.

هذا ما كتبته أوّلا و هو غير دقيق،و سأفصّل المسألة في الاستدراك و الإيضاح الّذي تراه بعد تمام تفسير الآية.

[و سيأتي في«ب ي ن»](2:178)

سيّد قطب :أي حتّى ينتشر النّور في الأفق و على قمم الجبال،و ليس هو ظهور الخيط الأبيض في السّماء، و هو ما يسمّى بالفجر الكاذب.

و حسب الرّوايات الّتي وردت في تحديد وقت الإمساك نستطيع أن نقول:إنّه قبل طلوع الشّمس بقليل،و إنّنا نمسك الآن وفق المواعيد المعروفة في قطرنا هذا،قبل أوان الإمساك الشّرعيّ ببعض الوقت،ربّما زيادة في الاحتياط.(1:174)

عزّة دروزة :كناية عن بزوغ الفجر الصّادق الّذي يفرق بين ظلمة اللّيل و ضوء النّهار،و يساعد على التّمييز بين الأبيض و الأسود.(7:278)

الطّباطبائيّ: الفجر فجران:فجر أوّل يسمّى بالكاذب،لبطلانه بعد مكث قليل،و بذنب السّرحان لمشابهته ذنب الذّئب إذا شاله،و عمود شعاعيّ يظهر في آخر اللّيل في ناحية الأفق الشّرقيّ،إذا بلغت فاصلة الشّمس من دائرة الأفق إلى ثماني عشرة درجة تحت الأفق،ثمّ يبطل بالاعتراض فيكون معترضا مستطيلا على الأفق،كالخيط الأبيض الممدود عليه،و هو الفجر الثّاني،و يسمّى الفجر الصّادق،لصدقه فيما يحكيه و يخبر به من قدوم النّهار،و اتّصاله بطلوع الشّمس.

و من هنا يعلم أنّ المراد ب اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هو الفجر الصّادق،و إنّ كلمة«من»بيانيّة،و إنّ قوله تعالى:

حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من قبيل الاستعارة،بتشبيه البياض المعترض على الأفق من الفجر،المجاور لما يمتدّ معترضا معه من سواد اللّيل،بخيط أبيض،يتبيّن من الخيط الأسود.

و من هنا يعلم أيضا:أنّ المراد هو التّحديد بأوّل حين من طلوع الفجر الصّادق،فإنّ ارتفاع شعاع بياض النّهار يبطل الخيطين،فلا خيط أبيض و لا خيط أسود.

(2:48)

مكارم الشّيرازيّ: و عبّرت الآية عن(الفجر) أيضا بأسلوب حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.

و من الظّريف أنّ عديّ بن حاتم قال للنّبيّ:

الحديث.فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى رؤيت نواجذه،

ص: 262

ثمّ قال:«يا بن حاتم،إنّما ذلك بياض النّهار و سواد اللّيل، فابتداء الصّوم من هذا الوقت».

و هذا التّعبير يوضّح أيضا الفرق بين الصّبح الصّادق و الكاذب،لأنّ الفجر فجران:الفجر الكاذب و هو على شكل عمود من الضّوء يظهر في السّماء كذنب السّرحان «الثّعلب»،و بعده يظهر الفجر الصّادق و هو بياض شفّاف أفقيّ،يظهر في أفق السّماء،كخيط أبيض يظهر إلى جوار الخيط الأسود.و هذا هو الصّبح الصّادق،و به يتعلّق حكم الصّوم و الصّلاة،و لا يشبه الفجر الكاذب.

(1:473)

بيضاء

1- وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ.

الأعراف:108

ابن عبّاس: أدخل يده في جيبه،ثمّ أخرجها فإذا هي تبرق مثل البرق،لها شعاع غلب نور الشّمس، فخرّوا على وجوههم،ثمّ أدخلها جيبه فصارت كما كانت.(ابن الجوزيّ 3:238)

صارت نورا ساطعا يضيء له ما بين السّماء و الأرض له لمعان مثل لمعان البرق،فخرّوا على وجوههم.

(أبو حيّان 4:358)

مجاهد :كاللّبن أو أشدّ بياضا.(ابن عطيّة 2:436)

بيضاء من غير برص.(الطّبريّ 9:15)

الطّبريّ: و أخرج يده،فإذا هي بيضاء تلوح لمن نظر إليها من النّاس،و كان موسى فيما ذكر لنا آدم،فجعل اللّه تحوّل يده بيضاء من غير برص له آية،و على صدق قوله: إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ الأعراف:104، حجّة.(9:15)

الطّوسيّ: البيضاء:ضدّ السّوداء،و هو أن يكون به المحلّ أبيض،و كان موسى عليه السّلام أسمر شديد السّمرة.

و قيل:أخرج يده من جيبه،فإذا هي بيضاء من غير سوء،يعني برص،ثمّ أعادها إلى كمّه،فعادت إلى لونها الأوّل.(4:524)

الميبديّ: أي لها شعاع يغلب الشّمس،ثمّ ردّها إلى جيبه أو تحت إبطه فعادت يده كما كانت،فدلّ على أنّه آية و معجزة.(3:691)

الزّمخشريّ: و المعنى:فإذا هي بيضاء للنّظّارة، و لا تكون بيضاء للنّظّارة إلاّ إذا كان بياضها بياضا عجيبا،خارجا عن العادة،يجتمع النّاس للنّظر إليه كما تجتمع النّظّارة للعجائب.و ذلك ما يروى أنّه أرى فرعون يده،و قال:ما هذه؟قال:يدك،ثمّ أدخلها جيبه و عليه مدرعة صوف،و نزعها فإذا هي بيضاء بياضا نورانيّا،غلب شعاعها شعاع الشّمس،و كان موسى عليه السّلام آدم شديد الأدمة.(2:102)

نحوه أبو حيّان.(4:358)،و طه الدّرّة(5:30).

ابن عطيّة :و روي أنّها كانت تظهر منيرة شفّافة كالشّمس تأتلق،و كان موسى عليه السّلام ذا دم أحمر إلى السّواد،ثمّ كان يردّ يده فترجع إلى لون بدنه.(2:436)

الطّبرسيّ: أي لونها أبيض نوريّ،و لها شعاع يغلب نور الشّمس.(2:456)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه لمّا كان البياض كالعيب، بيّن اللّه تعالى في غير هذه الآية أنّه كان من غير سوء.[ثمّ

ص: 263

نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

هاهنا مباحث:

فأوّلها:أنّ انقلاب العصا ثعبانا من كمّ وجه يدلّ على المعجز؟

و الثّاني:أنّ هذا المعجز كان أعظم أم اليد البيضاء؟ و قد استقصينا الكلام في هذين المطلوبين في سورة «طه».

و الثّالث:أنّ المعجز الواحد كان كافيا،فالجمع بينهما كان عبثا.

و جوابه:أنّ كثرة الدّلائل توجب القوّة في اليقين و زوال الشّكّ،و من الملحدين من قال:المراد بالثّعبان و باليد البيضاء شيء واحد،و هو أنّ حجّة موسى عليه السّلام كانت قويّة ظاهرة قاهرة.فتلك الحجّة من حيث إنّها أبطلت أقوال المخالفين،و أظهرت فسادها،كانت كالثّعبان العظيم الّذي يتلقّف حجج المبطلين،و من حيث كانت ظاهرة في نفسها وصفت باليد البيضاء،كما يقال في العرف:لفلان يد بيضاء في العلم الفلانيّ،أي قوّة كاملة،و مرتبة ظاهرة.

و اعلم أنّ حمل هذين المعجزين على هذا الوجه يجري مجرى دفع التّواتر،و تكذيب اللّه و رسوله.

(14:196)

القرطبيّ: قيل:كانت تخرج يده بيضاء كالثّلج تلوح،فإذا ردّها عادت إلى مثل سائر بدنه.(7:257)

أبو السّعود :أي بيضاء بياضا نورانيّا خارجا عن العادة،يجتمع عليه النّظّارة تعجّبا من أمرها.[ثمّ ذكر رواية الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:بيضاء للنّاظرين لا أنّها كانت بيضاء في جبلّتها.(3:15)

نحوه الكاشانيّ.(2:225)

البروسويّ: [قال مثل أبي السّعود و أضاف:]

و فيه إشارة إلى أنّ الأيدي قبل تعلّقها بالأشياء كانت بيضاء،فلمّا تمسّكت بالأشياء صارت ظلمانيّة.

فإذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت،فافهم جدّا.

(3:211)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

و نصّ البعض على أنّ ذلك البياض إنّما كان في الكفّ،و إطلاق اليد عليها حقيقة.(9:21)

القاسميّ: [قال مثل أبي السّعود و أضاف:]

فيدلّ على أنّه يظهر على يديه شرائع تغلب أنوارها المعنويّة الأنوار الحسّيّة،و يتقوّى بها الحياة باللّه.

(7:2832)

رشيد رضا :فإذا هي بيضاء ناصعة البياض، تتلألأ للنّاظرين إليه،و هم فرعون و ملؤه،أو لكلّ من ينظر.

و قد وصف اللّه تعالى بياضها في«طه»و«النّمل» و«القصص»بأنّه مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير علّة كالبرص.(9:44)

الطّباطبائيّ: أي نزع يده من جيبه،على ما يدلّ عليه قوله تعالى: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ طه:22،و قوله: اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ القصص:32.

و الأخبار و إن وردت فيها أنّ يده عليه السّلام كانت تضيء

ص: 264

كالشّمس الطّالعة،عند إرادة الإعجاز بها،لكن الآيات لا تقصّ أزيد من أنّها كانت تخرج بيضاء للنّاظرين،إلاّ أنّ كونها آية معجزة تدلّ على أنّها كانت تبيضّ ابيضاضا،لا يشكّ النّاظرون في أنّها حالة خارقة للعادة.

(8:213)

عبد الكريم الخطيب :و يد موسى الّتي أدخلها في جيبه،أي في فتحة قميصه على صدره يخرجها،فإذا هي بيضاء من غير سوء،لم يتغيّر شيء من خلقها،إلاّ أنّها ترسل ضوء مشرقا،كضوء الكوكب الدّرّيّ في فحمة اللّيل.(5:450)

محمود صافي: و جملة(هى بيضاء)لا محلّ لها، معطوفة على جملة(نزع).

(بيضاء)مؤنّث أبيض،صفة مشبّهة باسم الفاعل، وزنه«فعلاء»يجمع على«فعل»بضمّ فسكون،أي بيض.(9:29)

محمّد حسين فضل اللّه: و جاءت المعجزة الثّانية:

وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ الأعراف:108، مع أنّ موسى كان أسمر اللّون،فكيف تحوّلت يده إلى هذا البياض النّاصع من غير مرض؟و عقدت المفاجأة لسان فرعون،فلم يتكلّم بشيء،و كأنّه أحسّ بصدق موسى، و ربّما عاش بعض التّردّد في سرّ ما رآه،هل هو معجزة أم سحر؟

و شعر قومه الّذين هم جهاز سلطته بهذه الحيرة، الّتي أخذت تأكل قلب فرعون،و ربّما خافوا أن تتحوّل الحيرة إلى قناعة و إيمان بصدق موسى،فيميل إليه، فيفقدون بذلك سلطانهم،فتدخّلوا ليحسموا الموضوع عنده،ليؤكّدوا أنّ ما قام به موسى هو سحر،و أنّ موسى ليس نبيّا،بل هو ساحر عليم،يملك المزيد من القدرة و المعرفة في هذا الفنّ.

و كان مثل هذا الاحتمال قريبا إلى أجواء المجتمع هناك،لأنّ ألاعيب السّحر الّتي تماثل ما قام به موسى في الشّكل،كانت مألوفة لديهم.(10:203)

مكارم الشّيرازيّ: و نقرأ في بعض الأحاديث و الرّوايات و التّفاسير أنّ يد موسى،كانت مضافا إلى بياضها تلمع بشدّة،و لكنّ الآيات القرآنيّة ساكتة عن هذا الموضوع،و إن لم ينافيها.

إنّ هذا الموضوع و المعجزة السّابقة حول العصا-كما قلنا سابقا-ليس له جانب طبيعيّ و عاديّ،بل هي من صنف خوارق العادة،الّتي كان يقوم بها الأنبياء،و هي غير ممكنة من دون تدخّل قوّة فوق طبيعيّة في الأمر.

و هكذا أراد موسى بإظهار هذه المعجزة-كما أشرنا سابقا-أن يوضح هذه الحقيقة،و هي أنّ برامجه ليس لها جانب التّرهيب و التّهديد،بل التّرهيب و التّهديد للمخالفين و المعارضين،و التّشويق و الإصلاح و البناء و النّورانيّة للمؤمنين.(5:133)

2- وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ طه:22

ابن عبّاس: لها نور ساطع،يضيء باللّيل و النّهار كضوء الشّمس و القمر،و أشدّ ضوء.(الطّبرسيّ 4:8)

الحسن :أخرجها و اللّه كأنّها مصباح،فعلم أنّه قد لقى ربّه.(المراغيّ 16:105)

ص: 265

الإمام الباقر عليه السّلام: كان موسى شديد السّمرة، فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدّنيا.

(البحرانيّ 6:401)

البغويّ: أي نيّرة مشرقة.(3:260)

مثله الشّربينيّ.(2:457)

الزّمخشريّ: يروى أنّه كان آدم،فأخرج يده من مدرعته بيضاء،لها شعاع كشعاع الشّمس يغشي البصر.

(2:534)

القرطبيّ: فخرجت نورا مخالفة للونه.و(بيضاء) نصب على الحال،و لا ينصرف لأنّ فيها ألفي التّأنيث لا يزايلانها،فكأنّ لزومهما علّة ثانية،فلم ينصرف في النّكرة،و خالفتا الهاء،لأنّ الهاء تفارق الاسم.

(11:191)

النّيسابوريّ: و معنى(بيضاء)أنّها تنوّر كشعاع الشّمس.(16:106)

أبو حيّان :قيل:خرجت بيضاء تشفّ،و تضيء كأنّها شمس.و كان آدم اللّون،و انتصب(بيضاء)على الحال.(6:236)

المراغيّ: روي أنّ موسى كان إذا أدخل يده في جيبه ثمّ أخرجها،تتلألأ كأنّها فلقة قمر.(16:105)

3- وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ الشّعراء:33

الطّوسيّ: يعني بياضا نوريّا كالشّمس في إشراقها.

(8:18)

مثله الطّبرسيّ.(4:188)

أبو حيّان :و نزع يده من جيبه فإذا هي تلألأ، كأنّها قطعة من الشّمس.

روي أنّه لمّا أبصر أمر العصا،قال:فهل غيرها؟ فأخرج يده،فقال:ما هذه؟قال:يدك،فأدخلها في إبطه،ثمّ نزعها و لها شعاع،يكاد يغشي الأبصار،و يسدّ الأفق.(7:14)

الشّربينيّ: يضيء الوادي من شدّة بياضها،من غير برص،لها شعاع كشعاع الشّمس يغشي البصر، و يسدّ الأفق.(3:10)

الكاشانيّ: قد حال شعاعها بينه و بين وجهه.

(4:33)

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»: وَ نَزَعَ يَدَهُ أي يد قدرته، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ مؤيّدة بالتّأييد الإلهيّ،منوّرة بنور ربّي.(6:271)

الآلوسيّ: كونها(بيضاء)إشارة إلى كونها مؤيّدة بالتّأييد الإلهيّ.(19:153)

4- اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.

القصص:32

الحسن :فخرجت كأنّها المصباح،فأيقن موسى أنّه لقى ربّه.(الطّبريّ 20:72)

الطّوسيّ: فلمّا أخرجها خرجت بيضاء نقيّة.

(8:149)

البغويّ: فخرجت و لها شعاع كضوء الشّمس.

(3:533)

الميبديّ: مشرقة مضيئة كالشّيء الأبيض،لها شعاع كشعاع الشّمس،و قد جعل اللّه في يده من النّور

ص: 266

مثل ما في الشّمس و القمر.(7:300)

نحوه البروسويّ.(6:403)

الشّربينيّ: بياضا عظيما،يكون له شأن خارق للعادات.(3:97)

الكاشانيّ: فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدّنيا.(4:89)

5- يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ. الصّافّات:45،46

الحسن :خمر الجنّة أشدّ بياضا من اللّبن.

(الطبرسيّ 4:443)

الطّبريّ: يعني ب«البيضاء»الكأس،و لتأنيث الكأس أنّثت البيضاء،و لم يقل:أبيض.و ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه (صفراء) .(23:53)

نحوه الآلوسيّ.(23:78)

الماورديّ: يعني أنّ خمر الجنّة بيضاء اللّون،و هي في قراءة ابن مسعود (صفراء) .

يحتمل أن تكون بيضاء الكأس صفراء اللّون، فيكون اختلاف لونهما في منظرهما.(5:47)

الطّوسيّ: و وصفها البياض،لأنّها تجري في أنهار كأشرف الشّراب،و هي خمر فيها اللّذّة و الأمتاع،فترى بيضاء صافية في نهاية الرّقّة و اللّطافة،مع النّوريّة الّتي لها و الشّفّافة،لأنّها على أحسن منظر و مخبر.

و قال قوم:(بيضاء)صفة للكأس،و هي مؤنّثة(8:495)

نحوه الطّبرسيّ.(4:443)

الميبديّ: (بيضاء)من صفة الكأس،و قيل:من صفة الخمر.و البياض أحسن الألوان.و قيل:(بيضاء) أي صافية في نهاية اللّطافة.

قال الأخفش: كلّ كأس في القرآن و هو خمر،قوله:

لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ. (8:273)

نحوه الزّمخشريّ.(3:340)

القرطبيّ: قيل:(بيضاء)أي لم يعتصرها الرّجال بأقدامهم.(15:78)

نحوه أبو حيّان.(7:359)

الشّربينيّ: أي أشدّ بياضا من اللّبن،قاله الحسن صفة ل(كاس)،و قال أبو حيّان:صفة ل(كأس)أو للخمر.

و اعترض بأنّ الخمر لم يذكر.و أجيب عنه بأنّ الكأس إنّما سمّيت كأسا إذا كان فيها الخمر.(3:377)

البروسويّ: لونا أشدّ من لون اللّبن،و الخمر البيضاء لم تر في الدّنيا و لن ترى،و هذا من جملة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت.و(بيضاء)تأنيث أبيض صفة أيضا ل(كاس).(7:459)

المراغيّ: أي لونها مشرق حسن بهيّ،لا كخمر الدّنيا ذات المنظر البشع،و اللّون الأسود أو الأصفر،أو الّذي فيه كدورة،إلى نحو ذلك ممّا ينفّر الطّبع السّليم، و هي لذيذة الطّعم،كما هي طيّبة اللّون و طيّبة الرّيح.

(23:57)

الطّباطبائيّ: أي صافية في بياضها،لذيذة للشّاربين.(17:137)

عبد الكريم الخطيب :وصفان للكأس،فهي بيضاء صافية،و هي ببياضها و صفائها تلذّ النّاظر إليها،

ص: 267

و تملأ عينه بهجة و حبورا.(12:981)

طه الدّرّة: (بيضاء):صفة(كاس)مجرور،و علامة جرّه الفتحة نيابة عن الكسر،لأنّه ممنوع من الصّرف للصّفة و وزن«فعلاء»،أو منع من الصّرف لألف التّأنيث الممدودة،و هي علّة تقوم مقام علّتين من موانع الصّرف.(12:143)

نحوه محمود صافي.(23:56)

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة(بيضاء)اعتبرها بعض المفسّرين صفة لكئوس الشّراب،فيما اعتبرها البعض الآخر صفة للشّراب الطّهور.و يعني ذلك الشّراب ليس كالأشربة ذات الأطعمة الجيّدة في الدّنيا، بل إنّها أشربة طاهرة،خالية من ألوان الشّياطين، و بيضاء اللّون شفّافة.(14:288)

ابيضّت

1- وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. آل عمران:107

تأتي نصوصها في(تبيضّ)

2- وَ تَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. يوسف:84

ابن عبّاس:كناية عن غلبة البكاء.

(الفخر الرّازيّ 18:195)

مجاهد :أنّه ذهب بصره.(الماورديّ 3:69)

مقاتل:لم يبصر بهما ستّ سنين،حتّى كشف اللّه تعالى عنه بقميص يوسف عليه السّلام.(الفخر الرّازيّ 18:195)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:أنّه ضعف بصره،لبياض حصل فيه من كثرة بكائه.الثّاني:أنّه ذهب بصره،قاله مجاهد.(3:69)

الطّوسيّ: فالابيضاض:انقلاب الشّيء إلى حال البياض،و المعنى أنّه عمي فلم يبصر شيئا.(6:182)

نحوه الميبديّ.(5:122)

القشيريّ: و يقال:كان بكاء داود عليه السّلام أكثر من بكاء يعقوب عليه السّلام،فلم يذهب بصر داود و ذهب بصر يعقوب،لأنّ يعقوب عليه السّلام بكى لأجل يوسف،و لم يكن في قدرة يوسف أن يحفظ بصره من البكاء لأجله،و أمّا داود فقد كان يبكي للّه،و في قدرة اللّه سبحانه ما يحفظ بصر الباكي لأجله.

سمعت الأستاذ أبا عليّ الدّقّاق رحمه اللّه يقول ذلك، و قال رحمه اللّه:إنّ يعقوب بكى لأجل مخلوق فذهب بصره،و داود بكى لأجل اللّه فبقي بصره.

و سمعته رحمه اللّه يقول:لم يقل اللّه:«عمي يعقوب»،و لكن قال: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ، لأنّه لم يكن في الحقيقة عمى،و إنّما كان حجابا عن رؤية غير يوسف.

و يقال:كان ذهاب بصر يعقوب حتّى لا يحتاج إلى أن يرى غير يوسف،لأنّه لا شيء أشدّ على الأحباب من رؤية غير المحبوب،في حال فراقه.(3:199)

البغويّ: يعني عمي بصره.(2:509)

الزّمخشريّ: إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين،و قلبته إلى بياض كدر.[إلى أن قال:]

الحزن كان سبب البكاء الّذي حدث منه البياض، فكأنّه حدث من الحزن.قيل:ما جفّت عينا يعقوب من

ص: 268

وقت فراق يوسف إلى حين لقائه،ثمانين عاما.

(2:138)

نحوه الشّربينيّ.(2:130)

ابن عطيّة :أي من ملازمة البكاء الّذي هو ثمرة الحزن.(3:272)

الطّبرسيّ: و لمّا كان البكاء من أجل الحزن،أضاف بياض البصر إليه.(3:257)

ابن الجوزيّ: أي انقلبت إلى حال البياض.و هل ذهب بصره،أم لا؟فيه قولان:[و قد تقدّما عن مجاهد و الماورديّ](4:270)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الوجه الأوّل:لمّا قال: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ غلبه البكاء،و عند غلبة البكاء يكثر الماء في العين، فتصير العين كأنّها ابيضّت من بياض ذلك الماء.و قوله:

وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ كناية عن غلبة البكاء، و الدّليل على صحّة هذا القول أنّ تأثير الحزن في غلبة البكاء لا في حصول العمى،فلو حملنا الابيضاض على غلبة البكاء كان هذا التّعليل حسنا.و لو حملناه على العمى لم يحسن هذا التّعليل،فكان ما ذكرناه أولى.

و الوجه الثّاني:[قول مقاتل المتقدّم](18:195)

القرطبيّ: قيل:قد تبيضّ العين و يبقى شيء من الرّؤية،و اللّه أعلم بحال يعقوب،و إنّما ابيضّت عيناه من البكاء،و لكن سبب البكاء الحزن،فلهذا قال:(من الحزن).(9:248)

النّيسابوريّ: قال الحكماء:إذا كثر الاستعبار أوجب كدورة في سواد العين مائلة،فيكون منها العمى، لإيلام الطّبقات و لا سيّما القرنيّة،و انصباب الفضول الرّديّة إليهما.(13:39)

الخازن :أي عمي من شدّة الحزن على يوسف.

و قيل:إنّه ضعف بصره من كثرة البكاء؛و ذلك أنّ الدّمع يكثر عند غلبة البكاء،فتصير العين كأنّها بيضاء من ذلك الماء الخارج من العين.(3:251)

أبو حيّان :و ابيضاض عينيه من توالي العبرة، فينقلب سواد العين إلى بياض كدر،و الظّاهر أنّه كان عمى،لقوله: فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف:96،و قال:

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ فاطر:19،فقابل البصير بالأعمى.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الخازن]

(5:338)

البروسويّ: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ الموجب للبكاء،فإنّ العبرة إذا كثرت محقت سواد العين، و قلبته إلى بياض و قد تعميها،كما أخبر عن شعيب عليه السّلام فإنّه بكى من حبّ اللّه حتّى عمي،فردّ اللّه عليه بصره.

(4:306)

الآلوسيّ: أي بسببه،و هو في الحقيقة سبب للبكاء،و البكاء سبب لابيضاض عينه،فإنّ العبرة إذا كثرت محقت سواد العين،و قلبته إلى بياض كدر،فأقيم سبب السّبب مقامه لظهوره.

و الابيضاض قيل:إنّه كناية عن العمى،فيكون قد ذهب بصره عليه السّلام بالكلّيّة،و استظهره أبو حيّان لقوله تعالى: فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف:96،و هو يقابل بالأعمى.

و قيل:ليس كناية عن ذلك،و المراد من الآية

ص: 269

أنّه عليه السّلام صارت في عينيه غشاوة بيّضتهما،و كان عليه السّلام يدرك إدراكا ضعيفا.(13:40)

المراغيّ: أي أصابتهما غشاوة بيضاء غطّت على البصر،مع بقاء العصب الّذي يدرك المبصرات سليما معافى.

قال الدّكتور عبد العزيز إسماعيل باشا: البياض المصحوب بضياع البصر غالبا معناه:«الجلوكوما»، و المعروف عند الاختصاصيّين في أمراض العيون،أنّ أهمّ سبب لها هو التّغيّرات في الأوعية الشّعريّة،نتيجة لأسباب كثيرة،من أهمّها الانفعالات العصبيّة،كما يحدث في زيادة ضغط الدّم،لا سيّما الحزن.

(13:28)

الطّباطبائيّ: «ابيضاض العين»أي سوادها،هو العمى و بطلان الإبصار،و ربّما يجامع قليل إبصار،لكن قوله الآتي: اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً يوسف:93،يشهد بأنّه كناية عن ذهاب البصر.(11:233)

عبد الكريم الخطيب :و هكذا تهجم لوعات الأسى و الحسرة على هذا الشّيخ الكبير،حتّى لقد ابيضّت عيناه من الحزن الدّفين،الّذي أبى على عينيه أن تبلّلهما قطرات الدّموع،و أن تطفئ النّار المشتعلة فيهما، حتّى أتت على فحمة سوادها،و أحالته رمادا.(7:34)

تبيضّ

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. آل عمران:106

ابن عبّاس:تبيّض وجوه أهل السّنّة،و تسودّ وجوه أهل البدعة.(القرطبيّ 4:167)

هم المؤمنون.(ابن الجوزيّ 1:437)

عطاء: تبيضّ وجوه المهاجرين و الأنصار،و تسودّ وجوه بني قريظة و النّضير.(القرطبيّ 4:167)

الزّجّاج :أي يثبت لهم العذاب ذلك اليوم، و ابيضاضها:إشراقها و إسفارها.

و قال اللّه عزّ و جلّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ عبس:38،39،أسفرت و استبشرت لما تصير إليه من ثواب اللّه و رحمته، وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ اسودادها لما تصير إليه من العذاب، قال اللّه: وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ عبس:40.

و الكلام(تسودّ و تبيضّ)بفتح التّاء،الأصل «تسودد»و«تبيضض»،إلاّ أنّ الحرفين إذا اجتمعا و تحرّكا أدغم الأوّل في الثّاني.و كثير من العرب تكسر هذه التّاء من«تسودّ و تبيضّ»،و القراءة بالفتح، و الكسر قليل،إلاّ أنّ كثيرا من العرب يكسر هذه التّاء ليبيّن أنّها من قولك:أبيض و أسود،فكأنّ الكسرة دليل على أنّه كذلك في الماضي.

و قرأ بعضهم: (تسوادّ و تبياضّ) و هو جيّد في العربيّة،إلاّ أنّ المصحف ليست فيه ألف،فأنا أكرهها لخلافه،على أنّه قد تحذف ألفات في القرآن نحو ألف (إبراهيم)و(إسماعيل)و نحو ألف(الرّحمن)،و لكنّ الإجماع على إثبات هذه الألفات المحذوفة في الكتاب في اللّفظ،

ص: 270

و(تبيضّ و تسودّ)إجماع بغير ألف،فلا ينبغي أن يقرأ بإثبات الألف.(1:453)

الماورديّ: يعني به يوم القيامة،لأنّ النّاس فيه بين مثاب بالجنّة و معاقب بالنّار،فوصف وجه المثاب بالبياض لإسفاره بالسّرور،و وصف وجه المعاقب بالسّواد لانكسافه بالحزن.(1:415)

القشيريّ: أرباب الدّعاوي تسودّ وجوههم، و أصحاب المعاني تبيضّ وجوههم،و أهل الكشوفات غدا تبيضّ بالإشراق وجوههم،و أصحاب الحجاب تسودّ بالحجبة وجوههم،فتعلوها غبرة،و ترهقها قترة.

و يقال:من ابيضّ اليوم قلبه ابيضّ غدا وجهه،و من كان بالضّدّ فحاله العكس.

و يقال:من أعرض عن الخلق عند سوانحه،ابيضّ وجهه بروح التّفويض،و من علّق بالأغيار قلبه عند الحوائج،اسودّ محيّاه بغبار الطّمع.فأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي أنس و روح،و أمّا الّذين اسودّت وجوههم ففي محن و نوح.(1:281)

الميبديّ: قيل:تبيضّ وجوه المخلصين،و تسودّ وجوه المنافقين.

و قيل:تبيضّ وجوه المؤمنين،و تسودّ وجوه الكافرين.(2:235)

الزّمخشريّ: و البياض من النّور،و السّواد من الظّلمة،فمن كان من أهل نور الحقّ وسم ببياض اللّون و إسفاره و إشراقه،و ابيضّت صحيفته و أشرقت،و سعى النّور بين يديه و بيمينه.

و من كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللّون و كسوفه و كمده،و اسودّت صحيفته و أظلمت، و أحاطت به الظّلمة من كلّ جانب.(1:453)

ابن عطيّة :و بياض الوجوه:عبارة عن إشراقها و استنارتها،و بشرها برحمة اللّه.

قال الزّجّاج و غيره: و يحتمل عندي أن يكون ذلك من آثار الوضوء،كما قال النّبيّ عليه السّلام:أنتم الغرّ المحجّلون من آثار الوضوء.

و أمّا سواد الوجوه،فقال المفسّرون:هي عبارة عن اربدادها و إظلامها بغمم العذاب.و يحتمل أن يكون ذلك تسويدا ينزله اللّه بهم على جهة التّشويه و التّمثيل بهم، على نحو حشرهم زرقا،و هذه أقبح طلعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ يحيى بن وثّاب (تبيضّ و تسودّ) بكسر التّاء، و قرأ الزّهريّ (تبياضّ وجوه) و (تسوادّ وجوه) بألف، و هي لغة.

و لمّا كان صدر هذه الآية إخبارا عن حال لا تخصّ أحدا معيّنا،بدأ بذكر البياض لشرفه،و أنّه الحالة المثلى.

فلمّا فهم المعنى،و تعيّن له«الكفّار و المؤمنون»،بدأ بذكر الّذين اسودّت وجوههم،للاهتمام بالتّحذير من حالهم.

(1:487)

نحوه المراغيّ.(4:25)

الطّبرسيّ: أخبر سبحانه بوقت ذلك العذاب،أي ثبت لهم العذاب في يوم هذه صفته.و إنّما تبيضّ فيه الوجوه للمؤمنين،ثوابا لهم على الإيمان و الطّاعة.و تسودّ فيه الوجوه للكافرين،عقوبة لهم على الكفر و السّيّئات، بدلالة ما بعده و هو قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ. (1:484)

ص: 271

الطّبرسيّ: أخبر سبحانه بوقت ذلك العذاب،أي ثبت لهم العذاب في يوم هذه صفته.و إنّما تبيضّ فيه الوجوه للمؤمنين،ثوابا لهم على الإيمان و الطّاعة.و تسودّ فيه الوجوه للكافرين،عقوبة لهم على الكفر و السّيّئات، بدلالة ما بعده و هو قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ. (1:484)

ابن الجوزيّ: [اكتفى بنقل القراءات كما تقدّم عن الطّبريّ](1:435)

الفخر الرّازيّ: في هذا البياض و السّواد للمفسّرين قولان:

أحدهما:أنّ البياض مجاز عن الفرح و السّرور، و السّواد عن الغمّ،و هذا مجاز مستعمل،قال تعالى:

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ النّحل:58،و يقال:لفلان عندي يد بيضاء،أي جليّة سارّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول العرب لمن نال بغيته و فاز بمطلوبه:ابيضّ وجهه،و معناه الاستبشار و التّهلّل.و عند التّهنئة بالسّرور يقولون:الحمد للّه الّذي بيّض وجهك.و يقال لمن وصل إليه مكروه:اربدّ وجهه،و اغبرّ لونه،و تبدّلت صورته.

فعلى هذا معنى الآية أنّ المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدّمت يداه،فإن كان ذلك من الحسنات ابيضّ وجهه، بمعنى استبشر بنعم اللّه و فضله.و على ضدّ ذلك إذا رأى الكافر أعماله القبيحة محصاة اسودّ وجهه،بمعنى شدّة الحزن و الغمّ،و هذا قول أبي مسلم الأصفهانيّ.

و القول الثّاني:أنّ هذا البياض و السّواد يحصلان في وجوه المؤمنين و الكافرين؛و ذلك لأنّ اللّفظ حقيقة فيهما،و لا دليل يوجب ترك الحقيقة،فوجب المصير إليه.

قلت:و لأبي مسلم أن يقول:الدّليل دلّ على ما قلناه،و ذلك لأنّه تعالى قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ* وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ عبس:38،41.،فجعل الغبرة و القترة في مقابلة:الضّحك و الاستبشار،فلو لم يكن المراد بالغبرة و القترة ما ذكرنا من المجاز،لما صحّ جعله مقابلا له،فعلمنا أنّ المراد من هذه الغبرة و القترة:الغمّ و الحزن حتّى يصحّ هذا التّقابل.

ثمّ قال القائلون بهذا القول:الحكمة في ذلك أنّ أهل الموقف إذا رأوا البياض في وجه إنسان،عرفوا أنّه من أهل الثّواب،فزادوا في تعظيمه،فيحصل له الفرح بذلك من وجهين:

أحدهما:أنّ السّعيد يفرح بأن يعلم قومه أنّه من أهل السّعادة،قال تعالى مخبرا عنهم: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ يس:26،27.

الثّاني:أنّهم إذا عرفوا ذلك خصّوه بمزيد التّعظيم، فثبت أنّ ظهور البياض في وجه المكلّف سبب لمزيد سروره في الآخرة؛و بهذا الطّريق يكون ظهور السّواد في وجه الكفّار،سببا لمزيد غمّهم في الآخرة،فهذا وجه الحكمة في الآخرة.

و أمّا في الدّنيا،فالمكلّف حين يكون في الدّنيا،إذا عرف حصول هذه الحالة في الآخرة،صار ذلك مرغّبا له في الطّاعات و ترك المحرّمات،لكي يكون في الآخرة من قبيل من يبيضّ وجهه،لا من قبيل من يسودّ وجهه، فهذا تقرير القولين.(8:181)

نحوه النّيسابوريّ(4:31)،و الخازن(1:336)، و القاسميّ(4:932).

القرطبيّ: يعني يوم القيامة حين يبعثون من

ص: 272

قبورهم،تكون وجوه المؤمنين مبيضّة،و وجوه الكافرين مسودّة.

و يقال:إنّ ذلك عند قراءة الكتاب،إذا قرأ المؤمن كتابه فرأى في كتابه حسناته استبشر و ابيضّ وجهه، و إذا قرأ الكافر و المنافق كتابه فرأى فيه سيّئاته اسودّ وجهه.

و يقال:إنّ ذلك عند الميزان،إذا رجحت حسناته ابيضّ وجهه،و إذا رجحت سيّئاته اسودّ وجهه.

و يقال ذلك عند قوله تعالى: وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يس:59.

و يقال:إذا كان يوم القيامة يؤمر كلّ فريق بأن يجتمع إلى معبوده،فإذا انتهوا إليه حزنوا و اسودّت وجوههم،فيبقى المؤمنون و أهل الكتاب و المنافقون، فيقول اللّه تعالى للمؤمنين:من ربّكم؟فيقولون:ربّنا اللّه عزّ و جلّ.فيقول لهم:أ تعرفونه إذا رأيتموه؟فيقولون:

سبحانه إذا اعترف عرفناه،فيرونه كما شاء اللّه،فيخرّ المؤمنون سجّدا للّه تعالى،فتصير وجوههم مثل الثّلج بياضا.و يبقى المنافقون و أهل الكتاب لا يقدرون على السّجود،فيحزنوا و تسودّ وجوههم،و ذلك قوله تعالى:

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ.

و يجوز(تبيضّ و تسودّ)بكسر التّاءين،لأنّك تقول:

ابيضّت،فتكسر التّاء كما تكسر الألف،و هي لغة تميم، و بها قرأ يحيى بن وثّاب.

و قرأ الزّهريّ: (يوم تبياضّ و تسوادّ) و يجوز كسر التّاء أيضا،و يجوز (يوم يبيضّ وجوه) بالياء على تذكير الجمع.و ابيضاض الوجوه:إشراقها بالنّعيم، و اسودادها:هو ما يرهقها من العذاب الأليم.(4:166)

البيضاويّ: بياض الوجه و سواده كنايتان عن ظهور بهجة السّرور و كآبة الخوف فيه.

و قيل:يوسم أهل الحقّ:ببياض الوجه، و الصّحيفة،و إشراق البشرة،و سعي النّور بين يديه و بيمينه،و أهل الباطل:بأضداد ذلك.(1:176)

مثله أبو السّعود(2:15)،و الكاشانيّ(1:340)، و عبد الكريم الخطيب(2:543).

أبو حيّان :الجمهور على أنّ ابيضاض الوجوه و اسودادها على حقيقة اللّون،و البياض:من النّور، و السّواد من الظّلمة.[نقل قول الزّمخشريّ و ابن عطيّة و القول الأوّل في كلام الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و بدأ بالبياض لشرفه و أنّه الحالة المثلى،و أسند الابيضاض و الاسوداد إلى الوجوه،و إن كان جميع الجسد أبيض أو أسود،لأنّ الوجه أوّل ما يلقاك من الشّخص و تراه،و هو أشرف أعضائه.[ثمّ ذكر أقوالا متعدّدة في تفسير الوجوه،و أضاف:]

و العامل في (يَوْمَ تَبْيَضُّ) ما يتعلّق به لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أي و عذاب عظيم كائن لهم يوم تبيضّ وجوه.

و قال الحوفيّ:العامل فيه محذوف،تدلّ عليه الجملة السّابقة،أي يعذّبون يوم تبيضّ وجوه.(3:21)

نحوه الآلوسيّ.(4:25)

السّيوطيّ: قد يقدّم لفظ و يؤخّر في آخر،و نكتة ذلك إمّا لكون السّياق في كلّ موضع يقتضي ما وقع فيه، كما تقدّمت الإشارة إليه.

و إمّا لقصد البداءة و الختم به للاعتناء بشأنه،كما في

ص: 273

قوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ.

و إمّا لقصد التّفنّن في الفصاحة و إخراج الكلام على عدّة أساليب،كما في قوله: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ البقرة:58،و قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً الأعراف:161.(3:47)

رشيد رضا :قيل:إنّ بياض الوجوه و سوادها هاهنا من باب الحقيقة،و أنّ ذلك يكون يوم القيامة خاصّة،و احتجّ صاحب هذا القول بمثل قوله تعالى:

وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الزّمر:60.

و قيل:و هو الرّاجح،أنّه من باب الكناية.[و نقل قول الرّاغب ثمّ قال:]

أقول:و لا يزال هذا الاستعمال شائعا عند كلّ ناطق بالضّاد،لا سيّما وصف الكاذب بسواد الوجه،فتعجّبوا لسواد وجه الكاذب،هذا هو الرّاجح في تفسير الآية وفاقا للرّاغب و لأبي مسلم و المختار عند الأستاذ الإمام؛ إذ حمل العذاب في الآية على عذاب الدّنيا و عذاب الآخرة جميعا،و يدلّ على ما يكون في الآخرة الآيات الّتي ذكرناها آنفا في بحث استعمال السّواد و البياض في المعاني؛إذ فيها التّصريح بذكر ذلك اليوم.

و أمّا ما يكون في الدّنيا فقد قال الأستاذ الإمام في بيانه ما مثاله:

أمّا المتّفقون الّذين جمعوا عزائمهم و إرادتهم على العمل،بما فيه مصلحة أمّتهم و ملّتهم،و اعتصموا و اتّفقوا على الأعمال النّافعة الّتي فيها عزّتهم و شرفهم،و أصبح كلّ واحد منهم عونا للآخر و وليّا له،فأولئك تبيضّ وجوههم،أي تنبسط و تتلألأ بهجة و سرورا،عند ظهور أثر الاتّفاق و الاعتصام و نتائجهما،و هي السّلطة و العزّة و الشّرف،و ارتفاع المكانة و سعة السّلطان.

و هذا الأثر ظاهر في الأمم المتّفقة المتّحدة الّتي يتألّم مجموعها،إذا أهين واحد منها في قطر من أقطار الأرض بعيد أو قريب،و تجيش جميعها مطالبة بنصره و الانتقام له،لأنّه ظلم و أهين،و لا يصحّ عندها أن يكون منها،ثمّ يظلم أو يهان و تكون هي راضية ناعمة البال.أولئك الأقوام ترى على وجوههم لألاء العزّة و تألّق البشر بالشّرف و الرّفعة،و هو ما يعبّر عنه ببياض الوجه.

و أمّا المختلفون لافتراقهم في المقاصد،و تباينهم في المذاهب و المشارب،الّذين لا يتناصرون و لا يتعاضدون، و لا يهتمّ أفرادهم بالمصلحة العامّة الّتي فيها شرف الملّة و عزّة الأمّة،فهم الّذين تسودّ وجوههم بالذّلّة و الكآبة، يوم تظهر عاقبة تفرّقهم و اختلافهم بقهر الأجنبيّ لهم، و نزعة السّلطة من أيديهم.

و التّاريخ شاهد على صدق هذا الجزاء في الماضين، و المشاهدة أصدق و أقوى حجّة في الحاضرين.

(4:52)

عزّة دروزة :و المتبادر أنّ تعبير ابيضاض الوجوه و اسودادها مجازيّ،مستمدّ من المألوفات الخطابيّة،في مواقف الفوز و الإخفاق و الصّدق و الكذب.

و لقد روى ابن كثير في سياق تفسير يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ، أنّ ابن عبّاس قال:تبيضّ وجوه أهل السّنّة و الجماعة،و تسودّ وجوه أهل البدع و الفرقة.

ص: 274

و القول في حدّ ذاته وجيه و في محلّه،و إن كان هذا لا يمنع من ملاحظة كون ظهور البدع و الأهواء،و تعبير أهل السّنّة و الجماعة هما متأخّران عن زمن ابن عبّاس.

(8:140)

محمّد حسين فضل اللّه: ليست القضيّة قضيّة صفة ذاتيّة عاديّة،يراد منها تقييم الإنسان من ناحية ذاتيّة،لأنّ طبيعة القضيّة تتّصل بالجانب العامّ الشّامل لحياة الإنسان.

أمّا ذلك الفلاح و هذا العذاب فإنّهما يبرزان بأعلى صفاتهما في مواجهة الإنسان،للمصير في موقفه أمام اللّه، عند ما يتحدّد للإنسان مصيره من خلال انطباع أعماله على وجهه،فهناك النّاس الّذين تبيضّ وجوههم بما عملوا من خير،من خلال ما يمثّله من صفاء و نقاء و بياض ناصع؛و هناك النّاس الّذين تسودّ وجوههم بما عملوا من شرّ،من خلال ما يمثّله من سواد و ظلمة و قلق،و ذلك هو قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ.

و هذا تعبير إيحائيّ عن الحالة الرّوحيّة،الّتي تترك تأثيراتها على الصّورة البارزة للإنسان،من خلال عناصرها الخاصّة في الذّات،فإذا كانت الرّوح منفتحة على الجانب المشرق من النّيّات الخيّرة و الأعمال الصّالحة،فإنّ ذلك ينعكس على إشراقة الوجه نورا و إشراقا و بشرا،لأنّ هذا الإنسان لا يشكو من عقدة تثقل روحه و تشوّه صورته.

و أمّا إذا كانت الرّوح منغلقة على الخير،و منفتحة على الشّرّ في الدّوافع و الأعمال،فإنّ الإنسان يبدو من خلالها شيطانا في ملامحه،معبّرا في وجهه،مظلما في ذاته.

و هذا ما يوحي بالحقيقة الإنسانيّة في تأثير الواقع الدّاخليّة في صورة الواقع الخارجيّ للإنسان؛بحيث تتمثّل ملامحه الدّاخليّة في ملامحه الخارجيّة في الصّورة تارة،و في النّظرة العامّة لحركته تارة أخرى.

و قد عبّر اللّه عن ذلك بطريقة أخرى في صورة المؤمنين يوم القيامة في النّور الّذي يسعى بين أيديهم و بأيمانهم،و ذلك هو قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ و بإزاء هؤلاء نرى المنافقين و المنافقات غارقين في الظّلمة يستجدون النّور من المؤمنين و المؤمنات وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ.

و تزداد الصّورة وضوحا في مواجهة الموقف،فيبدو لنا هؤلاء الّذين اسودّت وجوههم،فإذا بنا نلمح في أوضاعهم و تقارير أعمالهم و طبيعة السؤال الإنكاريّ الّذي يوجّه إليهم: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ آل عمران:106،صورة النّاس الّذين ساروا في خطّ الإيمان فترة من الزّمن،و لكنّهم وقعوا تحت تأثير الضّغوط الذّاتيّة من الشّهوات و الأطماع و الأضاليل،فانحرفوا عن الخطّ،ثمّ تحوّل انحرافهم إلى مواجهة مضادّة للخطّ نفسه،عند ما فرضت عليهم ذاتيّاتهم أن يقاوموه ليرضى عنهم أولياؤهم من الكافرين و الضّالّين...

و في هذا إيحاء دقيق من بعيد،بأنّ على الإنسان أن لا يستسلم للثّقة بإيمانه في استرخاء كسول،يؤمن معه بأنّه لا يتزعزع مهما كانت الظّروف و الضّغوط،بل ينبغي له أن يحرسه بالفكر و التّأمّل و القراءة و الحوار و العمل،

ص: 275

لأنّ الكثيرين من النّاس قد ضلّوا بعد الهدى،و كفروا بعد الإيمان تحت تأثير العوامل السّلبيّة المتنوّعة المحيطة بهم...فحاق بهم العذاب نتيجة ذلك كلّه،و واجهوا النّداء الحاسم من اللّه: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.

وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فقد عاشوا حياتهم مع اللّه،فإذا فكّروا كان«اللّه»أوّل ما يفكّرون به في عظمة خلقه و كرمه في نعمه،و في كلّ شيء يحيط بهم.

و إذا خطّطوا لحياتهم كان«اللّه»هو الّذي يستلهمونه في رسم تلك المخطّطات.و إذا واجهتهم الشّهوات،وقفوا منها وقفة التّوازن الّتي منها ما يبني للإنسان روحه و جسده في ما ينفع الرّوح و الجسد،و ترفض منها ما يهدم للإنسان كيانه في ما يضرّهما.

أمّا إذا عاشوا مع النّاس،فإنّهم لا يفكّرون بأنفسهم في سجن الأنانيّة،بل ينفتحون على الحياة الفرديّة و الاجتماعيّة للآخرين،كمنطلق لممارسة المسئوليّة المفروضة عليهم من اللّه،في أن تكون حياتهم خيرا و بركة للآخرين،فلا يصدر منهم أيّ ضرر أو فساد لأيّ إنسان.

و إذا وقفوا مع أنفسهم تذكّروا اللّه قبل ذلك،فعلموا أنّهم عبيد له،و عرفوا أنّ من واجبهم أن يعبدوه حقّ عبادته،و يطيعوه حقّ طاعته،في كلّ ما يستطيعونه، و يقدرون عليه من ذلك...فكانوا قريبين من اللّه في فكرهم و شعورهم و عملهم،فاستحقّوا رحمته الخالدة الّتي يمنحها للصّالحين و المجاهدين من عباده فَفِي رَحْمَتِ اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران:107.(6:206)

مكارم الشّيرازيّ: انّ هاتين الآيتين تشيران -بوضوح-إلى أنّ هناك-في يوم القيامة-نوعين من الوجوه:وجوه مبيضّة نيّرة،و وجوه مسودّة كالحة،ثمّ تعلّلان ذلك البياض،و هذا السّواد،فتردّان سواد الوجوه إلى الكفر و الاختلاف،و العودة إلى عادات الجاهليّة،و أخلاقها الشّرّيرة،و بياض الوجوه إلى الثّبات على طريق الإيمان و الوحدة.

و بكلمة:إنّ الآيتين تصرّحان بأنّ المنافقين و المتفرّقين بعد ما جاءتهم البيّنات هم المسودّة وجوههم الذّائقون للعذاب الأليم بسبب كفرهم،و أمّا المؤمنون المتآلفون المتحابّون المتّحدون فهم في رحمة اللّه و رضوانه مبيضّة وجوههم.

و لقد قلنا مرارا أنّ ما يلاقيه الإنسان من الأوضاع و الحالات،و من الثّواب و العقاب في الحياة الآخرة ليس في الحقيقة سوى أفكاره و أعماله و تصرّفاته المجسّمة الّتي قام بها في هذه الحياة الدّنيا،فهما وجهان لعملة واحدة، إنّه تجسّم صادق و دقيق لما كان ينويه أو يعمله هنا ليس إلاّ.

و بعبارة أخرى:إنّ لكلّ ما يفعله الإنسان في هذه الحياة آثارا واسعة تبقى في روحه،و قد لا تدرك في هذه الحياة،و لكنّها تتجلّى-بعد سلسلة من التّحوّلات-في الآخرة،فتظهر بحقائقها الواقعيّة،و حيث إنّ جانب الرّوح يكون أقوى في الآخرة،إذ تشتدّ حاكميّتها و سيادتها على الجانب الآخر من الكيان البشريّ من هنا يكون لتلك الآثار انعكاساتها حتّى على الجسد،فتبدو الآثار المعنويّة للأعمال محسوسة كما يكون الجسد محسوسا لكلّ أحد.

ص: 276

فكما أنّ الإيمان و الاتّحاد يوجبان الرّفعة و بياض الوجوه في هذا العالم،و يوجب العكس العكس،أي أنّ الكفر و الاختلاف يوجبان للأمّة الكافرة المتفرّقة سواد الوجه و الذّلّة،فإنّ هذا البياض و السّواد المجازيّين في الدّنيا يظهران في الآخرة بصورة حقيقيّة حيث يحشر المؤمنون المتّحدون المتآلفون بيض الوجوه،بينما يحشر الكافرون المتفرّقون المتخاصمون سود الوجوه.

و تلك حقيقة أشارت إليها آيات أخرى في القرآن الكريم في شأن من يتمادى في المعصية و يأتي بالذّنب تلو الذّنب،و الإثم بعد الإثم،إذ يقول سبحانه: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً يونس:27.

و يقول في شأن الّذين يفترون على اللّه الكذب:

وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الزّمر:60.

و كلّ هذه الأمور هي المردودات و الآثار الطّبيعيّة لما يأتيه الإنسان في عالم الدّنيا من الأعمال.

(2:487)

بيض

وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ* كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ. الصّافّات:48،49

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: عن أمّ سلمة،قلت:يا رسول اللّه أخبرني عن قوله: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، قال:

رقّتهنّ كرقّة الجلدة الّتي رأيتها في داخل البيضة،الّتي تلي القشر و هي الغرقئ.(الطّبريّ 23:58)

ابن عبّاس: اللّؤلؤ المكنون.(الطّبريّ 23:57)

مثله السّيوطيّ.(2:39)

«البيض المكنون»:الجوهر المصون.

(أبو حيّان 7:360)

سعيد بن جبير: كأنّهنّ بطن البيض.

(الطّبريّ 23:57)

شبّه ألوانهنّ بلون قشر البيضة الدّاخل،و هو غرقئ البيضة،و هو المكنون في كنّ.

مثله السّدّيّ.(أبو حيّان 7:360)

الحسن :تشبيها ببيض النّعام يكنّ بالرّيش من الغبار و الرّيح،فهو أبيض إلى الصّفرة.(الماورديّ 5:48)

قتادة :لم تمرّ به الأيدي،و لم تمسّه،يشبهن بياضه.

(الطّبريّ 23:57)

السّدّيّ: بياض البيض حين ينزع قشره.

(ابن كثير 6:12)

البيض حين يقشر قبل أن تمسّه الأيدي.

(الطّبريّ 23:57)

عطاء الخراسانيّ: هو السّحاء الّذي يكون بين قشرته العليا و لباب البيض.(الماورديّ 5:48)

ابن زيد :البيض الّذي يكنّه الرّيش،مثل بيض النّعام الّذي قد أكنّه الرّيش من الرّيح،فهو أبيض إلى الصّفرة،فكأنّه يبرق،فذلك المكنون.

(الطّبريّ 23:57)

المبرّد: و العرب تشبّه النّساء ببيض النّعام،تريد نقاءه و نعمة لونه.(2:54)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندي،قول من

ص: 277

قال:شبّهن في بياضهنّ-و أنّهنّ لم يمسّهنّ قبل أزواجهنّ إنس و لا جانّ-ببياض البيض الّذي هو داخل القشر، و ذلك هو الجلدة الملبسة المحّ،قبل أن تمسّه يد أو شيء غيرها،و ذلك لا شكّ هو المكنون.فأمّا القشرة العليا فإنّ الطّائر يمسّها،و الأيدي تباشرها،و العشّ يلقاها.

و العرب تقول لكلّ مصون:مكنون،ما كان ذلك الشّيء:

لؤلؤا كان أو بيضا أو متاعا.[ثمّ استشهد بشعر]

(23:57)

الزّجّاج :أي كأنّ ألوانهنّ ألوان بيض النّعام.

(4:304)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يعني اللّؤلؤ في صدفه،قاله ابن عبّاس.

الثّاني:يعني البيض المعروف في قشره،و المكنون:

المصون.

و في تشبيههم بالبيض المكنون أربعة أوجه:[ثمّ ذكر التّشبيه قول الحسن و سعيد بن جبير و السّدّيّ و عطاء]

(5:48)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:58)

الميبديّ: جمع البيضة،و هي بيض النّعام يشوب بياضها صفرة،و هو أحسن الألوان عند العرب.و إنّما ذكر المكنون و البيض جمع لأنّه ردّه إلى اللّفظ،شبّهن بيض النّعام،لأنّها تكنّها عن الرّيح و الشّمس و الغبار بريشها.(8:273)

الزّمخشريّ: شبّههنّ ببيض النّعام المكنون في الأداحيّ،و بها تشبّه العرب النّساء،و تسمّيهنّ بيضات الخدور.(3:340)

ابن عطيّة:فاختلف النّاس في الشّيء المشبّه به ما هو،فقال السّدّيّ و ابن جبير:شبّه ألوانهنّ بلون قشر البيضة من النّعام،و زهو بياض قد خالطته صفرة حسنة، قالوا:و البيض نفسه في الأغلب هو المكنون بالرّيش، و متى شدّت به حال فلم يكن مكنونا،خرج عن أن يشبّه به،و هذا قول الحسن و ابن زيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن عبّاس فيما حكى الطّبريّ: «البيض المكنون»أراد به الجوهر المصون.

و هذا لا يصحّ عندي عن ابن عبّاس،لأنّه يردّه اللّفظ من الآية.

و قالت فرقة:إنّما شبّههنّ تعالى ب«البيض المكنون» تشبيها عامّا،جملة المرأة بجملة البيضة،و أراد بذلك تناسب أجزاء المرأة،و أنّ كلّ جزء منها نسبته في الجودة إلى نوعه،نسبة الآخر من أجزائه إلى نوعه.فنسبة شعرها إلى عينها مستوية؛إذ هما غاية في نوعهما، و البيضة أشدّ الأشياء تناسب أجزاء،لأنّك من حيث جئتها،فالنّظر فيها واحد.(4:473)

الفخر الرّازيّ: المكنون في اللّغة:المستور،يقال:

كننت الشّيء و أكننت.و معنى هذا التّشبيه:أنّ ظاهر البيض بياض يشوبه قليل من الصّفرة،فإذا كان مكنونا كان مصونا عن الغبرة و القترة،فكان هذا اللّون في غاية الحسن،و العرب كانوا يسمّون النّساء بيضات الخدور.(26:138)

القرطبيّ: قال الحسن و ابن زيد:شبّهن ببيض النّعام،تكنّها النّعامة بالرّيش من الرّيح و الغبار،فلونها

ص: 278

أبيض في صفرة،و هو أحسن ألوان النّساء.

و قال ابن عبّاس و ابن جبير و السّدّيّ: شبّهن ببطن البيض قبل أن يقشّر،و تمسّه الأيدي.

و قال عطاء: شبّهن بالسّحاء الّذي يكون بين القشرة العليا و لباب البيض،و سحاة كلّ شيء:قشره، و الجمع:سحا،قاله الجوهريّ،و نحوه قول الطّبريّ، قال:هو القشر الرّقيق الّذي على البيضة بين ذلك.

و روي نحوه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و العرب تشبّه المرأة بالبيضة لصفائها و بياضها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول العرب إذا وصفت الشّيء بالحسن و النّظافة:

كأنّه بيض النّعام المغطّى بالرّيش.و قيل:المكنون:

المصون عن الكسر،أي إنّهنّ عذارى.

و قيل:المراد بالبيض:اللّؤلؤ،كقوله تعالى: وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ الواقعة:22،23، أي في أصدافه،قاله ابن عبّاس أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما ذكر المكنون و البيض جمع،لأنّه ردّ النّعت إلى اللّفظ.(15:80)

نحوه الشّربينيّ.(3:277)

البيضاويّ: شبّههنّ ببيض النّعام المصون عن الغبار،و نحوه في الصّفاء و البياض المخلوط بأدنى صفرة، فإنّه أحسن ألوان الأبدان.(2:292)

نحوه الكاشانيّ.(4:269)

الطّوفيّ: الغرض بالتّشبيه قد يكون إلحاق النّاقص بالكامل،و هو الأصل.

و من ظنّ أنّ قوله تعالى في صفة الحور العين:

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، يشبه الكامل بالنّاقص؛إذ الحور أشدّ بياضا و حسنا من البيض،فقد وهم؛إذ هذا تشبيه غير المعهود لنا بالمعهود،و الخفيّ عنّا بالظّاهر لنا، فالبيض من حيث المعهود به،و الظّهور لنا أكمل من الحور؛إذ إدراكنا لهنّ بالوهم و التّخيّل،و إدراكنا للبيض بالحسّ و المشاهدة،و هو أقوى،و من هذه الجهة وقع التّشبيه،لا من حيث التّفاوت الحقيقيّ.(133)

أبو حيّان : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ: شبّههنّ،قال الجمهور:ببيض النّعام المكنون في عشّه،و هو الأدحيّة، و لونها بياض به صفرة حسنة،و بها تشبّه النّساء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال السّدّيّ و ابن جبير: شبّه ألوانهنّ بلون قشر البيضة الدّاخل،و هو غرقئ البيضة،و هو المكنون في كنّ، و رجّحه الطّبريّ و قال:و أمّا خارج قشر البيضة فليس بمكنون.

و عن ابن عبّاس البيض المكنون:الجوهر المصون، و اللّفظ ينبو عن هذا القول،و قالت فرقة:هو تشبيه عامّ جملة المرأة بجملة البيضة.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة](7:360)

نحوه القاسميّ(14:5037)،و المراغيّ(23:58)، و الطّباطبائيّ(17:137)،و مكارم الشيرازيّ(14:

291).

ابن كثير :وصفهنّ بترافة الأبدان بأحسن الألوان.

(6:11)

البروسويّ: بيض بفتح الباء:جمع بيضة،و هو المعروف.سمّي البيض لبياضه،و المراد هنا:بيض النّعام،

ص: 279

(7:461)

الآلوسيّ: [نحو ما تقدّم عن أبي حيّان و أضاف:]

و أخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس و هو و غيره عن ابن جبير،و ابن أبي حاتم،و ابن جرير عن السّدّيّ:أنّ البيض المكنون:ما تحت القشر الصّلب،بينه و بين اللّباب الأصفر.و المراد تشبيههنّ بذلك بعد الطّبخ في النّعومة و الطّراوة،فالبيضة إذا طبخت و قشّرت ظهر ما تحت القشرة على أتمّ نعومة و أكمل طراوة،و من هنا تسمع العامّة يقولون في مدح المرأة:كأنّها بيضة مقشّرة.

و رجّح ذلك الطّبريّ بأنّ الوصف ب(مكنون) يقتضيه دون المشهور،لأنّ خارج قشر البيضة ليس بمكنون.

و فيه:أنّ المتبادر من البيض مجموع القشر و ما فيه، «و أكلت كذا بيضة»،الأكل فيه قرينة إرادة ما في القشر دون المجموع،إذ لا يؤكل عادة،و حينئذ لا يتمّ ما قاله الطّبريّ،فالأوّل هو المقبول،و معنى المكنون فيه ظاهر على ما سمعت.

و قد نقل الخفاجيّ هذا المعنى عن بعض المتأخّرين، و تعقّبه بأنّه ناشئ من عدم معرفة كلام العرب،و كأنّه لم يقف على روايته عن الحبر و من معه،و إلاّ لا يتسنّى له ما قال.و لعلّ الرّواية المذكورة غير ثابتة،و كذا ما حكاه أبو حيّان عن الحبر:من أنّ البيض المكنون:الجوهر المصون،لنبوّ ظاهر اللّفظ عن ذلك.

و قالت فرقة:المراد تشبيههنّ بالبيض في تناسب الأجزاء،و البيضة أشدّ الأشياء تناسب أجزاء، و التّناسب ممدوح.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنت تعلم بعد فرض تسليم،أنّ تناسب الأجزاء في البيضة معروف بينهم،أنّ الوصف ب«المكنون»ممّا لا يظهر له دخل في التّشبيه،و استشكل التّشبيه على ما تقدّم بآية عروس (1)القرآن: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ الرّحمن:58،فإنّها ظاهرة في أنّ ألوانهنّ حمرة،و أين هذا من التّشبيه ب«البيض المكنون»على ما سمعت قبل،فيتعيّن أن يراد التّشبيه من حيث النّعومة و الطّراوة،كما روي ثانيا،أو من حيث تناسب الأجزاء كما قيل أخيرا.

و أجيب بأنّه يجوز أن يكون المشبّهات ب«البيض المكنون»غير المشبّهات ب(الياقوت و المرجان)،و كون البياض المشوب بالصّفرة أحسن الألوان في النّساء،غير مسلّم،بل هو حسن،و مثله في الحسن البياض المشوب بحمرة،على أنّ الأحسنيّة تختلف باختلاف طباع الرّائين.«و للنّاس فيما يعشقون مذاهب»،و الجنّة فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين.

و قيل:يجوز أن يكون تشبيههنّ ب«البيض المكنون» بالنّظر إلى بياض أبدانهنّ،المشوب بصفرة،ما عدا وجوههنّ،و تشبيههنّ ب(الياقوت و المرجان)بالنّظر إلى بياض وجوههنّ المشوب بحمرة.

و قيل:تشبيههنّ بهذا ليس من جهة أنّ بياضهنّ مشوب بحمرة،بل تشبيههنّ ب(الياقوت)من حيث الصّفاء،و ب(المرجان)من حيث الإملاس و جمال المنظر.و إذا أريد ب(المرجان)الدّرر الصّغار-كما ذهب إليه جمع-دون الخرز الأحمر المعروف،يجوز أن يكونن.

ص: 280


1- أي:سورة الرّحمن.

التّشبيه من حيث البياض المشوب بصفرة،فلا إشكال أصلا.(23:89)

سيّد قطب :لا تبتذله الأيدي و لا العيون.

(5:2987)

محمّد عزّة دروزة: (بيض)يطلق مجازا على حبّات اللّؤلؤ الكبيرة.[إلى أن قال:]

و يتمتّعون بالنّساء النّجل العيون،اللاتي كأنّهنّ اللّؤلؤ بياضا و جمالا،الطّاهرات المصونات عن الابتذال.

(4:252)

عبد الكريم الخطيب :وصف لألوانهنّ و أنّهنّ بيضاوات،كأنّهنّ البيض المكنون،أي المحفوظ من الشّمس و الغبار تحت أجنحة الطّير،فهو باق على بياضه و نقائه.

و في تشبيه لون بشرة المرأة بالبيض المكنون إعجاز من إعجاز القرآن،في دقّة الوصف و صدقه،فالبيض المكنون تحت أجنحة الطّير،يضمّ في كيانه حياة يغتذي منها قشر البيض نفسه،كما تغتذي بشرة الجلد في جسد الكائن الحيّ،ثمّ إنّ هذا البيض يحمل في كيانه الحياة في مطلع نموّها و اكتمالها،فهي إذن ليست حياة مولية،و إنّما هي حياة مقبلة،كتلك الحياة الّتي في كيان هؤلاء الفتيات من حور الجنّة.

فالقشرة الّتي تحتوي البيضة،تشير إلى ما في كيانها من حيويّة متدفّقة تماما كتلك البشرة الّتي تحتوي جسد الشّباب المتدفّق حياة و قوّة.(12:982)

طه الدّرّة: و العرب تشبّه النّساء بالبيض من ثلاثة أوجه:

أحدها:بالصّحّة و السّلامة عن الطّمث،أي الجماع، [ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:في الصّيانة و السّتر،لأنّ الطّائر يصون بيضه و يحضنه.

و الثّالث:في صفاء اللّون و نقائه،لأنّ البيض يكون صافي اللّون نقيّه؛إذا كان تحت الطّائر.(12:145)

محمود صافي: بيض:اسم جنس لما تعطيه الإناث من الحيوانات و غيرها،الواحدة:بيضة،وزنه «فعلة»بفتح فسكون،و وزن بيض«فعل»بفتح الفاء.

التّشبيه المرسل في قوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ.

و المراد تشبيههنّ بالبيض الّذي كنّه الرّيش في العشّ،فلم تمسّه الأيدي،و لم يصبه الغبار بقليل صفرة، مع لمعان كما في الدّرّ.

و الأكثرون على تخصيصه ببيض النّعام في الأداحيّ، لكونه أحسن منظرا من سائر البيض،و أبعد عن مسّ الأيدي،و وصول ما يغيّر لونه إليه،و العرب تشبّه النّساء بالبيض و يقولون لهنّ:بيضات الخدور.(23:58)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البيضة-لا البياض الّذي جعله ابن فارس و غيره أصلا-و هي ما تضعه إناث الطّير و غيرها من الحيوان،و الجمع:بيض و بيوض و بيضات، يقال:أفرخت البيضة،أي صار فيها فرخ،و دجاجة بائض و بيّاضة و بيوض،و دجاجات بيض،و مبيض الطّير:الموضع الّذي يبيض فيه،و قد باضت الدّجاجة

ص: 281

تبيض بيضا.و ديك بائض و غراب بائض،و هو على التّوسّع،مثل:والد.

و يقال على المثل:بيضة العقر،و ذلك أن تغتصب الجارية فتفتضّ،فتجرّب ببيضة،و تسمّى تلك البيضة:

بيضة العقر.و بيضة الدّيك:بيضة يبيضها الدّيك مرّة واحدة ثمّ لا يعود،يضرب مثلا لمن يصنع الصّنيعة ثمّ لا يعود لها.و تقول العرب للرّجل الكريم:هو بيضة البلد،أي بيضة النّعامة الّتي يصونها الظّليم،و قد اشتهر الإمام عليّ عليه السّلام بهذه الصّفة الحميدة.و تقول أيضا في الذّمّ:هو أذلّ من بيضة البلد،أي البيضة الّتي تتركها النّعامة،و هو على الاستعارة،و بيضة السّنام:شحمته، و بيضة الجنين:أصله.

و يقال على التّشبيه بشكل البيضة:بيضة الحديد:

الخوذة،لأنّها على شكل بيضة النّعام،يقال:ابتاض الرّجل،أي لبس البيضة،و رأس الصّومعة و القبّة،و ورم يكون في يد الفرس،يقال:قد باضت يد الفرس تبيض بيضا،و البيضة:عنب أبيض عظيم الحبّ يكون في الطّائف،و البيضة:بيضة الخصية.و يقال للجارية:بيضة الخدر،لأنّها مكنونة في خدرها كالبيضة.

2-و يقال تشبيها بلون البيضة:أباض و ابيضّ:صار أبيض،و بيّض الشّيء:جعله أبيض فابيضّ ابيضاضا و ابياضّ ابييضاضا،و البيّاض:الّذي يبيّض الثّياب.و ابيضت المرأة و أباضت:ولدت البيض،و هي مبيضة.و البيضان من النّاس:جمع الأبيض،و يجمع الأبيض و البيضاء على بيض.و بايضني فلان فبضته،أي فقته في البياض.و المبيّضة:أصحاب البياض،و هم فرقة من الثّنويّة أصحاب المقنّع،سمّوا بذلك لتبييضهم ثيابهم، خلافا للمسوّدة من أصحاب الدّولة العبّاسيّة.

و قد سمّي بالبياض لاكتساب صفته،و منه:الأبيض، أي السّيف،و عرق السّرّة،و عرق في الصّلب،و عرق في الحالب.

و الأبيضان:عرقا الوريد،و عرقان في البطن، و الشّحم و اللّبن،و الشّحم و الشّباب،يقال:ذهب منه الأبيضان.

و البيضاء:الشّمس،و حبالة الصّائد،و القدر،و يقال لها أيضا:أمّ بيضاء،و كتيبة بيضاء:عليها بياض الحديد، و أرض بيضاء:ملساء لا نبات فيها،كأنّ النّبات كان يسوّدها.

و بياض الكبد و القلب و الظّفر:ما أحاط به،و بياض الأرض،ما لا عمارة فيه،و بياض الجلد:ما لا شعر عليه.

و منه:باضت البهمى:سقطت نصالها،و باضت الأرض:

اصفرّت خضرتها و نفضت الثّمرة و أيبست،و أباض الكلأ:ابيضّ و يبس.

و من المجاز:كلّمته فما ردّ عليّ سوداء و لا بيضاء،أي كلمة قبيحة و لا حسنة،و كلام أبيض:مشروح، و أبو البيضاء:الأسود،و فلان أبيض و فلانة بيضاء:

عرضهما نقيّ من الدّنس و العيوب،و فلان أبيض الوجه و فلانة بيضاء الوجه:لونهما نقيّ من الكلف و السّواد الشّائن،و اليد البيضاء:الحجّة المبرهنة،و يقال لفارس:

الأبيض،لبياض ألوانهم،و لأنّ الغالب على أموالهم الفضّة،و الموت الأبيض:موت الفجأة،لأنّه لم يكن قبله مرض يغيّر لونه،و اللّيالي البيض:اللّيلة الثّالثة عشرة

ص: 282

و الرّابعة عشرة و الخامسة عشرة من الشّهر القمريّ، لبياضهنّ بالقمر من أوّل اللّيل إلى آخره.

و منه قولهم:ما رأيته مذ أبيضان،يعني يومين أو شهرين،و ذلك لبياض الأيّام،و بيضة النّهار:بياضه، يقال:بايضنا فلان بذلك الأمر مبايضة:جاهرنا في بيضة النّهار،و بيضة الصّيف:معظمه،و بيضة الحرّ:شدّته، يقال:باض الحرّ:اشتدّ،و باض السّحاب:أمطر،و أفرخ بيضة القوم:ظهر مكتوم أمرهم،و بيّض الإناء و السّقاء:

ملأه و فرّغه أيضا.

3-أمّا معنى الإقامة بالمكان فهو من باض يبوض بوضا،إلاّ أنّ بين«ب و ض»و«ب ي ض»اشتقاق أكبر،إذ جاء منهما حسن الوجه و نقاؤه بعد كلف.

4-و زعم العدنانيّ أنّ جمع«أبيض»على«بيضان» خطأ،و ادّعى أنّ الصّواب جمعه على«بيض»فقط، تشبّثا بالقياس،ثمّ سرد أمثلة لاستعمال«البيض»في الكتاب و السّنّة،و لكنّه لم يفصح عن استعمال لفظ «البيضان»،أو يدعم مدّعاه بقول أو مثال من المظانّ.

و الحقّ أنّ متقدّمي اللّغويّين لم يصرّحوا بأنّ «البيضان»جمع«الأبيض»،إلاّ أنّهم أشاروا إليه أثناء كلامهم،فقالوا مثلا:العرب تقول:فلانة مسودة و مبيضة،إذا ولدت البيضان و السّودان،و قد قالوا صراحة:إنّ«السّودان»جمع أسود.كما أنّ متأخّري اللّغويّين صرّحوا بأنّ«البيضان»جمع أبيض،و منهم الزّبيديّ في«تاج العروس».

الاستعمال القرآنيّ

قد جاءت فعلا و وصفا و اسما 12 مرّة:

1- وَ تَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ يوسف:84

2 و 3- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران:106،107

4- ...وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ... البقرة:187

5- وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:22

6- وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ النّمل:12

7- اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ

القصص:32

8 و 9- وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ

الأعراف:108،و الشّعراء:33

10- يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ الصّافّات:45،46

11- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27

12- وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ* كَأَنَّهُنَّ

ص: 283

بَيْضٌ مَكْنُونٌ الصّافّات:48،49

يلاحظ أوّلا:أنّ البياض يلحظ في جميع الموارد،إلاّ أنّه في بعضها حقيقة و في بعضها كناية،كما سترى.

ثانيا:جاء الفعل ثلاث مرّات،ماضيا مرّتين و مضارعا مرّة:

الأولى: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ، جاءت في شأن يعقوب لكثرة بكائه على فراق يوسف،و بياض العين كناية عن العمى النّاشئ من كثرة البكاء؛حيث غلب البياض سواد العين فعمي.

و هاهنا بحوث:

1-قال: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ، و لم يقل:عميتا،فلم يسنده إلى العمى-و هو عيب-تكريما له،و لأنّه لم يكن في الحقيقة عمى،و إنّما كان حجابا من رؤية غير يوسف.

و هذا يحكي مدى حبّه ليوسف،و كأنّه ما أعطي البصر إلاّ لينظر إلى وجه ابنه الحبيب يوسف،فلمّا حرم من لقائه و حال الفراق بينهما انطمس بصره،لأنّه لا شيء أشدّ على الأحباب من رؤية غير المحبوب عند فراقه.

2-استمرّ بياض عينه حتّى استعدّ للقاء يوسف،و لم ينقشع إلاّ بقميص يوسف بعد ثمانين شهرا-كما جاء في الأخبار-و هذا رمز آخر إلى شدّة العلاقة بين الأب و الابن؛حيث فقد بصره بفراقه،و ردّ إليه قبيل لقائه.

3-ردّ بصره بقميص يوسف و قميصه هو ما أتى به إخوانه ملطّخا بدم كذب،و كان بداية حزنه عليه،و كان للقميص دور في بقاء يوسف في السّجن بضع سنين.

لكنّه متعدّد في المواقف الثّلاث و ليس قميصا واحدا لاحظ«ق م ص».

4-و هناك رمز ثالث إلى مدى تلك العلاقة،و هو قوله:(من الحزن)،أي لم يكن بياض العين لمرض ألمّ بها،بل للحزن على الفراق،و يصدق الحزن عند غياب المحبوب،فلو لم يطمس بصره،و رأى النّاس و لم ير يوسف بينهم،لازداد حزنه و تضاعف،و لانقلب إلى حزنين،حزن فراق المحبوب،و حزن لقاء غير المحبوب، فمنّ اللّه عليه،و هوّن عليه الحزنين،إلاّ أنّه غير مؤبّد،بل إلى انتهاء عذاب الفراق،و تجدّد عذب الوصال.

5-و قد أبدى يعقوب حزنه على فراق يوسف مرّتين:مرّة عند بدء الفراق؛حيث اقترح عليه إخوة يوسف أن يرسله معهم يرتع و يلعب،فقال لهم: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ يوسف:13.و مرّة عند اشفاقهم عليه أن يكون حرضا أو يكون من الهالكين لكثرة ذكره يوسف،فقال: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ... يوسف:86.

6-إنّ يعقوب مع شدّة حزنه على فراق يوسف فقد كظمه في المرّة الأولى،و لم يظهره للنّاس.فلم ير النّاس من يعقوب خلال تلك الأيّام و الشّهور سوى كثرة بكائه و ابيضاض عينيه،أمّا ما انطوى عليه قلبه و امتلأ به صدره من الحزن فلم يعلمه إلاّ اللّه،و لهذا شكاه إلى اللّه دون غيره.و هذا باب كبير من اتّكاله على اللّه،و رجائه منه،و اعتماده على لطفه و رحمته،و استغنائه عن غيره.

7-و هناك نكتة أخرى ذكرها أبو عليّ الدّقّاق؛حيث قارن بين بكاء يعقوب و بكاء داود عليهما السّلام،فقال:«إنّ يعقوب بكى لأجل مخلوق و هو يوسف،فذهب بصره، و داود بكى لأجل اللّه،فبقي بصره».

ص: 284

8-إنّ قوله: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ، كناية عن العمى كما سبق،و قيل:إنّه كناية عن ضعف البصر،فكان يرى قليلا.و فيه أنّه قد جاء في استمرار القصّة ما يكشف عن عمى عينيه و ذهاب بصره مرّتين،و هما: اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً يوسف:93،و فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف:96.و جاء البصير في القرآن مقابلا للأعمى مرّات،منها: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ فاطر:19.

9-هناك بحث في جواز العمى على الأنبياء،لاحظ النّصوص.

10-الفعل«ابيضّت»من باب«الافعلال»،مثل:

احمرّ احمرارا،فهو ملحق بالمضاعف،و لا يختصّ ببياض العين أو بكناية عن العمى،بل جاء بمعنى تلألؤ الوجوه و بشرها فيما يأتي من الآيتين.تلك عشرة كاملة.

الثّانية و الثّالثة:«ابيضّت»و«تبيضّ»في(2)و(3) و فيهما بحوث:

1-الابيضاض فيهما ليس بمعنى البياض-و إن قاله بعضهم-بل هو كناية عن إشراق الوجوه و إسفارها و سرورها و بشرها،و سوادها أيضا كناية عن عبوسها و حزنها و كآبتها،كما قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ* وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ* تَرْهَقُها قَتَرَةٌ عبس:38-41.و قال: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ النّحل:

58،و عليها يحمل قوله: تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الزّمر:60،و هذه كناية شائعة، فيقال للفائز:أبيض الوجه،و للخاسر:أسود الوجه، لاحظ النّصوص.و لا سيّما نصّ فضل اللّه،فقد بيّن العلاقة بين الحالة النّفسيّة من الحزن و السّرور و حالة الوجه بأحسن بيان و أطوله.

و مع ذلك كلّه فنحن لا نرى مانعا من أن يراد بها بياض الوجه و سواده بالمعنى اللّغويّ و الكنائيّ معا،لما جاء في الرّوايات حول أهل الجنّة و أهل النّار،و لا يعدّ ذلك من باب استعمال اللّفظ في أكثر من معنى،لاحظ المدخل:الاصطلاحات البلاغيّة.

2-قدّم اَلَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ على اَلَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ في الصّدر،ثمّ عكس في الذّيل، فأخّر اَلَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ، و قدّم الفريق الآخر،فهل في ذلك سرّ؟

لعلّ السّرّ فيه أنّه تعالى أراد البدء و الختم بأهل النّجاة و السّعداء تفضيلا للرّحمة على العذاب و وصف الرّحيم على الجبّار،فسبقت رحمته غضبه.و قد يكون ذلك تفنّنا في الكلام،أو لنكتة بلاغيّة أخرى،كما في قوله: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ البقرة:

58،و قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً الأعراف:161،إشعارا بعدم الفرق بين التّقديم و التّأخير.

3-قد أوّلت كلّ طائفة هذين الفريقين بنفسها و بمن خالفها،مثل:أهل السّنّة و الجماعة و أهل البدعة و الضّلالة،أو من والى عليّا و من عاداه-كما جاء في حديث طويل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،نقله البحرانيّ(1:308)- أو الأنصار و المهاجرين و بني قريضة و بني النّضير،أو

ص: 285

أهل الكشف و الشّهود و أهل الحجاب و الكلام،إلى غير ذلك ممّا جاء في النّصوص،و الآيات تعمّ أهل الحقّ و الضّلال من كلّ فريق،وجد أو سيوجد إلى يوم القيامة،و كلّ ما ذكروه تأويل ليس غير.

ثالثا:جاء الوصف بثلاث صيغ:

أولاها:(الابيض):مرّة في(4)مع(الاسود)وصفا للخيط و علامة للفجر،ليمسك الصّائم عن الأكل و الشّرب عنده.و الفجر فجران،الأوّل:الفجر الكاذب، لبطلانه بعد مكث قليل؛إذ يخرج في الأفق عمودا،ثمّ يبطل باستبداله ببياض معترض كالخيط الأبيض، فيتميّز عمّا حوله من السّواد،و يشكّلان معا خطّين- لاحظ الطّباطبائيّ-فهذا أوان الصّوم و صلاة الفجر،و قد فهم بعض الصّحابة الآية ببلوغ السّفور إلى حدّ يتميّز فيه الخيط الأبيض عن الخيط الأسود،فبيّنها لهم النّبيّ عليه السّلام.

و قد فسّرها بعض الفقهاء قديما كالأعمش بالنّهار و اللّيل،و لكنّ الإجماع استقرّ على خلافه.

ثانيتها:(بيضاء):جاءت ستّ مرّات:خمسا معجزة لموسى وصفا ليده اليمنى في(5-9)،و مرّة وصفا لكأس يشربها أهل الجنّة في(10).يأخذونها بيدهم اليمنى طبعا، فاليد اليمنى مشتركة بين الموقفين كوصف«بيضاء».

و جاءت نكرة دائما إشعارا بعظمها و شدّة ضوئها، و ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن،و هي فضل اللّه و رحمته في الجميع:ظهر معجزة لموسى في موقف، و رحمة لأهل الجنّة في موقف آخر،فجوهرها واحد و مظاهرها متعدّدة.

أ-أمّا معجزة موسى فقد أمر أن يدخل يده في جيبه، فتخرج بيضاء تضيء للنّاس،و فيه بحوث:

1-قيّدت(بيضاء)في(5)و(6)و(7)بقوله: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، أي ليس بياضها لمرض كالبرص،بل هو نور من اللّه تعالى و آية على صدقه.

2-جاءت«اليد البيضاء»مع جعل العصا ثعبانا آيتين و برهانين لموسى في أربع منها:(5)و(8)و(9) و(10).و جاء هذان من جملة تسع آيات له إلى فرعون و قومه في(6)،و لا تختلفان إلاّ في الاختصاص هاتين الآيتين بفرعون و من عنده من السّحرة،و الآيات السّبع الباقية تعمّ فرعون و قومه.

3-الآيات الثّلاث:(5-7)جاءت تحمل أمر اللّه لموسى بإبراز هاتين الآيتين كتجربة له أمام اللّه، و الآيتان(8)و(9)تحملان الإتيان بهما أمام فرعون كبرهانين،فالآيات طائفتان:تجريبيّة و برهانيّة.

4-اختلف التّعبير في الطّائفة الأولى،ففي(5):

وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ، و في(6): وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، و في(7): اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، فهل فيها نكتة،أو هي صرف تفنّن في الكلام؟

و الجواب:أنّ هذه كلّها ترجمان لما خاطب اللّه موسى بلغته،عبريّة كانت أم قبطيّة.و مهما كانت فلم تكن عربيّة حتّى يسأل خاطبه اللّه بأيّ هذه الألفاظ،و لم بدّلها بألفاظ أخرى؟فإنّه لم يخاطبه بشيء منها،بل بلغة أخرى غيرها.

أمّا سرّ ترجمتها بثلاثة ألفاظ،فإنّها تحكي استيعاب و استعداد تلك اللّغة لنقلها إلى هذه الألفاظ،كما تحكي استيعاب وسعة اللّغة العربيّة عامّة،و كلام اللّه خاصّة

ص: 286

للتّعبير عن معنى واحد بألفاظ متعدّدة،و هذا تفنّن في الكلام،و ربّما يبلغ مرتبة من الإعجاز.

على أنّ هناك فرقا جوهريّا بين الثّلاثة؛إذ كلّ منها يبيّن مرحلة من العمل الّذي كلّف به موسى،فقوله:

وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، يحكي بداية العمل، و الجيب:فتحة القميص أو الجبّة من الصّدر و العنق.

و قوله: اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، يحكي استمرار العمل؛ إذ كلّف بأن يسلك يده في جيبه بعد إدخالها فيه مرورا بصدره إلى جانبه.و قوله: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ، يحكي نهاية العمل،و هو ضمّ اليد و إيصالها بعد المرور على الصّدر و إلصاقها بجناحه.

و الجناح في الأصل:جناح الطّائر،و يطلق مجازا على اليد و العضد و الإبط و الجانب فكلّف موسى أن يضمّ يده اليمنى إلى جانبه الأيسر،فاللّه تعالى كرّر القصّة في القرآن اهتماما بها،و أومأ إلى جميع مراحلها بتعابير عديدة،لذّة للقارئين،و عبرة للمعارضين،و إفحاما للشّاكّين في بلاغة القرآن.

5-أمّا الطّائفة الثّانية-و هي الآيتان(8)و(9) فاتّحدتا تماما: وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ، و النّزع لا يكون إلاّ بعد الضّمّ و الإلصاق المستفاد من الآية(5)،فهو قلع و استئصال للشّيء عمّا لصق به مباشرة،و هذا منتهى العمل.

6-و قد راعى اللّه في بيان هاتين الآيتين-و هما العصا و اليد البيضاء-التّرتيب في جميع الآيات،فقدّم الأولى على الثّانية عند تكليف موسى و عند إتيانه بها على السّواء.و لعلّ السّرّ فيه أنّ في قلب العصا ثعبانا هيبة و إخافة للنّاظرين،فيبعثهم على التّسليم،و لينظروا إلى آية اليد البيضاء خاضعين لها،و هذا هو سرّ تعدّدهما، فلم يكتف بإحداهما.

7-جاء في الثّلاث الأولى قوله: تَخْرُجْ بَيْضاءَ، فنسب خروجها بيضاء إلى اليد لا إلى موسى،و كذلك في الأخيرتين: وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ، نسب نزع اليد إلى موسى،و البيضاء إلى اليد نفسها، تركيزا لأنّها فعل اللّه لا فعل موسى كسائر المعجزات.

و هكذا الأمر في آية العصا؛حيث جعل إلقاءها فعل موسى،و قلبها حيّة ثعبانا من تلقاء نفسها،أي من اللّه:

فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:20، فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ الأعراف:107.

و ما يجلي الرّيب في كونها فعل اللّه هو خوف موسى:

وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ القصص:30،لاحظ«موسى»و«ع ص و».

ب- بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ: هذان وصفان تليا بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، و قد اختلفوا اختلافا فاحشا في أنّ (بيضاء)أ هي وصف ل(كاس)لأنّها مؤنّث،أم«للخمر» المستفاد من السّياق،و هي مؤنّث أيضا؟

و لقائل أن يقول:(بيضاء)وصف ل(كاس)، و(لذّة)،وصف ل(معين)،و هذا الوجه و إن كان بعيدا إلاّ أنّه أقرب إلى الصّواب من قولهم.

و نحن نفضّل أن تكون(بيضاء)وصفا ل(كاس)، و(لذّة)تعليل لشرب ما في الكأس،و حسبك النّظر في نظائرها:

ص: 287

إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً الدّهر:5

وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً

الدّهر:17

وَ كَأْساً دِهاقاً* لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً

النّبأ:34،35

يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ

الطّور:23

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ* لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ

الصّافّات:45-47

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ* لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يُنْزِفُونَ

الواقعة:17-19

و أنت ترى أنّ الضّمير في الآيات يرجع إلى(كاس)، و ما بعدها من الأوصاف وصف لما في الكأس من الشّراب سياقا واحدا.و معلوم أنّ لون الكأس هو لون الشّراب،و يتغيّر بتغيّره،و لعلّه السّبب في إبهام الضّمائر و تردّدها بينهما،بل تحمّلها للرّجوع إليهما معا، فالأوصاف في الآيات أوصاف للخمر أوّلا،و للكأس ثانيا،و لا سيّما وصف اللّون؛حيث أنّه للخمر بالذّات و يسري منها إلى الكأس فيتلوّن بلونها،و إلى هذه النّكتة أشار الشّاعر بلسان صوفيّ عرفانيّ يرمز إلى وحدة الوجود،حيث قال:

رقّ الزّجاج و رقّت الخمر

فتشابها فاشتبه الأمر

فكأنّها خمر و لا قدح

و كأنّها قدح و لا خمر

و الخمر عند العرفاء هي العشق باللّه،و ينبغي لهم أن يؤولوها هاهنا بذلك،لأنّهم لا يسكرون إلاّ بشراب العشق و العرفان،دون الخمر و ما في الكأس.

و اختيار لون البياض للكأس دون سائر الألوان، لأنّ البياض في الحقيقة ليس لونا،فيجتمع مع كلّ لون و يتلوّن بها.لاحظ«ك ء س».

ثالثتها:«بيض»:في(11)جمع«أبيض»،وصف ل«جدد»،أي طرق و خطوط،ألوانها مختلفة،فمنها بيض،و منها حمر،و هي كالعروق في بطن الجبل، و الجدد،جمع جدّة،و هي الطّريقة الّتي يخالف لونها ما يليها،سواء كانت في الجبل أم في غيره،و منها الخطّة في ظهر الحمار تخالف لونه.

و هاهنا بحوث:

1-قال البروسويّ(7:342):«و لمّا لم يصحّ الحكم على نفس الجدد بأنّها من الجبال،احتيج إلى تقدير المضاف في المبتدإ،أي و من الجبال ما هو ذو جدد،أي خطط و طرائق متلوّنة،يخالف لونها لون الجبل،فيؤول المعنى إلى أنّ من الجبال ما هو مختلف ألوانه...».

2-هذه الآية منفردة بذكر البياض و السّواد و الحمرة:ثلاثة ألوان معا وصفا للجبال،أمّا الآيات(2) و(3)و(4)ففيها السّواد و البياض فقط،و هذان هما اللّونان المتضادّان تماما و المتقابلان في المحاورات،و قد

ص: 288

يعبّر بهما عن كلّ الألوان،لأنّهما طرفاها و الباقي متوسّط بينهما،و مزيج منهما بتقادير محدودة و نسب معيّنة.

و يقول المثل الفارسيّ:«از سفيدى نمك تا سياهى زغال»:«يعني من بياض الملح إلى سواد الفحم»،أي من كلّ لون من الألوان،و من كلّ شيء.

3- غَرابِيبُ سُودٌ، أي شديدة السّواد،فإنّها جمع«غربيب»كعفريت،يقال:أسود غربيب،أي شديد السّواد،يشبه لونه لون الغراب.و هذا إمّا عطف على(بيض)،فالمعنى أنّ الجبال ذات جدد بيض و حمر و سود،فهو داخل في مختلف ألوانها.أو عطف على (جدد)،فلا يكون داخلا في تفاصيل(جدد)،بل يكون قسيمها،كأنّه قيل:و من الجبال مخطّط ذو جدد بيض و حمر و ما بينهما من الألوان،و منها ما هو على لون واحد شديد السّواد،فيكون وصفا للجبال نفسها لا للجدد الواقعة فيها،و هذا بعيد كما يأتي.

4-ما هو السّرّ في توسّط «مُخْتَلِفاً أَلْوانُها» بين (البيض و الحمر)و بين «غَرابِيبُ سُودٌ» ،مع أنّ سوق الكلام يقتضي تقديمه على الجميع أو تأخيره عنها؟ كقوله: ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها، في صدر الآية و مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ في آية بعدها؟

و الجواب:بناء على كون (غَرابِيبُ سُودٌ) عطفا على (بيض)،فيشملها (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) ،و الوجه في تأخيرها رعاية الرّويّ مهما أمكن،فالرّويّ في آيات قبلها (النّور)،(الحرور)،(القبور)،(نذير)،(المنير)،(نكير)، و بعدها(غفور)،(تبور)،(شكور)،(بصير)...و مثله كثير في القرآن.

أمّا بناء على عطفها على(جدد)فيفيد أنّ السّواد لون واحد،و البياض و الحمار فلهما مراتب،فتتشعّب منهما ألوان مختلفة،و لكنّه بعيد؛إذ(غرابيب سود)نفسها تشعر باختلاف مراتب السّواد،فالأوّل أقرب.

5-إنّ اللّه تعالى ركّز في هذه الآيات اختلاف ألوان الجبال و الثّمرات و النّاس و الذّوات و الأنعام،كما ركّز اختلاف ألسنة النّاس و ألوانهم في(الرّوم:23)، و اختلاف ألوان الشّراب الّذي يخرج من بطون النّحل في (النّحل:13)،و اختلاف ألوان ما يخرج من الأرض في (الزّمر:21)،و(النّحل:13)،برهانا على عظم قدرة اللّه،لأنّ اختلافها مع وحدة طبيعتها يحكي نفوذ إرادة اللّه فيها.أو هو تركيز لأسرارها الخفيّة الّتي لمّا تنكشف للنّاس،لاحظ آيات اختلاف اللّيل و النّهار و اختلاف الألسنة و نحوها.و يصرّح بذلك قوله: صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ الرّعد:4،لاحظ«خ ل ف».

رابعا:جاء الاسم«بيض»مرّة في(12)،و هو جمع مفرده«بيضة»،أو اسم جنس واحده«بيضة»،و فيه بحوث:

1-اختلف الأقوال في المراد به و في وجه الشّبه، و مهما كان فلا بدّ من مناسبته لما قبله في هذه الآية و الآيات قبلها،فهي وصف لما عند عباد اللّه المخلصين في جنّات النّعيم من رغد العيش و خصب الحياة.و منها:أنّ عندهم أزواجا آنسات(قاصرات الطّرف)،و هي كناية إمّا عن عفّتهنّ،فإنّهنّ يقصرن طرفهنّ على أزواجهنّ، و لا ينظرن إلى غيرهم.أو عن نجابتهنّ و حيائهنّ، فلا يفتحن أعينهنّ دلالا و غنجا و فتنة،بل يغضضنها

ص: 289

حياء و خجلا.و«عين»:جمع عيناء،أي واسعات العيون،أو أعينهنّ شديدة البياض و السّواد.

ثمّ قال: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، و هذا وصف آخر لهنّ منفصل عن(قاصرات الطّرف)،فلا علاقة له بعيونهنّ،بل هو وصف لأبدانهنّ،فينبغي تفسير هذا الوصف التّالي في هذا الإطار.

2-قيل:إنّه وصف للطافة أبدانهنّ و رقّتها،تشبيها برقّة غشاء البيضة الدّاخليّ الّذي يلي القشر،و هو «الغرقئ»،أو بطن البيضة،أو تشبيه لونها بلون ذلك الغشاء،أو تشبيههنّ في بكارتهنّ بها،لأنّه لم تمسّها الأيدي قبل كسر البيضة.و اختاره الطّبرسيّ،و أيّده بأنّه هو المكنون،فأمّا القشر فيمسّه الطّائر،كما أنّ الأيدي تباشرها و العشّ يحويها.

3-و قيل:تشبيه أبدانها في لونها بلون بيض النّعام، فهي بيضاء تشوبها صفرة،و هو أحسن الألوان عند العرب،فإنّ العرب تشبّه النّساء ببيض النّعام.و وصفت ب«المكنون»لأنّها تكنّها عن الغبار و الرّيح و الشّمس بريشها،أو مصونة عن الكسر،كناية عن كونهنّ عذارى.

4-و قيل:تشبيههنّ بجملة البيض لا في لونها،بل في تناسب أجزاء بدنها بعضه ببعض من الشّعر و العين و الثّدي و السّنّ و غيرها كالبيضة،لأنّك تراها حيث جئتها شكلا واحدا،متناسق الأطراف.

و ينبغي أن يقال في(مكنون):إنّه مصون من النّقص، فإنّهنّ مستويات الجسم تماما،و يبدو أنّه أبعد الوجوه.

5-و هذه الأقوال كلّها مبنيّة على أنّ«البيض»في الآية بيض الطّائر،سواء أريد ظاهرها أم باطنها،و أيّا كان وجه الشّبه،و قد روت ذلك أمّ سلمة عن النّبيّ عليه السّلام.

و قالوا في قبالة هذه الأقوال:إنّها اللّؤلؤ المكنون في صدفه لصفائه،و أنّ الأيدي لم تمسّها،و هذا مرويّ عن ابن عبّاس،و في رواية أخرى عنه:الجوهر المكنون.و نحن نرجّح هذا الوجه،لأنّ له شاهدا في القرآن،وصفا للغلمان و للحور العين:

1- وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ الطّور:24

2- وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ

الواقعة:22،23

ففي(2)وصفهنّ،بصفاء أبدانهنّ و تلألؤها و هنّ باكرات.

6-البيض جمع،فلم وصف ب«مكنون»و هو مفرد؟ و الجواب عنه بوجوه:

الأوّل:أنّه اسم جنس عند بعضهم،و هو مفرد في حكم الجمع.

الثّاني:أنّه لوحظ فيه لفظ«بيض»دون معناه،قاله الميبديّ،و هو بعيد.

الثّالث:-و هو الأقرب-أنّه مهما كان مفردا أو جمعا لوحظ فيه الرّويّ،فقبلها«مجنون»،«معلوم»،«ينزفون»، «خلال»،«المرسلين»،«الأليم»،المخلصين»،«النّعيم»، «معين».و بعدها«يتساءلون»،«مدينون»،«مطّلعون»، «خلال»،«قرين»،«المصدّقين»،«الجحيم»،و نحوها.

فالرّويّ في هذه السّورة«نون»و«ميم»مع الواو و الياء، فلاحظها،و لاحظ«ك ن ن».

ص: 290

ب ي ع

اشارة

10 ألفاظ،15 مرّة:1 مكّيّة،14 مدنيّة

في 8 سور:1 مكّيّة،7 مدنيّة

بيع 3:1-2 يبايعون 1:-1

البيع 3:-3 يبايعونك 2:-2

ببيعكم 1:-1 يبايعنك 1:-1

فبايعهنّ 1:-1 تبايعتم 1:-1

بايعتم 1:-1 بيع 1:-1

النّصوص اللّغويّة

المفضّل الضّبّيّ: يقال:«باع فلان على بيع فلان»و هو مثل قديم تضربه العرب للرّجل يخاصم صاحبه،و هو يريغ أن يغالبه.فإذا ظفر بما حاوله،قيل:

باع فلان على بيع فلان،و مثله:شقّ فلان غبار فلان.

(الأزهريّ 3:236)

الخليل :العرب تقول:بعت الشّيء،بمعنى اشتريته،و لا تبع بمعنى لا تشتر.و بعته فابتاع،أي اشترى.

و البياعات:الأشياء الّتي يتبايع بها للتّجارة.

و الابتياع:الاشتراء.

و البيعة:الصّفقة على إيجاب البيع،و على المبايعة و الطّاعة،و قد تبايعوا على كذا.

و البيع:اسم يقع على المبيع،و الجميع:البيوع.

و البيّعان:البائع و المشتري.

و البيعة:كنيسة النّصارى،و جمعها:بيع،قال اللّه عزّ و جلّ: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ الحجّ:40.(2:265)

أبو عبيدة :يقال:بعت الشّيء:إذا بعته من غيرك، و بعته،إذا اشتريته.

مثله أبو زيد.(الأضداد:29)

الزّجّاج :و باع الرّجل الفرس و أباعه،بمعنى واحد.

(فعلت و أفعلت:4)

أبو زيد :يقال:الإماء قد بعن،أشمّوا الباء شيئا من

ص: 291

الرّفع،و كذلك الخيل قد قدن،و النّساء قد عدن من مرضهنّ،أشمّوا هذا كلّه شيئا من رفع.و قد قيل ذلك، و بعضهم يقول:قول.(الأزهريّ 3:240)

الأصمعيّ: و البيّع:المشتري و البائع.

(الأضداد:51)

أبو عبيد: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يخطب الرّجل على خطبة أخيه،و لا يبيع على بيعه»أحسبه قال:إلاّ بإذنه.

كان أبو عبيدة و أبو زيد و غيرهما من أهل العلم يقولون:إنّما النّهي في قوله:«لا يبيع على بيع أخيه»إنّما هو لا يشتر على شراء أخيه،فإنّما وقع النّهي على المشتري لا على البائع،لأنّ العرب تقول:بعت الشّيء، بمعنى اشتريته.

و ليس للحديث عندي وجه هذا،لأنّ البائع لا يكاد يدخل على البائع،و هذا في معاملة النّاس قليل.و إنّما المعروف أن يعطى الرّجل بسلعته شيئا فيجيء آخر فيزيد عليه.و ممّا يبيّن ذلك ما تكلّم النّاس فيه من بيع من يزيد حتّى خافوا كراهته.كانوا يتبايعون به في مغازيهم فقد علم أنّه في بيع من يزيد،إنّما يدخل المشترون بعضهم على بعض.فهذا يبيّن لك أنّهم طلبوا الرّخصة فيه،لأنّ الأصل إنّما هو على المشترين.

و في الحديث:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم باع قدح رجل و حلسه فيمن يزيد»فإنّما المعنى هاهنا أيضا المشترين.

و مثله«أنّه نهى عن الخطبة كما نهى عن البيع»فقد علمنا أنّ الخاطب إنّما هو طالب بمنزلة المشتري،فإنّما وقع النّهي على الطّالبين دون المطلوب إليهم.

و قد جاء في أشعار العرب أن قالوا للمشتري:بائع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بلغني عن مالك بن أنس أنّه قال:«إنّه نهى أن يخطب الرّجل على خطبة أخيه إذا كان كلّ واحد من الفريقين قد رضي من صاحبه و ركن إليه».فأمّا قبل الرّضى فلا بأس أن يخطبها من شاء.(1:210)

البيع:من حروف الأضداد في كلام العرب،يقال:

باع فلان،إذا اشترى،و باع من غيره.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:237)

ابن السّكّيت :و قد أبعت الشّيء،إذا عرضته للبيع،و قد بعته أنا من غيري.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 3:241)

أبو حاتم: يقال:بعت الشّيء و أخذت ثمنه،أي أخرجته من يدي.و بعض العرب يقول:بعت الشّيء، أي اشتريته.(الأضداد:106)

ابن أبي اليمان :التّبايع:تبايع القوم في الأسواق.

(537)

المبرّد: و بايعته يدا بيد،أي نقدا.(1:167)

ابن دريد :البيع:مصدر باع يبيع بيعا،و البيع أيضا:الشّرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و البيعة،و الجمع بيع:بيت للنّصارى،يجتمعون فيه.

(1:317)

سألت أبا حاتم عن باع و أباع،فقال:سألت الأصمعيّ عن هذا فقال:لا يقال:أباع.فقلت قول الشّاعر الأجدع بن مالك الهمدانيّ:

و رضيت آلاء الكميت فمن يبع

فرسا فليس جوادنا بمباع

ص: 292

فقال:أي غير معرّض للبيع.قال الأصمعيّ:aلعلّها لغة لهم،يعني أهل اليمن.

و قد سمعت جماعة من جرم (1)فصحاء يقولون:

أبعت الشّيء فعلمت أنّها لغة لهم.(3:436)

و باع لها:اشترى لها.(3:502)

الهمذانيّ: يقال:شريت الشّيء:بعته،و شريته:

اشتريته،و هو من الأضداد.(279)

الأزهريّ: يقال:باع فلان على بيعك،أي قام مقامك في المنزلة و الرّفعة.

و يقال:ما باع على بيعك أحد،أي لم يساوك أحد.

[إلى أن قال:]

و روي أنّ النّبيّ أنّه قال:«البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا».البيّعان هما البائع و المشتري،و كلّ واحد منهما بيّع و بائع.و رواه بعضهم:«المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا».

و أخبرني عبد الملك عن الرّبيع عن الشّافعيّ أنّه قال في قوله:«و لا يبيع الرّجل على بيع أخيه»:هو أن يشتري الرّجل من الرّجل سلعة و لمّا يتفرّقا عن مقامهما.

فنهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يعرض رجل آخر سلعة أخرى على المشتري تشبه السّلعة الّتي اشترى و يبيعها منه.

لأنّه لعلّه أن يردّ السّلعة الّتي اشترى أوّلا،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرّقا، فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الأوّل بيعه.ثمّ لعلّ البائع الآخر يختار نقض البيع،فيفسد على البائع و المبتاع بيعه.[ثمّ ذكر كلام الشّافعيّ في معنى الحديث إلى أن قال:]

و قال بعض أهل العربيّة:يقال:إنّ رباع بني فلان قد بعن من«البيع»و قد بعن من«البوع»فضمّ الباء في «البيع»،و كسروها في«البوع»للفرق بين الفاعل و المفعول،أ لا ترى أنّك تقول:رأيت إماء بعن متاعا إذا كنّ بائعات،ثمّ تقول:رأيت إماء بعن إذا كنّ مبيعات.

فإنّما يتبيّن الفاعل من الفاعل (2)باختلاف الحركات،و كذلك من البوع.

قلت:و من العرب من يجري ذوات الياء على الكسر و ذوات الواو على الضّمّ،سمعت العرب تقول:

صفنا.بمكان كذا و كذا،أي أقمنا به في الصّيف.وصفنا أيضا،إذا أصابنا مطر الصّيف؛فلم يفرّقوا بين فعل الفاعلين و المفعولين.

و قال الأصمعيّ: قال أبو عمرو ابن العلاء:سمعت ذا الرّمّة يقول:ما رأيت أفصح من أمة آل فلان!قلت لها كيف كان المطر عندكم؟فقالت:غثنا ما شئنا؛رواه هكذا بالكسر.(3:236)

الصّاحب: بعته:في معنى بعته و اشتريته جميعا، فانباع،أي نفق و ابتاع،أي اشترى.

و البيع:مثل البوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبعته:عرضته للبيع،و أمسكته للتّجارة.

و البياعات:الأشياء الّتي لا يتبايع بها إلاّ للتّجارة.

و البيعة:الصّفقة لإيجاب البيع،و الطّاعة،و يقال:

تبايعوا على الأمر.

و البيع:المبيع،و الجميع:البيوع.).

ص: 293


1- بطن من طيّئ.(القاموس المحيط)
2- الصّحيح:من المفعول،كما ذكره اللّسان(8:20).

و امرأة بائع:نافقة لجمالها.

و باعه من السّلطان:سعى به إليه.(2:177)

الخطّابيّ: عن جابر:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم اشترى من أعرابيّ حمل خبط،فلمّا وجب البيع قال له:اختر،فقال له الأعرابيّ:عمّرك اللّه بيّعا».و قد كان صلّى اللّه عليه و سلّم مبتاعا، فسمّاه الأعرابيّ،بيّعا،و من هذا قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا»يريد البائع و المشتري.

و في خبر الأعرابيّ حجّة لمن رأى أنّ التّفرّق القاطع للخيار إنّما هو التّفرّق بالأبدان.(2:207)

ابن جنّيّ: نبايع:موضع[ثمّ شرح شرحا طويلا كلمة«نبايع»الّتي وردت في بيت أبي ذؤيب] (1)

(ابن سيده 2:263)

الجوهريّ: بعت الشّيء:شريته،أبيعه بيعا، و مبيعا و هو شاذّ،و قياسه مباعا.و بعته أيضا:اشتريته، و هو من الأضداد.[ثمّ استشهد بشعر،ثمّ نقل حديث «لا يخطب الرّجل على خطبة أخيه»و أضاف:]

و الشّيء مبيع و مبيوع،مثل مخيط و مخيوط،على النّقص و التّمام.

قال الخليل :الّذي حذف من«مبيع»واو مفعول لأنّها زائدة،و هي أولى بالحذف.

و قال الأخفش: المحذوفة عين الفعل،لأنّهم لمّا سكّنوا الياء ألقوا حركتها على الحرف الّذي قبلها فانضمّت،ثمّ أبدلوا من الضّمّة كسرة للياء الّتي بعدها،ثمّ حذفت الياء و انقلبت الواو ياء،كما انقلبت واو«ميزان» للكسرة.

و أبعت الشّيء:عرضته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الابتياع:الاشتراء،تقول:بيع الشّيء،على ما لم يسمّ فاعله،إن شئت كسرت الباء و إن شئت ضممتها.و منهم من يقلب الياء واوا،فيقول:بوع الشّيء،و كذلك القول في كيل،و قيل،و أشباههما.

و بايعته:من البيع،و البيعة جميعا،و التّبايع مثله.

و استبعته الشّيء،أي سألته أن يبيعه منّي.

و البيعة بالكسر:للنّصارى.

و يقال أيضا:إنّه لحسن البيعة،من«البيع»مثل الرّكبة و الجلسة.(3:1189)

ابن فارس :الباء و الياء و العين أصل واحد،و هو بيع الشّيء،و ربّما سمّي الشّرى بيعا،و المعنى واحد.[ثمّ قال نحوا ممّا تقدّم](1:327)

الهرويّ: و في حديث ابن عمر:«أنّه كان يغدو فلا يمرّ بسقّاط و لا صاحب بيعة إلاّ سلّم عليه».البيعة:من البيع،كالرّكبة و الشّربة و القعدة،و السّقّاط:بيّاع السّقط (2).(1:232)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 2:188)

ابن سيده :البيع:ضدّ الشّراء،و البيع:الشّراء أيضا.و قد باعه الشّيء و باعه منه بيعا فيهما.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابتاع الشّيء:اشتراه،و أباعه:عرضه للبيع.[ثمّ استشهد بشعر]

و بايعه مبايعة و بياعا:عارضه للبيع.[ثمّ استشهدء.

ص: 294


1- فكأنّها بالجزع جزع نبايع و ألات ذي العرجاء نهب مجمع
2- المتاع الرّديء.

بشعر]

و البيّعان:البائع و المشتري،و جمعه:باعة عند كراع،و نظيره عيّل و عالة و سيّد و سادة.و عندي أنّ ذلك كلّه إنّما هو جمع«فاعل»،فأمّا«فيعل»فجمعه بالواو و النّون.

و البيع:اسم المبيع،و الجمع:بيوع.

و البياعات:الأشياء المبتاعة للتّجارة.

و رجل بيوع:جيّد البيع،و بيّاع:كثيره،و بيّع كبيوع،و الجمع:بيّعون و لا يكسّر.و الأنثى بيّعة، و الجمع:بيّعات و لا يكسّر،حكاه سيبويه.

و بايعه عليه مبايعة:عاهده.

و البيعة:كنيسة النّصارى،و قيل:كنيسة اليهود.

(2:262)

البيع:ضدّ الشّراء،و قيل:هما سواء،يستعمل كلّ منهما في معنى الآخر،باع الشّيء و باعه منه و له،يبيعه بيعا و مبيعا.

و ابتاعه:أعطاه إيّاه بثمن.

و باع عليه القاضي،أي من غير رضاه.

و أباع الشّيء:عرّضه للبيع.

و استبا عني الشّيء:سألني أن أبيعه إيّاه.و جمع البيع:بيوع.

و رجل بيوع و بيّاع:مبالغة من البيع.

و البياعات:الأشياء الّتي تباع للتّجارة.

و البيّعان:البائع و المشتري،و لكن إذا أطلق البائع كان المقصود باذل (1)السّلعة.

و ابتاع الشّيء:اشتراه.(الإفصاح 2:1199)

الطّوسيّ: البيع هو استبدال المتاع بالثّمن،تقول:

باع يبيع بيعا،و ابتاع ابتياعا،و استباع استباعة،و بايعه مبايعة،و تبايعوا تبايعا.

و البيع:نقيض الشّراء،و البيع أيضا:الشّراء،لأنّه تارة عقد على الاستبدال بالثّمن،و تارة على الاستبدال بالمتاع.(2:305)

نحوه الطّبرسيّ.(1:395)

الرّاغب: البيع:إعطاء المثمن و أخذ الثّمن، و الشّراء:إعطاء الثّمن و أخذ المثمن،و يقال للبيع:

الشّراء،و للشّراء:البيع؛و ذلك بحسب ما يتصوّر من الثّمن و المثمن.[إلى أن قال:]

و المبايعة و المشارة تقالان فيهما.[ثمّ ذكر آيات]

و بايع السّلطان،إذا تضمّن بذل الطّاعة له.بما رضخ له،و يقال لذلك:بيعة و مبايعة.(67)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:28)

الزّمخشريّ: «اشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»[الحديث كما تقدّم عن الخطّابيّ]

البيّع«فيعل»من باع،بمعنى اشترى،كليّن من لان، و انتصابه على التّمييز.(الفائق 1:348)

باعه،و باع منه.و باع عليه القاضي ضيعته«و لا بيع أحدكم على بيع أخيه».

و هذا المتاع لا يبتاع،و نعم المتاع و بئس المبتاع، و استباعه عبده،و«البيّعان بالخيار»أي البائع و المشتري.و.

ص: 295


1- كذا عند الفيّوميّ و هو الصّحيح،و في الأصل(بازل)،و هو سهو.

و لفلان بيوع و بياعات كثيرة،أي سلع.و ما أرخص هذا البيع،و هذه البياعة:يريد السّلعة.

و بايعت فلانا و شاريته و تبايعنا،و بايعه على الطّاعة و تبايعوا عليها.و هذه بيعة مربحة.و أتيناه للبياع و المبايعة.و البيعة.و هو من أهل البيعة،أي نصراني.

و من المجاز:باع فلان على بيعك و حلّ بواديك،أي قام مقامك.و ما باع على بيعك أحد،أي لم يساوك في المنزلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارية بائع:نافقة،كأنّها تبيع نفسها.[ثمّ استشهد بشعر]

و باعه من السّلطان:وشى به.[ثمّ استشهد بشعر]

و باع بآخرته:استبدلها.(أساس البلاغة:35)

الجواليقيّ: و البيعة و الكنيسة جعلهما بعض العلماء فارسيّين معرّبين.(129)

المدينيّ: في الحديث:«نهى عن بيعتين في بيعة» و يفسّر على وجهين:

أحدهما:أن يقول:بعتك هذا الثّوب نقدا بعشرة، و نسيئة بخمسة عشر.

فهذا لا يجوز،لأنّه لا يدرى أيّهما الثّمن الّذي يختاره و يقع به العقد،و إذا جهل الثّمن بطل العقد.

و الثّاني:أن يقول:بعتك هذا بعشرين على أن تبيعني عبدك بعشرة.

و هذا أيضا فاسد،لأنّه جعل ثمن العقد عشرين، و شرط عليه أن يبيعه عبدا،و ذلك لا يلزمه.و إذا لم يلزمه سقط بعض الثّمن،و إذا سقط البعض صار الباقي مجهولا.[ثمّ ذكر حديث«لا يبيع أحدكم على بيع أخيه»نحو ما تقدّم عن الأزهريّ](1:207)

ابن الأثير :و في حديث المزارعة:«نهى عن بيع الأرض»أي كرائها.و في حديث آخر:«لا تبيعوها»أي لا تكروها.

و في الحديث:«أنّه قال:أ لا تبايعوني على الإسلام» هو عبارة عن المعاقدة عليه و المعاهدة،كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه و أعطاه خالصة نفسه و طاعته و دخيلة أمره،و قد تكرّر ذكرها في الحديث.

(1:174)

الصّغانيّ: امرأة بائع:نافقة لجمالها.و باعه من السّلطان:سعى به إليه.و جمع البيّع:بيعاء،و أبيعاء، و باعة.(4:221)

الفيّوميّ: باعه يبيعه بيعا و مبيعا،فهو بائع و بيّع.

و أباعه بالألف لغة،قاله ابن القطّاع.

و البيع:من الأضداد مثل الشّراء،و يطلق على كلّ واحد من المتعاقدين أنّه بائع.و لكن إذا أطلق«البائع» فالمتبادر إلى الذّهن باذل السّلعة.

و يطلق البيع على«المبيع»،فيقال:بيع جيّد، و يجمع على:بيوع.

و بعت زيدا الدّار،يتعدّى إلى مفعولين،و كثر الاقتصار على الثّاني،لأنّه المقصود بالإسناد،و لهذا تتمّ به الفائدة،نحو:بعت الدّار.و يجوز الاقتصار على الأوّل عند عدم اللّبس،نحو:بعت الأمير،لأنّ الأمير لا يكون مملوكا يباع.

و قد تدخل«من»على المفعول الأوّل على وجه التّوكيد،فيقال:بعت من زيد الدّار،كما يقال:كتمته

ص: 296

الحديث،و كتمت منه الحديث،و سرقت زيدا المال و سرقت منه المال.

و ربّما دخلت«اللاّم»مكان«من»يقال:بعتك الشّيء و بعته لك،فاللاّم زائدة،زيادتها في قوله تعالى:

وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الحجّ:26،و الأصل:

بوّأنا إبراهيم.

و ابتاعها زيد الدّار،بمعنى اشتراها،و ابتاعها لغيره:

اشتراها له.

باع عليه القاضي،أي من غير رضاه،و في الحديث:

«لا يخطب الرّجل على خطبة أخيه و لا يبع على بيع أخيه»أي لا يشتر لأنّ النّهي في هذا الحديث إنّما هو على المشتري لا على البائع،بدليل رواية البخاريّ«لا يبتاع الرّجل على بيع أخيه».و يؤيّده،«يحرم سوم الرّجل على سوم أخيه».

و المبتاع:مبيع على النّقص و مبيوع على التّمام، مثل مخيط و مخيوط.

و الأصل في البيع:مبادلة مال بمال،لقولهم:بيع رابح و بيع خاسر؛و ذلك حقيقة في وصف الأعيان،لكنّه أطلق على«العقد»مجازا،لأنّه سبب التّمليك و التّملّك.

و قولهم:صحّ البيع أو بطل و نحوه،أي صيغة البيع، لكن لمّا حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و هو مذكّر أسند الفعل إليه بلفظ التّذكير.

و البيعة:الصّفقة على إيجاب البيع،و جمعها:بيعات بالسّكون،و تحرّك في لغة هذيل،كما تقدّم في بيضة و بيضات.

و تطلق أيضا على المبايعة و الطّاعة،و منه:«أيمان البيعة»و هي الّتي رتّبها الحجّاج مشتملة على أمور مغلّظة،من طلاق و عتق و صوم و نحو ذلك.

و البيعة بالكسر للنّصارى،و الجمع:بيع،مثل سدرة و سدر.(1:69)

الفيروزآباديّ: باعه يبيعه بيعا و مبيعا،و القياس مباعا،إذا باعه و إذا اشتراه ضدّ،و هو مبيع و مبيوع.

و باعه من السّلطان،إذا سعى به إليه،و هو بائع، جمعه:باعة.

و البياعة بالكسر:السّلعة،جمعه:بياعات.و كسيّد:

البائع و المشتري و المساوم،جمعه:بيعاء كعنباء،و أبيعاء.

و باع على بيعه:قام مقامه في المنزلة و الرّفعة و ظفر به.

و امرأة بائع:نافقة لجمالها.

و بيع الشّيء،و قد تضمّ باؤه،فيقال:بوع.

و البيعة بالكسر:متعبّد النّصارى،جمعه كعنب.

و هيئة البيع كالجلسة.

و أبعته:عرضته للبيع،و ابتاعه:اشتراه،و التّبايع:

المبايعة،و استباعه:سأله أن يبيعه منه،و انباع:نفق.

(3:8)

الطّريحيّ: في الحديث:«البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»يريد بهما للبائع و المشتري،فإنّه يقال لكلّ منهما:بيّع و بائع،و المراد بالتّفرّق ما كان بالأبدان كما ذهب إليه معظم الفقهاء،و قيل:إنّه بالأقوال،و ليس بالمعتمد.

و فيه:«نهى عن بيع و سلف»و«نهى عن بيعين في

ص: 297

بيع».قيل:كأنّ ذلك للخوف من الدّخول في الرّبا،كما دلّ عليه قوله في الخبر:«صفقتان في صفقة ربا»أي بيعان في بيع.

و الابتياع:الاشتراء،و منه قوله عليه السّلام:«إذا أراد أن يخرج يبتاع بدرهم تمرا فيتصدّق به».

و البيع:الإيجاب و القبول،و هو باعتبار النّقد و النّسيئة في الثّمن و المثمن أربع،و تفصيله في محلّه.

و في حديث عليّ عليه السّلام في عمرو بن العاص و معاوية:

«و لم يبايع حتّى شرط يؤتيه على البيعة ثمنا فلا ظفرت يد البائع،و خزيت أمانة المبتاع».

و القصّة في ذلك-على ما ذكره بعض الشّارحين-هو أنّ عمرو بن العاص لم يبايع معاوية إلاّ بالثّمن،و الثّمن الّذي اشترطه عمرو على معاوية في بيعته إيّاه و متابعته على حرب عليّ عليه السّلام طعمة مصر،و لم يبايعه حتّى كتب له كتابا.و المبتاع معاوية،و البائع لدينه عمرو بن العاص.[ثمّ استشهد بشعر](4:304)

مجمع اللّغة :البيع:مبادلة مال بمال،فيقال:باعه يبيعه بيعا،من باب«ضرب».

و تأتي منه«المفاعلة»فيقال:تابعته أبايعه،و قد تبايعنا.

و يستعمل ذلك أيضا في المعاهدة،لما فيها من مبادلة الحقوق.

و جاءت«المبايعة»في القرآن مرادا بها المبادلات غير الماليّة،أي المعاهدات.

و جاء«تبايع»بمعنى المبادلة الماليّة.

و البيعة بالكسرة:كنيسة النّصارى،و الجمع:بيع، كسدرة و سدر.(1:139)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:84)

العدنانيّ: باع الشّيء،باع فلانا الشّيء،باع الشّيء من فلان،باع الشّيء لفلان.

و يقولون:باع الشّيء،و باعه الشّيء،و يخطّئون من يقول:باع الشّيء منه،و باع الشّيء له.

فجملتا:باع الشّيء،و باعه الشّيء صحيحتان،كما تقول المعجمات،و جملتا:باع الشّيء من فلان،و باع الشّيء لفلان،صحيحتان أيضا.

باع الشّيء من فلان.

جاء في«النّهاية»:و في الحديث:«كان لرجل ناقة نجيبة،فمرضت،فباعها من رجل،و اشترط ثنياها».

أراد قوائمها و رأسها.

و ذكر جملة باعه من فلان أيضا،كلّ من المغرب، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

باع الشّيء لفلان:المصباح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط.

و ذكر المصباح أنّ(اللاّم)هنا زائدة.

باع:«ابتاع،اشترى»

و يخطّئون من يقول:باع فلان القصر الّذي أعجبه، أي اشتراه.و يقولون:إنّ الصّواب هو إمّا:ابتاعه أو اشتراه،لأنّ هذا هو المعنى المألوف لدينا.و يتبادر إلى أذهاننا،حين نقول:«باعه الشّيء»أنّه أعطاه إيّاه بثمن.

و لكن:

1-جاء في الحديث:«لا يخطب الرّجل على خطبة

ص: 298

أخيه،و لا يبع على بيع أخيه»أي عليه أن لا يشتري على شراء أخيه.

2-و قال ابن قتيبة في باب«تسمية المتضادّين باسم واحد»في كتابه«أدب الكاتب»:بعت الشّيء؛بعته و اشتريته.

3-و حذا حذوه ابن الأنباريّ في كتابه«الأضداد»، فقال:«بعت»من الأضداد،يقال:بعت الشّيء،على المعنى المعروف عند النّاس،و بعت الشّيء،إذا ابتعته.

[إلى أن قال:]

و قال الفرّاء:«سمعت أعرابيّا يقول:بع لي تمرا بدرهم،يريد:اشتر لي تمرا».[ثمّ استشهد بشعر]

4-و أيّدهما في ذلك الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المغرب،و المختار،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط،و التّضادّ.

5-و روى الصّحاح بيت الفرزدق:

إنّ الشّباب لرابح من باعه

و الشّيب ليس لبائعيه تجار

يعني:من اشتراه.

6-و جاء في«النّهاية»في شرح الحديث:«البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا»:هما البائع و المشتري.يقال لكلّ واحد منهما:بيّع و بائع.

7-و انفرد المصباح بقوله:عند ما نقول:«البائع» يتبادر إلى ذهننا بائع السّلعة.

و أنا أرى أن لا نقول:«بعته الشّيء»إلاّ لما نبيعه من غيرنا،و نأخذ ثمنه،لأنّني لم أسمع عربيّا معاصرا استعمل الفعل«باع»بمعنى«اشترى».

البيّع:«البائع و المشتري و المساوم»

و يخطّئون من يسمّى«البيّع»مشتريا،و يقولون:إنّه البائع أو المساوم.

و لكن:

1-روى ابن عمر حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،المذكور في الرّقم(6)من المادّة(263)،و في رواية:«حتّى يتفرّقا»، بدلا من:«ما لم يتفرّقا».

2-و جاء في أضداد ابن الأنباريّ،و الصّحاح، و الأساس،و النّهاية،و المختار،و المصباح:أنّ البيّع هو البائع و المشتري.

3-و قال المحيط و التّاج و المتن:إنّ البيّع هو البائع و المشتري و المساوم.

4-و قال الوسيط:البيّع هو البائع و المساوم.

و أنا أرى أن لا نطلق كلمة«البيّع»إلاّ على الّذي يعطي الشّيء،بثمن،حماية للأذهان من التّشويش.

(88)

المصطفويّ: و الّذي يظهر لنا من تحقيق هذه المادّة:أنّ الأصل الواحد فيها هو المعاقدة و مبادلة مال بمال،أي المعاملة الواقعة بين البائع و المشتري.

إلاّ أنّ البائع لمّا كان المبتدئ بالمعاملة،و قد تحقّقت المبادلة أوّلا من جانبه،فهو أولى بأن يطلق عليه البائع، أي المعاقد و المعامل أوّلا.و أمّا إطلاقه على المشتري فباعتبار أنّه طرف آخر للمعاملة،و هو معاقد أيضا بالنّظر الثّانويّ.

و أمّا البيعة و المبايعة فباعتبار كونها نوع معاملة و معاقدة و مبادلة.

ص: 299

و أمّا البيعة:قال في المعرّب:«و البيعة و الكنيسة، جعلهما بعض العلماء فارسيّين معرّبين».

و لا يبعد أن تكون هذه الكلمة مشتقّة و مأخوذة من [بى]أو كلمة [بيت]بمعنى الدّار و المنزل،أو [بيت كنست]بمعنى الكنيسة.كما أنّ البيت،و البيت الحرام تطلقان على الكعبة.[ثمّ ذكر آيات و أضاف:]

صيغة«فاعل»تدلّ على الاستمرار،أي المعاملة الّتي تستمرّ و لا تنقطع،و صيغة«تفاعل»تدلّ على مطاوعة«فاعل»،إذا تحقّقت و استمرّت المعاقدة طوعا و رغبة،فأشهدوا كاتبا أو شهيدا عليها.

[و المبايعة]مأخوذة من البيعة،و هي المعاهدة و المعاقدة المخصوصة،و لمّا كانت هذه المعاقدة ملازم الاستمرار و الدّوام،يعبّر عنها بصيغة«المفاعلة».

فظهر الفرق بين:باع مجرّدا،و بايع،و تبايع.

و أمّا الفرق بين المعاقدة و المبايعة و المعاملة و المعاهدة،فإنّ المعاقدة:إنشاء أمر و إيجاده،و المعاهدة:

التزام و تعهّد على العمل،و المعاملة:نفس العمل و وقوعه،و المبايعة:عمل خاصّ،و هو البيع و الشّرى.

(1:356)

النّصوص التّفسيريّة

فبايعهنّ-يبايعنك

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ... فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. الممتحنة:12

عروة بن مسعود: إنّه عليه السّلام غمس يده في إناء فيه ماء،ثمّ دفعه إلى النّساء فغمسن أيديهنّ فيه.

(ابن عطيّة 5:300)

أسماء بنت يزيد: كنت في النّسوة المبايعات فقلت:يا رسول اللّه أبسط يدك نبايعك،فقال لي عليه السّلام:

«إنّي لا أصافح النّساء لكن آخذ عليهنّ ما أخذ اللّه عليهنّ».(ابن عطيّة 5:300)

عائشة: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يبايع النّساء بالكلام بهذه الآية أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً و ما مسّت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يد امرأة قطّ إلاّ امرأة يملكها.

(الطّبرسيّ 5:276)

أميمة بنت رقيقة التّيميّة: بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في نسوة من المسلمين،فقلنا له:جئناك يا رسول اللّه نبايعك على أن لا نشرك باللّه شيئا،و لا نسرق و لا نزني و لا نقتل أولادنا و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا،و لا نعصيك في معروف.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«فيما استطعتنّ و أطقتنّ».

فقلنا:اللّه و رسوله أرحم بنا من أنفسنا،فقلنا:بايعنا يا رسول اللّه.

فقال:«اذهبن فقد بايعتكنّ،إنّما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة».و ما صافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منّا أحدا.(الطّبريّ 28:80)

الشّعبيّ: إنّه بايعهنّ بنفسه و على يده ثوب قد وضعه على كفّه.(الماورديّ 5:524)

الماورديّ: [بعد نقل بعض الأقوال المتقدّمة قال:] فإن قيل:فما معنى بيعتهنّ و لسن من أهل الجهاد

ص: 300

فتؤخذ عليهنّ البيعة كالرّجال؟

قيل:كانت بيعته لهنّ تعريفا لهنّ بما عليهنّ من حقوق اللّه تعالى و حقوق أزواجهنّ،لأنّهنّ دخلن في الشّرع و لم يعرفن حكمه فبيّنه لهنّ،و كان أوّل ما أخذه عليهنّ أن لا يشركن باللّه شيئا،توحيدا له و منعا لعبادة غيره.(5:524)

النّقّاش: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مدّ يده من خارج بيت و مدّ نساء من الأنصار أيديهنّ من داخله فبايعهنّ.

(ابن عطيّة 5:300)

الطّوسيّ: و وجه بيعة النّساء مع أنّهنّ لسن من أهل النّصرة في المحاربة،هو أخذ العهد عليهنّ،بما يصلح شأنهنّ في الدّين للأنفس و الأزواج،فكان ذلك في صدر الإسلام،لئلاّ ينفتق بهنّ فتق لما صيغ من الأحكام، فبايعهنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حسما لذلك.

و قوله: فَبايِعْهُنَّ و المعنى إذا شرطت عليهنّ هذه الشّروط و دخلن تحتها فبايعهنّ على ذلك.

(9:587)

نحوه الطّبرسيّ.(5:276)

الميبديّ: سمّيت البيعة لأنّ المبايع يبيع نفسه بالجنّة،و منه قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ التّوبة:101.

قيل:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا بايع النّساء وضع قدحا من الماء فكان يضع يده فيه ثمّ يأمرهنّ أن يغمسن أيديهنّ فيه...

و قيل:أمر أخت خديجة-خالة فاطمة-فبايعت النّساء،و كانت هند بنت عتبة بن ربيعة امرأة أبي سفيان بن حرب في جملتهنّ،متنقّبة متنكّرة مع النّساء خوفا من رسول اللّه أن يعرفها،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أبايعكنّ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً» فرفعت هند رأسها و قالت:

و اللّه إنّك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرّجال، و بايع الرّجال يومئذ على الإسلام و الجهاد فقط.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّك لهند بنت عتبة».قالت:نعم،فاعف عمّا سلف عفا اللّه عنك،تعني ما صنعت بحمزة.(10:75)

نحوه الزّمخشريّ(4:95)،و ابن عطيّة(5:299)، و ابن الجوزيّ(8:244)،و الفخر الرّازيّ(29:308)، و القرطبيّ(18:71)،و البيضاويّ(2:472)،و النّسفيّ (3:250)،و الشّربينيّ(4:270)،و أبو حيّان(8:

258)،و أبو السّعود(6:239).

بيع

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ... البقرة:254

ابن عبّاس:لا فداء فيه.(36)

نحوه الشّربينيّ.(1:167)

الطّبريّ: لا تقدرون فيه على ابتياع ما كنتم على ابتياعه بالنّفقة من أموالكم الّتي أمرتكم به،أو ندبتكم إليه.(3:3)

الزّجّاج :و يجوز (لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ) و (لا بيع فيه و لا خلّة و لا شفاعة) على الرّفع بتنوين، و النّصب بغير تنوين.

و يجوز (لا بيع فيه و لا خلّة و لا شفاعة) بنصب الأوّل بغير تنوين،و عطف الثّاني على موضع الأوّل،لأنّ

ص: 301

موضعه نصب،إلاّ أن التّنوين حذف لعلّة و يكون دخول «لا»مع حروف العطف مؤكّدا،لأنّك إذا عطفت على موضع ما بعد«لا»عطفته بتنوين،تقول:لا رجل و غلاما لك.[ثمّ استشهد بشعر](1:335)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (لا بيع فيه و لا خلّة و لا شفاعة) نصب بغير تنوين على النّفي و التّبرئة.و قرأ الباقون بالرّفع و التّنوين.

اعلم أنّ«لا»إذا وقعت على نكرة جعلت هي و الاسم الّذي بعدها كاسم واحد،و بني ذلك على الفتح.

فإذا كرّرت جاز الرّفع و النّصب،و إذا لم تكرّر فالوجه فيه الفتح،قال اللّه جلّ و عزّ:(لا ريب فيه)

من رفع جعله جوابا لقول القائل:«هل فيه بيع؟هل فيه خلّة؟»،و من نصب جعله جوابا لقول القائل:«هل من بيع فيه؟هل من خلّة؟»

فجوابه:(لا بيع فيه و لا خلّة)لأنّ«من»لمّا كانت عاملة جعلت«لا»عاملة،و لما كانت جواب(هل) لم تعملها؛إذ كانت هل غير عاملة.(141)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:302)

البغويّ: أي لا فداء فيه،سمّي بيعا لأنّ الفداء شراء نفسه.(1:344)

الزّمخشريّ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق،لأنّه(لا بيع فيه) حتّى تبتاعوا ما تنفقونه.(1:384)

نحوه أبو السّعود(1:295)،و الكاشانيّ(1:259)، و شبّر(1:258)،و القاسميّ(3:656).

ابن عطيّة :حذّر تعالى من الإمساك،إلى أن يجيء يوم لا يمكن فيه بيع و لا شراء و لا استدراك بنفقة في ذات اللّه؛إذ هي مبايعة على ما قد فسّرناه في قوله تعالى:

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ البقرة:245.

أو إذا البيع فدية،لأنّ المرء قد يشتري نفسه و مراده بماله،و كأنّ معنى الآية معنى سائر الآي الّتي تتضمّن إلاّ فدية يوم القيامة.(1:339)

الفخر الرّازيّ: قوله: لا بَيْعٌ فِيهِ ففيه وجهان:

الأوّل:أنّ البيع هاهنا بمعنى«الفدية»كما قال:

فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ الحديد:15،و قال:

وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ البقرة:

48،و قال: وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها الأنعام:70،فكأنّه قال:من قبل أن يأتي يوم لا تجارة فيه،فتكتسب ما تفتدي به من العذاب.

و الثّاني:أن يكون المعنى:قدّموا لأنفسكم من المال الّذي هو في ملككم قبل أن يأتي اليوم الّذي لا يكون فيه تجارة و لا مبايعة حتّى يكتسب شيء من المال.

(6:220)

نحوه الخازن.(1:225)

القرطبيّ: و قرأ ابن كثير و أبو عمرو (لا بيع فيه و لا خلّة و لا شفاعة) بالنّصب من غير تنوين،و كذلك في سورة إبراهيم:31 (لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ) ،و في الطّور:

23 (لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ) .[ثمّ استشهد بشعر]

و ألف الاستفهام غير مغيّرة عمل(لا)كقولك:أ لا رجل عندك؟و يجوز:أ لا رجل و لا امرأة؟كما جاز في غير الاستفهام،فاعلمه.

و قرأ الباقون جميع ذلك بالرّفع و التّنوين.

ص: 302

[ثمّ استشهد بشعر]

فالفتح على النّفي العامّ المستغرق لجميع الوجوه من ذلك الصّنف،كأنّه جواب لمن قال:هل فيه من بيع؟ فسأل سؤالا عامّا،فأجيب جوابا عامّا بالنّفي.

و«لا»مع الاسم المنفيّ بمنزلة اسم واحد في موضع رفع بالابتداء و الخبر فيه،و إن شئت جعلته صفة ليوم.

و من رفع جعل«لا»بمنزلة«ليس»،و جعل الجواب غير عامّ،و كأنّه جواب من قال:هل فيه بيع؟بإسقاط«من» فأتى الجواب غير مغيّر عن رفعه،و المرفوع مبتدأ أو اسم «ليس»و فيه الخبر.

قال مكّيّ: و الاختيار الرّفع،لأنّ أكثر القرّاء عليه، و يجوز في غير القرآن لا بيع فيه و لا خلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن تبني الأوّل و تنصب الثّاني و تنوّنه، فتقول:لا رجل فيه و لا امرأة.[ثمّ استشهد بشعر]

ف«لا»زائدة في الموضعين:الأوّل عطف على الموضع،و الثّاني على اللّفظ.

و وجه خامس أن ترفع الأوّل و تبني الثّاني،كقولك:

لا رجل فيها و لا امرأة.

و هذه الخمسة الأوجه جائزة في قولك:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»و قد تقدّم هذا و الحمد للّه.(3:266)

أبو حيّان :أي لا فدية فيه لأنفسكم من عذاب اللّه.

و ذكر لفظ«البيع»لما فيه من المعاوضة و أخذ البدل.

و قيل:لا فداء عمّا منعتم من الزّكاة تبتاعونه تقدّمونه عن الزّكاة يومئذ.و قيل:لا بيع فيه للأعمال فتكتسب.(2:276)

ابن كثير:أي لا يباع أحد من نفسه و لا يفادي بمال لو بذله،و لو جاء بملء الأرض ذهبا.(1:540)

الآلوسيّ: و المراد-من وصفه بما ذكر-الإشارة إلى أنّه لا قدرة لأحد فيه على تحصيل ما ينتفع به بوجه من الوجوه،لأنّ من في ذمّته حقّ مثلا إمّا أن يأخذ بالبيع ما يؤدّيه به،و إمّا أن يعينه أصدقاؤه،و إمّا أن يلتجئ إلى من يشفع له في حطّه،و الكلّ منتف،و لا مستعان إلاّ باللّه عزّ و جلّ.

و(من)متعلّقة بما تعلّقت به أختها،و لا ضير لاختلاف معنييهما؛إذ الأولى تبعيضيّة،و هذه لابتداء الغاية.و إنّما رفعت هذه المنفيّات الثّلاثة-مع أنّ المقام يقتضي التّعميم و المناسب له الفتح-لأنّ الكلام على تقدير:هل بيع فيه أو خلّة أو شفاعة؟و البيع و أخواه فيه مرفوعة،فناسب رفعها في الجواب مع حصول العموم في الجملة،و إن لم يكن بمثابة العموم الحاصل على تقدير الفتح؛و قد فتحها ابن كثير،و أبو عمرو،و يعقوب،على الأصل في ذكر ما هو نصّ في العموم كذا قالوا.

و لعلّ الأوجه القول:بأنّ الرّفع لضعف العموم في غالبها،و هو الخلّة و الشّفاعة،للاستثناء الواقع في بعض الآيات،و المغلوب منقاد لحكم الغالب.

و أمّا ما قالوه فيردّ عليه:أنّ ما بعد(يوم)جملة وقعت بعد نكرة فهي صفة غير مقطوعة،و لا يقدّر بين الصّفة و الموصوف إذا لم يكن قطع سؤال قطعا،و اعتبار كون النّكرة موصوفة بما يفهمه التّنوين من التّعظيم فتقدّر الجملة صفة مقطوعة تحقيقا لذلك و تقريرا له،فيصحّ تقدير السّؤال حينئذ ممّا لا يكاد يقبله الذّهن السّليم.(3:4)

ص: 303

رشيد رضا: أمّا البيع و الخلّة و الشّفاعة فللمفسّرين في بيان المراد بنفيها طريقان:

أحدهما:أنّ المراد ب«البيع»الكسب بأيّ نوع من أنواع المبادلة و المعاوضة.[إلى أن قال:]

و أمّا الطّريق الثّاني:فقد فسّروا فيه«البيع» بالافتداء،و جعلوا فيه الخلّة و الشّفاعة على ظاهرهما، أي أنفقوا فإنّ الإنفاق في سبيل الخير و البرّ و هي سبيل اللّه،هو الّذي ينجيكم في ذلك اليوم الّذي لا ينجي الأشحّة الباخلين فيه من عذاب اللّه تعالى فداء،فيفتدوا منه أنفسهم،و هذا هو الوجه الّذي اختاره الأستاذ الإمام،فالآية بمعنى قوله تعالى في هذه السّورة:48 وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً... و مثلها آية 123.

و الخطاب في تينك الآيتين لبني إسرائيل الّذين كانوا في عصر التّنزيل يقيسون أمور الدّنيا على أمور الآخرة، كما هو شأن الوثنيّين،فيظنّون أنّ الإنسان يمكن أن ينجو في الآخرة بفداء يفتدي به،أو شفاعة تناله من سلفه النّبيّين و الرّبّانيّين،كدأب الأمراء و السّلاطين،و إن كان في هذه الحياة فاسقا ظالما فاسد الأخلاق منّاعا للخير معتديا أثيما.(3:16)

مجمع اللّغة :من قبل أن يأتي يوم لا وسيلة فيه للحصول على المنفعة بوساطة البيع أو الصّدقة أو الشّفاعة.(1:139)

محمّد جواد مغنيّة: المراد بالبيع هنا:الفدية بالمال من النّار،و بالخلّة:المودّة الّتي تستدعي التّساهل و التّسامح،و بالشّفاعة:التّوسّط للخلاص من العذاب.

و القصد أنّ الإنسان يجيء غدا وحده أعزل من كلّ شيء إلاّ من العمل الصّالح.و تفيد هذه الآية نفس المعنى الّذي تفيده الآية:48 من هذه السّورة: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ.... (1:390)

محمود صافي: (لا)نافية مهملة،(بيع)مبتدأ مرفوع،(في)حرف جرّ و(الهاء)ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر المبتدإ،(الواو)عاطفة، (لا خُلَّةٌ) مثل (لا بَيْعٌ) جملة (لا بَيْعٌ فِيهِ) في محلّ رفع نعت ليوم.

(بيع):مصدر سماعيّ لفعل باع يبيع باب«ضرب»، وزنه«فعل»بفتح فسكون.(3:20)

و جاءت بهذا المعنى كلمة(بيع)الّتي وردت في سورة إبراهيم:31،بعد مراجعة كتب التّفاسير.

2- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ...

النّور:37

الكلبيّ: التّجّار هم الجلاّب المسافرون،و الباعة هم المقيمون.(الماورديّ 4:107)

الفرّاء:التّجارة لأهل الجلب،يقال:اتّجر فلان في كذا،إذا جلبه من غير بلده،و البيع:ما باعه على يديه.

(2:253)

الواقديّ: فإن قيل:فلم كرّر ذكر البيع،و التّجارة تشمله؟

قيل له:أراد بالتّجارة:الشّراء،لقوله:(و لا بيع) نظيره قوله تعالى: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها الجمعة:11.(القرطبيّ 12:279)

الزّمخشريّ: التّجارة:صناعة التّاجر،و هو الّذي

ص: 304

يبيع و يشتري للرّبح.

فإمّا أن يريد لا يشغلهم نوع من هذه الصّناعة،ثمّ خصّ البيع لأنّه في الإلهاء أدخل،من قبل أنّ التّاجر إذا اتّجهت له بيعة رابحة-و هي طلبته الكلّيّة من صناعته- ألهته ما لا يلهيه شراء شيء يتوقّع فيه الرّبح في الوقت الثّاني،لأنّ هذا يقين و ذلك مظنون.

و إمّا أن يسمّى الشّراء تجارة إطلاقا لاسم الجنس على النّوع،كما تقول:رزق فلان تجارة رابحة،إذا اتّجه له بيع صالح أو شراء.(3:68)

نحوه شبّر.(4:321)

الفخر الرّازيّ: لمّا قال: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ دخل فيه البيع،فلم أعاد ذكر البيع؟

قلنا:الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ التّجارة جنس يدخل تحته أنواع الشّراء و البيع،إلاّ أنّه سبحانه خصّ البيع بالذّكر لأنّه في الإلهاء أدخل،لأنّ الرّبح الحاصل في البيع يقين ناجز،و الرّبح الحاصل في الشّراء شكّ مستقبل.

الثّاني:أنّ البيع يقتضي تبديل العرض بالنّقد، و الشّراء بالعكس،و الرّغبة في تحصيل النّقد أكثر من العكس.

الثالث:[قول الفرّاء و قد تقدّم](24:4)

البيضاويّ: مبالغة بالتّعميم بعد التّخصيص إن أريد به مطلق المعاوضة،أو بإفراد ما هو الأهمّ من قسمي التّجارة،فإنّ الرّبح يتحقّق بالبيع و يتوقّع بالشّراء.(2:

129)

أبو حيّان :احتمل قوله: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ وجهين:

أحدهما:أنّهم لا تجارة لهم و لا بيع،فيلهيهم عن ذكر اللّه،كقوله:

*على لا حب لا يهتدى بمناره*

أي لا منار له فيهتدى به.

و الثّاني:أنّهم ذوو تجارة و بيع،و لكن لا يشغلهم ذلك عن ذكر اللّه،و عمّا فرض عليهم.

و الظّاهر مغايرة التّجارة و البيع،و لذلك عطف.

فاحتمل أن تكون(تجارة)من إطلاق العامّ و يراد به الخاصّ.فأراد بالتّجارة:الشّراء،و لذلك قابله بالبيع، أو يراد تجارة الجلب،و يقال:تجر فلان في كذا،إذا جلبه، و بالبيع:البيع بالأسواق.

و يحتمل أن يكون (وَ لا بَيْعٌ) من ذكر خاصّ بعد عامّ، لأنّ التّجارة هي البيع و الشّراء طلبا للرّبح.و نبّه على هذا الخاصّ،لأنّه في الإلهاء أدخل من قبل أنّ التّاجر إذا اتّجهت له بيعة رابحة-و هي طلبته الكلّيّة من صناعته- ألهته ما لا يلهيه شيء يتوقّع فيه الرّبح،لأنّ هذا يقين، و ذاك مظنون.(6:458)

أبو السّعود :أي و لا فرد من أفراد البياعات و إن كان في غاية الرّبح.و إفراده بالذّكر مع اندراجه تحت التّجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها،لأنّ ربحه متيقّن ناجز،و ربح ما عداه متوقّع في ثاني الحال عند البيع،فلم يلزم من نفي الهاء ما عداه نفي إلهائه،و لذلك كرّرت كلمة(لا)لتذكير النّفي و تأكيده.(4:465)

نحوه الآلوسيّ.(18:177)

البروسويّ: إعطاء المثمن و أخذ الثّمن،

ص: 305

و الشّراء:إعطاء الثّمن و أخذ المثمن،أي و لا فرد من أفراد البياعات و إن كان في غاية الرّبح.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن البروسويّ](6:159)

الطّباطبائيّ: التّجارة إذا قوبلت بالبيع كان المفهوم منها بحسب العرف:الاستمرار في الاكتساب بالبيع و الشّراء.و البيع هو العمل الاكتسابيّ الدّفعيّ، فالفرق بينهما هو الفرق بين الدّفعة و الاستمرار.

فمعنى نفي البيع بعد نفي التّجارة مع كونه منفيّا بنفيها، الدّلالة على أنّهم لا يلهون عن ربّهم،في مكاسبهم دائما و لا في وقت من الأوقات،و بعبارة أخرى لا تنسيهم ربّهم تجارة مستمرّة و لا بيع ما من البيوع الّتي يوقعونها مدّة تجارتهم.(15:127)

البيع

...ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى...

البقرة:275

ابن عبّاس: كان الرّجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به،قال المطلوب منه له:زدني في الأجل و أزيدك في المال،فيتراضيان عليه و يعملان به.

(الطّبرسيّ 1:389)

الطّبريّ: يعني جلّ ثناؤه:و أحلّ اللّه الأرباح في التّجارة و الشّراء و البيع،و حرّم الرّبا،يعني الزّيادة الّتي يزاد ربّ المال بسبب زيادته غريمه في الأجل،و تأخيره دينه عليه.(3:103)

الجصّاص :قوله عزّ و جلّ: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ عموم في إباحة سائر البياعات،لأنّ لفظ«البيع» موضوع لمعنى معقول في اللّغة،و هو تمليك المال بمال بإيجاب و قبول عن تراض منهما،و هذا هو حقيقة البيع في مفهوم اللّسان.ثمّ منه جائز و منه فاسد،إلاّ أنّ ذلك غير مانع من اعتبار عموم اللّفظ،متى اختلفنا في جواز بيع أو فساده.

و لا خلاف بين أهل العلم أنّ هذه الآية و إن كان مخرجها مخرج العموم فقد أريد به الخصوص،لأنّهم متّفقون على حظر كثير من البياعات،نحو بيع ما لم يقبض،و بيع ما ليس عند الإنسان،و بيع الغرر و المجاهيل،و عقد البيع على المحرّمات من الأشياء.

و قد كان لفظ الآية يوجب جواز هذه البياعات، و إنّما خصّت منها بدلائل،إلاّ أنّ تخصيصها غير مانع اعتبار عموم لفظ الآية،فيما لم تقم الدّلالة على تخصيصه.

و جائز أن يستدلّ بعمومه على جواز البيع الموقوف، لقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ.

و البيع اسم للإيجاب و القبول و ليست حقيقته وقوع الملك به للعاقد؛أ لا ترى أنّ البيع المعقود على شرط خيار المتبايعين لم يوجب ملكا و هو بيع،و الوكيلان يتعاقدان البيع و لا يملكان.[إلى أن قال:]

و قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ يحتجّ به في جواز بيع ما لم يره المشتري،و يحتجّ فيمن اشترى حنطة بحنطة بعينها متساوية،أنّه لا يبطل بالافتراق قبل القبض، و ذلك لأنّه معلوم من ورود اللّفظ لزوم أحكام البيع و حقوقه من القبض و التّصرّف و الملك و ما جرى مجرى ذلك.فاقتضى ذلك بقاء هذه الأحكام مع ترك

ص: 306

التّقابض،و هو كقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ النّساء:23،المراد تحريم الاستمتاع بهنّ.

و يحتجّ أيضا لذلك،بقوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29،من وجهين:أحدهما:ما اقتضاه من إباحة الأكل قبل الافتراق و بعده من غير قبض،و الآخر:

إباحة أكله لمشتريه قبل قبض الآخر بعد الفرقة.

(1:469)

الماورديّ: قيل:إنّه يعني ثقيفا،لأنّهم كانوا أكثر العرب ربا،فلمّا نهوا عنه قالوا:كيف ننهى عن الرّبا و هو مثل البيع،فحكى اللّه تعالى ذلك عنهم،ثمّ أبطل ما ذكروه من التّشبيه بالبيع،فقال تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا.

و للشّافعيّ في قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّها من العامّ الّذي يجري على عمومه في إباحة كلّ بيع و تحريم كلّ ربا،إلاّ ما خصّهما دليل من تحريم بعض البيع و إحلال بعض الرّبا.فعلى هذا اختلف في قوله،هل هو من العموم الّذي أريد به العموم.أو من العموم الّذي أريد به الخصوص؟على قولين:

أحدهما:أنّه عموم أريد به العموم و إن دخله دليل التّخصيص.و الثّاني:أنّه عموم أريد به الخصوص.

و في الفرق بينهما وجهان:

أحدهما:أنّ العموم الّذي أريد به العموم:أن يكون الباقي من العموم من بعد التّخصيص أكثر من المخصوص، و العموم الّذي أريد به الخصوص أن يكون الباقي منه بعد التّخصيص أقلّ من المخصوص.

و الفرق الثّاني:أنّ البيان فيما أريد به الخصوص متقدّم على اللّفظ،و أنّ ما أريد به العموم متأخّر عن اللّفظ و مقترن به،هذا أحد أقاويله.

و القول الثّاني:أنّه المجمل الّذي لا يمكن أن يستعمل في إحلال بيع أو تحريمه إلاّ أن يقترن به بيان من سنّة الرّسول،و إن دلّ على إباحة البيوع في الجملة دون التّفصيل.

و هذا فرق ما بين العموم و المجمل:أنّ العموم يدلّ على إباحة البيوع في الجملة و لا يدلّ على إباحتها في التّفصيل حتّى يقترن به بيان.

فعلى هذا القول أنّها مجملة اختلف في إجمالها،هل هو لتعارض فيها أو لمعارضة غيرها لها على وجهين:

أحدهما:أنّه لمّا تعارض ما في الآية من إحلال البيع و تحريم الرّبا و هو بيع،صارت بهذا التّعارض مجملة، و كان إجمالها منها.

و الثّاني:أنّ إجمالها بغيرها،لأنّ السّنّة منعت من بيوع و أجازت بيوعا،فصارت بالسّنّة مجملة.

و إذا صحّ إجمالها فقد اختلف فيه:

هل هو إجمال في المعنى دون اللّفظ،لأنّ لفظ«البيع» معلوم في اللّغة،و إنّما الشّرع أجمل المعنى و الحكم،حين أحلّ بيعا و حرّم بيعا.

و الوجه الثّاني:أنّ الإجمال في لفظها و معناها،لأنّه لمّا عدل بالبيع من إطلاقه على ما استقرّ عليه في الشّرع فاللّفظ و المعنى محتملان معا،فهذا شرح القول الثّاني.

و القول الثّالث:أنّها داخلة في العموم و المجمل،

ص: 307

فيكون عموما دخله التّخصيص،و مجملا لحقه التّفسير، لاحتمال عمومها في اللّفظ و إجمالها في المعنى،فيكون اللّفظ عموما دخله التّخصيص،و المعنى مجملا لحقه التّفسير.[هذا هو الوجه الأوّل من القول الثّالث]

و الوجه الثّاني:أنّ عمومها في أوّل الآية من قوله:

وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، و إجمالها في آخرها من قوله: وَ حَرَّمَ الرِّبا، فيكون أوّلها عامّا دخله التّخصيص،و آخرها مجملا لحقه التّفسير.

و الوجه الثّالث:أنّ اللّفظ كان مجملا،فلمّا بيّنه الرّسول صار عامّا،فيكون داخلا في المجمل قبل البيان، في العموم بعد البيان.(1:348)

الطّوسيّ: و معنى قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أنّ المشركين قالوا:الزّيادة على رأس المال بعد مصيره على جهة الدّين كالزّيادة عليه في ابتداء البيع.و ذلك خطأ،لأنّ أحدهما محرّم و الآخر مباح.و هو أيضا منفصل منه في العقد،لأنّ الزّيادة في أحدهما لتأخير الدّين و في الآخر لأجل البيع.و الفرق بين البيع و الرّبا:أنّ البيع ببدل لأنّ الثّمن فيه بدل المثمن.و الرّبا ليس كذلك و إنّما هو زيادة من غير بدل،للتّأخير في الأجل أو زيادة في الجنس.(2:360)

نحوه الطّبرسيّ.(2:389)

البغويّ: أي ذلك الّذي نزل بهم لقولهم هذا و استحلالهم إيّاه،و ذلك أنّ أهل الجاهليّة كان أحدهم إذا حلّ ماله على غريمه فطالبه،فيقول الغريم لصاحب الحقّ:زدني في الأجل حتّى أزيدك في المال،فيفعلان ذلك،و يقولون:سواء علينا الزّيادة في أوّل البيع بالرّبح أو عند المحلّ لأجل التّأخير،فكذّبهم اللّه تعالى،و قال:

وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا. (1:381)

نحوه الخازن.(1:250)

الزّمخشريّ: فإن قلت:هلاّ قيل:إنّما الرّبا مثل البيع؟لأنّ الكلام في الرّبا لا في البيع،فوجب أن يقال:

إنّهم شبّهوا الرّبا بالبيع فاستحلّوه،و كانت شبهتهم أنّهم قالوا:لو اشترى الرّجل ما لا يساوي إلاّ درهما بدرهمين جاز،فكذلك إذا باع درهما بدرهمين.

قلت:جيء به على طريق المبالغة،و هو أنّه قد بلغ من اعتقادهم في حلّ الرّبا أنّهم جعلوه أصلا و قانونا في الحلّ،حتّى شبّهوا به البيع،و قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا إنكار لتسويتهم بينهما،و دلالة على أنّ القياس يهدمه النّصّ،لأنّه جعل الدّليل على بطلان قياسهم إحلال اللّه و تحريمه.(1:399)

نحوه الشّربينيّ(1:184)،و البيضاويّ(1:142)، و النّسفيّ(1:138)،و أبو السّعود(1:316)،و البروسويّ (1:436).

ابن عطيّة :قال بعض العلماء في قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ هذا من عموم القرآن،لأنّ العرب كانت تقدر على إنفاذه،لأنّ الأخذ و الإعطاء عندها بيع،و كلّ ما عارض العموم فهو تخصيص منه.

و قال بعضهم:هو من مجمل القرآن الّذي فسّر بالمحلّل من البيع و بالمحرّم،و القول الأوّل عندي أصحّ.

(1:372)

الرّاونديّ: و قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ عامّ في كلّ بيع شرعيّ.

ص: 308

ثمّ اعلم أنّ البيع هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التّراضي،على ما يقتضيه الشّرع.و هو على ثلاثة أضرب:بيع عين مرئيّة،و بيع موصوف في الذّمّة،و بيع خيار الرّؤية.

فأمّا بيع الأعيان المرئيّة:فهو أن يبيع إنسان عبدا حاضرا أو ثوبا حاضرا أو عينا من الأعيان حاضرة فيشاهد البائع و المشتري ذلك،فهذا بيع صحيح بلا خلاف.

و أمّا بيع الموصوف في الذّمّة:فهو أن يسلمه في شيء موصوف إلى أجل معلوم و يذكر الصّفات المقصودة،فهذا أيضا صحيح بلا خلاف.

و أمّا بيع خيار الرّؤية:فهو بيع الأعيان الغائبة،و هو أن يبتاع شيئا لم يره،مثل أن يقول:«بعتك هذا الثّوب الّذي في كمّي»أو«الثّوب الّذي في الصّندوق»و ما أشبه ذلك،فيذكر جنس المبيع فيتميّز من غير جنسه،و يذكر الصّفة.و لا فرق بين أن يكون البائع رآه و المشتري لم يره،أو يكون المشتري رآه و البائع لم يرياه،أو لم يره معا.فإذا عقد البيع ثمّ رأى المبيع فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا،و إن وجده بخلافه كان له ردّه و فسخ العقد.

و لا بدّ من ذكر الجنس و الصّفة؛فمتى لم يذكرهما أو واحدا منهما،لم يصحّ البيع.و متى شرط المشتري خيار الرّؤية لنفسه كان جائزا،فإذا رآه بالصّفة الّتي ذكرها لم يكن له الخيار،و إن وجده مخالفا كان له الخيار.هذا إذا لم يكن رآه،و إن كان قد رآه،فلا وجه لشرط الرّؤية، لأنّه عالم به قبل الرّؤية.

و قوله تعالى: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29،يدلّ أيضا على أكثر ما ذكرناه.

و قوله تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى البقرة:282،يدلّ على صحّة السّلف في جميع المبيعات،و إنّما يجوز ذلك إذا جمع شرطين:تمييز الجنس من غيره مع تحديده بالوصف،و الثّاني ذكر الأجل فيه.

فإذا اختلّ شيء منهما لم يصحّ السّلف،و هو بيع مخصوص.

و كلّ شيء لا يتحدّد بالوصف-مثل روايا الماء و الخبز و اللّحم-لم يصحّ السّلف فيه،لأنّ ذلك لا يمكن تحديده بوصف لا يختلط به سواه.و قال بعض أصحابنا.

أنّه جائز،و الأوّل أظهر.

و كلّ شرط يوافق شريعة الإسلام اعتبره المشتري فإنّه يلزم،لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة:1، و لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«المؤمنون عند شروطهم».

و عن فضيل:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما الشّرط في الحيوان؟قال:ثلاثة أيّام شرط ذلك في ضمن العقد أو لم لم يشرط،و يكون الخيار للمبتاع خاصّة في هذه المدّة ما لم يحدث فيه حدثا.

قلت:فما الشّرط في غير الحيوان؟

قال:البيّعان في الخيار ما لم يفترقا،فإذا افترقا فلا خيار بعد الرّضا منهما إلاّ أن يشترطا إلى مدّة معيّنة.

و قال عليه السّلام:لا بأس بالسّلم في المتاع إذا وصفت الطّول و العرض إلى أجل معلوم،و في الحيوان إذا وصفت أسنانها،و قوله تعالى: وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ البقرة:

282،يختصّ بهذا النّوع من المبايعة.(2:50)

ص: 309

ابن شهرآشوب: قوله تعالى: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ و قوله: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:

29،يدلاّن على جواز بيع الأعيان الغائبة إذا علمت، و جواز بيع الأعمى و شرائه،و يدخل فيه أيضا المبيع إذا استثني منه شيء معيّن كالشّاة إلاّ جلدها أو الشّجر إلاّ شجرة الفلانيّة.و يدلاّن على أنّه إذا فرّق بين الصّغير و بين أمّه لم يبطل البيع،و الأصل جوازه،و بطلانه يحتاج إلى دليل.(2:212)

الفخر الرّازيّ: في الآية سؤال،و هو أنّه لم لم يقل:

إنّما الرّبا مثل البيع؟و ذلك لأنّ حلّ البيع متّفق عليه،فهم أرادوا أن يقيسوا عليه الرّبا،و من حقّ القياس أن يشبه محلّ الخلاف بمحلّ الوفاق،فكان نظم الآية أن يقال:إنّما الرّبا مثل البيع،فما الحكمة في أن قلب هذه القضيّة؟ فقال: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا.

و الجواب:أنّه لم يكن مقصود القوم أن يتمسّكوا بنظم القياس،بل كان غرضهم أنّ الرّبا و البيع متماثلان من جميع الوجوه المطلوبة،فكيف يجوز تخصيص أحد المثلين بالحلّ،و الثّاني بالحرمة،و على هذا التّقدير فأيّهما قدّم أو أخّر جاز.

أمّا قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا ففيه مسائل:

المسألة الأولى:يحتمل أن يكون هذا الكلام من تمام كلام الكفّار،و المعنى أنّهم قالوا:البيع مثل الرّبا،ثمّ إنّكم تقولون: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فكيف يعقل هذا؟يعني أنّهما لمّا كانا متماثلين فلو حلّ أحدهما و حرّم الآخر لكان ذلك إيقاعا للتّفرقة بين المثلين،و ذلك غير لائق بحكمة الحكيم،فقوله: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا ذكره الكفّار على سبيل الاستبعاد.و أمّا أكثر المفسّرين فقد اتّفقوا على أنّ كلام الكفّار انقطع عند قوله: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، و أمّا قوله: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فهو كلام اللّه تعالى،و نصّه على هذا الفرق ذكره إبطالا لقول الكفّار:إنّما البيع مثل الرّبا.

و الحجّة على صحّة هذا القول وجوه:

الحجّة الأولى:أنّ قول من قال:هذا كلام الكفّار، لا يتمّ إلاّ بإضمار زيادات،بأن يحمل ذلك على الاستفهام على سبيل الإنكار.أو يحمل ذلك على الرّواية من قول المسلمين،و معلوم أنّ الإضمار خلاف الأصل.و أمّا إذا جعلناه كلام اللّه ابتداء لم يحتج فيه إلى هذا الإضمار،فكان ذلك أولى.

الحجّة الثّانية:أنّ المسلمين أبدا كانوا متمسّكين في جميع مسائل البيع بهذه الآية،و لو لا أنّهم علموا أنّ ذلك كلام اللّه لا كلام الكفّار،و إلاّ لما جاز لهم أن يستدلّوا به، و في هذه الحجّة كلام سيأتي في المسألة الثّانية.

الحجّة الثّالثة:أنّه تعالى ذكر عقيب هذه الكلمة قوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ فظاهر هذا الكلام يقتضي أنّهم لمّا تمسّكوا بتلك الشّبهة،و هي قوله: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فاللّه تعالى قد كشف عن فساد تلك الشّبهة و عن ضعفها، و لو لم يكن قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا كلام اللّه لم يكن جواب تلك الشّبهة مذكورا،فلم يكن قوله:

فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ لائقا بهذا الموضع.

ص: 310

المسألة الثّانية:مذهب الشّافعيّ رضي اللّه عنه أنّ قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا من المجملات الّتي لا يجوز التّمسّك بها.و هذا هو المختار عندي،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّا بيّنّا في أصول الفقه أنّ الاسم المفرد المحلّى بلام التّعريف لا يفيد العموم البتّة،بل ليس فيه إلاّ تعريف الماهيّة،و متى كان كذلك كفى العمل به في ثبوت حكمة في صورة واحدة.

و الوجه الثّاني:و هو أنّا إذا سلّمنا أنّه يفيد العموم، و لكنّا لا نشكّ أنّ إفادته العموم أضعف من إفادة ألفاظ الجمع للعموم،مثلا قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ و إن أفاد الاستغراق إلاّ أنّ قوله:(و أحلّ اللّه البياعات)أقوى في إفادة الاستغراق،فثبت أنّ قول: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ لا يفيد الاستغراق إلاّ إفادة ضعيفة،ثمّ تقدير العموم لا بدّ و أن يطرق إليها تخصيصات كثيرة خارجة عن الحصر و الضّبط،و مثل هذا العموم لا يليق بكلام اللّه تعالى و كلام رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه كذب و الكذب على اللّه تعالى محال.فأمّا العامّ الّذي يكون موضع التّخصيص منه قليلا جدّا،فذلك جائز لأنّ إطلاق لفظ الاستغراق على الأغلب عرف مشهور في كلام العرب،فثبت أنّ حمل هذا على العموم غير جائز.

الوجه الثّالث:ما روي عن عمر رضي اللّه عنه،قال:

خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الدّنيا و ما سألناه عن الرّبا،و لو كان هذا اللّفظ مفيدا للعموم لما قال ذلك،فعلمنا أنّ هذه الآية من المجملات.

الوجه الرّابع:أنّ قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ يقتضي أن يكون كلّ بيع حلالا،و قوله: وَ حَرَّمَ الرِّبا يقتضي أن يكون كلّ ربا حراما،لأنّ الرّبا هو الزّيادة، و لا بيع إلاّ و يقصد به الزّيادة،فأوّل الآية أباح جميع البيوع،و آخرها حرّم الجميع،فلا يعرف الحلال من الحرام بهذه الآية،فكانت مجملة،فوجب الرّجوع في الحلال و الحرام إلى بيان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(7:98)

نحوه النّيسابوريّ.(7:75)

القرطبيّ: قوله تعالى: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أي إنّما الزّيادة عند حلول الأجل آخرا كمثل أصل الثّمن في أوّل العقد؛و ذلك أنّ العرب كانت لا تعرف ربا إلاّ ذلك،فكانت إذا حلّ دينها قالت للغريم:إمّا أن تقضي و إمّا أن تربي،أي تزيد في الدّين.فحرّم اللّه سبحانه ذلك،و ردّ عليهم قولهم بقوله الحقّ: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا و أوضح أنّ الأجل إذا حلّ و لم يكن عنده ما يؤدّي أنظر إلى الميسرة.

و هذا الرّبا هو الّذي نسخه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله يوم عرفة،لمّا قال:«ألا إنّ كلّ ربا موضوع و إنّ أوّل ربا أضعه ربانا ربا عبّاس بن عبد المطّلب فإنّه موضوع كلّه».

فبدأ صلّى اللّه عليه و سلّم بعمّه و أخصّ النّاس به.و هذا من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه و خاصّته فيستفيض حينئذ في النّاس.

و قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا هذا من عموم القرآن،و الألف و اللاّم للجنس لا للعهد؛إذ لم يتقدّم بيع مذكور يرجع إليه،كما قال تعالى:

وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:1،ثمّ استثنى إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ العصر:

ص: 311

3،و إذا ثبت أنّ البيع عامّ فهو مخصّص بما ذكرناه من الرّبا،و غير ذلك ممّا نهي عنه و منع العقد عليه،كالخمر و الميتة و حبل الحبلة و غير ذلك ممّا هو ثابت في السّنّة، و إجماع الأمّة النّهي عنه.و نظيره فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ التّوبة:5،و سائر الظّواهر الّتي تقتضي العمومات و يدخلها التّخصيص،و هذا مذهب أكثر الفقهاء.

و قال بعضهم:هو من مجمل القرآن الّذي فسّر بالمحلّل من البيع و بالمحرّم،فلا يمكن أن يستعمل في إحلال البيع و تحريمه إلاّ أن يقترن به بيان من سنّة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و إن دلّ على إباحة البيوع في الجملة دون التّفصيل،و هذا فرق ما بين العموم و المجمل.فالعموم يدلّ على إباحة البيوع في الجملة و التّفصيل ما لم يخصّ بدليل.و المجمل لا يدلّ على إباحتها في التّفصيل حتّى يقترن به بيان.

و الأوّل أصحّ،و اللّه أعلم.

و البيع في اللّغة:مصدر باع كذا بكذا،أي دفع عوضا و أخذ معوّضا.و هو يقتضي بائعا و هو المالك أو من ينزّل منزلته،و مبتاعا و هو الّذي يبذل الثّمن،و مبيعا و هو المثمون،و هو الّذي يبذل في مقابلته الثّمن؛و على هذا فأركان البيع أربعة:البائع،و المبتاع،و الثّمن،و المثمّن.

ثمّ المعاوضة عند العرب تختلف بحسب اختلاف ما يضاف إليه؛فإن كان أحد المعوّضين في مقابلة الرّقبة سمّي بيعا،و إن كان في مقابلة منفعة رقبة؛فإن كانت منفعة بضع سمّي نكاحا،و إن كانت منفعة غيرها سمّي إجارة، و إن كان عينا بعين فهو بيع النّقد و هو الصّرف،و إن كان بدين مؤجّل فهو السّلم،و سيأتي بيانه في آية الدّين.

و قد مضى حكم الصّرف،و يأتي حكم الإجارة في «القصص»و حكم المهر في النّكاح في«النّساء»كلّ في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

و البيع:قبول و إيجاب،يقع باللّفظ المستقبل و الماضي؛فالماضي فيه حقيقة و المستقبل كناية،و يقع بالصّريح و الكناية المفهوم منها نقل الملك.فسواء قال:

بعتك هذه السّلعة بعشرة،فقال:اشتريتها،أو قال المشتري:اشتريتها،و قال البائع:بعتكها،أو قال البائع:

أنا أبيعك بعشرة،فقال المشتري:أنا أشتري أو قد اشتريت،و كذلك لو قال:خذها بعشرة أو أعطيتكها أو دونكها أو بورك لك فيها بعشرة أو سلّمتها إليك-و هما يريدان البيع-فذلك كلّه بيع لازم.

و لو قال البائع:بعتك بعشرة ثمّ رجع قبل أن يقبل المشتري،فقد قال (1):ليس له أن يرجع حتّى يسمع قبول المشتري أو ردّه،لأنّه قد بذل ذلك من نفسه و أوجبه عليها،و قد قال ذلك له،لأنّ العقد لم يتمّ عليه.

و لو قال البائع:كنت لاعبا،فقد اختلفت الرّواية عنه (2)؛فقال مرّة:يلزمه البيع و لا يلتفت إلى قوله.و قال مرّة:ينظر إلى قيمة السّلعة،فإن كان الثّمن يشبه قيمتها فالبيع لازم،و إن كان متفاوتا كعبد بدرهم و دار بدينار علم أنّه لم يرد به البيع،و إنّما كان هازلا فلم يلزمه.

(3:356)

أبو حيّان :الإشارة ب«ذلك»إلى ذلك القيام المخصوص بهم في الآخرة،و يكون مبتدأ و المجرور الخبر،ك.

ص: 312


1- أي مالك.
2- أي عن مالك.

أي ذلك القيام كائن بسبب أنّهم.و قيل:خبر مبتدإ محذوف،تقديره قيامهم ذلك،إلاّ أنّ في هذا الوجه فصلا بين المصدر و متعلّقه الّذي هو(بانّهم)على أنّه لا يبعد جواز ذلك لحذف المصدر،فلم يظهر قبح بالفصل بالخبر.

و قدّره الزّمخشريّ ذلك العقاب بسبب أنّهم،و العقاب هو ذلك القيام.و يحتمل أن يكون(ذلك)إشارة إلى أكلهم الرّبا،أي ذلك الأكل الّذي استحلّوه بسبب قولهم و اعتقادهم أنّ البيع مثل الرّبا،أي مستندهم في ذلك التّسوية عندهم بين الرّبا و البيع،و شبّهوا البيع و هو المجمع على جوازه بالرّبا و هو محرّم،و لم يعكسوا تنزيلا لهذا الّذي يفعلونه من الرّبا منزلة الأصل المماثل له البيع.

و هذا من عكس التّشبيه و هو موجود في كلام العرب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و كان أهل الجاهليّة إذا حلّ دينه على غريمه طالبه فيقول:زدني في الأجل و أزيدك في المال...فكذّبهم اللّه تعالى.

و قيل:كانت ثقيف أكثر العرب ربا فلمّا نهوا عنه قالوا:إنّما هو مثل البيع وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا ظاهره أنّه من كلام اللّه تعالى لا من كلامهم،و في ذلك ردّ عليهم؛إذ ساووا بينهما،و الحكم في الأشياء إنّما هو إلى اللّه تعالى لا يعارض في حكمه و لا يخالف في أمره.و في هذه الآية دلالة على أنّ القياس في مقابلة النّصّ لا يصحّ؛إذ جعل تعالى الدّليل في إبطال قولهم هو أنّ اللّه أحلّ البيع و حرّم الرّبا.

و قال بعض العلماء:قياسهم فاسد،لأنّ البيع عوض و معوّض لا غبن فيه،و الرّبا فيه التّغابن و أكل المال الباطل،لأنّ الزّيادة لا مقابل لها من جنسها، بخلاف البيع فإنّ الثّمن مقابل بالمثمن.

قال جعفر الصّادق[عليه السّلام]: حرّم اللّه الرّبا ليتقارض النّاس،و قيل:حرّم لأنّه متلف للأموال مهلك للنّاس.

و قال بعضهم:يحتمل أن يكون وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا من كلامهم،فكانوا قد عرفوا تحريم اللّه الرّبا فعارضوه بآرائهم،فكان ذلك كفرا منهم،و الظّاهر عموم البيع و الرّبا في كلّ بيع و في كلّ ربا،إلاّ ما خصّه الدّليل من تحريم بعض البيوع و إحلال بعض الرّبا.

و قيل:هما مجملان فلا يقدّم على تحليل بيع و لا تحريم ربا إلاّ ببيان،و هذا فرق ما بين العامّ و المجمل.

و قيل:هو عموم دخله التّخصيص و مجمل دخله التّفسير.و تقاسيم البيع و الرّبا و تفاصيلهما مذكور في كتب الفقه.(2:335)

نحوه ابن كثير(1:58)،و المراغيّ(3:64).

السّيوطيّ: و من أمثلة ما خصّ بالحديث قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ خصّ منه البيوع الفاسدة و هي كثيرة بالسّنّة وَ حَرَّمَ الرِّبا خصّ منه العرايا بالسّنة.(3:54)

الآلوسيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:يجوز أن يكون التّشبيه غير مقلوب بناء على ما فهموه أنّ البيع إنّما حلّ لأجل الكسب و الفائدة،و ذلك في الرّبا متحقّق و في غيره موهوم. وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا جملة مستأنفة من اللّه تعالى ردّا عليهم، و إنكارا لتسويتهم.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن أبي حيّان]

(3:50)

ص: 313

محمّد جواد مغنيّة: «ذلك»إشارة إلى استحلالهم للرّبا،و قد فلسفوه بأنّ البيع و الرّبا متماثلان من جميع الوجوه،فكيف يكون البيع حلالا دون الرّبا؟أ ليس للإنسان أن يبيع ما يساوي خمسة دراهم بستّة،و أن يبيع ما يساوي درهما معجّلا بدرهمين مؤجّلين؟إذن،ينبغي أن يسمح له بإعطاء عشرة دراهم بأحد عشر إلى شهر، و الفرق تحكّم في نظر العقل.

و ردّ اللّه سبحانه هذا الزّعم بقوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا و وجه الرّدّ أنّ مجرّد تماثلهما في الظّاهر لا يستدعي أن يكونا كذلك في الواقع،فإنّ البيع عمليّة تجاريّة نافعة،و البائع يقوم بدور الوسيط بين المنتج و المستهلك،فيكون ربحه عوضا عن أتعابه،و ليس أكلا للمال بالباطل.أمّا الرّبا فهو استغلال محض،و أخذ للزّيادة من غير مقابل،فيكون أكلا للمال بالباطل؛و من أجل هذا أحلّ اللّه البيع،و حرّم الرّبا،فاختلافهما حكما عند اللّه دليل على اختلافهما واقعا،و كذلك العكس.

(1:436)

الصّابونيّ: تشبيه لطيف يسمّى«التشبيه المقلوب»و هو أعلى مراتب التّشبيه؛حيث يصبح المشبّه مشبّها به،مثل قولهم:القمر كوجه زيد،و البحر ككفّه...[ثمّ استشهد بشعر]

و مقصودهم تشبيه الرّبا بالبيع المتّفق على حلّه، و لكنّه بلغ اعتقادهم في حلّ الرّبا،أنّهم جعلوه أصلا و قانونا في الحلّ،حتّى شبّهوا به البيع،فتدبّره فإنّه دقيق.

(1:387)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا قد تقدّم الوجه في تشبيه البيع بالرّبا دون العكس،بأن يقال:إنّما الرّبا مثل البيع.فإنّ من استقرّ به الخبط و الاختلال كان واقفا في موقف خارج عن العادة المستقيمة،و المعروف عند العقلاء و المنكر عندهم سيّان عنده،فإذا أمرته بترك ما يأتيه من المنكر و الرّجوع إلى المعروف أجابك-لو أجاب-أنّ الّذي تأمرني به كالّذي تنهاني عنه لا مزيّة له عليه،و لو قال:إنّ الّذي تنهاني عنه كالّذي تأمرني به كان عاقلا غير مختلّ الإدراك.فإنّ معنى هذا القول:أنّه يسلم أنّ الّذي يؤمر به أصل ذو مزيّة يجب اتّباعه،لكنّه يدّعي أنّ الّذي ينهي عنه ذو مزيّة مثله،و لم يكن معنى كلامه إبطال المزيّة و إهماله كما يراه الممسوس.و هذا هو قول المرابيّ المستقرّ في نفسه الخبط:إنّما البيع مثل الرّبا،و لو أنّه قال:أنّ الرّبا مثل البيع،لكان رادّا على اللّه،جاحدا للشّريعة،لا خابطا كالممسوس.

و الظّاهر أنّ قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا حكاية لحالهم النّاطق بذلك و إن لم يكونوا قالوا ذلك بألسنتهم،و هذا السّياق أعني حكاية الحال بالقول،معروف عند النّاس.

و بذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم:أنّ المراد بقولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا نظمهما في سلك واحد،و إنّما قلبوا التّشبيه و جعلوا الرّبا أصلا،و شبّهوا به البيع للمبالغة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذا فساد ما ذكره آخرون:أنّه يجوز أن يكون التّشبيه غير مقلوب بناء على ما فهموه:أنّ البيع إنّما حلّ لأجل الكسب و الفائدة؛و ذلك في الرّبا متحقّق و في غيره

ص: 314

موهوم،و وجه الفساد ظاهر ممّا تقدّم.

قوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا جملة مستأنفة بناء على أنّ الجملة الفعليّة المصدّرة بالماضي لو كانت حالا لوجب تصديرها ب«قد»،يقال:جاءني زيد و قد ضرب عمرا،و لا يلائم كونها حالا لما ما يفيده أوّل الكلام من المعنى،فإنّ الحال قيد لزمان عامله و ظرف لتحقّقه،فلو كانت حالا لأفادت أن تخبطهم،لقولهم:إنّما البيع مثل الرّبا،إنّما هو في حال أحلّ اللّه البيع و حرّم الرّبا عليهم،مع أنّ الأمر على خلافه فهم خابطون بعد تشريع هذه الحلّيّة و الحرمة و قبل تشريعهما،فالجملة ليست حاليّة و إنّما هي مستأنفة.

و هذه المستأنفة غير متضمّنة للتّشريع الابتدائيّ، على ما تقدّم أنّ الآيات ظاهرة في سبق أصل تشريع الحرمة،بل بانية على ما تدلّ عليها آية آل عمران:130 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، فالجملة،أعني قوله:

(و احلّ اللّه)إلخ،لا تدلّ على إنشاء الحكم،بل على الإخبار عن حكم سابق و توطئة،لتفرّع قوله بعدها:

فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ إلخ،هذا ما ينساق إليه ظاهر الآية الشّريفة.

و قد قيل:إنّ قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا مسوق لإبطال قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا و المعنى لو كان كما يقولون لما اختلف حكمهما عند أحكم الحاكمين،مع أنّ اللّه أحلّ أحدهما و حرّم الآخر.

و فيه:أنّه و إن كان استدلالا صحيحا في نفسه لكنّه لا ينطبق على لفظ الآية،فإنّه معنى كون الجملة وَ أَحَلَّ اَللّهُ إلخ،حاليّة و ليست بحال.

و أضعف منه ما ذكره آخرون:أنّ معنى قوله:(و احلّ اللّه)إلخ،إنّه ليست الزّيادة في وجه البيع نظير الزّيادة في وجه الرّبا،لأنّي أحللت البيع و حرّمت الرّبا،و الأمر أمري،و الخلق خلقي،أقضي فيهم بما أشاء،و استعبدهم بما أريد،ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي.

و فيه:أنّه أيضا مبنيّ على أخذ الجملة حاليّة لا مستأنفة،على أنّه مبنيّ على إنكار ارتباط الأحكام بالمصالح و المفاسد ارتباط السّببيّة و المسبّبيّة،و بعبارة أخرى على نفي العلّيّة و المعلوليّة بين الأشياء،و إسناد الجميع إلى اللّه سبحانه من غير واسطة.و الضّرورة تبطله،على أنّه خلاف ما هو دأب القرآن من تعليل أحكامه و شرائعه بمصالح خاصّة أو عامّة،على أنّ قوله في ضمن هذه الآيات: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الآية البقرة:278،و قوله:(لا تظلمون) الآية،و قوله: اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا -إلى قوله- مِثْلُ الرِّبا تدلّ على نوع تعليل لإحلال البيع،بكونه جاريا على سنّة الفطرة و الخلقة،و لتحريم الرّبا بكونه خارجا عن سنن الاستقامة في الحياة،و كونه منافيا غير ملائم للإيمان باللّه تعالى،و كونه ظلما.(2:415)

يبايعون-يبايعونك

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ... الفتح:10

عبادة بن الصّامت:إنّهم بايعوه على الموت.

(ابن الجوزيّ 7:427)

ص: 315

مثله يزيد بن أبي عبيدة(البغويّ 4:224)،و سلمة بن الأكوع(أبو حيّان 8:98).

جابر بن عبد اللّه:بايعنا رسول اللّه تحت الشّجرة على الموت و على أن لا نفرّ،فما نكث أحد منّا البيعة إلاّ جدّ بن قيس،و كان منافقا اختبأ تحت إبط بعيره،و لم يسر مع القوم.(الزّمخشريّ 3:543)

مجاهد :فالمراد بالبيعة المذكورة هاهنا:بيعة الحديبيّة و هي بيعة الرّضوان.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 9:319)

الإمام الرّضا عليه السّلام:عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال:قلت لعليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تقول في الحديث الّذي يرويه أهل الحديث أنّ المؤمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة؟

فقال عليه السّلام:يا أبا الصّلت إنّ اللّه تعالى فضّل نبيّه محمّدا على جميع خلقه من النّبيّين و الملائكة،و جعل طاعته طاعته،و مبايعته مبايعته،و زيارته في الدّنيا و الآخرة زيارته،فقال عزّ و جلّ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،و قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:10،و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه»،و درجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الجنّة أرفع الدّرجات؛و من زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه تبارك و تعالى.(العروسيّ 5:61)

الطّبريّ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ بالحديبيّة من أصحابك على أن لا يفرّوا عند لقاء العدوّ،و لا يولّوهم الأدبار إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ، يقول:إنّما يبايعون ببيعتهم إيّاك اللّه،لأنّ اللّه ضمن لهم الجنّة بوفائهم له بذلك.(26:76)

الزّجّاج :أي أخذك عليهم البيعة عقد للّه عزّ و جلّ عليهم.(5:22)

القمّيّ: نزلت في بيعة الرّضوان لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ... و اشترط عليهم أن لا ينكروا بعد ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيئا يفعله،و لا يخالفوه في شيء يأمرهم به،فقال: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.

و إنّما رضي عنهم بهذا الشّرط أن يفوا بعد ذلك بعهد اللّه و ميثاقه و لا ينقضوا عهده و عقده،فبهذا العهد رضي اللّه عنهم.(2:315)

المفيد: في بيعة النّاس للرّضا عليه السّلام عند المأمون:

جلس المأمون و وضع للرّضا عليه السّلام وسادتين عظيمتين حتّى لحق بمجلسه و فرشه،و أجلس الرّضا عليه السّلام عليهما في الخضرة و عليه عمامة و سيف،ثمّ أمر ابنه العبّاس بن المأمون أن تبايع له في أوّل النّاس،فرفع الرّضا عليه السّلام يده فتلقّى بها وجهه و ببطنها وجوههم،فقال له المأمون:

أبسط يدك للبيعة،فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هكذا كان يبايع،فبايعه النّاس و يده فوق أيديهم.

(العروسيّ 5:61)

الطّوسيّ: و المراد بالبيعة المذكورة هاهنا:بيعة الحديبيّة،و هي بيعة الرّضوان في قول قتادة و مجاهد.

و المبايعة:معاقدة على السّمع و الطّاعة،كالمعاقدة في البيع و الشّراء بما قد مضى،فلا يجوز الرّجوع فيه.

و قيل:إنّها معاقدة على بيع أنفسهم بالجنّة،للزومهم

ص: 316

في الحرب النّصرة.(9:319)

الزّمخشريّ: أكّده تأكيدا على طريق التّخييل، فقال: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يريد أنّ يد رسول اللّه الّتي تعلو أيدي المبايعين هي يد اللّه،و اللّه تعالى منزّه عن الجوارح و عن صفات الأجسام.و إنّما المعنى تقرير أنّ عقد الميثاق مع الرّسول كعقده مع اللّه من غير تفاوت بينهما.كقوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،و المراد بيعة الرّضوان.(3:543)

نحوه أبو السّعود.(6:99)

ابن عطيّة :يريد في«بيعة الرّضوان»و هي بيعة الشّجرة حين أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الأهبة لقتال قريش،لمّا بلغه قتل عثمان بن عفّان رسوله إليهم؛و ذلك قبل أن ينصرف من الحديبيّة،و كان في ألف و أربعمائة رجل.

قال النّقّاش:و قيل:كان في ألف و ثمانمائة،و قيل:

و سبعمائة،و قيل:و ستّمائة،و قيل:و مائتين.

و بايعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على الصّبر المتناهي في قتال العدوّ إلى أقصى الجهد.[إلى أن قال:]

و المبايعة في هذه الآية«مفاعلة»من البيع،لأنّ اللّه تعالى اشترى منهم أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة.و بقي اسم«البيعة»بعد معاقدة الخلفاء و الملوك،و على هذا سمّت الخوارج أنفسهم الشّراة،أي اشتروا بزعمهم الجنّة بأنفسهم.و معنى إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ أنّ صفقتهم إنّما يمضيها و يمنح ثمنها اللّه تعالى.

و قرأ تمّام بن العبّاس بن عبد المطّلب: (انّما يبايعون اللّه) قال أبو الفتح:ذلك على حذف المفعول لدلالة الأوّل عليه و قربه منه.(5:129)

نحوه أبو حيّان(8:91)،و المراغيّ(26:90).

الطّبرسيّ: المراد بالبيعة هنا:بيعة الحديبيّة،و هي بيعة الرّضوان،بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على الموت.

إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يعني أنّ المبايعة معك تكون مبايعة مع اللّه،لأنّ طاعتك طاعة اللّه و إنّما سمّيت بيعة، لأنّها عقدت على بيع أنفسهم بالجنّة للزومهم في الحرب النّصرة.(5:113)

نحوه القرطبيّ.(16:267)

ابن الجوزيّ: يعني بيعة الرّضوان بالحديبيّة.

و على ما ذا بايعوه؟فيه قولان:

أحدهما:أنّهم بايعوه على الموت،قاله عبادة بن الصّامت.

و الثّاني:على أن لا يفرّوا،قاله جابر بن عبد اللّه.

و معناهما متقارب،لأنّه أراد:على أن لا تفرّوا و لو متّم.و سمّيت بيعة،لأنّهم باعوا أنفسهم من اللّه بالجنّة، و كان العقد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فكأنّهم بايعوا اللّه عزّ و جلّ،لأنّه ضمن لهم الجنّة بوفائهم.(7:427)

الخازن :يعني إنّ الّذين يبايعونك يا محمّد بالحديبيّة على أن لا يفرّوا إنّما يبايعون اللّه،لأنّهم باعوا أنفسهم من اللّه عزّ و جلّ بالجنّة.

و أصل البيعة:العقد الّذي يعقده الإنسان على نفسه من بذل الطّاعة للإمام،و الوفاء بالعهد الّذي التزمه له.

و المراد بهذه البيعة:بيعة الرّضوان بالحديبيّة.و هي قرية ليست بكبيرة،بينها و بين مكّة أقلّ من مرحلة أو مرحلتين،سميّت ببئر هناك.(6:159)

ابن كثير :هذه البيعة هي بيعة الرّضوان،و كانت

ص: 317

تحت شجرة سمرة بالحديبيّة،و كان الصّحابة رضي اللّه عنهم الّذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يومئذ قيل:ألفا و ثلاثمائة،و قيل:و أربعمائة،و قيل:و خمسمائة،و الأوسط أصحّ.[ثمّ روى عن البخاريّ أحاديث فراجع](6:

331)

الشّربينيّ: قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا أشرف الرّسل بالحديبيّة على أن لا يفرّوا إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ أي الملك الأعظم،لأنّ عملك كلّه من قول أو فعل له تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى النّجم:3.

و سمّيت مبايعة لأنّهم باعوا أنفسهم فيها من اللّه تعالى بالجنّة،قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى...

التّوبة:111.(4:42)

البروسويّ: أي يعاهدونك على قتال قريش تحت الشّجرة.و سمّيت«المعاهدة»مبايعة تشبيها بالمعاوضة الماليّة،أي مبادلة المال بالمال في اشتمال كلّ واحد منهما على معنى المبادلة،فهم التزموا طاعة النّبيّ عليه السّلام و الثّبات على محاربة المشركين.

و النّبيّ عليه السّلام وعد لهم بالثّواب و رضى اللّه تعالى.

قال بعض الأنصار عند بيعة العقبة:تكلّم يا رسول اللّه فخذ لنفسك و لربّك ما أحببت،فقال عليه السّلام:أشترط لربّي أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا،و لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم و أبناءكم و نساءكم.

فقال ابن رواحة رضي اللّه عنه:فإذا فعلنا فما لنا؟ فقال:لكم الجنّة.قالوا:ربح البيع لا نقيل و لا نستقيل إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يعني أنّ من بايعك بمنزلة من بايع اللّه،كأنّهم باعوا أنفسهم من اللّه بالجنّة،كما قال تعالى:

إِنَّ اللّهَ اشْتَرى... و ذلك لأنّ المقصود ببيعة رسوله هو وجه اللّه و توثيق العهد بمراعاة أوامره و نواهيه.

قال ابن الشّيخ:لمّا كان الثّواب إنّما يصل إليهم من قبله تعالى،كان المقصود بالمبايعة منه عليه السّلام المبايعة مع اللّه،و إنّه عليه السّلام إنّما هو سفير و معبّر عنه تعالى،و بهذا الاعتبار صاروا كأنّهم يبايعون اللّه.

قال سعدي المفتي:الظّاهر-و اللّه أعلم-أنّ المعنى على التّشبيه،أي كأنّهم يبايعون اللّه.(9:19)

الطّباطبائيّ: البيعة:نوع من الميثاق ببذل الطّاعة،و الكلمة مأخوذة من«البيع»بمعناه المعروف.

فقد كان من دأبهم أنّهم إذا أرادوا إنجاز البيع أعطى البائع يده للمشتري،فكأنّهم كانوا يمثّلون بذلك نقل الملك بنقل التّصرّفات الّتي يتحقّق معظمها باليد إلى المشتري بالتّصفيق،و بذلك سمّي التّصفيق عند بذل الطّاعة:بيعة و مبايعة،و حقيقة معناه:أعطاه المبايع يده للسّلطان مثلا ليعمل به ما يشاء.

فقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ تنزيل بيعته صلّى اللّه عليه و آله منزلة بيعته تعالى،بدعوى أنّها هي فما يواجهونه صلّى اللّه عليه و آله به من بذل الطّاعة لا يواجهون به إلاّ اللّه سبحانه،لأنّ طاعته طاعته اللّه،ثمّ قرّره زيادة تقرير و تأكيد،بقوله: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حيث جعل يده صلّى اللّه عليه و آله يد اللّه،كما جعل رميه صلّى اللّه عليه و آله رمي نفسه في قوله:

وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى الأنفال:17.

و في نسبة ماله صلّى اللّه عليه و آله من الشّأن إلى نفسه تعالى آيات كثيرة،كقوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،و قوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ

ص: 318

اَلظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33،و قوله:

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128.(18:274)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(يبايعونك)في سورة الفتح:18.

بيع

اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ... الحجّ:40

ابن عبّاس:إنّها كنائس اليهود.(ابن كثير 4:650)

مثله مجاهد(الماورديّ 4:30)،و ابن زيد(الطّبريّ 17:176)

الضّحّاك: (البيع):بيع النّصارى.

مثله قتادة و رفيع.(الطّبريّ 17:176)

نحوه الزّجّاج(3:430)،و البغويّ(3:343)، و الزّمخشريّ(3:16)،و أبو السّعود(4:384)، و القرطبيّ(12:71)،و البيضاويّ(2:93).

(و بيع)و هي أوسع منها[صوامع]و أكثر عابدين فيها،و هي للنّصارى أيضا.

مثله قتادة و مقاتل و أبو العالية و خصيف و ابن صخر.(ابن كثير 4:649)

الماورديّ: و البيعة:اسم أعجميّ معرّب.(4:30)

ابن عطيّة :و البيع للنّصارى،و الصّلوات لليهود، و المساجد للمسلمين.و الأظهر أنّها قصد بها المبالغة بذكر المتعبّدات،و هذه الأسماء تشترك الأمم في مسمّياتها إلاّ«البيعة»فإنّها مختصّة بالنّصارى في عرف لغة العرب.

و معاني هذه الأسماء هي في الأمم الّتي لها كتاب على قديم الدّهر،و لم يذكر في هذه المجوس و لا أهل الاشتراك، لأنّ هؤلاء ليس لهم ما تجب حمايته،و لا يوجد ذكر اللّه إلاّ عند أهل الشّرائع.(4:125)

الطّبرسيّ: البيع للنّصارى في القرى،و الصّوامع في الجبال و البراريّ.(4:87)

الفخر الرّازيّ: ما الصّوامع و البيع و الصّلوات و المساجد؟

الجواب:ذكروا فيها وجوها:

أحدها:الصّوامع للنّصارى،و البيع لليهود، و الصّلوات للصّابئين،و المساجد للمسلمين،عن أبي العالية رضي اللّه عنه.

و ثانيها:الصّوامع للنّصارى،و هي الّتي بنوها في الصّحاري،و البيع لهم أيضا و هي الّتي يبنونها في البلد، و الصّلوات لليهود.قال الزّجّاج:و هي بالعبرانيّة «صلوتا».

و ثالثها:الصّوامع للصّابئين،و البيع للنّصارى، و الصّلوات لليهود،عن قتادة.

و الرّابع:أنّها بأسرها أسماء المساجد،عن الحسن، أمّا الصّوامع فلأنّ المسلمين قد يتّخذون الصّوامع،و أمّا البيع فأطلق هذا الاسم على المساجد على سبيل التّشبيه،و أمّا الصّلوات فالمعنى أنّه لو لا ذلك الدّفع لانقطعت الصّلوات و لخربت المساجد.(23:40)

نحوه النّيسابوريّ.(17:101)

البروسويّ: و البيع:جمع بيعة،و هي كنائس

ص: 319

النّصارى الّتي يبنونها في البلدان،ليجتمعوا فيها لأجل العبادة.(6:39)

الآلوسيّ: و البيع:واحدها بيعة بوزن«فعلة»و هي مصلّى النّصارى،و لا تختصّ برهبانهم كالصّومعة.و قيل:

هي كنيسة اليهود.(17:163)

الطّباطبائيّ: و البيع:جمع بيعة بكسر الباء،معبد اليهود و النّصارى.(14:385)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البيع على أربعة أوجه:الفداء،البيعة، و البيع،البيعة.

فوجه منها:البيع يعني الفداء،قوله: يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ البقرة:254،يعني الفداء،كقوله تعالى: يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ إبراهيم:31.

و الوجه الثّاني:البيعة:أخذ المواثيق،قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ الفتح:10.

و الوجه الثّالث:البيع بعينه،قوله: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:275.

و الوجه الرّابع:البيعة:بيعة النّصارى،قوله تعالى:

وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ... الحجّ:40.(147)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البيع:ضدّ الشّراء، و الشّراء أيضا،يقال:بعت الشّيء أبيعه بيعا و مبيعا،إذا بعته من غيرك،و بعته:اشتريته،فأنا بائع و بيّع،و هو مشتر و بيّع أيضا،و هما بيّعان،و هم بيّعون،و هي بيّعة، و هنّ بيّعات.و البيعة:الصّفقة على إيجاب البيع،و هو مبيع و مبيوع،و بياعة و بياعات.و البيعة:هيئة البيع، مثل:الجلسة و الرّكبة،يقال:إنّه لحسن البيعة.و رجل بيّاع:كثير البيع،و رجل بيوع:جيّد البيع،و رجل بيّع:

بيوع.

و منه أيضا:ابتاع الشّيء:اشتراه،و أباعه،عرّضه للبيع،و بايعه مبايعة و بياعا:عارضه بالبيع،و استباعه الشّيء:سأله أن يبيعه منه.

و من المجاز:باع فلان على بيعك،أي قام مقامك في المنزلة و الرّفعة،و ما باع على بيعك أحد:لم يساوك أحد.

و البيعة:المبايعة و الطّاعة،و بايعه على الأمر مبايعة:

عاهده،كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، و أعطاه خالصة نفسه و طاعته و دخيلة أمره،و قد تبايع القوم على الأمر.

2-و البيعة:كنيسة اليهود أو النّصارى،و الجمع:

بيع.و نسب الجواليقيّ القول في كونها فارسيّة معرّبة إلى بعض العلماء،و لكنّنا لم نعثر على ما يؤيّد ذلك.و لعلّها معرّبة اللّفظ الآراميّ«بيعاه»كما قال«فرانكل»،أو اللّفظ السّريانيّ«بيعتا»كما قال«آرثر جفري»،و اللّفظ الأخير هو الأقرب إلى اللّفظ المعرّب.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة(11)آية في ثلاثة محاور:

البيعة:3 آيات،البيع:7 آيات،البيع:آية واحدة:

البيعة:1- إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ

ص: 320

وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

الفتح:10

2- لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:18

3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الممتحنة:12

البيع:4- إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة:111

5- ...وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة:282

6- اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

البقرة:275

7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الجمعة:9

8- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ النّور:37

9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ البقرة:254

10- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ إبراهيم:31

البيع:11- وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الحجّ:40

يلاحظ أوّلا:أنّ البيعة-و هي المحور الأوّل-جاءت بصيغة«المفاعلة»لأنّها بين اثنين،في ثلاث آيات،ففي (1)و(2)مبايعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرّجال،و في(3)مبايعته النّساء.

أمّا مبايعته الرّجال فكانت في صلح الحديبيّة؛حيث سافر النّبيّ مع جماعة من أصحابه ليعتمر في العام السّادس من الهجرة،فمنعته قريش من دخول مكّة عند الحديبيّة.و كان قد أرسل من قبل عثمان بن عفّان ليبلّغ ذلك قريشا،فتأخّر قدومه و شاع أنّه قتل فجمع النّبيّ أصحابه و بايعهم إمّا على المقاومة،أو على الموت حسب اختلاف الرّوايات،فعظّم اللّه بيعتهم هذه في سورة الفتح مرّتين:

ص: 321

ففي المرّة الأولى أعلن أنّ بيعتهم النّبيّ مبايعة اللّه، و أنّ يد اللّه كانت فوق أيديهم حينما وضع النّبيّ يده على أيديهم.و هذا تعظيم بالغ لهم و للنّبيّ؛حيث جعل يده يد اللّه،وضعها على أيديهم،و كفى به شرفا لهم.

و من أجل ذلك كرّر فعل(يبايعونك)،فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ، في سياق الحصر ب(انّما)،أي ليست تلك البيعة سوى بيعة مع اللّه مبالغة.

ثمّ ختمها بقوله: وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً، و هذا أجرهم في الآخرة،و ذاك أجرهم في الدّنيا.

أمّا المرّة الثّانية فأعلن في(2)في سياق مؤكّد لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، عالما بما في قلوبهم من صدق النّيّة،فكافأهم بجائزتين معنويّتين في الدّنيا:إحداهما إنزال السّكينة عليهم، و ثانيتهما الفتح المبين القريب،و هو الصّلح الّذي عقد بين المؤمنين و قريش،و قد تكفّلت سورة الفتح و تفسيرها ببيان آثار هذا الصّلح المبين.

هذه جائزتهم في الدّنيا،أمّا في الآخرة فبوعدهم أجرا عظيما.

ثانيا:جاءت في(3)مبايعة المؤمنات النّبيّ،و هناك بون شاسع بين البيعتين بأمور:

1-رغم أنّ المبايعة فيها كانت من طرف المؤمنين و المؤمنات،أي أنّهم الّذين بايعوا النّبيّ من عند أنفسهم و برضى منهم بهذه المبايعة،إلاّ أنّ ما بايعوه عليه مختلف، يناسب حال كلّ من الرّجال و النّساء،فالمبالغة من قبل الرّجال في الآيتين مطلقة،لم يذكر متعلّقها على الرّغم من تكرارها فيهما ثلاث مرّات،و جاءت مرّة رابعة مطلقه أيضا في(1)بلفظ(ما عاهد عليه اللّه)و هذا يحكي عن طاعتهم الشّاملة في كلّ الأمور للنّبيّ عليه السّلام،إلاّ أنّها حسب الرّوايات كانت على الصّمود و المقاومة أمام الخصم و على القتال حتّى الموت.

أمّا مبايعة النّساء فكانت على أن لا يشركن باللّه -و هذا أصل الإيمان-و على أن لا يزنين-و كانت الفاحشة شائعة بينهنّ في الجاهليّة-و أن لا يقتلن أولادهنّ-و كانت عادة شائعة أيضا-و أن لا يأتين ببهتان بين أيديهنّ و أرجلهنّ-و هو أن يفترين على أزواجهنّ بأنّ أولادهنّ من الزّنى هم أولادهم-و أن لا يعصين النّبيّ في معروف.

2-إنّ مبايعة الرّجال لم يأت بها أمر من اللّه،بل انعقدت بينهم و بين النّبيّ بدعوة منه صلّى اللّه عليه و آله و رضي اللّه بها، أمّا مبايعة النّساء-و إن بدأت منهنّ-فقد أمر اللّه النّبيّ بقبولها و بمبايعتهنّ؛حيث قال: إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ... فَبايِعْهُنَّ، و هذه منقبة لهنّ.

3-لقد عظّم اللّه مبايعة الرّجال بأمور:كرّرها ثلاث مرّات،بلفظ المبايعة،و مرّة بلفظ المعاهدة-كما سبق- وصفها بأنّها مبايعة اللّه،و أعلن رضاه عنهم،و وهبهم السّكينة،و الفتح في الدّنيا و الأجر العظيم في الآخرة.أمّا مبايعته النّساء فقد كافأهنّ أوّلا بأمر النّبيّ بمبايعتهنّ، و ثانيا بأن يستغفر لهنّ،و ثالثا بوعدهنّ بأنّ اللّه غفور رحيم.

4-قد كرّرت المبالغة في الآيات مرّات:ثلاثا للرّجال و مرّتين للنّساء،و المبايعون فيها جميعا النّاس إلاّ في

ص: 322

(فبايعهنّ)فالمبايع لهنّ هو النّبيّ،و هذه مزيّة خاصّة بالنّساء.

5-قد اشترط على الرّجال في(1)الوفاء بما عاهدوا اللّه،أمّا من نكث فإنّما ينكث على نفسه،فلم يمنحهم ذلك الأجر العظيم إلاّ بهذا الشّرط.و لم يشترطه للنّساء،بل عوّض عنها بقوله: وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ و هذا مع شموله تعبير ليّن يناسب طبيعتهنّ،خلافا لما وجّهه إلى الرّجال في فَمَنْ نَكَثَ... من الوعد و الوعيد في سياق جازم.

ثالثا:جاءت في آيات البيع السّبع-و هو المحور الثّاني-لفظ البيع(7)مرّات،و كلّ من لفظي(بايعتم) و(تبايعتم)مرّة واحدة،و فيها مواقع للبحث:

1-الظّاهر أنّ المراد بالبيع في جميع الآيات ما يشمل «البيع و الشّراء»دون البيع فقط،و هذا ما يعبّر عنه بالمعاملة«خريدوفروش»بالفارسيّة.فقد جاء في صدر الآية(4): إِنَّ اللّهَ اشْتَرى، و المراد به الاشتراء،و هو كناية.الّذي اشتراه هو أنفس المؤمنين و أموالهم، و المؤمنون هم البائعون.و جاء في ذيلها: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ فالاشتراء جاء بمعناه الشّائع، و البيع جاء بمعنى المعاملة،أي مجموع البيع و الشّراء، و كذلك الأمر في(بايعتم)و(تبايعتم)في(4)و(5).

و كذلك في آية البيع و الرّبا،فإنّ المشركين قاسوا في (6)الرّبا بالبيع بهذا المعنى،فقالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا، فردّ اللّه عليهم بقوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، أي أنّ هذا قياس مع الفارق،فكرّر كلّ من البيع و الرّبا مرّتين.

و كذلك المحرّم في(7)هو المعاملة بيعا و شراء أيضا حين النّداء للصّلاة من يوم الجمعة.و وصف في(8) كذلك رجالا بأنّهم لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه.

و وصف في(9)و(10)يوم القيامة بأنّه لا بيع فيه و لا خلال و لا شفاعة،و أريد بذلك كلّه المعاملة دون البيع فقط.

و فرغنا بذلك من القول بأنّ«البيع»و ما اشتقّ منه لم يأت في القرآن بمعنى البيع مقابل الشّراء،و هذا يوافق اللّغة،فإنّه-كما مرّ في الأصول اللّغويّة-بمعنى الصّفقة، و هي مشتركة بين البائع و المشتري،كما هي مشتركة بين البيع و البيعة.

2-قيل:هلاّ قال:إنّما الرّبا مثل البيع،لأنّ الكلام في الرّبا لا في البيع،فشبّهوا الرّبا بالبيع فاستحلّوه؟و أجيب بوجوه:

أحدها:أنّه جاء على طريق المبالغة،إذ بلغ من اعتقادهم في حلّيّة الرّبا أنّهم جعلوه أصلا و قانونا في الحلّ،و جعلوا البيع فرعا منه،و هذا من باب التّشبيه المقلوب،و هو أعلى مراتب التّشبيه،مثل قولهم:القمر كوجه زيد،و البحر ككفّه.و قد ردّ اللّه كلامهم إلى أصله، فجعل«البيع»أصلا؛حيث قال: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، فقرّر أنّ المعيار في التّحليل و التّحريم أمر اللّه تعالى،فقد أحلّ البيع و حرّم الرّبا.

ثانيهما:أنّه لم يكن غرضهم بذلك أن يتمسّكوا بنظم القياس،بل البيع و الرّبا سيّان من جميع الوجوه،فكيف يجوز تخصيص أحد المثلين بالحلّ و الآخر بالحرمة؟فأيّهما قدّم أو أخّر جاز،و الوجه الأوّل عندنا أقرب إلى الصّواب.

ص: 323

ثالثها:إنّما قلّبوا التّشبيه خبطا لاختلال عقولهم بالإفراط في أكل الرّبا،لاحظ النّصوص.

3-ظاهر السّياق أنّ قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، كلام مستأنف من اللّه و إجابة عن شبهتهم، و عليه أكثر المفسّرين.و قيل:إنّه من تتمّة كلام المشركين،سيق مساق جملة حاليّة،أي أنّهم قالوا:

البيع و الرّبا سيّان،فكيف تقولون: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا، و لا يليق التّفريق بين المثلين في الحكم بحكمة الحكيم؟فهذا استبعاد منهم.

و قد أبطله الفخر الرّازيّ بحجج،أقواها أنّه بناء على ذلك سكت اللّه عن جوابهم،مع أنّ ذيل الآية فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ...، يدلّ على أنّه قد كشف عن فساد شبهتهم،فلاحظ.

4-هناك بحث بينهم:هل الآية مجملة أو عامّة، و لكلّ حجّة،لاحظ النّصوص و لا سيّما نصّ الفخر الرّازيّ.

5-رتّبوا صورة القياس في إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا بأنّه يجوز بيع درهم بدرهمين،كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدرهمين،فقاسوا الأوّل على الثّاني، و أجابوا بأنّ من باع مثلا ثوبا يساوي درهما بدرهمين، فقد جعل الثّوب مقابلا لدرهمين،فلا شيء منه إلاّ و في مقابله شيء من الثّوب،و إذا باع درهما بدرهمين فقد أخذ الدّرهم الزّائد بغير عوض.و لو قيل:إنّ الإمهال عوض،يقال:إنّ الإمهال ليس مالا حتّى يكون في مقابله المال.

و الحقّ أنّه لا بدّ من الفرق بين الرّبا في المعاملة و الرّبا في القرض،و لكلّ منهما وجه معقول في السّوق العالميّ، فالمدّة في القرض يحاسب عليها،كما أنّ وصف السّلعة يتفاوت إذا كان من جنس واحد،و العقلاء يقدّرون لكلّ من الجيّد و الرّديء قسطا من الثّمن.

أمّا الإسلام فقد نهى عن الرّبا في القرض لمصالح اجتماعيّة أخلاقيّة،لا لمصالح اقتصاديّة إلاّ تبعا،و أمّا في المعاملات فلعلّه لفقد معيار منضبط للجيّد و الرّديء.

و لا تزال مسألة الرّبا محطّ البحث و النّظر بين علماء الاقتصاد المسلمين،و قد عثروا على مفرّ منه في البنوك و المصارف،فأسّسوا البنوك الإسلاميّة.

6-جاء في(8): رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ، التّجارة عامّة تشمل البيع،فما وجه الإتيان بها؟

لقد ذكروا لها وجوها:

أحدها:التّجارة جلب المتاع من خارج البلد، و البيع تبديله في الدّاخل،و لكلّ معناه.

ثانيها:المراد بالتّجارة:الشّراء مقابل البيع،و البيع تبديل العرض بالنّقد،و الشّراء عكسه،و الرّغبة في تحصيل النّقد أكثر.

ثالثها:التّجارة تشمل البيع،و خصّ البيع بالذّكر- و هو من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ-لأنّ الرّبح في البيع يقينيّ و في التّجارة متوقّع،فعدم الهاء التّجارة لا يستلزم عدم الهاء البيع الرّابح بالفعل،و لذلك كرّر«لا»للتّرقّي من الأمر المحتمل إلى الأمر اليقينيّ.

رابعها:ما قاله الطّباطبائيّ:بأنّ التّجارة إذا قوبلت بالبيع كان المفهوم منها بحسب العرف الاستمرار في الاكتساب بالبيع و الشّراء،و الفرق بينهما هو الدّفعة و الاستمرار.فمعنى نفي البيع-و هو أمر دفعيّ-بعد نفي

ص: 324

التّجارة أنّهم لا يلهون عن ربّهم في مكاسبهم دائما،و لا في وقت من الأوقات.

خامسها:لو قيل:إنّهما مترادفان،و قد كرّر بلفظين إيضاحا و تأكيدا،لم يكن بعيدا،و مثله كثير في المحاورات،لاحظ«ت ج ر».

رابعا:جاء وصف يوم القيامة في(9)بأنّه لا بيع فيه و لا خلّة و لا شفاعة،و اكتفى في(10)بالبيع و الخلال.

و هذه الثّلاث أداة الخلاص من الجناية،فإنّ الجاني إمّا يتشبّث بالمبادلة عليه بالبيع و الشّراء،أو يتوسّل إلى خلّة بينه و بين من يعاقبه،أو إلى شفاعة شفيع يدفع بشفاعته الجريمة عن نفسه،فقد سدّت جميع طرق الخلاص،و لم يبق إلاّ العذاب.قال الطّبرسيّ(3:316):

«و المراد بالبيع إعطاء البدل ليتخلّص من النّار،لا أنّ هناك مبايعة».فالبيع هنا بمعناه العامّ،أو هو مجاز.

خامسا:جاءت«بيع»في(11)،و هي جمع بيعة، أي معبد اليهود،أو النّصارى،أو لهما معا،أو هي للنّصارى في القرى،و الصّوامع في الجبال و البراري، لاحظ النّصوص.

و ما يهمّنا هنا أمران:

الأوّل:أنّ اللّه ذكر معابد أهل الكتاب-أي اليهود و النّصارى-و المسلمين بمستوى واحد معظّما لها جميعا، و هذا اعتراف منه تعالى بشرعيّتها.و نحن نعلم أنّ كنائس اليهود و النّصارى في الإسلام لا تهدم،بل أبوابها مفتوحة لأهلها،فهذه الآية تحكي سماحة الإسلام أمام الأديان الإلهيّة دون معابد المشركين و المجوس و سائر الملل.

الثّاني:أنّها جاءت عقيب آية الجهاد،و هي أوّل آية في الجهاد كما قيل و هي إذن للمؤمنين أن يدافعوا عن أنفسهم و عن أهل الكتاب على السّواء.فالجهاد في الإسلام بدأ بالدّفاع الّذي كرّر في هذه الآيات: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ* أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ... الحجّ:38-40،فهي وعد بالنّصر و الدّفاع من اللّه،و أمر للمؤمنين بالقتال دفاعا عن أنفسهم و عن أهل الكتاب،حفاظا على معابدهم جميعا الّتي يذكر فيها اسم اللّه تعالى.

ص: 325

ص: 326

ب ي ن

اشارة

42 لفظا،523 مرّة:294 مكّيّة،229 مدنيّة

في 71 سورة:47 مكّيّة،24 مدنيّة

بيان 1:-1 نبيّن 2:-2

البيان 1:-1 لنبيّنه 1:1

بيانه 1:1 مبيّنة 3:-3

بيّن 1:1 مبيّنات 3:-3

بيّنة 17:12-5 تبيانا 1:1

البيّنة 2:-2 تبيّن 11:2-9

بيّنات 17:9-8 تبيّنت 1:1

البيّنات 35:17-18 يتبيّن 3:1-2

يبين 1:1 فتبيّنوا 3:-3

مبين 84:75-9 تستبين 1:1

المبين 22:16-6 المستبين 1:1

مبينا 13:1-12 بين 88:40-48

بيّنوا 1:-1 بينه 5:2-3

بيّنّا 3:-3 بينها 2:-2

بيّنّاه 1:-1 بينهما 32:23-9

يبيّن 21:2-19 بينهم 64:38-26

ليبيّنن 1:1 بينهنّ 1:-1

يبيّنها 1:-1 بينك 7:7

لتبيّن 2:2 بينكم 39:14-25

لتبيّننّه 1:-1 بينى 11:10-1

لابيّن 1:1 بيننا 17:13-4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البائن:أحد الحالبين اللّذين يحلبان النّاقة، و الآخر يسمّى المستعلي.[ثمّ استشهد بشعر]

و البان:شجر،الواحدة:بانة.

و البينونة:مصدر بان يبين بينا و بينونة،أي قطع.

و البين:الفرقة،و الاسم:البين أيضا.

و البين:الوصل،قال عزّ من قائل: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،أي وصلكم.

ص: 327

و يقال:بانت يد النّاقة عن جنبها بينونة و بينونا.

و قولك:بينا فلان،معناه بينما.

و قوس بائن،و هي الّتي بان وترها عن كبدها، تنعت به القوس العربيّة.

و البيان:معروف،و بان الشّيء و أبان و تبيّن و بيّن و استبان،و المجاوز يستوي بهذا.

و البيّن من الرّجال:الفصيح،و قال بعضهم:رجل بيّن و جهير،إذا كان بيّن المنطق و جهير المنطق.(8:380)

الأخفش:و الباناة:مقلوب عن البائنة،و الباناة:

النّبل الصّغار.(ابن سيده 10:507)

اللّيث:البيان:الفصاحة،كلام بيّن:فصيح.

(الأزهريّ 15:499)

الكسائيّ: التّبيين:التّثبّت في الأمر و التّأنّي فيه.

(الأزهريّ 15:499)

ابن شميّل:البيّن من الرّجال:السّمح اللّسان، الفصيح الظّريف،العالي القليل الرّتج.

(الأزهريّ 15:499)

يقال للجارية إذا تزوّجت:قد بانت،و هنّ قد بنّ، إذا تزوّجن.

و بيّن فلان بنته و أبانها،إذا زوّجها،و صارت إلى زوجها.(الأزهريّ 15:501)

أبو زيد :يقال:طلب فلان البائنة إلى أبويه؛و ذلك إذا طلب إليهما أن يبيناه بمال،فيكون له على حدة.

و لا تكون البائنة إلاّ من الوالدين أو أحدهما.

و قد أبانه أبواه إبانة،حتّى بان هو بذلك،يبين بيونا.

(الأزهريّ 15:501)

يقال:بان لي الأمر و أبان،و نال أن أفعل كذا و كذا.

(ابن دريد 3:434)

بان الحيّ بينونة و بيّنا،إذا ظعنوا و تباينوا تباينا،إذا كانوا جميعا فتفرّقوا.

و البين:ما ينتهي إليه بصرك من حائط أو غيره.

(الطّوسيّ 4:221)

الأصمعيّ: و البين:الفراق،يقال:بان يبين بينا، إذا فارق.و البين:الوصل،قال اللّه جلّ ثناؤه: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94.(الأضداد:52)

نحوه ابن السّكّيت.(الأضداد:204)

أبو عبيد: أمّا البيان فإنّه من الفهم و ذكاء القلب مع اللّسان اللّسن،و منه الحديث المرفوع:«إنّ من البيان سحرا.[إلى أن قال:]

فكان المعنى-و اللّه أعلم-أنّه يبلغ من بيانه أنّه يمدح الإنسان فيصدق فيه،حتّى يصرف القلوب إلى قوله.ثمّ يذمّه فيصدق فيه،حتّى يصرف القلوب إلى قوله الآخر،فكأنّه قد سحر السّامعين بذلك،فهذا وجه قوله:

«إنّ من البيان سحرا».(1:227)

ابن الأعرابيّ: البين:النّاحية،و البين:قدر مدّ البصر من الطّريق.(الأزهريّ 15:500)

البونة:البنت الصّغيرة،و البونة:الفصيلة،و البونة:

الفراق.(الأزهريّ 15:502)

أبو نصر الباهليّ: و فصل بين كلّ أرضين يقال له:

بين،و هي التّخوم،و الجمع:بيون.(ابن منظور 13:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: سمعت المبرّد يقول:إذا كان الاسم الّذي يجيء بعد«بينا»اسما حقيقيّا رفعته

ص: 328

بالابتداء،و إن كان اسما مصدريّا خفضته،و تكون «بينا»في هذه الحال بمعنى«بين».

فسألت أحمد بن يحيى عنه أعلمه،فقال:هذا الدّرّ، إلاّ أنّ من الفصحاء من يرفع الاسم الّذي بعد«بينا»و إن كان مصدريّا فيلحقه بالاسم الحقيقيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا«بينما»فالاسم الّذي بعده مرفوع،و كذلك المصدر.(الأزهريّ 15:499)

ابن السّكّيت: و تباين ما بينهم،إذا انقطع كلّ واحد من صاحبه.(94)

و البين:الفراق.و البين:القطعة من الأرض قدر مدّ البصر.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:5)

و يقال:إنّ بينهما لبونا في الفضل و بينا،لغتان.فأمّا في البعد فيقال:إنّ بينهما لبينا.(إصلاح المنطق:136)

تقول:بين الرّجلين بون بعيد،أي تفاوت،و قد بان صاحبه يبونه بونا:فهذه اللّغة العالية،و منهم من يقول:

بينهما بين بعيد،و قد بان صاحبه يبينه بينا.

(إصلاح المنطق:187)

أبو الهيثم: الكواكب البابانيّات،هي الّتي لا تنزل بها شمس و لا قمر،إنّما يهتدى بها في البرّ و البحر،و هي شآميّة،و مهبّ الشّمال منها،أوّلها القطب،هو كوكب لا يزول،و الجدي و الفرقدان،و هو بين القطب،و فيه بنات نعش الصغرى.(الأزهريّ 15:498)

الدّينوريّ: نخلة بائنة:فارقت كبائسها الكوافير، و امتدّت عراجينها و طالت.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيدة 10:507)

كراع النّمل:«التّبيان»مصدر،و لا نظير له إلاّ التّلقاء،و هو مذكور في موضعه.(ابن منظور 13:68)

الزّجّاج :بان الأمر و أبان بيانا و إبانة،إذا استبان.

(فعلت و أفعلت:3)

يقال:بان الشّيء و أبان،بمعنى واحد،و يقال:بان الشّيء و أبنته.(الأزهريّ 15:495)

ابن دريد :البين:مصدر بان يبين بينا.و البين:

الغلظ من الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و بين:موضع قريب من الحيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:332)

و البين:ارتفاع في الأرض في غلظ.[ثمّ استشهد بشعر]

و بان الشّيء عن الشّيء،إذا افترق،و بان الشّيء و استبان.

و بينونة:موضع.(3:211)

الأزهريّ: يقال:بان الحقّ يبين بيانا،فهو بائن.

و أبان يبين إبانة فهو مبين،بمعناه،و منه قوله تعالى:

حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ الزّخرف:1،2.(15:495)

يقال:بان الشّيء،و بيّن،و أبان،و استبان،بمعنى واحد،و منه قوله تعالى: آياتٍ مُبَيِّناتٍ النّور:34، بكسر الياء و تشديدها،بمعنى متبيّنات.

و من أمثال العرب:«قد بيّن الصّبح لذي عينين»أي تبيّن.

و يقال:تبيّنت الأمر،أي:تأمّلته و توسّمته،و قد تبيّن الأمر،يكون لازما و واقعا.و كذلك:بيّنته فبيّن، أي تبيّن،لازم و متعدّ.(15:496)

و العرب تقول:بيّنت الشّيء تبيينا و تبيانا،بكسر

ص: 329

التّاء.و«تفعال»بكسر التّاء يكون اسما في أكثر كلام العرب.

فأمّا المصدر فإنّه يجيء على«تفعال»بفتح التّاء، مثل:التّكذاب،و التّصداق،و ما أشبهه.

و جاء في المصادر حرفان نادران،و هما تلقاء الشّيء،و التّبيان،و لا يقاس عليهما.(15:497)

و يقال:بانت يد النّاقة عن جنبها تبين بيونا.و بان الخليط يبين بينا و بينونة.[ثمّ استشهد بشعر]

(15:498)

و قال أبو مالك: البين:الفصل بين الأرضين،يكون المكان حزنا و بقربه رمل،و بينهما شيء ليس بحزن و لا سهل...

و قال أبو مالك: بئر بيون،و هي الّتي لا يصيبها رشاؤها،و ذلك لأنّ جراب البئر مستقيم.

و قال غيره:البيون:البئر الواسعة الرّأس الضّيّقة الأسفل.

و قال بعضهم:بئر بيون،و هي الّتي يبين المستقي الحبل في جرابها،لعوج في جولها.(15:500)

و من أمثال العرب:«است البائن أعرف»و قيل:

«أعلم»أي من ولي أمرا و مارسه فهو أعلم به ممّن لم يمارسه.

و البائن:الّذي يقوم على يمين النّاقة إذا حلبها، و الجميع:البيّن.

و البائن و المستعلي،هما الحالبان اللّذان يحلبان النّاقة،أحدهما حالب،و الآخر محلب.و المعين هو المحلب.

و البائن:عن يمين النّاقة،يمسك العلبة.و المستعلي:

الّذي عن شمالها؛و هو الحالب،يرفع البائن العلبة إليه.

[ثمّ استشهد بشعر](15:502)

الصّاحب: [نحو الخليل و غيره و أضاف:]

و البين:الفراق.و غراب البين،سمّي بذلك لأنّه إذا قصد أهل الدّار للنّجعة وقع في بيوتهم يتقمقم.و قيل:

لأنّه بان عن نوح عليه السّلام.

و البائنة:النّخلة الطّويلة العذوق.

و البيون من الآبار:الّتي بان موقف الشّاربة عن جرابها لاعوجاجها.و قيل:هي الواسعة الرّأس الضّيّقة الأسفل،فتبين أشطانها من بعدها.

و أبان فلان بنته و بيّنها،أي زوّجها.و بانت الجارية:

تزوّجت.

و يقال للطّبيين اللّذين من الشّقّ الأيمن:البائنان، و هو[البائن]خيار المال و مبينه،بمعنى واحد.

و البيّنة:البيان،و قوم أبيناء.

و تبيّن في أمرك،أي تثبّت.

و البين بكسر الباء من الأرض:الّذي لا يدرك طرفاه،و هي النّاحية أيضا.

و مباين الحقّ:مواضحه.

و الأبين:الغريب.

و رجل أبين المرافق،أي أبدّ،و قوم بين المرافق، و من الإبل كذلك.

و عدن أبين و يبين.

و بيّن الشّجر و عيّن:أوّل ما ينبت فيظهر من أصول ورقه.

ص: 330

و بيّن القرن:نجم.(10:407)

الجوهريّ: البين:الفراق،تقول منه:بان يبين بينا و بينونة.

و البون:الفضل و المزيّة،يقال:بانه يبونه و يبينه، و بينهما بون بعيد و بين بعيد،و الواو أفصح.فأمّا في البعد فيقال:إنّ بينهما لبينا لا غير.

و فلان أبين من فلان،أي أفصح منه،و أوضح كلاما.

و أبين:اسم رجل نسب إليه عدن،يقال:عدن أبين.

و البيان:ما يتبيّن به الشّيء من الدّلالة و غيرها.

و بان الشّيء بيانا:اتّضح فهو بيّن،و الجمع:أبيناء، مثل هيّن و أهيناء.و كذلك أبان الشّيء فهو مبين.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبنته أنا،أي أوضحته،و استبان الشّيء:وضح، و استبنته أنا:عرفته.و تبيّن الشّيء:وضح و ظهر، و تبيّنته أنا،تتعدّى هذه الثّلاثة و لا تتعدّى.

و التّبيين:الإيضاح،و التّبيين أيضا:الوضوح.و في المثل:«قد بيّن الصّبح لذي عينين»،أي تبيّن.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبيان:مصدر؛و هو شاذّ،لأنّ المصادر إنّما تجيء على«التّفعال»بفتح التّاء،مثل التّذكار و التّكرار و التّوكاف.و لم يجئ بالكسر إلاّ حرفان،و هما التّبيان و التّلقاء.

و تقول:ضربه فأبان رأسه من جسده و فصله،فهو مبين.و مبين أيضا:اسم ماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و المباينة:المفارقة.و تباين القوم:تهاجروا و تباعدوا.

و البائن:الّذي يأتي الحلوبة من قبل شمالها.و المعلّي:

الّذي يأتيها من قبل يمينها.

و تطليقة بائنة،و هي«فاعلة»بمعنى«مفعولة».

و البائنة:القوس الّتي بانت عن وترها كثيرا.و أمّا الّتي قربت من وترها حتّى كادت تلصق به فهي البانية، بتقديم النّون،و كلاهما عيب.

و البائنة:البئر البعيدة القعر الواسعة.و البيون مثله؛ لأنّ الأشطان تبين عن جرابها كثيرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و غراب البين:يقال هو:الأبقع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو الغوث:غراب البين،هو الأحمر المنقار و الرّجلين،فأمّا الأسود فهو الحاتم،لأنّه عندهم يحتم بالفراق.

و«بين»:بمعنى وسط،تقول:جلست بين القوم،كما تقول:وسط القوم بالتّخفيف،و هو ظرف.

و إن جعلته اسما أعربته،تقول: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94 برفع النّون.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:لقيته بعيدات بين،إذا لقيته بعد حين ثمّ أمسكت عنه ثمّ أتيته.

و هذا الشّيء بين بين،أي بين الجيّد و الرّديء.و هما اسمان جعلا اسما واحدا و بنيا على الفتح.

و الهمزة المخفّفة تسمّى بين بين،أي همزة بين الهمزة و حرف اللّين،و هو الحرف الّذي منه حركتها إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة و الألف مثال«سأل»،و إن كانت

ص: 331

مكسورة فهي بين الهمزة و الياء مثل«سئم»،و إن كانت مضمومة فهي بين الهمزة و الواو مثل«لؤم».

و هي لا تقع أوّلا أبدا لقربها بالضّعف من السّاكن،إلاّ أنّها و إن كانت قد قربت من السّاكن و لم يكن لها تمكّن الهمزة المخفّفة فهي متحرّكة في الحقيقة.و سمّيت بين بين لضعفها.[ثمّ استشهد بشعر]

و بينا:«فعلى»أشبعت الفتحة فصارت ألفا.و«بينما» زيدت عليها«ما»و المعنى واحد.تقول:بينا نحن نرقبه أتانا،أي أتانا بين أوقات رقبتنا إيّاه.

و الجمل ممّا تضاف إليها أسماء الزّمان،كقولك:

أتيتك زمن الحجّاج أمير،ثمّ حذفت المضاف الّذي هو أوقات و ولي الظّرف الّذي هو بين الجملة الّتي أقيمت مقام المضاف إليها،كقوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82.

و كان الأصمعيّ يخفض بعد«بينا»ما إذا صلح في موضعه«بين».[ثمّ استشهد بشعر]

و غيره يرفع ما بعد«بينا و بينما»على الابتداء و الخبر.

و البين بالكسر:القطعة من الأرض قدر منتهى البصر،و الجمع:بيون.[ثمّ استشهد بشعر](5:2082)

ابن فارس :الباء و الياء و النّون أصل واحد،و هو بعد الشّيء و انكشافه.[ثمّ نقل بعض كلام اللّغويّين]

(1:327)

أبو هلال :الفرق بين البيان و الفائدة:

قال عليّ بن عيسى: ما ذكر ليعرف به غيره فهو «البيان»كقولك:غلام زيد،و إنّما ذكر«زيد»ليعرف به الغلام،فهو للبيان.و قولك:ضربت زيدا،إنّما ذكر«زيد» ليعرف أنّ الضّرب وقع به،فذكر ليعرف به غيره.

و الفائدة:ما ذكر ليعرف في نفسه،نحو قولك:قام زيد،إنّما ذكر«قام»ليعرف أنّه وقع القيام،و أمّا معتمد البيان فهو الّذي لا يصحّ الكلام إلاّ به،نحو قولك:ذهب زيد،فذهب معتمد الفائدة و معتمد البيان.

و أمّا الزّيادة في البيان فهو البيان الّذي يصحّ الكلام دونه،و كذلك الزّيادة في الفائدة هي الّتي يصحّ الكلام دونها،نحو الحال في قولك:مرّ زيد ضاحكا.

و البيان:قولك:أعطيت زيدا درهما،فعلى هذا يجري البيان و الفائدة و معتمد الفائدة و الحال أبدا للزّيادة في الفائدة،فالمفعول الّذي ذكر فاعله للزّيادة في البيان، فأمّا الفاعل فهو معتمد البيان،و كذلك ما لم يسمّ فاعله.

و قولك:قام زيد؛معتمد الفائدة،فإذا كان صفة فهو للزّيادة في البيان،نحو قولك:مررت برجل قام،فهو هاهنا صفة مذكورة للزّيادة في البيان.

الفرق بين عطف البيان و بين الصّفة:

أنّ عطف البيان يجري مجرى الصّفة في أنّه تبيين للأوّل،و يتبعه في الإعراب،كقولك:مررت بأخيك زيد،إذا كان له أخوان أحدهما زيد و الآخر عمرو،فقد بيّن قولك:«زيد»أيّ الأخوين مررت به.

و الفرق بينهما أنّ عطف البيان يجب بمعنى إذا كان غير الموصوف به عليه كان له مثل صفته،و ليس كذلك الاسم العلم الخالص،لأنّه لا يجب بمعنى لو كان غيره على مثل ذلك المعنى استحقّ مثل اسمه.مثال ذلك:مررت بزيد الطّويل،فالطّويل يجب بمعنى الطّول،و إن كان غير الموصوف على مثل هذا المعنى وجب له صفة طويل.و أمّا

ص: 332

زيد فيجب المسمّى به من غير معنى،لو كان لغيره لوجب له مثل اسمه؛إذ لو وافقه غيره في كلّ شيء لم يجب أن يكون زيدا،كما لو وافقه في كلّ شيء لوجب أن يكون له مثل صفته،و لا يجب أن يكون له مثل اسمه.

و البيان عند المتكلّمين:الدّليل الّذي تتبيّن به الأحكام،و لهذا قال أبو علي و أبو هاشم رحمهما اللّه:

الهداية هي الدّلالة و البيان،فجعلا الدّلالة و البيان واحدا.

و قال بعضهم:هو العلم الحادث الّذي يتبيّن به الشّيء،و منهم من قال:البيان:حصر القول دون ما عداه من الأدلّة،و قال غيره:البيان هو الكلام و الخطّ و الإشارة،و قيل:البيان هو الّذي أخرج الشّيء من حيّز الإشكال إلى حدّ التّجلّي.

و من قال:هو«الدّلالة»ذهب إلى أنّه يتوصّل بالدّلالة إلى معرفة المدلول عليه،و البيان هو ما يصحّ أن يتبيّن به ما هو بيان له،و كذلك يقال:إنّ اللّه قد بيّن الأحكام بأن دلّ عليها بنصّيّة الدّلالة في الحكم المظهر ظنّا،و كذلك يقال للمدلول عليه:قد بان.و يوصف الدّالّ بأنّه يبيّن،و توصف الأمارات الموصلة إلى غلبة الظّنّ بأنّها بيان،كما يقال:إنّها دلالة تشبيها لها بما يوجب العلم من الأدلّة.(47)

الفرق بين العلم و التّبيين:

أنّ«العلم»هو اعتقاد الشّيء على ما هو به،على سبيل الثّقة كان ذلك بعد لبس أو لا.

و«التّبيين»:علم يقع بالشّيء بعد لبس فقط،و لهذا لا يقال:تبيّنت أنّ السّماء فوقي،كما تقول:علمتها فوقي، و لا يقال للّه:متبيّن لذلك.(76)

الفرق بين الهدى و البيان:

أنّ«البيان»في الحقيقة:إظهار المعنى للنّفس كائنا ما كان،فهو في الحقيقة من قبيل القول.و«الهدى»:بيان طريق الرّشد،ليسلك دون طريق الغيّ،هذا إذا أطلق، فإذا قيّد استعمل في غيره،فقيل:هدى إلى النّار و غيرها.(172)

الفرق بين قولك:البين و الوسط:

أنّ«الوسط»يضاف إلى الشّيء الواحد،و«بين» تضاف إلى شيئين فصاعدا،لأنّه من البينونة،تقول:

قعدت وسط الدّار،و لا يقال:قعدت بين الدّارين،أي حيث تباين إحداهما صاحبتها،و قعدت بين القوم،أي حيث يتباينوا من المكان.

و الوسط يقتضي اعتدال الأطراف إليه،و لهذا قيل:

الوسط:العدل،في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً البقرة:143.(254)

الهرويّ: البيان:هو الفصل بين كلّ شيئين،يقال:

بان،أي فارق.و أبان،إذا فصل بين شيئين.

و بان لك الشّيء و أبان،و استبان،و بيّن،و تبيّن، بمعنى واحد.(1:233)

ابن سيده :البين:الفرقة و الوصل،و هو يكون اسما و ظرفا متمكّنا،و في التّنزيل: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،أي وصلكم.[إلى أن قال:]

و بان الشّيء بينا و بيونا و بينونة:انقطع.

و أبنته أنا،و أبان الرّجل ابنه بمال فبان بينا و بيونا و بينونة.و تباين الرّجلان:بان كلّ واحد منهما عن

ص: 333

صاحبه،و كذلك في الشّركة،إذا انفصلا.

و بانت المرأة عن الرّجل،و هي بائن:انفصلت عنه بطلاق.و تطليقة بائنة،بالهاء لا غير.

و بئر بيون:واسعة ما بين الجالين.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبان الدّلو عن طيّ البئر:حاد بها عنه لئلاّ يصيبها فتنخرق.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هو بيني و بينه،و لا يعطف عليه إلاّ بالواو، لأنّه لا يكون إلاّ من اثنين.

و قالوا:بينا نحن كذلك إذ حدث كذا.[ثمّ استشهد بشعر]

و بينا و بينما:من حروف الابتداء،و ليست الألف في «بينا»بصلة.

و قالوا:بين بين:يريدون التّوسّط.[ثمّ استشهد بشعر]

و كما يقولون:همزة بين بين،أي أنّها بين الهمزة و بين الحرف الّذي عنه حركتها،إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة و الألف،و إن كانت مكسورة فهي بين الهمزة و الياء،و إن كانت مضمومة فهي بين الهمزة و الواو،إلاّ أنّها ليس لها تمكّن الهمزة المحقّقة،و هي مع ما ذكرنا من أمرها في ضعفها و قلّة تمكّنها بزنة المحقّقة...

و بنته أنا،و أبنته،و استبنته و بيّنته،كلّ ذلك:تبيّنته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بينهما بين،أي بعد،لغة في«بون»و الواو أعلى، و قد بانه بينا،و البيان:الإفصاح مع ذكاء.

و رجل بيّن:فصيح؛و الجمع:أبيناء،صحّت الياء بسكون ما قبلها،و حكى اللّحيانيّ في جمعه:أبيان و بيناء، فأمّا أبيان فكميت و أموات.

قال سيبويه:شبّهوا فيعلا بفاعل،حين قالوا:شاهد و أشهاد.قال:و مثله-يعني ميتا و أمواتا و قيل و أقوال، و كيس و أكياس.و أمّا«بيناء»فنادر،و الأقيس في كلّ ذلك جمعه بالواو و النّون،و هو قول سيبويه.

و البائن و البائنة من القسيّ:الّتي بانت من وترها، و هو ضدّ البانية،إلاّ أنّهما عيب.

و هما بينونتان:بينونة القصوى،و بينونة الدّنيا، و كلتاهما في شقّ بني سعد،بين عمان و يبرين.

و البان:شجر يسمو و يطول في استواء،مثل نبات الأثل،و ورقه أيضا هدب كهدب الأثل،و ليس لخشبه صلابة،واحدته:بانة.(10:503)

الطّوسيّ: البيّنة:العلامة الّتي تفصل الحقّ من الباطل،من جهة شهادتها به.

و البيان:إظهار المعنى للنّفس الّذي يفصله من غيره،حتّى يدركه على ما يقوّيه،كما يظهر نقيضه،فهذا فرق بين البيّنة و البيان.(4:480)

نحوه الطّبرسيّ.(2:439)

و البيان و البرهان و الحجّة و الدّلالة بمعنى واحد.

(5:359)

و البيان:ظهور المعنى للنّفس بما يميّزه من غيره،لأنّ معنى إبانته منه:فصله منه،فإذا ظهر النّقيضان في معنى الصّفة فقد بانت و فهمت.(6:317)

و حقيقة البيان،و هو إظهار المعنى للنّفس بما تميّزه من غيره،مشتقّ من أبنت كذا من كذا،إذا فصلته منه.

ص: 334

و البرهان:إظهار المعنى للنّفس بما يدعو إلى أنّه حقّ ممّا هو حقّ في نفسه.(8:128)

البيان:هو الدّليل الدّالّ على صحّة الشّيء و فساده.

و قيل:هو ما يظهر به المعنى للنّفس عند الإدراك بالبصر و السّمع،و هو على خمسة أوجه:باللّفظ، و الخطّ،و العقد بالأصابع،و الإشارة إليه،و الهيئة الظّاهرة للحاسّة،كالإعراض عن الشّيء و الإقبال عليه،و التّقطيب و ضدّه و غير ذلك.

و أمّا ما يوجد في النّفس من العلم،فلا يسمّى بيانا على الحقيقة،و كلّ ما هو بمنزلة النّاطق بالمعنى المفهوم، فهو مبين.(9:180)

الرّاغب: بين:موضوع للخلالة بين الشّيئين و وسطهما،قال تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً الكهف:

32،يقال:بان كذا،أي انفصل و ظهر ما كان مستترا منه.و لمّا اعتبر فيه معنى الانفصال و الظّهور استعمل في كلّ واحد منفردا،فقيل للبئر البعيدة القعر:بيون،لبعد ما بين الشّفير و القعر،لانفصال حبلها من يد صاحبها، و بان الصّبح:ظهر.

و لا يستعمل«بين»إلاّ فيما كان له مسافة نحو«بين البلدين»،أو له عدد ما اثنان فصاعدا،نحو«الرّجلين و بين القوم».و لا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلاّ إذا كرّر نحو: وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:

5، فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً طه:58.

و يقال:هذا الشّيء بين يديك،أي قريبا منك، و على هذا قوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الأعراف:17.[إلى أن قال:]

و يزاد فيه«ما»أو«الألف»فيجعل بمنزلة«حين» نحو بينما زيد يفعل كذا،و بينا يفعل كذا.[ثمّ استشهد بشعر]

بان:يقال:بان و استبان و تبيّن و قد بيّنته،قال اللّه سبحانه: وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ العنكبوت:38.

و البيّنة:الدّلالة الواضحة،عقليّة كانت أو محسوسة، و سمّي الشّاهدان بيّنة،لقوله عليه السّلام:«البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر».[إلى أن قال:]

و البيان:الكشف عن الشّيء،و هو أعمّ من النّطق، مختصّ بالإنسان،و يسمّى ما بيّن به بيانا.قال بعضهم:

«البيان»يكون على ضربين:

أحدهما:بالتّنجيز،و هو الأشياء الّتي تدلّ على حال من الأحوال من آثار صنعه.

و الثّاني:بالاختبار،و ذلك إمّا أن يكون نطقا أو كتابة أو إشارة.[ثمّ ذكر الآيات اللاّتي تدلّ على الضّربين،فلاحظ](68)

الزّمخشريّ: بان عنه بينا و بينونة،و باينه مباينة.

و لقيته غداة البين،و بئر بيون:بعيدة القعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و طول بائن،و نخلة بائنة:طويلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أبين المرفق:أبدّ،و رجال بين المرافق.و بان مرفق النّاقة عن جنبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوس بائن:بان وترها عن كبدها.

و بينهما بين؛و هي الأرض قدر مدّ البصر.و عليك بذاك البين فانزله.

ص: 335

و بينا نحن كذلك إذ جاء فلان.و بينما نتحدّث إذ طلع.

و بان لي الشّيء و تبيّن و بيّن،و أبان و استبان و بيّنته و أبنته و تبيّنته و استبنته.

و جاء ببيان ذلك و بيّنته،أي بحجّته.و من بيّنات الكرم:التّواضع.

و رجل بيّن:فصيح ذو بيان.و ما أبينه،و ما رأيت أبين منه،و قوم أبيناء.

و تقول لحالبي النّاقة:من البائن و من المستعلي؟[ثمّ استشهد بشعر]

البائن من عن يمينها.

و هذه مباين الحقّ و مواضحه،و ظهرت أمارات الخير و تبايينه.

و تبيّن في أمرك:تثبّت و تأنّ.(أساس البلاغة:35)

الطّبرسيّ: و البيان:هو الأدلّة الموصلة إلى العلم، و قيل:البيان:إظهار المعنى للنّفس بما يتميّز به من غيره، كتميّز معنى رجل من معنى فرس،و معنى قادر من معنى عاجز،و معنى عامّ من معنى خاصّ.(5:197)

و البيّنة:الحجّة الظّاهرة الّتي يتميّز بها الحقّ من الباطل،و أصلها من البينونة،و فصل الشّيء من غيره.

فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حجّة و بيّنة،و إقامة الشّهادة العادلة:بيّنة، و كلّ برهان و دلالة:بيّنة.(5:522)

المدينيّ: في الحديث:«من عال ثلاث بنات حتّى يبنّ أو يمتن»،قوله:«يبنّ»بفتح الياء،أي يتزوّجن.

يقال:أبان فلان بنته و بيّنها،إذا زوّجها،و«بانت»من البين و هو البعد،كأنّه أبعدها عن منزله.

في الحديث:«بينا نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،إذ جاءه رجل».

قيل:أصل«بينا»بين،أشبعت فتحته فتولّدت منها ألف،و قد يزاد فيه«ما»فيقال:بينما،و كلاهما ظرفا زمان،بمعنى المفاجأة،يضافان إلى جملة من فعل و فاعله،أو مبتدإ و خبره،و يحتاجان إلى جواب يتمّ به المعنى.

في الحديث:«أوّل ما يبين على أحدكم فخذه»أي يعرب و يشهد عليه،و يقال للفصيح:البيّن،و الجمع:

الأبيناء،و هو أبين من سحبان.(1:209)

ابن الأثير :«إنّ من البيان لسحرا»البيان:إظهار المقصود بأبلغ لفظ،و هو من الفهم و ذكاء القلب، و أصله:الكشف و الظّهور.

و قيل:معناه أنّ الرّجل يكون عليه الحقّ و هو أقوم بحجّته من خصمه،فيقلب الحقّ ببيانه إلى نفسه،لأنّ معنى السّحر:قلب الشّيء في عين الإنسان،و ليس بقلب الأعيان،أ لا ترى أنّ البليغ يمدح إنسانا حتّى يصرف قلوب السّامعين إلى حبّه،ثمّ يذمّه حتّى يصرفها إلى بغضه.

و منه«البذاء و البيان شعبتان من النّفاق»أراد أنّهما خصلتان منشأهما النّفاق،أمّا البذاء و هو الفحش فظاهر،و أمّا البيان فإنّما أراد منه بالذّمّ:التّعمّق في النّطق و التّفاصح،و إظهار التّقدّم فيه على النّاس،و كأنّه نوع من العجب و الكبر،و لذلك قال في رواية أخرى:البذاء و بعض البيان،لأنّه ليس كلّ البيان مذموما.

و منه حديث آدم و موسى عليهما السّلام:«أعطاك اللّه التّوراة،فيها تبيان كلّ شيء»أي كشفه و إيضاحه،و هو

ص: 336

مصدر قليل،فإنّ مصادر أمثاله بالفتح.

و في حديث النّعمان بن بشير رضي اللّه عنه،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأبيه لمّا أراد أن يشهده على شيء وهبه ابنه النّعمان:«هل أبنت كلّ واحد منهم مثل الّذي أبنت هذا» أي هل أعطيتهم مثله مالا تبينه به،أي تفرده،و الاسم:

البائنة.يقال:طلب فلان البائنة إلى أبويه أو إلى أحدهما،و لا يكون من غيرهما.

و منه حديث الصّدّيق،قال لعائشة رضي اللّه عنها:

«إنّي كنت أبنتك بنحل»،أي أعطيتك.

و في حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه،فيمن طلّق امرأته ثلاثة تطليقات«فقيل له:إنّها قد بانت منك، فقال:صدقوا».

بانت المرأة من زوجها،أي انفصلت عنه و وقع عليها طلاقه.

و الطّلاق البائن هو الّذي لا يملك الزّوج فيه استرجاع المرأة إلاّ بعقد جديد،و قد تكرّر ذكرها في الحديث.

و في حديث الشّرب«أبن القدح عن فيك»أي أفصله عنه عند التّنفّس لئلاّ يسقط فيه شيء من الرّيق، و هو من البين:البعد و الفراق.

و منه الحديث في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم:«ليس بالطّويل البائن» أي المفرط طولا الّذي بعد عن قدر الرّجال الطّوال.

(1:174)

الفيّوميّ: بان الأمر يبين فهو بيّن؛و جاء(بائن) على الأصل،و أبان إبانة،و بيّن و تبيّن و استبان،كلّها بمعنى الوضوح و الانكشاف،و الاسم:البيان،و جميعها يستعمل لازما و متعدّيا،إلاّ الثّلاثيّ،فلا يكون إلاّ لازما.

و بان الشّيء،إذا انفصل فهو بائن،و أبنته بالألف:

فصلته،و بانت المرأة بالطّلاق،فهي بائن بغير هاء.

و أبانها زوجها بالألف فهي مبانة.[إلى أن قال:]

و البين،بالكسر:ما انتهى إليه بصرك من حدب و غيره.

و البين:بالفتح:من الأضداد،يطلق على الوصل، و على الفرقة،و منه:«ذات البين»للعداوة و البغضاء، و قولهم:«لإصلاح ذات البين»،أي لإصلاح الفساد بين القوم،و المراد إسكان الثّائرة.

و«بين»ظرف مبهم لا يتبيّن معناه إلاّ بإضافته إلى اثنين فصاعدا،أو ما يقوم مقام ذلك،كقوله تعالى:

عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:68،و المشهور في العطف بعدها أن يكون بالواو،لأنّها للجمع المطلق،نحو«المال بين زيد و عمرو»،و أجاز بعضهم بالفاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:70)

الفيروزآباديّ: البين يكون فرقة،و وصلا، و اسما،و ظرفا متمكّنا،و البعد.

و بالكسر:النّاحية،و الفصل بين الأرضين، و ارتفاع في غلظ،و قدر مدّ البصر،و موضع قرب نجران،و موضع قرب الحيرة،و موضع قرب المدينة، و بلدة ب«فيروزآباد فارس»و موضع،و نهر بين بغداد و بين دفاع.

و جلس بين القوم:وسطهم،و لقيه بعيدات بين،إذا لقيه بعد حين ثمّ أمسك عنه ثمّ أتاه.

و بانوا بينا و بينونة:فارقوا،و الشّيء بينا و بيونا

ص: 337

و بينونة:انقطع،و أبانه غيره،و المرأة عن الرّجل فهي بائن:انفصلت عنه بطلاق،و تطليقة بائنة لا غير.

و بان بيانا:اتّضح فهو بيّن،و الجمع:أبيناء.

و بنته بالكسر،و بيّنته و تبيّنته و أبنته و استبنته:

أوضحته و عرّفته،فبان و بيّن و تبيّن،و أبان و استبان، كلّها لازمة متعدّية.

و التّبيان و يفتح:مصدر شاذّ.

و ضربه فأبان رأسه فهو مبين و مبين كمحسن.

و باينه:هاجره،و تباينا:تهاجرا.

و البائن:من يأتي الحلوبة من قبل شمالها،و كلّ قوس بانت عن وترها كثيرا كالبائنة،و البئر البعيدة القعر الواسعة كالبيون.

و غراب البين:الأبقع أو الأحمر المنقار و الرّجلين.

و أمّا الأسود:فإنّه الحاتم،لأنّه يحتم بالفراق.

و هذا بين بين،أي بين الجيّد و الرّديء،اسمان جعلا واحدا و بنيا على الفتح.

و الهمزة المخفّفة تسمّى«بين بين»،و بينا نحن كذا، هي«بين»أشبعت فتحتها فحدثت الألف.

و بينا و بينما:من حروف الابتداء.و الأصمعيّ يخفض بعد«بينا»إذا صلح موضعه«بين».[ثمّ استشهد بشعر]

و غيره يرفع ما بعدها على الابتداء و الخبر.

و البيان:الإفصاح مع ذكاء،و البيّن:الفصيح، الجمع:أبيناء و أبيان و بيناء.

و الكواكب البيانيّات (1):الّتي لا تنزل الشّمس بها و لا القمر.

و بيّن بنته:زوّجها كأبانها،و الشّجر:بدا و ظهر أوّل ما ينبت.(4:206)

الطّريحيّ: و يقال:البيان هو المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضّمير.و البيان:اللّغات كلّها،و أسماء كلّ شيء.

و الفرق بين البيان و التّبيان:هو أنّ«البيان»جعل الشّيء مبيّنا بدون حجّة،و«التّبيان»جعل الشّيء مبيّنا مع الحجّة؛و هو بالكسر من المصادر الشّاذّة.(6:217)

و في الحديث:«إنّ اللّه نصر النّبيّين بالبيان»أي بالمعجزة،و بأن ألهمهم و أوحى إليهم بمقدّمات واضحة الدّلائل على المدّعى عند الخصم،مؤثّرة في قلبه.

و فيه:«أنزل اللّه في القرآن تبيان كلّ شيء»أي كشفه و إيضاحه.

و البيان و السّلطان و البرهان و الفرقان:نظائر، و حدودها مختلفة.

فالبيان:إظهار المعنى للنّفس،كإظهار نقيضه.

و البرهان:إظهار صحّة المعنى،و إفساد نقيضه.

و الفرقان:إظهار تميّز النّفس ممّا التبس.

و السّلطان:إظهار ما يتسلّط به على نقض المعنى بالإبطال.

و البائن من الطّلاق:ما لا رجعة فيه.و تطليقة بائنة هي«فاعلة».بمعنى«مفعولة».

و في الحديث:«كسب الحرام يبين في الذّرّيّة».

و يرد عليه قوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:164،و يمكن الجواب بأنّ أثر الحرام يسري إلى الذّرّيّة؛بحيث تفعل أفعالا موجبة للنّكال.ت.

ص: 338


1- ورد عند أبي الهيثم:البابانيّات.

و تبيّن الشّيء:تحقّق،و منه«تبيّن زنى الزّانية»أي تحقّق زناها ببيّنة أو رؤية.

و في الخبر:«ما قطع من حيّ و أبين منه»أي انفصل منه و هو حيّ،«فهو ميتة»يعني إنّه لا يجوز أكله.

و في الحديث:«لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شيء»أي قدّامه متوسّطا يديه.

و قولهم:«لإصلاح ذات البين»يعني الأحوال الّتي بين القوم و إسكان النّائرة الّتي بينهم،و إصلاحها بالتّعهّد و التفقّد،و لمّا كانت ملابسة البين وصفت به،فقيل لها:

«ذات البين»كما قيل للأسرار:ذات الصّدور.

و بين:ظرف مبهم لا يتبيّن معناه إلاّ بالإضافة إلى اثنين فصاعدا،أو ما يقوم مقام ذلك،كقوله تعالى:

عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:68،و تكون ظرف مكان، نحو جلست بين القوم.

و ظرف زمان و هو كثير،قال في«المصباح»:

و المشهور في العطف بعدها أن تكون بالواو،لأنّها للجمع المطلق،نحو:«المال بين زيد و عمر».و أجاز بعضهم بالفاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«بينا أمير المؤمنين عليه السّلام جالس مع محمّد بن الحنفيّة إذ قال كذا و كذا»قال بعض الشّارحين -و وافقه غيره من اللّغويّين-:بينا:«فعلى»من البين، أشبعت الفتحة فصارت ألفا.

«بينا»و يقال:بينما بزيادة الميم،و المعنى واحد، تقول:«بينا نحن نرقبه أتانا»أي أتانا بين أوقات رقبتنا إيّاه.

و تضاف إلى جملة«من فعل و فاعل»أو«مبتدإ و خبر»و تستدعي في الصّورتين جوابا يتمّ به المعنى،كما يستدعي«إذا»و«لما».و تقع بعدها«إذ»الفجائيّة غالبا، تقول:«بينا أنا في عسر إذ جاء الفرج».و عامله محذوف يفسّر الفعل الواقع بعد«إذ»أي بين أوقات إعساري مجيء الفرج.

و بين بين:هما اسمان جعلا اسما واحدا،و بنيا على الفتح كخمسة عشر.(6:218)

مجمع اللّغة :1-بان الشّيء يبين بيانا:اتّضح فهو بيّن و هي بيّنة،و جمعها:بيّنات.

و تستعمل البيّنة فيما يبيّن الشّيء و يوضّحه،حسّيّا كان الشّيء أم عقليّا.

2-بيّن الشّيء تبيينا:وضح و ظهر.و بيّنت الشّيء:

أوضحته و أظهرته،فهو لازم و متعدّ،و اسم«الفاعل» منهما:مبيّن،و هي مبيّنة،و هنّ مبيّنات.

3-أبان الرّجل:أفصح.و أصله أبان كلامه.

4-و أبان الشّيء:وضح و ظهر.و أبنت الشّيء:

أوضحته و أظهرته،فهو متعدّ و لازم،و اسم الفاعل منهما مبين.

5-تبيّن الشّيء:اتّضح و ظهر.و تبيّنته أنا:تأمّلته، فوضح و ظهر لي،فهو لازم و متعدّ.

6-استبان الشّيء:وضح و ظهر،و استبنته أنا:

تأمّلته حتّى وضح و ظهر لي،فهو لازم و متعدّ،و اسم «الفاعل»منهما:مستبين.

7-البيان:الإيضاح و الكشف،و يسمّى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود و إظهاره،و يسمّى ما يشرح به المجمل و المبهم من الكلام:بيانا.

ص: 339

8-التّبيان:التّبيين،و هو مصدر غير قياسيّ،من:

بيّنت الشّيء تبيينا و تبيانا،أو هو اسم مصدر.

9-البين:قد يكون اسما،بمعنى الفراق،و بمعنى الوصل.

و بين:ظرف،لا يضاف إلاّ إلى متعدّد لفظا أو معنى، و هو يفيد الخلالة و التّوسّط بين زمانين أو مكانين،و قد يدلّ على توسّط الأحوال و الصّفات.(1:140)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:85)

العدنانيّ: البين:الفراق،الوصل.

و يخطّئون من يستعمل كلمة«البين»بمعنى الوصل، و لكن:

1-قال ابن الأنباريّ:«البين من الأضداد،يكون البين:الفراق،و يكون البين:الوصال.فإذا كان الفراق، فهو مصدر:بان يبين بينا،إذا ذهب».[ثمّ استشهد بشعر]

2-و قال:إنّ كلمة البين تعني الفراق و الوصل،كلّ من:التّهذيب،و الصّحاح،و المحكم،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس المحيط،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و التّضادّ،و المعجم الوسيط.

3-روى التّاج عن صاحب«الاقتطاف»بيتين فيهما المعنيان المتضادّان،و هما:

و كنّا على بين ففرّق شملنا

فأعقبه البين الّذي شتّت الشّملا

فيا عجبا ضدّان و اللّفظ واحد

فللّه لفظ ما أمرّ و ما أحلى

فالبين الأولى تعني:الوصل،و الثّانية:الفراق.

أمّا فعله فهو:بان يبين بينا و بينونة.

و أضاف المحكم،و المغرب،و المصباح،و القاموس، و المدّ،و محيط المحيط المصدر:بيونا.

و أنا أرى أن لا نستعمل كلمة«بين»إلاّ بمعنى الفراق؛ لأنّه هو المعنى المألوف،و لأنّنا نخشى أن يغضب علينا غراب البين.فينعب في ديارنا،و ينذرنا بالويل و الثّبور، و عظائم الأمور.

أحسن باهر إليك،و أسأت إليه لا أحسن إليك،بينما أنت قد أسأت إليه.

و يقولون:قد أحسن باهر إليك،بينما أنت قد أسأت إليه،و الصّواب:أحسن باهر إليك و أسأت إليه؛لأنّ «بينما»و مثلها«بينا»الّتي أصلها«بين»،فأشبعت فتحتها فصارت ألفا،هما من كلمات الابتداء.

و جاء في القسم الثّاني من محاضرات محمّد عليّ النّجّار،في باب«أخطاء في الاستعمال»:«يقولون:هذه الجرائم يرتكبها الجناة،بينما رجال الشّرطة موجودون على مقربة منهم.و الصّواب:على حين رجال الشّرطة...؛لأنّ«بينما»يجب أن تكون في بدء الكلام».

و لو لجأ إلى واو الحال،و قال:«هذه الجرائم يرتكبها الجناة،و رجال الشّرطة قريبون منهم»لكان أعلى.

قال ابن الأثير في«النّهاية»:«بينا و بينما:ظرفا زمان بمعنى المفاجأة،و يضافان إلى جملة من فعل و فاعل أو مبتدإ و خبر،و يحتاجان إلى جواب يتمّ به المعنى.

و الأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه«إذ»و«إذا».و قد جاءا في الجواب كثيرا،تقول:

1-بينا زيد جالس دخل عليه عمرو.

2-بينا زيد جالس إذ دخل عليه عمرو.

ص: 340

3-بينا زيد جالس إذا دخل عليه عمرو.

و أنا أؤيّد صاحب«النّهاية»في رأيه،و أدعو إلى إهمال وضع«إذ و إذا»في جواب«بينا و بينما»؛لأنّ في الحذف إيجازا بلاغيّا،و لأنّ جملة:«بينما زيد جالس إذا دخل عليه عمرو»قد عثر بلفظها مقولي،و نبا عن قبولها مسمعي.

بائن لا بائنة

و يقولون:قال الزّوج لزوجه ذات المزاج العصبيّ العنيف:أنت بائنة،أي طالق،و الصّواب:أنت بائن،كما قال المغرب،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.

و فعله:بانت الزّوج تبين بينا و بينونة،فهي بائن.

و ينطبق على«بائن»قول ابن الأنباريّ:«إذا كان النّعت منفردا به الأنثى،دون الذّكر،لم تدخله الهاء«التّاء المربوطة»،نحو:طالق و طامث و حائض،لأنّه لا يحتاج إلى فارق لاختصاص الأنثى به.

و لكن:

يجوز أن نقول:هي طالق،و هي طالقة.(89)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من التّحقيق في موارد استعمال هذه المادّة:أنّ المعنى الحقيقيّ فيها هو الانكشاف و الوضوح،بعد الإبهام و الإجمال،بواسطة التّفريق و الفصل،يقال:استخرجته فتبيّن،و فرّقت الأجزاء:

فبانت و انكشفت،و بيّنت ذلك الموضوع بعد ما كان مبهما؛ففيه جهتان:التّفريق،و الانكشاف.

فليس معناها البعد المطلق و لا الظّهور المطلق،بل بالقيد المذكور.

و أمّا معنى الوصل:فإذا توقّف التّبيّن على الفصل،ثمّ الوصل كما في البيان بمعنى الفصاحة،فلا بدّ فيه من استخراج كلمات،ثمّ وصلها و نظمها بالنّسق البديع.

و أمّا قولهم:يتعدّى و لا يتعدّى:فإنّ الانكشاف و الظّهور له حيثيّتان كالنّور،فإنّه ظاهر في نفسه،و مظهر لغيره.فمن حيث ظهوره في نفسه فهو لازم،و من حيث مظهريّته لغيره و كشفه عنه فهو متعدّ،فكلّ باعتبار.[إلى أن قال:]

و التّبيّن:«التّفعّل»و هو المطاوعة«التّفعيل»يقال:

علّمته فتعلّم،و بيّنته فتبيّن.

و أمّا الاستبانة فهو«استفعال»و هذه الصّيغة لطلب أصل الفعل،يقال:خرج زيد و استخرجته.و الطّلب:إمّا إداريّ أو تكوينيّ:استخرجت الوتد.و قد يكون:

الطّلب من النّفس:استكبر،أو بالطّبع:استحجر الطّين.

[ثمّ ذكر الآيات و أضاف:]

و أمّا البين:نقلنا:أنّ هذه المادّة تدلّ على الانكشاف بواسطة الفرق و الفصل.فالبين مصدر يدلّ على الانفصال و البعد،ثمّ الانكشاف و الوضوح،ثمّ جعل اسما يدلّ على ما تحصّل من الانفصال،من البعد المتحقّق للشّيء.

و لمّا كان البعد للشّيء غير محدود و أمرا مبهما،و من شأن هذه المادّة أن تدلّ على الانكشاف و رفع الإبهام، فيذكر منسوبا إلى شيئين،فيدلّ على البعد الواقع بينهما، فيفهم منه التّوسّط.[ثمّ ذكر الآيات](1:347)

ص: 341

النّصوص التّفسيريّة

بيان

هذا بَيانٌ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ.

آل عمران:138

الشّعبيّ: بيان للنّاس من العمى.

(الطّبريّ 4:101)

الحسن :(هذا):القرآن.(الطّبريّ 4:101)

نحوه الميبديّ.(2:287)

(هذا)إشارة إلى القرآن،و وصفه بأنّه(بيان)لأنّه دلالة للنّاس و حجّة لهم،و البيان هو الدّلالة.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 2:599)

ابن إسحاق :أي هذا تفسير للنّاس إن قبلوه.

(الطّبريّ 4:101)

هو إشارة إلى ما تقدّم ذكره في قوله: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ... آل عمران:137،أي هذا الّذي عرّفتكم بيان للنّاس.

نحوه البلخيّ.(الطّوسيّ 2:599)

الطّبريّ: [ذكر القولين في(هذا)،ثمّ رجّح الثّاني بحجّة]أنّ(هذا)إشارة إلى حاضر:إمّا مرئيّ أو مسموع، و هو هنا إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدّمة،أي (هذا)الّذي أوضحت لكم و عرّفتموه،بيان للنّاس.

(4:100)

القشيريّ: بيان لقوم من حيث أدلّة العقول، و لآخرين من حيث مكاشفات القلوب،و لآخرين من حيث تجلّي الحقّ في الأسرار.(1:292)

الزّمخشريّ: إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التّكذيب،يعني حثّهم على النّظر في سوء عواقب المكذّبين قبلهم،و الاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم.

[إلى أن قال:]

قوله: هذا بَيانٌ إشارة إلى ما لخّص و بيّن من أمر المتّقين و التّائبين و المصرّين.(1:465)

ابن عطيّة :كونه بيانا للنّاس ظاهر،و هو في ذاته أيضا هدى منصوب و موعظة،و لكن من عمي بالكفر و ضلّ و قسا قلبه،لا يحسن أن يضاف إليه القرآن، و تحسن إضافته إلى المتّقين الّذين فيهم نفع و إيّاهم هدى.(1:512)

ابن الجوزيّ: و في المشار إليه ب(هذا)قولان:

[فذكرهما،ثمّ ذكر معنى البيان:أنّه الانكشاف]

و فلان أبين من فلان،أي أفصح.(1:465)

الفخر الرّازيّ: يعني بقوله:(هذا)ما تقدّم من أمره و نهيه و وعده و وعيده،و ذكره لأنواع البيّنات و الآيات، و لا بدّ من الفرق بين البيان و بين الهدى و بين الموعظة، لأنّ العطف يقتضي المغايرة،فنقول:فيه وجهان:

الأوّل:أنّ البيان هو الدّلالة الّتي تفيد إزالة الشّبهة بعد أن كانت الشّبهة حاصلة،فالفرق أنّ البيان عامّ في أيّ معنى كان و أمّا الهدى فهو بيان لطريق الرّشد ليسلك دون طريق الغيّ.

و أمّا الموعظة فهي الكلام الّذي يفيد الزّجر عمّا لا ينبغي في طريق الدّين،فالحاصل:أنّ البيان جنس تحته نوعان:أحدهما:الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدّين و هو الهدى الثّاني الكلام الزّاجر عمّا لا ينبغي في

ص: 342

الدّين و هو الموعظة.

الوجه الثّاني:أنّ البيان:هو الدّلالة،و أمّا الهدى:

فهو الدّلالة بشرط كونها مفضية إلى الاهتداء.(9:12)

نحوه الخازن.(1:355)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:البيان عامّ للنّاس،و الهدى و الموعظة خاصّان بالمتّقين،لأنّ الهدى اسم للدّلالة بشرط كونها موصلة إلى البغية.

و أقول:يشبه أن يكون البيان عامّا لجميع المكلّفين، و بأيّ طريق كان من طرق الدّلالة.و الهدى:يراد به الكلام البرهانيّ و الجدليّ،و الموعظة:يراد بها الكلام الإقناعيّ الخطابيّ.(4:72)

أبو حيّان :[ذكر قول الزّمخشريّ]

و هو حسن و لمّا كان ظاهرا واضحا قال: بَيانٌ لِلنّاسِ. و لمّا كانت الموعظة و الهدى لا يكونان إلاّ لمن اتّقى،خصّ بذلك المتّقين،لأنّ من عمي فكره و قسا فؤاده لا يهتدي و لا يتّعظ،فلا يناسب أن يضاف إليه الهدى و الموعظة.(3:61)

أبو السّعود :(هذا)إشارة إلى ما سلف من قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ) إلى آخره. بَيانٌ لِلنّاسِ أي تبيين لهم على أنّ(اللاّم)متعلّقة بالمصدر،أو كائن لهم على أنّها متعلّقة بمحذوف وقع صفة له.(2:36)

البروسويّ: و البيان:هو الدّلالة على الحقّ في أيّ معنى كان،بإزالة ما فيه من الشّبهة.(2:98)

الآلوسيّ: [ذكر القولين في(هذا)ثمّ قال:]

و المراد بيان لجميع النّاس،لكن المنتفع به المتّقون، لأنّهم يهتدون به،و ينتجعون بوعظه.(4:65)

الطّباطبائيّ: هذا بَيانٌ لِلنّاسِ الآية،التّقسيم باعتبار التّأثير،فهو بلاغ و إبانة لبعض،و هدى و موعظة لآخرين.(4:22)

البيان

اَلرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الرّحمن:1-4

ابن عبّاس:خلق آدم،و علّمه أسماء كلّ شيء.

(الميبديّ 9:406)

مثله قتادة،و الحسن.(القرطبيّ 17:152)

ألهمه اللّه بيان كلّ شيء،و أسماء كلّ دابّة تكون على وجه الأرض.(451)

البيان:بيان الحلال من الحرام،و الهدى من الضّلال.

مثله ابن كيسان.(القرطبيّ 17:152)

الضّحّاك:(البيان):الخير و الشّرّ.

(القرطبيّ 17:152) أبو العالية :علّم كلّ قوم لسانهم الّذي يتكلّمون به.

مثله ابن زيد،و الحسن،و السّدّيّ.(الميبديّ 9:406)

أي النّطق و الكتابة و الخطّ و الفهم و الإفهام،حتّى يعرف ما يقول و ما يقال له.

مثله الحسن،و ابن زيد،و السّدّيّ.(الطّبرسيّ 5:197)

نحوه الميبديّ.(9:406)

الحسن :المنطق و الكلام.(الماورديّ 5:423)

ابن كعب القرظيّ: ما يقول و ما يقال له.

(أبو حيّان 8:188)

ص: 343

قتادة: علّمه اللّه بيان الدّنيا و الآخرة،بيّن حلاله و حرامه،ليحتجّ بذلك على خلقه.(الطّبريّ 27:114)

تبيّن له الخير و الشّرّ،و ما يأتي و ما يدع.

(الطّبريّ 27:115)

الرّبيع بن أنس: هو ما ينفعه و ما يضرّه.

(القرطبيّ 17:152)

الإمام الصّادق عليه السّلام: (البيان):الاسم الأعظم الّذي به علم كلّ شيء.[و هذا تأويل]

(الطّبرسيّ 5:197)

ابن جريج: الهداية.(الماورديّ 5:423)

ابن زيد :(البيان):المنطق و الفهم،الإبانة؛و هو الّذي فضّل به الإنسان على سائر الحيوان.

(أبو حيّان 8:188)

الإمام الرّضا عليه السّلام: [في حديث]علّمه بيان كلّ شيء يحتاج إليه النّاس.(العروسيّ 5:188)

ابن أبي اليمان :الكتابة و الخطّ بالقلم.

(القرطبيّ 17:153)

ابن كيسان :النّطق و الكتابة،يعني القرآن فيه بيان ما كان و ما يكون،لأنّه كان ينبئ عن الأوّلين و الآخرين، و عن يوم الدّين.(الميبديّ 9:406)

الجبّائيّ: (البيان):هو الكلام الّذي يبيّن به عن مراده،و به يتميّز من سائر الحيوان.(الطّبرسيّ 5:197)

الطّبريّ: [ذكر القولين:أي بيان الحلال و الحرام، أو الكلام،ثمّ قال:]

و الصّواب أنّ اللّه علّم الإنسان ما به الحاجة إليه،من أمر دينه و دنياه،من الحلال و الحرام،و المعايش، و المنطق،و غير ذلك ممّا به الحاجة إليه،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يخصّص بخبره ذلك،أنّه علّمه من البيان بعضا دون بعض،بل عمّ فقال: عَلَّمَهُ الْبَيانَ فهو كما عمّ جلّ ثناؤه.(27:114)

الزّجّاج :يجوز في اللّغة أن يكون(الانسان)اسما لجنس النّاس جميعا،و يكون على هذا المعنى عَلَّمَهُ الْبَيانَ جعله مميّزا،حتّى انفصل الإنسان من جميع الحيوان.(5:95)

الماورديّ: عَلَّمَهُ الْبَيانَ لأنّه بالبيان فضّل على جميع الحيوان،و فيه ستّة تأويلات:[ثمّ ذكر خمسة من أقوال المتقدّمين و أضاف:]

السّادس:العقل،لأنّ بيان اللّسان مترجم عنه.

و يحتمل سابعا:أن يكون(البيان):ما اشتمل على أمرين:إبانة ما في نفسه،و معرفة ما بيّن له.

و قول ثامن لبعض أصحاب الخواطر:خلق الإنسان جاهلا به،فعلّمه السّبيل إليه.(5:423)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:106)

الطّوسيّ: أي خلق فيه التّمييز الّذي بان به من سائر الحيوان،فالبيان هو الأدلّة الموصلة إلى العلم.

و قيل:(البيان):إظهار المعنى للنّفس بما يتميّز به عن غيره،كتميّز معنى رجل من معنى فرس،و معنى قادر من معنى عاجز،و معنى عامّ من معنى خاصّ،و معنى شيء من معنى هذا بعينه.

و فيه تنبيه على أنّه تعالى خلق الإنسان غير عالم، ثمّ علمه البيان،خلافا لقول من يقول من الجهّال:إنّ الإنسان لم يزل عالما بالأشياء،و إنّما يحتاج فيه إلى

ص: 344

تذكير،فكيف يكون عالما من لم يخلق بعد،لو لا الغباوة و قلّة التّحصيل!(9:463)

القشيريّ: (الانسان)هاهنا جنس النّاس،علّمهم البيان حتّى صاروا مميّزين،فانفصلوا بالبيان عن جميع الحيوان،و علّم كلّ قوم لسانهم الّذي يتكلّمون و يتخاطبون به.

و(البيان):ما به تبيّن المعاني،و شرحه في مسائل الأصول.

و يقال:لمّا قال أهل مكّة:إنّما يعلّمه بشر،ردّ اللّه سبحانه عليهم،و قال:بل علّمه اللّه،ف(الانسان)على هذا القول هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قيل:هو آدم عليه السّلام.

و يقال:(البيان):الّذي خصّ به الإنسان عموما، يعرف به كيفيّة مخاطبة الأغيار من الأمثال و الأشكال.

و أمّا أهل الإيمان و المعرفة:فبيانهم هو علمهم كيفيّة مخاطبة مولاهم.و بيان العبيد مع الحقّ مختلف:فقوم يخاطبونه بلسانهم،و قوم بأنفاسهم،و قوم بدموعهم، و قوم بأنينهم و حنينهم.(6:71)

البغويّ: خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني آدم، عَلَّمَهُ الْبَيانَ أسماء كلّ شيء و قيل:علمه اللّغات كلّها،و كان آدم يتكلّم بسبعمائة لغة،أفضلها العربيّة.(4:330)

الزّمخشريّ: (البيان):و هو المنطق الفصيح، المعرب عمّا في الضّمير.(4:43)

ابن عطيّة :[ذكر الأقوال و أضاف:]

و هذا التّخصيص لا دليل عليه،و كلّ المعلومات داخلة في البيان الّذي علّمه الإنسان.

الطّبرسيّ: [بعد نقل الأقوال و منها القول الثّاني لأبي العالية قال:]

و هذا هو الأظهر الأعمّ.(5:197)

الفخر الرّازيّ: ما(البيان)و كيف تعليمه؟

نقول:من المفسّرين من قال:(البيان):المنطق فعلّمه ما ينطق به،و يفهم غيره ما عنده،فإنّ به يمتاز الإنسان عن غيره من الحيوانات،و قوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ إشارة إلى تقدير خلق جسمه الخاصّ، و عَلَّمَهُ الْبَيانَ إشارة إلى تميّزه بالعلم عن غيره.

و قد خرج ما ذكرنا أوّلا:أنّ(البيان)هو القرآن، و أعاده ليفصّل ما ذكره إجمالا بقوله تعالى: عَلَّمَ الْقُرْآنَ، كما قلنا في المثال؛حيث يقول القائل:علّمت فلانا الأدب:حملته عليه.

و على هذا ف(البيان)مصدر،أريد به ما فيه المصدر، و إطلاق(البيان)بمعنى القرآن على القرآن في القرآن كثير،قال تعالى: هذا بَيانٌ لِلنّاسِ آل عمران:138، و قد سمّى اللّه تعالى القرآن:فرقانا و بيانا،و(البيان):

فرقان بين الحقّ و الباطل،فصحّ إطلاق«البيان»و إرادة القرآن.

[ثمّ ذكر وجه ذكر المفعولين في عَلَّمَهُ الْبَيانَ و عدم ذكرهما في عَلَّمَ الْقُرْآنَ فلاحظ](29:85)

الطّوفيّ: أثنى على نفسه في معرض التّمدّح، بفضل آيات عظيمة،و هي:تعليم القرآن،و خلق الإنسان،و جري الشّمس و القمر بحسبان،و سجود النّجم و الشّجر،و ما بعد ذلك من الآيات.و ذكر من جملتها«تعليم البيان»،فدلّ أنّه أثر شريف من آثار اللّه تعالى،و عظم آياته،قياسا له على ما اكتنفه من الآيات

ص: 345

قبله و بعده.

فإن قلت:يفتقر ثبوت هذا الدّليل إلى بيان أنّ (البيان)في هذه الآية هو الّذي أنتم بصدد إثباته،و إلاّ فبتقرير أن لا يكون هو المراد،لا يكون لكم في الآية حجّة.

قلت:نعم،و الدّليل عليه[قول الحسن البصريّ و محمّد بن كعب و يمان:]

و كلّ هذا راجع إلى ما قلناه و ما في معناه،ثمّ إنّ هذا موافق لظاهر اللّفظ،و هو أولى من غيره.

(الإكسير في علم التّفسير:34)

الشّربينيّ: أي القوّة النّاطقة،و هي الإدراك للأمور الكلّيّة و الجزئيّة،و الحكم على الحاضر و الغائب بقياسه على الحاضر،و غير ذلك ممّا أودعه له سبحانه مع تعبيره عمّا أدركه،ممّا هو غائب في ضميره،و إفهامه لغيره تارة بالقول و تارة بالفعل،نطقا و كتابة و إشارة و غيرها،فصار بذلك ذا قدرة في نفسه و التّكميل لغيره، فهذا تعليم البيان الّذي مكّن من تعليم القرآن.

(4:157)

أبو السّعود :هو التّعبير عمّا في الضّمير،و ليس المراد بتعليمه مجرّد تمكين الإنسان من بيان نفسه،بل منه و من فهم بيان غيره أيضا؛إذ هو الّذي يدور عليه تعليم القرآن.و الجمل الثّلاث أخبار مترادفة ل(الرّحمن)، و إخلاء الأخيرتين عن العاطف لورودها على منهاج التّعديد.(6:174)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و في«بحر العلوم»خلق الإنسان،أي آدم و علّمه الأسماء و اللّغات كلّها،و كان آدم يتكلّم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربيّة،انتهى.

يقول الفقير:فيه إشارة إلى أنّ اللّه تعالى قد تكلّم بجميع اللّغات،سواء كان التّعليم بواسطة أم لا.

فإن قلت:كيف يتكلّم اللّه باللّغات المختلفة،و الكلام النّفسيّ عار عن جميع الأكسية؟

قلت:نعم،و لكنّه في مراتب التّنزّلات و الاسترسالات لا بدّ له من الكسوة،فالعربيّة مثلا كسوة عارضة بالنّسبة إلى الكلام في نفسه،و قد ذقنا في أنفسنا أنّه يجيء الإلهام و الخطاب تارة باللّفظ العربيّ،و أخرى بالفارسيّ و بالتّركيّ،مع كونه بلا واسطة ملك،لأنّ الأخذ عن اللّه لا ينقطع إلاّ يوم القيامة،و ذلك بلا واسطة، و إن كان الغالب وساطة الملك من حيث لا يرى،فاعرف ذلك.(9:289)

الآلوسيّ: [ذكر قول أبي السّعود و بعض الأقوال المتقدّمة،فراجع](27:99)

سيّد قطب : خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ و ندع-مؤقّتا-خلق الإنسان ابتداء،فسيأتي ذكره في مكانه من السّورة بعد قليل؛إذ المقصود من ذكره هنا هو ما تلاه من تعليمه البيان.

إنّنا نرى الإنسان ينطق و يعبّر و يبيّن،و يتفاهم و يتجاوب مع الآخرين،فنسي بطول الألفة عظمة هذه الهبة،و ضخامة هذه الخارقة،فيردّنا القرآن إليها، و يوقظنا لتدبّرها،في مواضع شتّى.

فما الإنسان؟ما أصله؟كيف يبدأ؟و كيف يعلّم البيان؟

ص: 346

إنّه هذه الخليّة الواحدة الّتي تبدأ حياتها في الرّحم، خليّة ساذجة صغيرة،ضئيلة مهينة.ترى بالمجهر، و لا تكاد تبين،و هي لا تبين!و لكن هذه الخليّة ما تلبث أن تكوّن الجنين،الجنين المكوّن من ملايين الخلايا المنوّعة:عظميّة،و غضروفيّة،و عضليّة،و عصبيّة، و جلديّة.و منها كذلك تتكوّن الجوارح و الحواسّ و وظائفها المدهشة:السّمع،البصر،الذّوق،الشّمّ، اللّمس،ثمّ الخارقة الكبرى و السّرّ الأعظم:الإدراك و البيان،و الشّعور و الإلهام،كلّه من تلك الخليّة الواحدة السّاذجة الصّغيرة الضّئيلة المهينة،الّتي لا تكاد تبين، و الّتي لا تبين!كيف؟و من أين؟من الرّحمن،و بصنع الرّحمن.

فلننظر كيف يكون البيان؟: وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ النّحل:78.

إنّ تكوين جهاز النّطق وحده عجيبة لا ينقضي منها العجب،اللّسان و الشّفتان و الفكّ و الأسنان،و الحنجرة و القصبة الهوائيّة و الشّعب و الرّئتان،إنّها كلّها تشترك في عمليّة التّصويت الآليّة،و هي حلقة في سلسة البيان.

و هي على ضخامتها لا تمثّل إلاّ الجانب الميكانيكيّ الآليّ في هذه العمليّة المعقّدة،المتعلّقة بعد ذلك بالسّمع و المخّ و الأعصاب.ثمّ بالعقل الّذي لا نعرف عنه إلاّ اسمه، و لا ندري شيئا عن ماهيّته و حقيقته،بل لا نكاد ندري شيئا عن عمله و طريقته!

كيف ينطق النّاطق باللّفظ الواحد؟

إنّها عمليّة معقّدة كثيرة المراحل و الخطوات و الأجهزة،مجهولة في بعض المراحل خافية حتّى الآن.

إنّها تبدأ شعورا بالحاجة إلى النّطق بهذا اللّفظ،لأداء غرض معيّن.هذا الشّعور ينتقل-لا ندري كيف-من الإدراك أو العقل أو الرّوح إلى أداة العمل الحسّيّة «المخّ».و يقال:إنّ المخّ يصدر أمره عن طريق الأعصاب بالنّطق بهذا اللّفظ المطلوب،و اللّفظ ذاته ممّا علّمه اللّه للإنسان و عرّفه معناه.

و هنا تطرد الرّئة قدرا من الهواء المختزن فيها،ليمرّ من الشّعب إلى القصبة الهوائيّة إلى الحنجرة و حبالها الصّوتيّة العجيبة،الّتي لا تقاس إليها أوتار أيّة آلة صوتيّة صنعها الإنسان،و لا جميع الآلات الصّوتيّة المختلفة الأنغام، فيصوّت الهواء في الحنجرة صوتا تشكّله حسبما يريد العقل؛عاليا أو خافتا،سريعا أو بطيئا،خشنا أو ناعما، ضخما أو رفيعا،إلى آخر أشكال الصّوت و صفاته.

و مع الحنجرة اللّسان و الشّفتان و الفكّ و الأسنان، يمرّ بها هذا الصّوت فيتشكّل بضغوط خاصّة في مخارج الحروف المختلفة،و في اللّسان خاصّة يمرّ كلّ حرف بمنطقة منه ذات إيقاع معيّن،يتمّ فيه الضّغط المعيّن،ليصوّت الحرف بجرس معيّن.

و ذلك كلّه لفظ واحد،و وراءه العبارة،و الموضوع، و الفكرة،و المشاعر السّابقة و اللاّحقة.و كلّ منها عالم عجيب غريب،ينشأ في هذا الكيان الإنسانيّ العجيب الغريب،بصنعة الرّحمن،و فضل الرّحمن.(6:3446)

محمّد عزّة دروزة:الجمهور على أنّ معنى الجملة:علّم الإنسان النّطق،اختصاصا له من دون الأحياء.(7:130)

ص: 347

الطّباطبائيّ: عَلَّمَهُ الْبَيانَ البيان:الكشف عن الشّيء،و المراد به الكلام الكاشف عمّا في الضّمير، و هو من أعجب النّعم،و تعليمه للإنسان من عظيم العناية الإلهيّة المتعلّقة به.فليس الكلام المجرّد إيجاد صوت ما باستخدام الرّئة و قصبتها و الحلقوم، و لا ما يحصل من التّنوّع في الصّوت الخارج من الحلقوم، باعتماده على مخارج الحروف المختلفة في الفم.

بل يجعل الإنسان بإلهام باطنيّ من اللّه سبحانه، الواحد من هذه الأصوات المعتمدة على مخرج من مخارج الفم المسمّى حرفا،أو المركّب من عدّة من الحروف، علامة مشيرة إلى مفهوم من المفاهيم،يمثّل به ما يغيب عن حسّ السّامع و إدراكه،فيقدر به على إحضار أيّ وضع من أوضاع العالم المشهود،و إن جلّ ما جلّ،أو دقّ ما دقّ من موجود أو معدوم،ماض أو مستقبل،ثمّ على إحضار أيّ وضع من أوضاع المعاني غير المحسوسة الّتي ينالها الإنسان بفكره،و لا سبيل للحسّ إليها،يحضرها جميعا لسامعه،و يمثّلها لحسّه،كأنّه يشخصها له بأعيانها.

و لا يتمّ للإنسان اجتماعه المدنيّ،و لا تقدّم في حياته هذا التّقدّم الباهر،إلاّ بتنبّهه لوضع الكلام،و فتحه بذلك باب التّفهيم و التّفهّم،و لو لا ذلك لكان هو و الحيوان العجم سواء،في جمود الحياة و ركودها.

و من أقوى الدّليل على أنّ اهتداء الإنسان إلى البيان،بإلهام إلهيّ له أصل في التّكوين،اختلاف اللّغات باختلاف الأمم و الطّوائف في الخصائص الرّوحيّة و الأخلاق النّفسانيّة،و بحسب اختلاف المناطق الطّبيعيّة الّتي يعيشون فيها،قال تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ اَلسَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ الرّوم:22.

و ليس المراد بقوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ أنّ اللّه سبحانه وضع اللّغات،ثمّ علّمها الإنسان بالوحي إلى نبيّ من الأنبياء،أو بالإلهام،فإنّ الإنسان بوقوعه في ظرف الاجتماع،مندفع بالطّبع إلى اعتبار التّفهيم و التّفهّم بالإشارات و الأصوات،و هو التّكلّم و النّطق،لا يتمّ له الاجتماع المدنيّ دون ذلك.

على أنّ فعله تعالى هو التّكوين و الإيجاد و الرّابطة بين اللّفظ و معناه اللّغويّ وضعيّة اعتباريّة لا حقيقيّة خارجيّة،بل اللّه سبحانه خلق الإنسان و فطره فطرة تؤدّيه إلى الاجتماع المدنيّ،ثمّ إلى وضع اللّغة بجعل اللّفظ علامة للمعنى؛بحيث إذا ألقى اللّفظ إلى سامعه فكأنّما يلقي إليه المعنى،ثمّ إلى وضع الخطّ بجعل الأشكال المخصوصة علائم للألفاظ،فالخطّ مكمّل لغرض الكلام،و هو يمثّل الكلام،كما أنّ الكلام يمثّل المعنى.

و بالجملة(البيان)من أعظم النّعم و الآلاء الرّبّانيّة الّتي تحفظ لنوع الإنسان موقفه الإنسانيّ،و تهديه إلى كلّ خير.

هذا ما هو الظّاهر المتبادر من الآيتين،و لهم في معناهما أقوال:فقيل:(الانسان)هو آدم عليه السّلام،و(البيان) الأسماء الّتي علّمه اللّه إيّاها.و قيل:(الانسان) محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و(البيان)القرآن،أو تعليمه المؤمنين القرآن،و قيل:(البيان)الخير و الشّرّ،علّمهما الإنسان.

و قيل:سبيل الهدى و سبيل الضّلال إلى غير ذلك،و هي أقوال بعيدة عن الفهم.(19:95)

ص: 348

نحوه محمّد حسين فضل اللّه.(21:302)

بيانه

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ. القيمة:19

ابن عبّاس: حلاله و حرامه،فذلك بيانه.

(الطّبريّ 29:190)

علينا بيانه بلسانك،إذا نزل به جبرئيل،حتّى تقرأه كما أقرأك.(الماورديّ 6:156)

الحسن :علينا أن نجزى يوم القيامة بما فيه من وعد أو وعيد.(الماورديّ 6:156)

قتادة :بيان حلاله،و اجتناب حرامه،و معصيته و طاعته.(الطّبريّ 29:190)

معناه:إنّا نبيّن لك معناه إذا حفظته.

(الطّوسيّ 10:196)

نحوه المراغيّ.(29:152)

أي تفسير ما فيه من الحدود و الحلال و الحرام.

(القرطبيّ 19:106)

الطّبريّ: ثمّ إنّ علينا بيان ما فيه من حلاله و حرامه،و أحكامه لك مفصّلة.(29:190)

الزّجّاج :أي علينا أن ننزّله قرآنا عربيّا غير ذي عوج،فيه بيان للنّاس.(5:253)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:[فذكر قول قتادة و ابن عبّاس و الحسن](6:156)

القشيريّ: نبيّن لك ما فيه من أحكام الحلال و الحرام و غيرها،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يستعجل في التّلقّف،مخافة النّسيان،فنهي عن ذلك،و ضمن اللّه له التّيسير و التّسهيل.(6:224)

نحوه الميبديّ.(10:304)

الزّمخشريّ: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ إذا أشكل عليك شيء من معانيه،كأنّه كان يعجل في الحفظ و السّؤال عن المعنى جميعا،كما ترى بعض الحرّاص على العلم،و نحوه وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ طه:114.(4:191)

نحوه أبو السّعود.(6:336)

ابن عطيّة :قال قتادة و جماعة معه:معناه أن نبيّنه لك و نحفّظكه،و قال كثير من المتأوّلين:معناه أن تبيّنه أنت.(5:405)

نحوه القرطبيّ.(19:106)

الطّبرسيّ: [نقل أقوال الحسن و قتادة و الزّجّاج ثمّ قال:]

و في هذا دلالة على أنّه لا تعمية في القرآن و لا ألغاز، و لا دلالة فيه على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، و إنّما يدلّ على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب.

(5:397)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:الآية تدلّ على أنّه عليه السّلام كان يقرأ مع قراءة جبريل عليه السّلام،و كان يسأل في أثناء قراءته عن مشكلاته و معانيه،لغاية حرصه على العلم،فنهي النّبيّ عليه السّلام عن الأمرين جميعا.أمّا عن القراءة مع قراءة جبريل،فبقوله: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ القيمة:18، و أمّا عن إلقاء الأسئلة في البيان،فبقوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ.

ص: 349

المسألة الثّانية:احتجّ من جوّز تأخير البيان عن وقت الخطاب بهذه الآية،و أجاب أبو الحسين عنه من وجهين:

الأوّل:أنّ ظاهر الآية يقتضي وجوب تأخير البيان عن وقت الخطاب،و أنتم لا تقولون به.

الثّاني:أنّ عندنا الواجب أن يقرن باللّفظ،إشعارا بأنّه ليس المراد من اللّفظ ما يقتضيه ظاهره،فأمّا البيان التّفصيليّ فيجوز تأخيره،فتحمل الآية على تأخير البيان التّفصيليّ.

و ذكر القفّال وجها ثالثا:و هو أنّ قوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أي ثمّ إنّا نخبرك بأنّ علينا بيانه،و نظيره قوله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ إلى قوله: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا البلد:13-17.

و الجواب عن الأوّل:أنّ اللّفظ لا يقتضي وجوب تأخير البيان،بل يقتضي تأخير وجوب البيان،و عندنا الأمر كذلك،لأنّ وجوب البيان لا يتحقّق إلاّ عند الحاجة.

و عن الثّاني:أنّ كلمة(ثمّ)دخلت مطلق البيان، فيتناول البيان المجمل و المفصّل،و أمّا سؤال القفّال فضعيف أيضا،لأنّه ترك للظّاهر من غير دليل.

المسألة الثّالثة:ثمّ إنّ قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ يدلّ على أنّ بيان المجمل واجب على اللّه تعالى، أمّا عندنا فبالوعد و التّفضّل،و أمّا عند المعتزلة فبالحكمة.

(30:225)

الشّربينيّ: أي بيان ألفاظه و معانيه لك،سواء أسمعته من جبريل عليه السّلام على مثل صلصلة الجرس،أم بكلام النّاس المعتاد بالصّوت و الحروف،و لغيرك على لسانك و على ألسنة العلماء من أمّتك.(4:442)

البروسويّ: [نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ](10:248)

نحوه الآلوسيّ.(29:142)

الطّباطبائيّ: أي علينا إيضاحه عليك،بعد ما كان علينا جمعه و قرآنه،ف(ثمّ)للتّأخير الرّتبيّ،لأنّ البيان مترتّب على الجمع،و القراءة رتبة.

و قيل:المعنى ثمّ إنّ علينا بيانه للنّاس بلسانك، تحفظه في ذهنك عن التّغيّر و الزّوال،حتّى تقرأه على النّاس.(20:110)

بيّن

لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ. الكهف:15

ابن إسحاق :أي بحجّة بالغة.(ابن هشام 1:325) راجع«س ل ط»:(بسلطان).

بيّنة

1- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ... الأنعام:57

ابن عبّاس: على يقين من ربّي.(الطّبرسيّ 2:310)

الحسن :البيّنة:النّبوّة،أي على نبوّة من جهة ربّي.

(الطّبرسيّ 2:310)

أبو عبيدة :أي بيان.(1:193)

الجبّائيّ: على حجّة،من معجزة دالّة على نبوّتي؛

ص: 350

و هي القرآن.(الطّبرسيّ 2:310)

الطّبريّ: أي إنّي على بيان قد تبيّنته،و برهان قد وضح لي من ربّي.(7:211)

الزّجّاج :أي على أمر بيّن،لا متّبع هوى.(2:256)

نحوه الطّوسيّ.(4:165)

الماورديّ: في البيّنة هنا قولان:

أحدهما:الحقّ الّذي بان له.

و الثّاني:المعجز في القرآن.(2:120)

البغويّ: أي على بيان و بصيرة و برهان.(2:128)

الميبديّ: يعني بالبيان،و هو معنى البيّنة.(3:368)

الزّمخشريّ: أي من معرفة ربّي و أنّه لا معبود سواه،على حجّة واضحة،و شاهد صدق.(2:23)

ابن عطيّة :هذه الآية تماد في إيضاح مباينته لهم، و المعنى قل:إنّي على أمر بيّن،فحذف الموصوف ثمّ دخلت هاء المبالغة،كقوله عزّ و جلّ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ القيمة:14.

و يصحّ أن تكون الهاء في(بيّنة)مجرّدة للتّأنيث، و يكون بمعنى البيان،كما قال: وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ الأنفال:42،و المراد بالآية:أنّي أيّها المكذّبون في اعتقادي و يقيني،و ما حصل في نفسي من العلم،على بيّنة من ربّي.(2:298)

الطّبرسيّ: لمّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأن يتبرّأ ممّا يعبدونه، عقّب ذلك سبحانه بالبيان،أنّه على حجّة من ذلك و بيّنة، و أنّه لا بيّنة لهم.(2:310)

القرطبيّ: أي دلالة و يقين و حجّة و برهان،لا على هوى،و منه«البيّنة»لأنّها تبيّن الحقّ و تظهره.(6:438)

البيضاويّ: البيّنة:الدّلالة الواضحة الّتي تفصل الحقّ من الباطل،و قيل:المراد بها القرآن و الوحي،أو الحجج العقليّة،أو ما يعمّها.(1:313)

النّيسابوريّ: على حجّة واضحة من معرفة ربّي، يقال:أنا على بيّنة من هذا الأمر،و أنا على يقين منه،إذا كان ثابتا عنده بدليل.(7:120)

الخازن :المعنى:إنّي على بيان و بصيرة في عبادة ربّي.(2:115)

أبو حيّان :أي على شريعة واضحة و ملّة صحيحة.

[ثمّ أدام نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة](4:142)

أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]

و لا يساعده المقام،و التّنوين للتّفخيم.(2:492)

نحوه البروسويّ.(3:41)

الآلوسيّ: [نقل بعض أقوال المفسّرين و أضاف:]

و عن الحسن أنّ المراد بها النّبوّة،و هو غير ظاهر كتفسيرها بالحجج العقليّة،أو ما يعمّها،و التّنوين للتّفخيم أي(بيّنة):جليلة الشّأن.(7:168)

رشيد رضا :أي قل لهم أيّها الرّسول أيضا:إنّي فيما أخالفكم فيه على بيّنة من ربّي،هداني إليها بالوحي و العقل.و البيّنة:كلّ ما يتبيّن به الحقّ،من الحجج و الدّلائل العقليّة،و الشّواهد و الآيات الحسّيّة،و منه:

تسمية شهادة الشّهود بيّنة.

و القرآن:بيّنة مشتملة على أنواع كثيرة من البيّنات العقليّة و الكونيّة،فهو على كونه من عند اللّه تعالى -للقطع بعجز الرّسول كغيره على الإتيان بمثله-مؤيّد بالحجج و البيّنات المثبتة لما فيه من قواعد العقائد و أصول

ص: 351

الهداية.(7:453)

نحوه المراغيّ.(7:141)

مكارم الشّيرازيّ: البيّنة أصلا:ما يفصل بين شيئين؛بحيث لا يكون بينهما تمازج أو اتّصال،ثمّ أطلقت على الدّليل و الحجّة الواضحة،لأنّها تفصل بين الحقّ و الباطل.

و في المصطلح الفقهيّ:تطلق«البيّنة»على الشّاهدين العدلين،غير أنّ معنى الكلمة اللّغويّ واسع جدّا، و شهادة العدل واحد من تلك المعاني،و كذلك في كون المعجزة بيّنة،لأنّها تفصل بين الحقّ و الباطل.و إذا قيل للآيات و الأحكام الإلهيّة:بيّنات،فلكونها من مصاديق الكلمة الواسعة.

و عليه فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يؤمر في هذه الآية أن يقول:

إنّ دليلي في قضيّة عبادة اللّه و محاربة الأصنام،واضح و بيّن،و إنّ تكذيبكم و إنكاركم لا يقلّلان من صدق الدّليل.(4:289)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا هود:53،و قوله تعالى:

قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً هود:63.

2- أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ...

الأنعام:157

ابن عبّاس: البيّنة:الرّسول.(أبو حيّان 4:258)

الطّبريّ: فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربيّ مبين، حجّة عليكم واضحة،بيّنة من ربّكم.(8:94)

نحوه الفخر الرّازيّ.(14:5)

الزّجّاج :أي فقد جاءكم ما فيه البيان،و قطع الشّبهات عنكم.(2:307)

البغويّ: حجّة واضحة،بلغة تعرفونها.(2:173)

نحوه الطّبرسيّ(2:387)،و الخازن(2:167)، و الشّربينيّ(1:459).

ابن عطيّة :قد جاءكم بيان من اللّه و هدى و رحمة.

(2:365)

ابن الجوزيّ: أي ما فيه البيان و قطع الشّبهات.

قال ابن عبّاس:أي حجّة،و هو النّبيّ و القرآن،و الهدى و البيان،و الرّحمة و النّعمة.(3:155)

القرطبيّ: و البيّنة و البيان واحد،و المراد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،سمّاه سبحانه بيّنة.(7:144)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ«البيّنة»هي القرآن،و هو الحجّة الواضحة الدّالّة النّيّرة؛حيث نزل عليهم بلسانهم، و ألزم العالم أحكامه و شريعته،و أنّ الهدى و النّور من صفات القرآن.

و قيل:دين اللّه،و الهدى و النّور على هذه الأقوال من صفات ما فسّرت البيّنة به.(4:258)

أبو السّعود :(بيّنة)،أي حجّة واضحة،لا يكتنه كنهها.

و قوله تعالى:(من ربّكم)متعلّق ب(جاءكم)أو بمحذوف هو صفة ل(بيّنة)،أي:بيّنة كائنة منه تعالى، و أيّا ما كان ففيه دلالة على فضلها الإضافيّ،كما أنّ في تنوينها التّفخيميّ دلالة على فضلها الذّاتيّ.(2:464)

نحوه الآلوسيّ.(8:61)

ص: 352

رشيد رضا: هذا هو الجواب القاطع لكلّ تعلّة و عذر،فإنّ القرآن بيّنة عظيمة كاملة من وجوه متعدّدة.

فتنكير«البيّنة»و ما بعدها للتّعظيم؛إذ البيّنة:ما تبيّن به الحقّ،و هو مبيّن للحقّ في العقائد بالحجج و الدّلائل،و في الفضائل و الآداب و أصول الشّريعة و أمّهات الأحكام:

بما تصلح به أمور البشر و شئون الاجتماع.(8:205)

نحوه المراغيّ.(8:79)

الطّباطبائيّ: و قوله: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ تقريع لقوليه:(ان تقولوا)(او تقولوا)جميعا، و قد بدّل الكتاب من البيّنة،ليدلّ به على ظهور حجّته و وضوح دلالته؛بحيث لا يبقى عذر لمتعذّر،و لا علّة لمتعلّل.(7:383)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(4:482)

3- ...قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ...

الأعراف:73

الطّبريّ: [المراد بالبيّنة:النّاقة](8:224)

الزّمخشريّ: آية ظاهرة،و شاهد على صحّة نبوّتي،و كأنّه قيل:ما هذه البيّنة؟فقال: هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً. (2:89)

نحوه النّيسابوريّ(8:164)،و البروسويّ(3:190)

ابن عطيّة :(بيّنة)صفة حذف الموصوف، و أقيمت مقامه.

قال سيبويه: و ذلك قبيح في النّكرة أن تحذف و تقام صفتها مقامها،لكن إذا كانت الصّفة كثيرة الاستعمال مشتهرة-و هي المقصود في الأخبار و الأمم-زال القبح، كما تقول:جاءني عبد لبني فلان،و أنت تريد جاءني رجل عبد،لأنّ عبدا صفة،فكذلك قوله هنا(بيّنة)، المعنى آية أو حجّة،أو موعظة بيّنة.(2:421)

الطّبرسيّ: أي دلالة معجزة شاهدة على صدقي.

(2:440)

أبو حيّان :أي آية ظاهرة جليّة،و شاهد على صحّة نبوّتي.

و كثر استعمال هذه الصّفة استعمال الأسماء في القرآن،فوليت العوامل،كقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:4،و قوله: بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ النّحل:44.

و المعنى:الآية البيّنة،و بالآيات البيّنات،فقارب أن تكون كالأبطح و الأبرق،إذ لا يكاد يصرّح بالموصوف معها.

و قوله: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ كأنّه جواب لقولهم:ائتنا ببيّنة تدلّ على صدقك و أنّك مرسل إلينا.

و(من ربّكم)متعلّق ب(جاءتكم)،أو في موضع الصّفة ل(آية)على تقدير محذوف،أي:من آيات ربّكم.

(4:327)

نحوه أبو السّعود(2:508)،و الآلوسيّ(8:162).

الطّباطبائيّ: أي شاهد قاطع في شهادته،و يبيّنه قوله بالإشارة إلى نفس البيّنة: هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً.

(8:181)

ص: 353

4- وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ...

الأعراف:85

الطّبريّ: قد جاءتكم علامة و حجّة من اللّه بحقيقة ما أقول،و صدق ما أدعوكم إليه.(8:237)

نحوه الطّوسيّ.(4:492)

الزّجّاج :قال بعض النّحويّين:لم يكن لشعيب آية إلاّ النّبوّة،و هذا غلط فاحش،قال: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ، فجاء بالفاء جوابا للجزاء،فكيف يقول: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، و لم يكن له آية إلاّ النّبوّة،فإن كان مع النّبوّة آية فقد جاءهم بها!

و قد أخطأ القائل بقوله:لم تكن له آية،و لو ادّعى مدّع النّبوّة بغير آية لم تقبل منه،و لكنّ القول في شعيب أنّ آيته-كما قال-(بيّنة)،إلاّ أنّ اللّه جلّ ثناؤه ذكر بعض آيات الأنبياء في القرآن،و بعضهم لم يذكر آيته،فمن لم تذكر آيته لا يقال:لا آية له.و آيات محمّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم تذكر كلّها في القرآن،و لا أكثرها.(2:353)

نحوه البغويّ(2:214)،و القرطبيّ(7:248)، و الخازن(2:215)،و عبد الكريم الخطيب(4:427)، و محمّد جواد مغنيّة(3:356).

الزّمخشريّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و من معجزات شعيب عليه السّلام ما روي من محاربة عصى موسى عليه السّلام التّنّين،حين دفع إليه غنمه،و ولادة الغنم الدّرع خاصّة،حين وعده أن تكون له الدّرع من أولادها،و وقوع عصى آدم عليه السّلام على يده في المرّات السّبع،و غير ذلك من الآيات،لأنّ هذه كلّها كانت قبل أن يستنبأ موسى عليه السّلام،فكانت معجزات لشعيب.(2:93)

نحوه أبو حيّان(4:336)،و الشّربينيّ(1:493)، و أبو السّعود(2:515)،و البروسويّ(3:300).

ابن عطيّة :و البيّنة إشارة إلى معجزته،و إن كنّا نحن لم ينصّ لنا عليها.و قرأ الحسن بن أبي الحسن: (قد جاءتكم آية من ربّكم) مكان(بيّنة).(2:426)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و اعلم أنّ هذا الكلام بناء على أصل مختلف بين أصحابنا و بين المعتزلة؛و ذلك لأنّ عندنا أنّ الّذي يصير نبيّا و رسولا بعد ذلك،يجوز أن يظهر اللّه عليه أنواع المعجزات قبل إيصال الوحي،و يسمّى ذلك إرهاصا للنّبوّة،فهذا الإرهاص عندنا جائز،و عند المعتزلة غير جائز،فالأحوال الّتي حكاها صاحب«الكشّاف»هي عندنا إرهاصات لموسى عليه السّلام،و عند المعتزلة معجزات لشعيب،لما أنّ الإرهاص عندهم غير جائز.(14:173)

نحوه النّيسابوريّ.(9:5)

محمّد جواد مغنيّة: [ذكر وجه عدم ذكر معجزة شعيب في القرآن ثمّ قال:]

و لا نصّ في القرآن يدلّ على نوع هذه المعجزة، فتعيينها بالذّات كما في بعض التّفاسير،قول على اللّه بغير علم.(3:356)

الطّباطبائيّ: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يدلّ على مجيئه بآية تدلّ على رسالته،و لكنّ اللّه سبحانه لم يذكر ذلك في كتابه،و ليست هذه الآية هي آية العذاب،الّتي يذكرها اللّه تعالى في آخر قصّته،فإنّ عامّة

ص: 354

قومه من الكفّار لم ينتفعوا بها،بل كان فيها هلاكهم.

و لا معنى لكون آية العذاب آية للرّسالة،مبيّنة للدّعوة.

(8:186)

5- ...قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ. الأعراف:105

ابن عبّاس: يعني العصا.(ابن الجوزيّ 3:237)

مثله البغويّ.(2:218)

الطّبريّ: قد جئتكم ببرهان من ربّكم.(9:14)

الطّوسيّ: يعني أتتكم حجّة من اللّه تعالى، و معجزة دالّة على صدق قوله.(4:492)

ابن عطيّة :البيّنة هنا:إشارة إلى جميع آياته، و هي على المعجزة هنا أدلّ،و هذا من موسى عرض نبوّته،و من فرعون استدعاء خرق العادة الدّالّ على الصّدق.(2:436)

نحوه الخازن(2:220)،و أبو حيّان(4:356)

الفخر الرّازيّ: و هي المعجزة الظّاهرة القاهرة.

[إلى أن قال:]

و اعلم أنّ دليل موسى عليه السّلام كان مبنيّا على مقدّمات:

إحداها:أنّ لهذا العالم إلها قادرا عالما حكيما.

و الثّانية:أنّه أرسله إليهم بدليل أنّه أظهر المعجز على وفق دعواه،و متى كان الأمر كذلك،وجب أن يكون رسولا حقّا.

و الثّالثة:أنّه متى كان الأمر كذلك،كان كلّ ما يبلّغه من اللّه إليهم،فهو حقّ و صدق.ثمّ إنّ فرعون ما نازعه في شيء من هذه المقدّمات إلاّ في طلب المعجزة،و هذا يوهم أنّه كان مساعدا على صحّة سائر المقدّمات.

و قد ذكرنا في سورة(طه)أنّ العلماء اختلفوا في أنّ فرعون هل كان عارفا بربّه أم لا؟

و لمجيب أن يجيب،فيقول:إنّ ظهور المعجزة يدلّ أوّلا:على وجود الإله القادر المختار،و ثانيا:على أنّ الإله جعله قائما مقام تصديق ذلك الرّسول،فلعلّ فرعون كان جاهلا بوجود الإله القادر المختار،و طلب منه إظهار تلك البيّنة،حتّى أنّه إن أظهرها و أتى بها كان ذلك دليلا على وجود الإله أوّلا،و على صحّة نبوّته ثانيا.

و على هذا التّقدير لا يلزم من اقتصار فرعون على طلب البيّنة،كونه مقرّا بوجود الإله الفاعل المختار.

(14:190)

نحوه النّيسابوريّ.(9:21)

6- ...لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ. الأنفال:42

ابن إسحاق :لما رأى من الآيات و العبر،و يؤمن من آمن على مثل ذلك.(الطّبريّ 10:12)

الطّبريّ: ليموت من مات من خلقه،عن حجّة للّه قد أثبتت له،و قطعت عذره،و عبرة قد عاينها و رآها.

وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، و ليعيش من عاش منهم، عن حجّة للّه قد أثبتت له،و ظهرت لعينه فعلمها.

(10:12)

نحوه الطّوسيّ(5:149)،و البغويّ(2:297)، و القرطبيّ(8:22)،و الخازن(3:30)،و أبو السّعود (3:100)،و البروسويّ(3:349).

ص: 355

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:ليقتل ببدر من قتل من مشركي قريش عن حجّة،و ليبقى من بقي عن قدرة.

و الثّاني:ليكفر من قريش من كفر،بعد الحجّة ببيان ما وعدوا،و يؤمن من آمن،بعد العلم بصحّة إيمانهم.

(2:322)

القشيريّ: أي ليضلّ من زاغ عن الحقّ،بعد لزومه الحجّة،و يهتدي من أقام على الحقّ،بعد وضوح الحجّة.

(2:322)

الميبديّ: جعل اللّه وقعة بدر حجّة و معجزة ظاهرة،حتّى لا يبقى للكافرين غدا عذر،و ليكون حجّته عليهم بيّنا،كما يقول جلّ جلاله: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.(4:54)

الزّمخشريّ: أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بيّنة،لا عن مخالجة شبهة،حتّى لا تبقى له على اللّه حجّة، و يصدر إسلام من أسلم أيضا عن يقين و علم،بأنّه دين الحقّ الّذي يجب الدّخول فيه،و التّمسّك به؛و ذلك أنّ ما كان من وقعة بدر من الآيات الغرّ المحجّلة،الّتي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه،مغالطا لها.(2:160)

مثله الشّربينيّ(1:572).و نحوه البروسويّ(3:

349)،و المراغيّ(10:7).

ابن عطيّة :و المعنى:أنّ اللّه تعالى جعل قصّة بدر عبرة و آية،ليؤمن من آمن عن وضوح و بيان،و يكفر أيضا من كفر عن مثل ذلك.[إلى أن قال:]

و البيّنة:صفة،أي عن قضيّة بيّنة.(2:533)

مثله أبو حيّان.(4:501)

الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:إنّ البيّنة هي ما وعد اللّه من النّصر للمؤمنين على الكافرين،صار ذلك حجّة على النّاس في صدق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فيما آتاهم به من عند اللّه.

و قيل:معناه ليهلك من ضلّ بعد قيام الحجّة عليه، فتكون حياة الكافر و بقاؤه هلاكا له.و يحيا من اهتدى بعد قيام الحجّة عليه،فيكون بقاء من بقي على الإيمان حياة له،قوله:(عن بيّنة)يعني بعد بيان.(2:547)

الآلوسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و يجوز أن يراد بالحياة:الإيمان،و بالموت:الكفر، استعارة أو مجازا مرسلا،و بالبيّنة:إظهار كمال القدرة، الدّالّة على الحجّة الدّافعة،أي ليصدر كفر من كفر،و إيمان من آمن،عن وضوح بيّنة،و إلى هذا ذهب قتادة.

(10:7)

عبد الكريم الخطيب :أي في الصّدام بين الحقّ و الباطل،و بين الإيمان و الكفر،تتحدّد مواقف النّاس، و ينزل كلّ منزلته الّتي يستحقّها،و هو على بيّنة من أمره،سواء أ كان في موكب الحقّ،أو في مربط الباطل و الضّلال.(5:620)

7- أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً... هود:17

الإمام عليّ عليه السّلام: محمّد و المؤمنون جميعا،و البيّنة:

القرآن أو الرّسول.

مثله ابن عبّاس،و قتادة،و مجاهد،و الضّحّاك.

(أبو حيّان 5:211)

ص: 356

عبد الرّحمن بن زيد:إنّه القرآن.

(الماورديّ 2:461)

ابن عبّاس: يعني محمّدا،على بيّنة من ربّه.

(الطّبريّ 12:16)

مثله مجاهد(الطّبريّ 12:17)،و الضّحّاك(الطّبريّ 12:16)،و ابن زيد و الثّوريّ(الطّبريّ 12:15)، و قتادة،و الطّبريّ(الطّبريّ 12:14).

إنّها الدّين.(ابن الجوزيّ 4:85) أبو العالية :محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

مثله مجاهد و عكرمة و قتادة و أبو صالح و السّريّ و الضّحّاك،(الماورديّ 2:416)،و الطّبريّ(12:14)، و الزّجّاج(3:43).

الإمام السّجّاد عليه السّلام: أي أ فمن كان على بيّنة من ربّه في اتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و معه من الفضل ما يتبيّن به كغيره،ممّن يريد الحياة الدّنيا و زينتها؟(القرطبيّ 9:16)

مقاتل:البيان.(ابن الجوزيّ 4:85)

الفرّاء:الّذي على البيّنة من ربّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.[إلى أن قال:]

و لم يأت لقوله: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ جواب بيّن،كقوله في سورة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ محمّد:14،و ربّما تركت العرب جواب الشّيء المعروف معناه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّه-تبارك و تعالى،و هو أصدق من قول الشّاعر-: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ الرّعد:31،فلم يؤت له بجواب،و اللّه أعلم.

و قد يفسّره بعض النّحويّين،يعني أنّ جوابه:و هم يكفرون و لو أنّ قرآنا،و الأوّل أشبه بالصّواب.(2:6)

الجبّائيّ: هم المؤمنون من أصحاب محمّد.

(الطّبرسيّ 3:150)

أبو مسلم الأصفهانيّ: الحجج الدّالّة على توحيد اللّه تعالى و وجوب طاعته.(الماورديّ 2:461)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقوال:[ثمّ ذكر الأقوال و أضاف:]

و ذكر بعض المتصوّفة قولا رابعا:أنّ البيّنة:هي الإشراف على القلوب،و الحكمة على الغيوب.(2:461)

الطّوسيّ: يعني برهان و حجّة من اللّه،و المراد بالبيّنة هاهنا:القرآن.و المعنيّ بقوله: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كلّ من اهتدي به و اتّبعه.

(5:528)

القشيريّ: فيه إضمار،و معناه أ فمن كان على بيّنة، كمن ليس على بيّنة،لا يستويان.

و البيّنة لأقوام:برهان العلم،و لآخرين:بيان الأمر بالقطع و الجزم،يشهدهم الحقّ ما لا يطّلع عليه غيرهم.

(3:129)

الزّمخشريّ: أي على برهان من اللّه،و بيان أنّ دين الإسلام حقّ؛و هو دليل العقل.(2:262)

ابن عطيّة :[اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(3:175)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:المعنيّ به كلّ محقّ يدين بحجّة و بيّنة،لأنّ (من)يتناول العقلاء.(3:150)

ص: 357

الفخر الرّازيّ: [له كلام مستوفى لخّصه النّيسابوريّ](17:200)

القرطبيّ: أي أ فمن كان معه بيان من اللّه،و معجزة كالقرآن،و معه شاهد كجبريل.[إلى أن قال:]

و قيل:البيّنة:معرفة اللّه الّتي أشرقت لها القلوب، و الشّاهد الّذي يتلوه:العقل الّذي ركّب في دماغه، و أشرق صدره بنوره.(9:16)

النّيسابوريّ: و اعلم أنّ أوّل هذه الآية يشتمل على ألفاظ أربعة مجملة:

الأوّل:أنّ هذا الّذي وصفه اللّه بأنّه على بيّنة من هو؟

الثّاني:ما المراد بالبيّنة؟

الثّالث:ما معنى(يتلوه)أ هو من التّلاوة أم من التّلوّ؟

الرّابع:الشّاهد من هو؟

و للمفسّرين فيها أقوال:أصحّها أنّ معنى البيّنة:

البرهان العقليّ الدّالّ على صحّة الدّين الحقّ.[إلى أن قال:]

و الحاصل أنّ المعارف اليقينيّة المكتسبة،إمّا أن يكون طريق اكتسابها بالحجّة و البرهان،و إمّا أن يكون بالوحي و الإلهام.

و إذا اجتمع على بعض المطالب هذان الأمران، و اعتضد كلّ واحد منهما بالآخر،كان المطلوب أوثق.ثمّ إذا توافقت كلمة الأنبياء على صحّته،بلغ المطلوب غاية القوّة و الوثوق.

ثمّ إنّه حصل في تقرير صحّة هذا الدّين هذه الأمور الثّلاثة جميعا:البيّنة،و هي الدّلائل العقليّة اليقينيّة.

و الشّاهد،و هو القرآن المستفاد من الوحي.و كتاب موسى المشتمل على الشّرائع المتقدّمة عليه،الصّالح لاقتداء الخلف به.

و عند اجتماع هذه الأمور لم يبق لطالب الحقّ المنصف في صحّة هذا الدّين شكّ و ارتياب.(12:13)

أبو السّعود :أي برهان نيّر عظيم الشّأن،يدلّ على حقّيّة ما رغّب في الثّبات عليه من الإسلام و هو القرآن، و باعتباره أو بتأويل البرهان،ذكّر الضّمير الرّاجع إليها في قوله تعالى:(و يتلوه).[إلى أن قال:]

و قيل:المراد بالبيّنة:دليل العقل،و بالشّاهد:

القرآن،فالضّمير في(منه)للّه تعالى،أو البيّنة:القرآن و(يتلوه)من التّلاوة،و الشّاهد:جبريل أو لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،على أنّ الضّمير له أو من«التّلوّ»،و الشّاهد:

ملك يحفظ،و الأولى هو الأوّل.(3:296)

المشهديّ: برهان من اللّه يدلّه على الحقّ و الثّواب،فيما يأتيه و يذره،و الهمزة لإنكار أن يعقب ما هذا شأنه هؤلاء المقصّرين،هممهم و أفكارهم على الدّنيا،و أن يقارب بينهم في المنزلة،و هو الّذي أغنى عن ذكر الخبر،و تقديره:أ فمن كان على بيّنة،كمن كان يريد الدّنيا.(4:451)

البروسويّ: الهمزة للإنكار،و البيّنة:الحجّة و البرهان،و(على)للاستعلاء المجازيّ،و هو الاستيلاء،و الاقتدار على إقامتها و الاستدلال بها.

و(من)شرطيّة أو موصولة مبتدأ حذف خبره.

و التّقدير:أ فمن كان على برهان ثابت من ربّه يدلّ على الحقّ،و الصّواب فيما يأتيه و يذره،و هو كلّ مؤمن

ص: 358

مخلص،كمن ليس على بيّنة،يعني سواء؟بل الأوّل على السّعادة و حسن العاقبة،و الثّاني على الشّقاوة و سوء الخاتمة(4:110)

الآلوسيّ: و أصل البيّنة،كما قيل:الدّلالة الواضحة،عقليّة كانت أو محسوسة،و تطلق على الدّليل مطلقا،و هاؤها للمبالغة،أو النّقل.و هي و إن قيل:إنّها من«بان»بمعنى تبيّن و اتّضح،لكنّه اعتبر فيها دلالة الغير و البيان له،و أخذها بعضهم من صيغة المبالغة.

و التّنوين فيها هنا للتّعظيم،أي بيّنة عظيمة الشّأن، و المراد بها:القرآن و باعتبار ذلك،أو البرهان.ذكّر الضّمير الرّاجع إليها في قوله سبحانه:(و يتلوه).

(12:26)

رشيد رضا :أي على حجّة و بصيرة من ربّه،فيما يؤمن به و يدعو إليه،هاديا مهتديا به،فالبيّنة:ما يتبيّن به الحقّ في كلّ شيء بحسبه،كالبرهان في العقليّات، و النّصوص في النّقليّات،و الخوارق في الإلهيّات، و التّجارب في الحسّيّات،و الشّهادات في القضائيّات، و الاستقراء في إثبات الكلّيّات.

و قد نطق القرآن بأنّ الرّسل كلّهم قد جاءوا بالبيّنات،و أنّ كلّ نبيّ منهم كان يحتجّ على قومه بأنّه على بيّنة من ربّه،و أنّه جاءهم ببيّنة من ربّهم،كما ترى في قصصهم من سورة الأعراف و هذه السّورة.

و كانت بيّناتهم قسمين:حججا عقليّة،و آيات كونيّة،و كان من لم يقتنع ببيّنة الرّسول أو يكابرها، يقولون: ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ هود:53،و كان من جحد الآية الكونيّة بعد التّحدّي و الإنذار بالعذاب،يهلكون بعذاب الاستئصال،و تجد هذا و ذاك مفصّلا في قصصهم من هذه السّورة،و فرق بين قول الرّسول منهم: إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي الأنعام:57،و قوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الأعراف:105.

فالأولى:ما علم هو به أنّه رسول من ربّه بوحيه إليه،و بإظهاره على ما شاء من رؤية ملك الوحي و غيره من عالم الغيب.

و الثّانية:ما آتاه من الحجّة العقليّة على قومه، كقوله: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ الأنعام:83،أو ما آتاه من آية كونيّة تستخذي لها أنفسهم،و تنقطع بها مكابرتهم،و كان نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم يطلق «البيّنة»تارة على الحجّة و البرهان،و تارة على آيته الكبرى الجامعة للبراهين الكثيرة و هي القرآن،قال تعالى له: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ الأنعام:57،و أمره أن يقول لهم بعد ذكر موسى و التّوراة: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللّهِ وَ صَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ الأنعام:155- 157،فهذا السّياق يشبه سياق الآية الّتي نفسّرها.

و في المراد بصاحب البيّنة فيها وجهان:أحدهما:أنّه عامّ قوبل به ما قبله،و هو من لا يريدون من حياتهم إلاّ لذّات الدّنيا،و زينتها،و أنّ البيّنة هي نور البصيرة

ص: 359

الفطريّة،و الحجّة العقليّة الّتي يميّز بها الإنسان بين الحقّ و الباطل،و الهدى و الضّلال.

و المعنى:أ فمن كان على بيّنة و بصيرة في دينه من ربّه، فهو كقوله: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ الزّمر:22، وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ أي و يتبع هذا النّور الفطريّ و البرهان العقليّ المراد بالبيّنة،و أعاد الضّمير عليها مذكّرا باعتبار معناها، و يؤيّده نور آخر غيبيّ إلهيّ منه تعالى،يشهد بحقّيّته و صحّته،و هو هذا القرآن،الّذي هو مشرق النّور و الهدى و البرهان.(12:50)

الطّباطبائيّ: عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، البيّنة:

صفة مشبّهة،معناها الظّاهرة الواضحة،غير أنّ الأمور الظّاهرة الواضحة ربّما أوضحت ما ينضمّ إليها و يتعلّق بها،كالنّور الّذي هو بيّن ظاهر،و يظهر به غيره،و لذلك كثر استعمال«البيّنة»فيما يتبيّن به غيره،كالحجّة و الآية، و يقال للشّاهد على دعوى المدّعي:بيّنة...

و قد سمّى اللّه تعالى الحجّة:بيّنة،كما في قوله:

لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ الأنفال:42،و سمّى آيته:

بيّنة،كما في قوله: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً الأعراف:73،و سمّى البصيرة الخاصّة الإلهيّة الّتي أوتيها الأنبياء:بيّنة،كما في قوله حكاية عن نوح عليه السّلام: يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ هود:28،أو مطلق البصيرة الإلهيّة،كما هو ظاهر قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ محمّد:14،و قد قال تعالى في معناه: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:122.

الظّاهر أنّ المراد بالبيّنة في المقام هو هذا المعنى الأخير العامّ،بقرينة قوله بعد: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، و إن كان المراد به بحسب المورد هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّ الكلام مسوق ليتفرّع عليه قوله: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ هود:17.

فالمراد بها البصيرة الإلهيّة الّتي أوتيها النّبيّ عليه السّلام، لا نفس القرآن النّازل عليه،فإنّه لا يحسن ظاهرا أن يتفرّع عليه قوله: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، و هو ظاهر، و لا ينافيه كون القرآن في نفسه بيّنة من اللّه،من جهة كونه آية منه تعالى،كما في قوله: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ الأنعام:57،فإنّ المقام غير المقام.

و بما مرّ يظهر أنّ قول من يقول:إنّ المراد بمن كان إلخ،النّبيّ خاصّة إرادة استعماليّة،ليس في محلّه،و إنّما هو مراد بحسب انطباق المورد.و كذا قول من قال:إنّ المراد به المؤمنون من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلا دليل على التّخصيص.

و يظهر أيضا فساد القول بأنّ المراد ب«البيّنة»هو القرآن،و كذا القول:بأنّها حجّة العقل،و أضيفت إلى الرّبّ تعالى،لأنّه ينصب الأدلّة العقليّة و النّقليّة.و وجه فساده أنّه لا دليل على التّخصيص،و لا تقاس البيّنة القائمة للنّبيّ عليه السّلام من ناحيته تعالى،بالتّعريف الإلهيّ القائم لنا من ناحية العقول.(10:183)

نحوه محمّد حسين فضل اللّه.(12:42)

مكارم الشّيرازيّ: أ فمن كان لديه دليل واضح من

ص: 360

قبل ربّه سبحانه و في اختياره،و يتلوه من اللّه شاهد يعضده،و من قبل ذلك«التّوراة»كتاب موسى بمثابة الإمام و الرّحمة و المبين لعظمته،أ فمثل هذا الّذي يتمتّع بهذه الخصائص و الصّفات،يشكّ في الإيمان به؟ أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ... الآية.

هذا الشخص؛هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و البيّنة و دليله:هو القرآن المجيد.و الشّاهد المصدّق بنبوّته:كلّ مؤمن حقّ أمثال عليّ عليه السّلام،و من قبل وردت صفاته و علائمه في التّوراة؛فعلى هذا ثبتت دعوته عن طرق ثلاثة حقّة واضحة:

الأوّل:القرآن الكريم الّذي هو بيّنة،و دليل واضح في يده.

الثّاني:الكتب السّماويّة الّتي سبقت نبوّته،و أشارت إلى صفاته بدقّة،و أتباع هذه الكتب السّماويّة في عصر النّبيّ كانوا يعرفونه حقّا،و لهذا السّبب كانوا ينتظرونه.

و الثّالث:أتباعه و أنصاره المؤمنون المضحّون،الّذين كانوا يبيّنون دعوته و يتحدّثون عنه،لأنّ واحدا من علائم حقّانيّة مذهب ما،هو إخلاص أتباعه و تضحيتهم و درايتهم و إيمانهم و عقلهم؛إذ أنّ كلّ مذهب يعرف بأتباعه و أنصاره.

و مع وجود هذه الدّلائل الحيّة،هل يمكن أن يقاس مع غيره من المدّعين،أم هل ينبغي التّردّد في صدق دعوته؟!(6:461)

8- قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ... هود:28

الطّبرسيّ: و اختلف في قول نوح عليه السّلام هذا،أنّه جواب عمّا ذا؟

فقيل:إنّه جواب عن قولهم: بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ هود:27،فكأنّه قال:إن تظنّوني كاذبا،فما تقولون لو كنت على خلافه،و على حجّة من ربّي واضحة،أ لا تصدّقونني؟

و قيل:بل هو جواب عن قولهم: ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا هود:27،أي و إن كنت بشرا،فما ذا تقولون إذا أتيتكم بحجّة دالّة على صدقي،أ لا تصدّقونني؟

و فيه بيان أنّ الرّسالة إنّما تظهر بالمعجزة،فلا معنى لاعتبار البشريّة.

و قيل:جواب عن قولهم: وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا هود:27،فكأنّه قال:إنّهم اعتصموا باللّه،و بما آتاهم من البيّنة و الرّحمة،فنالوا بذلك الرّفعة و الفضل،و أنتم قنعتم بالدّنيا الدّنيّة الفانية،فأنتم في الحقيقة الأراذل لا هم.

و قيل:هو جواب عن قولهم: وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هود:27،فكأنّه قال:لا تتّبعوا المال و الجاه.

فإنّ الواجب اتّباع الحجّة و الدّلالة،و يجوز أن يكون جوابا عن جميع ذلك.(3:155)

ابن الجوزيّ: أي على يقين و بصيرة.(4:96)

الطّباطبائيّ: جواب عن قولهم: ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا هود:27،يريدون به أنّه ليس معه إلاّ البشريّة الّتي يماثلهم فيها و يماثلونه،فبأيّ شيء يدّعي وجوب اتّباعهم؟بل هو كاذب يريد بما يدّعيه من الرّسالة أن يصطادهم،فيقتنص بذلك أموالهم و يترأّس عليهم.

ص: 361

و إذ كان هذا القول منهم متضمّنا لنفي رسالته، و سندهم في ذلك أنّه بشر،لا أثر ظاهر معه يدلّ على الرّسالة و الاتّصال بالغيب،كان من الواجب تنبيههم على ما يظهر به صدقه في دعوى الرّسالة،و هو«الآية المعجزة» الدّالّة على صدق الرّسول في دعوى الرّسالة.

فإنّ الرّسالة نوع من الاتّصال بالغيب خارق للعادة الجارية،لا طريق إلى العلم بتحقّقه إلاّ بوقوع أمر غيبيّ آخر خارق للعادة،يوقن به كون الرّسول صادقا في دعواه الرّسالة،و لذلك أشار عليه السّلام بقوله: يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، إلى أنّ معه بيّنة من اللّه، و آية معجزة تدلّ على صدقه في دعواه.

و من هنا يظهر أنّ المراد بالبيّنة:الآية المعجزة الّتي تدلّ على ثبوت الرّسالة،لأنّ ذلك هو الّذي يعطيه السّياق،فلا يعبأ بما ذكره بعض المفسّرين:أنّ المراد بالبيّنة في الآية:العلم الضّروريّ الّذي يعلم به النّبيّ أنّه نبيّ،و ذلك لكونه معنى أجنبيّا عن السّياق.(10:205)

و قد ذكر المفسّرون هنا في معنى كلمة(بيّنة):الحجّة، و الثّقة و النّبوّة،و الرّسالة،تركناها حذرا من التّكرار

9- وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى. طه:133

مجاهد :التّوراة و الإنجيل.(الطّبريّ 16:237)

قتادة :الكتب الّتي خلت من الأمم الّتي يمشون في مساكنهم.(الطّبريّ 16:237)

الطّبريّ: أ و لم يأتهم بيان ما في الكتب الّتي قبل هذا الكتاب،من أنباء الأمم من قبلهم،الّتي أهلكناهم لمّا سألوا الآيات،فكفروا بها لمّا أتتهم،كيف عجّلنا لهم العذاب،و أنزلنا بأسنا بكفرهم بها،و يقول:فما ذا يؤمنهم إن أتتهم الآية،أن يكون حالهم حال أولئك.(16:237)

نحوه الطّبرسيّ(4:37)،و ابن الجوزيّ(5:336).

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:أنّ ما في القرآن إذا وافق ما في كتبهم،مع أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لم يشتغل بالدّراسة و التّعلّم،و ما رأى أستاذا البتّة،كان ذلك إخبارا عن الغيب،فيكون معجزا.

و ثانيها:أنّ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى:

ما فيها من البشارة بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و بنبوّته و بعثته.

ثالثها:[ما تقدّم عن الطّبريّ](22:137)

أبو حيّان : وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ، هذه عادتهم في اقتراح الآيات،كأنّهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات،فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التّعنّت،فأجيبوا بقوله: أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى أي القرآن الّذي سبق التّبشير به،و بإيحائي من الرّسل به،في الكتب الإلهيّة السّابقة المنزلة على الرّسل،و القرآن أعظم الآيات في الإعجاز، و هي الآية الباقية إلى يوم القيامة.و في هذا الاستفهام توبيخ لهم.(6:292)

أبو السّعود :أي التّوراة و الإنجيل و سائر الكتب السّماويّة،ردّ من جهته عزّ و علا لمقالتهم القبيحة، و تكذيب لهم فيما دسّوا تحتها من إنكار مجيء الآية، بإتيان القرآن الكريم،الّذي هو أمّ الآيات،و أسّ المعجزات و أعظمها و أبقاها،لأنّ حقيقة المعجزة:

اختصاص مدّعي النّبوّة بنوع من الأمور الخارقة

ص: 362

للعادات،أيّ أمر كان.

و لا ريب في أنّ العلم أجلّ الأمور و أعلاها؛إذ هو أصل الأعمال و مبدأ الأفعال،و لقد ظهر مع حيازته لجميع علوم الأوّلين و الآخرين على يد أمّي،لم يمارس شيئا من العلوم،و لم يدارس أحدا من أهلها أصلا،فأيّ معجزة تراد بعد وروده،و أيّ آية ترام مع وجوده،و في إيراده بعنوان كونه بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى، من التّوراة و الإنجيل و سائر الكتب السّماويّة.

أي شاهدا بحقّيّة ما فيها من العقائد الحقّة،و أصول الأحكام الّتي أجمعت عليها كافّة الرّسل،و بصحّة ما تنطق به من أنباء الأمم،من حيث أنّه غنيّ بإعجازه عمّا يشهد بحقّيّته،حقيق بإثبات حقّيّة غيره، ما لا يخفى من تنويه شأنه و إنارة برهانه،و مزيد تقرير و تحقيق لإتيانه،و إسناد الإتيان إليه،مع جعلهم إيّاه مأتيّا به،للتّنبيه على أصالته فيه،مع ما فيه من المناسبة للبيّنة.(4:318)

نحوه الآلوسيّ(16:285)،و المراغيّ(16:169).

البروسويّ: البيّنة:الدّلالة الواضحة،عقليّة كانت أو حسّيّة،و المراد هنا:القرآن الّذي فيه بيان للنّاس، و(ما)عبارة عن العقائد الحقّيّة،و أصول الأحكام الّتي اجتمعت عليها كافّة الرّسل.(5:449)

الطّباطبائيّ: حكاية قول مشركي مكّة.و إنّما قالوا هذا تعريضا للقرآن،أنّه ليس بآية دالّة على النّبوّة، فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون.و البيّنة:الشّاهد المبيّن أو البيّن.و قيل:هو البيان.

و كيف كان فقولهم: لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ تخصيص بداعي إهانة القرآن،و تعجيز النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، باقتراح آية معجزة أخرى،و قوله: أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ إلخ،جواب عنه.

و معناه على الوجه الأوّل من معنيي البيّنة:أو لم تأتهم بيّنة و شاهد يشهد على ما في الصّحف الأولى -و هي التّوراة و الإنجيل و سائر الكتب السّماويّة-من حقائق المعارف و الشّرائع،و يبيّنها و هو القرآن،و قد أتى به رجل لا عهد له بمعلّم يعلّمه،و لا ملقّن يلقّنه ذلك؟

و على الوجه الثّاني:أو لم يأتهم بيان ما في الصّحف الأولى من أخبار الأمم الماضين،الّذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات المعجزة فأتوا بها،و كان إتيانها سببا لهلاكهم و استئصالهم،لما لم يؤمنوا بها بعد إذ جاءتهم،فلم لا ينتهون عن اقتراح آية بعد القرآن؟و لكلّ من المعنيين نظير في كلامه تعالى.(14:240)

عبد الكريم الخطيب :و البيّنة:هي القرآن الكريم،و النّبيّ الكريم معا،كما يقول سبحانه: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ البيّنة:1-3.(8:843)

10- ...أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاّ غُرُوراً. فاطر:40

الطّبريّ: فهم على برهان ممّا أمرتهم فيه من الإشراك بي.(22:143)

الزّجّاج :و يقرأ (بيّنات) .(4:273)

ص: 363

البغويّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و حفص (بيّنة)على التّوحيد،و قرأ الآخرون (بيّنات) على الجمع،يعني دلائل واضحة منه في ذلك الكتاب،من ضروب البيان.(3:699)

نحوه الميبديّ(8:190)،و ابن عطيّة(4:442).

الطّبرسيّ: أي فهم على دلالات واضحات.

(4:411)

القرطبيّ: [ذكر القراءتين ثمّ قال:]

و المعنيان متقاربان،إلاّ أنّ قراءة الجمع أولى،لأنّه لا يخلو من قرأه (عَلى بَيِّنَةٍ) من أن يكون خالف السّواد الأعظم،أو يكون جاء به على لغة من قال:

جاءني طلحة،فوقف بالتّاء،و هذه لغة شاذّة قليلة،قاله النّحّاس.

و قال أبو حاتم و أبو عبيد: الجمع أولى لموافقته الخطّ، لأنّها في مصحف عثمان(بيّنات)بالألف و التّاء.

(14:356)

أبو السّعود :أي حجّة ظاهرة من ذلك الكتاب،بأنّ لهم شركة جعليّة،و يجوز أن يكون ضمير(اتيناهم) للمشركين،كما في قوله تعالى: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً الرّوم:35.

و قرئ على (بيّنات) ،و فيه إيماء إلى أنّ الشّرك أمر خطير،لا بدّ في إثباته من تعاضد الدّلائل.(5:285)

نحوه البروسويّ(7:358)،و الآلوسيّ(22:203)

الطّباطبائيّ: أي بل آتيناهم كتابا فهم على بيّنة منه،أي على حجّة ظاهرة من الكتاب؛أنّ لشركائهم شركة معنا،و ذلك بدلالته على أنّهم شركاء للّه.(17:54)

11- أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ. محمّد:14

ابن عبّاس: أي ثبات و يقين.(القرطبيّ 16:235)أبو العالية:و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و البيّنة:الوحي.

الحسن :معجزة الرّسول.(الماورديّ 5:296)

الكلبيّ: الدّين.(الماورديّ 5:296)

ابن زيد :أنّه القرآن.(الماورديّ 5:296)

الطّبريّ: على برهان و حجّة و بيان.(26:48)

الطّوسيّ: أي حجّة واضحة،قال قتادة:يعني محمّدا صلّى اللّه عليه و آله،و قال قوم:يعني به المؤمنين الّذين عرفوا اللّه تعالى و أخلصوا العبادة.(9:296)

القشيريّ: البيّنة:الضّياء و الحجّة،و الاستبصار بواضح المحجّة،فالعلماء في ضياء برهانهم،و العارفون في ضياء بيانهم،فهؤلاء بأحكام أدلّة الأصول يبصرون، و هؤلاء بحكم الإلهام و الوصول يستبصرون.(5:407)

الواحديّ: يقين من دينه.(4:122)

مثله البغويّ(4:212)،و الخازن(6:148).

الميبديّ: أي على يقين من دينه.

و قيل:على حجّة و بيان و برهان و عقل.

و قيل:و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و البيّنة:القرآن.

و قيل:هم المؤمنون،و البيّنة:معجزة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم

(9:182)

الزّمخشريّ: أي على حجّة من عنده و برهان، و هو القرآن المعجز و سائر المعجزات،و هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(3:533)

ابن عطيّة :معناه على قصّة واضحة،و عقيدة نيّرة

ص: 364

بيّنة.و يحتمل أن يكون المعنى على أمر بيّن و دين بيّن، و ألحق الهاء للمبالغة،كعلاّمة و نسّابة.(5:113)

الطّبرسيّ: أي على يقين من دينه،و على حجّة واضحة من اعتقاده في التّوحيد و الشّرائع.(5:100)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا إشارة إلى الفرق بين النّبيّ عليه السّلام و الكفّار،ليعلم أنّ إهلاك الكفّار و نصرة النّبيّ عليه السّلام في الدّنيا محقّق،و أنّ الحال يناسب تعذيب الكافر و إثابة المؤمن.

و قوله:(على بيّنة)فرق فارق،و قوله:(من ربّه) مكمّل له؛و ذلك أنّ«البيّنة»إذا كانت نظريّة،تكون كافيه للفرق بين المتمسّك بها،و بين القائل قولا لا دليل عليه،فإذا كانت«البيّنة»منزلة من اللّه تعالى تكون أقوى و أظهر،فتكون أعلى و أبهر.

و يحتمل أن يقال:قوله:(من ربّه)ليس المراد إنزالها منه،بل المراد كونها من الرّبّ.(28:53)

النّيسابوريّ: معجزة ظاهرة،و حجّة باهرة من ربّه،يريد محمّدا و أمّته.(26:25)

أبو حيّان :على بيّنة واضحة،و هو القرآن المعجز، و سائر المعجزات.(8:78)

الشّربينيّ: أي حجّة ظاهرة البيان في أنّها حقّ من ربّه.(4:26)

أبو السّعود :تقرير لتباين حالي فريقي المؤمنين و الكافرين،و كون الأوّلين في أعلى علّيّين،و الآخرين في أسفل سافلين،و بيان لعلّة ما لكلّ منهما من الحال و(الهمزة)للإنكار،و(الفاء)للعطف،على مقدّر يقتضيه المقام،و قد قرئ بدونها.

و(من)عبارة عن المؤمنين المتمسّكين بأدلّة الدّين، و جعلها عبارة عن النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،أو عنه و عن المؤمنين لا يساعده النّظم الكريم،على أنّ الموازنة بينه عليه الصّلاة و السّلام و بينهم ممّا يأباه منصبه الجليل،و التّقدير:أ ليس الأمر كما ذكر،فمن كان مستقرّا على حجّة ظاهرة و برهان نيّر من مالك أمره،و مربّيه، و هو القرآن الكريم و سائر المعجزات و الحجج العقليّة، كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ. (6:86)

نحوه البروسويّ(8:505)،و الآلوسيّ(26:47)، و الطّنطاويّ(2:224).

المراغيّ: أي أ فمن كان على بصيرة و يقين في أمر اللّه و دينه،بما أنزله في كتابه من الهدى و العلم،و بما فطره اللّه عليه من الفطرة السّليمة...كمن حسّن له الشّيطان قبيح عمله.(26:56)

الطّباطبائيّ: السّياق الجاري على قياس حال المؤمنين بحال الكفّار،يدلّ على أنّ المراد بمن كان على بيّنة من ربّه:هم المؤمنون،فالمراد بكونهم على بيّنه من ربّهم:كونهم على دلالة بيّنة من ربّهم توجب اليقين على ما اعتقدوا عليه؛و هي الحجّة البرهانيّة،فهم إنّما يتّبعون الحجّة القاطعة على ما هو الحريّ بالإنسان،الّذي من شأنه أن يستعمل العقل و يتّبع الحقّ.(18:232)

عبد الكريم الخطيب :و في إفراد أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ إشارات:

أوّلها:أنّ الّذي يكون على بيّنة من ربّه،و على هدى منه،إنّما هو إنسان استقلّ.ينظره،و احتكم إلى عقله،و لم يكن منقادا لهوى غيره،أو منساقا وراء هوى نفسه.

ص: 365

و ثانيها:أنّ المؤمنين-و إن كانوا ذواتا كثيرة متعدّدة، كلّ منهم له كيانه،و وجوده الذّاتيّ المتحرّر من التّبعيّة الاعتقاديّة-هم جميعا ذلك المؤمن الّذي على بيّنة من ربّه،فكلّ مؤمن يرى وجوده و وجهه في هذا المؤمن.

و ثالثها:أنّ المؤمن الّذي يكون على بيّنة من ربّه، يرجح ميزانه موازين غير المؤمنين جميعا.(13:328)

مكارم الشّيرازيّ: و البيّنة:تعني الدّليل الواضح الجليّ،و هي هنا إشارة إلى القرآن،و معاجز الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله،و الدّلائل العقليّة الأخرى.

و من الواضح أنّ الاستفهام في جملة: أَ فَمَنْ كانَ... استفهام إنكاريّ،أي إنّ هذين الفريقين لا يتساويان أبدا.[إلى أن قال:]

و يعتقد البعض أنّ جملة: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ إشارة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الجملة التّالية ناظرة إلى كفّار مكّة،غير أنّ الظّاهر هو أنّ للآية معنى واسعا،و هذا من مصاديقه.(16:326)

البيّنة

1- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. البيّنة:1،2

ابن عبّاس:بيان ما في كتابهم:في كتاب اليهود و النّصارى.(516)

رَسُولٌ مِنَ اللّهِ، يريد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله.

مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:523)

مجاهد :حتّى يتبيّن لهم الحقّ.(الطّبريّ 30:262)

قتادة: أي هذا القرآن.(الطّبريّ 30:262)

ابن زيد :لم يكونوا منتهين حتّى يأتيهم ذلك المنفكّ.(الطّبريّ 30:262)

الطّبريّ: [بعد ذكر الأقوال قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة،أن يقال:معنى ذلك:لم يكن الّذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين مفترقين في أمر محمّد حتّى تأتيهم البيّنة،و هي إرسال اللّه إيّاه رسولا إلى خلقه،«رسول من اللّه»(30:262)

الطّوسيّ: يعني الحجج الظّاهرة الّتي يتميّز بها الحقّ من الباطل،و هي من«البينونة»و فصل الشّيء من غيره،فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:حجّة و بيّنة،و إقامة الشّهادة العادلة:بيّنة،و كلّ برهان و دلالة فهو بيّنة.(10:388)

مثله الطّبرسيّ.(5:523)

القشيريّ: و هي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أي لم يزالوا مجتمعين على تصديقه،لما وجدوه في كتبهم،إلى أن بعثه اللّه تعالى،فلمّا بعثه حسدوه و كفروا.(6:320)

نحوه ابن عطيّة.(5:507)

البغويّ: أي حتّى أتتهم الحجّة الواضحة،يعني محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أتاهم بالقرآن،فبيّن لهم ضلالتهم و جهالتهم، و دعاهم إلى الإسلام و الإيمان.(5:290)

نحوه الميبديّ(10:570)،و ابن الجوزيّ(9:196).

الفخر الرّازيّ: البيّنة فهي الحجّة الظّاهرة الّتي بها يتميّز الحقّ من الباطل،فهي من البيان أو البينونة،لأنّها تبيّن الحقّ من الباطل،و في المراد من البيّنة في هذه الآية أقوال:

الأوّل:أنّها هي الرّسول،ثمّ ذكروا في أنّه لم سمّي

ص: 366

الرّسول:بالبيّنة وجوها:الأوّل:أنّ ذاته كانت بيّنة على نبوّته،و ذلك لأنّه عليه السّلام كان في نهاية الجدّ في تقرير النّبوّة و الرّسالة،و من كان كذّابا متصنّعا فإنّه لا يتأتّى منه ذلك الجدّ المتناهي،فلم يبق فيه إلاّ أن يكون صادقا أو معتوها،و الثّاني:معلوم البطلان،لأنّه كان في غاية كمال العقل،فلم يبق إلاّ أنّه كان صادقا.

الثّاني:أنّ مجموع الأخلاق الحاصلة فيه كان بالغا إلى حدّ كمال الإعجاز،و الجاحظ قرّر هذا المعنى، و الغزاليّ رحمه اللّه نصره في كتاب«المنقذ»فإذا لهذين الوجهين سمّي هو في نفسه بأنّه بيّنة.

الثّالث:أنّ معجزاته عليه الصّلاة و السّلام كانت في غاية الظّهور،و كانت أيضا في غاية الكثرة،فلاجتماع هذين الأمرين جعل كأنّه عليه السّلام في نفسه بيّنة و حجّة، و لذلك سمّاه اللّه تعالى سِراجاً مُنِيراً الأحزاب:46.

و احتجّ القائلون بأنّ المراد من«البيّنة»هو الرّسول بقوله تعالى بعد هذه الآية: رَسُولٌ مِنَ اللّهِ، فهو رفع على البدل من البيّنة.و قرأ عبد اللّه (رسولا) حال من البيّنة،قالوا:و(الألف و اللاّم)في قوله(البيّنة) للتّعريف،أي هو الّذي سبق ذكره في التّوراة و الإنجيل على لسان موسى و عيسى،أو يقال:إنّها للتّفخيم،أي هو(البيّنة)الّتي لا مزيد عليها،أو البيّنة كلّ البيّنة،لأنّ التّعريف قد يكون للتّفخيم،و كذا التّنكير.

و قد جمعهما اللّه هاهنا في حقّ الرّسول عليه السّلام،فبدأ بالتّعريف و هو لفظ البيّنة،ثمّ ثنّى بالتّنكير فقال:

رَسُولٌ مِنَ اللّهِ، أي هو رسول،و أيّ رسول،و نظيره ما ذكره اللّه تعالى في الثّناء على نفسه،فقال: ذُو الْعَرْشِ اَلْمَجِيدُ، ثمّ قال:(فعّال)البروج:15،فنكّر بعد التّعريف.

القول الثّاني:أنّ المراد من(البيّنة)مطلق الرّسل، و هو قول أبي مسلم.قال:المراد من قوله: حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ أي حتّى تأتيهم رسل من ملائكة اللّه،تتلوا عليهم صحفا مطهّرة،و هو كقوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ النّساء:153، و كقوله: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً المدّثّر:52.

القول الثّالث:و هو قول قتادة و ابن زيد:(البيّنة) هي القرآن،و نظيره قوله: أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى طه:133،ثمّ قوله بعد ذلك:

رَسُولٌ مِنَ اللّهِ لا بدّ فيه من مضاف محذوف، و التّقدير:و تلك البيّنة وحي رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. (32:41)

النّيسابوريّ: (البيّنة)الحجّة الواضحة،و إطلاقها على الرّسول كإطلاق النّور و السّراج عليه.(30:152)

الشّربينيّ: و(البيّنة)الآية الّتي هي في البيان كالفجر المنير،الّذي لا يزداد بالتّمادي إلاّ ظهورا و ضياء و نورا،و ذلك هو الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو القرآن.(4:570)

أبو السّعود :الّتي كانوا قد جعلوا إتيانها ميقاتا لاجتماع الكلمة،و الاتّفاق على الحقّ،فجعلوه ميقاتا للانفكاك و الافتراق و إخلاف الوعد.[إلى أن قال:]

عبّر عنه عليه السّلام ب(البيّنة)للإيذان بغاية ظهور أمره، و كونه ذلك الموعود في الكتابين.(6:455)

مثله البروسويّ.(10:486)

ص: 367

الآلوسيّ: (البيّنة)صفة بمعنى اسم الفاعل،أي المبيّن للحقّ،أو هي بمعناها المعروف و هو الحجّة المثبتة للمدّعي،و يراد المعجز.

و على الوجهين فقوله تعالى:(رسول)بدل منها؛بدل كلّ من كلّ،أو خبر لمقدّر،أي هي رسول،و تنوينه للتّفخيم،و المراد به نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.[إلى أن قال:]

و جوّز أن يراد ب(البيّنة):القرآن،لأنّه مبيّن للحقّ، أو معجز مثبت للمدّعى،و روي ذلك عن قتادة و ابن زيد.و(رسول)عليه قيل:بدل اشتمال،أو بدل كلّ من كلّ أيضا بتقدير مضاف،أي بيّنة أو وحي أو معجز أو كتاب رسول،أو هو خبر مبتدإ مقدّر،أي هي رسول، و يقدّر معه مضاف كما سمعت.

و جوّز أن يكون(رسول)مبتدأ لوصفه،و خبره جملة(يتلوا)إلخ،و جملة المبتدإ و خبره مفسّرة للبيّنة.

و قيل:اعتراض لمدحها،و قيل:صفة لها مرادا بها القرآن.

و يراد بالصّحف المطهّرة:البيّنة،و قد وضعت موضع ضميرها،فكانت الرّابط.

و قرأ أبيّ و عبد اللّه (رسولا) بالنّصب على الحاليّة من البيّنة.(30:201)

الطّباطبائيّ: و البيّنة هي الحجّة الظّاهرة،و المعنى لم يكن الّذين كفروا برسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أو بدعوته أو بالقرآن،لينفكّوا حتّى تأتيهم البيّنة،و البيّنة:هي محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(20:337)

عبد الكريم الخطيب :و البيّنة هي ما أشار إليها قوله تعالى: رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً، فالرّسول صلوات اللّه و سلامه عليه هو البيّنة،أي البيان المبين،الّذي يبيّن طريق الحقّ بما يتلو من آيات اللّه على النّاس.

و في جعل«الرّسول»هو البيّنة-مع أنّ البيّنة هي آيات اللّه-إشارة إلى أنّ الرّسول الكريم،هو في ذاته بيّنة،و هو آية من آيات اللّه،في كماله و أدبه،و عظمة خلقه،حتّى لقد كان كثير من المشركين يلقون النّبيّ لأوّل مرّة فيؤمنون به،قبل أن يستمعوا إلى آيات اللّه منه،و قبل أن يشهدوا وجه الإعجاز فيها.

و أنّه ليكفي أن يقول لهم:إنّه رسول اللّه،فيقرءون آيات الصّدق في وجهه،و في وقع كلماته على آذانهم.

و قد آمن المؤمنون الأوّلون،و لم يكن قد نزل من القرآن قدر يعرفون منه أحكام الدّين و مبادئه و أخلاقيّاته،بل إنّ إيمانهم كان استجابة لما دعاهم إليه رسول اللّه،لأنّه لا يدعو-كما عرفوه و خبروه-إلاّ إلى خير و حقّ.

(16:1640)

محمّد حسين فضل اللّه: هي الحجّة القائمة على إثبات حقّيّة الرّسالة و الرّسول،و ربّما كان الجوّ الّذي يعيشه هؤلاء هو جوّ التّبرير،لإصرارهم على الدّين القويم في صورته،الّتي يتمثّلونها في طريقتهم الخاصّة و وضعهم المعقّد،و لكن كيف يسألون ذلك،في الوقت الّذي تتمثّل البيّنة أمامهم مجسّدة في النبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و في الصّحف المطهّرة الّتي يحملها،ليقدّم للنّاس ما تشتمل عليه من كتب قيّمة.(24:360)

2- وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ

ص: 368

ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ. البيّنة:4 أبو العالية :القرآن.(الماورديّ 6:316)

ابن شجرة:محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الماورديّ 6:316)

لماورديّ: [بعد نقل قول أبي العالية و ابن شجرة ثمّ قال:]

و يحتمل ثالثا:البيّنة:ما في كتبهم من صحّة نبوّته.

(6:316)

الطّوسيّ: إخبار من اللّه تعالى أنّ هؤلاء الكفّار لم يختلفوا في نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لأنّهم كانوا مجمعين على نبوّته بما وجدوه في كتبهم من صفاته،فلمّا أتاهم بالبيّنة الظّاهرة و المعجزة القاهرة تفرّقوا و اختلفوا،فآمن بعضهم و كفر بعضهم.(10:389)

مثله القرطبيّ(20:143)،و الشّربينيّ(4:570)، و أبو السّعود(6:455)،و البروسويّ(10:487)

البغويّ: أي البيان في كتبهم أنّه نبيّ مرسل.

(5:290)

الميبديّ: محمّد و القرآن،أي لم يختلفوا في مبعثه، و كونه نبيّا إلاّ بعد ظهوره بغيا و حسدا.(10:570)

الطّبرسيّ: إلاّ من بعد ما جاءتهم البشارة به،في كتبهم و على ألسنة رسلهم،فكانت الحجّة قائمة عليهم، فكذلك لا يترك المشركون من غير حجّة تقوم عليهم، [ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](5:523)

القاسميّ: أي على ألسنة أنبيائهم،فهكذا كان شأنهم في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،جحدوا بيّنته كما جحدوا بيّنة أنبيائهم بتفرّقهم فيها،و بعدهم بالتّفرّق عن حقيقتها.

(17:6226)

الطّباطبائيّ: و مجيء(البيّنة)لهم هو البيان النّبويّ،الّذي تبيّن لهم في كتابهم،أو أوضحه لهم أنبياؤهم،قال تعالى: وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* إِنَّ اللّهَ هُوَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ* فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ...

الزّخرف:63-65.(20:338)

بيّنات

1- وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ... الجاثية:17

ابن عبّاس:يعني بيّن لهم من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه يهاجر من تهامة إلى يثرب،و يكون أنصاره أهل يثرب.

(الفخر الرّازيّ 27:265)

واضحات من أمر الدّين.(420)

السّدّيّ: بيان الحلال و الحرام.(الماورديّ 5:263)

الطّبريّ: و أعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا،بتنزيلنا إليهم التّوراة،فيها تفصيل كلّ شيء.

(25:146)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:ذكر الرّسول و شواهد نبوّته.

الثّاني:[قول السّدّيّ المتقدّم](5:263)

الطّوسيّ: أي دلالات و براهين واضحات من الأمر.(9:255)

البغويّ: يعني العلم بمبعث محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما بيّن لهم من أمره.(6:186)

ص: 369

نحوه الميبديّ(9:125)،و الطّبرسيّ(5:75).

الزّمخشريّ: (بيّنات):آيات و معجزات.(3:511)

ابن عطيّة :و البيّنات من الأمر:هو الوحي الّذي فصّلت لهم به الأمور.(5:84)

نحوه أبو حيّان.(8:45)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه آتاهم بيّنات من الأمر،أي أدلّة على أمور الدّنيا.

الثّاني:[و هو قول ابن عبّاس الّذي تقدّم]

الثّالث:المراد وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ أي معجزات قاهرة على صحّة نبوّتهم،و المراد:معجزات موسى عليه السّلام.

(27:265)

القرطبيّ: و قيل:بيّنات الأمر:شرائع واضحات في الحلال و الحرام،و معجزات.(16:163)

النّيسابوريّ: و البيّنات من الأمر:أدلّة أمور الدّين.(25:77)

الشّربينيّ: أي الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلّة القطعيّة،و الأحكام و المواعظ المؤيّدة بالمعجزات،و من صفات الأنبياء الآتين بعدهم،و غير ذلك ممّا هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته؛و ذلك أمر يقتضي الألفة و الاجتماع،و قد كانوا متّفقين و هم في زمن الضّلال، لا يختلفون إلاّ اختلافا يسيرا لا يضرّ مثله،و لا يعدّ اختلافا،فلمّا جاءهم العلم اختلفوا.(3:596)

أبو السّعود :دلائل ظاهرة في أمر الدّين، و معجزات قاهرة.(6:60)

مثله البروسويّ.(8:443)

الآلوسيّ: دلائل ظاهرة في أمر الدّين،ف(من) بمعنى«في»،و البيّنات:الدّلائل،و يندرج فيها معجزات موسى عليه السّلام،و بعضهم فسّرها بها.(25:148)

القاسميّ: أي حججا و براهين،و أدلّة قاطعات تأبى الاختلاف،و لكن أبوا إلاّ الاختلاف.(14:5322)

المراغيّ: امتنّ سبحانه على بني إسرائيل،بما أنعم به عليهم من وافر النّعم الدّينيّة و الدّنيويّة،و ذكر من ذلك:

1-إنزال التّوراة على موسى،فيها معالم للهدى و شرائع للنّاس،تهديهم إلى سواء السّبيل.

2-إرسال الرّسل،فكثر فيهم الأنبياء بما لم يكن لأمّة مثله.

3-القضاء بين النّاس و الفصل في خصوماتهم؛إذ كان الملك فيهم،فاجتمع لهم حكم الدّين و حكم الدّنيا.

4-إيتاؤهم طيّبات الأرزاق،فكانوا ذوي ترف و نعيم في معايشهم،و كان منهم الملوك ذوو الحظّ الأوفر من العظمة و الفضل،و سعة الجاه و الأمر و النّهي،و بسطة العيش كداود و سليمان عليهما السّلام.

5-تفضيلهم على النّاس جميعا؛إذ لم يكن في أمّة أنبياء كما كان فيهم،و لم يجمع اللّه بين الملك و النّبوّة في شعب كما اجتمع فيهم،فهم أرفع الشّعوب منقبة.

6-إيتاؤهم أحكاما و مواعظ مؤيّدة بالمعجزات، و قد كان هذا ممّا يستدعي ألفتهم و اجتماعهم،و كانوا كذلك لا يختلفون إلاّ اختلافا يسيرا لا يضرّ مثله،فلمّا جاءهم العلم اختلفوا،كما أشار إلى ذلك بقوله:

فَمَا اخْتَلَفُوا... الآية أي فما حدث فيهم هذا

ص: 370

الخلاف إلاّ بعد قيام الحجّة،طلبا للرّئاسة و حسدا فيما بينهم،و قد سبق تفصيله في سورة(حم عسق)

(25:150)

الطّباطبائيّ: المراد بالبيّنات:الآيات البيّنات الّتي تزيل كلّ شكّ و ريب،و تمحوه عن الحقّ،و يشهد بذلك تفريع قوله: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ.

(18:166)

نحوه محمّد حسين فضل اللّه.(20:327)

مكارم الشّيرازيّ: البيّنات:يمكن أن تكون إشارة إلى المعجزات الواضحة،الّتي أعطاها اللّه سبحانه موسى بن عمران عليه السّلام و سائر أنبياء بني إسرائيل.أو أنّها إشارة إلى الدّلائل و البراهين المنطقيّة الواضحة، و القوانين و الأحكام المتقنة الدّقيقة.

و قد احتمل بعض المفسّرين أن يكون هذا التّعبير إشارة إلى العلامات الواضحة،الّتي تتعلّق بنبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله،و الّتي علمها هؤلاء،و كان باستطاعتهم أن يعرفوا نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله من خلالها كمعرفتهم بأبنائهم: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ البقرة:146،لكن لا مانع من أن تكون كلّ هذه المعاني مجتمعة في الآية.

و على أيّة حال،فمع وجود هذه المواهب و النّعم العظيمة،و الدّلائل البيّنة الواضحة،لا يبقى مجال للاختلاف،إلاّ أنّ الكافرين بالنّعم هؤلاء ما لبثوا أن اختلفوا،كما يصوّر القرآن الكريم ذلك في تتمّة هذه الآية،إذ يقول: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ. (16:192)

2- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا.

مريم:73

ابن عبّاس:بالأمر و النّهي.(258)

الزّمخشريّ: مرتّلات الألفاظ،ملخّصات المعاني، مبيّنات المقاصد،إمّا محكمات أو متشابهات،قد تبعها البيان بالمحكمات أو بتبيين الرّسول قولا أو فعلا.أو ظاهرات الإعجاز تحدّى بها فلم يقدر على معارضتها، أو حججا و براهين.

و الوجه أن تكون حالا مؤكّدة كقوله تعالى: وَ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً البقرة:91،لأنّ آيات اللّه لا تكون إلاّ واضحة و حججا.(2:520)

نحوه القرطبيّ(11:142)،و أبو حيّان(6:210)، و أبو السّعود(4:254)،و الآلوسيّ و 16:124).

الفخر الرّازيّ: يحتمل وجوها:

أحدها و ثانيها:[نحو الزّمخشريّ ثمّ أضاف:]

و ثالثها:المراد بكونها آيات بيّنات،أي دلائل ظاهرة واضحة،لا يتوجّه عليها سؤال و لا اعتراض،مثل قوله تعالى في إثبات صحّة الحشر: أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً مريم:67.(21:246)

البروسويّ: واضحات الإعجاز و المعاني،و هي حال مؤكّدة،فإنّ آيات اللّه لا ينفكّ عنها الوضوح.

(5:351)

المراغيّ: أي ظاهرات الإعجاز.(16:76)

الطّباطبائيّ: ظاهرات في حجّتها،واضحات في دلالتها،لا تدع ريبا لمرتاب.(14:100)

ص: 371

البيّنات

1- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ... البقرة:87

ابن عبّاس: الأمر و النّهي،و العجائب و العلامات.

(13)

أي الآيات الّتي وضع على يديه من إحياء الموتى، و خلقه من الطّين كهيئة الطّير،ثمّ ينفخ فيه فيكون طائرا بإذن اللّه،و إبراء الأسقام،و الخبر بكثير من الغيوب ممّا يدّخرون في بيوتهم،و ما ردّ عليهم من التّوراة مع الإنجيل الّذي أحدث اللّه إليه.(الطّبريّ 1:403)

الطّبريّ: يعني ب(البيّنات)الّتي آتاه اللّه إيّاها:

ما أظهر على يديه من الحجج،و الدّلالة على نبوّته من إحياء الموتى،و إبراء الأكمه،و نحو ذلك من الآيات الّتي أبانت منزلته من اللّه،و دلّت على صدقه و صحّة نبوّته.

(1:403)

نحوه الزّجّاج(1:168)،و الطّوسيّ(1:340) و البغويّ(1:140)،و ابن عطيّة(1:176)،و الطّبرسيّ (1:154)،و الآلوسيّ(1:316)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:أحدها:أنّ البيّنات:الحجج،و الثّاني:أنّها الإنجيل،و الثّالث:[قول ابن عبّاس المتقدّم](1:155)

الميبديّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

قيل:أحيا أربعة من أبناء آدم بعد موتهم،و هم:سام ابن نوح،و العازر،و ابن العجوز،و ابنة العاشر.(1:263)

الزّمخشريّ: المعجزات الواضحات و الحجج، كإحياء الموتى،و إبراء الأكمه و الأبرص،و الإخبار بالمغيبات.(1:294)

نحوه البيضاويّ(1:68)،و النّيسابوريّ(1:

367)،و الشّربينيّ(1:75)،و أبو السّعود(1:161)، و البروسويّ(1:177)

الفخر الرّازيّ: في(البيّنات)وجوه:[ذكر نحو ما تقدّم عن الماورديّ و أضاف:]

و ثالثها:و هو الأقوى،أنّ الكلّ يدخل فيه،لأنّ المعجز يبيّن صحّة نبوّته،كما أنّ الإنجيل يبيّن كيفيّة شريعته،فلا يكون للتّخصيص معنى.(3:177)

نحوه أبو حيّان.(1:299)

رشيد رضا :(البيّنات)فهي ما يتبيّن به الحقّ من الحجج القيّمة و الآيات الباهرة.و قال الأستاذ الإمام:

المراد بها ما دعا إليه من أحكام التّوراة.(1:376)

و بهذا المعنى جاءت آية(253)من هذه السّورة، و الآية(63)من سورة الزّخرف،فراجع.

2- وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ. البقرة:92

الطّبريّ: أي جاءكم(بالبيّنات)الدّالّة على صدقه و حقّيّة نبوّته،كالعصا الّتي تحوّلت ثعبانا مبينا،و يده الّتي أخرجها بيضاء للنّاظرين،و فلق البحر،و مصير أرضه له طريقا يبسا،و الجراد و القمّل و الضّفادع،و سائر الآيات الّتي بيّنت صدقه و حقّيّة نبوّته.

و إنّما سمّاها اللّه بيّنات لتبيّنها للنّاظرين إليها أنّها معجزة،لا يقدر على أن يأتي بها بشر إلاّ بتسخير اللّه

ص: 372

ذلك له،و إنّما هي جمع:بيّنة،مثل طيّبة و طيّبات.

(1:421)

نحوه الطّوسيّ(1:352)،و ابن عطيّة(1:180)، و الطّبرسيّ(1:162)،و القرطبيّ(2:30)،و أبو حيّان (1:308)،و الآلوسيّ(1:325)،و القاسميّ(2:192)، و المراغيّ(1:171).

الميبديّ: و هذا كقوله في موضع آخر: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الأعراف:105،قال موسى:

أتيت إليكم ببلاغ مبين،و حجج واضحة و هي المعجزات التّسع،كما بيّن في سورة النّمل:12 فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ. [ثمّ أدام نحو ما تقدّم عن الطّبريّ](1:276)

3- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ... البقرة:159

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّ(البيّنات)هي الحجج الدّالّة على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،(و الهدى):الأمر باتّباعه.

و الثّاني:أنّ(البيّنات و الهدى)واحد،و الجمع بينهما تأكيد،و ذلك ما أبان عن نبوّته و هدى إلى اتّباعه.

(1:214)

نحوه الطّوسيّ(2:47)،و الطّبرسيّ(1:241).

الميبديّ: ممّا أرسلنا بيانها في التّوراة:من الحلال و الحرام،و الحدود،و الفرائض،و الرّجم.(1:428)

الزّمخشريّ: من الآيات الشّاهدة على أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:325)

نحوه أبو السّعود(1:194)،و البروسويّ(1:26)، و الآلوسيّ(2:27).

ابن عطيّة :و(البيّنات و الهدى)أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، ثمّ يعمّ بعد كلّ ما يكتم من خير.

و قرأ طلحة بن مصرّف (من بعد ما بيّنه) على الإفراد.(1:231)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ فالمراد كلّ ما أنزله على الأنبياء،كتابا وحيا دون أدلّة العقول،و قوله تعالى:(و الهدى)يدخل فيه الدّلائل العقليّة و النّقليّة.(4:184)

نحوه النّيسابوريّ.(2:42)

الشّربينيّ: كآية الرّجم،و نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:107)

الطّباطبائيّ: و(البيّنات):الآيات و الحجج الّتي هي بيّنات و أدلّة،و شواهد على الحقّ الّذي هو الهدى، فالبيّنات في كلامه تعالى وصف خاصّ بالآيات النّازلة.

(1:388)

4- وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ... البقرة:213

الطّبريّ: من بعد ما جاءتهم حجج اللّه و أدلّته،أنّ الكتاب الّذي اختلفوا فيه و في أحكامه من عند اللّه.

(2:337)

الماورديّ: يعني الحجج و الدّلائل.(1:271)

البغويّ: يعني أحكام التّوراة و الإنجيل.(1:272)

الطّبرسيّ: أي الأدلّة و الحجج الواضحة.و قيل:

ص: 373

معجزات محمّد.(1:307)

نحوه الخازن.(1:169)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فهو يقتضي أن يكون إيتاء اللّه تعالى إيّاهم الكتاب كان بعد مجيء البيّنات،فتكون هذه البيّنات مغايرة لا محالة لإيتاء الكتاب،و هذه البيّنات لا يمكن حملها على شيء،سوى الدّلائل العقليّة الّتي نصبها اللّه تعالى على إثبات الأصول،الّتي لا يمكن القول بالنّبوّة إلاّ بعد ثبوتها؛و ذلك لأنّ المتكلّمين يقولون:كلّ ما لا يصحّ إثبات النّبوّة إلاّ بعد ثبوته،فذلك لا يمكن إثباته بالدّلائل السّمعيّة،و إلاّ وقع الدّور،بل لا بدّ من إثباتها بالدّلائل العقليّة،فهذه الدّلائل هي(البيّنات)المتقدّمة على إيتاء اللّه الكتب إيّاهم.(6:16)

أبو حيّان :و(البيّنات):التّوراة و الإنجيل، فالّذين أوتوه هم اليهود و النّصارى.أو جميع الكتب المنزلة،فالّذين أوتوه علماء كلّ ملّة.أو ما في التّوراة من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و الّذين أوتوه اليهود.أو معجزات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الّذين اتوه جميع الأمم،أو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و الّذين اتوه من بعث إليهم.

و الّذي يظهر أنّ البيّنات هي ما أوضحته الكتب المنزلة على أنبياء الأمم،الموجبة للاتّفاق و عدم الاختلاف،فجعلوا مجيء الآيات البيّنات سببا لاختلافهم،و ذلك أشنع عليهم؛حيث رتّبوا على الشّيء خلاف مقتضاه.(2:137)

الشّربينيّ: أي الحجج الظّاهرة على التّوحيد.

(1:138)

رشيد رضا: و(البيّنات)هي الدّلائل القائمة على عصمة الكتاب من وصمة إثارة الخلاف،و على أنّه ما جاء إلاّ لإسعاد النّاس و التّوفيق بينهم،لا لإشقائهم و تمزيق شملهم؛و على أنّ الحكمة الإلهيّة فيه راجعة إلى جميع ما جاء به،فلا بدّ أن يكون فهم كلّ جزء منه مرتبطا بفهم بقيّة أجزائه؛و على أنّ دعوة الرّسول الّذي جاء به إنّما كانت إلى جملته،لا إلى الأنقاض المتفرّقة منه.

(2:287)

5- وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ...

البقرة:253

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:الحجج الواضحة،و البراهين القاهرة.

و الثّاني:أن خلقه من غير ذكر.(1:322)

الفخر الرّازيّ: تخصيص عيسى بن مريم بإيتاء البيّنات،يدلّ أو يوهم أنّ إيتاء البيّنات ما حصل في غيره،و معلوم أنّ ذلك غير جائز،فإن قلتم:إنّما خصّهما [موسى و عيسى عليهما السّلام]بالذّكر،لأنّ تلك البيّنات أقوى؟

فنقول:إنّ بيّنات موسى عليه السّلام،كانت أقوى من بيّنات عيسى عليه السّلام،فإن لم تكن أقوى فلا أقلّ من المساواة.

الجواب:المقصود منه:التّنبيه على قبح أفعال اليهود؛ حيث أنكروا نبوّة عيسى عليه السّلام،مع ما ظهر على يديه من البيّنات اللاّئحة.

فإن قلت:(البيّنات)جمع قلّة،و ذلك لا يليق بهذا المقام.

ص: 374

قلنا:لا نسلّم أنّه جمع قلّة،و اللّه أعلم.(6:217)

أبو حيّان :نصّ هنا لعيسى على«الآيات البيّنات» تقبيحا لأفعال اليهود؛حيث أنكروا نبوّته،مع ما ظهر على يديه من الآيات الواضحة،و لمّا كان نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم هو الّذي أوتي ما لم يؤته أحد من كثرة المعجزات و عظمها -و كان المشهود له بإحراز قصبات السّبق-حفّ بذكر هذين الرّسولين العظيمين.(2:274)

البروسويّ: و جعل معجزاته سبب تفضيله،مع أنّ «إيتاء البيّنات»غير مختصّ بعيسى عليه الصّلاة و السّلام،لأنّها آيات واضحة و معجزات عظيمة لم يستجمعها غيره،و خصّ عيسى عليه السّلام بالتّعيين مع أنّه غير مختصّ ب«إيتاء البيّنات»تقبيحا لإفراط اليهود في تحقيره؛حيث أنكروا نبوّته مع ما ظهر على يده من البيّنات القاطعة الدّالّة عليها،و لإفراط النّصارى في تعظيمه،حيث أخرجوه عن مرتبة الرّسالة.(1:395)

نحوه المراغيّ.(3:6)

الآلوسيّ: أي الآيات الباهرات و المعجزات الواضحات،كإبراء الأكمه و الأبرص،و إحياء الموتى، و الإخبار بما يأكلون و يدّخرون،أو الإنجيل،أو كلّما يدلّ على نبوّته.

و في ذكر ذلك في مقام التّفضيل إشارة إلى أنّه السّبب فيه،و هذا يقتضي أفضليّة نبيّنا صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم على سائر الأنبياء؛إذ له من قداح ذلك المعلّى و الرّقيب.(3:3)

و في نصوص أخرى نحو ما تقدّم في آية(87)من سورة البقرة،حذفناها حذرا من التّكرار.

6- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ. آل عمران:86

الطّبريّ: يعني و جاءهم الحجج من عند اللّه، و الدّلائل بصحّة ذلك.(3:342)

نحوه الشّربينيّ.(1:230)

الطّوسيّ: إن قيل:كيف خصّ هؤلاء المذكورون بمجيء البيّنات،مع أنّها قد جاءت كلّ مكلّف للإيمان؟

قيل عنه جوابان:

أحدهما:لأنّ البيّنات الّتي جاءتهم هي ما في كتبهم من البشارة بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

الثّاني:للتّبعيد من حال الهداية و التّفحيش، لتجويزها في هذه الفرقة.(2:522)

الميبديّ: (البيّنات):ما بيّن في التّوراة من نعته و صفته.(2:192)

الطّبرسيّ: أي البراهين و الحجج.و قيل:القرآن، و قيل:جاءهم ما في كتبهم من البشارة لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.

(1:471)

نحوه البروسويّ(2:59)،و الآلوسيّ(3:216).

أبو حيّان :و(البيّنات)هي شواهد القرآن، و المعجزات الّتي تأتي بمثلها الأنبياء.(2:518)

7- وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.

آل عمران:105

ابن عبّاس:آيات اللّه الّتي أنزلت على أهل كلّ

ص: 375

ملّة.(أبو حيّان 3:21)

بيّنات ما في كتابهم من الإسلام.(53)

الحسن :التّوراة.(أبو حيّان 3:21)

قتادة :القرآن.

مثله أبو أمامة.(أبو حيّان 3:21)

الطّوسيّ: معناه من بعد ما نصبت لهم الأدلّة، و لا يدلّ ذلك على عناد الجميع،لأنّ قيام البيّنات إنّما يعلم بها الحقّ إذا نظر فيها،و استدلّ بها على الحقّ.

(2:550)

الزّمخشريّ: الموجبة للاتّفاق على كلمة واحدة، و هي كلمة الحقّ.(1:453)

نحوه الشّربينيّ(1:238)،و أبو السّعود(2:14)، و و البروسويّ(2:75)،و الآلوسيّ(4:23).

الطّبرسيّ: أي الحجج و الكتب،و بيّن لهم الطّرق.

(1:484)

8- فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ. آل عمران:184

الطّبريّ: بالحجج القاطعة العذر،و الأدلّة الباهرة العقل،و الآيات المعجزة الخلق،و ذلك هو البيّنات.

(4:198)

نحوه الطّوسيّ(3:69)،و البغويّ(1:548)،و ابن عطيّة(1:549)،و النّيسابوريّ(4:141)،و الخازن (1:386)،و المراغيّ(4:150).

أبو حيّان :بما يوجب الإيمان من ظهور المعجزات الواضحة الدّلالة على صدقهم،و بالكتب السّماويّة الإلهيّة النّيّرة المزيلة لظلم الشّبه.(3:133)

9- ...ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً.

النّساء:153

الطّبريّ: يعني من بعد ما جاءت هؤلاء الّذين سألوا موسى-ما سألوا-البيّنات من اللّه،و الدّلالات الواضحات،بأنّهم لن يروا اللّه عيانا جهارا.و إنّما عنى ب(البيّنات)أنّها آيات تبيّن عن أنّهم لن يروا اللّه في أيّام حياتهم في الدّنيا جهرة؛و كانت تلك الآيات البيّنات لهم.

على أنّ ذلك كذلك،إصعاق اللّه إيّاهم عند مسألتهم موسى أن يريهم ربّه جهرة،ثمّ إحياءه إيّاهم بعد مماتهم، مع سائر الآيات الّتي أراهم اللّه دلالة على ذلك.(6:9)

نحوه الطّوسيّ.(3:377)

الميبديّ: قالوا:(البيّنات الّتي ذكرها القرآن) هي:اليد و العصا و الحجر و البحر و الطّوفان و الجراد و القمّل و الضّفادع و الدّم،و لكلّ منها شرح و تفصيل، يأتي في محلّها.(2:751)

الطّبرسيّ: أي الحجج الباهرات،قد دلّ اللّه بهذا على جهل القوم و عنادهم.(2:134)

الفخر الرّازيّ: و المراد ب(البيّنات)أمور:

أحدها:أنّه تعالى جعل ما أراهم من الصّاعقة بيّنات،فإنّ الصّاعقة و إن كانت شيئا واحدا إلاّ أنّها كانت دالّة على قدرة اللّه تعالى،و على علمه و على قدمه، و على كونه مخالفا للأجسام و الأعراض،و على صدق موسى عليه السّلام في دعوى النّبوّة.

ص: 376

و ثانيها:أنّ المراد ب(البيّنات)إنزال الصّاعقة، و إحياؤهم بعد ما أماتهم.

و ثالثها:أنّهم إنّما عبدوا العجل من بعد أن شاهدوا معجزات موسى عليه السّلام الّتي كان يظهرها في زمان فرعون و هي:العصا و اليد البيضاء و فلق البحر،و غيرها من المعجزات القاهرة.

و المقصود من ذلك الكلام:أنّ هؤلاء يطلبون منك يا محمّد،أن تنزل عليهم كتابا من السّماء،فاعلم يا محمّد أنّهم لا يطلبونه منك إلاّ عنادا و لجاجا،فإنّ موسى قد أنزل اللّه عليه هذا الكتاب،و أنزل عليه سائر المعجزات القاهرة،ثمّ إنّهم طلبوا الرّؤية على سبيل العناد،و أقبلوا على عبادة العجل،و كلّ ذلك يدلّ على أنّهم مجبولون على اللّجاج و العناد،و البعد عن طريق الحقّ.(11:95)

نحوه النّيسابوريّ.(6:12)

القرطبيّ: أي البراهين و الدّلالات و المعجزات الظّاهرات من:اليد و العصا و فلق البحر و غيرها،بأنّه لا معبود إلاّ اللّه عزّ و جلّ.(6:6)

نحوه الخازن(1:513)،و أبو حيّان(3:387)، و الشّربينيّ(1:342)،و أبو السّعود(2:215)، و البروسويّ(2:316)،و الآلوسيّ(6:7)،و القاسميّ (5:1634)،و المراغيّ(6:10).

10- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ... النّحل:44

الطّبريّ: إن قال قائل:و كيف قيل:(بالبيّنات و الزّبر)و ما الجالب لهذه الباء في قوله:(بالبيّنات)؟

فإن قلت:جالبها قوله:(ارسلنا)و هي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة(ما)قبل(إلاّ)بعدها،و إن قلت:جالبها غير ذلك،فما هو،و أين الفعل الّذي جلبها؟

قيل:قد اختلف أهل العربيّة في ذلك،فقال بعضهم:

الباء الّتي في قوله:(بالبيّنات)من صلة(ارسلنا)،و قال:

(إلاّ)في هذا الموضع،و مع الجحد و الاستفهام في كلّ موضع بمعنى«غير».

و قال:معنى الكلام و ما أرسلنا من قبلك بالبيّنات و الزّبر غير رجال نوحي إليهم،و يقول على ذلك:

ما ضرب إلاّ أخوك زيدا،و هل كلّم إلاّ أخوك عمرا، بمعنى:ما ضرب زيدا غير أخيك،و هل كلّم عمرا إلاّ أخوك؟[ثمّ استشهد بشعر]

و يستشهد أيضا بقول اللّه عزّ و جلّ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ الأنبياء:22.

و يقول:(الاّ)بمعنى«غير»في هذا الموضع،و كان غيره يقول:إنّما هذا على كلامين:يريد و ما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا أرسلنا بالبيّنات و الزّبر،قال:و كذلك قول القائل:ما ضرب إلاّ أخوك زيدا،معناه ما ضرب إلاّ أخوك،ثمّ يبتدئ:ضرب زيدا،و كذلك ما مرّ إلاّ أخوك بزيد،ما مرّ إلاّ أخوك،ثمّ يقول:مرّ بزيد.[ثمّ استشهد بشعر]

فتأويل الكلام إذن:و ما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم أرسلناهم بالبيّنات و الزّبر،و أنزلنا إليك الذّكر.و(البيّنات):هي الأدلّة و الحجج الّتي أعطاها اللّه

ص: 377

رسله،أدلّة على نبوّتهم،شاهدة لهم على حقيقة ما أتوا به إليهم من عند اللّه.(14:109)

الطّوسيّ: أي بالدّلالات الواضحات و الكتب المنزلة.(6:385)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم تعلّق قوله:(بالبيّنات)؟

قلت:له متعلّقات شتّى،فإمّا أن يتعلّق ب(ما ارسلنا) داخلا تحت حكم الاستثناء مع(رجالا)أي و ما أرسلنا إلاّ رجالا بالبيّنات،كقولك:ما ضربت إلاّ زيدا بالسّوط، لأنّ أصله ضربت زيدا بالسّوط.

و إمّا ب(رجالا)صفة له،أي رجالا ملتبسين بالبيّنات.

و إمّا ب(ارسلنا)مضمرا،كأنّما قيل:بم أرسلوا؟ فقلت:بالبيّنات،فهو على كلامين،و الأوّل على كلام واحد.

و إمّا ب(نوحى)أي نوحي إليه بالبيّنات.

و إمّا ب(لا تعلمون)على أنّ الشّرط في معنى التّبكيت و الإلزام،كقول الأجير:إن كنت عملت لك فأعطني حقّي،و قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ اعتراض على الوجوه المتقدّمة.(2:411)

نحوه ابن عطيّة(3:395)،و الطّبرسيّ(3:362)، و أبو البقاء(2:796)،و أبو السّعود(4:64)،و القاسميّ (10:3812)،و المراغيّ(14:89).

الفخر الرّازيّ: ذكروا في الجالب لهذه«الباء» وجوها:

الأوّل:أنّ تقديره:و ما أرسلنا من قبلك بالبيّنات و الزّبر إلاّ رجالا يوحى إليهم.و أنكر الفرّاء ذلك،و قال:

إنّ صلة ما قبل(الاّ)لا يتأخّر إلى بعد،و الدّليل عليه:أنّ المستثنى عنه هو مجموع ما قبل(الاّ)مع صلته،فما لم يصر هذا المجموع مذكورا بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه.

الثّاني:أنّ التّقدير:و ما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم بالبيّنات و الزّبر؛و على هذا التّقدير فقوله:

(بالبيّنات و الزّبر)متعلّق بالمستثنى.

الثّالث:أنّ الجالب لهذا«الباء»محذوف،و التّقدير:

أرسلناهم بالبيّنات،و هذا قول الفرّاء.قال:و نظيره ما مرّ إلاّ أخوك بزيد،ما مرّ إلاّ أخوك ثمّ يقول:مرّ بزيد.

الرّابع:أن يقال:الذّكر بمعنى العلم،و التّقدير:

فاسألوا أهل الذّكر(بالبيّنات و الزّبر)إن كنتم لا تعلمون.

الخامس:أن يكون التّقدير:إن كنتم لا تعلمون بالبيّنات و الزّبر فاسألوا أهل الذّكر.

قوله تعالى:(بالبيّنات و الزّبر)لفظة جامعة لكلّ ما تكامل به الرّسالة،لأنّ مدار أمرها على المعجزات، الدالّة على صدق من يدّعي الرّسالة و هي(البيّنات)، و على التّكاليف الّتي يبلّغها الرّسول من اللّه تعالى إلى العباد و هي(الزّبر).(20:37)

نحوه القرطبيّ.(10:108)

أبو حيّان :الأجود أن يتعلّق قوله:(بالبيّنات) بمضمر يدلّ عليه ما قبله،كأنّه قيل:بم أرسلوا؟قال:

أرسلناهم(بالبيّنات و الزّبر)فيكون على كلامين، و قاله الزّمخشريّ و ابن عطيّة و غيرهما.

و قد يتعلّق بقوله:(و ما ارسلنا).و هذا فيه وجهان:

أحدهما:أنّ النّيّة فيه التّقديم قبل أداة الاستثناء،

ص: 378

و التّقدير:و ما أرسلنا من قبلك بالبيّنات و الزّبر إلاّ رجالا،حتّى لا يكون ما بعد(الاّ)معمولين متأخّرين لفظا و رتبة،داخلين تحت الحصر لما قبلها،و هذا حكاه ابن عطيّة عن فرقة.

و الوجه الثّاني:أن لا ينوي به التّقديم،بل وقعا بعد (الاّ)في نيّة الحصر،و هذا قاله الحوفيّ و الزّمخشريّ، و بدأ به قال:تتعلّق ب(ما ارسلنا)داخلا تحت حكم الاستثناء مع رجالا،أي و ما أرسلنا إلاّ رجالا بالبيّنات، كقولك:ما ضربت إلاّ زيدا بالسّوط،لأنّ أصله ضربت زيدا بالسّوط،انتهى.

و قال أبو البقاء:و فيه ضعف،لأنّ ما قبل(الاّ) لا يعمل فيما بعدها،إذا تمّ الكلام على(إلاّ)و ما يليها،إلاّ أنّه قد جاء في الشّعر.[و بعد أن استشهد به أضاف:]

و هذا الّذي أجازه الحوفيّ و الزّمخشريّ لا يجوز على مذهب جمهور البصريّين،لأنّهم لا يجيزون أن يقع بعد (الاّ)إلاّ مستثنى أو مستثنى منه أو تابعا،و ما ظنّ من غير الثّلاثة معمولا لما قبل إلاّ قدّر له عامل.

و أجاز الكسائيّ أن تقع معمولا لما قبلها منصوب، نحو ما ضرب إلاّ زيد عمرا،و مخفوض نحو ما مرّ إلاّ زيد بعمرو،و مرفوع نحو ما ضرب إلاّ زيدا عمرو.و وافقه ابن الأنباريّ في المرفوع،و الأخفش في الظّرف و الجارّ و الحال.

فالقول الّذي قاله الحوفيّ و الزّمخشريّ يتمشّى على مذهب الكسائيّ و الأخفش،و دلائل هذه المذاهب مذكورة في علم النّحو.

و أجاز الزّمخشريّ أن يكون صفة ل«رجال»أي رجالا ملتبسين بالبيّنات،فيتعلّق بمحذوف.و هذا وجه سائغ،لأنّه في موضع صفة لما بعد«الاّ»،فوصف (رجالا)ب(نوحى اليهم)،و بذلك العامل في(بالبيّنات) كما تقول:ما أكرمت إلاّ رجلا مسلما ملتبسا بالخير.

و أجاز أيضا أن يتعلّق ب(نوحى اليهم)،و أن يتعلّق ب(لا يعلمون).قال:على أنّ الشّرط في معنى التّبكيت و الإلزام،كقول الأجير:إن كنت عملت لك فأعطني حقّي،و قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ اعتراض على الوجوه المتقدّمة،يعني من الّتي ذكر غير الوجه الأخير.

(5:494)

نحوه الآلوسيّ.(14:148)

الطّباطبائيّ: (بالبيّنات و الزّبر)متعلّق بمقدّر يدلّ عليه ما في الآية السّابقة من قوله:(و ما ارسلنا)، أي أرسلناهم(بالبيّنات و الزّبر)،و هي الآيات الواضحة الدّالّة على رسالتهم،و الكتب المنزّلة عليهم.

و ذلك أنّ العناية في الآية السّابقة،إنّما هي ببيان كون الرّسل بشرا على العادة فحسب،فكأنّه لمّا ذكر ذلك اختلج في ذهن السّامع أنّهم بما ذا أرسلوا؟فأجيب عنه فقيل:بالبيّنات و الزّبر.أمّا(البيّنات)فلإثبات رسالتهم،و أمّا(الزّبر)فلحفظ تعليماتهم.

و قيل:هو متعلّق بقوله:(و ما ارسلنا)،أي و ما أرسلنا بالبيّنات و الزّبر إلاّ رجالا نوحي إليهم.و فيه أنّه لا بأس به في نفسه،لكنّه مفوّت لما تقدّم من النّكتة.

(12:259)

نحوه محمّد حسين فضل اللّه.(13:232)

مكارم الشّيرازيّ: (البيّنات)جمع بيّنة،بمعنى

ص: 379

الدّلائل الواضحة،و يمكن أن تكون هنا إشارة إلى معاجز،و أدلّة إثبات صدق الأنبياء عليهم السّلام في دعوتهم.

(الزّبر)جمع الزّبور،بمعنى الكتاب.

ف(البيّنات)تتحدّث عن دلائل إثبات النّبوّة، (و الزّبر)إشارة إلى الكتب،الّتي جمعت فيها تعليمات الأنبياء.(8:181)

11- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ... طه:72

ابن عبّاس:يريد من اليقين و العلم.

(القرطبيّ 11:225)

نحوه الميبديّ.(6:148)

عكرمة :لمّا سجدوا أراهم اللّه في سجودهم منازلهم في الجنّة.(القرطبيّ 11:225)

نحوه ابن أبي بزّة.(البغويّ 3:268)

وهب بن منبّه: أي على اللّه على ما جاءنا من الحجج مع بيّنة.

نحوه الطّبريّ.(16:189)

مقاتل: يعني اليد البيضاء و العصا.

(البغويّ 3:268)

الطّوسيّ: يعني الأدلّة الدّالّة على صدق موسى و صحّة نبوّته.(7:190)

نحوه الطّبرسيّ.(4:21)

أبو حيّان :و هي المعجزة الّتي أتتنا و علمنا صحّتها، و في قولهم هذا:توهين له،و استصغار لما هدّدهم به، و عدم اكتراث بقوله.

و في نسبة المجيء إليهم و إن كانت(البيّنات)جاءت لهم و لغيرهم،لأنّهم كانوا أعرف بالسّحر من غيرهم، و قد علموا أنّ ما جاء به موسى ليس بسحر،فكانوا على جليّة من العلم بالمعجز،و غيرهم يقلّدهم في ذلك، و أيضا فكانوا هم الّذين حصل لهم النّفع بها،فكانت بيّنات واضحة في حقّهم.(6:261)

أبو السّعود :من المعجزات الظّاهرة،فإنّ ما ظهر بيده عليه الصّلاة و السّلام من العصا كان مشتملا على معجزات جمّة،كما مرّ تحقيقه فيما سلف،فإنّهم كانوا عارفين بجلائلها و دقائقها.(4:295)

نحوه الآلوسيّ.(16:232)

البروسويّ: من المعجزات الظّاهرة الّتي لا شبهة في حقّيّتها،و كان من استدلالهم أنّهم قالوا:لو كان هذا سحرا فأين حبالنا و عصيّنا.

و فيه إشارة إلى أنّ القوم شاهدوا في رؤية الآيات أنوار الذّات و الصّفات،فهان عليهم عظائم البليّات،و من آثر اللّه على الأشياء هان عليه ما يلقى في ذات اللّه.(5:406)

الطّباطبائيّ: تلويح إلى أنّهم عدّوا ما شاهدوه من أمر العصا آيات عديدة،كصيرورتها ثعبانا،و تلقّفها الحبال و العصيّ،و رجوعها ثانيا إلى حالتها الأولى.

و يمكن أن يكون(من)للتّبعيض،فيفيد أنّهم شاهدوا آية واحدة،و آمنوا بأنّ للّه آيات أخرى كثيرة، و لا يخلو من بعد.(14:182)

12- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَمّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ اَلْعالَمِينَ. المؤمن:66

ص: 380

12- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَمّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ اَلْعالَمِينَ. المؤمن:66

الطّبريّ: لمّا جاءني الآيات الواضحات من عند ربّي،و ذلك آيات كتاب اللّه الّذي أنزله.(24:82)

الزّمخشريّ: إن قلت:أما نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن عبادة الأوثان بأدلّة العقل،حتّى جاءته البيّنات من ربّه؟

قلت:بلى،و لكن(البيّنات)لمّا كانت مقوّية لأدلّة العقل،و مؤكّدة لها،و مضمّنة ذكرها-نحو قوله تعالى:

أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ الصّافّات:95،96،و أشباه ذلك من التّنبيه على أدلّة العقل-كان ذكر(البيّنات)ذكرا لأدلّة العقل و السّمع جميعا،و إنّما ذكر ما يدلّ على الأمرين جميعا،لأنّ ذكر تناصر الأدلّة-أدلّة العقل و أدلّة السّمع-أقوى في إبطال مذهبهم،و إن كانت أدلّة العقل وحدها كافية.

(3:435)

نحوه البروسويّ.(8:206)

الطّبرسيّ: أي حين أتاني الحجج و البراهين من جهة اللّه تعالى،دلّتني على ذلك.(4:531)

الفخر الرّازيّ: و تلك(البيّنات)أنّ إله العالم قد ثبت كونه موصوفا بصفات الجلال و العظمة،على ما تقدّم ذكره،و صريح العقل يشهد بأنّ العبادة لا تليق إلاّ به، و أنّ جعل الأحجار المنحوتة و الخشب المصوّرة شركاء له في المعبوديّة،مستنكر في بديهة العقل.(27:85)

نحوه الشّربينيّ(3:495)،و المراغيّ(24:91).

النّيسابوريّ: شامل لأدلّة العقل و النّقل جميعا.

(24:51)

أبو السّعود :من الحجج و الآيات،أو من الآيات، لكونها مؤيّدة لأدلّة العقل منبّهة عليها؛فإنّ الآيات التّنزيليّة مفسّرات للآيات التّكوينيّة الآفاقيّة و الأنفسيّة.(5:426)

مثله الآلوسيّ.(24:84)

13- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ... الحديد:25

مقاتل: إنّها هي المعجزات الظّاهرة و الدّلائل القاهرة.(الفخر الرّازيّ 29:240)

مقاتل بن حيّان: أي أرسلناهم بالأعمال الّتي تدعوهم إلى طاعة اللّه،و إلى الإعراض عن غير اللّه.

(الفخر الرّازيّ 29:240)

نحوه الميبديّ.(9:499)

الطّبريّ: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصّلات من البيان و الدّلائل.(27:236)

الطّوسيّ: يعني الدّلائل و الحجج الواضحة.

(9:534)

نحوه الواحديّ(4:253)،و أبو السّعود(6:208)، و الكاشانيّ(5:138)،و الآلوسيّ(27:188).

القشيريّ: أي أرسلناهم مؤيّدين بالحجج اللاّئحة و البراهين الواضحة،و أزحنا العلّة لمن أراد سلوك الحجّة المثلى،و يسّرنا السّبيل على من آثر اتّباع الهدى.

(6:112)

الفخر الرّازيّ: [نقل قولي مقاتل بن سليمان و مقاتل بن حيّان ثمّ قال:]

و الأوّل هو الوجه الصّحيح،لأنّ نبوّتهم إنّما ثبتت

ص: 381

بتلك المعجزات.(29:240)

القرطبيّ: أي بالمعجزات البيّنة و الشّرائع الظّاهرة،و قيل:الإخلاص للّه تعالى في العبادة،و إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة،بذلك دعت الرّسل:نوح فمن دونه إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(17:260)

البروسويّ: بالحجج الواضحة الّتي هي المعجزات بالشّرائع الواضحة.

فإن قلت:المعجزات يخلقها اللّه على يدي مدّعي النّبوّة،كإحياء الموتى و قلب العصا و اليد البيضاء و شقّ القمر من غير نزول الملك بها،نعم معجزة القرآن نزل بها الملك و لكن نزوله بها على كلّ رسول غير ثابت.

قلت:معنى نزول الملك بها:أنّ اللّه يخبره على لسانه بوقوع تلك المعجزة على يده.(9:379)

القاسميّ: أي بالحجج و البراهين القاطعة على صحّة ما يدعون إليه.[إلى أن قال:]

و أوّل القاشانيّ(البيّنات)بالمعارف و الحكم، و(الكتاب)بالكتابة،(و الميزان)بالعدل،لأنّه آلته، (و الحديد)بالسّيف،لأنّه مادّته.[إلى أن قال:]

و يجوز أن تكون(البيّنات)إشارة إلى المعارف و الحقائق النّظريّة.و(الكتاب)إشارة إلى الشّريعة و الحكم العمليّة،(و الميزان)إلى العمل بالعدل و السّويّة، (و الحديد)إلى القهر و دفع شرور البريّة.و قيل:

(البيّنات):العلوم الحقيقيّة،و الثّلاثة الباقية:هي النّواميس الثّلاثة المشهورة المذكورة في الكتب الحكميّة، أي الشّرع،و الدّينار المعدل للأشياء في المعاوضات، و الملك.

و أيّا ما كان فهي الأمور المتضمّنة للكمال الشّخصيّ و النّوعيّ في الدّارين؛إذ لا يحصل كمال الشّخص إلاّ بالعلم و العمل،و لا كمال النّوع إلاّ بالسّيف و القلم.

أمّا الأوّل فظاهر،و أمّا الثّاني فلأنّ الإنسان مدنيّ بالطّبع،محتاج إلى التّعامل و التّعاون،لا تمكن معيشته إلاّ بالاجتماع.و النّفوس:إمّا خيّرة أحرار بالطّبع،منقادة للشّرع،و إمّا شرّيرة عبيد بالطّبع،آبية للشّرع.

فالأولى يكفيها في السّلوك طريق الكمال و العمل بالعدالة و اللّطف و سياسة الشّرع،و الثّانية لا بدّ لها من القهر و سياسة الملك.(16:5693)

الطّباطبائيّ: أي بالآيات البيّنات الّتي يتبيّن بها أنّهم مرسلون من جانب اللّه سبحانه،من المعجزات الباهرة و البشارات الواضحة و الحجج القاطعة.

(19:171)

محمّد حسين فضل اللّه: الّتي يقتنع فيها العقل بحقائق العقيدة و جدّيّة الشّريعة،بالأدلّة الواضحة الّتي تسقط أمامها كلّ الشّبهات،لأنّ اللّه لا يريد للنّاس أن يؤمنوا الإيمان الأعمى الّذي يسلم بالفكرة،من دون قناعة فكريّة مرتكزة على الحجّة و البرهان.

لأنّ مثل هذا الإيمان لا يوحي للإنسان باحترام نفسه و عقله،و لا يوحي له باحترام العقيدة الّتي يؤمن بها،ممّا يجعل مسألة«الإيمان»في الوعي القرآنيّ،مسألة تتّصل بالعقل و الشّعور،ليتحرّك العقل في المعادلات الفكريّة، و لينطلق الشّعور في الإيحاءات الشّعوريّة،في ما يمثّل حركة العقل و الشّعور في الإيمان بالحقيقة الفكريّة الشّعوريّة.

ص: 382

و قد لا يكون من المفروض أن تكون مفردات الإيمان عقليّة في ذاتها،بل يكفي أن تكون عقليّة في مرتكزاتها و مواقعها الفكريّة.(22:45)

يبين

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ.

الزّخرف:52

الحسن :كان في لسانه ثقل،فنسبه إلى ما كان عليه أوّلا.(الطّوسيّ 9:208)

نحوه الطّبرسيّ.(5:51)

كانت العقدة زالت عن لسانه حين أرسله اللّه،كما قال مخبرا عن نفسه: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي طه:

27،ثمّ قال: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى طه:36، و إنّما عيّره بما كان في لسانه قبل.(الطّبرسيّ 5:51)

نحوه ابن عطيّة(5:59)،و الفخر الرّازيّ(27:

218)،و أبو السّعود(6:37)،و الطّباطبائيّ(18:110)

قتادة :أي عييّ اللّسان.(الطّبريّ 25:83)

نحوه الطّبريّ.(25:82)

كانت في لسانه آفة.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 9:207)

السّدّيّ: وَ لا يَكادُ يُبِينُ الكلام.

(الطّبريّ 25:82)

الثّوريّ: ثقيل اللّسان،لجمرة كان وضعها في فيه و هو صغير.(الماورديّ 5:230)

الجبّائيّ: كان في لسانه لثغة،فرفعه اللّه تعالى و بقي فيه ثقل.(الطّبرسيّ 5:51)

نحوه البغويّ.(4:164)

الزّجّاج :قال ذلك لأنّه كانت في لسان موسى عليه السّلام لثغة،و الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعون مبيّنون بلغاء.

(4:415)

نحوه الزّمخشريّ.(3:492)

الماورديّ: أي يفهم.(5:230)

الطّوسيّ: و قيل:إنّه كان احترق لسانه بالجمر الّذي وضعه في فيه،حين أراد أن يعتبر فرعون عقله لمّا لطم وجهه،و أراد أن يأخذ غير النّار،فصرف جبرائيل يده إلى النّار،فدفع عنه القتل.(9:207)

الميبديّ: أي لا يكاد يفصح بكلامه،للّثغة الّتي في لسانه،كان موسى عليه السّلام بليغا فصيحا،و كانت عليه حلاوة و مهابة و ملاحة،غير أنّ لسانه كانت به عقدة، فلمّا قال: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي طه:27،قيل له:

أُوتِيتَ سُؤْلَكَ طه:36،فبقيت منها لثغة.(9:71)

الطّوفيّ: جعل عدم البيان صفة نقص لا يعبأ بمن قامت به،و وجه الحجّة منه أنّه أدرك ذلك ببديهته، و وافقه عليه أهل عصره،فدلّ على أنّه بديهيّ متقرّر في النّفوس،كالنّقص بالخرس و العمى و الشّلل،فلزم بالضّرورة أن يكون البيان صفة كمال يجب أن تعظّم من قامت به.(الإكسير في علم التّفسير:35)

أبو حيّان :الجمهور أنّه كان بلسانه بعض شيء من أثر الجمرة،و من ذهب إلى أنّ اللّه كان أجابه في سؤاله وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي، فلم يبق لها أثر،جعل انتفاء الإبانة بأنّه لا يبين حجّته الدّالّة على صدقه فيما يدّعي،لأنّه لا قدرة له على إيضاح المعنى لأجل كلامه.

ص: 383

و قيل:عابه بما كان عليه موسى من الخسّة أيّام كان عند فرعون،فنسب إلى ما عهده مبالغة في التّعيير.

و قول فرعون: وَ لا يَكادُ يُبِينُ كذب بحت، أ لا ترى إلى مناظرته له،و ردّه عليه و إفحامه بالحجّة، و الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام كلّهم بلغاء.

و قرأ الباقر: (يبين) بفتح الياء من بان،إذا ظهر.

(8:23)

نحوه الخازن(6:115)،و الشّربينيّ(3:567)، و البروسويّ(8:378)،و الآلوسيّ(25:89)،و المراغيّ (25:99).

مكارم الشّيرازيّ: و بهذا يكون قد خصّ نفسه بافتخارين عظيمين:حكومة مصر،و ملك النّيل،و ذكر لموسى نقطتي ضعف:الفقر،و لكنة اللّسان.

هذا في الوقت الّذي لم يكن بموسى أيّة لكنة في اللّسان،لأنّ اللّه تعالى قد استجاب دعاءه،و رفع عنه عقدة لسانه،لأنّه سأل ربّه عند البعثة أن: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي طه:27،و من المسلّم أنّ دعاءه قد استجيب،و القرآن شاهد على ذلك أيضا.(16:70)

عدوّ مبين

1- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. البقرة:168

الطّبريّ: يعني أنّه قد أبان لكم عداوته بإبائه عن السّجود لأبيكم،و غروره إيّاه حتّى أخرجه من الجنّة، و استزلّه بالخطيئة،و أكل من الشّجرة.(2:76)

نحوه البغويّ(1:198)،و أبو حيّان(1:479)، و الشّربينيّ(1:111).

الماورديّ: أي ظاهر العداوة.(1:220)

نحوه الزّمخشريّ(1:327)،و النّيسابوريّ(2:64).

الطّوسيّ: معناه أنّه مظهر العداوة بما يدعو إليه، من خلاف الطّاعة للّه الّتي فيها النّجاة من الهلاك،و الفوز بالجنّة.(2:72)

نحوه الطّبرسيّ.(1:252)

أبو السّعود :تعليل للنّهي،أي ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة،و إن كان يظهر الولاية لمن يغويه،و لذلك سمّي وليّا في قوله تعالى: أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ.

(1:229)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.

البقرة:208

الجبّائيّ: أبان عداوته لآدم و الملائكة عليهم السّلام،فكان بذلك مبينا لعداوته إيّانا.(الطّوسيّ 2:187)

نحوه الطّوسيّ(2:187)،و الطّبرسيّ(1:302)، و المراغيّ(2:115).

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ(مبين)من صفات البليغ الّذي يعرب عن ضميره.(الفخر الرّازيّ 5:228)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:مبين لنفسه،و الآخر:مبين بعدوانه.

(1:268)

نحوه ابن عطيّة.(1:283)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول أبي مسلم الأصفهانيّ ثمّ

ص: 384

قال:]

و أقول:الّذي يدلّ على صحّة هذا المعنى قوله:

حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ الزّخرف:1،2،و لا يعني بقوله:«مبينا»إلاّ ذلك.

فإن قيل:كيف يمكن وصف الشّيطان بأنّه(مبين) مع أنّا لا نرى ذاته و لا نسمع كلامه؟

قلنا:إنّ اللّه لمّا بيّن عداوته لآدم و نسله،فلذلك الأمر صحّ أن يوصف بأنّه(عدوّ مبين)و إن لم يشاهد.

و مثاله:من يظهر عداوته لرجل في بلد بعيد،فقد يصحّ أن يقال:إنّ فلانا عدوّ مبين لك،و إن لم يشاهده في الحال.

و عندي فيه وجه آخر،و هو أنّ الأصل في الإبانة:

القطع،و البيان إنّما سمّي بيانا لهذا المعنى،فإنّه يقطع بعض الاحتمالات عن بعض،فوصف الشّيطان بأنّه(مبين) معناه أنّه يقطع المكلّف بوسوسته عن طاعة اللّه و ثوابه و رضوانه.(5:228)

نحوه الخازن.(1:166)

الشّربينيّ: ظاهر العداوة.(1:136)

نحوه أبو السّعود(1:256)،و البروسويّ(1:325).

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ الأنعام:142.

كتاب مبين

1- ...قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ.

المائدة:15

الطّبريّ: يعني كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من:توحيد اللّه،و حلاله و حرامه،و شرائع دينه.

(6:161)

البغويّ: أي بيّن،و قيل:(مبين)و هو القرآن.

(2:32)

الزّمخشريّ: يريد القرآن،لكشفه ظلمات الشّرك و الشّكّ،و لإبانته ما كان خافيا عن النّاس من الحقّ،أو لأنّه ظاهر الإعجاز.(1:601)

نحوه القرطبيّ(6:118)،و الشّربينيّ(1:363)، و أبو السّعود(2:251)،و البروسويّ(2:369)، و القاسميّ(6:1921)،و المراغيّ(6:80).

2- وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

الأنعام:59

الطّبريّ: إنّه يبين عن صحّة ما هو فيه،بوجود ما رسم فيه على ما رسم.(7:213)

البلخيّ: أي هو محفوظ غير منسيّ و لا مغفول،كما يقول القائل لصاحبه:ما تصنعه عندي مسطّر مكتوب، و إنّما يريد بذلك أنّه حافظ له،يريد مكافأته عليه.

(الطّوسيّ 4:168)

راجع«ك ت ب»(كتاب مبين)

3- وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ. النّمل:75

الطّبريّ: يعني بقوله:(مبين)أنّه يبين لمن نظر إليه، و قرأ ما فيه،ممّا أثبت فيه ربّنا جلّ ثناؤه.(20:11)

الطّوسيّ: معنى فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي هو محفوظ

ص: 385

لا ينساه،كما يقول القائل:أفعالك عندي مكنونة،أي محفوظة.(8:115)

الزّمخشريّ: في اللّوح المبين،الظّاهر البيّن لمن ينظر فيها من الملائكة.(3:159)

مثله الفخر الرّازيّ(24:215)،و الشّربينيّ(3:73).

أبو السّعود :أي بيّن أو مبين لما فيه،لمن يطالعه.

(5:100)

مثله الآلوسيّ.(20:17)

راجع«ك ت ب»(كتاب مبين)

إمام مبين

1- فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ. الحجر:79

الطّبريّ: يبين لمن ائتمّ به استقامته.(14:48)

الفخر الرّازيّ: يحتمل أنّه مبين في نفسه،و يحتمل أنّه مبين لغيره،لأنّ الطّريق يهدي إلى المقصد.

(19:204)

و هناك أبحاث راجع«أ م م»(إمام).

2- ...وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ.

يس:12

الحسن :أراد به صحائف الأعمال،و سمّي ذلك مبينا لأنّه لا يدرس أثره.(الطّبرسيّ 4:418)

الطّبريّ: (مبين)لأنّه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه.(22:155)

الفخر الرّازيّ: و المبين هو المظهر للأمور،لكونه مظهرا للملائكة ما يفعلون،و للنّاس ما يفعل بهم،و هو الفارق يفرق بين أحوال الخلق،فيجعل فريقا في الجنّة و فريقا في السّعير.(26:50)

و تمام الكلام تقدّم في«أ م م»(امام مبين)فراجع.

سلطان مبين

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ.

هود:96

راجع«سلط»(سلطان مبين).

شهاب مبين

إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ.

الحجر:18

الطّبريّ: يبين أثره فيه،إمّا بإخباله و إفساده،أو بإحراقه.(14:14)

الزّمخشريّ: ظاهر للمبصرين.(2:389)

نحوه النّيسابوريّ(14:12)،و البروسويّ(4:

44)،و الآلوسيّ(14:23)

راجع«ش ه ب»(شهاب مبين).

ثعبان مبين

فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ.

الأعراف:107

الطّبريّ: تتبيّن لمن يراها أنّها حيّة.(9:14)

الزّجّاج :أي مبين أنّها حيّة.(2:363)

نحوه الطّوسيّ(4:523)،و القرطبيّ(7:257)

ص: 386

الزّمخشريّ: ظاهر أمره،لا يشكّ في أنّه ثعبان.

(2:101)

نحوه البروسويّ.(3:211)

ابن عطيّة :معناه لا تخييل فيه،بل هو بيّن أنّه حقيقة.(2:436)

الطّبرسيّ: أي حيّة عظيمة،بيّن ظاهر أنّه ثعبان؛ بحيث لا يشتبه على النّاس،و لم يكن ممّا يخيّل أنّه حيّة، و ليس بحيّة.(2:458)

نحوه أبو حيّان(4:357)،و رشيد رضا(9:44).

الفخر الرّازيّ: في وصف ذلك الثّعبان بكونه «مبينا»وجوه:

الأوّل:تمييز ذلك عمّا جاءت به السّحرة من التّمويه الّذي يلتبس على من لا يعرف سببه،و بذلك تتميّز معجزات الأنبياء من الحيل و التّمويهات.

و الثّاني:[قول الطّبرسيّ و قد تقدّم]

الثّالث:المراد أنّ ذلك الثّعبان أبان قول موسى عليه السّلام عن قول المدّعي الكاذب.(14:195)

نحوه النّيسابوريّ.(9:22)

أبو السّعود :[قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و إيثار الجملة الاسميّة للدّلالة على كمال سرعة الانقلاب،و ثبات وصف الثّعبانيّة فيها،كأنّها في الأصل كذلك.(3:15)

نحوه الآلوسيّ.(9:20)

و فيه أبحاث راجع«ثعب»(ثعبان)

سحر مبين

...إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ. يونس:76

الطّبريّ: إنّه يبين لمن رآه و عاينه،أنّه سحر لا حقيقة له.(11:145)

نحوه المراغيّ.(11:141)

الخازن :يعني:إنّ هذا الّذي جاء به موسى سحر مبين،يعرفه كلّ أحد.(3:165)

نحوه البروسويّ.(4:69)

الشّربينيّ: أي بيّن ظاهر،يعرفه كلّ أحد،و هم يعلمون أنّ الحقّ أبعد شيء من السّحر،الّذي لا يظهر إلاّ على كافر أو فاسق.(2:31)

أبو السّعود :أي ظاهر كونه سحرا،أو فائق في بابه،واضح فيما بين أضرابه.(3:265)

نحوه الآلوسيّ.(11:163)

خصيم مبين

1- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.

النّحل:4

الطّبريّ: يعني بالمبين:أنّه يبين عن خصومته بمنطقه،و يجادل بلسانه،فذلك إبانته.(14:78)

الماورديّ: و المبين هو المفصح عمّا في ضميره.

(3:179)

الميبديّ: يبين ما في ضميره من الكفر.(5:355)

القرطبيّ: أي ظاهر الخصومة.(10:68)

لاحظ«خ ص م»(خصيم)

ص: 387

2- ...وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ. الزّخرف:18

الضّحّاك:السّكوت عن الجواب.

مثله ابن زيد.(الماورديّ 5:220)

قتادة :قلّما تتكلّم امرأة فتريد أن تتكلّم بحجّتها، إلاّ تكلّمت بالحجّة عليها.(الطّبريّ 25:57)

السّدّيّ: قلّة البلاغة.(الماورديّ 5:220)

ابن زيد :لا يتكلّم.(الطّبريّ 25:57)

الزّجّاج :يعني البنات،أي الأنثى لا تكاد تستوفي الحجّة و لا تبين.و قد قيل في التّفسير:إنّ المرأة لا تكاد تحتجّ بحجّة إلاّ عليها،و قد قيل:إنّه يعني به الأصنام.

و الأجود أن يكون يعني به المؤنّث.(4:407)

الطّوسيّ: في حال الخصومة،فهو ناقص عمّن هو بخلاف هذه الصّفة من الشّبيه،على ما يصلح للجدال، و دفع الخصم الألدّ بحسن البيان عند الخصومة.

(9:189)

البغويّ: غير مبين للحجّة من ضعفهنّ و سفههنّ.

(4:156)

مثله الميبديّ(9:55)،و نحوه الخازن(6:110).

الزّمخشريّ: ليس عنده بيان،و لا يأتي ببرهان يحتجّ به من يخاصمه؛و ذلك لضعف عقول النّساء، و نقصانهنّ عن فطرة الرّجال.(3:483)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:202)،و أبو السّعود(6:

29)،و البروسويّ(8:358)،و الآلوسيّ(25:70)، و الطّباطبائيّ(18:90).

عبد الكريم الخطيب :و المراد بالإبانة في قوله تعالى: وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الكشف و التّجلية، و الإفصاح عن القوّة حين تدعو دواعيها،و تعرض في مجال الامتحان.(13:116)

و له بحث راجع«ن ش أ»(ينشّأ).

ظلال مبين

...بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. لقمان:11

الطّبريّ: يبين لمن تأمّله و نظر فيه،و فكّر بعقل، أنّه ضلال لا هدى.(21:66)

راجع«ض ل ل»(ضلال مبين).

الفوز المبين

مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ. الأنعام:16

الطّبريّ: (المبين)يعني الّذي بيّن لمن رآه أنّه الظّفر بالحاجة،و إدراك الطّلبة.(7:160)

أبو حيّان :و(المبين):البيّن في نفسه،أو المبيّن غيره.(4:87)

راجع«ف و ز»(الفوز).

الكتاب المبين

1- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. يوسف:1

معاذ بن جبل:بيّن الحروف الّتي سقطت عن ألسن الأعاجم،و هي ستّة أحرف.(الطّبريّ 12:149)

مجاهد :معناه:المظهر لحلال اللّه و حرامه،و المعاني المرادة به.

ص: 388

مثله قتادة.(الطّوسيّ 6:92)

نحوه الطّبريّ(12:149)،و البغويّ(2:473)، و القرطبيّ(9:118).

قتادة :بيّن اللّه رشده و هداه.(الطّبريّ 12:149)

الزّجّاج :(المبين)الّذي وعدتم به في التّوراة كما قال: الم* ذلِكَ الْكِتابُ البقرة:1،2.(3:87)

مبيّن الحقّ من الباطل،و الحلال من الحرام.

(البغويّ 2:473)

الميبديّ: كتاب ظاهر،يبيّن الحقّ من الباطل، و يبيّن ما فيه لكم حاجة من الدّين.

و قيل:معنى(المبين)إنّه ظاهر في نفسه إنّه كلام اللّه، و أبان:لازم و متعدّ.(5:3)

الزّمخشريّ: أي تلك الآيات الّتي أنزلت إليك في هذه السّورة،آيات السّورة الظّاهر أمرها في إعجاز العرب و تبكيتهم،أو الّتي تبين لمن تدبّرها أنّها من عند اللّه،لا من عند البشر،أو الواضحة الّتي لا تشتبه على العرب معانيها،لنزولها بلسانهم،أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصّة يوسف.(2:300)

ابن عطيّة :و وصفه ب(المبين)قيل:من جهة أحكامه و حلاله و حرامه،و قيل:من جهة مواعظه و هداه و نوره،و قيل:من جهة بيان اللّسان العربيّ و جودته؛إذ فيه ستّة أحرف لم تجتمع في لسان.و يحتمل أن يكون مبيّنا لنبوّة محمّد بإعجازه.

و الصّواب أنّه مبين بجميع هذه الوجوه.(3:218)

نحوه محمّد جواد مغنيّة.(4:286)

الفخر الرّازيّ: إنّما وصف القرآن بكونه«مبينا» لوجوه:

[الأوّل و الثّاني تقدّما في كلام ابن عطيّة]

الثّالث:أنّه بيّنت فيه قصص الأوّلين،و شرحت فيه أحوال المتقدّمين.(18:83)

نحوه أبو حيّان(5:277)،و الشّربينيّ(2:87).

النّيسابوريّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أقول:مدار هذه التّفاسير على أنّ«أبان»لازم و متعدّ،يقال:أبان الشّيء،و أبان هو بنفسه.(12:80)

أبو السّعود :من«أبان»بمعنى بان،أي الظّاهر أمره في كونه من عند اللّه تعالى.و في إعجازه بنوعيه،لا سيّما الإخبار عن الغيب،أو الواضح معانيه للعرب؛بحيث لا يشتبه عليهم حقائقه،و لا يلتبس لديهم دقائقه، لنزوله على لغتهم.

أو بمعنى بيّن،أي المبين لما فيه من الأحكام و الشّرائع و خفايا الملك و الملكوت،و أسرار النّشأتين في الدّارين،و غير ذلك من الحكم و المعارف و القصص.

و على تقدير كون الكتاب عبارة عن السّورة؛ فإبانته:إنباؤه عن قصّة يوسف عليه السّلام.(3:362)

نحوه المراغيّ(12:113)،و رشيد رضا(12:251).

البروسويّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

و في«بحر العلوم»:الكتاب المبين هو اللّوح،و إبانته:

إنّه قد كتب،و بيّن فيه كلّ ما هو كائن،فهو يبينه للنّاظرين فيه إبانة.(4:208)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و كأنّه على المعنيين حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،فارتفع و استتر،و لا يعدّ هذا من حذف

ص: 389

«الفاعل»المحظور فلا حاجة إلى القول:بأنّ الإسناد مجازيّ فرارا منه.

أو بمعنى بيّن بمعنى أظهر،فهو متعدّ،و المفعول مقدّر، أي المظهر ما فيه هدى و رشد.

أو ما سألت عنه اليهود،أو ما أمرت أن تسأل عنه من السّبب الّذي أحلّ بني إسرائيل بمصر.

أو الأحكام و الشّرائع و خفايا الملك و الملكوت و أسرار النّشأتين،و غير ذلك من الحكم و المعارف و القصص.(12:170)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أن يكون المراد ب(الكتاب المبين)هذا القرآن المتلوّ،و هو مبين واضح في نفسه و مبين موضح لغيره،ما ضمّنه اللّه تعالى من المعارف الإلهيّة و حقائق المبدإ و المعاد.

و قد وصف(الكتاب)في الآية ب(المبين)لا كما في قوله في أوّل سورة يونس: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ، لكون هذه السّورة نازلة في شأن قصّة آل يعقوب و بيانها،و من المحتمل أن يكون المراد ب(الكتاب المبين):اللّوح المحفوظ.(11:74)

عبد الكريم الخطيب :و في وصف(الكتاب)هنا بأنّه(مبين)توكيد لوصفه بأنّه(حكيم)،و بأنّه كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ. (6:1231)

2- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. القصص:2

قتادة :مبين و اللّه بركته و رشده و هداه.

(الطّبريّ 20:26)

الطّبريّ: المبين أنّه من عند اللّه،و أنّك لم تتقوّله و لم تتخرّصه.(20:26)

الزّجّاج :فمعنى مبين:مبيّن خيره و بركته،و مبيّن الحقّ من الباطل،و الحلال من الحرام،و مبيّن أن نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حقّ،لأنّه لا يقدر أحد بمثله،و مبيّن قصص الأنبياء.(4:131)

نحوه الطّوسيّ(8:128)،و الطّبرسيّ(4:239)، و النّسفيّ(3:225)،و الشّربينيّ(3:79)و الطّنطاويّ (4:17).

الفخر الرّازيّ: وصفه بأنّه مبين،لأنّه بيّن فيه الحلال و الحرام،أو لأنّه بيّن بفصاحته أنّه من كلام اللّه دون كلام العباد،أو لأنّه يبيّن صدق نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أو لأنّه يبيّن خبر الأوّلين و الآخرين،أو لأنّه يبيّن كيفيّة التّخلّص عن شبهات أهل الضّلال.(24:224)

نحوه القرطبيّ(13:247)،و المراغيّ(20:31).

البروسويّ: آيات مخصوصة من القرآن،الظّاهر إعجازه.(6:380)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ الشّعراء:2،و قوله تعالى: حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ الزّخرف:2.

الفضل المبين

...إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ. النّمل:16

الطّبريّ: الّذي يبين لمن تأمّله و تدبّره أنّه فضل، أعطيناه على من سوانا من النّاس.(19:141)

الطّبرسيّ: أي هذا فضل اللّه الظّاهر الّذي لا يخفى على أحد،و هذا قول سليمان،على وجه الاعتراف بنعم

ص: 390

اللّه عليه.

و يحتمل أن يكون من قول اللّه سبحانه على وجه الإخبار،بأنّ ما ذكره هو(الفضل المبين).(4:214)

الشّربينيّ: أي البيّن في نفسه لكلّ من ينظره الموضح لعلوّ قدر صاحبه.(3:47)

أبو السّعود :الواضح الّذي لا يخفى على أحد،أو أنّ هذا الفضل الّذي أوتيه لهو(الفضل المبين)،على أنّه عليه الصّلاة و السّلام قاله على سبيل الشّكر و المحمدة.

(5:75)

نحوه البروسويّ(6:331)،و الآلوسيّ(19:

173)،و المراغيّ(19:128).

ابن باديس :(المبين):الظّاهر الّذي لا خفاء به.

(424)

الحقّ المبين

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ.

النّمل:79

الطّوسيّ: الظّاهر البيّن في ما تدعو إليه.(8:117)

الفخر الرّازيّ: و فيه بيان أنّ المحقّ حقيق بنصرة اللّه تعالى،و أنّه لا يخذل.(24:216)

القرطبيّ: أي الظّاهر،و قيل:المظهر لمن تدبّر وجه الصّواب.(13:232)

الشّربينيّ: أي البيّن في نفسه الموضح لغيره، فصاحب الحقّ حقيق بالوثوق بحفظ اللّه تعالى و نصره.

(3:73)

أبو السّعود :تعليل صريح للتّوكّل عليه تعالى، بكونه عليه الصّلاة و السّلام على الحقّ البيّن،أو الفاصل بينه و بين الباطل،أو بين المحقّ و المبطل؛فإنّ كونه عليه الصّلاة و السّلام كذلك،ممّا يوجب الوثوق بحفظه تعالى و نصرته و تأييده لا محالة.(5:101)

مثله الآلوسيّ.(20:19)

القاسميّ: أي الأبلج الّذي لا ريب فيه.

(13:4685)

البلاغ المبين

وَ ما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ. يس:17

الماورديّ: يعني بالإعجاز الدّالّ على صحّه الرّسالة؛أنّ الّذي على الرّسل إبلاغ الرّسالة،و ليس عليهم الإجابة،و إنّما الإجابة على المدعوّين دون الدّاعين.(5:11)

الطّوسيّ: و(المبين)صفة للبلاغ،و هو الظّاهر الّذي لا شبهة فيه،فقالوا لهم في الجواب عن ذلك حين عجزوا عن إيراد شبهتهم،و عدلوا عن النّظر في معجزهم: إِنّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ يس:18.(8:449)

الزّمخشريّ: أي الظّاهر المكشوف بالآيات الشّاهدة لصحّته،و إلاّ فلو قال المدّعي:و اللّه إنّي لصادق فيما أدّعي و لم يحضر البيّنة،كان قبيحا.(3:318)

نحوه أبو السّعود(5:294)،و البروسويّ(7:380)، و القاسميّ(14:4996).

الفخر الرّازيّ: (المبين)يحتمل أمورا:

أحدها:البلاغ المبين للحقّ عن الباطل،أي الفارق بالمعجزة و البرهان.

ص: 391

و ثانيها:البلاغ المظهر لما أرسلنا للكلّ،أي لا يكفي أن نبلّغ الرّسالة إلى شخص أو شخصين.

و ثالثها:البلاغ المظهر للحقّ بكلّ ما يمكن،فإذا تمّ ذلك و لم يقبلوا يحقّ هنالك الهلاك.(6:53)

أبو حيّان :و وصف البلاغ ب(المبين)و هو الواضح بالآيات الشّاهدة بصحّة الإرسال،كما روي في هذه القصّة من المعجزات الدّالّة على صدق الرّسل من:إبراء الأكمه،و الأبرص،و إحياء الميّت.(7:327)

نحوه الشّربينيّ.(3:343)

الآلوسيّ: إلاّ بتبليغ رسالته تعالى تبليغا ظاهرا بيّنا؛بحيث لا يخفى على سامعه،و لا يقبل التّأويل و الحمل على خلاف المراد أصلا و قد خرجنا من عهدته، فلا مؤاخذة علينا من جهة ربّنا،كذا قيل.

و الأولى أن يفسّر«التّبليغ المبين»بما قرن بالآيات الشّاهدة على الصّحّة،و هم قد بلّغوا كذلك،بناء على ما روي من أنّهم أبرءوا الأكمه و أحيوا الميّت،أو أنّهم فعلوا خارقا غير ما ذكر و لم ينقل لنا،و لم يلتزم في الكتاب الجليل و لا في الآثار ذكر خارق كلّ رسول كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ذلك إمّا معجزة لهم على القول:بأنّهم رسل اللّه تعالى بدون واسطة،أو كرامة لهم معجزة لمرسلهم عيسى عليه السّلام على القول:بأنّهم رسله عليه السّلام.

و المعنى:ما علينا من جهة ربّنا إلاّ التّبليغ البيّن بالآيات،و قد فعلنا فلا مؤاخذة علينا،أو ما علينا شيء نطالب به من جهتكم إلاّ تبليغ الرّسالة على الوجه المذكور،و قد بلّغنا كذلك.فأيّ شيء تطلبون منّا حتّى تصدّقونا بدعوانا،و لكون تبليغهم كان بيّنا بهذا المعنى، حسن منهم الاستشهاد بالعلم،فلا تغفل.(22:222)

البلاء المبين

إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ. الصّافّات:106

الكلبيّ: النّعمة البيّنة.(الماورديّ 5:62)

ابن قتيبة :الاختبار العظيم.(الماورديّ 5:62)

الطّبريّ: لهو الاختبار الّذي يبين لمن فكّر فيه،أنّه بلاء شديد و محنة عظيمة.(23:80)

الطّوسيّ: و(المبين)هو البيّن في نفسه الظّاهر، و يكون بمعنى الظّاهر،و يكون بمعنى المظهر ما في الأمر من خير أو شرّ.(8:519)

الزّمخشريّ: الاختبار البيّن الّذي يتميّز فيه المخلصون من غيرهم،أو المحنة البيّنة الصّعوبة الّتي لا محنة أصعب منها.(3:348)

مثله الفخر الرّازيّ(26:158)،و أبو حيّان(7:

370)،و أبو السّعود(5:335)،و البروسويّ(7:

476)،و الآلوسيّ(23:131)،.

و فيه مطالب أخرى.راجع«ب ل و»(البلاء).

إثما مبينا

1- اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ كَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:50

الطّبريّ: يعني أنّه يبين كذبهم لسامعيه،و يوضح لهم أنّهم أفكة فجرة.(5:130)

ص: 392

أبو السّعود:ظاهرا بيّنا كونه إثما. (2:149)

مثله القاسميّ.(5:1322)

2- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:112

الطّبريّ: يعني أنّه يبين عن أمر عمله و جراءته على ربّه،و تقدّمه على خلافه فيها نهاه عنه،لمن يعرف أمره.(5:275)

الطّوسيّ: أي جرما عظيما.(3:323)

الطّبرسيّ: أي ذنبا ظاهرا بيّنا.(2:108)

الفخر الرّازيّ: و قوله:(اثما مبينا)إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة.(11:38)

أبو السّعود :أي بيّنا فاحشا،و هو صفة لإثم.

(2:195)

مثله البروسويّ(2:281)،و القاسميّ(5:1540).

نورا مبينا

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً. النّساء:174

راجع«ن و ر»(نورا).

سلطانا مبينا

...أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً.

النّساء:144

الطّبريّ: يعني عن صحّتها و حقّيّتها.(5:337)

رشيد رضا :يستعمل المبين بمعنى البيّن في نفسه، و معنى المبيّن لغيره.(5:473)

راجع«س ل ط»(سلطانا).

بيّنوا

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ. البقرة:160

قتادة :(اصلحوا)فيما بينهم و بين اللّه،(و بيّنوا) الّذي جاءهم من اللّه،فلم يكتموه،و لم يجحدوا به.

(الطّبريّ 2:57)

ابن زيد :(بيّنوا)ما في كتاب اللّه للمؤمنين، و ما سألوهم عنه من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا كلّه في يهود.

(الطّبريّ 2:57)

الطّبريّ: [قال نحو ابن زيد و أضاف:من زعم معنى قوله:(بيّنوا)بيّنوا التّوبة،هو على خلاف ظاهر الكتاب، لأنّ العتاب على الكتمان لا ترك التّوبة](2:56)

الماورديّ: يعني ما في التّوراة من نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و وجوب اتّباعه.(1:215)

الطّوسيّ: و اختلفوا في معنى(بيّنوا)،فقال أكثر المفسّرين،كقتادة،و ابن زيد،و البلخيّ،و الجبّائيّ، و الرّمّانيّ:إنّهم بيّنوا ما كتموه من البشارة بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و قال بعضهم:بيّنوا التّوبة و إصلاح السّريرة بالإظهار لذلك،و إنّما شرط مع التّوبة الإصلاح و البيان، ليرتفع الإيهام بأنّ التّوبة ممّا سلف من الكتمان،يكفي في إيجاب الثّواب.(2:48)

نحوه الزّمخشريّ(1:325)،و ابن عطيّة(1:231).

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

ص: 393

إنّ من ارتكب المعصية سرّا كفاه التّوبة،و من أظهر المعصية يجب عليه أن يظهر التّوبة.و قيل:(بيّنوا)التّوبة بإخلاص العمل.(1:242)

القرطبيّ: قال بعض العلماء في قوله:(و بيّنوا)أي بكسر الخمر و إراقتها.و قيل:(بيّنوا)يعني ما في التّوراة من نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و وجوب اتّباعه.و العموم أولى (1)على ما بيّنّاه،أي بيّنوا خلاف ما كانوا عليه،و اللّه تعالى أعلم.(2:188)

نحوه أبو حيّان.(1:459)

أبو السّعود :(و بيّنوا)للنّاس معانيه،فإنّه غير الإصلاح المذكور (2).

أو بيّنوا لهم ما وقع منهم أوّلا و آخرا،فإنّه أدخل في إرشاد النّاس إلى الحقّ،و صرفهم عن طريق الضّلال الّذي كانوا أوقعوهم فيه.

أو(بيّنوا)توبتهم ليمحوا به سمة ما كانوا فيه،و يقتدي بهم أضرابهم؛و حيث كانت هذه التّوبة المقرونة بالإصلاح و التّبيين مستلزمة للتّوبة عن الكفر مبينة عليها،لم يصرّح بالإيمان.(1:224)

البروسويّ: أي ما بيّنه اللّه في كتابهم لتتمّ توبتهم، فدلّت الآية على أنّ التّوبة لا تحصل إلاّ بترك كلّ ما لا ينبغي،و بفعل كلّ ما ينبغي.(1:265)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و فيه:إنّ الصّحيح أنّ إظهار التّوبة إنّما هو لدفع معصية المتابعة،و ليس شرطا في التّوبة عن أصل المعصية،فهو داخل في قوله تعالى: وَ أَصْلَحُوا.

(2:28)

رشيد رضا: (و بيّنوا)ما كانوا يكتمونه،أو بيّنوا إصلاحهم،و جاهروا بعملهم الصّالح و أظهروه للنّاس.

فإنّ بعض النّاس يعرف الحقّ و يعمل به و لكنّه يكتم عمله،و يسرّه موافقة للنّاس فيما هم فيه،لئلاّ يعيبوه، و هذا ضرب من الشّرك الخفيّ،و إيثار الخلق على الحقّ، لذلك اشترط في توبتهم إظهار إصلاحهم و المجاهرة بأعمالهم،ليكونوا حجّة على المنكرين،و قدوة صالحة لضعفاء التّائبين.(2:50)

الطّباطبائيّ: و المراد بتقييد توبتهم بالتّبيّن:أن يتبيّن أمرهم و يتظاهروا بالتّوبة،و لازم ذلك أن يبيّنوا ما كتموه للنّاس،و أنّهم كانوا كاتمين،و إلاّ فلم يتوبوا بعد، لأنّهم كاتمون بعد بكتمان أنّهم كانوا كاتمين.(1:390)

و هناك أبحاث راجع«ت و ب»(تابوا).

بيّنّاه

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ... البقرة:159

ابن عطيّة :و قرأ طلحة بن صرف (من بعد ما بيّنه) على الإفراد.(1:231)

نحوه أبو حيّان.(1:458)

القرطبيّ: الكناية في(بيّنّاه)ترجع إلى ما أنزل من البيّنات و الهدى.(2:186)

البروسويّ: أي أوضحناه و لخّصناه.(1:264)

ص: 394


1- و يقصد به: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا...
2- أي ما أفسدوا،بأن أزالوا الكلام و كتبوا مكانه ما كانوا أزالوه عند التّحريف.

نحوه الآلوسيّ.(2:27)

الطّباطبائيّ: مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ أفاد أنّ كتمانهم إنّما هو بعد البيان و التّبيّن للنّاس،لا لهم فقط؛ و ذلك أنّ التّبيّن لكلّ شخص شخص من أشخاص النّاس أمر لا يحتمله النّظام الموجود المعهود في هذا العالم، لا في الوحي فقط،بل في كلّ إعلام عموميّ و تبيين مطلق،بل إنّما يكون باتّصال الخبر إلى بعض النّاس من غير واسطة،و إلى بعض آخرين بواسطتهم؛بتبليغ الحاضر الغائب،و العالم الجاهل،فالعالم يعدّ من وسائط البلوغ و أدواته،كاللّسان و الكلام...[إلى أن قال:]

فقد تبيّن أنّ الآية مبتنية على الآية،أعني أنّ قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ الآية، مبتنية على قوله تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ البقرة:213،و مشيرة إلى جزاء هذا البغي بذيلها،و هو قوله: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ إلخ.(1:388)

يبيّن

1- ...وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.

البقرة:221

الطّبريّ: و يوضّح حججه و أدلّته في كتابه الّذي أنزله على لسان رسوله لعباده.(2:380)

أبو حيّان :أي يظهرها و يكشفها بحيث لا يحصل فيها التباس،أي إنّ هذا التّبيين ليس مختصّا بناس دون ناس،بل يظهر آياته لكلّ أحد رجاء أن يحصل بظهور الآيات تذكّر و اتّعاظ،لأنّ الآية متى كانت جليّة واضحة كانت بصدد أن يحصل بها التّذكّر،فيحصل الامتثال لما دلّت عليه تلك الآيات من موافقة الأمر و مخالفة النّهي.(2:166)

نحوه رشيد رضا.(3:357)

2- كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

البقرة:242

الطّوسيّ: التّشبيه بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ وقع على البيان الّذي تقدّم في الأحكام و الحجاج و المواعظ و الآداب،و غير ذلك ممّا يحتاج النّاس إلى عمله،و العمل عليه في أمر دينهم و دنياهم.شبّه البيان الّذي يأتي بالبيان الماضي،و البيان:هو الأدلّة الّتي يفرق بها بين الحقّ و الباطل.و عبّر عنه بأنّه فعل يظهر به أمر على طريقة حسنة،و ليس كلّما يظهر به غيره ما لا يأتيه، و قد يكون ذلك بكلام فاسد يفهم به المراد،فلا يستحقّ صفة بيان.(2:281)

نحوه أبو حيّان(2:247)،و رشيد رضا(2:453).

البيضاويّ: وعد بأنّه سيبيّن لعباده من الدّلائل و الأحكام ما يحتاجون إليه،معاشا و معادا.(1:127)

نحوه البروسويّ(1:375)،و الآلوسيّ(2:160)، و الطّنطاويّ(1:218).

ص: 395

3- ...كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. البقرة:266

الطّبريّ: كما بيّن لكم ربّكم تبارك و تعالى أمر النّفقة في سبيله،و كيف وجهها،و ما لكم و ما ليس لكم فعله فيها،كذلك يبيّن لكم الآيات سوى ذلك،فيعرّفكم أحكامها و حلالها و حرامها،و يوضّح لكم حججها، إنعاما منه بذلك عليكم(لعلّكم تتفكّرون).(3:79)

نحوه الزّجّاج.(1:349)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:يوضّح لكم الدّلائل،و الثّاني:يضرب لكم الأمثال.(1:341)

أبو حيّان :أي مثل هذا البيان تصرف الأمثال المقرّبة الأشياء للذّهن،يبيّن لكم العلامات الّتي يوصل بها إلى اتّباع الحقّ.(2:315)

4- يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. النّساء:26

الفرّاء: و قال في موضع آخر: وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ النّساء:27،و العرب تجعل اللاّم الّتي على معنى«كي»في موضع«أن»في«أردت و أمرت» فتقول:أردت أن تذهب،و أردت لتذهب،و أمرتك أن تقوم،و أمرتك لتقوم،قال اللّه تبارك و تعالى: أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ الأنعام:71،و قال في موضع آخر: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ الأنعام:

14،و قال: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا الصّفّ:8،و أَنْ يُطْفِؤُا التّوبة:32.

و إنّما صلحت اللاّم في موضع«أن»في«أمرتك» و«أمرت»لأنّهما يطلبان المستقبل و لا يصلحان مع الماضي،أ لا ترى أنّك تقول:أمرتك أن تقوم،و لا يصلح:

أمرتك أن قمت.فلمّا رأوا(أن)في غير هذين تكون للماضي و المستقبل،استوثقوا لمعنى الاستقبال ب«كي» و باللاّم الّتي في معنى«كي»،و ربّما جمعوا بين ثلاثهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّه تبارك و تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ الحديد:23.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما جمعوا بينهنّ لاتّفاقهنّ في المعنى،و اختلاف لفظهنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما جمعوا بين«ما»و«لا»و«إن»الّتي على معنى الجحد،أنشدني الكسائيّ في بعض البيوت:

*لا ما إن رأيت مثلك*

فجمع بين ثلاثة أحرف.[إلى آخره فلاحظ]

(1:261)

الطّبريّ: [ذكر نحو الفرّاء بتفاوت ثمّ قال:]

و أولى القولين في ذلك بالصّواب عندي،قول من قال:إنّ«اللاّم»في قوله: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ بمعنى يريد اللّه أن يبيّن لكم،لما ذكرت من علّة من قال:إنّ ذلك كذلك.(5:27)

الزّجّاج :قال الكوفيّون:معنى«اللاّم»معنى«أن»، و«أردت،و أمرت»تطلبان المستقبل،لا يجوز أن تقول:

«أردت أن قمت،و لا أمرت أن قمت»،و لم يقولوا،لم لا يجوز ذلك؟و هذا غلط أن تكون لام الجرّ تقوم مقام «أن»و تؤدّي معناها،لأنّ ما كان في معنى«أن»دخلت عليه«اللاّم»،تقول:جئتك لكي تفعل كذا و كذا،و جئت

ص: 396

لكي تفعل كذا و كذا،و كذلك«اللاّم»في قوله: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ كاللاّم في«كي»،و المعنى أراده اللّه عزّ و جلّ للتّبيين لكم.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و كذلك«أردت لأن تقوم،و أمرت لأن أكون مطيعا»،و هذا كقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ يوسف:43،أي إن كنتم عبارتكم للرّؤيا،و كذلك قوله عزّ و جلّ أيضا: لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ الأعراف:

154،أي الّذين هم رهبتهم لربّهم.(2:42)

الطّوسيّ: «اللاّم»في قوله: لِيُبَيِّنَ لَكُمْ للنّحويّين فيه ثلاثة أقوال:

أوّلها:قول الفرّاء:[و قد تقدّم]

و ثانيها:قول الزّجّاج:[و قد تقدّم]

الثّالث:ضعّف هذين الوجهين بعض النّحويّين،بأنّ جعل«اللاّم»بمعنى«أن»لم تقم به حجّة قاطعة،و حمله على المصدر يقتضي جواز:ضربت لزيد،بمعنى ضربت زيدا،و هذا لا يجوز.و لكن يجوز في التّقديم،نحو:لزيد ضربت و لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ، لأنّ عمل الفعل في التّقديم يضعف،كعمل المصدر في التّأخير،و لذلك لم يجز إلاّ في المتصرّف.

فأمّا رَدِفَ لَكُمْ النّمل:72،فعلى تأويل:

ردف ما ردف لكم،و على ذلك يريد ما يريد لكم،و كذلك قوله: وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ الأنعام:71،أي بما أمرنا لنسلم،فهي تجري بهذا على أصولها،و قياس بابها.

و قال قوم:معناه يريد اللّه هذا من أجل أن يبيّن لكم،كما قال: وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ الشّورى:15، معناه و أمرت بهذا من أجل ذلك.و إنّما لم يجز أن يراد الماضي لأمرين:

أحدهما:أنّ الإرادة لاستدعاء الفعل،و محال أن يستدعى ما قد فعل،كما أنّه محال أن يؤمر بما قد وقع، لأنّه لا يحسن أن يقول:افعل أمس،أو أريد أمس.

و الثّاني:أنّ بالإرادة يقع الفعل على وجه دون وجه،من حسن أو قبح،أو طاعة أو معصية؛و ذلك محال في ما مضى.(3:173)

الزّمخشريّ: أصله:يريد اللّه أن يبيّن لكم، فزيدت«اللاّم»مؤكّدة لإرادة التّبيين،كما زيدت في «لا أبا لك»لتأكيد إضافة الأب.

و المعنى:يريد اللّه أن يبيّن لكم ما هو خفيّ عنكم،من مصالحكم و أفاضل أعمالكم،و أن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء و الصّالحين،و الطّرق الّتي سلكوها في دينهم،لتقتدوا بهم.(1:521)

نحوه البروسويّ.(2:192)

ابن عطيّة :اختلف النّحاة في«اللاّم»من قوله:

(ليبيّن)،فمذهب سيبويه رحمه اللّه أنّ التّقدير:«لأن يبيّن»،و المفعول مضمر تقديره:يريد اللّه هذا،فإن كانت لام الجرّ أو لام«كي»فلا بدّ فيهما من تقدير«أن»لأنّهما لا يدخلان إلاّ على الأسماء.و قال الفرّاء و الكوفيّون:

اللاّم نفسها بمنزلة«أن»،و هو ضعيف.(2:40)

العكبريّ: مفعول(يريد)محذوف،تقديره:يريد اللّه ذلك،أي تحريم ما حرّم و تحليل ما حلّل ليبيّن.

و اللاّم في(ليبيّن)متعلّقة ب(يريد)،و قيل:اللاّم زائدة،و التّقدير:يريد اللّه أن يبيّن،فالنّصب ب(أن).

(1:350)

ص: 397

القرطبيّ: أي ليبيّن لكم أمر دينكم و مصالح أمركم،و ما يحلّ لكم و ما يحرم عليكم؛و ذلك يدلّ على امتناع خلوّ واقعة عن حكم اللّه تعالى،و منه قوله تعالى:

ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:38.

(5:147)

أبو حيّان :أي تحليل ما حلّل و تحريم ما حرّم، و تشريع ما تقدّم ذكره.المعنى يريد اللّه تكليف ما كلّف به عباده ممّا ذكر،لأجل التّبيين لهم بهدايتهم،فمتعلّق الإرادة غير التّبيين و ما عطف عليه.هذا مذهب البصريّين،و لا يجوز عندهم أن يكون متعلّق الإرادة التّبيين،لأنّه يؤدّي إلى تعدّي الفعل إلى مفعوله المتأخّر بواسطة اللاّم،و إلى إضمار«أن»بعد«لام»ليست لام الجحود و لا لام«كي»،و كلاهما لا يجوز عندهم.

و مذهب الكوفيّين أنّ متعلّق الإرادة هو التّبيين، و اللاّم هي النّاصبة بنفسها لا«أن»مضمرة بعدها.

و قال بعض البصريّين:إذا جاء مثل هذا قدّر الفعل الّذي قبل«اللاّم»بالمصدر،فالتّقدير:إرادة اللّه لما يريد ليبيّن،و كذلك:أريد لا ينسى ذكرها،أي إرادتي لا ينسى ذكرها،و كذلك قوله تعالى: وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ الأنعام:71،أي أمرنا بما أمرنا لنسلم،انتهى.

و هذا القول نسبه ابن عيسى لسيبويه و البصريّين، و هذا يبحث فيه في علم النّحو.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و هو خارج عن أقوال البصريّين و الكوفيّين.و أمّا كونه خارجا عن أقوال البصريّين فلأنّه جعل«اللاّم» مؤكّدة مقوّية لتعدّي(يريد)و المفعول متأخّر،و أضمر «أن»بعد هذه«اللاّم».

و أمّا كونه خارجا عن قول الكوفيّين،فإنّهم يجعلون النّصب ب«اللاّم»لا ب«أن»و هو جعل النّصب ب«أن» مضمرة بعد اللاّم.

و ذهب بعض النّحويّين إلى أنّ«اللاّم»في قوله:

لِيُبَيِّنَ لَكُمْ لام العاقبة،قال:كما في قوله: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و لم يذكر مفعول(يبيّن).

قال عطاء: يبيّن لكم ما يقرّبكم،و قال الكلبيّ:يبيّن لكم أنّ الصّبر عن نكاح الإماء خير،و قيل:ما فصّل من المحرّمات و المحلّلات،و قيل:شرائع دينكم و مصالح أموركم،و قيل:طريق من قبلكم إلى الجنّة.

و يجوز عندي أن يكون من باب الإعمال،فيكون مفعول(ليبيّن)ضميرا محذوفا يفسّره مفعول (و يهديكم)،نحو:ضربت و أهنت زيدا،التّقدير ليبيّنها لكم و يهديكم سنن الّذين من قبلكم،أي ليبيّن لكم سنن الّذين من قبلكم.(3:225)

الآلوسيّ: استئناف مقرّر لما سبق من الأحكام، و مثل هذا التّركيب وقع في كلام العرب قديما و خرّجه النّحاة-كما قال الشّهاب-على مذاهب،فقيل:مفعول (يريد)محذوف،أي تحليل ما أحلّ و تحريم ما حرّم، و نحوه.[ثمّ ذكر نحوا ممّا تقدّم من الأقوال](5:13)

رشيد رضا :[حكى قول الكوفيّين و البصريّين في (ليبيّن)من دون ترجيح](5:28)

الطّباطبائيّ: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أي أحكام دينه،ممّا فيه صلاح دنياكم و عقباكم،و ما في ذلك من المعارف و الحكم.و على هذا فمعمول قوله:(يبيّن)

ص: 398

محذوف،للدّلالة على فخامة أمره و عظم شأنه.و يمكن أن يكون قوله:(يبيّن لكم)و قوله:(و يهديكم) متنازعين في قوله:(سنن الّذين).(4:280)

5- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.

المائدة:15

الإسكافيّ: قوله عزّ و جلّ: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً

و قال بعده: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ المائدة:19، للسّائل أن يسأل فيقول:نبّه أهل الكتاب بمجيء الرّسول في الآية الأولى،و أخبر أنّه يبيّن لهم كثيرا ممّا يخفون من الكتاب،و يعفو عن كثير،و قال في الآية الثّانية:أنّه قد جاء يبيّن لكم على فترة من الرّسل أن تقولوا:ما جاءنا من بشير و لا نذير،فقد جاءكم بشير و نذير.فهل ما ذكر من«التّبيين»في الثّانية كان يجوز أن يقترن بالتّنبيه الأوّل؟أو وجب لكلّ ما تبعه من الكلام؟

الجواب:أنّ قوله تعالى في الآية الأولى: يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ معناه يبيّن لكم كثيرا ممّا في التّوراة و الإنجيل،من وصف الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و سائر ما يدعو إلى الدّخول في الإسلام،و يترك كثيرا ممّا حرّفتموه،فلا يبيّنه،لأنّه ليس في ذكره ما يلزمكم حجّته،و يجدّد لكم ملّة،فهذا«التّبيين»حقّه التّقديم للاحتجاج به،و لذلك ردفه قوله: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ يعني النّبيّ،أي يهديكم إلى منافع دينكم،كما تهتدون بالنّور إلى منافع دنياكم.

و أمّا الآية الثّانية الّتي بعد،فمعناها جاءكم رسولنا يبيّن لكم على حين دروس ممّا كان الرّسل أتوا به،ما يلزمكم في دينكم،احتجاجا عليكم و قطعا لعذركم،لئلاّ تحتجّوا بأنّه لم يجئكم من يبشّركم بالثّواب،و يخوّفكم من العقاب.فالأوّل احتجاج لنبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و بعد تثبيته يبيّن الدّاعي إلى بعثته،و هو ما ذكر في الآية الثّانية.

(93)

الطّوسيّ: أي يبيّن للنّاس ما كنتم تخفونه.و قال ابن عبّاس و قتادة:إنّ ممّا بيّنه رجم الزّانين،و أشياء كانوا يحرّفونها بسوء التّأويل.

و إنّما لم يقل:يا أهل الكتابين،لأنّ الكتاب اسم جنس،و فيه معنى العهد،و هو أوجز و أحسن في اللّفظ من حيث كانوا،كأنّهم أهل كتاب واحد.

و الوجه في تبيين بعضه و ترك بعضه،أنّه يبيّن ما فيه دلالة على نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من:صفاته،و نعته،و بشارته به،و ما يحتاج إلى علمه من غير ذلك،ممّا تتّفق له الأسباب الّتي يحتاج معها إلى استعلام ذلك،كما اتّفق في «الرّجم»،و ما عدا هذين ممّا ليس في تفصيله فائدة، يكفي ذكره في الجملة.(3:474)

نحوه الطّبرسيّ.(2:174)

الشّربينيّ: أي يوضح إيضاحا شافيا.(1:363)

أبو السّعود :(يبيّن لكم)حال من(رسولنا)، و إيثار الجملة الفعليّة على غيرها للدّلالة على تجدّد البيان،أي قد جاءكم رسولنا حال كونه مبيّنا لكم على

ص: 399

التّدريج،حسبما تقتضيه المصلحة.(2:250)

نحوه البروسويّ(2:369)،و الآلوسيّ(6:97).

6- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ... المائدة:19

الطّبريّ: يعرّفكم الحقّ،و يوضّح لكم أعلام الهدى،و يرشد إلى دين اللّه المرتضى.(6:166)

الطّوسيّ: و البيان الّذي أتاهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو دين الإسلام الّذي ارتضاه اللّه،و هو بيان نفس الحقّ من الباطل،و ما يجب.(3:480)

الزّمخشريّ: إمّا أن يقدّر المبيّن و هو الدّين و الشّرائع،و حذفه لظهور ما ورد الرّسول لتبيينه.أو يقدّر ما كنتم تخفون،و حذفه لتقدّم ذكره.أو لا يقدّر، و يكون المعنى يبذل لكم البيان،و محلّه النّصب على الحال،أي مبيّنا لكم.(1:602)

نحوه الشّربينيّ(1:365)،و الآلوسيّ(6:103).

الطّبرسيّ: أي يوضّح لكم أعلام الدّين،و فيه دلالة على أنّه سبحانه اختصّه من العلم بما ليس مع غيره.(2:177)

الفخر الرّازيّ: [ذكر نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و حذف المفعول أكمل،لأنّ على هذا التّقدير يصير أعمّ فائدة.

و قوله:(يبيّن لكم)في محلّ النّصب على الحال،أي مبيّنا لكم.(11:194)

نحوه أبو حيّان.(3:451)

القرطبيّ: (يبيّن لكم)انقطاع حجّتهم،حتّى لا يقولوا غدا:ما جاءنا رسول.(6:121)

أبو السّعود :(يبيّن لكم)حال من(رسولنا)، و إيثاره على«مبيّنا»لما مرّ فيما سبق،أي يبيّن لكم الشّرائع و الأحكام الدّينيّة المقرونة بالوعد و الوعيد، و من جملتها ما بيّن في الآيات السّابقة من بطلان أقاويلكم الشّنعاء،و ما سيأتي من أخبار الأمم السّالفة.

و إنّما حذف تعويلا على ظهور أنّ مجيء الرّسول إنّما هو لبيانها،أو يفعل لكم البيان و يبذله لكم في كلّ ما تحتاجون فيه إلى البيان من أمور الدّين.(2:254)

نحوه البروسويّ.(2:373)

الطّباطبائيّ: و الآية خطاب ثان لأهل الكتاب متمّم للخطاب السّابق،فإنّ الآية الأولى بيّنت لهم أنّ اللّه أرسل إليهم رسولا أيّده بكتاب مبين،يهدي بإذن اللّه إلى كلّ خير و سعادة،و هذه الآية تبيّن أنّ ذلك البيان الإلهيّ؛إنّما هو لإتمام الحجّة عليهم أن يقولوا:ما جاءنا من بشير و لا نذير.

و بهذا البيان يتأيّد أن يكون متعلّق الفعل(يبيّن لكم)،في هذه الآية هو الّذي في الآية السّابقة، و التّقدير:يبيّن لكم كثيرا ممّا كنتم تخفون من الكتاب، أي إنّ هذا الدّين الّذي تدعون إليه هو بعينه دينكم الّذي كنتم تدينون به،مصدّقا لما معكم.

و الّذي يرى فيه من موارد الاختلاف؛فإنّما هو بيان لما أخفيتموه من معارف الدّين الّتي بيّنته الكتب الإلهيّة، و لازم هذا الوجه أن يكون قوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ من قبيل إعادة عين الخطاب السّابق،لضمّ بعض الكلام المفصول عن الخطاب السّابق المتعلّق به-و هو قوله: أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا إلخ-إليه.

ص: 400

و الّذي يرى فيه من موارد الاختلاف؛فإنّما هو بيان لما أخفيتموه من معارف الدّين الّتي بيّنته الكتب الإلهيّة، و لازم هذا الوجه أن يكون قوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ من قبيل إعادة عين الخطاب السّابق،لضمّ بعض الكلام المفصول عن الخطاب السّابق المتعلّق به-و هو قوله: أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا إلخ-إليه.

و إنّما جوّز ذلك:وقوع الفصل الطّويل بين المتعلّق و المتعلّق به،و هو شائع في اللّسان.[ثمّ استشهد بشعر]

و يمكن أن يكون خطابا مستأنفا،و الفعل(يبيّن لكم) إنّما حذف متعلّقه للدّلالة على العموم،أي يبيّن لكم جميع ما يحتاج إلى البيان،أو لتفخيم أمره،أي يبيّن لكم أمرا عظيما تحتاجون إلى بيانه.

و قوله: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لا يخلو عن إشعار،أو دلالة على هذه الحاجة،فإنّ المعنى:يبيّن لكم ما مسّت حاجتكم إلى بيانه،و الزّمان خال من الرّسل حتّى يبيّنوا لكم ذلك.(5:253)

7- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إبراهيم:4

الطّبريّ: ليفهّمهم ما أرسله اللّه به إليهم من أمره و نهيه،ليثبّت حجّة اللّه عليهم.(13:181)

نحوه الطّوسيّ(6:273)،و الميبديّ(5:225)، و الزّمخشريّ(2:366).

الطّبرسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:إنّ معناه إنّا كما أرسلناك إلى العرب بلغتهم، لتبيّن لهم الدّين،ثمّ إنّهم يبيّنونه للنّاس،كذلك أرسلنا كلّ رسول بلغة قومه،ليظهر لهم الدّين.(3:303)

أبو السّعود :ما أمروا به فيتلقّوه منه بيسر و سرعة،و يعملوا بموجبه من غير حاجة إلى التّرجمة، ممّن لم يؤمر به.و حيث لم يمكن مراعاة هذه القاعدة في شأن سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و عليهم أجمعين،لعموم بعثته للثّقلين كافّة على اختلاف لغاتهم.

و كان تعدّد نظم الكتاب المنزل إليه-حسب تعدّد ألسنة الأمم-أدعى إلى التّنازع و اختلاف الكلمة، و تطرّق أيدي التّحريف،مع أنّ استقلال بعض من ذلك بالإعجاز دون غيره مئنّة لقدح القادحين،و اتّفاق الجميع فيه أمر قريب من الإلجاء و حصر البيان بالتّرجمة و التّفسير،اقتضت الحكمة اتّحاد النّظم المنبئ عن العزّة و جلالة الشّأن،المستتبع لفوائد غنيّة عن البيان.

على أنّ الحاجة إلى التّرجمة تتضاعف عند التّعدّد؛إذ لا بدّ لكلّ أمّة من معرفة توافق الكلّ،و تحاذيه حذو القذّة بالقذّة،من غير مخالفة و لو في خصلة فذّة،و إنّما يتمّ ذلك بمن يترجم عن الكلّ،واحدا أو متعدّدا،و فيه من التّعذّر ما يتاخم الامتناع.

ثمّ لمّا كان أشرف الأقوام و أولاهم بدعوته عليه الصّلاة و السّلام قومه-الّذين بعث فيهم،و لغتهم أفضل اللّغات-نزل الكتاب المتين بلسان عربيّ مبين، و انتشرت أحكامه فيما بين الأمم أجمعين.

و قيل:الضّمير في(قومه)لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه تعالى أنزل الكتب كلّها عربيّة،ثمّ ترجمها جبريل عليه الصّلاة و السّلام،أو كلّ من نزل عليه من الأنبياء عليهم السّلام بلغة من نزل عليهم.

و يردّه قوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فإنّه ضمير القوم،و ظاهر أنّ جميع الكتب لم ينزل لتبيين العرب،

ص: 401

و في رجعه إلى قوم كلّ نبيّ،كأنّه قيل:و ما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قوم محمّد عليه الصّلاة و السّلام،ليبيّن الرّسول لقومه الّذين أرسل إليهم؛ما لا يخفى من التّكلّف.

(3:470)

نحوه البروسويّ(4:395)،و شبّر(3:345)، و الآلوسيّ(13:185).

محمّد حسين فضل اللّه: ليفهموا دعوته،و يعوا رسالته من خلال المعرفة بها،بوصفهم القاعدة الأولى الّتي ينطلق منها،و يعمل من خلالها على تأسيس مرتكز صلب للحركة،بهدف الامتداد إلى حياة الآخرين.

و هذا هو سبب نزول كلّ كتاب بلغة النّبيّ المرسل، و لغة قومه،ليبيّن لهم الرّسالة باللّغة الّتي يعرفونها، و الطّريقة الّتي يفهمونها،و ليقيم عليهم الحجّة.

(13:80)

8- لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ. النّحل:39

الزّجّاج :فهذا على ضربين:جائز أن يكون معلّقا ب«البعث»و يكون المعنى:بلى يبعثهم اللّه(ليبيّن لهم)، و ليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين.

و جائز أن يكون لِيُبَيِّنَ لَهُمْ معلّقا بقوله:

وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:36،ليبيّن لهم اختلافهم،و أنّهم كانوا من قبله على ضلالة.

(3:198)

الطّوسيّ: في دار الدّنيا،لأنّه يخلق فيهم العلم الضّروريّ يوم القيامة،الّذي يزول معه التّكليف، و يزول خلافهم فيه،و يعلم أيضا كلّ كافر أنّه كان كاذبا في الدّنيا،في قوله:إنّ اللّه لا يبعث أحدا بعد موته.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](6:381)

نحوه الطّبرسيّ.(3:360)

الواحديّ: بالبعث الّذي اختلفوا فيه مع المؤمنين، و ذهبوا فيه إلى خلاف ما ذهب إليه المؤمنون.(3:63)

البغويّ: أي ليظهر لهم الحقّ فيما يختلفون.

(3:79)

نحوه الخازن.(4:74)

ابن عطيّة :[ذكر نحو ما تقدّم عن الزّجّاج و أضاف:]

و الأوّل:أصوب في المعنى،لأنّ به يتصوّر كذب الكفّار في إنكار البعث.(3:393)

الفخر الرّازيّ: من أمور البعث،أي بلى يبعثهم ليبيّن لهم،و ليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين فيما أقسموا فيه.(20:31)

يبيّنها

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. البقرة:230

الطّبريّ: هذه الأمور الّتي بيّنها لعباده في الطّلاق و الرّجعة و الفدية و العدّة و الإيلاء و غير ذلك،ممّا يبيّنه لهم في هذه الآيات:حدود اللّه،معالم فصول حلاله و حرامه،و طاعته و معصيته.

(يُبَيِّنُها) يفصلها،فيميّز بينها،و يعرّفهم أحكامها.

(2:479)

الزّجّاج :و يقرأ (نبيّنها) بالياء و النّون جميعا (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ،أي يعلمون أنّ وعد اللّه حقّ،و أنّ ما أتى به

ص: 402

رسوله صدق.(1:309)

الطّوسيّ: و قوله:(يبيّنها)قرأ المفضّل عن عاصم بالنّون،على وجه الإخبار من اللّه عن نفسه.الباقون بالياء،الكناية عن اللّه.(2:249)

نحوه الفخر الرّازيّ(6:115)،و أبو حيّان(2:

204)

العكبريّ: يقرأ بالياء و النّون،و الجملة في موضع نصب من«الحدود»و العامل فيها معنى الإشارة.

(1:183)

أبو السّعود :بهذا البيان اللاّئق،أو سيبيّنها فيما سيأتي،بناء على أنّ بعضها يلحقه زيادة كشف و بيان بالكتاب و السّنّة،و الجملة خبر ثان عند من يجوّز كونه جملة،كما في قوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:

20،أو حال من(حدود اللّه)،و العامل معنى الإشارة.

(1:273)

نحوه الآلوسيّ.(2:142)

لتبيّننّه

وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ... آل عمران:187

سعيد بن جبير:لنبيّن نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

مثله السّدّيّ.(الماورديّ 1:442)

الحسن :ليبيّن الكتاب الّذي فيه ذكره.

مثله قتادة.(الماورديّ 1:442)

الطّبريّ: ليتكلّمنّ بالحقّ،و ليصدّقنّه بالعمل.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه بعضهم:

لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ بالتّاء،و هي قراءة أعظم قرّاء أهل المدينة و الكوفة،على وجه المخاطب، بمعنى قال لهم:لتبيّننّه للنّاس و لا تكتمونه.

و قرأ ذلك آخرون: (ليبيّننّه للنّاس و لا يكتمونه) بالياء جميعا،على وجه الخبر عن الغائب،لأنّهم في وقت إخبار اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك عنهم،كانوا غير موجودين، فصار الخبر عنهم كالخبر عن الغائب.

و القول في ذلك عندنا:أنّهما قراءتان صحيحة وجوههما،مستفيضان في قراءة الإسلام،غير مختلفتي المعاني،فبأيّتهما قرأ القارئ،فقد أصاب الحقّ و الصّواب في ذلك،غير أنّ الأمر في ذلك،و إن كان كذلك،فإنّ أحبّ القراءتين إليّ أن أقرأ بها ليبيننه للناس و لا تكتمونه بالياء جميعا،استدلالا بقوله:

فَنَبَذُوهُ أنّه إذ كان قد خرج مخرج الخبر عن الغائب على سبيل قوله: فَنَبَذُوهُ. (4:204)

الزّجّاج :و(ليبيّننّه)بالياء و التّاء،فمن قال:

(ليبيّننّه)بالياء،فلأنّهم غيّب،و من قال بالتّاء،حكى المخاطبة الّتي كانت في وقت أخذ الميثاق،و المعنى أنّ اللّه أخذ منهم الميثاق ليبيّننّ أمر نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:496)

نحوه الطّوسيّ.(3:73)

الزّمخشريّ: (لتبيّننّه)الضّمير للكتاب،أكّد عليهم إيجاب بيان الكتاب و اجتناب كتمانه،كما يؤكّد على الرّجل إذا عزم عليه،و قيل له:آللّه لتفعلنّ.

(1:486)

ابن عطيّة :[ذكر القراءتين و أضاف:]

و كلا القراءتين متّجه،و الضّمير في الفصلين عائد

ص: 403

على(الكتاب)و في قراءة ابن مسعود (لتبيّنونه) دون النّون الثّقيلة،و قد لا تلزم هذه النّون لام القسم،قاله سيبويه.(1:551)

الطّبرسيّ: [ذكر القراءتين ثمّ قال:]

حجّة من قرأ بالتّاء قوله: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ آل عمران:81،و الاتّفاق عليه، و كذلك قوله: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ البقرة:83،و قد تقدّم القول في ذلك.

و حجّة من قرأ بالياء:إنّ الكلام حمل على الغيبة، لأنّهم غيّب،أي لتظهرنّه للنّاس.

و الهاء عائدة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله في قول سعيد بن جبير و السّدّيّ،لأنّ في كتابهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أنّ الدّين هو الإسلام.

و قيل:الهاء عائدة إلى(الكتاب)فيدخل فيها بيان أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّه في الكتاب،عن الحسن و قتادة.

(1:551)

نحوه العكبريّ(1:318)و أبو حيّان(3:136)، و الآلوسيّ(4:149).

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّبرسيّ ثمّ أضاف:]

اللاّم لام التّأكيد يدخل على اليمين،تقديره استحلفهم ليبيّننّه.(9:129)

أبو السّعود :حكاية لما خوطبوا به،و الضّمير للكتاب و هو جواب لقسم ينبئ عنه أخذ الميثاق،كأنّه قيل لهم:باللّه لتبيّننّه.(2:76)

مثله البروسويّ.(2:141)

لنبيّن

...فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ... الحجّ:5

الطّبريّ: (لنبيّن لكم)قدرتنا على ما نشاء، و نعرّفكم ابتداءنا خلقكم.(17:118)

الزّجّاج :أي ذكرنا أحوال خلق الإنسان،و وجه آخر هو:خلقناكم هذا الخلق(لنبيّن لكم).(3:412)

الماورديّ: يعني في القرآن بدء خلقكم،و تنقّل أحوالكم.(4:8)

الطّوسيّ: معناه لندلّكم على مقدورنا،بتصريفه في ضروب الخلق.(7:292)

البغويّ: كمال قدرتنا و حكمتنا في تصريف أطوار خلقكم،و لتستدلّوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة.

و قيل:(لنبيّن لكم)ما تأتون و ما تذرون، و ما تحتاجون إليه في العبادة.(3:325)

نحوه الطّبرسيّ(4:71)،و الخازن(5:24)، و القرطبيّ(12:11).

الزّمخشريّ: (لنبيّن لكم)بهذا التّدريج قدرتنا و حكمتنا.[إلى أن قال:]

و قرأ ابن عبلة (ليبيّن لكم) و (يقرّ) بالياء.(3:5)

نحوه أبو السّعود(4:367)،و البروسويّ(6:6).

ابن عطيّة :(لنبيّن)قالت فرفة:معناه لنبيّن أمر البعث،فهو اعتراض بين الكلامين.و قرأت هذه الفرقة بالرّفع في(نقرّ)،المعنى و نحن نقرّ،و هي قراءة الجمهور.

ص: 404

و قالت فرقة:(لنبيّن)معناه بكون المضغة غير مخلّقة،و طرح النّساء إيّاها،كذلك نبيّن للنّاس أنّ المناقل في الرّحم هي هكذا.(4:108)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:(لنبيّن لكم)أنّ تغيير المضغة إلى المخلّقة هو باختيار الفاعل المختار،و لولاه لما صار بعضه مخلّقا و بعضه غير مخلّق.

و ثانيهما:التّقدير:إن كنتم في ريب من البعث،فإنّا أخبرناكم أنّا خلقناكم من كذا و كذا،لنبيّن لكم ما يزيل عنكم ذلك الرّيب في أمر بعثكم،فإنّ القادر على هذه الأشياء كيف يكون عاجزا عن الإعادة.(23:8)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و(لنبيّن)متعلّق ب(خلقناكم)،و قيل:لنبيّن لكم أمر البعث.

و قال الكرمانيّ: يعني رشدكم و ضلالكم.و قيل:

لنبيّن لكم أنّ التّخليق هو اختيار من الفاعل المختار، و لولاه ما صار بعضه غير مخلّق.(6:352)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(6:6)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قدّر بعضهم المفعول خاصّا،أي لنبيّن لكم أمر البعث،و ليس بذاك.

و أبعد جدّا من زعم أنّ المعنى لنبيّن لكم أنّ التّخليق اختيار من الفاعل المختار،و لو لا ذلك ما صار بعض أفراد المضغة غير مخلّق.

و قرأ ابن أبي عبلة (ليبيّن) بالياء على طريق الالتفات.(17:117)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ المراد(لنبيّن لكم) أنّ البعث ممكن،و نزيل الرّيب عنكم،فإنّ مشاهدة الانتقال من التّراب الميّت إلى النّطفة،ثمّ إلى العلقة ثمّ إلى المضغة ثمّ إلى الإنسان الحيّ،لا تدع ريبا في إمكان تلبّس الميّت بالحياة،و لذلك وضع قوله:(لنبيّن لكم)في هذا الموضع،و لم يؤخّر إلى آخر الآية.(14:344)

مبيّنة

...إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ... النّساء:19

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله (مُبَيِّنَةٍ) ، فقرأه بعضهم (مبيّنة) بفتح الياء،بمعنى أنّها قد بيّنت لكم،و أعلنت و أظهرت.و قرأه بعضهم (مبيّنة) بكسر الياء،بمعنى أنّها ظاهرة بيّنة للنّاس أنّها فاحشة.و هما قراءتان مستفيضتان في قراءة أمصار الإسلام،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(4:212)

أبو زرعة:[نحو الطّبريّ و أضاف:]

اعلم أنّك إذا كسرتها جعلتها فاعلة،أي هي الّتي تبين على صاحبها فعلها،و إذا فتحتها جعلتها مفعولا بها و الفاعل محذوف،و كان التّقدير-و اللّه أعلم-هو بيّنها فهي مبيّنة.(196)

نحوه الميبديّ(2:458)،و القرطبيّ(5:96)، و أبو حيّان(3:20)،و الآلوسيّ(4:242)،و رشيد رضا(4:455).

الطّوسيّ: قرأ (بفاحشة مبيّنة) بفتح الياء،ابن كثير و أبو بكر،عن عاصم.الباقون بالكسر،و هو

ص: 405

الأقوى،لأنّه لا يقصد إلى إظهارها.(3:148)

الطّبرسيّ: و روي في الشّواذّ عن ابن عبّاس (مبينة)بكسر الياء خفيفة.(2:23)

الفخر الرّازيّ: قرأ نافع و أبو عمرو (مبيّنة) بكسر الياء،و (آيات مبيّنات) بفتح الياء حيث كان، قال:لأنّ في قوله: (مبيّنات) قصد إظهارها،و في قوله:

(بفاحشة مبيّنة) لم يقصد إظهارها.و قرأ ابن كثير و أبو بكر عن عاصم بالفتح فيهما،و الباقون بكسر الياء فيهما.

أمّا من قرأ بالفتح فله وجهان:

الأوّل:أنّ«الفاحشة»و«الآيات»لا فعل لهما في الحقيقة،إنّما اللّه تعالى هو الّذي بيّنهما.

و الثّاني:أنّ«الفاحشة»تتبيّن،فإن يشهد عليها أربعة صارت مبيّنة،و أمّا«الآيات»فإنّ اللّه تعالى بيّنها.

و أمّا من قرأ بالكسر فوجهه أنّ«الآيات»إذا تبيّنت و ظهرت صارت أسبابا للبيان،و إذا صارت أسبابا للبيان جاز إسناد البيان إليها،كما أنّ الأصنام لمّا كانت أسبابا للضّلال حسن إسناد الإضلال إليها،كقوله تعالى: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ إبراهيم:36.(10:12)

محمود صافي:(مبيّنة)،مؤنّث مبيّن،اسم فاعل من«بيّن»الرّباعيّ،وزنه«مفعّل»بضمّ الميم و كسر العين المشدّدة.(4:472)

مبيّنات

وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ مَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. النّور:34

الفرّاء:قرأ يحيى بن وثّاب (مُبَيِّناتٍ) بالكسر، و النّاس بعد (مبيّنات) بفتح الياء،هذه و الّتي في سورة النّساء الصّغرى (1).فمن قال:(مبيّنات)جعل الفعل واقعا عليهنّ،و قد بيّنهنّ اللّه و أوضحهنّ.و(مبيّنات)هاديات واضحات.(2:251)

الطّبريّ: و لقد أنزلنا إليكم أيّها النّاس دلالات و علامات مبيّنات،يقول:مفصّلات الحقّ من الباطل، و موضّحات ذلك.[ثمّ نقل القراءتين،و قال:كلتاهما معروفتان صحيحتان](18:134)

الزّجّاج :يقرأ بالفتح و الكسر،فمن قرأ(مبيّنات) بالفتح،فالمعنى أنّه ليس فيها لبس،و من قرأ بالكسر فالمعنى أنّها تبيّن لكم الحلال من الحرام،ثمّ أعلم عزّ و جلّ أنّه قد بيّن جميع أمر السّماء و أمر الأرض،بيانا نيّرا،لا غاية بعد نوره.فقال: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ النّور:35.(4:43)

نحوه الطّوسيّ(7:436)،و ابن عطيّة(4:182).

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و أبو بكر (آيات مبيّنات) بفتح الياء،أي لا لبس فيها.و حجّتهم قوله: قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ آل عمران:118، و الفعل مسند إلى«اللّه»،فهي الآن مبيّنات بدلالة ما في التّنزيل،على صحّة وجه إخراجهنّ مفعولات.

و قرأ أهل الشّام و الكوفة غير أبي بكر: (مُبَيِّناتٍ) بالكسر،المعنى بيّن لكم الحلال من الحرام،فهنّ الفاعلات.و حجّتهم قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:64،

ص: 406


1- يريد سورة الطّلاق.

فأسند التّبيين إلى«السّورة»فكذلك قوله:(آيات مبيّنات)فأسندوا التّبيين إلى«الآيات».(498)

نحوه أبو حيّان.(6:453)

البغويّ: مبيّنات من الحلال و الحرام.(3:415)

مثله الخازن.(5:63)

الزّمخشريّ: هي الآيات الّتي بيّنت في هذه السّورة،و أوضحت في معاني الأحكام و الحدود.و يجوز أن يكون الأصل مبيّنا فيها فاتّسع في الظّرف.

و قرئ بالكسر،أي بيّنت هي الأحكام و الحدود، جعل الفعل لها على المجاز،أو من«بيّن»بمعنى تبيّن،و منه المثل:«قد بيّن الصّبح لذي عينين».(3:67)

نحوه الفخر الرّازيّ(23:222)،و البيضاويّ(2:

126)،و النّسفيّ(3:144)،و الشّربينيّ(2:622).

أبو السّعود : آياتٍ مُبَيِّناتٍ لكلّ ما بكم حاجة إلى بيانه من الحدود و سائر الأحكام و الآداب،و غير ذلك ممّا هو من مبادئ بيانها،على أنّ إسناد التّبيين إليها مجازيّ.

أو آيات واضحات تصدّقها الكتب القديمة و العقول السّليمة،على أنّ(مبيّنات)من«بيّن»بمعنى تبيّن، و منه المثل:«قد بيّن الصّبح لذي عينين».[ثمّ أشار إلى القراءتين](4:459)

نحوه البروسويّ(6:151)،و الآلوسيّ(18:159).

القاسميّ: أي واضحات أو مفسّرات لكلّ ما تهمّ حاجتكم إليه،من عبادات و معاملات و آداب،و منه ما ذكر قبل من النّهي عن الإكراه،فلا يخفى المراد منها.

(12:4523)

الصّابونيّ: أي آيات واضحات،و حكم باهرات،و دلائل ظاهرة تدلّ على حكمة اللّه العليّ الكبير.(2:178)

محمود صافي:(مبيّنات)جمع مبيّنة،مؤنّث مبيّن،اسم فاعل من«بيّن الرّباعيّ»،وزنه«مفعّل»بضمّ الميم و كسر العين.(18:262)

و بهذا المعنى جاء لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ...

النّور:46،و رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ... الطّلاق:11.

تبيانا

...وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ. النّحل:89

مجاهد :ممّا أحلّ و حرّم.(الطّبريّ 14:161)

ما أمر به،و ما نهى عنه.(الطّبريّ 14:162)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ أنزله في كتابه،و بيّنه لرسوله.

و جعل لكلّ شيء حدّا،و جعل عليه دليلا يدلّ عليه، و جعل على من تعدّى ذلك الحدّ،حدّا.

(العروسيّ 3:74)

الإمام الصّادق عليه السّلام: قد ولدني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا أعلم كتاب اللّه،و فيه بدء الخلق و ما هو كائن إلى يوم القيامة،و فيه خبر السّماء و خبر الأرض،و خبر الجنّة و خبر النّار،و خبر ما كان و خبر ما هو كائن،أعلم ذلك كما أنظر إلى كفّي،إنّ اللّه يقول:«فيه تبيان كلّ شيء».(العروسيّ 3:75)

ص: 407

كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم،و خبر ما بعدكم،و فصل ما بينكم،و نحن نعلمه.(العروسيّ 3:75)

إنّ اللّه عزّ ذكره ختم بنبيّكم النّبيّين،فلا نبيّ بعده أبدا،و ختم بكتابكم الكتب،فلا كتاب بعده أبدا،و أنزل فيه تبيان كلّ شيء،و خلقكم و خلق السّماوات و الأرض،و نبأ ما قبلكم،و فصل ما بينكم،و خبر ما بعدكم،و أمر الجنّة و النّار،و ما أنتم صائرون إليه.

(العروسيّ 3:76)

[و نحوها روايات متعدّدة تأويليّة]

(العروسيّ 3:74-76)

الطّبريّ: نزل عليك يا محمّد هذا القرآن،بيانا لكلّ ما بالنّاس إليه الحاجة،من معرفة الحلال و الحرام، و الثّواب و العقاب.(14:161)

الزّجّاج :تبيان:اسم في معنى البيان،مثل التّبيان التّلقاء،و لو قرئت«تبيانا»على وزن«تفعال»لكان وجها،لأنّ التّبيان في معنى التّبيين،و لا تجوز القراءة به، لأنّه لم يقرأ به أحد من القرّاء.(3:217)

الطّوسيّ: أي بيانا لكلّ أمر مشكل،و التّبيان و البيان واحد.و معنى العموم في قوله:(لكلّ شىء)المراد به من أمور الدّين:إمّا بالنّصّ عليه،أو الإحالة على ما يوجب العلم من بيان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الحجج القائمين مقامه،أو إجماع الأمّة،أو الاستدلال،لأنّ هذه الوجوه أصول الدّين،و طريق موصلة إلى معرفته.(6:418)

مثله الميبديّ(5:432)،و نحوه الطّبرسيّ(3:380).

القشيريّ: أي القرآن تبيانا لكلّ شيء،فيه للمؤمنين شفاء،و هو لهم ضياء،و على الكافرين،و هو لهم سبب محنة و شقاء.(3:314)

الزّمخشريّ: بيانا بليغا،و نظير تبيان«تلقاء»في كسر أوّله،و قد جوّز الزّجّاج فتحه في غير القرآن.

فإن قلت:كيف كان القرآن تبيانا لكلّ شيء؟

قلت:المعنى أنّه بيّن كلّ شيء من أمور الدّين؛حيث كان نصّا على بعضها،و إحالة على السّنّة،حيث أمر فيه باتّباع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و طاعته،و قيل: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى النّجم:3،و حثّا على الإجماع في قوله:

وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:115،و قد رضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأمّته اتّباع أصحابه و الاقتداء بآثارهم في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».

و قد اجتهدوا و قاسوا و وطّئوا طرق القياس و الاجتهاد، فكانت السّنّة و الإجماع و القياس و الاجتهاد مستندة إلى تبيان الكتاب،فمن ثمّ كان تبيانا لكلّ شيء.(2:424)

نحوه أبو السّعود(4:86)،و البروسويّ(5:70).

ابن عطيّة :(تبيانا):اسم و ليس بالمصدر،و هو كالنّقصان.و المصادر في مثل هذا،التّاء فيها مفتوحة كالتّرداد و التّكرار،و نصب(تبيانا)على الحال.

(3:415)

الفخر الرّازيّ: من النّاس من قال:القرآن تبيان لكلّ شيء،و ذلك لأنّ العلوم إمّا دينيّة أو غير دينيّة.

أمّا العلوم الّتي ليست دينيّة فلا تعلّق لها بهذه الآية، لأنّ من المعلوم بالضّرورة أنّ اللّه تعالى إنّما مدح القرآن بكونه مشتملا على علوم الدّين،فأمّا ما لا يكون من علوم الدّين فلا التفات إليه.

و أمّا علوم الدّين فإمّا الأصول،و إمّا الفروع.

ص: 408

أمّا علم الأصول فهو بتمامه موجود في القرآن،و أمّا علم الفروع فالأصل براءة الذّمّة إلاّ ما ورد على سبيل التّفصيل في هذا الكتاب؛و ذلك يدلّ على أنّه لا تكليف من اللّه تعالى إلاّ ما ورد في هذا القرآن،و إذا كان كذلك كان القول بالقياس باطلا،و كان القرآن وافيا لبيان كلّ الأحكام.

و أمّا الفقهاء فإنّهم قالوا:القرآن إنّما كان تبيانا لكلّ شيء،لأنّه يدلّ على أنّ الإجماع و خبر الواحد و القياس حجّة،فإذا ثبت حكم من الأحكام بأحد هذه الأصول كان ذلك الحكم ثابتا بالقرآن،و هذه المسألة قد سبق ذكرها بالاستقصاء في سورة الأعراف،و اللّه أعلم.

روى الواحديّ بإسناده عن الزّجّاج أنّه قال:

(تبيانا)في معنى اسم البيان،و مثل التّبيان«التّلقاء».

و روى ثعلب عن الكوفيّين،و المبرّد عن البصريّين أنّهم قالوا:لم يأت من المصادر على«تفعال»إلاّ حرفان:

تبيانا و تلقاء،و إذا تركت هذين اللّفظين استوى لك القياس،فقلت:في كلّ مصدر«تفعال»بفتح التّاء،مثل:

تسيار،و تذكار و تكرار،و قلت:في كلّ اسم«تفعال» بكسر التّاء مثل:تقصار و تمثال.(20:99)

نحوه النّيسابوريّ.(14:110)

الرّازيّ: إن قيل:قوله تعالى: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ فإذا كان القرآن تبيانا لكلّ شيء من أمور الدّين،فمن أين وقع بين الأمّة في أحكام الشّريعة هذا الخلاف الطّويل العريض؟

قلنا:إنّما وقع الخلاف بين الأئمّة،لأنّ كلّ شيء يحتاج إليه من أمور الدّين ليس مبيّنا في القرآن نصّا،بل بعضه مبيّن،و بعضه مستنبط بيانه منه بالنّظر و الاستدلال،و طريق النّظر و الاستدلال مختلفة،فلذلك وقع الخلاف.

فإن قيل:كثير من أحكام الشّريعة لم تعلم من القرآن نصّا و لا استنباطا:كعدد ركعات الصّلاة،و مقادير باقي الأعضاء،و مدّة السّفر،و المسح،و الحيض،و مقدار حدّ الشّرب،و نصاب السّرقة،و ما أشبه ذلك ممّا يطول ذكره؟

قلنا:القرآن تبيان لكلّ شيء من أمور الدّين،لأنّه نصّ على بعضها،و أحال على السّنّة في بعضها،في قوله تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:7،و قوله تعالى: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى النّجم:3،و أحال على الإجماع أيضا بقوله تعالى: وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:115، و أحال على القياس أيضا بقوله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ الحشر:2،و الاعتبار:النّظر و الاستدلال،فهذه أربعة طرق لا يخرج شيء من أحكام الشّريعة عنها،و كلّها مذكورة في القرآن،فصحّ كونه تبيانا لكلّ شيء.(مسائل الرّازيّ:179)

نحوه الشّربينيّ.(2:256)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و لعلّ التّبيان إنّما هو للعلماء خاصّة،و الهدى لجميع الخلق في أوّل أحوالهم،و الرّحمة في وسطها،و هو مدّة العمر بعد الإسلام،و البشرى في أوان الأجل.

(14:110)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ(تبيانا)مصدر جاء على

ص: 409

«تفعال»،و إن كان باب المصادر أن يجيء على«تفعال» بالفتح كالتّرداد و التّطواف.و نظير«تبيان»في كسر تائه «تلقاء»،و قد جوّز الزّجّاج فتحه في غير القرآن.

قال ابن عطيّة:(تبيانا)اسم و ليس بمصدر،و هو قول أكثر النّحاة.و روى ثعلب عن الكوفيّين و المبرّد عن البصريّين أنّه مصدر،و لم يجئ على«تفعال»من المصادر إلاّ ضربان:تبيان و تلقاء.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

و قوله:«و قد رضي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم-إلى قوله- اهتديتم»،لم يقل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو حديث موضوع،لا يصحّ بوجه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

قال الحافظ أبو محمّد عليّ بن أحمد بن حزم في رسالته؛في إبطال الرّأي و القياس و الاستحسان و التّعليل و التّقليد ما نصّه:و هذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصحّ،و ذكر إسناده إلى البزّار صاحب المسند قال:

سألتم عمّا روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ممّا في أيدي العامّة،ترويه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّما مثل أصحابي كمثل النّجوم أو كالنّجوم بأيّها اقتدوا اهتدوا».

و هذا كلام لم يصحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه،عن سعيد بن المسيّب،عن ابن عمر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و إنّما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرّحيم،لأنّ أهل العلم سكتوا عن الرّواية لحديثه، و الكلام أيضا منكر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يثبت، و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه.هذا نصّ كلام البزّار.

قال ابن معين: عبد الرّحيم بن زيد كذّاب خبيث، ليس بشيء.

و قال البخاريّ: هو متروك،رواه أيضا حمزة الجزريّ،و حمزة هذا ساقط متروك.[لاحظ ص ح ب]

و نصبوا(تبيانا)على الحال،و يجوز أن يكون مفعولا من أجله.(5:527)

الآلوسيّ: و التّبيان:مصدر يدلّ على التّكثير،على ما روى ثعلب عن الكوفيّين،و المبرّد عن البصريّين.

قال سلامة الأنباريّ في شرح المقامات:كلّ ما ورد من المصادر عن العرب على«تفعال»فهو بفتح التّاء إلاّ لفظتين،و هما«تبيان»و«تلقاء».

و قال ابن عطيّة: هو اسم و ليس بمصدر،و هذه الصّيغة أيضا في الأسماء قليلة،فعن ابن مالك أنّه قال في نظم الفرائد:جاء على«تفعال»بالكسر و هو غير مصدر:رجل تكلام و تلقام و تلعاب و تمساح للكذّاب، و تضراب للنّاقة القريبة،بضراب الفحل،و تمراد لبيت الحمام،و تلفاف لثوبين ملفوفين،و تجفاف لما تجلّل به الفرس،و تهواء لجزء ماض من اللّيل،و تنبال للقصير اللّئيم،و تعشار و تبراك لموضعين،و زاد ابن جعوان:

تمثال و تيفاق لموافقة الهلال.

و اقتصر أبو جعفر النّحّاس في شرح المعلّقات على أقلّ من ذلك،فقال:ليس في كلام العرب على«تفعال» إلاّ أربعة أسماء،و خامس مختلف فيه،يقال:تبيان، و يقال لقلادة المرأة:تقصار و تعشار و تبراك،و الخامس تمساح،و تمسح أكثر و أفصح،انتهى.[إلى أن قال:]

و المراد من(كلّ شىء)على ما ذهب إليه جمع:

ما يتعلّق بأمور الدّين،أي بيانا بليغا لكلّ شيء يتعلّق

ص: 410

بذلك،و من جملته أحوال الأمم مع أنبيائهم عليهم السّلام،و كذا ما أخبرت به هذه الآية من بعث الشّهداء و بعثه عليه الصّلاة و السّلام.

فانتظام الآية بما قبلها ظاهر،و الدّليل على تقدير الوصف المخصّص للشّيء المقام،و أنّ بعثة الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام إنّما هي لبيان الدّين،و لذا أجيب السّؤال عن الأهلّة بما أجيب،و قال صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:

«أنتم أعلم بأمور دنياكم»،و كون الكتاب تبيانا لذلك باعتبار أنّ فيه نصّا على البعض،و إحالة للبعض الآخر على السّنّة.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و قال بعض:(كلّ)للتّكثير و التّفخيم،كما في قوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها الأحقاف:25،إذ يأبى الإحاطة و التّعميم ما في التّبيان من المبالغة في البيان،و أنّ من أمور الدّين تخصيصا لا يقتضيه المقام.

و ردّ الثّاني بما سمعت آنفا،و الأوّل بأنّ المبالغة بحسب الكمّيّة لا الكيفيّة،كما قيل في قوله تعالى: وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ فصّلت:46،إنّه من قولك:فلان ظالم لعبده و ظلاّم لعبيده،و منه قوله سبحانه: وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ البقرة:270.

و قال بعضهم:لكلّ من القولين وجهة،و المرجّح للأوّل إبقاء(كلّ)على حقيقتها في الجملة،و تعقّب بأنّه يرجّح الثّاني إبقاء(شىء)على العموم،و سلامته من التّقدير الّذي هو خلاف الأصل،و من المجاز على قول.

نعم ذهب أكثر المفسّرين إلى اعتبار التّخصيص،و روي ذلك عن مجاهد.

و قال الجلال المحلّي في الرّدّ على من لم يجوّز تخصيص السّنّة بالكتاب:إنّه يدلّ على الجواز قوله تعالى:

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و إن خصّ من عمومه ما خصّ بغير القرآن،و توجيه كونه تبيانا لكلّ ما يتعلّق بالدّين بما تقدّم،هو الّذي يقتضيه كلام غير واحد من الأجلّة.[إلى أن قال:]

و ذهب بعضهم إلى ما يقتضيه ظاهر الآية غير قائل بالتّخصيص،و لا بأنّ(كلّ)للتّكثير،فقال:ما من شيء من أمر الدّين و الدّنيا إلاّ يمكن استخراجه من القرآن، و قد بيّن فيه كلّ شيء بيانا بليغا،و اعتبر في ذلك مراتب النّاس في الفهم،فربّ شيء يكون بيانا بليغا لقوم، و لا يكون كذلك لآخرين،بل قد يكون بيانا لواحد و لا يكون بيانا لآخر،فضلا عن كون البيان بليغا أو غير بليغ،و ليس هذا إلاّ لتفاوت قوى البصائر.و نظير ذلك اختلاف مراتب الإحساس لتفاوت قوى الإبصار.

و قيل:معنى كونه تبيانا أنّه كذلك في نفسه،و هو لا يستدعي وجود مبيّن له،فضلا عن تشارك الجميع في تحقّق هذا الوصف بالنّسبة إليهم؛بأن يفهموا حال كلّ شيء منه على أتمّ وجه.و نظير ذلك الشّمس فإنّها منيرة في حدّ ذاتها،و إن لم يكن هناك مستنير أو ناظر،و يغني عن هذا الاعتبار اعتبار أنّ المبالغة بحسب الكمّيّة لا الكيفيّة.

و يؤيّد القول بالظّاهر أنّ الشّيخ الأكبر قدّس سرّه و غيره قد استخرجوا منه ما لا يحصى من الحوادث الكونيّة،و قد رأيت جدولا حرفيّا منسوبا إلى الشّيخ كتب عليه:أنّه يعرف منه حوادث أهل المحشر،و آخر كتب عليه:أنّه يعرف منه حوادث أهل الجنّة،و آخر

ص: 411

كتب عليه:أنّه يعرف منه حوادث أهل النّار.

و كلّ ذلك على ما يزعمون مستخرج من الكتاب الكريم،و مثل هذا الجفر الجامع المنسوب إلى أمير المؤمنين عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،فإنّهم قالوا:إنّه جامع لما شاء اللّه تعالى من الحوادث الكونيّة،و هو أيضا مستخرج من القرآن العظيم.

و قد نقل الجلال السّيوطيّ عن المرسيّ أنّه قال:جمع القرآن علوم الأوّلين و الآخرين؛بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلاّ المتكلّم به،ثمّ رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،خلا ما استأثر به سبحانه،ثمّ ورث عنه معظم ذلك سادات الصّحابة و أعلامهم.[إلى أن قال:]

و قيل:لا يخلو الزّمان من عارف بجميع ذلك،و هو الوارث المحمّديّ و يسمّى:الغوث،و قطب الأقطاب، و المظهر الأتمّ،و مظهر الاسم الأعظم،إلى غير ذلك.

و يردّ على هؤلاء القائلين:حديث التّأبير،و قوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«أنتم أعلم بأمور دنياكم».

و أجيب:بأنّه يحتمل أن يكون ذلك منه صلّى اللّه عليه و سلّم قبل نزول ما يعلم منه عليه الصّلاة و السّلام حال التّأبير، و يحتمل أن يكون بعد النّزول،و قال ذلك صلّى اللّه عليه و سلّم قبل الرّجوع إليه و النّظر فيه،و لو رجع و نظر لعلم فوق ما علموا.

فأعلميّتهم بأمور دنياهم إنّما جاءت لكون علمهم بذلك لا يحتاج إلى الرّجوع و النّظر،و علمه عليه الصّلاة و السّلام يحتاج إلى ذلك،و هذا كما قال صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«لو استقبلت ما استدبرت لما سقت الهدي»، مع أنّ سوق الهدي من الأمور الدّينيّة،و قد قالوا:إنّ القرآن العظيم تبيان لها،و هذا يردّ عليهم لو لا هذا الجواب،فتأمّل،فالبحث بعد غير خال عن القيل و القال.

و قال بعضهم:إنّ الأمور إمّا دينيّة أو دنيويّة.

و الدّنيويّة لا اهتمام للشّارع بها؛إذ لم يبعث لها.و الدّينيّة إمّا أصليّة أو فرعيّة،و الاهتمام بالفرعيّة دون الاهتمام بالأصليّة،فإنّ المطلوب أوّلا بالذّات من بعثة الأنبياء عليهم السّلام هو التّوحيد و ما أشبهه،بل المطلوب من خلق العباد هو معرفته تعالى،كما يشهد له قوله سبحانه:

وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56، بناء على تفسير كثير العبادة:بالمعرفة،و قوله تعالى في الحديث القدسيّ المشهور على الألسنة المصحّح من طريق الصّوفيّة:«كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف»،و القرآن العظيم قد تكفّل ببيان الأمور الدّينيّة الأصليّة،على أتمّ وجه،فليكن المراد من (كلّ شىء)ذلك،و لا يحتاج هذا إلى توجيه كونه تبيانا إلى ما احتاج إليه حمل(كلّ شىء)على أمور الدّين مطلقا،من قولنا:إنّه باعتبار أنّ فيه نصّا على البعض، و إحالة للبعض الآخر على السّنّة إلخ.

و اختار بعض المتأخّرين أنّ(كلّ شىء)على ظاهره،إلاّ أنّ المراد بالتّبيان:التّبيان على سبيل الإجمال،و ما من شيء إلاّ بيّن في الكتاب حاله إجمالا، و يكفي في ذلك بيان بعض أحواله،و المبالغة باعتبار الكمّيّة لا الكيفيّة على ما علمت سابقا،و لو حمل التّبيان على ما يعمّ الإجمال و التّفصيل مع اعتبار مراتب المبيّن لهم،و اعتبر التّوزيع جاز أيضا،فليتدبّر.

ص: 412

و نصب(تبيانا)على الحال،كما قال أبو حيّان.

و جوّز أن يكون مفعولا من أجله،أي نزّلنا عليك الكتاب لأجل التّبيان.(14:214)

القاسميّ: و التّبيان من المصادر الّتي بنيت على هذه الصّيغة،لتكثير الفعل و المبالغة فيه،أي تبيينا لكلّ علم نافع؛من خبر ما سبق و علم ما سيأتي،و كلّ حلال و حرام،و ما النّاس محتاجون إليه في أمر دنياهم و دينهم و معاشهم و معادهم.(10:3849)

عزّة دروزة :و قد يرد أنّ ما نزل من القرآن بعد هذه السّورة شيء كثير،و فيه كثير من التّشريعات و التّلقينات و المبادئ و الأحداث،فكيف يصحّ أن تذكر الفقرة الأخيرة أنّ في الكتاب الّذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السّورة تبيانا لكلّ شيء؟

و ليس في هذا الوارد شيء.ففي ما أنزل اللّه قبل هذه الآية من الأسس و المبادئ و التّلقينات و المواعظ، و البراهين على وجوب وجوده و وحدانيّته،و استحقاقه وحده للخضوع،ما يصحّ أن يقال:إنّه تبيان لكلّ شيء، و هدى و رحمة و بشرى للمؤمنين.و الكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية،يطلق على مجموعه،و اللّه عليم بما سوف ينزل بعدها،و ليس في علم اللّه سابق و لاحق حتّى يصحّ ذلك الوارد.

هذا و نقول في نفس الجملة:إنّ الّذي يقرأ القرآن بتدبّر و إمعان،و تكون عنده رغبة صادقة في الحقّ، و لا يكون مبيّتا للمكابرة و العناد،يظهر على صدق التّقرير الّذي احتوته؛حيث يجد فيه حقّا كلّ هدى و رحمة و بشرى و تبيان،و يرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها اللّه على بني آدم،و يرى من تمام هذه النّعمة أن حفظه اللّه كما بلّغه رسوله لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42،ليظلّ دائما المورد الصّافي الّذي يجد فيه كلّ النّاس في كلّ زمان:الشّفاء و الهدى و الرّحمة و البشرى و البيان الواضح.و لقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكلّ النّاس في كلّ زمن و مكان،للنّظر فيه،ليجدوا ذلك.

و لقد أوّل جمهور المفسّرين جملة تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ بمعنى بيان ما النّاس في حاجة إليه من طرق:

الهدى و الضّلال،و الخير و الشّرّ،و الحلال و الحرام، و الحقّ و الباطل،و الحدود،و الأحكام.

و في هذا من الوجاهة ما يتّسق مع أهداف القرآن، فيجب أن تبقى الجملة في هذا النّطاق مع عدم فصلها عمّا سبقها و لحق بها،و عدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريّات الكون و نواميسه و موجوداته و أحداثه،ممّا يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظيّة و التّمثيليّة و التّذكيريّة،لأنّ في هذا كثيرا من التّمحّل،كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيّته و أهدافه السّامية.(6:91)

الطّباطبائيّ: ذكروا أنّه استئناف يصف القرآن بكرائم صفاته،فصفته العامّة أنّه تبيان لكلّ شيء، و التّبيان و البيان واحد-كما قيل-و إذ كان كتاب هداية لعامّة النّاس-و ذلك شأنه-كان الظّاهر أنّ المراد بكلّ شيء كلّ ما يرجع إلى أمر الهداية،ممّا يحتاج إليه النّاس في:اهتدائهم من المعارف الحقيقيّة المتعلّقة بالمبدإ و المعاد، و الأخلاق الفاضلة،و الشّرائع الإلهيّة،و القصص،

ص: 413

و المواعظ،فهو تبيان لذلك كلّه.

و من صفته الخاصّة-أي المتعلّقة بالمسلمين الّذين يسلمون للحقّ-أنّه هدى يهتدون به إلى مستقيم الصّراط،و رحمة لهم من اللّه سبحانه يحوزون بالعمل بما فيه خير الدّنيا و الآخرة،و ينالون به ثواب اللّه و رضوانه، و بشرى لهم يبشّرهم بمغفرة من اللّه و رضوان،و جنّات لهم فيها نعيم مقيم.

هذا ما ذكروه و هو مبنيّ على ما هو ظاهر التّبيان من البيان المعهود من الكلام،و هو إظهار المقاصد من طريق الدّلالة اللّفظيّة.فإنّا لا نهتدي من دلالة لفظ القرآن الكريم إلاّ على كلّيّات ما تقدّم،لكن في الرّوايات ما يدلّ على أنّ القرآن فيه علم ما كان و ما يكون،و ما هو كائن إلى يوم القيامة.

و لو صحّت الرّوايات لكان من اللاّزم أن يكون المراد بالتّبيان الأعمّ،ممّا يكون من طريق الدّلالة اللّفظيّة،فلعلّ هناك إشارات من غير طريق الدّلالة اللّفظيّة تكشف عن أسرار و خبايا لا سبيل للفهم المتعارف إليها.

و الظّاهر-على ما يستفاد من سياق هذه الآيات المسوقة للاحتجاج على الأصول الثّلاثة:التّوحيد و النبوّة و المعاد،و الكلام فيها ينعطف مرّة أخرى عليها- أنّ قوله: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إلخ،ليس باستئناف، بل حال عن ضمير الخطاب في(جئنا بك)،بتقدير«قد» أو بدون تقديرها،على الخلاف بين النّحاة في الجملة الحاليّة المصدّرة بالفعل الماضي.

و المعنى:و جئنا بك شهيدا على هؤلاء،و الحال أنّا نزّلنا عليك من قبل في الدّنيا الكتاب،و هو بيان لكلّ شيء من أمر الهداية،يعلم به الحقّ من الباطل،فيتحمّل شهادة أعمالهم،فيشهد يوم القيامة على الظّالمين بما ظلموا،و على المسلمين بما أسلموا،لأنّ الكتاب كان هدى و رحمة و بشرى لهم،و كنت أنت بذلك هاديا و رحمة و مبشّرا لهم.

و على هذا فصدر الآية كالتّوطئة لذيلها،كأنّه قيل:

سيبعث شهداء يشهدون على النّاس بأعمالهم،و أنت منهم.و لذلك نزّلنا عليك كتابا يبيّن الحقّ و الباطل،و يميّز بينهما حتّى تشهد به يوم القيامة على الظّالمين بظلمهم، و قد تبيّن الكتاب،و على المسلمين بإسلامهم،و قد كان الكتاب هدى و رحمة و بشرى لهم،و كنت هاديا و رحمة و مبشّرا به.

و من لطيف ما يؤيّد هذا المعنى مقارنة(الكتاب) بالشّهادة في بعض آيات الشّهادة،كقوله: وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ الزّمر:69،و سيجيء إن شاء اللّه أنّ المراد به:اللّوح المحفوظ،كقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ الواقعة:77،78،و قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ البروج:21،22.

و شهادة«اللّوح المحفوظ»و إن كانت غير شهادة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لكنّهما جميعا متوقّفتان على قضاء الكتاب النّازل.(12:324)

خليل ياسين:كيف نزل القرآن تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ و كثير من الأحكام الشّرعيّة لم يتعرّض إليها، فإنّه قال: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ البقرة:43،

ص: 414

و لم يبيّن لنا ماهيّة الصّلاة،و أنّها:تكبير،و قراءة، و ركوع،و سجود،و ذكر،و تشهّد،و تسليم،إلخ.و قال سبحانه: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ المؤمن:78،و ما أكثر ما لم يذكر في القرآن؟

الجواب:المراد بالكتاب:القرآن،و قد ذكر كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في أمور دينه،و لكن منه ما ذكر مصرّحا به،و منه ما ذكر مجملا،و هو ما أتانا به الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و قد أمرنا باتّباعه بقوله سبحانه:

وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

الحشر:7.(1:326)

تبيّن

1- ...وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

البقرة:259

الطّبريّ: فلمّا اتّضح له عيانا،ما كان مستنكرا من قدرة اللّه و عظمته عنده قبل عيانه ذلك،قال:أعلم الآن بعد المعاينة و الاتّضاح به و البيان. أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (3:45)

الطّوسيّ: أي ظهر.(2:325)

مثله الطّبرسيّ.(1:370)

الزّمخشريّ: و فاعل(تبيّن)مضمر،تقديره:فلمّا تبيّن له أنّ اللّه على كلّ شيء قدير قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فحذف الأوّل لدلالة الثّاني عليه،كما في قولهم:ضربني و ضربت زيدا،و يجوز فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ ما أشكل عليه،يعني أمر إحياء الموتى.

و قرأ ابن عبّاس رضي اللّه عنهما (فلمّا تبيّن له) على البناء للمفعول.(1:391)

ابن عطيّة :[نقل كلام الطّبريّ و قال:]

و هذا خطأ،لأنّه ألزم ما لا يقتضيه اللّفظ،و فسّر على القول الشّاذّ و الاحتمال الضّعيف.(1:351)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى قال في حقّه: فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ، و هذا يدلّ على أنّه قبل ذلك لم يكن ذلك التّبيّن حاصلا له،و هذا ضعيف،لأنّ تبيّن الإحياء على سبيل المشاهدة،ما كان حاصلا له قبل ذلك،فأمّا أن تبيّن ذلك على سبيل الاستدلال ما كان حاصلا فهو ممنوع.

(7:31)

أبو حيّان :قرأ الجمهور(تبين)مبنيّا للفاعل.و قرأ ابن عبّاس (تبيّن له) مبنيّا للمفعول الّذي لم يسمّ فاعله.

و قرأ ابن السّميفع (بيّن له) بغير تاء مبنيّا لما لم يسمّ فاعله.

فعلى قراءة الجمهور الظّاهر أنّ(تبين)فعل لازم، و الفاعل مضمر يدلّ عليه المعنى،و قدّره الزّمخشريّ:

فلمّا تبيّن له ما أشكل عليه،يعني أمر إحياء الموتى، و ينبغي أن يحمل على أنّه تفسير معنى.و تفسير الإعراب أن يقدّر مضمرا،يعود على كيفيّة الإحياء الّتي استغربها بعد الموت.[ثم نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

فجعل ذلك من باب الإعمال،و هذا ليس من باب الإعمال،لأنّهم نصّوا على أنّ العاملين في هذا الباب لا بدّ أن يشتركا،و أدّى ذلك بحرف العطف،حتّى لا يكون الفصل معتبرا و يكون العامل الثّاني معمولا للأوّل، و ذلك نحو قولك:جاءني يضحك زيد،فجعل في «جاءني»ضميرا أو في«يضحك»حتّى لا يكون هذا

ص: 415

الفعل فاصلا.

و لا يرد على هذا جعلهم: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً الكهف:96،و لا: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ الحاقّة:19، و لا: تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ المنافقون:5، و لا: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ النّساء:

176،من الإعمال،لأنّ هذه العوامل مشتركة بوجه ما من وجوه الاشتراك،و لم يحصل الاشتراك في العطف و لا العمل،و لتقرير هذا بحث يذكر في النّحو.

فإذا كان على ما نصّوا،فليس العامل الثّاني مشتركا بينه و بين(تبيّن)الّذي هو العامل الأوّل،بحرف عطف و لا بغيره،و لا هو معمول ل(تبيّن)بل هو معمول ل(قال)،و(قال)جواب(لمّا)إن قلنا:إنّها حرف، و عامله في(لمّا)إن قلنا:إنّها ظرف؛و(تبيّن)على هذا القول في موضع خفض بالظّرف.

و لم يذكر النّحويّون في مثل هذا الباب:لو جاء قتلت زيدا،و لا لمّا جاء ضربت زيدا،و لا متى جاء قتلت زيدا، و لا إذا جاء ضربت خالدا،و لذلك حكى النّحويّون أنّ العرب لا تقول:أكرمت أهنت زيدا.

و قد ناقض الزّمخشريّ في قوله،فإنّه قال:و فاعل (تبيّن)مضمر ثمّ قدّره؛فلمّا تبيّن له أنّ اللّه على كلّ شيء قدير قال:(اعلم)إلى آخره.

قال:فحذف الأوّل لدلالة الثّاني عليه،كما في قولهم:ضربني و ضربت زيدا،و الحذف ينافي الإضمار للفاعل،و هذا عند البصريّين إضمار لا حذف،بل هو إضمار يفسّره ما بعده،و لا يجيز البصريّون في مثل هذا الباب حذف الفاعل أصلا.

فإن كان أراد بالإضمار الحذف فقد خرج إلى قول الكسائيّ:من أنّ الفاعل في هذا الباب لا يضمر،لأنّه يؤدّي إلى الإضمار قبل الذّكر،بل يحذف عنده الفاعل، و السّماع يرد عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا على قراءة ابن عبّاس فالجارّ و المجرور هو المفعول الّذي لم يسمّ فاعله.

و أمّا في قراءة ابن السّميفع فهو مضمر،أي بيّن له هو أي كيفيّة الإحياء.(2:295)

أبو السّعود :أي ما دلّ عليه الأمر بالنّظر إليه من كيفيّة الإحياء بمباديه،و(الفاء)للعطف على مقدّر يستدعيه الأمر المذكور و إنّما حذف للإيذان بظهور تحقّقه و استغنائه عن الذّكر،و للإشعار بسرعة وقوعه،كما في قوله عزّ و جلّ: فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ النّمل:40، بعد قوله: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، كأنّه قيل:فأنشزها اللّه تعالى و كساها لحما،فنظر إليها فتبيّن له كيفيّته، فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ ذلك،أي اتّضح اتّضاحا تامّا.(1:303)

نحوه الآلوسيّ.(3:93)

البروسويّ: أي ظهر له إحياء الميّت عيانا.

(1:414)

القاسميّ: أي اتّضح له إعادته مع طعامه و شرابه و حماره،بعد التّلف الكلّيّ،و ظهر له كيفيّة الإحياء.

(3:671)

الطّباطبائيّ: فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ رجوع منه بعد التّبيّن إلى علمه الّذي كان معه قبل التّبيّن،كأنّه عليه السّلام لمّا خطر بباله الخاطر

ص: 416

الّذي ذكره بقوله: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ، أقنع نفسه بما عنده من العلم بالقدرة المطلقة.

ثمّ لمّا بيّن اللّه له الأمر بيان إشهاد و عيان رجع إلى نفسه،و صدّق ما اعتمد عليه من العلم،و قال:لم تزل تنصح لي و لا تخونني في هدايتك و تقويمك،و ليس ما لا تزال نفسي تعتمد عليه من كون القدرة مطلقة جهلا، بل علم يليق بالاعتماد عليه.

و هذا أمر كثير النّظائر،فكثيرا ما يكون للإنسان علم بشيء ثمّ يخطر بباله و يهجس في نفسه خاطر ينافيه،لا للشّكّ و بطلان العلم،بل لأسباب و عوامل أخرى،فيقنع نفسه حتّى تنكشف الشّبهة،ثمّ يعود فيقول:أعلم أنّ كذا كذا و ليس كذا كذا،فيقرّر بذلك علمه و يطيّب نفسه.

و ليس معنى الكلام:أنّه لمّا تبيّن له الأمر حصل له العلم،و قد كان شاكّا قبل ذلك ف(قال اعلم)إلخ،كما مرّت الإشارة إليه،لأنّ الرّجل كان نبيّا مكلّما،و ساحة الأنبياء منزّه عن الجهل باللّه،و خاصّة في مثل صفة القدرة الّتي هي من صفات الذّات أوّلا،و لأنّ حقّ الكلام حينئذ أن يقال:علمت أو ما يؤدّي معناه ثانيا، و لأنّ حصول العلم بتعلّق القدرة بإحياء الموتى لا يوجب حصول العلم بتعلّقها بكلّ شيء،و قد قال:أعلم أنّ اللّه بكلّ شيء قدير.

نعم ربّما يحصل الحدس بذلك في بعض النّفوس،كمن يستعظم أمر الإحياء في القدرة،فإذا شاهدها له ما شاهده،و ذهلت نفسه عن سائر الأمور،فحكم بأنّ الّذي يحيي الموتى يقدر على كلّ ما يريد أو أريد منه، لكنّه اعتقاد حدسيّ معلول الرّوع و الاستعظام النّفسانيّين المذكورين،يزول بزوالهما و لا يوجد لمن لم يشاهد ذلك.

و على أيّ حال لا يستحقّ التّعويل و الاعتماد عليه، و حاشا أن يعدّ الكلام الإلهيّ مثل هذا الاعتقاد و القول نتيجة حسنة ممدوحة لبيان إلهيّ،كما هو ظاهر قوله تعالى بعد سرد القصّة: فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، على أنّه خطأ في القول لا يليق بساحة الأنبياء ثالثا.(2:365)

2- ...قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. البقرة:256

الطّوسيّ: معناه قد ظهر بكثرة الحجج،و الآيات الدّالّة لانضمام ما أتى الرّسول فيه،إلى ما فيه الفعل منه.

(2:311)

القشيريّ: و امتاز اللّيل بظلامه عن النّهار بضيائه، و الحقوق الأزليّة معلومة،و الحدود الأوّليّة معلولة،فهذا بنعت القدم و هذا بوصف العدم.(1:210)

الزّمخشريّ: قد تميّز الإيمان من الكفر بالدّلائل الواضحة.(1:387)

نحوه البيضاويّ.(1:134)

ابن عطيّة :معناه بنصب الأدلّة،و وجود الرّسول الدّاعي إلى اللّه،و الآيات المنيرة.(1:343)

الفخر الرّازيّ: أي تميّز الحقّ من الباطل،و الإيمان من الكفر،و الهدى من الضّلالة،بكثرة الحجج و الآيات الدّالّة.

قال القاضي: و معنى قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ أي أنّه قد

ص: 417

اتّضح و انجلى بالأدلّة،لا أنّ كلّ مكلّف تنبّه،لأنّ المعلوم خلاف ذلك.

و أقول:قد ذكرنا أنّ معنى(تبيّن)انفصل و امتاز، فكان المراد أنّه حصلت البينونة بين الرّشد و الغيّ بسبب قوّة الدّلائل و تأكيد البراهين،و على هذا كان اللّفظ مجرى على ظاهره.(7:16)

أبو حيّان :أي استبان الإيمان من الكفر،و هذا يبيّن أنّ الدّين هو معتقد الإسلام.(2:282)

أبو السّعود :استئناف تعليليّ صدّر و بكلمة التّحقيق لزيادة تقرير مضمونه،كما في قوله عزّ و جلّ:

قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً الكهف:76،أي إذ قد تبيّن بما ذكر من نعوته تعالى الّتي يمتنع توهّم اشتراك غيره في شيء منها،الإيمان:الّذي هو الرّشد الموصل إلى السّعادة الأبديّة،من الكفر:الّذي هو الغيّ المؤدّي إلى الشّقاوة السّرمديّة.(1:297)

نحوه الآلوسيّ.(3:13)

صدر المتألهين :و فيه رشحات:

الأولى:في اللّغة[و قد تقدّمت في النّصوص اللّغويّة]

الرّشحة الثّانية:في انتظامه بما سبق،لمّا ذكر الدّين و أنّه لا يحصل بالإكراه شرع في شرح ماهيّته،و قال:

قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ أي وضح و انكشف ممّا ذكر سابقا من شواهد المعرفة:أنّ الدّين الحقيقيّ الّذي هو سلوك سبيل اللّه و قطع المنازل و المراحل الّتي بين العبد و مولاه المسمّى بالرّشد و الهدى،من الضّلال الحقيقيّ الّذي هو سلوك سبيل الشّيطان و الهوى،و هو المسمّى بالغواية و الغيّ.

و وجه هذا التّبيّن و الانكشاف:أنّ طريق الحقّ ليس إلاّ واحدا،و طرق أهل الضّلال و إن كانت مختلفة متكثّرة لا يمكن إحصاؤها،لكن إذا عرف هذا الواحد، و انكشف لدى العارف البصير بالبصيرة الباطنة أنّه طريق الحقّ،يتبيّن و يتحقّق أنّ ما سواه طريق الضّلال.

فجميع طرق الضّلال يعرف بمجرّد معرفة طريق الحقّ؛إذ يصدق على كلّ منها أنّه غير الحقّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ يونس:32.

و لهذا ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ستفرق أمّتي على ثلاث و سبعين فرقة،و النّاجية منها واحدة».و هذا العدد المعيّن لما سوى الفرقة النّاجية إنّما هو بحسب الأجناس الكلّيّة،و إلاّ فهي بحسب الخصوصيّات فغير محصورة كما مرّ،و مع هذا من عرف طريق النّجاة يعلم أنّ غيره طريق الهلاك.

الرّشحة الثّالثة:في تحقيق معنى التّبيّن في هذا المقام:

اعلم أنّ معنى تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ تميّز الحقّ من الباطل،و الإيمان من الكفر،بحسب الواقع،و بما يلزم من الحجج و البيّنات الدّالّة،و البراهين الواضحة عند من نظر و تدبّر في تلك الأدلّة و البراهين،لا أنّ كلّ مكلّف تنبّه به، لأنّ ذلك خلاف ما هو المعلوم من حال أكثرهم.

لأنّهم إمّا جهّال محضة و إمّا مقلّدون،و المقلّد كالجاهل في عدم كونه عارفا بصيرا،و يمتاز عنه في كونه معتقدا،و درجة المعرفة فوق الاعتقاد،لأنّها ممّا يحصل معها الانشراح الباطنيّ،و المشاهدة المعنويّة دون اعتقاد المقلّد،إذ لا انشراح و لا اطمئنان معه للقلب،و إنّما الفائدة فيه مجرّد الاتّباع للقائد العارف في صورة الأعمال

ص: 418

الشّرعيّة،و الأوضاع الدّينيّة الموجبة لرياضة القوى البدنيّة،و تطويع النّفس الأمّارة لئلاّ تصول على النّفس المطمئنّة.

و بذلك يحصل للنّفس الإنسانيّ الامتياز عن سائر النّفوس الحيوانيّة الّتي لا معاد لها في الآخرة،و عن النّفوس الشّقيّة المتمرّدة عن طاعة الشّريعة الّتي لها العقوبة الأخرويّة؛و ذلك لأنّ الاقتداء بأهل الكمال- و لو في صورة الأعمال،مع خلوّ النّفس عن رذائل الأوصاف و قبائح الأعمال،و سذاجة القلب عمّا يضادّ، و نيل الرّحمة من المبدإ الفعّال مع صدق النّيّة و صفاء الطّويّة-يوجب أن ينال المقتدي نصيبا من السّعادة الأخرويّة و اللّذّات الآجليّة الّتي للعارفين،و أن يتنوّر ذاته بنور المتابعة لهم و الانخراط في سلكهم،و الاستسعاد بسعادتهم،على نهج التّبعيّة و العرض،لا على وجه الاستقلال.

إذ السّعادة الحقيقيّة منوطة بالمعرفة الحقيقيّة،بل هي عينها؛فحيث لا استقلال في المعرفة لا استقلال في السّعادة،و لكن بحسب«من تشبّه بقوم فهو منهم»،كان للمتشبّه بأهل الكمال بقدر تشبّهه بهم ضربا (1)من السّعادة في المآل.(4:198)

تبيّنت

...فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ. سبأ:14

أبو عبيدة :مجازه مجاز المختصر الّذي فيه ضمير، لأنّ(تبيّنت)في موضع«أبانت الجنّ للنّاس»أن لو كانوا يعلمون الغيب لما كانوا في العذاب،و قد مات سليمان عليه السّلام.(2:146)

ابن قتيبة :كان النّاس يرون الشّياطين تعلم كثيرا من الغيب و السّرّ،فلمّا خرّ سليمان تبيّنت الجنّ،أي ظهر أمرها.

و قد يجوز أن يكون تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أي علمت و ظهر لها العجز،و كانت تسترق السّمع،و تلبّس بذلك على النّاس أنّها تعلم الغيب،فلمّا خرّ سليمان زال الشّكّ في أمرها،كأنّها أقرّت بالعجز.

و في مصحف عبد اللّه:(تبيّنت الانس انّ الجنّ...).

(355)

القيسيّ: (ان)في موضع رفع بدل من(الجنّ)، و التّقدير:تبيّن الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون.

و قيل:هي في موضع نصب على حذف اللاّم:

ل(ان).(2:206)

البغويّ: أي علمت و أيقنت.(3:675)

نحوه الخازن.(5:235)

الزّمخشريّ: من تبيّن الشّيء،إذا ظهر و تجلّى.

و(ان)مع صلتها بدل من(الجنّ)بدل الاشتمال،كقولك:

تبيّن زيد جهله،و الظّهور له في المعنى،أي ظهر أنّ الجنّ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ، أو علم الجنّ كلّهم علما بيّنا بعد التباس الأمر على عامّتهم و ضعفتهم و توهّمهم:أنّ كبارهم يصدقون في ادّعائهم علم الغيب،أو علم المدّعون علم الغيب منهم عجزهم، و أنّهم لا يعلمون الغيب و إن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم.

ص: 419


1- كذا،و الصّحيح:ضرب.

و إنّما أريد التّهكّم بهم كما تهكّم بمدّعي الباطل،إذا دحضت حجّته و ظهر إبطاله بقولك:هل تبيّنت أنّك مبطل؟و أنت تعلم أنّه لم يزل كذلك متبيّنا.

و قرئ (تبيّنت الجنّ) على البناء للمفعول،على أنّ المتبيّن في المعنى هو(ان)مع ما في صلتها،لأنّه بدل.و في قراءة أبيّ (تبيّنت الانس) ،و عن الضّحّاك: (تباينت الانس) بمعنى تعارفت و تعالمت.

و الضّمير في(كانوا)ل(الجنّ)في قوله: وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ سبأ:12،أي علمت الإنس أن لو كان الجنّ يصدقون فيما يوهّمونهم من علمهم الغيب ما لبثوا.

و في قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه: (تبيّنت الانس انّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب) .(3:283)

ابن عطيّة :و قرأ الجمهور (تبيّنت الجنّ) بإسناد الفعل إليها،أي بان أمرها،كأنّه قال:افتضحت الجنّ أي للإنس،هذا تأويل.و يحتمل أن يكون قوله: (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) بمعنى علمت الجنّ و تحقّقت.(4:412)

الطّبرسيّ: و قرأ يعقوب (تبيّنت الجنّ) بضمّ التّاء و الباء و كسر الياء،و الباقون (تبيّنت) بفتح الجميع، و في الشّواذّ قراءة ابن عبّاس و الضّحّاك (تبيّنت الانس) ، و هو قراءة عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام،و أبي عبد اللّه عليه السّلام،أي ظهرت الجنّ فانكشف للنّاس.(ان لو كانوا...).(4:384)

أبو حيّان :[نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و يجيء«تبيّن»بمعنى«بان و ظهر»لازما،و بمعنى «علم»متعدّيا،موجود في كلام العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن عطيّة:ذهب سيبويه إلى أنّ(ان)لا موضع لها من الإعراب،إنّما هي موزونة نحو أنّ ما ينزل منزلة القسم من الفعل الّذي معناه التّحقيق و اليقين،لأنّ هذه الأفعال الّتي هي:تحقّقت و تيقّنت و علمت و نحوها،تحلّ محلّ القسم،(ما لبثوا)جواب القسم لا جواب(لو)، و على الأقوال الأول جواب(لو).

و في كتاب النّحّاس:إشارة إلى أنّه يقرأ (تبيّنت الجنّ) بنصب(الجنّ)أي تبيّنت الإنس الجنّ.و المعنى أنّ الجنّ لو كانت تعلم الغيب ما خفي عليها موته،أي موت سليمان،و قد ظهر أنّه خفي عليها بدوامها في الخدمة و الضّعة و هو ميّت.[ثمّ نقل القراءات نحو ما تقدّم عن الطّبرسيّ](7:267)

الشّربينيّ: أي علمت علما بيّنا لا يقدرون معه على تدبيج و تلبيس،و انفضح أمرهم و ظهر ظهورا تامّا.

(3:288)

أبو السّعود :من تبيّنت الشّيء،إذا علمته بعد التباسه عليك،أي علمت الجنّ علما بيّنا بعد التباس الأمر عليهم.(5:252)

نحوه البروسويّ.(7:278)

الآلوسيّ: [ذكر نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و جوّز أن يكون«تبيّن»بمعنى بان و ظهر،فهو غير متعدّ لمفعول كما في الوجه الأوّل،فإنّ مفعوله فيه (أَنْ لَوْ كانُوا) إلخ،و هو في هذا الوجه بدل من(الجنّ)بدل اشتمال،نحو تبيّن زيد جهله،و الظّهور في الحقيقة مسند

ص: 420

إليه،أي فلمّا خرّ بان للنّاس،و ظهر أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب.

و لا حاجة على ما قرّر إلى اعتبار مضاف مقدّر هو فاعل في الحقيقة،إلاّ أنّه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه و أسند إليه الفعل،ثمّ جعل (أَنْ لَوْ كانُوا) إلخ بدلا منه بدل كلّ من كلّ،و الأصل:تبيّن أمر الجنّ أن لو كانوا إلخ.

و جعل بعضهم في قوله تعالى: أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ إلخ قياسا طويت كبراه،فكأنّه قيل:لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين،لكنّهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب.

و مجيء«تبيّن»بمعنى بان و ظهر لازما،و بمعنى أدرك و علم متعدّيا موجود في كلام العرب.[ثمّ استشهد بشعر،و بعد نقل كلام أبي حيّان عن ابن عطيّة قال:]

فتأمّله فإنّي لا أكاد أتعقّله وجها يلتفت إليه.

و في«أمالي»العزّ بن عبد السّلام:أنّ(الجنّ)ليس فاعل(تبيّنت)بل هو مبتدأ،و أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ خبره،و الجملة مفسّرة لضمير الشّأن في(تبيّنت)؛إذ لو لا ذلك لكان معنى الكلام:لمّا مات سليمان و خرّ،ظهر لهم أنّهم لا يعلمون الغيب،و علمهم بعدم علمهم الغيب لا يتوقّف على هذا،بل المعنى تبيّنت القصّة ما هي، و القصّة قوله تعالى: اَلْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ انتهى.

و العجب من صدور مثله عن مثله،و ما جعله مانعا عن فاعليّة(الجنّ)مدفوع بما سمعت في تفسير الآية،كما لا يخفى.(22:122)

مكارم الشّيرازيّ: جملة(تبيّنت)من مادّة(بين) عادة بمعنى اتّضح،فعل لازم.و أحيانا يأتي أيضا بمعنى العلم و الاطّلاع،فعل متعدّ.و هنا يتناسب المعنى مع الحالة الثّانية،بمعنى أنّ الجنّ لم يعلموا بموت سليمان إلى ذلك الوقت،ثمّ علموا و فهموا أنّهم لو كانوا يعلمون الغيب،لما بقوا حتّى ذلك الحين في تعب و آلام الأعمال الشّاقّة الّتي كلّفوا بها.

جمع من المفسّرين أخذ المعنى بالحالة الأولى،و قال:

إنّ مقصود الآية هو أنّه بعد أن هوى جثمان سليمان عليه السّلام إلى الأرض اتّضحت حقيقة الجنّ للنّاس،و أنّهم لا يعلمون شيئا من الغيب،و عبثا كان اعتقاد البعض باطّلاع الجنّ على الغيب.(13:375)

يتبيّن

...وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ... البقرة:187

الطّوسيّ: أي يظهر،و التّبيّن:تميّز الشّيء يظهر للنّفس على التّحقيق.(2:134)

الطّبرسيّ: أي ليظهر و يتميّز لكم على التّحقيق اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ. (1:281)

القرطبيّ: (حتّى)غاية للتّبيين،و لا يصحّ أن يقع التّبيين لأحد و يحرم عليه الأكل إلاّ و قد مضى لطلوع الفجر قدر.

و اختلف في الحدّ الّذي بتبيّنه يجب الإمساك،فقال الجمهور:ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنة و يسرة، و بهذا جاءت الأخبار و مضت عليه الأمصار.(2:318)

ص: 421

راجع«خ ي ط»(الخيط).

تبيّنوا

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. النّساء:94

الفرّاء: (فتثبّتوا) قراءة عبد اللّه بن مسعود و أصحابه،و كذلك الّتي في الحجرات:6.و يقرءان (فتثبّتوا)،و هما متقاربتان في المعنى،تقول للرّجل، لا تعجل بإقامة حتّى تتبيّن و تتثبّت.(1:283)

الطّبريّ: فتأنّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه و لا كفره،و لا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره،و لا تتقدّموا على قتل أحد إلاّ على قتل من علمتموه يقينا،حربا لكم و للّه و لرسوله.

(5:221)

نحوه رشيد رضا(5:349)،و محمّد جواد مغنيّة(2:

411).

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصما (فتثبّتوا) بالثّاء،من«الثّبوت»في الموضعين هاهنا و في الحجرات، الباقون(فتبيّنوا)من«التّبيّن».

فمن قرأ بالثّاء من الثّبوت،فإنّما أراد التّثبّت الّذي هو خلاف العجلة.و من قرأ بالياء و النّون،أراد من التّبيين الّذي هو النّظر،و الكشف عنه حتّى يصحّ،و المعنيان متقاربان،لأنّ المثبت متبيّن،و المتبيّن مثبت.(3:297)

نحوه البغويّ.(1:229)

الميبديّ: [قال نحو الطّوسيّ و أضاف:]

إن قيل:هذا التّبيّن و التّثبّت في هذه الآية واجب في السّفر و الحضر،و لا فرق بينهما،فأيّ معنى لاختصاصه بالسّفر؟

الجواب:حدثت هذه الواقعة في السّفر،و لذا خصّت بالسّفر.و السّفر يدلّ على الحضر،كما أنّ ربّ العزّة خصّ الرّهن في السّفر،و قال: وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ البقرة:283،ثمّ نبّه السّفر على الحضر ليساوي حكم الرّهن في السّفر و الحضر،و كذلك هاهنا.(2:644)

نحوه القرطبيّ.(5:337)

الزّمخشريّ: و قرئ (فتثبّتوا) و هما من«التّفعّل» بمعنى الاستفعال،أي اطلبوا بيان الأمر و ثباته، و لا تتهوّكوا فيه من غير رويّة.[إلى أن قال:]

و قوله:(فتبيّنوا)تكرير للأمر بالتّبيّن،ليؤكّد عليهم.(1:554)

ابن عطيّة :[نقل القراءتين و أضاف:]

قال أبو عبيدة: هما متقاربان.و الصّحيح ما قال أبو عبيد،لأنّ تبيّن الرّجل لا يقتضي أنّ الشّيء بان له، بل يقتضي محاولة اليقين،كما أنّ«تثبّت» (1)تقتضي محاولة اليقين،فهما سواء.(2:96)

الطّبرسيّ: [ذكر القراءات كما نقل عن الطّوسيّ ثمّ أضاف:]

قال أبو عليّ: من قرأ (فتثبّتوا) فحجّته أنّ التّثبّت

ص: 422


1- في الأصل:«ثبت»و هو سهو.

خلاف الإقدام،و المراد به الثّاني و هو أشدّ اختصاصا بهذا الموضع،و يبيّن ذلك قوله: (وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً) النّساء:66، أي أشدّ وقفا لهم عمّا وعظوا بأن لا يقدموا عليه.

و من قرأ (فَتَبَيَّنُوا) فحجّته أنّ التبيّن قد يكون أشدّ من التّثبّت،و قد جاء«التبيّن من اللّه و العجلة من الشّيطان»فمقابلة التّبيّن بالعجلة دلالة على تقارب التّثبّت و التّبيّن.(2:94)

أي ميّزوا بين الكافر و المؤمن؛و بالثّاء و التّاء:توقّفوا و تأنّوا حتّى تعلموا من يستحقّ القتل،و المعنيان متقاربان،و المراد بهما لا تعجلوا في القتل لمن أظهر السّلام ظنّا منكم بأنّه لا حقيقة لذلك.[إلى أن قال:]

أعاد هذا اللّفظ للتّأكيد بعد ما طال الكلام.و قيل:

الأوّل:معناه تبيّنوا حاله.و الثّاني:معناه تبيّنوا هذه الفوائد بضمائر،و اعرفوها و ابتغوها.(2:95)

نحوه الفخر الرّازيّ.(11:2)

أبو السّعود : (فَتَبَيَّنُوا) بالفاء،أي فاطلبوا بيان الأمر في كلّ ما تأتون و ما تذرون،و لا تعجلوا فيه بغير تدبّر و رويّة.و قرئ (فتثبّتوا) أي اطلبوا إثباته.[إلى أن قال:]

و الفاء في قوله تعالى: (فَتَبَيَّنُوا) فصيحة،أي إذا كان الأمر كذلك فاطلبوا بيان هذا الأمر البيّن،و قيسوا حاله بحالكم،و افعلوا به ما فعل بكم في أوائل أموركم من قبول ظاهر الحال،من غير وقوف على تواطؤ الظّاهر و الباطن.

(2:181)

البروسويّ: (فتبيّنوا)عن حال المريدين،و تثبّتوا في الرّدّ و القبول...

(فتبيّنوا)أن تردّوا صادقا اهتماما لرزقه،أو تقبلوا كاذبا حرصا على تكثير المريدين.(2:265)

الآلوسيّ: أي فاطلبوا بيان الأمر في كلّ ما تأتون و تذرون،و لا تعملوا فيه من غير تدبّر و رويّة.

و قرأ حمزة و عليّ و خلف (فتثبّتوا) أي فاطلبوا ثبات الأمر و لا تعجلوا فيه.و المعنيان متقاربان،و صيغة «التّفعيل» (1)بمعنى الاستقبال،و دخلت الفاء لما في(اذا) من معنى الشّرط،كأنّه قيل:إن غزوتم (فتبيّنوا) .[إلى أن قال:]

(فتبيّنوا)هذا الأمر و لا تعجلوا و تدبّروا،ليظهر لكم أنّ ظاهر الحال كاف في الإيمان العاصم؛حيث كفى فيكم من قبل.

و أخّر هذا التّعليل-على ما قيل-لما فيه من نوع تفصيل،ربّما يخلّ تقديمه بتجاوب أطراف النّظم الكريم، مع ما فيه من مراعاة المقارنة بين التّعليل السّابق و بين ما علّل به.

أو لأنّ في تقديم الأوّل إشارة ما إلى ميل القوم نحو ذلك العرض،و أنّ سرورهم به أقوى،ففي تقديمه تعجيل لمسرّتهم،و فيه نوع حطّ عليهم-رفع اللّه تعالى قدرهم و رضي المولى عزّ شأنه عنهم-أو لأنّه أوضح في التّعليل من التّعليل الأخير و أسبق للذّهن منه.

و لعلّه لم يعطف أحد التّعليلين على الآخر،لئلاّ يتوهّم أنّهما تعليلا شيء واحد،أو أنّ مجموعهما علّة.

و قيل:موافقة لما علّل بهما من القيد و المقيّد حيث لم يتمايزا بالعطف.ل.

ص: 423


1- كذا،و الظّاهر التّفعّل.

و قيل:إنّما لم يعطف لأنّ الأوّل تعليل للنّهي الثّاني بالوعد بأمر أخرويّ،لأنّ المعنى لا تبتغوا عرض الحياة الدّنيا،لأنّ عنده سبحانه ثوابا كثيرا في الآخرة،أعدّه لمن لم يبتغ ذلك.و عبّر عن الثّواب ب«المغانم»مناسبة للمقام،و التّعليل الثّاني للنّهي الأوّل،ليس كذلك.

و ذكر الزّمخشريّ و غيره في الآية ما ردّه شيخ الإسلام بما يلوح عليه مخايل التّحقيق،و قال بعض النّاس فيها:إنّ المعنى كما كان هذا الّذي قتلتموه مستخفيا بدينه في قومه،خوفا على نفسه منهم،كنتم أنتم مستخفين بدينكم حذرا من قومكم على أنفسكم، فمنّ اللّه تعالى عليكم بإظهار دينه،و إعزاز أهله،حتّى أظهرتم الإسلام بعد ما كنتم تكتمونه من أهل الشّرك، (فتبيّنوا)نعمة اللّه تعالى عليكم،أو تبيّنوا أمر من تقتلونه.

و لا يخفى أنّ هذا-و إن كان بعضه مرويّا عن ابن جبير-غير واف بالمقصود،على أنّ القول:بأنّ المخاطبين كانوا مستخفين بدينهم حذرا من قومهم،في حيّز المنع.

اللّهم إلاّ أن يقال:إنّ كون البعض كان مستخفيا كاف في الخطاب.

و قيل:إنّ قوله سبحانه: فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ منقطع عمّا قبله؛و ذلك أنّه تعالى لمّا نهى القوم عن قتل من ذكر، أخبرهم بعد بأنّه منّ عليهم بأن قبل توبتهم عن ذلك الفعل المنكر،ثمّ أعاد الأمر بالتّبيين مبالغة في التّحذير، أو أمر بتبيين نعمته سبحانه،شكرا لما منّ عليهم به،و هو كما ترى.(5:119)

عزّة دروزة :وجه الخطاب في الآية للمسلمين.

و قد تضمّنت:

1-أمرا لهم بالتّثبّت من حقائق النّاس الّذين يلقونهم،إذا ما خرجوا للجهاد في سبيل اللّه،فلا يقاتلون و لا يقتلون إلاّ العدوّ الكافر،و لا يقولون لمن ألقى إليهم السّلام أو أعلن المسالمة أو الإسلام:لست مؤمنا،اجتهادا منهم بأنّه غير صادق فيما ألقاه،و طمعا في المغانم الّتي ينالونها منه.

2-و تنبيها تأديبيّا و تذكيريّا لهم:فعند اللّه مغانم كثيرة دنيويّة و أخرويّة للمخلصين،فلا ينبغي أن يكون عرض الحياة الدّنيا باعثا فيهم الطّمع،و مذهلا لهم عن الحقّ،و صارفا إيّاهم عن التّثبّت.و عليهم أن يذكروا أنّهم كانوا غير مسلمين،فمنّ اللّه عليهم بفضله و هداهم، و أنّ من الممكن أن يمنّ على غيرهم و يهديهم أيضا.

3-و توكيدا ثانيا بوجوب التّثبّت،و تنبيها فيه معنى الإنذار بأنّ اللّه خبير بما يعملون،و بنواياهم الّتي يضمرونها وراء أعمالهم.(9:144)

الطّباطبائيّ: التّبيّن هو التّمييز،و المراد به التّمييز بين المؤمن و الكافر،بقرينة قوله: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. [إلى أن قال:]

أي على هذا الوصف،هو ابتغاء عرض الحياة الدّنيا كنتم من قبل أن تؤمنوا،فمنّ اللّه عليكم بالإيمان الصّارف لكم عن ابتغاء عرض الحياة الدّنيا،إلى ما عند اللّه من المغانم الكثيرة،فإذا كان كذلك فيجب عليكم أن تتبيّنوا.

و في تكرار الأمر بالتّبيّن تأكيد في الحكم.(5:41)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا

ص: 424

أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ.

الحجرات:6

الفرّاء: [فَتَبَيَّنُوا] قراءة أصحاب عبد اللّه، و رأيتها في مصحف عبد اللّه منقوطة بالثّاء،و قراءة النّاس: (فَتَبَيَّنُوا) .و معناهما متقارب،لأنّ قوله:

(فَتَبَيَّنُوا): أمهلوا حتّى تعرفوا،و هذا معنى(تثبّتوا).

و إنّما كان ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعث عاملا على بني المصطلق ليأخذ صدقاتهم،فلمّا توجّه إليهم تلقّوه ليعظّموه،فظنّ أنّهم يريدون قتاله،فرجع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال:إنّهم قاتلوني،و منعوني أداء ما عليهم.

فبينما هم كذلك-و قد غضب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم-قدم عليه وفد بني المصطلق،فقالوا:أردنا تعظيم رسول رسول اللّه، و أداء الحقّ إليه،فاتّهمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يصدّقهم، فأنزل اللّه: (يا أيّها الّذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبإ فتثبّتوا) إلى آخر الآية،و الآية الّتي بعدها.(3:71)

الطّبريّ: [نقل القراءتين و أضاف:]

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان معروفتان،متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

(26:123)

نحوه الفاضل المقداد.(2:384)

الطّوسيّ: و من قرأ (تبيّنوا) أراد تعرفوا صحّة متضمّن الخبر الّذي يحتاج إلى العمل عليه،و لا تقدموا عليه من غير دليل،يقال:تبيّن الأمر،إذا ظهر،و تبيّن هو نفسه،بمعنى واحد.و يقال أيضا:تبيّنته،إذا عرفته.

و من قرأ (فتثبّتوا) بالتّاء و الثّاء:أراد توقّفوا فيه حتّى يتبيّن لكم صحّته.(9:344)

نحوه الزّمخشريّ(3:560)،و الطّبرسيّ(5:

132)،و البروسويّ(9:70).

الميبديّ: أي قفوا حتّى يتبيّن لكم ما جاء به أصدق هو أم كذب.(9:250)

الفخر الرّازيّ: أي فتثبّتوا و اكشفوا.(28:122)

البيضاويّ: فتعرّفوا و تفحّصوا.[إلى أن قال:]

و تعليق الأمر بالتّبيّن على فسق المخبر،يقتضي جواز قبول خبر العدل؛من حيث إنّ المعلّق على شيء بكلمة(ان)عدم عند عدمه،و أنّ خبر الواحد لو وجب تبيّنه من حيث هو كذلك لما رتّبه على الفسق،إذ التّرتيب يفيد التّعليل،و ما بالذّات لا يعلّل بالغير.

و قرأ حمزة و الكسائي (فتثبّتوا) ،أي فتوقّفوا إلى أن يتبيّن لكم الحال.(2:408)

نحوه أبو السّعود(6:114)،و الطّنطاويّ(22:141).

الآلوسيّ: و التّبيّن:طلب البيان و التّعرّف،و قريب منه التّثبّت،كما في قراءة ابن مسعود و حمزة و الكسائيّ (فتثبّتوا) ،و هو طلب الثّبات و التّأنّي حتّى يتّضح الحال.

[إلى أن قال:]

و قوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا تنبيه على أنّه إذا كان الخبر شيئا عظيما و ما له قدر،فحقّه أن يتوقّف فيه و إن علم أو غلب صحّته على الظّنّ،حتّى يعاد النّظر فيه و يتبيّن فضل تبيّن.(26:145)

الطّباطبائيّ: و معنى الآية:يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بخبر ذي شأن،فتبيّنوا خبره بالبحث و الفحص للوقوف على حقيقته،حذر أن تصيبوا قوما بجهالة،فتصيروا نادمين،على ما فعلتم بهم.

ص: 425

و قد أمضى اللّه سبحانه في هذه الآية أصل العمل بالخبر،و هو من الأصول العقلائيّة الّتي يبتني عليه أساس الحياة الاجتماعيّة الإنسانيّة،و أمر بالتّبيّن في خبر الفاسق،و هو في معنى النّهي عن العمل بخبره،و حقيقته الكشف عن عدم اعتبار حجّيّته.و هذا أيضا كالإمضاء لما بنى عليه العقلاء من عدم حجّيّة الخبر الّذي لا يوثق بمن يخبر به،و عدم ترتيب الأثر على خبره.

بيان ذلك:أنّ حياة الإنسان حياة علميّة،يبني فيها سلوكه طريق الحياة على ما يشاهده،من الخير و الشّرّ و النّافع و الضّارّ،و الرّأي الّذي يأخذ به فيه.و لا يتيسّر له ذلك إلاّ فيما هو بمرأى منه و مشهد،و ما غاب عنه ممّا تتعلّق به حياته و معاشه أكثر ممّا يحضره و أكثر،فاضطرّ إلى تتميم ما عنده من العلم بما هو عند غيره من العلم الحاصل بالمشاهدة و النّظر،و لا طريق إليه إلاّ السّمع، و هو الخبر.

فالرّكون إلى الخبر بمعنى ترتيب الأثر عليه عملا، و معاملة مضمونه معاملة العلم الحاصل للإنسان من طريق المشاهدة و النّظر في الجملة،ممّا يتوقّف عليه حياة الإنسان الاجتماعيّة توقّفا ابتدائيّا،و عليه بناء العقلاء و مدار العمل.

فالخبر إن كان متواترا أو محفوفا بقرائن قطعيّة توجب قطعيّة مضمونه،كان حجّة معتبرة من غير توقّف فيها.فإن لم يكن متواترا و لا محفوفا بما يفيد قطعيّة مضمونه-و هو المسمّى بخبر الواحد اصطلاحا-كان المعتبر منه عندهم ما هو الموثوق به بحسب نوعه،و إن لم يفده بحسب شخصه.و كلّ ذلك لأنّهم لا يعملون إلاّ بما يرونه علما و هو العلم الحقيقيّ،أو الوثوق و الظّنّ الاطمئنانيّ المعدود علما عادة.

إذا تمهّد هذا،فقوله تعالى في تعليل الأمر بالتّبيّن في خبر الفاسق: أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ إلخ،يفيد أنّ المأمور به هو رفع الجهالة،و حصول العلم بمضمون الخبر عند ما يراد العلم به و ترتيب الأثر عليه.ففي الآية إثبات ما أثبته العقلاء،و نفي ما نفوه في هذا الباب،و هو إمضاء لا تأسيس.(18:311)

الصّابونيّ: التّبيّن:طلب البيان و التّعرّف،و قريب منه التّثبّت،و المراد به هنا:التّحقّق و التّثبّت من الخبر، حتّى يكون الإنسان على بصيرة من أمره.(2:472)

لتستبين

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ.

الأنعام:55

الفرّاء: ترفع«السّبيل»بقوله:(و ليستبين)،لأنّ الفعل له.و من أنّث«السّبيل»،قال: وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ، و قد يجعل الفعل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فتنصب «السّبيل»؛يراد به:و لتستبين يا محمّد سبيل المجرمين.

(1:337)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله:

وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ، فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة (وَ لِتَسْتَبِينَ) بالتّاء، (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) بنصب«السّبيل»،على أنّ(تستبين)خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، كأنّ معناه عندهم:و لتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين.

و كان ابن زيد يتأوّل ذلك:و لتستبين أنت يا محمّد سبيل

ص: 426

المجرمين،الّذين سألوك طرد النّفر الّذين سألوه طردهم عنه من أصحابه.

و قرأ ذلك بعض المكّيّين و بعض البصريّين (و لتستبين) بالتّاء (سبيل المجرمين) برفع«السّبيل»؛ على أنّ القصد للسّبيل،و لكنّه يؤنّثها،و كأنّ معنى الكلام عندهم:و كذلك نفصّل الآيات،و ليتّضح لك و للمؤمنين طريق المجرمين.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة (و ليستبين) بالياء (سبيل المجرمين) برفع«السّبيل»؛على أنّ الفعل للسّبيل و لكنّهم يذكّرونه.

و معنى هؤلاء في هذا الكلام،و معنى من قرأ ذلك بالتّاء-في (و لتستبين) و رفع«السّبيل»-واحد،و إنّما الاختلاف بينهم في تذكير«السّبيل»و تأنيثها.

و أولى القراءتين بالصّواب عندي في«السّبيل»:

الرّفع،لأنّ اللّه تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه و تنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها،لا بعض دون بعض.و من قرأ «السّبيل» بالنّصب،فإنّما جعل تبيين ذلك محصورا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و أمّا القراءة في قوله: (و لتستبين) فسواء قرئت بالتّاء أو بالياء،لأنّ من العرب من يذكّر«السّبيل»و هي تميم و أهل نجد،و منهم من يؤنّث«السّبيل»و هم أهل الحجاز.و هما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، و لغتان مشهورتان من لغات العرب،و ليس في قراءة ذلك بإحداهما خلاف لقراءته بالأخرى،و لا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى،بعد أن يرفع«السّبيل» للعلّة الّتي ذكرنا.(7:209)

الزّجّاج: [أشار إلى القراءات و قال:]

فإن قال قائل:أ فلم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مستبينا سبيل المجرمين؟

فالجواب في هذا أنّ جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فكأنّه قال:و لتستبينوا المجرمين، أي لتزدادوا استبانة لها،و لم يحتج أن يقول:و لتستبين سبيل المؤمنين،مع ذكر سبيل المجرمين لأنّ سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.

و جائز أن يكون المعنى:و لتستبين سبيل المجرمين و لتستبين سبيل المؤمنين،إلاّ أنّ الذّكر و الخطاب هاهنا في ذكر المجرمين فذكروا،و ترك ذكر«سبيل المؤمنين»، لأنّ في الكلام دليلا عليها،كما قال عزّ و جلّ: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81،و لم يقل:تقيكم البرد،لأنّ السّاتر يستر من الحرّ و البرد،و لكن جرى ذكر الحرّ لأنّهم كانوا في مكانهم أكثر معاناة له من البرد.

(2:254)

نحوه أبو زرعة(253)،و أبو حيّان(4:141).

الطّوسيّ: [ذكر القراءات و قال:]

و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن كان مستبينا لطريق المجرمين عالما به،فيجوز أن يكون ذلك على وجه التّأكيد،و لأنّ يستديم ذلك.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج و أضاف:]

و كذلك(سبيل المجرمين)خصّ بالذّكر،لأنّ الكلام في وصفهم،و ترك ذكر المؤمنين لدلالة الكلام عليه.(7:161)

نحوه الفخر الرّازيّ(3:6)،و العكبريّ(1:50).

الزّمخشريّ: [أشار إلى القراءات و قال:]

ص: 427

و المعنى:و مثل ذلك التّفصيل البيّن نفصّل آيات القرآن،و نلخّصها في صفة أحوال المجرمين،من هو مطبوع على قلبه لا يرجى إسلامه،و من يرى فيه أمارة القبول،و هو الّذي يخاف إذا سمع ذكر القيامة،و من دخل في الإسلام إلاّ أنّه لا يحفظ حدوده،و لتستوضح سبيلهم فتعامل كلاّ منهم بما يجب أن يعامل به فصّلنا ذلك التّفصيل.(2:23)

نحوه أبو السّعود(2:391)،و الآلوسيّ(7:165).

الطّبرسيّ: [ذكر القراءات و أضاف:]

وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ بالرّفع،أي ليظهر طريق من عاند بعد البيان،إذا ذهب عن فهم ذلك بالإعراض عنه،لمن أراد التّفهّم لذلك من المؤمنين، ليجانبوها و يسلكوا غيرها.

و بالنّصب،ليعرف السّامع أو السّائل،أو لتعرف أنت يا محمّد سبيلهم.و سبيلهم:يريد به ما هم عليه من الكفر و العناد،و الإقدام على المعاصي و الجرائم المؤدّية إلى النّار.

و قيل:إنّ المراد بسبيلهم:ما عاجلهم اللّه به من الإذلال و اللّعن و البراءة منهم،و الأمر بالقتل و السّبي و نحو ذلك.

و«الواو»في(و لتستبين)للعطف على مضمر محذوف،و التّقدير:و لتستبين سبيل المجرمين و المؤمنين، و جاز الحذف لأنّ فيما أبقى دليلا على ما ألقى.

(2:308)

أبو البركات:[ذكر وجه العطف بالواو كما تقدّم عن الطّبرسيّ](1:323)

رشيد رضا :[ذكر القراءات و أضاف:]

و أمّا فائدة الجمع بين الغيبة و الخطاب فيها،فهي إنّ تفصيل الآيات هو في نفسه موضح لسبيل المجرمين و أنّه ينبغي للمخاطب بذلك أوّلا بالذّات،ثمّ لغيره أن يستبينه منها بتأمّلها و فهمها و الاعتبار بها،فكم من آية بيّنة في نفسها يغفل النّاس عنها وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ يوسف:

105.

و العطف في قوله تعالى:(و لتستبين)قيل:إنّه عطف على علّة محذوفة،لقوله:(نفصّل)،لم يقصد تعليله بها بخصوصها،و إنّما قصد الإشعار بأنّ له فوائد جمّة،من جملتها ما ذكر،أي و كذلك نفصّل الآيات لما في تفصيلها من الأحكام و الحكم،و بيان الحجج و المواعظ و العبر، و لأجل أن تستبين سبيل المجرمين،فيكون من عطف الخاصّ على العامّ.

و قيل:إنّه علّة لفعل مقدّر هو عين المذكور،أي و لأجل أن تستبين سبيل المجرمين نفصّل الآيات؛و ذلك أنّه بيّن سبيل المؤمنين فعلم منه أنّ ما خالفه هو سبيل المجرمين لأنّ الشّيء يعرف بضدّه،بل بيّن قبله سبيل المجرمين من الكفّار أيضا.(7:451)

المستبين

وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. الصّافّات:117

الطّبريّ: و يعني ب(المستبين):المتبيّن هدى ما فيه،و تفصيله و أحكامه.(23:91)

الطّوسيّ: يعني التّوراة الدّاعي إلى ما فيه من البيان بالمحاسن الّتي تظهر منه في الاستماع،فكلّ كتاب للّه بهذه

ص: 428

الصّفة من ظهور الحكمة فيه.(8:522)

نحوه الطّبرسيّ.(4:456)

البغويّ: أي المستنير،و هو التّوراة.(4:39)

نحوه الخازن.(6:25)

الميبديّ: أي المستنير و هو التّوراة،قيل:هذه «السّين»كهي في قوله:(يستسخرون)الصّافّات:14، بان و أبان و استبان واحد.(8:294)

الزّمخشريّ: البليغ في بيانه،و هو التّوراة،كما قال:

إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ المائدة:44.

(3:352)

نحوه أبو السّعود.(5:337)

الفخر الرّازيّ: و المراد منه التّوراة،و هو الكتاب المشتمل على جميع العلوم الّتي يحتاج إليها في مصالح الدّين و الدّنيا،كما قال: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ الآية.

(26:160)

نحوه الشّربينيّ.(3:389)

السّيوطيّ: قسّم البديعيّون السّجع،و مثله الفواصل،إلى أقسام:مطرّف،و متواز،و مرصّع،و متوازن، و متماثل.[و بعد أن ذكر كلاّ منها قال:]

و المتماثل أن يتساويا في الوزن دون التّقفية و تكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثّانية فهو بالنّسبة إلى المرصّع كالمتوازن بالنّسبة إلى المتوازي،نحو: وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ* وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الصّافّات:117،118،فالكتاب و الصّراط يتوازنان، و كذا المستبين و المستقيم،و اختلفا في الحرف الأخير.

(3:356)

البروسويّ: أي البليغ،و المتناهي في البيان و التّفصيل،و هو التّوراة.فإنّه كتاب مشتمل على جميع العلوم الّتي يحتاج إليها في مصالح الدّين و الدّنيا،قال تعالى: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ الآية.

فاستبان مبالغة«بان»بمعنى ظهر و وضح،و جعل (الكتاب)بالغا في بيانه من حيث أنّه لكماله في بيان الأحكام و تمييز الحلال عن الحرام،كأنّه يطلب من نفسه أن يبيّنها و يحمل نفسه على ذلك.

و قيل:هذه«السّين»كهي في قوله:(يستسخرون)، فإنّ بان و استبان و تبيّن واحد،نحو عجل و استعجل و تعجّل،فيكون معناه:الكتاب المبين.(7:480)

الآلوسيّ: أي البليغ في البيان و التّفصيل،كما يشعر به زيادة البنية و هو التّوراة.(23:138)

نحوه القاسميّ.(14:5058)

المراغيّ: أي و أعطيناهما الكتاب الجليّ الواضح، الجامع لما يحتاج إليه البشر في مصالح الدّين و الدّنيا،و هو التّوراة،كما قال: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ الآية،و قال:

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الأنبياء:48.(23:79)

الطّباطبائيّ: أي يستبين المجهولات الخفيّة فيبيّنها،و هي الّتي يحتاج إليها النّاس في دنياهم و آخرتهم.(17:157)

بين

1- فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. البقرة:66

ص: 429

راجع«ي د ي»(يديها)،و كذا الآيات:البقرة:

255،و آل عمران:3،و الأعراف:17 و 57، و الحجرات:1.

2- ...قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. البقرة:68

الفرّاء: قال:(بين ذلك)،و(بين)لا تصلح إلاّ مع اسمين فما زاد،و إنّما صلحت مع(ذلك)وحده،لأنّه في مذهب اثنين،و الفعلان قد يجمعان ب«ذلك»و«ذاك»، أ لا ترى أنّك تقول:أظنّ زيدا أخاك،و كان زيد أخاك، فلا بدّ ل«كان»من شيئين،و لا بدّ ل«لأظنّ»من شيئين، ثمّ يجوز أن تقول:قد كان ذاك،و أظنّ ذلك.

و إنّما المعنى في الاسمين اللّذين ضمّهما(ذلك):بين الهرم و الشّباب.و لو قال في الكلام:بين هاتين أو بين تينك،يريد«الفارض و البكر»كان صوابا،و لو أعيد ذكرهما لم يظهر إلاّ بتثنية،لأنّهما اسمان ليسا بفعلين.

و أنت تقول في الأفعال فتوحّد فعلهما بعدها؛فتقول:

إقبالك و إدبارك يشقّ عليّ،و لا تقول:أخوك و أبوك يزورني.

و ممّا يجوز أن يقع عليه(بين)و هو واحد في اللّفظ، ممّا يؤدّي عن الاثنين فما زاد،قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ البقرة:136،و لا يجوز:لا نفرّق بين رجل منهم، لأنّ«أحدا»لا يثنّى كما يثنّى الرّجل و يجمع،فإن شئت جعلت«أحدا»في تأويل اثنين،و إن شئت في تأويل أكثر،من ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،و تقول:بين أيّهم المال؟ و بين من قسم المال؟فتجري«من»و«أيّ»مجرى «أحد»،لأنّهما قد يكونان لواحد و لجمع.(1:45)

أبو عبيدة :و العرب تقول:لا كذا و لا كذا و لكن بين ذلك،فمجاز هذه الآية:بين هذا الوصف،و لذلك قال:(بين ذلك).(1:43)

نحوه الطّوسيّ.(1:296)

الطّبريّ: [قال نحو الفرّاء و أضاف:]

و غير جائز لمن قال:كنت بين زيد و عمرو،أن يقول:كنت بين ذلك،و إنّما يكون مع أسماء الأفعال دون أسماء الأشخاص.(1:344)

الزّجّاج :و معنى(بين ذلك)بين البكر و الفارض، و بين الصّغيرة و الكبيرة،و إنّما جاز(بين ذلك)،و(بين) لا يكون إلاّ مع اثنين أو أكثر،لأنّ«ذلك»ينوب عن الجمل،فتقول:ظننت زيدا قائما،فيقول القائل:ظننت ذلك.(1:150)

نحوه الزّمخشريّ.(1:287)

ابن عطيّة :(بين)بابها أن تضاف إلى اثنتين، و أضيفت هنا إلى(ذلك)؛إذ(ذلك)يشار به إلى المجملات،ف(ذلك)عند سيبويه منزلة ما ذكر،فهي إشارة إلى مفرد على بابه،و قد ذكر اثنان فجاءت أيضا (بين)على بابها.(1:162)

نحوه أبو السّعود(1:145)،و الآلوسيّ(1:287)، و رشيد رضا(1:349).

أبو البركات:أي بين الفارض و البكر،و قال:(بين ذلك)و لم يقل:بين ذينك،لأنّه أراد بين هذا المذكور.

(1:92)

ص: 430

الرّازيّ: [طرح الإشكال السّابق ثمّ قال:]

قلنا:(ذلك)يشار به إلى المفرد و المثنّى و المجموع، و منه قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا يونس:58،و قوله تعالى: وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ آل عمران:186، و قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ -إلى قوله تعالى:- ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا آل عمران:14، فمعناه:عوان بين الفارض و البكر،و سيأتي تمامه في قوله عزّ و جلّ: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285، إن شاء اللّه.(مسائل الرّازيّ:6)

أبو حيّان :(بين)ظرف مكان متوسّط التّصرّف، تقول:هو بعيد بين المنكبين و نقيّ بين الحاجبين،قال تعالى: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،و دخولها إذا كانت ظرفا بين ما تمكّن البينيّة فيه.و المال بين زيد و بين عمرو،و مسموع عن كلامهم.

و ينتقل من المكانيّة إلى الزّمانيّة إذا لحقتها«ما»أو «الألف»،فيزول عنها الاختصاص بالأسماء،فيليها إذ ذاك الجملة الاسميّة و الفعليّة،و ربّما أضيفت«بينا»إلى المصدر،و ل«بين»في علم الكوفيّين باب معقود كبير.

(1:248)

(بين ذلك)يقتضي(بين)أن تكون تدخل على ما يمكن التّثنية فيه،و لم يأت بعدها إلاّ اسم إشارة مفرد، فقيل:أشير ب(ذلك)إلى مفرد،فكأنّه قيل:عوان بين ما ذكر.فصورته صورة المفرد و هو في المعنى مثنّى،لأنّ تثنية اسم الإشارة و جمعه ليس تثنية و لا جمعا حقيقة،بل كان القياس يقتضي أن يكون اسم الإشارة لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث،قالوا:و قد أجري الضّمير مجرى اسم الإشارة.[ثمّ استشهد بشعر]

فيحتمل أن تكون الآية من ذلك،فيكون أطلق (ذلك)و يريد به«ذينك»،و هذا مجمل غير الأوّل.

و الّذي أذهب إليه غير ما ذكروا،و هو أن يكون (ذلك)ممّا حذف منه المعطوف لدلالة المعنى عليه، التّقدير:عوان بين ذلك و هذا،أي بين الفارض و البكر، فيكون نظير قول الشّاعر:

*فما كان بين الخير لو جاء سالما*

أي فما كان بين الخير و باغيه،فحذف لفهم المعنى، و منه سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81،أي و البرد.

(1:251)

3- وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ... النّساء:152

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف جاز دخول(بين) على(احد)و هو يقتضي شيئين فصاعدا؟

قلت:إنّ«أحدا»عامّ في الواحد المذكّر و المؤنّث و تثنيتهما و جمعهما،تقول:ما رأيت أحدا فتقصد العموم.

أ لا ترى تقول:إلاّ بني فلان و إلاّ بنات فلان.فالمعنى:و لم يفرّقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة،و منه قوله تعالى:

لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32.(1:576)

نحوه النّسفيّ.(1:260)

البروسويّ: و إنّما دخل(بين)على(احد)و هو يقتضي متعدّدا لعمومه؛من حيث إنّه وقع في سياق النّفي، فهو بمنزلة:و لم يفرّقوا بين اثنين أو بين جماعة.

(2:314)

ص: 431

بينه

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ... النّور:43

الفرّاء:يقول القائل:«بين»لا تصلح إلاّ مضافة إلى اثنين فما زاد،فكيف قال: ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ و إنّما هو واحد؟

قلنا:هو واحد في اللّفظ و معناه جمع،أ لا ترى قوله:

وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ الرّعد:12،أ لا ترى أنّ واحدته:سحابة.فإذا ألقيت الهاء كان بمنزلة نخلة و نخل و شجرة و شجر،و أنت قائل:فلان بين الشّجر و بين النّخل،فصلحت«بين»مع النّخل وحده،لأنّه جمع في المعنى.

و الّذي لا يصلح من ذلك قولك:المال بين زيد،فهذا خطأ حتّى تقول:بين زيد و عمرو،و إن نويت ب«زيد» أنّه اسم لقبيلة جاز ذلك،كما تقول:المال بين تميم،تريد المال بين بني تميم.[ثمّ استشهد بشعر](2:256)

نحوه الطّبريّ(18:153)،و الطّوسيّ(7:446)

الزّجّاج :يجوز أن يكون سحاب جمع:سحابة، و يكون(بينه)أي بين جميعه،و يجوز أن يكون السّحاب واحدا إلاّ أنّه قال:(بينه)لكثرته.و لا يجوز أن تقول:

جلست بين زيد حتّى تقول و عمرو،و تقول:ما زلت أدور بين الكوفة،لأنّ الكوفة اسم يتضمّن أمكنة كثيرة، فكأنّك تقول:ما زلت أدور بين طرق الكوفة.(4:49)

الزّمخشريّ: جاز(بينه)و هو واحد،لأنّ المعنى بين أجزائه،كما قيل في قوله:

*بين الدّخول فحومل*(3:70)

ابن عطيّة :أي بين مفترق السّحاب نفسه،لأنّ مفهوم«السّحاب»يقتضي أنّ بينه فروجا.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](4:189)

القرطبيّ: [ذكر الإشكال و أجاب بما تقدّم عن الفرّاء و الزّجّاج](12:288)

بينهم

1- وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً.

الكهف:52

الفرّاء:جعلنا تواصلهم في الدّنيا(موبقا).

(2:147)

الطّبرسيّ: أي بين المؤمنين و الكافرين.(3:476)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ الضّمير في(بينهم)عائد على الدّاعين و المدعوّين،و هم المشركون و الشّركاء.و قيل:

يعود على أهل الهدى و أهل الضّلالة.[إلى أن قال:]

و الظّاهر انتصاب(بينهم)على الظّرف.و قال الفرّاء:

البين هنا:الوصل،أي و جعلنا تواصلهم في الدّنيا هلاكا يوم القيامة.فعلى هذا يكون مفعول أوّل ل(جعلنا) و على الظّرف يكون في موضع المفعول الثّاني.(1376)

نحوه الآلوسيّ.(15:299)

أبو السّعود :بين الدّاعين و المدعوّين.(4:197)

و هناك أبحاث راجع«ج ع ل»(جعلنا)،و«و ب ق»(موبقا).

2- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ. مريم:37

ص: 432

الميبديّ: يعني من بين النّاس،و قيل:من بين أمم عيسى،و قيل:(من)زيادة،و قيل:هو من البين الّذي معناه البعد،أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحقّ.

(6:39)

الزّمخشريّ: من بين النّاس.(2:509)

الطّبرسيّ: إنّما قال:(من بينهم)لأنّ منهم من ثبت على الحقّ.(3:514)

أبو حيّان :«بين»هنا أصله ظرف،استعمل اسما بدخول(من)عليه.[ثمّ أدام نحو الميبديّ](6:190)

نحوه الآلوسيّ.(16:92)

بينكم

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ... المائدة:106

الفارسيّ: و اتّسع في«بين»فأضيف إليه المصدر، و هذا يدلّ على قول من قال:إنّ الظّرف يستعمل اسما في غير الشّعر،أ لا ترى أنّه قد جاء ذلك في التّنزيل:

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،بالرّفع كما جاء في الشّعر نحو قوله:

*تصادم بين عينيه الجبوبا*

(الطّبرسيّ 2:255)

الفخر الرّازيّ: يعني شهادة ما بينكم،و«ما بينكم» كناية عن التّنازع و التّشاجر،و إنّما أضاف الشّهادة إلى التّنازع،لأنّ الشّهود إنّما يحتاج إليهم عند وقوع التّنازع.

و حذف«ما»من قوله:(شهادة بينكم)جائز لظهوره،و نظيره قوله: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،أي ما بيني و بينك،و قوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،في قراءة من نصب.(12:114)

القرطبيّ: قيل:معناه ما بينكم،فحذفت«ما» و أضيفت«الشّهادة»إلى الظّرف،و استعمل اسما على الحقيقة،و هو المسمّى عند النّحويّين بالمفعول على السّعة،كما قال:

*و يوما شهدناه سليما و عامرا*

أراد شهدنا فيه،و قال تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ سبأ:33،أي مكركم فيهما.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و منه قوله تعالى: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،أي ما بيني و بينك.(6:348)

نحوه البروسويّ.(2:445)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و حذف«ما»الموصولة لا يجوز عند البصريّين،و مع الإضافة لا يصحّ تقدير«ما»البتّة،و ليس قوله: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،نظيره لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،لأنّ ذلك مضاف إليه،و هذا باق على طريقته،فيمكن أن يتخيّل فيه تقدير«ما»،لأنّ الإضافة إليه أخرجته عن الظّرفيّة،و صيّرته مفعولا به على السّعة.(4:39)

نحوه الآلوسيّ.(7:47)

رشيد رضا :و«البين»أمر اعتباريّ،يفيد صلة أحد الشّيئين بالآخر أو الأشياء،من زمان أو مكان،أو حال أو عمل.و قالوا:إنّه يطلق على الوصل و الفرقة،

ص: 433

و من الثّاني قولهم:«ذات البين»للعداوة و البغضاء،قال تعالى: وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الأنفال:1،أي ما بينكم من عداوة،أو فساد،و هو أمر معنويّ متّصل بين الأفراد.(7:219)

هناك أبحاث راجع«ش ه د»(شهادة).

2- ...لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. الأنعام:94

ابن عبّاس: الأرحام و المنازل.

مثله ابن عيّاش.(الطّبريّ 7:279)

مجاهد :تواصلهم في الدّنيا.(الطّبريّ 7:279)

قتادة :ما كان بينكم من الوصل.(الطّبريّ 7:279)

السّدّيّ: تقطّع ما بينكم.(الطّبريّ 7:279)

الفرّاء: قرأ حمزة و مجاهد (بينكم) يريد وصلكم.

و في قراءة عبد اللّه (لقد تقطّع ما بينكم) و هو وجه الكلام، إذا جعل الفعل ل«بين»ترك نصبا،كما قالوا:أتاني دونك من الرّجال،فترك نصبا،و هو في موضع رفع،لأنّه صفة.و إذا قالوا:هذا دون من الرّجال،رفعوه في موضع الرّفع،و كذلك تقول:بين الرّجلين بين بعيد،و بون بعيد، إذا أفردته أجريته في العربيّة و أعطيته الإعراب.

(1:345)

نحوه الميبديّ.(3:431)

الطّبريّ: يعني:تواصلهم الّذي كان بينهم في الدّنيا،ذهب ذلك اليوم،فلا تواصل بينهم و لا توادّ و لا تناصر،و قد كانوا في الدّنيا يتواصلون و يتناصرون، فاضمحلّ ذلك كلّه في الآخرة،فلا أحد منهم ينصر صاحبه،و لا يواصله.

و اختلفت القرّاء في قوله: (بينكم) فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة نصبا،بمعنى لقد تقطّع ما بينكم،و قرأ ذلك عامّة قرّاء مكّة و العراقيّين (لقد تقطّع بينكم) رفعا،بمعنى لقد تقطّع وصلكم.

و الصّواب من القول عندي في ذلك أن يقال:إنّهما قراءتان مشهورتان باتّفاق المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب؛و ذلك أنّ العرب قد تنصب«بين»في موضع الاسم.ذكر سماعا منها:إيابي نحوك و دونك و سواءك نصبا،في موضع الرّفع.و قد ذكر عنها سماعا الرّفع في«بين»إذا كان الفعل لها،و جعلت اسما.[ثمّ استشهد بشعر]

غير أنّ الأغلب عليهم في كلامهم النّصب فيها في حال كونها صفة،و في حال كونها اسما.(7:279)

الزّجّاج :الرّفع أجود،و معناه لقد تقطّع وصلكم.

و النّصب جائز،المعنى لقد تقطّع ما كنتم فيه من الشّركة بينكم.(2:273)

القيسيّ: من رفع(بينكم)جعله فاعلا ل(تقطّع)، و جعل«البين»بمعنى الوصل،تقديره:لقد تقطّع وصلكم،أي تفرّق جمعكم.

و أصل«بين»الافتراق،و لكن اتّسع فيه فاستعمل اسما غير ظرف،بمعنى الوصل.

فأمّا من نصبه؛فنصبه على الظّرف،و العامل فيه ما دلّ عليه الكلام من عدم وصلهم،تقديره:لقد تقطّع وصلكم بينكم،ف«وصلكم»المضمر هو النّاصب ل«بين»،و قد قيل:إنّ من نصب(بينكم)جعله مرفوعا في

ص: 434

المعنى ب(تقطّع)،لكنّه لمّا جرى في أكثر الكلام منصوبا تركه في حال الرّفع على حاله منصوبا،لكثرة استعماله كذلك،و هو مذهب الأخفش.

و القراءتان على هذا بمعنى واحد.و مثله عند الأخفش قوله: وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ الجنّ:11،و مثله: يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ الممتحنة:3،في قراءة من ضمّ الياء،و فتح الصّاد.

ف«دون»و«بين»استعملا في هذه المواضع اسما غير ظرف،لكن تركا على الفتح،و موضعهما رفع،من أجل أنّ أكثر ما استعملا بالنّصب على أنّهما ظرفان.

(1:278)

نحوه أبو البركات(1:332)،و البيضاويّ(1:322).

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:تفرّق جمعكم في الآخرة،و الثّاني:ذهب تواصلكم في الدّنيا،قاله مجاهد.

و من قرأ(بينكم)بالفتح،فمعناه تقطّع الأمر بينكم.

(2:146)

الطّوسيّ: قرأ أهل المدينة و الكسائيّ و حفص (بينكم) بنصب النّون،الباقون برفعها.

البين:مصدر بان يبين،إذا فارق.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و استعمل هذا الاسم على ضربين:أحدهما:أن يكون اسما منصرفا كالافتراق،و الآخر:أن يكون ظرفا.

فمن رفعه رفع ما كان ظرفا استعمله اسما.و يدلّ على جواز كونه اسما قوله: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،و قوله: مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،فلمّا استعمل اسما في هذه المواضع،جاز أن يسند إليه الفعل الّذي هو(تقطّع)في قراءة من رفع.

و يدلّ على أنّ هذا المرفوع هو الّذي استعمل ظرفا، أنّه لا يخلو من أن يكون الّذي هو ظرف اتّسع فيه،أو يكون الّذي هو مصدر،و لا يجوز أن يكون الّذي هو مصدر،لأنّ التّقدير يصير:لقد تقطّع افتراقكم،و هذا خلاف المعنى المراد،لأنّ المراد:لقد تقطّع وصلكم، و ما كنتم تتألّفون عليه.

فإن قيل:كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل و أصله الافتراق و التّباين،و على هذا قالوا:بان الخليط،إذا فارق،و في الحديث:«ما بان من الحيّ فهو ميتة».

قيل:إنّه لمّا استعمل مع الشّيئين المتلابسين،نحو:

بيني و بينك شركة،و بيني و بينه صداقة و رحم،صار لذلك بمنزلة الوصلة و على خلاف الفرقة،فلذلك صار لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ بمعنى لقد تقطّع وصلكم،و مثل «بين»في أنّه يجري في الكلام ظرفا،ثمّ يستعمل اسما بمعنى«وسط»،ساكن العين،أ لا ترى أنّهم يقولون:

جلست وسط القوم،فيجعلونه ظرفا لا يكون إلاّ كذلك، و قد استعملوه اسما.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا من نصب(بينكم)ففيه وجهان:

أحدهما:أنّه أضمر الفاعل في الفعل،و دلّ عليه ما تقدّم من قوله: وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ الأنعام:94،لأنّ هذا الكلام فيه دلالة على التّقاطع و التّهاجر،و ذلك المضمر هو الأصل،كأنّه قال:لقد تقطّع وصلكم بينكم.

ص: 435

و الثّاني:أن يكون على مذهب أبي الحسن:أن يكون لفظه منصوبا و معناه مرفوعا،فلمّا جرى في كلامهم منصوبا ظرفا،تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام، و كذلك تقول في قوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ الممتحنة:3،و كذلك قوله: وَ أَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ الجنّ:11،ف(دون)في موضع رفع عنده و إن كان منصوب اللّفظ،كما تقول:منّا الصّالح و منّا الطّالح،فترفع.(4:220)

نحوه الطّبرسيّ.(2:236)

القشيريّ: فقد تقطّع بينكم،و تفرّق وصلكم، و تبدّد شملكم و تلاشى ظنّكم،و خانكم-في التّحقيق- وسعكم.(2:185)

الزّمخشريّ: وقع التّقطّع بينكم،كما تقول:جمع بين الشّيئين تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التّأويل.و من رفع فقد أسند الفعل إلى الظّرف،كما تقول:قوتل خلفكم و أمامكم.(2:36)

ابن عطيّة :قرأ ابن كثير و أبو عمرو و عاصم و ابن عامر و حمزة (بينكم) بالرّفع،و قرأ نافع و الكسائيّ (بينكم)بالنّصب.

أمّا الرّفع فعلى وجوه:أولاها:أنّه الظّرف،استعمل اسما و أسند إليه الفعل،كما قد استعملوه اسما في قوله تعالى: مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،و كقولهم فيما حكى سيبويه:أحمر بين العينين،و رجّح هذا القول أبو عليّ الفارسيّ.

و الوجه الآخر:أنّ بعض المفسّرين-منهم الزّهراويّ و المهدويّ و أبو الفتح و سواهم-حكوا:أنّ «البين»في اللّغة يقال على الافتراق و على الوصل، فكأنّه قال:لقد تقطّع وصلكم.

و في هذا عندي اعتراض،لأنّ ذلك لم يرو مسموعا عن العرب و إنّما انتزع من الآية،و الآية محتملة.قال الخليل في«العين»:و البين:الوصل،لقوله عزّ و جلّ:

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، فعلّل سوق اللّفظة بالآية،و الآية معترضة لغير ذلك.أمّا أنّ أبا الفتح قوّى أنّ«البين» الوصل،و قال:و قد أتقن ذلك بعض المحدّثين بقوله:«قد أنصف البين من البين».

و الوجه الثّالث من وجوه الرّفع:أن يكون«البين» على أصله في الفرقة من بان يبين،إذا بعد،و يكون في قوله:(تقطّع)تجوّز،على نحو ما يقال في الأمر البعيد في المسافة:تقطّعت الفجاج بين كذا و كذا،عبارة عن بعد ذلك،و يكون المقصد:لقد تقطّعت المسافة بينكم لطولها، فعبّر عن ذلك ب«البين»الّذي هو الفرقة.

و أمّا وجه قراءة النّصب فأن يكون ظرفا،و يكون الفعل مستندا إلى شيء محذوف،و تقديره:لقد تقطّع الاتّصال أو الارتباط بينكم،أو نحو هذا.

و هذا وجه واضح و عليه فسّره النّاس:مجاهد و السّدّيّ و غيرهما.

[و]وجه آخر يراه أبو الحسن الأخفش؛و هو أن يكون الفعل مسندا إلى الظّرف،و يبقى الظّرف على حال نصبه و هو في النّيّة مرفوع،و مثل هذا عنده قوله: وَ أَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ الجنّ:11.

و قرأ ابن مسعود و مجاهد و الأعمش (تقطّع ما بينكم) بزيادة«ما».(2:324)

ص: 436

و لقد أطال من بعدهم في توجيه القراءتين و لم يأتوا بشيء جديد فلاحظ:أبو حيّان(4:182)،و الآلوسيّ (7:225)،و رشيد رضا(7:628).

3- ...فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. الأنفال:1

الأخفش: أضاف(ذات)إلى«البين»،و جعله (ذات)لأنّ بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنّث و بعضه يذكّر،نحو«الدّار»و«الحائط»أنّثت«الدّار» و ذكّر«الحائط».(2:541)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في وجه تأنيث «البين»،فقال بعض نحويّي البصرة.[و ذكر نحو كلام الأخفش و أضاف:]

و قال بعضهم:إنّما أراد بقوله:(ذات بينكم)الحال الّتي للبين،فقال:ذات العشاء،و يريد السّاعة الّتي فيها العشاء.قال:و لم يضعوا مذكّرا لمؤنّث،و لا مؤنّثا لمذكّر، إلاّ لمعنى.

هذا القول أولى القولين بالصّواب،للعلّة الّتي ذكرتها له.(9:178)

نحوه الطّوسيّ.(5:89)

الزّجّاج :حقيقة وصلكم،و البين:الوصل،قال تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،أي وصلكم.

فالمعنى:اتّقوا اللّه،و كونوا مجتمعين على ما أمر اللّه و رسوله.و كذلك«اللّهم أصلح ذات البين»أي أصلح الحال الّتي بها يجتمع المسلمون.(2:400)

الميبديّ: أي الحالة الّتي بينكم،ليكون سببا لألفتكم و اجتماع كلمتكم.(4:4)

نحوه البغويّ(2:266)،و البيضاويّ(1:384)، و الخازن(3:4).

الزّمخشريّ: إن قلت:ما حقيقة قوله: ذاتَ بَيْنِكُمْ؟

قلت:أحوال بينكم،يعني ما بينكم من الأحوال حتّى تكون أحوال ألفة و محبّة و اتّفاق،كقوله: بِذاتِ الصُّدُورِ الأنفال:43،و هي مضمراتها.

لمّا كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها:«ذات البين»،كقولهم:اسقني ذا إنائك،يريدون:ما في الإناء من الشّراب،و قد جعل التّقوى و إصلاح ذات البين و طاعة اللّه و رسوله من لوازم الإيمان و موجباته،ليعلمهم أنّ كمال الإيمان موقوف على التّوفّر عليها.(2:141)

نحوه الفخر الرّازيّ(15:116)،و النّيسابوريّ(9:

120)،و أبو السّعود(3:76)،و البروسويّ(3:311).

ابن عطيّة :تصريح بأنّه شجر بينهم اختلاف، و مالت النّفوس إلى التّشاحّ.و(ذات)في هذا الموضع يراد بها نفس الشّيء و حقيقته،و الّذي يفهم من(بينكم)هو معنى يعمّ جميع الوصل و الالتحامات و المودّات،و ذات ذلك هي المأمور بإصلاحها،أي نفسه و عينه،فحضّ اللّه على إصلاح تلك الأجزاء.فإذا صلحت تلك حصل إصلاح ما يعمّها،و هو البين الّذي لهم.

و قد تستعمل لفظة«الذّات»على أنّها لزيمة ما تضاف إليه،و إن لم تكن عينه و نفسه؛و ذلك في قوله: عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ الأنفال:43،و ذاتِ الشَّوْكَةِ الأنفال:7،فإنّها هاهنا مؤنّثة قولهم:الذّئب مغبوط بذي

ص: 437

بطنه.

و يحتمل«ذات البين»أن تكون هذه.

و قد تقال:«الذّات»أيضا بمعنى آخر و إن كان يقرب من هذا،و هو قولهم:فعلت كذا ذات يوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر الطّبريّ عن بعضهم أنّه قال: ذاتَ بَيْنِكُمْ الحال الّتي لبينكم،كما[أنّ]ذات العشاء:السّاعة الّتي فيها العشاء.

و رجّحه الطّبريّ،و هو قول بيّن الانتقاض،و قال الزّجّاج:«البين»هاهنا:الوصل،و مثله قوله عزّ و جلّ:

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،و في هذا كلّه نظر.

(2:500)

الطّبرسيّ: أي أصلحوا ما بينكم من الخصومة و المنازعة،و قوله: ذاتَ بَيْنِكُمْ كناية عن المنازعة و الخصومة.و«الذّات»هي الخلقة و البنية،يقال:فلان في ذاته صالح في خلقته و بنيته،يعني أصلحوا نفس كلّ شيء بينكم،و أصلحوا حال كلّ نفس بينكم.

و قيل:معناه و أصلحوا حقيقة وصلكم،كقوله:

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،أي وصلكم،و المراد:

كونوا مجتمعين على ما أمر اللّه و رسوله.(2:518)

أبو حيّان :و«البين»هنا:الفراق و التّباعد، و(ذات)هنا نعت لمفعول محذوف،أي و أصلحوا أحوالا ذات افتراقكم،لمّا كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت صفتها إليه،كما تقول:اسقني ذا إنائك،أي ماء صاحب إنائك،لمّا لابس الماء الإناء وصف ب(ذا)،و أضيف إلى الإناء.و المعنى:اسقني ما في الإناء من الماء.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و الطّبريّ و قال:]

و تلخّص أنّ«البين»يطلق على الفراق و يطلق على الوصل؛و هو قول الزّجّاج هنا،قال:و مثله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،و يكون ظرفا بمعنى وسط.

و يحتمل(ذات)أن تضاف لكلّ واحد من هذه المعاني.

و إنّما اخترنا في أنّه بمعنى الفراق،لأنّ استعماله فيه أشهر من استعماله في الوصل،و لأنّ إضافة(ذات)إليه أكثر من إضافة(ذات)إلى«بين»الظّرفيّة،لأنّها ليست كثيرة التّصرّف،بل تصرّفها كتصرّف«أمام و خلف» و هو تصرّف متوسّط ليس بكثير.

و أمر تعالى أوّلا بالتّقوى لأنّها أصل للطّاعات،ثمّ بإصلاح ذات البين،لأنّ ذلك أهمّ نتائج التّقوى في ذلك الوقت الّذي تشاجروا فيه،ثمّ أمر بطاعته و طاعة رسوله فيما أمركم به من التّقوى و الإصلاح،و غير ذلك.

(4:456)

الآلوسيّ: «بين»إمّا بمعنى الفراق أو الوصل أو ظرف،أي أحوالا ذات افتراقكم،أو ذات وصلكم،أو ذات الكمال المتّصل بكم.

و قال الزّجّاج و غيره: إنّ(ذات)هنا بمنزلة حقيقة الشّيء و نفسه،كما بيّنه ابن عطيّة،و عليه استعمال المتكلّمين،و لمّا كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت إليه،كما تقول:اسقني ذا إنائك،أي ما فيه،جعل كأنّه صاحبه.(9:164)

رشيد رضا :أي أصلحوا نفس ما بينكم،و هي الحال و الصّلة الّتي بينكم،تربط بعضكم ببعض و هي رابطة الإسلام،و إصلاحها يكون بالوفاق و التّعاون

ص: 438

و المواساة،و ترك الأثرة و التّفوّق،و بالإيثار أيضا.

و البين في أصل اللّغة يطلق على الاتّصال و الافتراق،و كلّ ما بين الطّرفين،كما قال: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،و يعبّر عن هذه الرّابطة ب«ذات البين».(9:587)

نحوه حسنين مخلوف(1:294)،و الصّابونيّ(1:588).

بينى

1- قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً. الكهف:78

الفرّاء: و لو نصبت الثّانية كان صوابا،يتوهّم أنّه كان(فراق ما بيني و بينك).(2:156)

الزّجّاج : قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ زعم سيبويه أنّ معنى مثل هذا:التّوكيد،و المعنى هذا فراق بيننا،أي هذا فراق اتّصالنا،قال:و مثل هذا أمر الكلام:

«أخزى اللّه الكاذب منّي و منك»فذكر(بينى و بينك) ثانية توكيد،و هذا لا يكون إلاّ بالواو.و لا يجوز:«هذا فراق بيني فبينك»لأنّ معنى الواو:الاجتماع،و معنى الفاء:أن يأتي الثّاني في إثر الأوّل.(3:304)

نحوه الفخر الرّازيّ.(21:158)

الطّوسيّ: معناه هذا وقت فراق اتّصال ما بيني و بينك،فكرّر«بين»تأكيدا،كما يقال:أخزى اللّه الكاذب منّي و منك،أي أخزى اللّه الكاذب منّا.

(7:79)

الميبديّ: أي هذا فراق بيني و بينك،و قيل:هذا السّؤال منك بعد عهدك و شرطك سبب فراقنا، و لا أصحبك بعد هذا.و إنّما كرّر«بين»تأكيدا،معناه فراق بيننا،كما يقال:لعن اللّه الغادر منّي و منك،أي الغادر منّا.

(5:723)

نحوه القرطبيّ.(11:33)

ابن عطيّة :و«البين»:الصّلاح الّذي يكون بين المصطحبين و نحوهما،و ذلك مستعار فيه من الظّرفيّة، و يستعمل استعمال الأسماء.و أمّا فصله و تكريره(بينى و بينك)و عدوله عن«بيننا»فلمعنى التّأكيد.(3:534)

الطّبرسيّ: معناه هذا الكلام و الإنكار على ترك الأجر،هو المفرّق بيننا.(3:487)

الشّربينيّ: إن قيل:كيف ساغ إضافة«بين»إلى غير متعدّد؟

أجيب بأنّ مسوّغ ذلك تكريره بالعطف بالواو، أ لا ترى أنّك لو اقتصرت على قولك:المال بيني،لم يكن كلاما حتّى تقول:بيننا،أو بيني و بين فلان.(2:397)

الآلوسيّ: و نصب«بين»على الظّرفيّة،و أعيد «بين»و إن كان لا يضاف إلاّ لمتعدّد،لأنّه لا يعطف على الضّمير المجرور بدون إعادة الجارّ.(16:8)

2- قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. الإسراء:96

أبو السّعود :إنّما لم يقل:بيننا،تحقيقا للمفارقة، و إبانة للمباينة.(4:159)

نحوه البروسويّ.(5:205)

ص: 439

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البين،و هو الفصل و الفراق،يقال:بان يبين بينا و بينونة،و تباين القوم مباينة،و تباين الرّجلان،و بانت يد النّاقة عن جنبها تبين بيونا،و بان الخليط يبين بينا و بينونة،و ضربه فأبان رأسه من جسده و فصله،فهو مبين.

و البائنة:البئر البعيدة القعر الواسعة،و هي بئر بيون أيضا،لأنّ الحبال تبين عن جربها كثيرا،يقال:أبان الدّلو عن طيّ البئر،أي حاد بها عنه لئلاّ يصيبها فتتخرّق.

و البائنة:النّخلة الطّويلة العذوق،و القوس الّتي بانت من وترها،و هي بائن أيضا.و يقال منه أيضا:

طلب فلان البائنة إلى أبويه؛و ذلك إذا طلب إليهما أن يبيناه بمال،فيكون له على حدة،و قد أبانه أبواه إبانة، حتّى بان هو بذلك يبين بيونا.

و البائن:من يحلب النّاقة،و الجمع:بيّن،و هو الّذي يقوم على يمينها أو يسارها عند الحلب،و المستعلي:من يعين البائن،و يقوم قباله.

و الطّويل البائن:المفرط طولا الّذي بعد عن قدّ الرّجال الطّوال.

و البائن:من ولي أمرا و مارسه،و في المثل:«است البائن أعرف»،أي هو أعلم بهذا الأمر ممّن لم يمارسه.

و الطّلاق البائن:هو الّذي لا يملك الزّوج فيه استرجاع المرأة إلاّ بعقد جديد،يقال:بانت المرأة عن الرّجل،أي انفصلت عنه بطلاق،و هي بائن،و تطليقة بائنة:تطليقة ذات بينونة،و هي«فاعلة»بمعنى «مفعولة».

و بانت الجارية:تزوّجت،و كأنّه من البئر البعيدة، أي بعدت عن بيت أبيها،و بيّن فلان بنته و أبانها:زوّجها و صارت إلى زوجها.

و غراب البين:الغراب الأبقع،سمّي بذلك-كما قيل- لأنّه بان عن نوح عليه السّلام.

و البين:الفصل بين الأرضين،يكون المكان حزنا و بقربه رمل،و بينهما شيء ليس بحزن و لا سهل.

و البين:اسم و ظرف،فإن وقع اسما فهو معرب، مثل:وقع البين،أي الفراق،و إن كان ظرفا فهو مبنيّ على الفتح،مثل:جلست بين القوم،أي وسطهم.و هذا الشّيء بين بين،أي التّوسّط بين الجيّد و الرّديء،و لقيته بعيدات بين،أي لقيته بعد حين،ثمّ أمسكت عنه ثمّ أتيته،و بين الرّجلين بين بعيد،و بون بعيد،أي فصل، و إنّ بينهما لبينا.

و بينا:«فعلى»من«بين»،أشبعت الفتحة فصارت ألفا.و بينما:«بين»،زيدت عليه«ما».

و هما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة،يقال:بينا نحن كذا إذ حدث كذا،و إذا حدث كذا،و بينما زيد جالس إذ دخل عليه عمرو،و إذا دخل عليه عمرو.و الاسم بعدهما مرفوع على الابتداء.

2-و منه:البيان،و هو ما يبيّن به الشّيء من الدّلالة و غيرها،مشتقّ من البين،أي الفراق،لأنّه يفرق بين الحقّ و الباطل،فيزول الالتباس به،يقال:بان الشّيء يبين بيانا،أي اتّضح فهو بيّن،و الجمع:أبيناء،و أبان الشّيء إبانة:ظهر فهو مبين،و أبان فلان الشّيء:

ص: 440

أوضحه،و بيّن الأمر:وضح،و بيّن فلان الأمر:وضّحه، و في المثل:«قد بيّن الصّبح لذي عينين»،أي تبيّن.و تبيّن الشّيء:و تبيّن فلان الشّيء:أظهره،و استبان الشّيء:

ظهر،و استبان فلان الشّيء:أظهره.

و البيان:الفصاحة و اللّسن،و كلام بيّن:فصيح.

و البيّن من الرّجال:الفصيح،و الجمع:أبيناء،يقال:

فلان أبين من فلان،أي أفصح منه و أوضح كلاما.

3-و شاع بين اللّغويّين أنّ«البين»من الأضداد،أي الفرقة و الوصل،و لم يؤثر المعنى الأخير عن العرب كما رأينا،بل انتزعه الخليل من القراءة غير المشهورة،و هي الرّفع في قوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94، و ضمّنه معنى الوصل،ثمّ تبعه فريق من اللّغويّين كالأصمعيّ و ابن السّكّيت و الجوهريّ،و حذا حذوهم بعض المفسّرين أيضا.

و يمكن تخريج هذه القراءة بما يلي:

1-استعمال الظّرف«بين»اسما على التّوسّع،فرفع و أسند إليه الفعل،كما توسّع في قوله: مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،بجرّ«بيننا»و«بينك» بحرف الجرّ:«من».و قوله: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،بجرّ«بيني»و«بينك»بإضافة«فراق» إليهما.

2-استعمال«البين»اسما على الأصل بمعنى الافتراق،و هو مجاز عن الأمر البعيد،و التّقدير:لقد تقطّعت المسافة بينكم لطولها،فعبّر عن ذلك بالبين،أي الفرقة.

و قيل:إنّه حقيقة في الوصل،استنادا إلى قول أئمّة اللّغة،كما ذكر الآلوسيّ(7:226)،و حكى أنّ ابن عطيّة قد أنكره،و قال:لم يسمع من العرب أنّ«البين»بمعنى الوصل،و أجيب بأنّه مجاز،و المجاز لا يتوقّف على السّماع، لأنّه يستعمل بين الشّيئين المتلابسين،نحو:بيني و بينك رحم و صداقة،فصار لذلك بمعنى الوصل مجازا.لكنّ كونه مجازا باطل،لأنّ حدّ المجاز التّعدّي من المعنى الحقيقيّ إلى معنى يخالف ما وضع له لمناسبة بينهما،فإن انعدمت المناسبة-كما في معنى الوصل-سمّي ذلك ارتجالا أو خطأ.

و سيأتي هذا البحث في الاستعمال القرآنيّ في الرّقم «ثامنا»فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

الآيات في هذه المادّة كثيرة و يمكن تقسيمها إلى محاور:

1-الأفعال:و هي بيّن،و أبان،و استبان،و تبيّن، و ما اشتقّ منها من الأفعال.

2-البيّن،و البيّنة،و البيّنات.

3-المبيّنة،و المبيّنات.

4-المبين.

5-المستبين.

6-البيان و التّبيان.

7-بين.

المحور الأوّل:الأفعال من أربعة أبواب من
اشارة

المزيد فيه:

أ-بيّن(34)آية:
اشارة

اللّه يبيّن:

1- وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ

ص: 441

تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ

البقرة:118

2- ...قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ

آل عمران:118

3- اِعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الحديد:17

4- اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ المائدة:75

5- ...وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ البقرة:219

6- وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ البقرة:221

7- كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

البقرة:242

8- ...وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ

البقرة:266

9- ...وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

آل عمران:103

10- ...وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة:89

11- وَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

النّور:18

12- ...كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّور:58،59

14- ...كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ النّور:61

15- كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

البقرة:187

16- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ... البقرة:159

17- ...فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ الحجّ:5

18- وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الأنعام:105

19- يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّساء:26

20- وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ التّوبة:115

21- ...يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ النّساء:176

22- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

البقرة:230

23- ...إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ النّحل:92

24- لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ

ص: 442

كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ النّحل:39

25-26-27- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ البقرة:68

النّبيّ يبيّن:

28- ...وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ النّحل:44

29- وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ النّحل:64

30- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ

المائدة:15

31- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ... المائدة:19

الرّسل يبيّنون:

32- وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ

آل عمران:187

33- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إبراهيم:4

34- وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ الزّخرف:63

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل من باب«التّفعيل»جاء بصيغ مختلفة،و هي صنفان:

1-صنف فاعله اللّه،و هي الآيات(1)إلى(27)، فاللّه تعالى تعهّد ببيان الآيات في(1)إلى(15)،و المراد بيان الحقّ بإنزال آيات الكتاب،فالبيان هو نفس الآيات.

و أمّا الآيات من(16)إلى(17)،فلم تذكر فيها آيات اللّه،بل بيّن اللّه شيئا من الحقّ،يرجع بعضها إلى الكتاب.و جاء في(25)إلى(27)وصف البقرة من اللّه في جواب ما سألوا نبيّهم موسى عليه السّلام.

2-و صنف فاعله إمّا النّبيّ عليه السّلام،فقد كلّف ببيان الكتاب في أربع آيات:(28)إلى(31).أو مطلق الرّسل في آيتين:(32)و(33)،أو عيسى عليه السّلام في(34).

و قد جاء في آيتين:(29)و(34)أنّ النّبيّ و عيسى عليهما السّلام يبيّنان لأهل الكتاب ما اختلفوا فيه،و هذا -أي بيان ما اختلفوا فيه-من وظائف الأنبياء،لاحظ «خ ل ف»و في(3)أنّ اللّه يبيّن يوم القيامة للنّاس ما كانوا يختلفون فيه.

ب-يبين:آية واحدة:

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ الزّخرف:52

ج-تستبين:آية واحدة:

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ اَلْمُجْرِمِينَ الأنعام:55

ص: 443

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ اَلْمُجْرِمِينَ الأنعام:55

قد جاء في اللّغة أنّ«بان»و«أبان»و«استبان»بمعنى واحد،أي وضح و ظهر،لاحظ نصّ الأزهريّ و غيره.

و عليه فمعنى يبين و يستبين:يتّضح و يظهر،إلاّ أنّ المفسّرين كادوا أن يتّفقوا على أنّ وَ لا يَكادُ يُبِينُ جاء في وصف موسى عليه السّلام؛حيث كانت بلسانه عقدة، فلا يتّضح كلامه بسببها،فكان فرعون يعيبه بذلك،و أنّه ليس فصيحا في كلامه.

أمّا(تستبين)لو قرئ برفع(سبيل)،فمعناه ليتّضح سبيل المجرمين،فيوافق اللّغة،و أمّا لو قرئ بنصب (سبيل)،فالخطاب للنّبيّ،أي تستبين أنت،أي لتطلب بيان سبيل المجرمين.و عليه فالاستفعال بمعناه،و هو طلب الفعل.و لعلّه الأولى و الأقرب إلى الصّواب،إلاّ أنّ القراءة جاءت بهما معا،لاحظ«المستبين».

د-تبيّن(15)آية:

1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ... البقرة:109

2- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ

البقرة:256

3- ...وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:259

4- وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً النّساء:115

5- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ الأنفال:6

6- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ التّوبة:113

7- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ

محمّد:25

8- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ محمّد:32

9- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فصّلت:53

10- وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114

11- وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ

إبراهيم:45

12- وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ العنكبوت:38

13- ...وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ... البقرة:187

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا... كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:94

ص: 444

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا... كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:94

15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ الحجرات:6

يلاحظ أوّلا:أنّه قد جاء في بعض النّصوص اللّغويّة أنّ«تبيّن»بمعنى«بان»،إلاّ أنّ بعضهم كالكسائيّ قال:

التّبيّن:التّثبّت و التّأمّل.و هذا هو مقتضى صيغة «التّفعّل»،فإنّه العمل بجهد و مشقّة و تكلّف و تأكّد،كما في الفرق بين الكسب و التّكسّب.فالتّبيّن ليس مطلق الوضوح و الظّهور،بل ظهور الشّيء بجهد بعد الخفاء.

و هذا هو الّذي يظهر من جميع الآيات،ففي عدّة منها مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ، أي أنّه كان خافيا ثمّ ظهر.

فلاحظ قوله في(2): قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فإنّه يحكي عن أنّ الدّين كان مستترا لا طريق إليه،ثمّ تبيّن رشده من غيّه،و قوله في(13): حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، فإنّه يحكي أنّ الفجر كان مستترا،ثمّ بان بجهد كبير.

فالمعنى في جميع الآيات ظهور الحقّ بعد خفائه بعناء و مشقّة،دون مطلق الوضوح و الظّهور.

ثانيا:استصعب الأمر على كثير من المفسّرين في قوله حول النّبيّ الّذي شكّ في إحياء الموتى فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كيف لم يعلم عموم قدرته حتّى اختبر كيفيّة إحيائها بما أراه اللّه؟

و قد أجهد الطّباطبائيّ نفسه ببيان أنّه لم يكن شاكّا، بل كان عالما بقدرة اللّه،ثمّ اختلج في نفسه ما ينافيه،فلمّا رأى ما رأى رجع إلى علمه الأوّل،قال:«و ليس معنى الكلام أنّه لمّا تبيّن له الأمر حصل له العلم،و قد كان شاكّا قبل ذلك،فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ... لأنّ الرّجل كان نبيّا مكلّما،و ساحة الأنبياء منزّه من الجهل باللّه، و خاصّة في مثل صفة القدرة الّتي هي من صفات الذّات...».

و الحقّ ما قاله غير واحد منهم أنّه علم إحياء الموتى عيانا بعد ما كان يؤمن به قلبا،و ليس في هذا شين على الأنبياء.و يشهد به ما بعدها في شأن إبراهيم عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي... البقرة:260،فإنّ إبراهيم شيخ الأنبياء جرّب إحياء الموتى عيانا،ليطمئنّ قلبه بعد ما آمن به.

ثالثا:جاء(تبيّن)في الآيات(1)إلى(13)فعلا لازما،و فاعله(الحقّ)،و(الهدى)،و(الرّشد)في كثير منها،و في(6): أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، و في(10):

أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ، و في(11): كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ، و في (12): مِنْ مَساكِنِهِمْ، و في(13): اَلْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. و الجميع دالّ على تبيّن ذلك بعد الخفاء بشيء من الجهد و العناء.

و قد جاءت في(14)و(15)بصيغة فعل الأمر ثلاث مرّات،و الفاعل فيها الأشخاص دون الأشياء و بهذا اختلف سياق الآيتين عمّا قبلهما من الآيات.فقد أمر المؤمنون فيها بالتّبيّن،أي طلب البيان،و هو التّثبّت،أي طلب الثّبات.و إن لم يذكر مفعول الفعل فيها،إلاّ أنّه في معنى المتعدّي،إذ أخذ فيه مفهوم الطّلب،و مفعوله البيان

ص: 445

و الثّبات.و لعلّ الطّلب مأخوذ في التّبيّن في سائر الآيات أيضا،كأنّ الحقّ و غيره ممّا جاء فيها كان خافيا،فطلبوا بيانها فتبيّن.و هذا معنى ما قلنا:إنّ التّبيّن ظهور الشّيء بعد الخفاء بشيء من الجهد و العناء.

المحور الثّاني:البيّن،و البيّنة،و البيّنات:
أ-البيّن و البيّنة(19)آية:

1- هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً الكهف:15

2- سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

البقرة:211

3- وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

العنكبوت:35

4- ...فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ... الأنعام:157

5- ...قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ الأعراف:73

6- ...قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ... الأعراف:85

7- حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ

الأعراف:105

8- وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:4

9- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ هود:53

10- وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى طه:133

11- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:1

12- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ الأنعام:57

13- أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ... هود:17

14- قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ هود:28

15- قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ هود:63

16- قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ رَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً... هود:88

17- ...أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاّ غُرُوراً فاطر:40

18- أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ محمّد:14

ص: 446

19- وَ لكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:42

يلاحظ أوّلا:أنّ«البيّن»مذكّرا جاء مرّة واحدة في (1)وصفا للفظ«سلطان»،و السّلطان هنا هو الحجّة و البرهان،فالمراد به أنّ المشركين لو لا يأتون بحجّة واضحة على شركهم،فإذا لم يأتوا بها فهذا افتراء على اللّه و كذب،ما أنزل اللّه بها كتابا.

ثانيا:جاءت«البيّنة»مؤنّثة،وصفا لموصوفات مذكورة،أو مقدّرة:

1-وصفا للآية(2)و(3)،و المراد بالآية في(2) الحجّة،قال الطّبرسيّ(2:87):«من حجّة واضحة ظاهرة مثل اليد البيضاء و قلب العصا حيّة...».و عليه فالمراد بها المعجزات،لأنّها حجج واضحة على صدق موسى عليه السّلام.

أمّا في(3)فالمراد بها ما ترك في تلك القرية من آثار الدّمار و الهلاك،فقد جاء قبلها إِنّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ العنكبوت:34،قال الطّبرسيّ(8:24):«أي تركنا من تلك القرية عبرة واضحة...»قال ابن عبّاس:«هي آثار منازلهم الخربة...»،لاحظ«أ ي ي».

2-وصفا لأمر مقدّر جاء به الرّسل في(4-11)، و المراد بها المعجزة في أكثر الآيات بقرينة السّياق،و في (4)و(10)الكتاب،و في(8)و(11)الحجّة،و فسّروها بالنّبيّ عليه السّلام نفسه،لقوله بعده(8): رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً البيّنة:2.

3-وصفا لمن كان على بيّنة من ربّه من الرّسل في (12-18)بسياق واحد: كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي و نحوها.و المراد بها الحجّة من الكتاب و الرّسول و المعجزات،و شواهد الصّدق و علامات الحقّ.و(على بيّنة)بمعنى مع بيّنة،أو(على)بمعناه و هو الاستعلاء،أي أنّه ذو سلطة على بيّنة،أي أنّ الرّسل جميعا مصاحبون لحجّة بيّنة،و قادرون على إقامتها و الإتيان بها.

و هذه الحجّة من قبل ربّهم الّذي جهّزهم بها حجّة على الخلق،سواء كانت حجّة عقليّة،أو آية متلوّة،أو معجزة مبصرة.و إنّما قيّدت«البيّنة»في الآيات بهذا القيد(من ربّى)،لتكون شاهدة على صدق الرّسل في دعواهم أنّهم رسل اللّه،فلا بدّ أن تكون«البيّنة»صنعا إلهيّة،لا طاقة بشريّة.فسياقها سياق قوله في(10):

وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى.

و أظهر الآيات في هذا المعنى قوله في(18): أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ؛ حيث قارنت بين من كان على بيّنة من ربّه و بين من ساء عمله باتّباع هواه،و بالتّالي بين بيّنة من ربّه و عمل من نفسه،فشتّان ما بينهما!!

4-حجّة و انقطاعا،معذرة للهالك و النّاجي على السّواء،أي للمهتدي و الضّالّ في قوله(19): لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، فالبيّنة كما هي هداية إلى الحقّ و نجاة من الضّلال و أمان من الهلاك،فهي تكون في نفس الوقت حجّة على أهل الضّلال،و تسجيلا للعقاب،و سدّا للمعاذير،و سندا لألم السّعير.

ص: 447

ب-البيّنات(43)آية:خمسة أصناف:

الأوّل:الرّسل و البيّنات:

1- ...قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ آل عمران:183،184

2- ...وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ المائدة:32

3- ...وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ الأعراف:101

4- ...أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ التّوبة:70

5- ...وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يونس:13

6- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ... يونس:74

7- ...جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ... إبراهيم:9

8- ...وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ الرّوم:9

9- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ... الرّوم:47

10- وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ

فاطر:25

11- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ

المؤمن:22

12- قالُوا أَ وَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ

المؤمن:50

13- فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ

المؤمن:83

14- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ... الحديد:25

15- ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَ تَوَلَّوْا وَ اسْتَغْنَى اللّهُ وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ التّغابن:6

16- ...وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ... البقرة:213

الثّاني-يوسف و البيّنات:

17- وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ المؤمن:34

الثّالث-موسى و بنو إسرائيل و البيّنات:

18- وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ البقرة:92

19- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً الإسراء:101

20- فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا

ص: 448

ما هذا إِلاّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ

القصص:36

21- وَ قارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ العنكبوت:39

22- ...وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ... المؤمن:28

23- ...ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً النّساء:153

24- ...وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ

المائدة:110

25- وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

آل عمران:105

26- وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ... الجاثية:17

الرّابع-عيسى و البيّنات:

27- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ... البقرة:87

28- ...وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ... البقرة:253

29- وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ الصّفّ:6

الخامس:النّبيّ و القرآن و الآيات البيّنات:

30- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ... البقرة:185

31- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ أَنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ الحجّ:16

32- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النّور:1

33- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ الحديد:9

34- ...وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ المجادلة:5

35- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ...

يونس:15

36- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا مريم:73

37- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ... الحجّ:72

38- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجاثية:25

39- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ الأحقاف:7

40- إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاّ

ص: 449

رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَ قالُوا ما هذا إِلاّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ سبأ:43

41- فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:209

42- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ آل عمران:86

43- فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً... آل عمران:97

يلاحظ أوّلا:أنّ المراد ب«البيّنات»في الأصناف الأربعة الأولى-أي من(1)إلى(29)-المعجزات،لأنّها كانت حجج الرّسل جميعا-ما خلا نبيّنا عليه السّلام-على أممهم، و يشهد بذلك ما يأتي:

1-إنّه عطف(الكتاب)على(البيّنات)في ثلاث من الصّنف الأوّل:

في(1): جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ و في(10): جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ

و في(14): لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ...

2-إنّ آيات الصّنف الثّاني و الثّالث و الرّابع جليّة في معجزات يوسف و موسى و عيسى،و أجلاها أربع آيات:

الأولى:الآية(19): وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ، فإنّها تسع معجزات لموسى،ذكرها اللّه في قوله لموسى: وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ... النّمل:12.

الثّانية:الآية(20): فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ، أي ما سمعنا بعمل مثلها،لا بقول مثلها حتّى يراد بها الآيات المنزلة على موسى،فإنّها لم تكن معجزة كآيات القرآن.

الثّالثة:الآية(24): إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ، و جاءت هذه الآيات كلّها في شأن موسى عليه السّلام.

الرّابعة:الآية(29)في شأن عيسى: فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ.

فادّعاء السّحر في(البيّنات)في هذه الآيات دليل على أنّ المراد بها المعجزات،و سيأتي مثله في شأن القرآن.

ثانيا:أكثر آيات الصّنف الخامس صريحة في أنّ المراد بها آيات القرآن،فإنّها كانت معجزة للنّبيّ عليه السّلام بدلا من المعجزات لسائر الأنبياء.و هذه نكتة لم تكن تستكشف إلاّ من بعد إرداف آيات«البيّنات»و تصنيفها إلى الأصناف.

و هذا لا يعني أنّه لم يكن للنّبيّ عليه السّلام معجزة غير القرآن،كيف و قد ثبتت له مئات من المعجزات في السّنّة،و قد عدّ بعضهم منها ألف معجزة (1)،و في القرآن أيضا كالإسراء.بل المراد أنّه اعتمد في إثبات نبوّته على القرآن و آياته،و قد تحدّى القرآن بها مرارا،لاحظ بحث3.

ص: 450


1- لاحظ تفسير«البصائر»بالفارسيّة،في ذيل قوله: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ... فصّلت:53.

«الإعجاز»من«المدخل»،و كذا«القرآن»من مادّة «ق ر أ».

و نذيّل هذا الصنف بما يأتي:

1-أنّ الآيات(30-34)الّتي صرّحت بنزول الآيات البيّنات،و كذلك الآيات(35-40)الّتي صرّحت بتلاوة الآيات البيّنات،كلّها جليّة في أنّ (البيّنات)هي آيات القرآن.

2-أمّا الآيتان(33)و(43)فهما و إن لم تصرّحا بأنّ (البيّنات)هي الآيات،إلاّ أنّ سياقهما سياق ما سبقهما من الآيات،فهي ظاهرة في آيات الكتاب.

3-كما دلّلنا على أنّ(البيّنات)هي المعجزات فيما نزل في الأمم السّالفة لرميهم إيّاها بالسّحر،كذلك نستدلّ بالآيتين(39)و(40)أنّ المراد ب(البيّنات):آيات القرآن،لأنّها كانت معجزة لهم؛حيث نسبوها إلى السّحر.و هناك آيات أخرى جاء فيها رمي القرآن بالسّحر،منها:

وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ الأنبياء:3

وَ لَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنّا بِهِ كافِرُونَ* وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزّخرف:30،31

4-أمّا الآية(43)الّتي هي ذيل لقوله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ آل عمران:96،فصريحة بأنّ الآيات البيّنات فيها هي مقام إبراهيم و غيره من المشاعر في البيت الحرام.

ثالثا:قد تبيّن من كلّ ما سبق في«البيّنة و البيّنات» أنّهما جاءتا في القرآن مفردة و جمعا،وصفا للآيات القرآنيّة،و لمعجزات الأنبياء،و لمشاعر بيت اللّه،و كذلك بمعنى الحجّة و البرهان،يعلم ذلك حسب السّياق،و إنّ شيئا منها لا يبعد عن معناها اللّغويّ،و هو الواضح الجليّ،الّذي و قد ظهر بعد الخفاء.

المحور الثّالث:المبيّنة و المبيّنات(6)

آيات:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ... النّساء:19

2- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً

الأحزاب:30

3- ...لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ... الطّلاق:1

4- وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ مَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ النّور:34

5- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ النّور:46

6- ...قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الطّلاق:10،11

يلاحظ أوّلا:أنّ المفرد و الجمع جاءا وصفا ل(فاحشة)ذمّا،و ل(الآيات)مدحا بالتّساوي،ففي الثّلاث الأولى«المبيّنة»وصف للفاحشة،و في الثّلاث الأخرى«المبيّنات»وصف للآيات.

ص: 451

ثانيا:أنّ(فاحشة)جاءت نكرة تحقيرا و إنكارا لها، و تقليلا لحدوثها،و تعميما للقليل و الكثير،و المراد بها الزّنى،على خلاف حسبما جاء في النّصوص.و جاءت (الآيات)نكرة و جمعا تعظيما و تفخيما لشأنها، و تكثيرا لعددها،و المراد بها حسب السّياق:آيات القرآن.

ثالثا:جاءت«الفاحشة»في(1)و(3)وصفا للنّساء عامّة،استثناء من(لا تعضلوهنّ)،و(لا تخرجوهنّ)، فتصبح«الفاحشة»منهنّ مسوّغة لعضلهنّ حال الزّواج و لإخراجهنّ بعد الطّلاق.و في(2)وصفا لمن أمكن أن يأتين بها من نساء النّبيّ عليه السّلام،فيضاعف لهنّ العذاب ضعفين،كما يضاعف الأجر للقانتات و الصّالحات منهنّ.

رابعا:قرئت«مبيّنة»في(1)و(3)بفتح الياء و كسرها،و صوبهما الطّبريّ قراءة و معنى بأنّ الفاحشة إذا أظهرها صاحبها فهي«مبيّنة»بالفتح.ثمّ هي تبيّن على صاحبها فعلها،فهي«مبيّنة»بالكسر،فلا تكون ظاهرة بيّنة إلاّ و هي مبيّنة،و لا مبيّنة إلاّ و هي مبيّنة، و عن أبي زرعة أنّها بالكسر بمعنى ظاهرة،و بالفتح بمعنى مكشوفة،ثمّ ذكر نحو الطّبريّ.و عن الميبديّ أنّها على الكسر لازم،و على الفتح متعدّ،بحجّة ما مضى من أنّ أبان و بيّن و استبان لازم و متعدّ،و كذا قال الزّمخشريّ.

و عن الطّبريّ،عن ابن عبّاس«مبينة»بالكسر و التّخفيف.

و كذا قرئت(المبيّنات)في(4)بالفتح و الكسر،قال الفخر الرّازيّ:إنّها بالفتح حيث كانت،لأنّها قصد إظهارها،و في(فاحشة مبيّنة)لم يقصد إظهارها.ثمّ إنّه علّل الفتح في توصيف«الفاحشة و الآيات»بأنّه لا فعل لهما في الحقيقة،إنّما اللّه تعالى هو الّذي بيّنهما،و بأنّ «الفاحشة»تتبيّن بأربعة شهداء،و«الآيات»بيّنها اللّه، لاحظ النّصوص.

و الّذي نختاره أنّ الفتح و الكسر فيهما بمعنى اللاّزم، أي الواضح الجليّ دون قصد ظهورهما،فهما بمعنى بيّن و مبيّنة،و لا فرق بينهما إلاّ لفظا.و لعلّ صيغة«التّفعيل» فيهما للتّأكيد و الشّدّة دون التّعدية،فالمبيّنة و المبيّنات آكد ظهورا من البيّنة و البيّنات.و قد وصفت الآيات بالبيّنات و المبيّنات معا،إلاّ أنّ المبيّنات آكد في المغزى.

المحور الرّابع:المبين(117)آية،و هي
اشارة

صنفان:مدح و ذمّ:

الأوّل:المدح(62)آية،وصفا ل(17)

موصوفا نردفها حسب الحروف:

الأفق،آية:1- وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ

التّكوير:23

إمام،آيتان:2- فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ الحجر:79

3- ...وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ

يس:12

البلاغ،(7)آيات:4- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ المائدة:92

5- ...فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ

النّحل:35

6- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ

النّحل:82

ص: 452

7- وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ النّور:54

8- وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ العنكبوت:18

9- قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ* وَ ما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يس:16،17

10- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ التّغابن:12

ثعبان،آيتان:11 و 12- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الأعراف:107،الشّعراء:32

الحقّ،آيتان:13- يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25

14- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ

النّمل:79

رسول،آيتان:15- بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِينٌ الزّخرف:29

16- أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ

الدّخان:13

سلطان،(12)آية:17- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ هود:96

18- ...قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ

إبراهيم:10

19- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ المؤمنون:45

20- لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ النّمل:21

21- أَ فَلا تَذَكَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ

الصّافّات:155،156

22- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ

المؤمن:23

23- وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ الدّخان:19

24- وَ فِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ الذّاريات:38

25- أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ الطّور:38

26- ...وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً النّساء:91

27- ...أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً النّساء:144

28- ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً النّساء:153

شهاب،آية:29- وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ* إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ

الحجر:17،18

شيء،آية:30- قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ

الشّعراء:30

فتح،آية:31- إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً

الفتح:1

الفضل،آية:32- وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَ قالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ

ص: 453

هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ النّمل:16

الفوز،آيتان:33- مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الأنعام:16

34- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ

الجاثية:30

قرآن،آيتان:35- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ الحجر:1

36- وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ يس:69

كتاب(11)آية:37- ...قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ المائدة:15

38- ...وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ الأنعام:59

39- ...وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ يونس:61

40- وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ

هود:6

41- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ يوسف:1

42- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ الشّعراء:2

43- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ

النّمل:1

44- وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ النّمل:75

45- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ القصص:2

46- ...لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ سبأ:3

47- حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ الزّخرف:1،2

لسان،آيتان:48- ...وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103

49- بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ الشّعراء:195

نذير،(12)آية:50- أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الأعراف:184

51- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ هود:25

52- وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ الحجر:89

53- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

الحجّ:49

54- إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الشّعراء:115

55- وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ

العنكبوت:50

56- إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ

ص:70

57- ...إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ وَ ما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الأحقاف:9

58- فَفِرُّوا إِلَى اللّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ

الذّاريات:50

ص: 454

59- وَ لا تَجْعَلُوا مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ الذّاريات:51

60- قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ الملك:26

61- قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ نوح:2

نور،آية:62- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً النّساء:174

يلاحظ أوّلا:أنّ«المبين»في الموصوفات السّبعة عشر اسم فاعل من«أبان»-و هو لازم بمعنى«بان»كما سبق في«يبين».فلا تذهب إلى أنّ«المبين»بمعنى «المبيّن»،و إن ناسب بعضها كالبلاغ و الكتاب و القرآن و غيرها.و لعلّ باب«الإفعال»مثل«التّفعيل»هنا بمعنى التّأكيد،أي شديد الوضوح و الظّهور.و هذا وصف ينطبق على جميع هذه الموصوفات،و في النّصوص التّفسيريّة تجد ما يؤيّد هذه الرّؤية.

ثانيا:أنّها تختلف معرفة و نكرة،فالبلاغ المبين جاء معرفة دائما،و كذا الأفق المبين،و الحقّ المبين،و الفضل المبين،و الفوز المبين،أمّا سلطان مبين فجاء نكرة دائما، و كذلك رسول مبين،و إمام مبين،و ثعبان مبين، و شهاب مبين،و شيء مبين،و فتح مبين،و قرآن مبين، و نور مبين.

و هناك ما جاء معرفة و نكرة-و هي الأغلب-معا، و هو«الكتاب»،فقد جاء معرفة أربع مرّات:(41) و(42)و(45)و(47)و الباقي نكرة.و كذلك«النّذير» جاء معرفة مرّة واحدة:(52)و الباقي نكرة،فما هو الوجه في ذلك؟

خطر بالبال أوّل ذي بدء أنّ لهذا ربطا برويّ الآيات،و بدا لنا بعد ملاحظتها أنّه لا ربط للتّعريف و التّنكير فيها بالرّويّ،لأنّ أكثر رويّ الآيات فعل جمع أو صفة جمع آخرهما«نون».و قد روعي هذا الرّويّ في «المبين»كما يأتي،بل الرّويّ في بعضها نكرة،و جاء المبين معرفة مثل وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ* وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ* وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ التّكوير:

24-22.

و يبدو أنّ التّعريف جاء فيما ينصبّ التّركيز عليه مثل:الحقّ المبين،و الفضل المبين،و البلاغ المبين،و الفوز المبين.و يؤيّده أنّ كلمة«الحقّ»جاءت في أكثر مواردها -و هي كثيرة(227)مرّة-معرفة،و أنّ كلمة(الفوز) جاءت معرفة دائما،و أنّ«بلاغ مبين»لا يؤدّي ما أدّاه «البلاغ المبين»،فجاء معرفة دائما.

أمّا التّنكير فجاء فيما لم يهتمّ به هذا الاهتمام،بل لوحظ،تحقّق شيء منه،مثل:رسول مبين،و سلطان مبين و نحوهما،و هذا ما لا يدركه إلاّ من يتمتّع بذوق لغويّ سليم.

ثالثا:جاء«المبين»معرفة و نكرة،مدحا و ذمّا في آخر الآيات كرويّ لها دائما،موازنة لها،رفعا و نصبا و جرّا،و يبدو أنّه الغرض الأهمّ من الإتيان به،و إن كان مجيئه كوصف لما قبله ملحوظا أيضا.و هذا جار في كثير من الصّفات الّتي جاءت في آخر الآيات،و البحث المستوفى فيه موكول إلى«فصل الرّويّ من المدخل».

رابعا:مبين معرفة و نكرة جاء مرفوعا،أو مجرورا إلاّ في خمس آيات فجاء فيها نكرة منصوبة:(سلطانا

ص: 455

مبينا)ثلاثا في(26 و 27 و 28)و(نورا مبينا)مرّة في(62) كلّها في سورة النّساء،و(فتحا مبينا)مرّة(31)في أوّل سورة الفتح.و لئن لم يكن للتّعريف و التّنكير دخلا في الرّويّ،فللإعراب و لا سيّما النّصب في هذه الخمسة دخل فيه،فالرّويّ الغالب في السّورتين«فعيلا»و كرّر فيهما:

حكيما،رحيما،عظيما،سبيلا،و نحوها،فلاحظ.

خامسا:أكثر الموصوفات ب«المبين»عددا في هذا الصّنف:سلطان و نذير(12)مرّة،و كتاب(11)مرّة، و البلاغ(7)مرّات،و الباقي بين ما جاء مرّتين مثل:

قرآن،و رسول،و لسان،و ثعبان،و إمام،و الحقّ، و الفوز؛و بين ما جاء مرّة مثل:الأفق،و شهاب،و شيء، و فتح،و فضل،و نور.و لعلّ في هذه الأرقام سرّا أيضا فلاحظ.

الثّاني:الذّمّ(56)آية،وصفا ل(14)

موصوفا:

إثم(4)آيات:

1- وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:20

2- اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ كَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً النّساء:50

3- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112

4- وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً

الأحزاب:58

إفك،آية:5- لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ

النّور:12

بلاء،آيتان:6- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ

الصّافّات:106

7- وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ

الدّخان:33

خسران،(3)آيات:8- ...خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الحجّ:11

9- ...قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ

الزّمر:15

10- ...وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً النّساء:119

خصيم،آيتان:11- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ النّحل:4

12- أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ يس:77

الخصام،آية:13- أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزّخرف:18

دخان،آية:14- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدّخان:10

سحر،9 آيات:15- وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ المائدة:110

16- وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ

ص: 456

بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ

الأنعام:7

17- فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ يونس:76

18- ...وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ

هود:7

19- فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ النّمل:13

20- ...وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ سبأ:43

21- وَ قالُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ الصّافّات:15

22- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ الأحقاف:7

23- ...فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ الصّفّ:6

ساحر،آية:24- ...قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ يونس:2

ضلال،19 آية:25- ...وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ آل عمران:164

26- ...إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

الأنعام:74

27- قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الأعراف:60

28- ...إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف:8

29- ...إِنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف:30

30- أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مريم:38

31- قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

الأنبياء:54

32- تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الشّعراء:97

33- ...قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ القصص:85

34- هذا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ لقمان:11

35- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللّهُ وَ إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

سبأ:24

36- إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يس:24

37- ...قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

يس:47

38- ...فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الزّمر:22

39- أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الزّخرف:40

40- وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الأحقاف:32

41- ...وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ

الجمعة:2

42- قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا

ص: 457

فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الملك:29

43- ...وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً الأحزاب:36

ظالم،آية:44- وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ الصّافّات:113

عدوّ،(10)آيات:45- قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ القصص:15

46- وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة:168

47- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة:208

48- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ الأنعام:142

49- ...وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ الأعراف:22

50- ...إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ

يوسف:5

51- أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ يس:60

52- وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

الزّخرف:62

53- ...إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً

النّساء:101

54- ...إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً

الإسراء:53

غويّ،آية:55- ...قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ القصص:18

كفور،آية:56- وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ الزّخرف:15

يلاحظ أوّلا:أنّ«المبين»جاء مدحا 62 مرّة لسبعة عشر موصوفا،و جاء ذمّا 56 مرّة لأربعة عشر موصوفا،فزاد وصف المدح(6)مرّات و موصوفه مرّتين،على وصف الذّمّ و موصوفه.و هذا فيه رجاء و تبشير للنّاس،إلاّ أنّ«الضّلال»أكثر الأوصاف عددا، فجاءت 19 مرّة،و هذا يرمز-مع الأسف-إلى غلبة الضّلال على الهدى بين الأمم،و هو يطابق الواقع بالفعل.

و هو يزيد-على ما وصف به في جانب المدح- «سلطان»7 مرّات،و الكتاب 11 مرّة و النّذير 12 مرّة.

فالضّلال باق بحاله بين الأمم رغم وجود هذا الإحصاء:

للسّلطان و الكتاب و النّذير من اللّه تعالى.و للعلاّمة السّيّد هبة الدّين الشّهرستانيّ رحمه اللّه من كبار علماء العراق كلمة في هذا الشّأن،و هي:«مات أبو جهل و لكنّ الجهل لم يمت».

ثانيا:أكثر ما وصف به ذمّا الضّلال(19)مرّة، و السّحر(9)مرّة،و الإثم(4)مرّات،و الخسران(3) مرّات.و الباقي بين ما جاء مرّتين مثل:البلاء و الخصيم، و ما جاء مرّة مثل:الإفك و الخصام و الدّخان و السّاحر و الظّالم و الغويّ و الكفور.و لعلّك تجد بالتّأمّل في هذه الأرقام مناسبة ما بالنّسبة إلى بعضها بعضا،فتكشف سرّا،أو تعثر على نكتة.

ثالثا:يدور الكلام هنا حول وصف«المبين»،أمّا البحث في موصوفه-رغم وروده بكثرة في النّصوص

ص: 458

التّفسيريّة هنا-فموكول إلى موادّه،فلاحظ.

رابعا:الكلام فيها تعريفا و تنكيرا و إعرابا،مساوقة لرويّ الآيات،مثل الكلام فيما تقدّم.

المحور الخامس:المستبين:آية واحدة:

وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ الصّافّات:117

يلاحظ أوّلا:قد سبق في«تستبين»أنّ«استبان» جاء بمعنى«بان»،و أنّه محتمل فيه،بناء على قراءة رفع «سبيل»،و يحتمل الطّلب بناء على قراءة النّصب.

و الوجهان مستساغان هنا كما في النّصوص،إلاّ أنّ الميبديّ جعل«استبان»في أحد الوجهين مبالغة للفعل «بان»،فقال:«و جعل الكتاب بالغا في بيان الأحكام و تمييز الحلال عن الحرام،كأنّه يطلب من نفسه أن يبيّنها و يحمل نفسه على ذلك...».فأرجع المبالغة إلى معنى الطّلب،و هو لطيف،و كأنّ الطّباطبائيّ أشار إليه؛حيث قال:«أي يستبين المجهولات الخفيّة فيبيّنها».و كادوا يتّفقون على إفادته المبالغة.و من أكثرها مبالغة قول الآلوسيّ:«أي البليغ في البيان و التّفصيل،كما يشعر به زيادة البنية»،أي«المستبين»بدل«المبين»بزيادة التّاء و السّين.

ثانيا:يبدو أنّ للرّويّ دخلا في هذا،كما نبّه عليه السّيوطيّ؛حيث جعله من قسم المتماثل من الفواصل، و قال:«المتماثل أن يتساويا في الوزن دون التّقفية...نحو:

وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ* وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الصّافّات:117،118،فالكتاب و الصّراط يتوازنان،و كذلك المستبين و المستقيم، و اختلفا في الحرف الأخير».فظهر أنّه قد لوحظ في «المستبين»لطف اللّفظ و المعنى معا.

المحور السّادس:«بيان»:(3)آيات،

و«تبيان»:آية واحدة:

1- هذا بَيانٌ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ

آل عمران:138

2- عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرّحمن:4

3- ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ القيمة:19

4- وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:89

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين(1)و(3)جاءتا في شأن القرآن،فوصف القرآن في(1)بأنّه بيان للنّاس عامّة، أي يبيّن لهم ما أراد اللّه منهم،و في نفس الوقت القرآن هدى و موعظة للمسلمين:أي الّذين أسلموا للّه،كما هو كذلك للمتّقين،أي أنّ المسلمين و المتّقين من النّاس خاصّة هم الّذين يهتدون و يتّعظون دون غيرهم.

فالتّقوى و الإسلام-بهذا المعنى-شرط الانتفاع بالقرآن،و مثلها ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2،و آيات أخرى،و البحث في ذلك موكول إلى«ه د ي»و«و ق ي»و«ق ر أ».

و الآيات يفسّر بعضها بعضا،و هذا ينفي الرّيب في أنّ(هذا)إشارة إلى القرآن.

و لكن هناك قول بأنّه إشارة إلى ما سبق في قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، أو آيات قبلها،و اختاره الطّبريّ،و تبعه آخرون-بحجّة أنّ(هذا)إشارة إلى حاضر،إمّا مرئيّ أو مسموع،و هو هنا مسموع،و هي

ص: 459

الآيات المتقدّمة عليها.و هذه الحجّة لا تقاوم تلك الآيات المماثلة لها الّتي تفسّرها.

و وصف القرآن في(3)بأنّ على اللّه بيانه بعد أن كان عليه جمعه و قرآنه،فاختلف سياق الآيتين،ففي(1) القرآن نفسه بيان،و في(3)بيان القرآن على اللّه.و بيان اللّه للقرآن إمّا خلال الآيات القرآنيّة،أو بوحي إلى النّبيّ،فينعكس على سنّته و على لسان عترته حسب حديث الثّقلين،لاحظ«ق ر أ».

ثانيا:قال البغويّ:«البيان هو الدّلالة الّتي تفيد إزالة الشّبهة بعد أن كانت حاصلة».و هذا يوافق ما سبق أن أفدناه أنّ مادّة«البيان»هو الوضوح بعد الخفاء، و الانكشاف بعد الاشتباه،لا مطلق الوضوح و الانكشاف.

ثالثا:الآية(2)تتمّة ما قبلها: اَلرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ الرّحمن:1-4، و اختلف في تفسير«البيان»على أقوال أحصاها الرّاونديّ ثمانية،بعضها تأويل،أو تخصيص للجنس بفرد.و الّذي يفيده السّياق أنّ الإنسان هنا-كعامّة الآيات-جنس البشر،و«البيان»هو ما اختصّ به من النّطق باللّسان الّذي يمتاز به عن سائر الحيوانات،لاحظ «الإنسان»في(3:878)من«المعجم».

رابعا:قوله: عَلَّمَهُ الْبَيانَ جملة مستقلّه عمّا قبلها،و هي غير مرتبطة في نفسها بالقرآن،بخلاف(1) و(3)،فإنّهما جاءتا-كما سبق-في شأن القرآن.بيد أنّ (2)جاءت تلو اَلرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ، و الإنسان هو الّذي علّمه اللّه الرّحمن-أي حسب رحمته الواسعة- القرآن.كما جاءت خَلَقَ الْإِنْسانَ واسطة بين الجملتين،فترمز الجمل الثّلاث حسب ترتيبها إلى أنّ تعليم القرآن-و بالتّالي العمل به-هو الهدف الأصليّ لخلق الإنسان و لتعليمه البيان؛و ذلك أنّ القرآن ينظّم برنامج حياته إلى منتهى سيره المادّيّ و الرّوحيّ، و لا يصل الإنسان إلى غايته الّتي خلق لأجلها إلاّ بالقرآن.

و ظهر بذلك أنّ لهذه الآية مساسا للقرآن أيضا، لا يقلّ عن الآيتين(1)و(3).و يترتّب عليه أنّ الإنسان إذا بلغ ذروة كماله،لا يجري على بيانه و لسانه إلاّ فيما تعلّمه من القرآن،ففيه منتهى الكمال،و نهاية المطاف.

خامسا:جاء«التّبيان»مرّة في القرآن خلال الآية (4)،و هو مصدر«بيّن»،كالتّذكار مصدر«ذكّر».و قيل:

إنّه اسم لا مصدر،فإنّ المصدر بفتح التّاء مثل:تعداد.

و نقول:سواء كان اسما أم مصدرا فهو هنا وصف نظير«زيد عدل»كالمبيّن تماما.و قد سبق البحث في «بيّن»أنّه جاء لازما مثل:بان و أبان و استبان،أي ظهر، و جاء متعدّيا بمعنى الكشف و الإظهار و البيان مع شيء من التّأكيد الّذي هو من معاني باب«التّفعيل».و عليه فمعنى الآية أنّ القرآن فيه بيان واف لكلّ شيء ممّا يحتاج إليه الإنسان شريعة و منهاجا كالآتي.

سادسا:الظّاهر أنّ المراد كون القرآن بيانا لكلّ شيء من أمر الدّين و الدّنيا الّذي لا يعلم إلاّ بالوحي، و إليه يرمز كثير من النّصوص التّفسيريّة.و قد بالغ بعض العرفاء بقوله:إنّ فيه كلّ شيء يفهم بطريقة علم الحروف و شيء من الرّموز.و هذا لم يثبت عندنا

ص: 460

و لا ننكره،و لو صحّ لا يصحّ فهمه من هذه الآية،لأنّها جاءت حسب فهم عامّة النّاس،دون أرباب الرّموز و أصحاب الحروف.

سابعا:أشكل الرّازيّ و غيره في هذا المجال بما يلي:

1-إذا كان القرآن بيانا لكلّ شيء،فمن أين وقع بين الأمّة هذا الخلاف الطّويل العريض،و لا سيّما في أحكام الشّريعة؟

و أجاب بأنّه لم يبيّن كلّه في القرآن نصّا،بل بعضه مستنبط منه بالنّظر و الاستدلال،و هذا مختلف فيه.

2-إنّ كثيرا من أحكام الشّريعة لم تعلم من القرآن نصّا و لا استنباطا،كعدد ركعات الصّلاة،و كمقادير مدّة السّفر و المسح و الحيض و حدّ الشّرب و نصاب السّرقة و غيرها.

و أجاب بأنّ القرآن نصّ على بعضها،و أحال على السّنّة بعضها بقوله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:7،و آيات أخرى ذكرها.أو أحال على الإجماع في قوله: وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:115.أو على القياس في قوله: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ الحشر:2.فهذه أربعة طرق لا يخرج منها شيء من أحكام الشّريعة، و كلّها مذكورة في القرآن،فصحّ كونه تبيانا لكلّ شيء.

و ما ذكره-بصرف النّظر عن دلالة آيتي الإجماع و القياس عليهما-لا بأس به.و الحقّ أنّ في القرآن كلّيّات الشّريعة و العقيدة.و أمّا الشّرح و التّفريع و الاستنباط فيها فموكول إلى الاجتهاد الّذي نصّ عليه القرآن بقوله:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ في آية النّفر(التّوبة:122)، و بقوله: فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:17،18.و حتّى مصادر الاستنباط، و هي العقل و الإجماع و القياس-عند من يقول به- و غيرها لها جذور في القرآن،لاحظ البحث المستوفى في «ق ر أ»:القرآن.

المحور السّابع:«بين»:و قد جاء(266)مرّة،في

عشر صور:بين(88)،بينك(7)،بينكم(39)،بيننا

(17)،بينه(5)،بينها(2)،بينهم(64)،بينهما(32)،

بينهنّ(1)،بيني(11)مرّة.

يلاحظ أوّلا:أنّ معناه الشّائع في القرآن هو الميز و التّفرقة بين أمور:

1-بين شيئين: وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ البقرة:164

2-بين أشياء: فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ

آل عمران:103

و هذا باعتبار آخر مثال للتّفرقة بين أشخاص.

3-بين أشياء و شيء: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الشّعراء:24

4-بين شخصين: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ البقرة:102

5-بين أشخاص: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ

البقرة:285

6-بين جماعة و جماعة: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ الأعراف:89

و مثله: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا الكهف:94

ص: 461

7-بين شخص و جماعة: فَافْتَحْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَتْحاً الشّعراء:118

و مثله: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً

الصّافّات:158

8-بين شخص و شيء: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24

9-بين أشخاص و شيء: وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ سبأ:54

10-بين جماعة و أشياء: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها سبأ:18

11-بين وصفين: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:68

12-بين فعلين: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً الإسراء:110

و مثله: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً الفرقان:67

ثانيا:جاء«بين»للجمع أو ما ينتهي إليه:

1-الجمع: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ النّساء:23

و مثله: اَللّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا الشّورى:15، فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما الكهف:61

2-الصّلح،و هو كثير: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً النّساء:128

3-الرّحمة: وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29

4-المودّة: وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً

الرّوم:21

و مثله: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ العنكبوت:25.

كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ النّساء:73.

عَسَى اللّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً الممتحنة:7

5-الفضل: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

البقرة:237

6-الميثاق،و هو متعدّد: إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ النّساء:90

و كذلك:التّأليف،و التّراضي،و التّوفيق،و التّساوي، و التّقديم و نحوها،و سنتلو آياتها تباعا.

ثالثا:جاء«بين»كثيرا بمعنى«قبل»مضافا إلى «يديه»أو«أيدي»في مواضيع:

1-التّصديق للكتب السّابقة،و أكثرها في شأن القرآن،مثل: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ آل عمران:3

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ... المائدة:48

و جاء في صيانة القرآن: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42

و منه تصديق عيسى التّوراة: وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ

المائدة:46.

إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ الصّفّ:6

2-تقدّم الرّسل و النّذر: وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ

ص: 462

يَدَيْهِ الأحقاف:21

إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ فصّلت:14

إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ

سبأ:46

3-البشرى قبل الرّحمة: وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الأعراف:57

4-التّقديم بين يدي اللّه و رسوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ الحجرات:1

5-تقديم الصّدقة قبل النّجوى: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً المجادلة:12

6-العلم: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110

7-الملك: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم:64

8-الحفظ: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11

9-الإحاطة: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً الجنّ:25،26

10-الإغواء و التّزيين: وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ فصّلت:25

11-الإضلال: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ الأعراف:16،17

12-الاتّقاء قبل العذاب: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يس:45

13-النّكال: ...فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ* فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:65،66

14-افتراء النّساء بالولد: وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ الممتحنة:12

15-عمل الجنّ بين يدي سليمان: وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ سبأ:12

رابعا:يختلف هذا السّياق في القرآن على أنحاء:

1-ما أضيف إلى المثنّاة:يدي،مثل: بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، و جاء بكثرة على صنفين:

الأوّل:ما أريد به السّبق في الزّمان،و هذا عامّ في آيات التّصديق لما بين يديه.

الثّاني:ما أريد به«الأمام»في المكان،و هذا عامّ في ما أضيف«يدي»إلى شخص،مثل: مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أي أمام سليمان،و بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ، أي أمام اللّه و رسوله،و نحو ذلك.

2-ما أضيف إلى الجمع«أيدي»،و هو كثير أيضا.

و الغالب عليه«الأمام»،و قد يضمّ فيها إلى«بين أيديهم»،«و ما خلفهم».و هو قرينة على ما ذكر مثل:

لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا، و هذا عامّ في كلّ ما ضمّ إليه«و ما خلفهم»،و مثلها في«يديه»: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ.

و قد يضمّ إلى«خلفهم»:(و عن أيمانهم و عن شمائلهم)،و هذا يزيل كلّ ريب في أنّ المراد به المكان

ص: 463

و الأمام.

3-و من هذا القبيل آية افتراء النّساء: يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ الممتحنة:12،أي يفترين الولد الّذي أمامهنّ،و الخارج من بين أرجلهنّ.

و على العموم يميّز ما أريد به السّبق في الزّمان و في المكان،بالتّأمّل فيما أدرجناه من العناوين الخمسة عشر.

خامسا:إذا أضيف«بين»إلى مضاف إليه غير مكرّر فلا يتكرّر،و هذا أكثر ما جاء في القرآن:

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ البقرة:188

و إذا أضيف إلى مضاف إليه مكرّر فيتكرّر،و هذا كثير في القرآن.

وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً

الممتحنة:4

يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ

الزّخرف:38

وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ

فصّلت:5

و المراد بالمكرّر ما اعتبر المضاف إليه ذا أمرين متقابلين مثل:«بيننا و بينك»،و غير المكرّر ما ليس كذلك،و إن كان جمعا مثل:«بينكم»و هو كثير،أو مثنّى مثل:«بين الأختين»و«بين المرء و زوجه»و«يوفّق اللّه بينهما».

سادسا:جاء«بين»ظرفا ل 66 فعلا،نكتفي في هذه القائمة بآية واحدة لكلّ منها:

1-الائتمار: ...وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ...

الطّلاق:6

2-الابتغاء: ...وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً

الإسراء:110

3-الإتيان: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ... الأعراف:17

4-الإسقاء: ...نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ النّحل:66

5-الإصلاح: ...وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة:224

6-الإغراء: ...فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ... المائدة:14

7-الافتراء: ...يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ...

الممتحنة:12

8-الأكل: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ...

البقرة:188

9-الإلقاء: ...وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ... المائدة:64

10-البأس: ...بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى... الحشر:14

11-البدوّ: ...وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً... الممتحنة:4

12-البشر: وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ... الأعراف:57

13-البعد: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ...

الزّخرف:38

14-البلوغ: حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً... الكهف:93

ص: 464

15-التّأذين: ...فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ الأعراف:44

16-التّأليف: وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:63

17-التّبعيد: فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا...

سبأ:19

18-التّخافت: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً طه:103

19-التّداول: ...وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ... آل عمران:140

20-التّذبيب: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ...

النّساء:143

21-التّراضي: ...إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ...

البقرة:232

22-التّزييل: فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيّانا تَعْبُدُونَ يونس:28

23-التّزيين: وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ... فصّلت:25

24-التّصريف: ...وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... البقرة:164

25-التّعقيب: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ... الرّعد:11

26-التّفريق: ...ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ... البقرة:102

27-التّقطيع: ...لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:94

28-التّنزيل: ...يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ... الطّلاق:12

29-التّوفيق: ...إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما... النّساء:35

30-الجمع: ...وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ... النّساء:23

31-الحجاب: ...وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ فصّلت:5

32-الحكم: ...وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ... البقرة:213

33-الحول: ...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ... الأنفال:24

34-الخلوّ: ...وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ... الأحقاف:21

35-الدّخل: ...تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ...

النّحل:92

36-الدّعاء: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً... النّور:63

37-الدّولة: ...كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ... الحشر:7

38-الرّؤية: أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... سبأ:9

39-الرّبّ: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفّارُ ص:66

40-الرّحمة: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ

ص: 465

أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29

41-السّعي: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ... الحديد:12

42-السّواء: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ... آل عمران:64

43-الشّجور: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ... النّساء:65

44-الشّهادة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ... المائدة:106

45-الشّورى: ...وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ

الشّورى:38

46-الصّلة: إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ... النّساء:90

47-الضّرب: ...فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ... الحديد:13

48-الطّواف: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ

الرّحمن:44

49-العدل: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ... النّساء:129

50-العلم: ...يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ...

البقرة:255

51-العمل: ...وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ... سبأ:12

52-العوان: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:68

53-الفتح: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ الأعراف:89

54-الفراق: قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ...

الكهف:78

55-الفضل: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة:237

56-القسم: ...نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... الزّخرف:32

57-القضاء: قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ... الأنعام:58

58-القول: قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ القصص:28

59-الكتابة: ...وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ... البقرة:282

60-المجيء: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ... فصّلت:14

61-الملك: وَ تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما... الزّخرف:85

62-المودّة: ...كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ... النّساء:73

63-الميثاق: ...وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ... النّساء:92

64-النّزغ: ...وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي... يوسف:100

65-النّسب: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ المؤمنون:101

66-النّكال: فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها... البقرة:66

ص: 466

سابعا:يضاف«بين»عادة إلى شيئين أو أشياء للفصل بينها،و جاء خلال الآيات،ما ظاهره الإضافة إلى المفرد،فجاءت في التّفاسير بحوث حوله توجيها له:

1- إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:68،أضيف فيها(بين)إلى(ذلك)،و هو إشارة إلى واحد.و قد أسهبوا في تخريجه،و حاصله أنّ(ذلك) هنا إشارة إلى ما ذكر من الوصفين،و استشهدوا له بآيات أخرى و بالشّعر،فلاحظ.

2- وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ النّساء:152، دخل(بين)على(أحد)و هو مفرد.فقالوا:إنّ«أحدا» نكرة في سياق النّفي تفيد العموم،أي لم يفرّقوا بين رسله، فاعترفوا بهم جميعا،و لم ينكروا أحدا منهم.

3- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ...

النّور:43،الضّمير يرجع إلى سحاب و هو واحد.قيل:

إنّ السّحاب اسم جنس بمعنى الجمع،فهو بمعنى «سحب»،مثل: وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ الرّعد:12، حيث وصف ب(الثّقال)و هو جمع،و واحدته:سحابة، كالنّخل و النّخلة.أو يقال:إنّ السّحاب و إن كان مفردا فله أجزاء و فروج،فالمراد:خلال أجزائه و فروجه.

ثامنا:«بين»ظرف لما قبله عادة،و جاء خلال الآيات ما يوهم خلاف ذلك:

1- فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً الكهف:52،فقرئ (بينهم) بالنّصب،أي جعلنا بين الدّاعين و المدعوّين موبقا:هلاكا،و هو ظرف.

و قرئ (بينهم) بالرّفع،و هو حينئذ مصدر بمعنى الوصف، أي و جعلنا تواصلهم في الدّنيا هلاكا يوم القيامة،قاله الفرّاء،و تبعه غيره،لاحظ الأصول اللّغويّة.

2- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ مريم:37،أي من بين الأحزاب،أو الأمم،أو النّاس.و عليه ف«البين» ظرف دخل فيه(من)-و هو زائد-للتّعميم،أي اختلف الأحزاب كلّهم.

و قيل:إنّه بمعنى البعد،أي اختلفوا لبعدهم عن الحقّ،ف«من»سببيّة.

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... المائدة:

106،فأضيف إليه«شهادة»و هي مصدر.و المعنى شهادة ما بينكم،و نظيره هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،بالإضافة،و المعنى فراق ما بيني و بينك.

4- لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ الأنعام:94،بناء على قراءة (بينكم) بالنّصب،فهو ظرف ل(تقطّع)أو لمقدّر، أي تقطّع وصلكم بينكم،و هو بعيد.و على قراءة الرّفع فهو بمعنى الوصل،أي تقطّع تواصلكم في الدّنيا،أو تقطّع ما كان بينكم من الوصل في الدّنيا و أنتم الآن في الآخرة، لاحظ الأصول اللّغويّة.و ذكروا نظيره: وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ الجنّ:11،و في قراءة (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) الممتحنة:3، بضمّ الياء و فتح الصّاد،فإنّ(دون)و(بين)فيهما اسمان و ليسا بظرفين.

5- وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الأنفال:1،أضيف «ذات»مؤنّثة إلى(بين)-و هو بمعنى الوصل-فجعله ذاتا و اختار الطّبريّ و غيره أنّ معناه الحال الّتي للبين،مثل:

ذات العشاء،بمعنى السّاعة الّتي فيها العشاء.و الأشياء تختلف في التّذكير و التّأنيث حسب ما جرت به عادة العرب،فالمعنى حقيقة وصلكم.أو المعنى-كما قاله

ص: 467

الطّبرسيّ و غيره-أصلحوا ما بينكم من الخصومة و المنازعة.ف«البين»على هذا ظرف،و على الوجوه الأخرى إمّا بمعنى الوصل أو الفراق،فلاحظ النّصوص.

6- هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ الكهف:78،أي فراق ما بيني و بينك،أو فراق حصل بيني و بينك،بناء على قراءة (بينك)نصبا.و أمّا على قراءته جرّا ف«البين»اسم بمعنى الوصل،أي هذا فراق اتّصالنا.و إنّما قال: (بَيْنِي وَ بَيْنِكَ) بدل«بيننا»للتّأكيد،كما يقال:أخزى اللّه الكاذب منّي و منك،و مثله: شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ الإسراء:96.

ص: 468

حرف التّاء

اشارة

و فيه 24 لفظا

تابوت

تبب

تبر

تبع

تجر

تحت

ترب

ترف

ترق

ترك

تسع

تعس

تفث

تقن

تلك

تلّ

تلو

تمم

تنور

توب

تور

توراة

تين

تيه

ص: 469

ص: 470

تابوت

اشارة

لفظ واحد،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

قاسم بن معن: لم تختلف لغة قريش و الأنصار في شيء من القرآن إلاّ في(التابوت)فلغة قريش بالتّاء، و لغة الأنصار بالهاء.(الجوهريّ 1:92)

نحوه ابن مجاهد(الزّبيديّ 1:161)،و الطّوسيّ(2:

293)،و الطّبرسيّ(1:352).

الفارسيّ: التّابوت:هو الصّندوق«فعلوت»من التّوب،فإنّه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه.

مثله ابن جنّيّ.(الزّبيديّ 1:161)

الصّاحب:التّابوت:ما انطوت عليه الأضلاع كالصّدر و القلب،و هو التّبّوت أيضا.(9:416)

الجوهريّ: التّابوت:أصله«تابوة»مثل ترقوة، و هو«فعلوة»،فلمّا سكّنت الواو انقلبت هاء التّأنيث تاء.(1:92)

ابن سيده: التّابوه:لغة في التّابوت،أنصاريّة.قال ابن جنّيّ:و قد قرئ بها،قال:و أراهم غلطوا بالتّاء الأصليّة،فإنّه سمع بعضهم يقول:قعدنا على الفراه، يريدون على الفرات.(4:201)

التّابوت:الأضلاع و ما تحويه كالقلب و الكبد و غيرهما،تشبيها بالصّندوق الّذي يحرز فيه المتاع.

و قيل:الصّدر،هو التّبوت،و التّابوه.(الإفصاح 1:657)

الزّمخشريّ: ما أودعت تابوتي شيئا ففقدته،أي ما أودعت صدري علما فعدمته.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:36)

المدينيّ: في حديث دعاء اللّيل،عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«اللّهم اجعل في قلبي نورا،و في سمعي نورا،و في كذا،و في كذا في التّابوت».

أصل التّابوت:الأضلاع بما تحويه كالقلب و الصّدر و نحوهما،و يسمّى كلّ ما يحتوي على شيء تابوتا،و أراد

ص: 471

به هاهنا شبه الصّندوق الّذي يجعل فيه الكتب و نحوها، أراد أنّه مكتوب موضوع في الصّندوق.و قيل:ليس بعربيّ أصليّ.(1:214)

نحوه ابن الأثير.(1:178)

ابن برّيّ: التّصريف الّذي ذكره الجوهريّ في هذه اللّفظة حتّى ردّها إلى«تابوت»تصريف فاسد، و الصّواب أن يذكر في فصل«ت ب ت»لأنّ تاءه أصليّة، و وزنه«فاعول»مثل عاقول و حاطوم،و الوقف عليها بالتّاء في أكثر اللّغات.

و من وقف عليها بالهاء فإنّه أبدلها من التّاء،كما أبدلها في«الفرات»حين وقف عليها بالهاء.و ليست التّاء في «الفرات»بتاء تأنيث،و إنّما هي أصليّة من نفس الكلمة.

(الزّبيديّ 1:161)

الصّغانيّ: و التّبّوت:ما انطوت عليه الأضلاع كالصّدر و القلب.(1:72)

ابن منظور :«تبت»هذه ترجمة لم يترجم عليها أحد من مصنّفي الأصول،و ذكره ابن الأثير لمراعاته ترتيبه في كتابه،و ترجمنا نحن عليها،لأنّ الشّيخ أبا محمّد ابن برّيّ،رحمه اللّه...قال في ترجمة«توب»...[ثمّ ذكر كلام ابن برّيّ السّابق إلى أن قال:]

و ذكره ابن سيدة أيضا في ترجمة«تبه»و قال:التّابوه لغة في التّابوت أنصاريّة،و قد ذكرناه نحن أيضا في ترجمة «تبه»و لم أر في ترجمة«تبت»شيئا في الأصول.و ذكرتها أنا هنا مراعاة لقول الشّيخ أبي محمّد ابن برّيّ:كان الصّواب أن يذكر في ترجمة«تبت»،و لما ذكره ابن الأثير...[ثمّ ذكر قوله و قد سبق«نحوه»عند المدينيّ]

(2:17)

أبو حيّان :التّابوت:معروف و هو الصّندوق،و في التّابوت قولان:

أحدهما:أنّ وزنه«فاعول»و لا يعرف له اشتقاق؛ و لغة فيه«التّابوه»بالهاء آخرا.

و يجوز أن تكون الهاء بدلا من التّاء،كما أبدلوها منها في الوقف في مثل طلحة،فقالوا:«طلحه».و لا يجوز أن يكون«فعلوتا»كملكوت من تاب يتوب،لفقدان معنى الاشتقاق فيه.

و القول الآخر:[و هو قول الزّمخشريّ،و سيأتي في النّصوص التّفسيريّة](2:260)

الفيروزآباديّ: التّابوت،أصله:تأبوة كترقوة، سكّنت الواو فانقلبت هاء التّأنيث تاء؛و لغة الأنصار «التّابوه»بالهاء.(1:41)

التّابوت،و هو شبه صندوق ينحت من خشب.

و أصله:تابوة كترقوة،سكّنت الواو،فانقلب هاء التّأنيث تاء.

و التّبوت كزبور:لغة في التّابوت.

(بصائر ذوي التّمييز 2:290)

الطّريحيّ: [نحو الجوهريّ و أضاف:]

و في حديث أهل البيت عليهم السّلام:«جعلكم اللّه تابوت علمه و عصيّ عزّه»أي مجمع علمه و قوّة لعزّه.

(2:16)

التّابوت:«فعلوت»من التّوبة،فإنّه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه.(غريب القرآن:88)

الزّبيديّ: قال شيخنا:و الّذي ذكره الزّمخشريّ«أنّ

ص: 472

أصله:توبوت«فعلوت»تحرّكت الواو و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا»،أقرب للقواعد و أجرى على الأصول.

و ترجّحت لغة قريش لأنّ إبدال التّاء هاء إذا لم تكن للتّأنيث-كما هو رأي الزّمخشريّ-شاذّ في العربيّة، بخلاف رأى المصنّف و الجوهريّ و أكثر الصّرفيّين.

(1:161)

فريد وجدي: [نحو الفارسيّ و أضاف:]

و تاؤه مزيدة لغير التّأنيث كجبروت.(1:81)

محمّد إسماعيل إبراهيم: التّابوت:الصّندوق يحفظ فيه المتاع،و منه صندوق الميّت.

و تابوت العهد:هو الصّندوق الّذي كانت به بقايا ألواح التّوراة،و كان قد رفع إلى السّماء،ثمّ أنزله اللّه على اليهود.(1:87)

محمود شيت: 1-و التّابوت من النّاعورة:علبة من خشب أو حديد تغرف الماء من البئر.

2-التّابوت:الصّندوق الّذي يحمل فيه الشّهيد أو الميّت إلى المقبرة لدفنه فيها.(1:110)

الطّباطبائيّ: التّابوت هو الصّندوق،و هو على ما قيل:«فعلوت»من«التّوب»بمعنى الرّجوع،لأنّ الإنسان يرجع إلى الصّندوق رجوعا بعد رجوع.

(2:289)

المصطفويّ: [ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

قع:[قاموس موسى عبريّ-عربيّ] «تباه»صندوق،فلك نوح،تابوت العهد.

فظهر أنّ هذه الكلمة مأخوذة من كلمة«تباه» العبريّة،و معناه قريب من الصّندوق،و هي اسم لا اشتقاق لها.

و الهاء في آخر«تباه»إذا أضيفت إلى كلمة أخرى قلبت تاء،فيقال:تبت مكتابيت -صندوق الرّسائل.

(1:353)

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

1- أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ...

طه:39

ابن عبّاس: أن اطرحي الصّبيّ في التّابوت البرديّ.

(261)

ابن عربيّ: أَنِ اقْذِفِيهِ في تابوت البدن،أو الطّبيعة الجسمانيّة.(2:41)

البروسويّ: قال بعض أرباب المعارف:(التّابوت) إشارة إلى ناسوت موسى عليه السّلام،أي صورته الإنسانيّة.

(5:382)

عزّة دروزة :(التّابوت)كناية عن القفص أو الصّندوق الّذي وضع فيه موسى حينما ألقته أمّه في البحر.

(3:75)

الطّباطبائيّ: الصّندوق و ما يشبهه.(14:150)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ كلمة(التّابوت)تعني الصّندوق الخشبيّ،و على عكس ما يظنّه البعض من أنّه يعني دائما الصّندوق الّذي فيه الأموات،بل إنّه له معنى واسعا؛حيث تطلق أحيانا على الصّناديق الأخرى أيضا، كما قرأنا ذلك في قصّة طالوت و جالوت،في ذيل الآية (248)البقرة.(9:491)

ص: 473

2- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

البقرة:248

ابن عبّاس: هو أن يردّ إليكم التّابوت الّذي أخذ منكم.(35)

لمّا قال لهم نبيّهم:«إنّ اللّه اصطفى طالوت عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم»أبوا أن يسلّموا له الرّئاسة،حتّى قال لهم: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ.

فقال لهم:أ رأيتم إن جاءكم التّابوت فيه سكينة من ربّكم،و بقيّة ممّا ترك آل موسى و آل هارون،تحمله الملائكة؟و كان موسى حين ألقى الألواح تكسّرت،و رفع منها،فنزل،فجمع ما بقي،فجعله في ذلك التّابوت.

إنّه لم يبق من الألواح إلاّ سدسها،و كانت العمالقة قد سبت ذلك التّابوت.و العمالقة:فرقة من عاد كانوا بأريحاء،فجاءت الملائكة بالتّابوت تحمله بين السّماء و الأرض،و هم ينظرون إلى التّابوت،حتّى وضعته عند طالوت،فلمّا رأوا ذلك قالوا:نعم،فسلّموا له و ملّكوه.

و كانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدّموا التّابوت بين يديهم،و يقولون:إنّ آدم نزل بذلك التّابوت و بالرّكن، و بلغني أنّ التّابوت و عصا موسى في بحيرة طبريّة، و أنّهما يخرجان قبل يوم القيامة.(الطّبريّ 2:609)

كان التّابوت من عود الشّمشار،عليه صفائح الذّهب،و كان يكون مع الأنبياء إذا حضروا قتالا، قدّموه بين أيديهم يستنصرون به،و فيه السّكينة.

(ابن الجوزيّ 1:294)

الإمام الباقر عليه السّلام: [في حديث]...و كان التّابوت، الّذي أنزل اللّه على موسى فوضعته فيه أمّه و ألقته في اليمّ.فكان في بني إسرائيل معظّما يتبرّكون به،فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح و ما كان عنده من آيات النّبوّة و أودعه يوشع وصيّه،فلم يزل التّابوت بينهم حتّى استخفّوا به،و كان الصّبيان يلعبون به في الطّرقات.فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ و شرف ما دام التّابوت عندهم،فلمّا عملوا بالمعاصي و استخفّوا بالتّابوت رفعه اللّه عنهم،فلمّا سألوا النّبيّ بعث اللّه طالوت عليهم يقاتل معهم،ردّ اللّه عليهم التّابوت...

(القمّيّ 1:81)

قتادة :كان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نون، و هو بالبرّيّة،و أقبلت به الملائكة تحمله،حتّى وضعته في دار طالوت.فأصبح في داره.

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 2:610)

و كان في برّيّة التّيه خلّفه هناك يوشع بن نون، فحملته الملائكة إلى بني إسرائيل.(الطّبرسيّ 1:353)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّما مثل السّلاح فينا مثل التّابوت في بني إسرائيل،كانت بنو إسرائيل أيّ أهل بيت وجد التّابوت على بابهم أوتوا النّبوّة،فمن صار إليه السّلاح منّا أوتي الإمامة.

[و في رواية]: حيث ما دار التّابوت في بني إسرائيل دار الملك،و أينما دار السّلاح فينا دار الملك و العلم.

(الكاشانيّ 1:254)

الإمام الكاظم عليه السّلام: [في حديث]سئل عليه السّلام:ما كان

ص: 474

تابوت موسى و كم كان سعته؟قال:ثلاثة أذرع في ذراعين.قيل:و ما كان فيه؟قال:عصا موسى و السّكينة.قيل:و ما السّكينة؟قال:روح اللّه يتكلّم، كانوا إذا اختلفوا في شيء كلّمهم و أخبرهم ببيان ما يريدون.(الكاشانيّ 1:254)

الطّبريّ: و هو التّابوت الّذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوّا لهم قدّموه أمامهم،و زحفوا معه،فلا يقوم لهم معه عدوّ،و لا يظهر عليهم أحد ناوأهم.حتّى منعوا أمر اللّه،و كثر اختلافهم على أنبيائهم،فسلبهم اللّه إيّاه مرّة بعد مرّة،يردّه إليهم في كلّ ذلك،حتّى سلبهم آخر مرّة، فلم يردّه عليهم،و لن يردّه إليهم آخر الأبد.[و نقل قول ابن عبّاس و قتادة ثمّ قال:]

و أولى القولين في ذلك بالصّواب:ما قاله ابن عبّاس و وهب بن منبّه،من أنّ التّابوت كان عند عدوّ لبني إسرائيل كان سلبهموه،و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال مخبرا عن نبيّه في ذلك الزّمان قوله لقومه من بني إسرائيل: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ و الألف و اللاّم لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلاّ في معروف عند المتخاطبين به،و قد عرفه المخبر و المخبر،فقد علم بذلك أنّ معنى الكلام:أنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت الّذي قد عرفتموه،الّذي كنتم تستنصرون به،فيه سكينة من ربّكم،و لو كان ذلك تابوتا من التّوابيت غير معلوم عندهم قدره،و مبلغ نفعه قبل ذلك لقيل:إنّ آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربّكم.

فإن ظنّ ذو غفلة أنّهم كانوا قد عرفوا ذلك التّابوت و قدر نفعه و ما فيه،و هو عند موسى،و يوشع،فإنّ ذلك ما لا يخفى خطؤه،و ذلك أنّه لم يبلغنا أنّ موسى لاقى عدوّا قطّ بالتّابوت،و لا فتاه يوشع،بل الّذي يعرف من أمر موسى،و أمر فرعون،ما قصّ اللّه من شأنهما،و كذلك أمره و أمر الجبّارين.

و أمّا فتاه يوشع،فإنّ الّذين قالوا هذه المقالة،زعموا أنّ يوشع خلّفه في التّيه،حتّى ردّ عليهم حين ملك طالوت،فإن كان الأمر على ما وصفوه،فأيّ الأحوال للتّابوت الحال الّتي عرفوه فيها،فجاز أن يقال:إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت الّذي قد عرفتموه،و عرفتم أمره،ففساد هذا القول بالّذي ذكرنا أبين الدّلالة على صحّة القول الآخر،إذ لا قول في ذلك لأهل التّأويل غيرهما.(2:606-610)

الزّجّاج :و الفائدة في هذا التّابوت أنّ الأنبياء صلوات اللّه عليهم كانت تستفتح به في الحروب،فكان التّابوت يكون بين أيديهم،فإذا سمع من جوفه أنين دفّ التّابوت،أي سار و الجميع خلفه،و اللّه أعلم بحقيقة ذلك.

و روي في التّفسير أنّه كان من خشب الشّمشار، و كان قد غلب جالوت و أصحابه عليه فنزلهم بسببه داء،قيل:هو النّاسور الّذي يكون في العنب،فعلموا أنّ الآفة بسببه نزلت،فوضعوه على ثورين فيما يقال.

(1:329)

الرّاغب: قيل:كان شيئا منحوتا من الخشب فيه حكمة،و قيل:عبارة عن القلب و السّكينة و عمّا فيه من العلم،و سمّي القلب سفط العلم و بيت الحكمة و تابوته و وعاءه و صندوقه.

و على هذا قيل:اجعل سرّك في وعاء غير سرب،

ص: 475

و على تسميته بالتّابوت قال عمر لابن مسعود رضي اللّه عنهما:كنيف ملئ علما.(72)

البغويّ: و كانت قصّة التّابوت أنّ اللّه تعالى أنزل تابوتا على آدم،فيه صور الأنبياء عليهم السّلام،و كان من عود الشّمشاذ نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين،فكان عند آدم إلى أن مات،ثمّ بعد ذلك عند شيث،ثمّ توارثه أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم،ثمّ كان عند إسماعيل لأنّه كان أكبر ولده،ثمّ عند يعقوب،ثمّ كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى.

فكان موسى يضع فيه التّوراة و متاعا من متاعه، فكان عنده إلى أن مات موسى عليه السّلام،ثمّ تداوله أنبياء بني إسرائيل إلى وقت إشمويل،و كان فيه ما ذكر اللّه تعالى...[إلى أن قال:]

فكان التّابوت عند بني إسرائيل،و كانوا إذا اختلفوا في شيء تكلّم و حكم بينهم،و إذا حضروا القتال قدّموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوّهم.فلمّا عصوا و أفسدوا سلّط اللّه عليهم العمالقة فغلبوهم على التّابوت.

و كان السّبب في ذلك أنّه كان لعيلى العالم الّذي ربّى إشمويل عليه السّلام ابنان شابّان و كان عيلى حبرهم و صاحب قربانهم،فأحدث ابناه في القربان شيئا لم يكن فيه؛ و ذلك أنّه كان لعيلى منوط القربان الّذي كانوا ينوطونه به كلاّ بين فما أخرجا كان للكاهن الّذي ينوطه،فجعل ابناه كلاليب،و كان النّساء يصلّين في بيت المقدس فيتشبّثان بهنّ،فأوحى اللّه تعالى إلى إشمويل عليه السّلام انطلق إلى عيلى فقل له:منعك حبّ الولد من أن تزجر ابنيك عن أن يحدثا في قرباني و قدسي شيئا و أن يعصياني، فلأنزعنّ الكهانة منك و من ولدك و لأهلكنّك و إيّاهما.

فأخبر إشمويل عيلى بذلك ففزع فزعا شديدا، فصار إليهم عدوّ ممّن حولهم،فأمر ابنيه أن يخرجا بالنّاس فيقاتلا ذلك العدوّ،فخرجا و أخرجا معهما التّابوت.فلمّا تهيّئوا للقتال جعل عيلى يتوقّع الخبر ما ذا صنعوا،فجاءه رجل و هو جالس على كرسيّه،فقال:إنّ النّاس قد انهزموا و إنّ ابنيك قد قتلا،قال التّابوت:قال ذهب به العدوّ،فشهق و وقع على قفاه من كرسيّه و مات.فخرج أمر بني إسرائيل و تفرّقوا إلى أن بعث اللّه طالوت ملكا،فسألوه البيّنة،فقال لهم نبيّهم: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ.

و كانت قصّة التّابوت أنّ الّذين سبوا التّابوت أتوا به قرية من قرى فلسطين يقال لها:أزدود،و جعلوه في بيت صنم لهم،و وضعوه تحت الصّنم الأعظم،فأصبحوا من الغد و الصّنم تحته،فأخذوه و وضعوه فوقه،و سمّروا قدمي الصّنم على التّابوت،فأصبحوا و قد قطعت يد الصّنم و رجلاه،و أصبح ملقى تحت التّابوت،و أصبحت أصنامهم منكّسة،فأخرجوه من بيت الصّنم،و وضعوه في ناحية من مدينتهم.فأخذ أهل تلك النّاحية وجع في أعناقهم حتّى هلك أكثرهم،فقال بعضهم لبعض:أ ليس قد علمتم أنّ إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء،فأخرجوه إلى قرية كذا.

فبعث اللّه على أهل تلك القرية فأرا،فكانت الفأرة تبيت مع الرّجل منهم فيصبح ميّتا و قد أكلت ما في جوفه،فأخرجوه إلى الصّحراء فدفنوه في مخرأة لهم، فكان كلّ من تبرّز بها أخذه الباسور و القولنج فتحيّروا.

ص: 476

فقالت لهم امرأة كانت عندهم من سبي بني إسرائيل من أولاد الأنبياء:لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التّابوت فيكم،فأخرجوه عنكم.

فأتوا بعجلة بإشارة تلك المرأة و حملوا عليها التّابوت،ثمّ علّقوها على ثورين و ضربوا جنوبهما، فاقبل الثّوران يسيران و وكّل اللّه تعالى بها أربعة من الملائكة يسوقونهما،فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل،فكسرا نيريهما و قطعا حبالهما،و وضعا التّابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل،و رجعا إلى أرضهما،فلم يرع بني إسرائيل إلاّ بالتّابوت،فكبّروا و حمدوا اللّه.(1:334)

نحوه الميبديّ(1:666)،و أبو الفتوح(3:361)، و الخازن(1:215)،و الشّربينيّ(1:161).

الزّمخشريّ: التّابوت:صندوق التّوراة،و كان موسى عليه السّلام إذا قاتل قدّمه،فكانت تسكّن نفوس بني إسرائيل و لا يفرّون.[إلى أن قال:]

و قرأ أبيّ و زيد بن ثابت (التّابوه) بالهاء و هي لغة الأنصار.

فإن قلت:ما وزن التّابوت؟

قلت:لا يخلو من أن يكون«فعلوتا»أو«فاعولا».

فلا يكون«فاعولا»لقلّة نحو سلس و قلق،و لأنّه تركيب غير معروف،فلا يجوز ترك المعروف إليه.فهو إذا «فعلوت»من«التّوب»و هو الرّجوع،لأنّه ظرف توضع فيه الأشياء و تودعه،فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه، و صاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته.

و أمّا من قرأ بالهاء فهو«فاعل»عنده،إلاّ فيمن جعل هاءه بدلا من التّاء لاجتماعهما في الهمس.و أنّهما من حروف الزّيادة،و لذلك أبدلت من تاء التّأنيث.

(1:379)

نحوه البيضاويّ(1:130)،و أبو السّعود(1:181).

الفخر الرّازيّ: إنّ مجيء ذلك التّابوت،لا بدّ و أن يقع على وجه يكون خارقا للعادة حتّى يصحّ أن يكون آية من عند اللّه،دالّة على صدق تلك الدّعوى،ثمّ قال أصحاب الأخبار.[فذكر نحو البغويّ ملخّصا ثمّ قال:]

و الرّواية الثّانية:أنّ التّابوت صندوق كان موسى عليه السّلام يضع التّوراة فيه،و كان من خشب.و كانوا يعرفونه،ثمّ إنّ اللّه تعالى رفعه بعد ما قبض موسى عليه السّلام لسخطه على بني إسرائيل.ثمّ قال نبيّ ذلك القوم:إنّ آية ملك طالوت أن يأتيكم التّابوت من السّماء،ثمّ إنّ التّابوت لم تحمله الملائكة و لا الثّوران،بل نزل من السّماء إلى الأرض،و الملائكة كانوا يحفظونه،و القوم كانوا ينظرون إليه حتّى نزل عند طالوت،و هذا قول ابن عبّاس رضي اللّه عنهما.

و على هذا الإتيان،حقيقة في التّابوت،و أضيف الحمل إلى الملائكة في القولين جميعا،لأنّ من حفظ شيئا في الطّريق جاز أن يوصف بأنّه حمل ذلك الشّيء و إن لم يحمله،كما يقول القائل:حملت الأمتعة إلى زيد،إذا حفظها في الطّريق،و إن كان الحامل غيره.

و اعلم أنّه تعالى جعل إتيان التّابوت معجزة،ثمّ فيه احتمالان:

أحدهما:أن يكون مجيء التّابوت معجزا،و ذلك هو الّذي قرّرناه.

ص: 477

و الثّاني:أن لا يكون التّابوت معجزا،بل يكون ما فيه هو المعجز،و ذلك بأن يشاهدوا التّابوت خاليا،ثمّ إنّ ذلك النّبيّ يضعه بمحضر من القوم في بيت و يغلقوا البيت،ثمّ إنّ النبيّ يدّعي أنّ اللّه تعالى خلق فيه ما يدلّ على واقعتنا،فإذا فتحوا باب البيت و نظروا في التّابوت رأوا فيه كتابا يدلّ على أنّ ملكهم هو طالوت،و على أنّ اللّه سينصرهم على أعدائهم،فهذا يكون معجزا قاطعا دالاّ على أنّه من عند اللّه تعالى،و لفظ القرآن يحتمل هذا،لأنّ قوله: يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يحتمل أن يكون المراد منه أنّهم يجدون في التّابوت هذا المعجز الّذي هو سبب لاستقرار قلبهم، و اطمئنان أنفسهم،فهذا محتمل.(6:188)

نحوه البروسويّ.(1:385)

العكبريّ: و التّاء في(التّابوت)أصل و وزنه «فاعول»و لا يعرف له اشتقاق،و فيه لغة أخرى:

«التّابوه»بالهاء.و قرئ به شاذّا،فيجوز أن يكونا لغتين، و أن تكون الهاء بدلا من التّاء.

فإن قيل:لم لا يكون«فعلوتا»من تاب يتوب؟

قيل:المعنى لا يساعده،و إنّما يشتقّ إذا صحّ المعنى.

(1:198)

النّسفيّ: أي صندوق التّوراة،و كان موسى عليه السّلام إذا قاتل قدّمه،فكانت تسكّن نفوس بني إسرائيل و لا يفرّون.(1:125)

نحوه الطّنطاويّ.(1:226)

ابن جزيّ الكلبيّ: [نحو قتادة ثمّ أضاف:]

و فيه قصص كثيرة غير ثابتة.(1:88)

أبو حيّان: و نسبة الإتيان إلى التّابوت مجاز،لأنّ التّابوت لا يأتي،إنّما يؤتى به،كقوله: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ محمّد:21، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16...[إلى أن قال:]

و قد كثر القصص في هذا«التّابوت)و الاختلاف في أمره،و الّذي يظهر أنّه تابوت معروف حاله عند بني إسرائيل،كانوا قد فقدوه،و هو مشتمل على ما ذكره اللّه تعالى ممّا أبهم حاله و لم ينصّ على تعيين ما فيه،و إنّ الملائكة تحمله.[ثمّ ذكر موجزا ممّا قاله المفسّرون و أضاف:]

و السّكينة هي الطّمأنينة،و لمّا كانت حاصلة بإتيان التّابوت جعل التّابوت ظرفا لها،و هذا من المجاز الحسن، و هو تشبيه المعاني بالأجرام.(2:261)

الطّريحيّ: قيل:(التّابوت)هو صندوق التّوراة و من خشب الشّمشاد مموّه من الذّهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين.

و قيل:هو صندوق كان فيه ألواح الجواهر الّتي كانت فيه العشر كلمات التّوحيد:النّهي عن عبادة الأوثان،السّبت،إكرام الوالدين،النّهي عن يمين (1)الكاذبة،السّرقة،قتل النّفس،شهادة الزّور،الزّنى، لا يتمنّى أحد مال غيره،و لا زوجته.و كان موسى عليه السّلام إذا قاتل قوما قدّمه،فكانت تسكّن نفوس بني إسرائيل و لا يطرون (2).(2:16)

العامليّ: (التّابوت)هو الصّندوق الّذي يخزن فيهن.

ص: 478


1- كذا،و الظّاهر:اليمين.
2- كذا،و في كلام الزّمخشريّ و النّسفيّ،و لا يفرّون.

المتاع.

قد وردت هذه اللّفظة في موضعين:أحدهما في سورة طه،حيث إنّه سبحانه أمر أمّ موسى أن تضعه في التّابوت و تلقيه في اليمّ.و ثانيهما في سورة البقرة حيث حكى التّابوت الّذي كان في بني إسرائيل.

و قد روي عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ الثّاني هو التّابوت الأوّل،فإنّه قد كان موسى عليه السّلام وضع فيه عند وفاته درعه و عصاه و الألواح و ما كان عنده من آيات النّبوّة، و أودعه يوشع وصيّه،و كان في بني إسرائيل يتبرّكون به،و يضعونه في الحرب بين العدوّ و المسلمين،و كان فيه السّكينة وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ... البقرة:248.(107)

شبّر: هو الّذي أنزله اللّه على موسى فوضعته أمّه فيه،فألقته في اليمّ،و هو«فعلوت»من«التّوب»لرجوع ما يخرج منه إليه غالبا.(1:251)

الآلوسيّ: و التّابوت:الصّندوق،و هو«فعلوت» من«التّوب»و هو الرّجوع،لما أنّه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه،و صاحبه يرجع إليه فيما يحتاجه من مودعاته.

فتاؤه مزيدة كتاء«ملكوت»،و أصله«توبوت» فقلبت الواو ألفا.و ليس ب«فاعول»من«التّبت»لقلّة ما كان فاؤه و لامه من جنس واحد كسلس و قلق.

و قرئ (تابوه) بالهاء،و هي لغة الأنصار و الأولى لغة قريش،و هي الّتي أمر عثمان رضي اللّه تعالى عنه بكتابتها في الإمام،حين ترافع لديه في ذلك زيد و أبان (1)رضي اللّه تعالى عنهما.

و وزنه حينئذ-على ما اختاره الزّمخشريّ-«فاعول» لأنّ شبهة الاشتقاق لا تعارض زيادة الهاء و عدم النّظير، و أمّا جعل الهاء بدلا من التّاء لاجتماعهما في الهمس -و أنّهما من حروف الزّيادة-فضعيف لأنّ الإبدال في غير تاء التّأنيث ليس بثبت.

و ذهب الجوهريّ إلى أنّ التّاء فيه للتأنيث،و أصله عنده«تابوة»مثل ترقوة،فلمّا سكّنت الواو انقلبت هاء التّأنيث تاء.[ثمّ ذكر بعض الأقوال في قصّته إلى أن قال:]

و أقرب الأقوال الّتي رأيتها أنّه صندوق التّوراة، تغلّبت عليه العمالقة حتّى ردّه اللّه تعالى،و أبعدها أنّه صندوق نزل من السّماء على آدم عليه السّلام،و كان يتحاكم النّاس إليه بعد موسى عليه السّلام إذا اختلفوا،فيحكم بينهم و يتكلّم معهم إلى أن فسدوا فأخذه العمالقة،و لم أر حديثا صحيحا مرفوعا يعوّل عليه،يفتح قفل هذا الصّندوق، و لا فكرا كذلك.(2:168)

رشيد رضا : وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ يدلّ على أنّ بني إسرائيل لم يقتنعوا بما احتجّ به عليهم نبيّهم من استحقاق طالوت الملك بما اختاره اللّه و أعدّه له باصطفائه،و إيتائه من سعة العلم و بسطة الجسم،ما يمكنه من القيام بأعبائه،حتّى جعل لذلك آية تدلّهم على العناية به،و هي عود التّابوت إليهم.و هذا التّابوت المعرّف:صندوق له قصّة معروفة في كتب اليهود.ففي أوّل الفصل الخامس و العشرين من سفر الخروج ما نصّه:

«و كلّم الرّبّ موسى قائلا:كلّم بني إسرائيل أنّ.

ص: 479


1- كذا،و الظّاهر:أبيّ.

يأخذوا لي تقدمة.من كلّ من يحثّه قلبه يأخذون تقدمتي.و هذه هي التّقدمة الّتي يأخذونها منهم:ذهب و فضّة و نحاس و أسمانجوني و أرجوان و قرمز و بوص و شعر معزى و جلود كباش محمرّة و جلود تخس و خشب سنط و زيت للمنارة و أطياب لدهن المسحة و للبخور العطر و حجارة جزع و حجارة ترصيع للرّداء و الصّدرة، فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم بحسب جميع ما أنا أريك عن مثال المسكن و مثال جميع آنيته،هكذا تصنعون:فيصنعون تابوتا من خشب السّنط طوله ذراعان و نصف،و عرضه ذراع و نصف،و ارتفاعه ذراع و نصف.و تغشيه بذهب نقيّ،من داخل و خارج تغشيه، و تصنع عليه إكليلا من ذهب حواليه.و تسبك له أربع حلقات من ذهب و تجعلها على قوائمه الأربع،على جانبه الواحد حلقتان،و على جانبه الثّاني حلقتان.و تصنع العصوين من خشب السّنط و تغشيهما بذهب،و تدخل العصوين في الحلقات على جانبي التّابوت ليحمل التّابوت بهما.تبقى العصوان في حلقة التّابوت لا تنزعان منها.و تضع في التّابوت الشّهادة الّتي أعطيك.و تصنع غطاء من ذهب نقيّ طوله ذراعان و نصف و عرضه ذراع و نصف.و تصنع كروبين (1)من ذهب صنعة خراطة تضعهما على طرفي الغطاء.فاصنع كروبا واحدا على الطّرف من هنا،و كروبا آخر على الطّرف من هناك،من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفيه.و يكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظلّلين بأجنحتهما على الغطاء و وجهاهما كلّ واحد إلى الآخر.نحو الغطاء يكون وجها الكروبين.و تجعل الغطاء على التّابوت من فوق، و في التّابوت تضع الشّهادة الّتي أنا أعطيك».

هذا ما ورد في صفة الأمر بصنع ذلك التّابوت الدّينيّ،و ذكر بعده كيفيّة صنع المائدة الدّينيّة و آنيتها و المسكن و المذبح و خيمة العهد و منارة السّراج و الثّياب المقدّسة.ثمّ فصّل في الفصل(27)منه كيف كان صنع هذا التّابوت و المائدة و المنار و مذبح البخور.

و هي غرائب يعدّها عقلاء هذه العصور ألاعيب، و الحكمة فيها-و اللّه أعلم-أنّ بني إسرائيل كانوا-و قد استعبدهم وثنيّو المصريّين أحقابا-قد ملكت قلوبهم عظمة تلك الهياكل الوثنيّة،و ما فيها من الزّينة و الصّنعة الّتي تدهش النّاظر،و تشغل الخاطر،فأراد اللّه تعالى أن يشغل قلوبهم عنها بمحسوسات من جنسها تنسب إليه سبحانه و تعالى و تذكّر به؛ف(التّابوت)سمّي أوّلا تابوت الشّهادة،أي شهادة اللّه سبحانه،ثمّ تابوت الرّبّ و تابوت اللّه،كذلك أضيف إلى اللّه تعالى كلّ شيء صنع للعبادة.

و هذا ممّا يدلّ على أنّ تلك الدّيانة ليست دائمة، فلا غرو إذا نسخ الإسلام كلّ هذا الزّخرف و الصّنعة من المساجد الّتي يعبد فيها اللّه تعالى،حتّى لا يشتغل المصلّي عن مناجاة اللّه بشيء منها،و ما كلّفه ذلك الشّعب الّذي وصفته كتبه المقدّسة بأنّه صلب الرّقبة،أو كما تقول العرب«عريض القفا»على قرب عهده بالوثنيّة و إحاطة الشّعوب الوثنيّة به من كلّ جانب،لا يليق بحال البشر في طور ارتقائهم؛إذ لا يربّى الرّجل العاقل،بمثل ما يربّى بهة.

ص: 480


1- المراد بالكروب الملك أي صورته أو تمثاله، و الكروبيّون عندنا:صنف من الملائكة.

الطّفل أو اليافع.

و في سائر فصول سفر الخروج الثّلاثة تفصيل لما قدّمه بنو إسرائيل لصنع تلك الدّار الّتي يقدّس فيها اللّه، و لصنع الخيمة و التّابوت و غير ذلك،و غرضنا منها معرفة حقيقة(التّابوت)عندهم،فإنّك لتجد في بعض كتب التّفسير و كتب القصص عندنا أقوالا غريبة عنه، منها أنّه نزل مع آدم من الجنّة،و منشأ تلك الأقوال ما كان ينبذ به الإسرائيليّون من القصص بين المسلمين مخادعة لهم،ليكثر الكذب في تفسيرهم للقرآن فيضلّوا به،و يجد رؤساء اليهود مجالا واسعا للطّعن في القرآن يصدّون به قومهم عنه.

و في آخر فصول سفر الخروج أنّ موسى عليه الصّلاة و السّلام وضع اللّوحين اللّذين فيهما شهادة اللّه، أي وصاياه لبني إسرائيل في التّابوت،و في كتبهم الأخرى أنّه كان بعده عند فتاه يشوع-أي(يوشع)- و أنّهم كانوا يستنصرون بهذا التّابوت،فإذا ضعفوا في القتال و جيء به و قدّموه تثوب إليهم شجاعتهم، و ينصرهم للّه تعالى،أي ينصرهم بتلك الشّجاعة الّتي تتجدّد لهم بإحضار التّابوت لا بالتّابوت نفسه،و لذلك غلبوا على التّابوت فأخذ منهم عند ما ضعف يقينهم و فسدت أخلاقهم،فلم يغن عنهم التّابوت شيئا،كما قال الأستاذ الإمام رحمه اللّه تعالى.

أقول:و في سفر تثنية الاشتراع،أنّ موسى لمّا أكمل كتابة هذه التّوراة أمر اللاّويّين حاملي تابوت عهد الرّبّ قائلا:خذوا كتاب التّوراة هذا،وضعوه بجانب تابوت عهد الرّبّ إلهكم،ليكون شاهدا عليكم(31:24-30)

ثمّ كانت حرب بين الفلسطينيّين و بني إسرائيل على عهد عاليا أو عالي الكاهن،فانتصر الفلسطينيّون و أخذوا التّابوت من بني إسرائيل بعد أن نكّلوا بهم تنكيلا،فمات عالي قهرا،و كان صموئيل-الّذي يدعى في الكتب العربيّة شمويل-قاضيا لبني إسرائيل من بعده، و هو نبيّهم الّذي طلبوا منه أن يبعث لهم ملكا،ففعل كما تقدّم،و جعل رجوع التّابوت إليهم آية لملك طالوت الّذي أقامه لهم.و قالوا في سبب إتيان التّابوت:إنّ أهل فلسطين ابتلوا بعد أخذ التّابوت بالفيران في زرعهم و البواسير في أنفسهم،فتشاءموا منه،و ظنّوا أنّ إله إسرائيل انتقم منهم،فأعادوه على عجلة تجرّها بقرتان، و وضعوا فيه صور فيران و صور بواسير من الذّهب، جعلوا ذلك كفّارة لذنبهم.

و من المدوّن في التّاريخ المقدّس عندهم،أنّه لمّا أحرق البابليّون هيكل سليمان فقدت التّوراة و تابوت العهد معا،لأنّهما قد أحرقا فيه.(2:482)

المراغيّ: و(التّابوت):صندوق وضع فيه التّوراة،أخذه العمالقة،ثمّ ردّ إلى بني إسرائيل...[إلى أن قال:]و قد وصف(التّابوت)في كتب بني إسرائيل بأوصاف هي غاية في الغرابة،في كيفيّة صنعه و جمال منظره،و ما تحلّى به من الذّهب،و دخل في تركيبه من الخشب الثّمينة.[ثمّ ذكر السّبب في صنعه نحو ما ذكره رشيد رضا](2:219،221)

عزّة دروزة :(التّابوت)هنا هو صندوق كان بنو إسرائيل يحفظون فيه الذّخائر الدّينيّة المقدّسة،منذ عهد موسى و هارون.(7:374)

ص: 481

عبد الكريم الخطيب: و(التّابوت)هو صندوق، يقال:إنّه هو الّذي كان قد وضع فيه موسى حين ألقته أمّه في اليمّ،و يمكن أن يكون صندوقا من صنع موسى، كان يضع فيه الألواح و العصا،و غير ذلك من آثاره و آثار هارون،و كانوا يصحبون التّابوت معهم في حروبهم تبرّكا به.فلمّا كان القوم في بعض حروبهم مع عدوّهم،و غلبوا على أمرهم،و استبيحت ديارهم و أموالهم،حمل أعداؤهم هذا التّابوت فيما حملوا من مال و متاع،فكانوا بعد ذلك لا يجرءون على ملاقاة عدوّ.

(1:307،308)

هاكس :تابوت العهد(الخروج 25:10):صندوق صنعه موسى بأمر اللّه تعالى من خشب السّنط،يبلغ طوله ذراعين و نصفا،و عرضه ذراعا و نصفا،و ارتفاعه ذراعا و نصفا.و غطّي ظاهره و باطنه بالذّهب،و وضع في ركني مقدّمته تاجان ذهبيّان،و صنع بابه من الذّهب الخالص.و نصب عليه اثنان من الملائكة الكروبيّين، يظلاّن بأجنحتهم بابه للعفو و المغفرة.و في كلا جانبيه حلقتان ذهبيّتان،يدخل فيهما عصوان من خشب قد غطّيتا بالذّهب عند حمله.و فيه حقّة من المنّ و عصا هارون و هي مزهرة،و لوحا العهد اللّذان كتبا فيهما الأحكام العشرة.(الرّسالة إلى العبرانيّين 9:3 و 4) و وضع بجانبه كتاب التّوراة،(التّثنية 31:26)،و لذا يطلق عليه أحيانا تابوت الشّهادة.(الخروج 25:

16 و 40:21).إلاّ أنّ حقّة المنّ و عصا هارون ما بقيتا في عهد سليمان،(الملوك الأول 8:9).

و كان فوق بابه سحابة يتجلّى فيها اللّه،و حينما كان بنو إسرائيل يتنقّلون يحملون التّابوت،فتسير مقدّمته، و السّحابة و النّار تهديانهم ليلا و نهارا.و لمّا يحملون التّابوت،و يسير بهم،كان موسى ينادي:يا ربّ هب، و بدّد شمل أعدائك،و اهزم أفئدتهم.و كان حينما ينزلونه يقول:يا ربّ أرجع الألوف المؤلّفة من بني إسرائيل (العدد 10:33-36).

و لمّا أراد بنو إسرائيل أن يعبروا نهر الأردن،وضعوا تابوت العهد أمامهم كما هو دأبهم،و انغمروا في الماء، فانفلق بهم ماء النّهر،و أصبح كالطّود دونهم،فعبروا إلى البرّ،(يشوع 3:14-17).و بعد مدّة-أي بين 300 و 400 سنة-(ارميا 7:12-15)،ظلّوا في خيمة «الجلجال».ثمّ ساروا به بعد تلك الخيمة،و جعلوه أمام جيش بني إسرائيل،و حينما اندحر الإسرائيليّون قرب «أفيق»،سقط التّابوت بأيدي الفلسطينيّين،(صموئيل الأوّل 4:11).فأخذوه إلى«أشدود»،و وضعوه في معبد للأصنام قرب الصّنم«داجون».(صموئيل الأوّل 5:2)،فابتلاهم اللّه بأمراض مميتة،فأرغموا على أن يضعوا التّابوت في أرض إسرائيل بإجلال و احترام في قرية«يعاريم»،(صموئيل الأوّل 6:21 و 7:1)...

و كان داود يسكن في«أورشليم»،فجلبه إلى هناك بتعظيم و إجلال،و بقي فيها إلى حين بناء الهيكل، (صموئيل الثّاني 6:12)و(أخبار الأيّام الأول 15:25- 29)،و ربّما كتب المزمور(132)في ذلك الوقت،(أخبار الأيّام الثّاني 5:2-10).و وضع التّابوت بعدئذ في الهيكل،(أخبار الأيّام الثّاني 5:2-10)،كما في أخبار الأيّام الثّاني(33:7)؛إذ نصبه«منسى»في الهيكل،

ص: 482

و لا يبعد أنّه نقل التّابوت من محلّه إلى محلّ آخر،إلاّ أنّ «يوشيا»جلبه ثانية إلى مكانه،و أطلق عليه تابوت القدس،(أخبار الأيّام الثّاني 35:3).

و ممّا ينبغي ذكره هو أنّ التّابوت المذكور لم يكن في الهيكل الثّاني،و لا يدرى هل أخذ إلى بابل أيضا أو أنّه اختفى وضاع؟.(237)

محمّد جواد مغنيّة: التّابوت هو الصّندوق الّذي كان موسى يضع التّوراة فيه،و كان اللّه قد رفعه إلى السّماء بعد وفاة موسى سخطا على بني إسرائيل،كما قيل.(1:381)

المصطفويّ: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ طه:39،في صندوق. إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ البقرة:248،تعريف التّابوت في الموضعين يدلّ على كونه مشخّصا معيّنا.

و يظهر من سفر الخروج(25:10)،أنّ موسى عليه السّلام صنعه بأمر من اللّه تعالى على كيفيّة مخصوصة،و غشيه بذهب من داخل و خارج.

و يظهر من الرّسالة إلى العبرانيّين«الأصحاح التّاسع»أنّ موسى وضع المنّ و عصا هارون و لوحا العهد فيه.و أيضا أمر اللاّويّين أن يضعوا كتاب التّوراة بجانب عهد الرّبّ في التّابوت،كما في سفر التّثنية.(31:25).

و يظهر من بعض الرّوايات أنّ التّابوت هذا،أصله هو التّابوت الّذي وضع موسى فيه و قذف في اليمّ.

(1:354)

محمّد هادي معرفة: و من الإسرائيليّات الّتي التبس فيها الحقّ بالباطل ما ذكره غالب المفسّرين في تفاسيرهم في قصّة طالوت،و تنصيبه ملكا على بني إسرائيل،و اعتراض بني إسرائيل عليه،و إخبار نبيّهم لهم بالآية الدّالّة على ملكه،و هي التّابوت؛و ذلك عند قوله تعالى: وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ الآية.فقد ذكر ابن جرير،و الثّعلبيّ،و البغويّ،و القرطبيّ،و ابن كثير،و السّيوطيّ في«الدّرّ»،و غيرهم في تفاسيرهم كثيرا من الأخبار عن الصّحابة و التّابعين،و عن وهب بن منبّه،و غيره من مسلمة أهل الكتاب في وصف «التّابوت»،و كيف جاء،و علام يشتمل؟و عن «السّكينة»و كيف صفتها؟

فقد ذكروا في شأن التّابوت أنّه كان من خشب الشّمشاد،نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين،كان عند آدم إلى أن مات،ثمّ عند شيث،ثمّ توارثه أولاده،إلى إبراهيم،ثمّ كان عند إسماعيل،ثمّ يعقوب،ثمّ كان في بني إسرائيل،إلى أن وصل إلى موسى عليه السّلام،فكان يضع فيه التّوراة و متاعا من متاعه،فكان عنده إلى أن مات.ثمّ تداوله أنبياء بني إسرائيل إلى وقت شمويل،و كان عندهم حتّى عصوا،فغلبوا عليه؛غلبهم عليه العمالقة.

و هذا الكلام و إن كان محتملا للصّدق و الكذب، لكنّنا في غنية،و لا يتوقّف تفسير الآية عليه.

و قال بعضهم:إنّ التّابوت إنّما كان في بني إسرائيل، و لم يكن من عهد آدم عليه السّلام،و أنّه الصّندوق الّذي كان يحفظ فيه موسى عليه السّلام التّوراة.و لعلّ هذا أقرب إلى الحقّ و الصّواب.(2:157)

مكارم الشّيرازيّ: التّابوت أو صندوق العهد:

التّابوت في اللّغة:صندوق من خشب،و لهذا يطلق

ص: 483

أيضا على الصّناديق الّتي يحمل فيها الأموات،إلاّ أنّ أصل الكلمة لا علاقة له بالأموات و حمل الجنائز،بل هو يعني كلّ صندوق مصنوع من الخشب.

أمّا ما هو تابوت بني إسرائيل أو صندوق العهد؟ و من الّذي صنعه؟و ما هي محتوياته؟فإنّ في تفاسيرنا و أحاديثنا،و كذلك في العهد القديم-التّوراة-كلاما كثيرا عنه.إلاّ أنّ أوضحها هو ما جاءنا في أحاديث أهل البيت عليهم السّلام و أقوال بعض المفسّرين من أمثال ابن عبّاس،حيث قالوا:إنّ التّابوت هو الصّندوق الّذي وضعت فيه أمّ موسى ابنها موسى و ألقته في اليمّ،و بعد أن انتشل أتباع فرعون الصّندوق من البحر و أتوا به إليه و أخرجوا موسى منه،ظلّ الصّندوق في بيت فرعون ثمّ وقع بأيدي بني إسرائيل،فكانوا يحترمونه و يتبرّكون به.

موسى عليه السّلام وضع فيه الألواح المقدّسة-الّتي تحمل على ظهرها أحكام اللّه-و درعه و أشياء أخرى تخصّه، و أودع كلّ ذلك في أواخر عمره لدى وصيّه يوشع بن نون.

و بهذا ازدادت أهمّيّة هذا الصّندوق عند بني إسرائيل،فكانوا يحملونه معهم كلّما نشبت حرب بينهم و بين الأعداء،ليصعّد معنويّاتهم،لذلك قيل:إنّ بني إسرائيل كانوا أعزّة كرماء ما دام ذلك الصّندوق بمحتوياته المقدّسة بينهم،و لكن بعد هبوط التزاماتهم الدّينيّة و غلبة الأعداء عليهم سلب منهم الصّندوق.

و أشموئيل-كما تذكر الآية-وعدهم بإعادة الصّندوق باعتباره دليلا على صدق قوله.(2:153)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: (التّابوت)على وجهين:

أحدهما:تابوت بني إسرائيل،و هو تابوت من عود سمسق و السّمسق:الصّنوبر ثلاثة أذرع في ذراعين، كقوله: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ البقرة:248.

و الثّاني:التّابوت الّذي كان فيه موسى عليه السّلام في صغره،و هو تابوت من بردي،و البردي:خشب الرّطب،كقوله: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ طه:39.(157)

الدّامغانيّ: (التّابوت)على وجهين:الصّندوق الّذي وضع موسى فيه،و التّابوت الّذي فيه السّكينة.

فوجه منها،التّابوت:الصّندوق،قوله تعالى: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ طه:39.

و الوجه الثّاني:التّابوت الّذي فيه السّكينة، إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ البقرة:248.

(184)

الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على وجهين:

الأوّل:بمعنى الصّندوق الّذي وضعت أمّ موسى ولدها فيه،و رمته في البحر: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ طه:39.

الثّاني:بمعنى الصّندوق الّذي ورثه الأنبياء من آدم عليه السّلام: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ البقرة:248.

و أمّا التّابوت الّذي يجعل فيه الميّت فمستعار من هذا.

و قيل:التّابوت عبارة عن القلب،و السّكينة عمّا فيه من العلم؛و يسمّى القلب سفط العلم،و بيت الحكمة،

ص: 484

و تابوته و وعاءه،و صندوقه.

(بصائر ذوي التّمييز 2:290)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في«التّابوت»-إن كان عربيّا-:التّوب، أي الرّجوع،فإنّه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه،كما قال أبو عليّ الفارسيّ.و جمعه:توابيت،و يعني الأضلاع و ما تحويه كالقلب و الكبد و غيرهما،تشبيها بالصّندوق الّذي يحرز فيه المتاع،و كذا جاء في العبريّة-أي الصّندوق-و سائر اللّغات السّاميّة و في القبطيّة و الحبشيّة.

و التّابوت-طبق هذا القول-على وزن«فعلوت»، فألفه منقلبة من الواو،أي أصله«توبوت»،تحرّكت الواو و انفتح ما قبلها،فقلبت ألفا.و له نظائر في اللّغة، مثل:ملكوت و جبروت و عظموت و غيرها.

2-و جعله بعضهم أصلا برأسه،و منهم الجوهريّ، فقال:«فعلوه»من«ت أ ب»،و أصله«تأبوه»،ثمّ سهّلت الهمزة و سكّنت الواو،فانقلبت هاء التّأنيث تاء.

و نظائره:ترقوة:النّقرة بين العنق و رأس العضد، و حرقوة:أعلى اللّهاة و الحلق،و الثّندوة:ثدي الرّجل.

و قال ابن برّيّ: هي«فاعول»من«ت ب ت»، و الوقف عليها بالتّاء في أكثر اللّغات كالفرات،و ليست «تاء»الفرات بتاء تأنيث،و إنّما هي أصليّة من نفس الكلمة.

و قال ابن جنّيّ: هي«فاعول»من«ت ب ه»،و قد قرئ بها،أي (تابوه) ،كقولهم:قعدنا على الفراه، يريدون على الفرات،و هي لغة الأنصار،كما قال قاسم ابن معن.و نظيره حانوت و حانوه،و فرات و فراه،كما مرّ.

3-و ادّعى«آرثر جفري»في كتاب«المفردات الدّخيلة في القرآن»أنّ علماء المسلمين قاطبة زعموا أنّ «التّابوت)لفظ عربيّ،و لم يألوا في اشتقاقه جهدا،إلاّ أنّهم فشلوا.

و لكنّ ما ادّعاه تخرّص و تلفيق؛إذ ذكر بعضهم- و منهم المدينيّ-أنّه ليس عربيّا،بل اضطربت فيه أقوال أنداده من المستشرقين،كما رواها هو في كتابه المذكور؛ قال«جايجر»:اشتقّ«التّابوت»من اللّفظ الآراميّ «تيبوتا».و قال«فرانكل»:هو مشتقّ من اللّفظ الحبشيّ «تبت»،و وافقه«نولدكه»في ذلك،رغم قوله بأنّه آراميّ الأصل.و قال«آرثر»نفسه:أصله قبطيّ،و منه أخذ اللّفظ العبريّ«تباه».

فأنت ترى أنّ كلام هؤلاء تعسّف و ارتجال،و كلام أصحابنا تريّث و استدلال،و شتّان بين الخرق و الرّفق، و الخيال و الصّدق.بيد أنّنا لا نذهب إلى كونه عربيّا، فلعلّه لفظ أعجميّ ضارع أوزان العربيّة،مثل:النّاسوت و اللاّهوت و نحوهما.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«التّابوت»مرّتين في سورتين:إحداهما مكّيّة، و الأخرى مدنيّة:

1- أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ

طه:39

ص: 485

2- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ البقرة:248

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الكلمة جاءت في(1)خلال ولادة موسى و وضعه في التّابوت و قذفه في اليمّ.و قد وقعت القصّة في أرض مصر،فالكلمة إمّا قبطيّة أو عبريّة،لو فرضنا أنّ بني إسرائيل احتفظوا بلغتهم العبريّة إلى ذلك الزّمان،و هو بعيد،و تتوقّف دراستها على معرفة اللّغة الّتي نزلت بها التّوراة.فإن احتفظوا بالعبريّة،فكان موسى عليه السّلام يعرفها،و التّوراة نزلت بالعبريّة.و هذا بعيد جدّا،لأنّ موسى عاش منذ نعومة أظفاره و ريعان شبابه في بلاط فرعون،و لم تكن لغة رجال البلاط إلاّ مصريّة،أي قبطيّة كما يبدو،ثمّ رحل إلى«مدين»،حيث عاش لدى كاهنها عشر سنين.

نعم،عاش أيّام رضاعته في كنف أمّه،و كانت إسرائيليّة،و لكنّنا لا نعلم بأيّ لغة كانت تتكلّم،كما لا نعلم اللّغة السّائدة في«مدين»حينذاك.و هذه مسألة جديرة بالاهتمام،لأنّها تهمّ التّوراة أوّلا،و ذات صلة بلغة بني إسرائيل في مصر ثانيا؛إذ قد عاشوا فيها أربعمائة سنة كما هو الشّائع،أو(250)سنة حسب الدّراسات الجديدة.

و كيف كان،فكلمة«توراة»لا تخرج من كونها مصريّة:قبطيّة أو عبريّة.

ثانيا:أنّها جاءت في(2)خلال قصّة بني إسرائيل في أرض الميعاد،لا نعلم أنّ بني إسرائيل بعد أن دخلوا «أريحا»و بيت المقدس فاتحين و غازين بأيّ لغة كانوا يتكلّمون،فإنّ أهالي«أريحا»كانوا من بقايا العمالقة و الفلسطينيّين،و لم يكونوا عبريّين بتاتا.فهل كانت هذه الكلمة مشتركة بين اللّغتين السّائدتين حينذاك في «مصر»و في«أريحا»،أو كانت عبريّة جرت على ألسن بني إسرائيل حيثما قطنوا:في كنعان و مصر و صحراء سيناء حين تاهوا فيها أربعين سنة،ثمّ دخلوا«أريحا»، و البحث في هذا الموضوع يناط بعلماء اللّغات السّاميّة.

ثالثا:أنّها جاءت مزدانة باللاّم في الموضعين،و اللاّم للعهد في أمثال هذه العبارات،فالعهد في(1)حضوريّ، أي كان عند أمّ موسى صندوق صغير،فأمرت بوحي من اللّه أن تقذفه فيه،ثمّ تقذف الصّندوق في اليمّ.

أمّا العهد في(2)فالظّاهر أنّه ذهنيّ،فيبدو أنّ التّابوت-و كان يسمّى تابوت العهد،و تابوت الشّهادة، و تابوت الرّبّ،و تابوت اللّه،حسب ما جاء في النّصوص -كان معهودا بين بني إسرائيل منذ عهد موسى،فما بعده سنين طوالا،حتّى سلبه الفلسطينيّون في معركة دارت بينهم و بين الإسرائيليّين،ثمّ أرجعه اللّه إلى«طالوت» كمعجزة له،تشهد على أنّه ملك عليهم من قبل اللّه تعالى.

رابعا:و بعد هذا التّفصيل في التّابوتين،فهل يبقى شكّ في أنّهما متعدّدان؟أو هناك تابوت واحد قذف فيه موسى و هو طفل،و بقي عند آل فرعون،ثمّ انتقل إلى آل موسى،ثمّ إلى بني إسرائيل حتّى آخر مسيرهم؟كيف و قد جاء في النّصوص نقلا عن مصادر إسرائيليّة أنّ موسى عليه السّلام هو الّذي صنع تابوت العهد بالذّهب،بطول يبلغ ذراعين و بعرض ذراع.

خامسا:فالتّابوت في قصّة موسى كالقميص في قصّة

ص: 486

يوسف،فهناك قميص ملطّخ بدم كذب بأيدي إخوته، نسب إلى يوسف و هو طفل.و قميص ثان قد شقّ من دبر بتدبير امرأة العزيز،عشيقته حينما كان فتى جميلا، و قميص ثالث أرسله يوسف من مصر إلى فلسطين،ليلقى على وجه أبيه،فيأتي بصيرا،فالقمصان متعدّدة، و ليست قميصا واحدا.

و للأنبياء عليهم السّلام-و منهم نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله-آلات و أدوات،و منها عصا موسى،فبقيت ذكراها حيّة عند أممهم،و كان لها دور في حياتهم و بعد موتهم،و هي مواريث النّبوّة،ورثها كابر عن كابر من الأنبياء و الأوصياء،حسب أحاديث مأثورة.

سادسا:و جاءت قصص حول تابوت العهد في «العهد القديم»و في الإسرائيليّات في التّفاسير و في القرآن الكريم،و هو الفيصل،لاحظ النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة.

ص: 487

ص: 488

ت ب ب

اشارة

4 ألفاظ،4 مرّات مكيّة،في 3 سور مكّيّة:

تبّ 1:1 تباب 1:1

تبّت 1:1 تتبيب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّبّ:الخسار،و تبّا له،نصب لأنّه مصدر محمول على فعله،كما تقول:سقيا لفلان،معناه:

سقي فلان سقيا،و تبّ يتبّ تبابا و تبّا.و لم يجمع اسما مسندا إلى ما قبله.

و تببت القوم،أي قلت لهم:تبّا لكم.و تبّا لفلان تتبيبا،و يقال:تبّا لفلان تبيبا.

و التّباب:الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و استتبّ له الأمر،أي تهيّأ.

و رجل تابّ،أي ضعيف؛و جمعه:أتباب.(8:110)

أبو زيد :إنّ من النّساء التّابّة،و هي الكبيرة.

و رجل تابّ،أي كبير.(الأزهريّ 14:256)

ابن الأعرابيّ: تبّ،إذا قطع،و تبّ،إذا خسر، و من أمثالهم:ملك عبد عبدا فأولاه تبّا،يقول:لم يكن له ملك فلمّا ملك هان عليه ما ملك.

و تبتب،إذا شاخ.(الأزهريّ 14:257)

ابن السّكّيت :يقال إذا سئل عن المرأة:أ شابّة هي أم تابّة؟يقول:أ عجوز هالكة أم شابّة؟(340)

يقال:تبّت يداه،أي خسرتا،من«التّباب».[ثمّ استشهد بشعر](578)

الدّينوريّ: التّبّيّ بالبحرين كالسّهريز بالبصرة، و هو الغالب على تمرهم.(الصّغانيّ 1:72)

ابن دريد :تبّت يداه تبّا و تبابا،أي خسرتا، و كأنّ التّباب:الاسم،و التّبّ:المصدر.[ثمّ استشهد بشعر](1:23)

و التّبب و التّباب و التّتبيب،هذا كلّه من الهلاك.

(3:184)

الأزهريّ: و قال غيره[أبو زيد]:حمار تابّ الظّهر، إذا دبر،و جمل تابّ كذلك.

ص: 489

و يقال:استتبّ أمر فلان،إذا اطّرد و استقام و تبيّن.

و أصل هذا:من الطّريق المستتبّ،و هو الّذي خدّ فيه السّيّارة خدودا و شركا فوضح و استبان لمن سلكه، كأنّه ثبّت بكثرة الوطء و قشر وجهه،فصار ملحوبا بيّنا من جماعة ما حواليه من الأرضين؛فشبّه الأمر الواضح البيّن المستقيم به.[ثمّ استشهد بشعر]

(14:256)

الصّاحب: التّبّ:الخسارة؛تبّا له،و تبّبته:قلت له ذلك.

و التّباب:الهلاك.و وقعوا في تبوب منكرة،أي في مهلكة.

و تبّ تبوبة و تبابا و تبوبة و تبابا و تببا.

و اتّخذه فلان ترتبّة و تبّة،أي شبه الطّريق يطأه.

و استتبّني:استضعفني.

و أتبّ اللّه قوّتها،أي أوهنها.

و رجل تابّ:ضعيف،و جمعه:أتباب،تبّ يتبّ.

و طريق مستتبّ:مذلّل.

و رأيته بتبّة،أي بحال شديدة.

و التّبّيّ: ضرب من التّمر بالبحرين،و ضرب من السّمك.(9:416)

الجوهريّ: و تقول:تبّا لفلان،تنصبه على المصدر بإضمار فعل،أي ألزمه اللّه هلاكا و خسرانا.

و تبّبوهم تتبيبا،أي أهلكوهم.(1:90)

نحوه ابن سيدة(الإفصاح 2:652)،و الفيّوميّ(1:

72)و الطّريحيّ(2:12).

ابن فارس :التّاء و الباء كلمة واحدة،و هي التّباب،و هو الخسران.و تبّا للكافر،أي هلاكا له،و قال اللّه تعالى: وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ هود:101،أي تخسير.

و قد جاءت في مقابلتهما كلمة،يقولون:استتبّ الأمر،إذا تهيّأ.فإن كانت صحيحة فللباب إذا وجهان:

الخسران،و الاستقامة.(1:341)

ابن سيدة :التّبّ:الخسار.و تبّا له على الدّعاء، و تبّا تبيبا على المبالغة.

و تبّبه:قال له:تبّا،كما يقال:جدّعه و عقّره.

و التّبب،و التّباب،و التّتبيب:الهلاك.

و التّتبيب:النّقص و الخسار،و في التّنزيل:

وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ هود:101.

و التّابّ:الضّعيف،و الجمع:أتباب؛هذليّة نادرة.

(9:467)

الرّاغب: التّبّ،و التّباب:الاستمرار في الخسران، يقال:تبّا له و تبّبته،إذا قلت له ذلك.و لتضمّن الاستمرار قيل:استتبّ لفلان كذا،أي استمرّ.[ثمّ ذكر الآيات](72)

الزّمخشريّ: أوسعه سبّا،و أسمعه تبّا.و تبّب القوم:دعا عليهم بالتّبّ وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ هود:101.

و من المجاز:تبّ الرّجل،إذا شاخ،و كنت شابّا فصرت تابّا؛شبّه فقد الشّباب بالتّباب.

و أ شابّة أنت أم تابّة؟

و استتبّ الطّريق:ذلّ و انقاد،كما يقال:طريق معبّد.

ص: 490

و استتبّ له الأمر.

و يجوز أن يقال للاستقامة و التّمام:الاستتباب،أي طلب التّباب،لأنّ التّباب يتبع التّمام.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:36)

الطّبرسيّ: التّبّ و التّباب:الخسران،و المؤدّي إلى الهلاك.(5:558)

ابن الأثير :في حديث أبي لهب:«تبّا لك سائر اليوم أ لهذا جمعتنا؟».التّبّ:الهلاك،يقال تبّ يتبّ تبّا، و هو منصوب بفعل مضمر متروك الإظهار.و قد تكرّر ذكره في الحديث.

و في حديث الدّعاء:«حتّى استتبّ له ما حاول في أعدائك»،أي استقام و استمرّ.(1:178)

الفيروزآباديّ: التّبّ و التّبب و التّباب و التّبيب و التّتبيب:النّقص و الخسار.

و تبّا له و تبّا تبيبا مبالغة.

و تبّبه:قال له ذلك،و فلانا أهلكه.

و تبّت يداه:ضلّتا و خسرتا.

و التّابّ:الكبير من الرّجال و الضّعيف.و الجمل، و الحمار قد دبر ظهرهما؛جمعه:أتباب.

و تبّ الشّيء:قطعه.

و التّبّوب كالتّنّور:المهلكة،و ما انطوت عليه الأضلاع.

و التّبّة بالكسر:الحالة الشّديدة.

و أتبّ اللّه قوّته:أضعفها.و تبتب:شاخ.

و التّبّيّ و يكسر:تمر كالشّهريز (1).(1:40)

محمّد إسماعيل إبراهيم:تبّ فلان:هلك،و تبّ الشّيء:قطعه،و تبّب فلانا:أهلكه،و تبّا له:خسرانا و هلاكا له،و تبّت يداه:قطعتا قطعا يفضي إلى الهلاك، أي خسرتا،و المراد به الدّعاء على ذي اليدين،و التّباب و التّتبيب:النّقص و الخسارة و الهلاك.(1:87)

محمود شيت:أ-تبّب الجيش العدوّ:أهلكه و ألحق به الخسارة.

ب-استتبّ النّظام:اطّرد و استقام و استقرّ، و الجيش في ثكناته:استقرّ.(1:109)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الخسران الممتدّ المنتهى إلى الهلاك،و بهذه المناسبة قد تطلق على الخسار،و قد تطلق على الهلاك.

و أمّا الاستتباب،فهو طلب التّباب طبيعيّا أو إراديّا، و من هذا المعنى:الانقياد و الذّلّة.

و أمّا التّهيّؤ و الاستقامة،فإنّ الطّلب الطّبيعيّ نوع تهيّؤ و استقامة في مقابل الحادثة و ما يطلبه،فليس مفهوم «الاستتباب»مطلق التّهيّؤ أو مطلق الاستقامة،بل على قبال الخسار و الهلاك.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

و بهذا يظهر الفرق بينها و بين الخسران و الهلاكة.

(1:355)

النّصوص التّفسيريّة

تبّ-تبّت

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ. اللّهب:1

ابن عبّاس:صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذات يوم الصّفا،

ص: 491


1- ذكره الصّغانيّ عن الدّينوريّ:الشّهريز،بالسّين.

فقال:يا صباحاه!فاجتمعت إليه قريش،فقالوا:مالك؟ قال:أ رأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبّحكم أو ممسّيكم أ ما كنتم تصدّقونني؟قالوا:بلى.

قال:فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

فقال أبو لهب:تبّا لك،أ لهذا دعوتنا و جمعتنا؛فأنزل اللّه تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ. (الطّبريّ 30:336)

نحوه ابن عطيّة.(5:534)

خابت.(الماورديّ 6:364)

يعني قد تبّ.(الماورديّ 6:365)

سعيد بن جبير:هلكت.(الماورديّ 6:364)

مجاهد :يعني و تبّ ولد أبي لهب.

(الماورديّ 6:365)

عطاء: ضلّت.(الماورديّ 6:364)

غلبت.(الفخر الرّازيّ 32:166)

قتادة :خسرت يدا أبي لهب و خسر.

(الطّبريّ 30:336)

نحوه مقاتل(الطّبرسيّ 5:559)،و الهرويّ(1:

243).

ابن زيد :التّبّ:الخسران.قال أبو لهب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

ما ذا أعطى يا محمّد إن آمنت بك؟قال:كما يعطى المسلمون.

فقال:ما لي عليهم فضل؟قال:و أيّ شيء تبتغي؟ قال:تبّا لهذا من دين تبّا،أن أكون أنا و هؤلاء سواء؛ فأنزل اللّه تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، يقول:بما عملت أيديهم.(الطّبريّ 30:336)

الفرّاء: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و في قراءة عبد اللّه (و قد تبّ) فالأوّل دعاء،و الثّاني خبر. (و تبّ) :خسر،كما تقول للرّجل:أهلكك اللّه، و قد أهلكك،أو تقول:جعلك اللّه صالحا،و قد جعلك.

(3:298)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:خسرت يدا أبي لهب و خسر هو.و إنّما عني بقوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ تبّ عمله.

و كان بعض أهل العربيّة يقول:قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ دعاء عليه من اللّه.

و أمّا قوله: (و تبّ) فإنّه خبر.[ثمّ حكى قراءة عبد اللّه و قال:]

و في دخول(قد)فيه دلالة على أنّه خبر،و يمثّل ذلك بقول القائل الآخر:أهلكك اللّه،و قد أهلكك،و جعلك صالحا،و قد جعلك.

و قيل:إنّ هذه السّورة نزلت في أبي لهب،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا خصّ بالدّعوة عشيرته؛إذ نزل عليه وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشّعراء:214،و جمعهم للدّعاء،قال له أبو لهب:تبّا لك...(30:336)

الزّجّاج :معناه خسرت يدا أبي لهب،و تبّ،أي خسر.[ثمّ بيّن شأن نزولها كابن عبّاس](5:375)

ابن كيسان :إنّه كان إذا وفد على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وفد انطلق إليهم أبو لهب،فيسألونه عن رسول اللّه،و يقولون:

أنت أعلم به،فيقول لهم أبو لهب:إنّه كذّاب ساحر؛ فيرجعون عنه و لا يلقونه.

فأتاه وفد،ففعل معهم مثل ذلك،فقالوا:لا ننصرف حتّى نراه و نسمع كلامه،فقال لهم أبو لهب:إنّا لم نزل

ص: 492

نعالجه من الجنون فتبّا له و تعسا.فأخبر بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فاكتأب له،فأنزل اللّه تعالى(تبّت)السّورة.

(الماورديّ 6:364)

الماورديّ: و في قوله:(و تبّ)أربعة أوجه:

أحدها:أنّه تأكيد للأوّل،من قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، فقال بعده:(و تبّ)تأكيدا.

الثّاني:يعني تبّت يدا أبي لهب،بما منعه اللّه تعالى من أذى لرسوله،و تبّ بما له عند اللّه من أليم عقابه.

[الثّالث و الرّابع قول ابن عبّاس و مجاهد المتقدّمان]

و في قراءة ابن مسعود: (تبّت يدا ابى لهب و قد تبّ) جعله خبرا،و هي على قراءة غيره تكون دعاء كالأوّل.

و فيما تبّت عنه يدا أبي لهب وجهان:أحدهما:عن التّوحيد،قاله ابن عبّاس.الثّاني:عن الخيرات،قاله مجاهد.(6:364)

الطّوسيّ: روي أنّ أبا لهب كان قد عزم على أن يرمي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بحجر،فمنعه اللّه من ذلك.و قال:«تبّت يداه»للمنع الّذي وقع به.ثمّ قال:(و تبّ)بالعقاب الّذي ينزل به فيما بعد.

و قيل:في قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إنّه للدّعاء عليه،نحو قوله: قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30.

فأمّا قوله:(و تبّ)فإنّه خبر محض،كأنّه قال:و قد تبّ.

و قيل:إنّه جواب لقول أبي لهب:«تبّا لهذا من دين» حين نادى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بني عبد المطّلب،فلمّا اجتمعوا له، قال لهم:إنّ اللّه بعثني إلى النّاس عامّا و إليكم خاصّا،و أن أعرض عليكم ما إن قبلتموه ملتكم به العرب و العجم.

قالوا و ما ذلك يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله؟قال:أن تقولوا لا إله إلاّ اللّه و أنّي رسول اللّه.فقال أبو لهب تبّا لهذا من دين؛ فأنزل اللّه تعالى قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.

و التّباب:الخسران المؤدّي إلى الهلاك تبّه يتبّ تبّا،و التّباب:الهلاك.

و في(تبّت يدا)مع أنّه إخبار ذمّ لأبي لهب لعنه اللّه، و إنّما قال:«تبّت يداه»و لم يقل:«تبّ»مع أنّه هو الهالك في الحقيقة،لأنّه جار مجرى قوله:«كسبت يداه» لأنّ أكثر العمل لمّا كان باليدين أضيف ذلك إليهما،على معنى الخسران إليه الّذي أدّى العمل بهما.(10:426)

البغويّ: أي خابت و خسرت يدا أبي لهب،أي هو أخبر عن يديه و المراد به نفسه،على عادة العرب في التّعبير ببعض الشّيء عن كلّه.(5:327)

الزّمخشريّ: و المعنى:هلكت يداه،لأنّه فيما يروى أخذ حجرا ليرم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(و تبّ)و هلك كلّه،أو جعلت يداه هالكتين، و المراد هلاك جملته،كقوله تعالى: بِما قَدَّمَتْ يَداكَ الحجّ:10.

و معنى(و تبّ):و كان ذلك و حصل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يدلّ عليه قراءة ابن مسعود (و قد تبّ) (4:295).

نحوه أبو السّعود(6:484)،و شبّر(6:463).

الطّبرسيّ: أي خسرت يداه و خسر هو،قول مقاتل.

و إنّما قال:خسرت يداه،لأنّ أكثر العمل يكون باليد،و المراد:خسر عمله و خسرت نفسه بالوقوع في

ص: 493

النّار.

و قيل:إنّ«اليد»هنا صلة،كقولهم يد الدّهر و يد السّنة.قال:

*و أيد الرّزايا بالذّخائر مولع*

و قيل:معناه صفرت يداه من كلّ خير.

قال الفرّاء:الأوّل دعاء،و الثّاني خبر،فكأنّه قال:

أهلكه اللّه و قد هلك.و في حرف عبد اللّه و أبيّ(و قد تبّ).

و قيل:إنّ الأوّل أيضا،و معناه أنّه لم تكتسب يداه خيرا قطّ،و خسر مع ذلك هو نفسه،أي تبّ على كلّ حال.(5:559)

ابن عطيّة :معناه خسرت،و التّباب:الخسار و الدّمار،و أسند ذلك إلى اليدين من حيث«اليد»موضع الكسب و الرّبح و ضمّ ما يملك،ثمّ أوجب عليه أنّه قد تبّ،أي حتم ذلك عليه.(5:534)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله:(تبّت)فيه أقاويل:

أحدها:التّباب:الهلاك،و منه قولهم:شابّة أم تابّة، أي هالكة من الهرم.و نظيره قوله تعالى: وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ المؤمن:37،أي في هلاك.و الّذي يقرّر ذلك أنّ الأعرابيّ لمّا واقع أهله في نهار رمضان، قال:هلكت و أهلكت،ثمّ إنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام ما أنكر ذلك،فدلّ على أنّه كان صادقا في ذلك.

و لا شكّ أنّ العمل إمّا أن يكون داخلا في الإيمان،أو إن كان داخلا لكنّه أضعف أجزائه،فإذا كان بترك العمل حصل الهلاك.ففي حقّ أبي لهب حصل ترك الاعتقاد و القول و العمل،و حصل الاعتقاد الباطل،و القول الباطل،و العمل الباطل،فكيف يعقل أن لا يحصل معنى الهلاك،فلهذا قال(تبّت).

و ثانيها:(تبّت):خسرت،و التّباب هو الخسران المفضي إلى الهلاك،و منه قوله تعالى: وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ هود:101،أي تخسير،بدليل أنّه قال في موضع آخر:غير تخسير.

و ثالثها:(تبّت):خابت.قال ابن عبّاس:لأنّه كان يدفع القوم عنه بقوله:إنّه ساحر،فينصرفون عنه قبل لقائه،لأنّه كان شيخ القبيلة و كان له كالأب،فكان لا يتّهم.فلمّا نزلت السّورة و سمع بها،غضب و أظهر العداوة الشّديدة،فصار متّهما،فلم يقبل قوله في الرّسول بعد ذلك،فكأنّه خاب سعيه و بطل غرضه.

و لعلّه إنّما ذكر«اليد»لأنّه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه،فيقول:انصرف راشدا فإنّه مجنون، فإنّ المعتاد أنّ من يصرف إنسانا عن موضع وضع يده على كتفه و دفعه عن ذلك الموضع.

و رابعها عن عطاء:(تبّت)،أي غلبت،لأنّه كان يعتقد أنّ يده هي العليا،و أنّه يخرجه من مكّة و يذلّه و يغلب عليه.

و خامسها،عن ابن وثّاب:صفرت يداه عن كلّ خير.[إلى أن قال:]

أمّا قوله تعالى:(و تبّ)ففيه وجوه:

أحدها:أنّه أخرج الأوّل مخرج الدّعاء عليه، كقوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ عبس:17،و الثّاني مخرج الخبر،أي كان ذلك و حصل،و يؤيّده قراءة ابن مسعود (و قد تبّ) .

ص: 494

و ثانيها:كلّ واحد منهما إخبار،و لكن أراد بالأوّل هلاك عمله،و بالثّاني هلاك نفسه.و وجهه أنّ المرء إنّما يسعى لمصلحة نفسه و عمله،فأخبر اللّه تعالى أنّه محروم من الأمرين.

و ثالثها: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ يعني ماله،و منه يقال:ذات اليد،(و تبّ)هو بنفسه،كما يقال: خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ الشّورى:45،و هو قول أبي مسلم.

و رابعها: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ يعني نفسه،(و تبّ) يعني ولده عتبة،على ما روي أنّ عتبة بن أبي لهب خرج إلى الشّام مع أناس من قريش،فلمّا همّوا أن يرجعوا قال لهم عتبة:بلّغوا محمّدا عنّي أنّي قد كفرت بالنّجم إذا هوى.

و روي أنّه قال ذلك في وجه رسول اللّه،و تفل في وجهه،و كان مبالغا في عداوته،فقال:«اللّهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك».فوقع الرّعب في قلب عتبة،و كان يحترز.فسار ليلة من اللّيالي فلمّا كان قريبا من الصّبح، فقال له أصحابه:هلكت الرّكاب،فما زالوا به حتّى نزل و هو مرعوب،و أناخ الإبل حوله كالسّرادق،فسلّط اللّه عليه الأسد و ألقى السّكينة على الإبل،فجعل الأسد يتخلّل حتّى افترسه و مزّقه.

فإن قيل:نزول هذه السّورة كان قبل هذه الواقعة، و قوله:(و تبّ)إخبار عن الماضي،فكيف يحمل عليه؟

قلنا:لأنّه كان في معلومه تعالى أنّه يحصل ذلك.

خامسها: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ حيث لم يعرف حقّ ربّه،(و تبّ)حيث لم يعرف حقّ رسوله.

(32:166)

نحوه الخازن(7:263)،و البروسويّ(10:532).

الآلوسيّ: [بعد بيان شأن نزول الآية قال:]

فاليدان على المعنى المعروف،و الكلام دعاء بهلاكهما.و قوله سبحانه:(و تبّ)دعاء بهلاك كلّه، و جوّز أن يكونا إخبارين بهلاك ذينك الأمرين.و التّعبير بالماضي في الموضعين لتحقّق الوقوع.

و قال الفرّاء:الأوّل دعاء بهلاك جملته،على أنّ «اليدين»إمّا كناية عن الذّات و النّفس لما بينهما من اللّزوم في الجملة،أو مجاز من إطلاق الجزء على الكلّ، كما قال محيي السّنّة.و القول في ردّه أنّه يشترط أن يكون الكلّ يعدم بعدمه كالرّأس و الرّقبة؛و اليد ليست كذلك، غير مسلّم،لتصريح فحول بخلافه هنا و في قوله تعالى:

وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة:195،أو المراد على ما قيل بذلك:الشّرط يعدم حقيقة أو حكما، كما في إطلاق العين على الرّبيئة و اليد على المعطي أو المتعاطي لبعض الأفعال.فإنّ الذّات-من حيث اتّصافها بما قصد اتّصافها به-تعدم بعدم ذلك العضو.

و الثّاني إخبار بالحصول،أي و كان ذلك و حصل.

[ثمّ استشهد بشعر]

و استظهر أنّ هذه الجملة حاليّة«و قد»مقدّرة على المشهور،كما قرأ به ابن مسعود،و في الصّحيحين و غيرهما من حديث ابن عبّاس في سبب النّزول، فنزلت هذه السّورة (تبّت يدا ابى لهب و قد تبّ) .و على هذه القراءة يمتنع أن يكون ذلك دعاء،لأنّ«قد» لا تدخل على أفعال الدّعاء.

و قيل:الأوّل إخبار عن هلاك عمله؛حيث لم يفده و لم ينفعه،لأنّ الأعمال تزاول بالأيدي غالبا،و الثّاني

ص: 495

إخبار عن هلاك نفسه.

و في«التّأويلات»:اليد بمعنى النّعمة،و كان يحسن إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و إلى قريش،و يقول:إن كان الأمر لمحمّد فلي عنده يد،و إن كان لقريش فكذلك؛فأخبر أنّه خسرت يده الّتي كان عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:بعناده له،و يده الّتي عند قريش أيضا بخسران قريش و هلاكهم في يد النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام.فهذا معنى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ.

و المراد بالثّاني:الإخبار بهلاكه نفسه.(30:260)

الطّباطبائيّ: و عيد شديد لأبي لهب بهلاك نفسه و عمله و بنار جهنّم و لامرأته،و السّورة مكّيّة.

التّبّ و التّباب هو الخسران و الهلاك،على ما ذكره الجوهريّ،و دوام الخسران على ما ذكره الرّاغب،و قيل:

الخيبة،و قيل:الخلوّ من كلّ خير.و المعاني-كما قيل- متقاربة.

فيد الإنسان هي عضوه الّذي يتوصّل به إلى تحصيل مقاصده،و ينسب إليه جلّ أعماله؛و تباب يديه:

خسرانهما فيما تكتسبانه من عمل.

و إن شئت فقل:بطلان أعماله الّتي يعملها بهما من حيث عدم انتهائها إلى غرض مطلوب،و عدم انتفاعه بشيء منها،و تباب نفسه خسرانها في نفسها بحرمانها من سعادة دائمة،و هو هلاكها المؤبّد.

فقوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ أي أبو لهب، دعاء عليه بهلاك نفسه و بطلان ما كان يأتيه من الأعمال، لإطفاء نور النّبوّة،أو قضاء منه تعالى بذلك.

(20:384)

تباب

...وَ كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ. المؤمن:37

ابن عبّاس: يقول:في خسران.

و نحوه مجاهد(الطّبريّ 24:66)،و الزّجّاج(4:

375)،و البيضاويّ(2:336)،و شبّر(5:347).

قتادة :أي في ضلال و خسار.(الطّبريّ 24:66)

نحوه القرطبيّ(15:315)،و البروسويّ(8:

184)،و الهرويّ(1:243).

ابن زيد :التّباب و الضّلال واحد.

(الطّبريّ 24:66)

الطّبريّ: إلاّ في خسار و ذهاب مال و غبن،لأنّه ذهبت نفقته الّتي على الصّرح باطلا،و لم ينل بما أنفق شيئا ممّا أراده،فذلك هو الخسار و التّباب.

(الطّبريّ 24:66)

نحوه ابن عطيّة(4:560)،و المراغيّ(24:72).

الماورديّ: [نقل قول قتادة ثمّ قال:]

و فيه وجهان:أحدهما:في الدّنيا لمّا أطلعه اللّه عليه من هلاكه،الثّاني:في الآخرة لمصيره إلى النّار،قاله الكلبيّ.(5:157)

الطّوسيّ: يعني في هلاك.و التّباب:الهلاك بالانقطاع،و منه قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ اللّهب:1، أي خسرت بانقطاع الرّجاء،و منه تبّا له.(9:79)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:332)

البغويّ: يعني و ما كيده في إبطال آيات اللّه و آيات موسى إلاّ في خسار و هلاك.(4:113)

ص: 496

نحوه الزّمخشريّ(3:428)،و الطّبرسيّ(4:524)، و الفخر الرّازيّ(27:67)،و النّسفيّ(4:76)، و النّيسابوريّ(24:43)،و الخازن(6:80).

ابن الجوزيّ: أي في بطلان و خسران.(7:223)

أبو حيّان :و التّباب:الخسران،خسر ملكه في الدّنيا فيها بالغرق،و في الآخرة بخلود النّار.(7:466)

الآلوسيّ: أي في خسار،لأنّه يشعر بتقدّم ذكر للكيد،و هو في هذه القراءة أظهر.(24:70)

القاسميّ: أي خسار و هلاك لذهاب نفقته على الصّرح سدى،و عدم نيله-ممّا أراده من الاطّلاع-شيئا.

(14:5168)

عبد الكريم الخطيب :أي في فساد و ضياع.

(12:1236)

تتبيب

...فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ.

هود:101

ابن عبّاس: أنّه التّخسير.(ابن الجوزيّ 4:156)

نحوه ابن عمر،و مجاهد.(الطّبريّ 12:113)

و قتادة و ابن قتيبة(ابن الجوزيّ 4:156)، و الزّجّاج(3:77).

مجاهد :التّخسير،هو الخسران.

(الماورديّ 2:503)

أنّه الهلكة.[ثمّ استشهد بشعر](الماورديّ 2:503)

ابن زيد :التّتبيب:الشّرّ.(الماورديّ 2:503)

أبو عبيدة: التّدمير و الإهلاك.

(ابن الجوزيّ 4:157)

الطّبريّ: غير تخسير و تدمير و إهلاك،يقال منه:

تبّبته أتببته تتبيبا،و منه قولهم للرّجل:تبّا لك.[ثمّ استشهد بشعر](12:113)

نحوه البغويّ.(2:464)

الطّوسيّ: بمعنى غير تخسير،في قول مجاهد و قتادة،مأخوذ من تبّت يده،أي خسرت،و منه تبّا له.

[ثمّ استشهد بشعر](6:62)

الواحديّ: غير خسار.(2:589)

الزّمخشريّ: تخسير،يقال:تبّ،إذا خسر،و تبّه غيره،إذا أوقعه في الخسران.(2:292)

نحوه النّسفيّ.(2:204)

ابن عطيّة :و التّتبيب:الخسران و منه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ اللّهب:1.[ثمّ استشهد بشعر]

و صورة زيادة الأصنام التّتبيب إنّما يتصوّر:إمّا بأنّ تأميلها و الثّقة بها و التّعب في عبادتها شغلت نفوسهم و صرفتها عن النّظر في الشّرع و عاقتها،فلحق عن ذلك عنت و خسران.و إمّا بأنّ عذابهم على الكفر يزاد إليه عذاب على مجرّد عبادة الأوثان.(3:206)

الطّبرسيّ: و المعنى لم يزيدوهم شيئا غير الهلاك و الخسار.و إنّما أضاف الإهلاك إلى الأصنام،لأنّها السّبب في ذلك،و لو لم يعبدوها لم يهلكوا.(3:191)

نحوه أبو السّعود(3:350)،و شبّر(3:247).

الفخر الرّازيّ: يقال:تبّ،إذا خسر.و تبّبه غيره،إذا أوقعه في الخسران.و المعنى أنّ الكفّار كانوا

ص: 497

يعتقدون في الأصنام أنّها تعين على تحصيل المنافع و دفع المضارّ.ثمّ إنّه تعالى أخبر أنّهم عند مساس الحاجة إلى المعين ما وجدوا منها شيئا،لا جلب نفع و لا دفع ضرر، ثمّ كما لم يجدوا ذلك فقد وجدوا ضدّه،و هو أنّ ذلك الاعتقاد زال عنهم به منافع الدّنيا و الآخرة،و جلب إليهم مضارّ الدّنيا و الآخرة،فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران.(18:56)

نحوه البرسويّ.(4:184)

البيضاويّ: هلاك أو تخسير.(1:481)

القرطبيّ: و التّباب:الهلاك و الخسران،و فيه إضمار،أي ما زادتهم عبادة الأصنام.فحذف المضاف، أي كانت عبادتهم إيّاها قد خسّرتهم ثواب الآخرة.

(9:95)

أبو حيّان :و التّتبيب:التّخسير،[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و هذه كلّها أقوال متقاربة.(5:260)

الآلوسيّ: [بعد نقل الأقوال قال:]

و حينئذ فالمعنى فما زادوهم غير تخسير أو خسارة لنفوسهم؛حيث استحقّوا العذاب الأليم الدّائم على عبادتهم لها.(12:137)

ابن عاشور :و جملة وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ علاوة و ارتقاء على عدم نفعهم عند الحاجة،بأنّهم لم يكن شأنهم عدم الإغناء عنهم فحسب،و لكنّهم زادتهم تتبيبا و خسرانا،أي زادتهم أسباب الخسران.

و التّتبيب:مصدر تبّبه،إذا أوقعه في التّباب،و هو الخسارة.و ظاهر هذا أنّ أصنامهم زادتهم تتبيبا لمّا جاء أمر اللّه،لأنّه عطف على الفعل المقيّد ب(لمّا)التّوقيتيّة المفيدة أنّ ذلك كان في وقت مجيء أمر اللّه،و هو حلول العذاب بهم.

و وجه زيادتهم إيّاهم تتبيبا حينئذ أنّ تصميمهم على الطّمع في إنقاذهم إيّاهم من المصائب حالت دونهم و دون التّوبة،عند سماع الوعيد بالعذاب.

و يجوز أن يكون العطف لمجرّد المشاركة في الصّفة دون قيدها،أي زادوهم تتبيبا قبل مجيء أمر اللّه،بأن زادهم اعتقادهم فيها انصرافا عن النّظر في آيات الرّسل،و زادهم تأميلهم الأصنام.و قد كانت خرافات الأصنام و مناقبها الباطلة مغرية لهم بارتكاب الفواحش و الضّلال،و انحطاط الأخلاق و فساد التّفكير جرأة على رسل اللّه،حتّى حقّ عليهم غضب اللّه المستوجب حلول عذابه بهم.(11:327)

الطّباطبائيّ: التتبيب:التّدمير و الإهلاك،من «التّبّ»و أصله:القطع،لأنّ عبادتهم الأصنام كان ذنبا مقتضيا لعذابهم.و لمّا أحسّوا بالعذاب و البؤس فالتجئوا إلى الأصنام و دعوها لكشفه،و دعاؤها ذنب آخر زاد ذلك في تشديد العذاب عليهم،و تغليظ العقاب لهم،فما زادوهم غير هلاك.

و نسبة التّتبيب إلى آلهتهم مجاز،و هو منسوب في الحقيقة إلى دعائهم إيّاها،و هو عمل قائم،بالحقيقة بالدّاعي لا بالمدعوّ.(11:6)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّباب،أي الخسران

ص: 498

و الهلاك،يقال:تبّ فلان يتبّ تبّا و تبابا و تببا و تبيبا:

خسر و هلك.و تبّا له:دعاء عليه بالهلاك و الخسران، يقال:تبّ تبابا و تبّبه:قال له:تبّا،و تبّا تبيبا:مبالغة في ذلك.و تبّت يداه تبّا و تبابا:خسرتا،و تبّبوهم تتبيبا:أهلكوهم،و وقعوا في تبوب منكرة:مهلكة، و تبّ:قطع،و هو بمعنى.

و يقال إذا سئل عن المرأة:أ شابّة أم تابّة؟أي أ عجوز هالكة أم شابّة؟و التّابّ:الكبير من الرّجال، و هو الضّعيف أيضا،يقال:استتبّني،أي استضعفني، و أتبّ اللّه قوّته:أوهنها،و حمار تابّ الظّهر:دبر،أي معقور،و كذا جمل تابّ،و رأيته بتبّة،أي بحالة شديدة.

و من المجاز:طريق مستتبّ:مذلّل،يقال:اتّخذه فلان ترتبّة و تبّة،أي شبه الطّريق يطأه.و استتبّ أمر فلان:اطّرد و استقام،من قولهم:طريق مستتبّ، كأنّه تبّب من كثرة وطء السّابلة.

2-و هناك فرق بين الهلاك و التّباب،فالهلاك:

استئصال و اجتثاث مباشر،و التّباب:خسران يفضي إلى الهلاك بواسطة كالضّعف،يقال:أتبّ اللّه قوّته،أي أوهنها،أو الدّعاء،يقال:تبّا له،أو الكبر،يقال:

أ شابّة أم تابّة؟أي أ عجوز هالكة أم شابّة؟و لذا قال بعض أصحاب المعاني،و منهم الرّاغب:التّباب:

الاستمرار في الخسران،و لتضمّن الاستمرار قيل:

استتبّ لفلان كذا،أي استمرّ.

3-إنّ صيغ مادّة«ت ب ب»تحكي الشّدّة نبرة و معنى،إذ أنّ حرف«التّاء»مهموس شديد،و حرف «الباء»مجهور شديد.و لا يتّصف في اللّغة العربيّة بشدّة الهمس إلاّ حرف«التّاء»،و بشدّة الجهر إلاّ حرفا«الباء و الدّال»،إضافة إلى تضعيف«العين»و«اللاّم».كما أنّ التّباب-كما تقدّم-يعني الهلاك و القطع،و كذا مقلوبه «ب ت ت»،يقال:بتّ الشّيء بتوتا،أي انقطع،لاحظ «ب ت ت».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت هذه المادّة أربع مرّات:فعلا ماضيا مرّتين، و مصدرا مرّتين،في ثلاث آيات:

1- تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ اللّهب:1

2- وَ كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ المؤمن:37

3- فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ

هود:101

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل الماضي جاء في(1)مرّتين، مؤنّثا في الأولى و فاعله(يدا)،و مذكّرا في الثّانية و فاعله (أبو لهب)،و هي جملة قصيرة استدعت بحوثا طويلة:

1-التّبّ و التّباب-كما سبق-:الخسران و الهلاك؛ و الخسران:فقدان الشّيء نفعا كان أو غيره،و الهلاك:

ذهاب الرّوح؛فالأوّل للأشياء،و الثّاني للإنسان و الحيوان.و قد يجيء كلّ منهما مكان الآخر مسامحة، و كذلك دوام الخسران،أو الخيبة،و هي اليأس من البلوغ إلى الأمل مقابل الرّجاء،أو الخلوّ من الخير.

و اختلفوا في تفسيرها بذلك،و زعم بعضهم أنّها

ص: 499

متقاربة،و ليست كذلك.و عندنا أنّ منشأ الخلاف-بعد الوفاق على نزولها في أبي لهب-هو الاختلاف في شأن النّزول:

أ-فمن قال:إنّ النّبيّ لمّا جمع أقرباءه-و فيهم عمّه أبو لهب-و دعاهم إلى الإسلام،قال له أبو لهب:«تبّا لك»، أو«تبّا لك و تعسا»،فنزلت جوابا له بلفظه،فهو من قبيل وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54،و إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ* اَللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ البقرة:14،15.

فمعنى التّباب فيها هو ما أراده أبو لهب بقوله:«تبّا»،و هو هلاك النّبيّ،و يؤيّده قوله:«و تعسا»،أو خيبته في نيل أمنيّته،و هي انتشار دعوته،و عليه فلا مجال للخسران.

ب-و من قال:إنّ أبا لهب كان يتوقّع أن يفضّله الإسلام على غيره،فيحتفظ بمقامه و جاهه بين النّاس و رفضه النّبيّ،فقال:«تبّا لهذا من دين»،أي أنّ هذا الدّين خسارة لي؛حيث يسلب منّي ما أمتاز به،و يجعلني و هؤلاء سواء.فلم يكن كلامه دعاء على النّبيّ،بل كان هتافا ضدّ الإسلام،و لهذا كرّره كما هو المعمول في الهتافات،أي بئس الدّين الإسلام،بئس.

و عليه فاللّه يقابله بهتاف مثله مع التّكرار،بأنّ الخسران لأبي لهب فيما كسبته يداه من المال و الجاه، و الخسران له في نفسه.فليست الآية خبرا عن مستقبله و لا دعاء عليه،و إنّما هي هتاف بخسرانه.و هذا الوجه لم يصرّحوا به فيما ذكروه من الوجوه،مع أنّه يكاد يكون أقربها إلى الصّواب.

ج-و إليه يرجع القول بأنّ أبا لهب-و كان كبير القوم-كان يقول للّذين أتوه و سألوه عن النّبيّ:إنّه كذّاب ساحر،فيرجعون عنه،حتّى أتاه وفد فأعاد عليهم كلامه،فقالوا:لا ننصرف حتّى نسمع كلام محمّد، فقال لهم:إنّا لم نزل نعالجه من الجنون،فتبّا له و تعسا.

فهذا أشبه بالهتاف من الدّعاء عليه أو الخبر عنه.

د-و من قال:إنّ النّبيّ لمّا دعا بني عبد المطّلب فاجتمعوا عنده،قال لهم:إنّ اللّه بعثني إلى النّاس عامّة و إليكم خاصّة،و أن أعرض عليكم ما إن قبلتموه ملكتم به العرب و العجم.قالوا:و ما ذاك يا محمّد؟قال:أن تقولوا:لا إله إلاّ اللّه و إنّي رسول اللّه.فقال أبو لهب:تبّا لهذا من دين،أي أنّ هذا الدّين مخفق خائب،لا ينجح في القضاء على الآلهة،و لا ينال به بنو عبد المطّلب ملك العرب و العجم.

فهذا أقرب إلى الخبر عن مستقبل هذا الدّين بالخيبة،عمّا وعدهم النّبيّ،فنزلت الآية تكذيبا لأبي لهب بأنّه هو الخائب بنفسه و بما كسبت يداه،لا هذا الدّين،فجابهه اللّه بأشدّ ممّا قاله؛حيث عمّم خيبته و إخفاقه على نفسه،و ما كسبته يداه.

ه-و من قال:إنّ أبا لهب أخذ حجرا ليرمي به رسول اللّه؛إذ إنّه كان حين يصرّ الوفد على لقاء النّبيّ يضرب بيده على كتف الوافد،و يقول له:انصرف راشدا فإنّه مجنون،فنزلت إعلاما بأنّه خاسر في ما أراد من صرف النّاس عنه،و خسرت يداه في ما كسب بهما،فهذا خبر عنه،أو دعاء عليه،مجابهة لما عمله لا لما قاله.

و-إلى هذا يذهب من قال بأنّ«اليد»بمعنى النّعمة- و هو أبعد الوجوه-لأنّ أبا لهب كان يحسن إلى النّبيّ و إلى قريش،و كان يقول:إن كان الأمر لمحمّد فلي عنده يد،

ص: 500

و إن كان لقريش فكذلك.فأخبره اللّه بأن قد خسرت يده الّتي كانت عند النّبيّ بعناده له،و الّتي عند قريش بخسرانهم و هلاكهم،و عليه فالآية تكذيب له و إخبار بأنّه خاسر في ما زعمه من أنّ له يدا عند النّبيّ و قريش، فلا تنفعه تلك اليد المزعومة.

2-اختلفوا في أنّها خبر عن أبي لهب،و أيّدوه بقراءة ابن مسعود (و قد تبّ) ،أو دعاء عليه.و قد ظهر الصّواب من خلال الوجوه المذكورة،و أنّ كلاّ منها ينطبق على بعض الوجوه لا كلّها،و أنّ الأقرب منها أن تكون هتافا.

3-أمّا القول بأنّ الأولى دعاء و الثّانية إخبار عن وقوعه،و أنّها حال عن الأولى.أو أنّ الأولى دعاء أو إخبار عن نفسه،و الثّانية عن ولده،لأنّه كان متواطئا معه في عداء النّبيّ.أو أنّ الأولى دعاء عليه؛حيث لم يعرف حقّ ربّه،و الثّانية دعاء؛حيث لم يعرف حقّ رسوله.أو أنّهما إخبار بأنّ يديه و نفسه خاوية من كلّ خير.أو أريد باليدين نفسه،تعبيرا بالجزء عن الكلّ، و غيرها ممّا جاء خلال النّصوص،فالأولى الانصراف عن الخوض فيها.

4-و مهما كان معنى الجملة،فما بعدها تفسير لها ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ.

5-يخطر بالبال أنّ تكرار(تبّ)بعد(تبّت)تمهيد لرويّ الآيات الّتي تلتها،فبعدها:كسب،لهب،و هذا تحقير و إدانة لأبي لهب-الحطب،و هذا تحقير و إدانة أخرى له.

ثانيا:جاء في(2): وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاّ فِي تَبابٍ، كيد فرعون في مواجهة المؤمن من إله الّذي كان يدافع عن موسى بضروب من الخطاب-المؤمن:28- 39-و هو قوله لقومه: ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ المؤمن:29،و قوله:

يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ المؤمن:

36.

فأراد بذلك أن يصرفهم عن موسى و دعوته قولا و فعلا،فأخبر اللّه أنّه لا يفلح في كيده فهو خاسر، و التّباب هو الخسران و الهلاك.و الأوّل هو المناسب في الآية،و لفظ«التّباب»فيها مساوقة لرويّ الآيات، فقبلها:مرتاب،جبّار،أسباب،و بعدها:الرّشاد،القرار، الحساب.

ثالثا:جاء في(3) وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ، فسّره بعضهم بالهلاك و الخسران،و بعضهم بالإهلاك و التّخسير،و هو مقتضى صيغة«التّفعيل»،و ضمير الجمع(زادوا)يرجع إلى الأصنام،لأنّهنّ السّبب في خسرانهم،و كان الّذين يعبدونها يعتقدون أنّها تعينهم على تحصيل المنافع و دفع المضارّ.فأخبر اللّه أنّهم ما عثروا على بغيتهم،بل عثروا على ضدّ ذلك،لأنّ هذا الاعتقاد أزال عنهم منافع الدّارين و جلب إليهم مضارّهما.و هو مجاز في الإسناد،لأنّ الّذين يدعونهم إلى عبادة الأصنام هم الّذين زادوهم التّتبيب و التّخسير.

و سواء كان التّتبيب بمعنى التّخسير أو الخسران، فالرّويّ قد روعي بين الآيات،لأنّ قبلها:رشيد، المردود،المرفود،الحصيد،و بعدها:شديد،مشهود، سعيد...

ص: 501

رابعا:جاءت(1)في شأن أبي لهب،و(2)و(3)في شأن فرعون،رمزا إلى أنّهما متشابهان نفسا و اعتقادا و عملا و مسلكا و استكبارا و عاقبة في الدّنيا و الآخرة، كما يشهد بها الكتاب و السنّة،و التّاريخ،فكان أبو لهب ألدّ أعداء النّبيّ،كما كان فرعون لموسى.و من ذلك يستشفّ أنّ مادّة«ت ب ب»خاصّة-في عرف القرآن- بالمستكبرين العتاة الّذين كانوا رءوس الضّلال و معاقل الاستكبار،و يعضدها و يقوّيها تضعيف حرف«الباء» مجرّدة و مزيدة،كما سبق في الأصول اللّغويّة.

ص: 502

ت ب ر

اشارة

5 ألفاظ،6 مرّات مكّيّة،في 4 سور مكّيّة

تبارا 1:1 ليتبّروا 1:1

تبّرنا 1:1 متبّر 1:1

تتبيرا 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّبر:الذّهب و الفضّة،قبل أن يعملا.

و يقال:كلّ جوهر قبل أن يستعمل تبر،من النّحاس و الصّفر.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبار:الهلاك و الفناء؛و تبر يتبر تبارا،و تبّرهم اللّه تتبيرا.(8:117)

أبو عبيدة :و يقال:في رأسه تبرية-هي لغة في الهبرية-و هو الّذي (1)يكون في أصول الشّعر مثل النّخالة.(الجوهريّ 2:600)

ابن الأعرابيّ: التّبر:الفتات من الذّهب و الفضّة قبل أن يصاغا،فإذا صيغا فهما ذهب و فضّة.

المتبور:الهالك،و المتبور:النّاقص.

و التّبراء:الحسنة اللّون من النّوق.

(الأزهريّ 14:276)

الزّجّاج :التّتبير:التّدمير و الهلاك،و كلّ شيء كسّرته و فتّتته فقد تبّرته.و من هذا قيل لمكسّر الزّجاج:التّبر،و كذلك تبر الذّهب.(4:68)

ابن دريد :التّبر:الذّهب،و قال قوم:هو الذّهب المستخرج من المعادن قبل أن يصاغ،و قال قوم:بل الذّهب كلّه تبر.

و التّبار:الهلاك،تبّره اللّه تتبيرا،إذا أهلكه و محقه.

(1:193)

الأزهريّ: التّبر يقع على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ،منها النّحاس و الصّفر و الشّبه و الزّجاج و غيره.(14:276)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و التّبرة:الهلاك.

ص: 503


1- كذا،و الظّاهر:و هي الّتي تكون...

و التّبرية:مثل الهبرية،في الرّأس.

و التّتبير،في لغة حمير:التّكسير و التّقطيع.

(9:430)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الذّهب بالذّهب تبرها و عينها،و الفضّة بالفضّة تبرها و عينها، و البرّ بالبرّ مدي بمدي».

التّبر:جوهر الذّهب و الفضّة،يقال للقطعة منها:

تبرة،ما لم يطبع،فإذا ضربت دراهم أو دنانير سمّيت:

عينا.حرّم صلّى اللّه عليه و سلّم التّفاضل فيها،سواء كان تبرا بمضروب، أو عينا بعين.(1:247)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:146)

ابن جنّيّ: لا يقال له:تبر حتّى يكون في تراب معدنه أو مكسورا.(ابن منظور 4:88)

الجوهريّ: التّبر:ما كان من الذّهب غير مضروب،فإذا ضرب دنانير فهو عين.و لا يقال:تبر إلاّ للذّهب،و بعضهم يقوله للفضّة أيضا.

و التّبار:الهلاك،و تبّره تتبيرا،أي كسّره و أهلكه، و هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ الأعراف:139،أي مكسّر مهلك.(2:600)

ابن فارس :التّاء و الباء و الرّاء أصلان،متباعد ما بينهما:أحدهما:الهلاك،و الآخر:من جواهر الأرض.

فالأوّل:قولهم:تبّر اللّه عمل الكافر،أي أهلكه و أبطله،قال اللّه تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:139.

و الأصل الآخر:التّبر،و هو ما كان من الذّهب و الفضّة غير مصوغ.(1:362)

الثّعالبيّ: لا يقال للذّهب:تبر إلاّ ما دام غير مصوغ.(52)

ابن سيده :التّبر:ما كان من الذّهب و الفضّة غير مصوغ،و الذّهب كلّه ما كان.

و قيل:هو كلّ جوهر قبل استعماله كالنّحاس و الحديد و غيرهما.و أكثر اختصاصه بالذّهب،و يكون في غيره فرعا و مجازا.(الإفصاح 2:1036)

نحوه المدينيّ(1:214)،و ابن الأثير(1:179).

الرّاغب: التّبر:الكسير (1)و الإهلاك،يقال:تبره و تبّره.[ثمّ ذكر الآيات](72)

الزّمخشريّ: أدركه التّبار،و قد تبر،و تبّره اللّه.

و الحرّ يتبر،و هو يصبر،و العين تضرب من التّبر.

(أساس البلاغة:36)

الطّبرسيّ: و التّتبير:الإهلاك،و التّبار و الهلاك و الدّمار واحد.و كلّ ما يكسّر من الحديد و الذّهب:تبر.

(3:398)

و التّتبير:الإهلاك،و الاسم منه التّبار،و منه قيل:

التّبر لقطع الذّهب.(4:169)

ابن الأثير :و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«عجز حاضر و رأي متبّر (2)»أي مهلك.(1:179)

الصّغانيّ: و ما أصاب منه تبربرا (3)،أي شيئا.

تبر:هلك.و تبّر:أهلك.(2:430)8)

ص: 504


1- هذا هو الظّاهر،و في الأصل بدله«الكبير»
2- و ذكره اللّسان على صيغة اسم المفعول:«متبّر»أي مهلك.(4:88)
3- ذكره اللّسان:و ما أصبت منه تبريرا،أي شيئا...و قال لا يستعمل إلاّ في النّفي.(4:88)

الفيّوميّ: تبر يتبر و يتبر،من بابي«قتل و تعب»:

هلك.و يتعدّى بالتّضعيف،فيقال:تبّره،و الاسم:

التّبار،و الفعال بالفتح يأتي كثيرا من«فعّل»نحو كلّم كلاما،و سلّم سلاما،و ودّع وداعا.(72)

نحوه مجمع اللّغة(1:146)،و محمّد إسماعيل إبراهيم (1:87).

الفيروزآباديّ: التّبر بالكسر:الذّهب و الفضّة أو فتاتهما،قبل أن يصاغا؛فإذا صيغا فهما ذهب و فضّة.أو ما استخرج من المعدن قبل أن يصاغ،و مكسّر الزّجاج، و كلّ جوهر يستعمل من النّحاس و الصّفر.

و بالفتح:الكسر و الإهلاك،كالتّتبير فيهما،و الفعل ك«ضرب»؛و ك«سحاب»:الهلاك.

و التّبراء:النّاقة الحسنة اللّون.

و المتبور:الهالك.

و ما أصبت منه تبريرا،بالفتح:شيئا.

و التّبرية بالكسر كالنّخالة،تكون في أصول الشّعر.

و تبر كفرح:هلك،و أتبر عن الأمر.(1:393)

الطّريحيّ: و في الحديث:«ليس في التّبر زكاة» التّبر بكسر التّاء فالسّكون،هو ما كان من الذّهب غير مضروب،فإذا ضرب دنانير فهو عين.و لا يقال:تبر إلاّ للذهب،و بعضهم يقول للفضّة أيضا.(3:232)

محمود شيت:تبّر الجيش أعداءه:أهلكهم.

(1:110)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من الدّقّة في موارد استعمال هذه المادّة،أن الأصل فيها:هو كسر العلوّ و حطّ المقام،إلى أن يوصل إلى الفناء و الهلاك.و من هذا:

لا تستعمل إلاّ في الهلاك عن هذا الطّريق،و بهذه الحيثيّة.

و هذا هو الفرق بينهما و بين الهلاك فإنّه مطلق.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

فالتّبار بالفتح،هو ما يحصل من التّتبير،كالكلام من التّكليم،و التّتبير هو«تفعيل»،و لمّا كانت صيغة «تفعيل»تدلّ على جهة وقوع الفعل و نسبته إلى المفعول به،انتخبت في هذه الموارد المقتضية لهذا المعنى.

(1:356)

النّصوص التّفسيريّة

تبارا

...وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً. نوح:28

مجاهد :خسارا.(الطّبريّ 29:101)

و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام.

(القمّيّ 2:388)

السّدّيّ: ضلالا.(3:190)

أبو عبيدة :إلاّ هلاكا.(2:271)

مثله السّجستانيّ(199)و الآلوسيّ(29:281).

الزّجّاج :معناه الاّ تبارا،و التّبار:الهلاك،و كلّ شيء أهلك فقد تبر،و لذلك سمّي كلّ مكسّر تبرا.

(5:231)

البلخيّ: لا تزدهم إلاّ منعا من الطّاعات،عقوبة لهم على كفرهم،فإنّهم إذا ضلّوا استحقّوا منع الألطاف الّتي يفعل بالمؤمنين فيطيعون عندها،و يمتثلون أمر اللّه.

و لا يجوز أن يفعل بهم الضّلال عن الحقّ لأنّه سفه،

ص: 505

فتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.(الطوسيّ 10:143)

الإسكافيّ: قوله تعالى: وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً نوح:24،و قال في آخر السّورة: وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً.

للسّائل أن يسأل عن الأوّل و اختصاصه بالإضلال، و عن الثّاني و اختصاصه بالإهلاك الّذي هو التّبار؟

و الجواب:أنّ الأوّل جاء بعد قوله: وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً* وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً نوح:23،24،أي لمّا قالوا: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً نوح:23،فأمروا أتباعهم بالتّمسّك بعبادة هذه الأصنام،و أضلّوهم عن طريق الرّشاد،دعا عليهم نوح عليه السّلام بأن يضلّهم الثّواب بعد استحقاق العقاب، ليجاوب قوله: وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً نوح:24.

و أمّا الآخر فإنّ معناه:زدهم هلاكا على هلاك، و عذابا فوق عذاب،بما وافوا عليه القيامة من كفر و ضلال؛و ذلك عند دخول النّار،فاقتضى كلّ من المكانين ما جاء فيه.(501)

نحوه البروسويّ(10:186)،و الميبديّ(10:

242).

الطّوسيّ: [قال نحو الزّجّاج و أضاف:]

و يجوز أن يكون معناه لا تزدهم إلاّ ضلالا،أي عذابا على كفرهم.(10:143)

البغويّ: أي هلاكا و دمارا،فاستجاب اللّه دعاءه فأهلكهم.(5:159)

مثله الخازن.(7:131)

الميبديّ: أي هلاكا و دمارا و كسرا.(10:242)

تبّرنا-تتبيرا

وَ كُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ كُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً.

الفرقان:39

سعيد بن جبير: تتبير،بالنّبطيّة.(الطّبريّ 19:16)

نحوه القمّيّ.(2:114)

الحسن :تبّر اللّه كلاّ بعذاب تتبيرا.

(الطّبريّ 19:16)

الإمام الصّادق عليه السّلام: يعني كسّرنا تكسيرا.

(القمّيّ 2:114)

ابن جريج: بالعذاب.(الطّبريّ 19:16)

المؤرّج:دمّرناهم تدميرا.تبدل التّاء و الباء من الدّال و الميم.(القرطبيّ 13:34)

الفرّاء: أهلكناهم و أبدناهم إبادة.(2:268)

أبو عبيدة :أي أهلكنا و استأصلنا.(2:75)

ابن قتيبة :أي أهلكنا و دمّرنا.(313)

مثله النّحّاس.(5:28)

الطّبريّ: كلّ هؤلاء الّذين ذكرنا لكم أمرهم، و استأصلناهم،فدمّرناهم بالعذاب إبادة،و أهلكناهم جميعا.(19:15)

الطّوسيّ: أي أهلكنا كلاّ منهم إهلاكا.و التّتبير:

تكبير الإهلاك.(7:491)

نحوه البغويّ(3:446)،و النّسفيّ(3:167)، و الطّبرسيّ(4:170)،و الخازن(5:84)،و ابن كثير (5:153)،و الشّربينيّ(2:662).

الميبديّ: التّتبير:التّكسير و التّقطيع.(7:36)

الزّمخشريّ: التّتبير:التّفتيت و التّكسير.(3:92)

ص: 506

نحوه الفخر الرّازيّ(24:83)،و الطّباطبائيّ(15:

218).

القرطبيّ: أي أهلكنا بالعذاب.(13:34)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(10:27)

البيضاويّ: أي فتّتنا تفتينا،و منه التّبر لفتات الذّهب و الفضّة.(2:145)

النّيسابوريّ: أهلكنا أشنع الإهلاك حين لم ينجع فيهم ضرب المثل.(19:15)

أبو السّعود : تَبَّرْنا تَتْبِيراً عجيبا هائلا،لما أنّهم لم يتأثّروا بذلك و لم يرفعوا له رأسا،و تمادوا على ما هم عليه من الكفر و العدوان.و أصل التّتبير:التّفتيت.

(5:13)

نحوه الآلوسيّ.(19:21)

البروسويّ: أهلكنا إهلاكا عجيبا هائلا،فإنّ التّبر -بالفتح و الكسر-:الإهلاك،و التّتبير:التّكسير و التّقطيع.(6:214)

القاسميّ: أي إهلاكا عظيما.(12:4578)

يتبّروا-تتبيرا

...وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً. الإسراء:7

ابن عبّاس: تدميرا.(الطّبريّ 15:43)

قتادة :يدمّروا ما علوا تدميرا.(الطّبريّ 15:43)

نحوه ابن جريج.(النّحّاس 4:125)

قطرب: إنّه الهدم و الإخراب.(الماورديّ 3:231)

ابن قتيبة :أي ليدمّروا و يخرّبوا.(251)

نحوه السّجستانيّ(106)،و ابن الجوزيّ(5:11)، و ابن كثير(4:283).

الطّبريّ: و ليدمّروا ما غلبوا عليه من بلادكم تدميرا.(15:43)

نحوه الطّوسيّ(6:451)،و البغويّ(3:123)، و الخازن(4:118).

الزّجّاج :أي ليدمّروا في حال علوّهم عليكم.

(3:228)

القيسيّ: (ما)و الفعل مصدر،أي و ليتبّروا علوّهم،أي وقت علوّهم،أي و ليهلكوا و يفسدوا وقت تمكّنهم،فهو بمنزلة قولك:جئتك مقدم الحاجّ و خفوق النّجم،أي وقت ذلك.(2:28)

نحوه أبو البركات.(2:87)

الماورديّ: إنّه الهلاك و الدّمار.(3:231)

الميبديّ: أي ليهلكوا و ليفسدوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً ما استطاعوا و ملكوا إهلاكا و إفسادا.و التّبار:الهلاك و الفساد.(5:520)

الزّمخشريّ: (ما علوا)مفعول(ليتبّروا)أي ليهلكوا كلّ شيء غلبوه و استولوا عليه،أو بمعنى مدّة علوّهم.(2:439)

نحوه العكبريّ(2:814)،و البيضاويّ(1:578)، و النّسفيّ(2:308)،و أبو حيّان(6:11)،و أبو السّعود (4:112)،و الكاشانيّ(3:178)،و البروسويّ(5:

134)،و الآلوسيّ(15:20).

الطّبرسيّ: أي و ليدمّروا و يهلكوا ما غلبوا عليه من بلادكم تدميرا.و يجوز أن يكون(ما)مع الفعل بتأويل المصدر و المضاف محذوف،أي ليتبّروا مدّة

ص: 507

علوّهم.(3:399)

نحوه الشّربينيّ.(2:284)

الفخر الرّازيّ: و قوله:(تتبيرا)ذكر للمصدر على معنى تحقيق الخبر و إزالة الشّكّ في صدقه،كقوله:

وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،أي حقّا، و المعنى:و ليدمّروا و يخرّبوا ما غلبوا عليه.(20:159)

نحوه النّيسابوريّ.(15:10)

المراغيّ: ليهلكوا ما ادّخرتموه و خزنتموه تتبيرا شديدا،فلا يبقون منه شيئا.(15:15)

عزّة دروزة :ليدمّروا ما أنشئوه و رفعوه عاليا.

(3:218)

الطّباطبائيّ: أي ليهلكوا الّذي غلبوا عليه إهلاكا،فيقتلوا النّفوس و يحرقوا الأموال و يهدّموا الأبنية و يخرّبوا البلاد.(13:42)

متبّر

إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأعراف:139

ابن عبّاس:خسران.(الطّبريّ 9:46)

السّدّيّ: أي مهلك ما هم فيه.(271)

نحوه السّجستانيّ(69)،و ابن قتيبة(172)، و البغويّ(2:227)،و الخازن(2:230)،و القاسميّ(7:

2846).

أي مهلك مدمّر رديء العاقبة.(ابن عطيّة 2:448)

نحوه الزّجّاج.(2:371)

الكلبيّ: باطل.(الماورديّ 2:255)

أبو اليسع:ضلال.(الماورديّ 2:255)

ابن زيد :في قوله: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هذا كلّه واحد،كهيئة غفور رحيم،عفوّ غفور.

و العرب تقول:إنّه البائس المتبّر،و إنّه البائس المخسر.(الطّبريّ 9:46)

الطّبريّ: اللّه مهلك ما هم فيه من العمل و مفسده، و مخسرهم فيه،بإثابته إيّاهم عليه العذاب المهين.

(9:46)

الماورديّ: [نقل الأقوال الثّلاثة:باطل،ضلال، مهلك،في معنى(متبّر)ثمّ قال:]

و في تسميته بذلك قولان:

أحدهما:لأنّ موسى يهلكه.

و الثّاني:لكسره،و كلّ إناء مكسور:متبّر،قاله الزّجّاج،و قال الضّحّاك:هي كلمة نبطيّة،لما ذكرنا.

(2:255)

الطّوسيّ: يشير فيه إلى العابد و المعبود من الأصنام،و معناه مهلك،فالمتبّر:المهلك المدمّر عليه.

(4:561)

نحوه الطّبرسيّ(2:472)،و الفخر الرّازيّ(14:

224)،و القرطبيّ(7:273).

الزّمخشريّ: مدمّر مكسّر ما هم فيه،من قولهم:

إناء متبّر،إذا كان فضاضا.و يقال لكسار الذّهب:التّبر.

أي يتبّر اللّه و يهدم دينهم الّذي هم عليه على يدي، و يحطّم أصنامهم هذه،و يتركها رضاضا.[إلى أن قال:]

و في إيقاع(هؤلاء)اسما ل(انّ)و تقديم خبر المبتدإ

ص: 508

من الجملة الواقعة خبرا لها وسم لعبدة الأصنام،بأنّهم هم المعرّضون للتّبار،و أنّه لا يعدوهم البتّة،و أنّه لهم ضربة لازب،ليحذّرهم عاقبة ما طلبوا،و يبغّض إليهم ما أحبّوا.(2:110)

نحوه البيضاويّ(1:367)،و النّسفيّ(2:74)، و النّيسابوريّ(9:38)،و أبو حيّان(4:378)،و أبو السّعود (3:24)،و الكاشانيّ(2:232)،و الآلوسيّ(9:41).

العكبريّ: (ما هم فيه)يجوز أن تكون(ما)مرفوعة ب(متبّر)لأنّه قوي بوقوعه خبرا.و أن تكون(ما)مبتدأ، و(متبّر)خبر مقدّم.(1:593)

ابن كثير :أي هالك.(3:215)

نحوه الشّربينيّ.(1:510)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

قوله:(ما هم فيه)مبتدأ،و(متبّر)خبر له.و يجوز أن يكون(ما هم فيه)فاعل(متبّر)لاعتماده على المسند إليه.

(3:225)

الطّباطبائيّ: و المعنى أنّ هؤلاء الوثنيّة طريقتهم هالكة و أعمالهم باطلة،فلا يحقّ أن يميل إليه إنسان عاقل،لأنّ الغرض من عبادة اللّه سبحانه أن يهتدي به الإنسان إلى سعادة دائمة،و خير باق.(8:234)

عبد الكريم الخطيب :المتبّر:الهالك الضّائع، و التّبار:الهلاك و الفساد.و هذا[الّذي]هم فيه ضلال و بوار،لا يثمر إلاّ ضلالا و بوارا.(5:472)

طه الدّرّة:متبّر:هالك و مكسّر و مدمّر،و التّتبير:

الإهلاك.[إلى أن قال:]

(متبّر)خبر مقدّم،(ما)اسم موصول مبنيّ على السّكون،في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر.(هم)مبتدأ.(فيه)، متعلّقان بمحذوف خبر المبتدإ،و الجملة الاسميّة صلة الموصول لا محلّ لها،هذا.

و يجوز اعتبار(متبّر)خبر(انّ)،و(ما)فاعل،أو نائب فاعل له،لأنّه قوي بوقوعه خبرا،(باطل) معطوف على(متبّر).(5:66)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّبار،و هو الهلاك و الكسر،يقال:تبر يتبر تبارا،أي هلك و انكسر فهو متبور،و تبّره تتبيرا:أهلكه و كسّره و فتّته،و في حديث عليّ عليه السّلام:«عجز حاضر و رأي متبّر»،أي رأي مهلك.

2-و قال الصّاحب:التّتبير،في لغة حمير:التّكسير و التّقطيع،و حكى الطّبريّ عن سعيد بن جبير:أنّ التّتبير لفظ نبطيّ،و كذا رواه السّيوطيّ عنه في الإتقان (2:131)،فعقّب«آرثرجفري)في مفرداته قائلا:يريد بذلك أنّه آراميّ.

و ممّا يجدر ذكره هنا أنّ«تبر»جاء في الآراميّة و السّريانيّة بلفظ«تبر»،و في الأكديّة بلفظ«شبارو»، و هو يعني فيها الهلاك و التّدمير و التّفتيت أيضا.و لكنّ ذلك لا يعني أنّ العربيّة قد أخذته من إحدى هذه اللّغات؛ إذ كلّ اللّغات السّاميّة تنتسب إلى دوحة واحدة.

3-أمّا«التّبر»فهو سريانيّ على الأظهر،و يعني فيها الزّجاج المفتّت،و كذا في العربيّة على أحد الأقوال، و قيل:هو فتات الذّهب و الفضّة و سائر المعادن قبل أن يستعمل،ثمّ اختصّ بالذّهب و الفضّة،حتّى سمّيت النّاقة

ص: 509

ذات اللّون الحسن:التّبراء،لشبهها للون التّبر،و في الحديث:«الذّهب بالذّهب تبرها و عينها،و الفضّة بالفضّة تبرها و عينها».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من باب«التّفعيل»فعلا معلوما،مع مصدره (تتبيرا)مرّتين،و وصفا اسم مفعول مرّة،و مصدرا (تبار)مرّة،و المجموع ستّة،في أربع آيات:

1- وَ كُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ كُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً

الفرقان:39

2- ...فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً الإسراء:7

3- إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:139

4- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً

نوح:28

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت دائما للعذاب المؤكّد في الحياة الدّنيا تبعا لمعناها و هو الهلاك و الدّمار؛إذ جاءت في(1)حول عاد و ثمود،فأخبر اللّه أنّه أهلكهم و استأصلهم من الأرض.و في(2)في بني إسرائيل؛ حيث استؤصلوا و أخرجوا من الأرض المقدّسة بواسطة «بخت نصّر».و في(3)في بني إسرائيل أيضا،فلمّا خرجوا من مصر و نجوا من فرعون رأوا قوما يعبدون أصناما لهم،فتمنّوا أن تكون لهم أصنام يعبدونها مثلهم؛حيث قالوا لموسى عليه السّلام: اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ الأعراف:138،فأنذرهم موسى أنّ هؤلاء هالكون لا محالة،و في(4)في دعاء نوح على قومه بأن لا يزيد اللّه هؤلاء الظّالمين إلاّ تبارا و هلاكا.

ثانيا:أنّ المفعول المطلق(تتبيرا)في(1)و(2)لتأكيد شدّة العذاب الّذي أدّى إلى استئصالهم،فهذا مثل:

وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164.على أنّ لمساوقة رويّ الآيات دخلا فيهما،فقبل(1):وزيرا، تدميرا،أليما،و بعدها:نشورا،رسولا.و قبل(2)كبيرا، مفعولا،نقيرا،و بعدها:حصيرا،كبيرا.فإنّ التّأكيدات كالأوصاف في أواخر الآيات،لها دور بارز في رويّها، لاحظ بحث رويّ الآيات في«المدخل».

ثالثا:جاء في(2): وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا، و قد اختلفوا في إعراب(ما علوا)و في معناه،على أربعة وجوه:

1-ليدبّروا ما علوا عليه من بلادكم،فتكون(ما) موصولة في محلّ نصب مفعول(ليتبّروا)ضمير الجمع إلى القوم الغالبين.

2-ليدبّروا ما علاه بنو إسرائيل من البناء،أو ما ادّخروه و خزّنوه في المخازن العالية.و هذا مثل الأوّل، إلاّ أنّ الضّمير راجع إلى القوم المغلوب عليهم.

3-و ليدبّروا وقت علوّهم،فتكون«ما»مصدريّة، و المضاف محذوف في محلّ نصب ظرف،أي مدّة علوّهم، مثل:جئتك مقدم الحاجّ،و عليه فضمير الجمع راجع إلى القوم الغالبين كالأوّل.

4-ليدبّروا حال علوّهم،أي حال كونهم عالين، و هو مثل السّابق،إلاّ أنّه حال و ليس ظرفا.

ص: 510

و عندنا أنّ الضّمير في(علوا)تابع للضّمير في (يتبّروا)الرّاجع إلى القوم الغالبين،لتوالي الضّميرين و اختلاف مرجعهما بعيد عن السّياق.هذا من ناحية اللّفظ،أمّا من ناحية المعنى فالعلوّ يناسب حال القوم الغالبين دون القوم المغلوبين،و لو أريد وصف حالهم لاقتضى القول:«ما بنوا»لا«ما علوا».على أنّ«علوا» فعل لازم،وصف للقوم أنفسهم لا لما بنوه،و كون الفعل اللاّزم بمعنى المتعدّي-أي«ما أعلوه»-خلاف ظاهر اللّفظ،و لا شاهد عليه،فالوجه الثّاني مرجوح،بل مدفوع.

و بقي التّرجيح بين الوجوه الثّلاثة الأخرى، و الضّمير فيها جميعا راجع إلى القوم الغالبين،فهل(ما) موصولة،مفعول للفعل(يتبّروا)-أي ليدمّروا ما علو و غلبوا عليه،فيحتاج إلى تقدير«عليه»-أو ليدمّروا وقت علوّهم أو حال كونهم عالين،فلا يحتاج إلى تقدير «عليه»؟و نحن نفضّل هذا،لكن بمعنى«ما دام علوّهم»، و له نظائر في الاستعمال،فتكون(ما)مصدريّة،مثل:

«ما دام».و لعلّه مراد الطّوسيّ؛حيث قال:«مدّة علوّهم، و كذا مراد الميبديّ؛حيث قال:«ما استطاعوا و ملكوا».

ثمّ بدا لنا وجه آخر في(ما علوا)،و لعلّه المتعيّن من خلال الآيات المتقدّمة عليه: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً* فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً الإسراء:4-7، فقوله: (ما عَلَوْا) إشارة إلى (وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا) ،أي يدمّروا و يقطعوا علوّهم و استكبارهم الّذي ارتكبوه و حصّلوه مع الإفساد،فتكون(ما)مصدريّة،و الضّمير يرجع إلى (بنى اسرائيل)دون الّذين غلبوهم،و الفعل(علوا)لازم لا يحتاج إلى تقدير«عليه».

رابعا:فسّر الطّباطبائيّ قوله: لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا بإهلاك النّفوس و قتلها،و هدم الأبنية و حرق الأموال، و خصّه غيره بهدم الأبنية،و هو الظّاهر،و إن كان يستلزم عادة إهلاك النّفوس،إلاّ أنّه ليس تفسيرا للآية، و الشّاهد له ما تقدّم في تفسير(ما علوا).و هذا عكس الآية(1): وَ كُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً، فإنّها صريحة في إهلاك النّفوس و استئصالها،و يستلزمه هدم الأبنية،هذا مع استيعاب اللّغة للمعنيين:الإهلاك و التّدمير،إلاّ أنّه لكلّ منهما مقام.

خامسا:أنّ(هؤلاء)في(3): إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ، اسم(انّ)،أي عبدة الأصنام،و(متبّر)اسم مفعول،خبر(انّ)،و(ما)موصولة،نائب فاعل له، و(هم فيه)أي الأمر الّذين هم واقعون فيه،و فاعلون له،و هو الأصنام و عبادتها،و المعنى أنّ أصنامكم تكسّر أو عبادتهم لها تهدم.هذا ما يقتضيه السّياق،و لكنّهم اختلفوا فيها اختلافا يسيرا:

1- مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ خبر مقدّم و مبتدأ مؤخّر،أي ما هم فيه متبّر،قال الزّمخشريّ:تقديم(هؤلاء)و(متبّر) و سم لعبدة الأصنام بأنّهم المعرّضون للتّبار حقيقة، تحذيرا لهم.

2-عبدة الأصنام طريقتهم هالكة و أعمالهم باطلة، قاله الطّباطبائيّ،و هذا قريب ممّا ذكرنا.

ص: 511

سادسا:جاء(تبارا)في(4)بمعنى هلاك،و قد روعي فيه رويّ الآيات أيضا،مثل:(تتبيرا)،فقبله:أنصارا، ديّارا،كفّارا.و لو قيل:إنّ«تتبيرا»و«تبارا»متّحدان معنى و مختلفان لفظا لرعاية الرّويّ،لما كان بعيدا.

سابعا:جاءت ثلاث منها في شأن عبدة الأصنام و الأقوام المشركة؛فالآية(1)في عاد و ثمود و أصحاب الرّسّ،و(3)في المشركين الّذي اتّبعهم بنو إسرائيل، و(4)في قوم نوح.أمّا(2)فجاءت في بني إسرائيل بعد استقرارهم في الأرض المقدّسة،و لم يكونوا حين ذاك عابدين للأوثان،إلاّ أنّه بقيت في نفوسهم جرثومة الشّرك الّتي أنسوا بها،و رسخت في سويداء قلوبهم، حينما لقوا عبدة الأصنام،فعبدوها مثلهم-و ذلك بعد خروجهم من مصر كما سبق-و شاركوهم في سجاياهم و أطوارهم و في تعلّقهم الشّديد بالحياة الدّنيا و بالمال و الجاه و طول العمر-و هم معروفون بهذه الخصال-و في عداوة المسلمين،كما قال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا المائدة:82، فيحسبون أنّهم من أهل الكتاب و من أمّة موسى عليه السّلام، و نفوسهم مشركة و خصالهم سيّئة كالمشركين تماما.

حتّى يقال:إنّهم ورثوا شرب الدّم الّذي كانوا يشربونه صنمهم قديما.

ثامنا:هناك مشابهة بين«ت ب ب»و«ت ب ر»في القرآن لفظا و معنى،مع تفاوت يسير:

1-قلّة مجيئهما فيه،فالأولى جاءت أربع مرّات في ثلاث آيات،و الثّانية ستّ مرّات في أربع آيات.

2-وقوعهما رويّا للآيات ثلاث مرّات:مرّة بوزن «فعال»(تباب)و(تبار)،و بوزن«تفعيل»في الأولى مرّة،و في الثّانية مرّتين.

3-معناهما القطع و الدّمار و الهلاك،و سياقهما الإنذار و الإدانة،مساوقة لحالة المشركين و اليهود و لجوّ مكّة، و كلّها مكّيّة.

4-مجيئها حكاية لحال الضّالّين و الظّالمين،الأولى للزّعماء و الثّانية للأتباع.

ص: 512

ت ب ع

اشارة

64 لفظا،174 مرّة:107 مكّيّة،67 مدنيّة:

في 52 سورة:38 مكّيّة،14 مدنيّة

تبع 2:-2 اتّبعت 1:1

تبعك 3:3 اتّبعنا 1:-1

تبعني1:1 اتّبعناكم 1:-1

تبعوا 1:-1 اتّبعوا1:-1

يتبعها 1:-1 يتّبع 6:2-4

تتبعها 1:1 يتّبعهم 1:-1

تابع 2:-2 يتّبعون 10:8-2

التّابعين:1:-1 يتّبعوكم 1:1

تبيعا 1:1 تتّبع 8:5-3

تبعا:2:2 تتّبعن 1:1

أتبع 3:-3 تتّبعانّ 1:1

أتبعه 3:3 تتّبعون 3:3

أتبعهم 2:2 تتّبعوا 8:2-6

أتبعوهم 1:1 تتّبعونا 1:-1

أتبعنا 1:1 أتّبع 5:5

أتبعناهم 1:1 أتّبعه 1:1

أتبعوا 2:2 أتّبعك 1:1

يتبعون 1:-1 نتّبع 7:6-1

نتبعهم 1:1 نتّبعه 1:1

اتّبع 13:9-4 نتّبعكم 1:-1

اتّبعك 5:4-1 يتّبع 1:1

اتّبعكما 1:1 اتّبع 7:6-1

اتّبعن 1:-1 اتّبعها 1:1

اتّبعنى 1:-1 اتّبعني 1:1

اتّبعوا 16:7-9 اتّبعوا 8:6-2

اتّبعوه 4:1-3 اتّبعوه 3:2-1

اتّبعوهم 1:-1 اتّبعونى 2:1-1

اتّبعوك 2:-2 اتّبعون 2:2

اتّبعتهم 1:1 متّبعون 2:2

اتّبعت 3:-3 اتّباع 2:-2

ص: 513

اتّبعتني 1:1 متتابعين 2:-2

اتّبعتم 2:1-1 تبّع 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّابع:التّالي،و منه التّتبّع و المتابعة، و الاتّباع،يتبعه:يتلوه.تبعه يتبعه تبعا.

و التّتبّع:فعلك شيئا بعد شيء،تقول:تتبّعت علمه، أي اتّبعت آثاره.

و التّابعة:جنّيّة تكون مع الإنسان تتبعه حيثما ذهب.

و فلان يتابع الإماء،أي يزانيهنّ.

و المتابعة:أن تتبعه هواك و قلبك،تقول:هؤلاء تبع و أتباع،أي متّبعوك،و متابعوك على هواك.

و القوائم:يقال لها تبع.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبيع:العجل المدرك من ولد البقر الذّكر،لأنّه يتبع أمّه بعدو.

و العدد:أتبعة،و الجميع (1):أتابيع.

و بقر متبع،أي خلفها تبيع.

و تبعت شيئا و اتّبعت،سواء.

و أتبع فلان فلانا،إذا تبعه يريد شرّا،قال اللّه عزّ ذكره: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ الأعراف:175.

و التّتابع:ما بين الأشياء،إذا فعل هذا على إثر هذا لا مهلة بينهما،كتتابع الأمطار،و الأمور واحدا خلف آخر،كما تقول:تابع بين الصّلاة و القراءة،و كما تقول:

رميته بسهمين تباعا و ولاء و نحوه.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبيع:النّصير.

و التّبعة هي التّباعة،و هو اسم الشّيء الّذي لك فيه بغية شبه ظلامة و نحوها.

و التّبّع و التّبّع:الظّلّ،لأنّه متّبع حيثما زال.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبّع:ضرب من اليعاسيب،أحسنها و أعظمها؛ و جمعها:تبابيع.

تبّع:اسم ملك من ملوك اليمن،و كان مؤمنا، و يقال:«تبّت».

اشتقّ لهم هذا الاسم من«تبّع»و لكن فيه عجمة.

و يقال:هم من اليمن و هم من وضائع تبّع بتلك البلاد.

و التّبيع:الّذي له عليك مال يتابعك به،أي يطالبك.

و اتبعت فلانا على فلان،أي أحلته عليه،و نحو ذلك.(2:78)

سيبويه :تتبّعه اتّباعا،لأنّ تتبّعت في اتّبعت.

(ابن سيده 2:42)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و التّبيع:ولد البقر في أوّل سنة،و الأنثى:تبيعة،و الجمع:تباع و تبائع،مثل أفيل و أفائل.(الجوهريّ 3:1190)

الفرّاء: يقال:تبعه،و أتبعه،و لحقه و ألحقه.

(الهرويّ 1:244)

يقال:تابع فلان كلامه و هو تبيع الكلام،إذا أحكمه.

و فرس متتابع الخلق،أي مستو.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 2:284)

أبو زيد :يقال:أتبعت الرّجل على فلان،إذا أحلته عليه.

ص: 514


1- المعجم الوسيط:العدد:جمع قلّة،و الجميع جمع كثرة.

و يقال في موضع أحلني عليه:أتبعني عليه إتباعا و أنا متبعك عليه،أي محيلك عليه.(220)

تقول:رأيت القوم فاتّبعتهم اتّباعا،إذا سبقوك فأسرعت نحوهم.و مرّوا عليّ فأتبعتهم إتباعا،إذا ذهبت معهم و لم يسبقوك،و تبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.

(الطّوسيّ 5:66)

و في حديث أبي واقد اللّيثيّ: «تابعنا الأعمال فلم نجد شيئا أبلغ في طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا».

قوله:تابعنا الأعمال،يقول:أحكمناها و عرفناها.

و يقال للرّجل إذا أتقن الشّيء و أحكمه:قد تابع عمله.

(الأزهريّ 2:284)

الأخفش: تبعته و أتبعته بمعنى،مثل ردفته و أردفته،و منه قوله تعالى: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ الصّافّات:10.

و منه الاتباع في الكلام،مثل حسن بسن،و قبيح شقيح.(الجوهريّ 3:1190)

الأصمعيّ: يقال:أتبعت القوم بقطع الألف،أي لحقتهم.و اتّبعتهم بوصل الألف،إذا مررت في آثارهم و إن لم تلحقهم.(النّحّاس 4:290)

ابن الأعرابيّ: التّبّع:سيّد النّحل،التّبّع:الظّلّ.

(الأزهريّ 2:286)

أبو عبيد:و في حديث أبي موسى الأشعريّ: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا و كائن عليكم وزرا،فاتّبعوا القرآن و لا يتّبعنّكم القرآن».

قوله:«اتّبعوا القرآن»أي اجعلوه أمامكم ثمّ اتلوه، كقوله تعالى: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121.

و أمّا قوله:«لا يتّبعنّكم القرآن»فإنّ بعض النّاس يحمله على معنى:لا يطلبنّكم القرآن بتضييعكم إيّاه كما يطلب الرّجل صاحبه بالتّبعة،و هذا معنى حسن،يصدّقه الحديث الآخر:«إنّ القرآن شافع مشفّع و ما حل مصدّق».فجعله يمحل بصاحبه إذا لم يتّبع ما فيه، و الماحل:السّاعي.

و فيه قول آخر هو أحسن من هذا،قوله:«و لا يتّبعنّكم القرآن»يقول:لا تدعوا العمل به فتكونوا قد جعلتموه وراء ظهوركم.و هو أشدّ موافقة للمعنى الأوّل،لأنّه إذا اتّبعه كان بين يديه و إذا خالفه كان خلفه،و من هذا قيل:لا تجعل حاجتي بظهر،أي لا تدعها فتكون خلفك.

و من ذلك حديث يروى عن الشّعبيّ،في قوله:

فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ آل عمران:187،قال:أما إنّه كان بين أيديهم،و لكنّهم نبذوا العمل به.فهذا يبين لك أنّ من رفض شيئا فقد جعله وراء ظهره.(2:266)

و يقال:أتبعت القوم مثال«أفعلت»إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم.

و اتّبعتهم مثل«افتعلت»إذا مرّوا بك فمضيت معهم، و تبعتهم تبعا مثله.

و يقال:ما زلت أتّبعهم حتّى أتبعتهم،أي حتّى أدركتهم.(الأزهريّ 2:281)

في الحديث:«...يأخذ من كلّ ثلاثين من البقر تبيعا و من كلّ أربعين مسنّة».ولد البقرة أوّل سنة تبيع،ثمّ جذع،ثمّ ثنيّ،ثمّ رباع،ثمّ سدس،ثمّ صالغ.

(الأزهريّ 2:282)

ص: 515

ابن السّكّيت:و التّبع:الّتي تتبع ما أمرت به،ليس عندها منفعة غير ذاك.(361)

و يقال للفرس إذا مرّ منفلتا يعدو فاتّبع ليردّ، و للبعير إذا ندّ فاتّبع:اتّبع فلان البعير فما ثناه،و اتّبع فلان البعير فما صدغه.(إصلاح المنطق:432)

ابن أبي اليمان :التّتابع:المتابعة،و التّتابع:

السّرعة و التّمادي في الشّيء.

و التّبّع:الظّلّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما سمّي تبّعا لمتابعته الشّمس،و منه سمّي ملوك اليمن:التّبابعة،لأنّه كان كلّ ملك منه يتبع صاحبه.

و موضع تبّع في الجاهليّة موضع الخليفة في الإسلام.

(556)

التّباع:مصدر:تابعت فلانا على الأمر و تابعت عليه الأمور تباعا.

و الاتباع:مصدر:أتبع الرّجل،في معنى تبعه،قال اللّه تعالى: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ الأعراف:175،أي أدركه،و يقال:أتبعت القوم:لحقتهم،و تبعتهم:سرت في إثرهم.(564)

ابن دريد :تبع الرّجل:الّذين يتبعونه،و تبع المرأة:الّذي لا يفارقها،يتبعها حيث كانت مثل الطّلب؛ رجل أتبع،و امرأة تبعاء.

و تبعت الرّجل و اتّبعته،و بينهما فرق في اللّغة.هكذا يقول أبو عبيدة:تبعت الرّجل،إذا مشيت معه،و اتّبعته، إذا مشيت خلفه لتلحقه.

و بقرة متبع،إذا كان ولدها يتبعها،و الولد:تبيع.

و التّبابعة سمّوا بذلك لاتّباع بعضهم في الملك بعضا، و سمّي«الظلّ»لاتّباعه الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ليس عليك من هذا الأمر تبيعة و تباعة، و تبعة و هي أعلى،أي لا يلحقك منه شيء تكرهه.

و أتبعت القوم بصري،إذا أتبعت النّظر في آثارهم.

[ثمّ استشهد بشعر](1:195)

الأزهريّ: تبع فلان فلانا و اتّبعه،قال اللّه تعالى في قصّة ذي القرنين: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً الكهف:89،و قرئ (ثمّ اتّبع سببا) .

يقال لجمع التّابع:تبع،كما يقال لجمع الحارس:

حرس،و لجمع الخادم خدم.و التّابع:التّالي.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الظّلم ليّ الواجد،و إذا أتبع أحدكم على مليء فليتّبع».معناه:و إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل،من الحوالة.(2:281،282)

و قال اللّيث:التّبيع:العجل المدرك،إلاّ أنّه يتبع أمّه بعدو.

قلت:قول اللّيث:«التّبيع:المدرك»وهم،لأنّه يدرك إذا أثنى،أي صار ثنيّا،و التّبيع من البقر يسمّى تبيعا حين يستكمل الحول،و لا يسمّى تبيعا قبل ذلك.

فإذا استكمل عامين فهو جذع،فإذا استوفى ثلاثة أعوام فهو ثنيّ،و حينئذ يسنّ،و الأنثى:مسنّة،و هي الّتي تؤخذ في أربعين من البقر.و يقال للأنثى:تبيعة،و للذّكر،تبيع.

و قال اللّيث:يقال للّذي له عليك مال يتابعك به، أي يطالبك به:تبيع.

و قال اللّيث:يقال للّذي له عليك مال يتابعك به، أي يطالبك به:تبيع.

قلت:و يقال:فلان تبع نساء،أي يتبعهنّ،و حدث

ص: 516

نساء:يحادثهنّ،وزير نساء:يزورهنّ،و خلب نساء، إذا كان يخالبهنّ.و الخلب أيضا:حجاب القلب.

فلان متتابع العلم،إذا كان علمه يشاكل بعضه بعضا لا تفاوت فيه.و غصن متتابع،إذا كان مستويا لا أبن فيه.

و يقال:تابع المرتع المال فتتابعت،أي سمّن خلقها فسمنت و حسنت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هو يتابع الحديث،إذا كان يسرده.

و في حديث زيد بن ثابت حين أمره أبو بكر الصّدّيق بجمع القرآن،قال:«فعلقت أتتبّعه من اللّخاف و العسب»أراد أنّه كان يتتبّع ما كتب منه في اللّخاف و العسب؛و ذلك أنّه استقصى جمع جميع القرآن من المواضع الّتي كتب فيها،حتّى ما كتب في اللّخاف-و هي الحجارة-و في العسب،و هي جريد النّخل.و ذلك أنّ الرّقّ أعوزهم حين نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأمر كتّاب الوحي بإثباته،فيما تيسّر من كتف و لوح و جلد و عسيب و لخفة.

و إنّما تتّبع زيد بن ثابت القرآن و جمعه من المواضع الّتي كتب فيها،و لم يقتصر على ما حفظ هو و غيره -و كان من أحفظ النّاس للقرآن-استظهارا و احتياطا، لئلاّ يسقط منه حرف لسوء حفظ حافظه،أو يتبدّل حرف بغيره.

و هذا يدلّك أنّ الكتابة أضبط من صدور الرّجال و أحرى ألاّ يسقط معه شيء.فكان زيد يتتبّع في مهلة ما كتب منه في مواضعه،و يضمّه إلى الصّحف.و لا يثبت في تلك الصّحف إلاّ ما وجده مكتوبا،كما أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و أملاه على من كتبه،و اللّه أعلم.(2:283)

و من أمثال العرب السّائرة:«أتبع الفرس لجامها».

يضرب مثلا للرّجل يؤمر بردّ (1)الصّنيعة و إتمام الحاجة.

(2:286)

الصّاحب: تبعه تباعا و اتّبعه و أتبعه:سواء.و قيل:

أتبعه:أدركه.و هؤلاء تبع و أتباع.

و القوائم يقال لها:تبع.

و تابعته على هواه.

و تتبّعت عمله.

و تتابعت الأشياء:توالت.و تابعت أنا بينها.و رميته بسهمين تباعا،أي ولاء.

و التّابعة-يقال-:جنّيّة تكون مع الإنسان حيث ذهب.

و يسمّى الدّبران تابعا و تبّعا:تطيّرا من لفظه.

و تبوّع الشّمس:ريح يقال لها:النّكيباء،تهبّ بالغداة مع طلوع الشّمس من نحو الصّبا،فتدور في مهابّ الرّياح حتّى تعود إلى مهبّ الصّبا حين بدأت بالغداة.

و التّباعة و التّبعة:سواء.

و التّبيع:النّصير،و الّذي له عليك مال فيتابعك،أي يطالبك به،و العجل المدرك،و فيه يجمع على:الأتبعة و الأتابيع.

و بقرة متبع:معها تبيعها،و كذلك يقال:خادم متبع،أي معها ولدها.

و التّبّع:الظّلّ،و ضرب من اليعاسيب أحسنها و أعظمها،و يجمع على:التّبابيع.

و ما أدري أيّ تبّع هو؟أي أيّ خلق.و.

ص: 517


1- ذكره ابن منظور.و في الأصل:بربّ،و هو سهو.

و التّبابعة:ملوك حمير،و كلّ واحد منهم:تبّع.

و لا يسمّى بذلك حتّى دانت له حمير و حضر موت.

و دار التّبابعة بمكّة،ولد فيها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و بقرة تبعى:مستحرمة.(1:448)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما المال الّذي ليس فيه تبعة من طالب و لا من ضيف».

قوله:«ليس فيه تبعة»أي ما يتبع المال من الحقوق، و أصلها:من تبعت الرّجل بحقّي،و تابعته به،إذا طالبته.

و التّبيع:الّذي يتبعك بحقّ و يطالبك به،قال اللّه: ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً الإسراء:69.

و منه قوله:«إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع»، يريد إذا أحيل بحقّه على مليء فليحتل.و أكثر المحدّثين يقولون:«إذا اتّبع»بتثقيل التّاء،و الصّواب:أتبع.

و التّبعة و التّباعة،تجريان مجرى الظّلامة.(1:87)

الجوهريّ: تبعت القوم تبعا و تباعة بالفتح،إذا مشيت خلفهم،أو مرّوا بك فمضيت معهم،و كذلك اتّبعتهم،و هو«افتعلت».

و أتبعت القوم على«أفعلت»إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم.و أتبعت أيضا غيري،يقال:أتبعته الشّيء فتبعه.

و التّبع:يكون واحدا و جماعة،قال اللّه تعالى: إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً إبراهيم:21.و المؤمن:47،و يجمع على:أتباع.

و تابعه على كذا متابعة و تباعا.

و التّباع:الولاء.

و تتبّعت الشّيء تتبّعا،أي تطلّبته متتبّعا له، و كذلك تبّعه تتبيعا.[ثمّ استشهد بشعر]

وضع الاتّباع موضع التّتبّع مجازا.

و التّباعة مثل التّبعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبيع:الّذي لك عليه مال،يقال:أتبع فلان بفلان،أي أحيل له عليه.

و التّبيع:التّابع.

و قولهم:معه تابعة،أي من الجنّ.

و التّبّع أيضا:ضرب من الطّير.(3:1190)

نحوه الرّازيّ.(مختار الصّحاح:89)

ابن فارس :«تبع»:التّاء و الباء و العين أصل واحد لا يشذّ عنه من الباب شيء،و هو التّلوّ و القفو.يقال:

تبعت فلانا،إذا تلوته.و اتّبعته،و أتبعته،إذا لحقته.

و الأصل واحد،غير أنّهم فرقوا بين القفو و اللّحوق، فغيّروا البناء أدنى تغيير،قال اللّه: فَأَتْبَعَ سَبَباً الكهف:85،و ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً الكهف:89،فهذا معناه على هذه القراءة اللّحوق،و من أهل العربيّة من يجعل المعنى فيهما واحدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبيع:ولد البقرة إذا تبع أمّه،و هو فرض الثّلاثين،و كان بعض الفقهاء يقول:هو الّذي يستوي قرناه و أذناه.و هذا من طريقة الفتيا،لا من قياس اللّغة.

و التّبع:قوائم الدّابّة،و سمّيت لأنّه يتبع بعضها بعضا.

و التّبيع:النّصير،لأنّه يتبعه نصره.و التّبيع:الّذي لك عليه مال،فأنت تتبعه.(1:362)

أبو هلال :الفرق بين التّابع و التّالي:أنّ«التّالي»فيما قال عليّ بن عيسى:ثان،و إن لم يكن يتدبّر بتدبّر الأوّل،و«التّابع»إنّما هو المتدبّر بتدبّر الأوّل.و قد يكون

ص: 518

التّابع قبل المتبوع في المكان،كتقدّم المدلول و تأخّر الدّليل،و هو مع ذلك يأمر بالعدول تارة إلى الشّمال و تارة إلى اليمين،كذا قال.(255)

الفرق بين قولك:تابعت زيدا و قولك:وافقته،أنّ قولك:تابعته،يفيد أنّه قد تقدّم منه شيء اقتديت به فيه،و وافقته:يفيد أنّكما اتّفقتما معا في شيء من الأشياء، و منه سمّي التّوفيق توفيقا.

و يقول أبو عليّ رحمة اللّه عليه:«و من تابعه»يريد به أصحابه،و منه سمّي التّابعون:التّابعين.و قال أبو عليّ رحمه اللّه:«و من وافقه»يريد من قال بقوله و إن لم يكن من أصحابه.

و أيضا فإنّ النّظير لا يقال:إنّه تابع لنظيره،لأنّ التّابع دون المتبوع.و يجوز أن يوافق النّظير النّظير.

(245)

الهرويّ: قيل:إنّ ملوك اليمن سمّوا تبابعة،لأنّه إذا مات الواحد منهم تبعه الآخر،فكان بدلا منه.

و التّبيع:ولد البقرة أوّل سنة،و منه حديث معاذ:

«في كلّ ثلاثين تبيع».

و بقرة متبع:معها تبيع،و منه الحديث:«أنّ فلانا اشترى معدنا بمائة شاة متبع»أي يتبعها أولادها.

(1:245)

ابن سيده :تبع الشّيء تبعا و تباعا و اتّبعه و أتبعه و تتبّعه:قفاه.

و أتبعه الشّيء:جعله له تابعا.

و قيل:أتبع الرّجل:سبقه فلحقه.

و تبعه تبعا و اتّبعه:مرّ به فمضى معه.و في التّنزيل:

(ثمّ اتّبع (1)سببا) (2)الكهف:89،92،و معناها:تبع.

و قرأ أبو عمرو: (ثمّ اتبع سببا) أي لحق و أدرك.

و استتبعه:طلب إليه أن يتبعه.و في خبر الطّسميّ النّافر من طسم إلى حسّان الملك الّذي غزا جديسا«إنّه استتبع كلبة له»أي جعلها تتبعه.

و التّابع:التّالي،و الجمع:تبّع و تبّاع و تبعة.

و التّبع:اسم للجمع،و نظيره:خادم و خدم، و طالب و طلب،و غائب و غيب...

و قال كراع:كلّ هذا جمع،و الصّحيح ما بدأنا به و هو قول سيبويه فيما ذكر من هذا،و قياس قوله فيما لم يذكره منه.

و قوله عزّ و جلّ: إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً إبراهيم:21، و المؤمن:47،يكون اسما لجمع«تابع»و يكون مصدرا، أي ذوي تبع.[ثمّ ذكر حديث«فاتّبعوا القرآن»المتقدّم]

و اتّبع القرآن:ائتمّ به و عمل بما فيه.

و التّبع كالتّابع،كأنّه سمّي بالمصدر.

و تبع كلّ شيء:ما كان على آخره.

و تابع بين الأمور متابعة و تباعا،واتر.

و تتابعت الأشياء:تبع بعضها بعضا.

و تابعه على الأمر:أسعده عليه.

و التّبيع:الفحل من ولد البقر،لأنّه يتبع أمّه،و قيل:

هو تبيع،أوّل سنة،و الجمع:أتبعة و أتابع و أتابيع، كلاهما جمع الجمع و الأخيرة نادرة.و هو التّبع،».

ص: 519


1- القراءة المشهورة:اتبع.
2- في الهامش:«هذه ليست رواية حفص،و إنّما هي قراءة نافع و ابن كثير».

و الجمع:أتباع،و الأنثى:تبعة.

و بقرة متبع:ذات تبيع،و خاد متبع:يتبعها ولدها.

و عمّ به اللّحيانيّ فقال:المتبع:الّتي معها أولاد.

و تبيع المرأة:صديقها،و الجمع:تبعاء،و هي تبيعته.

و هو تبع نساء و تبّع نساء-الأخيرة عن كراع، حكاها في المنجّذ-إذا جدّ في طلبهنّ.

و حكى اللّحيانيّ: هو تبعها و هي تبعته.

و التّبيع:النّصير،و التّبيع:الغريم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تابعه بمال:طالبه.

و فلان تبع ضلّة:يتبع النّساء.و تبع ضلّة،أي لا خير فيه و لا خير عنده،عن ابن الأعرابيّ.و قال ثعلب:إنّما هو:تبع ضلّة،مضاف.

و التّبعة و التّباعة:ما أتبعت به صاحبك من ظلامة و نحوها.

و التّبعة و التّباعة:ما فيه إثم يتّبع به.

و التّبّع و التّبّع جميعا:الظّلّ،لأنّه يتبع الشّمس.

و التّابعة:الرّئيّ من الجنّ،ألحقوه الهاء للمبالغة أو لتشنيع الأمر،أو على إرادة الدّاهية.

و التّبّع:ضرب من اليعاسيب،و هو أعظمها و أحسنها،و الجمع:التّبابيع،تشبيها بأولئك الملوك، و لذلك ألحقوا الياء هنا ليشعروا بالهاء هنالك.

و أتبعه عليه:أحاله.

و تابع عمله و كلامه:أتقنه و أحكمه،قال كراع:

و منه حديث أبي واقد اللّيثيّ:«تابعنا الأعمال فلم نجد شيئا أبلغ في طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا».

(2:56-59)

الطّوسيّ: الاتّباع،و الاقتداء،و الاحتذاء،نظائر.

و نقيض الاتّباع:الابتداع.

تقول:تبعه تباعا،و أتبعه إتباعا،و تابعه متابعة، و تتبّع تتبّعا،و استتبع استتباعا.

و التّابع:التّالي،و منه التّتبّع.

و التّبيع:ما تبع أثر شيء فهو يتبعه.

و التّتبّع:فعلك شيئا بعد شيء،تقول:تتبّعت عليه آثاره.

و في الحديث:«القادة و الأتباع»و القادة:السّادة، و الأتباع:القوم الّذين يتبعونهم.

و أتبع فلان فلانا.و أتبعه الشّيطان،إذا تتّبعه يريد به شرّا،كما تبع فرعون موسى،قال اللّه تعالى: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ الأعراف:175.

و فلان يتبع فلانا:إذا تتبّع مساوئه في مهلة.

و التّتابع من الأشياء:إذا فعل هذا في أثر هذا بلا مهلة.

و منه تتابعت الأمطار،و تتابعت الأشياء.

و التّبّع:الظّلّ؛و أصل الباب كلّه.

الاتّباع و هو أن يتلو شيء شيئا.(1:175)

نحوه الطّبرسيّ.(1:90)

و الاتّباع:طلب الاتّفاق في مكان،أو مقال،أو فعال.

فإذا قيل:اتّبعه ليلحقه،فمعناه ليتّفق معه في المكان، و إذا تبعه في مذهبه أو في سيره أو غير ذلك من الأحوال، فمعناه طلب الاتّفاق.(2:66)

نحوه الطّبرسيّ.(1:250)

الاتّباع:هو طلب الثّاني موافقة الأوّل فيما دعا إليه،

ص: 520

تقول:اتّبعه اتّباعا،و تبعه تبعا و هو متّبع و تابع.

(4:501)

نحوه الطّبرسيّ.(2:450)

الاتّباع:اقتفاء الأثر،و هو طلب اللّحاق بالأوّل، فاتّباع المحقّ بالقصد إلى موافقته،من أجل دعائه.

(6:140)

الاتباع:إلحاق الثّاني بالأوّل،أتبعه إتباعا و تبعه يتبعه إذا طلب اللّحاق به،و كذلك اتّبعه اتّباعا بالتّشديد.(6:325)

و الاتباع:إلحاق الثّاني بالأوّل في معنى عليه الأوّل، لأنّه لو ألحق به من غير أن يكون في معنى هو عليه لم يكن إتباعا،و كان إلحاقا.و إذا قيل:أتبعه بصره فهو الإدراك،و إذا قيل:تبعه،فهو يصرف البصر بتصرّفه.

(9:408)

الرّاغب: يقال:تبعه و اتّبعه:قفا أثره،و ذلك تارة بالجسم و تارة بالارتسام و الائتمار،و على ذلك قوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:38.[ثمّ ذكر الآيات و أضاف:]

و يقال:أتبعه،إذا لحقه،قال تعالى: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ الشّعراء:60.[إلى أن قال:]

يقال:أتبعت عليه،أي أحلت عليه،و يقال:أتبع فلان بمال،أي أحيل عليه.و التّبيع خصّ بولد البقر إذا تبع أمّه.

و التّبع:رجل الدّابّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المتبع من البهائم:الّتي يتبعها ولدها.(72)

الحريريّ: يقولون للمتتابع:متواتر،فيوهمون فيه،لأنّ العرب تقول:جاءت الخيل متتابعة،إذا جاء بعضها في إثر بعض بلا فصل،و جاءت متواترة،إذا تلاحقت و بينها فصل.(6)

و يقولون:«تتابعت النّوائب على فلان»و وجه الكلام أن يقال:«تتايعت»بالياء المعجمة باثنتين من تحت،لانّ«التّتابع»يكون في الصّلاح و الخير و«التّتابع»يختصّ بالمنكر و الشّرّ،كما جاء في الخبر:

«ما يحملكم على أن تتايعوا في الكذب كما تتايع الفراش في النّار».(77)

الزّمخشريّ: و اتّبع أثره،و أتبعه زاده.و أتبع القوم:سبقوه فلحقهم.يقال:تبعتهم فأتبعتهم،أي تلوتهم فلحقتهم.و قيل:أتبعه،إذا تبعه يريد به شرّا كما أتبع فرعون موسى.

و هو تابعه و تبيعه،و هو له تبع و هم له تبع،لأنّه مصدر،و هم أتباعه و تبّاعه.

و هذا أصل و غيره توابع.

و هو طلبها و تبعها:للزّير الّذي لا يترك اتّباعها.

و بقرة متبع:معها تبيعها،و هو عجلها المدرك.

و خادم متبع:معها تبيعها،أي ولدها.و هو تابعه و هي تابعتها:للخادم و الخادمة.

و لكلّ شاعر تابعة و هو رئيّه.

و تابعه على كذا:وافقه عليه.

و ما وجدت لي على فلان تبيعا،أي متابعا ناصرا لي عليه ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً الإسراء:69.

ولي قبل فلان تبعة و تباعة،و هي الظّلامة.

و هو يتتبّع مساوئ فلان،و يتتبّع مداقّ الأمور.

ص: 521

و هو يتابع بين الأعمال:يوالي بينها.

و صام صوما متتابعا.

و رميته بسهمين تباعا.

و تابعني بمال له عليّ:طالبني به،و هو تبيعي.

و اسمألّ التّبّع:ارتفع الظّلّ.

و طلع التّابع و التّويبع و التّبّع،أي الدّبران.و هبّت تبوّع الشّمس و النّكيباء،و هي رويحة تهبّ مع طلوع الشّمس من قبل القبول،نكداء لا نشء معها،فالعرب تكرهها.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:تبعت النّحل تبّعها،و هو يعسوبها الأعظم.و تبعت الأغصان الرّيح.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان متتابع العمل،إذا كان غير متفاوت فيه.

و فرس متتابع:معتدل الأعضاء متناصفها.و تتابع الفرس،إذا جرى جريا مستويا لا يرفع بعض أعضائه.

و غصن متتابع:معتدل.[ثمّ استشهد بشعر]

و تابع المرعى الإبل فتتابعت:سوّى خلقها،و سمّنها.

[ثمّ استشهد بشعر]

أفرقت النّاقة:فارقها ولدها فسمنت،و قيل:

حالت.

و فلان يتابع الحديث،إذا أحسن سياقه،و منه حديث أبي واقد اللّيثيّ:«تابعنا الأعمال فلم نجد أبلغ في طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا».

و من أتبع على مليء فليتّبع،أي من أحيل فليحتل.

و قرأ ابن عبّاس آية لم يعرفها ابن عمر،فقال:«أتبع يا ابن عبّاس،فقال:أتبعك على أبيّ بن كعب».

(أساس البلاغة:36)

الطّبرسيّ: الاتّباع:جريان الثّاني على طريقة الأوّل من حيث هو عليه،كالمدلول الّذي يتّبع الدّليل في سلوك الطّريق أو في التّصحيح،لأنّه إن صحّ الدّليل صحّ المداول عليه بصحّته،و كذلك المأموم الّذي يتّبع طريقة الإمام.(1:457)

الاتباع:لحاق الثّاني بالأوّل لماله به من التّعلّق، فالقوّة للأوّل و الثّاني يستمدّ منه.و التّابع ثان متدبّر له بتدبير الأوّل،متصرّف بتصريفه في نفسه.(1:476)

الاتّباع:أن يتصرّف الثّاني بتصريف الأوّل.و النّبيّ كان يتصرّف في الدّين بتصريف الوحي،فلذلك كان متّبعا،و كذلك كلّ متدبّر بتدبير غيره،فهو متّبع له.

(2:346)

الاتّباع:اقتفاء الأثر،و الاتّباع في المذهب و الاقتداء بمعنى،و خلافه الابتداع.(3:341)

المدينيّ: في الحديث:«أوّل خبر قدم المدينة-يعني من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هجرته إلى المدينة-امرأة كان لها تابع من الجنّ»التّابع هاهنا:جنّيّ يتبع المرأة يحبّها،و التّابعة:

جنّيّة تتبع الرّجل.

في الحديث:«لا تسبّوا تبّعا،فإنّه أوّل من كسا الكعبة»تبّع:ملك في الزّمان الأوّل،غزا بأهل اليمن، قيل:اسمه أسعد أبو كرب،و قد اختلفت الأحاديث فيه.

روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا أدري أسلم تبّع أم لا».

و روي في حديث آخر أنّه قال:«لا تسبّوا تبّعا فإنّه قد أسلم».

فأمّا قومه فكانوا كفّارا بظاهر القرآن،و له قصّة في التّفاسير.

ص: 522

و التّبابعة:ملوك اليمن،واحدهم:تبّع،لأنّ بعضهم يتبع من قبله من ملكه و سيرته.

و قيل:كان لا يسمّى تبّعا حتّى يملك حضر موت، و سبأ و حمير.

في حديث الصّدقة:«في ثلاثين من البقر تبيع»،و هو الّذي دخل في السّنة الثانية،سمّي به لأنّه يتبع أمّه، و قيل:يتبع قرنه أذنه لتساويهما.

في حديث ابن عبّاس:رضي اللّه عنهما:«بينا أنا أقرأ آية في سكّة من سكك المدينة إذ سمعت صوتا من خلفي:

أتبع يا ابن عبّاس،فالتفتّ فإذا عمر بن الخطّاب.فقلت:

أتبعك على أبيّ بن كعب،فبعث إلى أبيّ بن كعب فسأله».

قوله:أتبع،أي أسند قراءتك ممّن أخذتها،و أحل على من سمعتها منه.

من الحديث الآخر:«إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع».

في الدّعاء:«تابع بيننا و بينهم»،أي اجعلنا نتّبعهم على ما هم عليه،من قولهم:«شاة متبع»:يتبعها أولادها.(1:215)

الفيّوميّ: تبع:زيد عمرا تبعا من باب«تعب» مشى خلفه أو مرّ به فمضى معه،و المصلّي تبع لإمامه، و النّاس تبع له،و يكون واحدا و جمعا.و يجوز جمعه على:

أتباع،مثل سبب و أسباب.

تتابعت الأخبار:جاء بعضها إثر بعض بلا فصل.

و تتبّعت أحواله:تطلّبتها شيئا بعد شيء في مهلة.

و التّبعة وزان«كلمة»:ما تطلبه من ظلامة و نحوها.

و تبع الإمام،إذا تلاه،و تبعه:لحقه،و تابعه على الأمر:وافقه.

و تتابع القوم:تبع بعضهم بعضا.و أتبعت زيدا عمرا بالألف:جعلته تابعا له.

و التّبيع:ولد البقرة في السّنة الأولى،و الانثى:

تبيعة،و جمع المذكّر:أتبعة،مثل رغيف و أرغفة،و جمع الأنثى:تباع،مثل مليحة و ملاح.

و سمّي تبيعا لأنّه يتبع أمّه فهو«فعيل»بمعنى «فاعل».(1:72)

الفيروزآباديّ: تبعه كفرح تبعا و تباعة:مشى خلفه و مرّ به فمضى معه.

و كفرحة و كتابة:الشّيء الّذي لك فيه بغية شبه ظلامة و نحوها.

و التّبع محرّكة:التّابع،يكون واحدا و جمعا،و يجمع على:أتباع،و قوائم الدّابّة.

و التّبّع بضمّتين مشدّدة الباء:الظّلّ.

و تبعة محرّكة:هضبة بجلذان من أرض الطّائف،فيها نقوب،كانت تلتقط فيها السّيوف العاديّة و الخرز.

و التّابع و التّابعة:الجنّيّ و الجنّيّة يكونان مع الإنسان يتبعانه حيث ذهب.

و تابع النّجم:اسم الدّبران سمّي به تفاؤلا من لفظه، و يسمّى تويبعا مصغّرا و تبّعا كسكّر.

و كأمير:النّاصر،و الّذي لك عليه مال،و التّابع، و منه قوله تعالى: ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً الإسراء:69،أي ثائرا و لا طالبا.

و ولد البقرة في الأولى،و هي بهاء و الجمع كصحاف و صحائف،و الّذي استوى قرناه و أذناه و...

ص: 523

و التّبابعة:ملوك اليمن،الواحد كسكّر.و لا يسمّى به إلاّ إذا كانت له حمير و حضر موت.

و دار التّبابعة بمكّة ولد فيها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و كسكّر:الظّلّ لأنّه يتبع الشّمس،و ضرب من اليعاسيب،جمعه:التّبابيع.

و ما أدري أيّ تبّع هو،أي أيّ النّاس.

و كصرد:من يتبع بعض كلامه بعضا.

و تبوّع الشّمس كتنّور:ريح تهبّ مع طلوعها فتدور في مهابّ الرّياح حتّى تعود إلى مهبّ الصّبا.

و تبع المرأة بالكسر:عاشقها و تابعها.

و بقرة تبعى كسكرى:مستحرمة.

و أتبعتهم:تبعتهم،و ذلك إذا كانوا سبقوك فلحقتهم، و أتبعتهم أيضا غيري،و قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ، أي لحقهم أو كاد طه:78.

و أتبع الفرس لجامها أو النّاقة زمامها أو الدّلو رشاءها:يضرب للأمر باستكمال المعروف.

قاله ضرار بن عمرو لمّا أغار على حيّ عمر بن ثعلبة و لم يحضرهم عمرو،فحضر فتبعه فلحقه قبل أن يصل إلى أرضه،فقال عمرو:ردّ عليّ أهلي و مالي،فردّهما عليه،فقال:ردّ عليّ قياني،فردّ قينته الرّائعة و حبس ابنتها سلمى،فقال له حينئذ:يا أبا قبيصة أتبع.

و شاة و بقرة و جارية متبع كمحسن:يتبعها ولدها.

و الاتباع في الكلام:مثل حسن بسن.و التّتبيع:

التّتبّع.

و الاتباع و الاتّباع كالتّبع و التّباع بالكسر:الولاء.

و تابع الباري القوس:أحكم بريها و أعطى كلّ عضو حقّه،و المرعى الإبل:أنعم تسمينها و أتقنه،و كلّ محكم متتابع متابع.

و تتابع:توالى.

و فرس متتابع الخلق:مستويه،و رجل متتابع العلم:يشابه علمه بعضه بعضا،و غصن متتابع:لا ابن فيه.

و تتبّعه:تطلّبه.(3:8)

الطّريحيّ: في الحديث:«أتبع وضوءك بعضه بعضا»أي ألحقه مواليا من غير فصل.

و في الدّعاء:«تابع بيننا و بينهم بالخيرات»أي اجعلنا تبعهم على ما هم عليه.

و في حديث الجنازة:«أكره أن تتّبع بمجمرة»أي تلحق بها.

و التّبعة ككلمة:ما فيه إثم يتبع به.و منه الدّعاء «و لا تجعل لك عندي تبعة إلاّ وهبتها».

و التّبعة و التّباعة:المظلمة.(4:305)

مجمع اللّغة :تبعه يتبعه تبعا من باب«فرح»فهو تابع،و اتّبعه يتّبعه اتّباعا:سار وراءه،سواء أ كان السّير حسّيّا أم معنويّا.

و الاتّباع المعنويّ هو الاقتداء و الامتثال،و أكثر ما جاء في القرآن هو من الاتّباع المعنويّ.(1:147)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:87)

العدنانيّ: تبع القوم و أتبعهم

و يخطّئون من يقول:أتبع سامر رفاقه،و يقولون إنّ الصّواب هو:تبع رفاقه.و كلا الفعلين المتعدّيين هنا (تبع و أتبع)صحيحان،كما يقول الخليل بن أحمد

ص: 524

الفراهيديّ،و اللّيث بن سعد،و التّهذيب،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و البطليوسيّ«في الاقتضاب»،و الأساس،و المغرب، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و تذكرة عليّ،و الوسيط.

أتبعت القول الفعل

و يقولون:أتبعت القول بالفعل،أي ألحقت القول بالفعل،و الصّواب:أتبعت القول الفعل؛إذ قال سبحانه و تعالى: فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:44،و جاء الفعل:أتبعه الشّيء سبع مرّات أخرى في آي الذّكر الحكيم.

و ممّن ذكر:أتبعه الشّيء بمعنى ألحقه به:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّا قاله اللّسان:أتبعه:تبعه،قال سبحانه و تعالى:

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً يونس:90.

و يقال مثلا للأمر باستكمال المعروف:أتبع الفرس لجامها،و النّاقة زمامها،و الدّلو رشاءها:يضرب للأمر باستكمال المعروف«مجاز».

و من معاني أتبع:

1-أتبع فلان في كلامه:أتى بكلمتين على وزن واحد،تؤكّد أخراهما الأولى،و هي إمّا أن تكون في معنى الأولى،مثل:هو قسيم وسيم.و إمّا أن تكون خالية من المعنى:مثل:حسن بسن.

2-أتبع الدّائن على فلان:أحاله.

3-أتبع الشّيء شيئا:جعله تابعا له.

4-أتبع فلان بفلان:أحيل له عليه«مستدرك التّاج و المدّ».

5-أتبع فلانا:تبعه يريد به شرّا.

التّبيع(التّابع،المتبوع)

و يخطّئون من يقول:إنّ التّبيع هو المتبوع،و يقولون:

إنّه التّابع،استنادا إلى قول الأساس و اللّسان و الوسيط.

و قد وضّح اللّسان ذلك بقوله:«التّبيع:الّذي يتبعك بحقّ يطالبك به،و هو الّذي يتبع الغريم بما أحيل عليه.

و التّبيع:التّابع،و قوله تعالى: فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً الإسراء:69،قال الفرّاء:

أي ثائرا،و لا طالبا بالثّأر،لإغراقنا إيّاكم.و قال الزّجّاج:معناه لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، و لا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم.و قيل:تبيعا:مطالبا.

و كلّها يراد بها«الفاعل»هنا.

و لكن:

1-قال ابن الأنباريّ في كتابه«الأضداد»:من الأضداد التّبيع:التّابع،و التّبيع:المتبوع.

2-و قال الصّحاح،و المختار،و التّاج،و محيط المحيط، و متن اللّغة:إنّ التّبيع هو التّابع و المتبوع.

فممّا جاء في التّاج:«التّبيع:الّذي لك عليه مال، و تتابعه،أي تطالبه به.و التّبيع أيضا:التّابع».فالتّبيع الأولى تعني المتبوع.

و ممّا قاله محيط المحيط:«التّبيع:الّذي له عليك مال، و التّبيع:الّذي لك عليه مال».فالتّبيع الأولى تعني

ص: 525

التّابع،و الثّانية تعني المتبوع.

3-تأتي«فعيل»بمعنى«الفاعل»،مثل:رحيم، و شفيق،و شفيع،و تأتي بمعنى«المفعول»،مثل:قتيل، و جريح،و صليب.

و التّبيع تحمل المعنيين كليهما.

لذا يحقّ لنا أن نستعمل«التّبيع»:أ-بمعنى التّابع، ب-و بمعنى المتبوع.(91)

محمود شيت:أ-اتّبع القائد عدوّه:سار وراءه و تطلّبه.و الجيش الأوامر:نفّذها.و الفرس:جرى جريا مستويا لا يرفع فيه بعض أعضائه.

ب-تتبّع الجيش الأعداء:تطلّبه شيئا بعد شيء على مهلة.

ج-التّابع:الجنديّ المكلّف بأمور الضّابط الخاصّة.

(1:111)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القفو،و الحركة خلف شيء مادّيّ أو معنويّ،و سواء كان الاتّباع عملا أو فكرا.

و الاتّباع هو«افتعال»و يدلّ على القفو بالاختيار و الإرادة،كما هو مقتضى المطاوعة.

و المتابعة«مفاعلة»و يدلّ على إدامة الاتّباع،فيفهم منه الموافقة.

و التّتابع«تفاعل»و يدلّ على قبول«فاعل»و هو استدامة المتابعة،و يناسب هذا المعنى دوام التّبعيّة من جهة التّعدّد في التّابعين.

و الاتباع«إفعال»و يدلّ على التّعدية ناظرا إلى جهة الصّدور،فحقيقة الاتباع:جعل الغير تابعا أو جعل نفسه تابعا للغير،و هذا معنى اللّحوق،إذا لم يكن تابعا ثمّ جعله تابعا.

و أمّا التّتبّع فهو«تفعّل»و يدلّ على قبول«التّفعيل»، فيقال:تبّعته فتتبّع،أي قبل الاتّباع و التّتبيع،و تثبّت في تابعيّته،و هذا المعنى هو التّطلّب شيئا فشيئا.

و أمّا التّبعة،فالظّاهر أنّه وزان«خشن»،و التّاء لزيادة الاتّصاف في التّبعيّة،فهو ما يتعقّب لشيء و ثبتت له التّبيعيّة.

و ظاهر صيغة«التّبّع»أنّها كطلّب في جمع طالب، من صيغ جمع التّكسير.

و أمّا التّبع و التّبيع،فالظّاهر كونهما صفتين كالحسن و الشّريف إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً إبراهيم:21، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً الإسراء:69،أي الثّابت في التّبعيّة.[ثمّ ذكر الآيات](1:358)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

1- ...فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة:38

الطّبرسيّ: أي اقتدى برسلي و احتذى أدلّتي.

(1:91)

ابو الفتوح :تبع و اتّبع و تابع واحد،و معنى المبالغة الاقتداء و الاحتذاء،و نقيضه الابتداء و الابتداع،يقول اللّه تعالى:من يتّبع آياتي و أدلّة أنبيائي،فلن يخاف و يحزن أبدا.(1:233)

ابن شهرآشوب:أي جعل الاتّباع إلى المخلوق، و لو كان من اللّه تعالى لقال:فمن أتبعه هداي.(129)

ص: 526

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى بيّن أنّ من تبع هداه بحقّه علما،و عملا بالإقدام على ما يلزم و الإحجام عمّا يحرم، فإنّه يصير إلى حال لا خوف فيها و لا حزن.

و هذه الجملة مع اختصارها تجمع شيئا كثيرا من المعاني،لأنّ قوله: فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً البقرة:38، دخل فيه الإنعام بجميع الأدلّة العقليّة و الشّرعيّة و زيادات البيان،و جمع ما لا يتمّ ذلك إلاّ به من العقل و وجوه التّمكّن،و جمع قوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ، تأمّل الأدلّة بحقّها و النّظر فيها و استنتاج المعارف منها و العمل بها،و يجمع ذلك كلّ التّكاليف.[إلى أن قال:]

قال القاضي:قوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ... يدلّ على أمور:

أحدها:أنّ الهدى قد يثبت و لا اهتداء،فلذلك قال:

فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ.

و ثانيها:بطلان القول بأنّ المعارف ضروريّة.

و ثالثها:أنّ باتّباع الهدى تستحقّ الجنّة.

و رابعها:إبطال التّقليد،لأنّ المقلّد لا يكون متّبعا للهدى.(3:27)

النّسفيّ: أي بالقبول و الإيمان به.(1:44)

أبو حيّان: (فمن تبع)الفاء مع ما دخلت عليه جواب لقوله:(فامّا ياتينّكم).و قال السّجاونديّ:

الجواب محذوف،تقديره:فاتّبعوه،انتهى.فكأنّه على رأيه حذف لدلالة قوله بعده:(فمن تبع هداى).

و تظافرت نصوص المفسّرين و المعربين على أنّ (من)في قوله:(فمن تبع)شرطيّة،و أنّ جواب هذا الشّرط هو قوله:(فلا خوف)فتكون الآية فيها شرطان.و حكي عن الكسائيّ:أنّ قوله:(فلا خوف) جواب للشّرطين جميعا.

و قد أتقنّا مسألة اجتماع الشّرطين في كتاب «التّكميل»و لا يتعيّن عندي أن تكون«من»شرطيّة بل يجوز أن تكون موصولة،بل يترجّح ذلك لقوله في قسميه: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا البقرة:39،فأتى به موصولا،و يكون قوله:(فلا خوف)جملة في موضع الخبر.و أمّا دخول الفاء في الجملة الواقعة خبرا فإنّ الشّروط المسوّغة لذلك موجودة هنا.

و في قوله:(فمن تبع هداى)تنزيل الهدى منزلة الإمام المتّبع المقتدى به،فتكون حركات التّابع و سكناته موافقة لمتبوعه و هو الهدى،فحينئذ يذهب عنه الخوف و الحزن.(1:168)

ابن كثير :أي من أقبل على ما أنزلت به الكتب و أرسلت به الرّسل.(1:142)

نحوه القاسميّ.(2:110)

الشّربينيّ: بأن آمن بي و عمل بطاعتي.(1:52)

البروسويّ: أي اقتدى بشريعتي.(1:115)

رشيد رضا :الّذي أشرعه،و سلك صراطي المستقيم الّذي أحدّده.(1:285)

المراغي: أي فمن استمسكوا بالشّرائع الّتي أتى بها الرّسل،و راعوا ما يحكم العقل بصحّته،بعد النّظر في الأدلّة الّتي في الآفاق و الأنفس.(1:97)

2- وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ... آل عمران:73

الحسن :إنّهم يهود خيبر قالوا ذلك ليهود

ص: 527

المدينة.(الماورديّ 1:401)

قتادة :هم بعض اليهود لبعض.

مثله السّدّيّ،و الرّبيع،و ابن زيد.(الطّوسيّ 2:500)

السّدّيّ: لا تؤمنوا إلاّ لمن تبع اليهوديّة.

(الطّبريّ 3:314)

ابن زيد :لا تؤمنوا إلاّ لمن آمن بدينكم،لا من خالفه،فلا تؤمنوا به.(الطّبريّ 3:314)

الطّبريّ: و اللاّم الّتي في قوله:(لمن تبع دينكم) نظيرة اللاّم الّتي في قوله: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ النّمل:72،بمعنى:ردفكم بعض الّذي تستعجلون.

(3:313)

الزّجّاج :قيل:المعنى لا تجعلوا تصديقكم النّبيّ في شيء ممّا جاءكم به إلاّ لليهود،فإنّكم إن قلتم ذلك للمشركين كان عونا لهم على تصديقه.(1:430)

الماورديّ: و اختلف في سبب نهيهم أن يؤمنوا إلاّ لمن تبع دينهم على قولين:

أحدهما:[و هو قول الزّجّاج و قد تقدّم]

و الثّاني:أنّهم نهوا عن ذلك لئلاّ يعترفوا به،فيلزمهم العمل بدينه،لإقرارهم بصحّته.(1:401)

الميبديّ: اليهوديّة،و قام بشرائعه،و صلّى إلى قبلتكم.(2:167)

الزّمخشريّ: و لا تؤمنوا هذا الإيمان الظّاهر،و هو إيمانهم وجه النّهار إلاّ لمن تبع دينكم،إلاّ لمن كانوا تابعين لدينكم ممّن أسلموا منكم،لأنّ رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم،و لأنّ إسلامهم كان أغيظ لهم.(1:437)

نحوه البيضاويّ(1:166)،و النّسفيّ(1:164)، و الشربينيّ(1:225)،و أبو السّعود(1:246).

الطّباطبائيّ: و المعنى-و اللّه أعلم-أنّ طائفة من أهل الكتاب-و هم اليهود-قالت،أي قال بعضهم لبعض:صدّقوا النّبيّ و المؤمنين في صلاتهم وجه النّهار إلى بيت المقدس،و لا تصدّقوهم في صلاتهم إلى الكعبة آخر النّهار،و لا تثقوا في الحديث بغيركم فيخبروا المؤمنين أنّ من شواهد نبوّة النّبيّ الموعود تحويل القبلة إلى الكعبة،فإنّ في تصديقكم أمر الكعبة و إفشائكم ما تعلمونه من كونها من أمارات صدق الدّعوة،محذور أن يؤتى المؤمنون مثل ما أوتيتم من القبلة،فيذهب به سؤددكم و يبطل تقدّمكم في أمر القبلة،و محذور أن يقيموا عليكم الحجّة عند ربّكم أنّكم كنتم عالمين بأمر القبلة الجديدة،شاهدين على حقّيّته ثمّ لم تؤمنوا.

(3:258)

لاحظ:أ م ن«لا تؤمنوا».

تبعك

1- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ. الأعراف:18

الطّبريّ: يعني من كفرة بني آدم تبّاع إبليس، و من إبليس و ذرّيّته.(8:139)

نحوه الواحديّ(2:356)،و الخازن(2:178)، و القاسميّ(7:2638)،و رشيد رضا(8:339)، و المراغيّ(8:116).

الزّجّاج :(لمن تبعك منهم)هذه اللاّم لام القسم

ص: 528

تدخل توطئة للأمر.(لأملأنّ)و الكلام بمعنى الشّرط و الجزاء،كأنّه قيل:من تبعك أعذّبه،فدخلت اللاّم للمبالغة و التّوكيد،و لام(لأملأنّ)لام القسم و لام (لمن تبعك)توطئة لها.يجوز في الكلام:و اللّه من جاءك لأضربنّه،و لا يجوز:و اللّه لمن جاءك أضربه،و أنت تريد:لأضربنّه،و لكن يجوز:و اللّه لمن جاءك أضربه، تريد:لأضربنّه.(2:325)

الطّوسيّ: (لمن تبعك)جواب القسم،و حذف جواب الجزاء في(لمن تبعك)لأنّ جواب القسم أولى بالذّكر من حيث إنّه في صدر الكلام.و لو كان في حشو الكلام،لكان الجزاء أحقّ منه،كقولك:إن تأتني و اللّه أكرمك.

و لا يجوز أن تكون(من)هاهنا بمعنى«الّذي»لأنّها لا تقلب الماضي إلى الاستقبال.

و يجوز أن تقول:و اللّه لمن جاءك أضربه،بمعنى لأضربه،و لم يخبر بمعنى لأضربنّه.

كما يجوز:و اللّه أضرب زيدا بمعنى لأضرب، و لا يجوز بمعنى لأضربنّ،لأنّ الإيجاب لا بدّ فيه من نون التّأكيد مع اللاّم،على قول الزّجّاج.(4:394)

الزّمخشريّ: و اللاّم في(لمن تبعك)موطئة للقسم و(لأملأنّ)جوابه،و هو سادّ مسدّ جواب الشّرط.(2:71)

نحوه أبو السّعود(2:484)،و البروسويّ(3:

143)،و الطّباطبائيّ(8:34).

ابن عطيّة :و قرأت فرقة (لمن تبعك) بفتح اللاّم، و هي على هذه لام القسم المخرجة الكلام من الشّكّ إلى القسم.و قرأ عاصم الجحدريّ و الأعمش (لمن تبعك) بكسر اللاّم،و المعنى لأجل من تبعك.(2:382)

الطّبرسيّ: اللاّم الأولى لام الابتداء و الثّانية لام القسم،و(من)للشّرط و هو في موضع رفع بالابتداء.

و لا يجوز أن يكون هنا بمعنى«الّذي»لأنّها لا تقلب الماضي إلى الاستقبال.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ إلى أن قال:]

أي من بني آدم،معناه من أطاعك و اقتدى بك من بني آدم.(2:405)

أبو حيّان :قرأ الجمهور(لمن)بفتح اللاّم،و الظّاهر أنّها اللاّم الموطئة للقسم،و(من)شرطيّة في موضع رفع على الابتداء،و جواب الشّرط محذوف يدلّ عليه جواب القسم المحذوف قبل اللاّم الموطئة.

و يجوز أن تكون اللاّم لام الابتداء و(من)موصولة، و(لأملأنّ)جواب قسم محذوف بعد(من تبعك)و ذلك القسم المحذوف،و جوابه في موضع خبر(من)الموصولة.

و قرأ الجحدريّ و عصمة عن أبي بكر عن عاصم (لمن تبعك منهم) بكسر اللاّم.و اختلفوا في تخريجها، فقال ابن عطيّة:المعنى لأجل من تبعك منهم لأملأنّ انتهى.

فظاهر هذا التّقدير أنّ اللاّم تتعلّق ب(لأملأنّ)و يمتنع ذلك على قول الجمهور أنّ ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبله.

و قال الزّمخشريّ: بمعنى لمن تبعك منهم الوعيد،و هو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ على أنّ(لأملأنّ) في محلّ الابتداء و(لمن تبعك)خبره،انتهى.

فإن أراد ظاهر كلامه،فهو خطأ على مذهب

ص: 529

البصريّين،لأنّ قوله:(لأملأنّ)جملة هي جواب قسم محذوف.فمن حيث كونها جملة فقط لا يجوز أن تكون مبتدأة،و من حيث كونها جوابا للقسم يمتنع أيضا،لأنّها إذ ذاك من هذه الحيثيّة لا موضع لها من الإعراب،و من حيث كونها مبتدأة لها موضع من الإعراب و لا يجوز أن تكون الجملة لها موضع و لا موضع رفع داخلا عليها عامل غير داخل،و ذلك لا يتصوّر.

و قال أبو الفضل عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن الرّازيّ: اللاّم متعلّقة من الذّأم و الدّحر،و معناه أخرج بهاتين الصّفتين لأجل أتباعك،ذكر ذلك في كتاب «اللّوامح»في شواذّ القراءات،و معنى(منكم)منك و ممّن تبعك،فغلب الخطاب على الغيبة،كما تقول:أنت و إخوتك أكرمكم.(4:277)

نحوه الآلوسيّ.(8:96)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ص:85

2- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً. الإسراء:63

الطّبريّ: يعني من ذرّيّة آدم عليه السّلام فأطاعك،فإنّ جهنّم جزاؤك و جزاؤهم.(15:117)

نحوه الواحديّ(3:115)،و الميبديّ(5:578)، و القرطبيّ(10:288).

الطّوسيّ: من ذرّيّة آدم و اقتفى أثرك و قبل منك.(6:497)

ابن عطيّة: و(تبعك)معناه في طريق الكفر الّذي تدعو إليه،فالآية في الكفّار و في من ينفذ عليه الوعيد من العصاة.(3:470)

المراغيّ: فمن أطاعك من ذرّيّة آدم و ضلّ عن الحقّ،فإنّ جزاءك على دعائك إيّاهم،و جزاءهم على اتّباعهم لك و خلافهم أمري موفور لا ينقص لكم من شيء بما تستحقّون من سيّئ الأعمال،ما دنستم به أنفسكم من قبيح الأفعال.(15:70)

نحوه محمّد جواد مغنيّة(5:62)،و عبد الكريم الخطيب(8:518).

تبعنى

1- ...فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إبراهيم:36

الإمام الباقر عليه السّلام: من أحبّنا فهو منّا أهل البيت (قلت[أبو عبيدة]جعلت فداك منكم؟قال:)منّا و اللّه، أ ما سمعت قول إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي.

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(العيّاشيّ 2:414)

الطّبريّ: فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك، و إخلاص العبادة لك،و فراق عبادة الأوثان،فإنّه منّي، يقول:فإنّه مستنّ بسنّتي،و عامل بمثل عملي.

(13:228)

نحوه المراغيّ(13:159)،و الخازن(4:39)،و طه الدّرّة(7:348).

الطّوسيّ: حكاية ما قال إبراهيم من أنّ من يتّبعه في عبادة اللّه وحده و ترك عبادة الأصنام،فإنّه منه و على

ص: 530

دينه.(6:299)

نحوه الواحديّ(3:33)،و ابن الجوزيّ(4:365)، و الخازن(4:39).

الميبديّ: أي من أطاعني في ديني فإنّه وليي و نصيري.(5:268)

الزّمخشريّ: (فمن تبعنى)على ملّتي و كان حنيفا مسلما مثلي(فانّه منّى)،أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي و ملابسته لي،و كذلك قوله:«من غشّنا فليس منّا» أي ليس بعض المؤمنين على أنّ الغشّ ليس من أفعالهم و أوصافهم.(2:380)

نحوه الفخر الرّازيّ(19:133)،و البيضاويّ(1:

532)،و النّسفيّ(2:263)،و أبو حيّان(5:431)، و أبو السّعود(3:492)،و القاسميّ(10:3733).

الطّبرسيّ: يريد فمن تبعني من ذرّيّتي الّذي أسكنتهم هذا البلد على ديني؛في عبادة اللّه وحده و ترك عبادة الأصنام،فإنّه من جملتي و حاله كحالي.

(3:318)

البروسويّ: (فمن تبعنى)منهم فيما أدعو إليه من التّوحيد و ملّة الإسلام(فانّه منّى).(من)تبعيضيّة، فالكلام على التّشبيه،أي كبعضي في عدم الانفكاك عنّي.(4:425)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و يحتمل أن تكون اتّصاليّة،كما في قوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم لعليّ كرّم اللّه تعالى وجهه:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»أي فإنّه متّصل بي لا ينفكّ عنّي في أمر الدّين.

و تسميتها اتّصاليّة لأنّه يفهم منها اتّصال شيء بمجرورها و هي ابتدائيّة،إلاّ أنّ ابتدائيّته باعتبار الاتّصال،كذا في حواشي«شرح المفتاح»الشّريفيّ، يعني أنّ مجرورها ليس مبدأ أو منشأ لنفس ما قبلها بل لاتّصاله.

فإمّا أن يقدّر متعلّقها فعلا خاصّا،كما قاله الجلال السّيوطيّ في بيان الخبر:من أنّ(منّى)فيه خبر المبتدإ، (و من)اتّصاليّة،و متعلّق الخبر خاصّ،و الباء زائدة بمعنى أنت متّصل بي و نازل منّي بمنزلة هارون من موسى.

و إمّا أن يقدّر فعل عامّ،كما ذهب إليه الشّريف هناك،أي منزلته بمنزلة كائنة و ناشئة منّي كمنزلة هارون من موسى عليهما السّلام،و تقديره خاصّا هنا كما فعلنا، على تقدير جعلها اتّصاليّة ممّا يستطيبه الذّوق السّليم، دون تقديره عامّا.(13:235)

الطّباطبائيّ: تفريع على ما تقدّم من كلامه،أي إذا كان كثير من النّاس أضلّتهم الأصنام بعبادتهنّ و استعذت بك و عرضت نفسي و بنيّ عليك أن تجنبنا من عبادتهنّ،افترقنا نحن و النّاس طائفتين:الضّالّون عن طريق توحيدك،و العارضون لأنفسهم على حفظك و إجنابك،(فمن تبعنى)إلخ.

و قد عبّر عليه السّلام في تفريعه بقوله:(فمن تبعنى)و الاتّباع إنّما يكون في طريق-و قد لوّح إلى الطّريق أيضا بقوله:

(اضللن)لأنّ الضّلال إنّما يكون عن الطّريق-فمراده باتّباعه التّديّن بدينه و السّير بسيرته لا مجرّد الاعتقاد بوحدانيّته تعالى،بل سلوك طريقته المبنيّة على توحيد اللّه سبحانه،ليكون في ذلك عرض النّفس على رحمته،

ص: 531

تعالى،و إجنابه من عبادة الأصنام.

و من الدّليل على كون المراد بالاتّباع هو سلوك سبيله،قوله في ما يعادله من كلامه:(و من عصانى)فإنّه نسب العصيان إلى نفسه و لم يقل:و من كفر بك أو عصاك أو فسق عن الحقّ و نحو ذلك،كما لم يقل:فمن آمن بك أو أطاعك أو اتّقاك و ما أشبهه.

فمراده باتّباعه:سلوك طريقه و التّديّن بجميع ما أتى به من الاعتقاد و العمل،و بعصيانه:ترك سيرته و ما أتى به من الشّريعة اعتقادا و عملا،كأنّه عليه السّلام يقول:من تبعني و عمل بشريعتي و سار بسيرتي فإنّه ملحق بي و من أبنائي تنزيلا أسألك أن تجنبني و إيّاه أن نعبد الأصنام، و من عصاني بترك طريقتي كلّها أو بعضها سواء كان من بنيّ أو غيرهم،فلا ألحقه بنفسي و لا أسألك إجنابه و إبعاده بل أخلّي بينه و بين مغفرتك و رحمتك.

و من هنا يظهر أوّلا أنّ قوله عليه السّلام: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تفسير لقوله:

وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35، بالتّصرّف في البنين تعميما و تخصيصا فهو كتعميم البنين لكلّ من تبعه من جهة و تخصيصه بالعاصين له منهم من جهة أخرى،فليسوا منه و لا ملحقين به،و بالجملة هو عليه السّلام يلحق الّذين اتّبعوه من بعده بنفسه،و أمّا غير متّبعيه فيخلّي بينهم و بين ربّهم الغفور الرّحيم،كما قال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68.

و هذه التّوسعة و التّضييق منه عليه السّلام نظير مجموع ما وقع منه و من ربّه في الفقرة الأخرى من دعائه،على ما يحكيه آية البقرة:126 وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ حيث سأل الرّزق أوّلا لأهل البلد،ثمّ خصّه لمن آمن منهم،فعمّمه اللّه سبحانه بقوله:(و من كفر)ثانيا.

و ثانيا:أنّ من الممكن أن يستفاد من قوله عليه السّلام فيمن تبعه:«إنّه منّي»و سكوته فيمن عصاه بعد ما كان دعاؤه في نفسه و بنيه أنّ ذلك تبنّ منه لكلّ من تبعه و إلحاق له بنفسه،و نفي لكلّ من عصاه عن نفسه و إن كان من بنيه بالولادة،أو إلحاق لتابعيه بنفسه مع السّكوت عن غيرهم بناء على عدم صراحة السّكوت في النّفي.

و لا إشكال في ذلك بعد ظهور الدّليل،فإنّ الولادة الطّبيعيّة لا يجب أن تكون هي الملاك في النّسب إثباتا و نفيا،و لا تجد واحدة من الأمم يقتصرون في النّسب إثباتا و نفيا على مجرّد الولادة الطّبيعيّة بل لا يزالون يتصرّفون بالتّوسعة و التّضييق.و للإسلام أيضا تصرّفات في ذلك كنفي الدّعيّ و المولود من الزّنى، و الكافر و المرتدّ،و إلحاق الرّضيع و المولود على الفراش إلى غير ذلك،و في كلامه تعالى في ابن نوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46.

و ثالثا:أنّه عليه السّلام و إن لم يسأل المغفرة و الرّحمة صريحا لمن عصاه،و إنّما عرضهم للمغفرة و الرّحمة بقوله:

وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لكنّه لا يخلو عن إيماء ما إلى الطّلب لمن ترك طريقته و سيرته الّتي تعدّ الإنسان للرّحمة الإلهيّة بحفظه من عبادة الأصنام،و هذا المقدار من المعصية لا يمنع عن شمول الرّحمة و إن لم يكن مقتضيا

ص: 532

أيضا لذلك،و ليس المراد به نفس الشّرك باللّه حتّى ينافي سؤال المغفرة،كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:116.

هذا محصّل ما يعطيه التّدبّر في الآيتين الكريمتين، و هو في معزل عمّا استشكله المفسّرون في أطراف الآيتين،ثمّ ذهبوا في التّخلّص عنه مذاهب شتّى بعيدة عن الذّوق السّليم.(12:71)

يتبعها

قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ. البقرة:263

الطّبريّ: يعني يشتكيه عليها،و يؤذيه بسببها.

(3:64)

القيسيّ: وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ ابتداء و خبر،و(يتبعها) نعت«للصّدقة»في موضع خفض.(1:110)

البغويّ: أي من تعيير للسّائل،أو قول يؤذيه.

(1:360)

نحوه الخازن.(1:239)

تتبعها

تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ. النّازعات:7

راجع«ر د ف».

تبعوا-تابع

وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ... البقرة:145

الحسن :لا يصير النّصارى كلّهم يهودا،و لا اليهود كلّهم يصيرون نصارى أبدا،كما لا يتّبع جميعهم الإسلام.

مثله السّدّيّ،و ابن زيد،و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:20)

السّدّيّ: ما اليهود بتابعي قبلة النّصارى،و لا النّصارى بتابعي قبلة اليهود.

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 2:24)

الطّبريّ: و إنّما يعني جلّ ثناؤه بذلك أنّ اليهود و النّصارى لا تجتمع على قبلة واحدة مع إقامة كلّ حزب منهم على ملّتهم.(2:24)

الزّجّاج : ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لأنّ أهل الكتاب تظاهروا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و اليهود لا تتّبع قبلة النّصارى و لا النّصارى تتّبع قبلة اليهود،و هم مع ذلك في التّظاهر على النّبيّ متّفقون.(1:224)

القفّال: هذا يمكن حمله على الحال و على الاستقبال،أمّا على الحال فمن وجوه:

الأوّل:أنّهم ليسوا مجتمعين على قبلة واحدة حتّى يمكن إرضاؤهم باتّباعها.

الثّاني:أنّ اليهود و النّصارى مع اتّفاقهم على تكذيبك متباينون في القبلة،فكيف يدعونك إلى ترك قبلتك مع أنّهم فيما بينهم مختلفون.

الثّالث:أنّ هذا إبطال لقولهم:إنّه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب،لأنّه إذا جاز أن تختلف قبلتاهما للمصلحة، جاز أن تكون المصلحة في ثالث.

و أمّا حمل الآية على الاستقبال ففيه إشكال،و هو

ص: 533

أنّ قوله: وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ينفي أن يكون أحد منهم قد اتّبع قبلة الآخر،لكن ذلك قد وقع فيفضي إلى الخلف.

و جوابه:أنّا إن حملنا أهل الكتاب على علمائهم الّذين كانوا في ذلك الزّمان،فلم يثبت عندنا أنّ أحدا منهم يتّبع قبلة الآخر،فالخلف غير لازم.و إن حملناه على الكلّ،قلنا:إنّه عامّ دخله التّخصيص.

(الفخر الرّازيّ 4:142)

الطّوسيّ: فإن قيل:كيف قال: ...ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ و قد آمن منهم خلق؟

قلنا:عن ذلك جوابان:

أحدهما:[قول الحسن المتقدّم]،و الثّاني:[قول الزّجّاج و اختاره البلخيّ و قد تقدّم]

و هذه الآية دالّة على فساد قول من قال:لا يكون الوعيد بشرط،و على فساد قول من قال:بالموافاة، و إنّ من علم اللّه أنّه يؤمّن من لا يستحقّ العقاب أصلا، لأنّ اللّه تعالى علّق الوعيد بشرط يوجب أن يكون متى يحصل الشّرط يحصل استحقاق العقاب.و فيها دليل على فساد قول من قال:إنّ الوعيد لا يقع لمن علم أنّه لا يعصي،لأنّ اللّه تعالى علم من حال الرّسول أنّه لا يتّبع أهواءهم،و مع هذا توعّده إن اتّبع أهواءهم.

و في الآية دلالة على بطلان قول من قال:إنّ في المقدور لطفا،لو فعل اللّه بالكافر لآمن لا محالة،من قبل أنّه قيل في قوله: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ... قولان:

أحدهما:أنّ المعاند لا ينفعه الدّلالة لأنّه عارف،و الآخر أنّه لا لطف لهم فتلتمسه ليؤمنوا.

و على القولين فيه دلالة على فساد قول أصحاب اللّطف،لأنّ مخرجه مخرج التّنصّل من التّخليف عنهم ما يؤمنون عنده طوعا،فلو قال قائل:و ما في أنّ الآية لا ينفعهم في الإيمان لطف ينفعهم فيه لكان لا يسقط سؤاله،إلاّ بأن يقال:لا لطف لهم كما لا آية تنفعهم.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ قيل:في معناه أربعة أقوال:

أوّلها:أنّه لمّا قال: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ... على وجه المقابلة،كما تقول:ما هم بتاركي إنكار الحقّ و ما أنت بتارك الاعتراف به؛فيكون الّذي جرّ الكلام التّقابل للكلام الأوّل،و ذلك حسن من كلام البلغاء.

الثّاني:أن يكون المراد أنّه ليس يمكنك استصلاحهم باتّباع قبلتهم لاختلاف وجهتهم،لأنّ النّصارى يتوجّهون الى المشرق،و اليهود إلى بيت المقدس،فبيّن اللّه تعالى:أنّ رضا الفريقين محال.

الثّالث:أن يكون المراد حسم طمع أهل الكتاب من اليهود؛إذ كانوا طمعوا في ذلك و ظنّوا أنّه يرجع إلى الصّلاة إلى بيت المقدس،و ماجوا في ذكره.

الرّابع:أنّه لمّا كان النّسخ مجوّزا قبل نزول هذه الآية،فأنزل اللّه تعالى الآية ليرتفع ذلك التّجوّز.

و قوله: وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ قيل:في معناه قولان:

أحدهما:[قول الحسن و السّدّيّ و قد تقدّم]

و قال غيرهم:معناه إسقاط الاعتلال بأنّه مخالفة

ص: 534

لأهل الكتاب الّذين ورثوا ذلك عن أنبياء اللّه بأمره إيّاهم به،فكلّما جاز أن يخالف بين وجهتهم للاستصلاح،جاز أن يخالف بوجهة ثالثة للاستصلاح في بعض الأزمان.(2:18)

الزّمخشريّ: (ما تبعوا)جواب القسم المحذوف، سدّ مسدّ جواب الشّرط.(بكلّ آية):بكلّ برهان قاطع أنّ التّوجّه إلى الكعبة هو الحقّ، ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لأنّ تركهم اتّباعك ليس عن شبهة تنزيلها بإيراد الحجّة،إنّما هو عن مكابرة و عناد مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنّك على الحقّ. وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ حسم لأطماعهم؛إذ كانوا ماجوا في ذلك،و قالوا:لو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون صاحبنا الّذي ننتظره،و طمعوا في رجوعه إلى قبلتهم.و قرئ (بتابع قبلتهم) على الإضافة. وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ يعني أنّهم مع اتّفاقهم على مخالفتك مختلفون في شأن القبلة،لا يرجى اتّفاقهم كما لا ترجى موافقتهم لك،و ذلك أنّ اليهود تستقبل بيت المقدس و النّصارى مطلع الشّمس.

أخبر عزّ و جلّ عن تصلّب كلّ حزب فيما هو فيه و ثباته عليه،فالمحقّ منهم لا يزلّ عن مذهبه لتمسّكه بالبرهان،و المبطل لا يقلع عن باطله لشدّة شكيمته في عناده.(1:320)

نحوه البيضاويّ(1:88)،و النّسفيّ(1:80)، و الشّربينيّ(1:102)،و البروسويّ(1:352).

ابن عطيّة :أعلم اللّه تعالى نبيّه حين قالت له اليهود:راجع بيت المقدس و نؤمن بك،مخادعة منهم أنّهم لا يتّبعون له قبلة،يعني جملتهم،لأنّ البعض قد اتّبع كعبد اللّه بن سلام و غيره و أنّهم لا يدينون بدينه،أي فلا تصغ إليهم.

و قوله تعالى جلّت قدرته: وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ لفظ خبر يتضمّن الأمر،أي فلا تركن إلى شيء من ذلك.و قوله تعالى: وَ ما بَعْضُهُمْ... قال غيرهما[السّدّيّ و ابن زيد]معنى الآية:و ما من أسلم معك منهم بمتّبع قبلة من لم يسلم،و لا من لم يسلم بمتّبع قبلة من أسلم.

و الأوّل أظهر في الأبعاض،و قبلة النّصارى مشرق الشّمس و قبلة اليهود بيت المقدس.(1:222)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه قال في تأويل قوله: وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ]

و يحتمل أيضا أن يجري الكلام على الظّاهر،لأنّه لم يثبت أنّ يهوديّا تنصّر و لا أنّ نصرانيّا تهوّد، فلا ضرورة بنا إلى العدول من الظّاهر إلى التّأويل.

(1:229)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اختلفوا في قوله: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ... فقال الأصمّ:المراد علماؤهم الّذين أخبر اللّه تعالى عنهم في الآية المتقدّمة بقوله:

وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ البقرة:144.

و احتجّ عليه بوجوه:

أحدها:قوله: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ البقرة:

120،فوصفهم بأنّهم يتّبعون الهوى،و من اعتقد في الباطل أنّه حقّ فإنّه لا يكون متّبعا لهوى النّفس،بل

ص: 535

يكون في ظنّه أنّه متّبع للهدى.فأمّا الّذين يعلمون بقلوبهم،ثمّ ينكرون بألسنتهم،فهم المتّبعون للهوى.

و ثانيها:أنّ ما قبل هذه الآية و هو قوله: وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ لا يتناول عوامّهم،بل هو مختصّ بالعلماء،و ما بعدها و هو قوله:

اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ البقرة:146،مختصّ بالعلماء أيضا؛إذ لو كان عامّا في الكلّ امتنع الكتمان،لأنّ الجمع العظيم لا يجوز عليهم الكتمان،و إذا كان ما قبلها و ما بعدها خاصّا فكذا هذه الآية المتوسّطة.

و ثالثها:أنّ اللّه تعالى أخبر عنهم بأنّهم مصرّون على قولهم،و مستمرّون على باطلهم،و أنّهم لا يرجعون عن ذلك المذهب بسبب شيء من الدّلائل و الآيات.

و هذا شأن المعاند اللّجوج،لا شأن المعاند المتحيّر.

و رابعها:أنّا لو حملناه على العموم لصارت الآية كذبا،لأنّ كثيرا من أهل الكتاب آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و تبع قبلته.

و قال آخرون: بل المراد جميع أهل الكتاب من اليهود و النّصارى.و احتجّوا عليه بأنّ قوله: اَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ صيغة عموم فيتناول الكلّ.

ثمّ أجابوا عن الحجّة الأولى أنّ صاحب الشّبهة صاحب هوى في الحقيقة،لأنّه ما تمّم النّظر و الاستدلال، فإنّه لو أتى بتمام النّظر و الاستدلال لوصل إلى الحقّ؛ فحيث لم يصل،علمنا أنّه ترك التّامّ بمجرّد الهوى.

و أجابوا عن الحجّة الثّانية بأنّه ليس يمتنع أن يراد في الآية الأولى بعضهم،و في الآية الثّانية كلّهم.

و أجابوا عن الحجّة الثّالثة أنّ العلماء لمّا كانوا مصرّين على الشّبهات،و العوامّ كانوا مصرّين على اتّباع أولئك العلماء كان الإصرار حاصلا في الكلّ.

و أجابوا عن الحجّة الرّابعة بأنّه تعالى أخبر عنهم أنّهم بكلّيّتهم لا يؤمنون،و قولنا:كلّ اليهود لا يؤمنون، مغاير لقولنا:أنّ أحدا منهم لا يؤمن.

المسألة الثّانية:احتجّ الكعبيّ بهذه الآية على جواز أن لا يكون في المقدور لطف لبعضهم،قال:لأنّه لو حصل في المقدور لهؤلاء لطف،لكان في جملة الآيات ما لو أتاهم به لكانوا يؤمنون،فكان لا يصحّ هذا الخبر على وجه القطع.

المسألة الثّالثة:احتجّ أبو مسلم بهذه الآية على أنّ علم اللّه تعالى في عباده و ما يفعلونه ليس بحجّة لهم فيما يرتكبون،فإنّهم مستطيعون لأن يفعلوا الخير الّذي أمروا به،و يتركوا ضدّه الّذي نهوا عنه.

و احتجّ أصحابنا به على القول بتكليف ما لا يطاق، و هو أنّه تعالى أخبر عنهم بأنّهم لا يتّبعون قبلته،فلو اتّبعوا قبلته لزم انقلاب خبر اللّه الصّدق كذبا،و علمه جهلا،و هو محال،و مستلزم المحال محال،فكان ذلك محالا،و قد أمروا به،فقد أمروا بالمحال.و تمام القول فيه مذكور في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ البقرة:6.

المسألة الرّابعة:إنّما حكم اللّه تعالى عليهم بأنّهم لا يرجعون عن أباطيلهم بسبب البرهان،و ذلك لأنّ إعراضهم عن قبول هذا الدّين ليس عن شبهة يزيلها بإيراد الحجّة،بل هو محض المكابرة و العناد و الحسد،

ص: 536

و ذلك لا يزول بإيراد الدّلائل.

المسألة الخامسة:اختلفوا في قوله: ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، قال الحسن و الجبّائيّ:أراد جميعهم،كأنّه قال:لا يجتمعون على اتّباع قبلتك،على نحو قوله: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى الأنعام:35.

و قال الأصمّ و غيره:بل المراد أنّ أحدا منهم لا يؤمن.

قال القاضي: إنّ أريد بأهل الكتاب كلّهم العلماء منهم و العوامّ،فلا بدّ من تأويل الحسن،و إن أريد به العلماء،نظرنا فإن كان في علمائهم المخاطبين بهذه الآية من قد آمن،وجب أيضا ذلك التّأويل،و إن لم يكن فيهم من قد آمن،صحّ إجراؤه على ظاهره في رجوع النّفي إلى كلّ واحد منهم،لأنّ ذلك أليق بالظّاهر؛إذ لا فرق بين قوله: ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، و بين قوله:ما تبع أحد منهم قبلتك.[إلى أن قال:]

أمّا قوله تعالى: وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ففيه أقوال:

الأوّل:أنّه دفع لتجويز النّسخ،و بيان أنّ هذه القبلة لا تصير منسوخة.

و الثّاني:حسما لأطماع أهل الكتاب فإنّهم قالوا:

لو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الّذي ننتظره،و طمعوا في رجوعه إلى قبلتهم.

الثّالث:المقابلة يعني ما هم بتاركي باطلهم و ما أنت بتارك حقّك.

الرّابع:أراد أنّه لا يجب عليك استصلاحهم باتّباع قبلتهم،لأنّ ذلك معصية.

الخامس:و ما أنت بتابع قبلة جميع أهل الكتاب من اليهود و النّصارى،لأنّ قبلة اليهود مخالفة لقبلة النّصارى،فلليهود بيت المقدس،و للنّصارى المشرق، فألزم قبلتك ودع أقوالهم.(4:139-141)

نحوه أبو حيّان.(1:430)

ابن كثير :إخبار عن شدّة متابعة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لما أمره اللّه تعالى به،و أنّه كما هم مستمسكون بآرائهم و أهوائهم،فهو أيضا مستمسك بأمر اللّه و طاعته و اتّباع مرضاته،و أنّه لا يتّبع أهواءهم في جميع أحواله و لا كونه متوجّها إلى بيت المقدس لكونها قبلة اليهود،و إنّما ذلك عن أمر اللّه تعالى.(1:341)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و إيثار الجملة الاسميّة للدّلالة على دوام مضمونها و استمراره،و إفراد قبلتهم مع تعدّدها باعتبار اتّحادها في البطلان و مخالفة الحقّ،و لئلاّ يتوهّم أنّ مدار النّفي هو التّعدّد.و قرئ (بتابع قبلتهم) على الإضافة.(1:216)

الآلوسيّ: ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشّرط،لا جواب الشّرط،لما تقرّر أنّ الجواب إذا كان القسم مقدّما للقسم لا للشّرط إن لم يكن مانع،فكيف إذا كان كترك الفاء هاهنا فإنّها لازمة في الماضي المنفيّ إذا وقع جزاء،و هذا تسلية للنّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم عن قبولهم الحقّ،و المعنى أنّهم ما تركوا(قبلتك)لشبهة تدفعها بحجّة و إنّما خالفوك لمحض العناد و بحت المكابرة.

و ليس المراد من التّعليق بالشّرط الإخبار عن عدم متابعتهم على أبلغ وجه و آكده،بأن يكون المعنى

ص: 537

أنّهم لا يتّبعونك أصلا-و إن أتيت بكلّ حجّة-فاندفع ما قيل:كيف حكم بأنّهم لا يتّبعون و قد آمن منهم فريق.و استغنى عن القول بأنّ ذلك في قوم مخصوصين أو حكم على الكلّ دون الأبعاض،فإنّه تكلّف مستغنى عنه،و إضافة القبلة إلى ضميره صلّى اللّه عليه و سلّم لأنّ اللّه تعالى تعبّده باستقبالها. وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ أي لا يكون ذلك منك و محال أن يكون،فالجملة خبريّة لفظا و معنى سيقت لتأكيد حقّيّة أمر القبلة كلّ التّأكيد،و قطع تمنّي أهل الكتاب،فإنّهم قالوا:يا محمّد عد إلى قبلتنا و نؤمن بك و نتّبعك،مخادعة منهم لعنهم اللّه تعالى،و فيها إشارة إلى أنّ هذه القبلة لا تصير منسوخة أبدا.

و قيل:إنّها خبريّة لفظا إنشائيّة معنى،و معناها النّهي،أي لا تتّبع قبلتهم،أي داوم على عدم اتّباعها.

[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ في وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ](2:11)

الطّباطبائيّ: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ...، تقريع لهم بالعناد و اللّجاج،و إنّ إباءهم عن القبول ليس لخفاء الحقّ عليهم،و عدم تبيّنه لهم،فإنّهم عالمون بأنّه حقّ علما لا يخالطه شكّ،بل الباعث لهم على بثّ الاعتراض و إثارة الفتنة عنادهم في الدّين و جحودهم للحقّ، فلا ينفعهم حجّة،و لا يقطع إنكارهم آية،فلو أتيتهم بكلّ آية ما تبعوا قبلتك لعنادهم و جحودهم، وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، لأنّك على بيّنة من ربّك،و يمكن أن يكون قوله:(و ما انت)نهيا في صورة خبر، وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، و هم اليهود يستقبلون صخرة بيت المقدس أينما كانوا،و النّصارى يستقبلون المشرق أينما كانوا،فلا هذا البعض يقبل قبلة ذاك البعض،و لا ذاك يقبل قبلة هذا اتّباعا للهوى.(1:326)

التّابعين

...أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ...

النّور:31

لاحظ«أ ر ب».

تبيعا

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً. الإسراء:69

ابن عبّاس: يقول:نصيرا.(الطّبريّ 15:125)

ثائرا و لا نصيرا.(الميبديّ 5:581)

مجاهد :ثائرا.(الطّبريّ 15:125)

قتادة :أي لا نخاف أن نتبع بشيء من ذلك.

لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك.(الطّبريّ 15:125)

الفرّاء:يقال:ثائرا و طالبا،فتبيع في معنى تابع.

(2:127)

أبو عبيدة :أي من يتبعنا لكم تبيعة،و لا طالبا لنا بها.(1:385)

نحوه ابن قتيبة(259)،و الطّبريّ(15:125)، و شبّر(4:38).

الطّبريّ: ثمّ لا تجدوا لكم علينا تابعا يتبعنا بما فعلنا بكم،و لا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إيّاكم.

ص: 538

و قيل:(تبيعا)في موضع التّابع،كما قيل:عليم في موضع عالم.و العرب تقول لكلّ طالب بدم أو دين أو غيره:تبيع.[ثمّ استشهد بشعر](15:124)

نحوه ابن عطيّة(3:472)،و الطّوسيّ(6:502)، و البغويّ(4:138).

الزّجّاج :أي لا تجدوا من يتّبعنا بإنكار ما نزل بكم، و لا من يتّبعنا بأن يصرفه عنكم.(3:252)

نحوه الميبديّ(5:581)،و النّيسابوريّ(15:58).

القمّيّ: يقول:وكيلا،و يقال:كفيلا،و يقال:ثائرا.

(2:22)

السّجستانيّ: أي تابعا طالبا.(109)

الزّمخشريّ: التّبيع:المطالب من قوله: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ البقرة:178،أي مطالبة.[إلى أن قال:]

و المعنى:أنّا نفعل ما نفعل بهم،ثمّ لا تجد أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منّا و دركا للثّأر من جهتنا،و هذا نحو قوله: وَ لا يَخافُ عُقْباها -الشّمس:15.(2:458)

مثله النّسفيّ(2:322)،و الخازن(4:138)، و أبو السّعود(3:226)،و الطّنطاويّ(9:77).

ابو الفتوح :و حينئذ لا تجدوا تابعا و عونا و ناصرا لكم علينا،فينصركم علينا،و(تبيع)فعيل بمعنى فاعل.

و قالوا:في معناه قولان:الأوّل:الجيش الّذي يتبع الرّاية،و الثّاني:الثّائر الّذي يتتبّع الثّأر.(12:249)

البيضاويّ: أي مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف.

(1:592)

نحوه الشّربينيّ(2:321)،و البروسويّ(5:183)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و ضمير(به)قيل:للإرسال،و قيل:للإغراق، و قيل:لهما باعتبار ما وقع و نحوه،كما أشير إليه.و كأنّه سبحانه لمّا جعل الغرق بين الإعادة إلى البحر انتقاما في مقابلة الكفر عقّبه تعالى بنفي وجدان التّبيع،فكأنّه قيل:

ننتقم من غير أن يقوم لنصركم،فهو وعيد على وعيد، و جعل ما قبل من شقّ العذاب كمسّ الضّرّ في البحر، عقّبه بنفي وجدان الوكيل،فكأنّه قيل:لا تجدون من تتّكلون عليه في دفعه غيره تعالى،لقوله سبحانه:

ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ الإسراء:67،و هذا اختيار صاحب«الكشف»فلا تغفل.(15:117)

تبعا

وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً... إبراهيم:21

الفرّاء: التّبع:تابع مثل خادم و خدم و باقر و بقر و حارس و حرس و راصد و رصد.

(الفخر الرّازيّ 19:108)

أبو عبيدة :(التّبع)جميع تابع،خرج مخرج «غائب»و الجميع:غيب.(1:339)

الطّبريّ: (تبعا)في الدّنيا،و التّبع،جمع تابع،كما الغيب جمع غائب.و إنّما عنوا بقولهم: إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً أنّهم كانوا أتباعهم في الدّنيا،يأتمرون لما يأمرونهم به،من عبادة الأوثان،و الكفر باللّه،و ينتهون عمّا نهوهم عنه،من اتّباع رسل اللّه.(13:199)

نحوه الزّجّاج(3:158)،و الزّمخشريّ(2:373)، و ابن عطيّة(3:332)،و البروسويّ(4:411)،

ص: 539

و المراغيّ(13:144).

الماورديّ: يعني في الكفر بالإجابة لكم.

(3:129)

نحوه الطّبرسيّ.(3:310)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ هذه التّبعيّة يحتمل أن يقال:المراد منها التّبعيّة في الكفر،و يحتمل أن يكون المراد منها التّبعيّة في أحوال الدّنيا.(19:108)

نحوه النّيسابوريّ.(13:121)

البيضاويّ: في تكذيب الرّسل و الإعراض عن نصائحهم،و هو جمع تابع كغائب و غيب،أو مصدر نعت به للمبالغة،أو على إضمار مضاف.(1:528)

نحوه أبو حيّان(5:416)،و أبو السّعود(3:480)، و الشّربينيّ(2:176).

الخازن :يعني في الدّين و الاعتقاد.(4:32)

ابن كثير :أي مهما أمرتمونا ائتمرنا و فعلنا.

(4:118)

نحوه القاسميّ.(10:3723)

الآلوسيّ: [نحو الطّبريّ و البيضاويّ و أضاف:]

و قيل:المعنى إنّا تبع لكم لا لرأينا،و لذا سمّاهم اللّه تعالى ضعفاء،و لا يلزم منه كون الرّؤساء أقوياء الرّأي حيث ضلّوا و أضلّوا.و لو حمل الضّعف على كونهم تحت أيديهم و تابعين لهم كان أحسن،و ليس بذاك.(13:206)

و جاء بهذا المعنى قوله تعالى: فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ... المؤمن:47.

اتبع

فَأَتْبَعَ سَبَباً. الكهف:85.

الفرّاء:قرئت(فاتبع)و(اتّبع)و أتبع أحسن من اتّبع،لأنّ اتّبعت الرّجل،إذا كان يسير و أنت تسير وراءه.و إذا قلت:أتبعته-بقطع الألف-فكأنّك قفوته.

(2:158)

الطّبريّ: [قال ما حاصله قراءة عامّة قرّاء المدينة و البصرة« فاتّبع» بتشديد التّاء بمعنى سلك و سار.و عامّة قرّاء الكوفة«أتبع»بالتّخفيف بمعنى لحق.و رجّح الأوّل، لأنّه أخبر عن مسير ذي القرنين لا عن لحاقه السّبب]

(16:10)

نحوه أبو زرعة(428)،و ابن عطيّة(3:538)،و ابن الجوزيّ(5:185)،و أبو حيّان(6:159).

الزّجّاج :و يقرأ (فاتبع) أي آتيناه من كلّ شيء ما يبلغ به في التّمكّن أقطار الأرض،(سببا)أي علما...

(3:308)

البغويّ: أي سلك و سار طريقا.[ثمّ ذكر القراءتين و قال:]

و الصّحيح الفرق بينهما،فمن قطع الألف فمعناه أدرك و لحق،و من قرأ بالتّشديد فمعناه سار؛يقال:ما زلت أتّبعه حتّى أتبعته،أي ما زلت أسير خلفه حتّى لحقته.

(3:212)

نحوه الميبديّ(5:736)،و النّيسابوريّ(16:23)، و أبو السّعود(3:265)،و البروسويّ(5:291).

القرطبيّ: [نقل القراءات و قول بعض اللّغويّين ثمّ قال:]

ص: 540

و الحقّ في هذا أنّ تبع و اتّبع و أتبع لغات بمعنى واحد،و هي بمعنى السّير،فقد يجوز أن يكون معه لحاق و ألاّ يكون.(11:49)

الخازن :سلك طريقا.(4:186)

شبّر:فأخذ طريقا نحو المغرب.(4:98)

الطّباطبائيّ: الاتباع:اللّحوق،أي لحق سببا و اتّخذ وصلة وسيلة يسير بها نحو مغرب الشّمس.

(13:360)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً الكهف:89،و قوله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً الكهف:92

اتبعه

1- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. الأعراف:175

ابن قتيبة :أي أدركه،يقال:أتبعت القوم،إذا لحقهم؛و تبعتهم:سرت في إثرهم.(174)

نحوه البغويّ(2:259)،و النّحّاس(3:105).

الطّبريّ: فصيّره لنفسه تابعا،ينتهي إلى أمره في معصية اللّه،و يخالف أمر ربّه في معصية الشّيطان و طاعة الرّحمن.(9:123)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّ الشّيطان صيّره لنفسه تابعا،بإجابته له حين أغواه.

و الثّاني:أنّ الشّيطان متّبع من الإنس على ضلالته من الكفر.

و الثّالث:أنّ الشّيطان لحقه فأغواه.[ثمّ استشهد بقول ابن قتيبة](2:280)

الطّوسيّ: معناه أنّ الشّيطان أتبعه كفّار الإنس و غواتهم حتّى اتّبعوه على ما صار إليه من الكفر باللّه و بآياته.

و قيل:أتبعه الشّيطان بالتّزيين و الإغواء حتّى تمسّك بحبله.(5:37)

نحوه الفخر الرّازيّ.(15:55)

البغويّ: أي لحقه و أدركه.(2:259)

الميبديّ: استتبعه.(3:790)

الزّمخشريّ: فلحقه الشّيطان و أدركه و صار قرينا له،أو فأتبعه خطواته.و قرئ (فاتّبعه) بمعنى فتبعه.

(2:130)

نحوه البيضاويّ(1:377)،و النّيسابوريّ(9:

85)،و النّسفيّ(2:85)،و الكاشانيّ(2:253)،و شبّر (2:426)،و القاسميّ(7:2904)،و الطّنطاويّ(4:

267)،و طه الدّرّة(5:132).

ابن عطيّة :(أتبعه):صيّره تابعا،كذا قال الطّبريّ إمّا لضلالة رسمها له و إمّا لنفسه.

و قرأ الجمهور (فاتبعه) بقطع الألف و سكون التّاء، و هي راجحة لأنّها تتضمّن أنّه لحقه و صار معه،و كذلك فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ الحجر:18،و فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ يونس:90.

و قرأ الحسن فيما روى عنه هارون (فاتّبعه) بصلة الألف و شدّ التّاء،و كذلك طلحة بن مصرّف بخلاف، و كذلك الخلاف عن الحسن على معنى لازمه(اتّبعه) بالإغواء حتّى غواه.(2:477)

ص: 541

الطّبرسيّ: أي تبعه و تبع و أتبع و اتّبع بمعنى.

و قيل:معناه لحقه الشّيطان و أدركه حتّى أضلّه.

(2:499)

نحوه أبو الفتوح.(9:17)

القرطبيّ: أي لحق به،يقال:أتبعت القوم،أي لحقتهم.و قيل:نزلت في اليهود و النّصارى،انتظروا خروج محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فكفروا به.(7:321)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه تلويح بأنّه أشدّ من الشّيطان غواية أو أتبعه خطواته.(3:52)

الخازن :يعني لحقه و أدركه و صيّره الشّيطان تابعا لنفسه في معصية اللّه يخالف أمر ربّه،و يطيع الشّيطان و هواه.(2:259)

نحوه الشّربينيّ.(1:535)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ الأعراف:175 من أتبع رباعيّا،أي لحقه و صار معه، و هي مبالغة في حقّه؛إذ جعل كأنّه هو إمام للشّيطان يتبعه،و كذلك فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ الصّافّات:

10،أي عدا وراءه.

قال القتبيّ: تبعه من خلفه،و أتبعه:أدركه و لحقه، كقوله: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ الشّعراء:60،أي أدركوهم.فعلى هذا يكون متعدّيا إلى واحد،و قد يكون «أتبع»متعدّيا إلى اثنين،كما قال تعالى: وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ الطّور:21،فيقدّر هذا:فأتبعه الشّيطان خطواته،أي جعله الشّيطان يتبع خطواته، فتكون الهمزة فيه للتّعدّي؛إذ أصله:تبع هو خطوات الشّيطان.

و قرأ طلحة بخلاف و الحسن فيما روى عنه هارون (فاتّبعه) مشدّدا بمعنى تبعه.

قال صاحب كتاب«اللّوامح»:بينهما فرق،و هو أنّ تبعه إذا مشى في أثره،و اتّبعه إذا واراه مشيا،فأمّا فأتبعه بقطع الهمزة فممّا يتعدّى إلى مفعولين،لأنّه منقول من تبعه،و قد حذف في العامّة أحد المفعولين.

و قيل:(فاتبعه)بمعنى استتبعه،أي جعله له تابعا، فصار له مطيعا سامعا.

و قيل:معناه تبعه شياطين الإنس أهل الكفر و الضّلال.(4:423)

نحوه الآلوسيّ.(9:111)

ابن كثير :أي استحوذ عليه و على أمره فمهما أمره امتثل و أطاعه،و لهذا قال: فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ.

(3:252)

البروسويّ: أتبع و تبع بمعنى واحد كأردف و ردف،و المعنى أنّ الشّيطان كان وراءه طالبا لإضلاله و هو يسبقه بالإيمان و الطّاعة لا يدركه الشّيطان،ثمّ لمّا انسلخ من الآيات لحقه و أدركه.(3:277)

رشيد رضا :أي فترتّب على انسلاخه منها باختياره،أن لحقه الشّيطان فأدركه و تمكّن من الوسوسة له؛إذ لم يبق لديه من نور العلم و البصيرة ما يحول دون قبول وسوسته.(9:406)

نحوه المراغيّ.(9:107)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ التّعبير القرآنيّ(فاتبعه الشّيطان)يستفاد منه أنّ الشّيطان كان أوّل الأمر آيسا

ص: 542

منه تقريبا،لأنّه كان يسلك سبيل الحقّ تماما،و بعد أن انحرف لحقه الشّيطان و تربّص له و أخذ يوسوس له، حتّى انتهى أمره إلى أن يكون من الضّالّين المنحرفين الأشقياء.(5:269)

2- إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ.

الحجر:18

ابن عبّاس: فيرمى بالشّهاب،فيصيب جبهته أو جنبه،أو حيث شاء اللّه منه،فيلتهب،فيأتي أصحابه و هو يلتهب،فيقول:إنّه كان من الأمر كذا و كذا.

(الطّبريّ 14:14)

فيرمون بالكواكب فلا تخطئ أبدا،فمنهم من تقتله، و منهم من تحرق وجهه أو جنبه أو يده أو حيث يشاء اللّه،و منهم من تخبله فيصير غولا،يضلّ النّاس في البوادي.(الخازن 4:49)

نحوه البغويّ(3:52)،و الشّربينيّ(2:196).

الفرّاء: لا يخطئه،إمّا قتله و إمّا خبّله.(2:82)

الطّبرسيّ: أي لحقه.(3:332)

مثله ابن الجوزيّ(4:390)،و الفخر الرّازيّ(19:

169)،و الكاشانيّ(3:103).

القرطبيّ: أدركه و لحقه.(10:10)

مثله النّيسابوريّ.(14:12)

البيضاويّ: فتبعه و لحقه.(1:539)

مثله أبو السّعود(4:12)،و القاسميّ(10:3751)

البروسويّ: أي تبعه و لحقه.قال ابن الكمال:الفرق قائم بين تبعه و أتبعه،يقال:أتبعه إتباعا،إذا طلب الثّاني اللّحوق بالأوّل،و تبعه تبعا،إذا مرّ به و مضى معه.(4:449)

الآلوسيّ: معنى(أتبعه):تبعه عند الأخفش،نحو ردفته و أردفته،فليست الهمزة فيه للتّعدية،و قيل:

أتبعه أخصّ من تبعه لما قال الجوهريّ:تبعت القوم تبعا، و تباعة بالفتح،إذا مشيت خلفهم أو مرّوا بك فمضيت معهم،و أتبعت القوم على«أفعلت»إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم.و استحسن الفرق بينهما الشّهاب.

و لمّا كان الاتباع محتملا للإهلاك و غيره اختلف العلماء في ذلك،فحكى القرطبيّ عن ابن عبّاس:أنّ الشّهاب يجرح و يحرق و لا يقتل،و عن الحسن و طائفة:

أنّه يقتل،و ادّعى أنّ الأوّل أصحّ.(14:23)

الطّنطاويّ: أي يلحقه نجم مضيء حارّ متوقّد.

(8:7)

المراغيّ: أي لكن من أراد اختطاف شيء من عالم الغيب ممّا يتحدّث به الملائكة في الملإ الأعلى،تبعه كوكب مشتعل نارا ظاهرا للمبصرين فأحرقه و لم يصل إلى معرفة شيء ممّا يدبّر في ملكوت السّماوات.

(14:13)

3- إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.

الصّافّات:10

راجع«ش ه ب»

اتبعهم

وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ

ص: 543

وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً... يونس:90

الكسائيّ: إذا أريد أنّه[فرعون]أتبعهم خيرا أو شرّا فالكلام(أتبعهم)بهمز الألف،و إذا أريد أتبع أثرهم أو اقتدى بهم فإنّه من«اتّبعت»مشدّدة التّاء غير مهموز الألف.(الطّبريّ 11:162)

نحوه أبو عمرو الشّيبانيّ.(النّحّاس 3:313)

أبو عبيدة :مجازه:تبعهم،هما سواء.(1:281)

الأصمعيّ: «أتبعه»بقطع الألف،إذا لحقه و أدركه، و«اتّبعه»بوصل الألف،إذا اتّبع أثره،أدركه أو لم يدركه.

مثله أبو زيد.(النّحّاس 3:313)

و مثله البغويّ(2:432)،و الميبديّ(4:331).

ابن قتيبة :لحقهم،يقال:أتبعت القوم،أي لحقتهم،و تبعتهم:كنت في أثرهم.(199)

الطّبريّ: فتبعهم فرعون(و جنوده)،يقال منه:

أتبعته و تبعته بمعنى واحد.(11:162)

النّحّاس: قرأ قتادة (فاتّبعهم فرعون و جنوده) بوصل الألف.(3:313)

الزّمخشريّ: فلحقهم،يقال:تبعته حتّى أتبعته.

(2:251)

نحوه البيضاويّ(1:456)،و النّسفيّ(2:174)، و الشّربينيّ(2:35)،و أبو السّعود(3:270)،و البروسويّ (4:76)،و الآلوسيّ(11:181).

ابن عطيّة :قرأ جمهور النّاس (فاتبعهم) لأنّه يقال:تبع و أتبع بمعنى واحد،و قرأ قتادة و الحسن (فاتّبعهم) بشدّ التّاء.قال أبو حاتم:القراءة (أتبع) بقطع الألف،لأنّها تتضمّن الإدراك،و(اتّبع)بشدّ التّاء هي طلب الأثر،سواء أدرك أو لم يدرك.(3:140)

و جاء بهذا المعنى قوله: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه:78

اتبعوهم

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ. الشّعراء:60

راجع«ش رق».

اتبعنا

فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ. المؤمنون:44

الطّبريّ: فأتبعنا بعض تلك الأمم بعضا بالهلاك، فأهلكنا بعضهم في إثر بعض.(18:24)

نحوه البغويّ(3:366)،و الطّبرسيّ(4:108)، و الخازن(5:31).

الطّوسيّ: يعني في الإهلاك،أي إهلاكنا قوما بعد قوم.(7:370)

نحوه الزّمخشريّ.(3:33)

أبو حيّان :أي بعض القرون أو بعض الأمم بعضا في الإهلاك النّاشئ عن التّكذيب.(6:407)

نحوه الطّباطبائيّ.(15:34)

أبو السّعود :في الهلاك حسبما تبع بعضهم بعضا في مباشرة أسبابه الّتي هي الكفر و التّكذيب و سائر المعاصي.(4:415)

نحوه البروسويّ(6:84)،و الآلوسيّ(18:35).

ص: 544

اتبعناهم

وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ. القصص:42

أبو عبيدة :مجازه:ألزمناهم.(2:106)

الطّبريّ: و ألزمنا فرعون و قومه في هذه الدّنيا خزيا و غضبا.(20:79)

نحوه المراغيّ.(20:63)

الطّوسيّ: معناه ألحقنا بهم في هذه الدّنيا لعنة بأن لعنّا و أبعدناهم من رحمتنا.

و قال أبو عبيدة:معناه ألزمناهم،بأن أمرنا بلعنهم، قوما بعد قوم.(8:155)

الطّبرسيّ: أي أردفناهم لعنة بعد لعنة.(4:255)

أبو السّعود :لا يزال يلعنهم الملائكة عليهم الصّلاة و السّلام و المؤمنون خلفا عن سلف.(5:124)

نحوه الآلوسيّ.(20:83)

الطّباطبائيّ: بيان للازم ما وصفهم به في الآية السّابقة،فهم لكونهم أئمّة يقتدى بهم من خلفهم في الكفر و المعاصي،لا يزال يتّبعهم ضلال الكفر و المعاصي من مقتديهم و متّبعيهم،و عليهم من الأوزار مثل ما للمتّبعين،فيتّبعهم لعن مستمرّ باستمرار الكفر و المعاصي بعدهم.(16:38)

اتبعوا

وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ...

هود:60

ابن قتيبة:أي ألحقوا.(205)

الطّبريّ: و أتبع عاد قوم هود في هذه الدّنيا غضبا من اللّه و سخطة يوم القيامة،مثلها لعنة إلى اللّعنة الّتي سلفت لهم من اللّه في الدّنيا.(12:62)

نحوه الطّوسيّ(6:15)،و القرطبيّ(3:171).

البغويّ: أي أردفوا لعنة تلحقهم و تنصرف معهم.

(2:454)

نحوه ابن الجوزيّ(4:122)،و الفخر الرّازيّ(18:

16)،و الخازن(3:195).

الزّمخشريّ: و لمّا كانوا تابعين لهم دون الرّسل جعلت اللّعنة تابعة لهم في الدّارين تكبّهم على وجوههم في عذاب اللّه.(2:277)

نحوه البيضاويّ(1:472)،و النّسفيّ(2:195)، و طه الدّرّة(6:320).

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ قوله:(و اتبعوا)عامّ في جميع عاد.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

فظاهر كلامه يدلّ على أنّ اللّعنة مختصّة بالتّابعين للرّؤساء،و نبّه على علّة اتّباع اللّعنة لهم في الدّارين بأنّهم كفروا ربّهم،فالكفر هو الموجب للّعنة،ثمّ كرّر التّنبيه بقوله:(الا)في الدّعاء عليهم،تهويلا لأمرهم و تفظيعا له،و بعثا على الاعتبار بهم،و الحذر من مثل حالهم.(5:235)

أبو السّعود :(لعنة)إبعادا عن الرّحمة و عن كلّ خير،أي جعلت اللّعنة لازمة لهم.و عبّر عن ذلك بالتّبعيّة للمبالغة،فكأنّها لا تفارقهم و إن ذهبوا كلّ مذهب،بل تدور معهم حيثما داروا،و لوقوعه في صحبة

ص: 545

اتّباعهم رؤساءهم،يعني أنّهم لمّا اتّبعوهم أتبعوا ذلك جزاء لضيعهم جزاء وفاقا.(3:327)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(6:1159)

البروسويّ: (و اتّبعوا)أي التّابعون و الرّؤساء.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود](4:151)

نحوه الآلوسيّ.(12:87)

رشيد رضا :اتباع الشّيء الشّيء:لحوقه به و إدراكه إيّاه بحيث لا يفوته،أي لحقت بهم لعنة في هذه الدّنيا،فكان كلّ من علم بحالهم من بعدهم و من أدرك آثارهم،و كلّ من بلّغه الرّسل من بعدهم خبرهم يلعنونهم.(12:120)

نحوه المراغيّ.(12:52)

محمّد جواد مغنيّة: أي أنّهم فعلوا ما يستوجب اللّعن دنيا و آخرة.(4:242)

الطّباطبائيّ: أي و أتبعهم اللّه في هذه الدّنيا لعنة و إبعادا من الرّحمة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن أبي السّعود و رشيد رضا و أدام:]

و أمّا اللّعنة يوم القيامة فمصداقه العذاب الخالد الّذي يلحق بهم يومئذ،فإنّ يوم القيامة يوم جزاء لا غير.

(10:305)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ هود:99

نتبعهم

ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ. المرسلات:17

الزّجّاج :على الاستئناف،و يقرأ (ثمّ نتبعهم) بالجزم عطف على(نهلك)و يكون المعنى أ لم نهلك الأوّلين،أي أوّلا و آخرا.و من رفع فعلى معنى ثمّ نتبع الأوّل الآخر من كلّ مجرم.(5:267)

الواحديّ: يعني كفّار مكّة حين كذّبوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.

(4:408)

الميبديّ: أي نلحق المتأخّرين الّذين أهلكوا من بعدهم بهم،كقوم إبراهيم و قوم لوط و أصحاب مدين و آل فرعون و ملائه،ثمّ توعّد المجرمين من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(10:338)

الزّمخشريّ: بالرّفع على الاستئناف،و هو وعيد لأهل مكّة،يريد ثمّ نفعل بأمثالهم من الآخرين،مثل ما فعلنا بالأوّلين،و نسلك بهم سبيلهم،لأنّهم كذّبوا مثل تكذيبهم.و يقوّيها قراءة ابن مسعود (ثمّ سنتبعهم) .

و قرئ بالجزم للعطف على(نهلك)،و معناه:أنّه أهلك الأوّلين من قوم نوح و عاد و ثمود ثمّ أتبعهم الآخرين من قوم شعيب و لوط و موسى.(4:203)

نحوه أبو السّعود(6:349)،و ابن عطيّة(5:418)، و البروسويّ(10:284).

الآلوسيّ: بالرّفع على الاستئناف،و هو وعيد لأهل مكّة و إخبار عمّا يقع بعد الهجرة كبدر،كأنّه قيل:ثمّ نحن نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأوّلين و نسلك بهم سبيلهم،لأنّهم كذّبوا مثل تكذيبهم،و يقوّيه قراءة عبد للّه «ثمّ سنتبعهم» بسين الاستقبال.و جوّز العطف على قوله تعالى: أَ لَمْ نُهْلِكِ إلى آخره.

و قرأ الأعرج و العبّاس عن أبي عمرو (نتبعهم) بإسكان العين،فحمل على الجزم و العطف على(نهلك)

ص: 546

فيكون المراد ب(الآخرين):المتأخّرين هلاكا من المذكورين،كقوم لوط و شعيب و موسى عليهم السّلام دون كفّار أهل مكّة،لأنّهم بعد ما كانوا،قد أهلكوا،و العطف على (نهلك)يقتضيه.

و جوّز أن يكون قد سكّن تخفيفا،كما في وَ ما يُشْعِرُكُمْ الأنعام:109،فهو مرفوع كما في قراءة الجمهور إلاّ أنّ الضّمّة مقدّرة.(29:174)

اتّبع

1- أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. آل عمران:162

راجع«ر ض ي»

2- وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... النّساء:125

راجع«م ل ل»

3- يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ...

المائدة:16

ابن عطيّة :معناه بالتّكسّب و النّيّة و الإقبال عليه.

(2:171)

الفخر الرّازيّ: من كان مطلوبه من طلب الدّين اتّباع الدّين الّذي يرتضيه اللّه تعالى،فأمّا من كان مطلوبه من دينه تقرير ما ألفه و نشأ عليه،و أخذه من أسلافه مع ترك النّظر و الاستدلال،فمن كان كذلك فهو غير متّبع رضوان اللّه تعالى.(11:190)

نحوه المراغيّ.(6:80)

الآلوسيّ: أي من علم اللّه تعالى أنّه يريد اتّباع رضا اللّه تعالى بالإيمان به،و(من)موصولة أو موصوفة.

(6:98)

نحوه طه الدّرّة.(3:242)

محمّد جواد مغنيّة: أي من رغب في مرضاة اللّه وحده و طلب الحقّ لوجه الحقّ،فإنّه يجد في الإسلام بغيته و مرامه.(3:34)

هناك أبحاث أخرى راجع«ر ض ي».

4- ...وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ...

الأعراف:176

عطاء: طلب الدّنيا و أطاع الشّيطان.

(أبو الفتوح 9:18)

ابن زيد :كان هواه مع القوم.(الطّبريّ 9:128)

ابن أبي اليمان :أي امرأته.(أبو الفتوح 9:18)

الزّجّاج :أي لم يرفعه بها لاتّباعه هواه.(2:391)

البغويّ: انقاد لما دعاه إليه الهوى.(2:259)

مثله ابن الجوزيّ.(3:290)

الميبديّ: أي اتّبع مسافل الأمر و ترك معاليه، و اختار الدّنيا عن الآخرة،و أطاع الشّيطان.(3:791)

الطّبرسيّ: أي و انقاد لهواه في الرّكون إلى الدّنيا، و اختيارها على الآخرة.(2:500)

الفخر الرّازيّ: معناه أنّه أعرض عن التّمسّك بما آتاه اللّه من الآيات و اتّبع الهوى،فلا جرم وقع في هاوية الرّدى.(15:56)

ص: 547

نحوه الخازن(2:259)،و أبو السّعود(3:53)، و الآلوسيّ(9:114).

القرطبيّ: قيل:اتّبع رضا زوجته،و كانت رغبت في أموال حتّى حملته على الدّعاء على موسى.

(7:322)

نحوه أبو حيّان.(4:423)

البيضاويّ: في إيثار الدّنيا و استرضاء قومه، و أعرض عن مقتضى الآيات.(1:377)

نحوه البروسويّ.(3:278)

رشيد رضا :[له كلام سيأتي في ه و ي]

(9:406)

5- ...وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ. هود:116

قتادة :من دنياهم.(الطّبريّ 12:139)

الفرّاء: يقول:اتّبعوا في دنياهم ما عوّدوا من النّعيم و إيثار اللّذّات على أمر الآخرة.

و يقال:اتّبعوا ذنوبهم و أعمالهم السّيّئة إلى النّار.

(2:31)

نحوه ابن قتيبة(211)،و الزّجّاج(3:83).

الطّبريّ: [بعد نقل الأقوال قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه أخبر تعالى ذكره أنّ الّذين ظلموا أنفسهم من كلّ أمّة سلفت،فكفروا باللّه،اتّبعوا ما انظروا فيه من لذّات الدّنيا،فاستكبروا و كفروا باللّه،و اتّبعوا ما انظروا فيه من لذّات الدّنيا،فاستكبروا عن أمر اللّه و تجبّروا و صدّوا عن سبيله؛و ذلك أنّ«المترف»في كلام العرب:هو المنعّم الّذي قد غذي باللّذّات.[ثمّ استشهد بشعر](12:139)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّهم اتّبعوا على ظلمهم ما أترفوا فيه من استدامة نعمهم،استدراجا لهم.

الثّاني:أنّهم أخذوا بظلمهم فيما أترفوا فيه من نعمهم.(2:510)

الطّوسيّ: معناه أنّهم اتّبعوا التّلذّذ و التّنعّم بالأموال و النّعم الّتي أعطاهم اللّه إيّاها،و قضوا الشّهوات و ذلك من الحرام.و بيّن أنّهم كانوا بذلك مجرمين عاصين للّه تعالى.(6:82)

نحوه الزّمخشريّ(2:298)،و البيضاويّ(1:

485)،و البروسويّ(4:200)،و المراغيّ(12:97)، و عبد الكريم الخطيب(6:1212).

ابن كثير :أي استمرّوا على ما هم عليه من المعاصي و المنكرات،و لم يلتفتوا إلى إنكار أولئك حتّى فجأهم العذاب.(3:585)

نحوه القاسميّ.(9:3496)

طه الدّرّة: أي أشركوا و عصوا اللّه.و قرئ(اتّبع) بالبناء المعلوم،و بالبناء للمجهول.و المعنى أنّهم اتّبعوا ما تعوّدوا به من النّعم،و إيثار اللّذّات على الآخرة و نعيمها.(6:403)

6- ...وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً. الكهف:28

الطّبريّ: و اتّبع هواه،و ترك اتّباع أمر اللّه و نهيه،

ص: 548

و آثر هوى نفسه على طاعة ربّه،و هم فيما ذكر:عيينة بن حصن،و الأقرع بن حابس و ذووهم.(15:236)

الماورديّ: (و اتّبع هواه)فيه وجهان:أحدهما:

في شهواته و أفعاله،الثّاني:في سؤاله و طلبه التّمييز عن غيره.(3:302)

البغويّ: أي مراده في طلب الشّهوات.(3:189)

نحوه الطّبرسيّ(3:465)،و الخازن(4:170).

الفخر الرّازيّ: (و اتّبع هواه)يدلّ على أنّ شرّ أحوال الإنسان أن يكون قلبه خاليا عن ذكر الحقّ، و يكون مملوء من الهوى الدّاعي إلى الاشتغال بالخلق.

و تحقيق القول:أنّ ذكر اللّه نور و ذكر غيره ظلمة، لأنّ الوجود طبيعة النّور،و العدم منبع الظّلمة،و الحقّ تعالى واجب الوجود لذاته،فكان النّور الحقّ هو اللّه، و ما سوى اللّه فهو ممكن الوجود لذاته.

و الإمكان طبيعة عدميّة فكان منبع الظّلمة،فالقلب إذا أشرق فيه ذكر الله فقد حصل فيه النّور و الضّوء و الإشراق،و إذا توجّه القلب إلى الخلق فقد حصل فيه الظّلم و الظّلمة بل الظّلمات،فلهذا السّبب إذا أعرض القلب عن الحقّ و أقبل على الخلق فهو الظّلمة الخالصة التّامّة،فالإعراض عن الحقّ هو المراد بقوله: أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، و الإقبال على الخلق هو المراد بقوله:

(و اتّبع هواه).(21:117)

الآلوسيّ: في طلب الشّهوات حيث أسند اتّباع الهوى إلى العبد،فيدلّ على أنّه فعله لا فعل اللّه تعالى، و لو كان ذلك فعل اللّه سبحانه-و الإسناد مجازيّ-لقيل:

فاتّبع بالفاء السّببيّة لتفرّعه عليه.

و أجيب بأنّ فعل العبد لكونه بكسبه و قدرته، و خلق اللّه تعالى يجوز إسناده إليه بالاعتبار الأوّل و إلى اللّه تعالى بالثّاني،و التّنصيص على التّفريع ليس بلازم فقد يترك لنكتة كالقصد إلى الإخبار به استقلالا لأنّه أدخل في الذّمّ و تفويضا إلى السّامع في فهمه،و لا حاجة إلى تقدير،فقيل:و اتّبع هواه.(15:265)

الطّباطبائيّ: و اتّباع الهوى و الإفراط من آثار غفلة القلب،و لذلك كان عطف الجملتين على قوله:

(اغفلنا)بمنزلة عطف التّفسير.(13:303)

مكارم الشّيرازيّ: الطّريف هنا أنّ القرآن وضع هاتين المجموعتين في مقابل بعضهما من حيث الصّفات، و كان الأمر كما يلي:

مؤمنون حقيقيّون إلاّ أنّهم فقراء،و لهم قلوب مملوءة بحبّ اللّه،يذكرونه باستمرار و يسعون إليه.

بعكس الأغنياء المستكبرين الغافلين عن ذكر اللّه، و الّذين لا يتّبعون سوى هواهم،و هم خارجون عن حدّ الاعتدال في كلّ أمورهم و يفرطون و يسرفون.

(9:230)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى طه:16.

راجع«ه و ي».

8- ...وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى. طه:47

الفرّاء: يريد:و السّلامة على من اتّبع الهدى،و لمن اتّبع الهدى،سواء.قال:أمر موسى أن يقول لفرعون:

و السّلام على من اتّبع الهدى.(2:180)

ص: 549

نحوه الطّبريّ(16:171)،و أبو السّعود(4:284)، و القاسميّ(11:4183).

الطّوسيّ: و(على)بمعنى اللاّم،و تقديره:السّلامة لمن اتّبع،و المعنى أنّ من اتّبع طريق الهدى سلم من عذاب اللّه.(7:177)

الميبديّ: و المعنى السّلامة من عذاب اللّه لمن اتّبع الإسلام،و قيل:معناه من أسلم و تبع الهدى فله التّحيّة و السّلام،و لم يكن موسى يحيّي فرعون بالسّلام،إنّما قرأ السّلام على من أجابه و صدّقه.(6:130)

الآلوسيّ: و(على)بمعنى اللاّم كما ورد عكسه في قوله تعالى: لَهُمُ اللَّعْنَةُ الرّعد:25،و حروف الجرّ كثيرا ما تتقارض،و قد حسن ذلك هنا المشاكلة حيث جيء ب«على»في قوله تعالى: إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا من جهة ربّنا(انّ العذاب)الدّنيويّ و الأخرويّ(على من كذّب)بآياته(و تولّى)طه:48.(16:198)

المراغيّ: أي و السّلامة و الأمن من العذاب في الدّنيا و الآخرة على من اتّبع رسل ربّه،و اهتدى بآياته الّتي ترشد إلى الحقّ و تنيل البغية،و تبعد عن الغيّ و الضّلال.(16:115)

راجع«س ل م».

9- ...فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى.

طه:123

ابن عبّاس: من قرأ القرآن و اتّبع ما فيه،هداه اللّه في الدّنيا من الضّلالة،و وقاه اللّه يوم القيامة سوء الحساب.[و قرأ هذه الآية](البغويّ 3:273)

الشّعبيّ: أجار اللّه تعالى تابع القرآن من أن يضلّ في الدّنيا و يشقى في الآخرة،و قرأ هذه الآية.

(البغويّ 3:273)

الطّبريّ: فمن اتّبع بياني ذلك و عمل به،و لم يزغ عنه(فلا يضلّ).يقول:فلا يزول عن محجّة الحقّ،و لكنّه يرشد في الدّنيا و يهتدى.(16:224)

الطّوسيّ: فمن اتّبع أدلّتي و عمل بما آمره به،فإنّه (لا يضلّ)في الدّنيا(و لا يشقى)في الآخرة.(7:219)

البغويّ: يعني الكتاب و الرّسول.(3:278)

الطّباطبائيّ: نسبة الاتّباع إلى الهدى على طريق الاستعارة بالكناية،و أصله:من اتّبع الهادي الّذي يهدي بهداي.(14:224)

10- وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ... المؤمنون:71

الطّبريّ: و لو عمل الرّبّ تعالى ذكره بما لا يهوى هؤلاء المشركون،و أجرى التّدبير مشيئتهم و إرادتهم، و ترك الحقّ الّذي هم له كارهون لَفَسَدَتِ السَّماواتُ... الآية.(18:42)

نحوه الطّوسيّ(7:382)،و الميبديّ(6:454).

الماورديّ: و في اتّباع أهواءهم قولان:أحدهما:

لو اتّبع أهواءهم فيما يشتهونه،الثّاني:فيما يعبدونه.

(4:62)

البغويّ: أي لو اتّبع اللّه مرادهم فيما يفعل،و قيل:

لو اتّبع مرادهم،فسمّى لنفسه شريكا و ولدا،كما يقولون: لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ. (3:370)

ص: 550

أبو السّعود: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ استئناف مسوق لبيان أنّ أهواءهم الزّائغة الّتي ما كرهوا الحقّ إلاّ لعدم موافقته إيّاها مقتضية للطّامّة،أي لو كان ما كرهوه من الحقّ الّذي من جملته ما جاء به عليه السّلام موافقا لأهوائهم الباطلة لَفَسَدَتِ... الآية.(4:426)

الآلوسيّ: جعل الاتّباع حقيقيّا و الإسناد مجازيّا.

و قيل:مآل المعنى لو اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أهواءهم فجاءهم بالشّرك بدل ما أرسل به لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ أي لخرب اللّه تعالى العالم و قامت القيامة،لفرط غضبه سبحانه.و هو فرض محال من تبديله عليه الصّلاة و السّلام ما أرسل به من عنده.

و جوّز أن يكون المراد ب(الحقّ):الأمر المطابق للواقع في شأن الألوهيّة و الاتّباع مجازا عن الموافقة،أي لو وافق الأمر المطابق للواقع أهواءهم بأن كان الشّرك حقّا لفسدت السّماوات و الأرض حسبما قرّر في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:22.

و لعلّ الكلام عليه اعتراض للإشارة إلى أنّهم كرهوا شيئا لا يمكن خلافه أصلا،فلا فائدة لهم في هذه الكراهة.

(18:52)

الطّباطبائيّ: [له-و كذلك لغيره-كلام يأتي في «ح ق ق»](15:46)

اتّبعن

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ.

آل عمران:20

الفرّاء: (وَ مَنِ اتَّبَعَنِ) ،للعرب في الياءات الّتي في أواخر الحروف-مثل اتّبعن،و أكرمن،و أهانن،و مثل قوله: دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186، وَ قَدْ هَدانِ الأنعام:80-أن يحذفوا الياء مرّة و يثبتوها مرّة.

فمن حذفها اكتفى بالكسرة الّتي قبلها دليلا عليها؛و ذلك أنّها كالصّلة؛إذ سكّنت و هي في آخر الحروف، و استثقلت فحذفت.و من أتمّها فهو البناء و الأصل.

و يفعلون ذلك في«الياء»و إن لم يكن قبلها نون، فيقولون:هذا غلامي قد جاء،و غلام قد جاء،قال اللّه تبارك و تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ الزّمر:17، 18،في غير نداء بحذف الياء،و أكثر ما تحذف بالإضافة في النّداء،لأنّ النّداء مستعمل كثير في الكلام فحذف في غير نداء.و قال إبراهيم: رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ إبراهيم:

40،بغير ياء،و قال: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ و نَذِيرِ الملك:17،18،و ذلك أنّهنّ رءوس الآيات،لم يكن في الآيات قبلهنّ ياء ثانية،فأجرين على ما قبلهنّ؛إذ كان ذلك من كلام العرب.

و يفعلون ذلك في الياء الأصليّة،فيقولون:هذا قاض ورام و داع بغير ياء،لا يثبتون الياء في شيء من فاعل،فإذا أدخلوا فيه الألف و اللاّم قالوا بالوجهين؛ فأثبتوا الياء و حذفوها.و قال اللّه: مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الإسراء:97،في كلّ القرآن بغير ياء.و قال:

فَهُوَ الْمُهْتَدِ الأعراف:178،و كذلك قال: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ ق:41،و أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ البقرة:

186.

و أحبّ ذلك إليّ أن أثبت الياء في الألف و اللاّم،لأنّ طرحها في قاض و مفتر و ما أشبهه بما أتاها من مقارنة نون

ص: 551

الإعراب و هي ساكنة و الياء ساكنة،فلم يستقم جمع بين ساكنين،فحذفت الياء لسكونها.فإذا أدخلت الألف و اللاّم لم يجز إدخال النّون،فلذلك أحببت إثبات الياء.

و من حذفها فهو يرى هذه العلّة،قال:وجدت الحرف بغير ياء قبل أن تكون فيه الألف و اللاّم، فكرهت إذ دخلت أن أزيد فيه ما لم يكن.و كلّ صواب.

(1:200)

نحوه الزّجّاج(1:389)،و الطّوسيّ(2:421).

الطّبريّ: يعني و أسلم من اتّبعني أيضا وجهه للّه معي،(و من)معطوف بها على التّاء في اسلمت).

(3:214)

الواحديّ: يريد المهاجرين و الأنصار.(1:423)

الزّمخشريّ: (و من اتّبعن)عطف على التّاء في (اسلمت)و حسن للفاصل،و يجوز أن تكون«الواو» بمعنى«مع»فيكون مفعولا معه.(1:419)

نحوه البروسويّ.(2:15)

ابن عطيّة :[نحو الفرّاء و أضاف:]

في(اتّبعن)حذف الياء و إثباتها،و حذفها أحسن اتّباعا لخطّ المصحف،و هذه النّون إنّما هي لتسلم فتحة لام الفعل،فهي مع الكسرة تغني عن الياء لا سيّما إذا كانت رأس آية،فإنّها تشبه قوافي الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر]

فمن ذلك قوله تعالى: رَبِّي أَكْرَمَنِ الفجر:15، فإذا لم تكن نون فإثبات الياء أحسن،لكنّهم قد قالوا:

هذا غلام قد جاء،فاكتفوا بالكسرة دلالة على الياء.

(1:414)

الطّبرسيّ: [قال نحو ما تقدّم عن الفرّاء و أضاف:]

(وَ مَنِ اتَّبَعَنِ) في محلّ الرّفع عطفا على التّاء،في قوله:

(اسلمت)و لم يؤكّد الضّمير،فلم يقل:أسلمت أنا و من اتّبعن.و لو قلت:أسلمت و زيد،لم يحسن إلاّ أن تقول:

أسلمت أنا و زيد.و إنّما جاز هنا لطول الكلام،فصار طوله عوضا من تأكيد الضّمير المتّصل بالمنفصل.

أي و من اهتدى بي في الدّين من المسلمين فقد أسلموا أيضا،كما أسلمت.(1:422)

أبو حيّان : وَ مَنِ اتَّبَعَنِ قيل:(من)في موضع رفع،و قيل:في موضع نصب،على أنّه مفعول معه.

و قيل:في موضع خفض عطفا على اسم اللّه،و معناه جعلت مقصدي بالإيمان به و الطّاعة له و لمن اتّبعني بالحفظ له و التّحفّي بتعلّمه و صحّته.

فأمّا الرّفع فعطفا على الفاعل في(اسلمت)قاله الزّمخشريّ و بدأ به،قال:و حسن للفاصل،يعني أنّه عطف على الضّمير المتّصل.و لا يجوز العطف على الضّمير المتّصل المرفوع إلاّ في الشّعر على رأي البصريّين إلاّ أن فصل بين الضّمير و المعطوف فيحسن،و قاله ابن عطيّة أيضا و بدأ به.

و لا يمكن حمله على ظاهره،لأنّه إذا عطف على الضّمير في نحو أكلت رغيفا و زيد،لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرّغيف،و هنا لا يسوغ ذلك،لأنّ المعنى ليس على أنّهم أسلموا هم و هو صلّى اللّه عليه و سلّم وجهه للّه،و إنّما المعنى أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم أسلم وجهه للّه و هم أسلموا وجوههم للّه.

فالّذي يقوى في الإعراب أنّه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول،لا مشارك في مفعول(اسلمت)،

ص: 552

التّقدير:و من اتّبعني وجهه،أو أنّه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة المعنى عليه و من اتّبعني كذلك،أي أسلموا وجوههم للّه،كما تقول:قضى زيد نحبه و عمرو،أي و عمرو كذلك،أي قضى نحبه.

و من الجهة الّتي امتنع عطف(و من)على الضّمير إذا حمل الكلام على ظاهره دون تأويل يمتنع كون(من) منصوبا على أنّه مفعول معه،لأنّك إذا قلت:أكلت رغيفا و عمرا،أي مع عمرو،دلّ ذلك على أنّه مشارك لك في أكل الرّغيف،و قد أجاز هذا الوجه الزّمخشريّ،و هو لا يجوز لما ذكرنا على كلّ حال،لأنّه لا يمكن تأويل حذف المفعول مع كون الواو واو المعيّة.

و أثبت«ياء»اتّبعني في الوصل أبو عمرو و نافع، و حذفها الباقون.و حذفها أحسن،لموافقة خطّ المصحف،و لأنّها رأس آية،كقوله:أكرمن و أهانن، فتشبه قوافي الشّعر.(2:412)

نحوه الآلوسيّ.(3:108)

اتّبعنى

قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي... يوسف:108

ابن مسعود: من كان مستنّا فليستنّ بمن قد مات، فإنّ الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة،أولئك أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا أفضل هذه الأمّة،و أبرّها قلوبا،و أعمقها علما، و أقلّها تكلّفا،اختارهم اللّه لصحبة نبيّه و لإقامة دينه.

فاعرفوا لهم فضلهم،و اتّبعوهم على أثرهم،و تمسّكوا بما استطعتم من أخلاقهم و سيرهم،فإنّهم كانوا على الهدى المستقيم.(البغويّ 2:518)

ابن عبّاس: أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا على أحسن طريقة و أقصد هداية،معدن العلم و كنوز الإيمان و جند الرّحمن.(البغويّ 2:518)

الإمام الباقر عليه السّلام: ذاك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و الأوصياء من بعدهما.(البحرانيّ 2:274)

الكلبيّ: أي و من آمن بي و صدّقني أيضا،يدعو إلى اللّه.(البغويّ 2:518)

نحوه الطّبريّ.(13:80)

الإمام الصّادق عليه السّلام: يعني عليّ أوّل من اتّبعه على الإيمان و التّصديق له،و بما جاء به من عند اللّه عزّ و جلّ، من الأمّة الّتي بعث فيها و منها و إليها قبل الخلق،ممّن لم يشرك باللّه قطّ،و لم يلبس إيمانه بظلم و هو الشّرك.

(البحرانيّ 3:275)

الإمام الجواد عليه السّلام: عن عليّ بن أسباط قال:قلت لأبي جعفر الثّاني عليه السّلام:يا سيّدي إنّ النّاس ينكرون عليك حداثة سنّك.

قال:و ما ينكرون عليّ من ذلك،فو اللّه لقد قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي فما اتّبعه غير عليّ عليه السّلام و كان ابن تسع سنين و أنا ابن تسع سنين.(القمّيّ 1:358)

ابن زيد :حقّ اللّه و على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه،و يذكّر بالقرآن و الموعظة و ينهى عن معاصي اللّه.(الطّبريّ 13:80)

ابن الأنباريّ: و يجوز أن يتمّ الكلام عند قوله:

(ادعو الى اللّه)ثمّ ابتدأ و قال: عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اِتَّبَعَنِي و هذا معنى قول ابن عبّاس أنّه-يعني أصحاب محمّد-كانوا على أحسن طريقة.(الطّبرسيّ 3:268)

ص: 553

(ادعو الى اللّه)ثمّ ابتدأ و قال: عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اِتَّبَعَنِي و هذا معنى قول ابن عبّاس أنّه-يعني أصحاب محمّد-كانوا على أحسن طريقة.(الطّبرسيّ 3:268)

الطّوسيّ: و من تابعني على ذلك،فهو يدعو النّاس إلى مثل ما أدعوا إليه من التّوحيد،و خلع الأنداد، و العمل بشرع الإسلام.(6:205)

الزّمخشريّ: (انا)تأكيد للمستتر في(ادعوا)، (وَ مَنِ اتَّبَعَنِي) عطف عليه،يريد أدعوا إليها أنا و يدعو إليها من اتّبعني.

و يجوز أن يكون(انا)مبتدأ،و(على بصيرة)خبرا مقدّما، (وَ مَنِ اتَّبَعَنِي) عطفا على(انا)إخبارا مبتدأ بأنّه و من اتّبعه على حجّة و برهان لا على هوى.

و يجوز أن يكون (عَلى بَصِيرَةٍ) حالا من(ادعوا) عاملة الرّفع في (أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي) (2:346)

نحوه أبو حيّان(5:353)،و أبو السّعود(3:432)، و الآلوسيّ(13:67).

الطّبرسيّ: أي أدعوكم أنا و يدعوكم أيضا إليه من آمن بي و يذكر بالقرآن و الموعظة،و ينهى عن معاصي اللّه.(3:268)

الفخر الرّازيّ: أدعو إلى اللّه على بصيرة و حجّة و برهان أنا و من اتّبعني إلى سيرتي و طريقتي و سيرة أتباعي الدّعوة إلى اللّه،لأنّ كلّ من ذكر الحجّة و أجاب عن الشّبهة فقد دعا بمقدار وسعه إلى اللّه،و هذا يدلّ على أنّ الدّعاء إلى اللّه تعالى إنّما يحسن...(18:225)

الطّباطبائيّ: توسعة و تعميم لحمل الدّعوة،و أنّ السّبيل-و إن كانت سبيل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مختصّة به.لكن حمل الدّعوة و القيام به لا يختصّ به بل من اتّبعه صلّى اللّه عليه و آله يقوم بها لنفسه.

لكن السّياق يدلّ على أنّ الإشراك ليس بذاك العموم الّذي يتراءى من لفظ(من اتّبعنى)فإنّ السّبيل الّتي تعرّفها الآية،هي الدّعوة عن بصيرة و يقين،إلى إيمان محض و توحيد خالص.و إنّما يشاركه صلّى اللّه عليه و آله فيها من كان مخلصا للّه في دينه،عالما بمقام ربّه ذا بصيرة و يقين.

و ليس كلّ من صدق عليه أنّه اتّبعه على هذا النّعت، و لا أنّ الاستواء على هذا المستوى مبذول لكلّ مؤمن، حتّى الّذين عدّهم اللّه سبحانه في الآية السّابقة من المشركين،و ذمّهم بأنّهم غافلون عن ربّهم،آمنون من مكره،معرضون عن آياته.

و كيف يدعو إلى اللّه من كان غافلا عنه،آمنا من مكره معرضا عن آياته و ذكره؟و قد وصف اللّه في آيات كثيرة أصحاب هذه النّعوت بالضّلال و العمى و الخسران،و لا تجتمع هذه الخصال بالهداية و الإرشاد البتّة.(11:277)

راجع«د ع و»

اتّبعوا

1- وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ...

البقرة:102

الرّبيع: قالوا:إنّ اليهود سألوا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم زمانا عن أمور من التّوراة،لا يسألونه عن شيء من ذلك إلاّ أنزل اللّه عليه ما سألوا عنه فيخصمهم،فلمّا رأوا ذلك قالوا:هذا أعلم بما أنزل إلينا منّا،و إنّهم سألوه عن السّحر و خاصموه به،فأنزل اللّه جلّ و عزّ(و اتّبعوا...)(الطّبريّ 1:445)

ص: 554

ابن جريج: المراد به اليهود الّذين كانوا في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(الطّوسيّ 1:370)

ابن زيد :اتّبعوا السّحر،و هم أهل الكتاب.

(الطّبريّ 1:445)

الجبّائيّ: المراد به اليهود الّذين كانوا في زمن سليمان.(الطّوسيّ 1:370)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في تأويل قوله: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ أنّ ذلك توبيخ من اللّه لأحبار اليهود الّذين أدركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فجحدوا نبوّته و هم يعلمون أنّه للّه رسول مرسل، و تأنيب منه لهم في رفضهم تنزيله،و هجرهم العمل به و هو في أيديهم يعلمونه و يعرفون أنّه كتاب اللّه، و اتّباعهم و اتّباع أوائلهم و أسلافهم ما تلته الشّياطين في عهد سليمان.و قد بيّنّا وجه جواز إضافة أفعال أسلافهم إليهم فيما مضى،فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.

و إنّما اخترنا هذا التّأويل،لأنّ المتبعة ما تلته الشّياطين في عهد سليمان و بعده إلى أن بعث اللّه نبيّه بالحقّ،و أمر السّحر لم يزل في اليهود،و لا دلالة في الآية أنّ اللّه تعالى أراد بقوله:و اتّبعوا بعضا منهم دون بعض؛إذ كان جائزا فصيحا في كلام العرب إضافة ما وصفنا من اتّباع أسلاف المخبر عنهم بقوله: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ إلى أخلافهم بعدهم،و لم يكن بخصوص ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أثر منقول،و لا حجّة تدلّ عليه، فكان الواجب من القول في ذلك أن يقال:كلّ متّبع ما تلته الشّياطين على عهد سليمان من اليهود داخل في معنى الآية،على النّحو الّذي قلناه(1:446)

الطّوسيّ: و اختلفوا في المعنيّ بقوله:(و اتّبعوا)على ثلاثة أقوال[و هي قول ابن جريج و الجبّائيّ]

و قال قوم:المراد به الجميع،و هو قول المتأخّرين، قال:لأنّ مبتغي السّحر من اليهود لم يزالوا منذ عهد سليمان إلى أن بعث محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(1:370)

نحوه الطّبرسيّ.(1:173)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى:(و اتّبعوا)حكاية عمّن تقدّم ذكره و هم اليهود،ثمّ فيه أقوال:

أحدها:أنّهم اليهود الّذين كانوا في زمان محمّد عليه الصّلاة و السّلام.

و ثانيها:أنّهم الّذين تقدّموا من اليهود.

و ثالثها:أنّهم الّذين كانوا في زمن سليمان عليه السّلام من السّحرة،لأنّ أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان عليه السّلام و يعدّونه من جملة الملوك في الدّنيا،فالّذين منهم كانوا في زمانه لا يمتنع أن يعتقدوا فيه أنّه إنّما وجد ذلك الملك العظيم بسبب السّحر.

و رابعها:أنّه يتناول الكلّ،و هذا أولى لأنّه ليس صرف اللّفظ إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره؛إذ لا دليل على التّخصيص.(3:203)

نحوه النّيسابوريّ.(1:386)

القرطبيّ: هذا إخبار من اللّه تعالى عن الطّائفة الّذين نبذوا الكتاب بأنّهم اتّبعوا السّحر أيضا،و هم اليهود.(2:41)

نحوه القاسميّ.(2:207)

أبو حيّان :معنى(اتّبعوا)أي اقتدوا به إماما،أو

ص: 555

فضّلوا لأنّ من اتّبع شيئا فضّله أو قصدوا و الضّمير في (و اتّبعوا)لليهود.[إلى أن قال:]

و الجملة من قوله:(و اتّبعوا)معطوفة على جميع الجملة السّابقة،من قوله: وَ لَمّا جاءَهُمْ البقرة:

101،إلى آخرها،و هو إخبار عن حالهم في اتّباعهم ما لا ينبغي أن يتّبع.و هذا هو الظّاهر لا أنّها معطوفة على قوله: نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ البقرة:100،لأنّ الاتّباع ليس مترتّبا على مجيء الرّسول،لأنّهم كانوا متّبعين ذلك قبل مجيء الرّسول،بخلاف نبذ كتاب اللّه،فإنّه مترتّب على مجيء الرّسول.(1:325)

أبو السّعود :عطف على جواب(لمّا)أي نبذوا كتاب اللّه و اتّبعوا كتب السّحرة الّتي كانت تقرأها الشّياطين،و هم المتمرّدون من الجنّ،و(تتلوا)حكاية حال ماضية.و المراد بالاتّباع:التّوغّل و التّمحّض فيه و الإقبال عليه بالكلّيّة،و إلاّ فأصل الاتّباع كان حاصلا قبل مجيء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فلا يتسنّى عطفه على جواب (لمّا)،و لذلك قيل:هو معطوف على الجملة،و قيل:على (اشربوا).(1:171)

نحوه البروسويّ.(1:190)

الآلوسيّ: عطف على(نبذ)و الضّمير لفريق من الّذين أوتوا الكتاب-على ما تقدّم عن السّدّيّ[في «نبذ»]و قيل:عطف على مجموع ما قبله عطف القصّة على القصّة،و الضّمير للّذين تقدّموا من اليهود،أو الّذين كانوا في زمن سليمان عليه السّلام،أو الّذين كانوا في زمن نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.أو ما يتناول الكلّ،لأنّ ذاك غير ظاهر؛إذ يقتضي الدّخول في حيّز(لمّا)و اتّباعهم هذا ليس مترتّبا على مجيء الرّسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.و فيه أنّ ما علمت من قول السّدّيّ يفتح باب الظّهور،اللّهمّ إلاّ أن يكون المبنى (1)غيره.

و قيل:عطف على(اشربوا)و هو في غاية البعد،بل لا يقدم عليه من جرع جرعة من الإنصاف،و المراد ب«الاتّباع»التّوغّل و الإقبال على الشّيء بالكلّيّة، و قيل:الاقتداء.(1:337)

الطّباطبائيّ: قد اختلف المفسّرون في تفسير الآية اختلافا عجيبا لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد،فاختلفوا في مرجع ضمير قوله:

(اتّبعوا)أهم اليهود الّذين كانوا في عهد سليمان،أو الّذين في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،أو الجميع؟[إلى أن قال:]

و هذا لعمر اللّه من عجائب نظم القرآن تتردّد الآية بين مذاهب و احتمالات تدهش العقول و تحيّر الألباب، و الكلام بعد متّك على أريكة حسنه متجمّل في أجمل جماله متحلّ بحليّ بلاغته و فصاحته.و سيمرّ بك نظيرة هذه الآية،و هي قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً هود:17.

و الّذي ينبغي أن يقال:أنّ الآية بسياقها تتعرّض لشأن آخر من شئون اليهود و هو تداول السّحر بينهم، و أنّهم كانوا يستندون في أصله إلى قصّة معروفة أو قصّتين معروفتين عندهم،فيها ذكر من أمر سليمان النّبيّ و الملكين ببابل هاروت و ماروت.فالكلام معطوف على ما عندهم من القصّة الّتي يزعمونها،إلاّ أنّ اليهود كماّ.

ص: 556


1- كذا،و الظّاهر:النّبيّ.

يذكره عنهم القرآن أهل تحريف و تغيير في المعارف و الحقائق،فلا يؤمنون و لا يؤمن من أمرهم أن يأتوا بالقصص التّاريخيّة محرّفة مغيّرة على ما هو دأبهم في المعارف،يميلون كلّ حين إلى ما يناسبه من منافعهم في القول و الفعل،و فيما يلوح من مطاوي جمل الآية كفاية.

(1:233)

2- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. البقرة:166

الإمام الباقر عليه السّلام:هم و اللّه يا جابر أئمّة الظّلمة و أشياعهم.(العروسيّ 1:151)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أين خليفة اللّه في أرضه؟فيقوم داود عليه السّلام،فيأتي النّداء من عند اللّه عزّ و جلّ:لسنا إيّاك أردنا و إن كنت للّه تعالى خليفة.

ثمّ ينادي ثانية أين خليفة اللّه في أرضه؟فيقوم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فيأتي النّداء من قبل اللّه عزّ و جلّ:يا معشر الخلائق هذا عليّ بن أبي طالب خليفة اللّه في أرضه،و حجّته على عباده،فمن تعلّق بحبله في دار الدّنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم،يستضيء بنوره، و يتّبعه إلى الدّرجات العلى من الجنان.

قال:فيقوم النّاس الّذين قد تعلّقوا بحبله في الدّنيا فيتّبعونه إلى الجنّة،ثمّ يأتي النّداء من عند اللّه جلّ جلاله:

ألاّ من ائتمّ بإمام في دار الدّنيا فليتّبعه إلى حيث يذهب به،فحينئذ يتبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا...[و هذا تأويل](العروسيّ 1:150)

عطاء: تبرّأ رؤساؤهم و قادتهم و ساداتهم من الّذين اتّبعوهم.

نحوه قتادة و الرّبيع.(الطّبريّ 2:70)

السّدّيّ: فهم الشّياطين،تبرّءوا من الإنس.

(137)

الطّبريّ: دخل في ذلك كلّ متبوع على الكفر باللّه و الضّلال،أنّه يتبرّأ من أتباعه الّذين كانوا يتّبعونه على الضّلال في الدّنيا،إذا عاينوا عذاب اللّه في الآخرة.

و أمّا دلالة الآية فيمن عنى بقوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، فإنّها إنّما تدلّ على أنّ «الأنداد»الّذين اتّخذهم من دون اللّه من وصف تعالى ذكره صفته بقوله: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً البقرة:165،هم الّذين يتبرّءون من أتباعهم.

و إذا كانت الآية على ذلك دالّة صحّ التّأويل الّذي تأوّله السّدّيّ في قوله: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً: أنّ«الأنداد»في هذا الموضع إنّما أريد بها الأنداد من الرّجال الّذين يطيعونهم فيما أمروهم به من أمر،و يعصون اللّه في طاعتهم إيّاهم،كما يطيع اللّه المؤمنون و يعصون غيره.

و فسد تأويل قول من قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا إنّهم الشّياطين،تبرّءوا من أوليائهم من الإنس،لأنّ هذه الآية إنّما هي في سياق الخبر عن متّخذي الأنداد.(2:70)

الزّجّاج :يعني به السّادة و الأشراف مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا و هم الأتباع و السّفلة.(1:239)

الزّمخشريّ: أي تبرّأ المتبوعون و هم الرّؤساء من

ص: 557

الأتباع.و قرأ مجاهد الأوّل على البناء للفاعل و الثّاني على البناء للمفعول،أي تبرّأ الأتباع من الرّؤساء.

(1:326)

نحوه أبو السّعود(1:288)،و البروسويّ(1:

270)،و الآلوسيّ(2:30)،و القاسميّ(3:364).

ابن عطيّة :كلّ من عبد من دون اللّه.و قال قتادة:

هم الشّياطين المضلّون.و قال الرّبيع و عطاء:هم رؤساؤهم،و لفظ الآية يعمّ هذا كلّه،و(اذ)يحتمل أن تكون متعلّقة ب (شَدِيدُ الْعَذابِ) و يحتمل أن يكون العامل فيها«اذكر»و (الَّذِينَ اتُّبِعُوا) بفتح الباء هم العبدة لغير اللّه،و الضّالّون المقلّدون لرؤسائهم أو للشّياطين.

(1:236)

نحوه المراغيّ.(2:40)

الفخر الرّازيّ: فبيّن أنّ الّذين أفنوا عمرهم في عبادتهم،و اعتقدوا أنّهم من أوكد أسباب نجاتهم،فإنّهم يتبرّءون منهم عند احتياجهم إليهم.و نظيره قوله تعالى: يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً العنكبوت:25،و قال أيضا: اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ الزّخرف:67،و قال: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الأعراف:38.و حكي عن إبليس أنّه قال: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إبراهيم:22،و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى:في قوله: (إِذْ تَبَرَّأَ) قولان:

الأوّل:أنّه بدل من (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) .الثّاني:أنّ عامل الإعراب في(اذ)معنى شديد،كأنّه قال:هو شديد العذاب؛إذ تبرّأ،يعني في وقت التبرّؤ.

المسألة الثّانية:معنى الآية أنّ المتبوعين يتبرّءون من الأتباع في ذلك اليوم،فبيّن تعالى ما لأجله يتبرّءون منهم،و هو عجزهم عن تخليصهم من العذاب الّذي رأوه،لأنّ قوله: وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ يدخل في معناه أنّهم لم يجدوا إلى تخليص أنفسهم و أتباعهم سببا.

و الآيس من كلّ وجه يرجو به الخلاص ممّا نزل به، و بأوليائه من البلاء،يوصف بأنّه تقطّعت به الأسباب.

و اختلفوا في المراد بهؤلاء المتبوعين على وجوه:

أحدها:أنّهم السّادة و الرّؤساء من مشركي الإنس،عن قتادة و الرّبيع و عطاء.

و ثانيها:أنّهم شياطين الجنّ الّذين صاروا متبوعين للكفّار بالوسوسة،عن السّدّيّ.

و ثالثها:أنّهم شياطين الجنّ و الإنس.

و رابعها:الأوثان الّذين كانوا يسمّونها بالآلهة.

و الأقرب هو الأوّل،لأنّ الأقرب في الّذين اتّبعوا أنّهم الّذين يصحّ منهم الأمر و النّهي،حتّى يمكن أن يتّبعوا؛و ذلك لا يليق بالأصنام.و يجب أيضا حملهم على السّادة من النّاس،لأنّهم الّذين يصحّ وصفهم-من عظمهم-بأنّهم يحبّونهم كحبّ اللّه دون الشّياطين، و يؤكّده قوله تعالى: إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ الأحزاب:67.

و قرأ مجاهد الأوّل على البناء للفاعل،و الثّاني على البناء للمفعول،أي تبرّأ الاتّباع من الرّؤساء.(4:237)

نحوه الخازن(1:117)،و الشّربينيّ(1:111)، و أبو حيّان(1:473).

مكارم الشّيرازيّ: واضح أنّ المعبودين هنا

ص: 558

ليسوا الأصنام الحجريّة أو الخشبيّة،بل الطّغاة الجبابرة الّذين استعبدوا النّاس،فقدّم لهم المشركون فروض الولاء و الطّاعة،و استسلموا لهم دون قيد أو شرط.

(1:414)

3- ...وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.

آل عمران:174

الطّبريّ: يعني بذلك أنّهم أرضوا اللّه بفعلهم ذلك، و اتّباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه،من اتّباع أثر العدوّ و طاعتهم.(4:182)

البغويّ: في طاعة اللّه و طاعة رسوله،و ذلك أنّهم قالوا:هل يكون هذا غزوا؟فأعطاهم اللّه ثواب الغزو، و رضي عنهم.(1:542)

نحوه الخازن.(1:380)

أبو السّعود :في كلّ ما أتوا من قول و فعل(رضوان اللّه).(2:66)

نحوه البروسويّ(2:128)،و الآلوسيّ(4:129)، و المراغيّ(4:136).

محمّد حسين فضل اللّه: فيما يأمرهم به من الوقوف مع رضوانه،في مواقع الجهاد.(6:391)

4- وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. الأعراف:157

راجع«ن و ر»

5- ...وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59

البغويّ: أي و اتّبع السّفلة و السّقاط أهل التّكبّر و العناد.(2:454)

نحوه الطّبرسيّ(3:171)،و الفخر الرّازيّ(18:

15)،و القرطبيّ(9:54).

الزّمخشريّ: و معنى اتّباع أمرهم:طاعتهم.

(2:277)

النّيسابوريّ: أطاعوا رؤساءهم و كبراءهم المتمرّدة و المعاندة.(12:40)

أبو حيّان :أي اتّبع سقاطهم أمر رؤسائهم و كبرائهم، و المعنى أنّهم أطاعوهم فيما أمروهم به.(5:235)

الشّربينيّ: أي أنّ السّفلة كانوا يقلّدون الرّؤساء في قولهم:«ما هذا إلاّ بشر مثلكم»فأطاعوا من دعاهم إلى الكفر و ما يرديهم،و عصوا من دعاهم إلى الإيمان و لا يرديهم.(2:65)

6- ...فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ.

هود:97

الطّبريّ: و اتّبع ملأ فرعون دون أمر اللّه،و أطاعوه في تكذيب موسى،و ردّ ما جاءهم به من عند اللّه عليه.

(12:109)

الزّجّاج :أي استحبّوا العمى على الهدى.(3:76)

الطّوسيّ: فالاتّباع:طلب الثّاني للتّصرّف بتصرّف الأوّل في أيّ جهة أخذ.(6:59)

الزّمخشريّ: تجهيل لمتّبعيه حيث شايعوه على أمره،و هو ضلال مبين،لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل؛و ذلك أنّه ادّعى الإلهيّة و هو بشر مثلهم،

ص: 559

و جاهر بالعسف و الظّلم و الشّرّ الّذي لا يأتي إلاّ من شيطان مارد،و مثله بمعزل من الإلهيّة ذاتا و أفعالا، فاتّبعوه و سلّموا له دعواه،و تتابعوا على طاعته.

(2:291)

أبو السّعود :أي أمره بالكفر بما جاء به موسى عليه السّلام من الحقّ المبين،للإيذان بوضوح حاله.فكأنّ كفره و أمر ملئه بذلك أمر محقّق الوجود،غير محتاج إلى الذّكر صريحا.و إنّما المحتاج إلى ذلك شأن ملئه المتردّدين بين هاد إلى الحقّ وداع إلى الضّلال،فنعى عليهم سوء اختيارهم.

و إيراد«الفاء»في اتّباعهم المترتّب على أمر فرعون المبنيّ على كفره المسبوق بتبليغ الرّسالة،للإشعار بمفاجأتهم في الاتّباع و مسارعة فرعون إلى الكفر و أمرهم به،فكان ذلك كلّه لم يتراخ عن الإرسال و التّبليغ بل وقع جميع ذلك في وقت واحد،فوقع إثر ذلك اتّباعهم.

و يجوز أن يراد ب(أمر فرعون):شأنه المشهور و طريقته الزّائغة،فيكون معنى(فاتّبعوا)فاستمرّوا على الاتّباع،و«الفاء»مثل ما في قولك:و عظته فلم يتّعظ، و صحت به فلم ينزجر.فإنّ الإتيان بالشّيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه و إن كان استمرارا عليه لكنّه بحسب العنوان فعل جديد و صنع حادث،فتأمّل.

و ترك الإضمار لدفع توهّم الرّجوع إلى موسى عليه السّلام من أوّل الأمر،و لزيادة تقبيح حال المتّبعين.فإنّ فرعون علم في الفساد و الإفساد و الضّلال و الإضلال،فاتّباعه لفرط الجهالة،و عدم الاستبصار.(3:348)

نحوه الآلوسيّ.(12:133)

7- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. مريم:59

الإمام عليّ عليه السّلام: من بنى الشّديد و ركب المنظور و لبس المشهور.(جوامع الجامع 2:401)

ابن عبّاس: هم اليهود تركوا الصّلاة المفروضة و شربوا الخمور،و استحلّوا نكاح الأخت من الأب.

(الشّربينيّ 2:435)

مجاهد :هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزّمان،ينزو بعضهم على بعض في الأسواق و الأزقّة.

(البغويّ 3:240)

وهب بن منبّه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ شرّابون للقهوات،لعّابون بالكعبات ركّابون للشّهوات متّبعون للّذّات،تاركون للجمعات،مضيعون للصّلوات.

(الطّبرسيّ 3:519)

الطّبريّ: أنقذوا الشّهوات فيما حرّم اللّه عليهم.

(3:519)

القاسميّ: أي فأتوا بما ينافي في البكاء و الأمور المرضيّة من الأخلاق و الأعمال،من الانهماك في المعاصي الّتي هي بريد الكفر.(11:4153)

الآلوسيّ: وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ و انهمكوا في المعاصي المختلفة الأنواع.(16:109)

نحوه الطّباطبائيّ.(14:78)

8- ...فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. المؤمن:7

ص: 560

8- ...فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. المؤمن:7

راجع«س ب ل».

9- ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ... محمّد:3

الزّمخشريّ: (ذلك)مبتدأ و ما بعده خبره،أي ذلك الأمر هو إضلال أعمال أحد الفريقين و تكفير سيّئات الثّاني كائن بسبب اتّباع هؤلاء الباطل و هؤلاء الحقّ، و يجوز أن يكون ذلك خبر مبتدإ محذوف أي الأمر كما ذكر بهذا السّبب،فيكون محلّ الجارّ و المجرور منصوبا على هذا و مرفوعا على الأوّل.(3:530)

نحوه الآلوسيّ.(26:38)

ابن كثير :أي اختاروا الباطل على الحقّ.(6:309)

أبو السّعود :أي ذلك كائن بسبب أنّ الأوّلين اتّبعوا الشّيطان-كما قاله مجاهد-ففعلوا ما فعلوا من الكفر و الصّدّ.فبيان سببيّة اتّباعه للإضلال المذكور متضمّن لبيان سببيّتهما له،لكونه أصلا مستتبعا لهما قطعا،و بسبب أنّ الآخرين اتّبعوا الحقّ الّذي لا محيد عنه كائنا من ربّهم، ففعلوا ما فعلوا من الإيمان به و بكتابه و من الأعمال الصّالحة.

فبيان سببيّة اتّباعه لما ذكر من التّكفير و الإصلاح بعد الإشعار بسببيّة الإيمان و العمل الصّالح له،متضمّن لبيان سببيّتهما له،لكونه مبدأ و منشأ لهما حتما...

(6:83)

الطّباطبائيّ: في الآية إشارة إلى أنّ الملاك كلّ الملاك في سعادة الإنسان و شقائه اتّباع الحقّ و اتّباع الباطل،و السّبب في ذلك انتساب الحقّ إليه تعالى دون الباطل.(18:224)

10- أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ. محمّد:14

الطّبريّ: و اتّبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية اللّه،و عبادة الأوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهان و حجّة.(26:48)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:أنّه نعت لمن زيّن له سوء عمله،الثّاني:أنّهم المنافقون،قاله ابن زيد.

(5:297)

الطّوسيّ: أي شهواتهم في ذلك،و ما تدعوهم إليه طباعهم.(9:296)

مثله الطّبرسيّ.(5:100)

البغويّ: يعني عبادة الأوثان،و هم أبو جهل و المشركون.(4:212)

ابن عطيّة :و اتّباع الأهواء:طاعتها،كأنّها تذهب إلى ناحية،و المرء يذهب معها.(5:114)

أبو حيّان :أي شهوات أنفسهم ممّن لا يكون له بيّنة،فعبدوا غير خالقهم،و الضّمير في(و اتّبعوا)عائد على معنى(من).(8:78)

أبو السّعود :(و اتّبعوا)بسبب ذلك التّزيين (اهواءهم)الزّائغة،و انهمكوا في فنون الضّلالات من غير أن يكون لهم شبهة توهّم صحّة ما هم عليه،فضلا عن حجّة تدلّ عليه.و جمع الضّميرين الأخيرين باعتبار معنى(من)كما أنّ إفراد الأوّلين باعتبار لفظها.

ص: 561

(6:86)

نحوه الآلوسيّ.(26:47)

الطّباطبائيّ: فهم إنّما يتّبعون الحجّة القاطعة على ما هو الحريّ بالإنسان،الّذي من شأنه أن يستعمل العقل،و يتّبع الحقّ.

و أمّا الّذين كفروا فقد شغفهم أعمالهم السّيّئة الّتي زيّنها لهم الشّيطان،و تعلّقت بها أهواؤهم،و عملوا السّيّئات.(18:232)

مكارم الشّيرازيّ: و بملاحظة الجملة وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أنّ هذا التّزيين ناشئ عن اتّباع الهوى، و قضيّة كون الهوى و الشّهوات تسلب الإنسان القدرة على الحسّ و التّشخيص و الإدراك الصّحيح للحقائق، قضيّة يمكن إدراكها بوضوح.(16:327)

محمّد حسين فضل اللّه: لأنّ الإنسان الّذي يغيب عنصر العقل في تفكيره و يفقد روحيّة الإيمان، لا بدّ أن يتحوّل إلى إنسان مزاجيّ تحكمه شهواته، و تديره أهواؤه و تلعب به،كما لو أنّها رياح داخليّة تحرّكها الغرائز و النّوازع و المشاعر الملتهبة الّتي تحرق كلّ عناصر التّعقّل و الاتّزان في الإنسان.(21:65)

و بهذا المعنى جاء: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ محمّد:16.

و قوله تعالى: وَ كَذَّبُوا وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَ كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ القمر:3.

11- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّهَ... محمّد:28

راجع«س خ ط»

12- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلاّ خَساراً. نوح:21

ابن عبّاس: أطاعوا.(487)

الطّبريّ: و اتّبعوا في معصيتهم إيّاي من دعاهم إلى ذلك،ممّن كثر ماله و ولده.(29:98)

البغويّ: يعني اتّبع السّفلة و الفقراء القادة و الرّؤساء الّذين هم لم يزدهم كثرة المال و الولد إلاّ ضلالا في الدّنيا،و عقوبة في الآخرة.(5:157)

مثله الخازن.(7:129)

الزّمخشريّ: وَ اتَّبَعُوا رءوسهم المقدّمين أصحاب الأموال و الأولاد و ارتسموا ما رسموا لهم من التّمسّك بعبادة الأصنام.(4:163)

الطّبرسيّ: أي و اتّبعوا أغنياء قومهم اغترارا بما آتاهم اللّه من المال و الولد،فقالوا:لو كان هذا رسولا للّه لكان له ثروة و غنى.(5:363)

الفخر الرّازيّ: ذكر في[صدر]الآية أنّهم عصوه، و في[ذيلها]أنّهم ضمّوا إلى عصيانه معصية أخرى، و هي طاعة رؤسائهم الّذين يدعونهم إلى الكفر.

(30:141)

البيضاويّ: و اتّبعوا رؤساءهم البطرين بأموالهم، المغترّين بأولادهم؛بحيث صار ذلك سببا لزيادة خسارهم في الآخرة.و فيه:أنّهم إنّما تبعوهم لوجاهة حصلت لهم بالأموال و الأولاد أدّت بهم إلى الخسار.(2:508)

مثله الكاشانيّ(5:232)،و الطّنطاويّ(24:

272)،و نحوه أبو السّعود(6:310).

أبو حيّان :أي عامّتهم و سفلتهم؛إذ لا يصحّ عوده

ص: 562

على الجميع في عبادة الأصنام.(8:341)

اتّبعوه

1- إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ...

آل عمران:68

قتادة :الّذين اتّبعوه على ملّته و سنّته و منهاجه و فطرته.(الطّبريّ 3:308)

الطّبريّ: يعني الّذين سلكوا طريقه و منهاجه، فوحّدوا اللّه مخلصين له الدّين و سنّوا سننه،و شرعوا شرائعه،و كانوا للّه حنفاء مسلمين غير مشركين به.

(3:307)

نحوه المراغيّ.(3:182)

الطّوسيّ: أي أحقّهم بنصرته بالمعونة أو الحجّة، لأنّ الّذين اتّبعوه في زمانه تولّوه بالنّصرة على عدوّه حتّى ظهر أمره،و علت كلمته.و سائر المؤمنين يتولّونه بالحجّة بما كان عليه من الحقّ و تبرئته من كلّ عيب.

(2:493)

البغويّ: أي من اتّبعه في زمانه،و ملّته بعده.

(1:453)

نحوه الخازن.(1:305)

الفخر الرّازيّ: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ فريقان:

أحدهما:من اتّبعه ممّن تقدّم،و الآخر:النّبيّ و سائر المؤمنين.(8:95)

القرطبيّ: على ملّته و سنّته.(4:109)

النّيسابوريّ: على ملّته و سنّته في زمانه.

(3:219)

أبو حيّان: «و الّذين اتّبعوه»يشمل كلّ من اتّبعه في زمانه و غير زمانه فيدخل فيه متّبعوه في زمان الفترات.

و عني بالاتّباع اتّباعه في شريعته.(2:488)

الآلوسيّ: أي كانوا على شريعته في زمانه و اتّبعوه مطلقا.(3:197)

الطّباطبائيّ: و في قوله: لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ تعريض لأهل الكتاب من اليهود و النّصارى بنحو الكناية،أي لستم أولى بإبراهيم لعدم اتّباعكم إيّاه في إسلامه للّه.(3:254)

مكارم الشّيرازيّ: لوضع حدّ جدل أهل الكتاب حول إبراهيم نبيّ اللّه العظيم،الّذي كانت كلّ جهة تدّعي أنّه منها،و كانوا يستندون غالبا إلى قرابتهم منه،أو اشتراكهم معه في العنصر.أعاد القرآن مبدأ رئيسا إلى الأذهان،و هو أنّ الارتباط بالأنبياء و الولاء لهم إنّما يكون عن طريق الإيمان و اتّباعهم فقط.

و بناء على ذلك،فإنّ أقرب النّاس لإبراهيم هم الّذين يتّبعون مدرسته و يلتزمون أهدافه،سواء بالنّسبة للّذين عاصروه لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أو الّذين بقوا بعده أوفياء لمدرسته و أهدافه،مثل نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله و أتباعه.(2:411)

و هناك أبحاث راجع«و ل ي»(أولى)

2- لَقَدْ تابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ... التّوبة:117

الطّبريّ: لقد رزق اللّه الإنابة إلى أمره و طاعته نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،و المهاجرين ديارهم و عشيرتهم إلى دار

ص: 563

الإسلام و أنصار رسوله في اللّه،الّذين اتّبعوا رسول اللّه في ساعة العسرة منهم،من النّفقة و الظّهر و الزّاد و الماء.

(11:54)

ابن عطيّة :معناه:دخلوا في أمره و انبعاثه،و لم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه.(3:92)

الطّبرسيّ: في الخروج معه إلى تبوك.(3:80)

أبو حيّان :أي اتّبعوا أمره،فهو من مجاز الحذف، و يجوز أن يكون هو ابتداء بالخروج و خرجوا بعده، فيكون الاتّباع حقيقة ساعة العسرة أي في وقت العسرة،و التّباعة مستعارة للزّمان المطلق.كما استعاروا الغداة و العشيّة و اليوم.[ثمّ استشهد بشعر](5:108)

3- وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. سبأ:20

مجاهد :ظنّ ظنّا فاتّبعوا ظنّه.(الطّبريّ 22:87)

الحسن :ما ضربهم بسوط و لا بعصا و إنّما ظنّ ظنّا فكان كما ظنّ بوسوسته.(القرطبيّ 14:293)

الكلبيّ: إنّه ظنّ إن أغواهم أجابوه و إن أضلّهم أطاعوه،فصدق ظنّه.(القرطبيّ 14:293)

الميبديّ: في الكفر و المعصية.(8:130)

ابن عطيّة :و هو اتّباع في كفر،لأنّه في قصّة قوم كفّار.(4:417)

الطّبرسيّ: و المعنى أنّ إبليس كان قال:لأغوينّهم و لأضلّنّهم،و ما كان ذلك عن علم و تحقيق،و إنّما قاله ظنّا:فلمّا تابعه أهل الزّيغ و الشّرك صدق ظنّه و حقّقه (فاتّبعوه)فيما دعاهم إليه.(4:388)

أبو السّعود: أي أهل سبأ أو النّاس.(5:257)

نحوه الآلوسيّ.(22:134)

البروسويّ: أي اتّبع أهل سبأ الشّيطان في الشّرك و المعصية.(7:287)

المراغيّ: أي و لقد ظنّ إبليس بهؤلاء الّذين بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ سبأ:16، عقوبة منّا لهم،ظنّا غير يقين أنّهم يتّبعونه و يطيعونه في معصية اللّه.و حين أغواهم و أطاعوه و عصوا ربّهم تحقّق صدق ظنّه فيهم.(22:75)

محمّد جواد مغنيّة: أغراهم الشّيطان بمعصية اللّه، فسمع له و أطاع من كفر و بغى،و عصاه من آمن و اتّقى.

(6:259)

4- ...وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً...

الحديد:27

الطّبريّ: يعني:الّذين اتّبعوا عيسى على منهاجه و شريعته.(27:238)

البروسويّ: (اتّبعوه)أي عيسى في دينه كالحواريّين و أتباعهم.(9:381)

اتّبعوهم

وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ... التّوبة:100

ابن عبّاس: وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ على

ص: 564

دينهم إلى يوم القيامة.(الطّبريّ 16:172)

ابن كعب القرظيّ: مرّ عمر برجل و هو يقرأ هذه الآية وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ قال:من أقرأك هذه الآية؟قال:أقرأنيها أبيّ بن كعب.قال:لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه.

فأتاه فقال:أنت أقرأت هذا هذه الآية؟قال:نعم.

قال:و سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟قال:لقد كنت أرانا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا،قال:و تصديق ذلك في أوّل الآية الّتي في أوّل الجمعة،و أوسط الحشر،و آخر الأنفال.

أمّا أوّل الجمعة وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الجمعة:3،و أوسط الحشر وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الحشر:10،و أمّا آخر الأنفال وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ الأنفال:75.

(الطّبريّ 11:8)

قتادة :هم الّذين صلّوا القبلتين جميعا،و أمّا الّذين اتّبعوا المهاجرين الأوّلين و الأنصار بإحسان،فهم الّذين أسلموا للّه إسلامهم،و سلكوا منهاجهم،في الهجرة و النّصرة،و أعمال الخير.(الطّبريّ 11:8)

نحوه المراغيّ.(11:11)

الطّبريّ: و الّذين سلكوا سبيلهم في الإيمان باللّه و رسوله،و الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام،طلب رضا اللّه رضي اللّه عنهم و رضوا عنه.(11:6)

الطّوسيّ: و الّذين تبعوا هؤلاء بأفعال الخير و الدّخول في الإسلام بعدهم و سلوكهم منهاجهم.

(5:332)

الميبديّ: قيل:فيه قولان:

أحدهما: وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ من المهاجرين و الأنصار أيضا،فيكون سائر الصّحابة.

ثانيهما:و من اتّبعوهم بالإيمان و الطّاعة و سلكوا سبيلهم في الهجرة و النّصرة إلى يوم القيامة.و قالوا:إنّ كلمة«التّابعين»قد أخذ من هذه الآية.(4:205)

ابن عطيّة :يريد سائر الصّحابة،و يدخل في هذا اللّفظ التّابعون و سائر الأمّة،لكن بشريطة الإحسان.

و قد لزم هذا الاسم الطّبقة الّتي رأت من رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(3:75)

الطّبرسيّ: أي بأفعال الخير،و الدّخول في الإسلام بعدهم و سلوك منهاجهم،و يدخل في ذلك من يجيء بعدهم إلى يوم القيامة.(3:64)

القرطبيّ: اختلف العلماء في التّابعين و مراتبهم، فقال الخطيب الحافظ:التّابعيّ من صحب الصّحابيّ، و يقال للواحد منهم:تابع و تابعيّ.و كلام الحاكم أبي عبد اللّه و غيره مشعر بأنّه يكفي فيه أن يسمع من الصّحابيّ أو يلقاه و إن لم توجد الصّحبة العرفيّة.

و قد قيل:إنّ اسم التّابعين ينطلق على من أسلم بعد الحديبيّة.(8:238)

القاسميّ: أي سلكوا سبيلهم بالإيمان و الطّاعة.

(8:3242)

الطّباطبائيّ: و إذ ذكر اللّه سبحانه ثالث الأصناف الثّلاثة بقوله: وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ و لم يقيّده

ص: 565

بتابعي عصر دون عصر،و لا وصفهم بتقدّم و أوّليّة و نحوهما،و كان شاملا لجميع من يتّبع السّابقين الأوّلين، كان لازم ذلك أن يصنّف المؤمنون غير المنافقين-من يوم البعثة إلى يوم البعث-في الآية ثلاثة أصناف:

السّابقون الأوّلون من المهاجرين و السّابقون الأوّلون من الأنصار،و الّذين اتّبعوهم بإحسان.

و الصّنفان الأوّلان فاقدان لوصف التّبعيّة و إنّما هما إمامان متبوعان لغيرهما.و الصّنف الثّالث ليس متبوعا إلاّ بالقياس.(9:372)

محمّد جواد مغنيّة:و هم كلّ من سار على طريق السّابقين المخلصين.(4:95)

مكارم الشّيرازيّ: اصطلح جماعة من الجمهور على أنّ كلمة«التّابعين»تعني تلامذة الصّحابة،و جعلوها من مختصّاتهم،أي أولئك الّذين لم يروا النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،لكنّهم تصدّوا لاكتساب العلوم الإسلاميّة و وسّعوها،و بعبارة أخرى:إنّهم اكتسبوا علومهم الإسلاميّة من صحابة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و لكنّ مفهوم الآية-كما قلنا قبل قليل-من النّاحية اللّغويّة لا ينحصر بهذه المجموعة و لا يختصّ بها،بل إنّ تعبير«التابعين باحسان»يشمل كلّ الفئات و المجموعات الّتي اتّبعت برامج و أهداف الطّلائع الإسلاميّة، و السّابقين إلى الإسلام في كلّ عصر و زمان.(6:171)

محمّد حسين فضل اللّه: فساروا على الطّريق نفسه المنطلق إلى اللّه،و أحسنوا الإيمان و العمل،من حيث أحسن الأوّلون.(11:198)

اتّبعوك

1- ...وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ... آل عمران:55

الشّعبيّ: هم أهل الإسلام الّذين صدّقوه و اتّبعوا دينه في التّوحيد،من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

مثله الرّبيع و الكلبيّ و مقاتل(البغويّ 1:448)

الضّحّاك: يعني الحواريّين.(البغويّ 1:448)

قتادة :هم أهل الإسلام الّذين اتّبعوه على فطرته و ملّته و سنّته.

نحوه الرّبيع و ابن جريج و الحسن و الطّبريّ.

(الطّبريّ 3:292)

السّدّيّ: هم المؤمنون،و يقال:بل هم الرّوم.

(178)

هم المؤمنون،و ليس هم الرّوم.(الطّبريّ 3:292)

ابن زيد :الّذين آمنوا به من بني إسرائيل و غيرهم.(الطّبريّ 3:293)

الزّجّاج :و يكون اَلَّذِينَ اتَّبَعُوكَ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم و من اتّبعه.(1:420)

البغويّ: و قيل:هم الرّوم،و قيل:أراد بهم النّصارى،أي فهم فوق اليهود إلى يوم القيامة.فإنّ اليهود قد ذهب ملكهم،و ملك النّصارى دائم إلى قريب من قيام السّاعة؛فعلى هذا يكون الاتّباع بمعنى الادّعاء و المحبّة لا اتّباع الدّين.(1:448)

الطّبرسيّ: معناه و جاعل الّذين آمنوا بك فوق الّذين كذّبوا عليك و كذّبوك في العزّ و الغلبة و الظّفر و النّصرة.و قيل:في البرهان و الحجّة،و...و قيل:المعنى

ص: 566

به أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و إنّما سمّاهم تبعا و إن كانت لهم شريعة على حدة، لأنّه وجد فيهم التّبعة صورة و معنى.

أمّا صورة فإنّه يقال:فلان يتّبع فلانا،إذا جاء بعده.

و أمّا معنى فلأنّ نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله كان مصدّقا بعيسى و بكتابه،و يقال:لمن يصدّق غيره أنّه يتّبعه،على أنّ شريعة نبيّنا و سائر الأنبياء متّحدة في أبواب التّوحيد؛ فعلى هذا هو متّبع له إذ كان معتقدا اعتقاده و قائلا بقوله.

و هذا القول أوجه،لأنّ فيه ترغيبا في الإسلام، و دلالة على أنّ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله يكونون ظاهرين إلى يوم القيامة،و لأنّ من دعاه إلها لا يكون في الحقيقة تابعا له.

(1:450)

الخازن :يعني و جاعل الّذين اتّبعوك في التّوحيد و صدّقوا قولك،و هم أهل الإسلام من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فوق الّذين كفروا،بالعزّ و النّصر و الغلبة،بالحجّة الظّاهرة.

و قيل:هم الحواريّين الّذين اتّبعوا عيسى على دينه، و قيل:هم النّصارى.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن البغويّ و أضاف:]

لأنّ النّصارى و إن أظهروا متابعة عيسى عليه السّلام فهم أشدّ مخالفة له؛و ذلك أنّ عيسى عليه السّلام لم يرض بما هم عليه من الشّرك.و القول الأوّل هو الأصحّ،لأنّ الّذين اتّبعوه هم الّذين شهدوا له بأنّه عبد اللّه و رسوله و كلمته،و هم المسلمون و ملكهم باق إلى يوم القيامة.(1:300)

أبو حيّان :الكاف ضمير عيسى كالكاف السّابقة (1)، و قيل:هو خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو من تلوين الخطاب، انتهى.

و معنى(اتّبعوك)أي في الدّين و الشّريعة و هم المسلمون،لأنّهم متّبعوه في أصل الإسلام و إن اختلفت الشّرائع.(2:474)

نحوه البروسويّ.(2:42)

الشّربينيّ: أي صدّقوا بنبوّتك من النّصارى و من المسلمين،لأنّهم متّبعوه في أصل الإسلام و إن اختلفت الشّرائع.(1:221)

الطّباطبائيّ: لمّا أخذ الكفر في تعريف مخالفيه ظهر منه أنّ المراد باتّباعه هو الاتّباع على الحقّ،أعني الاتّباع المرضيّ للّه سبحانه،فيكون:الّذين اتّبعوه،هم أتباعه المستقيمون من النّصارى قبل ظهور الإسلام و نسخه دين عيسى،و المسلمون بعد ظهور الإسلام،فإنّهم هم أتباعه على الحقّ.(3:208)

2- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ...

التّوبة:42

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّهم يستطيعون،و قد كان في علم اللّه أنّه لو كان عرضا قريبا و سفرا قاصدا لفعلوا.

(العيّاشيّ 2:89)

الطّبريّ: لو كان ما تدعو إليه المتخلّفين عنك...(عرضا قريبا)يقول:غنيمة حاضرة،(و سفرا قاصدا)يقول:و موضعا قريبا سهلا لاتّبعوك و نفروا معك إليهما،و لكنّك استنفرتهم إلى موضع بعيد.(10:140)

الماورديّ: يعني في الخروج معك.(2:367)55

ص: 567


1- في إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ آل عمران:55

نحوه البغويّ.(2:354)

الطّوسيّ: يعني خرجوا معك و بادروا إلى اتّباعك.

(5:262)

الميبديّ: لوافقوك في الخروج.(4:140)

نحوه ابن كثير.(3:405)

أبو السّعود :في النّفير طمعا في الفوز بالغنيمة.

و تعليق«الاتّباع»بكلا الأمرين يدلّ على عدم تحقّقه عند توسّط السّفر فقط.(2:271)

مثله البروسويّ(3:441)،و نحوه الآلوسيّ(10:

106).

اتّبعتهم

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الطّور:21

أبو زرعة: قرأ أبو عمرو (و اتبعناهم) بالنّون و الألف، (ذرّيّاتهم) جماعة، (الحقنا بهم ذرّيّاتهم) جماعة و كسر التّاء.و إنّما كسر التّاء و هي موضع نصب، لأنّ التّاء غير أصليّة،كما تقول(و رأيت مسلمات).

قوله:(و اتبعناهم)جعل الفعل للّه سبحانه.و حجّته قوله:

(الحقنا بهم)و لم يقل:(لحقت).فذهب أبو عمرو إلى أنّه لمّا أتى عقيب الفعل فعل بلفظ الجمع وفّق بين اللّفظين، لأنّه في سياقه ليأتلف الكلام على نظام واحد.و(تبعت) يتعدّى إلى مفعول واحد،فإذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين،فالمفعول الأوّل الهاء و الميم في قوله:

(و اتبعناهم)،و المفعول الثّاني(ذرّيّاتهم).

و قرأ نافع (و اتّبعتهم) بالتّاء و التّشديد، (ذرّيّتهم) بغير ألف،و رفع التّاء، (الحقنا بهم ذرّيّاتهم) بالألف و كسر التّاء.فجمع و أفرد،لأنّ كلّ واحد منهما جائز.

أ لا ترى أنّ الذّرّيّة قد تكون جمعا،فإذا جمعت فلأنّ الجموع قد تجمع نحو:أقوام.

قرأ ابن عامر (و اتّبعتهم) بالتّشديد، (ذرّيّاتهم) بالألف و رفع التّاء، (الحقنا بهم ذرّيّاتهم) جماعة، و كسر التّاء.و جمع في الموضعين،لأنّ الجموع تجمع نحو:

الطّرقات.

و قرأ أهل الكوفة و أهل مكّة (و اتّبعتهم) بالتّشديد، (ذرّيّتهم) على واحدة،و ارتفعت«الذرّيّة»بفعلها، «الحقنا بهم ذرّيّتهم»على التّوحيد أيضا و هي مفعوله، لأنّ اللّه تعالى لمّا ألحقها لحقت هي،كما تقول:أمات اللّه زيدا فمات هو،و أدخلت زيدا الدّار فدخل هو.و الذرّيّة تنوب عن الجمع.قوله:(و اتّبعتهم)(و أتبعناهم) يتداخلان تداخل«يدخلون الجنّة»و«يدخلون الجنّة» لأنّ اللّه تعالى إذا أتبعهم ذرّيّتهم اتّبعتهم...(681)

الطّوسيّ: من قرأ بالنّون معناه،و ألحقنا بهم ذرّيّاتهم،أي ألحق اللّه بهم ذرّيّاتهم،يعني حكم لهم بذلك.و من قرأ وَ اتَّبَعَتْهُمْ نسب الاتّباع إلى الذرّيّة، و المعنى أنّهم آمنوا كما آمنوا.[إلى أن قال:]

و الاتّباع:إلحاق الثّاني بالأوّل في معنى عليه الأوّل، لأنّه لو ألحق به من غير أن يكون في معنى هو عليه لم يكن اتّباعا،و كان إلحاقا.و إذا قيل:اتّبعه بصره فهو الإدراك،و إذا قيل:تبعه فهو يصرف البصر بتصرّفه.

(9:407)

الطّبرسيّ: [نقل اختلاف القرّاء نحو أبي زرعة ثمّ

ص: 568

قال:]

يعني بالذّرّيّة أولادهم الصّغار و الكبار،لأنّ الكبار يتّبعون الآباء بإيمان منهم،و الصّغار يتّبعون الآباء بإيمان من الآباء،فالولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده.و اتّبع بمعنى تبع.

و من قرأ (و أتبعناهم) فهو منقول من تبع،و يتعدّى إلى المفعولين.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ](5:165)

الفخر الرّازيّ: و فيه لطائف.[إلى أن قال:]

اللّطيفة الرّابعة قال في الدّنيا:(أتبعناهم)و قال في الآخرة(الحقنا بهم)و ذلك لأنّ في الدّنيا لا يدرك الصّغير التّبع مساواة المتبوع،و إنّما يكون هو تبعا و الأب أصلا لفضل السّاعي على غير السّاعي،و أمّا في الآخرة فإذا ألحق اللّه بفضله ولده به،جعل له من الدّرجة مثل ما لأبيه.(28:251)

أبو السّعود :(و اتّبعتهم ذرّيّتهم)عطف على (آمنوا).و قيل:اعتراض.و قوله تعالى: بِإِيمانٍ متعلّق بالاتّباع،أي اتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمان في الجملة قاصر عن رتبة إيمان الآباء،و اعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الإيمان الكامل أصالة لا إلحاقا.

و قرئ (ذرّيّاتهم) للمبالغة في الكثرة و (ذرّيّاتهم) بكسر الذّال،و قرئ (و أتبعناهم ذرّيّاتهم) أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان،و قرئ (أتبعتهم) .(6:146)

القاسميّ: أي اقتفت آثارهم في الإيمان و العمل الصّالح.(15:5544)

الطّباطبائيّ: قيل:الفرق بين الاتّباع و اللّحوق مع اعتبار التّقدّم و التّأخّر فيهما جميعا،أنّه يعتبر في الاتّباع اشتراك بين التّابع و المتبوع في مورد الاتّباع، بخلاف اللّحوق فاللاّحق لا يشارك الملحوق في ما لحق به فيه.[إلى أن قال:]

و المعنى اتّبعوهم بنوع من الإيمان و إن قصر عن درجة إيمان آبائهم؛إذ لا امتنان لو كان إيمانهم أكمل من إيمان آبائهم أو مساويا له.

و إطلاق الاتّباع في الإيمان منصرف إلى اتّباع من يصحّ منه في نفسه الإيمان،ببلوغه حدّا يكلّف به.

(19:12)

لاحظ«ل ح ق»(الحقنا بهم).

اتّبعت

1- ...وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ. البقرة:120

ابن عبّاس: معناه إن صلّيت إلى قبلتهم.

(الطّبرسيّ 1:197)

الطّبريّ: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ يا محمّد هوى هؤلاء اليهود و النّصارى،فيما يرضيهم عنك من تهوّد و تنصّر، فصرت من ذلك إلى إرضائهم،و وافقت فيه محبّتهم...

ما لك من اللّه من وليّ.(1:518)

الطّبرسيّ: أي مراداتهم.(1:197)

الفخر الرّازيّ: قالوا:الآية تدلّ على أمور:

منها:أنّ الّذي علم اللّه منه أنّه لا يفعل الشّيء يجوز منه أن يتوعّده على فعله،فإنّ في هذه الصّورة علم اللّه أنّه لا يتّبع أهواءهم و مع ذلك فقد توعّده عليه،و نظيره قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65،و إنّما

ص: 569

حسن هذا الوعيد لاحتمال أنّ الصّارف له عن ذلك هو هذا الوعيد،أو هذا الوعيد أحد صوارفه.

و ثانيها:أنّ قوله: بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يدلّ على أنّه لا يجوز الوعيد إلاّ بعد نصب الأدلّة،و إذا صحّ ذلك،فبأن لا يجوز الوعيد إلاّ بعد القدرة أولى، فبطل به قول من تكليف ما لا يطاق.

و ثالثها:فيها دلالة على أنّ اتّباع الهوى لا يكون إلاّ باطلا،فمن هذا الوجه يدلّ على بطلان التّقليد.

و رابعها:فيها دلالة على أنّه لا شفيع لمستحقّ العقاب،لأنّ غير الرّسول إذا اتّبع هواه لو كان يجد شفيعا و نصيرا لكان الرّسول أحقّ بذلك.و هذا ضعيف لأنّ اتّباع أهوائهم كفر،و عندنا لا شفاعة في الكفر.(4:34)

نحوه أبو حيّان.(1:369)

محمّد حسين فضل اللّه: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ فانجذبت إلى جوّ الإغراء العاطفيّ الّذي يثيرونه في نفسك،و سرت معهم في ما يريدونه.(2:196)

2- ...وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. البقرة:145

الحسن :إنّ المراد به غيره من أمّته و إن كان الخطاب له،و المراد الدّلالة على أنّ الوعيد يستحقّ باتّباع أهوائهم و أنّ اتّباعهم ردّة.

مثله الزّجّاج.(الطّبرسيّ 1:229)

الطّبريّ: و لئن التمست يا محمّد رضا هؤلاء اليهود و النّصارى الّذين قالوا لك و لأصحابك: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا البقرة:135،فاتّبعت قبلتهم،يعني فرجعت إلى قبلتهم.(2:25)

الجبّائيّ: إنّ المراد إن اتّبعت أهواءهم في المداراة لهم حرصا على أن يؤمنوا،إنّك إذا لمن الظّالمين لنفسك، مع إعلامنا إيّاك أنّهم لا يؤمنون.(الطّبرسيّ 1:229)

نحوه المراغيّ.(2:12)

عبد الجبّار:إنّه على سبيل الزّجر عن الرّكون إليهم و مقاربتهم،تقوية لنفسه و متّبعي شريعته، ليستمرّوا على عداوتهم.(الطّبرسيّ 1:229)

الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:[أحدها:

قول الحسن،و ثانيها:قول الجبّائيّ]

الثّالث:أنّ معناه الدّلالة على فساد مذاهبهم و تبكيتهم بها،كما تقول:لئن قيل عنك أنّه لخاسر،تريد به التّبكيت على فساد رأيه و التّبعيد من قبوله.(2:19)

نحوه الطّبرسيّ.(1:229)

الزّمخشريّ: بعد الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله: وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ كلام وارد على سبيل الفرض،و التّقدير بمعنى:و لئن اتّبعتهم مثلا بعد وضوح البرهان و الإحاطة بحقيقة الأمر إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ المرتكبين الظّلم الفاحش.

و في ذلك لطف للسّامعين و زيادة تحذير،و استفظاع لحال من يترك الدّليل بعد إنارته و يتّبع الهوى،و تهييج و إلهاب للثّبات على الحقّ.(1:321)

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ففيه مسألتان:

المسألة الأولى:الهوى المقصور،هو ما يميل إليه الطّبع،و الهواء الممدود:معروف.

ص: 570

المسألة الثّانية:اختلفوا في المخاطب بهذا الخطاب، قال بعضهم:الرّسول.و قال بعضهم:الرّسول و غيره.

و قال آخرون:بل غيره،لأنّه تعالى عرّف أنّ الرّسول لا يفعل ذلك،فلا يجوز أن يخصّه بهذا الخطاب.

و هذا القول الثّالث خطأ،لأنّ كلّ ما لو وقع من الرّسول لقبح،و الإلجاء عنه مرتفع،فهو منهيّ عنه،و إن كان المعلوم منه أنّه لا يفعله.و يدلّ عليه وجوه:

أحدها:أنّه لو كان كلّ ما علم اللّه أنّه لا يفعله وجب أن لا ينهاه عنه،لكان ما علم أنّه يفعله وجب أن لا يأمره به،و ذلك يقتضي أن لا يكون النّبيّ مأمورا بشيء و لا منهيّا عن شيء،و أنّه بالاتّفاق باطل.

و ثانيها:لو لا تقدّم النّهي و التّحذير،لما احترز النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عنه،فلمّا كان ذلك الاحتراز مشروطا بذلك النّهي و التّحذير،فكيف يجعل ذلك الاحتراز منافيا للنّهي و التّحذير.

و ثالثها:أن يكون الغرض من النّهي و الوعيد أن يتأكّد قبح ذلك في العقل،فيكون الغرض منه التّأكيد.

و لمّا حسن من اللّه تعالى التّنبيه على أنواع الدّلائل الدّالّة على التّوحيد بعد ما قرّرها في العقول،و الغرض منه تأكيد العقل بالنّقل،فأيّ بعد في مثل هذا الغرض هاهنا.

و رابعها:قوله تعالى في حقّ الملائكة: وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ الأنبياء:29، مع أنّه تعالى أخبر عن عصمتهم في قوله: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ النّحل:50، و قال في حقّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65،و قد أجمعوا على أنّه عليه الصّلاة و السّلام ما أشرك و ما مال إليه،و قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ الأحزاب:1،و قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم:9،و قال:

بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ المائدة:67،و قوله: وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:14.

فثبت بما ذكرنا أنّه عليه الصّلاة و السّلام منهيّ عن ذلك،و أنّ غيره أيضا منهيّ عنه،لأنّ النّهيّ عن هذه الأشياء ليس من خواصّ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.

بقي أن يقال:فلم خصّه بالنّهي غيره؟

فنقول:فيه وجوه:

أحدها:أنّ كلّ من كان نعم اللّه عليه أكثر،كان صدور الذّنب منه أقبح.و لا شكّ أنّ نعم اللّه تعالى على الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أكثر،فكان حصول الذّنب منه أقبح،فكان أولى بالتّخصيص.

و ثانيها:أنّ مزيد الحبّ يقتضي التّخصيص بمزيد التّحذير.

و ثالثها:أنّ الرّجل الحازم إذا أقبل على أكبر أولاده و أصلحهم

فزجره عن أمر بحضرة جماعة أولاده،فإنّه يكون منبّها بذلك على عظم ذلك الفعل إن اختاروه و ارتكبوه.

و في عادة النّاس أن يوجّهوا أمرهم و نهيهم إلى من هو أعظم درجة تنبيها للغير أو توكيدا،فهذه قاعدة مقرّرة في أمثال هذه الآية.

القول الثّاني:أنّ قوله: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ليس المراد منه أنّه اتّبع أهواءهم في كلّ الأمور،فلعلّه

ص: 571

عليه الصّلاة و السّلام كان في بعض الأمور يتّبع أهواءهم،مثل ترك المخاشنة في القول و الغلظة في الكلام، طمعا منه عليه الصّلاة و السّلام في استمالتهم،فنهاه اللّه تعالى عن ذلك القدر أيضا،و آيسه منهم بالكلّيّة على ما قال: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً الإسراء:74.

القول الثّالث:أنّ ظاهر الخطاب و إن كان مع الرّسول إلاّ أنّ المراد منه غيره،و هذا كما أنّك إذا عاتبت إنسانا أساء عبده إلى عبدك،فتقول له:لو فعلت مرّة أخرى مثل هذا الفعل لعاقبتك عليه عقابا شديدا،فكان الغرض منه أن لا يميل إلى مخالطتهم و متابعتهم أحد من الأمّة.(4:142)

أبو حيّان :اللاّم أيضا مؤذنة بقسم محذوف،و لذلك جاء الجواب بقوله:(انّك)و تعليق وقوع الشّيء على شرط لا يقتضي إمكان ذلك الشّرط،يقول الرّجل لامرأته:إن صعدت إلى السّماء فأنت طالق،و معلوم امتناع صعودها إلى السّماء.و قال تعالى في الملائكة الّذين أخبر عنهم أنّهم لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون قال: وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ الأنبياء:29.

إذا اتّضح ذلك سهل ما ورد من هذا النّوع و فهم من ذلك الاستحالة،لأنّ المعلّق على المستحيل مستحيل، و يصير معنى هذه الجملة الّتي ظاهرها الوقوع على تقدير امتناع الوقوع،و يصير المعنى لا تعدّ ظالما و لا تكونه، لأنّك لا تتّبع أهواءهم،و كذلك لا يحبط عملك،لأنّ إشراكك ممتنع،و كذلك لا يجزى أحد من الملائكة جهنّم، لأنّه لا يدّعي أنّه إله.

و قالوا:ما خوطب به من هو معصوم ممّا لا يمكن وقوعه منه،فهو محمول على إرادة أمّته،و من يمكن وقوع ذلك منه.و إنّما جاء الخطاب له على سبيل التّعظيم لذلك الأمر و التّفخيم لشأنه،حتّى يحصل التّباعد منه، و نظير ذلك قولهم:«إيّاك أعني و اسمعي يا جاره».

(1:432)

الآلوسيّ: أي على سبيل الفرض و إلاّ فلا معنى لاستعمال«إن»الموضوعة للمعاني المحتملة بعد تحقّق الانتفاء فيما سبق،و المقصود بهذا الفرض ذكر مثال لاتّباع الهوى و ذكر قبحه من غير نظر إلى خصوصيّة المتّبع و المتّبع.(2:12)

الطّباطبائيّ: تهديد للنّبيّ،و المعنى متوجّه إلى أمّته،و إشارة إلى أنّهم في هذا التّمرّد إنّما يتّبعون أهواءهم،و أنّهم بذلك ظالمون.(1:326)

مكارم الشّيرازيّ: في القرآن مثل هذا اللّون من الخطاب التّهديديّ للنّبيّ بأسلوب القضيّة الشّرطيّة و الهدف من ذلك ثلاثة أشياء:

الأوّل:أن يعلم الجميع عدم وجود أيّ تمييز بين النّاس في إطار القوانين الإلهيّة،و حتّى الأنبياء مشمولون بهذه القوانين.و من هنا فلو صدر عن النّبيّ-على الفرض المحال-انحراف،فسيشمله العقاب الإلهيّ،مع استحالة صدور ذلك عن النّبيّ،بعبارة أخرى:القضيّة الشّرطيّة لا تدلّ على تحقّق الشّرط.

الثّاني:أن يتنبّه النّاس إلى واقعهم،فإذا كان ذلك شأن النّبيّ،فمن الأولى أن يكونوا هم أيضا واعين

ص: 572

لمسئوليّاتهم،و أن لا يستسلموا إطلاقا لميول الأعداء و ضجّاتهم المفتعلة.

الثّالث:أن يتّضح عدم قدرة النّبيّ على تغيير أحكام اللّه،و عدم إمكان الطّلب إليه أن يغيّر حكما من الأحكام،فهو عبد أيضا خاضع لأمر اللّه تعالى.(1:367)

3- ...وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا واقٍ. الرّعد:37

ابن عبّاس:الخطاب مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد أمّته.

(الفخر الرّازيّ 19:62)

عطاء بن السّائب: في صلاتك إلى بيت المقدس بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أنّ قبلتك الكعبة.

(ابن الجوزيّ 4:336)

مقاتل: في قبول ما دعوك إليه من ملّة آبائك.

(ابن الجوزيّ 4:336)

الطّبريّ: و لئن اتّبعت يا محمّد أهواءهم،أهواء هؤلاء الأحزاب و رضاهم و محبّتهم،و انتقلت من دينك إلى دينهم،ما لك من يقيك عذاب اللّه إن عذّبك على اتّباعك أهواءهم،و ما لك من ناصر ينصرك فيستنقذك من اللّه إن هو عاقبك.يقول:فاحذر أن تتّبع أهواءهم.

(13:165)

نحوه المراغيّ.(13:113)

الطّوسيّ: خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد به الأمّة، يقول له:لئن وافقت و طلبت أهواء الّذين كفروا بعد أن جاء العلم.لأنّ ما آتيناك من الدّلالات و المعجزات للعلم.و الاتّباع:طلب اللّحاق بالأوّل كيف تصرّف.

(6:261)

نحوه الطّبرسيّ.(3:297)

القشيريّ: أي و لئن وافقتهم،و لم تعتصم باللّه، و وقعت على قلبك حشمة من غير اللّه،فمالك من واق من اللّه.(3:234)

الميبديّ: و المعنى و لئن اتّبعت أهواءهم في دعائهم إيّاك إلى ملّة آبائهم بعد ما جاءك من القرآن ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ ينصرك وَ لا واقٍ يقيك.و هذا وعيد حسم به طمعهم.

و قيل:المراد بهذا الخطاب أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

(5:204)

الزّمخشريّ: كانوا يدعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى أمور يوافقهم عليها،منها:أن يصلّي إلى قبلتهم بعد ما حوّله اللّه عنها،فقيل له:لئن تابعتهم على دين ما هو إلاّ أهواء و شبه،بعد ثبوت العلم عندك بالبراهين و الحجج القاطعة،خذلك اللّه فلا ينصرك ناصر،و أهلكك فلا يقيك منه واق.

و هذا من باب الإلهاب و التّهييج،و البعث للسّامعين على الثّبات في الدّين و التّصلّب فيه،و أن لا يزلّ زالّ عند الشّبهة بعد استمساكه بالحجّة،و إلاّ فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من شدّة الشّكيمة بمكان،كانوا يعيبونه بالزّواج و الولاد كما كانوا يقولون:ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام،و كانوا يقترحون عليه الآيات و ينكرون النّسخ.(2:363)

نحوه الفخر الرّازيّ.(19:62)

البيضاويّ: الّتي يدعونك إليها،كتقرير دينهم، و الصّلاة إلى قبلتهم بعد ما حوّلت عنها.(1:522)

ص: 573

نحوه أبو السّعود(3:463)،و الآلوسيّ(13:168).

البروسويّ: الّتي يدعونك إليه لتقرير دينهم، جعل ما يدعونه إليه من الدّين الباطل و الطّريق الزّائغ.

(4:383)

الطّباطبائيّ: المراد به النّهي عن اتّباع أهواء أهل الكتاب،و قد ذكر في القرآن من ذلك شيء كثير، و عمدة ذلك أنّهم كانوا يقترحون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله آية غير القرآن كما كان المشركون يقترحونها،و كانوا يطمعون أن يتّبعهم فيما عندهم من الأحكام لإحالتهم النّسخ في الأحكام.و هذان الأمران و لا سيّما أوّلهما عمدة ما تتعرّض له هذه الآيات.

و المعنى:و كما أنزلنا على الّذين أوتوا الكتاب كتابهم أنزلنا هذا القرآن عليك بلسانك،مشتملا على حكم أو حاكما بين النّاس،و لئن اتّبعت أهواء أهل الكتاب فتمنّيت أن ينزّل عليك آية غير القرآن كما يقترحون، أو داهنتهم و ملت إلى اتّباع بعض ما عندهم من الأحكام المنسوخة أو المحرّفة أخذناك بالعقوبة،و ليس لك وليّ يلي أمرك من دون اللّه،و لا واق يقيك منه.فالخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو المراد به دون الأمّة،كما ذكره بعضهم.

(11:373)

اتّبعتنى

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً. الكهف:70

الطّوسيّ: و اقتفيت أثري.(7:72)

نحوه الطّبرسيّ.(3:483)

الزّمخشريّ: يعني فمن شرط اتّباعك لي أنّك إذا رأيت منّي شيئا و قد علمت أنّه صحيح،إلاّ أنّه غبّي عليك وجه صحّته،فحميت و أنكرت في نفسك ان لا تفاتحني بالسّؤال و لا تراجعني فيه،حتّى أكون أنا الفاتح عليك.و هذا من آداب المتعلّم مع العالم،و المتبوع مع التّابع.(2:493)

نحوه أبو حيّان(6:148)،و المراغيّ(15:178).

البغويّ: فإن صحبتني،و لم يقل:اتّبعني،و لكن جعل الاختيار إليه.إلاّ أنّه شرط عليه شرطا.فقال:

(فلا تسألني).(3:206)

نحوه الخازن.(4:181)

أبو السّعود :أذن له في الاتّباع بعد اللّتيّا و الّتي.

(4:204)

مثله الآلوسيّ.(16:335)

راجع:«س ء ل»(فلا تسألني).

2- وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ. الأعراف:90

الطّوسيّ: انقدتم له،و رجعتم إلى أمره و نهيه.

(4:501)

نحوه الطّبرسيّ.(2:450)

الشّربينيّ: أي على دينه،و تركتم دينكم و ما أنتم عليه إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ. (1:494)

نحوه أبو السّعود(3:7)،و الكاشانيّ(2:220)، و البروسويّ(3:203)،و الآلوسيّ(9:6).

الطّباطبائيّ: هذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب أو

ص: 574

أراد أن يؤمن به،و يكون من جملة الإيعاد و الصّدّ اللّذين كان شعيب ينهى عنهما،بقوله: وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ الأعراف:86.

و يكون إفراد هذا بالذّكر هاهنا من بين سائر أقوالهم،ليكون كالتّوطئة و التّمهيد لما سيأتي من قولهم، بعد ذكر هلاكهم: اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ الأعراف:92.

و يحتمل أن يكون الاتّباع بمعناه الظّاهر العرفيّ،و هو اقتفاء أثر الماشي على الطّريق و السّالك السّبيل،بأن يكون الملأ المستكبرون لما اضطرّوه و من معه إلى أحد الأمرين:الخروج من أرضهم و العود في ملّتهم،ثمّ سمعوه يردّ عليهم العود إلى ملّتهم ردّا قاطعا،ثمّ يدعو بمثل قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ الأعراف:89،لم يشكّوا أنّه سيتركهم و يهاجر إلى أرض غير أرضهم،و يتّبعه في هذه المهاجرة المؤمنون به من القوم،خاطبوا عند ذلك طائفة المؤمنين بقولهم: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ.

فهدّدوهم و خوّفوهم بالخسران إن تبعوه في الخروج من أرضهم ليخرج شعيب وحده،فإنّهم إنّما كانوا يعادونه إيّاه بالأصالة،و أمّا المؤمنون فإنّما كانوا يبغضون من جهته و لأجله.

و على أيّ الوجهين كان فالآية كالتّوطئة و التّمهيد للآية الآتية: اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ كما تقدّمت الإشارة إليه.(8:192)

اتّبعت

وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللّهِ مِنْ شَيْءٍ... يوسف:38

الطّوسيّ: في هذه الآية إخبار عن يوسف أنّه قال لهما:إنّي في ترك اتّباع ملّة الكفّار و جحدهم البعث و النّشور،و في إيماني باللّه و توحيدي له،اتّبعت ملّة آبائي إبراهيم و إسحاق و يعقوب.فالاتّباع:اقتفاء الأثر،و هو طلب اللّحاق بالأوّل،فاتّباع المحقّ بالقصد إلى موافقته من أجل دعائه.(6:140)

ابن عطيّة :تماد من يوسف عليه السّلام في دعائهما إلى الملّة الحنيفيّة،و زوال عن مواجهة«مجلث (1)»لما تقتضيه رؤياه.(3:245)

نحوه أبو حيّان.(5:309)

ابن كثير :هجرت طريق الكفر و الشّرك، و سلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.(4:27)

أبو السّعود :قدّم ذكر تركه لملّتهم على ذكر اتّباعه لملّة آبائه،لأنّ التّخلية متقدّمة على التّحلية.

(3:359)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و جوّز بعضهم أن لا يكون هناك تعليل،و إنّما الجملة الأولى مستأنفة،ذكرت تمهيدا للدّعوة،و الثّانية إظهارا، لأنّه من بيت النّبوّة،لتقوى الرّغبة فيه.و في كلام أبي حيّان ما يقتضي أنّه الظّاهر،و ليس بذاك.

(12:242)

نحوه القاسميّ.(9:2540)

و هناك أبحاث لاحظ:«ت ر ك».

ص: 575


1- اسم أحد صاحبي يوسف في السّجن.
اتّبعنا

رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ. آل عمران:53

الطّبريّ: يعني بذلك:صرنا أتباع عيسى،على دينك الّذي ابتعثته به،و أعوانه على الحقّ الّذي أرسلته به إلى عبادك.(3:288)

الطّوسيّ: فالاتّباع:سلوك طريقة الدّاعي على الإجابة إلى ما دعا إليه،و ليس كلّ إجابة اتّباعا،لأنّ إجابة الدّعاء يجوز على اللّه تعالى و لا يجوز عليه الاتّباع.

(2:475)

الطّبرسيّ: أي اتّبعناه.(1:448)

أبو السّعود :أي في كلّ ما يأتي و يذر من أمور الدّين،فيدخل فيه الاتّباع في النّصرة دخولا أوّليّا.

(1:374)

نحوه البروسويّ.(2:40)

الآلوسيّ: أي امتثلنا ما أتى به منك إلينا.(3:177)

اتّبعناكم

...قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ... آل عمران:167

مجاهد :يعنون لو نعلم أنّكم تلقون حربا لجئناكم، و لكن لا تلقون قتالا.(ابن كثير 2:152)

نحوه الطّبريّ.(4:168)

أبو السّعود :أي لو نحسن قتالا و نقدر عليه.و إنّما قالوه دغلا و استهزاء.[إلى أن قال:]

و في جعلهم التّالي مجرّد الاتّباع دون القتال الّذي هو المقصود بالدّعوة دليل على كمال تثبّطهم عن القتال؛ حيث لا ترضى نفوسهم بجعله تاليا لمقدّم مستحيل الوقوع.(2:60)

اتّبعوا

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. البقرة:166

راجع(اتّبعوا)الآية(2).

يتّبع

1- وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ... النّساء:115

راجع:«س ب ل»(سبيل)

2- وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً. يونس:36

راجع«ظ ن ن،و ك ث ر»

3- ...وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ... يونس:66

الطّبريّ: أيّ شيء يتّبع من يقول:للّه شركاء في سلطانه و ملكه كاذبا؟و اللّه المنفرد بملك كلّ شيء،في سماء كان أو أرض.(11:139)

الطّوسيّ: تحتمل(ما)في قوله:(و ما يتّبع)وجهين:

ص: 576

أحدهما:أن تكون بمعنى«أيّ»كأنّه قال:و أيّ شيء يتّبع الّذين يدعون من دون اللّه شركاء،تقبيحا لفعلهم.

الثّاني:أن تكون نافية،و تقديره:و ما يتّبعون شركاء في الحقيقة و المعرفة.(5:464)

نحوه البغويّ(2:427)،و الفخر الرّازيّ(17:

131)،و أبو البقاء(2:68)،و القرطبيّ(8:360)، و الخازن(3:163).

الزّمخشريّ: و معنى(ما يتّبعون شركاء)أي، ما يتّبعون حقيقة الشّركاء،و إن كانوا يسمّونها شركاء لأنّ شركة اللّه في الرّبوبيّة محال.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون وَ ما يَتَّبِعُ في معنى الاستفهام، يعني و أيّ شيء يتّبعون؟و(شركاء)على هذا نصب ب(يدعون)،و على الأوّل ب(يتّبع)،و كان حقّه و ما يتّبع الّذين يدعون من دون اللّه شركاء،فاقتصر على أحدهما للدّلالة.

و يجوز أن تكون(ما)موصولة معطوفة على(من) كأنّه قيل:و للّه ما يتّبعه الّذين يدعون من دون اللّه شركاء،أي:و له شركاؤهم.(2:244)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و يحتمل وجها ثالثا و هو أن يكون(ما)بمعنى «الّذي»،و يكون منصوبا بالعطف على(من)و يكون التّقدير:و الّذي يتّبع الأصنام الّذين يدعونهم من دون اللّه شركاء.فحذف العائد من الصّلة و(شركاء)حال من ذلك المحذوف.

و إن جعلت(ما)نفيا،فقوله:(شركاء)ينتصب ب(يدعون)و العائد إلى(الّذين)الواو في(يدعون)، و يكون قوله:(ان يتّبعون مكرّرا لطول الكلام.و تقف في هذا القول على قوله:(و من فى الارض)و في ذلك القول على قوله:(شركاء).(3:121)

نحوه النّيسابوريّ(11:100)،و أبو حيّان(5:176).

أبو السّعود :برهان على بطلان ظنونهم و أعمالهم المبنيّة عليها.و(ما)إمّا نافية،و(شركاء)مفعول(يتّبع) و مفعول(يدعون)محذوف لظهوره،أي ما يتّبع الّذين يدعون من دون اللّه شركاء شركاء،في الحقيقة.و إن سمّوها شركاء فاقتصر على أحدهما لظهور دلالته على الآخر.

و يجوز أن يكون المذكور مفعول(يدعون)و يكون مفعول(يتّبع)محذوفا،لانفهامه من قوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ أي ما يتّبعونه يقينا إنّما يتّبعون ظنّهم الباطل.

و إمّا موصولة معطوفة على(من)كأنّه قيل:و اللّه ما يتّبعه الّذين يدعون من دون اللّه شركاء،أي و له شركاؤهم.و تخصيصهم بالذّكر مع دخولهم فيما سيق عبارة أو دلالة للمبالغة في بيان بطلان اتّباعهم،و فساد ما بنوه عليه من ظنّهم شركاءهم معبودين،مع كونهم عبيدا له سبحانه.

و إمّا استفهاميّة،أي و أيّ شيء يتّبعون،أي لا يتّبعون إلاّ الظّنّ و الخيال الباطل،كقوله تعالى:

ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها يوسف:40.

و قرئ (تدعون) بالتّاء،فالاستفهام للتّبكيت و التّوبيخ،كأنّه قيل:و أيّ شيء يتّبع الّذين تدعونهم شركاء من الملائكة و النّبيّين،تقريرا لكونهم متّبعين للّه

ص: 577

تعالى مطيعين له،و توبيخا لهم على اقتدائهم بهم في ذلك،كقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ الإسراء:57،ثمّ صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة،فقيل:إن يتّبع هؤلاء المشركون إلاّ الظنّ،و لا يتّبعون ما يتّبعه الملائكة و النّبيّون من الحقّ.

(3:258)

نحوه الآلوسيّ.(11:153)

المراغيّ: أي إنّ هؤلاء المشركين الّذين يعبدون غير اللّه تعالى-بدعائهم في الشّدائد و استغاثتهم في النّوازل و التّقرّب إليهم بالقرابين و النّذور-لا يتّبعون شركاء له في الحقيقة يدبّرون أمور العباد و يكشفون الضّرّ عنهم؛إذ لا شريك له.

ثمّ أكّد ما سلف و زاده بيانا فقال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ أي ما يتّبعون في الحقيقة فيما يقولون إلاّ الظنّ في دعواهم أنّهم أولياء للّه و شفعاء عنده،فهم يقيسونه على ملوكهم الظّالمين المتكبّرين الّذين لا يصل إليهم أحد من رعاياهم إلاّ بوسائل حجّابه و وزرائه و وسائطه.(11:132)

4- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ. الحجّ:3

الطّباطبائيّ: وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ بيان لمسلكه في الاعتقاد و العمل،بعد بيان مسلكه في القول، كأنّه قيل:إنّه يقول في اللّه بغير علم و يصرّ على جهله، و يعتقد بكلّ باطل و يعمل به.و إذ كان الشّيطان هو الّذي يهدي الإنسان إلى الباطل و الإنسان إنّما يميل إليه بإغوائه،فهو يتّبع في كلّ ما يعتقده و يعمل به الشّيطان.

فقد وضع اتّباع الشّيطان في الآية موضع الاعتقاد و العمل،للدّلالة على الكيفيّة،و ليبيّن في الآية التّالية أنّه ضالّ عن طريق الجنّة،سالك إلى عذاب السّعير.

(14:342)

محمّد حسين فضل اللّه: و تلك مشكلة:من يتّبعون القيادات المنحرفة الّتي تعمل على إثارة الفساد، و إبعاد النّاس عن خطّ الخير،فيجمّدون عقول هؤلاء النّاس ليتّبعوا عقولهم دون وعي أو تفكير،ليتحرّكوا عندها لتحقيق مخطّطات الشّرّ و الظّلم و الضّلال.[إلى أن قال:]

و عند قراءة كيفيّة تقديم القرآن الكريم لهذا النّموذج المنحرف،نلاحظ أنّ هذا النّموذج يتميّز بصفتين:الأولى:افتقاده إلى العلم الّذي يفتح أمامه أبواب الحقّ،و الثّانية:اتّباعه الشّيطان الخبيث الّذي يريد للحياة أن تتحرّك في طريق الشّرّ،و أن تبتعد عن طريق الخير.

و في ضوء ذلك نفهم أنّ للعلم قيمة أساسيّة في شخصيّة الإنسان،و في حركة الواقع الفكريّ و العمليّ، و التّأكيد عليه يمكن أن يؤدّي إلى إطلاق الخلاف العقيديّ و السّياسيّ و الاجتماعيّ،من موقع التّنوّع في الاجتهاد القائم على الدّليل الّذي قد تختلف الأنظار في فهمه،و بذلك يمكن أن يؤدّي الحوار إلى اللّقاء على أكثر من قضيّة من قضايا الخلاف،و إلى الانفتاح على الحقّ من أقرب طريق.

من هنا،يجب التّأكيد على ضرورة انطلاق القاعدة

ص: 578

من مواقع الاقتناع الفكريّ بالقيادة،لا من مواقع التّقليد الأعمى لها،لا سيّما في المسائل الّتي يمكن للقاعدة أن تأخذ فيها بأسباب المعرفة،أو من قاعدة الأساس الشّرعيّ الّذي يعطي الإنسان الحقّ في اتّباع قيادة مؤهّلة،تملك مواصفات معيّنة،يأمن معها من الوقوع في قبضة الضّلال،لما تملكه من العصمة أو العلم أو التّقوى أو الإيمان،ممّا يجعله-أي الإنسان-بمأمن من الوقوع في قبضة الضّلال؛بحيث يتحوّل المجتمع إلى ساحة متحرّكة بالعلم و الوعي،مع القيادات المؤمنة الواعية الّتي تنفتح على اللّه،و على المسئوليّة من خلاله.(15:16)

5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ... النّور:21

الطّبريّ: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه و رسوله، لا تسلكوا سبيل الشّيطان و طرقه.و لا تقفوا آثاره، بإشاعتكم الفاحشة في الّذين آمنوا و إذاعتكموها فيهم، و روايتكم ذلك عمّن جاء به.(18:101)

أبو السّعود :فمن اتّبع خطواته فقد امتثل بأمره قطعا.

(4:447)

محمّد جواد مغنيّة:من أمكن الشّيطان من نفسه قاده إلى كلّ قبيحة و رذيلة.(5:408)

يتّبعهم

وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. الشّعراء:224

أبو زرعة: قرأ نافع (و الشّعراء يتبعهم الغاون) بالتّخفيف من:تبع يتبع،و قرأ الباقون (يتّبعهم) بالتشديد من:اتّبع يتّبع.فتبعه:سار في أثره،و اتّبعه:

لحقه.(522)

نحوه ابن عطيّة.(4:246)

الزّمخشريّ: (و الشّعراء)مبتدأ،و(يتّبعهم الغاون) خبره.و معناه أنّه لا يتّبعهم على باطلهم و كذبهم، و فضول قولهم و ما هم عليه من الهجاء و تمزيق الأعراض،و القدح في الأنساب،و النّسيب بالحرم و الغزل و الابتهار،و مدح من لا يستحقّ المدح، و لا يستحسن ذلك منهم،و لا يطرب على قولهم إلاّ الغاوون و السّفهاء و الشّطّار (1).(3:133)

أبو السّعود :و المعنى أنّ الشّعراء يتّبعهم،أي يجاريهم،و يسلك مسلكهم.و يكون من جملتهم الغاوون الضّالّون عن السّنن،الحائرون فيما يأتون و ما يذرون.

(5:64)

يتّبعون

1- ...فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ... آل عمران:7

الطّوسيّ: أي يحتجّون به على باطلهم.(2:399)

مثله الطّبرسيّ.(1:409)

الزّمخشريّ: فيتعلّقون بالمتشابه الّذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع ممّا لا يطابق المحكم،و يحتمل ما يطابقه من قول أهل الحقّ.(1:413)

ص: 579


1- أي الخبثاء.

نحوه النّيسابوريّ(3:128)،و ابن كثير(2:6)، و أبو السّعود(1:337).

البيضاويّ: فيتعلّقون بظاهره أو بتأويل باطل.

(1:149)

مثله الشّربينيّ.(1:196)

الخازن :يعني يحيلون المحكم على المتشابه و المتشابه على المحكم.(1:270)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد باتّباع المتشابه:اتّباعه عملا لا إيمانا،و أنّ هذا الاتّباع المذموم اتّباع للمتشابه من غير إرجاعه إلى المحكم؛إذ على هذا التّقدير يصير الاتّباع اتّباعا للمحكم،و لا ذمّ فيه.(3:23)

راجع«ش ب ه»(المتشابه)

2- وَ اللّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً. النّساء:27

مجاهد :يعني به الزّناة.(الطّوسيّ 3:176)

نحوه الضّحّاك.(الماورديّ 1:474)

السّدّيّ: هم اليهود و النّصارى.(201)

ابن زيد :كلّ متّبع شهوة غير مباحة.

(الماورديّ 1:474)

الطّبريّ: و يريد الّذين يطلبون لذّات الدّنيا و شهوات أنفسهم فيها.(5:28)

النّحّاس:أي يريدون أن تعدلوا عن القصد و الحقّ.

(2:69)

الطّوسيّ: قيل:فيه أربعة أقوال:[و نقل قول ابن زيد و مجاهد و السّدّيّ ثمّ قال:]

الرّابع:اليهود خاصّة،لأنّهم يحلّون نكاح الأخت من الأب،و الأوّل[يعني قول ابن زيد]أقوى لأنّه أعمّ فائدة،و أوفق لظاهر اللّفظ.(3:176)

نحوه الطّبرسيّ(2:36)،و ابن عطيّة(2:40)، و القرطبيّ(5:149).

الزّمخشريّ: قيل:هم اليهود،و قيل:المجوس كانوا يحلّون نكاح الأخوات من الأب و بنات الأخ و بنات الأخت،فلمّا حرّمهنّ اللّه قالوا:فإنّكم تحلّون بنت الخالة و العمّة،و الخالة و العمّة عليكم حرام،فانكحوا بنات الأخ و الأخت فنزلت،يقول تعالى:يريدون أن تكونوا زناة مثلهم.(1:521)

نحوه رشيد رضا.(5:37)

البيضاويّ: يعني الفجرة،فإنّ اتّباع الشّهوات الائتمار لها.و أمّا المتعاطي لما سوّغه الشّرع منها دون غيره فهو متّبع له في الحقيقة،لا لها.[ثمّ ذكر الأقوال نحو الزّمخشريّ](1:215)

نحوه أبو السّعود(2:127)،و البروسويّ(2:193).

ابن كثير :أي يريد أتباع الشّياطين من اليهود و النّصارى و الزّناة،أن تميلوا عن الحقّ إلى الباطل ميلا عظيما.(2:252)

الآلوسيّ: يعني الفسقة،لأنّهم يدورون مع شهوات أنفسهم من غير تحاش عنها،فكأنّهم بانهماكهم فيها أمرتهم الشّهوات باتّباعها،فامتثلوا أمرها و اتّبعوها،فهو استعارة تمثيليّة.و أمّا المتعاطي لما سوّغه الشّرع منها دون غيره فهو متّبع له لا لها.(5:14)

ص: 580

نحوه المراغيّ.(5:14)

محمّد جواد مغنيّة: الّذين يتّبعون الشّهوات، هم دعاة التّحرّر من القيود الدّينيّة و الأخلاقيّة، و الانطلاق مع غريزة الجنس أنّى توجّهت،و هؤلاء موجودون في كلّ عصر من عهد مزدك إلى آخر يوم، و إن اختلفوا في شيء فإنّما يختلفون في الأسلوب تبعا لعصورهم.و قد تفنّنوا في القرن العشرين باسم الحرّيّة و التّطوّر،و تجاوزوا الحدّ في إثارة الجنس عن طريق الأفلام و الرّوايات،و الأعضاء العارية و الحركات.و هذا هو الميل و الانحراف العظيم الّذي أشار إليه سبحانه بقوله: أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً. (2:302)

3- اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ...

الأعراف:157

الطّوسيّ: فذكر أنّ من تمام صفاتهم اتّباعهم للرّسول اَلنَّبِيَّ الْأُمِّيَّ... يعني محمّدا صلّى اللّه عليه و آله.

(4:593)

ابن عطيّة :معناه في شرعه و دينه.(2:463)

نحوه القرطبيّ.(7:297)

الطّبرسيّ: أي يؤمنون به و يعتقدون بنبوّته،يعني نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(2:487)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في ذلك،فقال بعضهم:

المراد بذلك أن يتّبعوه باعتقاد نبوّته،من حيث وجدوا صفته في التّوراة؛إذ لا يجوز أن يتّبعوه في شرائعه قبل أن يبعث إلى الخلق.

و قال بعضهم:بل المراد من لحق من بني إسرائيل أيّام الرّسول.فبيّن تعالى أنّ هؤلاء اللاّحقين لا يكتب لهم رحمة الآخرة إلاّ إذا اتّبعوا الرّسول النّبيّ الأمّيّ.

و القول الثّاني أقرب،لأنّ اتّباعه قبل أن بعث و وجد لا يمكن.(15:22)

البيضاويّ: اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ مبتدأ و خبره(يامرهم)،أو خبر مبتدإ،تقديره:هم الّذين،أو بدل من(للّذين يتّقون)الأعراف:156،بدل البعض أو الكلّ.و المراد:من آمن منهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:372)

أبو حيّان :معنى الاتّباع:الاقتداء فيما جاء به اعتقادا و قولا و فعلا.(4:403)

أبو السّعود :و الموصول بدل من الموصول الأوّل بدل الكلّ،أو منصوب على المدح أو مرفوع عليه،أي أعني الّذين،أو هم الّذين.و أمّا جعله مبتدأ على أنّ خبره (يامرهم)أو(اولئك هم المفلحون)فغير سديد.

(3:38)

الطّباطبائيّ: فقوله: اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الآية،و إن كان بيانا لقوله: وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ إلاّ أنّه ليس بيانا مساويا في السّعة و الضّيق لمبيّنه بل بيان مستخرج من مبيّنه انتزع منه، و خصّ بالذّكر ليستفاد منه فيما هو الغرض من سوق الكلام،و هو بيان حقيقة الدّعوة المحمّديّة،و لزوم إجابتهم لها و تلبيتهم لداعيها.

و لذلك في القرآن الكريم نظائر من حيث التّضييق و التّوسعة في البيان،كما قال تعالى حاكيا عن إبليس:

ص: 581

فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الآية،ثمّ قال في موضع آخر حاكيا عنه: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً* وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ النّساء:118،119،فإنّ القول الثّاني المحكيّ عن إبليس مستخرج من عموم قوله المحكيّ أوّلا:(لاغوينّهم اجمعين).

و قال تعالى في أوّل السّورة: وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ -إلى أن قال- يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ الأعراف:11-35،و قد تقدّم أنّ ذلك من قبيل استخراج الخطاب من الخطاب لغرض التّعميم،إلى غير ذلك من النّظائر.

فيؤوّل معنى بيانيّة قوله:(الّذين يتّبعون الرّسول) إلى استخراج بيان من بيان،للتّطبيق على مورد الحاجة، كانّه قيل:فإذا كان المكتوب من رحمة اللّه لبني إسرائيل قد كتب للّذين يتّقون و يؤتون الزّكاة و الّذين هم بآياتنا يؤمنون،فمصداقه اليوم-يوم بعث محمّد صلّى اللّه عليه و آله-هم الّذين يتّبعونه من بني إسرائيل،لأنّهم الّذين اتّقوا و آتوا الزّكاة،و هم الّذين آمنوا بآياتنا،فإنّهم آمنوا بموسى و عيسى و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هم آياتنا،و آمنوا بمعجزات هؤلاء الرّسل،و ما نزل عليهم من الشّرائع و الأحكام و هي آياتنا،و آمنوا بما ذكرنا لهم في التّوراة و الإنجيل من أمارات نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و علامات ظهوره و دعوته،و هي آياتنا.

ثمّ قوله: اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الآية،أخذ فيه(يتّبعون)موضع يؤمنون،و هو من أحسن التّعبير،لأنّ الإيمان بآيات اللّه سبحانه كأنبيائه و شرائعهم إنّما هو بالتّسليم و الطّاعة،فاختير لفظ الاتّباع للدّلالة على أنّ الإيمان بمعنى الاعتقاد المجرّد لا يغني شيئا،فإنّ ترك التّسليم و الطّاعة عملا تكذيب بآيات اللّه و إن كان هناك اعتقاد بأنّه حقّ.(8:279)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية في الحقيقة تكمل الآية السّابقة الّتي كانت حول صفات الّذين تشملهم الرّحمة الإلهيّة الواسعة،يعني بعد ذكر الصّفات الثّلاث:

التّقوى،و أداء الزّكاة،و الإيمان بآيات اللّه.و في هذه الآية يذكر صفات أخرى لهم من باب التّوضيح،و هي اتّباع الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ الإيمان باللّه غير قابل للفصل عن الإيمان بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اتّباع دينه،و هكذا التّقوى و الزّكاة لا يتمّان و لا يكملان من دون اتّباع القيادة.(5:224)

4- ...وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ. يونس:66

راجع«ظ ن ن»،و لاحظ«يتّبع»الآية(3).

5- يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ... طه:108

راجع«ع و ج».

6- فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً... القصص:50

راجع«ه و ي».

ص: 582

7- اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ...

الزّمر:18

راجع«ح س ن».

8- ...إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ...

النّجم:23

الطّبريّ: ما يتّبع هؤلاء المشركون في هذه الأسماء الّتي سمّوا بها آلهتهم إلاّ الظّنّ،بأنّ ما يقولون حقّ، لا اليقين.(27:61)

الفخر الرّازيّ: قرئ (ان تتّبعون) بالتّاء على الخطاب و هو ظاهر،مناسب لقوله تعالى:(انتم و آباؤكم) و على المغايبة،و فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون الخطاب معهم لكنّه يكون التفاتا،كأنّه قطع الكلام معهم،و قال لنبيّه:(إنّهم لا يتّبعون الاّ الظّنّ)فلا تلتفت إلى قولهم.

ثانيهما:أن يكون المراد غيرهم،و فيه احتمالان:

أحدهما:أن يكون المراد آباءهم،و تقديره هو أنّه لمّا قال:(سمّيتموها انتم)كأنّهم قالوا:هذه ليست أسماء وضعناها نحن،و إنّما هي كسائر الأسماء تلقّيناها ممّن قبلنا من آبائنا،فقال:و سمّاها آباؤكم و ما يتّبعون إلاّ الظّنّ.

فإن قيل:كان ينبغي أن يكون بصيغة الماضي.

نقول:و بصيغة المستقبل أيضا،كأنّه يفرض الزّمان بعد زمان الكلام،كما في قوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ الكهف:18.

ثانيهما:أن يكون المراد عامّة الكفّار،كأنّه قال:إن يتّبع الكافرون إلاّ الظّنّ.(28:300)

نحوه النّيسابوريّ.(27:34)

أبو السّعود :التفات إلى الغيبة للإيذان بأنّ تعداد قبائحهم اقتضى الإعراض عنهم و حكاية جناياتهم لغيرهم،أي ما يتّبعون فيما ذكر من التّسمية و العمل بموجبها(الاّ الظّنّ).(6:157)

نحوه الآلوسيّ.(27:58)

المراغيّ: أي ليس مستند إلاّ حسن ظنّهم بآبائهم الّذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم،و إلاّ حظوظ نفوسهم في رئاستهم و تعظيم آبائهم الأقدمين.(27:52)

الطّباطبائيّ: و المعنى إن يتّبع هؤلاء المشركون في أمر آلهتهم إلاّ الظّنّ،و ما يميل إليه أنفسهم شهوة يتّبعون ذلك،و الحال أنّه قد جاءهم من اللّه-و هو ربّهم-الهدى، و هي الدّعوة الحقّة،أو القرآن الّذي يهديهم إلى الحقّ.

و الالتفات في الآية من الخطاب إلى الغيبة للإشعار بأنّهم أحطّ فهما من أن يخاطبوا بهذا الكلام،على أنّهم غير مستعدّين لأن يخاطبوا بكلام برهانيّ،و هم أتباع الظّنّ و الهوى.(19:39)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ الأنعام:148 و لاحظ«ظ ن ن و خ ر ص».

لا يتّبعوكم

وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ. الأعراف:193

الجبّائيّ: معناه أنّ الأصنام و الأوثان الّتي كانوا يعبدونها و يتّخذونها آلهة إن دعوها إلى الهدى و الرّشد

ص: 583

لم يستمعوا ذلك،و لا تمكّنوا من اتّباعهم،لأنّها جمادات لا تفقه و لا تعقل.(الطّوسيّ 5:67)

نحوه الطّبرسيّ(2:510)،و الفخر الرّازيّ(15:

91)،و رشيد رضا(9:526).

الزّمخشريّ: و المعنى و إن تطلبوا منهم كما تطلبون من اللّه الخير و الهدى(لا يتّبعوكم)إلى مرادكم و طلبتكم، و لا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه.(2:136)

نحوه المراغيّ(9:141)،و عبد الكريم الخطيب(5:

539).

ابن عطيّة :[قال نحو الجبّائيّ و أضاف:]

و قرأ نافع وحده (لا يتبعوكم) بسكون التّاء و فتح الباء،و قرأ الباقون (لا يتّبعوكم) بشدّ التّاء المفتوحة و كسر الباء،و المعنى واحد.(2:488)

طه الدّرّة: [قال نحو الجبّائيّ و أضاف:]

و يجوز أن يكون الخطاب للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين و المنصوب للكفّار،أي و إن تدعوا الكفّار إلى الإيمان لا يستجيبوا لكم.(5:159)

تتّبع

1- وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ... البقرة:120

الزّجّاج :(تتّبع)نصب ب(حتّى)،و الخليل و سيبويه و جميع من يوثق بعلمه يقولون:إنّ النّاصب للفعل بعد حتّى«ان»إلاّ أنّها لا تظهر مع حتّى،و دليلهم أنّ«حتّى»غير ناصبة هو أنّ«حتّى»بإجماع خافضة، قال اللّه عزّ و جلّ: سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ القدر:

5،فخفض(مطلع)ب(حتّى).

و لا نعرف في العربيّة أنّ ما يعمل في اسم يعمل في فعل،و لا ما يكون خافضا لاسم يكون ناصبا لفعل،فقد بان أنّ«حتّى»لا تكون ناصبة،كما أنّك إذا قلت:جاء زيد ليضربك،فالمعنى جاء زيد لأن يضربك،لأنّ اللاّم خافضة للاسم،و لا تكون ناصبة لفعل.

و كذلك:ما كان زيد ليضربك،اللاّم خافضة، و النّاصب ل«يضربك»أن المضمرة،و لا يجوز إظهارها مع هذه اللاّم.و إنّما لم يجز لأنّها جواب لما يكون مع الفعل و هو حرف واحد،يقول القائل:سيضربك،و سوف يضربك،فجعل الجواب في النّفي بحرف واحد،كما كان في الإيجاب بشيء واحد.(1:202)

لاحظ«ر ض ي»:لن ترضوا،و«م ل ل»:ملّتهم.

2- ...فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ... المائدة:48

الطّوسيّ: نهي له صلّى اللّه عليه و آله عن اتّباع أهوائهم في الحكم.و لا يدلّ ذلك على أنّه كان اتّبع أهواءهم،لأنّه مثل قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65، و لا يدلّ ذلك على أنّ الشّرك كان وقع منه.(3:544)

البغويّ: أي لا تعرض عمّا جاءك من الحقّ، و لا تتّبع أهواءهم.(2:58)

نحوه الطّباطبائيّ.(5:349)

الزّمخشريّ: ضمّن(و لا تتّبع)معنى و لا تنحرف، فلذلك عدّي ب«عن»كأنّه قيل:و لا تنحرف عمّا جاءك من الحقّ متّبعا أهواءهم.(1:618)

ص: 584

الطّبرسيّ: يجوز أن يكون(عن)من صلة معنى (لا تتّبع اهواءهم)لأنّ معناه لا تزغ،فكأنّه قال:لا تزغ عمّا جاءك باتّباع أهوائهم.

و متى قيل:كيف يجوز أن يتّبع النّبيّ أهواءهم مع كونه معصوما؟

فالجواب:أنّ النّبيّ يجوز أن يردّ عمّا يعلم أنّه لا يفعله،و يجوز أن يكون الخطاب له،و المراد:جميع الحكّام.(2:203)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:[نحو قول الزّمخشريّ المتقدّم]

المسألة الثّانية:روي أنّ جماعة من اليهود قالوا:

تعالوا نذهب إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لعلّنا نفتنه عن دينه،ثمّ دخلوا عليه و قالوا:يا محمّد قد عرفت أنّا أحبار اليهود و أشرافهم،و إنّا إن اتّبعناك اتّبعك كلّ اليهود،و أنّ بيننا و بين خصومنا حكومة فنحاكمهم إليك،فاقض لنا و نحن نؤمن بك؛فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

المسألة الثّالثة:تمسّك من طعن في عصمة الأنبياء بهذه الآية،و قال:لو لا جواز المعصية عليهم و إلاّ لما قال:

وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ.

و الجواب:أنّ ذلك مقدور له،و لكن لا يفعله لمكان النّهي.و قيل:الخطاب له،و المراد غيره.(12:11)

القرطبيّ: يعني لا تعمل بأهوائهم و مرادهم على ما جاءك من الحقّ،يعني لا تترك الحكم بما بيّن اللّه تعالى من القرآن،من بيان الحقّ و بيان الأحكام.(6:210)

البيضاويّ: بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه،ف(عن) صلة ل(لا تتّبع)لتضمّنه معنى:لا تنحرف،أو حال من فاعله،أي لا تتّبع أهواءهم مائلا عمّا جاءك.(1:277)

نحوه النّيسابوريّ.(6:108)

النّسفيّ: نهى أن يحكم بما حرّفوه و بدّلوه،اعتمادا على قولهم.[ثمّ قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

أو التّقدير:عادلا عمّا جاءك.(1:286)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قال أبو البقاء:(عمّا جاءك)في موضع الحال،أي عادلا عمّا جاءك،و لم يضمّن(تتّبع)معنى ما تعدّى ب(عن).

و هذا ليس بجيّد لأنّ(عن)حرف ناقص لا يصلح أن يكون حالا من الجملة،كما لا يصلح أن يكون خبرا.و إذا كان ناقصا فإنّه يتعدّى بكون مقيّد لا بكون مطلق، و الكون المقيّد لا يجوز حذفه.(3:502)

نحوه أبو السّعود.(2:280)

ابن كثير :أي لا تنصرف عن الحقّ الّذي أمرك اللّه به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء.(2:587)

جلال الحنفيّ البغداديّ: فالنّهي هنا عن اتّباع أهواء القوم يعدّ حالة تفسير للحكم الّذي أمر اللّه نبيّه أن يحكم به،ملتزما بما أنزل اللّه.و من ذلك الآية الّتي نحن في صدد الكلام عليها.

و يفهم من هذا أنّ النّبيّ كان قد ناط اللّه به مهامّا كثيرة،تتعدّى مهامّ الصّوم و الصّلاة و الإمامة في النّاس، إلى القضاء و الحكم و إصدار القرار في أخطر الأمور و الأحداث الّتي كانت تواجهه.و فيها ما يتعلّق بكيان الأمّة و سلامة المجتمع و حلّ المشاكل الّتي يثيرها خصوم الملّة و أعداء الشّريعة،و ما كان أكثر ما يحدث منها في

ص: 585

عالم المدينة؛بحيث يبيت الرّسول لها و لأمثالها في شغل شاغل و همّ متفاعل،و لا يكون معه من يشاطره مثل هذا العناء،أو يبتلي معه بمثل هذا البلاء.

أجل،لقد كانت شخصيّة رسول اللّه شخصيّة قيادة و رئاسة و إدارة،مضافا هذا فيها إلى أنّها شخصيّة نبيّ و رسول تهدف رسالته إلى إصلاح العالم كلّه و إنقاذ البشريّة من محنتها،في أخلاقها و عقلها و حاضرها و مستقبلها و عللها و مشاكلها و سائر أحوالها؛حيث ما كانت مواقعها من هذه الأرض،و ذاك فوق ما كان على النّبيّ من أمر توحيد الأمّة العربيّة،و تطعيمها بالقوّة، و الخروج من قوقعتها إلى سائر آفاق اللّه الواسعة،لتصنع من أجل الإنسانيّة ما ناط اللّه بها أن تصنع.

حقّا أنّ مهمّة الرّسول كانت مهمّة عظيمة و ثقيلة و شاقّة،و قد تكرّرت هذه التّوصيات و النّواحي في آية تالية،توكيدا لما جاء في الآية الّتي انتهينا من الكلام عليها،و ذاك هو قوله تعالى: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ المائدة:49.

(شخصيّة الرّسول الأعظم:110)

3- ...وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا...

الأنعام:150

الطّبريّ: و لا تتابعهم على ما هم عليه من التّكذيب بوحي اللّه و تنزيله،في تحريم ما حرّم،و تحليل ما أحلّ لهم.(8:81)

الطّوسيّ: نهي من اللّه لنبيّه،و المراد به أمّته أن يعتقدوا مذهب من اعتقد مذهبه هوى.(4:338)

مثله الطّبرسيّ.(2:381)

الزّمخشريّ: من وضع الظّاهر موضع المضمر للدّلالة على أنّ من كذّب بآيات اللّه و عدل به غيره،فهو متّبع للهوى لا غير،لأنّه لو اتّبع الدّليل لم يكن إلاّ مصدّقا بالآيات موحّدا للّه تعالى.(2:60)

نحوه أبو السّعود(2:457)،و رشيد رضا(8:182).

ابن عطيّة :يريد لا تنحطّ في شهوات الكفرة و توافقهم على مجابهم.(2:361)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و قال:]

و الخطاب قيل لكلّ من يصلح له،و قيل:لسيّد المخاطبين،و المراد أمّته.(8:53)

و بهذا المعنى جاء وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الأعراف:142، ...وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ... الشّورى:

15.

و لاحظ:«س ب ل»و«ه و ي»

تتّبعن

قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي. طه:92:93

ابن عبّاس:أي هلاّ تتّبعني بمن أقام على إيمانه.

(الطّبرسيّ 4:26)

ابن جريج: معناه ألاّ تتّبعني في شدّة الزّجر لهم عن الكفر.(الطّوسيّ 7:201)

مقاتل: ألاّ تتّبع عادتي في منعهم و الإنكار عليهم.

(الماورديّ 3:420)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي عذل موسى عليه أخاه،من تركه اتّباعه،فقال بعضهم:عذله

ص: 586

على تركه السّير بمن أطاعه في أثره،على ما كان عهد إليه.و قال آخرون:بل عذله على تركه أن يصلح ما كان من فساد القوم.(16:203)

الماورديّ: (الاّ تتّبعن)فيه وجهان:

أحدهما:ألاّ تتّبعني في الخروج،و لا تقم مع من ضلّ.

الثّاني:[هو قول مقاتل المتقدّم](3:420)

الرّمّانيّ: دخلت(لا)هنا لأنّ المعنى ما دعاك إلى أن لا تتّبعني؟و ما حملك على أن لا تتّبعني بمن معك من المؤمنين؟(أبو حيّان 6:273)

الطّوسيّ: ما منعك أن تتّبعني؟و(لا)زائدة كما قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ الأعراف:12، و قد بيّنّا القول في ذلك.و إنّما جاز ذلك لأنّه المفهوم أن المراد:ما منعك بدعائه لك إلى أن لا تتّبعني؟فدخلت(لا) لتنبئ عن هذا المعنى،و هو منع الدّاعي دون منع الحائل.

(7:201)

البغويّ: يعني أن تتّبعني،و(لا)صلة،يعني تتّبع أمري و وصيّتي،يعني هلاّ قاتلتهم و قد علمت أنّي لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم.

و قيل:«أن لا تتّبعني»أي ما منعك من اللّحوق بي و إخباري بضلالتهم،فتكون مفارقتك إيّاهم تقريعا و زجرا لهم عمّا أتوه.(3:272)

نحوه الخازن.(4:225)

الزّمخشريّ: (لا)مزيدة،و المعنى:ما منعك أن تتّبعني في الغضب للّه و شدّة الزّجر عن الكفر و المعاصي؟ هلاّ قاتلت من كفر بمن آمن،و ما لك لم تباشر الأمر كما كنت أباشره أنا لو كنت شاهدا،أو مالك تلحقني؟

(2:550)

نحوه القرطبيّ(11:237)،و البيضاويّ(2:58)، و الكاشانيّ(3:317).

ابن عطيّة :قرأ الجمهور (تتّبعن) بحذف الياء،و قرأ ابن كثير و أبو عمرو بإثباتها في الوصل،و يقف ابن كثير بالياء و أبو عمرو بغير ياء.

و يحتمل قوله: (أَلاّ تَتَّبِعَنِ) أي بني إسرائيل نحو جبل الطّور،فيجيء اعتذار هارون،أي لو فعلت ذلك مشت معي طائفة و أقامت طائفة على عبادة العجل فيتفرّق الجمع،فخفت لومك على التّفرّق.

و يحتمل قوله: (أَلاّ تَتَّبِعَنِ) أي لا تسير بسيري و على طريقتي في الإصلاح و التّسديد،و يجيء اعتذار هارون بمعنى أنّ الأمر كان متفاقما،فلو تقوّيت عليه وقع القتال و اختلاف الكلمة،فكان تفريقا بين بني إسرائيل،و إنّما لاينت جهدي.

و قوله تعالى: (أَلاّ تَتَّبِعَنِ) بمعنى ما منعك أن تتّبعني؟

و اختلف النّاس في وجه دخول(لا)فقالت فرقة:

هي زائدة،و ذهب حذّاق النّحاة إلى أنّها مؤكّدة،و أنّ في الكلام فعلا مقدّرا،كأنّه قال:ما منعك ذلك أو حضّك أو نحو هذا،على (أَلاّ تَتَّبِعَنِ) و ما قبل و ما بعد يدلّ على هذا و يقتضيه.(4:60)

الطّبرسيّ: قيل:هلاّ لحقت بي حين رأيتهم ضلّوا بعبادة العجل قبل استحكام الأمر.و الأصل أنّ(لا) مزيدة،و تقديره:ما منعك أن تتّبعني؟(4:26)

أبو حيّان :عتب موسى هارون على عدم اتّباعه لمّا رآهم قد ضلّوا،و(لا)زائدة كهي في قوله: ما مَنَعَكَ أَلاّ

ص: 587

تَسْجُدَ الأعراف:12.[إلى أن ذكر قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و في ذلك تحميل للفظ ما لا يحتمله و تكثير.و لمّا كان قوله:(تتّبعني)لم يذكر متعلّقه كان الظّاهر:أن لا تتّبعني إلى جبل الطّور ببني إسرائيل.فيجيء اعتذار هارون بقوله: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ طه:94،إذ كان لا يتّبعه إلاّ المؤمنون،و يبقى عبّاد العجل عاكفين عليه،كما قالوا: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ طه:

91.[ثمّ ذكر نحو ابن عطيّة](6:273)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و البغويّ و أضاف:]

و قيل:ما منعك أن تلحقني و تخبرني بضلالهم، فتكون مفارقتك مزجرة لهم.(4:303)

نحوه البروسويّ(5:418)،و القاسميّ(11:4203)

الآلوسيّ: (أَلاّ تَتَّبِعَنِ) أي تتّبعني،على أنّ(لا) سيف خطيب،كما في قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ و هو مفعول ثان ل«منع»و(اذ)متعلّق ب«منع»، و قيل:ب«يتّبعني».

و ردّ بأنّ ما بعد(ان)لا يعمل فيما قبلها.

و أجيب بأنّ الظّرف يتوسّع فيه ما لم يتوسّع في غيره، و بأنّ الفعل السّابق لمّا طلبه على أنّه مفعول ثان له كان مقدّما حكما،و هو كما ترى،أي أيّ شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من أن تتّبعني و تسير بسيري في الغضب للّه تعالى و المقاتلة مع من كفر به؟و روي ذلك عن مقاتل.

و قيل:في الإصلاح و التّسديد،و لا يساعده ظاهر الاعتذار.

و استظهر أبو حيّان أن يكون المعنى ما منعك من أن تلحقني إلى جبل الطّور بمن آمن من بني إسرائيل، و روي ذلك عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.

و كان موسى عليه السّلام رأى أنّ مفارقة هارون لهم و خروجه من بينهم بعد تلك النّصائح القوليّة أزجر لهم من الاقتصار على النّصائح،لما أنّ ذلك أدلّ على الغضب و أشدّ في الإنكار،لا سيّما و قد كان عليه السّلام رئيسا عليهم، محبوبا لديهم و موسى يعلم ذلك.و مفارقة الرّئيس المحبوب كراهة لأمر تشقّ جدّا على النّفوس،و تستدعي ترك ذلك الأمر المكروه له الّذي يوجب مفارقته،و هذا ظاهر لا غبار عليه عند من أنصف.

فالقول بأنّ نصائح هارون عليه السّلام حيث لم تزجرهم عمّا كانوا عليه،فلأن لا تزجرهم مفارقته إيّاهم عنه أولى على ما فيه لا يرد على ما ذكرنا،و لا حاجة إلى الاعتذار بأنّهم إذا علموا أنّه يلحقه و يخبره عليهما السّلام بالقصّة يخافون رجوع موسى عليه السّلام فينزجرون عن ذلك ليقال:إنّه بمعزل عن القبول.كيف لا و هم قد صرّحوا بأنّهم عاكفون عليه إلى حين رجوعه عليه السّلام.

و قال عليّ بن عيسى: إنّ(لا)ليست مزيدة،و المعنى ما حملك على عدم الاتّباع،فإنّ المنع عن الشّيء مستلزم للحمل على مقابله.(16:250)

الطّباطبائيّ: رجع عليه السّلام بعد تكليم القوم في أمر العجل إلى تكليم أخيه هارون؛إذ هو أحد المسئولين الثّلاثة في هذه المحنة،استخلفه عليهم و أوصاه حين كان يوادعه قائلا: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الأعراف:142.

و كأنّ قوله:(ما منعك)مضمّن معنى دعاك،أي

ص: 588

ما دعاك إلى أن لا تتّبعن مانعا لك عن الاتّباع؟أو ما منعك داعيا لك إلى عدم اتّباعي؟فهو نظير قوله: قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ الأعراف:12.

و المعنى:قال موسى معاتبا لهارون:ما منعك عن اتّباع طريقتي و هو منعهم عن الضّلال و الشّدّة في جنب اللّه،أ فعصيت أمري أن تتّبعني و لا تتّبع سبيل المفسدين؟

(14:193)

محمّد جواد مغنيّة: هذا في ظاهره لوم أو عتاب لهارون،أمّا في واقعه فهو توبيخ و تقريع للّذين عبدوا العجل،لأنّ موسى على علم اليقين بأنّ أخاه هارون لم و لن يخالفه في شيء،و أنّه قام بواجب الإرشاد على أكمل الوجوه،لأنّه شريكه في النّبوّة و العصمة.

(5:239)

مكارم الشّيرازيّ: فخاطب أوّلا أخاه هارون قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاّ تَتَّبِعَنِ أ فلم أقل لك:أن اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الأعراف:142؟فلما ذا لم تهبّ لمحاربة عبادة الأصنام هذه؟

بناء على هذا،فإنّ المراد من جملة أَلاّ تَتَّبِعَنِ هو:

لما ذا لم تتّبع طريقة عملي في شدّة مواجهة عبادة الأصنام؟أمّا ما قاله بعض المفسّرين من أنّ المراد هو:

لما ذا لم تثبت معي على التّوحيد مع الّذين ثبتوا،و لم تأت معي إلى جبل الطّور،فيبدو بعيدا جدّا،و لا يتناسب كثيرا و الجواب الّذي سيبديه هارون في الآيات التّالية.

(10:57)

تتّبعانّ

قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. يونس:89

الطّبريّ: و لا تسلكانّ طريق الّذين يجهلون حقيقة و عدي فتستعجلان قضائي،فإنّ وعدي لا خلف له، و إنّ وعيدي نازل بفرعون،و عذابي واقع به و بقومه.

(11:161)

نحوه البغويّ(2:432)،و الخازن(3:168).

الزّجّاج :موضع تَتَّبِعانِّ جزم إلاّ أنّ النّون الشّديدة دخلت للنّهي مؤكّدة،و كسرت لسكونها و سكون النّون الّتي قبلها،و اختير لها الكسر لأنّها بعد الألف،فشبّهت بنون الاثنين.(3:31)

الطّوسيّ: نهي منه تعالى لموسى و هارون أن يتّبعا طريقة من لا يؤمن باللّه و لا يعرفه.

و قرأ ابن عامر وحده (و لا تتّبعان) مخفّفة النّون إلاّ الدّاجونيّ عن هشام،فإنّه خيّر بين تخفيفها و تشديدها.

و قرأ ابن عامر وحده (و لا تتبعانّ) ساكنة التّاء مخفّفة مشدّدة النّون.و في قراءة الأخفش الدّمشقيّ عن ابن عامر بتخفيف التّاء و النّون،الباقون بتشديد التّاء و النّون.

قال أبو عليّ النّحويّ: من شدّد النّون،فلأنّ هذه النّون الثّقيلة إذا دخلت على«تفعل»فتح لام الفعل، لدخولها و يبني الفعل معها على الفتح،نحو«لتفعلنّ» و حذفت النّون الّتي بنيت في«تفعلان»في حال الرّفع مع النّون الشّديدة،و حذف الضّمّ في«لتفعلنّ».و إنّما كسرت الشّديدة بعد ألف التّثنية لوقوعها بعد ألف

ص: 589

التّثنية،فأشبهت الّتي تلحق الألف في رجلان،لمّا كانت في هذه مثلها،و داخلة لمعنى كدخولها،و لم يعتدّ- بالنّون قبلها،لأنّها ساكنة،و لأنّها خفيفة،فصارت المكسورة كأنّها و ليت الألف.

و من خفّف النّون يحتمل أن تكون مخفّفة من الثّقيلة، كما خفّفوا«ربّ»و«إنّ»و نحوهما،و حذفوا الأولى من المثلين،كما أبدلوا الأولى من المثلين،في نحو«قيراط و دينار»و لأنّ أصلهما«قرّاط و دنّار»فأبدلوا من إحدى النّونين ياء،و يحتمل أن يكون حالا من قوله:

(فاستقيما)،و تقديره:فاستقيما غير متّبعين.و يحتمل أن يكون على لفظ الخبر،و المراد به الأمر.(5:488)

نحوه ابن عطيّة(3:140)،و الطّبرسيّ(3:128،130)

الزّمخشريّ: أي لا تتّبعا طريق الجهلة بعادة اللّه في تعليقه الأمور بالمصالح،و لا تعجلا فإنّ العجلة ليست بمصلحة،و هذا كما قال لنوح عليه السّلام: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46.(2:251)

الفخر الرّازيّ: المعنى لا تتّبعانّ سبيل الجاهلين الّذين يظنّون أنّه متى كان الدّعاء مجابا كان المقصود حاصلا في الحال،فربّما أجاب اللّه تعالى دعاء إنسان في مطلوبه،إلاّ أنّه إنّما يوصله إليه في وقته المقدّر، و الاستعجال لا يصدر إلاّ من الجهّال،و هذا كما قال لنوح عليه السّلام: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46.

و اعلم أنّ هذا النّهي لا يدلّ على أنّ ذلك قد صدر من موسى عليه السّلام،كما أنّ قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65،لا يدلّ على صدور الشّرك منه.

(17:153)

نحوه الشّربينيّ.(2:35)

القرطبيّ: [نحو الطّوسيّ ملخّصا ثمّ أضاف:]

و المعنى لا تسلكا طريق من لا يعلم حقيقة وعدي و وعيدي.(8:376)

البيضاويّ: طريق الجهالة في الاستعجال،أو عدم الوثوق و الاطمئنان بوعد اللّه.(1:456)

نحوه أبو السّعود.(3:270)

الآلوسيّ: [بحث حول نون«لا تتّبعانّ»أنّها خفيفة أو ثقيلة بنحو ممّا سبق عن الطّوسيّ](1:474)

رشيد رضا :أي و لا تسلكان طريق الّذين لا يعلمون سنّتي في خلقي،و إنجاز وعدي لرسلي،فتستعجلا الأمر قبل أوانه،و تستبطئا وقوعه في إبّانه.(11:474)

نحوه المراغيّ.(11:149)

تتّبعوا

1- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. البقرة:168

الطّبريّ: و دعوا خطوات الشّيطان الّذي يوبقكم فيهلككم و يوردكم موارد العطب،و يحرّم عليكم أموالكم فلا تتّبعوها و لا تعملوا بها.(2:76)

الزّجّاج :أي لا تسلكوا الطّريق الّذي يدعوكم إليه الشّيطان.(1:241)

الزّمخشريّ: يقال:اتّبع خطواته و وطئ على عقبه،إذا اقتدى به،و استنّ بسنّته.(1:327)

القرطبيّ: و لا تقفوا أثر الشّيطان و عمله.

(2:208)

ص: 590

البيضاويّ: لا تقتدوا به في اتّباع الهوى،فتحرّموا الحلال و تحلّلوا الحرام.(1:95)

نحوه أبو السّعود(1:229)،و الآلوسيّ(2:39)، و محمّد جواد مغنيّة(1:258).

الخازن :أي لا تسلكوا سبيله.و قيل:معناه لا تأتمّوا به و لا تتّبعوا آثاره و زلاّته،و المعنى احذروا أن تتعدّوا ما أحلّ اللّه لكم إلى ما يدعوكم إليه الشّيطان.

قيل:هي النّذور في المعاصي،و قيل:هي المحقّرات من الذّنوب.(1:117)

و بهذا المعنى جاء ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة:208

و ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. الأنعام:142

و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ...

النّور:21

2- ...إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى. النّساء:135

البغويّ: أي و لا تجوروا و تميلوا إلى الباطل من الحقّ،و قيل:معناه لا تتّبعوا الهوى لتعدلوا،أي لتكونوا عادلين،كما يقال:لا تتّبع الهوى لترضي ربّك.(1:712)

الفخر الرّازيّ: و المعنى اتركوا متابعة الهوى حتّى تصيروا موصوفين بصفة العدل.و تحقيق الكلام أنّ العدل عبارة عن ترك متابعة الهوى،و من ترك أحد النّقيضين فقد حصل له الآخر،فتقدير الآية:فلا تتّبعوا الهوى لأجل أن تعدلوا،يعني اتركوا متابعة الهوى لأجل أن تعدلوا.(11:74)

مثله الخازن.(1:507)

ابن كثير :أي فلا يحملنّكم الهوى و العصبيّة و بغض النّاس إليكم على ترك العدل في أموركم و شئونكم،بل ألزموا العدل على أيّ حال كان.(2:413)

و بهذا المعنى جاء: وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ المائدة:77

تتّبعونا

...يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا... الفتح:15

الطّبريّ: قل لهؤلاء المخلّفين عن المسير معك يا محمّد:لن تتّبعونا إلى خيبر إذا أردنا السّير إليهم لقتالهم.(26:81)

الفخر الرّازيّ: و قد وجد هاهنا بقوله:(لن تتّبعونا) على صيغة النّفي بدلا عن قوله:لا تتّبعونا،على صيغة النّهي معنى لطيف،و هو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بنى على إخبار اللّه تعالى عنهم النّفي لوثوقه و قطعه بصدقه،فجزم و قال:

(لن تتّبعونا)يعني لو أذنتكم و لو أمرتكم أو لو أردتم و اخترتم لا يتمّ لكم ذلك،لما أخبر اللّه تعالى.(28:91)

أبو حيّان :و أتى بصيغة(لن)و هي للمبالغة في النّفي، أي لا يتمّ لكم ذلك؛إذ قد وعد تعالى أنّ ذلك لا يحضرها إلاّ أهل الحديبيّة فقط.(8:94)

نحوه أبو السّعود(6:101)،و القاسميّ(15:5413).

البروسويّ: أي لا تتّبعونا،فإنّه نفي في معنى النّهي

ص: 591

للمبالغة.

و قال سعدي المفتي: (لن)ليس للتّأبيد سيّما إذا أريد النّهي،و المراد لن تتّبعونا في خيبر،أو ديمومتهم على مرض القلوب.

و قال أبو اللّيث: لن تتّبعونا في المسير إلى خيبر إلاّ متطوّعين،من غير أن يكون لكم شركة في الغنيمة.

(9:29)

نحوه الآلوسيّ.(26:102)

القاسميّ: أي إلى خيبر إذا أردنا السّير إليهم،و هو نفي في معنى النّهي.قال الشّهاب:فالخبر مجاز عن النّهي الإنشائيّ،و هو أبلغ.(15:5413)

المراغيّ: أي لا تأذن لهم في الخروج معك معاقبة لهم من جنس ذنبهم،فإنّ امتناعهم عن الخروج إلى الحديبيّة ما حصل إلاّ لأنّهم كانوا يتوقّعون المغرم،و هو جلاد العدوّ و مصاولته،و لا يتوقّعون المغنم،فلمّا انعكست الآية في خيبر طلبوا ذلك،فعاقبهم اللّه بطردهم من المغانم.(26:96)

اتّبع

...إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ. الأنعام:50

الطّوسيّ: لا أؤدّي إلاّ ما يأمرني بأدائه.(4:152)

البغويّ: أي ما آتيكم به فمن وحي اللّه تعالى، و ذلك غير مستحيل في العقل،مع قيام الدّليل و الحجج البالغة.(2:125)

الفخر الرّازيّ: ظاهره يدلّ على أنّه لا يعمل إلاّ بالوحي،و هو يدلّ على حكمين:

الحكم الأوّل:أنّ هذا النّصّ يدلّ على أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن يحكم من تلقاء نفسه في شيء من الأحكام،و أنّه ما كان يجتهد بل جميع أحكامه صادرة عن الوحي، و يتأكّد هذا بقوله: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:3،4

الحكم الثّاني:أنّ نفاة القياس قالوا:ثبت بهذا النّصّ:أنّه عليه السّلام ما كان يعمل إلاّ بالوحي النّازل عليه، فوجب أن لا يجوز لأحد من أمّته أن يعملوا إلاّ بالوحي النّازل عليه،لقوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ الأنعام:153، و ذلك ينفي جواز العمل بالقياس،ثمّ أكّد هذا الكلام بقوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ و ذلك لأنّ العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى،و العمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى عمل البصير.

ثمّ قال: أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ و المراد منه التّنبيه على أنّه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين البابين، و أن لا يكون غافلا عن معرفته،و اللّه أعلم.(12:231)

نحوه الخازن(2:111)،و أبو حيّان(4:134).

النّسفيّ: أي ما أخبركم إلاّ بما أنزل اللّه عليّ.

(2:13)

أبو السّعود :لا على معنى تخصيص اتّباعه صلّى اللّه عليه و سلّم بما يوحى إليه دون غيره،بتوجيه القصر إلى المفعول بالقياس إلى مفعول آخر،كما هو الاستعمال الشّائع الوارد على توجيه القصر إلى ما يتعلّق بالفعل،باعتبار النّفي في الأصل و الإثبات في القيد،بل على معنى تخصيص حاله صلّى اللّه عليه و سلّم باتّباع ما يوحى إليه،بتوجيه القصر

ص: 592

إلى نفس الفعل بالقياس إلى ما يغرّه من الأفعال،لكن لا باعتبار النّفي و الإثبات معا في خصوصيّة،فإنّ ذلك غير ممكن قطعا،بل باعتبار النّفي فيما يتضمّنه من مطلق الفعل،و الإثبات فيما يقارنه من المعنى المخصوص.

فإنّ كلّ فعل من الأفعال الخاصّة ك(نصر)مثلا ينحلّ عند التّحقيق إلى معنى مطلق،هو مدلول لفظ الفعل،و إلى معنى خاصّ يقوم به،فإنّ معناه فعل النّصر، يرشدك إلى ذلك قولهم:فلان يعطي و يمنع،يفعل الإعطاء و المنع،فمورد القصر في الحقيقة ما يتعلّق بالفعل بتوجيه النّفي إلى الأصل و الإثبات إلى القيد.كأنّه قيل:

ما أفعل إلاّ اتّباع ما يوحى إليّ،من غير أن يكون لي مدخل ما في الوحي أو في الموحى،بطريق الاستدعاء، أو بوجه آخر من الوجوه أصلا.(2:386)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و لا يخفى أنّ هذا أبلغ من أنّي نبيّ أو رسول،و لذا عدل إليه.(7:156)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ بيان لما يدّعيه حقيقة بعد ردّ ما اتّهموه به من الدّعوى،من جهة دعواه الرّسالة من اللّه إليهم،أي ليس معنى قولي: إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ الأعراف:158، أنّ عندي خزائن اللّه و لا أنّي أعلم الغيب و لا أنّي ملك بل إنّ اللّه يوحي إليّ بما يوحي.

و لم يثبته في صورة الدّعوى بل قال:(ان اتّبع)إلخ، ليدلّ على كونه مأمورا بتبليغ ما يوحى إليه،ليس له إلاّ اتّباع ذلك،فكأنّه لمّا قال:لا أقول لكم كذا و لا كذا و لا كذا،قيل له:فإذا كان كذلك و كنت بشرا مثلنا و عاجزا كأحدنا لم تكن لك مزيّة علينا،فما ذا تريد منّا؟ فقال: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ أن أبشّركم و أنذركم فأدعوكم إلى دين التّوحيد.

و الدّليل على هذا المعنى قوله بعد ذلك: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ فإنّ مدلوله بحسب ما يعطيه السّياق:أنّي و إن ساويتكم في البشريّة و العجز لكن ذلك لا يمنعني عن دعوتكم إلى اتّباعي،فإنّ ربّي جعلني على بصيرة بما أوحى إليّ دونكم،فأنا و أنتم كالبصير و الأعمى و لا يستويان في الحكم و إن كانا متساويين في الإنسانيّة.فإنّ التّفكّر في أمرهما يهدي الإنسان إلى القضاء،بأنّ البصير يجب أن يتّبعه الأعمى، و العالم يجب أن يتّبعه الجاهل.(7:97)

محمّد حسين فضل اللّه: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ و هكذا أراده أن يقف بينهم عبدا خاشعا بين يديه، لا يملك أيّة مقوّمات ذاتيّة كبيرة،أو أيّة قدرات شخصيّة مطلقة،رسولا أمينا على الدّور الّذي أوكله اللّه إليه،فهو ينتظر أمر اللّه و وحيه في كلّ صغيرة أو كبيرة ليتّبعه و يبلّغه للنّاس،و ربّما كان الحديث عن الاتّباع موحيا بالصّفة المطيعة المتواضعة الّتي تجسّدها شخصيّته،ليكون في ذلك بعض الإيحاء لهم بالطّاعة للّه و الاستغراق في دور العبد المطيع الّذي يتمثّل حركة العبد-النّبيّ،في شخصيّة العبد-المؤمن.

و إذا كان التّوجيه الإلهيّ يفرض على الرّسول أن يقدّم نفسه إلى النّاس بهذه الصّفة،فقد نجد فيه الدّرس الفكريّ الّذي يريدنا أن لا نغرق أنفسنا بالأسرار العميقة الّتي يحاول البعض أن يحيط بها شخصيّة النّبيّ،للإيحاء

ص: 593

بأنّه يرتفع فوق مستوي البشر في إمكاناته الذّاتيّة و قدراته الكبيرة،بل بصفته الرّساليّة من حيث أخلاقه و خطواته و مشاريعه المتّصلة برسالته.

و ذلك هو السّبيل للتّعامل مع شخصيّة الأنبياء و الأولياء،بالأسلوب القريب إلى الوعي الإنسانيّ العاديّ،في ما يمكن للإنسان أن يعيشه و يتصوّره و يتمثّله في نفسه،ليشعر بأنّ النّبيّ قريب منه بصفاته البشريّة المثلى الّتي يمكن أن تكون أساسا للتّمثّل و الاتّباع، و الاقتداء.و في ضوء ذلك،نجد في الأبحاث السّائرة في هذا الاتّجاه،انحرافا عن الخطّ القرآنيّ الّذي يرسم للنّاس في دراستهم لشخصيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(9:114)

و بهذا المعنى جاء: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي... الأعراف:203

قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ... يونس:15

اتّبعك

قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً. الكهف:66

الميبديّ: أي هل أصحبك على شرط أن تعلّمني هدى و صوابا.(5:719)

نحوه ابن كثير.(4:410)

الفخر الرّازيّ: [قيل:]إنّ موسى عليه السّلام قال: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ و النّبيّ لا يتّبع غير النّبيّ في التّعليم.و هذا ضعيف،لأنّ النّبيّ لا يتّبع غير النّبيّ في العلوم الّتي باعتبارها صار نبيّا،أمّا في غير تلك العلوم فلا.(21:148)

أبو السّعود :استئذانا منه في اتّباعه له،على وجه التّعلّم.(4:203)

نحوه الآلوسيّ.(15:331)

اتّبع

1- اِتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ... الأنعام:106

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى نبيّه عليه السّلام أن يتّبع ما أوحي إليه من ربّه،و الاتّباع هو أن يتصرّف الثّاني بتصريف الأوّل،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يتصرّف في الدّين بتصريف الوحي،فلذلك كان متّبعا،و كذلك كلّ متدبّر بتدبير غيره فهو متّبع له.(4:248)

القرطبيّ: أي لا تشغل قلبك و خاطرك بهم،بل اشتغل بعبادة اللّه.(7:60)

ابن كثير :أي اقتد به و اقتف أثره،و اعمل به،فإنّ ما أوحي إليك من ربّك هو الحقّ،الّذي لا مرية فيه.

(3:78)

أبو السّعود :أي دم على ما أنت عليه من اتّباع ما أوحي إليك من الشّرائع و الأحكام الّتي عمدتها التّوحيد.(2:426)

نحوه البروسويّ(3:82)،و الآلوسيّ(7:250).

الطّباطبائيّ: أمر باتّباع ما أوحي إليه من ربّه من أمر التّوحيد و أصول شرائع الدّين،من غير أن يصدّه ما يشاهده من استكبار المشركين عن الخضوع لكلمة الحقّ،و الإعراض عن دعوة الدّين.(7:312)

نحوه محمّد حسين فضل اللّه.(9:261)

ص: 594

2- فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ. الحجر:65

الطّبريّ: و اتّبع يا لوط أدبار أهلك الّذين تسري بهم،كن من ورائهم و سر خلفهم و هم أمامك،و لا يلتفت منكم وراءه أحد.(14:42)

الطّوسيّ: أي اقتف آثارهم،يعني آثار الأهل.

و الاتّباع:اقتفاء الأثر،و الاتّباع في المذهب،و الاقتداء مثله،و خلافه الابتداع.(6:346)

نحوه الطّبرسيّ.(3:34)

ابن عطيّة :أي كن خلفهم و في ساقتهم،حتّى لا يبقى منهم أحد و لا يتلوّى.(3:368)

نحوه الفخر الرّازيّ(19:201)،و القرطبيّ(10:

38)،و البيضاويّ(1:544).

أبو السّعود :[نحو ابن عطيّة ثمّ أضاف:]

و لعلّ إيثار الاتّباع على السّوق مع أنّه المقصود بالأمر للمبالغة في ذلك؛إذ السّوق ربّما يكون بالتّقدّم على بعض مع التّأخّر عن بعض،و يلزمه عادة الغفلة عن حال المتأخّر.(4:28)

نحوه الآلوسيّ.(14:68)

البروسويّ: [نحو ابن عطيّة ثمّ أضاف:]

قال في«برهان القرآن»:لأنّه إذا ساقهم و كان من ورائهم علم بنجاتهم،و لا يخفى عليه حالهم.(4:476)

الطّباطبائيّ: و المراد باتّباعه:أدبارهم،هو أن يصير وراءهم،فلا يترك أحدا يتخلّف عن السّير، و يحملهم على السّير الحثيث،كما يشعر به قوله:

وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ. (12:183)

3- فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. القيمة:18

ابن عبّاس: فاستمع قرآنه.(الطّبريّ 29:189)

اتّبع ما فيه.

نحوه الضّحّاك.

اعمل به.(الطّبريّ 29:190)

معناه إذا قرأناه أي تلوناه،فاتّبع قراءته بقراءتك.

(الطّوسيّ 10:196)

نحوه الطّوسيّ(10:196)،و الميبديّ(10:304).

قتادة :اتّبع حلاله،و اجتنب حرامه.

(الطّبريّ 29:190)

الطّبريّ: [بعد نقل الأقوال قال:]

و أولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك قول من قال:

فإذا تلا عليك فاعمل به من الأمر و النّهي،و اتّبع ما أمرت به فيه.(29:190)

الزّمخشريّ: فكن مقفيا له فيه و لا تراسله، وطأ من (1)نفسك أنّه لا يبقى غير محفوظ،فنحن في ضمان تحفيظه.(4:191)

الفخر الرّازيّ: أي لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراءة جبريل،لكن يجب أن تسكت حتّى يتمّ جبريل عليه السّلام القراءة.فإذا سكت جبريل،فخذ أنت في القراءة.

و هذا الوجه أولى،لأنّه عليه السّلام أمر أن يدع القراءة و يستمع من جبريل عليه السّلام،حتّى إذا فرغ جبريل قرأه.

و ليس هذا موضع الأمر باتّباع ما فيه من الحلال و الحرام.

(30:225)ن.

ص: 595


1- كذا.الظّاهر:و طمئن.

البروسويّ: أي فاشرع فيه بعد فراغ جبريل منه بلا مهلة.(10:248)

نحوه محمّد جواد مغنية.(7:471)

الآلوسيّ: فكن مقفيا له لا مباريا،و قيل:أي فإذا قرأناه فاتّبع بذهنك و فكرك قرآنه،أي فاستمع و انصت.

(29:142)

الطّباطبائيّ: أي فإذا أتممنا قراءته عليك وحيا فاتّبع قراءتنا له،و اقرأ بعد تمامها.

و قيل:المراد باتّباع قرآنه:اتّباعه ذهنا بالإنصات و التّوجّه التّامّ إليه،و هو معنى لا بأس به.

و قيل:المراد فاتّبع في الأوامر و النّواهي قرآنه، و قيل:المراد اتّباع قراءته بالتّكرار حتّى يرسخ في الذّهن،و هما معنيان بعيدان.(20:110)

اتّبعوا-لا تتّبعوا

1- اِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ. الأعراف:3

الطّبريّ: اتّبعوا أيّها النّاس ما جاءكم من عند ربّكم بالبيّنات و الهدى،و اعملوا بما أمركم به ربّكم، وَ لا تَتَّبِعُوا شيئا(من دونه)يعني شيئا غير ما أنزل إليكم ربّكم.يقول:لا تتّبعوا أمر أوليائكم الّذين يأمرونكم بالشّرك باللّه،و عبادة الأوثان،فإنّهم يضلّونكم و لا يهدونكم.

فإن قال قائل:و كيف قلت:معنى الكلام قل:اتّبعوا، و ليس في الكلام موجودا ذكر القول؟

قيل:إنّه و إن لم يكن مذكورا صريحا،فإنّ في الكلام دلالة عليه؛و ذلك قوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ الأعراف:2،ففي قوله:(لتنذر به)الأمر بالإنذار،و في الأمر بالإنذار الأمر بالقول،لأنّ الإنذار قول.فكان معنى الكلام:أنذر القوم،و قل لهم:اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم.

و لو قيل:معناه لتنذر به و تذكّر به المؤمنين،فتقول لهم:اتّبعوا ما أنزل إليكم،كان غير مدفوع.

و قد كان بعض أهل العربيّة يقول:قوله:(اتّبعوا) خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و معناه:كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه،اتّبع ما أنزل إليك من ربّ.[إلى أن قال:]

و ذلك و إن كان وجها غير مدفوع،فالقول الّذي اخترناه أولى بمعنى الكلام،لدلالة الظّاهر الّذي وصفنا عليه.(8:117)

الزّجّاج :أي اتّبعوا القرآن،و ما أتى به عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه ممّا أنزل عليه،لقوله جلّ و عزّ:

وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:7.

وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي لا تتولّوا من عدل عن دين الحقّ،و من ارتضى مذهبا من المذاهب، فالمؤمن وليّ المؤمن.(2:316)

نحوه الزّمخشريّ(2:66)،و القرطبيّ(7:162)، و الخازن(2:173)،و أبو السّعود(2:473).

الطّوسيّ: قوله:(اتّبعوا)خطاب من اللّه للمكلّفين، و أمر منه بأن يتّبعوا ما أنزل عليهم من القرآن.و يحتمل أن يكون المراد:قل لهم يا محمّد:اتّبعوا ما أنزل إليكم،

ص: 596

لأنّه قال قبل ذلك:(لتنذر به)و كان الخطاب متوجّها إليه.[إلى أن قال:]

و وجوب الاتّباع فيما أنزل اللّه يدخل فيه الواجب و النّدب و المباح،لأنّه يجب أن يعتقد في كلّ جنس ما أمر اللّه به،كما يجب أن يعتقد في الحرام وجوب اجتنابه.

و قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ نهي من اللّه أن يتّبعوا من دون اللّه و يتّخذوا أولياء.

نحوه الطّبرسيّ.(2:395)

البغويّ: أي و قل لهم:اتّبعوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي لا تتّخذوا غيره أولياء تطيعونهم في معصية اللّه تعالى.(2:180)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قالوا:معناه و لا تتولّوا من دونه أولياء من شياطين الجنّ و الإنس،فيحملوكم على عبادة الأوثان و الأهواء و البدع.[ثمّ نقل استدلال القائلين لنفي القياس بهذه الآية و أجاب عنه](14:18)

ابن كثير :أي اقتفوا آثار النّبيّ الأمّيّ الّذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من ربّ كلّ شيء و مليكه.

(3:144)

الطّباطبائيّ: لمّا ذكر لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه كتاب أنزل إليه لغرض الإنذار،شرع في الإنذار،و رجع من خطابه صلّى اللّه عليه و آله إلى خطابهم.

فإنّ الإنذار من شأنه أن يكون بمخاطبة المنذرين -اسم مفعول-و قد حصل الغرض من خطاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و خاطبهم بالأمر باتّباع ما أنزل إليهم من ربّهم،و هو القرآن الآمر لهم بحقّ الاعتقاد و حقّ العمل،أعني الإيمان باللّه و آياته و العمل الصّالح اللّذين يأمر بهما اللّه سبحانه في كتابه،و ينهى عن خلافهما.

و الجملة،أعني قوله: اِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ موضوعة وضع الكناية،كنّى بها عن الدّخول تحت ولاية اللّه سبحانه.و الدّليل عليه قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ حيث لم يقل في مقام المقابلة:

و لا تتّبعوا غير ما أنزل إليكم.

و المعنى:و لا تتّبعوا غيره تعالى-و هم كثيرون- فيكونوا لكم أولياء من دون اللّه قليلا ما تذكّرون،و لو تذكّرتم لدريتم أنّ اللّه تعالى هو ربّكم لا ربّ لكم سواه، فليس لكم من دونه أولياء.(8:8)

نحوه مكارم الشّيرازيّ(4:517)،و محمّد حسين فضل اللّه(10:15).

2- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ... العنكبوت:12

الطّبريّ: قالوا:كونوا على مثل ما نحن عليه من التّكذيب بالبعث بعد الممات،و جحود الثّواب و العقاب على الأعمال.(20:134)

أبو السّعود :أي اسلكوا طريقتنا الّتي نسلكها في الدّين.عبّر عن ذلك بالاتّباع الّذي هو المشي خلف ماش آخر،تنزيلا للمسلك منزلة السّالك فيه،أو اتّبعونا في طريقتنا.(5:144)

مثله البروسويّ(6:454)،و الآلوسيّ(20:140)

ص: 597

اتّبعوه

1- وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ...

الأنعام:153

الطّبريّ: فاعملوا به،و اجعلوه لأنفسكم منهاجا تسلكونه،فاتّبعوه.(8:87)

نحوه الخازن.(2:165)

الماورديّ: يعني في العمل به.(2:188)

الطّوسيّ: أمر من اللّه تعالى باتّباع صراطه و ما شرعه للحقّ،و طريق اتّباع الشّرع-و فيه الحرام و الحلال و المباح-هو اعتقاد ذلك فيه،و العمل على ما ورد الشّرع به،فيفعل الواجب و النّدب،و يجتنب القبيح،و يكون مخيّرا في المباح.و لا يجب فعل جميعه، لأنّ ذلك خلاف الاتّباع.

و إنّما قيل لاعتقاد صحّة الشّرع:اتّباع له،لأنّه تعالى إذا حظر شيئا أو حظر تركه كان حكمه،و وجب اتّباعه في أنّه محرّم و واجب،و كذلك النّدب و المباح.

(4:346)

نحوه أبو حيّان.(4:254)

الطّبرسيّ: أي اقتدوا به و اعملوا به،و اعتقدوا صحّته،و أحلّوا حلاله،و حرّموا حرامه.(2:384)

الآلوسيّ: أي اقتفوا أثره و اعملوا به.(8:57)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ طريقي هذا هو طريق التّوحيد،طريق الحقّ و العدل،طريق الطّهر و التّقوى، فامشوا فيه و اتّبعوه،و اسلكوه و لا تسلكوا الطّرق المنحرفة و المتفرّقة،فتؤدّي بكم إلى الانحراف عن اللّه و إلى الاختلاف و التّشرذم و التّفرّق،و تزرع فيكم بذور الفرقة و النّفاق.(4:472)

و بهذا المعنى جاء: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الأنعام:155

2- ...فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ كَلِماتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. الأعراف:158

الطّبريّ: فاهتدوا به أيّها النّاس،و اعملوا بما أمركم أن تعملوا به من طاعة اللّه.(9:87)

نحوه ابن كثير(3:236)،و الآلوسيّ(9:83)، و المراغيّ(9:85).

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ المتابعة تتناول المتابعة في القول و في الفعل.أمّا المتابعة في القول فهو أن يمتثل المكلّف كلّ ما يقوله في طرفي الأمر و النّهي و التّرغيب و التّرهيب.و أمّا المتابعة في الفعل فهي عبارة عن الإتيان بمثل ما أتى المتبوع به،سواء كان في طرف الفعل أو في طرف التّرك،فثبت أنّ لفظ(و اتّبعوه)يتناول القسمين.

و ثبت أنّ ظاهر الأمر للوجوب،فكان قوله تعالى:

(و اتّبعوه)دليلا على أنّه يجب الانقياد له في كلّ أمر و نهي،و يجب الاقتداء به في كلّ ما فعله إلاّ ما خصّه الدّليل،و هو الأشياء الّتي ثبت بالدّليل المنفصل أنّها من خواصّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن قيل:الشّيء الّذي أتى به الرّسول يحتمل أنّه أتى به على سبيل أنّ ذلك كان واجبا عليه،و يحتمل أيضا أنّه أتى به على سبيل أنّ ذلك كان مندوبا،فبتقدير أنّه أتى به على سبيل أنّ ذلك كان مندوبا،فلو أتينا به على سبيل أنّه واجب علينا،كان ذلك تركا لمتابعته،و نقضا

ص: 598

لمبايعته.و الآية تدلّ على وجوب متابعته؛فثبت أنّ إقدام الرّسول على ذلك الفعل لا يدلّ على وجوبه علينا.

قلنا:المتابعة في الفعل عبارة عن الإتيان بمثل الفعل الّذي أتى به المتبوع،بدليل أنّ من أتى بفعل ثمّ إن غيّره وافقه في ذلك الفعل،قيل:إنّه تابعه عليه.و لو لم يأت به،قيل:إنّه خالفه فيه.فلمّا كان الإتيان بمثل فعل المتبوع متابعة،و دلّت الآية على وجوب المتابعة،لزم أن يجب على الأمّة مثل فعل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

بقي هاهنا أنّا لا نعرف أنّه عليه السّلام أتى بذلك على قصد الوجوب أو على قصد النّدب.

فنقول:حال الدّواعي و العزائم غير معلوم،و حال الإتيان بالفعل الظّاهر و العمل المحسوس معلوم،فوجب أن لا يلتفت إلى البحث عن حال العزائم و الدّواعي، لكونها أمورا مخفيّة عنّا،و أن تحكم بوجوب المتابعة في العمل الظّاهر،لكونها من الأمور الّتي يمكن رعايتها، فزالت هذه الشّبهة،و تقريره:أنّ هذه الآية دالّة على أنّ الأصل في كلّ فعل فعله الرّسول أن يجب علينا الإتيان بمثله إلاّ إذا خصّه الدّليل.(15:30)

نحوه الخازن.(2:246)

اتّبعونى

1- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ.

آل عمران:31

راجع«ح ب ب»

2- وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي. طه:90

الطّبريّ: فاتّبعوني على ما آمركم به من عبادة اللّه و ترك عبادة العجل...(16:202)

نحوه المراغيّ.(16:143)

البغويّ: على ديني في عبادة اللّه.(3:272)

مثله الخازن.(4:225)

ابن عطيّة :إلى الطّور الّذي واعدكم اللّه تعالى إليه.(4:59)

القرطبيّ: (فاتّبعونى)في عبادته(و اطيعوا امرى) لا أمر السّامريّ.أو فاتّبعوني في مسيري إلى موسى و دعوا العجل،فعصوه.(11:237)

النّيسابوريّ: بيّن أنّ الوسيلة إلى معرفة كيفيّة عبادة اللّه هو اتّباع النّبيّ و طاعته،فقال: فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي. (16:151)

أبو السّعود :و الفاء في قوله تعالى:(فاتّبعونى) لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين،أي إذا كان الأمر كذلك فاتّبعوني في الثّبات على الدّين وَ أَطِيعُوا أَمْرِي. (4:303)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و قال ابن عطيّة أي فاتّبعوني إلى الطّور الّذي واعدكم اللّه تعالى إليه،و فيه أنّه عليه السّلام لم يكن بصدد الذّهاب إلى الطّور و لم يكن مأمورا به،و ما واعد اللّه سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه.

و قيل-و لا يخلو عن حسن-:أي فاتّبعوني في الثّبات على الحقّ و أطيعوا أمري هذا،و أعرضوا عن التّعرّض لعبادة ما عرفتم أمره،أو كفّوا أنفسكم عن

ص: 599

اعتقاد ألوهيّته و عبادته.(16:250)

محمّد حسين فضل اللّه: فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي لأنّني حجّة اللّه عليكم،و لن أدعوكم إلاّ إلى ما دعاكم إليه موسى من خير و صلاح.(15:147)

و بهذا المعنى جاء: وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ المؤمن:38

...وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ الزّخرف:61

متّبعون

وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ.

الشّعراء:52

الطّبريّ: إنّ فرعون و جنده متّبعوك و قومك من بني إسرائيل،ليحولوا بينكم و بين الخروج من أرضهم، أرض مصر.(19:74)

نحوه البغويّ(3:467)،و الخازن(5:97)، و الطّبرسيّ(4:191).

الزّمخشريّ: علّل الأمر بالإسراء باتّباع فرعون و جنوده آثارهم،و المعنى:أنّي بنيت تدبير أمركم و أمرهم على أن تتقدّموا و يتّبعوا،حتّى يدخلوا مدخلكم و يسلكوا مسلككم من طريق البحر،فأطبقه عليهم فأهلكهم.(3:113)

نحوه البيضاويّ(2:158)،و النّسفيّ(3:184)، و أبو السّعود(5:42)،و الآلوسيّ(19:81).

الشّربينيّ: أي لا تظنّ أنّهم لكثرة ما رأوا من الآيات يكفّون عن اتّباعكم،فأسرع بالخروج لتبعدوا عنهم إلى الموضع الّذي قدّرت في الأزل أن يظهر بحري،و المراد توافقهم عند البحر،و لم يكتم اتّباعهم عن موسى لعدم تأثّره به.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ]

(3:13)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ تعليل للأمر،أي سر بهم ليلا ليتّبعكم آل فرعون،و فيه دلالة على أنّ للّه في اتّباعهم أمرا و أنّ فيه فرج بني إسرائيل، و قد صرّح بذلك في قوله: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ* وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ الدّخان:24،23.(15:276)

و بهذا المعنى جاء: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ الدّخان:23

اتّباع

...فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ...

البقرة:178

ابن عبّاس: أن يطلب هذا بمعروف،و يؤدّي هذا بإحسان.(الطّبريّ 2:107)

و الاتّباع بالمعروف:أن لا يعنف عليه و لا يطالبه إلاّ مطالبة جميلة،و لا يستعجله إلى ثلاث سنين،يجعل انتهاء الاستيفاء و الأداء بالإحسان أن لا يمطله و لا يبخسه شيئا.

(أبو حيّان 2:14)

الحسن :على هذا الطّالب أن يطلب بالمعروف، و على هذا المطلوب أن يؤدّي بإحسان.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 2:108)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ينبغي للّذي له الحقّ أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية،و ينبغي للّذي

ص: 600

عليه الحقّ أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه و يؤدّي إليه بإحسان.(البحرانيّ 2:61)

الفرّاء: و أمّا قوله: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ فإنّه رفع،و هو بمنزلة الأمر في الظّاهر،كما تقول:من لقي العدوّ فصبرا و احتسابا.فهذا نصب، و رفعه جائز،و قوله تبارك و تعالى: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ رفع،و نصبه جائز.

و إنّما كان الرّفع فيه وجه الكلام،لأنّها عامّة فيمن فعل،و يراد بها من لم يفعل،فكأنّه قال:فالأمر فيها على هذا،فيرفع.

و ينصب الفعل إذا كان أمرا عند الشّيء يقع ليس بدائم،مثل قولك للرّجل:إذا أخذت في عملك فجدّا جدّا و سيرا سيرا.نصبت لأنّك لم تنو به العموم،فيصير كالشّيء الواجب على من أتاه و فعله.

و مثله قوله: وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المائدة:95،و مثله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ البقرة:229،و مثله في القرآن كثير،رفع كلّه،لأنّها عامّة،فكأنّه قال:من فعل هذا فعليه هذا.(1:109)

ابن قتيبة :أي مطالبة بالمعروف،يريد ليطالب آخذ الدّية الجاني مطالبة جميلة،لا يرهقه فيها.(71)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:180)

الطّبريّ: و أمّا معنى قوله:(فاتّباع بالمعروف) فإنّه يعني فاتّباع على ما أوجبه اللّه من الحقّ قبل قاتل وليّه،من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه في أسنان الفرائض أو غير ذلك،أو يكلّفه ما لم يوحيه اللّه له عليه.

[إلى أن قال:]

فإن قال لنا قائل:و كيف قيل: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ و لم يقل:فاتّباعا بالمعروف و أداء إليه بإحسان،كما قال: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ محمّد:4.

قيل:لو كان التّنزيل جاء بالنّصب،و كان:فاتّباعا بالمعروف و أداء إليه بإحسان،كان جائزا في العربيّة، صحيحا على وجه الأمر،كما يقال:ضربا ضربا،و إذا لقيت فلانا فتبجيلا و تعظيما.غير أنّه جاء رفعا،و هو أفصح في كلام العرب من نصبه.

و كذلك ذلك في كلّ ما كان نظيرا له،ممّا يكون فرضا عامّا فيمن قد فعل،و فيمن لم يفعل،إذا فعل لا ندبا و حثّا،و رفعه على معنى:فمن عفي له من أخيه شيء فالأمر فيه اتّباع بالمعروف،و أداء إليه بإحسان،أو فالقضاء و الحكم فيه اتّباع بالمعروف.

و قد قال بعض أهل العربيّة:رفع ذلك على معنى:

فمن عفي له من أخيه شيء فعليه اتّباع بالمعروف،و هذا مذهبي.و الأوّل الّذي قلناه هو وجه الكلام.

و كذلك كلّ ما كان من نظائر ذلك في القرآن فإنّ رفعه على الوجه الّذي قلناه،و ذلك مثل قوله: وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المائدة:95،و قوله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ البقرة:229.(2:109)

الزّجّاج :و معنى فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ على ضربين:

جائز أن يكون:فعلى صاحب الدّم اتّباع بالمعروف،

ص: 601

أي المطالبة بالدّية،و على القاتل أداء بإحسان.

و جائز أن يكون الاتّباع بالمعروف و الأداء بإحسان جميعا على القاتل،و اللّه أعلم.(1:248)

البغويّ: أي على الطّالب للدّية أن يتّبع بالمعروف، فلا يطالب بأكثر من حقّه.(1:209)

نحوه الخازن.(1:125)

الزّمخشريّ: فليكن اتّباع أو فالأمر اتّباع.و هذه توصية للمعفوّ عنه و العافي جميعا،يعني فليتّبع الوليّ القاتل بالمعروف،بأن لا يعنف به و لا يطالبه إلاّ مطالبة جميلة،و ليؤدّ إليه القاتل بدل الدّم.(1:332)

نحوه الطّبرسيّ(1:265)،و البيضاويّ(1:99)، و أبو السّعود(1:238)،و النّسفيّ(1:91)،و مكارم الشّيرازيّ(1:439).

ابن عطيّة :و قوله تعالى:(فاتّباع)رفع على خبر ابتداء مضمر،تقديره:فالواجب و الحكم اتّباع،و هذا سبيل الواجبات،كقوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ البقرة:229،و أمّا المندوب إليه فيأتي منصوبا،كقوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ محمّد:4.

و هذه الآية حضّ من اللّه تعالى على حسن الاقتضاء من الطّالب،و حسن القضاء من المؤدّي.

و قرأ ابن أبي عبلة: (فاتّباعا) بالنّصب.(1:246)

الفخر الرّازيّ: [اكتفى بنقل بعض أقوال السّابقين في الإعراب و المعنى](5:60)

نحوه النّيسابوريّ.(2:88)

أبو حيّان :ارتفاع(اتّباع)على أنّه خبر مبتدإ محذوف،أي فالحكم أو الواجب كذا،قدّره ابن عطيّة.

و قدّره الزّمخشريّ:فالأمر اتّباع،و جوّز أيضا رفعه بإضمار فعل،تقديره:فليكن اتّباع.و جوّزوا أيضا أن يكون مبتدأ محذوف الخبر،و تقديره:فعلى الوليّ اتّباع القاتل بالدّية،و قدّروه أيضا متأخّرا،تقديره:فاتّباع بالمعروف عليه.

قال ابن عطيّة-بعد تقديره فالحكم أو الواجب اتّباع -:و هذا سبيل الواجبات،كقوله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ، و أمّا المندوب إليه فيأتي منصوبا،كقوله: فَضَرْبَ الرِّقابِ انتهى.

و لا أدري هذه التّفرقة بين الواجب و المندوب إلاّ ما ذكروا:من أنّ الجملة الابتدائيّة أثبت و آكد من الجملة الفعليّة،في مثل قوله: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ هود:69،فيمكن أن يكون هذا الّذي لحظه ابن عطيّة من هذا.

و أمّا إضمار الفعل الّذي قدّره الزّمخشريّ«فليكن» فهو ضعيف؛إذ«كان»لا تضمر غالبا إلاّ بعد«إن» الشّرطيّة أو«لو»حيث يدلّ على إضمارها الدّليل.[إلى أن قال:]

و قيل:اتّباع الوليّ بالمعروف أن لا يطلب من القاتل زيادة على حقّه،و قد روي في الحديث:من زاد بعيرا في إبل الدّية و فرائضها فمن أمر الجاهليّة.

و قيل:الاتّباع و الأداء معا من القاتل،و الاتّباع بالمعروف أن لا ينقصه،و الأداء بالإحسان أن لا يؤخّره.

(2:13)

رشيد رضا :أي من ناله شيء من هذا العفو فالواجب في شأنه أو قضيّته تنفيذ العفو و ثبوت الدّية.

ص: 602

و عبّر عن الأوّل باتّباع العفو بالمعروف،و هو واجب على الإمام الحاكم و على العافي و غيره من الأولياء.و إن لم يعفوا فعليهم أن لا يرهقوا القاتل من أمره عسرا،بل يطلبون منه الدّية بالرّفق و المعروف الّذي لا يستنكره النّاس.

و عبّر عن الثّاني بالأداء إليه بإحسان،و هو واجب على القاتل بأن لا يمطل و لا ينقص و لا يسيء في صفة الأداء،و يجوز العفو عن الدّية.(2:129)

نحوه المراغيّ.(2:63)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ مبتدأ خبره محذوف،أي فعليه أن يتّبع القاتل في مطالبة الدّية بمصاحبة المعروف من الاتّباع،و على القاتل أن يؤدّي الدّية إلى أخيه وليّ الدّم بالإحسان،من غير مماطلة فيها إيذاؤه.(1:433)

متتابعين

1- ...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. النّساء:92

الإمام الصّادق عليه السّلام:إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشّهر الأوّل،فإنّ عليه أن يعيد الصّيام.و إن صام الشّهر الأوّل و صام من الشّهر الثّاني شيئا ثمّ عرض له ما له فيه عذر،فعليه أن يقضي.(الكاشانيّ 1:447)

الطّوسيّ: و صفة التّتابع في الصّوم:أن يتابع الشّهرين،لا يفصل بينهما بإفطار يوم.و قال أصحابنا:

إذا صام شهرا و زيادة ثمّ أفطر،أخطأ و جاز له البناء.

(3:293)

الواحديّ: أي فعليه ذلك به بدلا عن الرّقبة، و التّتابع واجب،حتّى لو أفطر يوما استأنف.(2:95)

البغويّ: فإن أفطر يوما متعمّدا في خلال الشّهرين أو نسي النّيّة و نوى صوما آخر،وجب عليه استئناف الشّهرين.

و إن فصل يوما بعذر مرض أو سفر فهل ينقطع التّتابع؟

اختلف أهل العلم فيه،فمنهم من قال:ينقطع و عليه استئناف الشّهرين،و هو قول النّخعيّ.و أظهر قولي الشّافعيّ رضي اللّه عنه،لأنّه أفطر مختارا.

و منهم من قال:لا ينقطع،و عليه أن يبني،و هو قول سعيد بن المسيّب،و الحسن،و الشّعبيّ.

و لو حاضت المرأة في خلال الشّهرين أفطرت أيّام الحيض،و لا ينقطع التّتابع.فإذا طهرت بنت على ما صامت،لأنّه أمر مكتوب على النّساء،لا يمكنهنّ الاحتراز عنه.(1:676)

ابن عطيّة :متتابعين في الأيّام،لا يتخلّلها فطر.

(2:94)

ابن الجوزيّ: و اتّفق العلماء على أنّه إذا تخلّل صوم الشّهرين إفطار لغير عذر،فعليه الابتداء.فأمّا إذا تخلّلها المرض،أو الحيض فعندنا لا ينقطع التّتابع،و به قال مالك.

و قال أبو حنيفة: المرض يقطع،و الحيض لا يقطع.

و فرّق بينهما بأنّه يمكن في العادة صوم شهرين بلا مرض و لا يمكن ذلك في الحيض.

و عندنا أنّها معذورة في الموضعين.(2:166)

ص: 603

نحوه ابن كثير.(2:357)

الفخر الرّازيّ: و التّتابع واجب حتّى لو أفطر يوما وجب الاستئناف،إلاّ أن يكون الفطر بحيض أو نفاس.

(10:236)

نحوه النّيسابوريّ(5:116)،و أبو السّعود(2:

179)،و القاسميّ(5:145).

أبو حيّان :و معنى التّتابع،لا يتخلّلهما فطر،فإن عرض حيض في أثنائه لم يعدّ قاطعا بإجماع،و ليس له أن يسافر فيفطر.و المرض كالحيض عند ابن المسيّب و سليمان بن يسار و الحسن و الشّعبيّ و عطاء و مجاهد و قتادة و طاوس و مالك.

و قال ابن جبير و النّخعيّ و الحكم بن عتيبة و عطاء الخراسانيّ و الحسن بن حيّ و أبو حنيفة و أصحابه:

يستأنف إذا أفطر لمرض،و للشّافعيّ القولان:

و قال ابن شبرمة:يقضي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب كصوم رمضان.(3:325)

2- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا... المجادلة:4

ابن المسيّب: في رجل صام من كفّارة الظّهار،أو كفّارة القتل،و مرض فأفطر،أو أفطر من عذر؛عليه أن يقضي يوما مكان يوم،و لا يستقبل صومه.

(الطّبريّ 28:10)

الشّعبيّ: في رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام فمرض فأفطر،يقضي و لا يستأنف.(الطّبريّ 28:10)

الحسن :إن أفطر من عذر أتمّ،و إن كان من غير عذر استأنف.(الطّبريّ 28:10)

عطاء: إذا كان شيئا ابتلى به،بنى على صومه،و إذا كان شيئا هو فعله،استأنف.(الطّبريّ 28:10)

الطّبريّ: و الشّهران المتتابعان هما اللّذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلاّ من عذر.فإنّه إذا كان الإفطار بالعذر،ففيه اختلاف بين أهل العلم،فقال بعضهم:إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر،بنى على ما مضى من الصّوم.

و قال آخرون:بل يستأنف،لأنّ من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين.

و أولى القولين عندنا بالصّواب قول من قال:

يبني المفطر بعذر،و يستقبل المفطر بغير عذر،لإجماع الجميع على أنّ المرأة إذا حاضت في صومها الشّهرين المتتابعين بعذر،فمثله،لأنّ إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قبل اللّه،فكلّ عذر كان من قبل اللّه فمثله.

(28:10)

الطّوسيّ: و التّتابع عند أكثر العلماء أن يوالي بين أيّام الشّهرين الهلاليّين،أو يصوم ستّين يوما.

و عندنا أنّه إذا صام شهرا و من الآخر و لو يوما فقد تابع،فإن فرّق فيما بعد جاز.

و عند قوم:أن يصوم شهرا و نصف شهر لا يفطر فيما بينهما،فإن أفطر لا لعذر،استأنف.

و إن أفطر لعذر من مرض اختلفوا،فمنهم من قال:

يستأنف من عذر و غير عذر،و به قال إبراهيم النّخعي، و رواه جابر عن أبي جعفر عليه السّلام.

و قال قوم:يبني،و به قال سعيد بن المسيّب و الحسن

ص: 604

و عطاء و الشّعبيّ.(9:544)

نحوه الطّبرسيّ.(5:248)

ابن عطيّة :و التّتابع في الشّهرين:صيامهما ولاء بين أيّامهما.و جائز أن يصومهما الرّجل بالعدد،فيصوم ستّين يوما تباعا.

و جائز أن يصومهما بالأهلّة يبدأ مع الهلال و يفطر مع الهلال و إن جاء أحد شهريه ناقصا؛و ذلك مجزئ عنه.

و جائز إن بدأ صومه في وسط الشّهر أن يبعّض الشّهر الأوّل فيصوم إلى الهلال،ثمّ يصوم شهرا بالهلال، ثمّ يتمّ الشّهر الأوّل بالعدد.(5:274)

نحوه أبو حيّان.(8:234)

الفخر الرّازيّ: ذكر تعالى حكم العاجز عن الرّقبة، فقال:(فمن لم يجد...)فدلّت الآية على أنّ التّتابع شرط.

(29:261)

الكاشانيّ: بأن يصوم شهرا و من الآخر شيئا متّصلا به،ثمّ يتمّ الآخر متواليا أو متفرّقا.(5:142)

لاحظ:«ش ه ر»(شهرين).

النّصوص التّفسيريّة و التّاريخيّة

تبع

1- أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ... الدّخان:37

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تسبّوا تبّعا فإنّه كان قد أسلم».

(الطّبرسيّ 5:66)

كعب الأحبار: إنّ تبّعا كان رجلا من أهل اليمن ملكا منصورا،فسار بالجيوش حتّى انتهى إلى سمرقند، رجع فأخذ طريق الشّام،فأسر بها أحبارا،فانطلق بهم نحو اليمن،حتّى إذا دنا من ملكه طار في النّاس أنّه هادم الكعبة.فقال له الأحبار:ما هذا الّذي تحدّث به نفسك فإنّ هذا البيت للّه و إنّك لن تسلّط عليه،فقال:إنّ هذا للّه و أنا أحقّ من حرّمه،فأسلم من مكانه و أحرم،فدخلها محرما فقضى نسكه،ثمّ انصرف نحو اليمن راجعا.

حتّى قدم على قومه،فدخل عليه أشرافهم فقالوا:

يا تبّع أنت سيّدنا و ابن سيّدنا،خرجت من عندنا على دين و جئت على غيره،فاختر منّا أحد أمرين:إمّا أن تخلّينا و ملكنا و تعبد ما شئت،و إمّا أن تذر دينك الّذي أحدثت.و بينهم يومئذ نار تنزل من السّماء،فقال الأحبار عند ذلك:اجعل بينك و بينهم النّار.

فتواعد القوم عند ذلك جميعا على أن يجعلوا بينهم النّار،فجيء بالأحبار و كتبهم و جيء بالأصنام و عمّارها،و قدموا جميعا إلى النّار،و قامت الرّجال خلفهم بالسّيوف،فهدرت النّار هدير الرّعد و رمت شعاعا لها، فنكص أصحاب الأصنام،و اقبلت النّار فأحرقت الأصنام و عمّالها،و سلم الآخرون،فأسلم قوم و استسلم قوم،فلبثوا بعد ذلك عمر تبّع،حتّى إذا نزل بتبّع الموت استخلف أخاه و هلك،فقتلوا أخاه و كفروا صفقة واحدة.(الدّرّ المنثور 6:31)

الإمام عليّ عليه السّلام: سئل لم سمّي تبّع تبّعا؟

قال:لأنّه كان غلاما كاتبا،و كان يكتب لملك كان قبله،و كان إذا كتب،كتب:بسم اللّه الّذي خلق صبحا (1)و ريحا.

ص: 605


1- ذكره قتادة-كما سيأتي-صحا.

فقال الملك:اكتب و ابدأ باسم ملك الرّعد.

فقال:لا،لا أبدأ إلاّ باسم إلهيّ،ثمّ أعطف على حاجتك.

فشكر اللّه تعالى له ذلك،فأعطاه ملك ذلك الملك، فتابعه النّاس على ذلك،فسمّي تبّعا.

(علل الشّرائع 2:520)

عائشة:لا تسبّوا تبّعا فإنّه كان رجلا صالحا.

(الطّبريّ 25:128)

ابن عبّاس: كان تبّع الآخر و هو أبو كرب أسعد بن مليك يكرب،حين أقبل من المشرق و جعل طريقه على المدينة،و قد كان حين مرّ بها خلّف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة.فقدمها و هو مجمع على خرابها و استئصال أهلها.فجمع له هذا الحيّ من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره،فخرجوا لقتاله،و كان الأنصار يقاتلونه بالنّهار و يقرونه باللّيل،فأعجبه ذلك،و قال:إنّ هؤلاء لكرام.

فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما:كعب و أسد من أحبار بني قريظة،عالمان،و كانا ابني عمّ،حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة و أهلها،فقالا له:أيّها الملك لا تفعل فإنّك إن أبيت إلاّ ما تريد،حيل بينك و بينها و لم نأمن عليك عاجل العقوبة.فإنّها مهاجر نبيّ يخرج من هذا الحيّ من قريش اسمه محمّد مولده مكّة،و هذه دار هجرته،و منزلك الّذي أنت به يكون به من القتل و الجراح أمر كبير في أصحابه،و في عدوّهم.

قال تبّع:من يقاتله و هو نبيّ؟قالا:يسير إليه قومه فيقتلون هاهنا.فتناهى لقولهما عمّا كان يريد بالمدينة،ثمّ إنّهما دعواه إلى دينهما فأجابهما و اتّبعهما على دينهما، و أكرمهما و انصرف عن المدينة.و خرج بهما و نفر من اليهود عامدين إلى اليمن،فأتاه في الطّريق نفر من هذيل، و قالوا:إنّا ندلّك على بيت فيه كنز من لؤلؤ و زبرجد و فضّة،قال:أيّ بيت؟قالوا:بيت بمكّة،و إنّما تريد هذيل هلاكه لأنّهم عرفوا أنّه لم يرده أحد قطّ بسوء إلاّ هلك،فذكر ذلك للأحبار،فقالوا:ما نعلم للّه في الأرض بيت غير هذا البيت،فاتّخذه مسجدا و انسك عنده و انحر و احلق رأسك،و ما أراد القوم إلاّ هلاكك،لأنّه ما ناوأهم أحد قطّ إلاّ هلك،فأكرمه و اصنع عنده ما يصنع أهله.

فلمّا قالوا له ذلك أخذ النّفر من هذيل فقطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم ثمّ صلبهم،فلمّا قدم مكّة نزل الشّعب شعب البطائح،و كسا البيت الوصائل،و هو أوّل من كسا البيت،و نحر بالشّعب ستّة آلاف بدنة،و أقام به ستّة أيّام،و طاف به و حلق و انصرف.

فلمّا دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك و بينه،قالوا:لا تدخل علينا و قد فارقت ديننا،فدعاهم إلى دينه،و قال:إنّه دين خير من دينكم،قالوا:فحاكمنا إلى النّار.

و كانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه،فتأكل الظّالم و لا تضرّ المظلوم،فقال تبّع:

أنصفتم،فخرج القوم بأوثانهم و ما يتقرّبون به في دينهم،و خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتّى قعدوا للنّار عند مخرجها الّذي تخرج منه،فخرجت النّار فأقبلت حتّى غشيتهم،فأكلت الأوثان و ما قرّبوا معها، و من حمل ذلك من رجال حمير.

و خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما،يتلوان

ص: 606

التّوراة،تعرق جباههما لم تضرّهما،و نكصت النّار حتّى رجعت إلى مخرجها الّذي خرجت منه،فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما،فمن هنالك كان أصل اليهوديّة في اليمن.(البغويّ 4:179)

كان[تبّع]نبيّا.(الزّمخشريّ 3:505)

لا يشتبهنّ عليكم أمر تبّع فإنّه كان مسلما.

(كمال الدّين:171)

لا تقولوا لتبّع إلاّ خيرا فإنّه قد حجّ البيت و آمن بما جاء به عيسى بن مريم.(الدّرّ المنثور 6:31)

سعيد بن جبير:إنّ تبّعا كسا البيت.

(الطّبريّ 25:129)

وهب بن منبّه: أسلم تبّع و لم يسلم قومه،فلذلك ذكر قومه و لم يذكر.(ابن الجوزيّ 7:348)

قتادة :ذكر لنا أنّ تبّعا كان رجلا من حمير،سار بالجيوش حتّى حيّر الحيرة،ثمّ أتى سمرقند فهدمها.و ذكر لنا أنّه كان إذا كتب كتب باسم الّذي تسمّى و ملك برّا و بحرا و صحا و ريحا.(الطّبريّ 25:128)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ تبّعا لمّا أن جاء من قبل العراق و جاء معه العلماء و أبناء الأنبياء،فلمّا انتهى إلى هذا الوادي لهذيل أتاه أناس من بعض القبائل،فقالوا:

إنّك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالنّاس زمانا طويلا حتّى اتّخذوا بلادهم حرما و بنيتهم ربّا أو ربّة.

فقال:إن كان كما تقولون قتلت مقاتليهم و سبيت ذرّيّتهم و هدمت بنيتهم.قال:فسالت عيناه حتّى وقعتا على خدّيه.

قال:فدعا العلماء و أبناء الأنبياء،فقال:انظروني و أخبروني لما أصابني هذا؟قال:فأبوا أن يخبروه حتّى عزم عليهم،قالوا:حدّثنا بأيّ شيء حدّثت نفسك؟ قال:حدّثت نفسي أن أقتل مقاتليهم و أسبي ذرّيّتهم و أهدم بنيتهم،فقالوا:إنّا لا نرى الّذي أصابك إلاّ لذلك.

قال:و لم هذا؟قالوا:لأنّ البلد حرم اللّه و البيت بيت اللّه و سكّانه ذرّيّة إبراهيم خليل الرّحمن.فقال:

صدقتم فما مخرجي ممّا وقعت فيه؟قالوا:تحدّث نفسك بغير ذلك،فعسى اللّه أن يردّ عليك.

قال:فحدّث نفسه بخير،فرجعت حدقتاه حتّى ثبتتا مكانهما.

قال:فدعا بالقوم الّذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم،ثمّ أتى البيت و كساه،و أطعم الطّعام ثلاثين يوما كلّ يوم مائة جزور حتّى حملت الجفان إلى السّباع في رءوس الجبال،و نثرت الأعلاف في الأودية للوحوش.

ثمّ انصرف من مكّة إلى المدينة،فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسّان،و هم الأنصار.(الكلينيّ 4:215)

إنّ تبّعا قال للأوس و الخزرج:كونوا هاهنا حتّى يخرج هذا النّبيّ أمّا أنا فلو أدركته لخدمته و لخرجت معه.

[و في حديث آخر]قد أخبر[تبّع]أنّه سيخرج من هذه-يعني مكّة-نبيّ يكون مهاجرته إلى يثرب،فأخذ قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج،و في ذلك يقول:

شهدت على أحمد أنّه

رسول من اللّه بارئ النّسم

فلو مدّ عمري إلى عمره

لكنت وزيرا له و ابن عمّ

ص: 607

و كنت عذابا على المشركين

أسقيهم كأس حتف و غمّ.

(كمال الدّين:170)

مقاتل: إنّما سمّي تبّعا لكثرة أتباعه،و اسمه ملكيكرب.و إنّما ذكر قوم تبّع،لأنّهم كانوا أقرب في الهلاك إلى كفّار مكّة من غيرهم.(ابن الجوزيّ 7:348)

ابن إسحاق :فلمّا هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كلّه إلى حسّان بن تبان أسعد أبي كرب-و تبان أسعد هو تبّع الآخر-ابن كلي كرب بن زيد،و زيد هو تبّع الأوّل ابن عمرو ذي الأذعار ابن أبرهة ذي المنار بن الرّيش بن عديّ بن صيفيّ بن سبأ الأصغر ابن كعب-كهف الظّلم-ابن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج، و العرنجح:حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان.

و تبان أسعد أبو كرب الّذي قدم المدينة،و ساق الحبرين من يهود المدينة إلى اليمن،و عمّر البيت الحرام و كساه،و كان ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر.

و كان قد جعل طريقه-حين أقبل من المشرق- على المدينة،و كان قد مرّ بها في بدأته فلم يهج أهلها، و خلّف بين أظهرهم ابنا له،فقتل غيلة.فقدمها و هو مجمع لإخرابها،و استئصال أهلها،و قطع نخلها؛فجمع له هذا الحيّ من الأنصار،و رئيسهم عمرو بن طلّة أخو بني النّجّار،ثمّ أحد بني عمرو بن مبذول.و اسم مبذول:

عامر بن مالك بن النّجّار،و اسم النّجّار:تيم اللّه بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر.

و قد كان رجل من بني عديّ بن النّجّار،يقال له أحمر،عدا على رجل من أصحاب تبّع حين نزل بهم فقتله،و ذلك أنّه وجده في عذق له يجدّه،فضربه بمنجله فقتله،و قال:إنّما التّمر لمن أبّره.

فزاد ذلك تبّعا حنقا عليهم،فاقتتلوا.فتزعم الأنصار أنّهم كانوا يقاتلونه بالنّهار،و يقرونه باللّيل، فيعجبه ذلك منهم،و يقول:و اللّه إنّ قومنا لكرام.

فبينا تبّع على ذلك من قتالهم إذ جاءه حبران من أحبار اليهود،من بني قريظة-و قريظة و النّضير و النّجّام و عمرو،و هو هدل،بنو الخزرج ابن الصّريح بن التّوأمان ابن السّبط بن اليسع بن سعد بن لاويّ بن خير بن النّجّام ابن تنحوم بن عازر بن عزرى بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاويّ بن يعقوب،و هو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرّحمن،صلّى اللّه عليهم- عالمان راسخان في العلم،حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة و أهلها،فقالا له:أيّها الملك،لا تفعل،فإنّك إن أبيت إلاّ ما تريد حيل بينك و بينها،و لم نأمن عليك عاجل العقوبة.

فقال لهما:و لم ذلك؟فقالا:هي مهاجر نبيّ يخرج من هذا الحرم من قريش في آخر الزّمان،تكون داره و قراره.فتناهى عن ذلك،و رأى أنّ لهما علما،و أعجبه ما سمع منهما،فانصرف عن المدينة،و اتّبعهما على دينهما.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا الحيّ من الأنصار يزعمون أنّه إنّما كان حنق

ص: 608

تبّع على هذا الحيّ من اليهود الّذين كانوا بين أظهرهم، و إنّما أراد هلاكهم فمنعوهم منه،حتّى انصرف عنهم، و لذلك قال في شعره:

حنقا على سبطين حلاّ يثربا

أولى لهم بعقاب يوم مفسد

و كان تبّع و قومه أصحاب أوثان يعبدونها،فتوجّه إلى مكّة،و هو طريقه إلى اليمن،حتّى إذا كان بين عسفان،و أمج أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ،فقالوا له:أيّها الملك،أ لا ندلّك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك،فيه اللّؤلؤ و الزّبرجد و الياقوت و الذّهب و الفضّة؟قال:بلى؛قالوا:

بيت بمكّة يعبده أهله،و يصلّون عنده.و إنّما أراد الهذليّون هلاكه بذلك،لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك و بغى عنده.

فلمّا أجمع لما قالوا أرسل إلى الحبرين،فسألهما عن ذلك،فقالا له:ما أراد القوم إلاّ هلاكك و هلاك جندك، ما نعلم بيتا للّه اتّخذه في الأرض لنفسه غيره،و لئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكنّ و ليهلكنّ من معك جميعا،قال:

فما ذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت عليه؟قالا:تصنع عنده ما يصنع أهله:تطوف به،و تعظّمه و تكرمه،و تحلق رأسك عنده،و تذلّ له،حتّى تخرج من عنده،قال:فما يمنعكما أنتما من ذلك؟قالا:أما و اللّه إنّه لبيت أبينا إبراهيم، و إنّه لكما أخبرناك،و لكنّ أهله حالوا بيننا و بينه بالأوثان الّتي نصبوها حوله،و بالدّماء الّتي يهريقون عنده،و هم نجس أهل شرك-أو كما قالا له-فعرف نصحهما و صدق حديثهما.

فقرّب النّفر من هذيل،فقطع أيديهم و أرجلهم،ثمّ مضى حتّى قدم مكّة،فطاف بالبيت،و نحر عنده،و حلق رأسه،و أقام بمكّة ستّة أيّام-فيما يذكرون-ينحر بها للنّاس،و يطعم أهلها و يسقيهم العسل،و أري في المنام أن يكسو البيت،فكساه الخصف؛ثمّ أري أن يكسوه أحسن من ذلك،فكساه المعافر؛ثمّ أري أن يكسوه أحسن من ذلك،فكساه الملاء و الوصائل،فكان تبّع-فيما يزعمون-أوّل من كسا البيت،و أوصى به ولاته من جرهم،و أمرهم بتطهيره،و ألاّ يقرّبوه دما و لا ميتة و لا مئلاة،و هي المحائض،و جعل له بابا و مفتاحا.[ثمّ استشهد بأشعار]

و حدّثني أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظيّ، قال:سمعت إبراهيم بن محمّد بن طلحة بن عبيد اللّه يحدّث:

أنّ تبّعا لمّا دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه و بين ذلك،و قالوا:لا تدخلها علينا،و قد فارقت ديننا.

فدعاهم إلى دينه،و قال:إنّه خير من دينكم،فقالوا:

فحاكمنا إلى النّار،قال:نعم.

قال:و كانت باليمن-فيما يزعم أهل اليمن-نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه،تأكل الظّالم و لا تضرّ المظلوم، فخرج قومه بأوثانهم و ما يتقرّبون به في دينهم،و خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلّديها،حتّى قعدوا للنّار عند مخرجها الّذي تخرج منه.فخرجت النّار إليهم.

فلمّا أقبلت نحوهم حادوا عنها و هابوها،فذمرهم من حضرهم من النّاس،و أمروهم بالصّبر لها،فصبروا حتّى غشيتهم،فأكلت الأوثان و ما قرّبوا معها،و من حمل

ص: 609

ذلك من رجال حمير،و خرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما،فأصفقت عند ذلك حمير على دينه؛فمن هنالك و عن ذلك كان أصل اليهوديّة باليمن.

و قد حدّثني محدّث:أنّ الحبرين،و من خرج من حمير،إنّما اتّبعوا النّار ليردّوها،و قالوا:من ردّها فهو أولى بالحقّ.فدنا منها رجال من حمير بأوثانهم ليردّوها، فدنت منهم لتأكلهم،فحادوا عنها و لم يستطيعوا ردّها، و دنا منها الحبران بعد ذلك،و جعلا يتلوان التّوراة و تنكص عنهما،حتّى ردّاها إلى مخرجها الّذي خرجت منه،فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما.و اللّه أعلم أيّ ذلك كان.

و كان رئام بيتا لهم يعظّمونه،و ينحرون عنده، و يكلّمون منه؛إذ كانوا على شركهم،فقال الحبران لتبّع:

إنّما هو شيطان يفتنهم بذلك،فخلّ بيننا و بينه؛قال:

فشأنكما به،فاستخرجا منه-فيما يزعم أهل اليمن-كلبا أسود فذبحاه فذبحناه،ثمّ هدّما ذلك البيت،فبقاياه اليوم -كما ذكر لي-بها آثار الدّماء الّتي كانت تهراق عليه.

(ابن هشام 1:20-28)

و كان تبّع الأوّل:من الخمسة الّتي كانت لهم الدّنيا بأسرها،فسار في الآفاق،و كان يختار من كلّ بلدة عشرة أنفس من حكمائهم،فلمّا وصل إلى مكّة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء؛فلم يعظّمه أهل مكّة فغضب عليهم،و قال لوزيره(عمياريسا)في ذلك،فقال الوزير:إنّهم جاهلون و يعجبون بهذا البيت،فعزم الملك في نفسه أن يخرّبها و يقتل أهلها،فأخذه اللّه بالصّدام و فتح من عينيه و أذنيه و أنفه و فمه ماء منتنا عجزت الأطبّاء عنه،و قالوا:هذا أمر سماويّ،و تفرّقوا.

فلمّا أمسى جاء عالم إلى وزيره و أسرّ إليه،إن صدق الأمير بنيّته عالجته،فاستأذن الوزير له،فلمّا خلا به قال له:هل أنت نويت في هذا البيت أمرا؟قال:كذا و كذا، فقال العالم:تب من ذلك و لك خير الدّنيا و الآخرة، فقال:قد تبت ممّا كنت نويت،فعوفي في السّاعة،فآمن باللّه و بإبراهيم الخليل،و خلع على الكعبة سبعة أثواب، و هو أوّل من كسا الكعبة.

و خرج إلى يثرب،و يثرب هي أرض فيها عين ماء، فاعتزل من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمائة رجل عالم على أنّهم يسكنون فيها.و جاءوا إلى باب الملك، و قالوا:إنّا خرجنا من بلداننا،و طفنا مع الملك زمانا، و جئنا إلى هذا المكان نريد المقام إلى أن نموت فيه.

فقال الوزير:ما الحكمة في ذلك؟قالوا:اعلم أيّها الوزير أنّ شرف هذا البيت بشرف محمّد صلّى اللّه عليه و آله صاحب القرآن و القبلة،و اللّواء و المنبر،مولده بمكّة و هجرته إلى هاهنا،و إنّا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا.فلمّا سمع الملك ذلك،تفكّر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمّدا،و أمر أن يبنوا أربعمائة دار،لكلّ واحد دار،و زوّج كلّ واحد منهم بجارية معتقة،و أعطى لكلّ واحد منهم مالا جزيلا.(مناقب آل أبي طالب 1:38)

و للسّهيليّ كلام طويل في شرح ما ذكره ابن إسحاق،فلاحظ(1:69-73)

أبو عبيدة :ملوك اليمن كان كلّ واحد منهم يسمّى تبّعا لأنّه يتّبع صاحبه،و كذلك الظّلّ لأنّه يتّبع الشّمس.

ص: 610

و موضع تبّع في الجاهليّة موضع الخليفة في الإسلام، و هم ملوك العرب الأعاظم.(2:209)

الزّجّاج :جاء في التّفسير أنّ تبّعا كان مؤمنا،و أنّ قومه كانوا كافرين.و جاء أنّه نظر إلى كتاب على قبرين بناحية حمير،على قبر أحدهما:هذا قبر رضوى،و على الآخر:هذا قبر حبّى ابنتي تبّع،لا يشركان باللّه شيئا.

(4:427)

الصّدوق:و كان تبّع الملك ممّن عرف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و انتظر خروجه،لأنّه قد وقع إليه خبره،فعرفه أنّه سيخرج من مكّة نبيّ يكون مهاجرته إلى يثرب.

(كمال الدّين 1:169)

و روي أنّه قال:

قالوا بمكّة بيت مال داثر

و كنوزه من لؤلؤ و زبرجد

بادرت أمرا حال ربّي دونه

و اللّه يدفع عن خراب المسجد

فتركت فيه من رجالي عصبة

نجبا ذوي حسب و ربّ محمّد

و كتب كتابا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يذكر فيه إيمانه و إسلامه، و أنّه من أمّته فليجعله تحت شفاعته،و عنوان الكتاب:

إلى محمّد بن عبد اللّه خاتم النّبيّين،و رسول ربّ العالمين، من تبّع الأوّل.و دفع الكتاب إلى العالم الّذي نصح له،ثمّ خرج منه و سار حتّى مات بغلسان-بلد من بلاد الهند- و كان بين موته و مولد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ألف سنة،ثمّ إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا بعث و آمن به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد أبي ليلى،فوجد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قبيلة بني سليم،فعرفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال له:«أنت أبو ليلى»؟قال:نعم،قال:«و معك كتاب تبّع الأوّل».

فتحيّر الرّجل،فقال:«هات الكتاب»،فأخرجه و دفعه إلى رسول اللّه،فدفعه النّبيّ إلى عليّ بن أبي طالب،فقرأه عليه.فلمّا سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلام تبّع قال:«مرحبا بالأخ الصّالح»ثلاث مرّات،و أمر أبا ليلى بالرّجوع إلى المدينة.

(مناقب آل أبي طالب 1:39)

الماورديّ: في تسمية تبّعا قولان:

أحدهما:لأنّه تبع من قبله من ملوك اليمن كما قيل:

خليفة لأنّه خلف من قبله.

الثّاني:لأنّه اسم لملوك اليمن.

و ذمّ اللّه قومه و لم يذمّه،و ضرب بهم مثلا لقريش قربهم من دارهم و عظمهم في نفوسهم،فلمّا أهلكهم اللّه و من قبلهم-لأنّهم كانوا مجرمين-كان من أجرم مع ضعف اليد و قلّة العدد أحرى بالهلاك.(5:256)

الزّمخشريّ: أي إن صدقتم فيما تقولون فعجّلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربّكم ذلك،حتّى يكون دليلا على أنّ ما تعدّونه من قيام السّاعة و بعث الموتى حقّ.

و قيل:كانوا يطلبون إليهم أن يدعوا اللّه فينشر لهم قصيّ بن كلاب ليشاوروه،فإنّه كان كبيرهم و مشاورهم في النّوازل و معاظم الشّئون.هو تبّع الحميريّ كان مؤمنا و قومه كافرين،و لذلك ذمّ اللّه قومه و لم يذمّه.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين]

و قيل لملوك اليمن:التّبابعة لأنّهم يتّبعون كما قيل الأقيال لأنّهم يتقيّلون.(3:505)

ص: 611

الطّبرسيّ: سمّي تبّعا لكثرة أتباعه من النّاس.

و قيل:سمّي تبّعا لأنّه تبع من قبله من ملوك اليمن.

و التّبابعة:اسم ملوك اليمن فتبّع لقب له،كما يقال:خاقان لملك التّرك،و قيصر لملك الرّوم.و اسمه أسعد أبو كرب.

(5:66)

الرّاونديّ: إنّ تبّع بن حسّان سار إلى يثرب، و قتل من اليهود ثلاثمائة و خمسين رجلا صبرا،و أراد إخرابها،فقام إليه رجل من اليهود له مائتان و خمسون سنة.فقال:أيّها الملك مثلك لا يقبل قول الزّور،و لا يقتل على الغضب،و أنّك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية.

قال و لم؟قال:لأنّه يخرج منها من ولد إسماعيل نبيّ يظهر من هذه البنية-يعني البيت الحرام-فكفّ تبّع، و مضى يريد مكّة و معه اليهود،و كسا البيت،و أطعم النّاس،و هو القائل:

شهدت على أحمد أنّه

رسول من اللّه بارئ النّسم

فلو مدّ عمري إلى عمره

لكنت وزيرا له و ابن عمّ

و يقال:هو تبّع الأصغر،و قيل:الأوسط.

(الخرائج 1:81)

القرطبيّ: ليس المراد بتبّع رجلا واحدا بل المراد به ملوك اليمن،فكانوا يسمّون ملوكهم التّبابعة،فتبّع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين،و كسرى للفرس، و قيصر للرّوم.[ثمّ ذكر أقوال بعض المفسّرين و اللّغويّين و المؤرّخين]

و الظّاهر من الآيات:أنّ اللّه سبحانه إنّما أراد واحدا من هؤلاء،و كانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشدّ من معرفة غيره،و لذلك قال عليه السّلام:«لا تسبّوا تبّعا فإنّه كان مؤمنا».فهذا يدلّك على أنّه كان واحدا بعينه.

(16:145)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ تبّعا هو شخص معروف، وقع التّفاضل بين قومه و قوم الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.و إن كان لفظ«تبّع»يطلق على كلّ من ملك العرب،كما يطلق كسرى على من ملك الفرس،و قيصر على من ملك الرّوم.[إلى أن قال:]

و قال قوم:ليس المراد بتبّع رجلا واحدا،إنّما المراد ملوك اليمن،و كانوا يسمّون التّبابعة.و الّذي يظهر أنّه أراد واحدا من هؤلاء تعرفه العرب بهذا الاسم أكثر من معرفة غيره به،و في الحديث:«لا تسبّوا تبّعا فإنّه كان مؤمنا».فهذا يدلّ على أنّه واحد بعينه.(8:38)

ابن الورديّ: العرب ثلاثة أقسام:بائدة،و عاربة، و مستعربة.

فالبائدة:كعاد و ثمود و جرهم،و العاربة:عرب اليمن من ولد قحطان،و المستعربة:من ولد إسماعيل.

و من العاربة بنو سبأ عبد شمس بن يشحب بن يعرب ابن قحطان.و لسبأ أولاد،منهم حمير و كهلان و عمران و أشعر و عاملة و قبائل عرب اليمن،و ملكوها التّبابعة من ولد سبأ.و جميع تبابعة اليمن من ولد حمير بن سبأ،عدا عمران و أخيه.(المصطفويّ 1:360)

الطّريحيّ: تبّع كسكّر:واحد التّبابعة من ملوك حمير.سمّي تبّعا لكثرة أتباعه،و قيل:سمّوا تبابعة لأنّ الأخير يتبع الأوّل في الملك،و هم سبعون تبّعا ملكوا

ص: 612

جميع الأرض و من فيها من العرب و العجم.

و كان تبّع الأوسط مؤمنا،و هو تبّع الكامل بن ملكي أبو كرب ابن تبّع ابن الأكبر بن تبّع الأقرن،و هو ذو القرنين الّذي قال اللّه فيه: أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ الدّخان:37.

و كان من أعظم التّبابعة و أفصح شعراء العرب، و يقال:إنّه نبيّ مرسل إلى نفسه لما تمكّن من ملك الأرض،و الدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره عند ذكر الأنبياء،فقال: وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ق:14،و لم يعلم أنّه أرسل إلى قوم تبّع رسول غير تبّع،و هو الّذي نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن سبّه،لأنّه آمن به قبل ظهوره بسبعمائة عام.

و في بعض الأخبار تبّع لم يكن مؤمنا و لا كافرا، و لكن يطلب الدّين الحنيف.قيل:و لم يملك المشرق إلاّ تبّع و كسرى.

و تبّع أوّل من كسا البيت الأنطاع بعد آدم،حيث كساه الشّعر،و قيل:إبراهيم حيث كساه الخصف.و أوّل من كساه الثّياب سليمان عليه السّلام.(4:305)

البروسويّ: المراد بتبّع هنا واحد من ملوك اليمن، معروف عند قريش،و خصّه بالذّكر لقرب الدّار.[إلى أن قال:]

اعلم أوّلا أنّ تبّعا كسكّر:واحد التّبابعة ملوك اليمن، و لا يسمّى به إلاّ إذا كانت له حمير و حضر موت.و حمير كدرهم:موضع غربيّ صنعاء اليمن،و الحميريّة لغة من اللّغات الاثنتي عشرة،و واحد من الأقلام الاثني عشر، و هو في الأصل أبو قبيلة من اليمن-و هو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان-و حضر موت،و هو بضمّ الميم بلد و قبيلة كما في«القاموس»،و تبّع في الجاهليّة بمنزلة الخليفة في الإسلام...فهم الأعاظم من ملوك العرب،و القيل بالفتح و التّخفيف:ملك من ملوك حمير دون الملك الأعظم.و أصله:قيّل بالتّشديد ك«فيعل» فخفّف كميّت و ميت.

قال في«المفردات»القيل:الملك من ملوك حمير، سمّوه بذلك لكونه معتمدا على قوله و مقتدى به،و لكونه متقيّلا لأبيه،يقال:تقيّل فلان أباه،إذا تبعه.

و على هذا النّحو سمّوا الملك بعد الملك تبّعا.فتبّع كانوا رؤساء سمّوا بذلك لاتّباع بعضهم بعضا في الرّئاسة و السّياسة.

و في«إنسان العيون»تبّع بلغة اليمن:الملك المتبوع، و أصل القيل من الواو،لقولهم في جمعه:أقوال نحو ميت و أموات.و إذا قيل:أقيال فذلك نحو أعياد في جمع عيد، أصله:عود.

و قال بعضهم:قيل لملوك اليمن:التّبابعة لأنّهم يتّبعون،أي يتّبعهم أهل الدّنيا،كما يقال لهم:الأقيال، لأنّهم يتقيّلون-و التّقيّل بالفارسيّة:اقتداء كردن-أو لأنّ لهم قولا نافذا بين النّاس.

يقول الفقير:و الظّاهر أنّ تبّع الأوّل سمّي به لكثرة قومه و تبعه،ثمّ صار لقبا لمن بعده من الملوك سواء كانت لهم تلك الكثرة و الأتباع أم لا.

فمن التّبابعة:الحارث الرّائش و هو ابن همال ذي سدد،و هو أوّل من غزا من ملوك حمير و أصاب الغنائم و أدخلها فراش النّاس بالأموال و السّبيّ.و الرّيش

ص: 613

بالكسر:الخصب و المعاش،فلذلك سمّي الرّائش،و بينه و بين حمير خمسة عشر أبا.و دام ملك الحارث الرّائش مائة و خمسا و عشرين سنة،و له شعر يذكر فيه من يملك بعده و يبشّر بنبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.(8:418)

الآلوسيّ: هو تبّع الأكبر الحميريّ،و اسمه أسعد بهمزة،و في بعض الكتب سعد بدونها،و كنيته أبو كرب، و كان رجلا صالحا.[إلى أن قال:]

في شرح قصيدة ابن عبدون:أنّ الرّائش لقب الحرث بن بدر أحد التّبابعة،و هو قبل أسعد المتقدّم ذكره بزمان طويل جدّا،و هو أيضا ممّن ذكر نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم في شعره فقال:

و يملك بعدهم رجل عظيم

نبيّ لا يرخّص في الحرام

يسمّى أحمدا يا ليت أنّي

أعمّر بعد مخرجه بعام

ثمّ إنّ ملكه الدّنيا كلّها غير مسلّم،و بالجملة:

الأخبار مضطربة في أمر التّبابعة و أحوالهم و ترتيب ملوكهم.بل قال صاحب«تواريخ الأمم»:ليس في التّواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير لما يذكر من كثرة عدد سنينهم مع قلّة عدد ملوكهم،فإنّ ملوكهم ستّة و عشرون،و مدّتهم ألفان و عشرون سنة.

و قال بعض:إنّ مدّتهم ثلاثة آلاف و اثنان و ثمانون سنة،ثمّ ملك من بعدهم اليمن الحبشة،و اللّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

و القدر المعوّل عليه هاهنا أنّ تبّعا المذكور هو أسعد أبو كرب،و أنّه كان مؤمنا بنبيّنا صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و كان على دين إبراهيم عليه السّلام و لم يكن نبيّا.

و حكاية نبوّته عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما لا تصحّ،و أخباره بمبعثه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم لا يقتضيها،لأنّه علم ذلك من أحبار اليهود و هم عرفوه من الكتب السّماويّة.

و ما روي من أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال:

«ما أدري أ كان تبّع نبيّا أو غير نبيّ لم يثبت،نعم روى أبو داود و الحاكم أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال:ما أدري أ ذو القرنين هو أم لا».و ليس فيه ما يدلّ على التّردّد في نبوّته و عدمها،فإنّ ذا القرنين ليس بنبيّ على الصّحيح، ثمّ إنّ الظّاهر أنّه عليه الصّلاة و السّلام درى بعد أنّه ليس ذا القرنين.

و قال قوم:ليس المراد بتبّع هاهنا رجلا واحدا إنّما المراد ملوك اليمن،و هو خلاف الظّاهر،و الأخبار تكذبه، و معنى تبّع:متبوع،فهو فعّل بمعنى«مفعول»و قد يجيء هذا اللّفظ بمعنى«فاعل»كما قيل للظّلّ:تبّع،لأنّه يتبع الشّمس.و يقال لملوك اليمن:أقيال من:يقيل فلان أباه، إذا اقتدى به،لأنّهم يقتدى بهم،و قيل:سمّي ملكهم قيلا لنفوذ أقواله،و هو مخفّف«قيّل»كميت.(25:127)

الطّباطبائيّ: تهديد للقوم بالإهلاك،كما أهلك قوم تبّع و الّذين من قبلهم من الأمم.

و تبّع هذا ملك من ملوك الحمير باليمن،و اسمه- على ما ذكروا-أسعد أبو كرب،و قيل:سعد أبو كرب و في الكلام نوع تلويح إلى سلامة تبّع نفسه من الإهلاك.

(18:146)

محمّد إسماعيل إبراهيم:تبّع أحد ملوك اليمن

ص: 614

الحميريّين،ثمّ صار لقب أعاظم ملوكهم،و ينقسم حكمهم إلى عصرين:

العصر الأوّل و يعرف باسم ملوك سبأ و ريدان، و كانت همّة الملوك فيه منصرفة إلى التّجارة.

أمّا العصر الثّاني و يعرف حكّامه باسم ملوك التّبابعة،فكانوا أهل حروب و فتوح،و امتدّت دولتهم إلى بلاد الحجاز و اليمامة و ما بينهما من قبائل العرب العدنانيّة.و من أشهر ملوكهم الصّعب ذو القرنين الّذي نسب إليه الكثير من الفتوحات العظيمة ذو القرنين الّذي نسب إليه الكثير من الفتوحات العظيمة في الشّرق و الغرب،و يقال:إنّ عرشه كان من الذّهب المرصّع بالدّرّ و الياقوت و الزّمرّد و الزّبرجد.(1:87)

المصطفويّ: العرب قبل الإسلام ص 105-و لو راجعت أخبار دولة حمير في سائر ما كتبه المؤرّخون لما وجدت اثنين متّفقين في عددهم و أسمائهم و تعاقبهم و يقولون:إنّها كانت قبل الحارث الرّائش شطرين، يحكم أحدهما في سبأ،و الآخر في حضر موت،فلمّا ظهر الحارث المذكور فتح البلدين جميعا و تبعوه،و لذلك سمّي تبّعا،و هو أوّل التّبابعة.

و التّبابعة عند العرب أوّلهم الحارث الرّائش و آخرهم ذو جدن،و بينهما تبابعة اختلفوا في أسمائهم و تعاقبهم.

فعدد التّبابعة(26)تبّعا،حكموا نحو 1700 سنة.و يلي التّبابعة في اليمن الأحباش...و أقام الحبشة في اليمن و قائدهم أبرهة الأشرم،و أراد أبرهة هدم الكعبة،فسار إليها في عام الفيل،فهلك جيشه بالطّير الأبابيل.

(1:358)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير«الاتباع»على وجهين:

فوجه منهما:الاتّباع:الّذي يتّبع صاحبه على دينه، فذلك في قوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا على دينهم مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا البقرة:166،هم على دينهم، وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا هم على دينهم لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ البقرة:167.

و قال: فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً إبراهيم:21،على دينكم،مثلها في المؤمن:47.

و قال: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً على دينه إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ الأعراف:90،و قال لنوح: أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ الشّعراء:111.

و الوجه الثّاني:الاتباع:الّذي يتبع صاحبه فيسير في أثره ذاهبا،فذلك قوله لقوم فرعون:(فاتبعوهم)يعني أتبعوا موسى و قومه(مشرقين)الشّعراء:60،فساروا على أثرهم حين أشرقت الشّمس.و قال: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فساروا في أثر موسى و بني إسرائيل فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه:78.(323)

نحوه هارون الأعور.(368)

الدّامغانيّ: الاتّباع على سبعة أوجه:الصّحبة، الاقتداء،الاستقامة،الاختيار،العمل،الصّلاة،الطّاعة.

فوجه منها:الاتّباع يعني الصّحبة،قوله عزّ و جلّ:

هَلْ أَتَّبِعُكَ الكهف:66،يعني هل أصحبك،مثلها:

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي الكهف:70،أي صحبتني،كقوله تعالى: وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ الشّعراء:111،أي و صحبك الأرذلون.

ص: 615

و الوجه الثّاني:الاتّباع:الاقتداء،قوله: اِتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً يس:21،أي اقتدوا به.

و الوجه الثّالث:الاتّباع:الاستقامة،قوله: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً النّحل:123، يعني استقم على ملّته،كقوله: وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً النّساء:125.

و الوجه الرّابع:الاتّباع:الاختيار،قوله تعالى:

وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:115،أي يختار غير دين المؤمنين،و قوله فيها: فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ آل عمران:7،أي يختارون.

و الوجه الخامس:اتّبعوا،عملوا،قوله: وَ اتَّبَعُوا يعني عملوا اليهود ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ البقرة:102، كقوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا البقرة:170.

و الوجه السّادس:اتّبعوا:الصّلاة إلى القبلة قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ أي ما صلّوا إلى قبلتك وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ أي بمصلّ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ يعني بمصلّ قبلة بعض وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ البقرة:145، يعني صلّيت إلى قبلتهم،كقوله: وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ البقرة:120، أي تصلّي إلى قبلتهم،و نحوه كثير.

و الوجه السّابع:الاتّباع:الطّاعة،قوله تعالى:

لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:83،يعني لأطعتم الشّيطان،كقوله تعالى: فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سبأ:20،يعني أطاعوه،و نحوه كثير.

(38)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:99)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّبع،أي التّوالي،يقال:

تبعت القوم أتبعهم تبعا و تباعة،و أتبعتهم إتباعا، و اتّبعتهم اتّباعا،و تتبّعتهم تتبّعا،أي سرت في إثرهم، و ما زلت أتّبعهم حتّى أتبعتهم،أي حتّى أدركتهم،و في المثل:«أتبع الفرس لجامها»،يضرب مثلا للرّجل يؤمر بردّ الصّنيعة و إتمام الحجّة.

و أتبع فلان فلانا:تبعه يريد به شرّا،و تابعته على كذا متابعة و تباعا:وافقته عليه،و استتبعته:طلبت إليه أن يتبعني،و تابعته على الأمر:أسعدته و نصرته عليه، و أتبعته عليه:أحلته،يقال:أتبع فلان بفلان،أي أحيل عليه،و أتبعته الشّيء فتبعه،و تتبّعت الشّيء تتبّعا:

تطلّبته متتبّعا،يقال:فلان يتتبّع مساوئ فلان و أثره، و فلان يتتبّع مداقّ الأمور.

و تتبّعت علمه:اتّبعت آثارهم،و تبّعت الشّيء تتبيعا:تطلّبته،و تابعت بين الأمور متابعة و تباعا:

واترت،يقال:تابع فلان بين الصّلاة و بين القراءة،أي والى بينهما،و رميته فأصبته بثلاثة أسهم تباعا،أي ولاء،و تتابعت الأشياء:تبع بعضها بعضا،يقال:تابع المرتع المال فتتابعت،أي سمّن خلقها فسمنت و حسنت، و غصن متتابع:مستو لا عقد فيه،و فلان متتابع العلم، أي علمه يشاكل بعضه بعضا لا تفاوت فيه،و تابع عمله و كلامه:أتقنه و أحكمه،و هو تبيع للكلام،يقال:هو يتابع الحديث:يسرده،و أتبعته الشّيء:جعلته له تابعا.

ص: 616

و منه:التّابع،أي التّالي،و الجمع:تبّع و تبّاع و تبعة،و هو الجنّيّ يتبع المرأة يحبّها.و التّابعة:الجنّيّة تتبع الرّجل تحبّه،يقال:معه تابعة،أي من الجنّ.

و التّبع:التّابع،تسمية بالمصدر،و هو جمع تابع أيضا،مثل:خادم و خدم،و الجمع:أتباع.و تبع كلّ شيء:ما كان على آخره.و التّبع:القوائم،لأنّه يتبع بعضها بعضا.و التّبعة:ما تبع أثر شيء.

و التّبيع:الفحل من ولد البقر،لأنّه يتبع أمّه، و الجمع:أتبعة و أتابع و أتابيع،و هو أيضا التّابع و الغريم و النّصير،و تبيع المرأة:صديقها،و الجمع:تبعاء،و هي تبيعة.

و التّبع بالفتح:التّبيع،و الجمع:أتباع،و التّبع بالكسر:تبيع البقر و تبيع النّساء،يقال:هو تبع نساء، أي يجدّ في طلبهنّ،و تبع ضلّة:يتبع النّساء،و الجمع:

أتباع و تبّع،و هو تبعها،و هي تبعته.

و بقرة متبع:ذات تبيع،و هي متبعة أيضا،و خادم متبع:يتبعها ولدها حيث أقبلت و أدبرت.

و التّبعة و التّباعة:ما اتّبعت به صاحبك من ظلامة و نحوها،و ما فيه إثم يتّبع به،يقال:ما عليه من اللّه في هذا تبعة و لا تباعة.

و التّبّع:ضرب من الطّير،و ضرب من اليعاسيب، و هو أعظمها و أحسنها،و الجمع:التّبابع.

و التّبّع و التّبّع:الظّلّ،لأنّه يتبع الشّمس، و الدّبران،لأنّه يتبع الثّريّا.

و الاتباع في الكلام:الإتيان بكلمتين على وزن واحد،تؤكّد أخراهما الأولى؛و هي إمّا أن تكون في معنى الأولى،مثل:هو قسيم وسيم،و إمّا أن تكون خالية من المعنى،مثل:حسن بسن.

2-جاءت في السّريانيّة معان من هذه المادّة،و هي تضارع العربيّة،مثل:«تبع»،أي تبع و تطلّب الشّيء، و«تبوعا»،أي متطلّب و محاسب،و«تبعا»و«تبعا»،أي الجنّيّة تكون مع الإنسان تتبعه حيث ذهب.فلا يبعد أن يكون معنى التّطلّب قد دخل العربيّة بواسطة السّريانيّة، فقولهم مثلا:فلان يتتبّع مداقّ الأمور،يعني يطلبها ممعنا فيها مرّة بعد أخرى،و هو ما جاء في السّريانيّة أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

الكلام فيه في محورين:تبع و ما اشتقّ منه،و تبّع:

المحور الأوّل:جاء«تبع»مجرّدا فعلا(10)مرّات،

و صفة(4)مرّات،و مزيدا من باب الإفعال:فعلا(15)

مرّة،و من باب الافتعال:فعلا(136)مرّة،و صفة:

مرّتين،و مصدرا مرّتين،و من باب التّفاعل:صفة

مرّتين.و الجميع(171)مرّة:

أ-تبع:(12)آية،(14)لفظا:

1- ...فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:38

2- وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ...

آل عمران:73

3- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18

4- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:63

ص: 617

5- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ

ص:85

6- ...فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إبراهيم:36

7- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ... البقرة:145

8- تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ النّازعات:7

9- قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ البقرة:263

10- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ... البقرة:145

11- ...وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ... أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ... النّور:31

12- ...ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً

الإسراء:69

يلاحظ أوّلا:أنّ«تبع»جاء في(1)إلى(7)و(10) و(11)بمعنى تبعيّة الإنسان لغيره،قصدا في الخير:(1) و(6)و(7)أو الشّرّ:(2)إلى(5)،و في(8)و(9)بمعنى ردف شيء لشيء و تواليهما لا عن قصد.و هذا ظاهر في (8)،و في(9)كذلك،لأنّ«الأذى»مغفول عنه في الآية رغم صدوره عن فاعله قصدا،بل المراد به توالي أذى الصّدقة.

ثانيا:للطّباطبائيّ كلام في(6):(فمن تبعنى)، و حاصله أنّ المراد به سلوك طريقته اعتقادا و عملا و شريعة لا مجرّد الإيمان به،بقرينة معادله(و من عصانى)،فإنّ العصيان يتحقّق في السّلوك دون الاعتقاد فحسب،و لهذا نسب العصيان إلى نفسه،و لم يقل:«فمن كفر»أو«حاد عن الحقّ»،كما لم يقل:«فمن آمن بك»أو «أطاعك»،و سنتكلّم عليه في الفرق بين«اتّبع»و غيره.

ثالثا:الوصف منه ثلاثة:تابع،و تابعين،و تبيع:

1-جاء«تابع»في(10)مرّتين،و البحث في هذه الآية طويل صدرا و ذيلا حول جواب الشّرط(و لئن) و(ما تبعوا)،و أنّ الإخبار عن عدم اتّباع اليهود قبلة الإسلام كذب،لأنّ بعضهم قد أسلموا،و الجواب عنه بوجوه،و قول اليهود خدعة للنّبيّ:«لو ثبتّ على قبلتنا لآمنّا بك»،و اتّفاق اليهود و النّصارى على عداء النّبيّ، رغم اختلافهم بينهم حتّى في قبلتهم،و في الاحتجاج بها على جملة من المسائل الكلاميّة الرّاجعة إلى الوعيد و اللّطف،و أنّ علم اللّه بما يفعله العباد ليس حجّة لهم في ما يرتكبون،و نحو ذلك،لاحظ النّصوص.

و ما يعنينا هنا جملتان: وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، و البحث فيهما من جهات:

الأولى:أنّ«الباء»في الموردين عقيب النّفي للتّأكيد و التّعميم و التّأبيد،إشعارا بالفرق البيّن بين النّبيّ و بينهم، و تأكيدا لشدّة عناد اليهود و النّصارى للنّبيّ و فيما بينهم، و لتوغّلهم في العداء و العصبيّة العرقيّة و الدّينيّة،و لذا جاءت الجملة الاسميّة بدل الفعليّة.

الثّانية:أنّ الجملة الأولى جاءت على وجه المقابلة لما قبلها(ما تبعوا قبلتك)،كما أنّ الثّانية جاءت مقابلة لهما،نظير: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ* وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ

ص: 618

ما أَعْبُدُ* وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ* وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ الكافرون:2-4،لاحظ(عابدون)من«ع ب د»

الثّالثة:يبدو أنّ الجملتين إنشاء و هتاف ضدّ اليهود رغم مجيئها بصيغة الخبر،فهي مثل سورة«الكافرون» تماما،و كسورة«تبّت»أيضا،و قد سبق الكلام فيها.

و لقد كانت«مكّة»في بدء البعثة أوان نزول أمثال هذه السّور القصار،ممهّدة للعداء و الهتاف،لسيطرة الجوّ الطّائفيّ المفعم بالتّوتّر بين المؤمنين و المشركين.ثمّ هيمن هذا الجوّ في المدينة بعد الهجرة على العلاقات بين المؤمنين و اليهود بنفس السّياق و السّلوك،فلا عجب أن كرّر هذا الهتاف في أوّل سورة مدنيّة،و هي البقرة.

الرّابعة:قيل:إنّ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ تدلّ على دوام القبلة،و عدم سراية النّسخ إليها بعد نزول هذه الآيات،و ليس كذلك،لما قلنا:إنّها هتاف و ليس خبرا،و لأنّ عدم متابعتهم النّبيّ في قبلتهم لا يفهم منه أنّ القبلة لا تنسخ.نعم لا تنسخ إلى قبلة اليهود الّتي جعلت قبلة للمسلمين في بدء البعثة،اختبارا للمؤمنين الأوّلين، و كانوا من قريش المصرّين على الاستكبار و النّفرة و عدم الرّضى بدين أهل الكتاب و قبلتهم،كما قال تعالى: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ... البقرة:143.

و تسجيلا على أهل الكتاب أنّ الإسلام لا يعرف الطّائفيّة،و لا ينكر الأنبياء،و يحترم سننهم،و يعترف بدين اليهود،تطميعا و استمالة لهم نحو الإسلام.فلمّا تحقّقت هذه الأهداف حوّل المسلمون وجوههم إلى قبلة إبراهيم-و كان ذاك أمل النّبيّ-كما جاء خلال هذه الآيات: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها... البقرة:144.

الخامسة:إن كانت الجملتان هتافا ضدّ اليهود-إذ لوحظ فيهما حالتهم حين ذاك-فلا تنفيان إسلام بعضهم و اهتداءهم إلى الحقّ فيما بعد،فنفكّر في الإجابة على شبهة أنّها كذب،حيث شغلت هذه الشّبهة صفحات كثيرة من التّفاسير.

2-جاءت«التّابعين»في(11)خلال من أجاز للنّساء إبداء زينتهنّ للرّجال من هؤلاء.و قد اختلفوا كثيرا في المراد بهؤلاء التّابعين،و هذا ناشئ من الخلاف في غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ، و قد تكلّمنا حولها تفصيلا،لاحظ«إربة»من(أرب).و الصّواب أنّ «التّابعين»كلّ من يعيش في البيت من غير أهله من العبيد و غيرهم،و ممّن لا يهيج شهوته في النّساء.

و لا يشمل ذلك الصّغار،لأنّ الآية حدّدتهم بالرّجال،ثمّ عطف عليهم الأطفال: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ. كما لا يفهم من الآية اشتراط كون التّابع خصيّا،أو عنّينا،أو مخنّثا،أو أحمقا،أو شيخا هرما،أو طفلا صغيرا،و غيرها ممّا جاء في النّصوص، فإنّها جميعا تحميل على القرآن تسلب منه سرّ بلاغته.

3-جاء«تبيع»رويّا في(12)،و هي مكّيّة،فقبله:

وكيلا،كفورا،رحيما،وكيلا،و بعده:تفصيلا،قتيلا، سبيلا،خليلا...و هذا الرّويّ سار في السّورة من أوّلها إلى آخرها.و يتبادر إلى الذّهن أنّ هذا سرّ مجيئه مرّة واحدة ككثير من أمثاله.و«تبيعا»أي تابعا،كعليم و عالم،

ص: 619

و فسّروه بوكيل و كفيل و تابع و طالب و ثائر،أي من يطلب الثّأر،قالوا:و العرب تقول لكلّ طالب بدم أو دين أو غيره:تبيع.

و هذا غير بعيد،فإنّ سياق الآية و ما قبلها يقتضي ذلك: أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً* أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً الإسراء:68،69،فالآيتان إنذار بالخسف جانب البرّ، و الحصب،و القصف بالرّيح،و الغرق في البحر،و تعذيبهم بألوان العذاب،ثمّ لا يجدون من يدافع عنهم.

و عليه،فاختيار«تبيع»بدل«تابع»،و تقديم(علينا به)عليه-و هما من متعلّقاته-روعي فيهما جانب اللّفظ و المعنى معا.

ب-أتبع:(15)مرّة

1- إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً* فَأَتْبَعَ سَبَباً* حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ...

الكهف:84-86

2- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ... الكهف:89،90

3- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ

الكهف:92،93

4- ...فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً... المؤمنون:44

5- وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً...

القصص:42

6- ...فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ

الأعراف:175

7- إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ

الحجر:18

8- إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ

الصّافّات:10

9- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً... يونس:90

10- فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه:78

11- كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ* فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ الشّعراء:59،60

12- ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ المرسلات:17

13- اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً... البقرة:262

14- وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً... هود:60

15- وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً... هود:99

يلاحظ أوّلا:أنّ(اتبع)في غير (فَأَتْبَعَ سَبَباً) جاء في سياق إيصال الشّرّ إلى الّذي صار متبعا.فيصحّ لنا أن ندّعي أنّ(اتبع)في عرف القرآن-و لعلّه في اللّغة أيضا- خاصّ بالشّرّ.أمّا(اتبع سببا)في الموارد الثّلاثة فلا يرى فيه شرّ،إلاّ أن يكون تمكّن ذي القرنين من السّبب، كأنّه سيطر عليه كما يسيطر الظّالم على المظلوم و الغالب على المغلوب،فيحكي غاية تمكّنه من الأسباب،و هو غير بعيد.

ثانيا:أنّ(اتبع)في الآيات(4)و(5)و(12)إلى (15)جاء متعدّيا إلى مفعولين،مثل: فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ

ص: 620

بَعْضاً -و المفعول الأوّل في(14)و(15)نائب فاعل للفعل المجهول-فالفعل فيها حتما بمعنى اتباع شخص لشيء أو لشخص.

و أمّا في ما جاء فيه مفعول واحد،فقد اختلفت كلماتهم في معناه،فتكلّف بعضهم في بعض الآيات مفعولا ثانيا،كما قيل في(6): فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فقال:«فصيّره الشّيطان لنفسه تابعا»أو«أنّ الشّيطان أتبعه كفّار الإنس حتّى اتّبعوه»أو«أتبعه الشّيطان خطوته».

و قيل في فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ: إذا أريد أنّ فرعون أتبعهم خيرا أو شرّا،فيقرأ (اتبع) ،و إذا أريد اتّبع أثرهم،فيقرأ (اتّبع) .

و قليل منهم ساوى بين«تبع»و«أتبع»و«اتّبع»، فقال في فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ: أي تبعه.و أكثرهم فرّق بين«تبعه»و«أتبعه»بأنّ الأوّل السّير وراءه،سواء كان لحقه أم لا،و معنى الثّاني أدركه و لحقه.

و قالوا في فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ: أي أدركه و منعه من الاستماع إلى أحاديث الملأ الأعلى،يقال:ما زالت أتّبعه حتّى أتبعته،أي سرت خلفه حتّى لحقته.قال الطّباطبائيّ في فَأَتْبَعَ سَبَباً: «أي لحق سببا،و اتّخذ وصلة و وسيلة يسري بها نحو الغرب».

و عندنا أنّ(اتبع)إذا جاء بمفعول واحد ففيه معنى التّعقيب و اللّحوق بشيء أو بشخص لإصابته بالضّرر، و إذا جاء بمفعولين فمعناه إلحاق أحدهما بالآخر شرّا، مثل: فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً في(4)،و ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ في(12)،و ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً في(13).هذا يوافق اللّغة أيضا،قال الخليل :

أتبع فلان فلانا،إذا تبعه يريد شرّا: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ...

ثالثا:هذه الآيات كلّها مكّيّة إلاّ البقرة،و هي أوّل سورة مدنيّة على المشهور،فهي قريبة العهد بمكّة،فلو قيل:بأنّ«أتبع»تعبير مكّيّ لما كان بعيدا عن الصّواب.

و هذا بخلاف«تبع»مجرّدا،ففيه جاء كلّ من المكّيّ و المدنيّ(5)مرّات،فهما سيّان.

ج-تفاعل:(2)وصفا:

1- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ النّساء:

92،و المجادلة:4

يلاحظ أوّلا:أنّ«التّتابع»لغة هو التّوالي بين شيئين أو أكثر،و لا يشترط فيه أن يكون أحدهما تبعا للآخر.

قال الخليل :«التّتابع ما بين الأشياء إذا فعل هذا على إثر هذا،لا مهلة بينهما،كتتابع الأمطار و الأمور واحدا خلف الآخر...».

ثانيا:أنّ«التّتابع»لم يأت في القرآن إلاّ وصفا:

(متتابعين)في سياق التّشريع،في سورتين مدنيّتين.

ثالثا:أنّ صيام شهرين متتابعين جاء في القرآن كفّارة في موردين:

1-كفّارة قتل الخطأ لمن لا يتمكّن من تحرير رقبة مؤمنة.

2-كفّارة الظّهار لمن لا يتمكّن من تحرير رقبة.

و الجامع بينهما أنّ صيام شهرين متتابعين فيهما جاء بدلا من تحرير رقبة مؤمنة في الأوّل و رقبة في الثّاني،فهل هناك نكتة في تبديل تحرير رقبة بالصّيام شهرين

ص: 621

متتابعين؟نعم،في الصّيام إرهاق،و في الصّيام شهرين متتابعين إرهاق أكثر،و في تحرير الرّقبة إرهاق ماليّ، فإذا كان لا يملك مالا،عوّض عنه بإرهاق بدنيّ شديد.

رابعا:لقد ألحقت في السّنّة و الفقه بهاتين الكفّارتين كفّارة من أفطر يوما من شهر رمضان عمدا،فكفّارته أحد الثّلاثة تخييرا لا ترتيبا،كما كان في هاتين.

و قد جاء في ما رواه الفضل بن شاذان عن الإمام الرّضا عليه السّلام من علل الأحكام:«فإن قال:فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر؟قيل:لأنّ الفرض الّذي فرض اللّه على الخلق و هو شهر واحد،فضوعف في هذا الشّهر في كفّارته توكيدا و تغليظا.فإن قال:فلم جعلت متتابعين؟ قيل:لئلاّ يهون عليه الأداء فيستخفّ به،لأنّه إذا قضاه متفرّقا هان عليه القضاء».

و قد فرّعوا على هذا الحكم فروعا:

منها:جاء في الظّهار رقبة،و في قتل الخطأ رقبة مؤمنة؛فقاس بعضهم الأوّل بالثّاني،و قيّدوا الرّقبة بالمؤمنة.

و منها:لم يفرض في قتل الخطأ على من لا يستطيع الصّيام إطعام ستّين مسكينا،كما فرضه في الظّهار،فقاسه بعضهم على الظّهار،و بعضهم-كالشّافعيّ-لم يقسه عليه.

و منها:أنّ الشّهرين المتتابعين لمن لا عذر له أ يتحقّق بتتابع شهرين كاملين كما عليه علماء السّنّة،أم يكفي صيام شهر كامل و يوم من الشّهر الثّاني كما عليه الإماميّة،استنادا إلى ما جاء عن أئمّتهم؟

و منها:أنّ الشّهرين قمريّان،فلو كان شهر منهما تسعة و عشرين يوما يكفي،و لا يجب إتمامه ثلاثين يوما، و نحو ذلك من الفروع و الأحكام في فقه المذاهب.

د-اتّبع:بصيغه المختلفة(142)مرّة.

يلاحظ أوّلا:أنّ«اتّبع»بمشتقّاته الكثيرة جاء في القرآن أضعاف الصّيغ الثّلاث الأخرى متفرّقة بين المكّيّات-و هي الأكثر-و بين المدنيّات.و من ذلك يظهر أنّها كانت الصّيغة الدّارجة في محاورات البلدين،و جرى القرآن على ما هو الغالب في البيئة،و لم يتخلّف عنه إلاّ إذا اقتضى الحال إحدى الصّيغ الثّلاث الأخرى،و قد تكلّمنا حولها.

ثانيا:اختلفت الآراء في الفرق بين«تبع»و«اتّبع»، كما اختلفوا في الفرق بينهما و بين«أتبع»و قد سبق:فمنهم من ساوى بينهما،قال الخليل :«تبعت و اتّبعت سواء»، و قال أبو الفتوح:«تبع و اتّبع و تابع واحد»،و قال الصّاحب:«تبعته تباعا و أتبعته و اتّبعته سواء».و فرّق بعضهم بينهما،قال ابن فارس:«يقال:تبعت فلانا،إذا تلوته،و أتبعته و اتّبعته،إذا لحقته،و الأصل واحد غير أنّهم فرّقوا بين القفو و اللّحوق،فغيّروا البناء أدنى تغيير».فقد ألحق«اتّبعه»ب«أتبعه»،و قيّد فيه اللّحوق.

و التّحقيق أنّ الفرق بينهما-و إن جاء أحدهما مكان الآخر بكثرة مسامحة في التّعبير كسائر الكلمات-بتتابع المعنى و اللّفظ كما هو الأصل فيه،و أنّ زيادة اللّفظ تستدعي زيادة المعنى،و لا سيّما إذا اجتمعت الصّيغتان، مثل:كسب و اكتسب في لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286.حيث إنّهم أطالوا الكلام في

ص: 622

الفرق بينهما،لاحظ«ك س ب».

و المناسب في معاني باب«الافتعال»في«اتّبع» معنيان:المطاوعة،مثل:جمعته فاجتمع،و المبالغة،مثل:

كسب و اكتسب،أي بالغ في الكسب.و المطاوعة حسن في ما كان هناك أمر أو طلب أو هوى أو شهوة تستدعي التّابع فينفعل بها فيطاوعها.و هذا هو اللاّئق بمثل:«اتّبع الهدى»و«اتّبع الهوى»؛حيث إنّ الهدى ممّا يتطلّبه العقل و الرّحمن،و الهوى ممّا تتطلّبه النّفس و الشّيطان،و هذا المعنى هو الغالب في مواطن الأمر و النّهي،و التّرغيب و التّرهيب.

و في بعض الآيات ملامح من المبالغة،مثل: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ آل عمران:7،أي لهم اهتمام بالغ باتّباع ما تشابه من القرآن،و الإعراض عن المحكمات.و نحو: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا البقرة:170،أي نبالغ في اتّباع طريقة الآباء تعصّبا، و مثلها كثير.و يبدو أنّ المبالغة فيها نشأت من مناسبة الحكم و الموضوع و من سياق الكلام،لا من لفظ«اتّبع».

و في خلال الآيات ما جاء«اتّبع»بمعنى القفو بدون اللّحوق،مثل: قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً الكهف:66،أي ألازمك و أقفو أثرك،فلاحظ.و نحن نفضّل القول:إنّ«اتّبع»جاء في الآيات بمعنى واحد و هو المطاوعة،و أنّ غيرها من المعاني كاللّحوق و المبالغة-لو وجد-فهو مفهوم من سياق الكلام،لا من صيغة«اتّبع».

ثالثا:الفرق بين الاتّباع و الطّاعة:هو أنّ الطّاعة موقوفة على الأمر و النّهي،و ليس كذلك الاتّباع؛إذ يأتي كثيرا في غير مورد سبق الأمر و النّهي،كما سترى في الجدول الآتي.و هناك آيات جاء الاتّباع فيها مقابل العصيان،مثل: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إبراهيم:36،و مثل: وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ هود:59.و قد أتت الطّاعة عطفا على الاتّباع: وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي طه:90.و قد جاء الاتّباع مقابل الكراهة: اِتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّهَ وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ محمّد:28.

و من خلالها تستشفّ العلاقة بين الاتّباع و بين الطّاعة و العصيان و الكراهة و نحوها،كالانقياد و الامتثال،فهما تابعان للأمر و النّهي كالطّاعة تماما، بخلاف الاتّباع.

رابعا:جاء في النّصوص ذيل: وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ... التّوبة:100، بحث طويل حول«التّابعين»من هم؟فخصّهم بعض بمن أدرك صحابيّا و أخذ عنه.و هذا هو الباعث عند علماء الحديث بإرداف«التّابعين»للصّحابة،فشاع بينهم التّعبير بالصّحابة و التّابعين،فقسّموا«التّابعين»إلى الصّغار و الكبار،كما فعلوا ذلك في الصّحابة.

و عمّمهم الآخرون إلى كلّ من لحق بالصّحابة و اتّبعهم إلى يوم القيامة،و هذا هو الظّاهر من سياق الآية.و ممّا ذكر لهم من الأجر وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ... التّوبة:100،فإنّها لا تختصّ بهؤلاء

ص: 623

الّذين أدركوا الصّحابة،بل عمّمها القرآن إلى المؤمنين مرّات و كرّات.و قد دلّت الآية على أمور:

الأوّل:أنّ السّابقين من المهاجرين و الأنصار كانت طريقتهم حسنة مرضيّة،فرضي اللّه عنهم و رضوا عنه، حتّى استحقّوا أن يتّبعهم الآخرون،فتكون سيرتهم عبرة و نموذجا و مثالا لمن بعدهم،و فيهم أسوة للمؤمنين جميعا.و يؤيّده وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الجمعة:3،و وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الحشر:10، و فيهما تصريح بعدم إدراك التّابعين للسّابقين من المهاجرين و الأنصار،إلاّ أنّهم لحقوا بهم و اعترفوا بسبقهم بالإيمان.

أمّا قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ الأنفال:75،فصريح فيمن آمن بعدهم و هاجر و جاهد معهم،فليس أولئك تابعين لهم فحسب،بل يعدّون منهم.

الثّاني:أنّ هذه الآية خصّت هذه الفضيلة بالسّابقين من المهاجرين و الأنصار،و عمّت آيات أخرى جميع المهاجرين و الأنصار،مثل: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ الأنفال:74، لاحظ«ن ص ر»و«س ب ق»و«ه ج ر»و«ج ه د».

و مثلها آية التّوبة:20 اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ، و قد نزلت أخيرا بعد غزوة تبوك،و وصفوا ب(الفائزون)،و الأولى نزلت قديما بعد غزوة بدر،و قد وصفوا ب(المؤمنون حقّا)، كما وصفوا في آية الحجرات الآتية ب(الصّادقون)، و اشترط فيها جميعا الهجرة و الجهاد في سبيل اللّه،و ذكر في الأولى وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا دون الثّانية.

الثّالث:أنّ أمثال هذه الفضائل لا تشمل كلّ من أسلم و صحب النّبيّ حتّى يقال إطلاقا:الصّحابة عدول، كيف و قد ثبت في جماعة منهم ما يرفضه.و قد تلا هذه الآية بالذّات قوله: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ...

و اشتبكت آيات المهاجرين و الأنصار مع آيات المنافقين -ميزا بين الفريقين و أنّ أحدهما لا يختلط بالآخر-في المدنيّات،و لا سيّما في التّوبة،و المائدة،و هما من أخريات السّور نزولا؛حيث توحي إلينا أنّ الإسلام كلّما توسّع، و زاد عدد المسلمين،و قرب انقطاع الوحي،و دنا أفول شمس النّبوّة،زاد النّفاق بين العرب و المسلمين.فلا عبرة بمجرّد الصّحبة إلاّ بمن ثبت إيمانه حقّا،و ليسوا هم كلّ من رأى النّبيّ و صحبه.

كيف و قد نطق الكتاب بالفرق بين من أسلم لسانا، و بين من آمن قلبا؛حيث قال: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ... إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحجرات:14،15،لاحظ تفصيل هذا البحث في«ه ج ر»و«ج ه د»و«ن ص ر».

ه-يغلب على الصّيغ الثّلاث:تبع،و أتبع،و التّبع مجيئها في سياق التّرغيب أو التّرهيب و ما يناسبهما،فهي

ص: 624

صنفان:

الأوّل:سياق التّرغيب:

1-الهدى:6

1- ...فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:38

2- ...فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى طه:123

3- ...قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى طه:47

4- وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا... القصص:57

5- وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ الأعراف:193

6- ...أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

يونس:35

2-الرّضوان:3 آيات:

1- أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ آل عمران:162

2- ...وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ

آل عمران:174

3- يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ...

المائدة:16

3-الذّكر:1

إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ... يس:11

4-الصّراط:1

وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ...

الأنعام:153

5-الكتاب:1

وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الأنعام:155

6-القرآن:1

فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ القيمة:18

7-آياتنا:1

...لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ القصص:47

8-ما أنزل اللّه:3 آيات:

1- وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا البقرة:170

2- وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا... لقمان:21

3- اِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ الأعراف:3

9-النّور:1

...فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

الأعراف:157

10-السّبيل:2

1- ...وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان:15

2- ...فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ

ص: 625

عَذابَ الْجَحِيمِ المؤمن:7

11-الحقّ و الباطل:1

ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ... محمّد:3

12-أحسن القول:1

اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ الزّمر:18

13-ما أوحي:6 آيات،و المتّبع فيها جميعا النّبيّ لما أوحي إليه:

1- ...إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ. الأنعام:50

2- ...قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي...

الأعراف:203

3- قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ... يونس:15

4- ...إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ وَ ما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الأحقاف:9

5- اِتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:106

6- وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً الأحزاب:2

14-ملّة إبراهيم:4 آيات،و المتبع في 3 منها النّبيّ، و في واحدة المؤمنون:

1- ...وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... النّساء:125

2- وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ... يوسف:38

3- ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً

النّحل:123

4- قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ آل عمران:95

15-الرّسل:11

1- رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ آل عمران:53

2- ...وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ... هود:27

3- رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إبراهيم:36

4- ...رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ... إبراهيم:44

5- قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً الكهف:70

6- ...إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي طه:90

7- ...لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى طه:134

8- وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ القصص:35

9- وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ يس:20

10- وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ المؤمن:38

11- وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ

ص: 626

هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ الزّخرف:61

16-نبيّنا:6 آيات:

1- ...وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ...

البقرة:143

2- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ... آل عمران:31

3- اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ...

الأعراف:157

4- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ...

التّوبة:42

5- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي... يوسف:108

6- وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

الشّعراء:215

17-المهاجرين و الأنصار:1

وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ... التّوبة:100

18-سبيل من أناب:آية واحدة:

...وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان:15

19-المؤمنين:2

1- ...قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ... آل عمران:167

2- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ... الفتح:15

الثّاني:سياق التّرهيب:

1-الهوى و الأهواء:8 آيات،3 منها تأنيف للنّبيّ، و 5 لغيره:

1- ...قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ البقرة:120

2- ...وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ البقرة:145

3- ...وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا واقٍ الرّعد:37

4- وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ... الأعراف:176

5- فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى طه:16

6- فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ القصص:50

7- أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ محمّد:14

8- وَ كَذَّبُوا وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَ كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ

القمر:3

2-اليهود:1

وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ... آل عمران:73

3-خطوات الشّيطان:4 آيات:

1،إلى 3- ...وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ البقرة:168 و 208،و الأنعام:142

ص: 627

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ... النّور:21

4-الشّيطان:7

1- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18

2- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:63

3- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ص:85

4- وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سبأ:20

5- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ

الأعراف:175

6- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ الحجّ:3

7- وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ... البقرة:102

5-الشّعراء:1

وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ الشّعراء:224

6-سبيل الكافرين:4 آيات:

1- وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ... النّساء:115

2- ...وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ... الأنعام:153

3- قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يونس:89

4- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ... العنكبوت:12

7-سبيل المفسدين:1

...وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الأعراف:142

8-سبيل الّذين لا يعلمون:1

قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يونس:89

9-رفض القبلة:1

وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ... البقرة:145

10-الأذى:2

1- قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ البقرة:263

2- اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً... البقرة:262

11-ما أترفوا فيه:1

...وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ هود:116

12-الشّركاء:2

1- وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ

الأعراف:3

2- أَلا إِنَّ لِلّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُرَكاءَ...

ص: 628

يونس:66

13-المتشابه:1

...فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ... آل عمران:7

14-رجلا مسحورا:2

1- ...إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً الإسراء:47

2- ...وَ قالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً الفرقان:8

15-السّحرة:1

لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ

الشّعراء:40

16-آباءنا:2

1- ...بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ البقرة:170

2- ...قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ لقمان:21

17-الكافرين:2

1- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ البقرة:166

2- وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً... إبراهيم:21

و يلاحظ بالسّير في هذه العناوين و أرقامها أمور:

1-أنّ التّرغيب جاء في(19)عنوانا،و كلّها حسن و مرغوب فيها.و من أكثرها عددا الرّسل:(12)مرّة، و نبيّنا:(6)مرّات،فالتّرغيب إلى اتّباع النّبيّ نصف التّرغيب إلى اتّباع جميع الأنبياء،و هذه النّسبة عالية جدّا،كما أنّ اتّباع الرّسل في صدر جدول المرغوب فيها.

2-أنّ هذا العدد(6)نفس عدد التّرغيب إلى الهدى و إلى ما أوحي إلى النّبيّ،فكلاهما جاء ستّ مرّات، فساوى اتّباع النّبيّ اتّباع الهدى و ما أوحي إليه.

3-أنّ التّرهيب جاء في(17)عنوانا،و كلّها سيّئ و مرغوب عنها،و أكثرها عددا الشّيطان:(4)، و خطواته:(7)،و المجموع:(11).فالشّيطان وقع في صدر جدول المرغوب عنها،و هو رأس الكفر و الشّرك و النّفاق و الشّرور كلّها،بإزاء الرّسل،فهم رأس الهدى و التّقى.و النّسبة بين التّرغيب في اتّباع الرّسل و التّرهيب عن اتّباع الشّيطان هي 11/19.

4-و يتلوه الهوى،فجاء(8)مرّات،و معلوم أنّ الهوى يتابع الشّيطان،كما أنّ الهدى و ما أوحي يتابع الرّحمن.و كلّ ما جاء بعد الهوى من العناوين فهي من جنود الشّيطان،كما أنّ ما جاء بعد الهدى فهو من جنود الرّحمن.

5-و من الأسف أنّ«الهوى»زاد«الهدى»بعددين، و هذا نظير ما قلنا في«الضّلال المبين»:إنّه زاد الهدى بضعف العدد.و هذا هو مصير الإنسان،فهو لا يزال في خسران،و صيد في فخاخ الشّيطان،إلاّ من أدركته رحمة من الرّحمن.

المحور الثّاني:«تبّع»
الأصول اللّغويّة

1-أطلق هذا اللّفظ على كلّ ملك من ملوك اليمن

ص: 629

الّذين تسنّموا الحكم فيها بعد الدّولة المعينيّة و السّبئيّة و الحميريّة على الترتيب،و الجمع:التّبابعة،و الهاء في جمعه للنّسب كما في المناذرة و الغساسنة،جمع منذر و غسّان.و سمّوا بذلك الاتّباع بعضهم بعضا في الخلافة أو السّياسة،كما يتّبع«التّبّع»-أي الظّلّ-الشّمس،فهو اسم منقول على وزان«فعّل»و له نظائر محصورة في اللّغة،نظمها ابن مالك في كتابه«نظم الفرائد»،و عدّها (33)اسما،و منها«تبّع».

2-قال آرثر جفري في«مفرداته»:اعتبر «فرانكل»هذا اللّفظ ذا علاقة باللّفظ الحبشيّ«تباع»أي القويّ و الفتيّ،و أيّد«نولدكه»هذه الرّابطة أيضا،ثمّ استدرك«جفري»:إنّه أخذ من اللّغة العربيّة الجنوبيّة، و عثر عليه منقوشا في الحفريّات الأثريّة.و أضاف يقول:

يبدو أنّه كان معروفا على نطاق واسع في الجزيرة العربيّة قبل ظهور الإسلام،لأنّه استعمل مرارا في الشّعر العربيّ القديم.

3-و يكاد يكون لفظ«تبّع»مشتقّا من اللّفظ الحبشيّ«تباع»-على قول«فرانكل»-لو لا أنّ الأحباش استولوا على اليمن عقب التّبابعة،فأطاحوا بآخر ملوكهم في القرن السّادس الميلاديّ،و استمرّ احتلالهم لها حتّى ظهور الإسلام.و لو انعكس الأمر-أي أعقب التّبابعة الأحباش في الحكم-لقيل:إنّ«تبّعا» معرّب للّفظ الحبشيّ«تباع»،لتأثير لغة أهل الحبشة في لغة أهل اليمن،كما هو الحال بين الغالب و المغلوب.

الاستعمال القرآنيّ

تبّع:آيتان:

1- أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ الدّخان:37

2- وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ق:14

يلاحظ أوّلا:أنّه قد جاءت في شأن«تبّع» نصوص كثيرة في كتب السّيرة و التّفسير،و قد سبق بعضها،و لا اعتبار لكثير منها،فإنّها اصطبغت بالصّبغة الإسرائيليّة،فلاحظ.و الّذي ثبت في التّاريخ هو أنّ التّبابعة حكموا بلاد اليمن حوالي القرن الخامس الميلاديّ، و أنّ لفظ«تبّع»كان لقبا لكلّ ملك من الملوك الّذين تلوا دولة حمير،و لم يكن علما لشخص منهم،فهو مثل:

كسرى لقب ملك الفرس،و قيصر لقب ملك الرّوم.

ثانيا:استعمل القرآن لفظين آخرين سوى لفظ «تبّع»من ألقاب الرّؤساء و الحكّام:

1-فرعون: وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ الزّخرف:51

2-الملك: وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً البقرة:247

و نظيرها الرّوم،و هم أمّة من النّاس: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ الرّوم:1،2

ص: 630

ت ج ر

اشارة

3 ألفاظ،9 مرّات:1 مكّيّة،8 مدنيّة

في 7 سور:1 مكّيّة،6 مدنيّة

تجارة 7:1-6 تجارتهم 1:-1

التّجارة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و التّجر و التّجار:جماعة التّاجر،و قد تجر تجارة.و أرض متجرة:يتجر إليها.(6:91)

أبو عبيدة :ناقة تاجر،أي نافقة في التّجارة و السّوق.(الجوهريّ 2:600)

ابن الأعرابيّ: فلان تاجر بكذا،أي حاذق به، عارف الوجه المكتسب منه.(الرّاغب:73)

ابن دريد :تاجر و تجر:مثل صاحب و صحب، و ناقة تاجر:تبيع نفسها بحسنها و سمنها.[ثمّ استشهد بشعر](2:3)

الأزهريّ: و العرب تقول:ناقة تاجرة،إذا كانت تنفق إذا عرضت على البيع لنجابتها،و نوق تواجر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ربح فلان في تجارته،إذا أفضل.و أربح،إذا صادف سوقا ذات ربح.(11:3)

الصّاحب: [نحو الخليل،و أضاف:]

و ناقة تاجرة؛إذا كانت نافقة،و نوق تواجر،كأنّها تبيع نفسها من حسنها و سمنها.(7:58)

الخطّابيّ: في حديث أبي ذرّ،قال:«كنّا نتحدّث:

أنّ التّاجر فاجر»،التّاجر عندهم:الخمّار،اسم يخصّونه من بين التّجّار.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن كان هو المراد،فمن البيّن أنّه محلّ للفجور و موضع له.و فيه وجه آخر،و هو أشبه بمعنى الحديث، و هو أن يكون أراد بالتّاجر:كلّ من تجر في مال، و تصرّف في بيع و شراء.

و إنّما جعله فاجرا،لأنّ البيع و الشّراء مظنّة للفجور، لكثرة ما يجري في البيوع من الأيمان الكاذبة،و لما يقع

ص: 631

فيها من الغبن و التّدليس،و لما يشوبها و يدخلها من الرّبا الّذي لا يتحاشاه كثير من التّجّار،بل لا يشعرون به و لا يفطنون لموضعه،لدقّة علمه و لطف مسلكه.[ثمّ ذكر روايات أخرى في هذا المعنى.](2:277)

نحوه ملخّصا الزّمخشريّ(الفائق 1:148)،و المدينيّ (1:218).

الجوهريّ: تجر يتجر و تجارة،و كذلك اتّجر يتّجر، و هو«افتعل»فهو تاجر.و الجمع:تجر،مثال صاحب و صحب،و تجار و تجّار.

و العرب تسمّي بائع الخمر:تاجرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ناقة تاجرة للنّافقة،و أخرى:كاسدة.

و أرض متجرة:يتّجر فيها.(2:600)

نحوه ملخّصا الرّازيّ.(90)

ابن فارس :التّاء و الجيم و الرّاء،التّجارة:معروفة.

و يقال:تاجر و تجر،كما يقال:صاحب و صحب و لا تكاد ترى تاء بعدها جيم[غير هذا].(1:341)

نحوه الرّاغب(73)،و الفيّوميّ(1:73)،و الآلوسيّ (1:162).

ابن سيدة :تجر يتجر تجارة:باع و شرى،و قد غلب على الخمّار.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل تاجر،و الجمع:تجار،و تجّار،و تجر.[إلى أن قال:]

و التّجر:اسم للجمع،و قيل:هو جمع.(7:354)

التّاجر:الّذي يبيع و يشتري.الجمع تجّار و تجار و تجر.و قد تجر يتجر تجارة و تجرا،و اتّجر.و المتجر:مكان التّجارة.(الإفصاح 2:1209)

الزّمخشريّ: التّجارة:صناعة التّاجر،و هو الّذي يبيع و يشتري للرّبح.و ناقة تاجرة:كأنّها من حسنها و سمنها تبيع نفسها.(1:191)

نحوه البيضاويّ(1:27)،و أبو حيّان(1:63)، و البروسويّ(1:64).

فلان يتجر في البزّ (1)و يتّجر،و قد تجر تجارة رابحة.

و تاجرت فلانا فكانت أربح متاجرة.و ما أتجر فلانا! و تجر العراق،و تجارة كثير.

و بلد متجر،و بلاد متاجر:يتّجر إليها.

و من المجاز:عليكم بتجارة الآخرة،و صفقته في متجر الحمد رابحة...

و ناقة تاجرة:حسنة نافقة،و نوق تواجر.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك كلّ سلعة تنفق،تقول:عليك بالسّلع التّواجر.(أساس البلاغة:37)

في الحديث في الأضاحيّ: «كلوا و ادّخروا و اتّجروا».

أي اتّخذوا الأجر لأنفسكم بالصّدقة منها،و هو من باب الاشتواء و الاذّباح.و اتّجروا على الإدغام خطأ؛لأنّ الهمزة لا تدغم في التّاء،و قد غلّط من قرأ:الّذي ائتمن، و قولهم:اتّزر عاميّ،و الفصحاء على ائتزر.

و أمّا ما روي أنّ رجلا دخل المسجد و قد قضى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صلاته،فقال:من يتّجر فيقوم فيصلّي معه؟

فوجهه-إن صحّت الرّواية-أن يكون من التّجارة؛ز.

ص: 632


1- البزّ جمعه بزوز:الثّياب من الكتّان أو القطن،السّلاح، و منه البزّاز.

لأنّه يشتري بعمله المثوبة،و هذا المعنى يعضده مواضع في التّنزيل و الأثر،و كلام العرب.(الفائق 1:25)

نحوه المدينيّ(1:218)،و ابن الأثير(1:181).

ابن الأثير :[في حديث]«إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلاّ من اتّقى اللّه و برّ و صدق».[ثمّ ذكر في معناه نحو ما نقلناه عن الخطّابيّ و أضاف:]

و جمع التّاجر:تجّار بالضّمّ و التّشديد،و تجار بالكسر و التّخفيف،و بالضّمّ و التّخفيف.(1:181)

الفخر الرّازيّ: التّجارة:عبارة عن التّصرّف في المال،سواء كان حاضرا أو في الذّمّة،لطلب الرّبح، يقال:تجر الرّجل يتجر تجارة فهو تاجر.(7:126)

نحوه محمّد حسنين مخلوف.(93)

الصّغانيّ: تجر،إذا حذق.و إنّه لتاجر بذلك الأمر، أي حاذق.[ثمّ استشهد بشعر](2:430)

الفيروزآباديّ: التّاجر:الّذي يبيع و يشتري، و بائع الخمر.جمعه:تجار و تجّار و تجر و تجر،كرجال و عمّال و صحب و كتب.و الحاذق بالأمر،و النّاقة النّافقة في التّجارة،و في السّوق كالتّاجرة.

و أرض متجرة:يتّجر فيها و إليها،و قد تجر تجرا و تجارة.و هو على أكرم تاجرة:على أكرم خيل عتاق.

(1:393)

الطّريحيّ: التّجارة بالكسر،هي انتقال شيء مملوك من شخص إلى آخر،بعوض مقدّر على جهة التّراضي،أخذا من تجر يتجر تجرا من باب«قتل»فهو تاجر.

و المتاجر:جمع متجر من التّجارة،و منه قول الفقهاء:«كتاب المتاجر».

قيل:هو إمّا مصدر ميميّ بمعنى التّجارة كالمقتل بمعنى القتل أو اسم موضع.و هي الأعيان يكتسب بها قال بعض الأفاضل:و الأوّل أليق بالمقصود.(3:233)

مجمع اللّغة :تجر يتجر من باب«نصر»تجرا و تجارة:باع و اشترى طلبا للرّبح.

و التّجارة:

أ-هي المبادلة بالبيع و الشّراء لقصد الرّبح.

ب-و تطلق التّجارة على المال المتّجر فيه.

ج-و تطلق مجازا على العمل يترتّب عليه خير أو شرّ.(1:152)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:88)

العدنانيّ: تجر فلان في الأرزّ أو اتّجر فيه.

و يقولون:تاجر فلان بالأرزّ،و الصّواب:تجر فلان في الأرزّ،أي مارس بيعه و شراءه،أو اتّجر في الأرزّ.

«الصّحاح،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط».

و اكتفى معجم ألفاظ القرآن الكريم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و القاموس بذكر:تجر،و لم يذكروا «اتّجر».

أمّا جملة«تاجر فلان فلانا»فتعني:اتّجر معه.

«الأساس،و المدّ،و الوسيط».

و قال«المتن»:تاجره:باراه في التّجارة.

أمّا«محيط المحيط»فقد قال:إنّ تاجر بمعنى تجر، و حذا«أقرب الموارد»-كعادته غالبا-حذوه،فأخطأ

ص: 633

مثله.

و أنا لا أستشهد برأي هذين المعجمين إلاّ إذا سبقهما واحد من معاجمنا الخالدة؛كالصّحاح،و الأساس، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و من هم في مستواها اللّغويّ،و قلّما عثر«محيط المحيط»دون أن يجرّ وراءه«أقرب الموارد».

و فعله هو:تجر يتجر تجرا،و تجارة،و متجرا.

و يجمع التّاجر على:تجر،و تجار،و تجّار،و تجر.[ثمّ استشهد بشعر](93)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ التّجارة عبارة عن كلّ معاملة يراد منها الرّبح،سواء كانت مبيعا أو شرى،أو غيرهما من المعاملات الرّابحة.و لذا ترى ذكرها في مقابل البيع،في قوله تعالى: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ النّور:37،و ذكرت في مقابل اللّهو في قوله تعالى:

وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها الجمعة:11، فإنّ التّجارة تجلبهم من جهة ربحها،و اللّهو يجلبهم من جهة ميل النّفس و شهوتها.

و أمّا البيع فهو مطلق المبادلة و المعاملة،سواء كانت رابحة أم لا،فالبيع يلهي عن الذّكر و ليس بجاذب؛و على هذا ذكر في الآية الأولى دون الثّانية.

و قد تطلق على المعاملة المعنويّة: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الصّفّ:11، يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ فاطر:29، اَلَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

قع (1)- [تيجر]-ساوم،تاجر، قايض،تعامل،استأجر.(1:361)

النّصوص التّفسيريّة

تجارة

1- ...إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ...

البقرة:282

الضّحّاك: تِجارَةً حاضِرَةً ما كان يدا بيد.

(الطّبريّ 3:132)

السّدّيّ: أي معكم بالبلد تديرونها،فتأخذ و تعطي،فليس على هؤلاء جناح ألاّ يكتبوها.(168)

الفرّاء: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً ترفع و تنصب.فإن شئت جعلت تُدِيرُونَها في موضع نصب فيكون ل«كان»مرفوع و منصوب.

و إن شئت جعلت تُدِيرُونَها في موضع رفع؛ و ذلك أنّه جائز في النّكرات أن تكون أفعالها تابعة لأسمائها،لأنّك تقول:إن كان أحد صالح ففلان،ثمّ تلقي «أحدا»فتقول:إن كان صالح ففلان،و هو غير موقّت، فصلح نعته مكان اسمه؛إذ كانا جميعا غير معلومين.

و لم يصلح ذلك في المعرفة،لأنّ المعرفة موقّتة معلومة،و فعلها غير موافق للفظها و لا لمعناها.

فإن قلت:فهل يجوز أن تقول:كان أخوك القاتل، فترفع،لأنّ الفعل معرفة و الاسم معرفة فترفعا (2)للاتّفاق،إذا كانا معرفة،كما ارتفعا للاتّفاق في النّكرة؟

قلت:لا يجوز ذلك،من قبل أنّ نعت المعرفة دليل

ص: 634


1- قاموس عبريّ-عربيّ.
2- أي المعرفتان.

عليها إذا حصّلت،و نعت النّكرة متّصل بها كصلة «الّذي».[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و مثله في الكلام:ما كنّا بشيء حين كنت،تريد حين صرت و جئت،فتكتفي«كان»بالاسم.(1:185)

الأخفش: أي تقع تجارة حاضرة.و قد يكون فيها النّصب على ضمير الاسم (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) .

(1:390)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و العراق،و عامّة القرّاء: (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) بالرّفع.

و انفرد بعض قرّاء الكوفيّين،فنقرأه بالنّصب،و ذلك و إن كان جائزا في العربيّة؛إذا كانت العرب تنصب النّكرات و المنعوتات مع«كان»،و تضمر معها في«كان» مجهولا،فتقول:إن كان طعاما طيّبا فأتنا به،و ترفعها فتقول:إن كان طعام طيّب فأتنا به؛فتتبّع النّكرة خبرها بمثل إعرابها،فإنّ الّذي أختار من القراءة،ثمّ لا أستجيز القراءة بغيره،الرّفع في التّجارة الحاضرة،لإجماع القرّاء على ذلك،و شذوذ من قرأ ذلك نصبا عنهم،و لا يعترض بالشّاذّ على الحجّة.[ثمّ استشهد بشعرين]

و إنّما تفعل العرب ذلك في النّكرات،لما وصفنا من إتباع أخبار النّكرات أسماءها،و كان من حكمها أن يكون معها مرفوع و منصوب،فإذا رفعوهما جميعهما تذكّروا إتباع النّكرة خبرها،و إذا نصبوهما تذكّروا صحبة«كان»منصوب و مرفوع،و وجدوا النّكرة يتبعها خبرها،و أضمروا في«كان»مجهولا لاحتمالها الضّمير.

و قد ظنّ بعض النّاس أنّ من قرأ ذلك إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً إنّما قرأه على معنى:إلاّ أن يكون تجارة حاضرة،فزعم أنّه كان يلزم قارئ ذلك أن يقرأ «يكون»بالياء،و أغفل موضع صواب قراءته من جهة الإعراب،و ألزمه غير ما يلزمه.

و ذلك أنّ العرب إذا جعلوا مع«كان»نكرة مؤنّثا بنعتها أو خبرها،أنّثوا«كان»مرّة،و ذكّروها أخرى، فقالوا:إن كانت جارية صغيرة فاشتروها،و إن كان جارية صغيرة فاشتروها،تذكّر«كان»و إن نصبت النّكرة المنعوتة أو رفعت أحيانا،و تؤنّث أحيانا.

و قد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ قوله:(الاّ ان تكون تجارة حاضرة)مرفوعة فيه«التّجارة الحاضرة»، لأنّ(تكون)بمعنى التّمام،و لا حاجة بها إلى الخبر،بمعنى:

إلاّ أن توجد أو تقع أو تحدث،فألزم نفسه ما لم يكن لها لازما،لأنّه إنّما ألزم نفسه ذلك،إذا لم يكن يجد ل«كان» منصوبا،و وجد«التّجارة الحاضرة»مرفوعة،و أغفل جواز قوله: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ أن يكون خبرا ل«كان»،فيستغني بذلك عن إلزام نفسه ما ألزم.

و الّذي قال من حكينا قوله من البصريّين غير خطإ في العربيّة،غير أنّ الّذي قلنا بكلام العرب أشبه؛و في المعنى أصحّ،و هو أن يكون في قوله: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ وجهان:

أحدهما:أنّه في موضع نصب على أنّه حلّ محلّ خبر «كان»،و«التّجارة الحاضرة»اسمها.

و الآخر:أنّه في موضع رفع على إتباع التّجارة الحاضرة،لأنّ خبر النّكرة يتبعها،فيكون تأويله:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم.(3:132)

ص: 635

نحوه ملخّصا البغويّ(1:395)،و ابن الأنباريّ(1:

183)،و العكبريّ(1:231).

الزّجّاج :أكثر القرّاء على الرّفع(تجارة حاضرة) على معنى:إلاّ أن تقع تجارة حاضرة.و من نصب (تجارة)و هي قراءة عاصم،فالمعنى إلاّ أن تكون المداينة تجارة حاضرة.و الرّفع أكثر،و هي قراءة النّاس.

فرخّص اللّه عزّ و جلّ في ترك كتابة ما يديرونه بينهم،لكثرة ما تقع المعاملة فيه،و أنّه أكثر ما تقع المتاجرة بالشّيء القليل،و إن وقع فيه الدّين.(1:365)

نحوه أبو زرعة(151)،و ابن الجوزيّ(1:339)

الفارسيّ: [ذكر اختلاف القراءة و أنحاء استعمال «كان»ثمّ قال:]

فأمّا موضع(ان)في قوله: إِلاّ أَنْ تَكُونَ فنصب، المعنى:و لا تسأموا كتابته إلاّ أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم.

أي يدا بيد لا أجل فيه،فلا يحتاج في تبايع ذلك إلى التّوثّق باكتتاب الكتاب،و لا ارتهان الرّهن،لوقوع التّقابض في المجلس،و مثل موضع«أن»هذه في النّصب موضع الّتي في قوله: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29،فالعامل في قوله:(ان تكون)من قوله: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، قوله عزّ و جلّ: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ النّساء:

29،بتوسّط(الاّ)،و كلا الاستثناءين منقطع.

و زعم سيبويه أنّه قد نصب في القراءة تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29.

فأمّا حجّة من رفع فإنّه جعل«كان»بمعنى وقع و حدث،كأنّه قال:إلاّ أن تقع تجارة حاضرة،و مثل ذلك في الرّفع قوله: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ البقرة:280،المعنى فيه على الرّفع،و ذلك أنّه لو نصب فقيل:و إن كان ذا عسرة،لكان المعنى:و إن كان المستربي ذا عسرة فنظرة،فتكون«النّظرة»مقصورة عليه،و ليس الأمر كذلك،لأنّ المستربي و غيره إذا كان ذا عسرة فله النّظرة.

أ لا ترى أنّ المستربي و المشتري و سائر من لزمه حقّ إذا كان معسرا فله النّظرة إلى الميسرة؟فكذلك المعنى في قوله:(الاّ ان تكون تجارة حاضرة)،إلاّ أن تقع تجارة حاضرة في هذه الأشياء الّتي اقتصّت،و أمر فيها بالتّوثقة بالشّهادة و الارتهان،فلا جناح في ترك ذلك فيه،لأنّ ما يخاف في بيع النّساء و التّأجيل،يؤمن في البيع يدا بيد.

[ثمّ استشهد بأشعار]

و أمّا وجه قول من نصب فقال: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً، فالّذي في الكلام الّذي تقدّمه ممّا يظنّ أنّه يكون اسم كان ما دلّ عليه:(تداينتم)،من قوله:

إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ، و(الحقّ)من قوله: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً، فلا يجوز أن يكون «التّداين»اسم كان،لأنّ حكم الاسم أن يكون الخبر في المعنى،و التّداين حقّ في ذمّة المستدين،للمدين المطالبة به،فإذا كان ذلك لم يكن اسم كان،لأنّ«التّداين» معنى،و المنتصب يراد به العين.

و من حيث لم يجز أن يكون«التّداين»اسم كان، لم يجز أن يكون(الحقّ)اسمها،لأنّ الحقّ يراد به الدّين في قوله: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، فكما لم يجز أن

ص: 636

يكون«التّداين»اسمها،كذلك لا يجوز أن يكون هذا في (الحقّ)،فإذا لم يجز ذلك لم يخل اسم كان من أحد الشّيئين:

أحدهما:أنّ هذه الأشياء الّتي اقتصّت من الإشهاد و الارتهان قد علم في فحواها التّبايع،فأضمر التّبايع لدلالة الحال عليه،كما أضمر لدلالة الحال فيما حكاه من قوله:إذا كان غدا فأتني.

أو يكون أضمر التّجارة،كأنّه:إلاّ أن تكون التّجارة تجارة حاضرة.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا التّجارة،فهي تقليب الأموال و تصريفها لطلب النّماء بذلك،و هو اسم حدث.و اشتقّ التّاجر منه،إلاّ أنّ المراد به في الآية العين،و لا يخلو وقوع اسم الحدث- على هذا المعنى الّذي وصفناه-من أحد ثلاثة أشياء:

إمّا أن يكون المراد:إلاّ أن يقع ذو تجارة،أي متاع ذو تجارة.

و الآخر:أن يراد بالتّجارة المتّجر فيه،الّذي هو عين،فيكون كقوله:هذا الدّرهم ضرب الأمير،و هذا الثّوب نسج اليمن،أي مضروبه و منسوجه،و كذلك لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ المائدة:94،أي المصيد؛أ لا ترى أنّ الأيدي و الرّماح إنّما تنالان الأعيان.

و الثّالث:أن يوصف بالمصدر،فيراد به العين،كما يقال:عدل و رضى،يراد به عادل و مرضيّ،و على هذا قالوا:عدلة،لما جعلوه الشّيء بعينه.

و ليس هذا كالوجه الّذي قبله،لأنّ ذاك مصدر يراد به المفعول.و ليس هذا مقصورا على المفعول،فالمراد بالمصدر الّذي هو تجارة:العروض و غيرها ممّا يتقايض، يبيّن ذلك وصفها بالحضور و بالإدارة بيننا،و هذا من أوصاف الأعيان،و الاسم المشتقّ من هذا الحدث يجري مجرى الصّفات الغالبة،و لذلك كسّر تكسيرها في قولهم:

تاجر و تجار،كما قالوا:صاحب و صحاب،و راع و رعاء.

[ثمّ استشهد بشعر](2:436)

نحوه ابن عطيّة.(1:383)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّ«الحاضرة»ما تعجّل،و لم يداخله أجل في مبيع و لا ثمن.

و الثّاني:أنّها ما يحوزه المشتري من العروض المنقولة.

(1:357)

نحوه أبو حيّان.(2:352)

الطّوسيّ: استثناء من جملة ما أمر اللّه بكتابته و الإشهاد عليه عند التّبايع،فاستثنى منه يدا بيد،فإنّه لا يحتاج إلى الكتابة و لا الإشهاد عليه،و الأوّل يحتاج إليه،على خلاف في كونه ندبا أو وجوبا،كما ذكرناه.

(2:378)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى تِجارَةً حاضِرَةً و سواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتّجارة حاضرة، و ما معنى إدارتها بينهم؟

قلت:أريد بالتّجارة:ما يتّجر فيه من الأبدال.

و معنى إدارتها بينهم:تعاطيهم إيّاها يدا بيد.و المعنى:إلاّ أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد،فلا بأس أن (1)لا تكتبوه، لأنّه لا يتوهّم فيه ما يتوهّم في التّداين.

و قرئ (تجارة حاضرة) بالرّفع على«كان»التّامّة،و.

ص: 637


1- في الأصل أن تكتبوه،و هو سهو.

و قيل:هي النّاقصة على أنّ الاسم (تِجارَةً حاضِرَةً) و الخبر (تُدِيرُونَها) ،و بالنّصب على:إلاّ أن تكون التّجارة تجارة حاضرة.[ثمّ استشهد بشعر](1:404)

نحوه الميبديّ(1:771)،و أبو الفتوح(4:136)، و النّسفيّ(1:141).

الطّبرسيّ: [نحو أبي زرعة،إلاّ أنّه قال:]

و أمّا من نصب (تِجارَةً حاضِرَةً) فيكون على خبر «كان»،و لم يخل اسم كان من أحد شيئين:أحدهما:أن يكون ما يقتضيه الكلام من الإشهاد و الارتهان،قد علم من فحواه التّبايع،فأضمر التّبايع لدلالة الحال عليه كما يقال:إذا كان غدا فأتني.و الآخر:أن يكون أضمر التّجارة،فكأنّه قال:إلاّ أن تكون التّجارة تجارة حاضرة.[ثمّ استشهد بشعر](1:396)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:(الاّ)فيه وجهان:أحدهما:أنّه استثناء متّصل،و الثّاني:أنّه منقطع.

أمّا الأوّل ففيه وجهان:

الأوّل:أنّه راجع إلى قوله تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ البقرة:282،و ذلك لأنّ البيع بالدّين قد يكون إلى أجل قريب،و قد يكون إلى أجل بعيد،فلمّا أمر بالكتابة عند المداينة،استثنى عنها ما إذا كان الأجل قريبا،و التّقدير:إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه،إلاّ أن يكون الأجل قريبا،و هو المراد من التّجارة الحاضرة.

و الثّاني:أنّ هذا استثناء من قوله: وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً.

و أمّا الاحتمال الثّاني،و هو أن يكون هذا استثناء منقطعا فالتّقدير:لكنّه إذا كانت التّجارة حاضرة تديرونها بينكم،فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها.

فهذا يكون كلاما مستأنفا،و إنّما رخّص تعالى في ترك الكتابة و الإشهاد في هذا النّوع من التّجارة،لكثرة ما يجري بين النّاس،فلو تكلّف فيها الكتابة و الإشهاد لشقّ الأمر على الخلق،و لأنّه إذا أخذ كلّ واحد من المتعاملين حقّه من صاحبه في ذلك المجلس،لم يكن هناك خوف التّجاحد،فلم يكن هناك حاجة إلى الكتابة و الإشهاد.

المسألة الثّانية:قوله:(ان تكون)فيه قولان:

أحدهما:أنّه من«الكون»بمعنى الحدوث و الوقوع، كما ذكرناه في قوله: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ.

و الثّاني:قال الفرّاء:إن شئت جعلت(كان)هاهنا ناقصة على أنّ الاسم(تجارة حاضرة)و الخبر (تديرونها)،و التّقدير:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم.[ثمّ قال نحو الفارسيّ في توجيه القراءة]

المسألة الرّابعة:التّجارة:عبارة عن التصرّف في المال،سواء كان حاضرا أو في الذّمّة لطلب الرّبح،يقال:

تجر الرّجل يتجر تجارة فهو تاجر.و اعلم أنّه سواء كانت المبايعة بدين أو بعين،فالتّجارة تجارة حاضرة،فقوله:

إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً البقرة:282،لا يمكن حمله على ظاهره،بل المراد من التّجارة:ما يتّجر فيه من الإبدال.

و معنى إدارتها بينهم:معاملتهم فيها يدا بيد،ثمّ قال: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها معناه

ص: 638

لا مضرّة عليكم في ترك الكتابة،و لم يرد:الإثم عليكم، لأنّه لو أراد«الإثم»لكانت الكتابة المذكورة واجبة عليهم،و يأثم صاحب الحقّ بتركها،و قد ثبت خلاف ذلك.(7:125)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(3:93)

الشّربينيّ: و هي تعمّ المبايعة بدين أو عين.

(1:188)

أبو السّعود :استثناء منقطع من الأمر بالكتابة،أي لكن وقت كون تداينكم أو تجارتكم تجارة حاضرة بحضور البدلين،تديرونها بينكم بتعاطيهما يدا بيد.

(1:321)

مثله البروسويّ(1:441)،و نحوه الحائريّ(2:146).

الآلوسيّ: استثناء منقطع من الأمر بالكتابة،فقوله تعالى: وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ البقرة:282، إلى هنا جملة معترضة بين المستثنى و المستثنى منه،أي لكن وقت كون تداينكم أو تجارتكم تجارة حاضرة بحضور البدلين،تديرونها بينكم بتعاطيهما يدا بيد،كذا قيل.

و في«الدّرّ المصون»يجوز أن يكون استثناء متّصلا من«الاستشهاد»فيكون قد أمر بالاستشهاد في كلّ حال؛إلاّ في حال حضور التّجارة.

و قيل:إنّه استثناء من هذا و ذاك و هو منقطع أيضا، أي لكنّ التّجارة الحاضرة يجوز فيها عدم الاستشهاد و الكتابة،و قيل:غير ذلك،و لعلّ الأوّل أولى.

و نصب عاصم(تجارة)على أنّها خبر(تكون)، و اسمها مستتر فيها يعود إلى التّجارة،كما قال الفرّاء.

و عود الضّمير في مثل ذلك على متأخّر لفظا و رتبة جار في فصيح الكلام.

و قال بعضهم:يعود إلى المداينة و المعاملة المفهومة من الكلام.و عليه فالتّجارة مصدر لئلاّ يلزم الإخبار عن المعنى بالعين.و رفعها الباقون على أنّها اسم(تكون) و الخبر جملة(تديرونها)،و يجوز أن تكون تامّة فجملة (تديرونها)صفة.(3:61)

مكارم الشّيرازيّ: «التّجارة الحاضرة»تعني التّعامل النّقدي،و(تديرونها)تعني الجارية في التّداول، لتوضيح معنى التّجارة الحاضرة.(2:256)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ...

النّساء:29

ابن عبّاس: إلاّ أن يترك بعضكم على بعض في الشّراء و البيع و المحاباة عَنْ تَراضٍ. (69)

قتادة :التّجارة:رزق من رزق اللّه،و حلال من حلال اللّه،لمن طلبها بصدقها و برّها.و قد كنّا نحدّث أنّ التّاجر الأمين الصّدوق،مع السّبعة في ظلّ العرش يوم القيامة.(الطّبريّ 5:32)

سيبويه :إذا قلت:آتوني إلاّ أن يكون زيد، فالرّفع جيّد بالغ،و هو كثير في كلام العرب،لأنّ «يكون»صلة ل«أن»و ليس فيها معنى الاستثناء،و«أن يكون»في موضع اسم مستثنى،كأنّك قلت:يأتونك إلاّ أن يأتيك زيد.

و الدّليل على أنّ(تكون)ليس فيها هنا معنى

ص: 639

الاستثناء أنّ ليس و عدا و خلا،لا يقعن هاهنا.

و مثل الرّفع قول اللّه عزّ و جلّ:(الاّ ان تكون تجارة عن تراض منكم)و بعضهم ينصب،على وجه النّصب في لا يكون،و الرّفع أكثر.(2:349)

ابن قتيبة :مثل المضاربة،و المقارضة في التّجارة، فيأكل بعضكم مال بعض،عن تراض.(125)

الطّبريّ: [حكى القراءتين:قراءة الرّفع عن أكثر أهل الحجاز و أهل البصرة،و قراءة النّصب عن عامّة قرّاء الكوفة،ثمّ قال:]

و كلتا القراءتين عندنا صواب،جائز القراءة بهما، لاستفاضتهما في قراءة الأمصار،مع تقارب معانيها.غير أنّ الأمر و إن كان كذلك،فإنّ قراءة ذلك بالنّصب أعجب إليّ من قراءته بالرّفع،لقوّة النّصب من وجهين:

أحدهما:أنّ في(تكون)ذكرا من الأموال،و الآخر:أنّه لو لم يجعل فيها ذكرا منها،ثمّ أفردت بالتّجارة و هي نكرة،كان فصيحا في كلام العرب النّصب؛إذ كانت مبنيّة على اسم و خبر،فإذا لم يظهر معها إلاّ نكرة واحدة، نصبوا و رفعوا.[ثمّ استشهد بشعر]

ففي هذه الآية إبانة من اللّه تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب الأقوات بالتّجارات و الصّناعات،و اللّه تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ؛ اكتسابا أحلّ ذلك لهم.

(5:31)

الزّجّاج :المعنى:إلاّ أن تكون الأموال تجارة،و من قرأ (الاّ ان تكون تجارة) فمعناه:إلاّ تقع تجارة.

(2:44)

نحوه أبو زرعة.(199)

الجصّاص :و أمّا قوله تعالى: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ اقتضى إباحة التّجارات الواقعة عن تراض.

و التّجارة:اسم واقع على عقود المعاوضات المقصود بها طلب الأرباح.

قال اللّه تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ فسمّى«الإيمان» تجارة على وجه المجاز،تشبيها بالتّجارات المقصود بها الأرباح،و قال تعالى: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ.

كما سمّى بذل النّفوس لجهاد أعداء اللّه تعالى«شرى» قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ التّوبة:111،فسمّى بذل النّفوس شراء على وجه المجاز.

و قال اللّه تعالى: لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ البقرة:102،فسمّي ذلك بيعا و شراء على وجه المجاز،تشبيها بعقود الأشرية و البياعات الّتي تحصل بها الأعواض.

كذلك سمّي الإيمان باللّه تعالى تجارة،لما استحقّ به من الثّواب الجزيل و الأبدال الجسيمة،فتدخل في قوله تعالى: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ عقود البياعات و الإجارات و الهبات المشروطة فيها الأعواض،لأنّ المبتغي في جميع ذلك في عادات النّاس

ص: 640

تحصيل الأعواض لا غير.

و لا يسمّى«النّكاح»تجارة في العرف و العادة؛إذ ليس المبتغي منه في الأكثر الأعمّ تحصيل العوض الّذي هو مهر،و إنّما المبتغي فيه أحوال الزّوج من الصّلاح و العقل و الدّين و الشّرف و الجاه و نحو ذلك،فلم يسمّ تجارة لهذا المعنى.

و كذلك الخلع و العتق على مال،ليس يكاد يسمّى شيء من ذلك تجارة.[ثمّ ذكر حكم المأذون له في التّجارة أنّه لا يزوّج أمته و عبده و لا يكاتب و لا يعتق و نحوها فلاحظ].(2:172)

الثّعالبيّ: الاستثناء منقطع،المعنى:لكن إن كانت تجارة فكلوها.(1:344)

نحوه الخازن.(1:428)

القيسيّ: من رفع،جعل«كان»تامّة بمعنى«وقع».

و من نصب جعلها خبر«كان»،و أضمر في«كان» اسمها،تقديره:إلاّ أن تكون الأموال أموال تجارة،ثمّ حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه،و قيل:تقديره:

إلاّ أن تكون التّجارة تجارة.و التّقدير الأوّل أحسن، لتقدّم ذكر الأموال.

و(ان)في قوله:(الاّ ان)في موضع نصب على الاستثناء المنقطع،و مثل(تجارة)قوله: وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً النّساء:40،في الرّفع و النّصب.(1:188)

نحوه الميبديّ(2:480)،و الطّبرسيّ(2:36)، و الرّاونديّ(2:41)،و ابن الأنباريّ(1:251).

الطّوسيّ: فيه دلالة على بطلان قول من حرّم المكاسب،لأنّه تعالى حرّم أكل الأموال بالباطل،و أحلّه بالتّجارة على طريق المكاسب،و مثل قوله: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا البقرة:275.

و قيل في معنى التّراضي بالتّجارة قولان:

أحدهما:إمضاء البيع بالتّفرّق،أو بالتّخاير بعد العقد،في قول شريح،و ابن سيرين،و الشّعبيّ، لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا»،أو يكون بيع خيار.و ربّما قالوا:أو يقول أحدهما للآخر:اختر،و هو مذهبنا.

الثّاني:إمضاء البيع بالعقد-على قول مالك بن أنس و أبي حنيفة و أبي يوسف و محمّد-بعلّة ردّه إلى عقد النّكاح،و لا خلاف أنّه لا خيار فيه بعد الافتراق.

و قيل:معناه إذا تغابنوا فيه مع التّراضي فإنّه جائز.

(3:179)

نحوه الطّبرسيّ.(2:37)

الزّمخشريّ: [نحو القيسيّ ثمّ أضاف:]

و خصّ التّجارة بالذّكر،لأنّ أسباب الرّزق أكثرها متعلّق بها.(1:522)

ابن عطيّة :هذا استثناء ليس من الأوّل،و المعنى:

لكن إن كانت تجارة فكلوها.[ثمّ نقل القراءتين-بالرّفع و النّصب-و قال:]

و هما قولان قويّان،إلاّ أنّ تمام«كان»يترجّح عند بعض،لأنّها صلة ل(ان)،فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة و غيرها.و هذا ترجيح ليس بالقويّ،و لكنّه حسن.[ثمّ أدام نحو القيسيّ و أضاف:]

و الاستثناء منقطع في كلّ تقدير،و في قراءة الرّفع.

(2:41)

ص: 641

ابن العربيّ: التّجارة في اللّغة:عبارة عن المعاوضة،و منه:الأجر الّذي يعطيه البارئ عوضا عن الأعمال الصّالحة الّتي هي بعض من فضله،فكلّ معاوضة تجارة على أيّ وجه كان العوض،إلاّ أنّ قوله:

بِالْباطِلِ أخرج منها كلّ عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة،أو تقدير عوض فاسد كالخمر و الخنزير و وجوه الرّبا،حسبما تقدّم بيانه.

فإذا ثبت هذا فكلّ معاوض إنّما يطلب الرّبح،إمّا في وصف العوض أو في قدره،و هو أمر يقتضيه القصد من التّاجر لا لفظ التّجارة.[إلى أن قال:]

المسألة الرّابعة:لمّا شرط العوض في أكل المال و صارت تجارة،خرج عنها كلّ عقد لا عوض فيه يرد على المال،كالهبة و الصّدقة،فلا يتناوله مطلق اللّفظ.

و جازت عقود البيوعات بأدلّة أخر من القرآن و السّنّة على ما عرف،و يأتي ذلك في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الخامسة:[بحث فيها عن الرّبح]

المسألة السّادسة:قال عكرمة و الحسن البصريّ و غيرهما:خرج عن هذه الآية التّبرّعات كلّها،و إنّما جوّز الشّرع التّجارة،و بقي غيرها على مقتضى النّهي حتّى نسخها قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا...

النّور:61،و هذا ضعيف جدّا،فإنّ الآية لم تقتض تحريم التّبرّعات،و إنّما اقتضت تحريم المعاوضة الفاسدة،و قد بيّنّا ذلك في القسم الثّاني من النّاسخ و المنسوخ.

(1:408)

الفخر الرّازيّ: قوله:(الاّ)فيه وجهان:

الأوّل:أنّه استثناء منقطع،لأنّ التّجارة عن تراض ليس من جنس أكل المال بالباطل،فكان(الاّ)هاهنا بمعنى«بل»،و المعنى:لكن يحلّ أكله بالتّجارة عن تراض.

الثّاني:إنّ من النّاس من قال:الاستثناء متّصل و أضمر شيئا،فقال:التّقدير:لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل،و إن تراضيتم كالرّبا و غيره،إلاّ أن تكون تجارة عن تراض.

و اعلم أنّه كما يحلّ المستفاد من التّجارة،فقد يحلّ أيضا المال المستفاد من الهبة و الوصيّة و الإرث و أخذ الصّدقات و المهر و أروش الجنايات،فإنّ أسباب الملك كثيرة سوى التّجارة.

فإن قلنا:إنّ الاستثناء منقطع فلا إشكال،فإنّه تعالى ذكر هاهنا سببا واحدا من أسباب الملك،و لم يذكر سائرها،لا بالنّفي و لا بإثبات.

و إن قلنا:الاستثناء متّصل كان ذلك حكما بأنّ غير التّجارة لا يفيد الحلّ،و عند هذا لا بدّ إمّا من النّسخ أو التّخصيص.(10:70)

العكبريّ: الاستثناء منقطع ليس من جنس الأوّل.

و قيل:هو متّصل،و التّقدير:لا تأكلوها بسبب إلاّ أن تكون تجارة.و هذا ضعيف،لأنّه قال:(بالباطل)، و التّجارة ليست من جنس الباطل.و في الكلام حذف مضاف،أي إلاّ في حال كونها تجارة،أو في وقت كونها تجارة.[ثمّ ذكر نحو القيسيّ](1:351)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف خصّ التّجارة بالذّكر...مع أنّ الهبة و الصّدقة و الوصيّة و الضّيافة و غيرها تقتضي الحلّ أيضا كالتّجارة؟

قلنا:إنّما خصّها بالذّكر،لأنّ معظم تصرّف الخلق في

ص: 642

الأموال إنّما هو بالتّجارة،أو لأنّ أسباب الرّزق أكثرها متعلّق بها.(46)

القرطبيّ: هنا مسائل...[ذكر نحو القيسيّ ثمّ قال:]

الثّالثة:قوله تعالى:(تجارة)التّجارة في اللّغة:عبارة عن المعاوضة،و منه الأجر الّذي يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الأعمال الصّالحة الّتي هي بعض من فعله،قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الصّفّ:10.

و قال تعالى: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ فاطر:29، و قال تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ التّوبة:111.فسمّى ذلك كلّه بيعا و شراء على وجه المجاز،تشبيها بعقود الأشرية و البياعات الّتي تحصل بها الأغراض،و هي نوعان:

تقلّب في الحضر من غير نقلة و لا سفر،و هذا تربّص و احتكار قد رغب عنه أولو الأقدار،و زهد فيه ذوو الأخطار.

و الثّاني:تقلّب المال بالأسفار و نقله إلى الأمصار، فهذا أليق بأهل المروءة،و أعمّ جدوى و منفعة،غير أنّه أكثر خطرا و أعظم غررا.و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ المسافر و ماله لعلى قلت إلاّ ما وقى اللّه»يعني على خطر.و قيل:في التّوراة يا ابن آدم،أحدث سفرا أحدث لك رزقا.

الرّابعة:اعلم أنّ كلّ معاوضة تجارة على أيّ وجه كان العوض،إلاّ أنّ قوله:(بالباطل)أخرج منها كلّ عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة،أو تقدير عوض فاسد كالخمر و الخنزير و غير ذلك.و خرج منها أيضا كلّ عقد جائز لا عوض فيه،كالقرض و الصّدقة و الهبة لا للثّواب.و جازت عقود التّبرّعات بأدلّة أخرى مذكورة في مواضعها،فهذان طرفان متّفق عليها.

و خرج منها أيضا:دعاء أخيك إيّاك إلى طعامه، روى أبو داود عن ابن عبّاس في قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29 فكان الرّجل يحرج أن يأكل عند أحد من النّاس بعد ما نزلت هذه الآية،فنسخ ذلك بالآية الأخرى الّتي في«النّور»فقال: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ إلى قوله: (أَشْتاتاً) فكان الرّجل الغنيّ يدعو الرّجل من أهله إلى طعامه، فيقول:إنّي لأجنح أن آكل منه-و التّجنّح:الحرج- و يقول:المسكين أحقّ به منّي.فأحلّ في ذلك أن يأكلوا ممّا ذكر اسم اللّه عليه،و أحلّ طعام أهل الكتاب.

الخامسة:لو اشتريت من السّوق شيئا،فقال لك صاحبه قبل الشّراء:ذقه و أنت في حلّ،فلا تأكل منه، لأنّ إذنه بالأكل لأجل الشّراء،فربّما لا يقع بينكما شراء،فيكون ذلك الأكل شبهة،و لكن لو وصف لك صفة فاشتريته،فلم تجده على تلك الصّفة،فأنت بالخيار.

السّادسة:و الجمهور على جواز الغبن في التّجارة، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم و هي تساوي مائة، فذلك جائز،و أنّ المالك الصّحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتّافه اليسير.و هذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء،إذا عرف قدر ذلك،كما تجوز الهبة لو وهب.

ص: 643

و اختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك،فقال قوم:

عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهو جائز،إذا كان رشيدا حرّا بالغا.

و قالت فرقة:الغبن إذا تجاوز الثّلث مردود،و إنّما أبيح منه المتقارب المتعارف في التّجارات،و أمّا المتفاحش الفادح فلا،و قاله ابن وهب من أصحاب مالك رحمه اللّه.

و الأوّل:أصحّ،لقوله عليه السّلام في حديث الأمة الزّانية:

فليبعها و لو بضفير،و قوله عليه السّلام لعمر:لا تبتعه-يعني الفرس-و لو أعطاكه بدرهم واحد،و قوله عليه السّلام:«دعوا النّاس يرزق اللّه بعضهم من بعض»،و قوله عليه السّلام:

«لا يبع حاضر لباد»،و ليس فيها تفصيل بين القليل و الكثير من ثلث و لا غيره.(5:151)

النّسفيّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الآية تدلّ على جواز البيع بالتّعاطي،و على جواز البيع الموقوف،إذا وجدت الإجازة لوجود الرّضا، و على نفي خيار المجلس،لأنّ فيها إباحة الأكل بالتّجارة عن تراض،من غير تقييد بالتفرّق عن مكان العقد، و التّقييد به زيادة على النّصّ.(1:221)

أبو حيّان :هذا استثناء منقطع لوجهين:

أحدهما:أنّ التّجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل فتستثنى منها،سواء أ فسّرت قوله:(بالباطل) بغير عوض،كما قال ابن عبّاس،أم بغير طريق شرعيّ، كما قاله غيره.

و الثّاني:أنّ الاستثناء إنّما وقع على الكون،و الكون معنى من المعاني ليس مالا من الأموال.و من ذهب إلى أنّه استثناء متّصل فغير مصيب لما ذكرناه.

و هذا الاستثناء المنقطع لا يدلّ على الحصر في أنّه لا يجوز أكل المال إلاّ بالتّجارة فقط،بل ذكر نوع غالب من أكل المال به و هو التّجارة؛إذ أسباب الرّزق أكثرها متعلّق بها.[إلى أن قال:]

و التّجارة اسم يقع على عقود المعاوضات المقصود منها طلب الأرباح،و(ان تكون)في موضع نصب،أي لكن كون تجارة عن تراض غير منهيّ عنه.[ثمّ أدام نحو القيسيّ و أضاف:]

و قال مكّيّ بن أبي طالب:الأكثر في كلام العرب أنّ قولهم:(الاّ ان تكون)في الاستثناء بغير ضمير فيها على معنى يحدث أو يقع،و هذا مخالف لاختيار أبي عبيد.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و أضاف:]

و يحتاج هذا الكلام إلى فكر،و لعلّه نقص من النّسخة شيء يتّضح به هذا المعنى الّذي أراده.و(عن تراض)صفة ل(التّجارة)أي تجارة صادرة عن تراض.

(3:231)

نحوه ملخّصا أبو السّعود(2:128)،و البروسويّ (2:195).

ابن كثير :قرئ(تجارة)بالرّفع و بالنّصب،و هو استثناء منقطع،كأنّه يقول:لا تتعاطوا الأسباب المحرّمة في اكتساب الأموال،لكنّ المتاجر المشروعة الّتي تكون عن تراض من البائع و المشتري فافعلوها،و تسبّبوا بها في تحصيل الأموال،كما قال تعالى: وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ، و كقوله: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى الدّخان:56.

ص: 644

و من هذه الآية الكريمة احتجّ الشّافعيّ على أنّه لا يصحّ البيع إلاّ بالقبول،لأنّه يدلّ على التّراضي نصّا، بخلاف المعاطاة،فإنّها قد لا تدلّ على الرّضا...[ثمّ ذكر مخالفة الجمهور في ذلك،و نقل أقوال الفقهاء في بعض شرائط البيع و أحكام المعاطاة،فراجع:](2:253)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و جوّز أن يراد بها انتقال المال من الغير بطريق شرعيّ،سواء كان تجارة أو إرثا أو هبة،أو غير ذلك من استعمال الخاصّ و إرادة العامّ.

و قيل:المقصود بالنّهي:المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه اللّه تعالى،و بالتّجارة:صرفه فيما يرضاه،و هذا أبعد ممّا قبله.(5:15)

محمّد عبده: قالوا إنّ الآية دليل على تحريم ما عدا ربح التّجارة من أموال النّاس-أي كالهديّة و الهبة-ثمّ نسخ ذلك بآية النّور المبيحة للإنسان أن يأكل من بيوت أقاربه و أصدقائه،و هو افتراء على الدّين لا أصل له-أي لم تصحّ روايته عمّن عزي إليه-إذ لا يعقل أن تكون «الهبة»محرّمة في وقت من الأوقات و لا ما في معناها كإقراء الضّيف،و إنّما يكون التّحريم فيما يمانع فيه صاحب المال،فيؤخذ بدون رضاه أو بدون علمه،مع العلم أو الظنّ بأنّه لا يسمح به.

و إنّما استثنى اللّه التّجارة من عموم الأموال الّتي يجري فيها الأكل بالباطل،أي بدون مقابل،لأنّ معظم أنواعها يدخل فيها الأكل بالباطل،فإنّ تحديد قيمة الشّيء و جعل عوضه أو ثمنه على قدره بقسطاس الحقّ المستقيم عزيز و عسير إن لم يكن محالا.

فالمراد من الاستثناء:التّسامح بما يكون فيه أحد العوضين أكبر من الآخر،و ما يكون سبب التّعاوض فيه براعة التّاجر في تزيين سلعته و ترويجها بزخرف القول، من غير غشّ و لا خداع و لا تغرير كما يقع كثيرا،فإنّ الإنسان كثيرا ما يشتري الشّيء من غير حاجة شديدة إليه،و كثيرا ما يشتريه بثمن يعلم أنّه يمكن ابتياعه بأقلّ منه من مكان آخر،و لا يكون سبب ذلك إلاّ خلابة التّاجر و زخرفه،و قد يكون ذلك من المحافظة على الصّدق و اتّقاء التّغرير و الغشّ،فيكون من باطل التّجارة الحاصلة بالتّراضي،و هو المستثنى.

و الحكمة في إباحة ذلك التّرغيب في التّجارة،لشدّة حاجة النّاس إليها،و تنبيه النّاس إلى استعمال ما أوتوا من الذّكاء و الفطنة في اختبار الأشياء،و التّدقيق في المعاملة حفظا لأموالهم الّتي جعلها اللّه لهم قياما أن يذهب شيء منها بالباطل،أي بدون منفعة تقابلها.

فعلى هذا يكون الاستثناء متّصلا،خرج به الرّبح الكثير الّذي يكون بغير غشّ و لا تغرير،بل بتراض لم تنخدع فيه إرادة المغبون،و لو لم يبح مثل هذا لما رغب في التّجارة،و لا اشتغل بها أحد من أهل الدّين على شدّة حاجة العمران إليها و عدم الاستغناء عنها؛إذ لا يمكن أن تتبارى الهمم فيها مع التّضييق في مثل هذا.

و قد شعر النّاس منذ العصور الخالية بما يلابس التّجارة من الباطل،حتّى إنّ اليونانيّين جعلوا للتّجارة و السّرقة إلها أو ربّا واحدا،فيما كان عندهم من الآلهة و الأرباب،لأنواع المخلوقات و كلّيّات الأخلاق و الأعمال.

ص: 645

و قد علمت أنّ الجمهور على أنّ الاستثناء منقطع، أي إنّ المقام مقام الاستدراك لا الاستثناء،و المعنى:

لا تكونوا من ذوي الطّمع الّذين يأكلون أموال النّاس بغير مقابل لها من عين أو منفعة،و لكن كلوها بالتّجارة الّتي قوام الحلّ فيها التّراضي،فذلك هو اللاّئق بأهل الدّين و المروءة،إذا أرادوا أن يكونوا من أهل الدّثور و الثّروة.

و قال البقاعيّ: إنّ الاستدراك لا يجيء في النّظم البليغ بصورة الاستثناء،أي الّذي يسمّونه الاستثناء المنقطع إلاّ لنكتة.و قال:إنّ النّكتة هنا هي الإشارة إلى أنّ جميع ما في الدّنيا من التّجارة و ما في معناها من قبيل الباطل،لأنّه لا ثبات له و لا بقاء،فينبغي أن لا يشتغل به العاقل عن الاستعداد للدّار الآخرة الّتي هي خير و أبقى.

و في الآية من الفوائد أنّ مدار حلّ التّجارة عن تراضي المتبايعين،و الغشّ و الكذب من المحرّمات المعلومة من الدّين بالضّرورة،و كلّ ما يشترط في البيع عند الفقهاء فهو لأجل تحقيق التّراضي من غير غشّ، و ما عدا ذلك فلا علاقة له بالدّين.[ثمّ حكى عن البقاعيّ كلاما في أنّ النّهي عن إتلاف النّفس كالنّهي عن إتلاف المال،فلاحظ].(5:42)

المراغيّ: أي لا تكونوا من ذوي الأطماع الّذين يأكلون أموال النّاس بغير مقابل لها من عين أو منفعة، و لكن كلوها بالتّجارة الّتي قوام الحلّ فيها التّراضي؛ و ذلك هو اللاّئق بأهل المروءة و الدّين،إذا أرادوا أن يكونوا من أرباب الثّراء.

و في الآية إيماء إلى وجوه شتّى من الفوائد:

1-أنّ مدار حلّ التّجارة على تراضي المتبايعين، فالغشّ و الكذب و التّدليس فيها من المحرّمات.

2-أنّ جميع ما في الدّنيا من التّجارة و ما في معناها من قبيل الباطل الّذي لا بقاء له و لا ثبات،فلا ينبغي أن يشغل العاقل عن الاستعداد للآخرة الّتي هي خير و أبقى.

3-الإشارة إلى أنّ معظم أنواع التّجارة يدخل فيها الأكل بالباطل،فإنّ تحديد قيمة الشّيء،و جعل ثمنه على قدره بالقسطاس المستقيم يكاد يكون مستحيلا،و من ثمّ يجري التّسامح فيها إذا كان أحد العوضين أكبر من الآخر.[ثمّ ذكر بقيّة الكلام نحو محمّد عبده](5:17)

سيّد قطب :و هو استثناء منقطع،تأويله:و لكن إذا كانت تجارة عن تراض منكم فليست داخلة في النّصّ السّابق.و لكن مجيئها هكذا في السّياق القرآني،يوحي بنوع من الملابسة بينها و بين صور التّعامل الأخرى،الّتي توصف بأنّها أكل لأموال النّاس بالباطل،و ندرك هذه الملابسة إذا استصحبنا ما ورد في آيات النّهي عن الرّبا- في سورة البقرة-من قول المرابين في وجه تحريم الرّبا:

إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا البقرة:275.و ردّ اللّه عليهم في الآية نفسها: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا البقرة:

275،فقد كان المرابون يغالطون،و هم يدافعون عن نظامهم الاقتصاديّ الملعون،فيقولون:إنّ البيع-و هو التّجارة-تنشأ عنها زيادة في الأموال و ربح،فهو-من ثمّ -مثل الرّبا،فلا معنى لإحلال البيع و تحريم الرّبا.

و الفرق بعيد بين طبيعة العمليّات التّجاريّة و العمليّات الرّبويّة أوّلا،و بين الخدمات الّتي تؤدّيها التّجارة للصّناعة و للجماهير،و البلاء الّذي يصبه الرّبا

ص: 646

على التّجارة و على الجماهير.

فالتّجارة وسيط نافع بين الصّناعة و المستهلك؛ تقوم بترويج البضاعة و تسويقها؛و من ثمّ تحسينها و تيسير الحصول عليها معا،و هي خدمة للطّرفين، و انتفاع عن طريق هذه الخدمة،انتفاع يعتمد كذلك على المهارة و الجهد،و يتعرّض في الوقت ذاته للرّبح و الخسارة.

و الرّبا على الضّدّ من هذا كلّه،يثقل الصّناعة بالفوائد الرّبويّة الّتي تضاف إلى أصل التّكاليف،و يثقل التّجارة و المستهلك بأداء هذه الفوائد الّتي يفرضها على الصّناعة.و هو في الوقت ذاته-كما تجلّى ذلك في النّظام الرّأسمالي عند ما بلغ أوجه-يوجّه الصّناعة و الاستثمار كلّه وجهة لا مراعاة فيها لصالح الصّناعة،و لا لصالح الجماهير المستهلكة،و إنّما الهدف الأوّل فيها زيادة الرّبح للوفاء بفوائد القروض الصّناعيّة،و لو استهلكت الجماهير موادّ التّرف و لم تجد الضروريّات!و لو كان الاستثمار في أحطّ المشروعات المثيرة للغرائز،المحطّمة للكيان الإنسانيّ.

و فوق كلّ شيء،هذا الرّبح الدّائم لرأس المال؛ و عدم مشاركته في نوبات الخسارة-كالتّجارة-و قلّة اعتماده على الجهد البشريّ الّذي يبذل حقيقة في التّجارة،إلى آخر قائمة الاتّهام السّوداء الّتي تحيط بعنق النّظام الرّبويّ؛و تقتضي الحكم عليه بالإعدام؛كما حكم عليه الإسلام.

فهذه الملابسة بين الرّبا و التّجارة،هي الّتي لعلّها جعلت هذا الاستدراك، إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ يجيء عقيب النّهي عن أكل الأموال بالباطل، و إن كان استثناء منقطعا كما يقول النّحويّون.

(2:639)

الطّباطبائيّ: في الآية شبه اتّصال بما سبقتها؛ حيث إنّها تتضمّن النّهي عن أكل المال بالباطل،و كانت الآيات السّابقة متضمّنة للنّهي عن أكل مهور النّساء بالعضل و التّعدّي،ففي الآية انتقال من الخصوص إلى العموم.[إلى أن قال:]

و في تقييد قوله: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بقوله:

بَيْنَكُمْ الدّالّ على نوع تجمّع منهم على المال، و وقوعه في وسطهم إشعار أو دلالة بكون الأكل المنهيّ عنه بنحو إدارته فيما بينهم،و نقله من واحد إلى آخر بالتّعاور و التّداول،فتفيد الجملة أعني قوله: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بعد تقييدها بقوله: بِالْباطِلِ النّهي عن المعاملات النّاقلة الّتي لا تسوق المجتمع إلى سعادته و نجاحه،بل تضرّها و تجرّها إلى الفساد و الهلاك،و هي المعاملات الباطلة في نظر الدّين كالرّبا و القمار،و البيوع الغرريّة كالبيع بالحصاة و النّواة،و ما أشبه ذلك.

و على هذا فالاستثناء الواقع في قوله: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، استثناء منقطع،جيء به لدفع الدّخل،فإنّه لمّا نهى عن أكل المال بالباطل- و نوع المعاملات الدّائرة في المجتمع الفاسد الّتي يتحقّق بها النّقل و الانتقال المالي كالرّبويّات و الغرريّات و القمار و أضرابها باطلة بنظر الشّرع-كان من الجائز أن يتوهّم أنّ ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع و تلاشي أجزائها، و فيه هلاك النّاس.

ص: 647

فأجيب عن ذلك بذكر نوع معاملة في وسعها أن تنظّم شتات المجتمع،و تقيم صلبه،و تحفظه على استقامته،و هي التّجارة عن تراض،و معاملة صحيحة رافعة لحاجة المجتمع،و ذلك نظير قوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:88،89،فإنّه لمّا نفى النّفع عن المال و البنين يوم القيامة أمكن أن يتوهّم أن لا نجاح يومئذ و لا فلاح،فإنّ معظم ما ينتفع به الإنسان إنّما هو المال و البنون،فإذا سقطا عن التّأثير لم يبق إلاّ اليأس و الخيبة؛فأجيب أنّ هناك أمرا آخر نافعا كلّ النّفع و إن لم يكن من جنس المال و البنين و هو القلب السّليم.

و هذا الّذي ذكرناه من انقطاع الاستثناء هو الأوفق بسياق الآية،و كون قوله:(بالباطل)قيدا أصليّا في الكلام،نظير قوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ البقرة:188،و على هذا لا تخصّص الآية بسائر المعاملات الصّحيحة و الأمور المشروعة غير التّجارة، ممّا يوجب التّملّك و يبيح التّصرّف في المال كالهبة و الصّلح و الجعالة و كالإمهار و الإرث و نحوها.

و ربّما يقال:إنّ الاستثناء متّصل،و قوله:(بالباطل) قيد توضيحيّ جيء به لبيان حال المستثنى منه بعد خروج المستثنى و تعلّق النّهي،و التّقدير:لا تأكلوا أموالكم بينكم إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم.

فإنّكم إن أكلتموها من غير طريق التّجارة كان أكلا بالباطل منهيّا عنه،كقولك:لا تضرب اليتيم ظلما إلاّ تأديبا.و هذا النّحو من الاستعمال و إن كان جائزا معروفا عند أهل اللّسان،إلاّ أنّك قد عرفت أنّ الأوفق لسياق الآية هو انقطاع الاستثناء.[إلى أن قال:]

و من غريب التّفسير ما رام به بعضهم توجيه اتّصال الاستثناء مع أخذ قوله:(بالباطل)قيدا احترازيّا،فقال ما حاصله:«إنّ المراد(بالباطل)أكل المال بغير عوض يعادله،فالجملة المستثنى منها تدلّ على تحريم أخذ المال من الغير بالباطل و من غير عوض،ثمّ استثنى من ذلك التّجارة مع كون غالب مصاديقها غير خالية عن الباطل،فإنّ تقدير العوض بالقسطاس المستقيم بحيث يعادل المعوّض عنه في القيمة حقيقة متعسّر جدّا،لو لم يكن متعذّرا.

فالمراد بالاستثناء التّسامح بما يكون فيه أحد العوضين أكبر من الآخر،و ما يكون سبب التّعاوض فيه براعة التّاجر في تزيين سلعته و ترويجها بزخرف القول، من غير غشّ و لا خداع و لا تغرير كما يقع ذلك كثيرا،إلى غير ذلك من الأسباب.

و كلّ ذلك من باطل التّجارة أباحته الشّريعة مسامحة و تسهيلا لأهلها،و لو لم يجوّز ذلك في الدّين بالاستثناء لما رغب أحد من أهله في التّجارة،و اختلّ نظام المجتمع الدّينيّ».انتهى ملخّصا.

و فساده ظاهر ممّا قدّمناه،فإنّ«الباطل»على ما يعرفه أهل اللّغة:ما لا يترتّب عليه أثره المطلوب منه، و أثر البيع و التّجارة:تبدّل المالين،و تغيّر محلّ الملكين، لرفع حاجة كلّ واحد من البيّعين إلى مال الآخر،بأن يحصل كلّ منهما على ما يرغب فيه،و ينال إربه بالمعادلة؛ و ذلك كما يحصل بالتّعادل في القيمتين،كذلك يحصل

ص: 648

بمقابلة القليل الكثير،إذا انضمّ إلى القليل شيء من رغبة الطّالب أو رهبته،أو مصلحة أخرى يعادل بانضمامها الكثير،و الكاشف عن جميع ذلك وقوع الرّضا من الطّرفين،و مع وقوع التّراضي لا تعدّ المبادلة باطلة البتّة.

على أنّ المستأنس بأسلوب القرآن الكريم في بياناته،لا يرتاب في أنّ من المحال أن يعدّ القرآن أمرا من الأمور باطلا ثمّ يأمر به و يهدي إليه،و قد قال تعالى في وصفه: يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ الأحقاف:30،و كيف يهدي إلى الحقّ ما يهدي إلى الباطل؟

على أنّ لازم هذا التّوجيه أن يهتدي الإنسان اهتداء حقّا فطريّا إلى حاجته إلى المبادلة في الأموال،ثمّ يهتدي اهتداء حقّا فطريّا إلى المبادلة بالموازنة،ثمّ لا يكون ما يهتدي إليه وافيا لرفع حاجته حقّا حتّى ينضمّ إليه شيء من الباطل،و كيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى أمر لا يكفي في رفع حاجتها،و لا يفي إلاّ ببعض شأنها،و كيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى باطل،و هل الفارق بين الحقّ و الباطل في الأعمال إلاّ اهتداء الفطرة و عدم اهتدائها؟ فلا مفرّ لمن يجعل الاستثناء متّصلا من أن يجعل قوله:

(بالباطل)قيدا توضيحيّا.

و أعجب من هذا التّوجيه ما نقل عن بعضهم،أنّ النّكتة في هذا الاستثناء المنقطع هي الإشارة إلى أنّ جميع ما في الدّنيا من التّجارة،و ما في معناها من قبيل الباطل، لأنّه لا ثبات له و لا بقاء،فينبغي أن لا يشتغل به العاقل عن الاستعداد للدّار الآخرة الّتي هي خير و أبقى،انتهى.

و هو خطأ،فإنّه على تقدير صحّته نكتة للاستثناء المتّصل لا الاستثناء المنقطع،على أنّ هذه المعنويّات من الحقائق إنّما يصحّ أن يذكر لمثل قوله تعالى: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،و قوله تعالى: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96،و قوله تعالى: قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ الجمعة:11، و أمّا ما نحن فيه فجريان هذه النّكتة توجب تشريع الباطل،و يجلّ القرآن عن التّرخيص في الباطل بأيّ وجه كان.(4:316)

مكارم الشّيرازيّ: و هذه العبارة استثناء من القانون الكلّيّ،و هو بحسب الاصطلاح استثناء منقطع، و هو يعني إنّ ما جاء في هذه العبارة لم يكن مشمولا للحكم السّابق من الأساس،بل قد ذكر تأكيدا و تذكيرا، فهو في حدّ ذاته قانون كلّيّ،و ضابطة عامّة برأسها،لأنّه يقول:إلاّ أن يكون التّصرّف في أموال الآخرين بسبب التّجارة الحاصلة في ما بينكم،و الّتي تكون عن رضا الطّرفين.

فبناء على هذا تكون جميع أنواع المعاملات الماليّة و التّبادل التّجاريّ الرّائج بين النّاس-في ما إذا تمّ برضا الطّرفين،و كان له وجه معقول-أمرا جائزا من وجهة نظر الإسلام،إلاّ الموارد الّتي ورد فيها نهي صريح لمصالح خاصّة.(3:179)

و في ذيل الآية أحكام و فروع فقهيّة راجع:«ر ض ي»(تراض).

3- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ

ص: 649

وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. التّوبة:24

ابن المبارك: وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها الإشارة إلى البنات اللّواتي لا يتزوّجن،[و]لا يوجد لهنّ خاطب.

(ابن عطيّة 3:18)

الماورديّ: فيها وجهان:

أحدهما:أنّها أموال التّجارات إذا نقص سعرها و كسد سوقها.

و الثّاني:أنّهنّ البنات الأيامى،إذا كسدن عند آبائهنّ،و لم يخطبن.(2:349)

الطّوسيّ: يعني ما اشتريتموه طلبا للرّبح.

(5:229)

نحوه أبو السّعود(2:262)،و البروسويّ(3:

403)،و الآلوسيّ(10:71).

ابن عطيّة :بيّن في أنواع المال.[ثمّ ذكر قول ابن المبارك](3:18)

أبو حيّان :و التّجارة لا تتهيّأ إلاّ بالأموال،و جعل تعالى التّجارة سببا لزيادة الأموال و نمائها.و تفسير ابن المبارك تفسير غريب ينبو عنه اللّفظ.[ثمّ أنشد شعرا]

(5:22)

4- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ. النّور:37

ابن عبّاس:(تجارة)في الجلب،(و لا بيع)يدا بيد.

(296)

البغويّ: قيل:خصّ التّجارة بالذّكر،لأنّها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصّلاة و الطّاعات.و أراد بالتّجارة الشّراء،و إن كان اسم التّجارة يقع على البيع و الشّراء جميعا،لأنّه ذكر البيع بعد هذا،كقوله: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً الجمعة:11،يعني الشّراء.(3:420)

مثله الخازن.(5:66)

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

لم يقل:لا يتّجرون و لا يشترون و لا يبيعون،بل قال: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ فإن أمكن الجمع بينهما فلا بأس،و لكنّه كالمتعذّر،إلاّ على الأكابر الّذين تجري عليهم الأمور،و هم عنها مأخوذون.

(6:547)

ابو الفتوح :فإن قيل:أ ليس التّجارة اسما واقعا على البيع و الشّراء،فلما ذا قال بعده:(و لا بيع)؟

قلنا:قال الواقديّ:التّجارة عبارة عن الشّراء فقط دون البيع،بيانه قوله: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً الجمعة:

11،يعني الشّراء،لأنّ أهل المدينة لا يكون لهم ما يبيعون و قد خرجوا للشّراء،كأنّه قال:لا تلهيهم شرى و لا بيع عن ذكر اللّه.(14:153)

نحوه القرطبيّ.(12:279)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في قوله تعالى: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ فقال بعضهم:نفى كونهم تجّارا و باعة أصلا، و قال بعضهم:بل أثبتهم تجّارا و باعة،و بيّن أنّهم مع ذلك لا يشغلهم عنها شاغل من ضروب منافع التّجارات؛

ص: 650

و هذا قول الأكثرين.

قال الحسن: أما و اللّه إن كانوا ليتّجرون،و لكن إذا جاءت فرائض اللّه لم يلههم عنها شيء،فقاموا بالصّلاة و الزّكاة.

و عن سالم: نظر إلى قوم من أهل السّوق،تركوا بياعاتهم و ذهبوا إلى الصّلاة،فقال:هم الّذين قال تعالى فيهم: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ، و عن ابن مسعود مثله.

و اعلم أنّ هذا القول أولى من الأوّل،لأنّه لا يقال:

إنّ فلانا لا تلهيه التّجارة عن كيت و كيت إلاّ و هو تاجر، و ان احتمل الوجه الأوّل.[ثمّ قال ما تقدّم عنه في«بيع» فراجع](24:4)

نحوه النّيسابوريّ(18:113)،و أبو حيّان(6:458).

البيضاويّ: [ذكر ما تقدّم عنه في«بيع»و أضاف:]

و قيل:المراد بالتّجارة:الشّراء،فإنّه أصلها و مبدؤها.و قيل:الجلب،لأنّه الغالب فيها،و منه يقال:

تجر في كذا،إذا جلبه،و فيه إيماء بأنّهم[رجال]تجّار.

(2:129)

النّسفيّ: (تجارة)في السّفر،(و لا بيع)في الحضر.

و قيل:التّجارة:الشّراء إطلاقا لاسم الجنس على النّوع، أو خصّ البيع بعد ما عمّ،لأنّه أوغل في الإلهاء من الشّراء،لأنّ الرّبح في البيعة الرّابحة متيقّن،و في الشّراء مظنون.(3:146)

نحوه الشّربينيّ.(2:635)،و شبّر(4:321).

أبو السّعود : لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ صفة ل(رجال)، مؤكّدة لما أفاده التّنكير من الفخامة،مفيدة لكمال تبتّلهم إلى اللّه تعالى و استغراقهم،فيما حكى عنهم من التّسبيح من غير صارف يلويهم،و لا عاطف يثنيهم،كائنا ما كان.

و تخصيص التّجارة بالذّكر،لكونها أقوى الصّوارف عندهم و أشهرها،أي لا يشغلهم نوع من أنواع التّجارة.

(4:465)

نحوه البروسويّ.(6:159)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود،إلى أن قال:]

و جوّز أن يراد بالتّجارة:المعاوضة الرّابحة،و بالبيع:

المعاوضة مطلقا،فيكون ذكره بعدها من باب التّعميم بعد التّخصيص للمبالغة،و نقل عن الواقديّ:أنّ المراد بالتّجارة هو الشّراء،لأنّه أصلها و مبدؤها،فلا تخصيص و لا تعميم.و قيل:المراد بالتّجارة الجلب،لأنّه الغالب فيها،فهو لازم لها عادة،و منه يقال:تجر في كذا،أي جلبه،و يؤيّد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم،و ابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال في هؤلاء الموصوفين بما ذكر:هم الّذين يضربون في الأرض، يبتغون من فضل اللّه تعالى.

و أخرج الدّيلميّ،و غيره عن أبي سعيد الخدريّ مرفوعا نحوه.و في ذلك أيضا ما يقتضي أنّهم كانوا تجّارا، و هو الّذي يدلّ عليه ظاهر الآية،لأنّه لا يقال:لا تلهيه التّجارة إلاّ إذا كان تاجرا،و روي ذلك عن ابن عبّاس.

أخرج الطّبرانيّ،و ابن مردويه عنه أنّه قال:أما و اللّه لقد كانوا تجّارا،فلم تكن تجارتهم و لا بيعهم يلهيهم عن ذكر اللّه تعالى،و به قال الضّحّاك.

و قيل:إنّهم لم يكونوا تجّارا،و النّفي راجع للقيد و المقيّد،كما في قوله:

*على لا حب لا يهتدى بمناره*

ص: 651

كأنّه قيل:لا تجارة لهم و لا بيع فيلهيهم،فإنّ الآية نزلت فيمن فرغ عن الدّنيا كأهل الصّفّة،و أنت تعلم أنّ الآية على الأوّل المؤيّد بما سمعت أمدح،و لم نجد لنزولها فيمن فرغ عن الدّنيا سندا قويّا أو ضعيفا،و لا يكتفى في هذا الباب بمجرّد الاحتمال.(18:177)

و هناك نصوص أخرى راجع«بيع».

5- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ. فاطر:29

ابن عبّاس:يعني الجنّة.(367)

مثله قتادة(الآلوسيّ 22:192)،و الماورديّ(4:

472).

البغويّ: و المراد من التّجارة:ما وعد اللّه من الثّواب.(3:694)

نحوه الزّمخشريّ(3:308)،و البيضاويّ(2:

272)،و النّسفيّ(3:340)،و الخازن(5:248)، و أبو السّعود(5:282)،و البروسويّ(7:345).

الفخر الرّازيّ: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ إشارة إلى الإخلاص،أي ينفقون لا ليقال إنّه كريم،و لا لشيء من الأشياء غير وجه اللّه،فإنّ غير اللّه بائر،و التّاجر فيه تجارته بائرة.(26:22)

الشّربينيّ: أي بما عملوا.(3:326)

الآلوسيّ: أي معاملة مع اللّه تعالى،لنيل ربح الثّواب.على أنّ التّجارة مجاز عمّا ذكر،و القرينة حاليّة كما قال بعض الأجلّة.[إلى أن قال:]

و ظاهر ما روي عن قتادة من تفسير التّجارة بالجنّة، أنّها مجاز عن الرّبح.(22:192)

القاسميّ: التّجارة:استعارة لتحصيل الثّواب بالطّاعة.(14:4984)

عبد الكريم الخطيب : يَرْجُونَ تِجارَةً رائجة، رابحة لَنْ تَبُورَ بل إنّها تجد من يشتريها منهم، و يضاعف لهم الثّمن فيها،و إنّه اللّه سبحانه و تعالى هو الّذي يشتري منهم هذه البضاعة،و يضاعف لهم الثّمن عليها.(11:884)

مكارم الشّيرازيّ: شروط تلك التّجارة العجيبة:

الملفت للنّظر أنّ كثيرا من الآيات القرآنيّة الكريمة تشبّه هذا العالم بالمتجر الّذي تجّاره النّاس،و المشتري منه هو اللّه سبحانه و تعالى،و بضاعته العمل الصّالح و القيمة أو الأجر:الجنّة و الرّحمة و الرّضا منه تعالى.

و لو تأمّلنا بشكل جيّد فسوف نرى أنّ هذه التّجارة العجيبة مع اللّه الكريم ليس لها نظير،لأنّها تمتاز بالمزايا التّالية الّتي لا تحتويها أيّة تجارة أخرى:

1-إنّ اللّه سبحانه و تعالى أمن للبائع تمام رأسماله،ثمّ كان له مشتريا.

2-إنّ اللّه تعالى مشتر في حال أنّه غير محتاج إلى شيء تماما،فلديه خزائن كلّ شيء.

3-إنّه تعالى يشتري المتاع القليل بالسّعر «الباهض»،«يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير»، «يا من يعطي الكثير بالقليل».

4-هو تعالى يشتري حتّى البضاعة التّافهة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزّلزال:7.

ص: 652

5-أحيانا يعطي قيمة تعادل سبعمائة ضعف أو أكثر.

البقرة:261.

6-فضلا عن دفع الثّمن العظيم،فإنّه أيضا يضيف إليه من فضله و رحمته وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:

173.

و يا له من باعث على الأسف أنّ الإنسان العاقل الحرّ،يغمض عينيه عن تجارة كهذه،و يشرع بغيرها، و أسوأ من ذلك أن يبيع بضاعته مقابل الهباء و بلا شيء.

أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه أفضل الصّلاة و السّلام يقول:«أ لا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها؛إذ ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة،فلا تبيعوها إلاّ بها».

(14:77)

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. الصّفّ:10

الطّوسيّ: و التّجارة:طلب الرّبح في شراء المتاع.

و قيل لطلب الثّواب بعمل الطّاعة:تجارة،تشبيها بذلك، لما بينهما من المقاربة.(9:596)

نحوه الطّبرسيّ.(5:281)

القشيريّ: سمّى الإيمان و الجهاد تجارة،لما في التّجارة من الرّبح و الخسران،و نوع تكسّب من التّاجر.

و كذلك في الإيمان و الجهاد ربح الجنّة،و في ذلك يجتهد العبد،و خسرانها إذا كان الأمر بالضّدّ.(6:146)

نحوه الميبديّ.(10:88)

البغويّ: نزل هذا حين قالوا:لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ لعملناه،و جعل ذلك بمنزلة التّجارة، لأنّهم يربحون فيها رضى اللّه و نيل جنّته،و النّجاة من النّار.ثمّ بيّن تلك التّجارة فقال: تُؤْمِنُونَ....

(5:80)

مثله الخازن.(7:72)

الفخر الرّازيّ: هي التّجارة بين أهل الإيمان و حضرة اللّه تعالى،كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ التّوبة:

111،دلّ عليه: تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ الصّفّ:11.

و التّجارة عبارة عن معاوضة الشّيء بالشّيء،و كما أنّ التّجارة تنجي التّاجر من محنة الفقر،و رحمة الصّبر على ما هو من لوازمه،فكذلك هذه التّجارة،و هي التّصديق بالجنان،و الإقرار باللّسان-كما قيل في تعريف الإيمان-فلهذا قال بلفظ«التّجارة».

و كما أنّ في التّجارة الرّبح و الخسران،فكذلك في هذا،فإنّ من آمن و عمل صالحا فله الأجر و الرّبح الوافر و اليسار المبين،و من أعرض عن العمل الصّالح فله التّحسّر و الخسران المبين.(29:316)

البروسويّ: قال ابن الشّيخ:جعل ذلك تجارة، تشبيها له في الاشتمال على معنى المبادلة و المعاوضة، طمعا لنيل الفضل و الزّيادة،فإنّ التّجارة هي معاوضة المال بالمال لطمع الرّبح،و الإيمان و الجهاد شبّها بها من حيث أنّ فيهما بذل النّفس و المال،طمعا لنيل رضى اللّه تعالى و النّجاة من عذابه.(9:506)

اعلم أنّ الآية الكريمة أفادت أنّ التّجارة دنيويّة و أخرويّة،فالدّنيا موسم التّجارة،و العمر مدّتها، و الأعضاء و القوى رأس المال،و العبد هو المشتري من

ص: 653

وجه،و البائع من وجه.فمن صرف رأس ماله إلى المنافع الدّنيويّة الّتي تنقطع عند الموت،فتجارته دنيويّة كاسدة خاسرة و إن كان بتحصيل علم دينيّ،أو كسب عمل صالح فضلا عن غيرهما،فإنّما الأعمال بالنّيّات،و لكلّ امرئ ما نوى.و من صرفه إلى المقاصد الأخرويّة الّتي لا تنقطع أبدا،فتجارته رائجة رابحة،حريّة بأن يقال:

فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به،و ذلك هو الفوز العظيم.

و لعلّ المراد من التّجارة هنا بذل المال و النّفس في سبيل اللّه،و ذكر الإيمان لكونه أصلا في الأعمال،و وسيلة في قبول الآمال.و توصيف التّجارة بالإنجاء،لأنّ النّجاة يتوقّف عليها الانتفاع،فيكون قوله تعالى: يَغْفِرْ لَكُمْ بيان سبب الإنجاء.

و قوله: وَ يُدْخِلْكُمْ بما يتعلّق به بيان المنفعة الحاصلة من التّجارة،مع أنّ التّجارة الدّنيويّة تكون سببا للنّجاة من الفقر المنقطع،و التّجارة الأخرويّة تكون سببا للنّجاة من الفقر الغير المنقطع،قال عليه السّلام:«نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس:الصّحّة و الفراغ»يعني أنّ نعمتي الصّحّة و الفراغ كرأس المال للمكلّف،فينبغي أن يعامل اللّه بالإيمان به و برسوله،و يجاهد مع النّفس لئلاّ يغبن، و يربح في الدّنيا و الآخرة،و يجتنب معاملة الشّيطان،لئلاّ يضيع رأس ماله مع الرّبح.(9:509)

العامليّ: [أورد بعض الرّوايات التّأويليّة فلاحظ]

(108)

أحمد بدويّ: و[قال:(تجارة)]لأنّ النّكرة لا تدلّ على شيء معيّن،[و]كان استخدامها في بعض المقام مثيرا للشّوق و الرّغبة في المعرفة،كما في قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. (130)

الطّباطبائيّ: [قال بعد تفسير التّجارة عن الرّاغب:]

فقد أخذ الإيمان و الجهاد في الآية تجارة رأس مالها النّفس،و ربحها النّجاة من عذاب أليم،و الآية في معنى قوله: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى... فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ التّوبة:111.

و قد فخّم تعالى أمر هذه التّجارة؛حيث قال:

عَلى تِجارَةٍ أي تجارة جليلة القدر عظيمة الشّأن، و جعل الرّبح الحاصل منها النّجاة من عذاب أليم،لا يقدّر قدره.

و مصداق هذه النّجاة الموعودة:المغفرة و الجنّة،و لذا بدّل ثانيا النّجاة من العذاب من قوله: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ الصّفّ:12.

و أمّا النّصر و الفتح الموعودان:فهما خارجان عن النّجاة الموعودة،و لذا فصلهما عن المغفرة و الجنّة،فقال:

وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ الصّفّ:

13،فلا تغفل.(19:258)

مكارم الشّيرازيّ: الدّنيا موضع تجارة أولياء اللّه.

جاء في«نهج البلاغة»أنّ الإمام عليّ عليه السّلام قال لرجل كثير الادّعاء و التّملّق،كان يذمّ الدّنيا كثيرا:

«إنّك على خطإ،إنّ الدّنيا رأس مال كبير،لأولئك الّذين هم على وعي و معرفة».ثمّ أعطى عليه السّلام شرحا لهذا المفهوم من جملته:«الدّنيا متجر أولياء اللّه»و محلّ تجارة

ص: 654

أحبّائه.

و إذا شبّهت الدّنيا بأنّها مزرعة الآخرة،فقد شبّهت أيضا هنا بأنّها عمل تجاريّة،حيث إنّ الإنسان يبيع البضاعة«رأس المال»الّتي أخذها من اللّه سبحانه،يبيعها منه-تعالى شأنه-بأغلى الأثمان،و يستلم منه سبحانه أعظم الأرباح المتمثّلة بالنّعم و الهبات الإلهيّة المختلفة، مقابل متاع حقير.

إنّ جانب الإغراء في هذه الصّفقات التّجاريّة النّافعة،كان من أجل تحريك و إثارة المحفّزات الإنسانيّة في طريق الخير،و جلب النّفع للإنسان و دفع الضّرر، لأنّ هذه التّجارة الإلهيّة ليست منحصرة أرباحها في جلب النّفع فحسب،بل إنّها تدفع العذاب الأليم أيضا.

قال تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ التّوبة:111.

إنّ المفهوم من الآية أعلاه منسجم كلّيّا مع ما تحدّثنا فيه قبل قليل،حول موضوع التّجارة الإلهيّة المقترنة بالأرباح العظيمة.[لاحظ آية التّوبة](18:284)

7- وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ. الجمعة:11

ابن عبّاس:تجارة دحية بن خليفة الكلبيّ.(471)

نحوه الفرّاء(3:157)،و البروسويّ(9:526).

القشيريّ: و ما عند اللّه للعبّاد و الزّهّاد-غدا-خير ممّا نالوه في الدّنيا نقدا،و ما عند اللّه للعارفين نقدا من واردات القلوب و بواده (1)الحقيقة،خير ممّا يؤمّل المستأنف (2)في الدّنيا و العقبى.(6:154)

البيضاويّ: و إفراد«التّجارة»بردّ الكناية،لأنّها المقصودة.فإنّ المراد من اللّهو:الطّبل الّذي كانوا يستقبلون به العير.و التّرديد للدّلالة على أنّ منهم من انفضّ لمجرّد سماع الطّبل و رؤيته،أو للدّلالة على أنّ الانفضاض إلى التّجارة مع الحاجة إليها و الانتفاع بها، إذا كان مذموما كان الانفضاض إلى اللّهو أولى بذلك.

و قيل:تقديره:إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها،و إذا رأوا لهوا انفضّوا إليه.(2:477)

الشّربينيّ: أي حمولا،هي موضع للتّجارة.(4:290)

الميلانيّ: الوجه السّادس عشر،أي سبب تقديم التّجارة في الأوّل و تأخيرها في الثّاني،الدّلالة على خسّة طبعهم في الأوّل،كما تقول:زيد يكذب بدينار،بل بدرهم،فكأنّه إضراب عمّا تقدّم.و على حسن ما عند اللّه في الثّاني،كما تقول:هذا أحسن من الدّرهم و من الدّينار،إذا أردت بيان رذالته في الأوّل،و حسنه في الثّاني.(تفسير سورتي الجمعة و التّغابن:93)

راجع«ف ض ض»(انفضّوا).

8- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ. البقرة:16ش)

ص: 655


1- البواده:ما يفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهلة،و هي إمّا موجبات فرح أو موجبات ترح،و سادات الوقت لا تغيّرهم البواده،لأنّهم فوق ما يفجؤهم حالا و قوّة. (الهامش)
2- هو المريد المبتدئ الّذي ما زال يفكّر في الثّواب الآجل و الثّواب العاجل.(الهامش)

ذكروا في معنى«التّجارة»نحو ما تقدّم في النّصوص، فلاحظ:«ر ب ح»(ربحت).

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: و قد ذكرها اللّه تعالى في ستّة مواضع:

الأوّل:تجارة غزاة المجاهدين بالرّوح،و النّفس، و المال هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ... الصّفّ:10.

الثّاني:تجارة المنافقين في بيع الهدى بالضّلالة اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16.

الثّالث:تجارة قراءة القرآن إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ... يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ فاطر:29.

الرّابع:تجارة عبّاد الدّنيا بتضييع الأعمار،في استزادة الدّرهم و الدّينار وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها.

الخامس:في معاملة الخلق بالبيع و الشّرى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29.

السّادس:تجارة خواصّ العباد بالإعراض عن كلّ تجارة دنيويّة رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ النّور:37.[إلى أن قال:]

و يقال:نصف البركة في التّجارة،و قيل:نعم الشّيء التّجارة،و لو في الحجارة.

و يروى في الكلمات القدسيّة:«من تاجرني لم يخسر».و أوحي إلى بعض الأنبياء:«قل لعبيدي:

تاجروني تربّحوا عليّ؛فإنّي خلقتكم لتربّحوا عليّ لا لأربح عليكم».

و في الحديث:«الرّفق في المعيشة خير من بعض التّجارة».[ثمّ استشهد بشعر](2:295)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّجارة،أي البيع و الشّراء،يقال:تجر يتجر تجرا و تجارة،و اتّجر:باع و شرى،و هو تاجر و متّجر؛إلاّ أنّ التّاجر غلب قديما على بائع الخمر و الجمع:تجار و تجر و تجّار.

و أرض متجرة:يتّجر إليها،و ناقة تاجر و تاجرة:

نافقة في التّجارة و السّوق لنجابتها،و هي نوق تواجر، و نقيضها ناقة كاسدة.و يقال أيضا:إنّه لتاجر بذلك الأمر،أي حاذق،و هو من المجاز.

2-و قد ابتدع المولّدون المتأخّرون،فولّدوا الفعل «تاجر»على وزن«فاعل»في بعض المعاني،فمن كلامهم:

تاجر فلان فلانا،أي اتّجر معه،كما في«المعجم الوسيط» و تاجره:باراه في التّجارة،كما في«متن اللّغة»و تاجر:

تجر،كما في«محيط المحيط».

3-و حاول بعض المستشرقين أن يشكّك في عربيّة «التّجارة»،استنادا إلى آراء أنداده،فخبط في ذلك خبط عشواء،و أفضى به الأمر في النّهاية إلى أن يقول:كان لفظ«التّجارة»مشهورا قبل الإسلام في أرجاء الجزيرة العربيّة،و كأنّه ثاب إلى رشده،فذهبت محاولاته أدراج الرّياح. (1)

ص: 656


1- راجع لفظ«تجارة»من كتاب«المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم»،و دائرة المعارف الإسلاميّة(4:581).

الاستعمال القرآنيّ

لم يأت من هذه المادّة إلاّ لفظة«تجارة»:9 مرّات،في 8 آيات:

1- ...وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً...

البقرة:282

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ...

النّساء:29

3- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ

التّوبة:24

4- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ النّور:37

5- وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ الجمعة:11

6- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ فاطر:29

7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الصّفّ:10

8- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ البقرة:16

يلاحظ أوّلا:أنّه جاءت ذيل:(1)و(2)بحوث حول تِجارَةً حاضِرَةً و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ، و نوكل دراستهما إلى مادّتي«ح ض ر»و«ر ض ي».كما أطالوا الكلام حول الاستثناء في(2)،أ متّصل هو أم منقطع؟و الثّاني هو المختار،فلاحظ.و اختصّت إباحة التّجارة بالمال بهاتين الآيتين كما سيأتي.

ثانيا:جاءت«التّجارة»نكرة دائما،إلاّ مرّة واحدة في(5)،و السّرّ في تنكيرها أنّ المراد بها في الآيات الجنس و لو فرد منها.

ثالثا:قد كرّرت في(5)مرّتين:نكرة أوّلا و معرفة ثانيا مع«لهو»،و أريد ب«تجارة و لهوا»في الأولى شيء من التّجارة و اللّهو،و في الثّانية تعميم الجنس،و هو الأقرب.أو اللاّم فيهما للعهد،أي ما ذكر من التّجارة و اللّهو.

رابعا:قدّمت«تجارة»على«لهو»في الأولى،لأنّها كانت الهدف الأوّل عند من انفضّوا اليها،تاركين النّبيّ قائما يخطب،و أخّرت عن«اللّهو»في الثّانية،لأنّ سياقها التّرقّي من المهمّ إلى الأهمّ،كأنّه قال:ما عند اللّه من الأجر خير من اللّهو بل من التّجارة.

و هذا الغرض لا يحصل إلاّ بتأخير«التّجارة و ذلك أنّ الآية تدين الّذين سمعوا قرع طبول القافلة الّتي قدّمت من الشّام و هي تحمل بضائع تجاريّة،فتركوا خطبة صلاة الجمعة،و هرعوا إليها تهافتا على البضاعة،و خفّ إليها جماعة لسماع اللّهو،فأبدى اللّه ما انتووه،و أظهر

ص: 657

ما أضمروه.

و جاء في بعض التّفاسير:أنّ النّساء بالذّات أسرعن للنّظر إلى«دحية الكلبيّ»صاحب القافلة،و كان رجلا جميلا،و هو ما أريد باللّهو.

خامسا:جمع في«4»بين البيع و التّجارة،و قد سبق بيان الفرق بينهما في«ب ي ع»،فلاحظ.

سادسا:أريد بالتّجارة في(1-5)معناها الحقيقيّ، و هو التّجارة بالأموال و الأمتعة،و في(6-8)معناها المجازيّ،و هو كسب ثواب الآخرة بالأعمال الصّالحة في (6)و(7)؛حيث وصف التّجارة فيهما ب لَنْ تَبُورَ و تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، أو كسب عقاب الآخرة بالأعمال السّيّئة،كما قال في(8): أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ؛ حيث عبّر عنها بالاشتراء و التّجارة و الرّبح.

و جاء عكسه في أجور الشّهداء إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ... فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ...

التّوبة:111،حيث عبّر عن تضحيتهم بالنّفس و المال في سبيل اللّه بالاشتراء و البيع،و أنّ المشتري هو اللّه،لاحظ «ش ري»و«ش ه د».

سابعا:غلب سياق الذّمّ على الآيات،إلاّ في(1) و(2)بلسان الاستثناء تجويزا للتّجارة الماليّة لا ترغيبا، و في(6)و(7)ترغيبا في التّجارة المعنويّة بالأعمال الصّالحة،و تعريضا بالتّجارة الماليّة،كما يأتي.

ثامنا:في(3)و(4)و(5)تصريح بالتّقابل بين هاتين التّجارتين،و أنّ الأولى تلهي المسلم عن الثّانية؛حيث قال في(3): وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ، و في(4): لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ، و في(5): ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ، و نبّه على ذلك إيماء في(6): تِجارَةً لَنْ تَبُورَ، و في(7): تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، رمزا إلى أنّ التّجارة الماليّة ليست كذلك.

تاسعا:الآيات كلّها مدنيّة سوى(1)فمكّيّة،و هذا إن دلّ على شيء يدلّ على شيوع التّجارة لفظا و معنى بين المؤمنين في المدينة و قلّتها في مكّة.

عاشرا:و تلك عشرة كاملة-مجيء(تجارة)فقط من بين مشتقّات هذه المادّة في القرآن يحكي إمّا عن عدم فصاحتها أو أصالتها،أو عدم شيوعها بين النّاس في البلدين.

ص: 658

ت ح ت

اشارة

6 ألفاظ،51 مرّة:20 مكّيّة،31 مدنيّة

في 30 سورة:14 مكّيّة،16 مدنيّة

تحت 7:4-3 تحتهم 5:5

تحته 1:1 تحتك 1:1

تحتها 36:8-28 تحتي 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و تحت:نقيض فوق.و التّحوت:الّذين كانوا تحت أقدام النّاس،لا يشعر بهم؛و في حديث:

«لا تقوم السّاعة حتّى يظهر التّحوت».(3:21)

أبو عبيد:في حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:لا تقوم السّاعة حتّى يظهر الفحش و البخل،و يخون الأمين و يؤتمن الخائن،و تهلك الوعول و تظهر التّحوت.

قالوا:يا رسول اللّه و ما الوعول،و ما التّحوت؟

قال:الوعول:وجوه النّاس و أشرافهم،و التّحوت:

الّذين كانوا تحت أقدام النّاس،لا يعلم بهم.(1:433)

نحوه الهرويّ(1:248)،و الأزهريّ(3:424).

الصّاحب: في الحديث:«و لا تقوم السّاعة حتّى تظهر التّحوت»،أي من كانوا تحت أقدام النّاس.و قيل:

الكنوز.

و التّحتحة:صوت حركة السّير.(2:308)

نحوه ابن الأثير.(1:182)

الخطّابيّ: و في حديث...«ما التّحوت؟قال:بيوت القافصة (1)،يرفعون فوق صالحيهم».[ثمّ نقل نحو ما تقدّم عن الخليل](2:431)

ابن فارس :التّاء و الحاء و التّاء كلمة واحدة،تحت الشّيء،و التّحوت:الدّون من النّاس.(1:342)

ابن سيده :تحت:إحدى الجهات السّتّ المحيطة بالجرم،تكون مرّة ظرفا و مرّة اسما.و يبنى في حال اسميّته على الضّمّ،فيقال:من تحت.

ص: 659


1- القافصة:اللّئام،و جاء في الهامش نقلا عن الهيثميّ:أهل البيوت الغامضة.

و قوم تحوت:أرذال سفلة.[إلى أن قال:]

و التّحتحة:الحركة.

و ما تتحتح من مكانه،أي ما تحرّك.(2:511)

الرّاغب: تحت:مقابل لفوق.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و تحت يستعمل في المنفصل،و أسفل في المتّصل.

يقال:المال تحته،و أسفله أغلظ من أعلاه.[و ذكر حديث التّحوت ثمّ قال:]

و قيل:بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه: وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ الانشقاق:3.

(73)

الزّمخشريّ: خطب في حجّته أو في عام الفتح، فقال:«ألا إنّ كلّ دم و مال و مأثرة كانت في الجاهليّة فهي تحت قدميّ هاتين...».

قوله:تحت قدميّ،عبارة عن الإهدار و الإبطال، يقول الموادع لصاحبه:اجعل ما سلف تحت قدميك،يريد طأ عليه و اقمعه.(الفائق 1:22)

[و ذكر حديث النّبيّ الّذي أورده أبو عبيد ثمّ قال:]

شبّه الأشراف بالوعول لارتفاع مساكنها،و جعل «تحت»الّذي هو ظرف نقيض«فوق»اسما،فأدخل عليه لام التّعريف،و مثله قول العرب لمن يقول ابتداء:

عندي كذا،أو لك عند؟[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الخطّابي و أضاف:]

كأنّه ضرب بيوت القانصة،و هي قتر الصّيّادين، مثلا للأراذل و الأدنياء،لأنّها أرذل البيوت.

(الفائق 1:148)

في الحديث:«حتّى تهلك الوعول،و تظهر التّحوت»،أي السّفلة.(أساس البلاغة:37)

أبو حيّان :تحت:ظرف مكان لا يتصرّف فيه بغير «من»نصّ على ذلك أبو الحسن،قال العرب:تقول:

تحتك رجلاك،لا يختلفون في نصب«التّحت».

(1:109)

الفيّوميّ: تحت نقيض فوق،و هو ظرف مبهم، لا يتبيّن معناه إلاّ بإضافته،يقال:هذا تحت هذا.(1:73)

الفيروزآباديّ: تحت:نقيض فوق،يكون ظرفا و يكون اسما،و يبنى في حال اسميّته على الضّمّ،فيقال:

من تحت.

و التّحوت:الأرذال السّفلة.(1:150)

مجمع اللّغة :تحت:ظرف مكان،ضدّ فوق، و استعمل مع«من»و بدونها.(1:152)

العدنانيّ: التّحتانيّ

و ينسبون إلى تحت،فيقولون:تحتيّ،ظانّين أنّ النّسبة قياسيّة،و الصّواب:تحتانيّ،و هي نسبة غير قياسيّة،كما قال ابن مالك في«ألفيّته»و الخفاجيّ في «العناية»،و الفاسيّ شيخ الزّبيديّ،و الزّبيديّ صاحب «التّاج»،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و النّحو الوافيّ.

و يرى ابن مالك أنّنا يجب أن نقتصر على ما سمعناه من العرب من النّسب الشّاذّ،و أن لا نلجأ فيه إلى المحاكاة و القياس.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا أرى مسوّغا لهذا الشّذوذ السّماعيّ،و أقترح على مجامعنا إجازة استعمال تحتيّ،و سهليّ،و دهريّ و أمثالها،

ص: 660

مجاراة للقياس،على أن لا نخطّئ من يلجأ إلى استعمال الشّاذّ المسموع،عن المغفور لهم:أجدادنا العرب.(93)

المصطفويّ: التّحت من الظّروف المكانيّة،و هو مقابل الفوق،بخلاف السّفل فإنّه مفهوم نسبيّ في مقابل:

العلوّ.(1:362)

النّصوص التّفسيريّة

تحت

1- ...وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ... المائدة:66

ابن عبّاس: تخرج الأرض بركتها.

(الطّبريّ 6:305)

المطر و النّبات.(القرطبيّ 6:241)

نحوه القمّيّ.(1:171)

مجاهد :لأنبت من الأرض ما يغنيهم.

(الطّبريّ 6:305)

الإمام الباقر عليه السّلام: لوسّع عليهم أرزاقهم،و أفيض عليهم بركات من السّماء و الأرض.(الكاشانيّ 2:51)

مثله شبّر.(2:196)

قتادة :إذن لأعطتهم السّماء بركتها،و الأرض نباتها.(الطّبريّ 6:305)

نحوه ابن جريج(الطّبريّ 6:305)،و البغويّ(2:68).

السّدّيّ: لو عملوا بما أنزل إليهم ممّا جاءهم به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لأنزلنا عليهم المطر،فأنبت الثّمر.

(الطّبريّ 6:305)

الفرّاء: أراد به التّوسعة في الرّزق،كما يقال:فلان في الخير من قرنه إلى قدمه،نظيره قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... الأعراف:96.(البغويّ 2:68)

نحوه الزّجّاج(2:191)،و الماورديّ(2:52)

الطّبريّ: لأكلوا من بركة ما تحت أقدامهم من الأرض،و ذكر ما تخرجه الأرض من حبّها و نباتها و ثمارها،و سائر ما يؤكل ممّا تخرجه الأرض.[إلى أن قال:]

و كان بعضهم يقول:إنّما أريد بقوله: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ التّوسعة،كما يقول القائل:

هو في خير من فرقه إلى قدمه.و تأويل أهل التّأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول،و كفى بذلك شهيدا على فساده.(6:305)

النّقّاش: إنّ المعنى لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ أي من رزق الجنّة، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ من رزق الدّنيا؛إذ هو من نبات الأرض.(ابن عطيّة 2:217)

الطّوسيّ: و قوله: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ بإرسال السّماء عليهم مدرارا، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ بإعطاء الأرض خيرها و بركتها.و قال قوم: مِنْ فَوْقِهِمْ ثمار النّخل و الأشجار، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ الزّرع.

و المعنى:لو آمنوا لأقاموا في أوطانهم و أموالهم و زروعهم،و لم يجلوا عن بلادهم،ففي ذلك التّأسيف لهم على ما فاتهم،و الاعتداد بسعة ما كانوا فيه من نعمة اللّه، و هو جواب التّبخيل في قولهم: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ المائدة:64.

ص: 661

[قيل]إنّ المعنى فيه:التّوسعة،كما يقال:هو في الخير من قرنه إلى قدمه،أي يأتيه الخير من كلّ جهة يلتمسه منها.

و اختار الطّبريّ الوجه الأوّل.

و قد جعل اللّه التّقى من أسباب الرّزق فقال: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطّلاق:2،3،و قال: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ...

الأعراف:96،و قال: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً نوح:10-13، و قال: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً الجنّ:16.(3:585)

نحوه الطّبرسيّ.(2:222)

الزّمخشريّ: و قوله: لَأَكَلُوا... إلخ عبارة عن التّوسعة،و فيه ثلاثة أوجه:أن يفيض عليهم بركات السّماء و بركات الأرض،و أن يكثّر الأشجار المثمرة و الزّروع المغلّة،و أن يرزقهم الجنان اليانعة الثّمار، يجتنون ما تهدّل منها من رءوس الشّجر،و يلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت أرجلهم.(1:630)

نحوه البيضاويّ.(1:284)

الفخر الرّازيّ: في قوله: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وجوه:

الأوّل:أنّ المراد منه المبالغة في شرح السّعة و الخصب،لا أنّ هناك فوقا و تحتا...[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و الخامس:يشبه أن يكون هذا إشارة إلى ما جرى على اليهود من بني قريظة و بني نظير من قطع نخيلهم و إفساد زروعهم،و إجلائهم عن أوطانهم.(12:47)

القرطبيّ: قال ابن عبّاس و غيره:يعني المطر و النّبات،و هذا يدلّ على أنّهم كانوا في جدب.[ثمّ قال نحو ما تقدّم في ذيل كلام الطّوسيّ](6:241)

نحوه النّسفيّ.(1:292)

أبو حيّان :[نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و قال تاج القرّاء: مِنْ فَوْقِهِمْ: ما يأتيهم من كبرائهم و ملوكهم. وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ: من سفلتهم و عوامّهم.(3:527)

الشّربينيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

بيّن سبحانه و تعالى بذلك أنّ ما كفّ عنهم بشؤم كفرهم و معاصيهم،لا بقصور الفيض،و لو أنّهم آمنوا و أقاموا ما أمروا به لوسّع عليهم،و جعل لهم خير الدّارين.

(1:386)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و مفعول(اكلوا)محذوف بقصد التّعميم،أو للقصد إلى نفس الفعل،كما في قوله:فلان يعطي و يمنع.و(من) في الموضعين لابتداء الغاية،و في هاتين الشّرطيّتين؛من حثّهم على ما ذكر من الإيمان و التّقوى،و الإقامة بالوعد بنيل سعادة الدّارين،و زجرهم عن الإخلال به بما ذكر، ببيان إفضائه إلى الحرمان عنها و تنبيههم على أنّ ما أصابهم من الضّنك و الضّيق إنّما هو من شؤم جناياتهم، لا لقصور في فيض الفيّاض،ما لا يخفى.(2:297)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أبي السّعود و أضاف:]

و اعلم أنّ قوله تعالى: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ

ص: 662

تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ إشارة إلى ما يحصل بالوهب الرّحمانيّ، و ما يحصل بالكسب الإنسانيّ.فمن عمل بما علم،و اجتهد في طريق الحقّ كلّ الاجتهاد،ينال مراتب الأذواق و المشاهدات،فيحصل له جنّتان،جنّة العمل و جنّة الفضل،و هذا الرّزق المعنويّ هو المقبول.[ثمّ استشهد بشعر](2:417)

محمّد جواد مغنيّة: مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ كناية عن السّعة في الرّزق تماما،كما تقول:

فلان غارق في النّعم من قرنه إلى قدمه.

و في معنى هذه الآية آيات كثيرة،منها:الآية 96 من الأعراف: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ، و الآية 11 الرّعد: إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ، و الآية 41 الرّوم: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ، و الآية 30 الشّورى:

وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.

و ترشدنا هذه الآيات إلى أمرين:

1-أنّ ظهور الفساد،و منه الفقر و المرض و الجهل، إنّما هو من حكم الأرض،لا من حكم السّماء.و من أيدي النّاس الّذين أماتوا الحقّ،و أحيوا الباطل،لا من قضاء اللّه و قدره،و أنّ أيّة جماعة عرفوا الحقّ و عملوا به، عاشوا في سعادة و هناء.

2-أنّ التّعبير في الآيات الكريمة بقوم و بالنّاس،يدلّ على أنّ الشّقاء يستند إلى فساد الأوضاع،و أنّ مجرّد صلاح فرد من الأفراد،لا يجدي شيئا ما دام بين قوم فاسدين،بل يجرّ صلاحه عليه البلاء و الشّقاء،قال تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الأنفال:25،أي أنّ الآثار السّيّئة لمجتمع سيّئ تعمّ جميع أفراده الصّالح و الطّالح.و ليس من شكّ أنّ الشّعب الكسول الخانع الخاضع للعسف و الجور،لا بدّ أن يعيش أفراده في الذّلّ و الهوان.

و على هذا يكون المراد بالإيمان الموجب للرّزق،هو الإيمان باللّه،مع العمل بجميع أحكامه و مبادئه،لا إقامة الصّلاة فقط،بل و أداء الزّكاة،و جهاد المستغلّين و المحتكرين،و إقامة العدل في كلّ شيء،و ليس من شكّ أنّ العدل متى عمّ و ساد صلحت الأوضاع،و ذهب الفقر و الشّقاء،و هذا ما يهدف إليه القرآن.

لقد كشف الإسلام عن الصّلة الوثيقة بين فساد الأوضاع،و بين التّخلّف و آلام الإنسانيّة بشتّى أنواعها، و سبق إلى معرفة هذه الحقيقة كلّ عالم من علماء الاجتماع،و كلّ قائد من قادة الاشتراكيّة و الدّيمقراطيّة و غيرها.و إذا كان لدى هؤلاء شيء يذكر فعن الإسلام أخذوا،و منه اقتبسوا.و لكن ما الحيلة فيمن ينفر من كلّ ما يمتّ إلى الدّين بسبب،لا لشيء إلاّ لأنّ اسمه دين.

(3:95)

الطّباطبائيّ: و المراد مِنْ فَوْقِهِمْ هو السّماء، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ هو الأرض،فالجملة كناية عن تنعّمهم بنعم السّماء،و الأرض،و إحاطة بركاتهما عليهم، نظير ما وقع في قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ الأعراف:

96.

ص: 663

و الآية من الدّليل على أنّ لإيمان هذا النّوع،أعني نوع الإنسان و أعماله الصّالحة تأثيرا في صلاح النّظام الكونيّ من حيث ارتباطه بالنّوع الإنسانيّ،فلو صلح هذا النّوع صلح نظام الدّنيا،من حيث إيفائه باللاّزم لحياة الإنسان السّعيدة،من اندفاع النّقم و وفور النّعم.

و يدلّ على ذلك آيات أخرى كثيرة في القرآن بإطلاق لفظها،كقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ الرّوم:41،42،و قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الشّورى:30،إلى غير ذلك.(6:38)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(4:76)

2- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ... الأنعام:65

ابن مسعود: عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ لو جاءكم عذاب من السّماء لم يبق منكم أحدا، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ لو خسف بكم الأرض أهلككم،و لم يبق منكم أحدا.(7:220)

ابن عبّاس: أمّا العذاب من فوقكم فأئمّة السّوء، و أمّا العذاب من تحت أرجلكم فخدم السّوء.

(الطّبريّ 7:220)

و هو المرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

الطّبرسيّ 2:315)

عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ يعني من أمرائكم، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ يعني سفلتكم.(الطّبريّ 7:220)

نحوه القمّيّ(1:204)،و الضّحّاك(الطّبرسيّ 2:315).

سعيد بن جبير: إنّ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ عنى به:

الصّيحة،و الحجارة و الطّوفان،و الرّيح،كما فعل بعاد و ثمود و قوم شعيب و قوم لوط، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ عنى به الخسف،كما فعل بقارون.(الطّبرسيّ 2:315)

نحوه مجاهد(الطّبرسيّ 2:315)،،و الحسن (الطّوسيّ 4:176)،و السّدّيّ(الطّبريّ 7:220)، و الفرّاء(1:338)،و الزّجّاج(2:260)،و الطّوسيّ(4:

176).

الطّبريّ: [نقل بعض أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و أولى التّأويلين في ذلك بالصّواب عندي قول من قال:عنى بالعذاب مِنْ فَوْقِكُمْ :الرّجم أو الطّوفان، و ما أشبه ذلك ممّا ينزل عليهم من فوق رءوسهم،و مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ: الخسف و ما أشبهه.و ذلك أنّ المعروف في كلام العرب من معنى:فوق و تحت الأرجل، هو ذلك دون غيره،و إن كان لما روي عن ابن عبّاس في ذلك وجه صحيح،غير أنّ الكلام إذا تنوزع في تأويله، فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحقّ و أولى من غيره،ما لم يأت حجّة مانعة من ذلك يجب التّسليم لها.

(7:219)

الرّمّانيّ: إنّ الّذي من فوقهم:الطّوفان،و الّذي من تحت أرجلهم:الرّيح.(الماورديّ 2:126)

الماورديّ: [نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و يحتمل أنّ العذاب الّذي من فوقهم:طوارق السّماء

ص: 664

الّتي ليست من أفعال العباد،لأنّها فوقهم،و الّتي من تحت أرجلهم:ما كان من أفعال العباد،لأنّ الأرض تحت أرجل جميعهم.(2:126)

الزّمخشريّ: عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ كما أمطر على قوم لوط و على أصحاب الفيل الحجارة،و أرسل على قوم نوح الطّوفان. أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ كما أغرق فرعون و خسف بقارون.

و قيل:هو حبس المطر و النّبات.(2:26)

نحوه النّسفيّ(2:17)،و شبّر(2:270).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا نوع آخر من دلائل التّوحيد،و هو ممزوج بنوع من التّخويف؛فبيّن كونه تعالى قادرا على إيصال العذاب إليهم من هذه الطّرق المختلفة و أمّا إرسال العذاب عليهم تارة من فوقهم،و تارة من تحت أرجلهم ففيه قولان:

الأوّل:حمل اللّفظ على حقيقته،فنقول:العذاب النّازل عليهم من فوق مثل المطر النّازل عليهم من فوق، كما في قصّة نوح،و الصّاعقة النّازل عليهم من فوق،و كذا الصّيحة النّازلة عليهم من فوق،كما حصب قوم لوط، و كما رمى أصحاب الفيل.و أمّا العذاب الّذي ظهر من تحت أرجلهم فمثل الرّجفة و مثل خسف قارون،و قيل:

حبس المطر و النّبات.

و بالجملة فهذه الآية تتناول جميع أنواع العذاب الّتي يمكن نزولها من فوق،و ظهورها من أسفل.

القول الثّاني:أن يحمل هذا اللّفظ على مجازه.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس](12:22)

نحوه القرطبيّ.(7:9)

أبو حيّان: هذا إخبار يتضمّن الوعيد،و الأظهر من نسق الآيات أنّه خطاب للكفّار،و هو مذهب الطّبريّ.

و قال أبيّ و أبو العالية و جماعة :هي خطاب للمؤمنين،قال أبيّ:هنّ أربع:عذاب قبل يوم القيامة؛ مضت اثنتان قبل وفاة الرّسول بخمس و عشرين سنة:

لبسوا شيعا،و أذيق بعضهم بأس بعض،و ثنتان واقعتان لا محالة:الخسف،و الرّجم.

و قال الحسن: بعضها للكفّار،بعث العذاب من فوق و من تحت،و سائرها للمؤمنين،انتهى.و حين نزلت استعاذ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال في الثّالثة:هذه أهون،أو هذه أيسر.و احتجّ بهذا من قال:هي للمؤمنين.

و قال الطّبريّ: لا يمتنع أن يكون عليه السّلام تعوّذ لأمّته ممّا وعد به الكفّار.و أهون الثّالثة لأنّها في المعنى هي الّتي دعا فيها،فمنع،كما في حديث الموطّأ و غيره.

و الظّاهر مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ الحقيقة كالصّواعق...و كالزّلازل.[ثمّ قال نحو ما تقدّم في الوجه الأوّل عن كلام الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قيل: مِنْ فَوْقِكُمْ خذلان السّمع و البصر و الآذان و اللّسان، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ خذلان الفرج و الرّجل إلى المعاصي،انتهى.و هذا-و الّذي قبله [قول السّدّيّ]-مجاز بعيد.(4:151)

البروسويّ: عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ بأن يرخي حجابا بينه و بينكم،يعذّبكم به عزّة و غيرة أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، أي حجابا من أوصاف بشريّتكم، باستيلاء الهوى عليكم.(3:48)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

ص: 665

و الجار و المجرور متعلّق ب(يبعث)،و يجوز أن يكون متعلّقا بمحذوف وقع صفة ل«عذاب»و(أو)لمنع الخلوّ دون الجمع،فلا منع لما كان من الجهتين معا،كما فعل بقوم نوح عليه الصّلاة و السّلام.(7:180)

الطّباطبائيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:المراد بما من فوق و بما من تحت:الأسلحة النّاريّة القتّالة الّتي اخترعها البشر أخيرا؛من الطّيّارات و المناطيد الّتي تقذف القنابل المحرقة و المخرّبة و غيرها، و مراكب تحت البحر المغرقة للسّفائن و الباخرات،فإنّ الإنذار إنّما وقع في كلامه تعالى،و هو أعلم بما كان سيحدث في مملكته.

و الحقّ أنّ اللّفظ ممّا يقبل الانطباق على كلّ من المعاني المذكورة،و قد وقع بعد النّزول ما ينطبق عليه اللّفظ.و المحتّد الأصليّ لهذه الوقائع الّذي مهّد لها الطّريق هو اختلاف الكملة،و التّفرّق الّذي بدأت به الأمّة، و جبّهت به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيما كان يدعوهم إليه من الاتّفاق على كلمة الحقّ وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ الأنعام:

153.(7:136)

3- يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. العنكبوت:55

الميبديّ: أي من كلّ الجهات،لأنّه محيط بهم.

(7:409)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسألتان:

الأولى:لم خصّ الجانبين بالذّكر،و لم يذكر اليمين و الشّمال و خلف و قدّام؟

فنقول:لأنّ المقصود ذكر ما تتميّز به نار جهنّم عن نار الدّنيا،و نار الدّنيا تحيط بالجوانب الأربع،فإنّ من دخلها تكون الشّعلة خلفه و قدّامه و يمينه و يساره.و أمّا النّار من فوق فلا تنزل،و إنّما تصعد من أسفل في العادة العاجلة،و تحت الأقدام لا تبقى الشّعلة الّتي تحت القدم، و نار جهنّم تنزل من فوق،و لا تنطفئ بالدّوس موضع القدم.

المسألة الثّانية:قال: مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ و لم يقل:من فوق رءوسهم،و لا قال:من فوقهم و من تحتهم،بل ذكر المضاف إليه عند ذكر(تحت)، و لم يذكر عند ذكر(فوق).

فنقول:لأنّ نزول النّار من فوق سواء كان من سمت الرّءوس،و سواء كان من موضع آخر عجيب،فلهذا لم يخصّه بالرّأس.و أمّا بقاء النّار تحت القدم فحسب، عجيب.و إلاّ فمن جوانب القدم في الدّنيا يكون شعل و هي تحت،فذكر العجيب:و هو ما تحت الأرجل؛حيث لم ينطف بالدّوس،و ما«فوق»على الإطلاق.(25:82)

البروسويّ: و المراد من جميع جهاتهم[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ بإحاطة هذه الصّفات،من(فوقهم):الكبر و الغضب و الحسد و الحقد، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ:

الحرص و الشّره و الشّهوة،و لكنّهم بنوم الغفلة نائمون، ليس لهم خبر عن ذوق العذاب،كالنّائم لا شعور له في النّوم بما يجري على صورته،لأنّه نائم الصّورة،فإذا انتبه يجد ذوق ما يجري عليه من العذاب.(6:485)

ص: 666

الآلوسيّ: أي من جميع جهاتهم،فما ذكر للتّعميم كما في الغدوّ و الآصال.(22:19)

4- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ. فصّلت:29

مقاتل: يكونان أسفل منّا في النّار.

(الفخر الرّازيّ 27:120)

الطّبريّ: يقول:نجعل هذين اللّذين أضلاّنا تَحْتَ أَقْدامِنا، لأنّ أبواب جهنّم بعضها أسفل من بعض، و كلّ ما سفل منها فهو أشدّ على أهله،و عذاب أهله أغلظ،و لذلك سأل هؤلاء الكفّار ربّهم أن يريهم اللّذين أضلاّهم،ليجعلوهما أسفل منهم،ليكونا في أشدّ العذاب،في الدّرك الأسفل من النّار.(24:114)

الطّوسيّ: إنّهم لشدّة عداوتهم و بغضهم لهم بما أضلّوهم و أغووهم،يتمنّون أن يجعلوهما تحت أقدامهم و يطئوهم.(9:123)

البغويّ: في النّار.(4:132)

مثله الخازن.(6:92)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:إنّ المراد به:ندوسهما و نطؤهما بأقدامنا إذلالا لهما،ليكونا من الأضلّين الأذلّين.(5:12)

الفخر الرّازيّ: كان بعض تلامذتي ممّن يميل إلى الحكمة،يقول:المراد باللّذين يضلاّن:الشّهوة و الغضب،و إليهما الإشارة في قصّة الملائكة بقوله:

أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ البقرة:30.

ثمّ قال:و المراد بقوله: نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا، يعني يا ربّنا أعنّا حتّى نجعل الشّهوة و الغضب تحت أقدام جوهر النّفس القدسيّة،و المراد بكونهما تحت أقدامه:

كونهما مسخّرين للنّفس القدسيّة مطيعين لها،و أن لا يكونا مسئولين عليها قاهرين لها.(27:120)

نحوه الآلوسيّ.(24:120)

5- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى. طه:6

ابن عبّاس: أي تحت الأرض السّابعة.

مثله ابن كعب القرظيّ.(أبو حيّان 6:226)

جابر بن عبد اللّه: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم سئل ما تحت الأرض؟قال:الماء.قيل:فما تحت الماء؟قال:ظلمة.

قيل:فما تحت الظّلمة؟قال:الهواء.قيل:فما تحت الهواء؟ قال:الثّرى.قيل:فما تحت الثّرى؟قال:انقطع علم المخلوقين عند الخالق.(الآلوسيّ 16:161)

الضّحّاك: ما وراى الثّرى من كلّ شيء.

(الطّبرسيّ 4:2)

السّدّيّ: هي الصّخرة الّتي تحت الأرض السّابعة، و هي صخرة خضراء،و هو سجّين الّذي فيه كتاب الكفّار.(344)

الزّجّاج :و ما تحت الأرض ندى.و جاء في التّفسير وَ ما تَحْتَ الثَّرى: ما تحت الأرض.(3:350)

الطّوسيّ: المعنى أنّه مالك لجميع الأشياء.[إلى أن قال:]

فله تعالى: وَ ما تَحْتَ الثَّرى إلى حيث انتهى،

ص: 667

لأنّه مالكه و خالقه و مدبّره،و كلّ شيء ملكه يصحّ، و اللّه تعالى مالكه،بمعنى أنّ له التّصرّف فيه كيف شاء.

(7:161)

الطّبرسيّ: قيل:يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز و الأموات.(4:2)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:(الثّرى)هو السّطح الأخير من العالم فلا يكون تحته شيء،فكيف يكون اللّه مالكا له؟

قلنا:(الثّرى)في اللّغة:النّدى،فيحتمل أن يكون تحته شيء؛و هو إمّا الثّور أو الحوت أو الصّخرة أو البحر أو الهواء،على اختلاف الرّوايات.(22:8)

النّسفيّ: ما تحت سبع الأرضين،أو هو الصّخرة الّتي تحت الأرض السّابعة.(3:49)

أبو حيّان :قيل: ما تَحْتَ الثَّرى: ما هو في باطن الأرض،فيكون ذلك توكيدا لقوله: وَ ما فِي الْأَرْضِ، إلاّ إن كان المراد ب(فى الارض):ما هو عليها،فلا يكون توكيدا.

و قيل:المعنى إنّ علمه تعالى محيط بجميع ذلك،لأنّه منشئه؛فعلى هذا يكون التّقدير:له علم ما في السّماوات.

و لمّا ذكر تعالى أوّلا إنشاء السّماوات و الأرض،و ذكر أنّ جميع ذلك و ما فيهما ملكه،ذكر تعالى صفة العلم،و أنّ علمه لا يغيب عنه شيء.(6:226)

أبو السّعود :أي ما وراء التّراب،و ذكره مع دخوله تحت ما في الأرض لزيادة التّقرير.(4:269)

البروسويّ: [حكى كلام الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قال بعضهم:أراد الثّرى الّذي تحت الصّخرة،الّتي عليها الثّور،الّذي تحت الأرض،و لا يعلم ما تَحْتَ الثَّرى إلاّ اللّه تعالى،كما لا يعلم أحد ما فوق السّدرة إلاّ هو،أي الّذي هو التّراب الرّطب،مقدار خمسمائة عام تحت الأرض،و لو لا ذلك لأحرقت النّار الدّنيا و ما فيها، كما في«إنسان العيون».(5:366)

الطّباطبائيّ: المراد ب ما تَحْتَ الثَّرى: ما في جوف الأرض دون التّراب.(14:122)

6- ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما. التّحريم:10

الشّريف الرّضي: هذه استعارة،لأنّ وصف المرأة بأنّها تحت الرّجل ليس يراد به حقيقة الفوق و التّحت، و إنّما المراد أنّ منزلة المرأة منخفضة عن منزلة الرّجل، لقيامه عليها،و غلبته على أمرها،كما قال سبحانه:

اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ النّساء:34،و كما يقول القائل:فلان الجنديّ تحت يدي فلان الأمير،إذا كان من شحنة عمله،أو متصرّفا على أمره،و كما يقول الآخر:لا آخذ رزقي من تحت يدي فلان،إذا كان هو الّذي يلي إطلاق رزقه،و توفية مستحقّة،و ذلك مشهور في كلامهم.(تلخيص البيان:338)

الشّربينيّ: جملة مستأنفة كأنّها مفسّرة لضرب المثل،و لم يأت بضميرها فيقال:تحتهما،أي تحت نوح و لوط،و لما قصد من تشريفهما بهذه الإضافة الشّريفة.

[ثمّ استشهد بشعر](4:334)

ص: 668

البروسويّ: بيان لحالهما الدّاعية لهما إلى الخير و الصّلاة،و المراد بكونهما تحتهما:كونهما في حكمهما، و تصرّفهما بعلاقة النّكاح و الزّواج.و(صالحين)صفة (عبدين)أي كانتا تحت نكاح نبيّين،و في عصمة رسولين عظيمي الشّأن،متمكّنتين من تحصيل خير الدّنيا و الآخرة،و حيازة سعادتهما.و إظهار العبدين المراد بهما نوح و لوط،لتعظيمهما بالإضافة التّشريفيّة إلى ضمير التّعظيم و الوصف بالصّلاح،و إلاّ فيكفي أن يقول:

تحتهما،و فيه بيان شرف العبوديّة و الصّلاح.(10:68)

نحوه الآلوسيّ.(28:162)

تحتها

1- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... البقرة:25

مسروق:إنّ أنهار الجنّة تجري في غير أخدود.

(أبو السّعود 1:94)

ابن عبّاس: من تحت شجرها و مساكنها.(6)

مثله البغويّ(1:94)،و الخازن(1:34)، و الشّربينيّ(1:37)،و الكاشانيّ(1:89).

الماورديّ: يعني من تحت الشّجر.(1:86)

ابن عطيّة :معناه من تحت الأشجار الّتي يتضمّنها ذكر الجنّة.

و قيل:قوله:(من تحتها)معناه بإزائها،كما تقول:

داري تحت دار فلان،و هذا ضعيف.(1:108)

القرطبيّ: أي من تحت أشجارها،و لم يجر لها ذكر، لأنّ الجنّات دالّة عليها.(1:239)

نحوه البيضاويّ(1:37)،و شبّر(1:81)

النّسفيّ: الجملة في موضع النّصب صفة ل(جنّات)، و المراد من تحت أشجارها،كما ترى الأشجار النّابتة على شواطئ الأنهار الجارية،و أنهار الجنّة تجري في غير أخدود.(2:33)

أبو حيّان :قيل:المعنى في تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أي بأمر سكّانها و اختيارهم،فعبّر ب(تحتها)عن قهرهم لها و جريانها على حكمهم،كما قيل:في قوله تعالى حكاية عن فرعون: وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أي بأمري و قهري.

و هذا المعنى لا يناسب إلاّ لو كانت التّلاوة:«أنّ لهم جنّات تجري من تحتهم»فيكون نظير«من تحتي»،إذا جعل على حذف مضاف،أي من تحت أهلها،استقام المعنى الّذي ذكر أنّه لا يناسب؛إذ ليس المعنى بأمر الجنّات و اختيارها.

و قيل:المعنى في(من تحتها):من جهتها.

و قد روي عن مسروق:أنّ أنهار الجنّة تجري في غير أخاديد،و أنّها تجري على سطح أرض الجنّة منبسطة.و إذا صحّ هذا النّقل فهو أبلغ في النّزهة،و أحلى في المنظر،و أبهج للنّفس،فإنّ الماء الجاري ينبسط على وجه الأرض جوهره،فيحسن اندفاعه و تكسّره، و أحسن البساتين ما كانت أشجاره ملتفّة؛و ظلّه ضافيا و ماؤه صافيا منسابا على وجه أرضه،لا سيّما الجنّة حصباؤها الدّرّ و الياقوت و اللّؤلؤ،فتتكسّر تلك المياه على ذلك الحصى،و يجلو صفاء الماء بهجة تلك الجواهر، و تسمع لذلك الماء المتكسّر على تلك اليواقيت و الّلئالئ

ص: 669

له خريرا.(1:112)

أبو السّعود :في حيّز النّصب على أنّه صفة جنّات؛ فإن أريد بها الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر، و إن أريد بها الأرض المشتملة عليها فلا بدّ من تقدير مضاف،أي من تحت أشجارها،و إن أريد بها مجموع الأرض و الأشجار فاعتبار التّحتيّة،بالنّظر إلى الجزء الظّاهر المصحّح لإطلاق اسم الجنّة على الكلّ.

(1:94)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:إنّ«تحت»بمعنى جانب كداري تحت دار فلان، و ضعّف كالقول:من تحت أوامر أهلها.و قيل:منازلها.

و إن أريد مجموع الأرض و الأشجار فاعتبار التّحتيّة، -كما قيل-بالنّظر إلى الجزء الظّاهر المصحّح لإطلاق الجنّة على الكلّ...(1:202)

[و مثلها ما جاء في سائر الآيات]

2- فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. مريم:24

الحسن :ناداها جبريل عليه السّلام،و كان في بقعة من الأرض أخفض من البقعة الّتي كانت عليها،و أقسم على ذلك.(الآلوسيّ 16:82)

قتادة :أي من تحت النّخلة.(الطّبريّ 16:68)

الكلبيّ: من أسفل منها في الأرض،و هي فوقه على رأسه.(الماورديّ 3:365)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و العراق فَناداها مِنْ تَحْتِها بمعنى:

فناداها جبرائيل من بين يديها،على اختلاف منهم في تأويله.فمن متأوّل منهم إذا قرأه (مِنْ تَحْتِهَا) كذلك،و من متأوّل منهم أنّه عيسى،و أنّه ناداها من تحتها بعد ما ولدته.

و قرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة و البصرة (فنادها من تحتها) بفتح التّاءين من تحت؛بمعنى:فناداها الّذي تحتها،على أنّ الّذي تحتها عيسى،و أنّه الّذي نادى أمّه.

[إلى أن قال:]

فإذا كان ذلك هو الصّواب من التّأويل الّذي بيّنّا، فبيّن أنّ كلتا القراءتين،أعني(من تحتها)بالكسر،و(من تحتها)بالفتح صواب.و ذلك أنّه إذا قرئ بالكسر،كان في قوله: فَناداها ذكر من عيسى،و إذا قرئ(من تحتها)بالفتح،كان الفعل ل(من)و هو عيسى،فتأويل الكلام إذن:فناداها المولود من تحتها:أن لا تحزني يا أمّه...(16:67)

نحوه أبو زرعة(441)،و القيسيّ(2:52).

الزّجّاج :و تقرأ (من تحتها) و هي أكثر بالكسر في القراءة،و من قرأ (من تحتها) عنى عيسى عليه السّلام،و يكون المعنى في مناداة عيسى لها:أن يبيّن اللّه لها الآية في عيسى،و أنّه أعلمها أنّ اللّه عزّ و جلّ سيجعل لها في النّخلة آية.و من قرأ (من تحتها) عنى به الملك.

(3:325)

الفارسيّ: ليس المراد بقوله:(من تحتها)الجهة السّفلى،و إنّما المراد:من دونها،بدلالة قوله: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، و لم يكن النهر محاذيا لهذه الجهة، و إنّما المعنى جعل دونك.(الطّوسيّ 7:116)

ص: 670

نحوه الطّبرسيّ.(3:59)

الماورديّ: من بطنها،قاله بعض المتكلّمين، بالقبطيّة.(2:365)

الزّمخشريّ: قيل:(تحتها)أسفل من مكانها، كقوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ البقرة:25.

و قيل:كان أسفل منها تحت الأكمة،فصاح بها:

لا تحزني.(2:507)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله:(من تحتها)فإن حملناه [المنادي]على الولد فلا سؤال،و إن حملناه على الملك ففيه وجهان:

الأوّل:أن يكونا معا في مكان مستو،و يكون هناك مبدأ معيّن لتلك النّخلة هاهنا،فكلّ من كان أقرب منها كان فوق،و كلّ من كان أبعد منها كان تحت.و فسّر الكلبيّ قوله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الأحزاب:10،بذلك،و على هذا الوجه قال بعضهم:إنّه ناداها من أقصى الوادي.

و الثّاني:أن يكون موضع أحدهما أعلى من موضع الآخر،فيكون صاحب العلوّ فوق صاحب السّفل؛و على هذا الوجه روي عن عكرمة أنّها كانت حين ولدت على مثل رابية.

و فيه وجه ثالث:يحكى عن عكرمة،و هو أنّ جبريل عليه السّلام ناداها من تحت النّخلة.

ثمّ على التّقديرات الثّلاثة يحتمل أن تكون مريم قد رأته و أنّها ما رأته،و ليس في اللّفظ ما يدلّ على شيء من ذلك.(21:204)

البروسويّ: من مكان أسفل منها تحت الأكمة، و قال في«القصص»:من تحت النّخلة.و في«الأسئلة المقحمة»قرئ بفتح الميم،يعني به عيسى،لمّا خرج من البطن ناداها أَلاّ تَحْزَنِي. (5:327)

الآلوسيّ: و ينبغي أن يكون المراد به جبريل عليه السّلام، ليوافق ما روي عنه أوّلا.و معنى(من تحتها):من مكان أسفل منها،واقفا تحت الأكمة الّتي صعدتها مسرعة.[ثمّ نقل قول الحسن و قال:]

و لعلّه إنّما كان موقفه عليه السّلام هناك إجلالا لها،و تحاشيا من حضوره بين يديها في تلك الحال.و القول بأنّه عليه السّلام كان تحتها يقبل الولد،ممّا لا ينبغي أن يقال،لما فيه من نسبة ما لا يليق بشأن أمين وحي الملك المتعال.

و قيل:ضمير(تحتها)للنّخلة،و استظهر أبو حيّان كون المنادي عيسى عليه السّلام،و الضّمير لمريم و الفاء فصيحة، أي فولدت غلاما فأنطقه اللّه تعالى حين الولادة،فناداها المولود من تحتها.

و روي ذلك عن مجاهد و وهب و ابن جبير و ابن جرير و ابن زيد و الجبّائيّ،و نقله الطّبرسيّ عن الحسن أيضا.[ثمّ نقل القراءات نحو ما تقدّم عن الطّبريّ]

(16:82)

الطّباطبائيّ: [له كلام سيأتي في«ن د ي»]

(14:43)

تحتهم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ.

يونس:9

ص: 671

مسروق:أنهار الجنّة تجري في غير أخدود.

(الماورديّ 2:424)

أبو مالك: من تحت منازلهم.(الماورديّ 2:424)

الطّبريّ: يقول:تجري من تحت هؤلاء المؤمنين- الّذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم-أنهار الجنّة.

فإن قال قائل:و كيف قيل: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ، و إنّما وصف جلّ ثناؤه أنهار الجنّة في سائر القرآن أنّها تجري تحت الجنّات،و كيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم،إلاّ أن يكونوا فوق أرضها،و الأنهار تجري من تحت أرضها،و ليس ذلك من صفة أنهار الجنّة، لأنّ صفتها أنّها تجري على وجه الأرض،في غير أخاديد؟

قيل:إنّ معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت،و إنّما معنى ذلك:تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النّعيم،و ذلك نظير قول اللّه: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مريم:24،و معلوم أنّه لم يجعل السّريّ تحتها،و هي عليه قاعدة؛إذ كان السّريّ هو الجدول، و إنّما عنى به:جعل دونها،بين يديها،و كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل فرعون: أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي الزّخرف:51.(11:89)

نحوه الماورديّ(2:424)،و الطّوسيّ(5:394).

الفارسيّ: من تحت بساتينهم و أسرّتهم و قصورهم.

(الطّوسيّ 5:395)

نحوه البروسويّ(4:19)،و المراغيّ(11:71).

البغويّ: أي بين أيديهم،كقوله عزّ و جلّ: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مريم:24،لم يرد به أنّه تحتها و هي قاعدة عليه،بل أراد بين يديها.

و قيل:تجري من تحتهم،أي بأمرهم.(2:411)

ابن عطيّة :يريد من تحت علياتهم و غرفهم، و ليس التّحت الّذي هو بالمماسّة،بل يكون إلى ناحية من الإنسان،كما قال تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مريم:24،و كما قال حكاية عن فرعون: وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي الزّخرف:51.(3:107)

نحوه أبو حيّان.(5:127)

القرطبيّ: قيل:في الكلام«واو»محذوفة،أي و تجري من تحتهم،أي من تحت بساتينهم.

و قيل:من تحت أسرّتهم،و هذا أحسن في النّزهة و الفرجة.(8:312)

أبو السّعود :أي بين أيديهم،كقوله سبحانه:

وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، و هم على(سرر مرفوعة و أرائك مصفوفة).و الجملة مستأنفة أو خبر ثان ل(إنّ)،أو حال من مفعول(يهديهم)على تقدير كون المهدى إليه ما يريدونه في الجنّة كما قيل.

و قيل:يهديهم و يسدّدهم للاستقامة على سلوك السّبيل المؤدّي إلى الثّواب و الجنّة،و قوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ جار مجرى التّفسير و البيان،فإنّ التّمسّك بحبل السّعادة في حكم الوصول إليها.

(3:216)

و بهذا المعنى جاء كلمة(تحتهم)في سورة الكهف:31

تحتى

وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ.

الزّخرف:51

ص: 672

الضّحّاك: أي القوّاد و الجبابرة يسيرون تحت لوائي.(الماورديّ 5:230)

الحسن :بأمري.(البغويّ 4:164)

قتادة :كانت جنّات و أنهارا تجري من تحت قصره.

(الماورديّ 5:230)

بين يديّ،في جناني و بساتيني.(البغويّ 4:164)

نحوه ابن الجوزيّ(7:321)،و الفخر الرّازيّ(27:

218).

الطّبريّ: من بين يديّ في الجنان.(25:80)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:[قول قتادة و قد تقدّم]

و قيل:من تحت سريره.

الثّاني:أنّه أراد النّيل يجري من تحتي،أي أسفل منّي.

الثّالث:[قول الضّحّاك و قد تقدّم]

و يحتمل رابعا:أنّه أراد بالأنهار:الأموال،و عبّر عنها بالأنهار لكثرتها و ظهورها،و قوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أي أفرّقها على من يتبعني،لأنّ التّرغيب و القدرة في الأموال في الأنهار.(5:230)

الطّوسيّ: أي من تحت أمري.و قيل:إنّها كانت تجري تحت قصره و هو مشرف عليها.(9:207)

مثله الطّبرسيّ.(5:51)

نحوه البغويّ(4:164)،و الخازن(6:115)، و البروسويّ(8:377)،و شبّر(5:426)

القرطبيّ: قيل:من تحت سريره،و قيل:(من تحتى)أي تصرّفي نافذ فيها من غير صانع.و قيل:كان إذا أمسك عنانه أمسك النّيل عن الجري.(16:98)

الآلوسيّ: [نقل بعض الأقوال السّابقة و أضاف:] و معنى كونهم يجرون من تحته أنّهم يسيرون تحت لوائه و يأتمرون بأمره،و قد أبعد جدّا.(26:89)

الطّباطبائيّ: أي من تحت قصري،أو من بستاني الّذي فيه قصري المرتفع العالي البناء.و الجملة-أعني قوله: وَ هذِهِ الْأَنْهارُ... -حاليّة،أو وَ هذِهِ الْأَنْهارُ... معطوف على مُلْكُ مِصْرَ، و قوله:

تَجْرِي مِنْ تَحْتِي حال من(الأنهار)،و(الأنهار):أنهار النّيل.(18:110)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب تَجْرِي مِنْ تَحْتِي لا يعني أنّ نهر النّيل يمرّ من تحت قصري،كما قال ذلك جمع من المفسّرين،لأنّ نهر النّيل كان أعظم من أن يمرّ من تحت قصر فرعون،و إن كان المراد أنّه كان يمرّ بمحاذاة قصره،فإنّ كثيرا من قصور مصر كانت على هذه الحال،و كان أغلب العمران على حافّتي هذا الشّطّ العظيم،بل المراد أنّ هذا النّهر تحت أمري،و نظام تقسيمه على المزارع و المساكن حسب التّعليمات الّتي أريدها.(16:69)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«التّحت»،أي السّفول، و يستعمل ظرفا فيعرب حينئذ،مثل:هذا تحت هذا، و اسما مثل:هذا رجل تحت سافل،فيبنى على الضّمّ.

و جمعه:تحوت؛يقال:قوم تحوت،أي أرذال سفلة،و في الحديث:«لا تقوم السّاعة حتّى تظهر التّحوت و يهلك الوعول».و النّسبة إليه«تحتانيّ»كما ينسب إلى«فوق»،

ص: 673

فيقال:فوقانيّ.

2-و ليس لهذا اللّفظ فعل،بخلاف ألفاظ الجهات السّتّ الأخرى،و هي:الأسفل،و الأعلى،و الفوق، و الأمام،و القدّام،و اليمين،و اليسار،و الشّمال.

و أمّا«الوراء»فإنّه إن كان من«و ر ء»-كما ذهب إليه البصريّون-فهو مثل«تحت»لا فعل له،و إن كان من «وري»-كما قال به الكوفيّون و الجوهريّ-ففعله:

ورّيت الخبر تورية:سترته و أظهرت غيره.

و لو قدّر للفظ«تحت»فعل لكان قياسه:تحت يتحت تحتا،إلاّ أنّه اقتصر على لفظه و جمعه و اتّصاله ب«أل»، و استعمال حرف الجرّ«من»معه اسما و ظرفا،فيقال من الأوّل:جئتك من تحت النّاس،أي من أراذلهم و سفلتهم،و من الثّاني قوله تعالى: وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المائدة:66.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«تحت»ظرفا مضافا إلى ما بعده،مجرورا ب«من»غالبا،و بدونها منصوبا،أو مبنيّا على الفتح(51) مرّة في(50)آية:

1- وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ المائدة:66

2- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ الأنعام:65

3- يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ العنكبوت:55

4- لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ الزّمر:16

5- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ فصّلت:29

6- لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:18

7- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى طه:6

8- وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً... الكهف:82

9- فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مريم:24

10- ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ.

التّحريم:10

11- وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ

الزّخرف:51

12- ...وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ

الأنعام:6

13- أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ

ص: 674

وَ أَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... البقرة:266

للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار:

14- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... البقرة:25

15- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً...

النّساء:57

16- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً...

النّساء:122

17- وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ إبراهيم:23

18- وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى* جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى

طه:75،76

19- إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ

الحجّ:14

20- إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... الحجّ:23

21- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ العنكبوت:58

22- إِنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النّارُ مَثْوىً لَهُمْ محمّد:12

23- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّغابن:9

24- رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً

الطّلاق:11

25- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

البروج:11

26- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* أُولئِكَ لَهُمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ... الكهف:30،31

27- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً البيّنة:7،8

28- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ... الأعراف:42،43

29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ

ص: 675

رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ

يونس:9

و لمن آمن باللّه و اليوم الآخر:

30- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ... أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها... المجادلة:22

و للمؤمنين و المؤمنات:

31- وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ... التّوبة:72

32- لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزاً عَظِيماً الفتح:5

33- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الحديد:12

و للّذين يقيمون الصّلاة و يؤتون الزّكاة:

34- وَ قالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكاةَ... لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ المائدة:12

و للصّالحين:

35- ...وَ نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ* فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

المائدة:84،85

و للمتّقين:

36- قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها... آل عمران:15

37- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ آل عمران:198

38- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الرّعد:35

39- ...وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ* جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30،31

40- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللّهِ لا يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعادَ الزّمر:20

و للمجاهدين،و المهاجرين،و الأنصار،و التّابعين لهم بإحسان:

41- ...فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195

42- لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ... أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

ص: 676

التّوبة:88،89

43- تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الصّفّ:11،12

44- وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة:100

و للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

45- تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً

الفرقان:10

و لمن يطيع اللّه و الرّسول:

46- وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً

الفتح:17

47- تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ النّساء:13

و للصّادقين:

48- قالَ اللّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ المائدة:119

و للتّائبين:

49- وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ... أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ آل عمران:135،136

50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ التّحريم:8

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات قسمان:قسم جاء فيه «تحت»بمعناه اللّغويّ حقيقة،أي«السّفول»مقابل «الفوق»،و قسم أريد به السّعة و الإحاطة و نحوهما تجوّزا،و هو قليل.و كلّ ذلك في مواضيع:

الأوّل:تحت الأرجل أو الأقدام،في أربع آيات:1- 3 و 5 على اختلافها وعدا و وعيدا:

فالأولى:وعد لليهود و النّصارى بأنّهم لو أقاموا التّوراة و الإنجيل-أي عملوا بهما-لأكلوا من فوقهم،أي لوسّع اللّه عليهم الرّزق،و بارك لهم في مآكلهم و معايشهم.

و الثّانية:وعيد للنّاس بأنّ اللّه قادر على أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم،أي يحيط بهم العذاب.و هاتان خاصّتان بالدّنيا وعدا و وعيدا.

و الثّالثة:وعيد للكفّار في الآخرة بإحاطة العذاب لهم،و قوله:(يغشيهم)صريح في ذلك.

كذلك الرّابعة:وعيد للكفّار في الآخرة بدون ذكر الأجل.

و الخامسة:جاءت في الآخرة كذلك؛حيث تمنّى

ص: 677

الكفّار ليجعلوا من أضلّهم من الجنّ و الإنس تحت أقدامهم انتقاما منهم.

و في هذه الآيات بحوث:

1-المتبادر من الأربع الأولى إحاطة النّعمة أو العذاب لأهلهما،و أنّ«الفوق»و«التّحت»فيها كناية عن الأطراف السّتّة،لو أريد بها الإحاطة الجسمانيّة،أو شمول النّعمة و العذاب لهم من كلّ طريق لو أريد بها تعميم النّعمة و العذاب بأيّ نحو كان،و هو الأقرب.

و اختاره الطّبرسيّ في(1)فقال(3:441):«و قيل:إنّ المعنى التّوسعة،كما يقال:فلان في الخير من قرنه إلى قدمه،أي يأتيه الخير من كلّ جهة يلتمسه منها»،ثمّ ذكر نظيرا لها من الآيات.

بيد أنّه قال في صدر كلامه:«لأكلوا من فوقهم بإرسال السّماء عليهم مدرارا،و من تحت أرجلهم بإعطاء الأرض خيرها و بركتها...و قيل:المراد لأكلوا ثمار النّخيل و الأشجار من فوقهم،و الزّرع من تحت أرجلهم».

و حكى في(2)وجوها،فقال(4:83):(من فوقكم):الصّيحة و الحجارة و الطّوفان و الرّيح،كما فعل بعاد... وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ: الخسف كما فعل بقارون، أو من قبل كباركم و سفلتكم،أو من قبل السّلاطين الظّلمة و العبيد السّود»،و هذه معان حرفيّة يأباها السّياق.

و قال في(3)أيضا(8:37):(يغشيهم العذاب)أي «يحيط بهم»،لا أنّه يصل إلى موضع منهم دون موضع، فلا يبقى جزء منهم،إلاّ و هو معذّب في النّار،كقوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ الأعراف:41.

و قال في(4)(4:493)(من فوقهم ظلل)أي سرادقات و أطباق من النّار و دخانها و(من تحتهم ظلل)أي فرش[إلى أن قال:]...و المراد أنّ النّار تحيط بجوانبهم.

2-جاء«فوق»و«تحت»معا متقابلين في هذه الآيات الأربع،و أريد بها الإحاطة،أو المعنى اللّغويّ، و هو الأقرب.و كذلك في(40): لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الزّمر:20،و هي متعيّنة في المعنى اللّغويّ،إلاّ أنّهما ليسا متقابلين،بل فيهما إيهام التّقابل،لاحظ«ب ن ي»:(مبنيّة).

3-و المتبادر من(5)معناها اللّغويّ،فإنّ جعل الخصوم تحت الأقدام كانت عادة شائعة بين الملوك،ففي بلاد فارس جعل«داريوس»-ثاني ملوك السّلسلة الأخمينيّة في جبل«بيستون»الواقع بين همدان و كرمانشاه-خصمه الّذي خانه و اغتصب عرشه تحت قدميه كما جاء في النقش هناك.

أو المراد بها إذلالهما و تحقيرهما،و هو مجاز شائع، و قد اختير في هذه لفظ«الأقدام»بدل«الأرجل»،لأنّها أظهر بالإهانة و الإذلال الخاصّ بها،دون الثّلاث الأولى؛ حيث كان المراد بها الإحاطة دون الإذلال.و قد حكى الفخر الرّازيّ عن بعض تلامذته تأويلا لهذه الآية، فلاحظ.

الثّاني:تحت شيء كالشّجرة و الجدار في(6-8)، و أريد بها المعنى اللّغويّ:

و(تحت الشّجرة)في(6)تحكي لنا تلك المعاهدة المباركة الّتي انعقدت بحضور النّبيّ عليه السّلام في الحديبيّة،

ص: 678

و وقعت هناك بيعة الرّضوان،و انتهت إلى الصّلح الّذي نزلت فيه سورة الفتح.و للشّجرة ذكر حسن في قضايا الأنبياء كموسى و عيسى و أمّه مريم و محمّد عليهم السّلام،لاحظ «ش ج ر».

و(تحت الثّرى)في(7)أي تحت الأرض،ذكرت بدلها رعاية لرويّ الآيات في سورة«طه».

الثّالث:تحت شخص أو أشخاص في(9-11):

(من تحتها)في(9)أي فرجها،كنّي عنه أدبا و حذرا من ذكر القبيح،و المنادى إمّا ولدها عيسى-و هو الأقرب-أو جبرئيل،و كلاهما مذكور قبلها.و أيّا كان فهو معجزة لعيسى،أزالت الحزن عن أمّه.

و الضّمير في(تحتها)لمريم،لا للنّخلة-كما قيل- لتناسق الضّميرين معا،و لما بعدهما تَحْتَكِ سَرِيًّا، و المراد به جريان النّهر الّذي لم يكن فيه ماء.و هذه معجزة أخرى من اللّه تسكينا لنفسها،لأنّها كانت خائفة من تهمة الفحشاء؛حيث قالت: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا مريم:23.

و في(10):(تحت عبدين)،أي كانتا زوجين لها، و أريد ب(تحت)هنا سيطرة الزّوج على المرأة،كما هي تحته عند الجماع.

و في(11)حكاية عن فرعون: وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، أي من تحت قصري،إعلاما ببسط قدرته عليها،و قيل:تحت أمري،و هو بعيد.

الرّابع:جنّات تجري تحتها الأنهار،و هي باقي الآيات(12)إلى(50)،و«تحت»فيها جميعا بمعناها اللّغويّ،كما سيأتي بتفصيل.

ثانيا:هذه الآيات قسمان:قسم خاصّ بالدّنيا في (12-14)،و في(12): تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ، أي من تحت بيوتهم،و السّرّ فيه أنّ الجنّات لم تذكر فيها،فجاء (تحتهم)،أي من تحت جنّتهم في الدّنيا؛و هذه الثّلاث خاصّة بالدّنيا.أمّا سائر الآيات فراجعة إلى جنّات الآخرة.

ثالثا:المراد ب جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ما في الجنّات من أشجارها و ثمارها،و الأنهار تجري من تحتها،لا من تحت أرضها؛إذ لا حظّ فيها للعيون،و ربّما لا تفيد الأشجار أيضا،فجريان الأنهار تحت الأشجار شرب لها من جهة،و حظّ للعيون من جهة أخرى.فإذا جرت تحت الأشجار فقد جرت تحت القصور و البيوت المشرفة عليها،و كانت تلك عادة قديمة في بناء القصور و البيوت المشرفة على الأنهار و البحار تمتّعا برؤيتها،قال الشّاعر:

ثلاثة يذهبن عن قلبي الحزن

الماء و الخضراء و الوجه الحسن

و قد جمعها اللّه لأهل الجنّة،فهذان مذكوران في هذه الآيات،و الحور و الغلمان مذكوران خلالها.و جريان الأنهار فيها استعارة من جريان مائها مبالغة،أي يجري فيها الماء دائما و بشدّة،و كأنّ الأنهار هي الّتي تجري، لاحظ«ن ه ر»و«ج ر ي».

رابعا:جاء فيها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ مع (من)،و في(44): (تَجْرِي تَحْتَهَا) بدون(من)،فهل في هذا نكتة؟

قال الطّبرسيّ(5:12):«قرأ ابن كثير وحده(من

ص: 679

تحتها)بزيادة(من)،و كذلك هو في مصاحف مكّة،و قرأ الباقون(تحتها)بغير(من)،و عليه سائر المصاحف، و المعنى واحد»،و نحوه الزّمخشريّ(2:21).

و قال الآلوسيّ(11:9):«قرأ ابن كثير (من تحتها) ، و أكثر ما جاء في القرآن،موافق لهذه القراءة».

و عليه فهي قراءة لا تهدينا إلى ضالّتنا المنشودة، و الّذي يجدر بالبحث هنا معنى(من)فيها،أ هي للابتداء؟ مثل:سرت من البصرة إلى الكوفة،أو بمعنى«في»؟أي تجري في تحتها الأنهار،أو للتّبعيض؟أي تجري الأنهار تحت بعضها،و هو الأقرب،لأنّ الأنهار إذا جرت تحت الجميع فهي بحار لا أنهار،و هو الّذي نراه بالفعل من جريان الأنهار تحت الأشجار في ناحية من الجنّات دون استيعابها.

خامسا:جاء في الآيات (مِنْ تَحْتِهَا) ،و في(29):

(مِنْ تَحْتِهِمُ) ،مع أنّها كغيرها في وصف أهل الجنّة، و السّرّ فيها تقديم (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) ،و الفصل بينها و بين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) بقوله: هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ. فأرجع الضّمير إليهم،لأنّهم أقرب بها من(الجنّة)،فالسّؤال ينبغي أن يوجّه إلى سرّ تغيير سياق هذه الآية و انفرادها عن غيرها،لا إلى تبديل(تحتها)ب(تحتهم).

و السّرّ فيه-و اللّه أعلم-أنّ الآية وصف لهم أوّلا بقوله: (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها) ،تنبيها على أنّ (الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ) يجزون بقدر ما كلّفوا،أي حسب وسعهم لا أكثر،ثمّ نبّه على خلودهم في الجنّة و نزع ما في صدورهم من غلّ،و أخّر (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) تقديما لما هو الأهمّ بالذّكر و تأخيرا لغيره.

و هناك مزيّة أخرى خاصّة بها،و هي أنّها عبّرت أنّها عنهم ب (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) جريا على ما تكرّر في هذه السّورة-الأعراف-من التّقابل بين أصحاب الجنّة و أصحاب النّار،كسورة البقرة و الحشر و غيرهما، لاحظ«ص ح ب»: (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) .

سادسا:جاءت(جنات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) جزاء للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات-و هو الأكثر- و المؤمنين و المؤمنات،و المتّقين و المجاهدين و المهاجرين، و الأنصار و التّابعين،و الصّادقين،و المصلّين،و المؤتين للزّكاة،و التّائبين و المستغفرين،و للنّبيّ و لمن يطع اللّه و رسوله.

ص: 680

ت ر ب

اشارة

7 ألفاظ،22 مرّة:18 مكّيّة،4 مدنيّة

في 18 سورة:14 مكّيّة،4 مدنيّة

تراب 7:4-3 أتراب 1:1

التّراب 1:1 التّرائب 1:1

ترابا 9:8-1 متربة 1:1

أترابا 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّراب و التّرب واحد،و إذا أنّثوا قالوا:

تربة.

و أرض طيّبة التّربة،أي خلقة ترابها،فإذا أردت طاقة واحدة،قلت:ترابة واحدة،و لا تدرك بالبصر إلاّ بالتّوهّم.

و لحم ترب،إذا تلوّث بالتّراب،و منه حديث عليّ عليه السّلام:«لئن وليت بني أميّة لأنفضنّهم نفض القصّاب الوذام التّربة».

و ترّبت الكتاب تتريبا.

و التّيرب:التّراب.

و قوله:و هذا الشّيء عليك ترتب،أي واجب.

و أترب الرّجل،إذا كثر ماله.

و في الحديث:«تربت يداك»أي هو الفقر.و ترب، إذا خسر،و أترب:استغنى.

و التّرباء:نفس التّراب،قال:لأضربنّه حتّى يعضّ بالتّرباء.

و ريح تربة:حملت ترابا.

و في الحديث:«خلق اللّه التّربة يوم السّبت،و خلق فيها الجبال يوم الأحد،و الشّجر يوم الاثنين».

و التّرب و التّريب:اللّدة،و هما تربان،و قوله عزّ و جلّ: عُرُباً أَتْراباً الواقعة:37،أي نشاطا أمثالا.

و التّريبة:ما فوق الثّندوتين إلى التّرقوتين،و قيل:

كلّ عظم منه تريبة،و تجمع:التّرائب.(8:116)

ص: 681

أبو عمرو الشّيبانيّ: التّيرب:التّراب.

(الأزهريّ 14:273)

الفرّاء: التّراب جنس،لا يثنّى و لا يجمع،و ينسب إليه ترابيّ.(الزّبيديّ 1:157)

أبو عبيدة :و هو[مترب]الكثير المال،مثل التّراب كثرة.(ابن السّكّيت:2)

الأصمعيّ: التّرتب:الأمر الثّابت.

(الأزهريّ 14:273)

كلّ ذلول من الأرض و غيرها:تربوت،و كلّ هذا من التّراب.(ابن سيده 9:480)

اللّحيانيّ: جمع التّراب:أتربة و تربان.

(ابن سيده 9:479)

بكر تربوت:مذلّل،فخصّ به البكر،و كذلك ناقة تربوت،و هي الّتي إذا أخذت بمشفرها أو بهدب عينها تبعتك.(ابن سيده 9:480)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«تنكح المرأة لميسمها (1)و لمالها و لحسنها (2)،عليك بذات الدّين، تربت يداك».

قوله:«تربت يداك»فإنّ أصله أنّه يقال للرّجل إذا قلّ ماله:قد ترب،أي افتقر حتّى لصق بالتّراب.و قال اللّه عزّ و جلّ: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ البلد:16،فيرون -و اللّه أعلم-أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يتعمّد الدّعاء عليه بالفقر، و لكن هذه كلمة جارية على ألسنة العرب،يقولونها و هم لا يريدون وقوع الأمر.[إلى أن قال:]

و قال بعض النّاس:بل أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«تربت يداك»نزول (3)الأمر به عقوبة،لتعدّيه ذوات الدّين إلى ذوات الجمال و المال.[إلى أن قال:]

و قال بعض النّاس:إنّ قوله:«تربت يداك»يريد استغنت يداك من الغني.و هذا خطأ لا يجوز في الكلام، إنّما ذهب إلى المترب و هو الغنيّ،فغلط.و لو أراد هذا التّأويل لقال:أتربت يداك،لأنّه يقال:أترب الرّجل، إذا كثر ماله،فهو مترب.و إذا أرادوا الفقر قالوا:ترب يترب.(1:258)

ابن الأعرابيّ: التّرتب بضمّ التّاءين:العبد السّوء و التّرتب:التّراب أيضا.

بفيه (4)التّيرب و التّريب.و يقال:بعير تربوت،إذا كان ذلولا و ناقة تربوت:كذلك.(الأزهريّ 14:273)

رجل ترب:فقير،و رجل ترب:لازق بالتراب من الحاجة،ليس بينه و بين الأرض شيء.

(الأزهريّ 14:274)

ابن السّكّيت :يقال:ما له تربت يداه،إذا دعي عليه بالفقر.و المتربة:الفقر،قال اللّه عزّ ذكره: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ البلد:16.(575)

و هذا جمل تربوت و ناقة تربوت و بعير قيّد،إذا كان ذلولا ينساق.(621)

تقول:قد أترب الرّجل فهو مترب،و أثرى فهو مثر، إذا كثر ماله.و قد ترب،إذا افتقر.(إصلاح المنطق:229)

تربة:واد من أودية اليمن.الأزهريّ 14:275)!!

ص: 682


1- الوسامة.
2- في الهامش عن الزّمخشريّ لحسبها.و كذا هو في الأزهريّ.
3- و في الأصل:يزول،و هو سهو.
4- و في الأصل:بفية!!

و في قوله عليه السّلام:«تربت يمينك»لم يدع عليه بذهاب ماله،و لكنّه أراد المثل،ليري المأمور بذلك الجدّ،و أنّه إن خالفه فقد أساء.(المدينيّ 1:223)

الرّيّاشيّ: التّريبتان:الضّلعان اللّتان تليان التّرقوتين.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:275)

ابن أبي اليمان :التّرب:الخدن.(141)

الدّينوريّ: التّربيّة:حنطة حمراء،و سنبلها أيضا أحمر ناصع الحمرة،و هي رقيقة تنتشر مع أدنى برد أو ريح.(ابن منظور 1:231)

المبرّد: التّتريب:كثرة المال،و التّتريب:قلّة المال أيضا.و أترب الرّجل:إذا ملك عبدا ملك ثلاث مرّات.

(الأزهريّ 14:274)

ابن دريد :و التّربة:ضرب من النّبت،و التّريبة:

مجال (1)القلادة على الصّدر،و الجمع:التّرائب.

و التّرب:اللّدة الّذي ينشأ معك،و الجمع:أتراب.

و ترب الرّجل،إذا افتقر.و أترب،إذا استغنى.

و المتربة:الفقر،و كذلك فسّر في التّنزيل.و يترب:

موضع قريب من اليمامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تربة الأرض:ظاهر ترابها.و تربة الميّت:رمسه، و تجمع التّربة:تربا.

و التّراب و التّيرب و التّورب:كلّه من أسماء التّراب، و قد قالوا:التّرباء و التّرباء في وزن«فعلاء و فعلاء».

و تربان:موضع معروف.و تربة:واد باليمن،لا تدخله الألف و اللاّم.(1:194)

ناقة تربوت:آنسة لا تنفر.(3:417)

نفطويه: [روى الحديث الّذي أورده أبو عبيد:ثمّ قال:]

أراد بقوله:«تربت يداك»إن لم تفعل ما أمرتك به.

(الأزهريّ 14:273)

ابن الأنباريّ: [ذكر الحديث الّذي أورده أبو عبيد ثمّ قال:]

معناه:للّه درّك،إذا استعملت ما أمرتك به،و اتّعظت بعظتي.(الأزهريّ 14:273)

ابن بزرج: قالوا:تربت القرطاس فأنا أتربه تربا، و تربت فلان الإهاب لتصلحه،و تربت السّقاء.و كلّ ما يصلح،فهو متروب.و كلّ ما يفسد،فهو مترّب مشدّد.

(الأزهريّ 14:275)

القاليّ: الأتراب:الأقران.(2:69)

الأزهريّ: [ذكر الحديث الّذي أورده أبو عبيد ثمّ قال:]

ذهب بعض أهل العلم إلى أنّه دعاء على الحقيقة، و قوله في حديث خزيمة:«أنعم صباحا تربت يداك»يدلّ على أنّه ليس بدعاء عليه،بل هو دعاء له،و ترغيب في استعمال ما تقدّمت الوصاة به،أ لا تراه قال:«أنعم صباحا»ثمّ عقّبه:«تربت يداك»و العرب تقول:لا أمّ لك و لا أب لك،يريدون للّه درّك.[ثمّ استشهد بشعر]

قيل:تترّب فلانا تترّبا،إذا تلوّث في التّراب، و ترّب الكتاب تتريبا،و ريح ترب و تربة:قد حملت ترابا.

و قال أهل اللّغة أجمعون:التّرائب:موضع القلادةل.

ص: 683


1- و في الوسيط:المجلة قشرة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل،جمعها:مجال و مجل.

من الصّدر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:273)

الصّاحب:[قال نحو الخليل و أضاف:]

و رأى رجل آخر ينظر إلى إبله و هو يفوق،فقال:

فق بلحم حرباء لا بلحم ترباء.

و تربت يده،أي خسرت،فلم تظفر بشيء.

و ترب:لصق بالتّراب.

و التّربة:بقلة خضراء ملأى ترابا،و شجرة شاكة ثمرتها كأنّها بسرة.

و أترب الرّجل:استغنى؛و هو مترب و تارب.و قوله عزّ و جلّ: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ البلد:16،من ذلك.

و قيل:مضعفة و مذلّة.

و التّربة:الضّعفة و شدّة الحال.

و التّرب:اللّدة،و جمعه:أتراب.و المتاربة،مصاحبة الأتراب.(9:428)

الجوهريّ: التّراب فيه لغات:تراب،و توراب، و تورب،و تيرب،و ترب،و تربة،و ترباء،و تيراب، و تريب،و تريب.و جمع التّراب:أتربة،و تربان.

و التّرباء:الأرض نفسها.

و ترب الشّيء بالكسر:أصابه التّراب،و منه ترب الرّجل:افتقر،كأنّه لصق بالتّراب.يقال:«تربت يداك»و هو على الدّعاء،أي لا أصبت خيرا.

و ترّبت الشّيء تتريبا فتترّب،أي تلطّخ بالتّراب.

و أتربت الشّيء:جعلت عليه التّراب،و في الحديث:

«أتربوا الكتاب،فإنّه أنجح للحاجة».

و أترب الرّجل:استغنى،كأنّه صار له من المال بقدر التّراب.و المتربة:المسكنة و الفاقة،و مسكين ذو متربة، أي لاصق بالتّراب.

و التّربات:الأنامل،الواحدة:تربة.

و ريح تربة أيضا،إذا جاءت بالتّراب.

و التّربة أيضا:نبت.

و تربة،مثال همزة،اسم واد.

و جمل تربوت و ناقة تربوت،أي ذلول،و أصله من التّراب،الذّكر و الأنثى فيه سواء.

و قولهم:هذه ترب هذه،أي لدتها،و هنّ أتراب.

و التّريبة:واحدة التّرائب؛و هي عظام الصّدر ما بين التّرقوة إلى الثّندوة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يترب،بفتح الرّاء:موضع قريب من اليمامة.

(1:90)

ابن فارس :التّاء و الرّاء و الباء أصلان:أحدهما:

التّراب،و ما يشتقّ منه.و الآخر:تساوي الشّيئين.

فالأوّل:التراب،و هو التّيرب و التّوراب،و يقال:

ترب الرّجل،إذا افتقر،كأنّه لصق بالتّراب.و أترب،إذا استغنى،كأنّه صار له من المال بقدر التّراب.و التّرباء:

الأرض نفسها،و يقال:ريح تربة،إذا جاءت بالتّراب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الآخر:فالتّرب:الخدن،و الجمع:أتراب، و منه:التّريب،و هو الصّدر عند تساوي رءوس العظام.

[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:التّربات،و هي الأنامل،الواحدة:تربة.

و ممّا شذّ عن الباب:التّربة،و هو نبت.(1:346)

الثّعالبيّ: لا يقال:ثرى،إلاّ إذا كان نديّا،و إلاّ فهو تراب.(51)

ص: 684

أبو سهل الهرويّ: قد ترب الرّجل بالكسر،إذا افتقر حتّى كأنّه ألصق بالتّراب.و أترب بالألف،إذا استغنى،و صار ماله كالتّراب كثرة.(24)

ابن سيدة :التّرب،و التّراب،و التّرباء،و التّرباء، و التّيرب،و التّيراب و التّورب،و التّوراب،و التّريب، و التّريب،الأخيرة عن كراع،و كلّه واحد.

و جمع التّراب،أتربة،و تربان،عن اللّحيانيّ.و لم يسمع لسائر هذه اللّغات بجمع.و الطّائفة من كلّ ذلك تربة و ترابة.

و تربة الإنسان:رمسه.

و تربة الأرض:ظاهرها.

و أترب الشّيء:وضع عليه التّراب.

و تترّب:لصق به التّراب.

و أرض ترباء:ذات تراب و ثرى.و مكان ترب:

كثير التّراب.و قد ترب تربا.و ريح تربة،على النّسب:

تسوق التّراب.و ترب الرّجل:صار في يده التّراب.

و ترب تربا:لزق بالتّراب،و قيل:لصق بالتّراب من الفقر.و ترب تربا و متربة:خسر و افتقر،فلزق بالتّراب.

و أترب:كثر ماله فصار كالتّراب،هذا الأعرف.

و قيل:أترب:قلّ ماله.و قال اللّحيانيّ:قال بعضهم:

التّرب:المحتاج،و كلّه من التّراب.

و المترب:الغنيّ،إمّا على السّلب،و إمّا على أنّ ماله مثل التّراب.

و في الدّعاء:تربا له و جندلا،و هو من الجواهر الّتي أجريت مجرى المصادر المنصوبة،على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره في الدّعاء،كأنّه بدل من قولهم:تربت يداه و جندلت.

و من العرب من يرفع،و فيه مع ذلك معنى النّصب، كما أنّ في قولهم:رحمة اللّه عليه،معنى رحمه اللّه.و قالوا:

التّراب لك،فرفعوه،و إن كان فيه معنى الدّعاء؛لأنّه اسم و ليس بمصدر.

و ليس في كلّ شيء من الجواهر قيل هذا،و إذا امتنع هذا في بعض المصادر فلم يقولوا:السّقي لك،و لا الرّعي لك،كانت الأسماء أولى بهذا.و هذا النّوع من الأسماء و إن ارتفع،فإنّ فيه معنى المنصوب.و حكى اللّحيانيّ:

التّراب للأبعد،بالنّصب.قال:فنصب كأنّه دعاء.

و جمل تربوت:ذلول،فإمّا أن يكون من التّراب لذلّته،و إمّا أن تكون التّاء بدلا من الدّال في«دربوت» و هو مذهب سيبويه،و قد تقدّم ذلك في حرف الدّال.

و التّرائب:مواضع القلادة من الصّدر،و قيل:

التّرائب:عظام الصّدر،و قيل:ما ولي التّرقوتين منه، و قيل:ما بين الثّديين و التّرقوتين،و قيل:التّرائب:أربع أضلاع من يمنة الصّدر،و أربع من يسرته.

و قوله:عزّ و جلّ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:7،قيل:التّرائب:ما تقدّم،و قيل:

التّرائب:اليدان و الرّجلان و العينان،واحدتها:تريبة.

و تريبة البعير:منحره.

و التّراب:أصل ذراع الشّاة،أنثى.و به فسّر قول عليّ:«لئن وليت لأنفضنّهم نفض القصّاب التّراب الوذمة».و عنى بالقصّاب هنا السّبع،حكاه الهرويّ في «الغريبين».

ص: 685

و التّرب:اللّدة و السّنّ،و قيل:ترب الرّجل:الّذي ولد معه.و أكثر ما يكون ذلك في المؤنّث،يقال:هي تربها،و الجمع:أتراب.

و تاربتها:صارت تربها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: عُرُباً أَتْراباً الواقعة:37،فسّره ثعلب فقال:الأتراب هنا:الأمثال،و هو حسن؛إذ ليست هناك ولادة.

و التّربة،و التّربة،و التّرباء:نبت سهليّ مفرّض الورق.و قيل:هي شجرة شاكة،و ثمرتها كأنّها بسرة معلّقة،منبتها السّهل و الحزن و تهامة.و قال أبو حنيفة:

التّربة:خضراء تسلح عنها الإبل.

و تربة،و التّربة،و التّرباء،و تربان،و أتارب، و يترب:مواضع.

و تربة:موضع من بلاد بني عامر ابن مالك،و من أمثالهم:«عرف بطني بطن تربة»يضرب للرّجل يصير إلى الأمر الجليّ بعد الأمر الملتبس.و المثل لمالك بن عامر أبي البراء.

و التّربيّة:حنطة حمراء،و سنبلها أيضا أحمر ناصع الحمرة،و هي رقيقة تنتثر من أدنى برد أو ريح،حكاه أبو حنيفة.(9:479)

الطّوسيّ: التّرب الّذي ينشأ معك.و قيل فيه:

أقوال:منها:للعبهم بالتّراب؛إذ هم صبيان أقران.

و منها:لأنّهم خرجوا إلى عفر التّراب في وقت من الزّمان.و منها لأنّهم على الاشتباه كالتّراب.و قوله:

عُرُباً أَتْراباً الواقعة:37،أي أشباه أمثال.

و التّرائب:عظام الصّدر،واحدها:تريبة.قيل:

لأنّها متشابهة كالأتراب،أو كتشابه التّراب.و منه قوله:

مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:7.(2:336)

نحوه الطّبرسيّ.(1:376)

الرّاغب: و ترب:افتقر،كأنّه لصق بالتّراب،قال:

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ البلد:16،أي ذا لصوق بالتّراب لفقره.

و أترب:استغنى،كأنّه صار له المال بقدر التّراب.

و التّراب:الأرض نفسها،و التّيرب:واحد التّيارب، و التّورب،و التّوراب.

و ريح تربة:تأتي بالتّراب،و منه قوله عليه السّلام:«عليك بذات الدّين تربت يداك»،تنبيها على أنّه لا يفوتنّك ذات الدّين،فلا يحصل لك ما ترومه،فتفتقر من حيث لا تشعر.

و بارح ترب:ريح فيها تراب.

و التّرائب:ضلوع الصّدر،الواحدة:تريبة.[ثمّ ذكر الآيات](74)

الزّمخشريّ: «ت ر ب»أرض طيّبة التّربة.

و وطئت كلّ تربة في أرض العرب،فوجدت تربة أطيب التّرب،و هي واد على مسيرة أربع ليال من الطّائف، و رأيت ناسا من أهلها،و كان عندنا بمكّة التّربيّ:المؤتى بعض مزامير آل داود.

و ترّب الكتاب و أتربه.و لحم ترب:عفّر بالتّراب.

و بارح ترب:يأتي بالسّافياء.و بينهما ما بين الجرباء و التّرباء،و هما السّماء و الأرض.و لأضربنّه حتّى يعضّ بالتّرباء.

و رأى أعرابيّ عيونا ينظر إلى إبله،و هو يفوق فواقا

ص: 686

من شدّة عجبه بها،فقال:فق بلحم حرباء،لا بلحم ترباء،أي أكلت لحم الحرباء،و لا أكلت لحم ناقة تسقط، فتنحر فيتترّب لحمها.

و ترب فلان بعد ما أترب،أي افتقر بعد الغنى،و هما تربان،و هم و هنّ أتراب.

و تاربت الجارية الجارية:خادنتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:«تربت يداك»إذا دعوت،كأنّك تقول:

خبت و خسرت.(أساس البلاغة:37)

التّراب:جمع ترب،تخفيف ترب.(الفائق 1:150)

ابن الشّجريّ: التّرائب:واحدهما:تريبة،و قيل:

تريب،و هو الصّدر.و إنّما جمع اللّبة و التّريبة بما حولهما.

كأنّه سمّي ما يجاور اللّبة:لبة،و ما يجاور التّريبة:تريبة، كما قالوا:شابت مفارقه،و بعير ذو عثانين،و مثل هذا في جمع اللّبة و التّريبة.[ثمّ استشهد بشعر](1:76)

المدينيّ: في الحديث:«احثوا في وجوه المدّاحين التّراب».قيل:أراد به الرّدّ و الخيبة،و هذا كقولهم عند ما يذكر من خيبة الرّجل و خسارة صفقته:لم يحصل في كفّه غير التّراب.[إلى أن قال:]

و كذلك قوله عليه الصّلاة و السّلام لعائشة:«تربت يمينك»أي احتاجت،لأنّه يرى الحاجة خيرا لها من الغنى.و قوله عليه الصّلاة و السّلام لبعض أصحابه:

«ترب نحرك»فقتل الرّجل شهيدا،و هذا أيضا يدلّ على أنّه على ظاهره.[إلى أن قال:]

و روي عن أنس بن مالك قال:لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سبّابا و لا فحّاشا،كان يقول لأحدنا عند المعاتبة:

«ترب جبينه»و هذا أيضا يحتمل أن يريد به السّجود للّه تعالى،دعاء له بكثرة العبادة.

و في حديث عائشة:«كنّا بتربان»،قيل:هو موضع كان كثير المياه،بينه و بين المدينة نحو من خمسة فراسخ.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«لأنفضنّهم نفض القصّاب التّراب الوذمة».

التّراب:جمع،تخفيف«ترب»و الوذمة:المنقطعة الأوذام؛و هي المعاليق،أي كما ينفض اللّحوم الّتي تعفّرت بسقوطها على الأرض،لانقطاع معاليقها.

و يروى:الوذام التّربة.(1:222)

ابن الأثير :«احثوا في وجوه المدّاحين التّراب»، قيل:أراد به الرّدّ و الخيبة،كما يقال للطّالب المردود و الخائب:لم يحصل في كفّه غير التّراب،و قريب منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«و للعاهر الحجر».و قيل:أراد به التّراب خاصّة.

و منه الحديث الآخر:«إذا جاء من يطلب ثمن الكلب فاملأ كفّه ترابا»يجوز حمله على الوجهين.

و في حديث فاطمة بنت قيس:«و أمّا معاوية فرجل ترب لا مال له»أي فقير.

و في حديث عليّ: «لئن وليت بني أميّة لأنفضنّهم نفض القصّاب التّراب الوذمة».التّراب:جمع ترب، تخفيف:ترب،يريد اللّحوم الّتي تعفّرت بسقوطها في التّراب.و الوذمة المنقطعة الأوذام،و هي السّيور الّتي يشدّ بها عرى الدّلو.

قال الأصمعيّ: سألني شعبة عن هذا الحرف، فقلت:ليس هو هكذا،إنّما هو نفض القصّاب الوذام

ص: 687

التّربة،و هي الّتي قد سقطت في التّراب.

و قيل:الكروش كلّها تسمّى تربة؛لأنّها يحصل فيها التّراب من المرتع،و الوذمة،الّتي أخمل باطنها، و الكروش و ذمة،لأنّها مخملة.و يقال لخملها:الوذم.

و معنى الحديث:لئن وليتهم لأطهّرنّهم من الدّنس، و لأطيّبنّهم بعد الخبث.

و قيل:أراد بالقصّاب السّبع،و التّراب:أصل ذراع الشّاة،و السّبع إذا أخذ الشّاة قبض على ذلك المكان،ثمّ نفضها.

و فيه:«خلق اللّه التّربة يوم السّبت»يعني الأرض.

و التّرب و التّراب و التّربة واحد،إلاّ أنّهم يطلقون التّربة على التّأنيث.

و فيه:«أتربوا الكتاب فإنّه أنجح للحاجة»يقال:

أتربت الشّيء،إذا جعلت عليه التّراب.(1:184)

الصّغانيّ: و ريح ترب بلا هاء،إذا جاءت بالتّراب، مثل تربة بالهاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و تريبة مصغّرة:موضع باليمن.

و تربان بالضّمّ:موضع بين الحفير و المدينة،و هي ما بين ملل و الصّلصل.[ثمّ استشهد بشعر]

التّربة:الضّعفة.و المتاربة:مصاحبة الأتراب.

(1:73)

الفيّوميّ: التّرب:وزان«قفل»لغة في التّراب، و ترب الرّجل يترب من باب«تعب»افتقر،كأنّه لصق بالتّراب فهو ترب،و أترب بالألف:لغة فيهما،و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«تربت يداك»هذه من الكلمات الّتي جاءت عن العرب صورتها دعاء،و لا يراد بها الدّعاء.بل المراد الحثّ و التّحريض.

و أترب بالألف:استغنى.

و تربت الكتاب بالتّراب،أتربه من باب«ضرب»، و ترّبته بالتّشديد:مبالغة.

و التّربة:المقبرة،و الجمع:ترب،مثل غرفة و غرف.

و وقع في كلام الغزاليّ في باب السّرقة:«لا قطع على النّبّاش في تربة ضائعة»و المراد ما إذا كانت منفصلة عن العمارة انفصالا غير معتاد،لأنّه ذكر في تقسيمه فيما إذا كانت منفصلة انفصالا معتادا وجهين.

و قال الرّافعيّ: هذا اللّفظ يحتمل أن يكون في تربة كما تقدّم،و يحتمل أن يكون في برّيّة،أي المنسوبة إلى البرّ.و هذا بعيد،لأنّ أهل اللّغة قالوا:البرّية:الصّحراء نسبة إلى البرّ،و هذه لا تكون إلاّ ضائعة.فالوجه أن تقرأ «تربة»لأنّها تنقسم كما قسّمها الغزاليّ إلى ضائعة و غير ضائعة.(1:73)

الفيروزآباديّ: التّرب و التّراب و التّربة و التّرباء و التّرباء و التّيرب و التّيراب و التّورب و التّوراب و التّريب و التّريب:معروف.

جمع التّراب:أتربة و تربان،و لم يسمع لسائرها بجمع.

و التّرباء:الأرض.

و ترب كفرح:كثر ترابه،و صار في يده التّراب، و لزق بالتّراب،و خسر،و افتقر،تربا و متربا،و يداه:

لا أصاب خيرا.

و أترب:قلّ ماله،و كثر،ضدّ،كترّب فيهما،و ملك

ص: 688

عبدا ملك ثلاث مرّات.

و أتربه و ترّبه:جعل على التّراب.

و جمل و ناقة تربوت محرّكة:ذلول.

و التّربة كفرحة:الأنملة،و نبت و هي التّرباء.

و التربة محرّكة و التّرائب:عظام الصّدر،أو ما ولي التّرقوتين منه،أو ما بين الثّديين و التّرقوتين،أو أربع أضلاع من يمنة الصّدر و أربع من يسرته،أو اليدان و الرّجلان و العينان،أو موضع القلادة.

و التّرب بالكسر:اللّدة و السّنّ،و من ولد معك، و هي تربيّ.

و تاربتها:صارت تربها.

و التّربة بالفتح:الضّعفة،و كهمزة:واد يصبّ في بستان ابن عامر.

و التّراب بالكسر:أصل ذراع الشّاة،و منه:التّراب الوذمة،أو هي ترب مخفّف«ترب»أو الصّواب الوذام التّربة.

و المتاربة:مصاحبة الأتراب.(1:40)

الطّريحيّ: في الحديث:«عليك بذات الدّين تربت يداك»،قيل:معناه افتقرت،و لا أصبت خيرا،على الدّعاء.[إلى أن قال:]

و من هذا الباب قوله صلّى اللّه عليه و آله لزينب بنت جحش:

«تربت يداك،إذا لم أعدل فمن يعدل».

و في حديث أفلح:«ترّب وجهك»أي ألقه في التّراب،فإنّه أقرب إلى التّذلّل.و كان أفلح ينفخ إذا سجد ليزول التّراب.

و أبو تراب من كنى عليّ عليه السّلام،كنّي بذلك لأنّه صاحب الأرض كلّها،و حجّة اللّه على أهلها،و به بقاؤها،و إليه سكونها.[إلى أن قال:]

و في الحديث:«أتربوا الكتاب،فإنّه أنجح للحاجة» من أتربته،إذا جعلت عليه التّراب،و مثله في حديث الرّضا عليه السّلام:«كان يترب الكتاب».و ترّبت الكتاب من باب«ضرب»بالتّشديد:مبالغة.(2:13)

مجمع اللّغة :1-التّراب:ما تفتّت و دقّ من جنس الأرض.

2-الأتراب:جمع ترب و هو المساوي في السّنّ،و لم تستعمل في القرآن إلاّ في الإناث.

3-التّرائب:عظام الصّدر،جمع:تريبة.

4-و يقال:ترب الرّجل يترب من باب«فرح»تربا و متربة:افتقر،و اشتدّ فاقته.و المتربة:الفقر الشّديد.

(1:153)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:89)

العدنانيّ: هذا غنيّ مترب،و فقير ترب و مترب و يقولون:هذا غنيّ ترب.و الصّواب:هذا غنيّ مترب أو فقير مترب؛لأنّ فعل«مترب»هو«أترب»،و معناه:

كثر ماله أو قلّ ماله.أمّا الفعل الّذي لا يعني إلاّ«افتقر» فهو:ترب يترب تربا و متربا و متربة،فهو ترب،و هي ترب و تربة أيضا.

جاء في الآية(16)من سورة البلد: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ، أي ذا فقر.

و جاء في«النّهاية»و في حديث فاطمة بنت قيس:

«و أمّا معاوية فرجل ترب لا مال له»أي فقير.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 689

و يقول قطرب في أضداده:ترب الرّجل،إذا افتقر، و أترب،إذا استغنى،و هذا ليس من الأضداد،لأنّ ترب فعل ثلاثيّ مجرّد على وزن«فعل»،و أترب فعل ثلاثيّ مزيد على وزن«أفعل»و أنا أرجح أنّ قطربا أراد أن يقول:«أترب»من الأضداد،لا«ترب و أترب».

و قال اللّحيانيّ: المترب:الغنيّ إمّا على السّلب،و إمّا على أنّ ماله مثل التّراب.

و يقال:ترب الرّجل،إذا افتقر،كأنّه لصق بالتّراب،و أترب،إذا استغنى،كأنّه صار له من المال بقدر التّراب.

و جاء في«اللّسان»أترب:استغنى و كثر ماله،فصار كالتّراب،هذا الأعرف.و قيل:أترب:قلّ ماله.

و قال:«محيط المحيط»:ترب فهو تريب و تروب، و الجمع:تراب.

و يقول:«المتن»:ترب:افتقر،و صار في يده التّراب،و هي من المجاز.و يقول:أترب بمعنى:قلّ ماله، من المجاز أيضا.

و يذكر الفعل«ترب»بمعنى افتقر،و«أترب»بمعنى اغتنى كلّ من:ابن الأنباريّ،و الصّحاح،و المحكم، و مفردات الرّاغب،و الأساس،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و متن اللّغة،و الوسيط.

و يذكر الفعل«أترب»بمعنى اغتنى و افتقر كلّ من:

اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط، و المتن.لذا قل:

أ-هذا غنيّ مترب.

ب-هذا فقير ترب.

ج-هذا فقير مترب.(94)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المسكنة و الخضوع،و لمّا كان التّراب مصداقا كاملا لهذا المعنى،لغاية انخفاضه و استكانته بحيث إنّه واقع تحت الأقدام؛فأطلق عليه التّراب و سائر مشتقّاته.و من هذا المعنى المتربة بمعنى المسكنة و الفاقة و هكذا قولهم:ترب الرّجل،إذا افتقر.

و أمّا الأتراب،فهو جمع«ترب»كخشن و هو من ثبت له الخضوع،و اتّصف بالانخفاض و الانقياد و التّسليم.و بهذا المعنى يطلق على الحور العين من جهة إطاعتهنّ و خضوعهنّ غاية الخضوع و نهاية الطّاعة.[إلى أن قال:]

و أمّا قولهم:أترب بمعنى استغنى؛فإنّ جعل شخص خاضعا مسكينا فرع القدرة و القوّة،و هذا عبارة أخرى عن الاستغناء.

و أمّا معنى التّساوي،فباعتبار نفي التّفوّق و التّكبّر عن كلّ واحد منهما،و هذا المعنى يلازم الخضوع و الاستكانة و نفي التّشخّص.

خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ الكهف:37، خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ الحجّ:5، أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ الرّوم:20، خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فاطر:11،و فيها دلالة على أنّ مبدأ تكوّن الإنسان كالنّباتات هو التّراب، بواسطة أو بوسائط،مضافا إلى كونه في غاية الفقر و الاستكانة؛بحيث إنّ النّطفة و العلقة من المراحل المتأخّرة.(1:363)

ص: 690

النّصوص التّفسيريّة

تراب

1- أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً. الكهف:37

الطّوسيّ: و معنى خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ أنّ أصلك من تراب؛إذ خلق أباك آدم عليه السّلام من تراب،فهو من تراب و يصير إلى التّراب.

و قيل:لمّا كانت النّطفة يخلقها اللّه بمجرى العادة من الغذاء،و الغذاء نبت من التّراب،جاز أن يقال: خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ لأنّ أصله تراب،كما قال: مِنْ نُطْفَةٍ و هو في هذه الحال خلق سويّ حيّ،لكن لمّا كان أصله كذلك جاز أن يقال كذلك.(7:43)

نحوه الطّبرسيّ(3:471)،و أبو الفتوح(12:

353)،و ابن شهرآشوب(1:7)،و البغويّ(3:193).

الزّمخشريّ: أي خلق أصلك،لأنّ خلق أصله سبب في خلقه،فكان خلقه خلقا له.(2:484)

نحوه النّسفيّ(3:13)،و الخازن(4:173)، و الشّربينيّ(2:377).

البيضاويّ: لأنّه أصل مادّتك،أو مادّة أصلك.

(2:13)

النّيسابوريّ: أي خلق أصلك،و هو إشارة إلى مادّته البعيدة،و قوله: مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى مادّته القريبة.(15:133)

نحوه الكاشانيّ.(3:243)

أبو حيّان :و قوله: خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ إمّا أن يراد خلق أصلك من تراب،و هو آدم عليه السّلام،و خلق أصله سبب في خلقه،فكان خلقه خلقا له،أو أريد أنّ ماء الرّجل يتولّد من أغذية راجعة إلى التّراب،فنبّهه أوّلا على ما تولّد منه ماء أبيه،ثمّ ثانيه على النّطفة الّتي هي ماء أبيه،و أمّا ما نقل من أنّ ملكا و كلّ بالنّطفة،يلقي فيها قليلا من تراب قبل دخولها في الرّحم،فيحتاج إلى صحّة نقل.(6:127)

أبو السّعود :أي ضمن خلق أصلك من تراب،فإنّ خلق آدم عليه السّلام منه متضمّن لخلقه منه،لما أنّ خلق كلّ فرد من أفراد البشر له حظّ من خلقه عليه السّلام؛إذ لم تكن فطرته الشّريفة مقصورة على نفسه،بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر أفراد الجنس،انطواء إجماليّا، مستتبعا لجريان آثارها على الكلّ،فكان خلقه عليه السّلام من التّراب خلقا للكلّ منه.

و قيل:خلقك منه،لأنّه أصل مادّتك؛إذ به يحصل الغذاء الّذي منه تحصل النّطفة،فتدبّر.

ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ هي مادّتك القريبة،فالمخلوق واحد و المبدأ متعدّد.(4:190)

نحوه البروسويّ.(5:247)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و كون ذلك مبنيّا على صحّة قياس المساواة خيال واه،و قيل:خلقك منه،لأنّه مادّتك؛إذ ماء الرّجل يتولّد من أغذية راجعة إلى التّراب،فالإسناد مجاز من إسناد ما للسّبب إلى المسبّب،فتدبّر.(15:276)

المراغيّ: أي قال له صاحبه المؤمن،واعظا و زاجرا عمّا هو فيه من الكفر:أكفرت بالّذي خلقك من

ص: 691

التّراب؟إذ غذاء والديك من النّبات و الحيوان،و غذاء النّبات من التّراب و الماء،و غذاء الحيوان من النّبات،ثمّ يصير هذا الغذاء دما يتحوّل بعضه إلى نطفة،يكون منها خلقك بشرا سويّا على أتمّ حال و أحكمه،بحسب ما تقتضيه الحكمة،فهذا الّذي خلقك على هذه الحال، قادر على أن يخلقك مرّة أخرى.(15:150)

الطّباطبائيّ: و قد أبطل هذا المؤمن دعوى صاحبه الكافر،بقوله: أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً بإلفات نظره إلى أصله، و هو التّراب ثمّ النّطفة،فإنّ ذلك هو أصل الإنسان،فما زاد على ذلك حتّى يصير الإنسان إنسانا سويّا،ذا صفات و آثار من موهبة اللّه محضا،لا يملك أصله شيئا من ذلك، و لا غيره من الأسباب الظّاهريّة الكونيّة،فإنّها أمثال الإنسان لا تملك شيئا من نفسها و آثار نفسها،إلاّ بموهبة من اللّه سبحانه.

فما عند الإنسان و هو رجل سويّ من الإنسانيّة، و آثارها من علم و حياة و قدرة و تدبير،يسخّر بها الأسباب الكونيّة في سبيل الوصول إلى مقاصده و مآربه، كلّ ذلك مملوكة للّه محضا،آتاها الإنسان و ملّكه إيّاها، و لم يخرج بذلك عن ملك اللّه،و لا انقطع عنه،بل تلبّس الإنسان منها بما تلبّس،فانتسب إليه بمشيّته.و لو لم يشأ لم يملك الإنسان شيئا من ذلك،فليس للإنسان أن يستقلّ عنه تعالى في شيء من نفسه و آثار نفسه،و لا لشيء من الأسباب الكونيّة ذلك.

يقول:إنّك ذاك التّراب،ثمّ المنيّ الّذي ما كان يملك من الإنسانيّة و الرّجوليّة و آثار ذلك شيئا،و اللّه سبحانه هو الّذي آتاكها بمشيّته،و ملّكها إيّاك،و هو المالك لما ملّكك،فما لك تكفر به و تستر ربوبيّته؟و أين أنت و الاستقلال؟(13:313)

مكارم الشّيرازيّ: اللّه الّذي خلق الإنسان في البدء من تراب،و من التّراب امتصّت جذور الأشجار العناصر الغذائيّة الموجودة فيه،و أضحت الأشجار بدورها غذاء للحيوان،ثمّ أكل الإنسان من ذلك النّبات و لحم ذلك الحيوان،و تكوّنت نطفته من هذا و ذلك، و قطعت النّطفة مراحل التّكامل في رحم الأمّ،ثمّ تحوّلت إلى إنسان كامل،إنسان يفوق مخلوقات الأرض قاطبة، يفهم و يفكّر و يقرّر،و يسخّر كلّ شيء لنفعه.

أجل،إنّ تحويل تراب تافه إلى مخلوق عجيب-بما في جسمه و روحه من أنظمة معقّدة-لدليل من الأدلّة النّاطقة للتّوحيد.(12:431)

2- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ... الحجّ:5

الحسن :المعنى خلقنا آدم من تراب الّذي هو أصلكم،و أنتم نسله.(الطّوسيّ 7:291)

نحوه البغويّ(3:324)،و الخازن(5:30)، و الطّبرسيّ(4:71).

الطّوسيّ: قال قوم:أراد به جميع الخلق،لأنّه إذا أراد أنّه خلقهم من نطفة،و النّطفة يجعلها اللّه من الغذاء، و الغذاء ينبت من التّراب و الماء،فكان أصلهم كلّهم التّراب.(7:291)

ص: 692

الفخر الرّازيّ: قوله: فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ و فيه وجهان:

أحدهما:[قول الحسن و قد تقدّم]

و الثّاني:أنّ خلقة الإنسان من المنيّ و دم الطّمث، و هما إنّما يتولّدان من الأغذية،و الأغذية إمّا حيوان أو نبات.و غذاء الحيوان ينتهي قطعا للتّسلسل إلى النّبات، و النّبات إنّما يتولّد من الأرض و الماء،فصحّ قوله: فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ. (23:7)

نحوه أبو حيّان(6:356)،و الطّنطاويّ(11:4)، و محمّد جواد مغنيّة(5:310)،و الكاشانيّ(3:363)، و الشّربينيّ(2:537)،و محمّد علي طه(9:151).

القاسميّ: أي خلقنا أوّل آبائكم،أو أوّل موادّكم، و هو المنيّ(من تراب)؛إذ خلق من أغذية متولّدة منه.

و غاية أمر البعث أنّه خلق من التّراب.(12:4324)

نحوه المراغيّ.(17:88)

و جاءت بهذا المعنى: وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً فاطر:11،و آيات أخرى.

3- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ. الرّوم:20

قتادة :يعني أنّه خلق آدم الّذي هو أبوكم و أصلكم.(الطّوسيّ 8:238)

نحوه البغويّ(3:575)،و الطّبرسيّ(4:299)، و أبو الفتوح(15:250)،و القرطبيّ(14:17)،

و الخازن(5:171).

الفخر الرّازيّ: ذكر ما هو حجّة ظاهرة و آية باهرة على ذلك،و من جملتها:خلق الإنسان من تراب، و تقريره هو أنّ التّراب أبعد الأشياء عن درجة الأحياء، و ذلك من حيث كيفيّته،فإنّه بارد يابس و الحياة بالحرارة و الرّطوبة،و من حيث لونه فإنّه كدر و الرّوح نيّر،و من حيث فعله فإنّه ثقيل و الأرواح الّتي بها الحياة خفيفة،و من حيث السّكون فإنّه بعيد عن الحركة، و الحيوان يتحرّك يمنة و يسرة،و إلى خلف و إلى قدّام، و إلى فوق و إلى أسفل.

و في الجملة فالتّراب أبعد من قبول الحياة عن سائر الأجسام،لأنّ العناصر أبعد من المركّبات،لأنّ المركّب بالتّركيب أقرب درجة من الحيوان،و العناصر أبعدها التّراب،لأنّ الماء فيه الصّفاء و الرّطوبة و الحركة،و كلّها على طبع الأرواح،و النّار أقرب لأنّها كالحرارة الغريزيّة منضجة جامعة مفرّقة.

ثمّ المركّبات و أوّل مراتبها المعدن،فإنّه ممتزج،و له مراتب أعلاها الذّهب،و هو قريب من أدنى مراتب النّبات،و هي مرتبة النّبات الّذي ينبت في الأرض، و لا يبرز و لا يرتفع.

ثمّ النّباتات و أعلى مراتبها و هي مرتبة الأشجار الّتي تقبل التّعظيم،و يكون لثمرها حبّ يؤخذ منه مثل تلك الشّجرة،كالبيضة من الدّجاجة و الدّجاجة من البيضة، قريبة من أدنى مراتب الحيوانات،و هي مرتبة الحشرات الّتي ليس لها دم سائل،و لا هي إلى المنافع الجليلة وسائل كالنّباتات.

ثمّ الحيوان و أعلى مراتبها قريبة من مرتبة الإنسان،

ص: 693

فإنّ الأنعام و لا سيّما الفرس تشبه العتّال و الحمّال و السّاعي،ثمّ الإنسان.

و أعلى مراتب الإنسان قريبة من مرتبة الملائكة المسبّحين للّه الحامدين له،فاللّه الّذي خلق من أبعد الأشياء عن مرتبة الأحياء حيّا هو في أعلى المراتب، لا يكون إلاّ منزّها عن العجز و الجهل،و يكون له الحمد على إنعام الحياة،و يكون له كمال القدرة و نفوذ الإرادة، فيجوز منه الإبداء و الإعادة.

و في الآية لطيفتان:

إحداهما:قوله:(اذا)و هي للمفاجأة،يقال:

خرجت فإذا أسد بالباب،و هو إشارة إلى أنّ اللّه تعالى خلقه من تراب ب«كن»فكان،لا أنّه صار معدنا ثمّ نباتا ثمّ حيوانا ثمّ إنسانا،و هذا إشارة إلى مسألة حكميّة، و هي أنّ اللّه تعالى يخلق أوّلا إنسانا،فينبّهه أنّه يحيى حيوانا و ناميّا و غير ذلك،لا أنّه خلق أوّلا حيوانا،ثمّ يجعله إنسانا،فخلق الأنواع هو المراد الأوّل،ثمّ تكوّن الأنواع فيها الأجناس بتلك الإرادة الأولى،فاللّه تعالى جعل المرتبة الأخيرة في الشّيء البعيد عنها غاية،من غير انتقال من مرتبة إلى مرتبة من المراتب الّتي ذكرناها.

اللّطيفة الثّانية:قوله:(بشر)إشارة إلى القوّة المدركة،لأنّ البشر بشر لا بحركته،فإنّ غيره من الحيوانات أيضا كذلك،و قوله: تَنْتَشِرُونَ إلى القوّة المحرّكة،و كلاهما من التّراب عجيب.أمّا الإدراك فلكثافته و جموده،و أمّا الحركة فلثقله و خموده.و قوله:

تَنْتَشِرُونَ إشارة إلى أنّ العجيبة غير مختصّ بخلق الإنسان من التّراب،بل خلق الحيوان المنتشر من التّراب السّاكن عجيب،فضلا عن خلق البشر،و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:و هي أنّ اللّه خلق آدم من تراب و خلقنا منه،فكيف قال: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ؟

نقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:ما قيل:إنّ المراد من قوله: خَلَقَكُمْ أنّه خلق أصلكم.

و الثّاني:أن نقول:إنّ كلّ بشر مخلوق من التّراب، أمّا آدم فظاهر،و أمّا نحن فلأنّا خلقنا من نطفة،و النّطفة من صالح الغذاء الّذي هو بالقوّة بعض من الأعضاء، و الغذاء إمّا من لحوم الحيوانات و ألبانها و أسمانها،و إمّا من النّبات،و الحيوان أيضا له غذاء هو النّبات،لكنّ النّبات من التّراب؛فإنّ الحبّة من الحنطة،و النّواة من الثّمرة لا تصير شجرة إلاّ بالتّراب،و ينضمّ إليها أجزاء مائيّة ليصير ذلك النّبات بحيث يغذو.

المسألة الثّانية:قال تعالى في موضع آخر وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الفرقان:54،و قال:

مِنْ ماءٍ مَهِينٍ السّجدة:8،المرسلات:20،و هاهنا قال:من(تراب)فكيف الجمع؟

قلنا:أمّا على الجواب الأوّل فالسّؤال زائل،فإنّ المراد منه آدم.

و أمّا على الثّاني:فنقول:هاهنا قال:ما هو أصل أوّل،و في ذلك الموضع قال:ما هو أصل ثان،لأنّ ذلك التّراب الّذي صار غذاء يصير مائعا و هو المنيّ،ثمّ ينعقد و يتكوّن بخلق اللّه منه إنسانا.

أو نقول:الإنسان له أصلان ظاهران:الماء و التّراب،

ص: 694

فإنّ التّراب لا ينبت إلاّ بالماء،ففي النّبات الّذي هو أصل غذاء الإنسان تراب و ماء،فإن جعل التّراب أصلا و الماء لجمع أجزائه المتفتّتة فالأمر كذلك،و إن جعل الأصل هو الماء و التّراب لتثبيت أجزائه الرّطبة من السّيلان فالأمر كذلك.

فإن قال قائل:اللّه تعالى يعلم كلّ شيء،فهو يعلم أنّ الأصل ما ذا هو منهما،و إنّما الأمر عندنا مشتبه يجوز هذا و ذاك.فإن كان الأصل هو التّراب فكيف قال:

مِنَ الْماءِ بَشَراً الفرقان:54،و ان كان الماء فكيف قال: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ و إن كاناهما أصلين فلم لم يقل:«خلقكم منهما»؟

فنقول:فيه لطيفة،و هي أنّ كون التّراب أصلا و الماء أصلا و الماء ليس لذاتيهما،و إنّما هو بجعل اللّه تعالى،فإن اللّه نظرا إلى قدرته كان له أن يخلق أوّل ما يخلق الإنسان، ثمّ يفنيه و يحصل منه التّراب،ثمّ يذوّبه و يحصل منه الماء، لكنّ الحكمة اقتضت أن يكون النّاقص وسيلة إلى الكامل،لا الكامل يكون وسيلة إلى النّاقص،فخلق التّراب و الماء أوّلا،و جعلهما أصلين لمن هو أكمل منهما، بل للّذي هو أكمل من كلّ كائن و هو الإنسان،فإن كان كونهما أصلين ليس أمرا ذاتيّا لهما بل بجعل جاعل،فتارة جعل الأصل التّراب و تارة الماء،ليعلم أنّه بإرادته و اختياره،فإن شاء جعل هذا أصلا،و إن شاء جعل ذلك أصلا،و إن شاء جعلهما أصلين.

المسألة الثّالثة:قال الحكماء:إنّ الإنسان مركّب من العناصر الأربعة،و هي:التّراب و الماء و الهواء و النّار، و قالوا:التّراب فيه لثباته،و الماء لاستمساكه،فإنّ التّراب يتفتّت بسرعة،و الهواء لاستقلاله كالزّقّ المنفوخ يقوم بالهواء،و لولاه لما كان فيه استقلال و لا انتصاب.و النّار للنّضج و الالتئام بين هذه الأشياء، فهل هذا صحيح أم لا؟فإن كان صحيحا فكيف اعتبر الأمرين فحسب،و لم يقل في موضع آخر:إنّه خلقكم من نار و لا من ريح؟

فنقول:أمّا قولهم:فلا مفسدة فيه من حيث الشّرع، فلا ننازعهم فيه إلاّ إذا قالوا:بأنّه بالطّبيعة كذلك.

و أمّا إن قالوا:بأنّ اللّه بحكمته خلق الإنسان من هذه الأشياء فلا ننازعهم فيه.

و أمّا الآيات فنقول:ما ذكرتم لا يخالف هذا،لأنّ الهواء جعلتموه للاستقلال و النّار للنّضج،فهما يكونان بعد امتزاج الماء بالتّراب،فالأصل الموجود أولاهما لا غير،فلذلك خصّهما،و لأنّ المحسوس من العناصر في الغالب هو التّراب و الماء،و لا سيّما كونهما في الإنسان ظاهر لكلّ أحد،فخصّ الظّاهر المحسوس بالذّكر.

(25:107)

نحوه النيسابوريّ(21:28)ملخّصا،و أبو حيّان (7:166)،و محمّد علي طه(11:75).

الشّربينيّ: أَنْ خَلَقَكُمْ أي أصلكم،و هو آدم عليه السّلام، مِنْ تُرابٍ لم يكن له أصلا اتّصاف ما بحياة،أو أنّه خلقكم من نطفة،و النّطفة من الغذاء، و الغذاء إنّما يتولّد من الماء و التّراب.(3:162)

البروسويّ: أَنْ خَلَقَكُمْ يا بني آدم في ضمن خلق آدم،لأنّه خلقه منطويا على خلق ذرّيّاته انطواء إجماليّا،و الخلق عبارة عن تركيب الأجزاء و تسوية

ص: 695

الأجسام. مِنْ تُرابٍ، لم يشمّ رائحة الحياة قطّ، و لا مناسبة بينه و بين ما أنتم عليه في ذاتكم و صفاتكم، و إنّما خلق اللّه الإنسان من التّراب،ليكون متواضعا ذلولا حمولا مثله،و الأرض و حقائقها دائمة في الطّمأنينة و الإحسان بالوجود،و لذلك لا تزال ساكنة و ساكتة لفوزها بوجود مطلوبها،فكانت أعلى مرتبة،و تحقّقت في مرتبة العلوّ في عين السّفل،و قامت بالرّضى.(7:18)

نحوه الآلوسيّ.(21:30)

الطّباطبائيّ: المراد بالخلق من تراب انتهاء خلقة الإنسان إلى الأرض،فإنّ مراتب تكوّن الإنسان من مضغة أو علقة أو نطفة أو غيرها مركّبات أرضيّة،تنتهي إلى العناصر الأرضيّة.(16:165)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(16:39)

المراغيّ: أو من حججه الدّالّة على أنّه القادر على ما يشاء من إنشاء و إفناء،و إيجاد و إعدام:أن خلقكم من تراب بتغذيتكم؛إمّا بلحوم الحيوان و ألبانهما و أسمانها، و إمّا من النّبات.و الحيوان غذاؤه النّبات،و النّبات من التّراب،فإنّ النّواة لا تصير شجرة إلاّ بالتّراب الّذي ينضمّ إليه أجزاء مائيّة،تجعلها صالحا للتّغذية.

(21:37)

ترابا

وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً. النّبأ:40

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يقضي اللّه بين خلقه الجنّ و الإنس و البهائم،و إنّه ليقيد يومئذ الجمّاء من القرناء،حتّى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى،قال اللّه:كونوا ترابا،فعند ذلك يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.

(الطّبريّ 30:26)

نحوه ابن عمر(الطّبريّ 30:26)،و مجاهد (الماورديّ 6:191)،و مقاتل(الميبديّ 10:359)، و الزّجّاج:(5:275).

أبو هريرة: إنّ اللّه يحشر الخلق كلّهم،كلّ دابّة و طائر و إنسان،يقول للبهائم و الطّير:كونوا ترابا،فعند ذلك يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.

(الميبديّ 1:359)

الثّوريّ: إذا قيل للبهائم:كونوا ترابا،قال الكافر:

يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً. (الطّبريّ 30:26)

نحوه الطّبريّ.(30:26)

عبد اللّه بن ذكوان: إذا قضي بين النّاس،و أمر بأهل النّار إلى النّار،قيل لمؤمني الجنّ و لسائر الأمم سوى ولد آدم:عودوا ترابا،فإذا نظر الكفّار إليهم قد عادوا ترابا،قال الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.

(الطّبريّ 30:26)

نحوه البغويّ.(7:169)

القمّيّ: قال:(ترابيّا)أي علويّا.و قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:المكنّى أمير المؤمنين«أبو تراب».[و هذا تأويل](2:402)

الطّوسيّ: أي يتمنّى أن لو كان ترابا لا يعاد و لا يحاسب،ليتخلّص من عقاب ذلك اليوم،لأنّه ليس معه شيء يرجوه من الثّواب.(10:250)

نحوه الطّبرسيّ.(5:427)

الزّمخشريّ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً في الدّنيا لم

ص: 696

أخلق و لم أكلّف،أو(ليتني كنت ترابا)في هذا اليوم فلم أبعث.(4:211)

نحوه البيضاويّ(2:535)،و النّسفيّ(4:328).

ابن عطيّة :قيل:إنّ هذا تمنّ:أن يكون شيئا حقيرا،لا يحاسب و لا يلتفت إليه.(5:429)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجوه:

أحدها:أنّ يوم القيامة ينظر المراء أيّ شيء قدّمت يداه،أمّا المؤمن فإنّه يجد الإيمان و العفو عن سائر المعاصي،على ما قال: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ، و أمّا الكافر فلا يتوقّع العفو،على ما قال: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ النّساء:48،فعند ذلك يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً أي لم يكن حيّا مكلّفا.

و ثانيها:أنّه كان قبل البعث ترابا،فالمعنى على هذا:

يا ليتني لم أبعث للحساب،و بقيت كما كنت ترابا،كقوله تعالى: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ الحاقّة:27،و قوله:

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ النّساء:42.

و ثالثها:أنّ البهائم تحشر فيقتصّ للجمّاء من القرناء،ثمّ يقال لها بعد المحاسبة:«كوني ترابا»،فيتمنّى الكافر عند ذلك أن يكون هو مثل تلك البهائم في أن يصير ترابا،و يتخلّص من عذاب اللّه.

و أنكر بعض المعتزلة ذلك،و قال:إنّه تعالى إذا أعادها فهي بين معوّض و بين متفضّل عليه،و إذا كان كذلك لم يجز أن يقطعها عن المنافع،لأنّ ذلك كالإضرار بها،و لا يجوز ذلك في الآخرة،ثمّ إنّ هؤلاء قالوا:إنّ هذه الحيوانات إذا انتهت مدّة أعواضها،جعل اللّه كلّ ما كان منها حسن الصّورة ثوابا لأهل الجنّة،و ما كان قبيح الصّورة عقابا لأهل النّار.

قال القاضي:و لا يمتنع أيضا إذا وفّر اللّه أعواضها و هي غير كاملة العقل،أن يزيل اللّه حياتها على وجه لا يحصل لها شعور بالألم،فلا يكون ذلك ضررا.

و رابعها:ما ذكره بعض الصّوفيّة فقال:قوله:

يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً معناه يا ليتني كنت متواضعا في طاعة اللّه،و لم أكن متكبّرا متمرّدا.

و خامسها:الكافر إبليس،يرى آدم و ولده و ثوابهم،فيتمنّى أن يكون الشّيء الّذي احتقره،حين قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:

12،و اللّه أعلم بمراده و أسرار كتابه،و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه.(31:26)

نحوه النّيسابوريّ(30:13)،و الخازن(7:169)، و أبو حيّان(8:416)،و الآلوسيّ(30:22).

القرطبيّ: قيل:أي يقول إبليس:يا ليتني خلقت من التّراب،و لم أقل:أنا خير من آدم.(19:189)

ابن كثير :أي يودّ الكافر يومئذ أنّه كان في الدّار الدّنيا ترابا،و لم يكن خلق و لا حرج إلى الوجود،و ذلك حين عاين عذاب اللّه،و نظر إلى أعماله الفاسدة،قد سطّرت عليه،بأيدي الملائكة السّفرة الكرام البررة.

(7:203)

البروسويّ: و قيل:هو تراب سجدة المؤمن، تنطفئ به عنه النّار،و تراب قدمه عند قيامه في الصّلاة فيتمنّى الكافر أن يكون تراب قدمه.(10:312)

الطّباطبائيّ: أي يتمنّى من شدّة اليوم أن لو كان

ص: 697

ترابا فاقدا للشّعور و الإرادة،فلم يعمل و لم يجز.

(20:176)

مكارم الشّيرازيّ: [راجع«ك ف ر»الكافر]

(19:320)

اترابا

1- عُرُباً أَتْراباً. الواقعة:37

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: هنّ اللّواتي قبضن في دار الدّنيا عجائز شمطاء رمضاء،جعلهنّ اللّه بعد الكبر أترابا،على ميلاد واحد في الاستواء،كلّما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكارا.(العروسيّ 5:219)

نحوه شبّر.(6:143)

ابن عبّاس: الأتراب:المستويات.

(الطّبريّ 27:189)

مثله الحسن(الدّرّ المنثور 6:159)،و مجاهد (الطّوسيّ 9:498).

مجاهد :أمثالا.(الطّبريّ 27:189)

يقال في النّساء:أتراب،و في الرّجال:أقران و أمثال و أشكال.(الماورديّ 5:456)

العوفيّ: يعني أقران.(الماورديّ 5:456)

قتادة :يعني سنّا واحدة.(الطّبريّ 27:189)

السّدّيّ: أي في الأخلاق،المتآخيات بينهنّ،ليس بينهنّ تباغض و لا تحاسد،يعني لا كما كنّ ضرائر متعاديات في الدّنيا.(449)

الكلبيّ: على سنّ واحدة:ثلاث و ثلاثين سنة.

(الماورديّ 5:456)

ابن قتيبة:أي شيئا واحدا،و سنّا واحدا.

(449)

الطّبريّ: يعني أنّهنّ مستويات على سنّ واحدة.

واحدتهنّ:ترب،كما يقال:شبه و أشباه.(27:189)

القمّيّ: يعني مستويات السّنّ.(2:348)

الطّوسيّ: الأتراب:جمع ترب،و هو الوليدة الّتي تنشأ مع مثلها في حال الصّبا،و هو مأخوذ من لعب الصّبيان بالتّراب،أي هم كالصّبيان الّذين على سنّ واحد.[ثمّ استشهد بشعر](9:498)

نحوه البغويّ(5:11)،و الطّبرسيّ(5:219)

الميبديّ: أَتْراباً :جمع ترب،أي مستويات على سنّ واحد،بنات ثلاث و ثلاثين.و قيل:هنّ لدات في شكل ثلاث عشرة سنة،في قدّ صاحبها.(9:449)

الزّمخشريّ: مستويات في السّنّ:بنات ثلاث و ثلاثين،و أزواجهنّ أيضا كذلك.(4:55)

نحوه الخازن(7:16)،و أبو السّعود(7:190)، و الطّنطاويّ(24:80).

ابن عطيّة :معناه في الشّكل و القدّ،حتّى يقول الرّائي:هم أتراب،و التّرب:هو الّذي مسّ التّراب مع تربه في وقت واحد.و يروى أنّ أهل الجنّة على قدّ ابن أربعة عشر عاما في الشّباب و النّضرة،و قيل:على مثال.

أبناء ثلاث و ثلاثين سنة؛مردا بيضا مكحّلين.(5:245)

المدينيّ: أي أقرانا و أسنانا،واحدهم:ترب.

قيل:سمّوا بذلك،لأنّهم دبّوا على التّراب معا.(1:221)

الفخر الرّازيّ: يحتمل وجوها:

أحدها:مستويات في السّنّ،فلا تفضل إحداهنّ

ص: 698

على الأخرى بصغر و لا كبر،كلّهنّ خلقن في زمان واحد،و لا يلحقهنّ عجز و لا زمانة و لا تغيّر لون،و على هذا إن كنّ من بنات آدم فاللّفظ فيهنّ حقيقة،و إن كنّ من غيرهنّ فمعناه ما كبرن سمّين به،لأنّ كلاّ منهنّ تمسّ وقت مسّ الأخرى لكن نسي الأصل،و جعل عبارة عن ذلك كاللّدة للمتساويين من العقلاء،فأطلق على حور الجنّة أترابا.

ثانيها:أترابا:متماثلات في النّظر إليهنّ كالأتراب، سواء وجدن في زمان أو في أزمنة.و الظّاهر أنّه في أزمنة، لأنّ المؤمن إذا عمل عملا صالحا،خلق له منهنّ ما شاء اللّه.

ثالثها: أَتْراباً* لِأَصْحابِ الْيَمِينِ الواقعة:37، 38،أي على سنّهم،و فيه إشارة إلى الاتّفاق،لأنّ أحد الزّوجين إذا كان أكبر من الآخر فالشّاب يعيّره.

(29:166)

القرطبيّ: على ميلاد واحد في الاستواء،و سنّ واحدة ثلاث و ثلاثين سنة،يقال في النّساء:أتراب،و في الرّجال:أقران.و كانت العرب تميل إلى من جاوزت حدّ الصّبا من النّساء،و انحطّت عن الكبر.(17:211)

الشّربينيّ: جمع ترب،و هو المساوي لك في سنّك،لأنّه يمسّ جلدهما التّراب في وقت واحد،و هو آكد في الائتلاف.و هو من الأسماء الّتي لا تتعرّف بالإضافة،لأنّه في معنى الصّفة؛إذ معناه مساويك.

(4:187)

البروسويّ: جمع ترب بالكسر،و هي اللّدة و السّنّ و من ولد معك،و هي تربيّ،أي مستويات في سنّ بنت ثلاث و ثلاثين سنة،و كذا أزواجهنّ و القامة ستّون ذراعا في سبعة أذرع،على قامة أبيهم آدم،شباب جرد مكحولون،أحسنهم كالقمر ليلة البدر،و آخرهم كالكوكب الدّرّيّ في السّماء،يبصر وجهه في وجهها، و تبصر وجهها في وجهه،لا يبزقون و لا يتمخّطون، و ما كان فوق ذلك من الأذى فهو أبعد.(9:326)

العامليّ: و المراد ذوات لدات على سنّ واحد،أي كأنّهنّ على ميلاد في الاستواء.(107)

مكارم الشّيرازيّ: أتراب:جمع ترب،على وزن «ذهن»،بمعنى المثل و الشّبيه.و قال البعض:إنّ هذا المعنى أخذ من التّرائب،و هي عظام قفص الصّدر،لأنّها تتشابه الواحدة مع الأخرى.

إنّ هذا الشّبه و التّعادل يمكن أن يكون في أعمار الزّوجات بالنّسبة لأزواجهنّ،كي يدركن إحساسات و مشاعر أزواجهنّ كاملة،و بذلك تصبح الحياة أكثر سعادة و انسجاما،بالرّغم من أنّ السّعادة تحصل مع اختلاف العمر أحيانا،إلاّ أنّ الغالب ليس كذلك.كما يمكن أن يكون المقصود بالتّشابه و التّساوي في الصّفات الجماليّة و النّفسيّة و حسن الظّاهر و الباطن.و هكذا تكون نوعيّة الزّوجات في الجنّة من حيث النّقاء و الودّ المتبادل مع أزواجهنّ.و هذا المعنى يشبه المقولة الشّائعة:الكلّ جيّدون،و كلّ واحد منهم أفضل من الآخر.(17:430)

2- وَ كَواعِبَ أَتْراباً. النّبأ:33

ابن عبّاس: مستويات.(الطّبريّ 30:18)

الأقران.(الماورديّ 6:188)

ص: 699

مجاهد: لدات.(الطّبريّ 30:18)

مثله الزّمخشريّ.(4:210)

الأمثال.(الماورديّ 6:188)

عكرمة :المتصافيات.(الطّبريّ 30:18)

الإمام الباقر عليه السّلام: أي الفتيات النّاهدات.

(شبّر 6:352)

قتادة :لسنّ واحدة.(الطّبريّ 30:18)

السّدّيّ: المتآخيات.(الماورديّ 6:188)

ابن زيد :مستويات،فلانة تربة فلانة.الأتراب:

اللّدات.(الطّبريّ 30:18)

ابن قتيبة :على سنّ واحد.(510)

مثله ابن عطيّة.(5:428)

الجبّائيّ: على مقدار أزواجهنّ في الحسن و الصّورة و السّنّ.(الطّبرسيّ 5:426)

الطّبريّ: و نواهد في سنّ واحدة.(30:18)

الطّوسيّ: هي الّتي تنشأ مع لدتها على سنّ الصّبيّ الّذي يلعب بالتّراب،فكأنّه قيل:هم على سنّ واحدة.

(10:247)

نحوه النّسفيّ.(4:327)

البغويّ: مستويات في السّنّ.(5:202)

مثله الخازن.(7:168)

الميبديّ: أي مستويات في السّنّ،على سنّ ثلاث و ثلاثين سنة.فقيل:أراد بذلك أزواجهنّ من الآدميّات.

و قيل:هنّ الحور،و ليس المراد بذلك صغر السّنّ، لكنّ المراد رواء الشّباب،أي ماء الشّباب جار فيهنّ لم يشبن،و لم يتغيّر عن حدّ الحسن حسنهنّ.(10:357)

الطّبرسيّ: معناه استواء الخلقة و القامة و الصّورة و السّنّ،حتّى يكنّ متشاكلات.(5:426)

النّسفيّ: لدات مستويات في السّنّ.(4:327)

نحوه الشّربينيّ(4:473)،و الكاشانيّ(5:277)، و شبّر(6:352).

البروسويّ: لدات،أي مستويات في السّنّ،ولدة الرّجل:تربه و قرينه في السّنّ و الميلاد،و الهاء عوض عن الواو الذّاهبة من أوّله،لأنّه من الولادة.و في تفسير الزّاهديّ:نساء الجنّة كلّهنّ بنات ستّ عشرة سنة، و رجالهنّ أبناء ثلاث و ثلاثين.

و ورد في أكثر التّفاسير:أنّ أهل الجنّة من الرّجال و النّساء تبلغ أعمارهم الثّالثة و الثّلاثين.و الظّاهر ما في تفسير الزّاهدي و هو كونهنّ بنات ستّ عشرة،لكونها نصف سنّ الرّجال.(10:308)

الآلوسيّ: أي لدات ينشأن معا،تشبيها في التّساوي و التّماثل بالتّرائب الّتي هي ضلوع الصّدر،أو لوقوعهنّ معا على التّراب،أي الأرض.(30:18)

عبد الكريم الخطيب :أي متماثلات في الخلقة؛ حسنا و بهاء و شبابا.(15:1424)

مكارم الشّيرازيّ: «الأتراب»:جمع ترب، و يطلق على مجموعة الأفراد المتساويين في العمر، و استعماله في الإناث أكثر،و قيل:إنّها من«التّرائب» و هي ضلوع الصّدر الواحدة،و ذلك لما بينهما من شبه من حيث التّساوي و التّماثل.

و يحتمل المراد ب«أتراب»التّساوي بين نساء أهل الجنّة في العمر،فيكوننّ شابّات متساويات في القدّ

ص: 700

و القامة و الجمال،أو قد يراد بتساوي العمر بينهنّ و بين أزواجهنّ من المؤمنين،لأنّ للتّساوي في العمر له الأثر النّفسيّ على إدراك مشاعر الطّرف الآخر،إلاّ أنّ المعنى الأوّل أكثر تناسبا.(19:310)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(اتراب)في قوله تعالى:

وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ ص:52

ترائب

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ. الطّارق:5-7

ابن عبّاس:التّرائب:موضع القلادة.

(الطّبريّ 30:143)

نحوه الزّمخشريّ.(4:241)

من بين ثدي المرأة.(الطّبريّ 30:143)

التّرائب:أطراف الرّجل،و اليدان و الرّجلان و العينان،فتلك التّرائب.(الطّبريّ 30:143)

التّرائب:ما بين الجيد و النّحر.(الدّرّ المنثور 6:336)

نحوه الميبديّ.(4:452)

التّرائب:أربع أضلاع من هذا الجانب.

(القرطبيّ 20:5)

التّرائب:أربعة أضلاع من كلّ جانب من أسفل الأضلاع.(الدّرّ المنثور 6:336)

ابن جبير: التّرائب:الصّدر.(الطّبريّ 30:143)

التّرائب:الأضلاع الّتي أسفل الصّلب.

(الطّبريّ 30:143)

إنّها أربعة أضلاع من الجانب الأسفل.

(الماورديّ 6:247)

هو الجيد.(القرطبيّ 20:5)

مجاهد :التّرائب:ما بين المنكبين و الصّدر.

(الطّبريّ 30:144)

أسفل من التّراقي.(الطّبريّ 30:144)

الصّدر.(القرطبيّ 20:5)

مثله القمّيّ(2:415)،و ابن كثير(7:265).

عكرمة :سئل عن(التّرائب)فقال:هذه،و وضع يده على صدره بين ثدييه.صلب الرّجل،و ترائب المرأة.(الطّبريّ 30:143)

قتادة :يخرج من بين صلب الرّجل و نحره.

(الطّبريّ 30:144)

يعني ترائب المرأة:اليدين و الرّجلين و العينين.

(القرطبيّ 20:5)

الضّحّاك: بين اليدين و الرّجلين و العينين.

(الماورديّ 6:247)

التّرائب:اليدان و الرّجلان.(الطّبريّ 30:144)

السّدّيّ: صلب الرّجل،و ترائب المرأة أصفر رقيق،لا يكون الولد إلاّ منهما.(ابن كثير 7:265)

الثّوريّ: الصّلب:للرّجل،و التّرائب:للمرأة.

و التّرائب:فوق الثّديين.(الطّبريّ 30:144)

التّرائب:ماء المرأة،و صلب الرّجل.

(الطّبريّ 30:144)

ابن وهب:قال ابن زيد:التّرائب:الصّدر.و هذه الصّلب،و أشار إلى ظهره.(الطّبريّ 30:143)

الفرّاء:الصّلب:صلب الرّجل،و التّرائب:

ص: 701

ما اكتنف لبّات المرأة،ممّا يقع عليه القلائد.(3:255)

أبو عبيدة :معلّق الحلّي على الصّدر.(2:293)

نحوه ابن قتيبة(523)،و السّجستانيّ(216).

معمر بن أبي حبيبة: هو عصارة القلب،و منه يكون الولد.(الطّبريّ 30:144)

الطّبريّ: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندنا،قول من قال:

هو موضع القلادة من المرأة؛حيث تقع عليه من صدرها،لأنّ ذلك هو المعروف في كلام العرب،و به جاءت أشعارهم.[ثمّ استشهد بشعر](30:143)

نحوه أبو الفتوح(20:228)،و القرطبيّ(20:5).

الزّجّاج :جاء في التّفسير أنّها أربعة أضلاع من يمنة الصّدر و أربع أضلاع من يسرة الصّدر،و جاء في التّفسير أنّ التّرائب:اليدان و الرّجلان و العينان،و قال أهل اللّغة أجمعون:التّرائب:موضع القلادة من الصّدر.

(5:312)

ابن خالويه :(و التّرائب)نسق على الصّلب بالواو.فإن قيل:لم لم يقل يخرج من بين الصّلب و التّريبة،فكيف جمع أحدهما و وحّد الآخر؟

فالجواب في ذلك:أنّ صدر المرأة هو تريبتها،فيقال:

للمرأة ترائب،يعنى بها التّريبة و ما حواليها و أحاط بها، و كذلك العرب تقول:رأيت خلاخيل المرأة و ثديها،و إنّما لها ثديان و خلخالان.

و فيه جواب آخر،و هو أن يكون أراد تعالى:يخرج من بين الأصلاب و التّرائب،فاكتفى بالواحد عن الجماعة،كما قال تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً الأنبياء:30،و لم يقل:

و الأرضين.(48)

الطّوسيّ: [نقل قول ابن عبّاس و قال:]

قيل:إنّ نطفة الرّجل تخرج من ظهره،و نطفة المرأة من صدرها،فإذا غلب ماء الرّجل خرج الولد إلى شبه أهل بيت أبيه،و إذا غلب ماء المرأة خرج إلى شبه أهل بيت أمّه.(10:325)

البغويّ: و التّرائب:جمع تريبة،و هي عظام الصّدر و النّحر.(5:239)

المدينيّ: قيل:إنّها عظام الصّدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إنّما سمّي بذلك،لأنّ عظام الصّدر مستوية غير محتجنة،مأخوذ من الأتراب أيضا.(1:221)

الفخر الرّازيّ: ترائب المرأة:عظام صدرها حيث تكون القلادة،و كلّ عظم من ذلك:تريبة،و هذا قول جميع أهل اللّغة.

و اعلم أنّ الملحدين طعنوا في هذه الآية،فقالوا:إن كان المراد من قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ أنّ المنيّ إنّما ينفصل من تلك المواضع،فليس الأمر كذلك،لأنّه إنّما يتولّد من فضلة الهضم الرّابع،و ينفصل عن جميع أجزاء البدن،حتّى يأخذ من كلّ عضو طبيعته و خاصيّته،فيصير مستعدّا لأن يتولّد منه مثل تلك الأعضاء،و لذلك فإنّ المفرط في الجماع يستولي الضّعف على جميع أعضائه،و إن كان المراد أنّ معظم أجزاء المنيّ يتولّد هناك فهو ضعيف،بل معظم أجزائه إنّما يتربّى في الدّماغ،و الدّليل عليه أنّه في صورته يشبه الدّماغ،و لأنّ

ص: 702

المكثر منه يظهر الضّعف أوّلا في عينيه.و إن كان المراد أنّ مستقرّ المنيّ هناك فهو ضعيف،لأنّ مستقرّ المنيّ هو أوعية المنيّ،و هي عروق ملتفّ بعضها بالبعض عند البيضتين.و إن كان المراد أنّ مخرج المنيّ هناك فهو ضعيف،لأنّ الحسّ يدلّ على أنّه ليس كذلك.

و الجواب:لا شكّ أنّ أعظم الأعضاء معونة في توليد المنيّ هو الدّماغ،للدّماغ خليفة و هي النّخاع،و هو في الصّلب،و له شعب كثيرة نازلة الى مقدّم البدن،و هو التّريبة،فلهذا السّبب خصّ اللّه تعالى هذين العضوين بالذّكر،على أنّ كلامكم في كيفيّة تولّد المنيّ،و كيفيّة تولّد الأعضاء من المنيّ،محض الوهم و الظنّ الضّعيف،و كلام اللّه تعالى أولى بالقبول.(31:130)

نحوه الكلبيّ(4:191)،و النّسفيّ(4:348)، و النّيسابوريّ(30:70)،و الشّربينيّ(4:517)، و أبو السّعود(6:410)،و البروسويّ(10:398).

الآلوسيّ: أي و من بين ترائب كلّ امرأة،أي عظام صدرها،جمع تريبة،و فسّرت أيضا بموضع القلادة من الصّدر.و روي عن ابن عبّاس:و هو لكلّ امرأة واحد،إلاّ أنّه يجمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و حمل الآية على ما ذكر مرويّ عن سفيان و قتادة، إلاّ أنّهما قالا:أي يخرج من بين صلب الرّجل و ترائب المرأة،و ظاهره كالآية أنّ أحد الطّرفين للبينيّة الصّلب، و الآخر التّرائب،و هو غير ما قلناه،و عليه قيل:هو كقولك:يخرج من بين زيد و عمرو خير كثير،على معنى أنّهما سببان فيه.

و قيل:إنّ ذلك باعتبار أنّ الرّجل و المرأة يصيران كالشّيء الواحد،فكأنّ الصّلب و التّرائب لشخص واحد،فلا تغفل.ثمّ إنّ ما تقدّم مبنيّ إمّا على أنّ التّرائب مخصوصة بالمرأة،كما هو ظاهر كلام غير واحد،و إمّا على حمل تعريفها على العهد.

[ثمّ نقل بعض أقوال المفسّرين و الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و في«الكشف»:أقول:النّخاع بين الصّلب و التّرائب،و لا يحتاج إلى تخصيص التّريبة بالنّساء،فقد يمنع الشّعب النّازلة على أنّ تلك الشّعب إن كانت فهي أعصاب لا ذات تجاويف،و الوجه-و اللّه تعالى أعلم-أنّ النّخاع و القوى الدّماغيّة القلبيّة و الكبديّة كلّها تتعاون في إبراز ذلك الفضل،على ما هو عليه قابلا،لأن يصير مبدأ الشّخص على ما بيّن في موضعه،و قوله سبحانه:

مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ عبارة مختصرة جامعة لتأثير الأعضاء الثّلاثة،فالتّرائب:يشمل القلب و الكبد،و شمولها للقلب أظهر.و الصّلب:النّخاع و بتوسّطه الدّماغ،و لعلّه لا يحتاج إلى التّنبيه على مكان الكبد،لظهور ذلك لأنّه دم نضيج،و إنّما احتيج إلى ما خفي و هو أمر الدّماغ و القلب في تكوّن ذلك الماء،فنبّه على مكانهما.و قيل:ابتداء الخروج منه كما أنّ انتهاءه بالإحليل،انتهى.

و قيل:لو جعل ما بين الصّلب و التّرائب كناية عن البدن كلّه لم يبعد،و كان تخصيصهما بالذّكر لما أنّهما كالوعاء للقلب الّذي هو المضغة العظمى فيه،و أمر هذه الكناية على ما حكى مكّيّ عن ابن عبّاس في(التّرائب) أظهر،و زعم بعضهم جواز كون الصّلب و التّرائب

ص: 703

للرّجل،أي يخرج من بين صلب كلّ رجل و ترائبه.

(30:98)

القاسميّ: قال بعض علماء الطّبّ:التّرائب:جمع تريبة،و هي عظام الصّدر في الذّكر و الأنثى،و يغلب استعمالها في موضع القلادة من الأنثى.(17:6124)

الطّنطاويّ: و قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ أي يخرج من بين الرّجل و المرأة،لأنّ هذا الماء منهما معا،و اتّحد بعد ذلك.

و اعلم أنّ الدّماغ فيه مركز الإدراك،و خليفته في الجسم النّخاع الشّوكيّ المخزون في الصّلب،و هذا النّخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم موصلة الحسّ،لتنذر أعضاء الحركة فتقوم بالعمل.و لن تقوم حركة الجماع إلاّ بوجود هذه القوّة،و معلوم أنّ ترائب المرأة الّتي هي عظام الصّدر محلّ القلادة،و أنواع الزّينة الّتي تتحلّى بها المرأة،فأهمّ شيء في الرّجل عند اجتماع الزّوجين قوّته العضليّة و العصبيّة الّتي تجري في النّخاع في الصّلب.و أهمّ ما في المرأة في تلك الحال وحدها حسن زينتها،و أهمّها ما على الصّدر،فإذا جمل الصّدر و حسن الحليّ،فقد تمّ نظام الأحوال الّتي بها تكون الذّرّيّة.فعلى هذا عبّر بالصّلب عن الرّجل،و بالتّرائب عن المرأة و هذا من محاسن البلاغة.

فإنّ هذا مجاز في علم البيان:من إطلاق الجزء الّذي له أهمّيّة على الكلّ،كما تقول في العبد:رقبة،و في الكبش:رأس،و أنت تقصد نفس العبد لا رقبته،و تقصد نفس الكبش لا رأسه.لكن لمّا كانت المزيّة ظاهرة في هذين العضوين عبّر بهما عنهما،هكذا هنا في مسألة الأبوين فمزيّة كلّ منهما فيما ذكر معبّرا عنه،حتّى يتمّ الفعل المؤدّي لحصول الذّرّيّة.(25:114)

الطّباطبائيّ: و التّرائب:جمع تريبة و هي عظم الصّدر.

و قد اختلف كلماتهم في الآية و ما قبلها اختلافا عجيبا،و الظّاهر أنّ المراد بقوله: بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ البعض المحصور من البدن،بين جداري عظام الظهر و عظام الصّدر.(20:260)

مكارم الشّيرازيّ: نذكر بعض الآراء الكثيرة للمفسّرين بخصوص المراد من«الصّلب و التّرائب» الواردة في الآية المباركة:

1-الصّلب:إشارة إلى الرّجل،و التّرائب:إشارة إلى النّساء،لأنّ في الرّجال مظهر الصّلابة،و في النّساء مظهر الرّقّة و اللّطافة.

و عليه،فالآية بصدد ذكر حيمن الرّجل و بويضة المرأة،و منهما تتشكّل نطفة خلق الإنسان.

2-الصّلب:إشارة إلى ظهر الرّجل،و التّرائب:

إشارة إلى صدره،فيكون مراد الآية نطفة الرّجل الّتي تقع ما بين ظهره و صدره.

3-إرادة خروج الجنين من رحم أمّه،لأنّه يكون بين ظهرها و الجزء الأماميّ لبدنها.[ثمّ تعرّض لأبحاث أخرى ستأتي في«د ف ق،م و ه»](20:101)

متربة

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. البلد:16

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الّذي مأواه المزابل.(الدّرّ المنثور 6:355)

ص: 704

ابن عبّاس: قال أبو صالح:إنّه مرّ بمسكين لاصق بالتّراب حاجة،فقال:هذا الّذي قال اللّه تبارك و تعالى:

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ. (الفرّاء 3:266)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 30:205)

الّذي ليس له مأوى إلاّ التراب.

(الطّبريّ 30:204)

الّذي لا يواريه إلاّ التّراب.(الطّبريّ 30:204)

الّذي لا يقيه من التّراب شيء.(الطّبريّ 30:204)

نحوه مجاهد.(الماورديّ 6:279)

هو اللاّزق بالتّراب من شدّة الفقر.

(الطّبريّ 30:204)

نحوه عكرمة(الطّبريّ 30:205)،و أبو عبيدة(2:

299)،و ابن قتيبة(529)،و الزّجّاج(5:330)،و مثله السّجستانيّ(219).

هو المسكين الملقى بالطّريق بالتّراب.

(الطّبريّ 30:205)

شديد الحاجة.(الطّبريّ 30:205)

مسكين ذو بنين و عيال،ليس بينك و بينه قرابة.

(الطّبريّ 30:206)

البعيد التّربة:يعني الغريب البعيد عن وطنه.

(الماورديّ 6:279)

هو الّذي يخرج من بيته،ثمّ يقلب وجهه إليه، مستيقنا أنّه ليس فيه إلاّ التّراب.(أبو حيّان 8:476)

سعيد بن جبير: ذا عيال.(الطّبريّ 30:206)

إنّه الّذي ليس له أحد.(الماورديّ 6:279)

مجاهد :المطروح في الأرض،الّذي لا يقيه شيء دون التّراب.(الطّبريّ 30:205)

ساقط في التّراب.(الطّبريّ 30:205)

عكرمة :هو المحارف الّذي لا مال له.

(الطّبريّ 30:205)

هو الفقير المديون المحتاج.(ابن كثير 7:298)

الضّحّاك: ذا عيال لاصقين بالأرض،من المسكنة و الجهد.(الطّبريّ 30:206)

قتادة :كنّا نحدّث:أنّ التّرب هو ذو العيال الّذي لا شيء له.(الطّبريّ 30:206)

الثّوريّ: هم المطروحون على ظهر الطّريق قعودا على التّراب،لا بيوت لهم.(ابن عطيّة 5:486)

مثله أبو حيّان.(8:476)

ابن زيد :ذا حاجة،التّراب:المحتاج.

(الطّبريّ 30:205)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة،قول من قال:عني به أَوْ مِسْكِيناً قد لصق بالتّراب من الفقر و الحاجة، لأنّ ذلك هو الظّاهر من معانيه.و أنّ قوله:(متربة)إنّما هي«مفعلة»من ترب الرّجل،إذا أصابه التّراب.

(30:206)

نحوه أبو الفتوح(20:289)،و الفخر الرّازيّ(31:

187)،و القرطبيّ(20:70).

الشّريف المرتضى: و المتربة:«مفعلة»من التّراب،أي هو لاصق بالأرض من ضرّه و حاجته.

يجري مجرى قولهم في الفقير:«مدقع»و هو مأخوذ من الدّقعاء،و هي الأرض الّتي لا شيء فيها.(2:291)

ص: 705

نحوه ابن كثير.(7:298)

الخارزنجيّ: المتربة هنا:من التّريب،و هي شدّة الحال.(القرطبيّ 20:70)

ابن خالويه :(ذا)نصب،نعت للمسكين،و(متربة) جرّ بالإضافة،و معناه قد لصق بالتّراب من شدّة الفقر.

(93)

نحوه الطّباطبائيّ.(20:293)

أبو سنان: إنّه ذو زمانة.(الماورديّ 6:279)

الطّوسيّ: معناه ذا حاجة شديدة.(10:355)

القشيريّ: لا شيء له،حتّى كأنّه قد التصق بالتّراب من الجوع.(6:298)

البغويّ: قد لصق بالتّراب من فقره و ضرّه.

(5:257)

مثله الميبديّ(10:500)،و نحوه الزّمخشريّ(4:

257)،و الطّبرسيّ(5:495)،و الخازن(7:209)، و الشّربينيّ(4:540).

ابن عطيّة :معناه مدقعا قد لصق بالتّراب،و هذا ممّا ينحو إلى أنّ المسكين أشدّ فاقة من الفقير.

(5:486)

ابن العربيّ: و المتربة:الفقر البالغ الّذي لا يجد صاحبه طعاما إلاّ التّراب،و لا فراشا سواه.(4:1940)

نحوه القاسميّ(7:6163)،و عبد الكريم الخطيب (15:1578).

النّسفيّ: [بعد أن فسّر الكلمات الّتي قبلها:مسغبة و مقربة قال:]

و المتربة:الفقر،مفعلات من سغب،إذا جاع و قرب في النّسب،يقال:فلان ذو قرابتي و ذو مقربتي.و ترب، إذا افتقر،و معناه التصق بالتّراب،فيكون مأواه المزابل.

(4:359)

نحوه أبو السّعود(6:432)،و الآلوسيّ(30:138)، و مكارم الشّيرازيّ(27:31).

بنت الشّاطئ: و كون المسكين ذا متربة،بيان مثير لمدى العوز و الهوان،يلصق المسكين بالتّراب،أو يجعله من فرط العدم،لا يجد سوى التّراب.(1:194)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: التّراب على خمسة أوجه:الرّميم، الأتراب:الأشكال،التّرائب:الضّلوع،البهيمة، الصّعيد.

فوجه منها:التّراب يعني الرّميم،قوله: وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنّا تُراباً الرّعد:5،أي رميما،مثلها في ق:3،و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الأتراب:الأشكال قوله: عُرُباً أَتْراباً الواقعة:37،يعني أشكالا.[و]مثلها وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ ص:52،و مثلها وَ كَواعِبَ أَتْراباً النّبأ:33.

و الوجه الثالث:التّرائب يعني الضّلوع من الصّدر، كقوله: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:7، يعني التّراقي.

و الوجه الرّابع:التّراب يعني البهائم،قوله:

وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً النّبأ:40،يعني كنت بهيمة من البهائم،فأصير ترابا مع البهائم،و قيل:

ص: 706

ترابا:ميّتا.

و الوجه الخامس:التّراب:الصّعيد،قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ الرّوم:20،و كقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ المؤمن:67،و نحوه كثير.(181)

الفيروزآباديّ: قد جاء في القرآن على وجوه:

الأوّل:بمعنى العظام البالية،الرّميمة أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً المؤمنون:82.

الثّاني:بمعنى البهائم يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً النّبأ:4، أي بهيمة من البهائم.و قيل:هو بمعنى آدم عليه السّلام،و هذا ممّا يقوله إبليس.

الثّالث:بمعنى حقيقة التّربة: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ المؤمن:67.(بصائر ذوي التّمييز 2:297)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّراب،و هو ما نعم من أديم الأرض،و فيه لغات كثيرة،و هي:التّرب و التّرباء و التّرباء،يقال:أرض ترباء،أي ذات تراب.و كذا التّورب و التّوراب و التّيرب و التّيراب و التّريب،يقال:

بفيه التّيرب و التّريب و التّريب أيضا.و جمع التّراب:

أتربة و تربان.

و التّربة:مؤنّث التّرب،يقال:أرض طيّبة التّربة، أي خلقة ترابها،و تربة الإنسان:رمسه،و تربة الأرض:

ظاهرها.

و ترب الشّيء تربا:أصابه التّراب و لزق به فهو ترب،يقال:طعام ترب و لحم ترب،أي ملوّث بالتّراب.و ترب الرّجل:صار في يده التّراب.و مكان ترب:كثير التّراب،و قد ترب تربا،و ريح ترب و تربة:

تسوق التّراب و تحمله.

و أترب الشّيء:وضع عليه التّراب،و تترّب الشّيء:تلطّخ بالتّراب و لزق به،و تترّب فلان تتريبا:

تلوّث بالتّراب،و ترّبت الكتاب و القرطاس تتريبا فأنا أترّبه.

و من المجاز:ترب فلان تربا و متربة:خسر و افتقر فلزق بالتّراب من الحاجة،فهو ترب.و أترب:قلّ ماله، و أترب أيضا:استغنى و كثر ماله فهو مترب،أي صار ماله مثل التّراب،أو زال فقره،على السّلب،و مثله التّتريب أيضا.و قولهم:تربت يداه،دعاء عليه،أي لا أصاب خيرا.

و منه:التّرب،أي اللّدة و السّنّ،و الجمع:أتراب، و أكثر ما يستعمل في المؤنّث،يقال:هذه ترب هذه،و قد تاربتها،أي صارت تربها،و سمّي الأتراب بذلك للعبهم بالتّراب؛إذ هم صبيان أقران.

و منه أيضا:التّرائب:عظام الصّدر،و هي أربع أضلاع من يمنة الصّدر و أربع من يسرته،و الواحدة:

تريبة،و سمّيت بذلك لأنّها متشابهة كالأتراب أو كتشابه التّراب.

و التّريبتان:الضّلعان اللّتان تليان التّرقوتين.

و التّربان:الأنامل،واحدها:تربة.

و التّراب:أصل ذراع الشّاة،جمع ترب،مخفّف ترب.لعلّه لالتصاقه بالتّراب.

2-و يقال أيضا:جمل تربوت،أي ذلول،و بكر تربوت:مذلّل،و ناقة تربوت،و هي الّتي إذا أخذت

ص: 707

بمشفرها أو بهدب عينها تبعتك،و كلّ ذلول من الأرض و غيرها:تربوت.

و قد جاء على وزن«فعلوت»ألفاظ معدودة في اللّغة،و هي:ملكوت،جبروت،رحموت،رهبوت، و عظموت،سلبوت،و تربوت.و يقال:ناقة حلبوت و ركبوت،أي تصلح للحلب و الرّكوب،و رجل خلبوت:

خدّاع مكّار،و ثلبوت:أرض.

بيد أنّ بعضا يرى«تاء»تربوت مبدلا من«الدّالّ»، و أصله:دربوت،من«الدّربة»،أي المران و التّعويد.

و ليس هذا ببعيد،لأنّ إبدال التّاء«دالا»مستساغ في اللّغة لقرب مخرجيهما،و نظيره:الدّولج و التّولج:الكناس، و قولهم:هرت القصّار الثّوب و هرده،أي خرّقه.

و لكنّ هذا الرّأي يقصر عن مطاولة الرّأي الأوّل في الاشتقاق،و ما ذكر في توجيهه تمحّل و تكلّف،كما أنّه لم يرد لفظ«دربوت»في عداد ما جاء على وزن «فعلوت»في اللّغة،بخلاف«تربوت»كما رأيت.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة أربعة ألفاظ:تراب(17) مرّة،و أتراب(3)مرّات،و التّرائب و متربة كلّ منهما مرّة،في(22)آية:

1- يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ... الحجّ:5

2- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ الرّوم:20

3- وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً... فاطر:11

4- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ... المؤمن:67

5- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران:59

6- قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً

الكهف:37

7- وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنّا تُراباً أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ... الرّعد:5

8- أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ المؤمنون:35

9- قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ المؤمنون:82

10- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنّا لَمُخْرَجُونَ النّمل:67

11- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ

الصّافّات:16

12- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَدِينُونَ

الصّافّات:53

13- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق:3

14- وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ الواقعة:47

15- إِنّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

النّبأ:40

ص: 708

16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى... فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً... البقرة:264

17- يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ النّحل:59

18- وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ

ص:52

19- فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً

الواقعة:36،37

20- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً النّبأ:31-33

21- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:5-7

22- يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ

البلد:15،16

يلاحظ أوّلا:أنّ آيات«تراب»خمسة أصناف:

خلق الإنسان من التّراب،(1-6)و إحياؤه من التّراب، (7-14)و أصناف ثلاثة أخرى.(15-17)

ثانيا:جاءت(6)آيات في خلق الإنسان من تراب و سياقها إمّا إثبات قدرة اللّه،بأن خلق أشرف خلقه من تراب،و هو أزهد الأشياء و أهونها.أو تذكير الإنسان بخسّة أصله،ليتواضع و لا يستكبر.أو التّدليل على قدرة اللّه على إحيائه من التّراب مرّة أخرى،و هذه الغايات مبثوثة في الآيات.

و المراد بخلقه من تراب إمّا خلق أصله-و هو آدم- من تراب أو خلق نفسه منه،لأنّه من النّطفة و الدّم، و كلاهما من الغذاء،و هو إمّا ما ينبت من الأرض مباشرة،أو من الحيون الّذي يتغذّى من نبات الأرض، لاحظ(خلق الانسان)في«خ ل ق».

ثالثا:جاء خلق الإنسان بدل(تراب)من طين في خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:12، وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ المؤمنون:12، و خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ الصّافّات:11.و خلقه من صلصال في خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ الرّحمن:14،و ذلك إشارة إلى مراحل خلقه، فأصله التّراب ثمّ الطّين ثمّ الصّلصال.

رابعا:هذه الآيات مكّيّة سوى(1)من سورة الحجّ -و في محلّ نزولها بحث نبّهنا عليه مرارا-و(5)فهي وصف لعيسى بالذّات و لآدم بالعرض،فتناسب أوائل سورة آل عمران المدنيّة،و(17)فجاءت في سياق آيات التّشريع و المدنيّة دار التّشريع.

خامسا:إحياء الإنسان من تراب بعد الموت،و فيه (8)آيات:و كلّها مكّيّة إلاّ(7)من سورة الرّعد؛حيث قالوا:إنّها مدنيّة،و هي أشبه بالمكّيّة،لاحظ«المدخل».

فهي إدانة لرأي مشركي مكّة و غيرها الّذين أنكروا المعاد،بحجّة أنّ إحياء التّراب و العظام أمر محال.و تزيد هذه الآيات على آيات خلقه من تراب باثنتين،مع أنّ بعضا من تلك الآيات تهدف إلى إثبات المعاد أيضا.

فيبدو أنّ مشكلة البعث عند المشركين كانت شاقّة كمشكلة التّوحيد،أو أشقّ منها و أصعب،لا سيّما أنّ التّوحيد أمر فطريّ دون المعاد.

ص: 709

سادسا:أمّا الأصناف الثّلاثة الأخرى فهي:

1-في الآية(15): وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً يتمنّى الكافر يوم القيامة،حينما ينظر إلى ما قدّمت يداه من الشّرك و الإثم و الفساد؛أن لو كان ترابا،أي أخسّ الأشياء،و لم يكن إنسانا مكلّفا مسئولا عن أعماله فيعذّب بها.

2-و جاء في(16)تمثيل«بطلان الصّدقات»بالمنّ و الأذى بصفوان عليه تراب،فأصابه وابل،أي مطر شديد،فيتركه صلدا،أي أنّ الصّدقات تذهب بذلك هباء كالتّراب.فيبدو أنّ«التّراب»في الآيات كلّها جاء مثالا لأخسّ الأشياء و أخملها.

3-و في الآية(17): أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ تنبيه على أنّ العرب الجاهليّين كانوا يتطيّرون من الأنثى، فكان الّذي يبشّر بولد أنثى يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به،و يحدّث نفسه أ يمسكه على هون أم يدسّه في التّراب؟فكانت الأنثى عندهم مخلوقا منحطّ الرّتبة،حتّى أراد أن يدسّه في التّراب-و هو أدنى الأشياء-حتّى لا ترى فيعاب بها.

سابعا:جاء(تراب)نكرة في الآيات كلّها رمزا إلى حقارته و دناءته مساوقة لسياق الآيات سوى في(17) فجاء معرفة و إن كان سياق التّحقير أيضا كسائر الآيات و لعلّه تنبيه على أنّ هذا الّذي بشّر بالأنثى يتمنّى أن يدسّه فورا فيما أمامه من التّراب و الأرض الحاضرة و لا يؤخّره إلى مكان آخر ف«اللاّم»للعهد الحضوريّ.

و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

ثامنا:جاء«أتراب»-و هو جمع ترب كجنس-وصفا منكّرا دائما-إكبارا و تعظيما-لنساء أهل الجنّة من الحور العين،ثلاث مرّات روعي فيها رويّ الآيات:

ففي(18): وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ، أي عند المتّقين،لأنّ قبلها وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49

و في(19): إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً، و قبلها بآيات: وَ حُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ فهذه أوصاف الحور العين، و هنّ نفس القاصرات الطّرف،لاحظ«ع ي ن»و«ق ص ر».و هنّ للسّابقين و المقرّبين الّذين جاء ذكرهم في صدر السّورة،و لا شكّ أنّهم من المتّقين أيضا.

و في(20): إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً، فالفتيات ذوات الأثداء النّاهدة وصفن فيها بأنّهنّ أتراب.و يبدو أنّ المتّقين قد جزاهم ربّهم بهذه النّعم،لاتّقائهم المحرّمات و صبرهم عليها، و من بينها الحور العين الموصوفات بكونهنّ أتراب.

تاسعا:قيل:في معنى«أتراب»:إنّهنّ في سنّ واحدة مع بعضهنّ بعضا،أو مع أزواجهنّ.و هو بعيد عن السّياق.و جاء في التّفاسير:سنّهنّ ثلاث و ثلاثون،أو ستّ عشرة،أو أقلّ أو أكثر من ذلك،و لا شاهد له في القرآن.و الّذي يتبادر إلى الذّهن أنّهنّ في سنّ الحداثة و ريعان الشّباب.

و هناك قول بأنّهنّ متماثلات خلقا و خلقا،أي حسنا و بهاء و شبابا و سنّا و قامة،و هذا محتمل،إلاّ أنّ التّماثل في السّنّ هو الوصف الشّائع لهنّ.

و قيل:إنّه من التّراب،لأنّهنّ عند ما كنّ صبايا

ص: 710

لامست جلودهنّ التّراب عند اللّعب،يعني في الدّنيا دون الآخرة.

و كيف كان،فهذا التّماثل بينهنّ رمز إلى الائتلاف بينهنّ،و براءتهنّ من التّباغض و التّحاسد،فيسعد الرّجل بمعاشرتهنّ.و يقال في النّساء:أتراب،و في الرّجال:أقران،و أمثال،و أنداد،و أشباه و غير ذلك.

عاشرا:جاء في(21): يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ، أي تخرج النّطفة من بينهما،و فيها بحوث:

1-قيل:التّرائب مأخوذ من الأتراب،لأنّ عظام الصّدر مستوية غير متحجّنة-أي غير منحنية-مثل الأتراب.

2-قيل:إنّ التّرائب مختصّة بالنّساء،لأنّ التّرائب موضع القلاد،تقع بين ثدي المرأة و نحرها.

و اختاره الطّبريّ،لأنّه المعروف عند العرب،و جاء ذكرها في أشعارهم،و إليه يرجع تفسيرها بالجيد أو ما بين الجيد و النّحر و نحوهما.و كذا قولهم:إنّ الصّلب للرّجل و التّرائب للمرأة،فيقال:صلب الرّجل و ترائب المرأة.

و قيل:إنّهما جميعا للرّجل،أو للرّجل و المرأة معا، ففسّروها بأطراف الرّجل كاليدين و الرّجلين و العينين، أو بأربع أضلاع من كلّ جانب من أسفل الأضلاع الّتي هي أسفل الصّلب،أو أربع أضلاع من يمنة الصّدر،و أربع أضلاع من يسرة الصّدر.

و قيل:إنّهما كناية عن جميع البدين،فأريد بالصّلب:الظّهر و العقب،و بالتّرائب:الصّدر و مقاديم البدن.أي أنّ الماء الدّافق يخرج من جميع البدن،و بذلك يرتفع إشكال علماء الطّبّ و الملاحدة الّذي طرحه الفخر الرّازيّ.

و قيل:إنّهما كناية عن الرّجل و المرأة،فالصّلب مظهر تصلّب الرّجل،و التّرائب مظهر رقّة المرأة و لطافتها.

و قد جاء في تفسير«نوين»(132)بحث طريف ركّز فيه قول الطّنطاويّ،و احتمل رجوع الضّمير في «يخرج»إلى الإنسان،دون الماء الدّافق.

و عندنا أنّ كلّ ذلك محتمل و لا يخلو من لطف،إلاّ أنّه لا شاهد لواحد منها بعينه في اللّغة،سوى ما مرّ عن الطّبريّ،فلاحظ.

3-أثار ابن خالويه سؤالا بقوله:لم جمع التّرائب و أفرد الصّلب؟

و أجاب بأنّ صدر المرأة هو تريبتها،و أريد بالتّرائب:الصّدر و ما حوله،كما تقول العرب:رأيت خلاخيل المرأة و ثديها،و إنّما لها ثديان و خلخالان.

و أراد بذلك أنّ الجمع للتّعظيم و التّبجيل.

و عندنا أنّ الكلمة جاءت مرّة واحدة رعاية للرّويّ،كأمثالها ممّا جاء مرّة في القرآن.و الرّويّ في هذه السّورة:دافق،قادر،السّرائر،و نحوها.

الحادي عشر:جاء في(22): أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ، و ذكروا لها وجوها ترجع إلى أنّه كناية عن شدّة الفقر؛بحيث لا مأوى له إلاّ التّراب.و المتربة-كما ذكر الطّبريّ و غيره-من:ترب الرّجل،إذا أصابه التّراب و لصق به.أو من التّريب،و هو شدّة الحال، و هذا ينحو أنّ المسكين أشدّ فاقة من الفقير.و قال ابن

ص: 711

العربيّ: «المتربة:الفقر البالغ الّذي لا يجد صاحبه طعاما إلاّ التّراب».

و عندنا أنّها جاءت مرّة في القرآن لرعاية الرّويّ كالتّرائب و غيرها.

ص: 712

ت ر ف

اشارة

7 ألفاظ،8 مرّات مكّيّة،في 7 سور مكّيّة

اترفناهم 1:1 مترفين 1:1

اترفوا 1:1 مترفيها 1:1

اترفتم 1:1 مترفيهم 1:1

مترفوها 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّرف تنعيم الغذاء،و صبيّ مترف.

و المترف:الموسّع عليه عيشه،القليل فيه همّة (1)، و أترفه اللّه.

و التّرفة و الطّرمة في وسط الشّفة السّفلى،و هي هنة ناتئة خلقة،و النّعت:أترف.

و التّرفة:كلّ ما ترّفت به نفسك تتريفا،إذا خفّفت عنها.(8:114)

أبو مالك: الطّرمة:النّبرة في الشّفة العليا بضمّ الطّاء و فتحها،و التّرفة في السّفلى،فإذا ثنّوا قالوا:

طرمتان.(ابن دريد 3:453)

اللّحيانيّ: أترف الرّجل:أعطاه شهوته.

(ابن سيدة 9:476)

ابن دريد :رجل مترف:منعّم.و ترّفه أهله،إذا نعّموه.و التّرفة:الطّعام الطّيّب،أو الشّيء الطّريف يخصّ به الرّجل صاحبه.(2:11)

نفطويه: المترف:المتروك،يصنع ما يشاء لا يمنع منه.(الأزهريّ 14:271)

الأزهريّ: التّرفة:النّعمة،و صبيّ مترّف،إذا كان منعّم البدن مدلّلا.و المترف:الّذي أبطرته النّعمة،و سعة العيش.

و قيل للمتنعّم:مترف،لأنّه مطلق له،لا يمنع من تنعّم.(14:271)

نحوه ابن سيدة.(الإفصاح 1:8)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و استترف القوم:طغوا،و هو من الأوّل.(9:426)

ص: 713


1- كذا،و الظّاهر:همّته،أو همّه.

الجوهريّ: التّرفة بالضّمّ:هنة ناتئة في وسط الشّفة العليا خلقة.و أترفته النّعمة،أي أطغته.(4:1333)

ابن فارس :التّاء و الرّاء و الفاء كلمة واحدة،و هي التّرفة.

يقال:رجل مترف:منعّم،و ترّفه أهله،إذا نعّموه بالطّعام الطّيّب،و الشّيء يخصّ به.و في كتاب الخليل :

«التّرفة:الهنة في الشّفة العليا»،و هذا غلط،إنّما هي التّفرة و قد ذكرت.(1:345)

ابن سيدة :التّرف:التّنعّم.و التّتريف:حسن الغذاء.

و رجل مترف و مترّف:موسّع عليه.

و ترّف الرّجل و أترفه:دلّله و ملّكه كرفّله.

و التّرفة:الطّعام الطّيّب،و كلّ طرفة:ترفة.و ترف النّبات:تروّى.

و التّرفة:مسقاة يشرب بها.(9:476)

الطّوسيّ: الإتراف:التّنعّم بضروب الملاذّ،و ذلك أنّ التّنعيم قد يكون بنعيم العيش،و قد يكون بنعيم الملبس،فالإتراف بنعيم العيش.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:365)

الرّاغب: التّرفّه:التّوسّع في النّعمة،يقال:أترف فلان فهو مترف.[ثمّ ذكر الآيات](74)

الزّمخشريّ: أترفته النّعمة:أبطرته.و أترف فلان و هو مترف.و أعوذ باللّه من الإتراف،و الإسراف.

و استترفوا:تعفرتوا و طغوا،و لم أزل معهم في ترفة،أي في نعمة.(أساس البلاغة:38)

الطّبرسيّ: التّرفة بالنّعيم و اللّذّة،و ذلك أنّ التّرفة عادة النّعمة.[ثمّ استشهد بشعر](3:200)

ابن الأثير:فيه«أوه لفراخ محمّد من خليفة يستخلف عتريف مترف».

المترف:المتنعّم المتوسّع في ملاذّ الدّنيا و شهواتها.

و منه الحديث:«إنّ إبراهيم عليه السّلام فرّ به من جبّار مترف»،و قد تكرّر ذكره في الحديث.(1:187)

الفيروزآباديّ: التّرفة بالضّمّ:النّعمة،و الطّعام الطّيّب،و الشّيء الظّريف تخصّ به صاحبك،و هنة ناتئة وسط الشّفة العليا خلقة،و هو أترف.

و ترف محرّكة:جبل،أو موضع.و ذو ترف:موضع.

و كفرح:تنعّم.

و أترفته النّعمة:أطغته أو نعّمته كترّفته تتريفا، و فلان:أصرّ على البغي.

و المترف كمكرم:المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع، و المتنعّم لا يمنع من تنعّمه،و الجبّار.

و تترّف:تنعّم.و استترف:تغترف و طغى.

(3:124)

الطّريحيّ: و المترف:المتقلّب في لين العيش.

[ثمّ نقل بعض كلمات السّابقين](5:30)

البروسويّ: يقال:أترفته النّعمة:أطغته،و أترف فلان:أصرّ على البغي،أي إلى ما أعطيتموه من العيش الواسع و الحال الطّيّبة حتّى بطرتم به فكفرتم،و أعرضتم عن المعطي و شكره.(5:458)

محمّد إسماعيل إبراهيم: ترف النّبات ترفا:

كثر ماؤه و نضر،و ترف الرّجل:تنعّم،و أترفه اللّه:أذاقه النّعمة،و أترفته النّعمة،إذا أبطرته و أفسدته.و أترف الرّجل:أصرّ على البغي،و المترف:المتوسّع في التّنعّم

ص: 714

و الملاذّ.(1:90)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ التّرف هو التّنعّم بالنّعم الدّنيويّة،و سعة العيش في الحياة الدّنيا،و التّمتّع فيها من أيّ جهة.

و الإتراف هو التّوسيع في العيش،و التّنعيم في أيّ جهة من التّمتّعات الدّنيويّة.

أمّا الإتراف بمعنى الإبطار و الإطغاء،فمعان مجازيّة، و من لوازم السّعة في العيش.[إلى أن قال:]

و الفرق بين المترف و المنعم:إنّ المنعم من أنعم عليه، مادّيّة أو معنويّة،كاملة أو ناقصة،غافل عن غيرها أو متوجّه إليه.و هذا بخلاف المترف،فإنّه من توغّل في النّعم المادّيّة غافلا عن المعنويّات.(1:365)

النّصوص التّفسيريّة

اترفناهم

وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ.

المؤمنون:33

ابن قتيبة :وسّعنا عليهم حتّى أترفوا،و التّرفة منه و نحوها:التّحفة،كأنّ المترف هو الّذي يتحف.(297)

الطّبريّ: يقول:و نعّمناهم في حياتهم الدّنيا،بما وسّعنا عليهم من المعاش،و بسطنا لهم من الرّزق حتّى بطروا،و عتوا على ربّهم،و كفروا.[ثمّ استشهد بشعر]

(18:19)

نحوه البغويّ(3:365)،و الميبديّ(6:435)،و ابن عطيّة(4:142)،و الطّبرسيّ(4:106)،و الفخر الرّازيّ (23:97)،و البيضاويّ(2:106)،و النّسفيّ(2:119)، و الخازن(5:30)،و أبو حيّان(6:402)،و أبو السّعود (4:413)،و المشهديّ(6:607)،و البروسويّ(6:

82)،و شبّر(4:274)،و القاسميّ(12:4399)، و المراغيّ(18:22)،.

القرطبيّ: أي وسّعنا عليهم نعم الدّنيا حتّى بطروا، و ساروا يؤتون بالتّرفة؛و هي مثل التّحفة.(12:121)

نحوه النّيسابوريّ.(18:20)

الآلوسيّ: أي نعّمناهم و وسّعنا عليهم فيها على الصّلة،فيكون صفة معنى للموصوف بالموصول، و المتعارف إنّما هو وصف الأشراف بالمترفين،دون غيرهم.

و كذا الحال إذا لم يعطف،و جعل حالا من ضمير (كذّبوا)،و أنت تعلم أنّا لا نسلّم أنّ المتعارف إنّما هو وصف الأشراف بالمترفين،و لئن سلّمنا فوصفهم بذلك قد يبقى مع الموصول صفة لقومه،بأن يجعل جملة (اترفناهم)حال من(الملأ)بدون تقدير«قد»أو بتقديرها،أي قال الملأ في حقّ رسولنا: ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إلخ،في حال إحساننا عليهم.

نعم الظّاهر لفظا عطف جملة(اترفناهم)على جملة الصّلة،و الأبلغ معنى جعلها حالا من الضّمير،لإفادته الإساءة إلى من أحسن،و هو أقوى في الذّمّ.(18:29)

سيّد قطب :فالاعتراض المكرور هو الاعتراض على بشريّة الرّسول،و هو الاعتراض النّاشئ من انقطاع

ص: 715

الصّلة بين قلوب هؤلاء الكبراء المترفين،و بين النّفخة العلويّة الّتي تصل الإنسان بخالقه الكريم.

و التّرف يفسد الفطرة و يغلّظ المشاعر و يسدّ المنافذ و يفقد القلوب تلك الحسّاسيّة المرهقة الّتي تتلقّى و تتأثّر و تستجيب.و من هنا يحارب الإسلام التّرف،و يقيم نظمه الاجتماعيّة على أساس لا يسمح للمترفين بالوجود في الجماعة المسلمة،لأنّهم كالعفن يفسد ما حوله حتّى لينخر فيه السّوس،و يسبح فيه الدّود.(4:2467)

عبد الكريم الخطيب :و في عطف أَتْرَفْناهُمْ على التّكذيب و الكفر في هذا،إشارة إلى أنّ نعم اللّه-الّتي نعّمهم بها و أترفهم بالتّنعّم فيها-كانت عندهم عدلا للكفر و التّكذيب،و كأنّ ذلك صفة من صفاتهم إلى جانب الكفر و التّكذيب،أي كفروا و كذّبوا بلقاء الآخرة،و جحدوا بنعمنا الّتي أترفناهم بها،و كذّبوا بالرّسول الّذي جاءهم،و أبوا أن يؤمنوا لبشر مثلهم، و عدّوا هذا خسرانا و بلاء عليهم.(9:1135)

اترفوا

...وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ.

هود:116

ابن عبّاس: بما نعّموا فيه في الدّنيا من المال.

(192)

ما انظروا فيه.(الطّبريّ 12:139)

مجاهد :في ملكهم و تجبّرهم،و تركوا الحقّ.

(الطّبريّ 12:140)

قتادة :من دنياهم.(الطّبريّ 12:139)

الفرّاء:يقول:اتّبعوا في دنياهم ما عوّدوا من النّعيم، و إيثار اللّذّات على أمر الآخرة.(2:31)

نحوه القرطبيّ(9:113)،و البيضاويّ(1:485)، و الشّربينيّ(2:85)،و رشيد رضا(12:191).

أبو عبيدة :أي ما تجبّروا و تكبّروا عن أمر اللّه، و صدّوا عنه و كفروا.[ثمّ استشهد بشعر](1:301)

ابن قتيبة :ما أعطوا من الأموال،أي آثروه و اتّبعوه ففتنوا به.(211)

الطّبريّ: [نقل قول ابن عبّاس و قتادة ثمّ قال:]

و كأنّ هؤلاء وجّهوا تأويل الكلام:و اتّبعوا الّذين ظلموا الشّيء الّذي أنظرهم فيه ربّهم من نعيم الدّنيا و لذّاتها،إيثارا له على عمل الآخرة،و ما ينجيهم من عذاب اللّه.[إلى أن قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه أخبر تعالى ذكره أنّ الّذين ظلموا أنفسهم من كلّ أمّة سلفت،فكفروا باللّه،اتّبعوا ما انظروا فيه من لذّات الدّنيا،فاستكبروا عن أمر اللّه و تجبّروا،و صدّوا عن سبيله.ذلك أنّ المترف في كلام العرب:هو المنعم الّذي قد غذّي باللّذّات.[ثمّ استشهد بشعر](12:139)

الطّوسيّ: أي عوّدوا التّرفة بالتّنعيم و اللّذّة،و ذلك أنّ التّرفة عادة:النّعمة.[ثمّ استشهد بشعر](6:82)

نحوه المراغيّ.(12:97)

البغويّ: نعّموا فيه،و المترف:المنعم.(2:471)

نحوه شبّر.(3:254)

الميبديّ: أي اتّبع ما نعّموا فيه من لذّات الدّنيا، و آثروه و نسوا الآخرة.

ص: 716

و معنى(اترفوا)مكّنوا،من التّرفة،و هي التّنعّم،أي آثروا ذلك على طاعة اللّه فهلكوا، وَ كانُوا مُجْرِمِينَ.

(4:455)

نحوه ابن عطيّة.(3:214)

الفخر الرّازيّ: أي و اتّبعوا حراما ما أترفوا فيه.

(18:75)

نحوه الخازن.(3:211)

النّسفيّ: أي اتّبعوا ما عرفوا فيه من التّنعّم و التّرفّه من حبّ الرّئاسة و الثّروة،و طلب أسباب العيش الهنيء،و رفضوا الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و نبذوه وراء ظهورهم.(2:209)

نحوه أبو حيّان(5:272)،و الكاشانيّ(2:477).

النّيسابوريّ: [نحو النّسفيّ و أضاف:]

فهذه الجملة معطوفة على مدلول الجملة التّحضيضيّة،أي ما كان من القرون ناس كذا،و اتّبع الظّالمون كذا.

و يجوز أن يكون في الكلام إضمار،و الواو للحال، كأنّه قيل:أنجينا القليل،و قد اتّبع الّذين ظلموا جزاء إترافهم.

و المترف:الّذي أبطرته النّعمة.و صبيّ مترف:منعم البدن.(12:72)

أبو السّعود :أي أنعموا من الشّهوات و اهتمّوا بتحصيلها،و أمّا المباشرون فظاهر،و أمّا المساهلون فلما لهم في ذلك من نيل حظوظهم الفاسدة.

و قيل:المراد بهم تاركوا النّهي.و أنت خبير بأنّه يلزم منه عدم دخول مباشري الفساد الظّلم و الإجرام عبارة.(3:358)

البروسويّ: الإتراف:الإنعام،من التّرف و هو النّعمة،أي أنعموا فيه من الشّهوات و اللّذّات،و آثروها على أمر الآخرة.

و يقال:أترفته النّعمة،أي أطغته.فالمعنى ما أطغوا فيه على أن يكون(فيه)للسّببيّة.و المراد هو الأموال و الأملاك،قال اللّه تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى العلق:6،7.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن أبي السّعود](4:200)

الآلوسيّ: [نحو النّسفيّ و أضاف:]

و قيل:(اترفوا)أي طغوا،من:أترفته النّعم،إذا أطغته ف«في»إمّا سببيّة أو ظرفيّة مجازيّة.و تعقّب بأنّ هذا المعنى خلاف المشهور،و إن صحّ هنا.و معنى اتّباع ذلك:الاهتمام به و ترك غيره،أي اهتمّوا بذلك.(12:162)

اترفتم

لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ. الأنبياء:13

ابن عبّاس: أنعمتم.(269)

نحوه ابن قتيبة(284)،و الماورديّ(3:439)، و الطّوسيّ(7:235)،و البغويّ(3:284)،و ابن عطيّة (4:76)،و الطّبرسيّ(4:40)،و الخازن(4:235)، و شبّر(4:188).

الزّمخشريّ: من العيش الرّأفة و الحال النّاعمة، و الإتراف:إبطار النّعمة،و هي التّرفة.(2:564)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:142)،و البيضاويّ(1:

ص: 717

68)،و النّسفيّ(3:73)،و النّيسابوريّ(17:19)، و أبو حيّان(6:301)،و أبو السّعود(4:327)، و الكاشانيّ(3:332)،و البروسويّ(5:458)، و الآلوسيّ(17:16)،و القاسميّ(11:4253)، و المراغيّ(17:13).

ابن الجوزيّ: أي إلى نعمكم الّتي أترفتكم،و هذا توبيخ لهم.(5:342)

القرطبيّ: أي إلى نعمكم الّتي كانت سبب بطركم، و المترف:المتنعّم،يقال:أترف على فلان،أي وسّع عليه في معاشه،و إنّما أترفهم اللّه عزّ و جلّ،كما قال:

وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا المؤمنون:33.(11:275)

مترفوها

وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ. سبأ:34

ابن عبّاس: جبابرتها و أغنياؤها.(362)

نحوه يحيى بن سلاّم(الماورديّ 4:452)،و البغويّ (3:682)،و ابن الجوزيّ(6:459)،و الخازن(5:

240)،و الطّبرسيّ(4:292).

قتادة :هم رءوسهم و قادتهم في الشّرّ.

(الطّبريّ 22:99)

نحوه الطّبريّ(22:99)،و الزّجّاج(4:255).

أبو عبيدة :كفّارها المتكبّرون.(2:149)

نحوه ابن قتيبة.(357)

الرّمّانيّ: ذوو النّعم و البطر.(الماورديّ 4:452)

الطّوسيّ: المترفون منهم:المنعّمون.(8:398)

ابن عطيّة:و المترف:المنعم البطّال الغنيّ،القليل تعب النّفس و الجسم،فعادتهم المبادرة بالتّكذيب.

(4:422)

البيضاويّ: تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ممّا مني به من قومه.و تخصيص المتنعّمين بالتّكذيب؛لأنّ الدّاعي المعظم إلى التّكبّر و المفاخرة بزخارف الدّنيا:الانهماك في الشّهوات،و الاستهانة بمن لم يحظّ منها،و لذلك ضمّوا التّهكّم و المفاخرة إلى التّكذيب.(2:262)

مثله الكاشانيّ(4:222)،و نحوه شبّر.(5:186)

ابن كثير :و هم أولو النّعمة و الحشمة و الثّروة و الرّئاسة.(5:556)

الشّربينيّ: رؤساؤها الّذين لا شغل لهم إلاّ التّنعّم بالفاني حتّى أكسبهم البغي و الطّغيان،و لذلك قالوا لرسلهم: إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ. (3:301)

البروسويّ: المترف كمكرم:المتنعّم و الموسّع العيش و النّعمة،من:التّرفة بالضّمّ و هو التّوسّع في النّعمة.يقال:أترفه نعمه و أترفته النّعمة:أطغته،أي قال رؤساء تلك القرية المتكبّرون المتنعّمون بالدّنيا لرسلهم.

(7:298)

نحوه الآلوسيّ.(22:147)

المراغيّ: أي و ما بعثنا إلى أهل قرية نذيرا، ينذرهم بأسنا أن ينزل بهم على معصيتهم إيّانا،إلاّ قال كبراؤها و أولو النّعمة و الثّروة فيها:إنّا لا نؤمن بما بعثتم به من التّوحيد و البراءة من الآلهة و الأنداد.

و ليس في ذلك من عجب،فإنّ المنغمسين في الشّهوات يحملهم التّكبّر و التّفاخر بزينة الحياة الدّنيا

ص: 718

على النّفور من الكمال الرّوحيّ،و من تثقيف النّفوس بالإيمان و الحكمة،فالضّدّان لا يجتمعان:انغماس في الشّهوة،و علم و حكمة،ثروة مادّيّة و ثروة روحيّة.

(22:87)

الطّباطبائيّ: المترفون اسم مفعول من الإتراف، و هو الزّيادة في التّنعيم.و فيه إشعار بأنّ الإتراف يفضي إلى الاستكبار على الحقّ،كما تفيده الآية اللاّحقة.

(16:383)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها...

الزّخرف:23.

مترفين

إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ. الواقعة:45

ابن عبّاس:منعمين.(الطّبريّ 27:193)

مثله الطّبريّ(27:193)،و البغويّ(5:16)، و الخازن(7:18).

السّدّيّ: مشركين.(الماورديّ 5:457)

أبو عبيدة :متكبّرين.(2:251)

الماورديّ: يحتمل وصفهم بالتّرف بوجهين:

أحدهما:التهاؤهم عن الاعتبار،و شغلهم عن الازدجار.

الثّاني:لأنّ عذاب المترف أشدّ ألما.(5:457)

نحوه الطّبرسيّ(5:221)،و النّسفيّ(4:217).

ابن عطيّة :و المترف:المنعم في سرف و تخوّض.

(5:246)

ابن الجوزيّ: أي متنعّمين في ترك أمر اللّه، فشغلهم ترفهم عن الاعتبار و التّعبّد.(8:144)

الفخر الرّازيّ: جعل السّبب كونهم مترفين، و ليس كلّ من هو من أصحاب الشّمال يكون مترفا،فإنّ فيهم من يكون فقيرا؟

نقول قوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ ليس بذمّ،فإنّ المترف هو الّذي جعل ذا ترف،أي نعمة فظاهر ذلك لا يوجب ذمّا،لكن ذلك يبيّن قبح ما ذكر عنهم بعده،و هو قوله تعالى: وَ كانُوا يُصِرُّونَ، لأنّ صدور الكفران ممّن عليه غاية الإنعام أقبح القبائح، فقال:إنّهم كانوا مترفين،و لم يشكروا نعم اللّه،بل أصرّوا على الذّنب.

و على هذا فنقول:النّعم الّتي تقتضي شكر اللّه و عبادته في كلّ أحد كثيرة،فإنّ الخلق و الرّزق و ما يحتاج إليه،و تتوقّف مصالحه عليه حاصل للكلّ.غاية ما في الباب أنّ حال النّاس في الإتراف متقارب،فيقال في حقّ البعض بالنّسبة إلى بعض:إنّه في ضرّ،و لو حمل نفسه على القناعة لكان أغنى الأغنياء.

و كيف لا و الإنسان إذا نظر إلى حاله يجدها مفتقرة إلى مسكن يأوي إليه،و لباس الحرّ و البرد،و ما يسدّ جوعه من المأكول و المشروب،و غير هذا من الفضلات الّتي يحمل عليها شحّ النّفس،ثمّ إنّ أحدا لا يغلب عن تحصيل مسكن باشتراء أو اكتراء،فإن لم يكن فليس هو أعجز من الحشرات،لا تفقد مدخلا أو مغارة.

و أمّا اللّباس فلو اقتنع بما يدفع الضّرورة كان يكفيه في عمره لباس واحد،كلّما تمزّق منه موضع يرقعه من أيّ

ص: 719

شيء كان.بقي أمر المأكول و المشروب،فإذا نظر النّاظر يجد كلّ أحد في جميع الأحوال غير مغلوب عن كسرة خبز و شربة ماء،غير أنّ طلب الغنى يورث الفقر،فيريد الإنسان بيتا مزخرفا و لباسا فاخرا و مأكولا طيّبا،و غير ذلك من أنواع الدّوابّ و الثّياب،فيفتقر إلى أن يحمل المشاقّ.و طلب الغنى يورث فقره،و ارتياد الارتفاع يحطّ قدره.

و بالجملة شهوة بطنه و فرجه تكسر ظهره،على أنّنا نقول في قوله تعالى: كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ: لا شكّ أنّ أهل القبور لمّا فقدوا الأيدي الباطشة و الأعين الباصرة،و بان لهم الحقائق،علموا إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ، بالنّسبة إلى تلك الحالة.(29:170)

القرطبيّ: أي إنّما استحقّوا هذه العقوبة،لأنّهم كانوا في الدّنيا متنعّمين بالحرام.(17:213)

نحوه الشّربينيّ.(4:189)

البيضاويّ: منهمكين في الشّهوات.(2:448)

نحوه الكاشانيّ.(5:125)

النيسابوريّ: متنعّمين،متكبّرين عن التّوحيد و الطّاعة و الإخلاص.(27:80)

أبو حيّان :أي في الدّنيا مترفين فيه ذمّ التّرف و التّنعّم في الدّنيا.و التّرف طريق إلى البطالة،و ترك التّفكّر في العاقبة.(8:209)

ابن كثير :أي كانوا في الدّار الدّنيا منعّمين،مقبلين على لذّات أنفسهم،لا يلوون على ما جاءتهم به الرّسل.

(6:530)

نحوه المراغيّ.(27:140)

أبو السّعود: تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب، أي أنّهم كانوا قبل ما ذكر من سوء العذاب في الدّنيا منعّمين بأنواع النّعم،من:المآكل و المشارب و المساكن الطّيّبة و المقامات الكريمة،منهمكين في الشّهوات، فلا جرم عذّبوا بنقائضها.(6:190)

نحوه البروسويّ(9:328)،و القاسميّ(16:5653)

شبّر: منعّمين،لاهين عن الطّاعة.(6:144)

الآلوسيّ: تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب و سلك هذا المسلك في تعليل الابتداء بالعذاب،اهتماما بدفع توهّم الظّلم في التّعذيب،و لمّا كان إيصال الثّواب ممّا ليس فيه توهّم نقص أصلا،لم يسلك فيه نحو هذا.

و المترف هنا بقرينة المقام هو المتروك،يصنع ما يشاء لا يمنع،و المعنى أنّهم عذّبوا،لأنّهم كانوا قبل ما ذكر من العذاب في الدّنيا متّبعين هوى أنفسهم،و ليس لهم رادع منها يردعهم عن مخالفة أوامره عزّ و جلّ، و ارتكاب نواهيه سبحانه،كذا قيل.

و قيل:العاتي المستكبر عن قبول الحقّ و الإذعان له،و المعنى أنّهم عذّبوا،لأنّهم كانوا في الدّنيا مستكبرين عن قبول ما جاءتهم به رسلهم من الإيمان باللّه عزّ و جلّ، و ما جاء منه سبحانه.

و قيل:هو الّذي أترفته النّعمة،أي أبطرته و أطغته.

و قريب منه ما قيل:هو المنعم المنهمك في الشّهوات.[ثمّ ذكر قول أبي السّعود و أضاف:]

و تعقّب بأنّ كثيرا من أهل الشّمال ليسوا مترفين بالمعنى الّذى اعتبره،فكيف يصحّ تعليل عذاب الكلّ بذلك،و لا يرد هذا على ما قدّمناه من القولين،كما لا يخفى.

ص: 720

و من النّاس من فسّر المترف بما ذكر و تفصّى عن الاعتراض:بأنّ تعليل عذاب الكلّ بما ذكر في حيّز العلّة لا يستدعي أن يكون كلّ من المذكورات موجودا في كلّ من أصحاب الشّمال،بل وجود المجموع في المجموع،و هذا لا يضرّ فيه اختصاص البعض بالبعض،فتأمّله.

و قيل:المترف المجعول ذا ترفة،أي نعمة واسعة.

و الكلّ مترفون بالنّسبة إلى الحالة الّتي يكونون عليها يوم القيامة،و هو على ما فيه لا يظهر أمر التّعليل عليه.

(27:144)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:124)

المصطفويّ: أي متوغّلين في التّمتّعات الدّنيويّة،و معرضين عن الحالات الرّوحانيّة،و غافلين عن الوظائف الإلهيّة.(1:365)

مترفيها

وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. الإسراء:16 أبو العالية :مستكبريها.(الطّبريّ 15:55)

مجاهد :فسّاقها.(الماورديّ 3:236)

الضّحّاك:أي كبراءها.(الطّبريّ 15:56)

قتادة :أي جبابرتها ففسقوا فيها،و عملوا بمعصية اللّه.(الطّبريّ 15:56)

نحوه الحسن.(الماورديّ 3:236)

الرّمانيّ: رؤساءها.(الماورديّ 3:236)

الطّوسيّ: إنّما خصّ المترفون بذكر الأمر،لأنّهم الرّؤساء الّذين من عداهم تبع لهم،كما أمر فرعون و من عداه تبع له من القبط.(6:460)

نحوه ابن عطيّة.(3:444)

البغويّ: منعّميها و أغنياءها.(3:124)

نحوه البيضاويّ(1:58)،و الشّربينيّ(2:290)

ابن الجوزيّ: فأمّا المترفون:فهم المتنعّمون الّذين قد أبطرتهم النّعمة وسعة العيش،و المفسّرون يقولون:

هم الجبّارون و المسلّطون و الملوك،و إنّما خصّ المترفين بالذّكر لأنّهم الرّؤساء،و من عداهم تبع لهم.(5:19)

نحوه القرطبيّ(10:234)،و أبو السّعود(4:118)، و الكاشانيّ(3:183)،و البروسويّ(5:143)،و شبّر (4:13)،و الآلوسيّ(15:43)،و القاسميّ(10:

3914)،و المراغيّ(15:262).

و بهذا المعنى جاء قوله: حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ المؤمنون:64.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الترفة،و هي مسقاة يشرب بها،يقال:ترف النّبات،أي تروّى،ثمّ استعير هذا المعنى لما يؤكل،فأطلق على الطّعام الطّيّب.ثمّ عمّم على النّعمة و الإسراف فيها،يقال:صبيّ مترف،أي منعّم البدن مدلّل،و رجل مترف و مترّف:موسّع عليه، و أترف الرّجل و ترّفه:دلّله و ملّكه،و أترفه:أعطاه شهوته،و في الحديث:«أوه لفراخ محمّد من خليفة يستخلف،عتريف مترف»أي متنعّم متوسّع في ملاذّ الدّنيا و شهواتها.

و المترف:الّذي قد أبطرته النّعمة وسعة العيش،

ص: 721

و استترف القوم:طغوا،و في الحديث أنّ«إبراهيم فرّ به من جبّار مترف».

2-قال ابن فارس:«في كتاب الخليل :الترفة:الهنة في الشّفة العليا،و هذا غلط،إنّما هي التّفرة».فإن كان كما يقول فلهذه المادّة أصل واحد،و إن كان بخلاف ذلك فلها أصلان،باعتبار الترفة-أي الهنة في الشّفة العليا-أصل برأسه.

و لكن يؤخذ على ابن فارس أنّ«التّفرة»معنى مصرّح به،و هو نقرة في وسط الشّفة العليا،و الترفة مكنّى عنه بلفظ هنة ناتئة فيها كما تقدّم.فليس«الترفة» تصحيف«التّفرة»كما ذهب إليه،إذ هما لغتان،مثل:

اللّصص و الرّصص،أي شدّة التصاق الأسنان،و جذب الشّيء و جبذه:مدّه.

و لعلّ وجه اشتقاق الترفة-أي الهنة النّاتئة-من الترفة-أي المسقاة-هو شبهها بها،بيد أنّ ابن فارس أراد أن يتفصّى من توجيه هذه العلقة بين المعنيين، فذهب إلى هذا الرّأي ليستقيم له القياس في هذا الباب.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة ثلاثة أفعال،و خمسة أوصاف في(8)آيات:

1- وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ المؤمنون:33

2- لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ الأنبياء:13

3- فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ

هود:116.

4- وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ سبأ:34

5- وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ الزّخرف:23

6- وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

الإسراء:16

7- حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ المؤمنون:64

8- إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ الواقعة:45

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل«أترفناهم»في(1)معلوم، فاعله اللّه،و في(2)و(3)مجهول،و كذلك الوصف في الباقي،اسم مفعول،و الفاعل فيها هو اللّه الّذي يوسّع على عباده بالنّعم،و لا جناح عليه،فإنّ النّعم مظاهر رحمته الواسعة الّتي يفيدها وصف(الرّحمن)،إلاّ أنّ النّاس هم الّذين يسيئون الانقطاع بها،فيبدّلون النّعمة نقمة،و الرّحمة ترفا،فيوصفون بالمترفين.و بعبارة أخرى:النّعمة من اللّه خير،و الشّرّ من قبل النّاس،نعم، قد تكون النّعمة ابتلاء للنّاس،و خذلانا لهم،فيسند الإتراف حينئذ إلى اللّه،لأنّه منعم النّعم الّتي تصير سبب

ص: 722

خذلانهم.

ففي(1): وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و في(6):

أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها نسب الإتراف-و مثله الأمر-إلى اللّه مجازا باعتبار ما يؤول إليه،أي أنّ النّعمة موهبة من اللّه،لكنّها تؤول إلى نقمة و إتراف.

و يشهد بذلك نسبة الظّلم إليهم و نفيه عن اللّه في مثل: وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا في(3)،و بعدها:

وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ هود:117،و في(6): فَفَسَقُوا فِيها، و قبلها:

وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15، و في(2): وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ، و قبلها:

وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً الأنبياء:11، و بعدها: قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ الأنبياء:14.

و في(7): حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ، و قبلها:

وَ لَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ... وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ المؤمنون:62، 63،و هكذا سياق سائر الآيات.

و خلاصة المقال:أنّ اللّه لا يأمر بالقبيح و لا يعمل به، و إنّما القبيح من قبل النّاس،و هذا رأي الإماميّة و العدليّة جميعا في أمثال هذه الآيات،إلاّ أنّ الأشاعرة و الّذين يقال لهم:«السّلفيّة»يبقونها-كآيات الصّفات-على ظاهرها،و يوكلون معناها إلى اللّه تعالى.و المآل واحد، فإنّ المسلمين كلّهم ينزّهون اللّه عن القبيح،و شذّ من يقول بصدور القبيح عنه،سبحانه و تعالى عمّا يصفون.

ثانيا:جاء هذا الوصف ذمّا للكفّار،كأكبر سبب لكفرهم؛و ذلك أنّ التّرف ناشئ من حبّ الدّنيا،و هو «رأس كلّ خطيئة»،فالنّعمة موهبة من اللّه للنّاس،فإذا قوبلت بالشّكر-و هو صرفها في سبيل الخير-فهي خير،و إذا قوبلت بالكفر و التّرف فتنقلب شرّا.

ثالثا:تنبئ الآيات عن إدبار المترفين عن دعوة الأنبياء،و أنّه كان رذيلة مستمرّة بين الأمم،ففي(1) يعبّر القرآن عنهم ب«الملأ»،و نحوه في(4): وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ، و بإزاء المترفين الفقراء و أرباب الحوائج و المستضعفون،فإنّهم مقبلون على دعوة الأنبياء غالبا، كما يشهد به الكتاب و التّاريخ.

و هذا أمر طبيعيّ،لأنّه ليس أمامهم ما يمنعهم من الإقبال على الحقّ من التّرف و حبّ الدّنيا.فالفقر خير من الغنى من هذه النّاحية بالذّات،و إن اعتوره الشّرّ من نواح أخرى،لاحظ«ف ق ر»و«غ ن ي».

رابعا:الآيات كلّها مكّيّة فلم تأت هذه المادّة في المدنيّات،فهل كانت لغة أهل مكّة؟أو الموصوفين بالإتراف كانوا من صناديد قريش و رؤساء مكّة الّذين وقفوا أمام دعوة النبيّ عليه السّلام فكرّرت في الكتاب،تركيزا على ما كان يمنعهم عن قبول الدّعوة،كما جرت تماما في الأمم الغابرة؟

ص: 723

ص: 724

ت ر ق

اشارة

التّراقي

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّرقوة:و هو وصل عظم بين ثغرة النّحر و العاتق في الجانبين.

و التّرياق:لغة في الدّرياق،و هو دواء.(5:126)

الفرّاء: التّراقي:جمع ترقوة،و هي«فعلوة» و ليست«تفعلة»؛إذ ليس في الكلام«رقو».

(السّمين 6:432)

ابن السّكّيت :و تقول:هي التّرقوة.و العرقوة:

عرقوة الدّلو.و لا تقل:ترقوة و لا عرقوة.

و قد ترقيت الرّجل،إذا أصبت ترقوته.و قد عرقيت الدّلو عرقاة.(إصلاح المنطق:165)

ابن دريد :و درياق مثل التّرياق سواء،قال الرّاجز:

*ريقي و ترياقي شفاء السّمّ* و ربّما سمّيت الخمر:درياقا.(3:387)

و ترقوة:و هي القلت بين العنق و رأس العضد.

(3:418)

الأزهريّ: [التّرقوة]جمعها:التّراقي،و قد ترقيت فلانا،إذا أصبت ترقوته.(9:54)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و يقال للتّراقي:ترائق،على القلب.(5:363)

الجوهريّ: التّرياق بكسر التّاء:دواء السّموم، فارسيّ معرّب.و العرب تسمّي الخمر:ترياقا و ترياقة، لأنّها تذهب بالهمّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّرقوة:العظم الّذي بين ثغرة النّحر و العاتق،و هو «فعلوة»،و لا تقل:ترقوة بالضّمّ.(4:1453)

نحوه الرّازيّ.(91)

ابن فارس :التّاء و الرّاء و القاف،ليس فيه شيء غير التّرقوة،فإنّ الخليل زعم أنّها«فعلوة»و هو عظم وصل ما بين ثغرة النّحر و العاتق.(1:345)

ص: 725

ابن سيده:التّرق:شبيه بالدّرج.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّرقوتان:العظمان المشرفان بين ثغرة النّحر و العاتق،يكون للنّاس و غيرهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ترقاه:أصاب ترقوته.

و التّرياق:معروف،معرّب.(6:331)

التّرقوة:العظم المشرف في أعلى الصّدر من رأس المنكب إلى طرف ثغرة النّحر،و هما ترقوتان،الجمع:

التّراقي،و قالوا:التّرائق،و هو مقلوب من التّراقي؛فالواو زائدة في ترقوة،و القاف لام الكلمة لا عينها.

و قيل:هي من رقي يرقى.و ترقيته:أصبت ترقوته.

(الإفصاح 1:81)

التّرقاة،ترقى فلانا ترقاة:أصاب ترقوته.يقال:

ضربه فترقاه.(الإفصاح 1:647)

الرّاغب:التّراقي:جمع ترقوة،و هي عظم وصل ما بين ثغرة النّحر و العاتق.(74)

نحوه الزّمخشريّ(4:193)،و مجمع اللّغة(1:155).

الزّمخشريّ: بلغت الرّوح التّراقي،إذا شارف الموت.و تقول:لو ملأه إلى عرقوته،لترقّت روحه إلى ترقوته.و ضربته فترقيته،أي أصبت ترقوته.

(أساس البلاغة:38)

المدينيّ: في الحديث[في]صفة جماعة:«يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم».

التّراقي:جمع ترقوة،و هي عظم يصل بين ثغرة النّحر و العاتق من الجانبين،و يقلب جمعها فيقال:ترائق.

و يحتمل أن يريد أنّهم لا يعملون بالقرآن،فكأنّ القراءة لا تعدو ذلك،و لا يحصل لهم إلاّ القراءة فحسب.

(1:226)

في حديث عبد اللّه بن عمر:«ما أبالي ما أتيت إن شربت ترياقا،أو تعلّقت تميمة،أو قلت شعرا من قبل نفسي».

كراهة التّرياق،من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي،و هي محرّمة.و التّرياق أنواع،فإذا لم يكن فيه ذلك فلا بأس به،قاله الخطّابيّ.

و الحديث مطلق،فالأولى اجتناب ذلك كلّه.

(1:229)

العكبريّ: [مثل الفرّاء إلاّ أنّه قال:]

إذ ليس في الكلام«ترق».(2:1255)

ابن الأثير :[و في الحديث]:«إنّ في عجوة العالية ترياقا».التّرياق:ما يستعمل لدفع السّمّ من الأدوية و المعاجين،و هو معرّب.و يقال:بالدّال أيضا.(1:187)

الفيّوميّ: التّرقوة:وزنها«فعلوة»بفتح الفاء و ضمّ اللاّم،و هي العظم الّذي بين ثغرة النّحر و العاتق من الجانبين.و الجمع:التّراقي.قال بعضهم:و لا تكون التّرقوة لشيء من الحيوانات إلاّ للإنسان خاصّة.

و التّرياق:قيل:وزنه«فعيال»بكسر الفاء،و هو روميّ معرّب.و يجوز إبدال التّاء دالا و طاء مهملتين، لتقارب المخارج.

و قيل:مأخوذ من الرّيق و التّاء زائدة،و وزنه «تفعال»بكسرها،لما فيه من ريق الحيّات،و هذا يقتضي أن يكون عربيّا.(1:74)

نحوه الطّريحيّ.(5:142)

ص: 726

أبو حيّان:التّراقي:جمع ترقوة،و هي عظام الصّدر.و لكلّ إنسان ترقوتان،و هو موضع الحشرجة.

[ثمّ استشهد بشعر](8:382)

الفيروزآباديّ: التّرياق بالكسر:دواء مركّب، اخترعه«ماغنيس»و تمّمه«أندروماخس»القديم بزيادة لحوم الأفاعي فيه،و بها كمل الغرض.و هو مسمّيه بهذا،لأنّه نافع من لدغ الهوامّ السّبعيّة.

و هي باليونانيّة:ترياء،نافع من الأدوية المشروبة السّمّيّة،و هي باليونانيّة:«قاآ»ممدودة ثمّ خفّف و عرّب،و هو طفل إلى ستّة أشهر،ثمّ مترعرع إلى عشر سنين في البلاد الحارّة،و عشرين في غيرها،ثمّ يقف عشرا فيها،و عشرين في غيرها،ثمّ يموت و يصير كبعض المعاجين.

و قرية ب«هرات»و فرس للخزرج.

و الخمر:كالتّرياقة.

و التّرقوة و لا تضمّ تاؤه:العظيم بين ثغرة النّحر و العاتق.جمعه:التّراقي و التّرائق«فعلوة»لقولهم:

ترقيته ترقاة،أي أصبت ترقوته.(3:224)

محمّد إسماعيل إبراهيم:التّرقوة:العظام المحيطة بالنّحر في أسفل العنق،و الجمع:التّراقي.

و بلغت الرّوح التّراقي:وصلت إلى أعالي الصّدر، و ذلك كناية عن مشارفة الموت.

و أصل الفعل«ترقى فلانا»:أصاب ترقوته.(1:90)

النّصوص التّفسيريّة

كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ. القيمة:26

ابن عبّاس:إذا بلغت نفس الجسد إلى التّراقي.

(494)

نحوه الفرّاء(3:212)،و القمّيّ(2:397).

ابن زيد :التّراقي:نفسه.(الطّبريّ 29:194)

أبو عبيدة :صارت النّفس من تراقيه.(2:278)

نحوه ابن قتيبة(500)،و الطّبريّ(29:194).

الزّجّاج :ذكّرهم اللّه بصعوبة أوّل أيّام الآخرة،عند بلوغ النّفس التّرقوة.(5:254)

الماورديّ: يعني بلوغ الرّوح عند موته إلى التّراقي،و هي أعلى الصّدر،واحدها:ترقوة.

(6:157)

الطّوسيّ: إِذا بَلَغَتِ يعني النّفس أو الرّوح، و لم يذكر لدلالة الكلام عليه،كما قال: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها فاطر:45،يعني على ظهر الأرض.و إنّما لم يذكر لعلم المخاطب به.

و(التّراقي):جمع ترقوة؛و هي مقدّم الحلق من أعلى الصّدر،تترقّى إليه النّفس عند الموت،و إليها يترقّى البخار من الجوف،و هناك تقع الحشرجة.(10:200)

نحوه البغويّ(5:186)،و الميبديّ(10:305)، و الخازن(7:155).

الزّمخشريّ: و الضّمير في(بلغت)للنّفس،و إن لم يجر لها ذكر؛لأنّ الكلام الّذي وقعت فيه يدلّ عليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول العرب:أرسلت،يريدون جاء المطر، و لا تكاد تسمعهم يذكرون السّماء.(4:192)

نحوه أبو حيّان(8:389)،و الشّربينيّ(4:444)،

ص: 727

و أبو السّعود(6:337)،و الآلوسيّ(29:146)، و الطّباطبائيّ(29:113).

ابن عطيّة :و(التّراقي)[جمع]ترقوة،و هي عظام أعلى الصّدر،و لكلّ أحد ترقوتان،لكن من حيث هذا الأمر في كثير من جمع؛إذ النّفس المرادة اسم جنس، و(التّراقى)هي موازية للحلاقيم،فالأمر كلّه كناية عن حال الحشرجة و نزاع الموت.(5:406)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ ثمّ أضاف:]

و كنّي بذلك عن الإشفاء على الموت.(5:400)

نحوه الحائريّ.(29:8)

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّوسيّ و البغويّ ثمّ أضاف:]

قال بعض الطّاعنين:إنّ النّفس إنّما تصل إلى التّراقي بعد مفارقتها عن القلب،و متى فارقت النّفس القلب حصل الموت لا محالة.

و الآية تدلّ على أنّ عند بلوغها التّراقي،تبقى الحياة حتّى يقال فيه:من راق،و حتّى تلتفّ السّاق بالسّاق.

و الجواب:المراد من قوله: كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أي إذا حصل القرب من تلك الحالة.

(30:230)

القرطبيّ: [نحو الطّبرسيّ و الزّجّاج]

(29:109)

البيضاويّ: إذا بلغت النّفس أعالي الصّدر، و إضمارها من غير ذكر،لدلالة الكلام عليها.(2:523)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و المراد:زهوق الرّوح،لأنّ متعلّق النّفس هو الرّوح الحيوانيّ الّذي منبعه القلب،فإذا فارق المنبع لم يبق من آثاره في حواليه إلاّ قليل،كما لو غارت العين لم يبق في نواحيها إلاّ أثر قليل من النّداوة،فيزول عن قرب.

(29:111)

السّمين:(التّراقى)مفعول(بلغت)،و الفاعل مضمر على النّفس و إن لم يجر لها ذكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّراقي:جمع ترقوة،أصلها:تراقو،فقلبت واوها ياء،لانكسار ما قبلها.و التّرقوة:إحدى عظام الصّدر، كذا قال الشّيخ.و المعروف غير ذلك.

قال الزّمخشريّ: و لكلّ إنسان ترقوتان.فعلى هذا يكون من باب«غليظ الحواجب،و عريض المناكب».

و التّراقي:موضع الحشرجة.[إلى أن قال:]

و وزنها«فعلوة»فالتّاء أصل،و الواو زائدة،يدلّ عليه إدخال أهل اللّغة إيّاها في مادّة«ترق»...

و قرئ (التّراقي) بسكون الياء،و هي كقراءة زيد:

تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ المائدة:89.(6:431)

ابن كثير :أي حقّا إذا بلغت التّراقي،أي انتزعت روحك من جسدك و بلغت تراقيك.

و التّراقي:جمع ترقوة،و هي العظام الّتي بين ثغرة النّحر و العاتق،كقوله تعالى: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ الواقعة:83،و هكذا قال هاهنا: كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ. (7:173)

نحوه الشّوكانيّ.(6:148)

البقاعيّ: [قال الزّمخشريّ:و لكلّ إنسان ترقوتان]

و لعلّه جمع المثنّى،إشارة إلى شدّة انتشارها بغاية الجهد،لما فيه من الكرب،لاجتماعها من أقاصي البدن

ص: 728

إلى هناك...(الشّربينيّ 4:444)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

أي إذا بلغت النّفس النّاطقة-و هي الرّوح الإنسانيّ -أعالي الصّدر،و هي العظام المكتنفة لثغرة النّحر عن يمين و شمال،فإذا بلغت إليها يكون وقت الغرغرة.

قال بعضهم:لكلّ أحد ترقوتان،و لكن جمع التّراقي باعتبار الأفراد،و بلوغ النّفس التّراقي كناية عن عدم الإشفاء،أي القرب.(10:254)

الطّنطاويّ: أي إذا بلغت النّفس أعالي الصّدر، و هي جمع ترقوة؛و هي العظام الّتي بين ثغرة النّحر و العاتق،و هذا كناية عن إشراف النّفس على الموت.

[ثمّ استشهد بشعر](24:311)

مكارم الشّيرازيّ: التّراقي:جمع ترقوة،و هي العظام المكتنفة للنّحر عن يمين و شمال.و بلوغ الرّوح إلى الحلقوم:كناية عن اللّحظات الأخيرة من عمر الإنسان؛ و ذلك عند ما تخرج الرّوح من البدن،تتوقّف الأعضاء البعيدة عن القلب-كاليدين و الرّجلين-قبل غيرها، كأنّ الرّوح تطوي نفسها في البدن تدريجيّا حتّى تصل إلى الحلقوم،و في هذه الفترة يسعى أهله و أصدقاؤه مستعجلين قلقين لإيجاد طريق لينقذوه.(19:200)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّرقوة،أي العظم الواصل بين ثغرة النّحر و العاتق،و هما ترقوتان من الجانبين، و الجمع:التّراقي.و منه يقال:ترقيت الرّجل ترقاة،أي أصبت ترقوته،و في حديث الخوارج:«يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم»أو«تراقيهم»،أي كأنّ قراءتهم للقرآن لا تجاوز حلوقهم،فلا يقبلها اللّه منهم.

2-و«تاء»التّرقوة أصليّة،كما ذهب إلى ذلك سيبويه و جمهور اللّغويّين،فهي على وزن«فعلوة»،أي واوها زائدة.و منهم من جعلها أصليّة و التّاء فيها زائدة، فهي على هذا القول(تفعلة)،و احتجّوا بأنّ التّرقوة في أعلى البدن،فحريّ بها أن تكون من مادّة«ر ق ي»الّتي تفيد الارتفاع و الصّعود.و ردّ بأنّ«الواو»في التّرقوة تحكم بأن يكون هذا اللّفظ من مادّة«ر ق و»،و ليس هذا في كلامهم.

3-و التّرياق:دواء السّموم،و يطلق على الخمر أيضا،فيقال لها:ترياق و ترياقة،لأنّها تذهب بالهمّ بزعمهم.و تبدل التّاء بالدّال لقرب مخرجيهما،فيقال:

الدّرياق.و قيل:هو لفظ عربيّ مشتقّ من الرّيق،و تاؤه زائدة،و وزنه«تفعال»،لما فيه من ريق الحيّات،و قيل:

وزنه(فعيال)من«ت ر ق».و ليس كما قيل؛إذ هو لفظ يونانيّ معرّب.

و يسمّيه الفرس«ترياك»،و هم يطلقونه أيضا على المواد المخدّرة الّتي يتعاطاها المدمنون عليها بواسطة التّدخين،و لعلّ سبب التّسمية يرجع إلى أنّها تذهب الهمّ،كما يطلق العرب التّرياق على الخمر لهذا السّبب.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها آية واحدة:

كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ القيمة:26

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت في اللّغة من هذه المادّة-على

ص: 729

قول ابن فارس-سوى«التّرقوة»،فهي فريدة في مادّتها،كما هي فريدة في القرآن أيضا؛إذ جاءت مرّة واحدة هنا،إيفاء للرّويّ كأمثالها،و بعدها: وَ قِيلَ مَنْ راقٍ* وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ* وَ الْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ* إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ القيمة:27-30

ثانيا:قالوا:لكلّ نفس ترقوتان،فلم جمعت؟ و أجيب بأنّها مجتمعة من أقاصي البدن إلى هنا،أو الجمع باعتبار الأفراد،مثل:«الأيدى»و«الرّءوس»في آية الوضوء،و الحقّ ما تقدّم من مساوقة الرّويّ.

ثالثا:قد جاء«الحلقوم»بدل«التّراقي»في قوله:

فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ الواقعة:83،مناسقا لرويّه،فإنّه:مدهنون،تكذبون،تنظرون.

رابعا:بلوغ النّفس التّراقي أو الحلقوم:كناية عن الإشراف على الموت،و هو تعبير شعبيّ عند العرب،كما قال ابن دريد:«فقد بلغت نفوسهم التّراقي».فلا مجال للبحث في وصف خروج الرّوح و حقيقة الموت عند علماء التّشريح.و هذا رأينا في كثير من التّعابير القرآنيّة، مثل: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها الأعراف:179، حيث علّقت الفقه بالقلب،و هو عمل المخّ،لاحظ«ف ق ه».

خامسا:أنّ المقارنة بين الآيتين: كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ و يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:

7،تومئ إلى نحو من المماثلة بين بدء حياة الإنسان و حالة موته،فلكلّ منهما علاقة من وجهة نظر القرآن بأعالي الصّدر،و هي من أشرف مقاديم البدن،و يؤيّدها موازنتهما معا و مع«الأعالي»و التّفاوت بين لفظيهما لمساوقة الرّويّ،كما سبق.

سادسا:يرجع ضمير الفاعل في«بلغت»إلى النّفس أو الرّوح،و لم يأت لها ذكر لوضوحها،مثل: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فاطر:45،أي على ظهر الأرض.

ص: 730

ت ر ك

اشارة

21 لفظا،43 مرّة:22 مكّيّة،21 مدنيّة

في 20 سورة:15 مكّيّة،5 مدنيّة

ترك 12:2-10 تتركه 1:1

فتركه 1:-1 نترك 1:1

تركهم 1:-1 يترك 1:1

تركوا 2:1-1 يتركوا 1:1

تركوك 1:-1 تتركوا 1:-1

تركن 1:-1 أ تتركون 1:1

تركتم 3:1-2 اترك 1:1

تركتموها 1:-1 تارك 1:-1

تركت 2:2 لتاركوا 1:1

تركنا 8:7-1 بتاركي 1:1

تركناها 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّرك:ودعك الشّيء تتركه،و الاتّراك:

الافتعال.

و التّرك:الجعل في بعض الكلام،تقول:تركت الحبل شديدا،أي جعلته.

و التّرك:ضرب من البيض،مستدير شبيه بالتّركة و التّريكة،و هي بيض النّعام،و تجمع على ترك و ترائك، لأنّ الظّليم أقيم عنها فتركها.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّريكة:ماء يمضي عنه السّيل،و يتركه ناقعا.

و سمّي:الغدير،لأنّ السّيل غادره.

و التّرك:جيل من النّاس.(5:337)

ابن شميّل: التّرك:جماعة البيض،و إنّما هي سفيفة واحدة و هي البصلة.(الأزهريّ 10:134)

أبو زيد :تركنا للضّباع،أي تركناه مقتولا تأكل الضّباع لحمه.(7)

امرأة تريكة،و هي الّتي تترك فلا تتزوّج.

(الأزهريّ 10:134)

مثله ابن السّكّيت.(إصلاح المنطق:345)

ص: 731

أبو عبيدة:التّرك:البيض،واحدته:تركة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:134)

ابن الأعرابيّ: ترك الرّجل،إذا تزوّج بالتّريكة، و هي العانس في بيت أبويها.(الأزهريّ 10:134)

تارك:أبقى.(ابن سيدة 6:767)

ابن السّكّيت :و التّريكة من النّساء:الّتي يقلّ خطّابها.(379)

مثله ابن سيدة.(الإفصاح 1:340)

الدّينوريّ: و التّريك،بغير هاء:العنقود إذا أكل ما عليه.

التّريكة:الكباسة بعد ما ينفض ما عليها و تترك، و الجمع:تريك و ترائك.

التّريك،بغير هاء:العذق إذا نفض فلم يبق فيه شيء.(ابن سيدة 6:767)

كراع النّمل:و التّرك:هو الّذي يقال له:الدّيلم.

(ابن سيدة 6:767)

ابن دريد :التّركة:البيضة من الحديد،و سمّيت تركة تشبيها بتركة النّعام،و تركتها بيضتها إذا خرج منها الفرخ،و هي التّريكة أيضا،و الجمع:ترائك.

و التّريكة:روضة يغفلها النّاس فلا يرعونها، و الجمع:ترائك.

و التّرك:الجيل المعروف من النّاس.

و تقول العرب:تراك يا هذا،معدول عن التّرك،أي اترك.[ثمّ استشهد بشعر]

و تركة الرّجل:تراثه.(2:13)

نفطويه: التّرك على ضربين:مفارقة ما يكون الإنسان فيه،و ترك الشّيء رغبة عنه من غير دخول فيه.(الهرويّ 1:253)

السّجستانيّ: و تارك:مبق،من قوله تعالى:

وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الصّافّات:78.

(الأضداد:126)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و التّريكة و التّركة:بيض النّعام المنفردة،و هي من النّساء:الّتي تترك فلا تتزوّج.

و تركة الرّجل:ما يخلّفه.

و التّرائك:بقايا الشّجر.و قيل:هي المراتع الّتي كان النّاس رعوها إمّا في فلاة أو في جبل،فأكلها المال حتّى أبقوا منها بقايا لا ينالها المال.

و التّرك:القدح الّذي يحمله الرّجل بيديه،و الجميع:

التّراك.

و يقال للمرأة الرّيعة:تركة،و جمعها:تركات خفيفة.

و لا بارك اللّه فيه و لا تارك.[إلى أن قال:]

و يقال:تراك تراك،أي اترك اترك،و تراكها تراكها.

(6:220)

الخطّابيّ: [و في حديث قصّة إسماعيل:]

«ثمّ إنّ إبراهيم جاء يطالع تركته»...أي ولده الّذي تركه بالمكان الفقر،و أصل هذا في النّعام تترك بيضها بالعراء لا تحضنه.و ذلك أنّه ليس للنّعام عشّ كأعشاش الطّير،إنّما تبيض في الأدحيّ،و هو مكان تدحوه برجلها،ثمّ تبيض فيه،فربّما تركته لا تنتجه،و بها يضرب المثل في هذا.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 732

و يقال لتلك البيضة:التّركة،و هي التّريكة أيضا.

(3:81)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 4:15)

الجوهريّ: تركت الشّيء تركا:خلّيته.و تاركته البيع متاركة.

و تراك،بمعنى اترك،و هو اسم لفعل الأمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال فيه:فما اتّرك،أي ما ترك شيئا،و هو«افتعل».

و تركة الميّت:تراثه المتروك.

و التّريكة من النّساء:الّتي تترك فلا يتزوّجها أحد.

[ثمّ استشهد بشعر]

و التّريكة:بيضة النّعام الّتي تتركها.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّريكة:روضة يغفلها النّاس فلا يرعونها.

و التّركة:البيضة من الحديد،و الجمع ترك.[ثمّ استشهد بشعر](4:1577)

ابن فارس :التّاء و الرّاء و الكاف:التّرك:التّخلية عن الشّيء،و هو قياس الباب،و لذلك تسمّى البيضة بالعراء تريكة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تركة السّلاح،و هي البيضة،و هي محمول على هذا و مشبّه به،و الجمع:ترك.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و في الكتاب المنسوب إلى الخليل :«يقال تركت الحبل شديدا،أي جعلته شديدا»و ما أحسب هذا من كلام الخليل.(1:345)

أبو هلال :الفرق بين الكفّ و التّرك:أنّ التّرك عند المتكلّمين:فعل أحد الضّدّين اللّذين يقدر عليهما المباشر.

و قال بعضهم:كلّ شيئين تضادّا و قدر عليهما بقدرة واحدة مع كون وقت وجودهما وقتا واحدا،و كانا يحلاّن محلّ القدرة،و انصرف القادر بفعل أحدهما عن الآخر، سمّي الموجود منهما:تركا،و ما لم يوجد:متروكا.

و التّرك عند العرب تخليف الشّيء في المكان الّذي هو فيه و الانصراف عنه،و لهذا يسمّون بيضة النّعامة إذا خرج فرخها:تريكة،لأنّ النّعامة تنصرف عنها.

و التّريكة:الرّوضة يغفلها النّاس و لا يرعونها.

الفرق بين التّرك و التّخلية:أنّ التّرك هو ما ذكرنا، و التّخلية للشّيء:نقيض التّوكيل به،يقال:خلاّه،إذا أزال التّوكيل عنه،كأنّه جعله خاليا لا أحد معه،ثمّ صارت«التّخلية»عند المتكلّمين:ترك الأمر بالشّيء و الرّغبة فيه و النّهي عن خلافه.و يقولون:القادر مخلّى بينه و بين مقدوره،أي لا مانع له منه،شبّه بمن ليس معه موكّل يمنعه من تصرّفاته.

الفرق بين قولك:تركت الشّيء،و قولك:لهيت عنه:أنّه يقال:لهيت عنه،إذا تركته سهوا أو تشاغلا، و لا يقال:لمن ترك الشّيء عامدا أنّه لهى عنه.

و قول صاحب«الفصيح»:لهيت عن الشّيء إذا تركته،غلط،أ لا ترى أنّه لا يقال لمن ترك الأكل بعد شبع أو الشّرب بعد الرّيّ:إنّه لهى عن ذلك،و أصله من «اللّهو»:ميل الانفعال و المطاوعة.(91)

الفرق بين الضّدّ و التّرك:أنّ كلّ ترك ضدّ و ليس كلّ ضدّ تركا،لأنّ فعل غيري قد يضادّ فعلي،و لا يكون

ص: 733

تركا له.(130)

الهرويّ: و في حديث الحسن:«إنّ ترائك في خلقه»التّرائك:جمع تريكة،يعني أمورا أبقاها في العباد، من الأمل و الغفلة،حتّى ينبسطوا بها إلى الدّنيا.

(1:253)

ابن سيدة :التّرك:ودعك الشّيء،تركه يتركه تركا،و اتّركه.و تتارك الأمر بينهم.

و تركة الرّجل:ما يتركه من التّراث.

و التّريكة:الّتي تترك لا تتزوّج.قال اللّحيانيّ:

و لا يقال ذلك للذّكر.

و التّريكة:الرّوضة الّتي يغفلها النّاس فلا يرعونها.

و قيل:التّريكة:المرتع الّذي كان النّاس رعوه إمّا في فلاة و إمّا في جبل،فأكله المال حتّى أبقى منه بقايا من عوّذ.

و التّريكة من الماء:ما تركه السّيل.

و التّريكة:البيضة بعد ما يخرج منها الفرخ.و خصّ بعضهم به بيض النّعام الّتي تتركها بالفلاة بعد خلوّها ممّا فيها.

و قيل:هي بيضة النّعام المفردة.و الجمع:ترائك، و ترك.و هي:التّركة،و الجمع:ترك.

و التّريكة:بيضة الحديد،و أراها على التّشبيه بالتّريكة الّتي هي البيضة.و الجمع:ترائك،و تريك.

و هي:التّركة،و جمعها:ترك.

و لا بارك اللّه فيه و لا تارك و لا دارك،كلّ ذلك إتباع.

و التّرك:الجعل،في بعض اللّغات،يقال:تركت الحبل شديدا،أي جعلته شديدا.و التّرك:المعروف، و الجمع:أتراك.(6:766)

التّريك و التّريكة:العذق إذا نفض فلم يبق فيه شيء،و الجمع:التّرائك.(الإفصاح 2:1138)

الرّاغب: ترك الشّيء:رفضه قصدا و اختيارا أو قهرا و اضطرارا،فمن الأوّل: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ الكهف:99،و قوله: وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً الدّخان:24.

و من الثّاني: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ الدّخان:25، و منه تركة فلان لما يخلّفه بعد موته.و قد يقال:في كلّ فعل ينتهي به إلى حاله:ما تركته كذا،أو يجري مجرى كذا،جعلته كذا،نحو تركت فلانا وحيدا.

و التّريكة أصله:البيض المتروك في مفازته، و يسمّى بيضة الحديد بها كتسميتهم إيّاها بالبيض.

(74)

الزّمخشريّ: تركه ترك ظبي ظلّه.و ترك فلان مالا و عيالا.و أخرجوا الثّلث من تركته.

و تاركه البيع و غيره،و تتاركوا الأمر فيما بينهم:

و قال فيه فما اتّرك،و من بذل نفسه فما اتّرك و لا مترك.

و فتل الحبل حتّى تركه شديدا.و تركته جزر السّباع.

و تقول:تراك تراك صحبة الأتراك.

و رعوا الكلأ و تركوا منه ترائك،أي بقايا.و فلانة تريكة:متروكة لا تتزوّج.و لا بارك اللّه عليه و لا تارك و لا دارك.

و رأيت على الأريكة تركيّة كالتّريكة،و هي بيضة النّعامة.

و رأيت نساء كالسّبائك و التّرائك،ليّنات العرائك،

ص: 734

متّكئات على الأرائك.(أساس البلاغة:38)

[و في حديث حنين]«حتّى تركوه في حرجة سلم، و هو على بغلته»تركوه بمعنى جعلوه.(الفائق 2:319)

المدينيّ: في الحديث:«العهد الّذي بيننا و بينهم الصّلاة،فمن تركها فقد كفر».

يعني المنافقين،لأنّهم يصلّون في الظّاهر رياء،فإذا خلوا لا يصلّون،أي ما داموا يصلّون في الظّاهر فلا أمر لنا معهم،و لا سبيل لنا عليهم.و إذا تركوها في الظّاهر كفروا؛ بحيث يحلّ لنا دماؤهم و أموالهم.

«التّرك»على ثلاثة أضرب:

أحدها:ما ترك إبقاء لقوله تعالى: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الصّافّات:108، وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً الذّاريات:37، وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ النّساء:12.

الثّاني:ترك رفض لشيء لم يكن فيه قبل،كقوله تعالى: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ يوسف:37.

الثّالث:ترك مفارقة،كقوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الدّخان:25،و هذا قريب من الأوّل.

و قال قوم:هو لمن تركها جاحدا،و قيل:هو أن يتركها حتّى يخرج وقتها،بدلالة قوله تعالى: أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ مريم:59.

و هذا لا يحتمل إلاّ أن يكون تاركا للصّلوات،لأنّه قال:(الصّلاة)بالألف و اللاّم.أ لا ترى أنّه قال:

فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا مريم:59،و الغيّ:واد في جهنّم لا يدخله إلاّ الكفّار.

و قيل:لا يجوز أن يترك المؤمن الصّلاة على كلّ حال،لأنّ اللّه تعالى أخبر أنّ المؤمن يقيم الصّلاة،فقال تعالى: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ البقرة:3، وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ الحجّ:35،و في النّكرة: وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ الأنعام:92.

أخبر أنّ من يؤمن بالآخرة يؤمن بها،و هو على صلاته محافظ،فثبت باسم المعرفة و النّكرة في صفة المؤمنين،أنّهم يقيمون الصّلاة و يحافظون عليها،فلم يكن للتّرك منهم معنى.(1:227)

ابن الأثير :في حديث الخليل عليه السّلام:«إنّه جاء إلى مكّة يطالع تركته».التّركة بسكون الرّاء،في الأصل:

بيض النّعام،و جمعها:ترك،يريد به ولده إسماعيل و أمّه هاجر لمّا تركهما بمكّة.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«و أنتم تريكة الإسلام و بقيّة النّاس».

و حديث الحسن:«إنّ للّه تعالى ترائك في خلقه».

أراد أمورا أبقاها اللّه تعالى في العباد من الأمل و الغفلة، حتّى ينبسطوا بها إلى الدّنيا.(1:88)

الفيّوميّ: تركت المنزل تركا:رحلت عنه، و تركت الرّجل:فارقته.ثمّ استعير للإسقاط في المعاني، فقيل:ترك حقّه،إذا أسقطه.و ترك ركعة من الصّلاة:لم يأت بها،فإنّه إسقاط لما ثبت شرعا.

و تركت البحر ساكنا:لم أغيّره عن حاله.

و ترك الميّت مالا:خلّفه؛و الاسم:التّركة.و يخفّف بكسر الأوّل و سكون الرّاء مثل:كلمة و كلمة،و الجمع:

تركات.

و التّرك:جيل من النّاس،و الجمع:أتراك،

ص: 735

و الواحد:تركيّ،مثل روم و روميّ.(1:74)

الفيروزآباديّ: تركه تركا و تركانا بالكسر، و اتّركه ك«افتعله»:ودعه،و تتاركوا الأمر بينهم.

و تركة الرّجل كفرحة:ميراثه.

امرأة تترك لا تزوّج،و روضة يغفل عن رعيها، و ما تركه السّيل من الماء،و البيضة بعد أن يخرج منها الفرخ،أو يخصّ بالنّعام؛و بيضة الحديد كالتّركة فيهما، جمعها:ترائك و تريك و ترك،و الكباسة بعد أن ينفض ما عليها.

و كأمير:العنقود أكل ما عليه،و العذق نفض.

و لا بارك اللّه فيه،و لا تارك و لا دارك:إتباع.

و التّرك:الجعل،كأنّه ضدّ وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ أي أبقينا.

و بالضّمّ:جيل من النّاس،جمعه:أتراك.

و كسمع:تزوّج تريكة.

و التّركة:المرأة الرّبعة،و في الحديث:«جاء الخليل إلى مكّة يطالع تركته»أي هاجر و ولدها إسماعيل.و لو روي بكسر الرّاء كان وجها بمعنى الشّيء المتروك.

و روضة التّريك باليمن.(3:306)

مجمع اللّغة :ترك الشّيء يتركه تركا،من باب «نصر»:خلاّه و انصرف عنه قصدا و اختيارا أو قهرا و اضطرارا،فهو تارك،و هم تاركون.

و تختلف التّخلية و الانصراف باختلاف المقامات:

فيقال:ترك فلانا أو مذهب فلان:إذا صدّ عنه و انصرف.

و يقال:ترك فلان مالا،أي مات عنه و خلّفه من بعده.

و يقال:قطع الشّجر و ترك النّخل مثلا،أي خلاّه على حاله فأبقاه.

و يقال:أجهز على أعدائه فما ترك أحدا منهم،أي فما أبقى على أحد منهم،و أصله:فما خلّى أحدا عن الإجهاز عليه.

و يقال:ترك في القوم أثرا،أي خلاّه فيهم و أبقاه.

و قد يضمن«ترك»معنى جعله على حالة ما،و أبقاه عليها.(1:155)

المصطفويّ: هذه المادّة تدلّ على:رفع اليد و التّخلية،سواء كان قهرا أو بالاختيار،في أمور مادّيّة أو معنويّة،و يطلق على ترك ما كان مقدورا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

إنّ«الترك»لمّا كان عبارة عن رفع اليد و التّسلّط و قطع النّفوذ،فهو أمر وجوديّ لا محالة،كسائر الأمور و الأفعال الوجوديّة.(1:366)

النّصوص التّفسيريّة

ترك

وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً. النّساء:33

الطّبريّ: ممّا تركه والداه و أقربائه من الميراث.

(5:51)

الزّمخشريّ: (ممّا ترك)تبيين(لكلّ)أي و لكلّ شيء ممّا ترك الوالدان و الأقربون من المال.(1:523)

ص: 736

الطّبرسيّ: قوله:(ممّا ترك الوالدان)الجارّ و المجرور وقع موقع الصّفة لقوله:(موالى)أي موالي كائنين ممّا ترك،أي خلّف الوالدان و الأقربون.

أي يورثون أو يعطون ممّا ترك الوالدان.(2:41)

نحوه الطّباطبائيّ.(4:342)

الفخر الرّازيّ: أي:لكلّ واحد جعلنا ورثة في تركته،ثمّ كأنّه قيل:و من هؤلاء الورثة؟فقيل:هم الوالدان و الأقربون؛و على هذا الوجه لا بدّ من الوقف عند قوله:(ممّا ترك).(10:84)

نحوه رشيد رضا(5:64)،و المراغيّ(5:25)، و عبد المنعم الجمّال(1:535)

أبو البقاء: (ممّا ترك)فيه وجهان:

أحدهما:هو صفة«مال»تقديره:أي من مال تركه الوالدان.

و الثّاني:هو متعلّق بفعل محذوف دلّ عليه«الموالي» تقديره:يرثون ممّا ترك.

و قيل:(ما)بمعنى من،أي لكلّ أحد ممّن ترك الوالدان.(1:352)

البيضاويّ: أي و لكلّ تركة جعلنا ورّاثا يلونها و يحوزونها.و(ممّا ترك)بيان(لكلّ)مع الفصل بالعامل.

أو لكلّ ميّت جعلنا ورّاثا(ممّا ترك)،على أنّ«من» صلة(موالى)لأنّه في معنى الوارث،و في(ترك)ضمير (كلّ)،و اَلْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ استئناف مفسّر للمولى،و فيه خروج الأولاد،فإنّ الأقربين لا يتناولهم كما لا يتناول الوالدين.

أو و لكلّ قوم جعلناهم موالي حظّ ممّا ترك الوالدان و الأقربون،على أنّ جَعَلْنا مَوالِيَ صفة(كلّ) و الرّاجع إليه محذوف؛على هذا فالجملة من مبتدإ و خبر.

(1:217)

أبو حيّان : مِمّا تَرَكَ في موضع الصّفة ل(كلّ) و(الوالدان و الاقربون)فاعل(ترك)،و يكونون موروثين.(و لكلّ)متعلّق ب(جعلنا)إلاّ أنّ في هذا التّقدير الفصل بين الصّفة و الموصوف بالجملة المتعلّقة بالفعل الّذي فيها المجرور،و هو نظير قولك:بكلّ رجل مررت تميميّ،و في جواز ذلك نظر.(3:237)

الفاضل المقداد: الموالي هنا:الورّاث،فالتّقدير حينئذ:جعلنا لكلّ إنسان موالي يرثونه ممّا ترك.و«من» للتّعدية،و الضّمير في(ترك)للإنسان الميّت،أي يرثونه ممّا تركه.و(الوالدان)خبر مبتدإ محذوف،أي هم الوالدان و الأقربون،و يترتّبون الأقرب فالأقرب، لقرينة معنى القرب.

و قال الزّمخشريّ: تقديره:و لكلّ شيء جعلنا ممّا ترك الوالدان و الأقربون موالي يرثونه و يحوزونه.

أو تقديره:و لكلّ قوم جعلناهم موالي نصيب ممّا ترك الوالدان و الأقربون،و فيهما نظر:

أمّا الأوّل فلأنّه يفهم منه حينئذ أنّ لكلّ صنف من أصناف التّركة وارثا،و هو فاسد؛لأنّ الورّاث مشتركون في كلّ جزء من كلّ صنف من التّركة.

و أمّا الثّاني فلأنّ الوالدين و الأقربين هم الورّاث لا الموتى،بدليل أنّه عطف عليهم وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ و هم الورّاث،لأنّه قال: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ. (2:323)

ص: 737

أبو السّعود: (ممّا ترك)بيان ل(كلّ)،قد فصل بينهما بما عمل فيه،كما فصل في قوله تعالى: قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الأنعام:14، بين لفظ الجلالة و بين صفته بالعامل فيما أضيف إليه،أعني (غير).

أو و لكلّ قوم جعلناهم موالي أو ورّاثا نصيب معيّن مغاير لنصيب قوم آخرين ممّا ترك الوالدان و الأقربون، على أنّ(جعلنا موالى)صفة ل(كلّ)،و الضّمير الرّاجع إليه محذوف،و الكلام مبتدأ و خبر،على طريقة قولك:

لكلّ من خلقه اللّه إنسانا من رزق اللّه،أي حظّ منه.

و أمّا ما قيل:من أنّ المعنى لكلّ أحد جعلنا موالي ممّا ترك،أي ورّاثا منه،على أنّ«من»صلة(موالى)لأنّه في معنى الوارث،و في(ترك)ضمير مستكنّ عائد إلى (كلّ)،و قوله تعالى:(الوالدان و الاقربون)استئناف مفسّر للموالي،كأنّه قيل:من هم؟فقيل:الوالدان إلخ، ففيه تفكيك للنّظم الكريم،لأنّ ببيان«الموالي»بما ذكر يفوت الإبهام المصحّح لاعتبار التّفاوت بينهم،و به يتحقّق الانتظام،كما أشير إليه في تقرير الوجهين الأوّلين،مع ما فيه من خروج الأولاد من الموالي؛إذ لا يتناولهم الأقربون كما لا يتناول الوالدين.(1:338)

طه الدّرّة:و جملة(ترك)صلة(ما)،أو صفتها، و العائد أو الرّابط محذوف،و هو مفعول الفعل،و هذا على اعتبار الفاعل عائدا على(كلّ)،و الكلام بعد مستأنف، و هو تكلّف لا داعي له،فإنّ الأصحّ أنّ(الوالدان)فاعل (ترك)و(الاقربون)معطوف عليه،و الكلام بعده مستأنف.(3:18)

تركه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى... فَتَرَكَهُ صَلْداً... البقرة:264

راجع«ص ل د»

تركهم

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. البقرة:17

الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ اللّه لا يوصف بالتّرك كما يوصف خلقه،و لكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر و الضّلالة فمنعهم المعاونة و اللّطف،و خلا بينهم و بين اختيارهم.(البحرانيّ 1:65)

الطّبريّ: و تركهم في ظلمات لا يبصرون بعد الضّياء الّذي كانوا فيه في الدّنيا،بما كانوا يظهرون بألسنتهم من الإقرار بالإسلام و هم لغيره مستبطنون،كما ذهب ضوء نار هذا المستوقد بانطفاء ناره و خمودها،فبقي في ظلمة لا يبصر.(1:145)

الطّوسيّ: أي أذهب النّور بالظّلمات.(1:87)

الزّمخشريّ: ترك بمعنى طرح و خلّى إذا علّق بواحد،كقولهم:تركهم ترك ظبي ظلّه.فإذا علّق بشيئين كان مضمّنا معنى«صيّر»فيجري مجرى أفعال القلوب.

و منه قوله: وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ أصله:هم في ظلمات،ثمّ دخل«ترك»فنصب الجزءين.و الظّلمة:عدم النّور.(1:201)

ص: 738

نحوه الفخر الرّازيّ(2:76)،و البيضاويّ(1:28)، و النّسفيّ(1:24)،و النّيسابوريّ(1:183)، و أبو السّعود(1:41)،و البروسويّ(1:67).

العكبريّ: (تركهم)هاهنا يتعدّى إلى مفعولين، لأنّ المعنى«صيّرهم»،و ليس المراد به التّرك الّذي هو الإهمال،فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثّاني(فى ظلمات)،فلا يتعلّق الجارّ بمحذوف،و يكون (لا يبصرون)حالا.

و يجوز أن يكون(لا يبصرون)هو المفعول الثّاني، و(فى ظلمات)ظرف يتعلّق ب(تركهم)أو ب(يبصرون).

و يجوز أن يكون حالا من الضّمير في(يبصرون)أو من المفعول الأوّل.(1:33)

أبو حيّان :التّرك:التّخلية،أترك هذا،أي خلّه ودعه.و في تضمينه معنى«التّصيير»و تعديته إلى اثنين خلاف،الأصحّ جواز ذلك.(1:75)

الآلوسيّ: (و تركهم...)عطف على قوله تعالى:

ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ و هو أوفى بتأدية المراد،فيستفاد منه التّقرير لانتفاء النّور بالكلّيّة،تبعا لما فيه من ذكر الظّلمة و جمعها و تنكيرها،و إيراد لا يُبْصِرُونَ و جعل الواو للحال بتقدير«قد»-مع ما فيه-يقتضي ثبوت الظّلمة قبل ذهاب النّور و معه،و ليس المعنى عليه.

و التّرك في المشهور:طرح الشّيء،كترك العصا من يده أو تخليته،محسوسا كان أو غيره و إن لم يكن في يده كترك وطنه و دينه.[ثمّ نقل كلام الرّاغب و الفيّوميّ و العكبريّ فراجع](1:167)

تركوا

1- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً.

النّساء:9

راجع«خ ش ي».

2- كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ. الدّخان:25

ابن عبّاس: خلّفوا.(418)

الطّبريّ: كم ترك فرعون و قومه من القبط بعد مهلكهم،و تغريق اللّه إيّاهم من بساتين و أشجار.

(25:123)

ابن عطيّة :قبله محذوف،تقديره:فغرقوا و قطع اللّه دابرهم،ثمّ أخذ يعجب من كثرة ما تركوا من الأمور الرّفيعة الغبيطة في الدّنيا.و(كم)،خبر للتّكثير.(5:72)

نحوه المراغيّ.(25:128)

أبو السّعود :أي كثيرا تركوا بمصر.(6:51)

مثله الآلوسيّ(25:123)،و نحوه البروسويّ(8:

411).

تركوك

وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ. الجمعة:11

جابر بن عبد اللّه: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الجمعة، فمرّت عير تحمل الطّعام،فخرج النّاس إلاّ اثني عشر

ص: 739

رجلا،فنزلت آية الجمعة.

نحوه الحسن و قتادة و ابن زيد.(الطّبريّ 28:104)

ابن قتيبة :يقال:إنّ النّاس خرجوا إلاّ ثمانية نفر.

(466)

الطّبريّ: و تركوك يا محمّد قائما على المنبر؛و ذلك أنّ التّجارة الّتي رأوها فانفضّ القوم إليها،و تركوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قائما.(28:103)

الماورديّ: يعني:في خطبته،و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:و الّذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتّى لا يبقى معي أحد لسال الوادي بكم نارا.(6:11)

ابن عطيّة :[اكتفى ببيان شأن النّزول](5:309)

البروسويّ: وَ تَرَكُوكَ حال كونك(قائما)أي على المنبر.[إلى أن قال:]

اعلم أنّه كان من فضل الأصحاب رضي اللّه عنهم و شأنهم أن لا يفعلوا مثل ما ذكر من التّفرّق من مجلس النّبيّ عليه السّلام،و تركه قائما.

فذكر بعضهم و هو مقاتل بن حيّان:أنّ الخطبة يوم الجمعة،كانت بعد الصّلاة مثل العيدين،فظنّوا أنّهم قد قضوا ما كان عليهم،و ليس في ترك الخطبة شيء؛ فحوّلت الخطبة بعد ذلك فكانت قبل الصّلاة،و كان لا يخرج واحد لرعاف أو إحداث بعد النّهي حتّى يستأذن النّبيّ عليه السّلام،يشير إليه بإصبعه الّتي تلي الإبهام،فيأذن له النّبيّ عليه السّلام يشير إليه بيده.

قال الإمام السّهيليّ رحمه اللّه:و هذا الحديث الّذي من أجله ترخّصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة و إن لم ينقل من وجه ثابت فالظّنّ الجميل بأصحاب رسول اللّه عليه السّلام موجب لأنّه كان صحيحا.

يقول الفقير: هب أنّهم قد قضوا ما كان عليه من فرض الصّلاة،فكيف يليق بهم أن يتركوا مجلس النّبيّ عليه السّلام و من شأنهم أن يستمعوا و لم يتحرّكوا كأنّ على رءوسهم الطّير؟!و لعلّ ذلك من قبيل سائر الهفوات الّتي تضمّنت المصالح و الحكم الجليلة،و لو لم يكن إلاّ كونه سببا لنزول هذه الآية الّتي هي خير من الدّنيا و ما فيها لكفى،و فيها من الإرشاد الإلهيّ لعباده ما لا يخفى.

(9:528)

الطّباطبائيّ: و قد اتّفقت روايات الشّيعة و أهل السّنّة على أنّه ورد المدينة عير معها تجارة و ذلك يوم الجمعة،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قائم يخطب،فضربوا بالطّبل و الدّفّ لإعلام النّاس،فانفضّ أهل المسجد إليهم،و تركوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قائما يخطب،فنزلت الآية.(19:274)

عبد المنعم الجمّال:روي أنّ أهل المدينة نزلت بهم مجاعة و اشتدّ الغلاء،فقدم أحد تجّارهم...بتجارة له من الشّام،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قائم في النّاس يخطب الجمعة، و انفلت المصلّون على أثر سماعهم نبأ قدوم التّجارة فانصرفوا عن الصّلاة و تركوا النّبيّ عليه السّلام،و ليس معه بالمسجد إلاّ ثمانية أو اثنا عشر رجلا،فقبّح اللّه فعلهم و عاتبهم على ما فعلوا،و بيّن لهم خطأ ما ارتكبوا و سوء ما فعلوا،و أنّ اللّه الّذي يلبّون نداءه،و يجيبون دعاءه، و يخفون إلى عبادته في بيته،هو الّذي يوسّع الأرزاق و يكفل الأقوات في الدّنيا،و ما عنده من ثواب الآخرة خير و أبقى،فكيف تعرضون عن عبادته و هو الرّازق الحقيقيّ.

فالتمسوا الأرزاق عنده و سلوه من فضله.(4:3111)

ص: 740

تركتموها

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ. الحشر:5

ابن عبّاس:فلم تقطعوها،يعني العجوة.(464)

الزّمخشريّ: لأنّه في معنى اللّينة.(4:81)

نحوه الفخر الرّازيّ(29:283)،و البيضاويّ(2:

464)،و أبو السّعود(6:225).

الآلوسيّ: أي أبقيتموها كما كانت،و لم تتعرّضوا لها بشيء ما.(28:43)

نحوه المراغيّ.(28:36)

تركت

1- ...إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. يوسف:37

ابن عبّاس:لم أتّبع دين قوم.(197)

الطّبريّ: و جاء الخبر مبتدأ،أي تركت ملّة قوم، و المعنى:ما ملت.و إنّما ابتدأ بذلك،لأنّ في الابتداء الدّليل على معناه.

و قوله: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ يقول:إنّي برئت من ملّة من لا يصدّق باللّه،و يقرّ بوحدانيّته.(12:217)

الماورديّ: و إنّما عدل عن تأويل ما سألاه عنه،لما كان فيه من الكرامة.و أخبر بترك ملّة قوم لا يؤمنون، تنبيها لهم على ثبوته،و حثّا لهم على طاعة اللّه.

(3:38)

الزّمخشريّ: يجوز أن يكون كلاما مبتدأ،و أن يكون تعليلا لما قبله،أي علّمني ذلك.و أوحي إليّ،لأنّي رفضت ملّة أولئك و اتّبعت ملّة الأنبياء المذكورين،و هي الملّة الحنيفيّة.(2:320)

نحوه النّسفيّ.(2:222)

ابن عطيّة :و قوله:(تركت)مع أنّه لم يتشبّث بها، جائز صحيح،و ذلك أنّه أخبر عن تجنّبه من أوّل بالتّرك،و ساق لفظة«التّرك»استجلابا لهما عسى أن يتوكّأ التّرك الحقيقيّ الّذي هو بعد أخذ في الشّيء.و القوم المتروكة ملّتهم:الملك و أتباعه.(3:244)

الطّبرسيّ: معناه أنّه لا يستحقّ هذه الرّتبة الخطيرة إلاّ المؤمنون المخلصون،و إنّي تركت طريقة قوم لا يؤمنون فلذلك خصّني اللّه بهذه الكرامة.(3:233)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:في قوله: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ توهّم أنّه عليه السّلام كان في هذه الملّة.

فنقول جوابه من وجوه:

الأوّل:أنّ التّرك عبارة عن عدم التّعرّض للشّيء، و ليس من شرطه أن يكون قد كان خائضا فيه.

و الثّاني:و هو الأصحّ،أن يقال:إنّه عليه السّلام كان عبدا لهم بحسب زعمهم و اعتقادهم الفاسد،و لعلّه قبل ذلك كان لا يظهر التّوحيد و الإيمان خوفا منهم على سبيل التّقيّة.ثمّ إنّه أظهره في هذا الوقت،فكان هذا جاريا مجرى ترك ملّة أولئك الكفرة بحسب الظّاهر.

(18:137)

أبو حيّان :استئناف إخبار بما هو عليه؛إذ كانا قد

ص: 741

أحبّاه و كلفا بحبّه و بحسن أخلاقه،ليعلمهما ما هو عليه من مخالفة قومهما فيتّبعاه.و في الحديث لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة و الزّمخشريّ](5:309)

أبو السّعود : إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ و هو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من قوله:

ذلكما ممّا علّمني ربّي،و تعليلا له لا للتّعليم الواقع صلة للموصول،لتأديته إلى معنى أنّه ممّا علّمني ربّي لهذا السّبب دون غيره،و لا لمضمون الجملة الخبريّة،لأنّ ما ذكر بصدد التّعليل ليس بعلّة،لكون التّأويل المذكور بعضا ممّا علّمه ربّه،أو لكونه من جنسه بل لنفس تعليم ما علّمه،فكأنّه قيل:لما ذا علّمك ربّك تلك العلوم البديعة؟

فقيل:لأنّي تركت ملّة الكفرة،أي دينهم الّذي اجتمعوا عليه من الشّرك و عبادة الأوثان.و المراد بتركها:الامتناع عنها رأسا،كما يفصح عنه قوله:

ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللّهِ مِنْ شَيْءٍ يوسف:38، لا تركها بعد ملابستها.

و إنّما عبّر عنه بذلك،لكونه أدخل بحسب الظّاهر في اقتدائهما به عليه السّلام،و التّعبير عن كفرهم باللّه تعالى بسلب الإيمان به للتّنصيص على أنّ عبادتهم له تعالى مع عبادة الأوثان ليست بإيمان به تعالى،كما هو زعمهم الباطل، على ما مرّ في قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46.

(3:394)

نحوه البروسويّ(4:260)،و الآلوسيّ(12:

241)،و المراغيّ(12:146).

طه الدّرّة: و جملة تَرَكْتُ... في محلّ رفع خبر «إنّ»،و الجملة الاسميّة إِنِّي... مستأنفة و هي في محلّ نصب مقول القول.(6:484)

2- لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

المؤمنون:100

ابن عبّاس: فِيما تَرَكْتُ في الّذي تركت في الدّنيا و كذّبت به.(290)

نحوه النّسفيّ.(3:128)

البغويّ: يعني ضيّعت أن أقول:لا إله إلاّ اللّه.و قيل:

أعمل بطاعة اللّه.(3:374)

الزّمخشريّ: في الإيمان الّذي تركته،و المعنى:لعلّي آتي بما تركته من الإيمان و أعمل فيه صالحا،كما تقول:

لعلّي أبني على أسّ،تريد أؤسّس أسّا و أبني عليه.و قيل:

فيما تركت من المال.(3:42)

نحوه البيضاويّ(2:114)،و أبو حيّان(6:421)، و الآلوسيّ(18:64).

الطّبرسيّ: أي في تركتي،و المعنى أؤدّي عنها حقّ اللّه تعالى.

و قيل:معناه في دنياي فإنّه ترك الدّنيا و صار إلى الآخرة.

و قيل:معناه أعمل صالحا فيما فرّطت و ضيّعت،أي في صلاتي و صيامي و طاعاتي.(4:117)

نحوه الفخر الرّازيّ(23:120)،و القرطبيّ(12:

150)،و الخازن(5:36)،و الطّباطبائيّ(15:67).

ص: 742

مكارم الشّيرازيّ: و يرى البعض في قوله تعالى:

فِيما تَرَكْتُ إشارة إلى أموال تركوها،لاستعمال تعبير«تركة الميّت»بصورة اعتياديّة.

و روي حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام يؤكّد هذا المعنى؛إذ يقول:«من منع قيراطا من الزّكاة فليس بمؤمن و لا مسلم،و هو قوله تعالى: رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ المؤمنون:99،100».

بينما يرى آخرون أنّ لها معنى أوسع،هو إشارة إلى جميع الأعمال الصّالحة الّتي خلّفها الإنسان،فيكون المعنى:ربّاه!أرجعني لأعوّض ما تركته من عمل صالح.

و لا يناقض الحديث السّابق مع هذا التّفسير الشّامل و هو مصداق واضح له،علما بأنّ هؤلاء الأشخاص يندمون على ما فاتهم من فرص،لهذا يرغبون في الرّجوع إلى الحياة،ليستفيدوا منها في العمل الصّالح.

و يبدو أنّ التّفسير الثّاني أقرب إلى الصّواب.و أنّ و(لعلّى)الواردة في جملة لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً يمكن أن تكون علامة على عدم اطمئنان هؤلاء المنحرفين من مستقبلهم،و أنّ النّدامة نتيجة لظروف خاصّة،تظهر حين موتهم،و لو عادوا إلى الدّنيا لواصلوا أعمالهم ذاتها، و هذا هو عين الحقيقة.(10:449)

تركنا

1- وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً. الكهف:99

الطّوسيّ: و التّرك في الحقيقة لا يجوز على اللّه إلاّ أنّه يتوسّع فيه فيعبّر به عن الإخلال بالشّيء بالتّرك.(7:95)

نحوه الطّبرسيّ.(3:496)

الزّمخشريّ: و جعلنا.(2:499)

القرطبيّ: الضّمير في تَرَكْنا للّه تعالى،أي تركنا الجنّ و الإنس يوم القيامة،يموج بعضهم في بعض، و قيل:تركنا يأجوج و مأجوج.(11:65)

الآلوسيّ: و التّرك:بمعنى الجعل و هو من الأضداد، و العطف على قوله تعالى: جَعَلَهُ دَكّاءَ و فيه تحقيق لمضمونه،و لا يضرّ في ذلك كونه محكيّا عن ذي القرنين، أي جعلنا بعض الخلائق.(16:43)

الطّباطبائيّ: و قد بان ممّا مرّ أنّ التّرك في الآية بمعناه المتبادر منه،و هو خلاف الأخذ،و لا موجب لما ذكره بعضهم:أنّ التّرك بمعنى الجعل،و هو من الأضداد.

(13:366)

2- وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

العنكبوت:35

ابن عبّاس: تركناها،يعني قريات لوط.(335)

الطّبريّ: و لقد أبقينا من فعلتنا الّتي فعلنا بهم.

(20:149)

مثله المراغيّ.(20:138)

الطّوسيّ: يعني من القرية.(8:206)

مثله الزّمخشريّ.(3:205)

ابن عطيّة :أي من خبرها و ما بقي من أثرها، ف(من)لابتداء الغاية،و يصحّ أن تكون للتّبعيض،على أن يريد ما ترك من بقايا بناء القرية و منظرها.(4:216)

الطّباطبائيّ: و التّرك:الإبقاء،أي أبقينا.(20:126)

ص: 743

3- وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. الصّافّات:78

ابن عبّاس: يقول:يذكر بخير.(الطّبريّ 23:68)

يعني:ذكرا جميلا،و أثنينا عليه في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

مثله مجاهد و قتادة.(الطّوسيّ 8:506)

نحوه الفرّاء.(2:387)

الإمام الباقر عليه السّلام: تركت على نوح دولة الجبّارين، و يعزّ اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بذلك.(العروسيّ 4:405)

مجاهد :جعلنا لسان صدق للأنبياء كلّهم.

(الطّبريّ 23:68)

السّدّيّ: الثّناء الحسن.(الطّبريّ 23:68)

الطّبريّ: و أبقينا عليه،يعني على نوح ذكرا جميلا و ثناء حسنا.(23:68)

الزّجّاج :أي تركنا عليه الذّكر الجميل إلى يوم القيامة،و ذلك الذّكر قوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:79.

المعنى:تركنا عليه في الآخرين أن يصلّي عليه إلى يوم القيامة.(4:308)

الطّوسيّ: معنى(تركنا)أبقينا.(8:506)

البغويّ: أي أبقينا له ثناء حسنا و ذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء و الأمم إلى يوم القيامة.(4:34)

القرطبيّ: أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية،يعني يسلّمون عليه تسليما و يدعون له،و هو من الكلام المحكيّ.كقوله تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها النّور:1.

و القول الآخر أن يكون المعنى:و أبقينا عليه،و تمّ الكلام ثمّ ابتدأ فقال: سَلامٌ عَلى نُوحٍ الصّافّات:79، أي سلامة له من أن يذكر بسوء(فى الآخرين).(15:90)

نحوه عزّة دروزة(4:256)،و القاسميّ(14:

5044).

الآلوسيّ: و المراد:أبقينا له دعاء النّاس و تسليمهم عليه أمّة بعد أمّة.

و قيل:هذا سلام منه عزّ و جلّ لا من الآخرين، و مفعول(تركنا)محذوف،أي تركنا عليه الثّناء الحسن و أبقيناه له فيمن بعده إلى آخر الدّهر.و نسب هذا إلى ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و السّدّيّ.(23:99)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الصّافّات:108.

تركناها

وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. القمر:15

مجاهد :إنّ اللّه حين غرّق الأرض،جعلت الجبال تشمخ،فتواضع الجوديّ،فرفعه اللّه على الجبال،و جعل قرار السّفينة عليه.(الطّبريّ 27:95)

قتادة :أبقاها اللّه بباقردى من أرض الجزيرة، عبرة و آية،حتّى نظرت إليها أوائل هذه الأمّة نظرا،و كم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا.

(الطّبريّ 27:95)

ألقى اللّه سفينة نوح على الجوديّ،حتّى أدركها أوائل هذه الأمّة.(الطّبريّ 27:95)

الفرّاء: يقول:أبقيناها من بعد نوح آية.(3:107)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لقد تركنا السّفينة الّتي فيها نوحا و من كان معه آية.(27:95)

الزّمخشريّ: الضّمير في(تركناها)للسّفينة أو

ص: 744

للفعلة،أي جعلناها آية يعتبر بها.(4:38)

نحوه النّسفيّ(4:203)،و أبو السّعود(6:167).

ابن عطيّة :و الضّمير في(تركناها)قال مكّيّ بن أبي طالب:و هو عائد على هذه الفعلة و القصّة.و قال قتادة و النّقّاش و غيره:هو عائد على هذه السّفينة، قالوا:و إنّ اللّه تعالى أرسلها على الجوديّ حين تطاولت الجبال و تواضع،و هو جبيل بالجزيرة بموضع يقال له:

باقردى و أبقى خشبها هنالك حتّى رأت بعضه أوائل هذه الأمّة.(5:215)

نحوه الآلوسيّ.(27:83)

الطّبرسيّ: أي تركنا هذه الفعلة الّتي فعلناها(آية):

علامة يعتبر بها.[ثمّ نقل بعض أقوال السّابقين](5:189)

نحوه البغويّ(4:323)،و ابن الجوزيّ(8:94)، و الخازن(6:228)،و الشّربينيّ(4:146).

الفخر الرّازيّ: وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً و في العائد إليه الضّمير وجهان:

أحدهما:عائد إلى مذكور و هو السّفينة الّتي فيها ألواح؛و على هذا ففيه وجهان:

أحدهما:ترك اللّه عينها مدّة حتّى رؤيت و علمت، و كانت على الجوديّ بالجزيرة،و قيل:بأرض الهند.

و ثانيهما:ترك مثلها في النّاس يذكر.

و ثاني الوجهين الأوّلين:أنّه عائد إلى معلوم،أي تركنا السّفينة آية.

و الأوّل أظهر،و على هذا الوجه،يحتمل أن يقال:

تَرَكْناها أي جعلناها آية،لأنّها بعد الفراغ منها صارت متروكة و مجعولة.يقول القائل:تركت فلانا مثلة،أي جعلته،لما بيّنّا أنّه من فرغ من أمر تركه و جعله،فذكر أحد الفعلين بدلا عن الآخر.[إلى أن قال:]

قال هاهنا: وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً و قال في العنكبوت: وَ جَعَلْناها آيَةً.

قلنا:هما و إن كانا في المعنى واحدا-على ما تقدّم بيانه-لكن لفظ«التّرك»يدلّ على الجعل و الفراغ بالأيّام،فكأنّها هنا مذكورة بالتّفصيل حيث بيّن الإمطار من السّماء و تفجير الأرض،و ذكر السّفينة بقوله: ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ و ذكر جريها فقال: تَرَكْناها إشارة إلى تمام الفعل المقدور،و قال هناك: وَ جَعَلْناها إشارة إلى بعض ذلك.(29:40)

البروسويّ: وَ لَقَدْ تَرَكْناها أي السّفينة(آية) يعتبر بها من يقف على خبرها.[ثمّ بحث في بقاء السّفينة و كونها آية فراجع](9:273)

الطّباطبائيّ: ضمير تَرَكْناها للسّفينة على ما يفيده السّياق،و اللاّم للقسم،و المعنى:أقسم لقد أبقينا تلك السّفينة الّتي نجّينا بها نوحا و الّذين معه،و جعلناها آية يعتبر بها من اعتبر،فهل من متذكّر يتذكّر بها وحدانيّته تعالى و أنّ دعوة أنبيائه حقّ،و أنّ أخذه أليم شديد؟

و لازم هذا المعنى بقاء السّفينة إلى حين نزول هذه الآيات علامة دالّة على واقعة الطّوفان مذكّرة لها.

و قد قال بعضهم في تفسير الآية على ما نقل:أبقى اللّه سفينة نوح على الجوديّ حتّى أدركها أوائل هذه الأمّة، انتهى.

ص: 745

و قد أوردنا في تفسير سورة«هود»-في آخر الأبحاث حول قصّة نوح-خبر أنّهم عثروا في بعض قلل جبل آراراط و هو الجوديّ قطعات أخشاب من سفينة متلاشية وقعت هناك،فراجع.

و قيل:ضمير تَرَكْناها لما مرّ من القصّة بما أنّها فعلة.(19:69)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(17:287)

تتركه

...إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. الأعراف:176

راجع«ل ه ث»

ان يتركوا

أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. العنكبوت:2

ابن عبّاس: أن يمهلوا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(332)

الفرّاء: يُتْرَكُوا يقع فيها لام الخفض،فإذا نزعتها منها كانت منصوبة.و قلّما يقولون:تركتك أن تذهب،إنّما يقولون:تركتك تذهب و لكنّها جعلت مكتفية بوقوعها على النّاس وحدهم.و إن جعلت (حسب)مكرورة عليها كان صوابا،كأنّ المعنى:أحسب النّاس أن يتركوا،أحسبوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. (2:314)

نحوه أبو البقاء.(2:1029)

الطّبريّ: أن نتركهم بغير اختبار،و لا ابتلاء امتحان،بأن قالوا:آمنّا بك يا محمّد.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الفرّاء و أضاف:]

و أمّا على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض،و لا تكاد العرب تقول:تركت فلانا أن يذهب، فتدخل(ان)في الكلام،و إنّما تقول:تركته يذهب.

و إنّما أدخلت(ان)هاهنا لاكتفاء الكلام بقوله: أَنْ يُتْرَكُوا إذ كان معناه:أحسب النّاس أن يتركوا و هم لا يفتنون،من أجل أن يقولوا آمنّا،فكان قوله: أَنْ يُتْرَكُوا مكتفية بوقوعها على النّاس،دون أخبارهم.

و إن جعلت(ان)في قوله: أَنْ يَقُولُوا منصوبة بنيّة تكرير(احسب)كان جائزا،فيكون معنى الكلام:

أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ،أ حسبوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. (20:128)

نحوه الزّجّاج.(4:159)

البغويّ: (أَنْ يُتْرَكُوا) بغير اختبار و لا ابتلاء.

(3:549)

مثله الخازن.(5:155)

الزّمخشريّ: إن قلت:فأين الكلام الدّالّ على المضمون الّذي يقتضيه الحسبان في الآية؟قلت:هو في قوله: أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ و ذلك أنّ تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم(آمنّا) فالتّرك أوّل مفعولي(حسب)و لقولهم:(آمنّا)هو الخبر، و أمّا غير مفتونين فتتمّة التّرك لأنّه من التّرك الّذي هو بمعنى التّصيير كقوله:

ص: 746

*فتركته جزر السّباع ينشنه*

أ لا ترى أنّك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول:

تركهم غير مفتونين لقولهم:(آمنّا)على تقدير حاصل و مستقرّ قبل اللاّم.فإن قلت:(ان يقولوا)هو علّة تركهم غير مفتونين فكيف يصحّ أن يقع خبر مبتدإ؟قلت:كما تقول خروجه لمخافة الشّرّ و ضربه للتّأديب،و قد كان التّأديب و المخافة في قولك:خرجت مخافة الشّرّ و ضربته تأديبا تعليلين،و تقول أيضا:حسبت خروجه لمخافة الشّرّ و ظننت ضربه للتّأديب فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ و خبر.(3:195)

ابن عطيّة :(ان)نصب ب(حسب)و هي و الجملة الّتي بعدها تسدّ مسدّ مفعولي(حسب).و(ان)الثّانية في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الخفض،تقديره:

(بان يقولوا).

و يحتمل أن يقدّر(لان يقولوا)،و المعنى في الباء و اللاّم مختلف،و ذلك أنّه في الباء كما تقول:تركت زيدا بحاله،و هي في اللاّم بمعنى من أجل أن حسبوا أنّ إيمانهم علّة للتّرك.(4:305)

الطّبرسيّ: [ذكر قول الزّجّاج ثمّ أضاف:]

قال أبو عليّ: أمّا ما ذكره (1)من أنّه[أن يقولوا] نصب ب(يتركوا)فإنّه بيّن السّقوط،لأنّ«ترك»فعل يتعدّى إلى مفعول واحد،فإذا بني للمفعول لم يتعدّ إلى آخر،ف(ان يقولوا)لا يتعلّق به و لا يتعدّى إليه حتّى يقدّر حرف،ثمّ يقدّر الحذف فيصل الفعل.

و أمّا ما ذكره من انتصابه ب(حسب)فلا يخلو إذا قدّر انتصابه به من أن يكون مفعولا أوّلا أو ثانيا أو صفة أو بدلا؛فلا يكون مفعولا أوّلا لتعدّيه إلى المفعول الّذي قبله و هو«التّرك»،و لا يجوز أن يكون مفعولا ثانيا من وجهين:أحدهما:أنّ باب«ظننت و أخواته»إذا تعدّى إلى هذا الضّرب من المفعول لم يتعدّ إلى مفعول ثان ظاهر في اللّفظ،و الآخر:أنّ المفعول الثّاني هو الأوّل في المعنى، و ليس القول«التّرك»و لا يكون أيضا بدلا،لأنّه ليس الأوّل و لا بعضه و لا مشتملا عليه،و لا يكون أيضا صفة لأنّ(أن)الثّانية ل(حسب)و عمله فيها لا يخلو ممّا ذكرناه.فإذا لم يستقم حمله على شيء ممّا ذكرناه تبيّنت موضع إغفاله في المسألة.

و أقول و باللّه التّوفيق:إنّ«البدل»هنا صحيح،فإنّه إذا قال:أحسبوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون،و قوله:

وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ جملة في موضع الحال،فكأنّه قال:

أحسبوا أن يدعوا الإيمان غير مختبرين ممتحنين بمشاقّ التّكليف،فيكون التّقدير في معنى الآية:أحسبوا أن يتركوا،أحسبوا أن يهملوا.و لا شكّ أنّ الإهمال في معنى التّرك،فيكون الثّاني في معنى الأوّل بعينه.

و أمّا الوجه الأوّل فإنّك لو قدّرت«اللاّم»فقلت:

لأن يقولوا:أو«الباء»فقلت:بأن يقولوا،فلا شكّ أنّ الحرف يتعلّق ب(يتركوا)فإنّ الجار و المجرور في موضع نصب به.فتساهل الزّجّاج في العبارة عن المجرور بأنّه منصوب.(4:271)

الفخر الرّازيّ: في التّفسير،قوله: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا يعني أ ظنّوا أنّهم يتركون بمجرّد قولهم:

آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ: لا يبتلون بالفرائض البدنيّةج.

ص: 747


1- يعني الزّجّاج.

و الماليّة.

و اختلف أئمّة النّحو في قوله: أَنْ يَقُولُوا، فقال بعضهم:أن يتركوا بأن يقولوا،و قال بعضهم:أن يتركوا يقولون آمنّا.

و مقتضى ظاهر هذا أنّهم يمنعون من قولهم:(آمنّا)كما يفهم من قول القائل:تظنّ أنّك تترك أن تضرب زيدا، أي تمنع من ذلك.

و هذا بعيد فإنّ اللّه لا يمنع أحدا من أن يقول:آمنت، و لكن مراد هذا المفسّر هو أنّهم لا يتركون يقولون:آمنّا من غير ابتلاء،فيمنعون من هذا المجموع بإيجاب الفرائض عليهم.(25:28)

نحوه الشّربينيّ(3:124)،و البروسويّ(6:445).

أبو حيّان :[ذكر كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو كلام فيه اضطراب،ذكر أوّلا أنّ تقديره:«غير مفتونين»تتمّة،يعني أنّه حال لأنّه سبك ذلك من قوله:

(و هم لا يفتنون)و هذه جملة حاليّة ثمّ ذكر(ان يتركوا)هنا من التّرك الّذي هو من التّصيير.و هذا لا يصحّ،لأنّ مفعول«صيّر»الثّاني لا يستقيم أن يكون لقولهم؛إذ يصير التّقدير:

أن يصيروا لقولهم و هم لا يفتنون،و هذا كلام لا يصحّ.

و أمّا ما مثّل به من البيت فإنّه يصحّ و أن يكون«جزر السّباع»مفعولا ثانيا«ل«ترك»بمعنى صيّر،بخلاف ما قدّر في الآية.

و أمّا تقديره:تركهم غير مفتونين لقولهم:(آمنّا)على تقدير:حاصل و مستقرّ قبل اللاّم،فلا يصحّ؛إذ كان تركهم بمعنى تصييرهم،كان«غير مفتونين»حالا؛إذ لا ينعقد من تركهم بمعنى تصييرهم،و تقوّلهم مبتدأ و خبر،لاحتياج تركهم-بمعنى تصييرهم-إلى مفعول ثان،لأنّ«غير مفتونين»عنده حال لا مفعول ثان.

و أمّا قوله:«فإن قلت:(ان يقولوا)إلى آخره» فيحتاج إلى فضلة«فهم»و ذلك أنّ قوله:(ان يقولوا)هو علّة تركهم،فليس كذلك لأنّه لو كان علّة له لكان متعلّقا كما يتعلّق بالفعل،و لكنّه علّة للخبر المحذوف الّذي هو مستقرّ أو كائن،و الخبر غير المبتدإ.و لو كان لقولهم علّة للتّرك لكان من تمامه،فكان يحتاج إلى خبر.

و أمّا قوله،كما تقول:«خروجه لمخافة الشّرّ» فلمخافة ليس علّة للخروج بل للخبر المحذوف الّذي هو مستقرّ أو كائن.(7:139)

الآلوسيّ: الاستفهام للإنكار،و الحسبان مصدر كالغفران،ممّا يتعلّق بمضامين الجمل،لأنّه من الأفعال الدّاخلة على المبتدإ و الخبر،و ذلك للدّلالة على وجه ثبوتها في الذّهن أو في الخارج،من كونها مظنونة أو متيقّنة،فتقتضي مفعولين أصلهما المبتدأ و الخبر،أو ما يسدّ مسدّهما،و قد سدّ مسدّهما هنا على ما قاله الحوفيّ و ابن عطيّة و أبو البقاء قوله تعالى: أَنْ يُتْرَكُوا و سدّ(ان)المصدريّة النّاصبة للفعل مع مدخولها مسدّ الجزءين ممّا قاله ابن مالك،و نقله عنه الدّمامينيّ في «شرح التّسهيل».و زعم بعضهم أنّ ذلك إنّما هو في أن المفتوحة مشدّدة و مثقّلة مع مدخولها،و«التّرك»هنا على ما ذكره الزّمخشريّ بمعنى«التّصيير»المتعدّي لمفعولين،كما في قوله تعالى: تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ

ص: 748

لا يُبْصِرُونَ.

فضمير الجمع نائب مفعول أوّل،و المفعول الثّاني متروك بدلالة الحال الآتية،أي كما هم أو على ما هم عليه،كما في قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا التّوبة:

16،على ما قدّره الزّمخشريّ فيه.

و قوله سبحانه: أَنْ يَقُولُوا آمَنّا بمعنى لأن يقولوا،متعلّق ب(يتركوا)على أنّه غير مستقرّ،و قوله تعالى: وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ في موضع الحال من ضمير (يتركوا).

و يجوز أن لا يعتبر كون المفعول الثّاني ل(يتركوا) متروكا بل تجعل هذه الجملة الحاليّة سادّة مسدّه،أ لا ترى أنّك لو قلت:علمت ضربي زيدا قائما،صحّ،على أنّ «ترك»ليس كأفعال القلوب في جميع الأحكام،بل القياس أن يجوز الاكتفاء فيه بالحال من غير نظر إلى أنّه قائم مقام الثّاني،لأنّ قولك:«تركته و هو جزر السّباع» كلام صحيح،كما تقول:«أبقيته على هذه الحالة»و هو نظير سمعته يتحدّث،في أنّه يتمّ بالحال بعده أو الوصف، و هاهنا زاد أنّه يتمّ أيضا بما يجري مجرى الخبر.

و جوّز أن تكون هذه الجملة هي المفعول الثّاني لا سادّة مسدّه،و توسّط الواو بين المفعولين جائز.[إلى أن قال:]

و لعلّ الأبعد عن التّكلّف ما ذكرناه أوّلا،و المراد إنكار حسبانهم أن يتركوا غير مفتونين،بمجرّد أن يقولوا:(آمنّا)و استبعاد له،و تحقيق أنّه تعالى يمتحنهم بمشاقّ التّكاليف كالمهاجرة و المجاهدة و رفض الشّهوات و وظائف الطّاعات و فنون المصائب في الأنفس و الأموال،ليتميّز المخلص من المنافق و الرّاسخ في الدّين من المتزلزل فيه،فيعامل كلّ بما يقتضيه،و يجازيهم سبحانه بحسب مراتب أعمالهم.فإنّ مجرّد الإيمان-و إن كان عن خلوص-لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في النّار.(20:133)

ان تتركوا

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. التّوبة:16

ابن عبّاس:أن تهملوا و أن لا تؤمروا بالجهاد.

(154)

نحوه البروسويّ(3:395)،و الآلوسيّ(10:63).

ابن زيد :أبى أن يدعهم دون التّمحيص.

(الطّبريّ 10:92)

الطّبريّ: أم حسبتم أيّها المسلمون أن يترككم اللّه بغير محنة يمتحنكم بها،و بغير اختبار يختبركم به،فيعرف الصّادق منكم في دينه من الكاذب فيه.(10:92)

نحوه القرطبيّ(8:88)،و عبد المنعم الجمّال(2:

1201)،و طه الدّرّة(5:321).

القيسيّ: قوله تعالى: أَنْ تُتْرَكُوا، (ان)في موضع نصب ب(حسب)و تسدّ مسدّ المفعولين ل(حسب) عند سيبويه.و قال المبرّد:هي مفعول أوّل،و المفعول الثّاني محذوف.(1:358)

الطّوسيّ: معنى«التّرك»هو ضد،ينافي الفعل

ص: 749

المبتدأ في محلّ القدرة عليه.و يستعمل بمعنى ألاّ يفعل، كقوله: وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:

17.(5:218)

البغويّ: قيل:هذا خطاب للمنافقين،و قيل:

للمؤمنين الّذين شقّ عليهم القتال،فقال: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا فلا تؤمروا بالجهاد و لا تمتحنوا،ليظهر الصّادق من الكاذب.(3:54)

نحوه أبو السّعود.(2:258)

الطّبرسيّ: من دون أن تكلّفوا الجهاد في سبيل اللّه مع الإخلاص.(3:12)

أ تتركون

أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ. الشّعراء:146

الزّمخشريّ: يجوز أن يكون إنكارا لأن يتركوا مخلّدين في نعيمهم لا يزالون عنه،و أن يكون تذكيرا بالنّعم في تخلية اللّه إيّاهم و ما يتنعّمون فيه من الجنّات و غير ذلك،مع الأمن و الدّعة.(3:122)

ابن عطيّة :تخويف لهم،بمعنى أ تطمعون أن تقرّوا في النّعم على معاصيكم.(4:239)

الطّبرسيّ: معناه أ تظنّون أنّكم تتركون فيما أعطاكم اللّه من الخير في هذه الدّنيا،آمنين من الموت و العذاب، و هذا إخبار بأنّ ما هم فيه من النّعم لا يبقى عليهم و إنّها ستزول عنهم،ثمّ عدّد نعمهم الّتي كانوا فيها.(4:199)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:159)،و القرطبيّ(13:

127)،و البروسويّ(6:297)،و المراغيّ(19:91).

الآلوسيّ: إنكار لأن يتركوا فيما هم فيه من النّعمة، آمنين عن عذاب يوم عظيم.فالاستفهام مثله في قوله تعالى السّابق:(أ تبنون)و قوله تعالى اللاّحق.(أ تأتون)، و كأنّ القوم اعتقدوا ذلك فأنكره عليه السّلام عليهم.

و جوّز أن يكون الاستفهام للتّقرير،تذكيرا للنّعمة في تخليته تعالى إيّاهم و أسباب نفعهم،آمنين من العدوّ و نحوه،و استدعاء لشكر ذلك بالإيمان.

و في«الكشف»أنّ هذا أوفق في هذا المقام،و(ما) موصولة،و(هاهنا)إشارة إلى المكان الحاضر القريب،أي أ تتركون في الّذي استقرّ في مكانكم هذا من النّعمة.

(19:112)

الطّباطبائيّ: و المعنى:لا تتركون في هذه النّعم الّتي أحاطت بكم في أرضكم هذه و أنتم مطلقو العنان، لا تسألون عمّا تفعلون،آمنون من أيّ مؤاخذة إلهيّة.

(15:305)

تارك

فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ...

هود:12

الطّبريّ: فلعلّك يا محمّد تارك بعض ما يوحي إليك ربّك أن تبلّغه من أمرك بتبليغه ذلك.(12:8)

نحوه البغويّ.(3:180)

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله، يحثّه على أداء جميع ما بعثه به و أوحي إليه،و ينهاه عن كتمانه،و يشجعه على الأداء.و يقول له:لا يكون لعظم ما يرد على قلبك و يضيق به صدرك من غيظهم يوهمون

ص: 750

عليك أنّهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربّك،و أنّك تترك بعض الوحي و يضيق به صدرك، مخافة أن يقولوا،أو لئلاّ يقولوا.(5:523)

الزّمخشريّ: أي لعلّك تترك أن تلقيه إليهم و تبلّغه إيّاهم،مخافة ردّهم و تهاونهم به.(2:261)

الفخر الرّازيّ: أجمع المسلمون على أنّه لا يجوز على الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أن يخون في الوحي و التّنزيل و أن يترك بعض ما يوحى إليه،لأنّ تجويزه يؤدّي إلى الشّكّ في كلّ الشّرائع و التّكاليف،و ذلك يقدح في النّبوّة.و أيضا فالمقصود من«الرّسالة»تبليغ تكاليف اللّه تعالى و أحكامه،فإذا لم تحصل هذه الفائدة فقد خرجت الرّسالة عن أن تفيد فائدتها المطلوبة منها، و إذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ شيئا آخر،سوى أنّه عليه السّلام فعل ذلك.

و للنّاس فيه وجوه:

الأوّل:لا يمتنع أن يكون في معلوم اللّه تعالى أنّه إنّما يترك التّقصير في أداء الوحي و التّنزيل،لسبب يرد عليه من اللّه تعالى،أمثال هذه التّهيّدات (1)البليغة.

الثّاني:أنّهم كانوا لا يعتقدون بالقرآن و يتهاونون به،فكان يضيق صدر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه و يضحكون منه،فهيّجه اللّه تعالى لأداء الرّسالة،و طرح المبالاة بكلماتهم الفاسدة و ترك الالتفات إلى استهزائهم.و الغرض منه التّنبيه على أنّه إن أدّى ذلك الوحي وقع في سخريّتهم و سفاهتهم،و إن لم يؤدّ ذلك الوحي إليهم وقع في ترك وحي اللّه تعالى و في إيقاع الخيانة فيه.

فإذا لا بدّ من تحمّل أحد الضّررين،و تحمّل سفاهتهم أسهل من تحمّل إيقاع الخيانة في وحي اللّه تعالى.

و الغرض من ذكر هذا الكلام التّنبيه على هذه الدّقيقة، لأنّ الإنسان إذا علم أن كلّ واحد من طرفي الفعل و التّرك يشتمل على ضرر عظيم.ثمّ علم أنّ الضّرر في جانب التّرك أعظم و أقوى،سهل عليه ذلك الفعل و خفّ،فالمقصود من ذكر هذا الكلام ما ذكرناه.

فإن قيل:قوله:(فلعلّك)كلمة شكّ فما الفائدة فيها؟

قلنا:المراد منه الزّجر،و العرب تقول للرّجل إذا أرادوا إبعاده عن أمر:لعلّك تقدر أن تفعل كذا،مع أنّه لا شكّ فيه،و يقول لولده لو أمره:لعلّك تقصر فيما أمرتك به،و يريد توكيد الأمر،فمعناه لا تترك.(17:193)

نحوه المراغيّ.(12:10)

القرطبيّ: أي فلعلّك لعظيم ما تراه منهم من الكفر و التّكذيب تتوهّم أنّهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه.

و قيل:إنّهم لمّا قالوا: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ همّ أن يدع سبّ آلهتهم فنزلت هذه الآية.

فالكلام معناه الاستفهام،أي هل أنت تارك ما فيه سبّ آلهتهم كما سألوك؟و تأكّد عليه الأمر في الإبلاغ، كقوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ المائدة:67.

و قيل:معنى الكلام النّفي مع استبعاد،أي لا يكون منك ذلك،بل تبلّغهم كلّ ما أنزل إليك؛و ذلك أنّ مشركي مكّة قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:لو أتيتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنات.

ص: 751


1- كذا و الظّاهر:التّمهيدات.

لاتّبعناك،فهمّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يدع سبّ آلهتهم فنزلت.

(9:12)

البيضاويّ: تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك،و هو ما يخالف رأي المشركين،مخافة ردّهم و استهزائهم به، و لا يلزم من توقّع الشّيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه، لجواز أن يكون ما يصرف عنه،و هو عصمة الرّسل من الخيانة في الوحي،و التّقيّة في التّبليغ.(1:463)

البروسويّ: (لعلّ)إمّا للتّرجّي،و معناه توقّع أمر مرجوّ لا وثوق بحصوله،كقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ البقرة:189،و إمّا للإشفاق و هو توقّع أمر مخوف،كقوله تعالى: لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ الشّورى:17،و الرّجاء و الإشفاق يتعلّقان بالمخاطبين دون اللّه سبحانه.

و المراد هنا:إمّا الأوّل فالمعنى لعظم ما يرد على قلبك من تخليطهم،تتوهّم أنّهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من تبليغ ما أوحي إليك،و لا يلزم من توقّع الشّيء وجود ما يدعو إليه،و وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه و هو عصمة الرّسل عن الخيانة في الوحي،و الثّقة في التّبليغ هاهنا.

و إمّا الثّاني فالمعنى اشفق على نفسك أن تترك تبليغ ما يوحى إليك،و هو ما يخالف رأي المشركين،مخافة ردّهم له و استهزائهم.و هو أوجه من الأوّل،كما في«بحر العلوم»للسّمرقنديّ.(4:105)

الآلوسيّ: أي تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك، و هو ما يخالف رأي المشركين،مخافة ردّهم و استهزائهم به.

فاسم الفاعل للمستقبل و لذا عمل،و(لعلّ) للتّرجّي و هو يقتضي التّوقّع،و لا يلزم من توقّع الشّيء وقوعه،و لا ترجّح وقوعه،لجواز أن يوجد ما يمنع منه.

فلا يشكل بأنّ توقّع ترك التّبليغ منه صلّى اللّه عليه و آله ممّا لا يليق بمقام النّبوّة،و المانع من ذلك فيه عليه الصّلاة و السّلام عصمته-كسائر الرّسل الكرام عليهم السّلام-عن كتم الوحي المأمور بتبليغه،و الخيانة فيه و تركه تقيّة.

و المقصود من ذلك تحريضه صلّى اللّه عليه و سلّم و تهييج داعيته لأداء الرّسالة،و يقال نحو ذلك في كلّ توقّع نظير هذا التّوقّع.

و قيل:إنّ التّوقّع تارة يكون للمتكلّم و هو الأصل، لأنّ المعاني الإنشائيّة قائمة به،و تارة للمخاطب، و أخرى لغيره ممّن له تعلّق و ملابسة به.

و يحتمل أن يراد هنا هذا الأخير،و يجعل التّوقّع للكفّار،و المعنى أنّك بلغ بك الجهد في تبليغهم ما أوحي إليك أنّهم يتوقّعون منك ترك التّبليغ لبعضه.

و قيل:إنّ(لعلّ)هنا ليست للتّرجّي بل هي للتّبعيد، و قد تستعمل لذلك،كما تقول العرب:لعلّك تفعل كذا لمن لا يقدر عليه،فالمعنى لا تترك.

و قيل:إنّها للاستفهام الإنكاريّ كما في الحديث:

«لعلّنا أعجلناك».و اختار السّمين و غيره كونها للتّرجّي بالنّسبة إلى المخاطب،على ما علمت آنفا.

و لا يجوز أن يكون المعنى:كأنّي بك ستترك بعض ما أوحي إليك ممّا شقّ عليك بإذني و وحي منّي،و هو أن يرخّص لك فيه كأمر الواحد بمقاومة عشرة،إذ أمروا بمقاومة الواحد لاثنين و غير ذلك من التّخفيفات،لأنّه و إن زال به الإشكال،إلاّ أنّ قوله تعالى بعد:(ان يقولوا) يأباه.

ص: 752

نعم،قيل:لو أريد ترك الجدال بالقرآن إلى الجلاد و الضّرب و الطّعان-لأنّ هذه السّورة مكّيّة نازلة قبل الأمر بالقتال-صحّ،لكن في«الكشف»بعد كلام:اعلم لو أخذت التّأمّل لاستبان لك أنّ مبنى هذه السّورة الكريمة على إرشاده-تعالى كبرياؤه-نبيّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم إلى كيفيّة الدّعوة من مفتتحها إلى مختتمها،و إلى ما يعتري لمن تصدّى لهذه الرّتبة السّنيّة من الشّدائد و احتماله،لما يترتّب عليه في الدّارين من العوائد،لا على التّسلّي له عليه الصّلاة و السّلام،فإنّه لا يطابق المقام.

و انظر إلى الخاتمة الجامعة،أعني قوله سبحانه:

وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ هود:

123،تقض العجب،و هو يبعد هذه الإرادة إن قلنا:إنّ ذلك من باب التّخفيف المؤذن بالتّسلّي،فتأمّله.

(12:18)

رشيد رضا :المتبادر إلى الفهم من جملة(لعلّ) بحسب موقعها هنا الاستفهام الإنكاريّ،المراد به النّهي أو النّفي،أي أ فتارك أنت أيّها الرّسول بعض ما يوحى إليك ممّا يشقّ سماعه على المشركين،من الأمر بالتّوحيد و النّهي عن الشّرك و الإنذار و الوعيد الشّديد لهم و النّعي عليهم،و ضائق به صدرك أن تبلّغهم إيّاه كلّه،كما أنزل كراهة أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ. (12:29)

الطّباطبائيّ: لمّا كانت رسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بما أيّدت به من القرآن الكريم و الآيات البيّنات و الحجج و البراهين-ممّا لا يسع لذي عقل إنكارها و لا لإنسان صحيح المشاعر ردّها و الكفر بها-كان ما حكى من كفر الكافرين و إنكار المشركين أمرا مستبعدا بحسب الطّبع.

و إذا كان وقوع أمر على صفة من الصّفات مستبعدا أخذ الإنسان في تقرير ذلك الأمر من غير مجرى الاستبعاد، طلبا للمخرج من نسبة الوقوع إلى ما يستبعده الطّبع.

و لمّا كان المقام في الآية الكريمة هذا المقام،و كان ما حكاه اللّه سبحانه من كفر المنكرين و إنكار المشركين لما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إليهم من الحقّ الصّريح،و ما أنزل إليه من كلام اللّه تعالى مع ما يتلوه من البيّنات و الحجج، ممّا لا ينبغي أن يذعن به لبعده طبعا،بيّن تعالى لذلك وجها بعد وجه على سبيل التّرجّي،فقال: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ إلخ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ هود:13 إلخ.

فكأنّه قيل:من المستبعد أن تهديهم إلى الحقّ الواضح و يسمعوا منك كلامي،ثمّ لا يستجيبوا دعوتك، و يكفروا بالحقّ بعد وضوحه،فلعلّك تارك بعض ما يوحى إليك و غير داعيهم إليه،و لذلك جبّهوك بالإنكار.أم يقولون:إنّ القرآن ليس من كلام اللّه بل هو افتراء افتريته على اللّه،و لذلك لم يؤمنوا به.فإن كنت تركت بعض الوحي خوفا من اقتراحهم عليك الآيات، فإنّما أنت نذير و ليس لك إلاّ ما شاء اللّه،و أن يقولوا:

افتراه،فقل لهم:يأتوا بعشر سور مثله مفتريات...إلخ.

و ممّا تقدّم يظهر أنّ إيراد الكلام مورد التّرجّي و الاحتمال،رعاية ما يقتضيه المقام من طبع الاستبعاد.

فالمقام مقام الاستبعاد،و مقتضاه ذكر كلّ سبب محتمل التّأثير في الحادثة المستبعدة.

اعتبر ذلك في ملك ينتهي إليه تمرّد بعض ضعفاء

ص: 753

رعيّته،فيبعث بعض عمّاله إلى دعوتهم إلى السّمع و الطّاعة،و يكتب في ذلك كتابا يأمره أن يقرأه عليهم، و يلومهم على تمرّدهم و استكبارهم،على ما بهم من الضّعف و الذّلّة و لمولاهم من القوّة و السّطوة و العزّة،ثمّ يبلغ الملك أنّهم ردّوا على رسوله ما بلغهم من قبله، و يكتب إليه كتابا ثانيا يأمره بقراءته عليهم و إذا فيه:

لعلّك لم تقرأ كتابي عليهم،مخافة أن يقترحوا عليك بما لا تقدر عليه،أو أنّهم زعموا أنّ الكتاب ليس من قبلي و إنّما افتريته عليّ افتراء.فإن كان الأوّل فإنّك رسول ليس عليك إلاّ البلاغ،و إن كان الثّاني فإنّ الكتاب بخطّي كتبته بيدي،و ختمت عليه بخاتمي،و لا يقدر أحد غيري أن يقلّدني في ذلك.

و التّأمّل في هذا المثال يعطي أنّ المقام فيما يتضمّنه الكتاب الثّاني من الخطاب مقام الاستبعاد،و أنّ القصد من ذكر الاحتمالين ترك الإبلاغ.و زعم الافتراء ليس هو توبيخ الرّسول جدّا أو احتمال زعمهم الكذب و الفرية جدّا،و إنّما ذكر الوجهان لداعي أن يكونا كالمقدّمة لذكر ما يزول به الشّبهتان،و هو أنّ الرّسول ليس له من الأمر شيء حتّى يقترح عليه بما يقترح،و أنّ الكتاب للملك ليس فيه ريب و لا شكّ.

و من هنا يظهر أن قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ ليس يفيد التّرجّي الجدّيّ و لا مسوقا لتوبيخ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لا مرادا به تسليته و تطييب نفسه،إثر ما كان يناله من الحزن و الأسى بكفرهم و جحودهم،لما أتى به من الحقّ الصّريح،بل الكلام مسوق ليتوصّل به إلى ذكر قوله:

إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ هود:12.

فما ذكره بعض المفسّرين أنّ الكلام مسرود لنهي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الحزن و ضيق الصّدر،و بما كانوا يواجهونه به من الكفر و الجحود،و النّهي نهي تسلية و تطييب للنّفس،نظير ما فى قوله: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ النّحل:127،و قوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ* إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ الشّعراء:

3،4،كلام ليس في محلّه.

و يظهر أيضا أنّ قوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ إلخ،و قوله:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ هود:13 إلخ،كشقّي التّرديد، و يتّصلان معا بما قبلهما من وجه واحد،كما ذكرناه.

و قوله: تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ إنّما ذكر «البعض»لأنّ الآيات السّابقة متضمّنة لتبليغ الوحي في الجملة،أي لعلّك تركت بعض ما أوحينا إليك من القرآن،فما تلوته عليهم فلم ينكشف لهم الحقّ كلّ الانكشاف،حتّى لا يجبّهوك بما جبّهوك به من الرّدّ و الجحود؛و ذلك أنّ القرآن بعضه يوضّح بعضا،و شطر منه يقرّب شطرا منه من القبول،كآيات الاحتجاج توضح الآيات المشتملة على الدّعاوي،و آيات الثّواب و العقاب تقرّب الحقّ من القبول بالتّطميع و التّخويف، و آيات القصص و العبر تستميل النّفوس،و تليّن القلوب.

و قوله: وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا... إلخ، قال في«المجمع»:ضائق و ضيّق بمعنى واحد،إلاّ أنّ ضائق هاهنا أحسن لوجهين:أحدهما:أنّه عارض، و الآخر:أنّه أشكل بقوله:(تارك)،انتهى.(10:158)

ص: 754

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّركة:بيضة النّعامة المفردة،و الجمع:ترك،و شبّهت بها بيضة الحديد للرّأس،و في حديث الخليل أنّه«جاء إلى مكّة يطالع تركته»،يريد به ولده إسماعيل و أمّه هاجر،تشبيها بتركة النّعامة.

ثمّ توسّع فيه و استعمل في كلّ ما يدعه النّاس و يخلّونه،وصفا لفعل النّعامة عند قيامها عن التّركة، فالتّريك:العنقود إذا أكل ما عليه،و العذق إذا نفض فلم يبق فيه شيء،و هو التّريكة أيضا،و جمعها:تريك و ترائك.و التّريكة أيضا:الرّوضة الّتي يغفلها النّاس فلا يرعونها،و هي المرأة الّتي يقلّ خطّابها،يقال:ترك الرّجل،أي تزوّج التّريكة.

و منه:ترك الشّيء يتركه تركا،أي ودعه و خلاّه، و اتّركه:خلاّه،يقال:ما ترك،أي ما ترك شيئا،و تاركته البيع متاركة:خلّيته،و تراك:اسم لفعل الأمر.

2-و ليست مشتقّة منها:«التّرك»:و هي أمّة قديمة تنسب إلى يافث بن نوح،كما اتّفق عليه أكثر المؤرّخين، و كانت تقطن آسيا الوسطى،ثمّ تفرّقت في إيران و خوارزم و بخارى و أفغانستان و روسيا و الصّين و بلاد الأناضول و العراق.و أقامت دول عديدة كدولتي الأتراك السّلاجقة في إيران و الأتراك العثمانيّين في الأناضول.و كان اليونانيّون يطلقون على التّرك اسم «تيران»،و معناه عنده طاغية أو عات،و البيزنطيّون يسمّونهم الفرس خطأ؛إذ لم يكن بين التّرك و الفرس قرابة أو وشيجة رحم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة الفعل الماضي(29)مرّة، و المضارع(6)مرّات،و الأمر مرّة،و الوصف(3)مرّات، في(37)آية في أربعة محاور:

ألف:ما يترك إرثا:

1- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ... البقرة:248

2- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ البقرة:180

3- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً النّساء:7

4،5- يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ... * وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها... النّساء:11،12

6- وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ

ص: 755

اَللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً النّساء:33

7- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... النساء:176

ب:ما أبقي و لم يعدم:

8- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ النّساء:9

9- كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الدّخان:25

10- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ... النّحل:61

11- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فاطر:45

12- ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ الحشر:5

13- قالُوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنّا صادِقِينَ يوسف:17

14- وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً الكهف:99

15- وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

العنكبوت:35

16،17،18- وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ

الصّافّات:78،108،129

19- وَ تَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ الصّافّات:119

20- وَ تَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ الذّاريات:37

21- وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ

القمر:15

22- فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ البقرة:264

23- مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:17

24- وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً الجمعة:11

25- فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ الأعراف:176

26- وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ

الدّخان:24

ج:عدم المؤاخذة:

27- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ التّوبة:16

28- أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ الشّعراء:146

29- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً

القيمة:36

30- أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2

د:رفض عمل أو شخص أو شيء:

31- لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها

ص: 756

كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

المؤمنون:100

32- ...إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يوسف:37

33- وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ الأنعام:94

34- قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ هود:87

35- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ هود:12

36- وَ يَقُولُونَ أَ إِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ الصّافّات:36

37- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ هود:53

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة رغم وحدة معناها-و هو تخلية الشّيء كما قال ابن فارس-فقد جاءت في الآيات -كما رأيت-على محاور أربعة:

1-تخليف الميّت إرثا:(1-7).

2-إبقاء شيء وجودا،و هذا هو الغالب عليها:(8- 26).

3-عدم المؤاخذة:(27-30).

4-رفض عمل أو شيء أو شخص:(31-37).

و قد جمعها الرّاغب في قوله:«ترك الشّيء:رفضه قصدا و اختيارا و اضطرارا»،و استشهد لكلّ منها بمثال من القرآن،و لكن ينقص كلامه الدّقّة،و ستقف على المحاور الأربعة خلال إمعانك في النّصوص،فلاحظ.

ثانيا:في تفسير بعض الآيات دفع إبهام اعتورها، أو شبهة حدثت حولها:

منها:في(6): وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ، فقد اختلفوا في(ممّا ترك):

أ هو صفة ل«الموالي»،أي موالي الكائنين ممّا ترك الوالدان و الأقربون،و الموالي هم الورّاث لما تركوه؟

أو بيان ل(كلّ)أي لكلّ ممّا تركه الوالدان و الأقربون.

أو جعلنا لكلّ واحد ورثة في تركته،و هم الوالدان و الأقربون.

أو صفة ل«مال»محذوف،أي من مال تركه الوالدان و الأقربون.

أو متعلّق بفعل محذوف دلّ عليه«الموالي»و تقديره:

يرثون ممّا ترك.

أو(ما)بمعنى«من»،أي لكلّ أحد ممّن تركهم الوالدان و الأقربون.

أو جعلنا لكلّ تركة وارثا،و(ممّا ترك)بيان ل(كلّ) مع الفصل بالعامل و هو(جعلنا).

أو جعلنا لكلّ ميّت وارثا ممّا ترك،على أنّ«من» صلة(موالى)،إلاّ أنّه في معنى الوارث،و ضمير الفاعل في(ترك)راجع إلى(كلّ).

و(الوالدان)عند بعضهم خبر لمبتدإ محذوف،أي هؤلاء الموالي الوارثين هم الولدان و الأقربون.

و يرجع بعض هذه الوجوه إلى بعض،فتؤول إلى وجهين،و هما:هل الوالدان و الأقربون وارثون،أو

ص: 757

مورّثون؟و الأولى بالسّياق هو الثّاني،مع ملاحظة ما قبلها لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ... وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ النّساء:32،33، أي جعلنا لكلّ من الرّجال و النّساء موالي،أي من هو أولى بأن يرثهم ممّا تركه الوالدان و الأقربون.

ف«الموالي»تتضمّن معنى«الوارث»،فيتعلّق بها(ممّا ترك)،و«من»للتّعدية،و(الوالدان و الاقربون)فاعل (ترك)،و المعنى لكلّ من النّساء و الرّجال ورّاث يرثونهم ممّا تركه(الوالدان و الاقربون).

و عليه فإنّ(الوالدان و الاقربون)جاء مكان (الرّجال و النّساء)في الأوّل كأظهر المصاديق للمورّثين.

و قدّم(لكلّ)على(جعلنا)تنجيزا للرّبط بينها و ما تقدّمها من الرّجال و النّساء.

و يؤيّد ما ذكرنا من أنّ(الوالدان و الاقربون)هم الوارثون الآية(3): لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ؛ إذ سياق الآيتين واحد.

و منها:في(23): وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، و قد استشكل عليه بأنّه أوّلا:لو أريد بتركهم إهمالهم مباشرة فهذا لا يليق باللّه،و إن أريد به تصييرهم في الظّلمات،فالفعل(ترك)يحتاج إلى مفعول ثان،و هو إمّا (فى ظلمات)،و يكون(لا يبصرون)حالا،و إمّا (لا يبصرون)،و(فى ظلمات)ظرف له أو ل(تركهم)، أو حال من الضّمير في(يبصرون).

و عندنا أنّ(تركهم)هنا من المحور الثّاني بمفعول واحد،أي(أبقاهم)،و(و فى ظلمات)ظرف له، و(لا يبصرون)حال من ضمير المفعول في(تركهم)، و تنكير(ظلمات)و جمعها و تقييده بكونهم (لا يبصرون)،كلّها تأكيد بعد تأكيد،لإذهاب نورهم بأسره،حتّى لم يبق لهم نور أبدا،و الجملة بمكان من البلاغة و المبالغة.

ثانيا:قال المعتزلة و من ذهب مذهبهم في العدل،في مثل هذه الآية:كيف يعاونهم اللّه على الضّلالة و هو قبيح منه؟فأوّلوها بالتّخلية بينهم و بين أعمالهم،من دون إعانة لهم على ذلك.

و الحقّ في مثلها أنّ ذلك مجازاة للكفّار و المنافقين في الدّنيا،بسبب إعراضهم عن الحقّ بعد قدرتهم على معرفته و قبوله،فسلبها منهم،و ختم على قلوبهم،و هذا معنى«الإضلال»في مثل فَيُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ إبراهيم:4،لاحظ«ض ل ل».

و منها:في(24): وَ تَرَكُوكَ قائِماً، استصعب جمهور أهل السّنّة الأمر؛إذ كيف تركه الصّحابة قائما، و انفضّوا إلى اللّهو أو التّجارة،و هم من الرّعيل الأوّل في الإيمان؟فأوّلوها-تنزيها لهم-بأنّ الخطبة في يوم الجمعة كانت بعد الصّلاة مثل العيدين،فظنّوا أنّهم قد قضوا ما وجب عليهم،و ليس في ترك الخطبة خطيئة،فجعلت بعد ذلك قبل الصّلاة،فكان لا يخرج بعد النّهي أحد لرعاف أو حدث حتّى يستأذن النّبيّ عليه السّلام إشارة باليد فيأذن له بذلك.

و من ناحية أخرى فقد راق للنّاس الحطّ من شأن الصّحابة بذلك،و هذا يلائم ما نصّ عليه القرآن من جهادهم بأموالهم و أنفسهم في سبيل اللّه،إلاّ قليلا من

ص: 758

ضعفة الإيمان دون معظمهم.

و يفضّ النّزاع بأنّ ذلك كان قد حدث في أوائل الهجرة،و هم يومئذ لم يألفوا صلاة الجمعة،و لم يعتادوها،و يشهد به ما جاء قبلها: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ...

الجمعة:9،فعاتبهم اللّه بذلك و عذلهم.و له نظائر في القرآن في مواضيع أخرى،تسديدا و تأديبا لهم،لاحظ «ه ج ر،المهاجرين و الأنصار».و قد جاءت أمثالها خطابا للنّبيّ بالذّات،فأوّلها المفسّرون قاطبة تأويلا يتماشى مع كرامة النّبيّ و عصمته،كما ترى أدناه.

و منها:في(35): فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ، قالوا:كيف يترك النّبيّ-و هو مأمور بالتّبليغ- و بعض ما يوحى إليه؟و لا سيّما تجويزه يؤدّي إلى الشّكّ في النّبوّات؟!و أجابوا عنه بوجوه:

1-أنّه كان يضيق صدر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأن يلقي إلى النّاس ما لا يقبلونه و يستخفّون به،فيرى أنّ تركه أولى و أصلح،فخصّه اللّه لأداء الرّسالة،و عدم المبالاة باستخفافهم و سفاهتهم،و الإعراض عن سخريّتهم و استهزائهم،و أنّه أولى من تركهم رأسا،فإنّه يؤدّي إلى الخيانة في الرّسالة،و قد أتي بلفظ(لعلّك)-الدّالّ على الشّكّ-تخفيفا للعتاب،و رعاية للأدب.

2-أنّهم لمّا قالوا له:«لو أتيتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا لاتّبعناك»،فهمّ بأن يدع سبّ آلهتهم،و الكلام معناه الاستفهام،أي هل أنت تارك ما فيه سبّ آلهتهم كما سألوك؟

3-لعظم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهّم أنّهم سيزيلونك عن بعض ما أنت عليه من تبليغ ما أوحي إليك.ف(لعلّ)هنا لتوقّع شيء سيقع،و ليس معناه أنّه وقع،و هي نظير طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى طه:1،2،إلى غير ذلك من التّأويلات،و لا سيّما ما ذكره الطّباطبائيّ من أنّه تمهيد لقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ الرّعد:7،فلاحظ.

و عندنا أنّ للّه مع رسوله مواقف كلّها رحمة له،و حتّى العتاب منه تعالى يخفّف آلامه،و هي أنس الحبيب بحبيبه.و ليس عتابات القرآن له ما يقتضي عصيانا،بل هي إرشاد إلى ما هو أولى ممّا فعله النّبيّ،و قد عبّروا عنها ب«ترك الأولى».

و من ناحية أخرى فإنّ هذه العتابات تحمل صبغة الصّراحة و الصّداقة بين اللّه و رسوله،و وجودها في القرآن دليل على صدقه في رسالته،فكان لا يكتم شيئا من الوحي حتّى العتابات الإلهيّة،الموجّهة إليه.

و من جملة المحامل المعروفة في هذه العتابات أنّها من قبيل«إيّاك أعني و اسمعي يا جارة»،أي أنّها وجّهت إليه و أريد بها الأمّة.و نقول:و لو لم تكن الأمّة مرادة بها، فإنّها تتنبّه بها كأدنى تقدير،فيهون عليها ما نزلت من الآيات عتابا و توبيخا لها،و تقلّ بها ما تتمنّاه من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في التّسامح معها في أحكام اللّه تعالى.

ص: 759

ص: 760

ت س ع

اشارة

4 ألفاظ،7 مرّات مكّيّة،في 5 سور مكّيّة

تسع 3:3 تسعة 2:2

تسعا 1:1 تسعون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :يقال:تسعت القوم،أي:صرت تاسعهم.

و أتسعت الشّيء،إذا كان ثمانية و أتممته تسعة.

و التّسع و التّسعة من العدد يجري على وجوه التّذكير و التّأنيث:تسعة رجال،و تسع نسوة.

(1:325)

اللّيث: رجل متّسع،و هو المنكمش،الماضي في أمره.و في نسخة من كتابه:مستع،و هو المنكمش الماضي في أمره.و يقال:مسدع،لغة.

و رجل مستع،أي سريع.

و في حديث ابن عبّاس:«لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التّاسع»يعني عاشوراء،كأنّه تأوّل فيه عشر الورد أنّها تسعة أيّام.و العرب تقول:«وردت الماء عشرا،يعنون يوم التّاسع.و من هاهنا قالوا:عشرين، و لم يقولوا:عشرين،لأنّهما عشران،و بعض الثّالث.

(الأزهريّ 2:77)

الفرّاء: و لا يجوز أن تقول:هو تاسع تسعة و لا رابع أربعة.إنّما يقال:رابع أربعة على الإضافة،و لكنّك تقول:

رابع ثلاثة.(الأزهريّ 2:77)

أبو زيد :العشير و التّسيع،بمعنى العشر و التّسع.

(الأزهريّ 2:77)

ابن السّكّيت :و تقول:ثلثت القوم فأنا أثلثهم،إذا كنت لهم ثالثا...و تسعتهم أتسعهم.(588)

شمر: [نقل قول أبي زيد و قال:]

و لم أسمع تسيع إلاّ لأبي زيد.(الأزهريّ 2:77)

ابن دريد :تسع:عدد معروف،و التّسع:ظمء من أظماء الإبل،و الإبل تواسع،و أصحابها متسعون.

و التّسع:جزء من تسعة أجزاء،و التّسع:ثلاث ليال من العشر الأوّل من الشّهر ثلاث تسع.(2:16)

ص: 761

الأزهريّ: و يقال:تسعون في موضع الرّفع، و تسعين في الجرّ و النّصب،و اليوم التّاسع و اللّيلة التّاسعة،و تسع عشرة مفتوحتان على كلّ حال،لأنّهما اسمان جعلا اسما واحدا،فأعطيا إعرابا واحدا،غير أنّك تقول:«تسع عشرة امرأة،و تسعة عشر رجلا».

و العرب تقول في ليالي الشّهر:ثلاث غرر،و لثلاث بعدها:ثلاث نفل،و لثلاث بعدها:ثلاث تسع.سمّين تسعا،لأنّ آخرتها اللّيلة التّاسعة.كما قيل لثلاث بعدها:

ثلاث عشر،لأنّ بادئتها اللّيلة العاشرة.

و يقال:كان القوم ثمانية فتسعتهم،أي صيّرتهم تسعة بنفسي،أو كنت تاسعهم.

و يقال:هو تاسع تسعة،و تاسع ثمانية،و تاسع ثمانية.

و يقال:تسعت القوم،إذا أخذت تسع أموالهم أو كنت تاسعهم،أتسعهم،بفتح السّين لا غير،في الوجهين.

و قال اللّيث:رجل متّسع،و هو المنكمش الماضي في أمره.قلت:لا أعرف ما قال إلاّ أن يكون«مفتعلا»من «السّعة»و إذا كان كذلك فليس من هذا الباب.(2:77)

الصّاحب: يقال في التّسع تسيع.

و تسعتهم:أخذت التّسع من أموالهم.و جعلتهم تسعة أيضا.(1:356)

الجوهريّ: [نحو ابن دريد و أضاف:]

و التّسع،مثال الصّرد:ثلاث ليال من الشّهر،و هي بعد النّفل،لأنّ آخر ليلة منها هي التّاسعة.

و التّاسوعاء:قبل يوم العاشوراء،و أظنّه مولّدا.

و تسعت القوم أتسعهم،إذا أخذت تسع أموالهم،أو كنت تاسعا.

و أتسع القوم،إذا وردت إبلهم تسعا.

و أتسعوا،أي صاروا تسعة.(3:1191)

ابن فارس :التّاء و السّين و العين كلمة واحدة، و هي التّسعة في العدد.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الأزهريّ](1:347)

الهرويّ: [نحو اللّيث في حديث ابن عبّاس و أضاف:]

و من هذا قالوا:عشرين و لم يقولوا:عشرين، لأنّهم جعلوا ثمانية عشر يوما«عشرين»،و اليوم التّاسع عشر،و المكمّل عشرين طائفة من الورد الثّالث، فجمعوه بذلك.

و يحتمل أن يكون كره موافقة اليهود،لأنّهم يصومون اليوم العاشر،فأراد أن يخالفهم،و يصوم اليوم التّاسع.(1:254)

ابن سيدة :التّسعة من العدد:معروف،و قول العرب:تسعة أكثر من ثمانية.فلا تصرف،إذا أردت قدر العدد،لا نفس المعدود.و إنّما ذلك تصيّر هذا اللّفظ علما لهذا المعنى كزوبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّسع في المؤنّث:كالتّسعة في المذكّر.[إلى أن قال:]

و التّسع من أظماء الإبل:أن ترد إلى تسعة أيّام، و الإبل:تواسع.

و القوم متسعون،إذا وردت إبلهم لتسعة أيّام و ثماني ليال.

و حبل متسوع:على تسع قوى.

و الثّلاث التّسع:اللّيلة السّابعة،و الثّامنة و التّاسعة من الشّهر.و قيل:هي اللّيالي الثّلاث من أوّل الشّهر،

ص: 762

و الأوّل أقيس.

و التّسع و التّسيع:جزء من تسعة،يطّرد ذلك في جميع الكسور عند بعضهم.

و تسع المال يتسعه:أخذ تسعه.و تسعهم:أخذ تسع أموالهم.(1:473)

ابن التّسعين:واحد الأرذلين.(الإفصاح 1:15)

التّسعة:عدد يلي الثّمانية للمعدود المذكّر،و تحذف الهاء في المؤنّث.تسعهم يتسعهم مثلّثة السّين في المضارع تسعا:كان تاسعهم،فهو تاسع تسعة.و تسعهم أيضا:

صيّرهم تسعة بنفسه،فهو تاسع ثمانية.و أتسعوا:صاروا تسعة.و يقال:هو تاسع تسعة إلخ على نحو ما ذكر في ثلاثة سابقا.

التّسعون:العقد التّاسع من العدد،و هو تسع عشرات.و تقول:كانوا تسعة و ثمانين فتسعهم يتسعهم مثلّث السّين في المضارع،أي تمّمهم بنفسه تسعين.

(الإفصاح 2:1254)

الرّاغب: التّسعة في العدد معروفة،و كذا التّسعون.[إلى أن قال:]

و التّسع:من أظماء الإبل،و التّسع:جزء من تسع.

و التّسع:ثلاث ليال من الشّهر،آخرها التّاسعة.

و تسعت القوم:أخذت تسع أموالهم،أو كنت لهم تاسعا.(74)

ابن الأثير :فيه«لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ تاسوعاء»هو اليوم التّاسع من المحرّم،و إنّما قال ذلك كراهة لموافقة اليهود،فإنّهم كانوا يصومون عاشوراء و هو العاشر،فأراد أن يخالفهم و يصوم التّاسع.

قال الأزهريّ: أراد بتاسوعاء:عاشوراء،كأنّه تأوّل فيه عشر ورد الإبل.تقول العرب:وردت الإبل عشرا،إذا وردت اليوم التّاسع.

و ظاهر الحديث يدلّ على خلافه،لأنّه قد كان يصوم عاشوراء و هو اليوم العاشر،ثمّ قال:«لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ تاسوعاء»فكيف يعد بصوم يوم قد كان يصومه.(1:189)

الصّغانيّ: [بعد نقل كلام الأزهريّ ردّا على اللّيث قال:]

لم يقل اللّيث شيئا من هذا،و إنّما ذكر في تركيب«س ت ع»المستع،فانقلب على الأزهريّ.(4:224)

الفيّوميّ: التّسع:جزء من تسعة أجزاء،و الجمع:

أتساع،مثل قفل و أقفال،و ضمّ السّين للإتباع لغة.

و التّسيع مثل كريم:لغة فيه.

و تسعت القوم أتسعهم-من باب«نفع»و في لغة من بابي«قتل»و«ضرب»-إذا صرت تاسعهم أو أخذت تسع أموالهم.

و قوله عليه الصّلاة و السّلام: «لأصومنّ التّاسع» مذهب ابن عبّاس،و أخذ به بعض العلماء أنّ المراد ب«التّاسع»:يوم عاشوراء،فعاشوراء عنده تاسع المحرّم.

و المشهور من أقاويل العلماء سلفهم و خلفهم:أنّ عاشوراء:عاشر المحرّم،و تاسوعاء:تاسع المحرّم، استدلالا بالحديث الصّحيح أنّه عليه الصّلاة و السّلام صام عاشوراء،فقيل له:إنّ اليهود و النّصارى تعظّمه، فقال:فإذا كان العام المقبل صمنا التّاسع.فإنّه يدلّ على أنّه كان يصوم غير التّاسع،فلا يصحّ أن يعد بصوم ما قد

ص: 763

صامه.

و قيل:أراد ترك العاشر و صوم التّاسع وحده، خلافا لأهل الكتاب.

و فيه نظر لقوله عليه الصّلاة و السّلام في حديث:

«صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود،صوموا قبله يوما و بعده يوما»و معناه صوموا معه يوما قبله أو بعده حتّى تخرجوا عن التّشبّه باليهود في إفراد العاشر.

و اختلف هل كان واجبا و نسخ بصوم رمضان أو لم يكن واجبا قطّ؟و اتّفقوا على أنّ صومه سنّة.

و أمّا«تاسوعاء»فقال الجوهريّ:أظنّه مولّدا.و قال الصّغانيّ:مولّد.فينبغي أن يقال:إذا استعمل مع عاشوراء،فهو قياس العربيّ لأجل الازدواج،و إن استعمل وحده فمسلّم،إن كان غير مسموع.(1:75)

الفيروزآباديّ: تسعة رجال و تسع نسوة،و قوله تعالى:(تسع آيات)الإسراء:101.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّسع أيضا ظمء من أظماء الإبل،و بالضّمّ:جزء من تسعة كالتّسيع،و كصرد:اللّيلة السّابعة و الثّامنة و التّاسعة من الشّهور.

و التّاسوعاء:قبل يوم عاشوراء مولّد.

و تسعهم،كمنع و ضرب:أخذ تسع أموالهم،أو كان تاسعهم أو صيّرهم تسعة بنفسه،فهو تاسع تسعة و تاسع ثمانية،و لا يجوز تاسع تسعة.

و أتسعوا:صاروا تسعة،و وردت إبلهم تسعا.(3:9)

الطّريحيّ: في حديث الجارية المعصر:«ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين،ثمّ تستدخل قطنة،ثمّ تدعها مليّا».قال بعض شرّاح الحديث أراد أنّه لفّ سبّابته اليسرى تحت العقد الأسفل من الإبهام اليسرى، فحصل بذلك عقد تسعين،بحساب عدد اليد.

و المراد أنّها تستدخل قطنة بهذا الأصبع صونا للمسبحة عن القذارة،كما صينت اليد اليمنى عن ذلك، ليتميّز الدّم الخارج على القطنة،فتعمل على ما يقتضيه.

و يحتمل أن يكون هذا العقد كناية عن الأمر بحفظ السّرّ حفظا محكما،كإحكام القابض تسعين.

و كيف ما كان لم يوافق هذا الحساب حساب اليد المشهور؛إذ العقد على هذا المحلّ إنّما هو من عقود تسعمائة لا عقد التّسعين.فإنّ أهل الحساب وضعوا عقود اليد اليمنى لآحاد الأعداد و عشراتها،و اليد اليسرى لمئات الأعداد و ألوفها،فلعلّ الرّاويّ و هم في التّعبير.أو أنّ ما ذكر اصطلاح آخر في العقود غير مشهور و قد وقع مثله في الخبر.

و في الخبر:«أمرني ربّي بتسع»يعني بنكاح تسع نساء في الدّائم،و هو ممّا لا خلاف فيه من أنّه لم يجتمع عنده النّكاح غير تسع،و ما روي«أنّهنّ إحدى عشر» فيجمع جاريتين:مارية و ريحانة.(4:309)

مجمع اللّغة :التّسعة:العدد المعروف،يذكّر مع المؤنّث،و يؤنّث مع المذكّر،منفردا و مركّبا و معطوفا.

و التّسعون:العدد المعروف،يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.(1:157)

ص: 764

النّصوص التّفسيريّة

تسع

1- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ...

الإسراء:101

راجع«أ ي ي».

2- وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ... النّمل:12

راجع«أ ي ي».

تسعا

وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً.

الكهف:25

الإمام عليّ عليه السّلام: عند أهل الكتاب أنّهم لبثوا ثلاثمائة شمسيّة،و اللّه تعالى ذكر ثلاثمائة قمريّة.و التّفاوت بين الشّمسيّة و القمريّة في كلّ مائة سنة ثلاث سنين، فيكون في ثلاثمائة تسع سنين،فلذلك قال: وَ ازْدَادُوا تِسْعاً. (البغويّ 3:188)

نحوه ابن كثير.(4:380)

ابن عبّاس: وَ ازْدَادُوا تسع سنين،و هذا قبل أن أيقظهم اللّه.(246)

مجاهد :عدد ما لبثوا.(الطّبريّ 15:231)

الضّحّاك: نزلت هذه الآية وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا:أيّاما،أو أشهرا،أو سنين؟فأنزل اللّه سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً. (الطّبريّ 15:231)

الكلبيّ: قالت نصارى نجران:أمّا ثلاثة فقد عرفنا،و أمّا التّسع فلا علم لنا بها،فنزلت.

(البغويّ 3:187)

الجبّائيّ: وَ ازْدَادُوا تِسْعاً أي ازدادوا لبث تسع،فحذف.(القرطبيّ 10:387)

الطّبريّ: [قال ما ملخّصه:لبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاثمائة سنة و تسع سنين،و قول من قال هذا مدّة لبثهم من لدن دخلوا الكهف إلى يوم نزول الآية،لا دليل عليه](15:232)

الزّجّاج :فأمّا قوله: وَ ازْدَادُوا تِسْعاً فلا يكون على معنى:و ازدادوا تسع ليال،و لا تسع ساعات،لأنّ العدد يعرف بتفسيره (1)،و إذا تقدّم تفسيره استغنى بما تقدّم عن إعادة ذكر التّفسير.تقول:عندي مائة درهم و خمسة،فيكون«الخمسة»قد دلّ عليها ذكر الدّرهم.

(3:279)

النّقّاش: إنّهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسيّة بحساب الأيّام،فلمّا كان الإخبار هنا للنّبيّ العربيّ ذكرت التّسع؛ إذ المفهوم عنده من السّنين القمريّة،و هذه الزّيادة هي ما بين الحسابين.(القرطبيّ 10:387)

الماورديّ: هو ما بين السّنين الشّمسيّة و السّنين القمريّة.(3:300)

الطّوسيّ: و قرأ الحسن (تسع و تسعون) ص:23، بفتح التّاء،يقال:تسع بكسر التّاء و فتحها و هما لغتان، و الكسر أكثر و أفصح.

وَ ازْدَادُوا تِسْعاً يعني تسع سنين فاستغنى

ص: 765


1- و في الأصل(يعرف تفسيره)بإسقاط الباء!!

بالتّفسير في الأوّل عن إعادته هاهنا.(7:33)

نحوه القشيريّ(القرطبيّ 10:387)،و الزّمخشريّ (2:481)،و الطّبرسيّ(3:463).

ابن عطيّة :لم يدر النّاس أ هي ساعات،أم أيّام، أم جمع،أو شهور،أم أعوام.و اختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك،فأمر اللّه بردّ العلم إليه،يريد في«التّسع» فهي على هذا مبهمة.و ظاهر كلام العرب و المفهوم منه أنّها أعوام،و الظّاهر من أمرهم أنّهم قاموا و دخلوا الكهف بعد عيسى بيسير،و قد بقيت من الحواريّين بقيّة.[إلى أن قال:]

و قرأ أبو عمرو بخلاف (تسعا) بفتح التّاء،و قرأ الجمهور(تسعا)بكسر التّاء.(3:510)

نحوه القرطبيّ(10:387)،و أبو حيّان(6:116).

الفخر الرّازيّ: المعنى:و ازدادوا تسع سنين.

فإن قالوا:لم لم يقل:ثلاثمائة و تسع سنين؟و ما الفائدة في قوله: وَ ازْدَادُوا تِسْعاً؟

قلنا:قال بعضهم:كانت المدّة ثلاثمائة سنة من السّنين الشّمسيّة،و ثلاثمائة و تسع سنين من القمريّة.و هذا مشكل،لأنّه لا يصحّ بالحساب هذا القول،و يمكن أن يقال:لعلّهم لمّا استكملوا ثلاثمائة سنة قرب أمرهم من الانتباه،ثمّ اتّفق ما أوجب بقاؤهم في النّوم بعد ذلك تسع سنين.(21:112)

نحوه الشّربينيّ(2:366)،و البروسويّ(5:236).

النّسفيّ: أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه، و(تسعا)مفعول به،لأنّ«زاد»تقتضي مفعولين، ف(ازداد)يقتضي مفعولا واحدا.(3:10)

نحوه النّيسابوريّ.(15:122)

شبّر:تسع سنين،و هذا بيان ما أجمل قبل،من مدّة نومهم.(4:71)

الآلوسيّ: [نقل كلام ابن عطيّة ثمّ قال:]

و ليس بشيء،فإنّه إذا سبق عدد مفسّر و عطف عليه ما لم يفسّر،حمل تفسيره على السّابق؛فعندي مائة درهم و عشرة،ظاهر في عشرة دراهم،و ليس بمجمل، كما لا يخفى.(15:253)

القاسميّ: حكاية لقول أهل الكتاب في عهده صلّى اللّه عليه و سلّم،في مدّة لبثهم نائمين في كهفهم الّذي التجئوا إليه،ليتفرّغوا لذكر اللّه و عبادته.و قد ردّ عليهم بقوله سبحانه: قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا الكهف:26،و إليه ذهب قتادة و مطرف بن عبد اللّه و أيّده قتادة بقراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه و قالوا و لبثوا.

و قيل:و عليه فيكون ضمير وَ ازْدَادُوا لأهل الكتاب،و إنّه يظهر فيه وجه العدول عن المتبادر،و هو ثلاثمائة و تسع سنين،مع أنّه أخصر و أظهر؛و ذلك لأنّ بعضهم قال:ثلاثمائة،و بعضهم قال:أزيد بتسعة.

و لا يخفى ركاكة ما ذكر،فإنّ الضّمير للفتية.و وجه العدول موافقة رءوس الآي المقطوعة بالحرف المنصوب،و دعوى الأخصريّة تدقيق نحويّ لا تنهض بمثله البلاغة.و أمّا الأظهريّة فيأباها ذوق الجملتين ذوقا سليما،فإنّ الوجدان العربيّ يجد بينهما في الطّلاوة بعد المشرقين.

و دعوى أنّ فيها إشارة إلى أنّها ثلاثمائة بحساب أهل الكتاب بالأيّام،و اعتبار السّنة الشّمسيّة،و ثلاثمائة و تسع

ص: 766

بحساب العرب،و اعتبار القمريّة بيانا للتّفاوت بينهما،إذ التّفاوت بينهما في كلّ مائة سنة ثلاث سنين،دعوى يتوقّف تصحيحها على ثبوت أنّ أهل الكتاب أرادوا بالسّنة الشّمسيّة،و أنّه قصّ علينا ما أرادوه بالسّنة الهلاليّة،فلذلك قال: وَ ازْدَادُوا تِسْعاً لنقف على تحديد ما عنوه.

و من أين يثبت ذلك؟و ما الدّاعي لهذا التّعمّق المشوّش؟و الآية جليّة بنفسها في دعواهم مدّة لبثهم.

و قد يريدون السّنة الشّمسيّة أو الهلاليّة،و بأيّ منهما قالوا:فقد ردّ عليهم بقوله: قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا الكهف:26،أي بمقدار لبثهم.فلا تقفوا ما ليس لكم به علم،و ما هو غيب يرد إليه سبحانه،كما قال:

لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي ما غاب فيهما و خفي من أحوال أهلهما،أي أنّه هو وحده العالم به.

(11:4047)

الطّنطاويّ: يقول اللّه إخبارا من عنده:و لبث أهل الكهف إلى يوم النّبوّة المحمّديّة ثلاثمائة سنة و تسع سنين.

و لمّا سمع أهل الكتاب و هم نصارى نجران ذلك قالوا:أمّا الثّلاثمائة فقد عرفناها و أمّا التّسع فلا علم لنا بها،فقال اللّه له: قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا الكهف:26، كما قلنا لك من قبل: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً الكهف:22،لأنّ المقام مقام اعتبار و حكم،و المشاغبة و الجدال يضيّع المقصود من الرّسالة و من العلم.

ثمّ اعلم أيّها الفطن أنّ هذه معجزة أهمّ من ذكر قصّة أهل الكهف،لأنّ اللّه يقول:أيّها النّاس هذا النّبيّ الأمّيّ الّذي لم يقرأ و لم يكتب و لم يدرس علم الحساب و لا الهندسة و الفلك من أين جاء له أنّ كلّ ثلاثمائة سنة تزداد تسع سنين،و بعبارة أخرى من أين عرف أنّ كلّ مائة سنن شمسيّة تزيد ثلاث سنين قمريّة،و كلّ ثلاث و ثلاثين سنة شمسيّة تزيد سنة قمريّة،و كلّ سنة شمسيّة تزيد نحو(11)يوما،من أين جاء له ذلك و هو لم يدرس ذلك.

و كيف ينزل عليه لفظ وَ ازْدَادُوا ليفصل بين الزّيادة في القمريّة و المزيد عليه في الشّمسيّة،هل هذه رمية من غير رام؟

و إذا وقفت أهل نجران و قالوا:لا نعرف التّسع و نعرف الثّلاثمائة،أ فلا يتفطّن لهذا القول و يعرفوا أنّ هناك معاني و أنّ أهل عصر النّبوّة عجزوا عن فهم مثل هذه الأمور؟

و إذا كان حبر عظيم من أكبر علماء الإسلام كالعلاّمة الرّازيّ رحمه اللّه يقول:و إنّ الحساب لا يوافق هذا القول،فكيف بغيره من الّذين لا علم لهم؟!

فإذا كان فلاسفة الإسلام و حكماؤهم يتردّدون في هذا القول من حيث السّنين الشّمسيّة و القمريّة، و يقولون:ليس ذلك حقيقة،فكيف بغيرهم ممّن لا علم لهم بحساب و لا فلك؟!

و لقد أ رأيتك الحقيقة ناصعة كما أثبتها المحقّقون و قرأناه في الفلك،و أصبح معلوما مشهورا عند علمائه، أ فلا تعجب من حكمة عالية و آيات ظاهرة و عجائب باهرة؟!(9:129)

محمّد جواد مغنيّة: بعد أن استطرد سبحانه بذكر الآيتين،عاد إلى أهل الكهف،و بيّن أنّهم مكثوا في نومهم

ص: 767

العميق(309)سنوات.

و تسأل:لما ذا قال: وَ ازْدَادُوا تِسْعاً و لم يقل:

ثلاثمائة و تسعا؟

و أجاب بعض المفسّرين بأنّه تعالى أشار بقوله:

وَ ازْدَادُوا إلى أنّ أهل الكهف مكثوا(300)سنة بحساب السّنين الشّمسيّة و(309)بحساب السّنين القمريّة.لأنّ التّفاوت بينهما في كلّ مائة سنة ثلاث سنوات.(5:119)

الطّباطبائيّ: و إضافة تسع سنين إلى ثلاثمائة سنة مدّة اللّبث،تعطي أنّهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة شمسيّة.فإنّ التّفاوت في ثلاثمائة سنة إذا أخذت تارة شمسيّة و أخرى قمريّة بالغ هذا المقدار تقريبا.و لا ينبغي الارتياب في أنّ المراد بالسّنين في الآية:السّنون القمريّة، لأنّ السّنة في عرف القرآن هي القمريّة المؤلّفة من الشّهور الهلاليّة،و هي المعتبرة في الشّريعة الإسلاميّة.

و في«التّفسير الكبير»شدّد النّكير على ذلك لعدم تطابق العددين تحقيقا،و ناقش في ما روي عن عليّ عليه السّلام في هذا المعنى،مع أنّ الفرق بين العددين:الثّلاث مائة شمسيّة و الثّلاث مائة و تسع سنين قمريّة،أقلّ من ثلاثة أشهر،و التّقريب في أمثال هذه النّسب ذائع في الكلام، بلا كلام.(13:275)

[لاحظ«ل ب ث»]

تسعة

1- وَ كانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ. النّمل:48

راجع«ر ه ط».

2- عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ. المدّثّر:30

ابن عبّاس:(تسعة عشر)ملكا خزّان النّار.

(492)

فلمّا سمع أبو جهل بذلك قال لقريش:ثكلتكم أمّهاتكم،أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أنّ خزنة النّار تسعة عشر و أنتم الدّهم (1)،أ فيعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنّم؟

فأوحي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يأتي أبا جهل،فيأخذه بيده في بطحاء مكّة.فيقول له:«أولى لك فأولى،ثمّ أولى لك فأولى».فلمّا فعل ذلك به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال أبو جهل:

و اللّه لا تفعل أنت و ربّك شيئا،فأخزاه اللّه يوم بدر.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 29:159)

و نحوه الضّحّاك.(البغويّ 5:178)

السّدّيّ: و قال أبو الأشدّ ابن الجمحيّ:لا يهولنّكم التّسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة،و بمنكبي الأيسر التّسعة،ثمّ تمرّون إلى الجنّة، يقولها مستهزئا.(الماورديّ 6:145)

ابن زيد :خزنتها(تسعة عشر).

(الطّبريّ 29:160)

الفرّاء:و قد قال بعض كفّار أهل مكّة،و هو أبو جهل:و ما تِسْعَةَ عَشَرَ؟ الرّجل منّا يطيق الواحد فيكفّه عن النّاس.و قال رجل من بني جمح،كان يكنّى أبا الأشدّين:أنا أكفيكم سبعة عشر،و اكفوني اثنين،

ص: 768


1- العدد الكثير.

فأنزل اللّه: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً المدّثّر:

31.(3:203)

الطّوسيّ: أي على سقر تسعة عشر من الملائكة.

و إنّما خصّ بهذه العدّة لتوافق صحّة الخبر لما جاء به الأنبياء قبله صلّى اللّه عليه و آله،و يكون في ذلك مصلحة للمكلّفين.

(10:181)

البغويّ: أي على النّار تسعة عشر من الملائكة، هم خزنتها مالك و معه ثمانية عشر.

و جاء في الأثر:أعينهم كالبرق الخاطف و أنيابهم كالصّياصي يخرج لهب النّار من أفواههم،ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة نزعت منهم الرّحمة،يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنّم.

قال عمرو بن دينار:إنّ واحدا منهم يدفع بالدّفعة الواحدة في جهنّم أكثر من ربيعة و مضر.(5:177)

نحوه الطّبرسيّ(5:388)،و الخازن(7:147)، و الشّربينيّ(4:434).

الزّمخشريّ: أي يلي أمرها و يتسلّط على أهلها تسعة عشر ملكا،و قيل:صنفا من الملائكة،و قيل:

صفّا،و قيل:نقيبا.

و قرئ تسعة عشر بسكون العين لتوالي الحركات فيما هو في حكم اسم واحد.(4:183)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:203)

ابن عطيّة :(تسعة عشر)ابتداء،و خبره مقدّم في المجرور.و لا خلاف بين العلماء أنّهم خزنة جهنّم المحيطون بأمرها،الّذين إليهم جماع أمر زبانيتها.

و قد قال بعض النّاس:إنّهم على عدد حروف بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأنّ بها تقووا.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عبّاس و السّدّيّ](5:396)

البيضاويّ: ملكا أو صنفا من الملائكة يلون أمرها.و المخصّص لهذا العدد أنّ اختلال النّفوس البشريّة في النّظر و العمل بسبب القوى الحيوانيّة الاثني عشر و الطّبيعيّة السّبع،أو أنّ لجهنّم سبع دركات:ستّ منها لأصناف الكفّار،و كلّ صنف يعذّب بترك الاعتقاد و الإقرار و العمل أنواعا من العذاب يناسبها،على كلّ نوع ملك أو صنف يتولاّه.و واحد لعصاة الأمّة يعذّبون فيها بترك العمل نوعا يناسبه،و يتولاّه ملك أو صنف.

أو أنّ السّاعات أربع و عشرون:خمسة منها مصروفة في الصّلاة،فيبقى تسعة عشر قد تصرف فيما يؤاخذ به بأنواع من العذاب،يتولاّها الزّبانية.

(2:519)

النّيسابوريّ: [نحو قول البغويّ و أضاف:]

و ذكر العلماء في تخصيص هذا العدد وجوها،فقال المتشرّعون:هذا ممّا لا يصل إليه عقول البشر كأعداد السّماوات و الأرضين و الكواكب و أيّام السّنة و الشّهور، و كأعداد الزّكاة و الكفّارات و الصّلوات.

و قيل:إنّ العدد على وجهين:قليل،و هو من الواحد إلى التّسعة،و كثير،و هو من العشرة إلى ما لا نهاية؛ فجمع بين نهاية القليل و بداية الكثير.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ أبواب جهنّم سبعة:واحد للفسّاق و له زبانية،واحدة بسبب ترك العمل،و لكلّ من الأبواب الباقية ثلاثة أملاك.لأنّ الكفّار يعذّبون لأجل أمور ثلاثة:ترك الاعتقاد،و ترك الإقرار،و ترك العمل.

ص: 769

قال الحكيم: إنّ فساد النّفس الإنسانيّة في قوّتها النّظريّة و العمليّة هو بسبب استعمال القوى الحيوانيّة و الطّبيعيّة لا على وجهها،و القوى الحيوانيّة:الشّهوة و الغضب،و الحواسّ الخمس الظّاهرة،و الخمس الباطنة.

و أمّا القوى الطّبيعيّة:فالجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدّافعة و الغاذية و النّامية و المولّدة،فلمّا كان منشأ الإفادة هذه القوى التّسع عشرة،لا جرم كان عدد الزّبانيّة كذلك.(29:95)

أبو حيّان : عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ التّمييز محذوف،و المتبادر إلى الذّهن أنّه ملك،أ لا ترى العرب و هم الفصحاء كيف فهموا منه أنّ المراد ملك،حين سمعوا ذلك.[و نقل الأقوال الماضية ثمّ قال:]

و قرأ الجمهور (تِسْعَةَ عَشَرَ) مبنيّين على الفتح على مشهور اللّغة في هذا العدد.(8:375)

نحوه الآلوسيّ.(29:126)

البروسويّ: [نحو ما تقدّم عن البغويّ و النّيسابوريّ و غيرهما ثمّ أضاف:]

و منها:أنّ المدبّرات للعالم:النّجوم السّيّارة و هي سبعة،و البروج الاثنا عشر الموكّلة بتدبير العالم السّفلى المؤثّرة فيه،تقمعه بسياط التّأثير و ترديه في مهاويها.

و منها:ما قال السّجاونديّ في«عين المعاني»:قد تكلّموا في حكمة العدد على أنّه لا تطلب للأعداد العلل فإنّ التّسعة أكثر الآحاد و العشرة أقلّ العشرات،فقد جمع بين أكثر القليل و أقلّ الكثير،يعني أنّ التّسعة عشر عدد جامع بينهما،فلهذا كانت الزّبانية على هذا العدد.

و منها:ما قال في«كشف الأسرار»:إنّ قوله: بِسْمِ اَللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تسعة عشر حرفا،و عدد الزّبانية تسعة عشر ملكا،فيدفع المؤمن بكلّ حرف منها واحدا منهم و قد سبقت رحمته غضبه.

و منها:ما لاح لهذا الفقير قبل الاطّلاع على ما في «كشف الأسرار»و هو أنّ عدد حروف البسملة تسعة عشر،كما قال المولى الجامي:

نوزده حرفست كه هژده هزار

عالم ازو يافته فيض عميم

و لمّا كانت البسملة آية الرّحمة،و الكفّار و الفسّاق لم يقبلوا هذه الآية؛حيث سلكوا سبيل الكفر و المعاصي، خلق اللّه في مقابلة كلّ حرف منها ملكا من الغضب و الجلال،و جعله آية الغضب،كما جعل خازن الجنّة آية الرّحمة،دلّ على ما قلنا قوله عليه السّلام:يسلّط على الكافر في قبره تسعة و تسعون تنّينا،و هو أكبر الحيّات،بالفارسيّة:

«اژدر»،في فمه أنياب مثل أسنّة الرّماح،و هو طويل كالنّخلة السّحوق،أحمر العينين مثل الدّم،واسع الفم و الجوف،يبتلع الإنسان و الحيوان.

و سرّه أنّه كفر باللّه و بأسمائه الحسنى الّتي هي تسعة و تسعون،فاستحقّ أن يسلّط عليه تسعة و تسعون تنّينا بعددها في قبره الّذي هو حفرة من حفر النّيران،فلا يلزم أن يسلّط عليه ذلك العدد في النّار.فالتّسع عدد القهر و الحصر و الانقراض،لأنّه ينقرض عن أهل النّار إمداد الرّحمة الرّحيميّة.

و منها ما في«التّأويلات النّجميّة»من أنّ اختلال النّفوس البشريّة بحسب العمل و العلم و الدّخول في جهنّم البعد و الطّرد و اللّعن و الاحتجاب،مترتّب على

ص: 770

موجباتها و هي تسعة،غير الحواسّ الخمس الظّاهرة و الخمس الباطنة،و هي الأعضاء و الجوارح السّبع الّتي ورد بها الحديث بقوله عليه السّلام:أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء و آراب،و الطّبيعة البشريّة المشتملة على الكلّ المؤثّرة في الكلّ،بحسب الظّاهر و الباطن،و يجوز أن تكون القوّة الغضبيّة و الشّهويّة بدل الطّبيعة فصار الكلّ تسعة عشر.(10:231)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية تشير بوضوح إلى عدد خزنة جهنّم،بأنّهم تسعة عشر نفرا أو تسع عشرة مجموعة،و الآيات الّتي تليها تعتمد على هذا المعنى.

و لكنّ العجب من أنّ بعض الفرق المنحرفة تصرّ على قدسيّة هذا العدد،و تسعى إلى أن تجعل من عدد شهور السّنة و أيّام الشّهر نظاما يدور حول محور هذا العدد،بخلاف جميع الموازين الطّبيعيّة و الفلكيّة!و جعلوا أحكامهم العمليّة مطابقا لذلك النّظام.

و الأعجب من ذلك أنّ كاتبا من الكتّاب-يمكن أن تكون له علاقة بتنظيماتهم-يصرّ إصرارا عجيبا و مضحكا على أن يجعل كلّ ما في القرآن موجّه على أساس هذا العدد،و في الموارد الكثيرة الّتي لا تتّفق الوقائع الموجودة في آيات القرآن مع هذا العدد المرغوب عنده يعمد إلى إضافة أو حذف ما يرغب فيه،ليتّفق مع ذلك العدد أو مع مضاربه،و إيراد مطالبها و الإجابة عليها يمكن أن تعتبر إتلافا للوقت.

نعم مذهب جهنّمي يجب أن يدور حول عدد جهنّميّ،و جماعة جهنّميّون يجب أن يتوافقوا مع عدد ملائكة العذاب.(19:156)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّسع،أي العدد الواقع بين الثّماني و العشر في التّرتيب،يقال:تسع القوم يتسعهم تسعا،أي صار تاسعهم،فهو تاسع تسعة، و مثله:أتسع القوم:كانوا ثمانية فصاروا تسعة.و تسع القوم:أخذ تسع أموالهم،و تسع المال:أخذ تسعه.

و التّسع:جزء من تسع،و هو التّسيع أيضا.و التّاسوعاء:

اليوم التّاسع من المحرّم.

و التّسع:من أظماء الإبل،و الظّمء:ما بين الشّربين، فترد إلى تسعة أيّام،فهي تواسع،يقال:أتسع القوم،أي وردت إبلهم لتسعة أيّام و ثماني ليال،فهم متسعون.

و الثّلاث التّسع:اللّيلة السّابعة و الثّامنة و التّاسعة من الشّهر.

و يقال في ليالي الشّهر:ثلاث غرر،و بعدها ثلاث نفل،و بعدها ثلاث تسع،و بعدها ثلاث عشر،و سمّين «تسعا»لأنّ آخرتهنّ اللّيلة التّاسعة.

2-و يذكّر العدد«تسع»و يؤنّث،خلافا لتذكير المعدود و تأنيثه،و يعرب في الإفراد و يبنى على الفتح في التّركيب،يقال:تسع نساء و تسعة رجال،و تسع عشرة امرأة،و تسعة عشر رجلا،و يقال:تسعون رجلا و امرأة في الرّفع،و تسعين رجلا و امرأة في النّصب و الجرّ.و يأتي معدود«التّسع»في الإفراد مجرورا به مضافا إليه و جمعا، و في التّركيب و العقد مفردا منصوبا على التّمييز.

و اشتقّ من«التّسع»وزن(فاعل)للمذكر و(فاعلة) للمؤنّث،موافقة للمعدود تذكيرا و تأنيثا،يقال:اليوم التّاسع و اللّيلة التّاسعة.

ص: 771

الاستعمال القرآنيّ

جاءت في(6)آيات:(3)مرّات مفردا،و(3)مرّات مركّبا:

1- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً الإسراء:101

2- وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ النّمل:12

3- وَ كانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ النّمل:48

4- لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ* لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ المدّثّر:28-30

5- إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ

ص:23

6- وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً الكهف:25

يلاحظ أوّلا:أنّ«تسعا»جاء في الإفراد مرّتين مضافا إلى الآيات مفسّرة له،و هي معجزات موسى عليه السّلام و هي بنفسها مدح،و مرّة مضافا إلى رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، و هي ذمّ.و قد جاءت الآيات الثّلاث في شأن الأمم السّالفة ذمّا لهم،فالآية(1)و(2)في شأن قوم فرعون،و(3)في شأن قوم ثمود.

فقد جاء في ذيل(1): فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً، و في ذيل(2): إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ، و في(3): يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ. و كذا(4)،فجاءت في شأن خزنة النّار كما سنتكلّم حولها،و(5)توبيخ لداود عليه السّلام و لأحد الخصمين،فجاء قبلها: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ص:22،و بعدها: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ص:24، وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ص:24.

أمّا الآية المتبقّية-و هي(6)-فإنّها في نفسها مدح، إلاّ أنّ قبلها توبيخ للّذين اختلفوا في عدد أصحاب الكهف،و في ذيلها: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:22،و نستنتج من ذلك أنّ العدد«تسعا» جاء في القرآن في سياق الذّمّ دائما.

ثانيا:لقد ادّعى الدّكتور رشاد خليفة المصريّ في أطروحته:حول الإعجاز العدديّ للقرآن-و قد نوقشت من قبل العلماء مرّات:فلاحظ«إعجاز القرآن»من المدخل-أنّ العدد تِسْعَةَ عَشَرَ محور الإعجاز العدديّ للقرآن،استشهادا بالآية(4): عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ، و قد اتّخذت الفرقة البهائيّة من ذلك دعما لمذهبهم الّذي يركّز هذا العدد و العدد«تسعة»في كثير من عقائدهم.

على أنّ الآية(4)بالذّات وصف لخزّان السّعير،فإنّ سورة المدّثّر غلبت على آياتها عموما صفة الذّمّ و التّفنيد،و لا سيّما الآيات(24-31): فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ* لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ

ص: 772

عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ* وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا... صدق اللّه العظيم،إذ صيّر هذا العدد فتنة للكفّار في هذا العصر.

ثالثا:في كلّ من الآيتين(5)و(6)بحوث،فلاحظ النّصوص هنا،و«داود»و«ك ه ف».

ص: 773

ص: 774

ت ع س

اشارة

تعسا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: التّعس:الهلاك.

(الأزهريّ 2:79)

نحوه ابن شميّل.(الأزهريّ 2:78)

الخليل :التّعس:ألاّ ينتعش من صرعته و عثرته، و أن ينكّس في السّفال.

تعس الرّجل يتعس تعسا،فهو تعس.

أتعسه اللّه فهو متعس،إذا أنزل اللّه به ذلك.

(1:325)

اللّيث: و يدعو الرّجل على بعيره الجواد إذا عثر، فيقول:تعسا،فإذا كان غير جواد و لا نجيب فعثر،قال له:لعا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 2:79)

ابن شميّل: تعست،كأنّه يدعو على صاحبه بالهلاك.(الأزهريّ 2:78)

الفرّاء: تعست،بفتح العين،إذا خاطبت،فإذا صرت إلى«فعل»قلت:تعس،بكسر العين،و قد أتعسه اللّه.(الهرويّ 1:256)

أبو عبيدة :تعسه اللّه و أتعسه،في باب«فعلت و أفعلت»بمعنى واحد.(الأزهريّ 2:78)

أبو عبيد:تعسه اللّه،فهو متعوس،أي أهلكه.

(الصّغانيّ 3:329)

ابن السّكّيت :و يقال:تعست و انتكست.

التّعس:أن يخرّ على وجهه،و التّعس أيضا:الهلاك.

و النّكس:أن يخرّ على رأسه.(578)

شمر: لا أعرف تعسه اللّه،و لكن يقال:تعس بنفسه و أتعسه اللّه.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و أضاف:]

و هكذا سمعته في حديث عائشة،حين عثرت صاحبتها أمّ مسطح،فقالت:تعس مسطح.

و قال بعض الكلابيّين: تعس يتعس تعسا،و هو أن يخطئ حجّته إن خاصم،و بغيته إن طلب،و قال:تعس

ص: 775

فما انتعش،و شيك فما انتفش.(الأزهريّ 2:78)

أبو الهيثم: [في حديث عائشة (1):«تعس مسطح»]

يقال:تعس يتعس،أي أتعسه اللّه.و معناه:انكبّ و عثر.(الهرويّ 1:256)

نحوه ابن الأثير.(1:90)

المبرّد: [التّعس]معناه في كلامهم:الشّرّ.

(الأزهريّ 2:78)

ابن دريد :و التّعس:العثر:أتعسه اللّه،أي كبّه و أعثره؛و الرّجل تاعس و تعس و تعيس.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل متعس،إذا كان منكمشا ماضيا،و متعس أيضا.(2:16)

القاليّ: و قال أبو مهدي:بسلا له و أسلا،كما تقول للإنسان-إذا دعي عليه-:تعسا له و نكسا.

(ذيل الأماليّ:59)

أتعس اللّه جدّه و أنكسه...و تعسه اللّه و نكسه، و أتعسه و أنكسه.التّعس:أن يخرّ على وجهه،و النّكس أن يخرّ على رأسه.(ذيل الأماليّ:62)

الجوهريّ: التّعس:الهلاك،و أصله:الكبّ،و هو ضدّ الانتعاش.

و قد تعس بالفتح يتعس تعسا،و أتعسه اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:تعسا لفلان،أي ألزمه اللّه هلاكا.(3:910)

نحوه الرّازيّ.(92)

ابن فارس :«تعس»التّاء و العين و السّين كلمة واحدة و هو الكبّ،يقال:تعسه اللّه و أتعسه.[ثمّ استشهد بشعر](1:348)

الهرويّ: قوله: فَتَعْساً لَهُمْ محمّد:8،أي فعثارا لهم و سقوطا.و إذا سقط السّاقط فأريد به الاستقامة قيل:

لعا له.و إذا لم يرد به الانتعاش،قيل:تعسا.(1:256)

ابن سيده :التّعس:العثر،و التّعس:ألاّ ينتعش العاثر من عثرته.[إلى أن قال:]

و التّعس أيضا:الهلاك.تعس تعسا،و تعس يتعس تعسا.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و أضاف:]

و هذا من الغرابة بحيث تراه،و هو تعس و تاعس.

و جدّ تاعس:منه.

و في الدّعاء:«تعسا له»،و«تعسه اللّه»و«أتعسه».

[ثمّ استشهد بشعر]

و التّعس:السّقوط على أيّ وجه كان.[ثمّ استشهد بشعر](1:473)

التّعس:الشّرّ.(الإفصاح 2:1292)

الرّاغب: التّعس:أن لا ينتعش من العثرة،و أن ينكسر في سفال،و تعس تعسا و تعسة.(74)

الحريريّ: و يقولون:رجل متعوس،و وجه الكلام أن يقال:تاعس،و قد تعس،كما يقال:عاثر و قد عثر.

و التّعس:الدّعاء على العاثر بأن لا ينتعش من صرعته.و عليه فسّر قوله تعالى: فَتَعْساً لَهُمْ محمّد:8،و العرب تقول في الدّعاء على العاثر:تعسا له، و في الدّعاء له:لعا.[ثمّ استشهد بشعر](82)

نحوه البغويّ(4:211)،و الخازن(6:147).3.

ص: 776


1- و تمام الحديث:انظر القرطبيّ 16:233.

الزّمخشريّ: تعس فلان بالفتح.و الكسر غير فصيح،و تعسا له،و تعسه اللّه،و أتعسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أضرع اللّه خدّه،و أتعس جدّه،و هو منحوس متعوس،و هذا الأمر متعسة منحسة.

و من المجاز:جدّ تاعس ناعس.

(أساس البلاغة:38)

أبو هريرة رضي اللّه عنه: «تعس عبد الدّينار و الدّرهم»تعس تعسا فهو تاعس،إذا انحطّ و عثر.و قد روي تعس فهو تعس،و ليس بذاك.(الفائق 1:151)

الطّبرسيّ: التّعس:الانحطاط و العثار،و الإتعاس و الإزلال و الإدحاض بمعنى،و هو العثار الّذي لا يستقلّ صاحبه.(5:98)

أبو حيّان :تعس الرّجل-بفتح العين-تعسا:ضدّ تنعّش،و أتعسه اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](8:70)

الفيّوميّ: تعس تعسا من باب«نفع»:أكبّ على وجهه،فهو تاعس.و تعس تعسا من باب«تعب»لغة، فهو تعس مثل تعب.و تتعدّى هذه بالحركة و بالهمزة فيقال:تعسه اللّه بالفتح،و أتعسه.و في الدّعاء:تعسا له، و تعس،و انتكس.

فالتّعس:أن يخرّ لوجهه،و النّكس:أن لا يستقلّ بعد سقطته حتّى يسقط ثانية،و هي أشدّ من الأولى.

(1:75)

الفيروزآباديّ: التّعس:الهلاك،و العثار، و السّقوط،و الشّرّ،و البعد،و الانحطاط،و الفعل كمنع و سمع،أو إذا خاطبت قلت:تعست كمنع،و إذا حكيت قلت:تعس كسمع.

و تعسه اللّه،و أتعسه.و رجل تاعس،و تعس.

(2:210)

العدنانيّ: هو تعس،و هم تعسون و تاعسون.

و يقولون:هم تعساء،و الصّواب:هم تعسون أو تاعسون؛لأنّ تعساء«فعلاء»هي جمع تعيس«فعيل».

و في المعاجم:

1-هو تعس:اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و هم تعسون.

2-هو تاعس:الأساس،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد في الذّيل،و المتن.و هم تاعسون.

و قد أخطأ محيط المحيط عند ما أجاز أن نقول:هو تعيس،فنقلها عنه أقرب الموارد كالعادة،ثمّ عثر الوسيط مثلهما.و لست أدري المصدر الّذي اعتمد عليه الوسيط في وضع«تعيس»بدلا من«تاعس».و مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة لم يوافق على إدخال«تعيس»إلى معاجمنا بقرار مجمعيّ.و المعاجم لا تذكر كلمة«تعيس»، و لو ذكرتها لصحّ جمعها على تعساء؛لأنّ«فعيل»يجمع على«فعلاء»إذا كان بمعنى فاعل،و وصفا لمذكّر عاقل.

أمّا جمع عاقل على عقلاء،و نابه على نبهاء،و شاعر على شعراء،فلأنّه وصف دالّ على غريزة،و سجيّة، و أمر فطريّ غير مكتسب-غالبا-و سبب جمع:صالح على صلحاء،هو أنّه يدلّ على ما يشبه الغريزة و السّجيّة في الدّوام و طول البقاء.و ليست هذه الشّروط متوافرة

ص: 777

في«تاعس».

أمّا فعله فهو إمّا:

أ-تعس يتعس تعسا،فهو تاعس:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و أبو عبيد البكريّ، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

أو:ب-تعس يتعس تعسا،فهو تعس:شمر بن حمدويه،و أبو الهيثم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و ابن الأثير في النّهاية،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

أو:ج-تعس يتعس تعسا:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و المصباح،و المتن،و الوسيط.

و التّعس في اللّغة:الانحطاط،و العثور،و الهلاك، و السّقوط على اليدين و الفم.و قال بعض الكلابيّين:

تعس يتعس تعسا هو أن يخطئ حجّته إن خاصم،و بغيته إن طلب.

و تعسه اللّه و أتعسه بمعنى واحد:معجم مقاييس اللّغة،و أبو عبيد البكريّ،و الصّاغانيّ،و اللّسان، و التّاج،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط،و أنكر شمر بن حمدويه:تعسه اللّه.

لذا قل:

أ-هو تعس.

ب-هو تاعس.

ج-هم تعسون.

د-هم تاعسون.

و لا تقل:هم تعساء.(96)

مجمع اللّغة:تعس يتعس،من بابي تعب و نفع:

هلك،أو عثر فأكبّ على وجهه،و التّعس مصدر يطلق على الهلاك و العثار.(1:158)

المصطفويّ: [نقل قول الفيّوميّ و آخرين ثمّ قال:]

و الجمع بين هذه المعاني أن نقول:إنّ التّعس هو العثور الشّديد حتّى يخرّ على وجهه،و يقرب من الهلاك.

و يؤيّد هذا المعنى استعماله في القرآن الكريم في هذا المورد.[و ذكر الآية و ما قبلها]

حيث إنّه وقع في قبال تثبيت الأقدام،فيدلّ على العثور و الانحطاط و الهلاك.(1:368)

النّصوص التّفسيريّة

تعسا

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ.

محمّد:8

ابن عبّاس: فنكسا لهم و بعدا لهم.(427)

نحوه ابن جريج.(الماورديّ 5:295)

يريد في الدّنيا العسرة،و في الآخرة التّردّي في النّار.

(الطّبرسيّ 5:99)

يريد في الدّنيا القتل و في الآخرة التّردّي في النّار.

(الزّمخشريّ 3:532) أبو العالية :سقوطا لهم.(البغويّ 4:211)

شقوة لهم.(القرطبيّ 16:233)

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 26:45)

ص: 778

الضّحّاك:خبية لهم.(البغويّ 4:211)

رغما لهم.(الماورديّ 5:295)

الحسن :شتما لهم من اللّه.(الماورديّ 5:295)

السّدّيّ: أي خزيا لهم.(441)

حزنا لهم.

مثله ابن جريج.(أبو حيّان 8:76)

الفرّاء: كأنّه قال:فأتعسهم اللّه و أضلّ أعمالهم، لأنّ الدّعاء قد يجري مجرى الأمر و النّهي،أ لا ترى أنّ أضلّ فعل،و أنّها مردودة على التّعس،و هو اسم لأنّ فيه معنى أتعسهم،و كذلك قوله: حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا... محمّد:4،مردودة على أمر مضمر ناصب لضرب الرّقاب.(3:58)

نحوه الطّبريّ.(26:45)

ابن قتيبة :من قولك:تعست،أي عثرت و سقطت.(410)

المبرّد: أي مكروها لهم و سوء.

(الطّبرسيّ 5:99)

ثعلب :هلاكا لهم.(الماورديّ 5:295)

شرّا لهم.(القرطبيّ 16:232)

الطّبريّ: فخزيا لهم و شقاء و بلاء.(26:45)

الزّجّاج :(الّذين)في موضع رفع على الابتداء، و يكون فَتَعْساً لَهُمْ الخبر.و يجوز أن يكون نصبا على معنى:أتعسهم اللّه.و التّعس في اللّغة:الانحطاط و العثور.(5:8)

السّجستانيّ: أي عثارا لهم و سقوطا.(172)

النّقّاش: قبحا لهم.(الماورديّ 5:295)

الرّمّانيّ: التّعس:الانحطاط و العثار.

(الماورديّ 5:295)

الثّعالبيّ: [قال في أقسام الفاء:]

و منها:الفاء تكون جوابا للشّرط،كما يقال:إن تأتني فحسن جميل،و إن لم تأتني فالعذر مقبول،و منه قوله تعالى: فَتَعْساً لَهُمْ. (348)

القيسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و يجوز في الكلام الرّفع على الابتداء،و(لهم) الخبر،و الجملة خبر عن(الّذين).(2:305)

الطّوسيّ: أي خزيا لهم و ويلا لهم.فالتّعس:

الانحطاط و العثار عن منازل المؤمنين.(9:293)

نحوه البيضاويّ(2:393)،و الكاشانيّ(5:22).

الميبديّ: فَتَعْساً لَهُمْ في الدّنيا بالقتل و في العقبى بالتّردّي في النّار.أي عثارا لهم ضدّ الانتعاش و تثبيت الأقدام...و المعنى:أتعسهم اللّه فتعسوا تعسا.

(9:181)

الزّمخشريّ: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يحتمل الرّفع على الابتداء،و النّصب بما يفسّره. فَتَعْساً لَهُمْ كأنّه قال:

أتعس الّذين كفروا.

فإن قلت:علام عطف قوله: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ؟

قلت:على الفعل الّذي نصب(تعسا)لأنّ المعنى:

فقال:تعسا لهم،أو فقضى تعسا لهم.و تعسا له نقيض لعا له.[ثمّ استشهد بشعر](3:532)

ابن عطيّة :معناه:عثارا و هلاكا فيه،و هي لفظة تقال للعاثر إذا أريد به الشّرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و(تعسا)مصدر نصبه فعل مضمر.(5:112)

ص: 779

نحوه الثّعالبيّ.(3:186)

الطّبرسيّ: أي أتعسهم اللّه فتعسوا تعسا.(5:99)

ابو الفتوح :فدعا على الكافرين،كأنّه قال:و أمّا الّذين كفروا؛و لذلك جاء بالفاء في جوابه،فقال:

(فتعسا)أي أتعسهم اللّه إتعاسا.ثمّ حذف الفعل و نصبه على المصدر محذوف الزّيادة،و عطف وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ على الفعل المحذوف،من قوله:أتعسهم اللّه وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ. (17:297)

الفخر الرّازيّ: قال تعالى: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ. هذا زيادة في تقوية قلوبهم،لأنّه تعالى لمّا قال:

وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ محمّد:7،جاز أن يتوهّم أنّ الكافر أيضا يصبر و يثبت للقتال،فيدوم القتال و الحراب و الطّعان و الضّراب.و فيه المشقّة العظيمة،فقال تعالى:

لكم الثّبات و لهم الزّوال و التّغيّر و الهلاك فلا يكون الثّبات.

و سببه ظاهر،لأنّ آلهتهم جمادات لا قدرة لها و لا ثبات عند من له قدرة،فهي غير صالحة لدفع ما قدّره اللّه تعالى عليهم من الدّمار،و عند هذا لا بدّ عن زوال القدم و العثار.

و قال في حقّ المؤمنين:(و يثبّت)بصيغة الوعد لأنّ اللّه تعالى لا يجب عليه شيء،و قال في حقّهم بصيغة الدّعاء،و هي أبلغ من صيغة الإخبار من اللّه،لأنّ عثاره واجب،لأنّ عدم النّصرة من آلهتهم واجب الوقوع؛إذ لا قدرة لها.و التّثبيت من اللّه ليس بواجب الوقوع،لأنّه قادر مختار يفعل ما يشاء.(28:49)

نحوه ملخّصا الخازن.(6:147)

النّيسابوريّ: و هو من المصادر الّتي يجب حذف فعلها سماعا،و التّقدير:أتعسهم اللّه فتعسوا تعسا،و لهذا عطف عليه قوله: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ. (26:24)

أبو حيّان :و في قوله: فَتَعْساً لَهُمْ، أي هلاكا بأداة تقوية لقلوب المؤمنين؛إذ جعل لهم التّثبيت، و للكافرين الهلاك و العثرة.(8:76)

ابن كثير : فَتَعْساً لَهُمْ عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين النّاصرين للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.(6:312)

الشّربينيّ: أي هلاكا لهم و خيبة من اللّه تعالى.

(4:25)

مثله الحجازيّ.(26:21)

أبو السّعود :التّعس:الهلاك و العثار و السّقوط و الشّرّ و البعد و الانحطاط،و رجل تاعس و تعس.

و انتصابه بفعله الواجب حذفه سماعا،أي فقال:تعسا لهم،أو فقضى تعسا لهم.

و قوله تعالى: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ عطف عليه، داخل معه في حيّز الخبريّة للموصول.(6:85)

البروسويّ: ذلاّ و خزيا و هلاكا و يأسا لهم.[ثمّ ذكر قول الميبديّ و أبي السّعود](8:501)

الآلوسيّ: و انتصابه على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره،لأنّه للدّعاء كسقيا و رعيا،فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك.و الجارّ و المجرور بعده متعلّق بمقدّر للتّبيين عند كثير،أي«أعني له»مثلا فنحو«تعسا له»جملتان.

و ذهب الكوفيّون إلى أنّه كلام واحد،و لابن هشام كلام في هذا الجارّ مذكور في بحث«لام التّبيين»فينظر

ص: 780

هناك.و اختلفت العبارات في تفسير ما في الآية الكريمة...[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين و قال:]

و أكثر الأقوال ترجع إلى الدّعاء عليهم بالهلاك.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و الّذي دعاه لذلك-على ما قيل-جعل(الّذين) مبتدأ و الجملة المقرونة بالفاء خبرا له و هي لإنشاء الدّعاء،و الإنشاء لا يقع خبرا بدون تأويل،فإمّا أن يقدّر معها قول،أو تجعل خبرا بتقدير«قضى»،و جعل قوله تعالى: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ عطفا على ما قدّر.

و في«الكشف»المراد:من قال:تعسا لهم:أهلكهم اللّه،لا أنّ ثمّ دعاء و قولا؛و ذلك لأنّه لا يدعى على شخص إلاّ و هو مستحقّ له،فإذا أخبر تعالى أنّه يدعو عليه دلّ على تحقّق الهلاك لا سيّما و ظاهر اللّفظ أنّ الدّعاء منه عزّ و جلّ.و هذا مجاز على مجاز،أعني أنّ القول مجاز و كذلك الدّعاء بالتّعس،و لم يجعل العطف على(تعسا) لأنّه دعاء،و(اضلّ)إخبار،و لو جعل دعاء أيضا عطفا على(تعسا)على التّجوّز المذكور لكان له وجه،انتهى.

و أنت تعلم أنّ اعتبار ما اعتبره الزّمخشريّ ليس لأجل أمر العطف فقط بل لأجل أمر الخبريّة أيضا،فإن قيل:بصحّة الإخبار بالجملة الإنشائيّة من غير تأويل استغنى عمّا قاله بالكلّيّة،و دخلت الفاء في خبر الموصول لتضمّنه معنى الشّرط.

و جوّز أن يكون الموصول في محلّ نصب على المفعوليّة لفعل مقدّر يفسّره النّاصب ل(تعسا)أي أتعس اللّه الّذين كفروا أو تعس اللّه الّذين كفروا تعسا،لما سمعت عن«القاموس»و قد حكي أيضا عن أبي عبيدة،و الفاء زائدة في الكلام،كما في قوله تعالى: وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ المدّثّر:3،و يزيدها العرب في مثل ذلك على توهّم الشّرط.

و قيل:يقدّر الفعل مضارعا معطوفا على قوله تعالى:

(يثبّت)محمّد:7،أي و يتعس الّذين إلخ،و الفاء للعطف، فالمراد إتعاس بعد إتعاس،و نظيره قوله تعالى: وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ البقرة:40،أو لأنّ حقّ المفسّر أن يذكر عقب المفسّر كالتّفصيل بعد الإجمال،و فيه مقال.

(26:44)

القاسميّ: أي خزيا و شقاء،و أصله من السّقوط على الوجه،كالكبّ.(15:5378)

الطّنطاويّ: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا مبتدأ،(ف)تعسوا (تعسا لهم)،كما قيل للمجاهدين بتثبيت أقدامهم،قيل للكافرين:(تعسا).يقال للعاثر:تعسا،إذا دعوا عليه و لم يريدوا قيامه،و ضدّه:لعا،إذا دعوا له و أرادوا قيامه، فإذا ثبت المجاهد في الحرب عثر الكافر و سقط،و لم يقم من سقطته.(21:223)

الطّباطبائيّ: ذكر ما يفعل بالكفّار عقيب ذكر ما يفعل بالمؤمنين النّاصرين للّه،لقياس حالهم من حالهم.

و التّعس هو سقوط الإنسان على وجهه و بقاؤه عليه،و يقابله الانتعاش و هو القيام عن السّقوط على الوجه،فقوله:(تعسا لهم)أي تعسوا تعسا،و هو و ما يتلوه دعاء عليهم،نظير قوله: قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30، قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ عبس:17.

و يمكن أن يكون إخبارا عن تعسهم و بطلان أثر

ص: 781

مساعيهم على نحو الكناية.فإنّ الإنسان أعجز ما يكون، إذا كان ساقطا على وجهه.(18:229)

مكارم الشّيرازيّ: التّعس بمعنى الانزلاق و الهويّ،و ما فسّره البعض بأنّه الهلاك و الانحطاط،فهو لازمه في الواقع لا معناه.

و على كلّ حال،فإنّ المقارنة بين هذين الفريقين عميقة المعنى جدّا،فالقرآن يقول في شأن المؤمنين:

وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ محمّد:7،و في شأن الكافرين:

وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، و بصيغة اللّعنة،ليكون التّعبير أبلغ و أكثر جاذبيّة و تأثيرا.(16:320)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّعس،أي الكبّ و الإلقاء،يقال:تعس فلان يتعس تعسا،و تعس يتعس تعسا،و تعسه اللّه أيضا:انكبّ فعثر،فهو تعس و تاعس و تعيس.و أتعسه اللّه:أكبّه و حطّه،فهو متعس،و في الحديث:«تعس عبد الدّينار و عبد الدّرهم».

و يقال في الدّعاء:تعست،عند الخطاب،و تعس، عند الغيبة،و كلاهما يعني الهلاك.و يقال أيضا:تعسا له، أي ألزمه اللّه هلاكا،و أتعس اللّه جدّه.و يدعو الرّجل على بعيره الجواد إذا عثر فيقول:تعسا،فإذا كان غير جواد و لا نجيب فعثر،قال له:لعا.

2-لقد استعلمت هذه المادّة غالبا في الدّعاء بالهلاك،و كأنّها وضعت لذلك،فهي كنظائرها في هذا الباب،مثل:قبحا له و شقحا،و سحقا له،و تعسا له و نكسا،و بعدا له و غيرها.

3-و تعقّب العدنانيّ في«معجم الأخطاء الشّائعة» من استعمل«تعيس»بمعنى تاعس و تعس،و خطّأ بعض المعجمات الّتي وردت فيها هذه الكلمة،و منها معجم مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة«المعجم الوسيط»،فقال:

و لست أدري المصدر الّذي اعتمد عليه«الوسيط»في وضع«تعيس»بدلا من«تاعس».

و لكن غاب عنه أنّ ابن دريد قد ذكره في«جمهرة اللّغة»كما مرّ في النّصوص،و يتهاوى بذلك ما بنى عليه كلامه و يتهافت.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد هتافا و دعاء:

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ

محمّد:8

يلاحظ أوّلا:أنّ«تعس»لغة:العثور و الخرّ على الوجه،و ليس يراد به ذلك هنا،بل هو كناية عمّا يلازم العثور من الهلاك و الشّرّ و المكروه و الخزي و الشّقاء و البلاء و الخيبة و الزلّة و الحزن و القبح و الانحطاط و الهبوط و نحوها ممّا جاء في التّفاسير،و كلّ ذلك حسن؛ إذ هو متفرّع على العثرة عن الحقّ،كما يأتي.

ثانيا:في سورة«محمّد»مناظرة و تقابل بين حال المؤمنين و الكافرين بضروب شتّى،فبإزاء كلّ حالة ما يناسبها،لاحظ«ب و ل»فقال في الآية(1)في شأن الكافرين: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، و في(2)في شأن المؤمنين: كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ، و هكذا حتّى قال في(7)في شأن المؤمنين: إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ

ص: 782

يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، و في(8)في شأن الكافرين: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ. فالتّأكيد في جانب المؤمنين لتثبيت أقدامه،و يناسبه في جانب الكافرين عثرة أقدامهم، فأتى ب«تعس».

إلاّ أنّهما-أي ثبات القدم و عثرته-هنا كنايتان عن ملازمة الحقّ و مجاوزته.فالمعنى أنّ للمؤمنين ثباتا على الحقّ،و للكافرين زلّة عنه و عثرة،و لهذا قال بعد«تعسا لهم»: وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، أي لمّا كانوا منحرفين عن الحقّ،فأعمالهم في ضلال عن الحقّ،و كلّ من ضلّ عن الحقّ فسوف يعتوره الهلاك و الشّرّ و الحزن و البلاء، و غير ذلك ممّا ذكر.

ثالثا:قالوا في إعرابها: اَلَّذِينَ كَفَرُوا مبتدأ، خبره فَتَعْساً لَهُمْ، باعتباره مصدرا لفعل محذوف، أي أتعسهم اللّه تعسا و أضلّ أعمالهم،و بعض قال:

أتعسهم اللّه فتعسوا تعسا.

و احتمل بعضهم أنّ محلّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا نصب ب«أتعسهم»المقدّر،و هو بعيد عن سياق باقي آيات السّورة.أو أنّ(تعسا لهم)-على رفع«تعس»مبتدأ و خبر،و الجملة خبر ل اَلَّذِينَ كَفَرُوا، و هو أغرب ما قيل؛إذ لم يقرأ«تعس»بالرّفع.

رابعا:عن الثّعالبيّ: أنّ«الفاء»من فَتَعْساً لَهُمْ جواب الشّرط،كما يقال:إن تأتني فحسن جميل.

و كأنّه أراد أنّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بمنزلة«إن كفروا».أو وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ متناسقا لما قبله: إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ.

و مثلها الآية(4)من هذه السّورة: وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، و الآية(34): إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ.

و عندنا أنّ«الفاء»في أمثال هذه الآيات تأكيد لسببيّة ما قبلها لما بعدها،و لعلّها مراد من جعلها جوابا للشّرط المقدّر.

خامسا:قالوا في فَتَعْساً لَهُمْ: إنّه دعاء عليهم، و الحقّ أنّه هتاف،كما سبق في بُعْداً لِعادٍ هود:60، فيحذف الفعل و يؤتى بالكلمة منفصلة عمّا قبلها.و كثيرا ما يكرّر اللّفظ بعينه،أو بلفظ آخر بمعناه،مثل:فبعدا و تعسا.و المراد بالهتاف إنشاء المعنى حالا دون طلبه مستقبلا،كما في الدّعاء.

سادسا:ما النّكتة في انفراد هذه الكلمة في القرآن مع عدم وقوعها رويّا كغيرها من الكلمات الوحيدة؟

و الجواب-و اللّه أعلم-أنّ هذه الكلمة بما لها من المعنى اللّغويّ و ما يلازمها من الكنايات المشار إليها، لا نظير لها في حطّ رتبة الكفّار و خذلانهم،و هي أحسن التّعبيرات للهتاف ضدّهم.

ص: 783

ص: 784

ت ف ث

اشارة

تفثهم

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّفث:هو الرّمي و الحلق و التّقصير و الذّبح و قصّ الأظفار و الشّارب و الإبط.

(القرطبيّ 12:50)

ابن شميّل: التّفث:النّسك من مناسك الحجّ.رجل تفث،أي مغبر شعث،لم يدّهن و لم يستحدّ.

(الأزهريّ 14:266)

التّفث في كلام العرب:إذهاب الشّعث.

(الهرويّ 1:257)

قطرب: تفث الرّجل،إذا كثر وسخه.[ثمّ استشهد بشعر](القرطبيّ 12:50)

المبرّد: أصل التّفث في كلام العرب:كلّ قاذورة تلحق الإنسان،فيجب عليه نقضها.

(الفخر الرّازيّ 23:30)

الأزهريّ: [ذكر قول ابن شميّل و أضاف:]

قلت:لم يفسّر أحد من اللّغويّين«التّفث»كما فسّره ابن شميّل:جعل التّفث التّشعّث،و جعل قضاءه إذهاب الشّعث بالحلق و التّقليم،و ما أشبه.(14:266)

الصّاحب: التّفث:أعمال الحجّ،و هي الأخذ من الشّارب و غير ذلك،عند الخروج من الإحرام.

(9:422)

الجوهريّ: [نحو ابن شميّل و أضاف:]

التّفث في المناسك:ما كان من نحو قصّ الأظفار و الشّارب و حلق الرّأس و العانة،و رمي الجمار،و نحر البدن،و أشباه ذلك.(1:274)

نحوه مجمع اللّغة.(1:158)

ابن فارس :التّاء و الفاء و الثّاء كلمة واحدة في قول اللّه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ الحجّ:29.

(1:350)

الثّعلبيّ: و أصل التّفث في اللّغة:الوسخ،تقول

ص: 785

العرب للرّجل تستقذره:ما أتفثك!أي ما أوسخك و أقذرك.[ثمّ استشهد بشعر](القرطبيّ 12:50)

الرّاغب:يقال:قضى الشّيء يقضي،إذا قطعه و أزاله.و أصل التّفث:وسخ الظّفر و غير ذلك،ممّا شأنه أن يزال عن البدن،قال أعرابيّ ما أتفثك و أدرنك.

(73)

الزّمخشريّ: رفضوا رفثهم،و قضوا تفثهم.

(أساس البلاغة:38)

التّفث:[في قول أبي ذرّ للأسود:أحلقتم الشّعث و قضيتم التّفث...!]

ما يفعل عند الخروج من الإحرام؛من تقليم الأظفار، و الأخذ من الشّارب،و نتف الإبط،و الاستحداد.

و قيل:التّفث:أعمال الحجّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفائق 3:28)

نحوه ابن الأثير.(1:191)

المدينيّ: في الحديث:«فتفثت الدّماء مكانه»أي لطخته،مأخوذ من التّفث.(1:231)

الفيّوميّ: تفث تفثا فهو تفث،مثل:تعب تعبا فهو تعب،إذا ترك الادّهان و الاستحداد فعلاه الوسخ، و قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ الحجّ:29،قيل:

هو استباحة ما حرّم عليهم بالإحرام بعد التّحلّل.

قال أبو عبيدة: و لم يجئ فيه شعر يحتجّ به.(1:75)

الفيروزآباديّ: التّفث محرّكة في المناسك:

الشّعث،و ما كان من نحو قصّ الأظفار و الشّارب و حلق العانة و غير ذلك.

و ككتف:الشّعث و المغبرّ.(1:168)

الطّريحيّ: التّفث:التّنظيف من الوسخ.

(غريب القرآن:143)

محمّد إسماعيل إبراهيم: تفث تفثا:علاه التّفث و هو الوسخ،من طول الأظفار و الشّعر و الشّعث.و قضى تفثه:أزال أدرانه و أقذاره.[ثمّ أدام نحو ما تقدّم عن الجوهريّ](1:91)

النّصوص التّفسيريّة

تفثهم

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ. الحجّ:29

ابن عبّاس: ليتمّوا مناسك حجّهم:حلق الرّأس، و رمي الجمار،و تقليم الأظفار،و غير ذلك.(279)

التّفث:حلق الرّأس،و أخذ من الشّاربين،و نتف الإبط،و حلق العانة،و قصّ الأظفار،و الأخذ من العارضين،و رمي الجمار،و الموقف بعرفة و المزدلفة.

(الطّبريّ 17:149)

نحوه مجاهد و ابن كعب القرظيّ(الطّبريّ 17:

149)،و عطاء و ابن جريج(الطّبريّ 17:150)، و الفرّاء(2:224)،و أبو عبيدة(2:50)،و ابن قتيبة (غريب القرآن:292).

نسكهم.(الطّبريّ 17:150)

ابن عمر:ما هم عليه في الحجّ.

التّفث:المناسك كلّها.(الطّبريّ 17:149)

عكرمة :الشّعر و الظّفر.(الطّبريّ 17:149)

ص: 786

الضّحّاك:يعني حلق الرّأس.(الطّبريّ 17:150)

مثله قتادة.(الماورديّ 4:20)

الحسن :إزالة قشف الإحرام،من تقليم ظفر،و أخذ شعر و غسل،و استعمال الطّيب.(الماورديّ 4:21)

نحوه مالك.(ابن العربيّ 3:1282)

ابن زيد :التّفث:حرمهم.(الطّبريّ 17:150)

الإمام الباقر عليه السّلام:قصّ الشّارب و الأظفار.

(البحرانيّ 6:550)

نحوه الإمام الصّادق.(البحرانيّ 6:549)

التّفث:حفوف الرّجل من الطّيب،فإذا قضى نسكه حلّ له الطّيب.(البحرانيّ 6:551)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الحفوف و الشّعث.و من التّفث:أن يتكلّم بكلام قبيح،فإذا دخلت مكّة و طفت بالبيت و تكلّمت بكلام طيّب كان ذلك كفّارته.

(البحرانيّ 6:551)

هو الحلق،و ما في جلد الإنسان.(البحرانيّ 6:552)

الإمام الرّضا عليه السّلام: التّفث:تقليم الأظفار،و طرح الوسخ،و طرح الإحرام.(البحرانيّ 6:547)

الزّجّاج :«التّفث»في التّفسير جاء-و أهل اللّغة لا يعرفون إلاّ من التّفسير-قالوا:التّفث:الأخذ من الشّارب،و تقليم الأظافر،و نتف الإبط،و حلق العانة، و الأخذ من الشّعر،كأنّه الخروج من الإحرام إلى الإحلال.(3:423)

نفطويه: أي ليزيلوا عنهم أدرانهم.

(القرطبيّ 12:49)

سألت أعرابيّا فصيحا ما معنى قوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ فقال:ما أفسّر القرآن و لكنّا نقول للرّجل:

ما أتفثك و ما أدرنك!(الفخر الرّازيّ 23:30)

القمّيّ: أي يحلقوا رءوسهم،و يغتسلوا من الوسخ.

(2:84)

القفّال: [نقل قول الزّجّاج و نفطويه ثمّ قال:]

و هذا أولى من قول الزّجّاج؛لأنّ القول قول المثبت، لا قول النّافي.(الفخر الرّازيّ 23:30)

الماورديّ: قيل لبعض الصّلحاء:ما المعنى في شعث المحرم؟قال:ليشهد اللّه تعالى منك الإعراض عن العناية بنفسك،فيعلم صدقك في بذلها لطاعته.

و سئل الحسن عن التّجرّد في الحجّ،فقال:جرّد قلبك من السّهو،و نفسك من اللّهو،و لسانك من اللّغو، ثمّ يجوز كيف شئت.[ثمّ استشهد بشعر](4:20)

الطّوسيّ: التّفث:مناسك الحجّ،من الوقوف، و الطّواف،و السّعي،و رمي الجمار،و الحلق بعد الإحرام، من الميقات.(7:311)

الرّاغب:أي أزالوا وسخهم.(73)

البغويّ: التّفث:الوسخ و القذارة من طول الشّعر و الأظفار،و الشّعث،تقول العرب لمن تستقذر:ما أتفثك، أي ما أوسخك!و الحاجّ أشعث أغبر،أي لم يحلق شعره و لم يقلّم ظفره.

فقضاء التّفث:إزالة هذه الأشياء ليقضوا تفثهم أي ليزيلوا أدرانهم.و المراد منه:الخروج عن الإحرام بالحلق و قصّ الشّارب،و نتف الإبط و الاستحداد،و قلم الأظفار،و لبس الثّياب.(3:336)

نحوه الميبديّ(6:363)،و الخازن(5:12)،

ص: 787

و البروسويّ(6:27).

الزّمخشريّ: قضاء التّفث:قصّ الشّارب و الأظفار،و نتف الإبط و الاستحداد،و التّفث:الوسخ، فالمراد:قضاء إزالة التّفث.(30:11)

نحوه البيضاويّ(2:90)،و الشّربينيّ(2:55)، و أبو السّعود(4:379)،و الكاشانيّ(3:377)،و شبّر (4:239).

ابن العربيّ: فيها أربع مسائل:المسألة الأولى في ذكر التّفث،قال القاضي الإمام:هذه لفظة غريبة عربيّة، لم يجد أهل المعرفة فيها شعرا،و لا أحاطوا بها خبرا.

و تكلّم السّلف عليها على خمسة أقوال.[ثمّ نقلها و أضاف:]

فأمّا قول ابن عبّاس و ابن عمر فلو صحّ عنهما لكان حجّة،لشرف الصّحبة و الإحاطة باللّغة.

و أمّا قول قتادة:إنّه حلق الرّأس،فمن قول مالك.

و أمّا قول مجاهد:إنّه رمي الجمار،فمن قول ابن عمر و ابن عبّاس،ثمّ تتبّعت التّفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر ابن المثنّى قد قال:إنّه قصّ الأظفار،و أخذ الشّارب، و كلّ ما يحرم على المحرم،إلاّ النّكاح.و لم يجئ فيه بشعر يحتجّ به.

و قال صاحب العين:التّفث هو الرّمي،و الحلق، و التّقصير،و الذّبح،و قصّ الأظفار و الشّارب،و نتف الإبط.

و ذكر الزّجّاج و الفرّاء نحوه،و لا أراه أخذه إلاّ من قول العلماء.

و قال قطرب:تفث الرّجل،إذا كثر وسخه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما ذكره قطرب هو الّذي قاله مالك؛و هو الصّحيح في التّفث،و هذه صورة قضاء التّفث لغة.

و أمّا حقيقته الشّرعيّة فإذا نحر الحاجّ أو المعتمر هديه،و حلق رأسه،و أزال وسخه،و تطهّر و تنقّى، و لبس الثّياب،فيقضي تفثه.(3:1282)

ابن عطيّة :و التّفث:ما يصنعه المحرم عند حلّه، من تقصير شعر و حلقه و إزالة شعث،و نحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث،و في ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه؛إذ لا يقضى التّفث إلاّ بعد ذلك.

(4:119)

مثله أبو حيّان.(6:365)

النّيسابوريّ: أجمع أهل التّفسير على أنّ المراد هاهنا إزالة الأوساخ و الزّوائد،كقصّ الشّارب و الأظفار و نتف الإبط و حلق العانة،فتقدير الآية:ثمّ ليقضوا إزالة تفثهم.(17:95)

الآلوسيّ: هو في الأصل:الوسخ و القذر.قال أبو محمّد البصريّ:التّفث من«التّفّ»و هو وسخ الأظفار،و قلبت الفاء ثاء كما في«مغثور»،و فسّره جمع هنا بالشّعور و الأظفار الزّائدة و نحو ذلك.[إلى أن قال:]

و قد يقال:إنّ المراد من إزالة التّفث بالمعنى السّابق:

قضاء المناسك كلّها،لأنّها لا تكون إلاّ بعده،فكأنّه أراد أنّ قضاء التّفث هو قضاء النّسك كلّه،بضرب من التّجوّز،و يؤيّده ما أخرجه عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما أنّه قال:قضاء التّفث:قضاء النّسك كلّه.

(17:146)

الطّباطبائيّ: التّفث:شعث البدن،و قضاء التّفث:

إزالة ما طرأ بالإحرام من الشّعث،بتقليم الأظفار و أخذ

ص: 788

الشّعر و نحو ذلك،و هو كناية عن الخروج من الإحرام.

(14:371)

محمّد حسين فضل اللّه: هو ما أصابهم من الشّعث و الغبار و نحوهما،ممّا تفرضه قيود الإحرام لينظّفوا أجسادهم و يقلّموا أظفارهم و يأخذوا من شعورهم، و ليخرجوا من الإحرام،لأنّ ذلك هو نهاية مدّة الإحرام.(16:58)

المصطفويّ: لا يخفى ما في كلمات اللّغويّين من الوهن و الخلط،فالظّاهر أنّهم استندوا في تفسير اللّفظ على الآية الكريمة و ما في كتب التّفسير،ثمّ جعلوا معنى الجملة و مضمونها المستفاد منها بالقرائن:معنى لكلمة «التّفث»؛حيث فسّروا الكلمة-كما رأيت-بالحلق و التّقصير و إذهاب الوسخ و أمثالها.

و التّحقيق:أنّ هذه اللّغة مأخوذة من مادّة عبريّة، و هي بمعنى القبض و الإمساك.و معلوم أنّ مناسك الحجّ يبتدأ بالإمساك و هو الإحرام،و ينتهي إلى التّقصير و هو الإحلال و الإطلاق.

و أمّا القضاء في ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ فهو بمعنى الإتمام و الختم،...كما في قوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ الجمعة:10، فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ القصص:

29، فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ البقرة:200، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ يوسف:41.

فيكون معنى«التّفث»هو القبض و التّعلّق و الإمساك،و يصدق هذا المفهوم على كلّ ما يلزم الاجتناب عنه بالإحرام من القصّ و النّتف و النّكاح و أمثالها،فيكون مفهوم الآية:ثمّ ليتمّوا حدود الحجّ و يحلّوا الإمساك و الإحرام.

وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ... لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ... ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الحجّ:27-29، و انتخاب هذه الكلمة في هذا المورد أحسن انتخاب بلاغة،و جامعيّة.(1:369)

مكارم الشّيرازيّ: تتابع هذه الآيات البحث السّابق عن مناسك الحجّ،مشيرة إلى جانب آخر من هذه المناسك،فتقول أوّلا: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ أي ليطهّروا أجسامهم من الأوساخ و التّلوّث،ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أي يطوفوا بذلك البيت الّذي صانه اللّه عن المصائب و الكوارث و حرّره.

و كلمة«تفث»تعني-كما قال كبار اللّغويّين و المفسّرين-القذارة و ما يلتصق بالجسم،و زوائده كالأظافر و الشّعر.و يقول البعض:إنّ أصلها يعني القذارة الّتي تحت الأظافر و أمثالها.

و رغم إنكار بعض اللّغويّين لوجود مثل هذا الاشتقاق في اللّغة العربيّة،إلاّ أنّ الرّاغب الأصفهانيّ نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين:ما أتفثك و أدرنك!دليلا على عربيّة هذه الكلمة،و وجود اشتقاق لها في اللّغة العربيّة.

و قد فسّرت لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ في الأحاديث الإسلاميّة بتقليم الأظافر و تطهير البدن و نزع الإحرام.

و بتعبير آخر:تشير هذه العبارة إلى برنامج«التّقصير» الّذي يعدّ من مناسك الحجّ.و جاء في أحاديث إسلاميّة أخرى بمعنى حلاقة الرّأس الّتي تعتبر أحد أساليب

ص: 789

«التّقصير».

كما جاء في«كنز العرفان»حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية:«القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»إلاّ أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

و الّذي يلفت النّظر في حديث الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه فسّر عبارة لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ بلقاء الإمام،و عند ما سأله الرّاوي عبد اللّه بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال:«إنّ للقرآن ظاهرا و باطنا».

و هذا الحديث يمكن أن يكون إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الاهتمام،هي أنّ حجّاج بيت اللّه الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم؛فعليهم أن يطهّروا أرواحهم،و ذلك بالالتقاء مع الإمام عليه السّلام،خاصّة أنّ عصورا مرّت و لا يجيز فيها الخلفاء الجبابرة لقاء المسلمين بإمامهم في الظّروف العادية.لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام، و بهذا المعنى نقرأ حديثا للإمام الباقر عليه السّلام قال فيه:«تمام الحجّ لقاء الإمام».

و كلاهما في الحقيقة تطهير،أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة و الأوساخ،و الآخر تطهير باطنيّ من الجهل و المفاسد الأخلاقيّة.(10:299)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّفث،أي الوسخ،يقال:

تفث الرّجل يتفث تفثا،أي كثر وسخه،فهو تفث.

و يقال لمن يستقذر:ما أتفثك!أي ما أوسخك و أقذرك! و في الحديث:«فتفثت الدّماء مكانه»أي لطخته.

و قد تجوّز فيه بعضهم،فأطلقه على إذهاب الوسخ و إزالته،و هذا المعنى-كما يبدو-منتزع من السّياق القرآنيّ،و المقصود في الآية ما يفعل عند الخروج من الإحرام،مثل:تقليم الأظفار،و الأخذ من اللّحية و الشّارب،و حلق الرّأس و العانة،و غير ذلك.

2-لم تجتمع«التّاء»و«الفاء»و«الثّاء»إلاّ في هذه المادّة،و هو الغالب على الحروف المهموسة العشرة،فهي قليلة الاستعمال مجتمعة في مظانّها.أمّا سائر هذه الحروف فهي:الحاء و الخاء و السّين و الشّين و الصّاد و الكاف و الهاء،و كلّها رخوة الهمس،إلاّ التّاء و الكاف، فإنّهما شديدا الهمس.

3-و ليس التّفث مستهجنا معنى فحسب،بل هو مستهجن لفظا كذلك؛إذ لا يكاد يستسيغ الفم أحرفه الثّلاثة،فلم يضمّها جوفه،لأنّ مخرجها جميعا بين الثّنايا العليا و طرف اللّسان،كما في التّاء و الثّاء،أو بينها و بين الشّفة العليا،كما في الفاء.

كما أنّ مجيء التّفث على وزن«فعل»ينبئ عن هذا المعنى أيضا،فقد وردت أغلب نظائره في اللّغة بهذا الوزن،مثل:الوسخ و القذر و الكدر و الوضر و النّجس و الطّفس و الدّرن و الكتن و القلح و الوذح و الطّبع و القشف و القضض و القذى و غيرها.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:29

ص: 790

يلاحظ أوّلا:أنّ في معنى«تفث»اختلافا كبيرا أ هو الوسخ و إزالته أم المناسك كلّها؟و لا شاهد لهما من اللّغة سوى ما حكاه نفطويه عن أعرابيّ فصيح:ما أتفثك و أدرنك!و قول الثّعلبيّ:تقول العرب للرّجل تستقذره:

ما أتفثك!أي ما أوسخك و أقذرك،مستشهدا بالشّعر.

و عليه فالكلمة عربيّة،و لا وجه لكونها مأخوذة من العبريّة كما ادّعاه المصطفويّ،و لا ترجمتها بإزالة الوسخ، بل هي مفهومة من«قضوا».و لا تعني المناسك كلّها،نعم التّقصير و الحلق و تقليم الأظافر،و نحوها من المناسك مصاديق لإزالة الوسخ.

و لا دعوى أنّ القرآن أصل لها،فإنّ القرآن كتاب عربيّ،لا يستعمل إلاّ ما تكلّم به العرب،و لو بعض قبائلهم،و حتّى المعرّبات فقد أخذوها من غيرهم، و أدرجوها في كلامهم،فسرت إلى القرآن،و لم يأخذها القرآن من غيرهم مباشرة،و إلاّ ما فهمته العرب،و لم يكن بالنّسبة إليهم كلاما عربيّا.

ثانيا:مجيئها مرّة واحدة دون الاضطرار إلى رعاية الرّويّ،دليل على أنّ عرب الجاهليّة كانوا يعبّرون بها عن خروجه من الإحرام،فصارت عندهم تعبيرا صادقا عن التّخلّي عن قيود الإحرام،فأتى بها القرآن في موضعها،حفاظا على عاداتهم،و لا مجال لها في غير هذا الموضع.

و هي إشارة أيضا إلى صعوبة مناسك الحجّ بالإمساك عن أشياء،حتّى اكتنفت الأوساخ الحاجّ،فبادر إلى إزالتها بعد المناسك،و سمّوها:تفثا.

ص: 791

ص: 792

ت ق ن

اشارة

اتقن

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّقن:رسابة الماء في الرّبيع،و هو الّذي يجيء به الماء من الخثورة.

و تقّنوا أرضهم،أي أرسلوا فيها الماء الخاثر لتجود.

و الإتقان:الإحكام.[ثمّ استشهد بشعر](5:129)

الفرّاء: رجل تقن:حاذق بالأشياء،و يقال:

«الفصاحة من تقنه»أي من سوسه.(الأزهريّ 9:60)

أبو عبيد: يقال:رجل تقن،و هو الحاضر المنطق و الجواب.(الأزهريّ 9:60)

ابن السّكّيت :و ممّا يبقى في أسفل الحوض من الماء الكدر:هو التّقن.(534)

ابن تقن: رجل من عاد،و لم يكن يسقط له سهم.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:60)

ابن دريد :التّقن:ترنوق البئر أو المسيل،و هو الطّين الرّقيق تخالطه حمأة.

و أتقنت الشّيء إتقانا فأنا متقن،و الشّيء متقن.

(2:26)

و يقال:رجل تقن و تقن،أي متقن للأشياء.

(3:466)

الأزهريّ: [قال بعد قول ابن السّكّيت:]

قلت:الأصل في التّقن:ابن تقن هذا،ثمّ قيل لكلّ حاذق في عمل يعمله عالم بأمره:تقن،و منه يقال:أتقن فلان أمره،إذا أحكمه.[ثمّ استشهد بشعر]

التّقون:من بني تقن بن عاد،منهم عمرو بن تقن، و كعب بن تقن،و به ضرب المثل فقيل:«أرمى من ابن تقن».(9:60)

الصّاحب: [ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و التّقن:السّوس و الطّبع.

و رجل تقن:حاذق بالأشياء.(5:365)

الجوهريّ: إتقان الأمر:إحكامه،و رجل تقن

ص: 793

بكسر التّاء:حاذق.

و تقن أيضا:اسم رجل كان جيّد الرّمي،يضرب به المثل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:«الفصاحة من تقنه»أي من سوسه و طبعه.

(5:2086)

أبو هلال :الفرق بين الإحكام و الإتقان:أنّ إتقان الشّيء:إصلاحه،و أصله من التّقن،و هو التّرنوق الّذي يكون في المسيل أو البئر،و هو الطّين المختلط بالحمأة، يؤخذ فيصلح به التّأسيس و غيره،فيسدّ خلله و يصلحه،فيقال:أتقنه،إذا طلاه بالتّقن.ثمّ استعمل فيما يصحّ معرفته،فيقال:أتقنت كذا،أي عرفته صحيحا، كأنّه لم يدع فيه خللا.

و الإحكام:إيجاد الفعل محكما،و لهذا قال اللّه تعالى:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هود:1،أي خلقت محكمة،و لم يقل:أتقنت،لأنّها لم تخلق و بها خلل،ثمّ سدّ خللها.

و حكى بعضهم:أتقنت الباب،إذا أصلحته.و لا يقال:

أحكمته،إلاّ إذا ابتدأته محكما.(175)

ابن فارس :التّاء و القاف و النّون أصلان:أحدهما:

إحكام الشّيء،و الثّاني:الطّين و الحمأة.

فالقول الأوّل:أتقنت الشّيء:أحكمته.

و أمّا الحمأة و الطّين فيقال:تقّنوا أرضهم،إذا أصلحوها بذلك،و ذلك هو التّقن.(1:350)

ابن سيدة :التّقن:ترنوق البئر و الدّمن،و هو الطّين الرّقيق يخالطه حمأة.

و قد تتقّنت،و استعمله بعض الأوائل في تكدّر الدّم و متكدّره.

و التّقنة:رسابة الماء و خثارته.و التّقن:الطّبيعة.

و أتقن الشّيء:أحكمه،و في التّنزيل: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ النّمل:88،و ابن تقن:رجل.

[ثمّ استشهد بشعر](6:339)

الزّمخشريّ: إذا عملت عملا فأتقنه.و رجل متقن،و تقن،و فلان تقن من الاتقان:موصوف بالإتقان،أي حاذق في عمله.و إنّه لأرمى من ابن تقن.

و الفصاحة من تقنه،أي من سوسه.(أساس البلاغة:38)

ابن منظور :و التّقن:الطّين الّذي يذهب عنه الماء فيتشقّق.و التّقن:بقيّة الماء الكدر في الحوض.

(13:72)

أبو حيّان :الإتقان:الإتيان بالشّيء على أحسن حالاته من الكمال و الإحكام في الخلق.و هو مشتقّ من قول العرب:«تقّنوا أرضهم»إذا أرسلوا فيها الماء الخاثر بالتّراب فتجود.

و التّقن:ما رمى به الماء في الغدير،و هو الّذي يجيء به الماء من الخثورة.(7:81)

الفيروزآباديّ: أتقن الأمر:أحكمه.و التّقن بالكسر:الطّبيعة،و الرّجل الحاذق،و رجل من الرّماة يضرب بجودة رميه المثل،و ترنوق البئر،و رسابة الماء في الجدول أو المسيل.

و تقّنوا أرضهم تتقينا:اسقوها الماء الخاثر لتجود.

(4:207)

الزّبيديّ: أتقن الأمر إتقانا:أحكمه.و هو في الاصطلاح:معرفة الأدلّة و ضبط القواعد الكلّيّة بجزئيّاتها.

ص: 794

التّقن بالكسر:ما يقوم به المعاش،و يصلح به التّدبير كالحديد و غيره من جواهر الأرض،و كلّ ما يقوم به صلاح شيء فهو تقنه.ذكره العلاّمة ابن ثابت في شرح حديث بدء الخلق و خلق التّقن يوم الأربعاء.

و ذكره أيضا الحافظ أبو بكر بن العربيّ رحمه اللّه تعالى في ترتيب رحلته.(9:153)

محمود شيت:أتقن القائد إعداد الخطّة:أحكمها.

خطّة متقنة:محكمة.(1:112)

المصطفويّ: لا يبعد أن نقول:إنّ بين هذه المادّة و مادّة«يقن»اشتقاق أكبر،فإنّ«اليقين»فيه إحكام و ثبوت،و أمّا الطّين و الحمأة فلعلّها من جهة الوصول إلى آخر العمل،و هو نوع من الإتقان و التّدقيق.

و في كلمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«طوبى لمن صنع شيئا و أتقنه».(1:370)

النّصوص التّفسيريّة

...صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ. النّمل:88

ابن عبّاس:أحكم كلّ شيء من الخلق.(322)

نحوه البغويّ(3:520)،و ابن الجوزيّ(6:196)، و النّسفيّ(3:224).

أحسن كلّ شيء خلقه و أوثقه.(الطّبريّ 20:21)

نحوه السّدّيّ(الماورديّ 4:231)،و قتادة (الطّبرسيّ 4:237).

مجاهد :أوثق كلّ شيء و سوّى.(الطّبريّ 20:21)

أحصى.(الماورديّ 4:231)

أترص كلّ شيء،أي أحسن و أبرم.

(تفسير مجاهد 2:476)

عبد الجبّار: و قوله تعالى: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أحد ما يدلّ على أنّ الكفر و الفساد ليس من فعله،و إلاّ لكان يصحّ وصفه بأنّه محكم متقن.(304)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:[ذكر قول الأوّل لابن عبّاس و الثّاني لمجاهد و السّدّيّ ثمّ قال:]

الرّابع:أوثق،و اختلف فيها،فقال الضّحّاك:هي كلمة سريانيّة،و قال غيره:هي عربيّة مأخوذ من إتقان الشّيء إذا أحكم و أوثق،و أصلها من التّقن و هو ما ثقل من الحوض من طينة.(4:231)

الطّوسيّ: الإتقان:حسن إيثاق.(8:124)

الزّمخشريّ: و المعنى: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ النّمل:87،و كان كيت و كيت،أثاب اللّه المحسنين و عاقب المجرمين.ثمّ قال: صُنْعَ اللّهِ يريد به الإثابة و المعاقبة،و جعل الصّنع من جملة الأشياء الّتي أتقنها و أتى بها على الحكمة و الصّواب؛حيث قال: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ يعني أنّ مقابلته الحسنة بالثّواب و السّيّئة بالعقاب،من جملة إحكامه للأشياء و إتقانه لها، و إجرائه لها على قضايا الحكمة،أنّه عالم بما يفعل العباد و بما يستوجبون عليه،فيكافئهم على حسب ذلك،ثمّ لخّص ذلك بقوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ إلى آخر الآيتين.

فانظر إلى بلاغة هذا الكلام و حسن نظمه و ترتيبه، و مكانة إضماده و رصانة تفسيره،و أخذ بعضه بحجزة بعض،كأنّما أفرغ إفراغا واحدا،و لأمر ما أعجز القويّ

ص: 795

و أخرس الشّقاشق (1)،و نحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام جاء كالشّاهد بصحّته و المنادي على سداده،و أنّه ما كان ينبغي أن يكون إلاّ كما قد كان.

أ لا ترى إلى قوله: صُنْعَ اللّهِ و صِبْغَةَ اللّهِ البقرة:138،و وَعْدَ اللّهِ الزّمر:20،و فِطْرَتَ اللّهِ الرّوم:30،بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التّعظيم،كيف تلاها بقوله: اَلَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ و مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً البقرة:138، لا يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعادَ الزّمر:20، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ الرّوم:30

(3:162)

ابن عطيّة :الإتقان:الإحسان في المعمولات،و أن تكون حسانا وثيقة القوّة.(4:273)

الطّبرسيّ: أي خلق كلّ شيء على وجه الإتقان و الإحكام و الاتّساق.و قيل:حسن في إيثاق.(4:237)

ابو الفتوح :و قالوا:أحكم،أي خلق على وجه لا ترى فيه خللا و لا أمتا،نظيره قوله تعالى: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ الملك:3.(15:84)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه لمّا قدّم ذكر هذه الأمور الّتي لا يقدر عليها سواه،جعل هذا الصّنع من جملة الأشياء الّتي أتقنها و أتى بها،على الحكمة و الصّواب.

قال القاضي عبد الجبّار: فيه دلالة على أنّ القبائح ليست من خلقه و إلاّ وجب وصفها بأنّها متقنة و لكنّ الإجماع مانع منه.

و الجواب أنّ الإتقان لا يحصل إلاّ في المركّبات فيمتنع وصف الأعراض بها،و اللّه أعلم.(24:220)

ابن عربيّ: أي صنع هذا النّفخ و الإماتة،و الإحياء لمجازاة العباد بالأعمال،صنعا متقنا يليق به.

(2:212)

القرطبيّ: أي هذا من فعل اللّه،و ما هو فعل منه فهو متقن.(13:243)

البيضاويّ: أحكم خلقه و سوّاه على ما ينبغي.

(2:185)

مثله الكاشانيّ(4:78)،و المشهديّ(7:38)، و البروسويّ(6:376)،و شبّر(4:444).و نحوه ابن كثير(5:260)،و أبو السّعود(5:107)،و الطّنطاويّ (13:250).

النّيسابوريّ: [ذكر قول عبد الجبّار و ردّ الفخر الرّازيّ عليه و أضاف:]

قلت:و لو سلّم وصف الأعراض بالإتقان،فوصف كلّ الأعراض به ممنوع فما من عامّ إلاّ و قد خصّ.و لو سلّم،فالإجماع المذكور لعلّه ممنوع،يؤيّده قوله: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ، و إذا كان خبيرا بكلّ أفعال العباد على كلّ نحو يصدر عنهم و خلاف معلومه يمتنع أن يقع، فقد صحّت معارضة الأشعريّ.

و على مذهب الحكيم،و قاعدته صدور الشّرّ القليل من الحكيم،لأجل الخير الكثير،لا ينافي الإتقان،و اللّه أعلم.(20:20)

أبو حيّان :[ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا الّذي ذكره من شقاشقه و تكثيره في الكلام و احتياله في إدارة ألفاظ القرآن،لما عليه من مذاهب المعتزلة.[و للكلام بقيّة راجع:«ص ن ع».](7:101)ء.

ص: 796


1- الخطباء و البلغاء.

الطّباطبائيّ: و قوله: صُنْعَ اللّهِ مفعول مطلق لمقدّر،أي صنعه صنعا.

و في الجملة تلويح إلى أنّ هذا الصّنع و الفعل منه تعالى تخريب للدّنيا و هدم للعالم،لكنّه في الحقيقة تكميل لها و إتقان لنظامها،لما يترتّب عليه من إنهاء كلّ شيء إلى غايته،و إيصاله إلى وجهته الّتي هو مولّيها من سعادة أو شقاوة،لأنّ ذلك صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء،فهو سبحانه لا يسلب الإتقان عمّا أتقنه،و لا يسلّط الفساد على ما أصلحه،ففي تخريب الدّنيا تعمير الآخرة.

(15:401)

محمّد حسين فضل اللّه: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ في وجوده و حركته،و ذلك بما أودعه في داخله من القوانين الطّبيعيّة الّتي تنظّم حركة الوجود كلّه،في جميع مفرداته و تفاصيله.و هذا ما يلاحظه العلماء في دراستهم للظّواهر الكونيّة؛حيث يرون النّظام الدّقيق يحكم كلّ واحد منها،من دون أيّ انحراف،أو ميل عن الوضع الطّبيعيّ المتقن.(17:250)

مكارم الشّيرازيّ: التّعبير بالإتقان الّذي يعني الإحكام و التّنظيم،يتناسب استقرار نظام العالم، و لا يتناسب زمان انهياره و تلاشيه.(12:141)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّقن،و هو ما يرسب من الماء الخاثر المختلط بالطّين الرّقيق و الحمأة،يقال:تقنوا أرضهم و تقّنوها،أي أرسلوا فيها الماء الخاثر لتجود، و قد تتقّنت.و زرعنا في تقن أرض طيّبة أو خبيثة،أي زرعنا في تربتها،و هي التّقنة أيضا.

ثمّ استعمل التّقن في إحكام الشّيء و إجادته،يقال:

أتقنت الشّيء إتقانا،فأنا متقن،و الشّيء متقن،و هو من قولهم:تقنوا أرضهم،لأنّه معالجة و إصلاح كما مرّ، و كذلك الإحكام.و يقال أيضا:رجل تقن و تقن و تقن، أي متقن للأشياء،حاذق بها.

و التّقن:الطّبع و السّجيّة،يقال:الفصاحة من تقنه، أي من طبعه و خلقه،و هو من هذا الباب أيضا،لأنّ السّجايا راسبة في باطن الإنسان كرسوب الطّين في قعر الماء الخاثر.

2-و التّقنيّة:معرّب«تكنولوجيا»،و هو لفظ يونانيّ الأصل،و يعني الأساليب و الطّرائق الّتي تختصّ بفنّ أو مهنة،يقال:أدخلت التّقنيّة في ميدان الزّراعة، و يستخدم الحلوانيّ التّقنيّة الحديثة في صناعة الحلوى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ النّمل:88

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآية تتوسّط آيات ترتبط بيوم القيامة،فقبلها: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ النّمل:87،و بعدها: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ* وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّمل:89،90،فيتبادر إلى الذّهن أنّها بيان

ص: 797

لأحوال الآخرة،و أنّ الإنسان يحسب الجبال يومئذ جامدة،و ليست كذلك،بل تمرّ مرّ السّحاب،و هي في صورة الجبال،لأنّ للّه أتقن صنعها في الدّنيا،و يشهد بذلك قوله: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ، فإنّه راجع إلى جزاء الآخرة على الأعمال.

و قال الزّمخشريّ في(صنع اللّه):«يعني به الإثابة و المعاقبة،و جعل هذا الصّنع من جملة الأشياء الّتي أتقنها،و أتى به على الحكمة و الصّواب...يعني أنّ مقابلته الحسنة بالثّواب،و السّيّئة بالعقاب،من جملة إحكامه للأشياء...»إلى أن قال:«فانظر إلى بلاغة هذا الكلام و حسن نظمه و ترتيبه...».

ثانيا:و من ناحية أخرى فقد جاء في آيتين قبلها:

أَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ النّمل:86،و هذه حالة الدّنيا دون الآخرة،مع سبقها بآيات حول الآخرة من قوله: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، إلى قوله:

(لا ينطقون)النّمل:82-85.فوقوع الآية المعنيّة بين آيات القيامة لا يمنع من وصف الدّنيا بها لتقاس بها الآخرة.و هذا هو الّذي يتراءى من كلام غير الزّمخشريّ،فلاحظ.

و على هذه الرّؤية فهي وصف للجبال في الدّنيا، و تأييد لرأي صدر الدّين الشّيرازيّ بالحركة الجوهريّة؛ إذ قد استدلّ بها،أي أنّ اللّه أتقن كلّ شيء صنعا،و مع ذلك فالجبال-و كذا العالم بأجمعه-تتحوّل دائما.

و بناء عليه،فذكر آيات الخلقة و صنعها خلال آيات الآخرة،من أجل التّدليل على علم اللّه و قدرته و سيطرته على العباد في الآخرة كما في الدّنيا،و أنّه خبير بأحوال العباد،و قادر على الحساب و الكتاب،و على الثّواب و العقاب،بلا ظلم لهم و لا طغيان.

ثالثا:لم خصّ«الإتقان»في الآية بالخلقة،و خصّ «الإحكام»بالقرآن في الآيات التّالية؟

1- كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1

2- فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ الحجّ:52

3- فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ

محمّد:20

4- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ آل عمران:7

و الجواب-على رأي أبي هلال في الفرق بين الإتقان و الإحكام-«أنّ الإتقان:إصلاح الخلل،و الإحكام:

إيجاد الشّيء محكما بلا خلل.فالقرآن أوحي صحيحا كاملا،و لم يكن فيه خلل حتّى يتقنه،أمّا العالم فخلق تدريجيّا و أتقن،فسدّ خلله».

و معنى هذا أنّ العالم لم يخلق صحيحا،و كان فيه خلل فسدّ.و الاعتراف به مشكل،كيف و قد قال تعالى:

ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:3،4،و قال:

اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7،لاحظ«خ ل ق».

ص: 798

و لعلّ المفرّ من ذلك أنّ«الإحكام»من الحكمة،و هي خاصّة بالكلام،أمّا«الإتقان»فيختصّ بالصّنع و خلق الأشياء،فجاء كلّ منهما في موضعهما من اللّغة،فقال في القرآن: أُحْكِمَتْ آياتُهُ، و في الخلقة: صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ.

رابعا:لم أفرد(أتقن)في القرآن و لم يتكرّر؟

و الجواب على رأي الفلاسفة الإسلاميّين واضح، فالعالم عندهم فعل اللّه بإرادة أزليّة،كما قال: وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر:50.و كذلك على رأي العرفاء،و لا سيّما القائلون بوحدة الوجود،فالعالم- و هو كلّ شيء-عندهم فيضه المقدّس و مظهره،وجد مرّة بإتقان،أمّا القرآن فنزل نجوما محكما،لاحظ«ص ن ع».

ص: 799

ص: 800

ت ل ك

اشارة

3 ألفاظ،43 مرّة:25 مكّيّة،18 مدنيّة

في 26 سورة:19 مكّيّة،7 مدنيّة

تلك 41:23-18 تلكما 1:1

تلكم 1:1

النّصوص اللّغويّة

سيبويه: أمّا الأسماء المبهمة فنحو:هذا و هذه، و هذان و هاتان،و هؤلاء و ذلك و تلك،و ذانك و تانك و أولئك،و ما أشبه ذلك.

و إنّما صارت معرفة،لأنّها صارت أسماء إشارة إلى الشّيء دون سائر أمّته.(2:5)

الأزهريّ: قالوا:تيك و تلك و تالك،منطلقة.[ثمّ استشهد بشعر]

أهل الكوفة يسمّون:ذا و تا و تلك و ذلك و هذا و هذه و هؤلاء و الّذي و الّذين و الّتي و اللاّتي،حروف المثل.

و أهل البصرة:يسمّونها حروف الإشارة،و الأسماء المبهمة.[إلى أن قال:]

و تصغير«تلك»:تيّا و تيّالك.(15:36)

الجوهريّ: «تا»اسم يشار به إلى المؤنّث،مثل «ذا»للمذكّر.[ثمّ استشهد بشعر]

و«ته»مثل«ذه»و«تان»للتّثنية،و أولاء للجمع.

و تصغير«تا»:تيّا،بالفتح و التّشديد؛لأنّك قلبت الألف ياء،و أدغمتها في ياء التّصغير.

و لك أن تدخل عليها«ها»للتّنبيه،فتقول:هاتا هند،و هاتان،و هؤلاء،و في التّصغير:هاتيّا.

فإن خاطبت جئت بالكاف،فقلت:تيك و تلك و تاك و تلك بفتح التّاء،و هي لغة رديئة.[إلى أن قال:]

و لا تدخل«ها»على«تلك»لأنّهم جعلوا اللاّم عوضا من«ها»التّنبيه.

و تالك:لغة في تلك.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:2547)

ص: 801

ابن برّيّ: إنّما امتنعوا من دخول«ها»التّنبيه على ذلك و تلك،من جهة أنّ«اللاّم»تدلّ على بعد المشار إليه،و«ها»التّنبيه تدلّ على قربه،فتنافيا و تضادّا.

(ابن منظور 15:447)

أبو حيّان :«تلك»من أسماء الإشارة يطلق على المؤنّثة في حالة البعد.و يقال:تلك و تيلك و تالك،بفتح التّاء و سكون اللاّم،و كسرها و ياء بعدها،و كسر اللاّم و بفتحها،و ألف بعدها و كسر اللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:337)

المصطفويّ: «تلك»من أسماء الإشارة للمفرد المؤنّث،و اللاّم تلحقها إذا أشير بها إلى البعيد،و الكاف للخطاب.

و الظّاهر أنّ أصل هذه الكلمة هو«تي»دون«تا» و«ته»و الياء حذفت لالتقاء السّاكنين.و لا يبعد أن نقول:إنّ الأصل في صيغ أسماء الإشارة المؤنّثة هو هذه الكلمة،لمناسبة التّاء و الياء التّأنيث.

ثمّ إنّ البعد قد يكون معنويّا،و قد يكون اعتباريّا للتّعظيم و التّجليل،كما أنّ حرف الخطاب المفردة قد تكون في مورد التّثنية و الجمع،نظرا إلى جنس المخاطب أو إلى واحد لا بعينه،أو للدّلالة على صرف الخطاب.

[ثمّ ذكر آيات](1:371)

النّصوص التّفسيريّة

تلك

1- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. البقرة:187

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك هذه الأشياء الّتي بيّنتها من الأكل و الشّرب و الجماع في شهر رمضان نهارا في غير عذر،و جماع النّساء في الاعتكاف في المساجد.

(2:182)

نحوه البغويّ(1:232)،و الزّمخشريّ(1:340)، و ابن عطيّة(1:259)،و الطّبرسيّ(1:281)، و القرطبيّ(2:337)،و البيضاويّ(1:103)،و النّسفيّ (1:96)،و أبو السّعود(1:244)،و البروسويّ(1:

301)،و القاسميّ(3:464)،و رشيد رضا(2:78).

الفخر الرّازيّ: قوله:(تلك)لا يجوز أن يكون إشارة إلى حكم الاعتكاف،لأنّ الحدود جمع،و لم يذكر اللّه تعالى في الاعتكاف إلاّ حدّا واحدا و هو تحريم المباشرة،بل هو إشارة إلى كلّ ما تقدّم في أوّل آية الصّوم إلى هاهنا،على ما سبق شرح مسائلها على التّفصيل.

(5:126)

نحوه أبو حيّان.(2:54)

2- تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. النّساء:13

الفخر الرّازيّ: فيه بحثان:

الأوّل:أنّه إشارة إلى أحوال المواريث.

القول الثّاني:أنّه إشارة إلى كلّ ما ذكره من أوّل السّورة إلى هاهنا،من بيان أموال الأيتام و أحكام الأنكحة و أحوال المواريث،و هو قول الأصمّ.

حجّة القول الأوّل أنّ الضّمير يعود إلى أقرب

ص: 802

المذكورات،و حجّة القول الثّاني أنّ عوده إلى الأقرب، إذا لم يمتنع من عوده إلى الأبعد مانع يوجب عوده إلى الكلّ.

البحث الثّاني:أنّ المراد بحدود اللّه المقدّرات الّتي ذكرها و بيّنها.(9:227)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير.

3- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. البقرة:252

الطّبريّ: هذه الآيات الّتي اقتصّ اللّه فيها أمر الّذين خرجوا من ديارهم،و هم ألوف حذر الموت.

(2:634)

نحوه الزّجّاج(1:333)،و الكاشانيّ(1:257)، و رشيد رضا(2:491).

الزّمخشريّ: إشارة إلى جماعة الرّسل الّتي ذكرت قصصها في السّورة،أو الّتي ثبت علمها عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:382)

نحوه الطّبرسيّ(1:358)،و البيضاويّ(1:131)، و الخازن(1:223)،و البروسويّ(1:391)،و شبّر (1:256)،و القاسميّ(3:650).

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فإن قيل:فلم قال:(تلك)و لم يقل:«هذه»مع أنّ تلك يشار بها إلى غائب لا إلى حاضر؟

قلنا:قد بيّنّا في تفسير قوله: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ أنّ«تلك و ذلك»يرجع إلى معنى:هذه و هذا، و أيضا فهذه القصص لما ذكرت صارت بعد ذكرها كالشّيء الّذي انقضى و مضى،فكانت في حكم الغائب، فلهذا التّأويل قال:(تلك).(6:206)

أبو السّعود :إشارة إلى ما سلف من حديث الألوف،و خبر طالوت على التّفصيل المرقوم،و ما فيه من معنى البعد للإيذان بعلوّ شأن المشار إليه.(1:291)

الآلوسيّ: [نحو أبو السّعود و أضاف:]

قيل:إشارة إلى ما مرّ من أوّل السّورة إلى هنا،و فيه بعد،و الجملة على التّقديرين مستأنفة.(2:174)

4- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ. آل عمران:108

الطّوسيّ: و الفرق بين تلك و هذه:أنّ«تلك» إشارة إلى ما هو بعيد،فجازت الإشارة بها إليه لانقضاء الآية،و صلح«هذه»لقربها في التّلاوة.و لو كانت بعيدة لم يصلح أحدهما مكان الآخر.(2:554)

الفخر الرّازيّ: فقوله:(تلك)فيه وجهان:

الأوّل:المراد أنّ هذه الآيات الّتي ذكرناها هي دلائل اللّه.و إنّما جاز إقامة«تلك»مقام«هذه»لأنّ هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذّكر،فصار كأنّها بعدت،فقيل فيها:(تلك).

و الثّاني:إنّ اللّه تعالى وعده أن ينزل عليه كتابا مشتملا على كلّ ما لا بدّ منه في الدّين،فلمّا أنزل هذه الآيات قال:تلك الآيات الموعودة هي الّتي نتلوها عليك بالحقّ.(8:185)

القرطبيّ: تِلْكَ آياتُ اللّهِ ابتداء و خبر،يعني القرآن.

ص: 803

و قيل:(تلك)بمعنى«هذه»و لكنّها لمّا انقضت صارت كأنّها بعدت،فقيل:(تلك).

و يجوز أن تكون(آيات اللّه)بدلا من(تلك)، و لا تكون نعتا،لأنّ المبهم لا ينعت بالمضاف.(4:169)

أبو حيّان :الإشارة ب(تلك)قيل:إلى القرآن كلّه.

و قيل:إلى ما أنزل من الآيات في أمر الأوس و الخزرج و اليهود الّذين مكروا بهم و التّقدّم إليهم بتجنّب الافتراق.و كشف تعالى للمؤمنين عن حالهم و حال أعدائهم بقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ آل عمران:106.(3:26)

أبو السّعود :إشارة إلى الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار و تعذيب الكفّار.و معنى البعد للإيذان بعلوّ شأنها و سموّ مكانها في الشّرف،و هو مبتدأ.(2:16)

نحوه البروسويّ.(2:77)

5- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. يونس:1

ابن عبّاس: استعمل(تلك)بمعنى«هذه»و المشار إليه حاضر قريب.(أبو حيّان 5:122)

مجاهد :(تلك)إشارة إلى التّوراة و الإنجيل.

(الطّوسيّ 5:382)

أبو عبيدة :مجازها:هذه آيات الكتاب الحكيم.

(1:272)

الزّجّاج :إشارة إلى آيات القرآن الّتي جرى ذكرها.(أبو حيّان 5:121)

الطّوسيّ: قال قوم:إنّما قال:(تلك)لتقدّم الذّكر في (الر)كقولك:هند هي كريمة.[و بعد قول مجاهد قال:] و هذا بعيد،لأنّه لم يجر لهما ذكر.(5:382)

الزّمخشريّ: إشارة إلى ما تضمّنه السّورة من الآيات و(الكتاب):السّورة.(2:224)

مثله النّسفيّ.(2:152)

ابن الجوزيّ: و في قوله:(تلك)قولان:أحدهما:

[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

و الثّاني:أنّه على أصله،ثمّ فيه ثلاثة أقوال:أحدها:

[قول مجاهد،و قد تقدّم]و الثّاني:[قول الزّجّاج و قد تقدّم]

و الثّالث:أنّ(تلك)إشارة إلى(الر)و أخواتها من حروف المعجم،أي تلك الحروف المفتتحة بها السّور هي آياتُ الْكِتابِ لأنّ(الكتاب)بها يتلى،و ألفاظه إليها ترجع،ذكره ابن الأنباريّ.(4:4)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ فيه مسألتان:

المسألة الأولى:قوله:(تلك)يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السّورة من الآيات و يحتمل أن يكون إشارة إلى ما تقدّم هذه السّورة من آيات القرآن.

و أيضا ف(الكتاب الحكيم)يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن.و يحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن، و هو الكتاب المخزون المكنون عند اللّه تعالى الّذي منه نسخ كلّ كتاب،كما قال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ الواقعة:77،78،و قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ البروج:21،22، و قال: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ الزّخرف:4،و قال: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ

ص: 804

أُمُّ الْكِتابِ الرّعد:39.

و إذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل هاهنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات:

الاحتمال الأوّل:أن يقال:المراد من لفظة و تلك) الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السّورة،فكان التّقدير:تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الّذي هو القرآن؛و ذلك لأنّه تعالى وعد رسوله عليه الصّلاة و السّلام أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء،و لا يغيّره كرور الدّهر،فالتّقدير:أنّ تلك الآيات الحاصلة في سورة(الر)هي آيات ذلك الكتاب المحكم الّذي لا يمحو الماء.

الاحتمال الثّاني:أن يقال:المراد أنّ تلك الآيات الموجودة في هذه السّورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند اللّه.

و اعلم أنّ على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا:

(تلك)إلى آيات هذه السّورة.و فيه إشكال،و هو أنّ (تلك)يشاربها إلى الغائب،و آيات هذه السّورة حاضرة،فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ(تلك).

و اعلم أنّ هذا السّؤال قد سبق مع جوابه في تفسير قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ البقرة:1.

الاحتمال الثّالث و الرّابع:أن يقال:لفظ(تلك)إشارة إلى ما تقدّم هذه السّورة من آيات القرآن،و المراد بها:

هي آيات القرآن الحكيم،و المراد أنّها هي آيات ذلك الكتاب المكنون المخزون عند اللّه تعالى.

و في الآية قولان آخران:

أحدهما:أن يكون المراد من اَلْكِتابِ الْحَكِيمِ التّوراة و الإنجيل،و التّقدير:أنّ الآيات المذكورة في هذه السّورة هي الآيات المذكورة في التّوراة و الإنجيل، و المعنى:أنّ القصص المذكورة في هذه السّورة موافقة للقصص المذكورة في التّوراة و الإنجيل،مع أنّ محمّدا عليه الصّلاة و السّلام ما كان عالما بالتّوراة و الإنجيل، فحصول هذه الموافقة لا يمكن إلاّ إذا خصّ اللّه تعالى محمّدا بإنزال الوحي عليه.

و الثّاني:و هو قول أبي مسلم:أنّ قوله:(الر)إشارة إلى حروف التّهجّي،فقوله: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ يعني هذه الحروف،هي الأشياء الّتي جعلت و علامات لهذا الكتاب الّذي آيات به وقع التّحدّي فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام النّاس بالوصف المعجز،و إلاّ لكان اختصاصه بهذا النّظم،دون سائر النّاس القادرين على التّلفّظ بهذه الحروف محالا.(17:4)

الطّباطبائيّ: الإشارة باللّفظ الدّالّ على البعيد للدّلالة على ارتفاع مكانة القرآن و علوّ مقامه،فإنّه كلام اللّه النّازل من عنده،و هو العليّ الأعلى رفيع الدّرجات ذو العرش.(10:7)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(6:269)

لاحظ«ك ت ب»

6- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. يوسف:1

الطّوسيّ: قوله: تِلْكَ آياتُ قال قوم:هو إشارة إلى ما تقدّم من ذكر السّورة في قول (الر) كأنّه قال:سورة يوسف تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ.

الثّاني:أنّه إشارة إلى ما يأتي من ذكرها على وجه

ص: 805

التّوقّع لها.

و قال قوم:معناه هذه تلك الآيات الّتي وعدتم بها في التّوراة،كما قال: الم* ذلِكَ الْكِتابُ البقرة:1،2.

(6:91)

نحوه الطّبرسيّ.(3:206)

الزّمخشريّ: (تلك)إشارة إلى آيات السّورة، و اَلْكِتابِ الْمُبِينِ: السّورة،أي تلك الآيات الّتي أنزلت إليك في هذه السّورة.(2:300)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:83)،و البيضاويّ(1:

486)،و النّسفيّ(2:210)،و النّيسابوريّ(12:79)، و الشّربينيّ(2:87).

أبو حيّان :و الإشارة ب(تلك آيات)إلى(الر)و سائر حروف المعجم الّتي تركّبت منها آيات القرآن،أو إلى التّوراة و الإنجيل،أو الآيات الّتي ذكرت في سورة هود، أو إلى آيات السّورة و اَلْكِتابِ الْمُبِينِ: السّورة،أي تلك الآيات الّتي أنزلت إليك في هذه السّورة أقوال.

(5:277)

البروسويّ: (تلك)السّورة،و أشير إليها بما يشير إلى البعيد،لأنّه وصل من المرسل إلى المرسل فصار كالمتباعد،أو لأنّ الإشارة لمّا كانت إلى الموجود في الذّهن أشير به إيماء إلى بعده عن حيّز الإشارة لما أنّها تكون بمحسوس مشاهد،و هو مبتدأ أخبره قوله: آياتُ الْكِتابِ. (4:208)

الآلوسيّ: و الإشارة في قوله سبحانه: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ اليه[الر]في قول،و إلى(آيات)هذه السّورة في آخر.و أشير إليها مع أنّها لم تذكر بعد لتنزيلها، لكونها مترقّبة منزلة المتقدّم،أو لجعل حضورها في الذّهن بمنزلة الوجود الخارجيّ،و الإشارة بما يشار به للبعيد.

أمّا على الثّاني،فلأنّ ما أشير إليه لمّا لم يكن محسوسا نزل منزلة البعيد لبعده معن حيّز الإشارة،أو العظمة و بعد مرتبته،و على غيره لذلك،أو لأنّه لما وصل من المرسل إلى المرسل صار كالمتباعد.

و زعم بعضهم أنّ الإشارة إلى ما في اللّوح و هو بعيد، و أبعد من ذلك كون الإشارة إلى التّوراة و الإنجيل،أو الآيات الّتي ذكرت في سورة هود.(12:170)

نحوه القاسميّ.(9:2-350)

الطّباطبائيّ: الإشارة بلفظ البعيد للتّعظيم و التّفخيم.(11:75)

7- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. الشّعراء:2

الطّوسيّ: إنّما أشار ب(تلك)إلى ما ليس بحاضر، لأنّه متوقّع،فهو كالحاضر بحضور المعنى للنّفس، و تقديره:تلك الآيات آيات الكتاب.

و قيل:تلك الآيات الّتي وعدتم بها هي القرآن.

و قيل:إنّ(تلك)بمعنى هذا.(8:4)

نحوه الطّبرسيّ(4:184)،المشهديّ(7:230).

ابن عطيّة :(تلك)رفع بالابتداء،و هو و خبره سادّ مسدّ الخبر عن(طسم)في بعض التّأويلات، و الإشارة ب(تلك)هي بحسب الخلاف في(طسم).

و على بعض الأقوال تكون(تلك)إشارة إلى حاضر،و ذلك موجود في الكلام،كما أنّ«هذه»قد

ص: 806

تكون الإشارة بها إلى غائب معهود كأنّه حاضر.

(4:224)

أبو السّعود :إشارة إلى السّورة سواء كان(طسم) مسرودا على نمط التّعديد أو اسما للسّورة،حسبما مرّ تحقيقه هناك.و ما في اسم الإشارة من معنى البعد للتّنبيه على بعد منزلة المشار إليه في الفخامة.و محلّه الرّفع على أنّه مبتدأ خبره ما بعده،و على تقدير كون(طسم)مبتدأ، فهو مبتدأ ثان أو بدل من الأوّل.(5:30)

نحوه الآلوسيّ.(19:58)

الطّباطبائيّ: الإشارة ب(تلك)إلى(آيات الكتاب) ممّا سينزل بنزول السّورة و ما نزل قبل،و تخصيصها بالإشارة البعيدة للدّلالة على علوّ قدرها و رفعة مكانتها.

(15:250)

جاء بهذا المعنى: تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ... النّمل:

1،و تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ لقمان:2.

8- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ... البقرة:253

الطّبريّ: الّذين قصّ اللّه قصصهم في هذه السّورة.

(3:1)

نحوه الخازن(1:223)،و الكاشانيّ(1:257).

الزّمخشريّ: إشارة إلى جماعة الرّسل الّتي ذكرت قصصها في السّورة،أو الّتي تبثّ علمها عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:382)

نحوه البيضاويّ(1:132)،و النّسفيّ(1:127)، و شبّر(1:256).

الزّجّاج:(الرّسل)صفة ل(تلك)كقولك:أولئك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض،إلاّ أنّه قيل:(تلك) للجماعة،و خبر الابتداء فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ... (1:333)

نحوه الطّبرسيّ(1:358)،و ابن عطيّة(1:338).

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:المسألة الأولى (تلك)ابتداء.و إنّما قال:(تلك)و لم يقل:«اولئك» الرّسل،لأنّه ذهب إلى الجماعة،كأنّه قيل:تلك الجماعة.

(الرّسل)بالرّفع،لأنّه صفة ل(تلك)،و خبر الابتداء فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ... (6:208)

نحوه القرطبيّ.(3:261)

أبو حيّان :(تلك)مبتدأ،و خبره(الرّسل)صفة لاسم الإشارة،أو عطف بيان.و أشار ب(تلك)الّتي للبعيد ما بينهم من الأزمان و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.[إلى أن قال:]

و الأولى أن تكون إشارة إلى(المرسلين)في قوله:

وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، و لا يلزم من ذلك علمه صلّى اللّه عليه و سلّم بأعيناهم بل أخبر من جملة المرسلين و أنّ(المرسلين) فضّل اللّه بعضهم على بعض.

و أتى ب(تلك)الّتي للواحدة المؤنّثة و إن كان المشار إليه جمعا،لأنّه جمع تكسير،و جمع التّكسير حكمه حكم الواحدة المؤنّثة في الوصف،و في عود الضّمير،و في غير ذلك.

و كان جمع التّكسير هنا لاختصار اللّفظ و لإزالة قلق التّكرار،لأنّه لو جاء أولئك المرسلون فضّلنا،كان اللّفظ فيه طول و كن فيه التّكرار.(1:272)

ص: 807

9- وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام:83

الزّمخشريّ: (تلك)إشارة إلى جميع ما احتجّ به إبراهيم عليه السّلام على قومه من قوله: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ إلى قوله: وَ هُمْ مُهْتَدُونَ 76-82.(2:33)

نحوه البيضاويّ(1:319)،و القرطبيّ(7:30)، و النّسفيّ(2:21)،و أبو حيّان(4:171)،و البروسويّ (3:58)،و شبّر(2:282).

ابن عطيّة :إشارة إلى هذه الحجّة المتقدّمة،و هي رفع بالابتداء.(2:316)

الفخر الرّازيّ: (تلك)إشارة إلى كلام تقدّم،و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه إشارة إلى قوله: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76.

و الثّاني:أنّه إشارة إلى أنّ القوم قالوا له:أ ما تخاف أن تخبلك آلهتنا لأجل أنّك شتمتهم؟فقال لهم:أ فلا تخافون أنتم حيث أقدمتم على الشّرك باللّه و سوّيتم في العبادة بين خالق العالم و مدبّره و بين الخشب المنحوت و الصّنم المعمول؟

و الثّالث:أنّ المراد هو الكلّ.

إذا عرفت هذا فنقول:قوله:(و تلك)مبتدأ،و قوله:

(حجّتنا)خبره،و قوله: آتَيْناها إِبْراهِيمَ صفة لذلك الخبر.(13:61)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و ما في اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه،و الإشعار بعلوّ طبقته و سموّ منزلته في الفضل.

و هو مبتدأ،و قوله تعالى:(حجّتنا)خبره.(2:409)

نحوه الآلوسيّ.(7:208)

القاسميّ: أي:الدّلائل المشار إليها في قوله:

أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً الأنعام:74.(6:2392)

10- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ. الأعراف:101

الزّمخشريّ: تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ... كقوله:

هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72،في أنّه مبتدأ و خبر و حال.و يجوز أن يكون(القرى)صفة ل(تلك)و(نقصّ) خبرا،و أن يكون(القرى نقصّ)خبرا بعد خبر.

فإن قلت:ما معنى(تلك القرى)حتّى كون كلاما مفيدا؟

قلت:هو مفيد و لكن بشرط التّقييد بالحال،كما يفيد بشرط التّقييد بالصّفة في قولك:هو الرّجل الكريم.

(2:99)

ابن عطيّة :(تلك)ابتداء،و(القرى)قال قوم:هو نعت،و الخبر(نقصّ)و يؤيّد هذا أنّ القصد إنّما الإخبار بالقصص.

و الظّاهر عندي أنّ(القرى)هي خبر الابتداء،و في ذلك معنى التّعظيم لها و لمهلكها،و هذا كما قيل في ذلِكَ الْكِتابُ البقرة:2،أنّه ابتداء و خبر،و كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«أولئك الملأ»و كقول أبي الصّلت:«تلك المكارم»،و هذا كثير.و كأنّ في اللّفظ معنى التّحسّر على القرى المذكورة.(2:433)

نحوه الفخر الرّازيّ.(14:188)

ص: 808

أبو السّعود: تِلْكَ الْقُرى جملة مستأنفة جارية مجرى الفذلكة لما قبلها من القصص،منبئة عن غاية غواية الأمم المذكورة،و تماديهم فيها بعد ما أتتهم الرّسل بالمعجزات الباهرة.و(تلك)إشارة إلى قرى الأمم المهلكة.

على أنّ اللاّم للعهد و هو مبتدأ،و قوله تعالى:

نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها خبره،و صيغة المضارع للإيذان بعدم انقضاء القصّة بعد،و(من)للتّبعيض،أي بعض أخبارها الّتي فيها عظة و تذكير.(3:10)

أبو حيّان :جاءت الإشارة ب(تلك)إشارة إلى بعد هلاكها و تقادمه،و حصل الرّبط بين هذه و بين قوله:

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى و(نقصّ)يحتمل إبقاؤه على حاله من الاستقبال.

و المعنى قد قصصنا عليك من أنبائها،و نحن نقصّ عليك أيضا منها مفرّقا في السّور.

و يجوز أن يكون عبّر بالمضارع عن الماضي،أي تلك القرى قصصنا،و«الأنباء»هنا أخبارهم مع أنبائهم و مآل عصيناهم،و(تلك)مبتدأ،و(القرى)خبر، و(نقصّ)جملة حاليّة،نحو قوله: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً... النّمل:52.(4:352)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه أنّ حديث الاستغناء ممنوع،فإنّ المعنى كما في «الكشف»على التّقديرين مختلف،لأنّه إذا جعل حالا يكون المقصود تقييده بالحال،كما ذكره الزّجّاج في نحو:

هذا زيد قائما،إذا جعل قيدا للخبر أنّ الكلام إنّما يكون مع من يعلم أنّه زيد،و إلاّ جاء الإحالة،لأنّه يكون زيد قائما،كان أو لا.

و إذا جعل خبرا بعد خبر ف تِلْكَ الْقُرى على أسلوب ذلك الكتاب على أحد الوجوه،و(نقصّ)خبر ثان تفخيما على تفخيم،حيث نبّه على أنّ لها قصصا و أحوالا أخرى مطويّة.(9:14)

11- تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ. هود:49

الطّبريّ: هذه القصّة الّتي أنبأتك بها من قصّة نوح و خبره و خبر قومه.(12:56)

كذا جاء في أكثر التّفاسير.

ابن الجوزيّ: في المشار إليه ب(تلك)قولان:

أحدهما قصّة نوح،و الثّاني:آيات القرآن،و المعنى:تلك من أخبار ما غاب عنك و عن قومك.

فان قيل:كيف قال هاهنا:(تلك)و في مكان آخر (ذلك)؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباريّ،فقال:(تلك)إشارة إلى آيات القرآن،و(ذلك)إشارة إلى الخبر و الحديث، و كلاهما معروف في اللّغة الفصيحة،يقول الرّجل:قد قدم فلان،فيقول سامع قوله:قد فرحت به و قد سررت بها.فإذا ذكّر عن القدوم،و إذا أنّث،ذهب إلى القدمة.

(4:116)

الآلوسيّ: إشارة إلى قصّة نوح عليه السّلام و هي لتقضّيها في حكم البعيد.و يحتمل أنّه أشير بأداة البعد إلى بعد

ص: 809

منزلتها.

و قيل:إنّ الإشارة إلى آيات القرآن،و ليس بذلك؛ و هي في محلّ الرّفع على الابتداء.(12:75)

12- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و هؤلاء الّذين أحللنا بهم نقمتنا و عذابنا عاد،جحدوا بأدلّة اللّه و حججه.

(12:61)

الطّوسيّ: قوله:(و تلك)إشارة إلى من تقدّم ذكره،و تقديره:و تلك القبيلة عاد جحدوا آيات ربّهم.

(6:14)

نحوه البغويّ(2:454)،و الطّبريّ(3:171)، و ابن الجوزيّ(4:120)،و أبو السّعود(3:326)

الزّمخشريّ: (تلك عاد)إشارة إلى قبورهم و آثارهم،كأنّه قال:سيحوا في الأرض فانظروا إليها و اعتبروا.(2:277)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:15)،و النّسفيّ(2:194)، و الخازن(3:195)،و أبو حيّان(5:235)،و الشّربينيّ (2:65).

البيضاويّ: أنّث اسم الإشارة باعتبار القبيلة،أو لأنّ الإشارة إلى قبورهم و آثارهم.(1:472)

البروسويّ: قال العلاّمة الطّيّبيّ:كأنّه تعالى أذن بتصوير تلك القبيلة في الذّهن،ثمّ أشار إليها و جعلها خبرا للمبتدإ المزيد الإبهام،فيحسن التّفسير بقوله:

جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ كلّ الحسن،لمزيد الإجمال و التّفصيل،انتهى.

و يجوز أن تكون إشارة إلى قبورهم و آثارهم،كأنّه تعالى قال:سيروا في الأرض فانظروا إليها و اعتبروا.

ففي الكلام مجاز حذف إمّا قبل المبتدإ،أي أصحاب تلك،و إمّا قبل الخبر،أي قبور عاد كفروا بآيات ربّهم بعد ما استيقنوها.(4:151)

الآلوسيّ: أنّث اسم الإشارة باعتبار القبيلة على ما قيل،فالإشارة إلى ما في الذّهن،و صيغة البعيد لتحقيرهم،أو لتنزيلهم منزلة البعيد لعدمهم،أو الإشارة إلى قبورهم و مصارعهم،و حينئذ الإشارة للبعيد المحسوس و الإسناد مجازيّ،أو من مجاز الحذف،أي تلك قبور عاد.

و جوّز أن يكون بتقدير أصحاب تلك عاد،و الجملة مبتدأ و خبر.و كان المقصود الحثّ على الاعتبار بهم، و الاتّعاظ بأحوالهم.(12:86)

نحوه القاسميّ.(9:3459)

13- وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى. طه:17

الزّجّاج :(تلك)اسم مبهم يجري مجرى«الّتي»، و يوصل كما توصل«الّتي»،المعنى:ما الّتي بيمينك يا موسى.

و هذا الكلام لفظه لفظ الاستفهام،و مجراه في الكلام مجرى ما يسأل عنه و يجيب المخاطب بالإقرار به،لتثبت عليه الحجّة بعد ما قد اعترف مستغنى بإقراره عن أن يجحد بعد وقوع الحجّة.

و مثله من الكلام أن تري المخاطب ماء فتقول له:

ما هذا،فيقول:ماء.ثمّ تحيله بشيء من الصّبغ،فإن قال:

ص: 810

إنّ لم يزل هكذا،قلت له:أ لست قد اعترف بأنّه ماء.

(3:353)

الزّمخشريّ: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى كقوله تعالى: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72،في انتصاب الحال بمعنى الإشارة.

و يجوز أن تكون(تلك)اسما موصولا صلته (بيمينك)إنّما سأله ليريه عظم ما يخترعه عزّ و علا في الخشبة اليابسة من قلبها حيّة نضناضة،و ليقرّر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه و المقلوب إليه،و ينبّه على قدرته الباهرة.

و نظيره:أن يريك الزّرّاد زبرة من حديد،و يقول لك ما هي؟فتقول زبرة حديد،ثمّ يريك بعد أيّام لبوسا مسرّدا،فيقول لك:هي تلك الزّبرة صيّرتها إلى ما ترى من عجيب الصّنعة و أنيق السّرد.(2:533)

ابن عطيّة :تقرير مضمّنة التّنبيه و جمع النّفس لتلقّي ما يورد عليها و إلاّ فقد علم اللّه ما هي في الأوّل، و قوله:(بيمينك)من صلة(تلك).[ثمّ استشهد بشعر]

(4:40)

أبو حيّان:قال الزّمخشريّ: و يجوز أن تكون(تلك) اسما موصولا،صلته(بيمينك).و لم يذكر ابن عطيّة غيره،و ليس ذلك مذهبا للبصريّين.

و إنّما ذهب إليه الكوفيّون قالوا:يجوز أن يكون اسم الإشارة موصولا؛حيث يتقدّر بالموصول،كأنّه قيل:

و ما الّتي بيمينك.و على هذا فيكون العامل في المجرور محذوفا،كأنّه قيل:و ما الّتي استقرّت بيمينك؟

و في هذا السّؤال و ما قبله من خطابه تعالى لموسى عليه السّلام استئناس عظيم،و تشريف كريم.(6:234)

نحوه أبو السّعود.(4:274)

البروسويّ: السّؤال ب(ما تلك)عن ماهيّة المسمّى،أي حقيقته الّتي هو بها،هو كقولك:ما زيد، تعني ما حقيقة مسمّى هذا اللّفظ،فيجاب بأنّه إنسان لا غير.

و(ما تلك)أي أيّ شيء هذه،حال كونها مأخوذة (بِيَمِينِكَ يا مُوسى) .(فما)استفهاميّة في حيز الرّفع بالخبريّة ل(تلك)المشار إليها،أي العصا،و هو أوفق بالجواب من عكسه،و العامل في الحال معنى الإشارة.

(5:372)

الآلوسيّ: شروع في حكاية ما كلّفه عليه السّلام من الأمور المتعلّق بالخلق إثر حكاية ما أمر به من الشّئون الخاصّة بنفسه.(فما)استفهاميّة في محلّ الرّفع بالابتداء،و(تلك) خبره،أو بالعكس و هو أدخل بحسب المعنى و أوفق بالجواب.و(بيمينك)متعلّق بمضمر وقع حالا من(تلك)، أي و ما تلك قارة أو مأخوذة بيمينك.و العامل فيه ما فيه من معنى الإشارة،كما في قوله عزّ و علا حكاية: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72،و تسمية النّحاة عاملا معنويّا.

[ثمّ قال نحو ما تقدّم من أبي حيّان](16:174)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ المشار إليه بقوله:

(تلك)العودة أو الخشبة،و لو لا ذلك لكان من حقّ الكلام أن يقال:و ما ذلك،بجعل المشار إليه هو الشّيء، لمكان التّجاهل بكونها عصا،و إلاّ لم يستقم الاستفهام، كما في قوله: فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ الأنعام:78.

ص: 811

و يمكن أن تكون الإشارة ب(تلك)إلى العصا،لكن لا بداعي الاطّلاع على اسمها و حقيقتها حتّى يلغو الاستفهام،بل بداعي أن يذكر لها من الأوصاف و الخواصّ.(14:143)

14- تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. القصص:83

البيضاويّ: إشارة تعظيم،كأنّه قال:تلك الّتي سمعت خبرها و بلغك وصفها.(2:202)

نحوه أبو حيّان(7:136)،و النّسفيّ(3:247)، و الشّربينيّ(3:121)،و أبو السّعود(5:183)، و البروسويّ(6:438)،و شبّر(5:43).

الآلوسيّ: مشيرا إشارة تعظيم و تفخيم إلى ما نزل لشهرته منزلة المحسوس المشاهد،كأنّه قيل:تلك الّتي سمعت خبرها و بلغك وصفها.(20:120)

تلكما

...وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ. الأعراف:22

الطّوسيّ: إنّما قال:(تلكما)لأنّه خاطب اثنين و أشار إلى(الشّجرة)فذلك قال:(تلكما).(4:402)

نحوه الطّبرسيّ(2:407)،و الآلوسيّ(8:101)

ابن عطيّة :يؤيّد بحسب ظاهر اللّفظ،أنّه إنّما أشار إلى شخص شجرة.(2:387)

أبو حيّان :أشير إلى الشّجرة باللّفظ الدّالّ على البعد،و الإنذار بالخروج منها.(4:281)

نحوه أبو السّعود.(2:485)

تلكم

...لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. الأعراف:43

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في(أن)الّتي مع (تلكم)،فقال بعض نحويّ البصرة:هي«أنّ»الثّقيلة خفّض و أضمر فيها،و لا يستقيم أن نجعلها الخفيفة،لأنّ بعدها اسما،و الخفيفة لا تليها الأسماء.[ثمّ استشهد بشعر]

قال:و يكون كقوله: أَنْ قَدْ وَجَدْنا الأعراف:

44،في موضع أي،و قوله: أَنْ أَقِيمُوا الأنعام، و لا تكون«أن»الّتي تعمل في الأفعال،لأنّك تقول:

غاظني أن قام و أن ذهب،فتقع على الأفعال و إن كانت لا تعمل فيها،و في كتاب اللّه: وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ص:6،أي امشوا.

و أنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة،فقال:

غير جائز أن يكون مع«أن»في هذا الموضع«ها» مضمرة،لأنّ«أن»دخلت في الكلام لتنفي ما بعدها.

قال:و«أن»هذه الّتي مع(تلكم)هي الدّائرة الّتي يقع فيها ما ضارع الحكاية،و ليس بلفظ الحكاية،نحو:

ناديت أنك قائم،و أن زيد قائم،و أن قمت،فتلي كلّ الكلام،و جعلت«أن»وقاية،لأنّ النّداء يقع على ما بعده،و سلم ما بعد«أن»كما سلم ما بعد القول.

أ لا ترى أنّك تقول:قلت:زيد قائم،و قلت:قام، فتليها ما شئت من الكلام.فلمّا كان النّداء بمعنى الظّنّ و ما أشبهه من القول،سلم ما بعد«أن»،و دخلت«أن»

ص: 812

وقاية.

قال:و أمّا«أي»فإنّها لا تكون على«أن»لا يكون «أي»جواب الكلام،و«أن»تكفي من الاسم.

(8:185)

الزّجّاج :قوله جلّ و عزّ: وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ في موضع نصب،و هاهنا الهاء مضمرة،و هي مخفّفة من الثّقيلة،و المعنى نودوا بأنّه تلكم الجنّة.

و الأجود عندي أن تكون«أن»في موضع تفسير النّداء،كأنّ المعنى:و نودوا أن تلكم الجنّة،أي قيل لهم:

تلكم الجنّة.و إنّما قال:(تلكم)لأنّهم وعدوا بها في الدّنيا،فكأنّه قيل:هذه تلكم الّتي وعدتم بها.

و جائز أن يكون عاينوها،فقيل لهم من قبل دخولها إشارة إلى ما يرونه:(تلكم الجنّة)كما تقول لما تراه:

ذلك الرّجل أخوك.و لو قلت:هذا الرّجل لأنّه يراك، جاز،لأنّ:هذا و هؤلاء لما قرب منك،و ذاك و تلك لما بعد عنك،رأيته أو لم تره.(2:339)

نحوه الطّوسيّ(4:434)،و الطّبرسيّ(2:420)، و القرطبيّ(7:208).

ابن عطيّة : تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ابتداء و صفة، و أُورِثْتُمُوها الخبر.و(تلكم)إشارة فيها غيبة فإمّا لأنّهم كانوا وعدوا بها في الدّنيا،فالإشارة إلى تلك،أي تلكم هذه الجنّة،و حذفت«هذه».و إمّا قبل أن يدخلوها،و إمّا بعد الدّخول و هم مجتمعون في موضع منها،فكلّ غائب عن منزله.(2:402)

أبو حيّان :في كتاب«التّحرير»:و(تلكم)إشارة إلى غائب.و إنّما قال هنا:(تلكم)لأنّهم وعدوا بها في الدّنيا،فلأجل الوعد جرى الخطاب بكلمة العهد، قوله صلّى اللّه عليه و سلّم للصّدّيق في الاستخبار عن عائشة:كيف تيكم؟ للعهد السّابق،انتهى.

و(الجنّة)جوّزوا فيها أن تكون خبرا ل(تلكم) و(اورثتموها)حال،كقوله: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً النّمل:52.

قال أبو البقاء: حال من(الجنّة)و العامل فيها ما في (تلك)من معنى الإشارة.و لا يجوز أن تكون حالا من (تلك)للفصل بينما بالخبر،و لكون المبتدأ لا يعمل في الحال،انتهى.(4:300)

أبو السّعود :(أن)مفسّرة لما في النّداء من معنى القول،أو مخفّفة من«أنّ»،و ضمير الشّأن محذوف.

و معنى البعد في اسم الإشارة إمّا لأنّهم نودوا عند رؤيتهم إيّاها من مكان بعيد،و إمّا الرّفع منزلتها و بعد رتبتها،و إمّا للإشعار بأنّها تلك الجنّة الّتي وعدوها في الدّنيا.(2:494)

نحوه البروسويّ(3:163)،و رشيد رضا(8:

1422)،و الطّباطبائيّ(8:116).

الآلوسيّ: أي،أي تلكم على أنّ(أن)مفسّرة لما في النّداء من معنى القول.

و يجوز أن تكون مخفّفة من«أنّ»و حرف الجرّ مقدّر، و اسمها ضمير شأن محذوف،أي بأنّها أو بأنّه تلكم.

و أوجب البعض الثّاني بناء على أنّه يجب أن يؤنّث جمير الشّأن إذا كان المسند إليه في الجملة المفسّرة مؤنّثا، و الصّحيح عدم الوجوب،على ما صرّح به ابن الحاجب، و ابن مالك.

ص: 813

و معنى البعد في اسم الإشارة إمّا لرفع منزلتها و بعد مرتبتها،و إمّا لأنّهم نودوا عند رؤيتهم إيّاها من مكان بعيد،و إمّا للإشعار بأنّها تلك الجنّة الّتي وعدوها في الدّنيا،و إليه يشير كلام الزّجّاج.

و الظّاهر أنّ(تلكم الجنّة)مبتدأ و خبر،و قوله سبحانه:(اورثتموها)حال من الجنّة،و العامل فيها معنى الإشارة.

و يجوز أن تكون(الجنّة)نعتا ل(تلكم)أو بدلا، و(اورثتموها)الخبر،و لا يجوز أن يكون حالا من المبتدإ و لا من«كم»كما قاله أبو البقاء،و هو ظاهر.

و التزم بعضهم في توجيه البعد أنّ(تلكم)خبر مبتدإ محذوف،أي هذه تلكم الجنّة الموعودة لكم قبل،أو مبتدأ حذف خبره،أي تلك الجنّة الّتي أخبرتم عنها أو وعدتم بها في الدّنيا،هي هذه و لا حاجة إليه.(8:121)

الأصول اللّغويّة

1-تلك:اسم معرفة يشار به إلى المؤنّثة البعيدة، مثل:«ذلك»للمذكّر البعيد.و هو يتكوّن من«ته»أو «ته»بحذف«الهاء»منهما،و«اللاّم»للإشارة إلى البعيد، و«الكاف»للخطاب.و لا تدخل«هاء»التّنبيه على «تلك»إلاّ إذا حذف«اللاّم»منها،فيقال عندئذ:هاته و هاته في الإفراد،و هاتان في التّثنية،و هؤلاء في الجمع.

و تصغير«ته»هو«تيّا»أو«تيّالك»،ممّا يكشف عن أنّ عينه«ياء»،فأصله«تي»،و هي لغة أخرى له.

و قيل:حذفت منه«ياء»أخرى هي لامه،فأصله على هذا«تيي».

2-و من لغات«ته»أيضا«تا»،فتدخل عليها «لام»البعد و«كاف»الخطاب،فيقال:تالك،و يقال في التّثنية:تان و تين،و هاتانك و هاتينك.و من أخوات «تلك»هي«تيك»و«تيلك»،و«تلك»أيضا،و هي لغة رديئة كما قيل.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها(36)مرّة في(36)آية،في أربعة محاور:

ألف:الأمم و الرّسل:

1 و 2- تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ

البقرة:134،141

3- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ هود:59

4- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ

الأعراف:101

5- وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَ كُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ القصص:58

6- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ... البقرة:253

7- وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ الأنعام:83

ص: 814

8- أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى النّجم:21،22

9- ...وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ* وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:21-22

10- وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى طه:17

11- فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ الأنبياء:15

12- إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ... آل عمران:140

13- وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:111

ب:آيات اللّه:

14- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ البقرة:252

15- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ آل عمران:108

16- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ الجاثية:6

17- تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا هود:49

18- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ يونس:1

19- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ يوسف:10

20- المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ الرّعد:1

21- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ الحجر:1

22-23- طسم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ

الشّعراء:1،2 و القصص:1،2

24- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ

النّمل:1

25- الم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ

لقمان:1،2

ج-حدود اللّه و أحكامه:

26- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ البقرة:187

27- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ البقرة:229

28- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

البقرة:230

29- ...وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ المجادلة:4

30- ...وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً

الطّلاق:1

31- ...فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:116

د-الدّار الآخرة:

32- تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

القصص:83

ص: 815

33- وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الزّخرف:72

34- تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا مريم:63

35- ...لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الأعراف:43

36- أَ إِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً* قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ النّازعات:12

يلاحظ أوّلا:أنّ«تلك»في المحور الأوّل إشارة إلى الأمم و الرّسل،أو إلى ما حدث في أيّامهم كفذلكة لما قبلها في كثير منها،عدا(11): وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ، و(91):

تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ، فليستا فذلكة.

ثانيا:«تلك»إشارة إلى البعيد زمانا أو مكانا،في(1 -6)و(12)،أو إلى البعد المعنويّ إمّا تعظيما كما في(7):

وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ، أو تحقيرا في غيرها، و لا سيّما(12): تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ.

ثالثا:«تلك»فيها قسمان:قسم ما بعدها بدل منها -و ليس صفة لها كما قاله بعضهم-و هو المشار إليه،مثل:

(4): تِلْكَ الْقُرى، و(6): تِلْكَ الرُّسُلُ، و(3):

تِلْكَ الْأَيّامُ. و«تلك»و بدلها في هذا القسم مبتدأ و ما بعدها خبر.

و قسم جاءت فيه«تلك»مبتدأ و ما بعدها خبر لها كسائر الآيات،مثل:(1): تِلْكَ أُمَّةٌ، و(2): تِلْكَ عادٌ، و(5): فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ، و(7): وَ تِلْكَ حُجَّتُنا ...و المشار إليه ما قبلها من القصّة و غيرها.

و يستثنى من القسمين(10): وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ، فإنّها جملة استفهاميّة مبتدأ و خبر،و(بيمينك)صلة لموصول مقدّر،بدل من(تلك)،و هو المشار إليه أي «ما تلك الّتي بيمينك»؟و قد اضطربت كلمات القوم في إعراب الآيات،و في المشار إليه ب(تلك)،سوء في هذا المحور أم في غيره،فلاحظ.

رابعا:أنّ تِلْكَ آياتُ اللّهِ في المحور الثّاني مبتدأ و خبر«وجها واحدا»،أمّا المشار إليه فيها فهو قسمان:

الأوّل:(14-17)،إشارة إلى ما سبقه من الآيات، و الثّاني:(18-24)،و هي المبتدأة بالحروف المقطّعة، فتحتمل وجوها:

1-إشارة إلى ما بعدها من آيات السّورة،أي هذه الآيات آيات الكتاب.و جاءت«تلك»بدلا من«هذه» تنبيها على أنّها و إن كانت حاضرة بألفاظها،إلاّ أنّها بعيدة المدى عمقا و فقها و شرافة و كرامة و علوّ منزلة.

2-إشارة إلى ما وعد اللّه نبيّه من إنزال الكتاب،أي تلك الّتي وعدناك آيات هذا الكتاب.

3-إشارة إلى ما تقدّمها من الحروف المقطّعة،أي تلك الحروف آيات الكتاب،لأنّ ألفاظه تتألّف منها، و هي أعلام له.و هي نوع من التّحدّي في سبيل إعجاز القرآن،لأنّ هذه الحروف و الكلمات تحت أيدي النّاس، فليأتوا منها بكتاب مثل القرآن.و هذا أحد الوجوه الّتي ذكروها في الحروف المقطّعة،لاحظ كتاب«الإعجاز البيانيّ للقرآن الكريم»تأليف الدّكتورة عائشة بنت الشّاطئ،و لاحظ المدخل«بحث الإعجاز».

4-إشارة إلى ما تقدّم نزوله من الآيات و السّور في القرآن،أو ما نزل في التّوراة و الإنجيل.

ص: 816

5-إشارة إلى ما في اللّوح المحفوظ،و هو أمّ الكتاب.

و أقربها إلى السّياق عندنا الأوّل،و اختاره جماعة من القدماء و المتأخّرين،و منهم الطّباطبائيّ،فلاحظ.

خامسا:أنّ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ في المحور الثّالث مبتدأ و خبر،و إشارة إلى ما سبق في السّورة من الأحكام قولا واحدا،و سرّ الإشارة إليها بالبعيد مع قربها هو تعدّدها و تفرّقها في السّورة،أو للتّعظيم بعلوّ المنزلة، و اشتمالها على الحكمة و المصلحة.

و قد ألحق بها الآية(31)لاشتمالها على حكم من أحكام الحجّ،و هو الصّيام لمن لم يجد هديا،و هو من حدود اللّه.و تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ منها فذلكة لما قبلها، كجملة من آيات المحور الأوّل تماما.

سادسا:أنّ تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ في(32)في المحور الرّابع مبتدأ مع بدله الّذي هو المشار إليه،و(نجعلها) خبره.و(تلك الجنّة)في(33-35)مبتدأ و خبر،إشارة إلى ما سبقها من نعيم الجنّة،و ما بعدها صفة للجنّة، و كذلك تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ في(36)مبتدأ و خبر، و إشارة إلى إحياء الموتى عند البعث،و«اذا»ظرف له.

ص: 817

ص: 818

ت ل ل

اشارة

تلّه

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّلّ:الرّابية من التّراب،مكبوس ليس خلقة.

و التّليل:العنق.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّليل:الصّريع،و جمعه:تلّى.

و التّلّة:شيء من وصف الإبل.

و المتلّ:القويّ الشّديد،أسد،و ريح متلّ.

و تللته في يديه:دفعته إليه سلما.

و التّلتلة:الإقلاق و الحركة.

و التّلتلة:المشربة تتّخذ من قيقاءة الطّلع.

و رجل متلّ:منتصب في الصّلاة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تلّ فلان فلانا،أي صرعه،و ما أسوء تلّته،أي صرعته.

و تلّوه في قبره متلاّ،أي أوردوه.

و التّلتلة:مثل التّرترة في التّحريك.(8:106)

الكسائيّ: هو ضالّ تالّ آلّ.و جاء بالضّلالة، و التّلالة،و الألالة.(الأزهريّ 14:252)

ابن شميّل: التّلّ:من أصاغر الآكام،و التّلّ طوله في السّماء مثل البيت،و عرض ظهره نحو عشرة أذرع، و هو أصغر من الأكمة،و أقلّ حجارة من الأكمة، و لا ينبت التّلّ خيرا.و حجارة التّلّ عاضّ بعضها ببعض، مثل حجارة الأكمة سواء.(الأزهريّ 14:251)

الفرّاء: تلّ،إذا صبّ.و التّلّة:الضّبّة،و التّلّة:

الضّجعة و الكسل،و التّلّة:بقيّة الدّين.

(الأزهريّ 14:251)

رجل متلّ،إذا كان غليظا شديدا.المتلّ:الّذي يتلّ به،و رمح متلّ:غليظ شديد،و هو العردّ أيضا.

(الأزهريّ 14:252)

الأخفش: يقال:إنّ جبينه ليتلّ أشدّ التّلّ.و ما هذه التّلّة بفيك،أي البلّة.و سألت عن ذلك أبا السّميدع،

ص: 819

فقال:التّلل و البلل و التّلّة و البلّة،شيء واحد.

(الأزهريّ 14:253)

الأصمعيّ: المتلّ:الغليظ.(ابن دريد 1:42)

التّلاتل:الشّدائد،مثل الزّلازل.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 4:1645)

اللّحيانيّ: و تلّ جبينه يتلّ تلاّ:رشح بالعرق، و كذلك الحوض.

ما هذه التّلّة بفيك؟أي البلّة.(ابن سيدة 9:464)

أبو عبيد: في حديث عبد اللّه رحمه اللّه:«أنّه أتي بسكران أو شارب خمر فقال:تلتلوه و مزمزوه».

قال أبو عمرو:«و هو أن يحرّك و يزعزع و يستنكه حتّى يوجد منه الرّيح ليعلم ما شرب،و هي التّلتلة و التّرترة و المزمزة،بمعنى واحد.و جمع التّلتلة:تلاتل، و هي الحركات.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا الحديث بعض أهل[الحديث]ينكره.[ثمّ بيّن وجه الإنكار فلاحظ](2:198)

ابن الأعرابيّ: تلّ يتلّ،إذا صبّ،و تلّ يتلّ،إذا سقط.

المتلّل:الصّريع،و هو المشغزب.[ثمّ استشهد بشعر]

التّليل و المتلول:الصّريع.

التّلتلة:قشر الطّلعة يشرب فيه النّبيذ.

و تلّ،إذا صرع.(الأزهريّ 14:251،252)

و التّلّ:صبّ الحبل باليد في البئر عند الاستقاء.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيدة 9:464)

ابن السّكّيت :المتلّ:الشّديد.

(تهذيب الألفاظ:139)

شمر: تلّى فلان صلاته المكتوبة بالتّطوّع،أي أتبع.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:252)

ثعلب :و تلّه بتلّة سوء،أي رماه بأمر قبيح.

(ابن سيدة 9:464)

ابن دريد :تلّه يتلّه تلاّ،إذا صرعه،و كذلك فسّر في التّنزيل: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103،و اللّه أعلم بكتابه.

و زعم بعض أهل العلم أنّ قولهم:«رمح متلّ»إنّما هو «مفعل»من الصّرع،يتلّ به،أي يصرع به.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء ألقيته على الأرض ممّا له جثّة فقد تللته؛ و به سمّي التّلّ من التّراب.

و يقال:هو بتلّة سوء،أي بحال سوء.(1:42)

و يقال:هو الضّلال ابن الألال و التّلال،و الضّلال ابن قهلل،و ثهلل،أي إنّه ضالّ.و يقال:رأيت فلانا يتتلّه،أي يجول في غير ضيعته.(3:473)

القاليّ: و يقولون:ضالّ تالّ،فالتّال الّذي يتلّ صاحبه،أي يصرعه،كأنّه يغويه فيلقيه في هلكة لا ينجو منها.(2:218)

الأزهريّ: [في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:]

«نصرت بالرّعب و أوتيت جوامع الكلم،و بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلّت في يدي».

قلت:معناه:فصبّت في يديّ و تأويل قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

ما فتحه اللّه جلّ ثناؤه لأمّته بعد وفاته من خزائن ملوك الفرس،و ملوك الشّام،و ما استولى عليه المسلمون من

ص: 820

البلاد،حقّق اللّه تعالى رؤياه الّتي رآها بعد وفاته،من لدن خلافة عمر بن الخطّاب إلى يومنا هذا.

و قال اللّيث:و التّلّ:الرّابية من التّراب،مكبوسا ليس خلقة.

قلت:هذا غلط،التّلال عند العرب:الرّوابي المخلوقة.

قال الفرّاء:رجل متلّ،أي منتصب في الصّلاة.[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:هذا خطأ،و إنّما هو رجال يتلوّن الصّلاة قيام، من تلّى يتلّي،إذا أتبع الصّلاة الصّلاة.[و قال بعد ذكر قول الأخفش:]

قلت:و هذا عندي من قولهم:تلّ،أي صبّ،و منه قيل للمشربة:تلتلة،لأنّه يصبّ ما فيها في الحلق.

(14:251-253)

الخطّابيّ: [في حديث الصّدقة]

«...فجاء بناقة كوماء يتلّها،حتّى انتهى بها إلى رسول اللّه،فتلّها إليه،فدعا له فيه و في إبله بالبركة».

[إلى أن قال:]

و قوله:فتلّها إليه،معناه أناخها إليه،من قولك:

تللت الرّجل،إذا صرعته،قال اللّه تعالى: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103.

و كلّ شيء ألقيته على الأرض ممّا له جثّة فقد تللته، و منه سمّي التّلّ من التّراب.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه حديث سهل بن سعد السّاعديّ: «...فتلّه رسول اللّه في يده».(1:387)

[و في حديث القبر:]«و تركوك لمتلّك»،أي لمصرعك،يقال:تللت الرّجل،إذا صرعته.

و روى حجّاج عن شعبة أنّه كان يرويه مصحّفا، يقول:تركوك لمثلك.(2:335)

الجوهريّ: التّلّ:واحد التّلال.

و رجل ضالّ تالّ،و جاءنا بالضّلالة و التّلالة،و هو الضّلال بن التّلال،و كلّ ذلك إتباع.[إلى أن قال:]

و قولهم:ذهب يتالّ،أي يطلب لفرسه فحلا،و هو يفاعل.

و التّلتلة:مشربة تتّخذ من قيقاءة الطّلع.

و تلتله،أي زعزعه و أقلقه و زلزله.

و تلّه للجبين،أي صرعه،كما تقول:كبّه لوجهه.

و قولهم:هو بتلّة سوء،إنّما هو كقولهم:ببيئة سوء، أي بحالة سوء.(4:1644)

ابن سيدة :تلّه يتلّه تلاّ،فهو متلول،و تليل:

صرعه،و قيل:ألقاه على عنقه،و خدّه.

و الأوّل أعلى،و به فسّر قوله تعالى: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103.

و منه قول الأعرابيّة:ما له تلّ و غلّ.هكذا رواه أبو عبيد،و رواه يعقوب:ألّ و غلّ.

و قوم تلّى:صرعى.[ثمّ استشهد بشعر]

و تلّ هو:يتلّ:تصرّع و سقط.

و المتلّ:ما تلّه به.

و رمح متلّ:يتلّ به،و قيل:قويّ منتصب غليظ.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء ألقيته على الأرض ممّا له جثّة فقد تللته.

و التّلّ من التّراب:معروف،و هو من ذلك.و لم يفسّر ابن دريد التّلّ من التّراب.

ص: 821

و التّلّ من الرّمل:كومة منه.و كلاهما من التّلّ:الّذي هو إلقاء كلّ ذي جثّة،و الجمع:أتلال.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّلّ:الرّابية.

و التّليل:العنق،و الجمع:أتلّة،و تلل،و تلائل.

و المتلّ:الشّديد من النّاس،و الإبل و الأسود.

و رجل متلّ:منتصب في الصّلاة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بات بتلّة سوء:أي بحالة سوء.

و التّلتلة:التّحريك و الإقلاق.تلتل الرّجل:عنف بسوقه،و التّلتلة:الشّدّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّلّة و التّلتلة:من وصف الإبل.

و تلّه في يديه:دفعه إليه سلما.

و التّلاتل:الشّدائد.

و هو ضالّ تالّ،و قد ضللت و تللت ضلالة و تلالة.

و تلّى:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و تلتلة بهراء،كسرهم تاء تفعلون،يقولون:

تعلمون و تشهدون،و نحوه.(9:462)

التّل:ما ارتفع من الأرض عمّا حوله،و هو دون الجبل،و الكومة من الرّمل،و الرّابية المشرفة.الجمع:

تلال و تلول و أتلال.(الإفصاح 2:1024)

الرّاغب:أصل التّلّ:المكان المرتفع.و التّليل:

العتيق.

و تَلَّهُ لِلْجَبِينِ: أسقطه على التّلّ،كقولك:ترّبه:

أسقطه على التّراب،و قيل:أسقطه على تليله.(75)

الزّمخشريّ: تلّه للجبين.و تلّ الشّيء في يده:

وضعه فيها.و له تليل كجذع السّحوق،أي عنق.

و تلتله:أزعجه.و هو يتلتل الأقران.و لقوا منه التّلاتل.(أساس البلاغة:39)

ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه:«أتي بسكران فقال:تلتلوه و مزمزوه».

التّلتلة من قولهم:مرّ فلان يتلتل فلانا،إذا عنف بسوقه.و قيل:هي التّخييس و التّذليل.

و المزمزة:التّحريك،و هذا كقوله:بهز بالأيدي.

و قيل:معناه حرّكوه حتّى يوجد منه ريح ما ذا شرب...(الفائق 1:153)

أبو حيّان :تلّ الرّجل الرّجل:صرعه على شقّه.

و قيل:وضعه بقوّة.[ثمّ استشهد بشعر](7:368)

ابن منظور :و رجل تلاتل:قصير.(11:78)

الفيّوميّ: التّلّ:معروف،و الجمع:تلال،مثل سهم و سهام،و تلّه تلاّ من باب«قتل»:صرعه،و منه قيل للرّمح:متلّ،بكسر الميم.(1:76)

الفيروزآباديّ: تلّه،فهو متلول و تليل،صرعه، أو ألقاه على عنقه و خدّه.

و فلانا بتلّة سوء-بالكسر-رماه بأمر قبيح، و الشّيء في يده:دفعه إليه أو ألقاه.

و قوم تلّى كحتّى:صرعى.

و تلّ يتلّ و يتلّ:تصرّع و سقط و صبّ،و جبينه:

رشح بالعرق،و أرخى الحبل في البئر.

و المتلّ كمقصّ:ما تلّه به،و القويّ،و المنتصب من الرّماح،و الشّديد من النّاس و الإبل،و الرّجل المنتصب في الصّلاة.

و التّلّ من التّراب معروف.و الكومة من الرّمل،

ص: 822

و الرّابية؛جمعه:تلال،و الوسادة،جمعه:أتلال نادر.أو هي ضروب من الثّياب،و عمر بن محمّد بن التّلّ الكوفيّ -محدّث-.

و كأمير:العنق،جمعه:أتلّة و تلل و تلائل.

و التّلتلة:التّحريك و الإقلاق و الزّعزعة و الزّلزلة، و السّير الشّديد،و السّوق العنيف،و الشّدّة،و مشربة من قيقاء الطّلع،كالتّلّة.

و تلتلة بهراء:كسرهم تاء تفعلون.

و ضالّ تالّ،و الضّلالة و التّلالة،و الضّلال بن التّلال:

إتباع.

و تلّى كحتّى،و يكسر:موضع.و كربّى:الشّاة المذبوحة.

و ذهب يتالّ متالّة:يطلب لفرسه فحلا.

و التّلّة:الصّبّة و الضّجعة.و بالكسر:الضّجعة -بالكسر-و البلل،و الحالة،و الكسل.

و أتلّ المائع:أقطره.و التّلل محرّكة:البلل.و كصبور:

الّذي لا ينقاد إلاّ بطيئا.

و أتلّه:ارتبطه و اقتاده.و التّلاتل كعلابط:التّارّ الغليظ،و الثّور المتلول:المدمج الخلق.(3:351)

الطّريحيّ: التّلّ:الدّفع،و منه الحديث:«القاتل يتلّ برمّته إلى أولياء المقتول»أي يدفع برمّته إليهم.

و التّالّ:ما يقطع من الأمّهات،أو يقلع من الأرض فيغرس.(5:328)

مجمع اللّغة :تلّه يتلّه-من باب قتل-تلاّ:ألقاه على عنقه و خدّه.

و يقال:تلّه للجبين،كما يقال:كبّه لوجهه،أي ألقاه فوقع جبينه على الأرض.(1:159)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:91)

محمود شيت:التّلول:الّذي لا ينقاد إلاّ بطيئا.

يقال:فرس تلول،و حمار تلول،و جمل تلول،و بغل تلول.

المتلّ:المنتصب من الرّماح.و المنتصب من المدافع.(1:112)

المصطفويّ: [راجع النّصوص التّفسيريّة]

النّصوص التّفسيريّة

فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ. الصّافّات:103

ابن عبّاس: أكبّه على جبهته.(الطّبريّ 23:80)

إنّ إبراهيم لمّا أمر بالمناسك،عرض له الشّيطان عند المسعى فسابقه،فسبقه إبراهيم.ثمّ ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة،فعرض له الشّيطان،فرماه بسبع حصيات حتّى ذهب،ثمّ عرض له عند الجمرة الوسطى،فرماه بسبع حصيات حتّى ذهب.ثمّ تلّه للجبين،و على إسماعيل قميص أبيض،فقال له:يا أبت إنّه ليس لي ثوب تكفّنني فيه غير هذا،فاخلعه حتّى تكفّنني فيه،فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أعين أبيض،فذبحه.

(الطّبريّ 23:80)

أضجعه على جنبه على الأرض... (1)(البغويّ 4:37)

صرعه على جبينه.(الماورديّ 5:61)

ص: 823


1- و هناك خبر طويل عنه رضي اللّه عنه،و هكذا في التّفاسير في هذه القصّة أخبار ما كتبناها حذرا من الإطالة إن شئت فراجع التّفاسير.

وضع جبينه على الأرض لئلاّ يرى وجهه فتلحقه رقّة الآباء.(الطّبرسيّ 4:453)

مجاهد :وضع وجهه للأرض،قال:لا تذبحني و أنت تنظر إلى وجهي،عسى أن ترحمني،و لا تجهز عليّ، اربط يديّ إلى رقبتي،ثمّ ضع وجهي للأرض.

(الطّبريّ 23:80)

أكبّه لوجهه.(الماورديّ 5:61)

مثله المراغيّ.(23:73)

الحسن :معنى(و تلّه)أضجعه للجبين.

(الطوسيّ 8:517)

قتادة :أي و كبّه لفيه،و أخذ الشّفرة.

(الطّبريّ 23:80)

كبّه،و حوّل وجهه إلى القبلة.(القرطبيّ 15:104)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث]...و أضجعه بجبينه الأيسر و أخذ الشّفرة ليذبحه.(العروسيّ 4:422)

قطرب:وضع جبينه على تلّ.(الماورديّ 5:61)

أبو عبيدة :أي صرعه.و للوجه جبينان و الجبهة بينهما.[ثمّ استشهد بشعر](2:171)

ابن زيد :أخذ جبينه ليذبحه.(الطّبريّ 23:80)

الأخفش: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ كما تقول:أكبّه لوجهه،و أكببته لوجهه،لأنّه في المعنى شبه«أقصيته».

(2:669)

ابن قتيبة :أي صرعه على جبينه،فصار أحد جبينيه على الأرض.و هما جبينان،و الجبهة بينهما.

و هي:ما أصاب الأرض في السّجود.(غريب القرآن:373)

نحوه الطّبريّ(23:80)،و الطّوسيّ(8:517)، و الميبديّ 8:291).

الزّمخشريّ: صرعه على شقّه،فوقع أحد جنبيه على الأرض،تواضعا على مباشرة الأمر بصبر و جلد، ليرضيا الرّحمن و يخزيا الشّيطان.و روي أنّ ذلك كان عند الصّخرة الّتي بمنى.و عن الحسن:في الموضع المشرف على مسجد منى.و عن الضّحّاك:في المنحر الّذي ينحر فيه اليوم.(3:348)

نحوه البيضاويّ(2:297)،و أبو حيّان(7:370)، و أبو السّعود(5:335).

ابن عطيّة :وضعه بقوّة.[إلى أن قال:]

و التّلّ للجبين ليس يقتضي أنّ الوجه نحو الأرض، بل هي هيئة من ذبح للقبلة على جنبه.(4:481)

الفخر الرّازيّ: أي صرعه على شقّه،فوقع أحد جبينيه على الأرض.و للوجه جبينان،و الجبهة بينهما.

فالمعنى أنّه صرعه على جبينه.

و قال مقاتل: كبّه على جبهته،و هذا خطأ،لأنّ الجبين غير الجبهة.(26:157)

نحوه الشّربينيّ(3:386)،و الكاشانيّ(4:275)، و القاسميّ(14:5050).

النيسابوريّ: أي صرعه.و قيل:كبّه لوجهه، لأنّ الولد قال له:اذبحني و أنا ساجد.(23:64)

نحوه شبّر.(5:261)

ابن كثير :أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، و لا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه.(6:25)

الآلوسيّ: صرعه على شقّه فوقع جبينه على الأرض.[إلى أن قال:]

ص: 824

و قيل:المراد كبّه على وجهه،و كان ذلك بإشارة منه.

أخرج غير واحد عن مجاهد أنّه قال لأبيه:

لا تذبحني و أنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني، فلا تجهز عليّ،اربط يديّ إلى رقبتي،ثمّ ضع وجهي للأرض،ففعل فكان ما كان.و لا يخفى أنّ إرادة ذلك من الآية بعيد،نعم لا يبعد أن يكون الذّبيح قال هذا.[إلى أن قال في تعيين الموضع]

و قيل:كان ببيت المقدس،و حكي ذلك عن كعب، و حكى الإمام-مع هذا القول-أنّه كان بالشّام.

(23:130)

عزّة دروزة :سحبه و طرحه على الأرض،و جعل جبينه نحوها تهيّؤا لذبحه.(4:257)

عبد الكريم الخطيب :أي طرحه على التّلّ.

و التّلّ:المكان المرتفع،كهضبة أو نحوها،و الجبين:

الجبهة.(12:1006)

المصطفويّ: و لا يخفى أنّ الإسقاط و الإلقاء و الصّرع و الكبّ و الصبّ و التّلّ،كلّ منها قريب مفهوما من الآخر.و يعتبر في الإسقاط:الإلقاء من العلوّ و التّخلية.و الإلقاء أعمّ من أن يكون من محلّ عال أو مساو في المادّيّات أو في المعنويّات.

و يعتبر في الصّبّ:الانحدار بالتّدريج في المائع و ما يشبهه.و يعتبر في الكبّ:الصّرع على الوجه،فكبّ الإناء:القلب على الرّأس.و أمّا«الصّرع»فهو أعمّ من أن يكون على الوجه أو على القفا.

و أمّا«التّلّ»فهو الصّرع الضّعيف النّاقص،و لا يلزم أن يكون المتلول مصروعا بتمام بدنه و أعضائه،ففي مفهومه شيء من الارتفاع و الانتصاب،و هذا المعنى هو الموجب لانتخاب هذه الكلمة.

و بهذا يظهر ما في تعبير وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ من اللّطف و الدّقّة.

و أمّا عدم التّعبير بحرف«على»فللإشارة إلى أنّ «التّلّ»بمنظور تلّ الجبين،لحصول امتثال الأمر بهذه المقدّمة و بهذا المقدار،و ليس الصّرع الكلّيّ مطلوبا حتّى يعبّر بجملة:و تلّه على الجبين.(1:372)

مكارم الشّيرازيّ: القرآن الكريم يوضّح هذا الأمر في جملة قصيرة،و لكنّها مليئة بالمعاني،قوله تعالى: فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ. [أي استسلامهما للأمر الإلهيّ]

مرّة أخرى تطرّق القرآن هنا باختصار،كي يسمح لتاليه متابعة هذه القصّة بانشداد كبير.

قال البعض:إنّ المراد من عبارة وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ هو أنّه وضع جبين ولده-طبقا لاقتراحه-على الأرض،حتّى لا تقع عيناه على وجه ابنه فتتهيّج عنده عاطفة الأبوّة،و تمنعه من تنفيذ الأمر الإلهيّ.

على أيّة حال كبّ إبراهيم عليه السّلام ابنه على جبينه، و مرّر السّكّين بسرعة و قوّة على رقبة ابنه،و روحه تعيش حالة الهيجان،و حبّ اللّه كان الشّيء الوحيد الّذي يدفعه إلى تنفيذ الأمر،و من دون أيّ تردّد.

إلاّ أنّ السّكّين الحادّة لم تترك أدنى أثر على رقبة إسماعيل اللّطيفة.

و هنا غرق إبراهيم في حيرته،و مرّر السّكّين مرّة

ص: 825

أخرى على رقبة ولده،و لكنّها لم تؤثّر بشيء كالمرّة السّابقة.

نعم،فإبراهيم الخليل يقول للسّكّين:اذبحي،لكنّ اللّه الجليل يعطي أوامره للسّكّين أن لا تذبحي،و السّكّين لا تستجيب سوى لأوامر البارئ عزّ و جلّ.

و هنا ينهي القرآن كلّ حالات الانتظار،و بعبارة قصيرة مليئة بالمعاني العميقة وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ الصّافّات:104.(14:333)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّلّ،و هو الرّابية، و الجمع:تلال و أتلال،يقال:تلّه يتلّه تلاّ،أي ألقاه على عنقه و خدّه،فهو متلول و تليل.و كأنّ الأصل فيه:

الإلقاء على التّلّ خاصّة،ثمّ توسّع فيه،فأطلق على كلّ إلقاء على الوجه تلاّ و إن لم يكن على التّلّ،كما عمّم في إبراك الإبل أيضا،ففي الحديث:«فجاء بناقة كوماء فتلّها»،أي أناخها و أبركها.

و نظير التّلّ:البطح،يقال:بطحه،أي ألقاه على وجهه،و هو إلقاء على الأبطح لا محالة،كما يقال:سدحه و كبّه و نكته،أي ألقاه على وجهه أو رأسه.

و المتلّ:ما يتلّ به،أي ما يصرع به،يقال:رمح متلّ، و هو القويّ الغليظ،و الشّديد من النّاس و الإبل.

و التّليل:العنق،و الجمع:أتلّة و تلل و تلائل،و هو «فعيل»بمعنى«مفعول»،من قولهم:تلّه،أي ألقاه على عنقه و خدّه.

و التّلّ:و التلّة:السّقوط و الصّبّ،يقال:تلّ فلان يتلّ و يتلّ،أي تصرّع و سقط،و تللته في يديه:دفعته إليه سلما،و تلّوه في قبره:أوردوه،و في الحديث:«أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلّت في يدي»،أي صبّت في يدي.و التّلّ:صبّ الحبل في البئر عند الاستسقاء.

و التلّة:الحالة،يقال:بات بتلّة سوء،أي بحالة سوء،و ثلطه بتلّة سوء:رماه بأمر قبيح.

2-أما قولهم:إنّ جبينه ليتلّ أشدّ التّلّ:يرشح بالعرق،فهو من«الطّلّ»،أي النّدى و البلل،يقال:مطرنا بوابل طلّ،أي مطرنا بمطر خفيف قليل الأثر على الأرض.

و قولهم:قوم تلّى:صرعى،من«ت ل و»،يقال:

تلّى الرّجل،أي قضى نحبه،فبينهما اشتقاق كبير،كما هو بين«ت ل ل»و«ت ل ت ل»؛إذ التّلتلة:مشربة تتّخذ من قيقاءة الطّلع،قال الأزهريّ:لأنّه يصبّ ما فيها في الحلق.

3-جاء«التّلّ»في العبريّة و السّريانيّة بمعنى التّعليق،و هو يضارع صبّ الحبل في البئر عند الاستسقاء في العربيّة،و كأنّه تعليق أيضا،و فعله في العبريّة«تالاه»،و في السّريانيّة«تلا»و«تلاّ».

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظ واحد،مرّة واحدة:

فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103

يلاحظ أوّلا:أنّهم فسّروا«تلّة»بألفاظ،نظير:

أضجعه و كبّه و صرعه و ألقاه و أسقطه و نحوها،و كأنّها مترادفات له.و قد فرّق بينهما المصطفويّ بأنّ الإسقاط:

ص: 826

الإلقاء من العلوّ،و الإلقاء أعمّ منه و من السّفل، و الصّبّ:انحدار السّائل تدريجا،و الكبّ:الدّفع على القفا،و الصّبّ أعمّ منه و من الوجه،و التّلّ:الاضطجاع الخفيف للبدن.

و قد اختير هنا دون سواه،لأنّه يلائم عطف الوالد على ولده،فلم يسقطه على الأرض بدفعه و صرعه و كبّه.كما أنّه يلائم لفظ(للجبين)دون«على الجبين»، لأنّه يفيد الاستعلاء الّذي يلائم الكبّ،و لهذا ذكر الجبين بدل الجبهة،لأنّها ما بين الجبينين،و تناسب الكبّ دون التّلّ،أي أضجعه بتؤدة،و وضع جبينه على الأرض برفق.

ثانيا:جاء«التّلّ»بما له من معنى العطف مرّة واحدة في قصّة فريدة من نوعها في القرآن،و هي حكاية ذبح إبراهيم ولده الفريد امتثالا لأمر اللّه،و كان ابتلاء صعبا لهما.و عند ما تلاحظ القصّة بتمامها ترى فيها بوضوح أمثل معاني العطف و التّسليم و الصّبر و الفداء و الطّاعة و الإحسان،و كذلك صدق الفداء و التّضحية و الإخلاص للّه.

ثالثا:لم يذكر جواب فَلَمّا أَسْلَما، بل عطف عليه ما بعده: فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:103،105.

قيل:الجواب(ناديناه)،و الواو زائدة.و الصّواب أنّها ليست زائدة،بل هي رمز إلى أنّ الجواب واضح؛إذ كان نداء اللّه بصدق إبراهيم،كأنّه أثر طبيعيّ لتسليمهما، فهذا من قبيل: وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها... الزّمر:73،لاحظ «الأبواب»من«ب و ب».

رابعا:جاءت هذه القصّة مرّة واحدة في سورة الصّافّات المكّيّة،و لم تتكرّر في القرآن،كما تكرّرت قصص أخرى في شأن الأنبياء و في شأن إبراهيم بالذّات، و لعلّها رمز إلى ذروة إخلاص هذا النّبيّ و ابنه إسماعيل فليس لها نظير،فجاءت مرّة واحدة في سورة مكّيّة- و قد حدثت في هذا البلد و عند البيت العتيق-لتكون معلما وحيدا للإخلاص و الفداء.

ص: 827

ص: 828

ت ل و

اشارة

20 لفظا،63 مرّة:32 مكّيّة،31 مدنيّة

في 33 سورة:22 مكّيّة،11 مدنيّة

تلاها 1:1 اتل 1:-1

تلوته 1:1 نتلو 1:1

تليت 1:-1 نتلوه 1:-1

يتلو 7:1-6 نتلوها 3:1-2

يتلوه 1:-1 يتلى 7:2-2

يتلون 5:2-3 تتلى 16:13-3

يتلونه 1:-1 اتل 6:5-1

تتلوه 5:3-2 اتلوها 1:-1

تتلون 1:-1 التّاليات 1:-1

اتلو 2:1-1 تلاوته 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :تلا فلان القرآن يتلو تلاوة.و تلا الشّيء:تبعه تلوّا.

و الأمّهات هنّ المتالي،تلاهنّ أولادهنّ،الواحد:

متل.

و التّلو:ولد الحمار،و كلّ شيء تلا يتلو شيئا فهو تلوه.

و التّليّة:الحاجة.و أتليت فلانا على فلان،أي أحلته.(8:134)

الكسائيّ: هي[البقيّة]التّلاوة أيضا،و قد تتلّيت حقّي عنده،أي تركت منه بقيّة،و تتلّيت حقّي تتبّعته حتّى يستوفيه.(الأزهريّ 14:317)

ابن شميّل: التّلوة:من أولاد المعزى و الضّأن الّتي قد استكرشت و شدنت،و الذّكر:تلو.

(الأزهريّ 14:318)

أبو عمرو الشّيبانيّ: التّلاء:الذّمّة و قد أتليته، أي أعطيته الذّمّة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:318)

أبو زيد :التّلاوة:بقيّة الشّيء،و قد تلّى الرّجل،

ص: 829

إذا كان بآخر رمق.(الأزهريّ 14:317)

تلا عنّي تلوا،إذا تركك و تخلّف عنك،ض و كذلك خذل يخذل خذولا.(الأزهريّ 14:318)

الأصمعيّ: هي[البقيّة]التّليّة أيضا،و قد تليت لي عنده تليّة،بقيّة.و أتليتها أنا عنده:أبقيتها.

تلا:تأخّر،يقال:ما زلت أتلوه حتّى أتليته،أي أخّرته.(الأزهريّ 14:317)

التّلاء:الحوالة،و قد أتليت فلانا على فلان،أي أحلته عليه.(الأزهريّ 14:318)

و المتلية:أن ينتج صدر من العشار فتتأخّر هي.

(الكنز اللّغويّ: 79)

فإذا نتج أوّلهنّ[الآبال]و بقي آخرهنّ،فالبواقي متال.و إن لم ينتجن كلّهنّ و ما بقي لحقه،فدخل في المتالي،و الواحدة:متلية.(الكنز اللّغويّ:141)

و ناقة متلية،و هي الّتي بقي معها إبل تنتج و قد نتج أوّل العشار،و إن لم تكن نتجت هي.

(الكنز اللّغويّ: 146)

أبو عبيدة :يقال:تلوته،إذا خذلته و تركته.

(الجوهريّ 6:2290)

ابن الأعرابيّ: تلا:اتّبع،و تلا،تإذا تخلّف.و تلا، إذا اشترى تلوا،و هو ولد البغل.

و تتلّى:بقّى بقيّة من دينه،و تتلّى،إذا جمع مالا كثيرا.(الأزهريّ 14:317)

استتليت عليه فلانا،أي انتظرته،و استتليته:

جعلته يتلوني.(الأزهريّ 14:319)

العرب يسمّى المراسل في البناء و العمل:المتالي.

و التّليّ:الكثير الأيمان،و التّلّي:الكثير المال.

(الأزهريّ 14:320)

رجل تلوّ على مثال عدوّ،لا يزال متّبعا.

(ابن سيدة 9:534)

تلّى:قضى نحبه أي نذره.(ابن سيدة 9:537)

الباهليّ: المتالى:الإبل الّتي نتج بعضها و لم ينتج بعض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:316)

ابن السّكّيت :و التّلاوة:بقيّة الحاجة،يقال:

بقيت لي حاجة فأنا أتتلاّها،أي أتتبّعها.(567)

و يقال:تلوت القرآن فأنا أتلوه تلاوة.و تلوت الرّجل فأنا أتلوه تلوّا،إذا اتّبعته،و يروى إذا تبعته.

و يقال:ما زلت اتلوه حتّى أتليته،أي حتّى تقدّمته، و صار خلفي.

و يقال:تليت لي من حقّي تلاوة و تليّة أتتلاّها،أي ببقيت.(إصلاح المنطق:202)

و تلا،إذا تأخّر،و التّوالي:ما تأخّر.

(الأزهريّ 14:317)

شمر:يقال:تلّى فلان صلاته المكتوبة بالتّطوّع، أي أتبعها.و يكون تلى و تلّى،بمعنى تبع.

(الأزهريّ 14:318)

المبرّد: التّوالي:اللّواحق،يقال:تلاه يتلوه،إذا تبعه.و تلوت القرآن،أي أتبعت بعضه بعضا،و المتلية:

الّتي معها أولادها.(1:359)

الزّجّاج :و معنى«يتلون»في اللّغة:يتبعون بعض الشّيء بعضا،و قد استتلاك الشّيء،إذا جعلك تتبعه.

[ثمّ استشهد بشعر](1:459)

ص: 830

ابن دريد:تلوت الشّيء أتلوه تلوا،إذا اتّبعته.

و تلوت القرآن،إذا قرأته كأنّك اتّبعت آية في إثر آية، و المصدر:التّلاوة.

و التّلو:الجحش الّذي يتلو أمّه.(2:29)

ابن الأنباريّ: و التّلاء:الحوالة،يقال:أتليت فلانا على فلان،إذا أحلته عليه،و الاسم:التّلاء.

(84)

التّلاء:الضّمان،يقال:أتليت فلانا،إذا أعطيته شيئا يأمن به،مثل سهم أو نقل (1).(الأزهريّ 14:318)

الأزهريّ: العرب تقول:ليس هوادي الخيل كالتّوالي.فهواديها:أعناقها،و تواليها:مآخرها؛رجلاها و ذنبها.و توالي الإبل:مآخرها،و توالي كلّ شيء:

آخره،و تاليات النّجوم:أواخرها.

و في الحديث: «إنّ المنافق إذا وضع في قبره سئل عن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و ما جاء به،فيقول:لا أدري،فيقال له:

لا دريت و لا تليت و لا اهتديت».

و أخبرني المنذريّ عن أبي طالب في تفسيره:قال بعضهم:معنى«و لا تليت»:و لا تلوت،أي لا قرأت و لا درست،من تلا يتلوه فقال:«تليت»بالتّاء ليعاقب بها الياء في«دريت».كما قالوا:إنّي لآتيه بالغدايا و العشايا،و تجمع الغداة:غدوات،و قيل:غدايا من أجل العشايا،ليزدوج الكلام.

قال:و كان يونس يقول:إنّما هو:و لا أتليت،في كلام العرب،معناه ألاّ يتلى إبله،أي لا يكون كلها أولاد تتلوها.

و قال غيره:إنّما هو لا دريت و لا اتّليت،على «افتعلت»من ألوت،أي أطقت و استطعت،كأنّه قال:

لا دريت و لا استطعت.(14:317-319)

الفارسيّ: و تلوّى:ضرب من السّفن،«فعوّل» من التّلوّ،لأنّه يتبع السّفينة العظمى.

(ابن سيدة 9:537)

الصّاحب: تلا يتلو تلاوة،أي قرأ،و المتلّي:المردّد للتّلاوة.

و تلاه:أي رواه.

و ناقة متلية:تنتج في آخر النّتاج.

و أتلى القوم فهم متلون:صارت لهم إبل متال.

و يقولون:«لا دريت و لا أتليت»،أي لا استطعت.

و التّلى:الأعجاز،واحدها:تلوة.

و هذه تليّة ما تقدّم،أي تالية.

و التّلاء:الذّمّة و الجوار،و هو أن يكتب على سهم:

فلان جارى،يقال:أتله سهما.و استتليته فأتلاني.

و تلوت القوم:طردتهم و سقتهم.و تلوته:صرعته.

و تلا سهاما:أمرّها على يده.

و تلي من الشّهر كذا،أي بقي،يتلى تلى.

و تتلّيت حقّي،أي تتبّعته.

و اتّليت حقّي،تأي اقتضيت.

و ذهبت تليّة الشّباب،أي بقيّته.

و التّتلية:قضاء بعض الصّلاة،و الرّجل متلّ.

و هو أنكد من تالي النّجم:يعنون الدّبران.

و التّلوة:النّمرة.

و التّليّ: القدح الصّغير،و العسّ الضّخم.ل.

ص: 831


1- النقل:النّعل.

و التّليّان:ماءان لبني الأضبط،واحدهما:تليّ،و هما من الآبار الّتي يستقى منها بالدّلاء و الأرشية.

و ما زلت أتلو زيدا حتّى أتليته،أي سبقته،فجعلته خلفي يتلوني.(9:460)

الخطّابيّ: في حديث ابن عبّاس:«عندنا الفطيمة و التّولة و الجذعة...».

و التّولة،و هو غلط،و إنّما هو التّلوة.يقال للجحدي إذا ارتفع و فطم و تبع أمّه:تلو،و الأنثى:تلوة.و يقال للأمّهات إذا تلاها أولادهما:المتالي،و صاحبها:متل، و قد أتلى ماله.و منه الحديث في سؤال صاحب القبر:

«لا دريت و لا أتليت».(2:478)

ابن جنّيّ: المتلية:الّتي أثقلت فانقلب رأس جنينها إلى ناحية الذّنب و الحياء.(ابن سيدة 9:535)

الجوهريّ: تلو الشّيء:الّذي يتلوه.

و تلو النّاقة:ولدها الّذي يتلوها.

و التّلوة من الغنم:الّتي تنتج قبل الصّفريّة.

و التّلاء:الذّمّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّليّة:بقيّة الدّين،و كذلك التّلاوة بالضّمّ.

و تلوت القرآن تلاوة،و تلوت الرّجل أتلوه تلوّا، إذا تبعته.يقال:ما زلت أتلوه حتّى أتليته،أي حتّى تقدّمته و صار خلفي.

و المتالي:الّذي يراسل المغنيّ بصوت رفيع.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتلت النّاقة،إذا تلاها ولدها،و منه قولهم:

«لا دريت و لا أتليت».

و أتليت حقّي عنده،أي أبقيت منه بقيّة.

و أتلاه اللّه أطفالا،أي أتبعه أولادا.

و أتليته،أي سبقته.و أتليته،أي أحلته من الحوالة.

و أتليته ذمّة،أي أعطيته إيّاها.

و تتلّيت حقّي،إذا تتبّعته حتّى استوفيته.

و جاءت الخيل تتاليا،أي متتابعة.(6:2289)

ابن فارس :التّاء و اللاّم و الواو أصل واحد،و هو الاتّباع.يقال:تلوته،إذا تبعته.و منه تلاوة القرآن، لأنّه مصاحبه و معه،فإذا انقطع عنه و تركه فقد صار خلفه بمنزلة التّالي.

و من الباب:التّليّة و التّلاوة و هي البقيّة،لأنّها تتلو ما تقدّم منها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّا يصحّ في هذا ما حكاه الأصمعيّ: بقيت لي حاجة فأنا أتتلاّها.

و التّلاء:الذّمّة،لأنّها تتّبع و تطلب،يقال:أتليته ذمّة.

و المتالي الّذي صاحبه الغناء،سمّيا بذلك لأنّ كلّ واحد منهما يتلو صاحبه.[ثمّ استشهد بشعر](1:351)

أبو هلال :الفرق بين القراءة و التّلاوة:أنّ التّلاوة لا تكون إلاّ لكلمتين فصاعدا،و القراءة تكون للكلمة الواحدة،يقال:قرأ فلان اسمه و لا يقال:تلا اسمه؛و ذلك أنّ أصل التّلاوة:اتباع الشّيء الشّيء،يقال:تلاه،إذا تبعه.فتكون«التّلاوة»في الكلمات يتبع بعضها بعضا، و لا تكون في الكلمة الواحدة؛إذ لا يصحّ فيه التّلو.

(48)

الفرق بين التّابع و التّالي:أنّ التّالي-فيما قال علي بن عيسى-ثان،و إن لم يكن يتدبّر بتدبّر الأوّل.و التّابع إنّما

ص: 832

هو المتدبّر بتدبّر الأوّل،و قد يكون«التّابع»قبل المتبوع في المكان،كتقدّم المدلول و تأخّر الدّليل،و هو مع ذلك يأمر بالعدول تارة إلى الشّمال و تارة إلى اليمين كذا قال.(255)

ابن سيده :تلوته،و تلوت عنه،تلوّا،كلاهما:

خذلته و تركته.

و تلوته تلوّا:تبعته.

و تتالت الأمور:تلا بعضها بعضا.

و أتليته إيّاه:أتبعته.

و استتلاك الشّيء:دعاك إلى تلوّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا تلو هذا،أي تبعه.

و وقع كذا تليّة كذا،أي عقبه.

و ناقة متل،و متلية:يتلوها ولدها،أي يتبعها.

و المتلية:المتلي:الّتي تنتج في آخر النّتاج؛لأنّها تبع للمبكّرة.

و قيل:المتلية:المؤخّرة الإنتاج،و هو من ذلك.

و المتلي:الّتي يتلوها ولدها،و قد يستعار الإتلاء في الوحش.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّلو:ولد الشّاة حين يفطم من أمّه و يتلوها، و الجمع:أتلاء،و الأنثى:تلوة.و قيل:إذا خرجت العناق من حدّ الإجفار فهي تلوة،حتّى تتمّ لها سنة فتجذع؛ و ذلك لأنّها تتبع أمّها.

و التّلو:ولد الشّاة حين يفطم من أمّه و يتلوها، و الجمع:أتلاء،و الأنثى:تلوة.و قيل:إذا خرجت العناق من حدّ الإجفار فهي تلوة،حتّى تتمّ لها سنة فتجذع؛ و ذلك لأنّها تتبع أمّها.

و التّلو:ولد الحمار،لاتّباعه أمّه.

و تلّى الرّجل صلاته:أتبع المكتوبة التّطوّع.

و التّوالي:الأعجاز لإتباعها الصّدور.و توالي الخيل:

مآخيرها من ذلك،و قيل:توالي الفرس:ذنبه و رجلاه، يقال:إنّه لحثيث التّوالي،و سريع التّوالي،و كلّه من ذلك.

و توالي الظّعن:أواخرها،و توالي الإبل كذلك.

و توالي النّجوم:أواخرها.

و تتلّى الشّيء:تتبّعه.

و التّلاوة:و التّليّة:بقيّة الشّيء عامّة،كأنّه تتبّع حتّى لم يبق إلاّ أقلّه،و خصّ بعضهم به بقيّة الدّين و الحاجة.

و تليت عليه تلاوة،و تلى مقصور:بقيت.

و أتليتها عنده:أبقيتها.

و تلي من الشّهر كذا تلى:بقي.

و تلّى الرّجل،إذا كان بآخر رمق.

و تلوت القرآن تلاوة:قرأته،و عمّ به بعضهم كلّ كلام.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّلاء:الذّمّة،و أتليته:أعطيته التّلاء،و التّلاء:

الجوار.

و التّلاء:السّهم يكتب عليه المتلي اسمه و يعطيه الرّجل،فإذا صار إلى قبيلة أراهم ذلك السّهم،و جاز فلم يؤذ.

و أتليته سهما:أعطيته إيّاه ليستجير به.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 833

و إنّه لتلوّ المقدار،أي رفيعه.(9:535)

الطّوسيّ: التّلاوة:ذكر الكلمة بعد الكلمة،على نظام متّسق في الرّتبة.(2:30)

نحوه الطّبرسيّ.(1:233)

التّلاوة:جعل الثّاني يلي الأوّل بعده بلا فصل؛ و التّلاوة و القراءة واحد.(6:252)

التّلاوة:الإتيان بالثّاني بعد الأوّل في القراءة بما يتلوه تلاوة،فهو تال لمقدّم،و المقدّم و التّالي مثل الأوّل و الثّاني.(8:128)

التّلاوة:الإتيان بالثّاني في إثر الأوّل في القراءة، فتلاوة الحروف بعضها بعضا يكون في الكتابة و القراءة.

و فلان يتلو فلانا،أي يأتي بعده،و فلان يتلو القرآن،أي يقرؤه.(9:249)

الرّاغب: تلاه:تبعه متابعة ليس بينهم ما ليس منها،و ذلك يكون تارة بالجسم و تارة بالاقتداء في الحكم،و مصدره تلوّ و تلو.و تارة بالقراءة أو تدبّر المعنى،و مصدره تلاوة.[إلى أن قال:]

و التّلاوة تختصّ باتّباع كتب اللّه المنزلة تارة بالقراءة و تارة بالارتسام،لما فيها من أمر و نهي و ترغيب و ترهيب،أو ما يتوهّم فيه ذلك.و هو أخصّ من القراءة.

فكلّ تلاوة قراءة و ليس كلّ قراءة تلاوة.و لا يقال:

تتلوت رقعتك،و إنّما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتّباعه.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و التّلاوة و التّلبية:بقيّة ممّا يتلى،أي يتتبّع.و أتليته، أي أبقيت منه تلاوة،أي تركته قادرا على أن يتلوه.

و أتليت فلانا على فلان بحقّ،أي أحلته عليه، و يقال:فلان يتلو على فلان.و يقول عليه،أي يكذب عليه،قال: وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ آل عمران:75.

و يقال:لا أدري و لا أتلي،و لا دريت و لا تليت.

و أصله:و لا تلوت،فقيل للمزاوجة كما قيل:«مأزورات غير مأجورات»و إنّما هو موزورات.(75)

الزّمخشريّ: ما زلت أتلوه حتّى أتليته،أي سبقته و جعلته يتلوني.

و ناقة متلية:يتلوها ولدها،و نوق متليات،و متال.

و غربت توالي النّجوم.و تقول:توالت عليّ الأوالي، و للتّوالي عليّ توالي.

و هو تلو فلان،أي تاليه.

و فلان يصلّي و يتلّي،إذا أتبع المكتوبة النّافلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تلوت القرآن،و القرآن خير متلوّ.و هذه تلاوة، ما عليها طلاوة (1).و تلا زيد،و عمرو يتاليه،أي يراسله،و هو رسيله و متاليه.

و من المجاز:ذهبت تليّة الشّباب،أي بقيّته،لأنّها آخره الّذي يتلو ما تقدّم منه.و عليك تليّة من الدّين.

[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان بقيّة الكرام،و تليّة الأحرار.

و أتلي فلان على فلان:أتبع عليه،أي أحيل.

و التّلاء:الحوالة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتليت فلانا سهما،إذا أعطيته سهم الجوار،و معناه جعلته تلوه و صاحبه.و استتلى فلان:طلب سهم الجوار.ة.

ص: 834


1- مثلّثة.

و من الكناية:تلوت الإبل:طردتها،لأنّ الطّارد يتبع المطرود.

و يقال للحادي:التّالي،كما يقال له:القالي.

(أساس البلاغة:39)

[و في حديث عذاب القبر:]«لا دريت و لا تليت»، أي و لا اتّبعت النّاس بأن تقول شيئا يقولونه.

و يجوز أن يكون من قولهم:تلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمل عمل الجهّال،أي لا علمت و لا جهلت،يعني هلكت فخرجت من القبيلتين.

و قيل:لا قرأت،و قلب الواو ياء للازدواج،و قيل:

الصّواب:أتليت.يدعو عليه بألاّ يتلى إبله؛و إتلاؤها:

أن يكون لها أولاد تتلوها.

و قيل:هو ائتليت«افتعلت»من لا آلو كذا،إذا لم تستطعه.(الفائق 1:152)

الطّبرسيّ: التّلاوة ذكر الكلمة بعد الكلمة من غير فاصلة،لأنّ التّالي للشّيء يليه من غير فصل بغيره.

و أصل التّلو:إيقاع الشّيء بعد الشّيء الّذي يليه.

(1:358)

التّلاوة مثل القراءة،و المتلوّ مثل المقروء،و التّلاوة غير المتلوّ،كما أنّ الحكاية غير المحكيّ.فالمتلوّ و المحكيّ هو الكلام الأوّل،و التّلاوة و الحكاية هي الثّاني منه، على طريق الإعادة.(2:382)

ابن الأثير :في حديث عذاب القبر:«فيقال له:

لا دريت و لا تليت»هكذا يرويه المحدّثون،و الصّواب:

«و لا ائتليت».و قيل:معناه لا قرأت،أي لا تلوت، فقلبوا الواو ياء ليزدوج الكلام مع«دريت».

و في حديث أبي حدرد:«ما أصبحت أتليها و لا أقدر عليها».

يقال:أتليت حقّي عنده،أبقيت بقيّة،و أتليته:

أحلته.و تليت له تليّة من حقّه و تلاوة،أي بقيت له بقيّة.(1:195)

الفيّوميّ: تلوت الرّجل أتلوه تلوّا على«فعول»:

تبعته،فأنا له تال و تلو أيضا،و زان حمل.و تلوت القرآن تلاوة.(1:76)

الفيروزآباديّ: تلوته كدعوته و رميته،تلوّا كسموّ:تبعته،كتلّيته تتلية،و تركته ضدّ،و خذلته، كتلوت عنه في الكلّ.و القرآن أو كلّ كلام تلاوة ككتابة:

قرأته.

و تتالت الأمور:تلا بعض بعضا،و أتليته إيّاه:

أتبعته،و استتلاه الشّيء:دعاه إلى تلوّه.و رجل تلوّ كعدوّ:لا يزال متّبعا.

و التّلو بالكسر:ما يتلو الشّيء،و الرّفيع،و ولد النّاقة يفطم فيتلوها؛جمعه:أتلاء،و ولد الحمار،و بالهاء للأنثى،و العناق خرجت من حدّ الإجفار،و الغنم تنتج قبل الصّفريّة. (1)

و تلّى صلاته تتلية:أتبع المكتوبة تطوّعا،و قضى نذره،و صار بآخر رمق من عمره.

و أتليته:أحلته حوالة،و ذمّة:أعطيته إيّاها،و حقّي عنده:أبقيت منه بقيّة،و سهما أعطيته ليستجير به.

و أتلت النّاقة:تلاها ولدها.و تلا:اشترى تلوا لولد البغل.ف.

ص: 835


1- مطر الخريف.

و التّليّ كغنيّ: الكثير الأيمان،و الكثير المال.و بهاء بقيّة الدّين و غيره،كالتّلاوة.

و أتلاه:أعطاه التّلاء-كسحاب-للذّمّة و الجوار، و لسهم عليه اسم المتلي.

و تلي من الشّهر كذا كرضي:بقي.

و تتلاّه:تتبّعه.

و التّوالي:الأعجاز،و من الخيل:مآخيرها،أو الذّنب،و الرّجلان.و من الظّعن:أواخرها.

و تلوّى كفعوّل:ضرب من السّفن صغير.

و التّلّيان،بالضّمّ و فتح اللاّم المشدّدة:ماء.

و إبلهم متال،أي لم تنتج صافت.(4:308)

الطّريحيّ: و التّالي في قولهم:[أئمّة عليهم السّلام]:

«و يلحق بنا التّالي»هو المرتادّ الّذي يريد الخير ليؤجر عليه.

و تلوت الرّجل أتلوه تلوّا،على«فعول»:تبعته،فأنا تال،و تلو أيضا،وزان حمل.(1:71)

البروسويّ: التّلاوة:القراءة على سبيل التّوالي.

(6:473)

الفرق بين التّلاوة و القراءة:أنّ التّلاوة قراءة القرآن متتابعة،كالدّراسة و الأوراد المنظّمة،و القراءة أعمّ، لأنّها جمع الحروف باللّفظ لا اتباعها.(9:514)

محمود شيت:تلا الأوامر:قرأها،و الرّسالة:

قرأها.يقال:ساعة تلاوة الأوامر اليوميّة:السّاعة الّتي يجتمع فيها المراتب لسماع الأوامر اليوميّة.(1:113)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الوقوع بعد الشّيء،بأن يجعله أمامه و يكون هو خلفه.و هذا المعنى ناظر إلى جهة الظّاهر،و هو غير مفهوم الاتّباع المعتبر فيه جهة المعنى و الحكم.

و بهذا يظهر حقيقة معنى«التّلاوة»فإنّ التّالي يجعل القرآن أو الآيات أو كلمات اللّه المتعال أو ما أوحي منه، أمامه في مقام الإظهار و الإعلان،أو في مقام الإبلاغ،أو في مقام التّكريم و التّشريف و التّعظيم،أو في مقام الاتّباع و الإطاعة،أو غيرها.

فالنّظر في هذه المادّة إلى هذه الجهة،سواء كانت بطريق القراءة أو بطريق الاتّباع أو بطريق آخر.

و على هذا لا يطلق«التّلوّ»في قراءة الكتب المتداولة و أمثالها،إلاّ إذا أريد تشريفا خاصّا و تعظيما له.

و أمّا التّلاوة نظرا إلى اتّباع آية بعد آية،فليس بوجيه،فإنّه بمعنى الإتلاء متعدّيا لا التّلاوة،و التّلاوة من صفة التّالي القارئ.

و أمّا معنى:التّرك و الإعراض،فمن لوازم ذلك المفهوم،فإنّ التّبعيّة لشيء يلازم الإعراض عن الآخر.

[ثمّ فسّر بعض الآيات إلى أن قال:]

و أمّا القراءة الصّرفة فليست تدلّ على أزيد من النّطق و التّلفّظ و التّوجّه إلى المعنى،كما في آية الحاقّة:

19،و المزمّل:20،و الأعراف:204،و الإسراء:

14 و 71.

فظهر الخصوصيّات المنظورة في التّعبير بالقراءة أو بالتّلاوة في مواردها.[ثمّ ذكر آيات فراجع](1:374)

ص: 836

النّصوص التّفسيريّة

تليها

وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها. الشّمس:2

ابن عبّاس:يتلو النّهار.(الطّبريّ 30:208)

إذا تبعها.(الماورديّ 6:281)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 30:208)،و ابن قتيبة (529)،و البغويّ(5:258)،و الخازن(7:290).

مجاهد :إذا ساواها.(الماورديّ 6:281)

الحسن :يعني ليلة الهلال.(الطّوسيّ 10:357)

نحوه قتادة(الطّبريّ 30:208)،و الكلبيّ (الفخر الرّازيّ 31:190).

تبعها دأبا في كلّ وقت؛لأنّه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك.

نحوه الفرّاء.(أبو حيّان 8:478)

قتادة :يتلوها صبيحة الهلال،فإذا سقطت الشّمس رؤي الهلال.(الطّبريّ 30:208)

زيد بن أسلم: إذا تلاها ليلة القدر.

(ابن كثير 7:299)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث]ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و نفثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالعلم نفثا.[و هذا تأويل](العروسيّ 5:585)

ابن زيد : وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها هذا قسم،و القمر يتلو الشّمس نصف الشّهر الأوّل،و تتلوه النّصف الآخر.

فأمّا النّصف الأوّل فهو يتلوها،و تكون أمامه و هو وراءها،فإذا كان النّصف الآخر كان هو أمامها يقدّمها، و تليه هي.(الطّبريّ 30:208)

الفرّاء: يعني اتّبع الشّمس،و يقال:إذا تلاها فأخذ من ضوئها،و أنت قائل في الكلام:اتّبعت قول أبي حنيفة،و أخذت بقول أبي حنيفة و الاتّباع و التلوّ سواء.

(3:266)

الطّبريّ: و القمر إذا تبع الشّمس،و ذلك في النّصف الأوّل من الشّهر،إذا غربت الشّمس تلاها القمر طالعا.

(30:208)

نحوه القشيريّ(6:300)،و الزّمخشريّ(4:

258)،و النّسفيّ(4:360).

الزّجّاج :معناه حين تلاها،و قيل:حين استدار فكان يتلو الشّمس في الضّياء و النّور.(5:331)

ابن خالويه :(و القمر)نسق على«الضّحى»،(اذا) حرف وقت غير واجب.(تليها)،تلا فعل ماض.

و«ها»مفعول بها.و«تلا»لا يكتب إلاّ بالألف،لأنّه من ذوات الواو.و يقال:تلا يتلو تلوّا فهو تال،إذا تبع الشّيء.و يقال:هذا الرّجل تلو هذا،أي تابعه.

فإذا قال قائل:لم زعمت أنّ«تلا»من ذوات الواو و قد أمالها الكسائيّ؟

فالجواب في ذلك أنّ السّورة إذا كانت رءوس آياتها ياءات نحو ضحاها و جلاّها و تلاها،تبعها كما كان من ذوات الواو.

و كان حمزة لا يعرف هذا المجاز فقرأ وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها بالكسر، وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها بالفتح،ففرّق بين ذوات الياء و ذوات الواو،و هو حسن أيضا.

ص: 837

فأمّا أبو عمرو و نافع فكانت قراءتهما بين بين.و أمّا عاصم و ابن كثير فكانا يفخّمان كلّ ذلك،و هو الأصل.

(96)

الماورديّ: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها ففيه وجهان:

أحدهما:إذا ساواها،قاله مجاهد.الثّاني:إذا تبعها،قاله ابن عبّاس.و في اتّباعه لها ثلاثة أوجه.[ثمّ نقل قول قتادة و الطّبريّ و ابن زيد و أضاف:]

و يحتمل رابعا:أنّه خلّفها في اللّيل،فكان له مثل ما لها في النّهار،لأنّ تأثير كلّ واحد منهما في زمانه، فللشّمس النّهار و للقمر اللّيل.(6:281)

الطّوسيّ: و قوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها قسم آخر بالقمر،و تلوّه الشّمس.و وجه الدّلالة من جهة تلوّ القمر للشّمس من جهة المعاقبة على أمور مرتّبة في النّقصان و الزّيادة،لأنّه لا يزال ضوء الشّمس ينقص إذا غاب جرمها،و يقوى ضوء القمر حتّى يتكامل كذلك دائبين، تسخيرا من اللّه للعباد،بما ليس في وسعهم أن يجروه على شيء من ذلك المنهاج.[و نقل قول ابن زيد و الحسن قال:]

و قيل:تلاها في الضّوء.(10:357)

الميبديّ: أي تبعها،و القمر يتلو الشّمس ليلة الهلال،تغرب الشّمس و يغرب القمر بعقبها.يقال:هذا تلو هذا،أي تابعه و نظيره.(10:505)

ابن عطيّة :[نحو ابن زيد ثمّ قال:]

و قال الحسن بن أبي الحسن: (تليها)معناه تبعها دأبا في كلّ وقت،لأنّه يستضيء منها،فهو يتلوها لذلك.

فهذا اتّباع لا يختصّ بنصف أوّل من الشّهر و لا بآخره،و قاله الفرّاء أيضا.

و قال الزّجّاج و غيره: معناه امتلأ و استدار،فكان لها تابعا في المنزلة و الضّياء و القدر،لأنّه ليس في الكواكب شيء يتلو الشّمس في هذا المعنى غير القمر.

[ثمّ نقل قول قتادة](5:487)

الطّبرسيّ: أي إذا أتبعها فأخذ من ضوئها و سار خلفها.قالوا:و ذلك في النّصف الأوّل من الشّهر إذا غربت الشّمس تلاها القمر في الإضاءة و خلّفها في النّور.

و قيل:تلاها ليلة الهلال و هي أوّل ليلة من الشّهر، إذا سقطت الشّمس رؤي القمر عند غيبوبتها،عن الحسن.

و قيل:في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشّمس.

و قيل:في الشّهر كلّه فهو في النّصف الأوّل يتلوها، و تكون أمامه و هو وراؤها،و في النّصف الأخير يتلو غروبها بالطّلوع.(5:498)

الفخر الرّازيّ: في كون القمر تاليا وجوه...[نذكر قول ابن عبّاس و قتادة و الفرّاء و الزّجّاج ثمّ قال:]

و خامسها:أنّه يتلوها في كبر الجرم بحسب الحسّ، و في ارتباط مصالح هذا العالم بحركته.و لقد ظهر في علم النّجوم أنّ بينهما من المناسبة ما ليس بين الشّمس و بين غيرها.(31:190)

ابن عربيّ: (و الشّمس)،أقسم بشمس الرّوح و ضوئها المنتشر في البدن السّاطع على النّفس،(و القمر) أي قمر القلب،إذا تلا الرّوح في التّنوّر بها و إقباله نحوها، و استضاءته بنورها،و لم يتّبع النّفس فينخسف بظلمتها،

ص: 838

(و النّهار)و نهار استيلاء نور الرّوح و قيام سلطانها، و استواء نورها(اذا جلاّها)و أبرزها في غاية الظّهور، كالنّهار عند الاستواء في تجلية الشّمس...[و هذا كلّه تأويل](2:811)

القرطبيّ: أي تبعها،و ذلك إذا سقطت رئي الهلال.

يقال:تلوت فلانا،إذا تبعته.[ثمّ ذكر قول قتادة و ابن زيد و الفرّاء و الزّجّاج](20:73)

نحوه الشّربينيّ.(4:541)

البيضاويّ: تلا طلوعه طلوع الشّمس أوّل الشّهر،أو غروبها ليلة البدر،أو في الاستدارة و كمال النّور.(2:561)

النّيسابوريّ: قال النّحويّون:إنّ في ناصب إِذا تَلاها و ما بعده إشكالا،لأنّ ما سوى الواو الأولى إن كنّ للقسم لزم اجتماع أقسام كثيرة على مقسم به واحد، و هو مستنكر عند الخليل و سيبويه،لأنّ استئناف قسم آخر دليل على أنّ القسم الأوّل قد استوفى حقّه من الجواب،فيلزم التّغليظ،و إن كنّ عاطفة لزم العطف على عاملين بحرف واحد؛و ذلك أنّ حرف العطف ناب عن واو القسم المقتضي للجرّ،و عن الفعل الّذي يقتضي انتصاب الظّرف.

و الجواب أنّا نختار الثّاني،و لزوم العطف على عامين ممنوع،لأنّ حرف العطف ناب عن واو القسم النّائب عن الفعل المعتدي بالباء،و كما أنّ واو القسم تعمل الجرّ في القسم و النّصب في الظّرف إذا قلت مثلا ابتداء: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى لقيامه مقام قولك:أقسم باللّيل إذا يغشى فكذا حرف العطف النّائب منابه،نظيره قولك:ضرب زيد عمرا و بكر خالدا،فترفع بالواو و تنصب،لقيامه مقام ضرب.(30:104)

أبو حيّان :[ذكر قول الحسن و الفرّاء و ابن زيد، و أضاف:]

و قال ابن سلام:[تليها]في النّصف الأوّل من الشّهر،و ذلك لأنّه يأخذ موضعها و يسير خلفها،إذا غابت يتبعها القمر طالعا.[ثمّ نقل قول قتادة و الزّجّاج، و قال:]

و قيل:من أوّل الشّهر إلى نصفه في الغروب تغرب هي،ثمّ يغرب هو،و في النّصف يتحاوران،و هو أن تغرب هي فيطلع هو.(8:478)

أبو السّعود :بأن طلع بعد غروبها.(6:433)

الكاشانيّ: طلع عند غروبها أخذ من نورها.

(5:333)

شبّر:تبعها طالعا عند غروبها ليلة البدر أو غاربا بعدها أوّل الشّهر.(6:415)

الآلوسيّ: أي تبعها:فقيل باعتبار طلوعه و طلوعها،أي إذا تلا طلوعه طلوعها؛و ذلك أوّل الشّهر فإنّ الشّمس إذا طلعت من الأفق الشّرقيّ أوّل النّهار يطلع بعدها القمر،لكن لا سلطان له فيرى بعد غروبها هلالا،و مناسبة ذلك للقسم به،لأنّه وصف له بابتداء أمره،فكما أنّ الضّحى كشباب النّهار فكذا غرّة الشّهر كولادته.

و قيل باعتبار طلوعه و غروبها،أي إذا تلا طلوعه غروبها،و ذلك في ليلة البدر رابع عشر الشّهر،فإنّه حينئذ في مقابلة الشّمس،و البعد بينهما نصف دور

ص: 839

الفلك.فإذا كانت في النّصف الفوقانيّ منه،أعني ما يلي رءوسنا كان القمر في التّحتاني منه،أعني ما يلي أقدامنا، فإذا غربت طلع من الأفق الشّرقيّ،و هو المرويّ عن قتادة.

و قولهم:سمّي بدرا،لأنّه يسبق طلوعه غروب سلطانه،فيناسب تعظيم شأنه.

و قال ابن زيد:تبعها في الشّهر كلّه،ففي النّصف الأوّل تتبعها بالطّلوع و في الآخر بالغروب،و مراده ما ذكر في القولين.

و قيل:المراد تبعها في الإضاءة،بأنّ طلع و ظهر مضيئا عند غروبها،آخذا من نورها،و ذلك في النّصف الأوّل من الشّهر،فإنّه فيه يأخذ كلّ كليلة منه قدرا من النّور بخلافه في النّصف الثّاني،و هو مرويّ عن ابن سلام و اختاره الزّمخشريّ.

و قال الحسن و الفرّاء،كما في«البحر»:أي تبعها في كلّ وقت،لأنّه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك.

و أنكر بعض النّاس ذهاب أحد من السّلف إلى أنّ نور القمر مستفاد من ضوء الشّمس،و زعم أنّه رأي المنجّمين لا غير.و ما ذكر حجّة عليه و الحجّة عن أصل المسألة أظهر من الشّمس،و هي اختلاف تشكّلاته النّوريّة قربا و بعدا منها مع ذهاب نوره عند حيلولة الأرض بينه و بينها،و كون الاختلاف لاحتمال أن يكون أحد نصفيه مضيئا و النّصف الآخر غير مضيء،و أنّه يتحرّك على محوره حركة وضعيّة حتّى يرى كلّ نصف منهما تدريجا،و كون ذهاب النّور عند الحيلولة لاحتمال حيلولة جسم كثيف بيننا و بينه لا نراه أضعف من حبال القمر،كما لا يخفى.

و قال الزّجّاج و غيره:(نليها)معناه امتلأ و استدار، فكان تابعا لها في الاستدارة،و كمال النّور.(30:140)

القاسميّ: أي تبع الشّمس.قال الإمام[عبده]:

و ذلك في اللّيالي البيض،من اللّيلة الثّالثة عشرة من الشهر إلى السّادسة عشرة.و هو قسم بالقمر عند امتلائه أو قربه مع الامتلاء؛إذ يضيء اللّيل كلّه مع غروب الشّمس إلى الفجر.و هم قسم في الحقيقة بالضّياء في طور آخر من أطواره،و هو ظهوره،و انتشار اللّيل كلّه.(17:6167)

نحوه المراغيّ.(30:166)

الطّنطاويّ: تبعها في الضّياء و النّور،أي لأنّ نوره من نورها،فهو تابع لها في النّور،إن قرب منها قلّ النّور، و إن بعد عنها اتّسع عند المقابلة في أنصاف الشّهور.

(25:173)

عبد الكريم الخطيب :هو الإنسان الّذي خيّمت عليه موروثان الآباء و الأجداد في بيئة الكفر و الضّلال، فلعبت بعقله،و حجبت شمس فكره،ثمّ بقي معه بعد ذلك شيء من شعاع العقل،يجده مندسّا في ضميره،مختزنا في فطرته،فيقف في مفترق الطّريق بين الهدى و الضّلال، بين أن يرجع إلى عقله،و يحتكم إلى رأيه،أو ينساق مع هواه،و يتّبع ما كان عليه آباؤه.[و هذا أيضا تأويل]

(15 ب 2:1584)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها عطف على(الشّمس)و الضّمير لها،و إقسام بالقمر حال كونه تاليا للشّمس.و المراد بتلوّه لها إن كان كسبه النّور

ص: 840

منها فالحال حال دائمة،و إن كان طلوعه بعد غروبها فالإقسام به من حال كونه هلالا إلى حال تبدّره.

(20:296)

تلوته

قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ...

يونس:16

ابن عبّاس:ما قرأت القرآن عليكم.(171)

الطّبريّ: أي ما تلوت هذا القرآن عليكم أيّها النّاس،بأن كان لا ينزله عليّ،فيأمرني بتلاوته عليكم.

(11:95)

نحوه البغويّ(2:414)،و أبو الفتوح(10:113)، و الطّبرسيّ(3:97)،و ابن الجوزيّ(4:15)،و القرطبيّ (8:320)،و الخازن(3:146)،و الشّربينيّ(2:10).

الزّمخشريّ: يعني أنّ تلاوته ليست إلاّ بمشيئة اللّه، و إحداثه أمرا عجيبا عن العادات،و هو أن يخرج رجل أمّيّ لم يتعلّم و لم يستمع و لم يشاهد العلماء ساعة من عمره،و لا نشأ في بلد فيه علماء فيقرأ عليكم كتابا فصيحا يبهر كلّ كلام فصيح،و يعلو على كلّ منثور و منظوم،مشحونا بعلوم من علوم الأصول و الفروع، و أخبار ممّا كان و ما يكون ناطقا بالغيوب الّتي لا يعلمها إلاّ اللّه،و قد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطّلعون على أحواله،و لا يخفى عليكم شيء من أسراره،و ما سمعتم منه حرفا من ذلك و لا عرفه به أحد من أقرب النّاس منه و ألصقهم به.(2:229)

مثله أبو حيّان.(5:132)

نحوه النّسفيّ(2:156)،و البيضاويّ(1:442)، و الكاشانيّ(2:397).

ابن عطيّة :هذه من كمال الحجّة،أي هذا الكلام ليس من قبلي و لا من عندي،و إنّما هو من عند اللّه،و لو شاء اللّه ما بعثني به و لا تلوته،و لا أعلمتكم به.(3:110)

البروسويّ: قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ أن لا أتلو عليكم ما أوحى إليّ من القرآن ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ لأنّي أمّي و ليس التّلاوة و القراءة من شأني،كما كان حالي مع جبريل أوّل ما نزل،فقال:«اقرأ،قلت:لست بقارئ، فغطّني جبريل،ثمّ أرسلني فقال: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقرأته لمّا جعلني قارئا،و لو شاء اللّه أن لا أقرأه ما كنت قادرا على قراءته عليكم».(4:23)

جلال الحنفيّ البغداديّ: و في هذا النّصّ توكيد على أنّ القرآن ليس من عند النّبيّ،و لا هو من كلامه و صناعته،و استشهدهم و هم أهل بلده في أنّه لبث فيهم عمرا من قبله و لم يكن قد صدر منه كلام مثل ذلك، ليطالبوه بتعبير تلقائيّ،أو تبديل ليعمد إلى استرضائهم بالموافقة على طلباتهم.و إنّما هو مرسل من ربّه بالقرآن الّذي لا يملك أحد أن يتصرّف فيه أو يقترح فيه،من تغيير و تبديل.

إنّ الرّسول في الجواب الّذي أمر أن يجيب به القوم لجأ إلى ما هو قاعدة أصوليّة ثابتة،هي أنّه لا حوار في أمر القرآن البتّة من جهة تغيير أو تبديل،أو جري وراء أهواء قوم لا يرعوون و لا يريدون أن يرعووا.

إنّ مثل هذه المنازلات الكلاميّة بين صاحب الرّسالة و بين قومه ليحتاج هضمها إلى أعصاب حديديّة بل إلى

ص: 841

أعصاب هي أقوى من الحديد،و قد كان النّبيّ جديرا أن يمتلك مثل الأعصاب.(شخصيّة الرّسول الأعظم:267)

يتلوا

1- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ. البقرة:129

الطّبريّ: يقرأ عليهم كتابك الّذي توحيه إليه.

(1:557)

نحوه أكثر المفسّرين.

الماورديّ: فيه تأويلان:أحدهما:يقرأ عليهم حجّتك،و الثّاني:يبيّن لهم دينك.(1:192)

الزّمخشريّ: يقرأ عليهم و يبلّغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيّتك و صدق أنبيائك.(1:312)

نحوه البيضاويّ(1:82)،و النّسفيّ(1:75)، و البروسويّ(1:234)،و الآلوسيّ(1:387).

ابن عطيّة :و يَتْلُوا في موضع نصب نعت ل(رسول)أي تاليا عليهم،و يصحّ أن يكون في موضع الحال.(1:212)

نحوه الطّبرسيّ.(1:210)

أبو حيّان : يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ جملة في موضع الصّفة ل(رسولا).

و قيل:في موضع الحال منه،لأنّه قد وصف بقوله:

(منهم)و وصف إبراهيم الرّسول بأنّه يكون يتلوا عليهم آيات اللّه،أي يقرؤها،فكان كذلك،و أوتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم القرآن و هو أعظم المعجزات.و قبل اللّه دعاء إبراهيم فأتي بالمدعوّ له على أكمل الأوصاف الّتي طلبها إبراهيم،و«الآيات»هنا القرآن.

و قيل:خبر من مضى و خبر من يأتي إلى يوم القيامة،و قال الفضل:معناه يبيّن لهم دينهم.(1:392)

2- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ... البقرة:151

ابن عطيّة :و(يتلوا)في موضع نصب على الصّفة.

(1:226)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا فاعلم أنّه من أعظم النّعم،لأنّه معجزة باقية، و لأنّه يتلى فيتأدّى به العبادات،و لأنّه يتلى فيستفاد منه جميع العلوم،و لأنّه يتلى فيستفاد منه مجامع الأخلاق الحميدة،فكأنّه يحصل من تلاوته كلّ خيرات الدّنيا و الآخرة.(4:160)

أبو حيّان :وصفه[رسولا]بأوصاف...و أتى ثانيا بصفة تلاوة الآيات إليه تعالى،لأنّها المعجزة الدّالّة على صدقه،الباقية إلى الأبد.و أضاف«الآيات»إليه تعالى، لأنّها كلامه...سبحانه و تعالى،و من تلاوته تستفاد العبادات و مجامع الأخلاق الشّريفة،و تنبع العلوم.[إلى أن قال:]

و أتى بهذه الصّفات فعلا مضارعا ليدلّ بذلك على التّجدّد،لأنّ التّلاوة و التّزكية و التّعليم تتجدّد دائما...

(1:445)

الآلوسيّ: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا صفة(رسولا) و فيه إشارة إلى طريق إثبات نبوّته عليه الصّلاة

ص: 842

و السّلام،لأنّ تلاوة الأمّيّ الآيات الخارجة عن طريق البشر باعتبار بلاغتها،و اشتمالها على الإخبار بالمغيبات، و المصالح الّتي ينتظم بها أمر المعاد و المعاش أقوى دليل على نبوّته.(2:18)

3- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ... آل عمران:164

الزّمخشريّ: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا بعد ما كانوا أهل جاهليّة لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي.

(1:477)

نحوه الخازن.(1:370)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ كمال حال الإنسان في أمرين:في أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به.

و بعبارة أخرى:للنّفس الإنسانيّة قوّتان،نظريّة و عمليّة،و اللّه تعالى أنزل الكتاب على محمّد عليه السّلام ليكون سببا لتكميل الخلق في هاتين القوّتين.

فقوله: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا إشارة إلى كونه مبلّغا لذلك الوحي من عند اللّه إلى الخلق،و قوله:

وَ يُزَكِّيهِمْ إشارة إلى تكميل القوّة النّظريّة بحصول المعارف الإلهيّة،و(الكتاب)إشارة إلى معرفة التّأويل، و بعبارة أخرى(الكتاب)إشارة إلى ظواهر الشّريعة، و(الحكمة)إشارة إلى محاسن الشّريعة و أسرارها و عللها و منافعها.

ثمّ بيّن تعالى ما تتكمّل به هذه النّعمة،و هو أنّهم كانوا من قبل ضلال مبين،لأنّ النّعمة إذا وردت بعد المحنة كان تتوقّعها أعظم،فإذا كان وجه النّعمة العلم و الإعلام، و ورد عقيب الجهل و الذّهاب عن الدّين،كان أعظم، و نظيره قوله: وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى الضّحى:7.

(9:80)

القرطبيّ: (يتلو)في موضع نصب نعت ل(رسول)، و معناه،يقرأ،و التّلاوة:القراءة.(4:264)

الآلوسيّ: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا إمّا صفة أو حال أو مستأنفة،و فيه بعد،أي يتلو عليهم ما يوحى إليه من القرآن،بعد ما كانوا أهل جاهليّة لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي،أو بعد ما كان بعضهم كذلك و بعضهم متشوّقا متشوّقا إليه؛حيث أخبر كتابه الّذي بيده بنزوله و بشّر به.(4:114)

محمّد عبده: «الآيات»هي الآيات الكونيّة الدّالّة على قدرته و حكمته و وحدانيّته.و تلاوتها:عبارة عن تلاوة ما فيه بيانها،و توجيه النّفوس إلى الاستفادة منها،و الاعتبار بها،و هو القرآن،كقوله عزّ و جلّ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ آل عمران:190،و قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ البقرة:

164،و منها ما لم يذكر فيه كلمة«الآيات»كقوله تعالى:

وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها الشّمس:1، 2.(رشيد رضا 4:222)

ص: 843

4- وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا... القصص:59

ابن عبّاس: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا بالأمر و النّهي.

(تنوير المقباس:329)

مقاتل: يخبرهم الرّسول أنّ العذاب نازل بهم إن لمن يؤمنوا.(البغويّ 3:540)

الطّوسيّ: أي يقرأ عليهم حجج اللّه و بيّناته.

(8:166)

نحوه الطّبرسيّ.(4:261)

البيضاويّ: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا لإلزام الحجّة و قطع المعذرة.(2:198)

نحوه المشهديّ.(7:462)

القرطبيّ: (يتلوا)في موضع الصّفة،أي تاليا.[ثمّ قال نحو مقاتل](13:302)

الخازن :يعني أنّه يؤدّي إليهم و يبلّغهم.(5:148)

أبو السّعود : يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا النّاطقة بالحقّ،و يدعوهم إليه بالتّرغيب و التّرهيب؛و ذلك لإلزام الحجّة و قطع المعذرة،بأن يقولوا:لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك.(5:131)

مثله البروسويّ(6:418)،و نحوه الآلوسيّ(20:

98)،و المراغيّ(20:77).

5- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ... الجمعة:2

الطّبريّ: يقرأ على هؤلاء الأميّين آيات اللّه الّتي أنزلها عليه.(28:94)

الزّمخشريّ: يقرؤها عليهم مع كونه أمّيّا مثلهم،لم تعهد منه قراءة و لم يعرف بتعلّم.و قراءة أمّي بغير تعلّم آية بيّنة.(4:102)

نحوه أبو السّعود(6:246)،و الآلوسيّ(28:93)، و المراغيّ(28:95)،و الطّباطبائيّ(19:265).

الشّربينيّ: (يتلو)أي يقرأ قراءة يتّبع بعضها بعضا على وجه الكثرة و العلوّ و الرّفعة(عليهم)مع كونه أمّيّا مثلهم،(آياته)أي يأتيهم بها على سبيل التجدّد و المواصلة،و هي القرآن الّذي أعجز الجنّ و الإنس أن يأتوا بسورة من مثله.(4:281)

البروسويّ: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا أي القرآن مع كونه امّيّا مثلهم،لم يعهد منه قراءة و لا تعلّم.و الفرق بين التّلاوة و القراءة:أنّ التّلاوة:قراءة القرآن متتابعة كالدّراسة،و الأوراد المنظّمة و القراءة أعمّ،لأنّها جمع الحروف باللّفظ لا اتباعها.(9:514)

الميلانيّ: الظّاهر أنّ«الآيات»هي الّتي من شأن الرّسول أن توحي إليه،فكان صلّى اللّه عليه و آله يتلوها عليهم.

و يمكن أن يراد ب«تلاوة الآيات»إراءتهم علامات اللّه الدّالّة على وجوده سبحانه،و استجماعه للصّفات الجلاليّة و الجماليّة،لأنّ الأشياء كما تقدّم كلّها مداليل على اللّه،تدلّ على مالكيّته و تنزّهه و عزّته و حكمته.

(تفسير سورتي الجمعة و التّغابن:32)

6- رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ...

الطّلاق:11

الطّوسيّ: أي يقرأ و التّلاوة من قولهم:جاء فلان

ص: 844

ثمّ تلاه فلان،أي جاء بعده،و منه قوله تعالى: وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ هود:17،أي يأتي بعده.

فالتّلاوة:جعل كلمة بعد كلمة على ما وضعت عليه من المرتبة في اللّغة.و القراءة:جمع كلمة إلى كلمة بما يسمع من الحروف المفصّلة،و هو قولهم:قرأت النّجوم، إذا اجتمعت و ظهرت.و يقولون:ما قرأت النّاقة سلاقط، أي ما جمعت رحمها على ولد.(10:40)

النّسفيّ: أي الرّسول،أو اللّه عزّ و جلّ.(4:268)

البروسويّ: يقرأ و يعرض.(10:41)

الآلوسيّ: و قوله تعالى: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ... نعت ل(رسولا)و هو الظّاهر.و قيل:حال من اسم(اللّه) تعالى،و نسبة التّلاوة إليه سبحانه مجازيّة كبنى الأمير المدينة.(28:142)

لاحظ«ر س ل»:(رسولا)

7- رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً. البيّنة:2

ابن عبّاس: يقرأ.(516)

مثله النّسفيّ(4:371)،و الخازن(7:231).

قتادة :يذكر القرآن بأحسن الذّكر،و يثني عليه بأحسن الثّناء.(الطّبريّ 30:263)

الرّازيّ: فإن قيل:المراد بالرّسول هنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بلا خلاف،فكيف قال تعالى: يَتْلُوا صُحُفاً و ظاهره يدلّ على قراءة المكتوب من الكتاب،و هو منتف في حقّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه كان أمّيّا؟

قلنا:المراد يتلو ما في الصّحف عن ظهر قلبه،لأنّه هو المنقول عنه بالتّواتر.(مسائل الرّازيّ:379)

القرطبيّ: أي يقرأ ما تتضمّن الصّحف من المكتوب؛و يدلّ عليه أنّه كان يتلو عن ظهر قلبه،لا عن كتاب،لأنّه كان أمّيّا،لا يكتب و لا يقرأ.(20:142)

الشّربينيّ: و قوله تعالى: يَتْلُوا صُحُفاً صفة «الرّسول»أو خبره،و الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و إن كان أمّيّا لكنّه لمّا تلا مثل ما في الصّحف كان كالتّالي لها.و قيل:المراد جبريل عليه السّلام و هو التّالي للصّحف المنتسخة من اللّوح الّذي ذكرت في سورة«عبس»،و لا بدّ من مضاف محذوف،و هو الوحي.(4:570)

أبو السّعود :قوله تعالى: يَتْلُوا صفة أخرى أو حال من الضّمير في متعلّق الجارّ.(6:455)

نحوه البروسويّ.(30:201)

البروسويّ: و نسبة التّلاوة إلى الصّحف و هي القراطيس مجازيّة أو هي مجاز عمّا فيها بعلاقة الحلول، و المراد أنّه لمّا كان ما يتلوه الّذي هو القرآن مصدّقا لصحف الأوّلين مطابقا لها في أصولي الشّرائع و الأحكام،صار متلوّه كأنّه صحف الأوّلين و كتبهم، فعبّر عنه باسم«الصّحف»مجازا.(10:487)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا... بيان ل(البيّنة)،و المراد به محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قطعا،على ما يعطيه السّياق.(20:337)

يتلوه

أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ... هود:17

ص: 845

ابن عبّاس: يقرأ عليه القرآن.(183)

الزّمخشريّ: و يتبع ذلك البرهان.(2:262)

الفخر الرّازيّ: و الضّمير في(يتلوه)يرجع إلى معنى«البيّنة»و هو البيان و البرهان.(17:201)

البروسويّ: (يتلوه)من«التّلو»و هو التّبع ذلك البرهان الّذي هو دليل العقل،فتذكير الضّمير الرّاجع إلى«البيّنة»إنّما هو بتأويل.(4:110)

يتلون

1- وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ... البقرة:113

ابن عبّاس:أي كلّ يتلو في كتابه تصديق ما كفر به.(الطّبريّ 1:496)

نحوه قتادة،و السّدّيّ.(ابن الجوزيّ 1:133)

الطّبريّ: [ذكر قول ابن عبّاس و أضاف:]

أي يكفر اليهود بعيسى،و عندهم التّوراة،فيها ما أخذ اللّه عليهم من الميثاق على لسان موسى بالتّصديق بعيسى عليه السّلام،و في الإنجيل ممّا جاء به عيسى تصديق موسى،و ما جاء به من التّوراة من عند اللّه،و كلّ يكفر بما في يد صاحبه.(1:496)

الطّوسيّ: [ذكر الاختلاف في النّزول ثمّ قال:]

و معنى الآية أحد شيئين:

أحدهما:حلّ الشّبهة بأنّه ليس فى تلاوة الكتاب [شيء]معتبر في الإنكار،لما لم يؤت على إنكاره ببرهان،فلا ينبغي أن تدخل الشّبهة بإنكار أهل الكتاب لملّة أهل الإسلام؛إذ كلّ فريق من أهل الكتاب قد أنكر ما عليه الآخر.ثمّ بيّن أنّ سبيلهم كسبيل من لا يعلم الكتاب في الإنكار لدين الإسلام،من مشركي العرب و غيرهم ممّن الكتاب له فيهم،و جحدهم لذلك سواء؛إذ لا حجّة معهم يلزم بها تصديقهم،لا من جهة سمع و لا عقل.

و الوجه الآخر:الذّمّ لمن أنكر ذلك من أهل الكتاب على جهة العناد؛إذ قد ساوى المعاند منهم للحقّ الجاهل به في الدّفع له،فلم ينفعه علمه،بل حصل على مضرّة الجهل،كما حصل عليه من لا يعلم له به.(1:414)

مثله الطّبرسيّ.(1:188)

البغويّ: و كلا الفريقين يقرءون الكتاب.و قيل:

معناه ليس في كتبهم هذا الاختلاف فدلّ تلاوتهم الكتاب و مخالفتهم ما فيه على كونهم على الباطل.(1:83)

مثله الخازن.(1:83)

الزّمخشريّ: «الواو»للحال،و(الكتاب) للجنس،أي قالوا ذلك،و حالهم أنّهم من أهل العلم و التّلاوة للكتب.و حقّ من حمل التّوراة أو الإنجيل أو غيرهما من كتب اللّه و آمن به أن لا يكفر بالباقي،لأنّ كلّ واحد من الكتابيين مصدّق للثّاني شاهد بصحّته، و كذلك كتب اللّه جميعا متواردة على تصديق بعضها بعضا.(1:305)

نحوه الفخر الرّازيّ(4:8)،و البيضاويّ(1:77)، و النّسفيّ(1:69)،و الشّربينيّ(1:87)،و أبو السّعود (1:185)،و البروسويّ(1:207)،و الطّنطاويّ(1:

113).

ابن عطيّة :في قوله تعالى: وَ هُمْ يَتْلُونَ تنبيه

ص: 846

لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم على ملازمة القرآن،و الوقوف عند حدوده.(1:198)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في هذا تنبيه لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم في أنّ من كان عالما بالقرآن يكون واقفا عنده،عاملا بما فيه،قائلا بما تضمّنه،لا أن يخالف قوله ما هو شاهد على مخالفته منه، فيكون في ذلك كاليهود و النّصارى.(1:353)

الآلوسيّ: وَ هُمْ يَتْلُونَ... حال من الفريقين بجعلهما فاعل فعل واحد،لئلاّ يلزم إعمال عاملين في معمول واحد.[ثمّ أدام نحو أبي حيّان](1:361)

الطّباطبائيّ: أي و هم يعملون بما أوتوا من كتاب اللّه،لا ينبغي لهم أن يقولوا ذلك،و الكتاب يبيّن لهم الحقّ،و الدّليل على ذلك قوله: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فالمراد ب اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ غير أهل الكتاب من الكفّار و مشركي العرب قالوا:إنّ المسلمين ليسوا على شيء أو أنّ أهل الكتاب ليسوا على شيء.(1:258)

2- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ. (آل عمران:113

ابن مسعود:صلاة العتمة.(الماورديّ 1:417)

مجاهد :يتّبعون.(البغويّ 1:496)

الثّوريّ: صلاة المغرب و العشاء.(الماورديّ 1:417)

الزّمخشريّ: عبّر من تهجّدهم بتلاوة القرآن في ساعات اللّيل مع السّجود،لأنّه أبين لما يفعلون و أدلّ على حسن صورة أمرهم.[إلى أن قال:]

و قوله: يَتْلُونَ و يُؤْمِنُونَ في محلّ الرّفع صفتان ل(أمّة)،أي أمّة قائمة تالون مؤمنون.وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات اللّه باللّيل ساجدين و من الإيمان باللّه،لأنّ إيمانهم به كلاّ إيمان لإشراكهم به عزيرا،و كفرهم ببعض الكتب و الرّسل دون بعض،و من الإيمان باليوم الآخر لأنّهم يصفونه بخلاف صفته،و من الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر لأنّهم كانوا مداهنين،و من المسارعة في الخيرات لأنّهم متباطئين عنها غير راغبين فيها.(1:456)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:[هو كلام الزّمخشريّ]

المسألة الثّانية:التّلاوة:القراءة،و أصل الكلمة من الاتّباع،فكأنّ التّلاوة هي اتّباع اللّفظ.(8:201)

ابن كثير :أي يقيمون اللّيل فيكثرون التّهجّد، و يتلون القرآن في صلواتهم.(2:100)

الآلوسيّ: (يلتون)صفة ل(امّة)بعد وصفها ب(قائمة)،و جوّز أن تكون حالا من الضّمير في(قائمة)أو من«الأمّة»لأنّها قد وصفت،أو من الضّمير في الجارّ الواقع خبرا عنها،و المراد يقرءون القرآن.(4:33)

القاسميّ: عبّر عن تهجّدهم بتلاوة القرآن في ساعات اللّيل،كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً الفرقان:64،و قوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ المزّمّل:20،و قوله:

قُمِ اللَّيْلَ المزّمّل:2،و قوله: وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ البقرة:238.(4:940)

رشيد رضا :أمّا قوله تعالى: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ

ص: 847

آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ فمعناه على القول بأنّ المراد بهم[امّة قائمة]من دخل في الإسلام ظاهر،و على القول الآخر المختار إنّهم يتلون ما عندهم من مناجاة اللّه و دعائه له و الثّناء عليه عزّ و جلّ،و هي كثيرة في كتبهم.[ثمّ ذكر بعضها فلاحظ](4:72)

المراغيّ: لمّا كان كمال الإنسان أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير للعمل به،و كان أفضل الأعمال الصّلاة، و أفضل الأذكار ذكر اللّه،و أفضل العلوم معرفة المبدإ و المعاد،وصفهم اللّه بقوله: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ للدّلالة على أنّهم يعملون صالح الأعمال،و بقوله: يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ للإشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم.

(4:36)

لاحظ«ق و م»أمّة قائمة و«س ج د»:يسجدون.

3- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ. فاطر:29

مطرّف:هذه آية القرّاء.(الطّبريّ 22:132)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 22:132)

عطاء:هم المؤمنون.(الزّمخشريّ 3:308)

السّدّيّ: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و رضي عنهم.

(الزّمخشريّ 3:308)

الكلبيّ: يأخذوه بما فيه.(الزّمخشريّ 3:308)

الثّعالبيّ: [يأخذون مطرّف و أضاف]

و هذا على أنّ يَتْلُونَ بمعنى يقرءون،و إن جعلناه بمعنى يتّبعون صحّ معنى الآية،و كانت في القرّاء و غيرهم ممّن اتّصف بأوصاف الآية.(3:23)

مثله ابن عطيّة.(4:438)

الطّوسيّ: يعني يقرءون القرآن و يعملون بما فيه.

(8:427)

نحوه الخازن.(5:248)

الميبديّ: يعني القرّاء يقرءون القرآن، وَ أَقامُوا الصَّلاةَ المفروضة...و غاير بين المستقبل و الماضي،لأنّ أوقات التّلاوة أعمّ من أوقات الصّلاة.

و في الخبر:«قراءة القرآن في الصّلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصّلاة،و قراءة القرآن في غير الصّلاة أفضل من الذّكر،و الذّكر أفضل من الصّدقة، و الصّدقة أفضل من الصّوم،و الصّوم جنّة من النّار.

(8:177)

الزّمخشريّ: يداومون على تلاوته،و هي شأنهم و ديدنهم.(3:308)

نحوه النّسفيّ(3:340)،و أبو حيّان(7:312)، و الشّربينيّ(3:326).

الطّبرسيّ: أي يقرءون القرآن في الصّلاة و غيرها،أثنى سبحانه عليه بقراءة القرآن.(4:407)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:43)

ابن الجوزيّ: يعني قرّاء القرآن.و في قوله:

يَتْلُونَ قولان:أحدهما:يقرءون،و الثّاني:يتّبعون.

(6:486)

القرطبيّ: هذه آية القرّاء العاملين العالمين الّذين يقيمون الصّلاة الفرض و النّفل،و كذا في الإنفاق.

(14:345)

ص: 848

البيضاويّ: يداومون على قراءته أو متابعة ما فيه، حتّى صارت سمة لهم و عنوانا.و المراد ب(كتاب اللّه) القرآن أو جنس كتب اللّه،فيكون ثناء على المصدّقين من الأمم،بعد اقتصاص حال المكذّبين.(2:272)

أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]

و ليس بذاك فإنّ صيغة المضارع منادية باستمرار مشروعيّة تلاوته و العمل بما فيه و استتباعهما،لما سيأتي من توفية الأجور و زيادة الفضل.

و حملها على حكاية الحال الماضية-مع كونه تعسّفا ظاهرا-ممّا لا سبيل إليه،كيف لا،و المقصود التّرغيب في دين الإسلام و العمل بالقرآن النّاسخ لما بين يدين من الكتب،فالتّعرّض لبيان حقّيّتها قبل انتساخها و الإشباع في ذكر استتباعها،لما ذكر من الفوائد العظيمة ممّا يورث الرّغبة في تلاوتها،و الإقبال على العمل بها.

و تخصيص«التّلاوة»بما لم ينسخ منها باطل قطعا،لما أنّ الباقي مشروعا ليس إلاّ حكمها.لكن لا من حيث إنّه حكمها بل من حيث إنّه حكم القرآن.و أمّا تلاوتها، فبمعزل من المشروعيّة،و استتباع الأجر بالمرّة،فتدبّر.

(5:281)

البروسويّ: أي يداومون على تلاوة القرآن و يعملون بما فيه؛إذ لا تنفع التّلاوة بدون العمل، و التّلاوة:القراءة أعمّ متتابعة كالدّراسة،و الأوراد الموظّفة و القراءة منها.لكن التّهجّي و تعليم الصّبيان لا يعدّ قراءة،و لذا قالوا:لا يكره التّهجّي للجنب و الحائض و النّفساء بالقرآن،لأنّه لا يعدّ قارئا،و كذا لا يكره لهم التّعليم للصّبيان و غيرهم حرفا حرفا و كلمة كلمة مع القطع بين كلّ كلمتين.(7:344)

الآلوسيّ: أي يداومون على قراءته حتّى صارت سمة لهم و عنوانا،كما يشعر به صيغة المضارع و وقوعه صلة و اختلاف الفعلين.و المراد ب(كتاب اللّه):القرآن، فقد قال مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير:هذه آية القرّاء.

و أخرج عبد الغنيّ بن سعيد الثّقفيّ في تفسيره،عن ابن عبّاس:أنّها نزلت في حصين بن الحرث بن عبد المطّلب القرشيّ،ثمّ إنّ العبرة بعموم اللّفظ،فلذا قال السّدّيّ في التّالين:هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال عطاء:هم المؤمنون،أي عامّة،و هو الأرجح،و يدخل الأصحاب دخولا أوّليّا.

و قيل:معنى(يتلون كتاب اللّه).يتّبعونه،فيعملون بما فيه،و كأنّه جعل يتلو من تلاه،إذا تبعه.أو حمل التّلاوة المعروفة على العمل،لأنّها ليس فيها كثير نفع دونه، و قد ورد«ربّ قارئ للقرآن و القرآن يعلنه»و يشعر كلام بعضهم باختيار المعنى المتبادر،حيث قال:إنّه تعالى لمّا ذكر الخشية و هي عمل القلب،ذكر بعدها عمل اللّسان و الجوارح و العبادة الماليّة.

و جوّز أن يراد ب(كتاب اللّه)تعالى جنس كتبه عزّ و جلّ الصّادق على التّوراة و الإنجيل و غيرهما، فيكون ثناء على المصدّقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذّبين،بقوله تعالى: وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فاطر:25، إلخ،و المضارع لحكاية الحال الماضية،و المقصود من الثّناء عليهم و بيان ما لهم:حثّ هذه الأمّة على اتّباعهم أن يفعلوا نحو ما فعلوا.و الوجه الأوّل أوجه كما لا يخفى، و عليه الجمهور.(22:192)

ص: 849

المراغيّ: أي يتّبعون،من قولهم:تلاه،إذا تبعه، لأنّ التّلاوة بلا عمل لا نفع فيها،و قد ورد:«ربّ قارئ للقرآن و القرآن يعلنه».(22:127)

الطّنطاويّ: يداومون على قراءته مع التّفكّر المقصود منه،و يدرسون هذه العوالم المذكورة قبل هذه الآية دراسة تشمل العالم كلّه،من سماوات و أرضين و جبال و زروع.(17:17)

مكارم الشّيرازيّ: و بديهيّ أنّ«التّلاوة»هنا لا تعني مجرّد القراءة السّطحيّة الخالية من التّفكّر و التّأمّل، بل قراءة تكون سببا و باعثا على التّفكّر،الّذي يكون بدوره باعثا على العمل الصّالح،الّذي يربط الإنسان باللّه من جهة و مظهر ذلك الصّلاة،و يربطه بخلق اللّه من جهة ثانية و مطهر ذلك الإنفاق،من كلّ ما تفضّل به اللّه تعالى على الإنسان،من علمه،من ماله و ثروته و نفوذه،من فكره الخلاّق،من أخلاقه و تجارته،من جميع ما وهبه اللّه.

(14:74)

يتلونه-تلاوته

اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ...وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

البقرة:121

ابن مسعود:يتّبعونه حقّ اتّباعه.

نحوه ابن عبّاس،و عطاء،و مجاهد،و أبو رزين.

(الطّبريّ 1:519-520)

و الّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله و يحرّم حرامه،و يقرؤه كما أنزله اللّه،و لا يحرّف الكلم عن مواضعه،و لا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله.

نحوه ابن عبّاس،و قتادة.(الطّبريّ 1:520-521)

و نحوه عكرمة(القرطبيّ 2:95)،و الميبديّ(1:340).

قيس بن سعد: يتّبعونه حقّ اتّباعه.أ لم تر إلى قوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها الشّمس:2،يعني الشّمس إذا تبعها القمر.(الطّبريّ 1:520)

مجاهد :يعملون به حقّ عمله.

نحوه عطاء.(الطّبريّ 1:520)

عكرمة :يتّبعون أحكامه.(أبو حيّان 1:369)

الحسن :يعملون بمحكمه و يؤمنون بمتشابهه، و يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه.(الطّبريّ 1:520)

السّدّيّ: هم الّذين لا يحرّفونه عن مواضعه.(130)

الكلبيّ: يصفونه حقّ صفته في كتبهم لمن يسألهم من النّاس.(البغويّ 1:161)

الإمام الصّادق عليه السّلام: حقّ التّلاوة:الوقوف عند ذكر الجنّة و النّار،يسأل في الأولى و يستجير من الأخرى.(الطّوسيّ 1:442)

هم الأئمّة عليهم السّلام.[و هذا تأويل](البحرانيّ 1:531)

يرتّلون آياته،و يتفقّهون به،و يعملون بأحكامه، و يرجون وعده،و يخافون وعيده،و يعتبرون بقصصه، و يأتمرون بأوامره،و ينتهون بنواهيه.

ما هو و اللّه حفظ آياته و درس حروفه و تلاوة سوره و درس أعشاره و أخماسه،حفظوا حروفه و أضاعوا حدوده.و إنّما هو تدبّر آياته و العمل بأحكامه.قال اللّه تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ص:

29.(البحرانيّ 1:531)

ص: 850

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في تأويل ذلك أنّه بمعنى يتّبعونه حقّ اتّباعه.من قول القائل:ما زلت أتلو أثره،إذا اتّبع تأثره،لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على أنّ ذلك تأويله.و إذا كان ذلك تأويله،فمعنى الكلام:الّذين آتيناهم الكتاب يا محمّد من أهل التّوراة الّذين آمنوا بك، و بما جئتهم به من الحقّ من عندي،يتّبعون كتابي الّذي أنزلته على رسولي موسى صلوات اللّه عليه،فيؤمنون به،و يقرّون بما فيه من نعتك و صفتك،و أنّك رسولي فرض عليهم طاعتي في الإيمان بك و التّصديق بما جئتهم به من عندي،و يعملون بما أحللت لهم،و يجتنبون ما حرّمت عليهم فيه،و لا يحرّفونه عن مواضعه و لا يبدّلونه و لا يغيّرونه،كما أنزلته عليه بتأويل و لا غيره.

أمّا قوله: حَقَّ تِلاوَتِهِ فمبالغة في صفة اتّباعهم الكتاب،و لزومهم العمل به،كما يقال:إنّ فلانا لعالم حقّ عالم،و كما يقال:إنّ فلانا لفاضل كلّ فاضل.

و قد اختلف أهل العربيّة في إضافة«حقّ»إلى المعرفة،فقال بعض نحويّي الكوفة:غير جائزة إضافته إلى معرفة،لأنّه بمعنى أيّ،و بمعنى قولك:أفضل رجل فلان،و«أفعل»لا يضاف إلى واحد معرفة،لأنّه مبعّض، و لا يكون الواحد المبعّض معرفة،فأحالوا أن يقال:

مررت بالرّجل حقّ الرّجل،و مررت بالرّجل جد الرّجل،كما أحالوا مررت بالرّجل أي الرّجل،و أجازوا ذلك في كلّ الرّجل و غير الرّجل و نفس الرّجل.

و قالوا:إنّما أجزنا ذلك،لأنّ هذه الحروف كانت في الأصل توكيدا،فلمّا صرن مدوحا تركن مدوحا على أصولهنّ في المعرفة،لأنّ العرب تعتدّ بالهاء إذا عادت إلى نكرة بالنّكرة،فيقولون:مررت برجل واحد أمّه، و نسيج وحده،و سيّد قومه:قالوا:فكذلك قوله:

يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ إنّما جازت إضافته إلى التّلاوة، و هي مضافة إلى معرفة،لأنّ العرب تعتدّ بالهاء إذا عادت إلى نكرة بالنّكرة،فيقولون:مررت برجل واحد أمّه،و نسيج وحده،و سيّد قومه،قالوا:فكذلك قوله:

حَقَّ تِلاوَتِهِ إنّما جازت إضافة(حقّ)إلى التّلاوة، و هي مضافة إلى الهاء لاعتداد العرب بالهاء الّتي في نظائرها في عداد النّكرات.

قالوا:و لو كان ذلك حقّ التّلاوة لوجب أن يكون جائزا.مررت بالرّجل حقّ الرّجل،فعلى هذا القول تأويل الكلام:الّذي آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته.

و قال بعض نحويّي البصرة:جائزة إضافة(حقّ)إلى النّكرات مع النّكرات،و مع المعارف إلى المعارف،و إنّما ذلك نظير قول القائل:مررت بالرّجل غلام الرّجل، و برجل غلام رجل.فتأويل الآية على قول هؤلاء:

الّذي آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته.

و أولى ذلك بالصّواب عندنا القول الأوّل،لأنّ معنى قوله: حَقَّ تِلاوَتِهِ أي مع النّكرات،و مع المعارف إلى المعارف،مدح التّلاوة الّتي تلوها و تفضيلها،و«أيّ» غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة عند جميعهم، و كذلك«حقّ»غير جائزة إضافتها إلى واحد معرفة، و إنّما أضيف في(حقّ تلاوته)إلى ما فيه الهاء لما وصفت

ص: 851

من العلّة الّتي تقدّم بيانها.(1:521)

الزّجّاج :يعني أنّ الّذي تلوا التّوراة على حقيقتها، أولئك يؤمنون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و في هذا الدّليل[على]أنّ غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته،لأنّ هؤلاء كانوا من علماء اليهود،و كذلك من آمن من علماء النّصارى ممّن تلا كتبهم.

و(الّذين)يرفع بالابتداء،و خبر الابتداء يَتْلُونَهُ، و إن شئت كان خبرا لابتداء يَتْلُونَهُ جميعا،فيكون للابتداء خبران،كما تقول:هذا حلو حامض.(1:203)

عبد الجبّار: و سألوا فقالوا:كيف قال: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ مع قوله في غير موضع أنّهم غيّروا الكتاب و حرّفوه؟

فجوابنا أنّه تعالى أراد القرآن و أراد من أهل الكتاب من آمن،و لذلك قال: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، و الكتب المتقدّمة لا يجب فيها هذه التّلاوة.

و قد قيل:إنّ المراد يتلون التّوراة على حقّها من غير تحريف،لأنّ من آمن بالرّسول كان هذا حالهم،فهذا أيضا يحتمله الكلام.(تنزيه القرآن:36)

القيسيّ: (الّذين)مبتدأ،و خبره أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ و يَتْلُونَهُ حال من(الكتاب)،أو من الضّمير المنصوب في آتَيْناهُمُ.

و لا يجوز أن يكون الخبر يَتْلُونَهُ، لأنّك لو فعلت لوجب لكلّ من أوتي الكتاب يتلوه حقّ تلاوته،و ليس هم كذلك كلّهم.و(حقّ)مصدر أو نعت لمصدر محذوف، و هو أحسن.(1:70)

الماورديّ: فيه تأويلان:أحدهما:يقرءونه حقّ قراءة،الثّاني:يتّبعونه حقّ اتّباعه،فيحلّلون حلاله و يحرّمون حرامه،و هذا قول الجمهور.(1:182)

الطّوسيّ: و التّلاوة في اللّغة على وجهين:

أحدهما:القراءة،و الثّاني:الاتّباع.و الأوّل أقوى، و عليه أكثر المفسّرين.

و لا يجوز أن يقال:يتلونه حقّ التّلاوة،على مذهب الكوفيّين،كما لا يجوز يتلونه أي التّلاوة،لأنّ«أيّا»إذا كانت مدحا وقع على النّكرة،و لم يقع على المعرفة.

فلا يجوز مررت بالرّجل حقّ الرّجل كما لا يجوز مررت بالرّجل أي الرّجل،و كما لا يجوز مررت بأبي عبد اللّه أبي زيد.و إنّما جاز تلاوته،كما يجوز ربّ رجل و أخيه.

و قال بعض البصريّين:يجوز مررت بالرّجل حقّ الرّجل.و لا يجوز مع أيّ،لأنّ«أيّا»تدلّ على التبعيض، و ليس كذلك«حقّ».

فأمّا مررت بالرّجل كلّ الرّجل فجائز عند الجميع، لأنّ أصله التّوكيد،فترك على حاله.(1:442)

البغويّ: [نقل قول الكلبيّ ثمّ قال:]

و«الهاء»راجعة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال الآخرون:هي عائدة إلى(الكتاب).و اختلفوا في معناه.[ثمّ ذكر قول ابن مسعود و الحسن و مجاهد](1:161)

الزّمخشريّ: لا يحرّفونه و لا يغيّرون ما فيه من نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:308)

نحوه الشّربينيّ.(1:89)

ابن عطيّة : يَتْلُونَهُ معناه يتّبعونه حقّ اتّباعه

ص: 852

بامتثال الأمر و النّهي.

و قيل: يَتْلُونَهُ يقرءونه حقّ قراءته،و هذا أيضا يتضمّن الاتّباع و الامتثال.

و يَتْلُونَهُ إذا أريد ب(الّذين)الخصوص فيمن اهتدى،يصحّ أن يكون خبر الابتداء،و يصحّ أن يكون يَتْلُونَهُ في موضع الحال و الخبر(اولئك)،و إذا أريد ب(الّذين)العموم،لم يكن الخبر إلاّ(اولئك)، و يَتْلُونَهُ حال لا يستغنى عنها و فيها الفائدة،لأنّه لو كان الخبر يَتْلُونَهُ لوجب أن يكون كلّ مؤمن يتلو الكتاب حَقَّ تِلاوَتِهِ.

و(حقّ)مصدر،و العامل فيه فعل مضمر،و هو بمعنى «أفعل»،و لا يجوز إضافته إلى واحد معرّف،و إنّما جازت هنا لأنّ تعرّف التّلاوة بإضافتها إلى الضّمير ليس بتعرّف محض،و إنّما هو بمنزلة قولهم:رجل واحد أمّة،و نسيج وحده.(1:204)

الطّبرسيّ: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ أي أعطيناهم الكتاب: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.

اختلف في معناه على وجوه:

أحدها:أنّه يتّبعونه،يعني التّوراة حقّ اتّباعه و لا يحرّفونه،ثمّ يعملون بحلاله و يقفون عند حرامه، و منه قوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها أي تبعها،و به قال ابن مسعود و مجاهد و قتادة،إلاّ أنّ المراد به القرآن عندهم.

و ثانيها:أنّ المراد به يصفونه حقّ صفته في كتبهم لمن يسألهم من النّاس،عن الكلبيّ،و على هذا تكون الهاء راجعة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و ثالثها:ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ(حقّ تلاوته)هو الوقوف عند ذكر الجنّة و النّار يسأل في الأولى و يستعيذ من الأخرى.

و رابعها:أنّ المراد يقرءونه حقّ قراءته يرتّلون ألفاظه و يفهمون معانيه.

و خامسها:أنّ المراد يعملون حقّ العمل به، فيعملون بمحكمه و يؤمنون بمتشابهه،و يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه،عن الحسن.(1:198)

أبو البقاء: قوله تعالى: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ:

(الّذين)مبتدأ،و آتَيْناهُمُ صلته،و يَتْلُونَهُ حال مقدّرة من(هم)أو من(الكتاب)،لأنّهم لم يكونوا وقت إتيانه تالين له.

و(حقّ)منصوب على المصدر،لأنّها صفة ل«التّلاوة»في الأصل،لأنّ التّقدير:تلاوة حقّا،و إذا قدّم وصف المصدر و أضيف إليه،انتصب نصب المصدر.

و يجوز أن يكون وصفا لمصدر محذوف.

و(اولئك):مبتدأ،و يُؤْمِنُونَ بِهِ خبره،و الجملة خبر(الّذين).

و لا يجوز أن يكون يَتْلُونَهُ خبر(الّذين)،لأنّه ليس كلّ من أوتي الكتاب تلاه حقّ تلاوته،لأنّ معنى حقّ تلاوته العمل به.و قيل:يتلونه الخبر.

و(الّذين اتيناهم)لفظه عامّ،و المراد به الخصوص، و هو كلّ من آمن بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل الكتاب،أو يراد ب(الكتاب):القرآن.(1:111)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ فالتّلاوة لها معنيان:أحدهما:القراءة، و الثّاني:الاتّباع فعلا،لأنّ من اتّبع غيره يقال:تلاه

ص: 853

فعلا،قال اللّه تعالى: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها.

فالظّاهر أنّه يقع عليهما جميعا،و يصحّ فيهما جميعا المبالغة،لأنّ التّابع لغيره قد يستوفي حقّ الاتّباع، فلا يخلّ بشيء منه،و كذلك التّالي التّالي يستوفي حقّ قراءته، فلا يخلّ بما يلزم فيه.و الّذين تأوّلوه على القراءة هم الّذين اختلفوا على وجوه:

فأوّلها:أنّهم تدبّروه فعملوا بموجبه حتّى تمسّكوا بأحكامه من حلال و حرام و غيرهما.

و ثانيها:أنّهم خضعوا عند تلاوته،و خشعوا إذا قرءوا القرآن في صلاتهم و خلواتهم.

و ثالثها:أنّهم عملوا بمحكمه،و آمنوا بمتشابهه، و توقّفوا فيما أشكل عليهم منه،و فوّضوه إلى اللّه سبحانه.

و رابعها:يقرءونه كما أنزل اللّه،و لا يحرّفون الكلم عن مواضعه،و لا يتأوّلونه على غير الحقّ.

و خامسها:أن تحمل الآية على كلّ هذه الوجوه، لأنّها مشتركة في مفهوم واحد،و هو تعظيمها،و الانقياد لها لفظا و معنى،فوجب حمل اللّفظ على هذا القدر المشترك،تكثيرا لفوائد كلام اللّه تعالى،و اللّه أعلم.

(4:35)

القرطبيّ: [ذكر الأقوال نحو ما في الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:يقرءونه حقّ قراءته.

قلت:و هذا فيه بعد،إلاّ أن يكون المعنى يرتّلون ألفاظه،و يفهمون معانيه،فإنّ بفهم المعاني يكون الاتّباع لمن وفّق.(2:96)

البيضاويّ: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ بمراعاة اللّفظ عن التّحريف،و التّدبّر في معناه و العمل بمقتضاه،و هو حال مقدّرة و الخبر ما بعده،أو خبر على أنّ المراد ب«الموصول»مؤمنو أهل الكتاب.(1:80)

نحوه أبو السّعود(1:190)،و البروسويّ(1:219).

النّيسابوريّ: لا يحرّفونه و لا يغيّرون ما فيه من نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أو يتّبعون مقتضاه من غير تكاسل و منع،متمسّكين بأحكامه من حلال و حرام و غيرهما، أو يخضعون عند تلاوته و يخشعون،أو يعملون بمحكمه و يؤمنون بمتشابهه.(1:432)

الخازن :[نحو النّيسابوريّ و أضاف:]

و قيل:معناه تدبّروه حقّ تدبّره و تفكّروا في معانيه و حقائقه و أسراره.(1:87)

أبو حيّان :أي يقرءونه و يرتّلونه بإعرابه.[ثمّ ذكر قول عكرمة،و الحسن،و عمر،و الزّمخشريّ و أضاف:]

(الّذين)مبتدأ،فإن أريد به الخصوص في«من اهتدى»صحّ أن يكون و(يتلونه)خبرا عنه،و صحّ أن يكون حالا مقدّرة إمّا من ضمير المفعول و إمّا من (الكتاب)،لأنّهم وقت الإيتاء لم يكونوا تالين له و لا كان هو متلوّا لهم،و يكون الخبر إذ ذاك في الجملة من قوله:

أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

و جوّز الحوفيّ أن يكون يَتْلُونَهُ خبرا،و(اولئك) و ما بعده خبر بعد خبر،قال مثل قولهم:«هذا حلو حامض».و هذا معنى على أنّه هل يقتضي المبتدأ الواحد خبرين أم لا يقتضي؟إلاّ إذا كان في معنى خبر واحد، كقولهم:هذا حلو حامض،أي مرّ،و في ذلك خلاف.

و إن أريد ب اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ العموم،كان

ص: 854

الخبر أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

قالوا،منهم ابن عطيّة: يَتْلُونَهُ حال لا يستغنى عنها و فيها الفائدة.و لا يجوز أن يكون خبرا،لأنّه كأن يكون كلّ مؤمن يتلو الكتاب،و ليس كذلك بأيّ تفسير فسّرت«التّلاوة».

و نقول:ما لزم في الامتناع من جعلها خبرا يلزم في الحال،لأنّه ليس كلّ مؤمن يكون على حالة التّلاوة، بأيّ تفسير فسّرتها.

و انتصب حَقَّ تِلاوَتِهِ على المصدر،كما تقول:

ضربت زيدا حقّ ضربه.و أصله:تلاوة حقّا،ثمّ قدّم الوصف و أضيف إلى المصدر،و صار نظير:ضربت شديد الضّرب،إذ أصله ضربا شديدا.

و جوّزوا أن يكون وصفا لمصدر محذوف،و أن يكون منصوبا على الحال من الفاعل،أي يتلونه محقّين.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة](1:369)

ابن كثير :[نقل الأقوال كما في الطّبريّ و القرطبيّ ثمّ قال:]

و قوله: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ خبر عن(الّذين...) أي من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدّمين حقّ إقامته،آمن بما أرسلتك به يا محمّد،كما قال تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المائدة:66،[ثمّ أيّده بآيات:المائدة:68، الإسراء:107،القصص:54،آل عمران:20،هود:

17،فراجع](1:286)

الآلوسيّ: أي يقرءونه حقّ قراءته،و هي قراءة تأخذ بمجامع القلب فيراعى فيها ضبط اللّفظ و التّأمّل في المعنى،و حقّ الأمر و النّهي.[ثمّ أدام نحو أبي البقاء]

(1:372)

محمّد عبده: عبّر عن التّدبير و الفهم بالتّلاوة حقّ التّلاوة ليرشدنا إلى أنّ ذلك هو المقصود من التّلاوة الّتي يشترك فيها أهل الأهواء و البدع مع أهل العلم و الفهم.و التّعبير يشعر بأنّ أولئك الّذين حكم بنفي رضاهم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نفيا مؤكّدا لا حظّ لهم من الكتاب إلاّ مجرّد التّلاوة و تحريك اللّسان بالألفاظ؛لأنّهم لا يعقلون عقائده،و لا يتدبّرون حكمه و مواعظه، و لا يفقهون أحكامه و شرائعه؛لأنّهم استغنوا عنه بتقليد بعض الرّؤساء و الاكتفاء بما يقولون،فلا عجب إذا أعرضوا عمّا جاء به النّبيّ و لا ضرر في إعراضهم.و أمّا الآخرون فإنّهم لتدبّرهم و فهمهم أسرار الدّين،و علمهم بوجوب مطابقتها لمصالح المكلّفين،يعقلون أنّ ما جاء به هو الحقّ الّذي يتّفق مع مصلحة البشر في ترقية أرواحهم،و في نظام معايشهم،فيؤمنون به و إنّما ينتفع بإيمان أمثالهم.

و جملة القول أنّ هذا التّعبير أفاد حكما جديدا و إرشادا عظيما و هو أنّ الّذي يتلو الكتاب لمجرّد التّلاوة مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا فلا حظّ له من الإيمان بالكتاب لأنّه لا يفهم أسراره و لا يعرف هداية اللّه فيه.

و قراءة الألفاظ لا تفيد الهداية و إن كان القارئ يفهم مدلولاتها كما يقول المفسّر و المعلّم لها،لأنّ هذا الفهم من قبيل التّصوّر،و ما التّصوّر إلاّ خيال يلوح و يتراءى،ثمّ يغيب و يتناءى،و إنّما الفهم فهم التّصديق و الإذعان ممّن

ص: 855

يتدبّر الكتاب مستهديا مسترشدا ملاحظا أنّه مخاطب به من اللّه تعالى ليأخذ به فيهتدي و يرشد،و المقلّدون محرومون من هذا فلا يخطر لهم ببال إنّهم مطالبون بالاهتداء بكتاب اللّه تعالى،و إنّما الهداية عندهم محصورة في كلام رؤسائهم الدّينيّين،و لا سيّما إذا كانوا ميّتين.

و إذا كنّا نعتبر بما قصّ اللّه تعالى علينا من خبر أهل الكتاب،كما قال: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ يوسف:111،فإنّنا نعرف حكم أهل القرآن عنده تعالى ممّا ذكره عن أهل التّوراة و الإنجيل كما نعرفه من مثل قوله عزّ و جلّ: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:24،و قوله: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ص:29،فكلّ هذه الآيات و العبر لم تحلّ دون اتّباع هذه الأمّة سنن من قبلها شبرا بشبر و ذراعا بذراع،كما أنبئت للتّحذير،و القرآن حجّة عليها كما ورد في الحديث«القرآن حجّة لك أو عليك»و لا شكّ أنّ من يتلو ألفاظ القرآن و هو معرض عن هدايته غير معتبر بوعده و وعيده فهو كالمستهزئ بربّه.

سأل سائل من المقلّدين حاضري الدّرس بأنّ العلماء قالوا:إنّ القرآن يتعبّد بتلاوته؟فقال الأستاذ الإمام:نعم و لكنّهم لم يقولوا إنّه أنزل لذلك،و كيف يقولون ذلك و اللّه الّذي أنزله يقول إنّه أنزله لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ص:29،فالقرآن و كذلك السّنّة يصرّحان في مواضع كثيرة بخلاف هذا القول إذا أخذ على إطلاقه و جعل معناه أو من معناه أنّ اللّه تعالى يطالب عباده بقراءة القرآن بدون تدبّر و لا تذكّر.و قد جاء من الأحاديث ما يصف حال قوم يأتون بعد«يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم»و قد سمّاهم شرار الخلق،فهؤلاء الأشرار قد اتّخذوا القرآن من الأغاني و المطربات؛و إذا طالبت أحدهم بالفهم و التّدبّر أخذته العزّة بالإثم و احتجّ عليك بكلمة قالها فلان أو حلم رآه فلان،و هكذا انقلب على المسلمين وضع الدّين،ثمّ هم يتعجّبون مع ذلك كيف حرموا من وعد اللّه في قوله: أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ* أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ المؤمنون 68،69،و ضرب الأستاذ مثلا رجلا يرسل كتابا إلى آخر فيقرأه المرسل إليه هذرمة أو يترنّم به و لا يلتفت إلى معناه و لا يكلّف نفسه إجابة ما طلب فيه ثمّ يسأل الرّسول أو غيره:ما ذا قال صاحب الكتاب فيه و ما ذا يريد منه؟أ يرضى المرسل إليه بهذا أم يراه استهزاء به؟فالمثل ظاهر و إن كان الحقّ لا يقاس على الخلق،فإنّ الكتاب لا يرسل لأجل ورقه؛و لا لأجل نقوشه و لا لأجل أن تكيف الأصوات حروفه و كلمه و لكن ليعلم مراد المرسل منه و يعمل به.

(رشيد رضا 1:447)

رشيد رضا :[بدأ بذكر الرّبط بين هذه الآية و بعدها لما قبلها ثمّ قال:]

و هذه الآية تنطق بأنّ منهم من يرجي إيمانه و هم الّذين وصفهم بما هو علّة الرّجاء و مناط الأمل و هو تلاوة كتابهم حقّ تلاوته،و عدم الجمود على الظّواهر و التّقاليد،و الاكتفاء بالأمانيّ و الظّنون.[إلى أن قال:]

فاعلم أنّ هؤلاء قد ألحقوا بدينهم من التّقاليد

ص: 856

و المخترعات،و ألصقوا به من البدع و العادات،ما غرّهم في دينهم بغير فهم؛و جعلهم يتعصّبون له بغير عقل، فكانوا بذلك أبعد عن حقيقة الإيمان من أولئك الّذين يعبدون الأوثان،و ذلك أنّهم اتّخذوا الدّين جنسيّة فليس منه إلاّ الجمود على عادات صارت مميّزة للمنتسبين إليه،و لكن لا يزال فيهم نفر يرجى منهم تدبّر الشّيء،و التّمييز بين الحقّ و الباطل.و هم يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أي يفهمون أسراره و يفقهون حكمة تشريعه، و فائدة نوط التّكليف به،لا يتقيّدون في ذلك بآراء من سبقهم فيه،و لا بتحريفهم كلمة عن مواضعه.(1:447)

النّهاونديّ: يَتْلُونَهُ متدبّرا فيه،و يقرءونه متفكّرا في معانيه و حقائقه،و ذلك يكون حَقَّ تِلاوَتِهِ علموا بدلالته أنّ دين موسى و كتابه منسوخان،و عرفوا أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله نبيّ و كتابه حقّ، فالإيمان بالتّوراة ملازم للإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.(1:105)

مكارم الشّيرازيّ: عبّر القرآن عن الفئة المهتدية من أهل الكتاب بأنّهم يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، و هو تعبير عميق يضع لنا خطّا واضحا تجاه القرآن الكريم و الكتب السّماويّة،فالنّاس أمام الآيات الإلهيّة على أقسام:

قسم يكرّسون اهتمامهم على أداء الألفاظ بشكل صحيح و على قواعد التّجويد،و يشغل ذهنهم دوما الوقف و الوصل و الإدغام و الغنّة في التّلاوة،و لا يهتمّون إطلاقا بمحتوى القرآن،فما بالك بالعمل به!و هؤلاء بالتّعبير القرآنيّ كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5.

و قسم يتجاوز إطار الألفاظ و يتعمّق في المعاني و يدقّق في الموضوعات القرآنيّة،و لكن لا يعمل بما يفهم.

و قسم ثالث:و هم المؤمنون حقّا،يقرءون القرآن باعتباره كتاب عمل،و منهجا كاملا للحياة،و يعتبرون قراءة الألفاظ و التّفكير في المعاني،و إدراك مفاهيم الآيات الكريمة مقدّمة للعمل،و لذلك تصحو في نفوسهم روح جديدة كلّما قرءوا القرآن،و تتصاعد في داخلهم عزيمة و إرادة جديدتان و استعداد جديد للأعمال الصّالحة،و هذه هي التّلاوة الحقّة.(6:316)

تتلوا

1- وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ... البقرة:102

ابن عبّاس:تتبع.

مثله أبو رزين.(الطّبريّ 1:447)

انطلقت الشّياطين في الأيّام الّتي ابتلى فيها سليمان، فكتبت فيها كتبا فيها سحر و كفر،ثمّ دفنوها تحت كرسيّ سليمان،ثمّ أخرجوها فقرءوها على النّاس.

(الطّبريّ 1:447)

لمّا خرج سليمان عن ملكه،كتبت الشّياطين السّحر، و دفنته في مصلاّه.فلمّا توفّي استخرجوه،و قالوا:بهذا كان يملك الملك.

مثله مقاتل.(ابن الجوزيّ 1:121)

إنّ آصف كان يكتب ما يأمر به سليمان،و يدفنه تحت كرسيّه،فلمّا مات سليمان،استخرجته الشّياطين،فكتبوا بين كلّ سطرين سحرا و كذبا،و أضافوه إلى سليمان.

(ابن الجوزيّ 1:121)

ص: 857

ما تتبع،و تعمل به.(البغويّ 1:73)

مجاهد :كانت الشّياطين تسمع الوحي،فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها،فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه،فلمّا توفّي سليمان وجدته الشّياطين فعلّمته النّاس،و هو السّحر.

(الطّبريّ 1:447)

عكرمة :إنّ الشّياطين كتبت السّحر بعد موت سليمان،ثمّ أضافته إليه.(ابن الجوزيّ 1:121)

عطاء:معناه تقرأ،من تلوت كتاب اللّه،أي قرأته.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 1:371)

قتادة :من الكهانة و السّحر،و ذكر لنا-و اللّه أعلم- أنّ الشّياطين ابتدعت كتابا فيه سحر و أمر عظيم،ثمّ أفشوه في النّاس،و علّموهم إيّاه.(الطّبريّ 1:447)

السّدّيّ: كانت الشّياطين على عهد سليمان تصعد إلى السّماء فتقعد منها مقاعد للسّمع،فيستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم،فتحدّث الكهنة النّاس، فيجدونه كما قالوا حتّى إذا أمنهم الكهنة كذبوا لهم، فأدخلوا فيه غيره،فزادوا مع كلّ كلمة سبعين كلمة، فكتب النّاس ذلك الحديث في الكتب،و فشا في بني إسرائيل أنّ الجنّ يعلمون الغيب.

فبعث سليمان في النّاس،فجمع تلك الكتب، فجعلها في صندوق،ثمّ دفنها تحت كرسيّه،و لم يكن أحد من الشّياطين يستطيع أن يدنوا من الكرسيّ إلاّ احترق، و قال سليمان:لا أسمعهم أحدا يذكر أنّ الشياطين تعلم الغيب إلاّ ضربت عنقه.

فلمّا مات سليمان و ذهبت العلماء الّذين يعرفون أمره،و خلف بعد ذلك خلف،تمثّل الشّيطان في صورة إنسان،ثمّ أتى نفرا من بني إسرائيل،فقال:هل أدلّكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟قالوا نعم.قال:فاحفروا تحت الكرسيّ،و ذهب معهم،فأراهم المكان،و قام ناحية، فقالوا له:ادن،قال:لا،و لكنّني هاهنا في يدكم،فإن لم تجدوه فاقتلوني،فحفروا فوجدوا تلك الكتب.

فلمّا أخرجوها قال الشّيطان:إنّ سليمان إنّما كان يضبط الإنس و الشّياطين و الطّير بهذا السّحر.ثمّ طار، و فشا في النّاس أنّ سليمان كان ساحرا،و اتّخذت بنو إسرائيل تلك الكتب،فلمّا جاءهم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم خاصموه بها،فذلك حين يقول اللّه تعالى: وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ...

و أمّا قوله تعالى: تَتْلُوا أي تتبع.(126)

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 1:445)

ابن إسحاق :و الّذي تتلوه هو السّحر.

(الطّوسيّ 1:371)

أبو عبيدة :أي تتبّع،و تتلو:تحكي و تكلّم به،كما تقول:يتلو كتاب اللّه،أي يقرؤه.(1:48)

ابن أبي اليمان :تروي.(أبو حيّان 1:326)

الطّبريّ: و اختلف في تأويل قوله: تَتْلُوا فقال بعضهم:يعني بقوله: تَتْلُوا تحدّث و تروي و تتكلّم به و تخبر،نحو تلاوة الرّجل للقرآن و هي قراءته.و وجه قائلو هذا القول تأويلهم ذلك إلى أنّ الشّياطين هي الّتي علّمت النّاس السّحر و روته لهم.

و قال آخرون:معنى قوله: ما تَتْلُوا ما تتّبعه و ترويه و تعمل به.

ص: 858

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر عن الّذين أخبر عنهم أنّهم وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ على عهد سليمان باتّباعهم ما تلته الشّياطين،و لقول القائل:هو يتلو كذا،في كلام العرب معنيان:

أحدهما:الاتّباع،كما يقال:تلوت فلانا،إذا مشيت خلفه و تبعت أثره،كما قال جلّ ثناؤه: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ يونس:30،يعني بذلك تتبع.

و الآخر القراءة و الدّراسة،كما تقول:فلان يتلو القرآن،بمعنى أنّه يقرؤه و يدرسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و لم يخبرنا اللّه جلّ ثناؤه بأيّ معنى التّلاوة كانت تلاوة الشّياطين،الّذين تلوا ما تلوه من السّحر على عهد سليمان،بخبر يقطع العذر.و قد يجوز أن تكون الشّياطين تلت ذلك دراسة و رواية و عملا،فتكون كانت متّبعته بالعمل،و دراسته بالرّواية،فاتّبعت اليهود منهاجها في ذلك،و عملت به و روته.(1:447)

الزّجّاج :ما كانت تتلوه،و الّذي كانت الشّياطين تلته في ملك سليمان كتاب من السّحر،فلبهت اليهود و كذبهم ادّعوا أنّ هذا السّحر أخذوه عن سليمان،و أنّه اسم اللّه الأعظم،يتكسّبون بذلك،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّهم رفضوا كتابه و اتّبعوا السّحر.(1:183)

الثّعالبيّ: قال عزّ من قائل في ذكر الماضي بلفظ المستقبل: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ أي ما تلت.(330)

نحوه أبو البركات(1:113)،و القرطبيّ(2:42)، و الشّربينيّ(1:81).

الطّوسيّ: و معنى تَتْلُوا قال ابن عبّاس:تتبع، لأنّ التّالي تابع.و قال بعضهم:يدّعي،و ليس بمعروف.

و قال تعالى: هُنالِكَ تتلوا (1)كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ يونس:30،أي تتبع.

و الّذي تتلوه هو السّحر-على قول ابن اسحاق، و غيره من أهل العلم-و قال بعضهم:الكذب.

و قال قوم:إنّما قال: تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ لأنّهم كذبوا عليه بعد وفاته،كما قال:

وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ آل عمران:75،78، و قال: أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ الأعراف:28، و يونس:68.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا صدق،قيل:تلاعنه.و إذا كذب،قيل:تلا عليه.و إذا أبهم،جاز فيه الأمران.(1:371)

الواحديّ: أي تقرأ و تحدّث و تقصّ.[ثمّ قال نحو الثّعالبيّ](1:182)

الزّمخشريّ: يعني و اتّبعوا كتب السّحر و الشّعوذة الّتي كانت تقرؤها.(1:301)

مثله النّسفيّ(1:65)،و أبو السّعود(1:171)، و البروسويّ(1:190)،و الطّنطاويّ(1:100).

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:معناه تكذب،عن أبي مسلم.(1:173)

ابن الجوزيّ: و تَتْلُوا بمعنى تلت.و في كيفيّة ما تلت الشّياطين على ملك سليمان ستّة أقوال:[أربعة منها و هي قولي ابن عبّاس و قول عكرمة و قتادة،ثمّ قال:]).

ص: 859


1- و القراءة المشهورة:(تبلوا).

و الخامس:أنّ سليمان أخذ عهود الدّوابّ،فكانت الدّابّة إذا أصابت إنسانا طلب إليها بذلك العهد،فتخلّى عنه،فزاد السّحرة السّجع و السّحر،قاله أبو مجلز.

و السّادس:[و هو قول السّدّيّ و قد نقلناه من تفسيره](1:120)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في تفسير تَتْلُوا وجوها:

أحدها:أنّ المراد منه:التّلاوة و الإخبار.

و ثانيها:قال أبو مسلم: تَتْلُوا أي تكذب عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. يقال:تلا عليه،إذا كذب، و تلا عنه:إذا صدق.و إذا أبهم،جاز الأمران.

و الأقرب هو الأوّل،لأنّ«التّلاوة»حقيقة في الخبر إلاّ أنّ المخبر يقال في خبره إذا كان كذبا:إنّه تلا فلان، و إنّه قد تلا على فلان،ليميّز بينه و بين الصّدق الّذي لا يقال فيه:روى على فلان،بل يقال:روى عن فلان، و أخبر عن فلان و تلا عن فلان؛و ذلك لا يليق إلاّ بالإخبار و التّلاوة.

و لا يمتنع أن يكون الّذي كانوا يخبرون به عن سليمان ممّا يتلى و يقرأ،فيجتمع فيه كلّ الأوصاف.(3:203)

البيضاويّ: و اتّبعوا كتب السّحر الّتي تقرؤها أو تتّبعها الشّياطين،من الجنّ أو الإنس أو منهما.(1:73)

الخازن :تقرأ،من التّلاوة.و قيل:معناه تفتري، و تكذّب.(1:73)

أبو حيّان :و تَتْلُوا تتبع،قاله ابن عبّاس،أو تدّعي،أو تقرأ،أو تحدّث قاله عطاء،أو تروي قاله يمان،أو تعمل،أو تكذب قاله أبو مسلم.و هي أقوال متقاربة،و(ما)موصولة صلتها(تتلوا)و هو مضارع في معنى الماضي،أي ما تلت.

و قال الكوفيّون:المعنى ما كانت تتلوا،لا يريدون أنّ صلة(ما)محذوفة و هي«كانت»و تَتْلُوا في موضع الخبر،و إنّما يريدون أنّ المضارع وقع موقع الماضي،كما أنّك إذا قلت:كان زيد يقوم،هو إخبار بقيام زيد،و هو ماض لدلالة«كان»عليه.(1:326)

نحوه الآلوسيّ.(1:337)

سيّد قطب :لقد تركوا ما أنزل اللّه مصدّقا لما معهم، و راحوا يتتبّعون ما يقصّه الشّياطين عن عهد سليمان، و ما يضلّلون به النّاس من دعاوي مكذوبة عن سليمان؛إذ يقولون:إنّه كان ساحرا،و إنّه سخّر ما سخّر عن طريق السّحر الّذي كان يعلمه و يستخدمه.(1:95)

الطّباطبائيّ: قد اختلف المفسّرون في تفسير الآية اختلافا عجيبا،لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد،فاختلفوا في مرجع ضمير قوله:

اِتَّبَعُوا، أ هم اليهود الّذين كانوا في عهد سليمان،أو الّذين في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو الجميع؟و اختلفوا في قوله: تَتْلُوا هل هو بمعنى تتبع الشّياطين و تعمل به أو بمعنى تقرأ،أو بمعنى تكذب؟[إلى أن قال:]

ما تَتْلُوا أي تضع و تكذب اَلشَّياطِينُ من الجنّ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. و الدّليل على أنّ تَتْلُوا بمعنى تكذب،تعدّيه،ب(على).[إلى أن قال في بحث روائيّ:]

عن الباقر عليه السّلام في حديث:فلمّا هلك سليمان وضع إبليس السّحر و كتبه في كتاب،ثمّ طواه و كتب على ظهره:هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن

ص: 860

داود من ذخائر كنوز العلم،من أراد كذا و كذا فليعمل كذا و كذا،ثمّ دفنه تحت سريره،ثمّ استتاره لهم فقرأه، فقال الكافرون:ما كان يغلبنا سليمان إلاّ بهذا،و قال المؤمنون:بل هو عبد للّه و نبيّه،فقال اللّه جلّ ذكره:

وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ.

أقول:إسناد الوضع و الكتابة و القراءة إلى إبليس لا ينافي استنادها إلى سائر الشّياطين من الجنّ و الإنس، لانتهاء الشّرّ كلّه إليه و انتشاره منه لعنه اللّه،إلى أوليائه بالحي و الوسوسة،و ذلك شائع في لسان الأخبار.و ظاهر الحديث أنّ كلمة تتلوه من التّلاوة بمعنى القراءة،و هذا لا ينافي ما استظهرناه في البيان السّابق:أنّ(تتلوا)بمعنى تكذب،لأنّ إفادة معنى الكذب من جهة التّضمين أو ما يشبه،و تقدير قوله: تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ يقرءونه كاذبين على ملك سليمان.و الأصل في معنى تلا يتلو:رجوعه إلى معنى ولى يلي ولاية،و هو أن يملك الشّيء من حيث التّرتيب،و وقوع جزء منه عقيب جزء آخر.(1:233-237)

محمّد حسين فضل اللّه: أمّا كلمة(تتلوا) فالظّاهر بقرينة المقام أنّها كناية عن النّسبة الكاذبة،إذ لا معنى للقراءة المجرّدة في هذا المجال.(2:144)

2- وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ... يونس:61

ابن عبّاس: وَ ما تَتْلُوا عليهم مِنْ قُرْآنٍ سورة أو آية.(176)

الطّبريّ: و ما تقرأ من كتاب اللّه.(11:129)

مثله الكاشانيّ(2:408)،و محمّد جواد مغنيّة(4:

415)

ابن الأنباريّ: «الهاء»في(منه)تعود على(الشّأن) على تقدير حذف المضاف،و تقديره:و ما تتلو من أجل الشّأن من قرآن،أو يحدّث لك شأن فتتلو القرآن من أجله.(1:415)

الطّوسيّ: أي ليس تتلو من القرآن،فتكون «الهاء»كناية عن القرآن قبل الذّكر،لتفخيم ذكر القرآن،كما قال: إِنَّهُ أَنَا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ النّمل:9.

و يحتمل أن تكون«الهاء»عائدة على الشّأن، و تقديره:و ما يكون من الشّأن.(5:459)

البغويّ: (منه)من اللّه(من قران)نازل.و قيل:

(منه)أي من الشّأن(من قران)نزل فيه.(3:160)

الزّمخشريّ: و الضّمير في(منه)للشّأن،لأنّ تلاوة القرآن شأن من شأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،بل هو معظم شأنه، أو للتّنزيل أو للتّنزيل كأنّه قيل:و ما تتلو من التّنزيل (من قران)كلّ جزء منه قرآن،و الإضمار قبل الذّكر تفخيم له أو للّه عزّ و جلّ.(2:242)

مثله الشّربينيّ.(2:26)

نحوه النّسفيّ.(2:168)

الطّبرسيّ: أي و ما تقرأ تمن اللّه من قرآن.و قيل:من الكتاب من قرآن،و القرآن يقع على القليل و الكثير منه.

و قيل:إنّ«الهاء»تعود إلى الشّأن،أي و ما تتلوا من الشّأن من قرآن.(3:119)

ابن عطيّة :(منه)الضّمير عائد على(شان)أي فيه

ص: 861

و بسببه(من قران).و يحتمل أن يعود الضّمير على جميع القرآن،ثمّ عمّ بقوله: وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ.

(3:127)

ابن الجوزيّ: في هاء الكناية قولان:

أحدهما:[و هو قول الزّجّاج]

و الثّاني:أنّها تعود إلى اللّه تعالى،فالمعنى و ما تلوت من اللّه،أي من نازل منه(من قران)،ذكره جماعة من العلماء.

و الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و أمّته داخلون فيه،بدليل قوله:

وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ. قال ابن الأنباريّ:جمع في هذا،ليدلّ على أنّهم داخلون في الفعلين الأوّلين.

(4:42)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا في أنّ الضّمير في قوله:

(منه)إلى ما ذا يعود؟و ذكروا فين ثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّه راجع إلى الشّأن،لأنّ تلاوة القرآن شأن من شأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،بل هو معظم شأنه.و على هذا التّقدير،فكان هذا داخلا على علوّ تحت قوله:

وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ إلاّ أنّه خصّه بالذّكر تنبيها على علوّ مرتبته،كما في قوله تعالى: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:98،و كما في قوله: وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ الأحزاب:7.

الثّاني:أنّ هذا الضّمير عائد إلى القرآن،و التّقدير:

و ما تتلو من القرآن؛و ذلك لأنّه كما أنّ القرآن اسم للمجموع،فكذلك هو اسم لكلّ جزء من أجزاء القرآن.و الإضمار قبل الذّكر يدلّ على التّعظيم.

الثّالث:أن يكون التّقدير:و ما تتلو من قرآن من اللّه أي نازل من عند اللّه.

و أقول:قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ أمران مخصوصان بالرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و أمّا قوله:

وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ فهذا خطاب مع النّبيّ و مع جميع الأمّة.

و السّبب في أن خصّ الرسول بالخطاب أوّلا،ثمّ عمّم الخطاب مع الكلّ،هو أنّ قوله:

وَ ما تَكُونُ... وَ ما تَتْلُوا... و إن كان بحسب الظّاهر خطابا مختصّا بالرّسول،إلاّ أنّ الأمّة داخلون فيه و مرادون منه،لأنّه من المعلوم أنّه إذا خوطب رئيس القوم كان القوم داخلين في ذلك الخطاب،و الدّليل عليه قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ الطّلاق:1.

ثمّ إنّه تعالى بعد أن خصّ الرّسول بذينك الخطابين عمّم الكلّ بالخطاب الثّالث،فقال: وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ فدلّ ذلك على كونهم داخلين في الخطابين الأوّلين.(17:121)

نحوه النّيسابوريّ(11:97)،و الخازن(3:160).

البيضاويّ: و الضّمير في(و ما تتلوا منه)له [الشّأن]لأنّ تلاوة القرآن معظم شأن الرّسول،أو لأنّ القراءة تكون لشأن فيكون التّقدير من أجله.و مفعول (تتلوا)(من قران)على أنّ«من»تبعيضيّة أو مزيدة لتأكيد النّفي،أو للقرآن و إضماره قبل الذّكر،ثمّ بيانه تفخيم له أو للّه.(1:452)

نحوه أبو السّعود(3:253)،و البروسويّ(4:57)، و رشيد رضا(11:413).

ص: 862

أبو حيّان: و الخطاب في قوله تعالى: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا... للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو عامّ بجميع شئونه عليه السّلام،و وَ ما تَتْلُوا مندرج تحت عموم(شان) و اندرج من حيث المعنى في الخطاب كلّ ذي شأن.و(ما) في الجملتين نافية،و الضّمير في(منه)عائد على(شان)، و(من قران)تفسير للضّمير،و خصّ من العموم لأنّ القرآن هو أعظم شئونه عليه السّلام.(5:174)

شبّر:(منه)من اللّه،(من قران)مفعول(تتلوا)، و(من)للتّبعيض،أو مزيدة للتّوكيد،أو من الشّأن،لأنّ تلاوة القرآن من معظم شأن الرّسول.(3:169)

الآلوسيّ: الضّمير المجرور للشّأن؛و التّلاوة أعظم شئونه صلّى اللّه عليه و سلّم و لذا خصّت بالذّكر،أو للتّنزيل،و الإضمار قبل الذّكر لتفخيم شأنه،أو للّه عزّ و جلّ.و«من»قيل:

تبعيضيّة على الاحتمالين الأوّلين،و ابتدائيّة على الثّالث، و الّتي في قوله سبحانه:«من قران»زائدة لتأكيد النّفي على جميع التّقادير،و إلى ذلك ذهب القطب.

و قال الطّيّبيّ: إنّ(من)الأولى على الاحتمال الأخير ابتدائيّة و الثانية مزيدة،و على الاحتمال الأوّل الأولى للتّبعيض و الثّانية للبيان،و على الثّاني الأولى ابتدائيّة و الثانية للبيان.

و في«إرشاد العقل السّليم»:أنّ الضّمير الأوّل للشّأن،و الظّرف صفة لمصدر محذوف،أي تلاوة كائنة من الشّأن،أو للتّنزيل،و(من)ابتدائيّة أو تبعيضيّة،أو للّه تعالى شأنه.و«من»ابتدائيّة و(من)الثّانية مزيدة و ابتدائيّة على الوجه الأوّل،و بيانيّة أو تبعيضيّة على الوجه الثّاني و الثّالث.و أنت تعلم أنّه قد يكون الظّرف متعلّقا بما عنده،و التزام تعلّقه بمحذوف وقع صفة لمصدر كذلك في جميع الاحتمالات ممّا لا حاجة إليه.نعم اللاّزم بناء على المشهور أن لا يتعلّق حرفان بمعنى بمتعلّق واحد.

و ذهب أبو البقاء إلى أنّ الضّمير الأوّل للشّأن، و(من)الأولى للأجل،كما في قوله سبحانه: مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا نوح:25،و(من)الثّانية مزيدة، و ما بعدها مفعول به(لتتلوا)و له وجه.

و ممّا يقضي منه العجب ما قاله بعضهم:إنّه يحتمل أن يكون ضمير(منه)للشّأن:إمّا على تقدير(ما تتلوا)حال كون القراءة بعض شئونك،و إمّا أن يحمل الكلام على حذف المضاف،أي و ما تتلو من أجل الشّأن،بأن يحدّث لك شأن فتتلو القرآن من أجله.

فإنّ الحاليّة ممّا لا تكاد تخطر ببال من له أدنى ذوق في العربيّة،و لم نر القول بتقدير مضاف في الكلام إذا كان فيه (من)الأجليّة أو نحوها،و ما في كلام غير واحد من الأفاضل في أمثال ذلك تقدير معنى لا تقدير إعراب، و يبعد حمل هذا البعض على ذلك،كما لا يخفى هذا.

ثمّ إنّ القرآن عامّ للمقروء كلاّ و بعضا،و هو حقيقة في كلّ كما حقّق فى موضعه.و القول بأنّه مجاز في البعض بإطلاق الكلّ و إرادة الجزء ممّا لا يلتفت إليه(و لا تعملون من عمل)أي أيّ عمل كان،و الخطاب الأوّل خاصّ برأس النّوع الإنسانيّ و سيّد المخاطبين صلّى اللّه عليه و سلّم و هذا عامّ، و يشمل سائر العباد برّهم و فاجرهم لا الأخيرين فقط.

و قد روعي في كلّ من المقامين ما يليق به،فعبّر في مقام الخصوص في الأوّل بالشّأن،لأنّ عمل العظيم عظيم،و في الثّاني بالعمل العامّ للجليل و الحقير.و قيل:

ص: 863

الخطاب الأوّل عامّ للأمّة أيضا،كما في قوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ. (11:143)

المراغيّ: أي و ما تتلوا من أجل ذلك الشّأن من قرآن أنزل عليك تعبّدا به أو تبليغا له.(11:127)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ الضّمير إلى اللّه سبحانه، و(من)الأولى للابتداء و النّشوء،و الثّانية للبيان،و المعنى:

و لا تتلو شيئا هو القرآن ناشئا و نازلا من قبله تعالى.

(10:87)

3- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ... الرّعد:30

الطّبريّ: لتبلّغهم ما أرسلتك به إليهم.(13:150)

و جاء في أكثر التّفاسير بمعنى لتقرأ.

4- ...وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ. القصص:45

قال أكثر المفسّرين: تقرأ(عليهم)تعلّما منهم.

و بعضهم قالوا في إعرابه:و هو حال من المستكنّ في (ثاويا)،أو خبر ثان ل(كنت)راجع:البروسويّ(6:

409)،و الآلوسيّ(20:87)،و غيرهما،و قال القرطبيّ:

أي تذكّرهم بالوعد و الوعيد،(13:291).

5- وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. العنكبوت:47

ابن عبّاس: كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمّيّا،لا يقرأ شيئا و لا يكتب.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 21:4)

الطّوسيّ: يعني لم تكن تحسن القراءة قبل أن يوحى إليك بالقرآن، وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ معناه و ما كنت أيضا تخطّ بيمينك.و فيه اختصار،و تقديره:و لو كنت تتلو الكتاب و تخطّه بيمينك إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. (8:215)

نحوه الطّبرسيّ.(4:287)

ابن شهرآشوب: قال المفسّرون:إنّه لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحسن الكتابة و القراءة.و الآية لا تدلّ على ذلك بل فيها إنّه لم يكن يكتب الكتاب؛و قد لا يكتب من لا يحسنه،كما لا يكتب من لا يحسنه.و لو أفاد إنّه لم يكن يحسن الكتابة قبل الإيحاء إليه،لوجب إنّه كان يحسنها بعد الإحياء إليه،ليكون فرقا بين الحالين،لأنّ التّطابق فى الكلام من الفصاحة.

ثمّ إنّ ظاهر الآية يقتضي نفي القراءة و الكتابة بما قبل النّبوّة،لأنّهم إنّما يرتابون في كتابته لو كان يحسنها قبل النّبوّة،فأمّا بعدها فلا تعلّق له بالرّيبة.و يجوز أن يتعلّمها من جبريل بعد النّبوّة،و يجوز أن لا يتعلّم.

و قد شهر يوم الحديبيّة إنّه كان لا يعرفها،لأنّ سهيل بن عمر قال:امح،هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال لعليّ:امحها يا عليّ،ثمّ قال:فضع يدي عليها،و قد شهر أيضا في الصّحاح و السّنن و التّواريخ:«ايتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده»و منع عمر.

(2:22)

القرطبيّ: الضّمير في(قبله)عائد إلى الكتاب،و هو القرآن المنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أي و ما كنت يا محمّد تقرأ

ص: 864

قبله،و لا تختلف إلى أهل الكتاب،بل أنزلناه إليك في غاية الإعجاز و التّضمين للغيوب و غير ذلك،فلو كنت ممّن يقرأ كتابا،و يخطّ حروفا لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ أي من أهل الكتاب،و كان لهم في ارتيابهم متعلّق،و قالوا الّذي نجده في كتبنا أنّه أمّيّ لا يكتب و لا يقرأ و ليس به.

(13:351)

نحوه البيضاويّ(2:212)،و أبو حيّان(7:155)، و غيرهما.

أبو السّعود :أي ما كنت قبل إنزالنا إليك الكتاب تقدر على أن تتلو شيئا أو ما كانت عادتك أن تتلوه و لا أن تخطّه.(5:157)

مثله الآلوسيّ.(21:4)

البروسويّ: أي و ما كانت عادتك يا محمّد قبل إنزالنا إليك القرآن أن تتلو شيئا.(6:479)

الطّباطبائيّ: التّلاوة هي القراءة سواء كانت عن حفظ أو عن كتاب مخطوط،و المراد به في الآية الثّاني، بقرينة المقام.

و ظاهر التّعبير في قوله: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا إلخ،نفي العادة،أي لم يكن من عادتك أن تتلو و تخطّ،كما يدلّ عليه قوله في موضع آخر: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يونس:16.

و قيل:المراد به نفي القدرة،أي ما كنت تقدر أن تتلو و تخطّ من قبله.

و الوجه الأوّل أنسب بالنّسبة إلى سياق الحجّة،و قد أقامها لتثبيت حقّيّة القرآن و نزوله من عنده.

و المعنى:و ما كان من عادتك قبل نزول القرآن أن تقرأ كتابا،و لا كان من عادتك أن تخطّ كتابا و تكتبه-أي ما كنت تحسن القراءة و الكتابة،لكونه أمّيّا-و لو كان كذلك لارتاب هؤلاء المبطلون الّذين يبطلون الحقّ بدعوى أنّه باطل.لكن لمّا لم تحسن القراءة و الكتابة و استمررت على ذلك،و عرفوك على هذه الحال لمخالطتك لهم و معاشرتك معهم،لم يبق محلّ ريب لهم في أمر القرآن النّازل إليك،أنّه كلام اللّه تعالى و ليس تلفيقا لفّقته من كتب السّابقين،و نقلته من أقاصيصهم و غيرهم،حتّى يرتاب المبطلون و يعتذروا به.(16:138)

جلال الحنفيّ البغداديّ: أمّيّة النّبيّ الأميّ (1):

كان للكتابة في الجاهليّة وجود لا مجال لإنكاره، و لكنّه كان من كماليّات الأشياء و مذوقات الصّفات،و لم يكن تعلّم القراءة و الكتابة بالأمر الهيّن؛إذ كان يتطلّبة.

ص: 865


1- و كان العرب أميّين هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ الجمعة:2،الأمّيّون بالمعنى اللّغويّ هم الّذين لا يقرءون و لا يكتبون وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ البقرة:78،بل إنّ العالم كلّه أو معظمه كان أميّا،لا سيّما عامّة النّاس و سائر أفراد الشّعوب،إلاّ الكهنة،و من ماثلهم من الحكماء.و ذاك أنّ الأميّة أمر طبيعيّ حين لا يكون ثمّة ما يكتب و يقرأ، لا سيّما إذ كانت الحضارات أيّام بعثه صلّى اللّه عليه و سلّم قد انهارت و انقرضت،بفعل انصراف الأمم و الشّعوب القديمة إلى الحروب الطّاحنة و الغزوات المدمّرة. إنّ الأميّة لم تكن في تلك العهود عيبا أو منقصة أو كلمة ثلب لأحد،بل كانت إذا ذكرت يراد بها ذكر واقع النّاس و الأمم.بل إنّ من لم يكن أمّيّا و كان يقرأ و يكتب لا يجد في ذلك ما يحمله على المباهاة و المفاخرة. على أنّ وجود الذّكاء و النّباهة لدى أولئك الأجيال كان يعوّض بعض التّعويض في حياتهم اليوميّة،عن حاجتهم إلى القراءة و الكتابة.

نفقات كبيرة و تفرّغا و متابعة مستديمين،كما أنّ متعلّم القراءة و الكتابة إذا لم يجد مجالا لممارستها فإنّه سينسى الكثير ممّا تعلّمه منهما،و لم تكن البيئة العربيّة يومذاك بيئة تأليف و تدوين و مكاتبات و مراسلات،لذلك كان معظم رجال العرب غير عابئين بتعلّم القراءة و الكتابة،كما أنّ الاعتماد على الذّكاء و الفطنة و قوّة الحفظ لديهم كان يصرفهم عن التّفكير في الكتابة و تثبيت المعلومات الّتي لو كتبوها لم يجدوا من يقرؤها.و كانت تتجلّي مزيّة الرّجل فيهم لا سيّما الرّواة و الخطباء و الشّعراء بالذّهنيّة الّتي تستوعب الكثير من أخبار التّاريخ و القصائد، و ما إلى ذلك.

بل بلغ الأمر بهم أن اتّهموا من يكتب بفساد المعلومات الّتي يكتبها،و من هنا جاءت كلمة «التّحريف»الّتي هي تغيير الألفاظ عن مواضعها و تشويه مقاصدها.و إنّما جاء اللّفظ من استعمال الحرف في الكتابة،و مثل ذلك كلمة«التّصحيف»الّتي جاءت من استعمال الصّحف.و ما يزال النّاس عندنا يستخفّون بمن يكتب الأشياء البسيطة في ورقة أو كتاب.

و لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قد مات كافله الّذي هو جدّه عبد المطّلب في سنّ من الصّغر مبكّرة بالقادر على أن يجد فرصة للتعلّم،على أنّ فكرة تعليم الصّبيان لم تكن معروفة يومذاك،و لا كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم متيسّرا له أن يتعلّم الكتابة أيّام كفالة عمّه أبي طالب إيّاه،لا سيّما بعد اضطراب الأحوال المعاشيّة على عمّه،و قد اشتغل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم برعي الأغنام و لم يكن مثل ذلك ممّا يسمح بالقراءة أو الكتابة أو يتطلّبهما.

و عند ما اختير للأعمال التّجاريّة الّتي كانت لخديجة كان الأوان قد فات على حكاية القراءة و الكتابة،على أنّه يبدو أنّ التّجّار يومذاك لم يكونوا يتّخذون السّجلاّت لضبط أمورهم التّجاريّة؛إذ قد يكون العمل التّجاريّ عندهم ذا طبيعة سرّيّة يتكتّمون فيها.

و كانت عادة الأمانة و الثّقة تمنعهم من كتابة الدّيون و تحديد مواعيد تسليمها،لو لا أنّ القرآن الكريم كان أوّل من أمر بذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ...

البقرة:282.

و النّقطة الثّابتة أنّ التّجارة يومئذ لم تكن خاضعة لموافقات جهات رسميّة،بحيث تتطلّب الإجازات و اتّخاذ الأضابير و كتابة أسماء المنشأ التّجاريّ،كما أنّ العملات لم تكن يومذاك تمرّ بظروف الصّيرفة المعروفة ليصار أمرها إلى التّسجيل و التّثبّت.و معظم ما نشأ في ظلّ الحضارة الإسلاميّة فيما بعد من أعراف تجاريّة و ما أشبه ذلك لم يكن معهودا عند العرب أيّام جاهليّتهم.

و خلاصة ما قلناه هو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان أميّا لا يقرأ و لا يكتب،و لو كان قد نعرف بالدّراسة و القراءة و الكتابة مع ادّعاء الأميّة بعد النّبوّة لو وجّه بذلك،و في القرآن الكريم قوله تعالى: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. و كلمة المبطلين كانت تشمل جميع من دعاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أوّل الأمر.

و قد نقل القرآن أقوالهم في النّبيّ و كان ظاهرا فيها

ص: 866

التّعسّف و الافتراء و الكذب،فهم حين ذكروا النّبيّ بأنّه كان يقرأ و يكتب،و لكنّهم نسبوا إلى رجل أعجميّ أنّه كان هو الّذي يعلّم النّبيّ،و قال القرآن في ذلك: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:

103.

إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لو كان يقرأ و يكتب لجاهره بذلك الّذين يعلمون أنّه يقرأ و يكتب،بل لصرّح من علّمه القراءة و الكتابة بأنّه هو الّذي علّمه القراءة و الكتابة.

و قد اتّخذ النّبيّ كتّابا للوحي و الرّسائل،كما أنّه حثّ نفرا من الصّحابة على تعلّم بعض اللّغات الشّائعة في ذلك الزّمان.أمّا دعوته للأمّة إلى تعلّم القراءة و الكتابة فأمر ثابت.

و رغم أنّ الاعتماد على تلاوة القرآن كان من طريق استظهاره فإنّ النّبيّ حرص على كتابته،و كان هذا معروفا في سياسة القرآنيّة صلّى اللّه عليه و سلّم؛بحيث تولّي عثمان بن عفّان تحقيق هذه المهمّة؛إذ ألّف لجنة من كتبة الصّحابة كتبوا القرآن كلّه،و اتّخذوا منه عدّة نسخ وزّعت على الآفاق لإسلاميّة المعروفة،و قد استغرق ذلك بضع سنين.

و من المعلومات البديهيّة في موضوع القرآن الكريم أنّه مؤلّف من سور عدّتها مائة مائة و أربع عشرة سورة، غالبها مكّيّ.و كلّ سورة تتضمّن عددا من الآيات غير محدّد،فبعضها تكون آياتها كثيرة عددا من الآيات غير محدّد،فبعضها تكون آياتها كثيرة تجاوز المئتين و بعضها تكون آياتها قليلة في نحو ثلاث آيات،و كان ذلك معروفا منذ العهد المكّيّ.و في صلب القرآن ما يشير إلى هذه التّسميّات،أي الآية و السّورة.

و الكلام على القرآن الكريم في نظمه و بلاغته و تنسيقه لا يستوعبه بحث موجز،و إنّما هو ممّا تؤلّف فيه الكتب و المطوّلات.إنّ أمّيّة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم مسألة ثابتة انعقد عليها إجماع الأمّة في جميع أزمنة التّاريخ،و لم يكن مثل ذلك ليخفى على من عايش النّبيّ قبل النّبوّة و بعدها، و لا على من كان يراقبه صلّى اللّه عليه و سلّم مراقبة دقيقة،من مثل أحبار اليهود و غيرهم.

و الّذين يدّعون أنّ النّبيّ كان يقرأ و يكتب يحسبون أنّ ذلك ممّا يقدح في صدق نبوّته،في حين أنّ النّبوّة لا يمكن أن يحقّقها الإلمام بالقراءة و الكتابة،فما أكثر الّذين يقرءون و يكتبون،و لا سهم لهم من نبوّة أو رسالة.فإنّ الّذين يحسنون القراءة و الكتابة كثيرون، و لكنّهم لم يظهر فيهم من يملك ما ملكه النّبيّ من الاقتدار على الإتيان بشريعة حكيمة رشيدة،عالجت مشاكل العالم و رسمت لحياة الأمم منهجا سليما و سديدا.

و في القرآن الكريم أحكام لم تعرف في شرائع أخرى،كأحكام المواريث و الزّواج و الطّلاق،و كذلك ما يتعلّق بالعبادات،من صوم و صلاة،و ما إلى ذلك من محتوى حين قورن بالدّيانات القديمة،كان أغزر منها عطاء و أكثر رشادا و أسدّ منحى،في إصلاح الأمم و الشّعوب.

على أنّ في القرآن الكريم غيبيّات يعدّ الكلام فيها من قبل كائن بشريّ مجازفة،لم يقدم عليها أحد من بني البشر.و في تضاعيف هذا الكتاب ما يوضح كثيرا من هذه النّواحي لمن يقبل على مطالعته بإمعان نظر و اهتمام.

ص: 867

إنّ كثافة التّعاليم القرآنيّة و الأحكام المتعلّقة بالعبادات و المعاملات الّتي قام عليها أمر الشّريعة الإسلاميّة؛بحيث كان ذلك سند الدّولة الإسلاميّة الكبرى في سائر معاملاتها.

أجل إنّ ذلك لم يكن موجودا في دين سلف و لا شريعة سبقت و لا كتاب مكتوب،ليقال:إنّ كان قد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد قرأه،بل إنّ التّوراة و الإنجيل لم يكن شيء منهما معرّبا إلى العربيّة يومذاك؛إذ عرّبت التّوراة في نهاية القرن الهجريّ الأوّل.لذلك لا أهميّة لادّعاء من يدّعي أنّ النّبيّ كان يقرأ و يكتب.

لقد وجدنا في آيات المواجهة أنّ خصوم النّبيّ كانوا يتّهمونه بما يظنّونه مسقطا لنبوّته،فلم نجدهم قالوا:إنّه كان يقرأ و يكتب،ممّا نستخلص منه أنّ أميّة النّبيّ كان حقيقة،لا يعجج على مثلها نزاع أو جدال أو خلاف.

(شخصيّة الرّسول الأعظم:81)

و راجع أيضا:«ك ت ب»ذيل الآية:27:العنكبوت.

و لاحظ«أ م م»(أمّيّ)

تتلون

أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. البقرة:44

ابن عبّاس:تدرسون الكتاب بذلك،و يعني ب(الكتاب):التّوراة.(الطّبريّ 1:259)

و أنتم تقرءون التّوراة،و فيها صفته و نعته.

(الطّبرسيّ 1:98)

مثله البغويّ(1:110)،و نحوه البروسويّ(1:

123).

الطّبريّ: تدرسون و تقرءون.(1:259)

نحوه الخازن.(1:46)

الزّمخشريّ: وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ تبكيت، مثل قوله: وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:42،يعني تتلون التّوراة،و فيها نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أو فيها الوعيد على الخيانة،و ترك البرّ،و مخالفة القول و العمل.(1:277)

مثله النّسفيّ(1:46)،و القاسميّ(2:118)،و نحوه البيضاويّ(1:54)،و الشّربينيّ(1:55)،و أبو السّعود (1:129).

ابن عطيّة :معناه تدرسون و تقرءون.و يحتمل أن يكون المعنى تتّبعون،أي في الاقتداء به.(1:137)

الفخر الرّازيّ: تقرءون التّوراة و تدرسونها، و تعملون بما فيها من الحثّ على أفعال البرّ،و الإعراض عن أفعال الإثم.(3:46)

نحوه النّيسابوريّ.(1:300)

القرطبيّ: وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ توبيخ عظيم لم فهم.و(تتلون):تقرءون،(الكتاب):التّوراة.و كذا من فعل فعلهم كان مثلهم.

و أصل التّلاوة:الاتّباع.و لذلك استعمل في القراءة، لأنّه يتبع بعض الكلام ببعض في حروفه حتّى يأتي على نسقه.[ثمّ أدام نحو ما نقلناه في النّصوص اللّغويّة]

(1:369)

أبو حيّان :التّلاوة:القراءة،و سمّيت بها لأنّ الآيات أو الكلمات أو الحروف يتلو بعضها بعضا في الذّكر.(1:182)

ص: 868

أي إنّكم مباشر و الكتاب و قارءوه،و عالمون بما انطوى عليه،فكيف امتثلتموه بالنّسبة إلى غيركم، و خالفتموه بالنّسبة إلى أنفسكم،كقوله تعالى:

وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:42،و الجملة حاليّة.

و لا يخفى ما في تصديرها بقوله: وَ أَنْتُمْ من التّبكيت لهم و التّقريع و التّوبيخ لأجل المخاطبة،بخلافها لو كانت اسما مفردا.

و(الكتاب)هنا التّوراة و الإنجيل.(1:183)

ابن كثير :أي تنهون النّاس عن الكفر بما عندكم من النّبوّة و العهد من التّوراة،و تتركون أنفسكم،أي و أنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي،و تنقضون ميثاقي،و تجحدون ما تعلمون من كتابي.(1:148)

صدر المتألهين :[مثل الفخر الرّازيّ و أضاف:]

أو أنتم من أهل التّلاوة و الدّراسة و المذاكرة للكتب العلميّة،و لستم من العوامّ و الجهّال.(3:257)

الآلوسيّ: وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أي التّوراة، و الجملة حال من فاعل أَ تَأْمُرُونَ و المراد التّبكيت و زيادة التّقبيح.(1:248)

الطّنطاويّ: كان أحبار اليهود ينصحون سرّا باتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و لا يتصدّقون خيفة الفقر،و التّوراة بين أيديهم و فيها الوعيد الشّديد على من ترك البرّ و خالف قوله فعله.فهلاّ منعتهم عقولهم و صانتهم ألبابهم عمّا يعملون من مخالفة الأقوال للأفعال!(1:60)

سأتلو

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً. الكهف:83

الفخر الرّازيّ: معناه إنّي سأفعل هذا إن وقّفني اللّه تعالى عليه؛و أنزل فيه وحيا و أخبرني عن كيفيّة تلك الحال.(21:165)

البيضاويّ: خطاب للسّائلين و الهاء[في منه] ل(ذى القرنين)،و قيل:للّه.(2:23)

النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و الخطاب في(عليكم)للسّائلين و هم اليهود،أو قريش كأبي جهل و أضرابه.(16:23)

الشّربينيّ: أي أقصّ قصّا متتابعا في مستقبل الزّمان،أعلمني اللّه تعالى به.(2:402)

أبو السّعود :أي سأذكر لكم(منه)أي من ذي القرنين(ذكرا)أي نبأ مذكورا.و حيث كان ذلك بطريق الوحي المتلوّ حكاية عن اللّه عزّ و جلّ قيل:(سأتلو)، أي سأتلو في شأنه من جهته تعالى(ذكرا)أي قرآنا.

و السّين للتّأكيد و الدّلالة على التّحقيق المناسب لمقام تأييده عليه الصّلاة و السّلام و تصديقه بإنجاز وعده،أي لا أترك التّلاوة البتّة.[ثمّ استشهد بشعر]

لا للدّلالة على أنّ التّلاوة ستقع فيما يستقبل كما قيل، لأنّ هذه الآية ما نزلت بانفرادها قبل الوحي بتمام القصّة بل موصولة بما بعدها،ريثما سألوه عليه الصّلاة و السّلام عنه و عن الرّوح و عن أصحاب الكهف،فقال لهم عليه الصّلاة و السّلام:ائتوني غدا أخبركم؛فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما أو أربعين.(4:213)

ص: 869

نحوه ملخّصا البروسويّ(5:290)،و الآلوسيّ (16:30).

مكارم الشّيرازيّ: إنّ«السّين»في سَأَتْلُوا تستخدم عادة للمستقبل القريب،و الرّسول هنا يتحدّث مباشرة إليهم عن ذي القرنين.فمن المحتمل أن يكون ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله احتراما و مراعاة للأدب؛الأدب الممزوج بالهدوء و التّروّي،الأدب الّذي يعني استلهامه للعلم من اللّه تبارك و تعالى،و نقله إلى النّاس.

إنّ بداية الآية تبيّن لنا أنّ قصّة(ذى القرنين)كانت متداولة و معروفة بين النّاس،و لكنّها كانت محاطة بالغموض و الإبهام،لهذا السّبب طالبوا الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله الإدلاء حولها بالتّوضيحات اللاّزمة.

(9:313)

اتلوا

وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ. النّمل:92

الواحديّ: وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ عليكم يا أهل مكّة،يريد تلاوة الدّعوة إلى الإيمان.(3:388)

الزّمخشريّ: و قرئ (و اتل عليهم القرآن) عن أبيّ،و (ان اتل) ،عن ابن مسعود.(3:163)

القرطبيّ: أي أقرأه.(13:246)

البيضاويّ: وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ عليكم تلاوة الدّعوى إلى الإيمان،و أن أواظب على تلاوة القرآن لينكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا،أو اتّباعه.

(2:185)

مثله الشّربينيّ(3:78)،و نحوه الكاشانيّ(4:75).

أبو حيّان: إمّا من«التّلاوة»أي و أن أتلو عليكم القرآن.و هذا الظّاهر؛إذ بعده التّقسيم المناسب للتّلاوة.

و إمّا من المتلوّ،أي و أن أتّبع القرآن،كقوله: وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ يونس:109.

و قرأ الجمهور (و ان اتلو) ،و قرأ عبد اللّه (و ان اتل) بغير واو،أمرا من«تلا».فجاز أن تكون(ان)مصدريّة وصلت بالأمر،و جاز أن تكون مفسّرة على إضمار:

و أمرت أن اتل،أي اتل.

و قرأ أبي (و اتل هذا القران) جعله أمرا دون«أن».

(7:102)

أبو السّعود :أي أواظب على تلاوته،لتنكشف لي حقائقه الرّائعة المخزونة في تضاعيفه شيئا فشيئا،أو على تلاوته على النّاس بطريق تكرير الدّعوة و تثنية الإرشاد،فيكون ذلك تنبيها على كفايته في الهداية و الإرشاد من غير حاجة إلى إظهار معجزة أخرى.

فمعنى قوله تعالى: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يونس:108 حينئذ:فمن اهتدى بالإيمان به و العمل بما فيه من الشّرائع و الأحكام.و على الأوّل:فمن اهتدى باتّباعه إيّاي فيما ذكر من العبادة و الإسلام و تلاوة القرآن فإنّما منافع اهتدائه عائدة إليه لا إليّ، (و من ضلّ)بالكفر به و الإعراض عن العمل بما فيه أو بمخالفتي فيما ذكر(فقل)في حقّه: إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ. (5:109)

البروسويّ: التّلاوة:قراءة القرآن متتابعة كالدّراسة و الأوراد الموظّفة.و القراءة أعمّ،يقال:تلاه:

تبعه متابعة ليس بينهما ما ليس منهما،أي و أمرت بأن

ص: 870

أواظب على تلاوته لتكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا،فإنّه كلّما تفكّر التّالي العالم تجلّت له معان جديدة كانت في حجب مخفيّة،و لذا لا يشبع العلماء من تلاوة القرآن،و هو السّرّ في أنّه كان آخر و ردهم،لأنّ المنكشف أوّلا للعارفين حقائق الآفاق ثمّ حقائق الأنفس ثمّ حقائق القرآن.

فعليك بتلاوة القرآن كلّ يوم،و لا تهجره كما يفعل ذلك طلبة العلم و بعض المتصوّفة،زاعمين بأنّهم قد اشتغلوا بما هو أهمّ من ذلك و هو كذب،فإنّ القرآن مادّة كلّ علم في الدّنيا،و يستحبّ لقارئ القرآن في المصحف أن يجهر بقراءته،و يضع يده على الآية يتبعها،فيأخذ اللّسان حظّه من الرّفع و يأخذ البصر حظّه من النّظر و اليد حظّها من المسّ.

و سماع القرآن أشرف أرزاق الملائكة السّيّاحين و أعلاها،و من لم تتيسّر له تلاوة القرآن فليجلس لبثّ العلم لأجل الأرواح الّذين غذاؤهم العلم،لكن لا يتعدّى علوم القرآن.

و الطّهارة الباطنة للأذنين تكون باستماع القول الحسن،فإنّه ثمّ حسن و أحسن،فأعلاه حسنا:ذكر اللّه القرآن،فيجمع بين الحسنين،فليس أعلى من سماع ذكر اللّه بالقرآن،مثل كلّ آية لا يكون مدلولها إلاّ ذكر اللّه، فإنّه ما كلّ آية تتضمّن ذكر اللّه فإنّ فيه حكاية الأحكام المشروعة،و فيه قصص الفراعنة،و حكايات أقوالهم و كفرهم،و إن كان في ذلك الأجر العظيم من حيث هو قرآن بالإصغاء إلى القارئ إذا قرأ من نفسه أو غيره، فعلم أنّ«ذكر اللّه»إذا سمع في القرآن أتمّ من سماع قول الكافرين في اللّه ما لا ينبغي،كذا في«الفتوحات».

و اعلم أنّ خلق النّبيّ عليه السّلام كان القرآن،فانظر في تلاوتك إلى كلّ صفة مدح اللّه بها عباده فافعلها أو اعزم على فعلها،و كلّ صفة ذمّ اللّه بها عباده على فعلها فاتركها أو اعزم على تركها،فإنّ اللّه تعالى ما ذكر لك ذلك و أنزله في كتابه إلاّ لتعمل به.فإذا حفظت القرآن عن تضييع العمل به كما حفظته تلاوة،فأنت الرّجل الكامل.[إلى أن قال:]

و هذه الآية منسوخة بآية السّيف.

و في«التّأويلات النّجميّة»:فيه إشارة إلى أنّ نور القرآن يربّي جوهر الهداية و الضّلالة في معدن قلب الإنسان السّعيد و الشّقيّ،كما يربّي ضوء الشّمس الذّهب و الحديد في المعادن،يدلّ عليه قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً البقرة:26،و قال عليه السّلام:

«النّاس كمعادن الذّهب و الفضّة».(6:378)

شبّر: وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ عليكم أدعوكم إلى ما فيه أو اتّبعه.(4:445)

الآلوسيّ: أي أواظب على قراءته على النّاس بطريق تكرير الدّعوة و تثنيته الإرشاد،لكفايته في الهداية إلى طريق الرّشاد.

و قيل:أي أواظب على قراءته لينكشف لى حقائقه الرّائقة المخزونة في تضاعيفه شيئا فشيئا،فإنّ المواظبة على قراءته من أسباب فتح باب الفيوضات الإلهيّة و الأسرار القدسيّة.و قد حكي أنّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،قام ليلة يصلّي فقرأ قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ المائدة:118،فما زال يكرّرها و يظهر له

ص: 871

من أسرارها ما يظهر حتّى طلع الفجر.

و قيل:(أتلو)من تلاه،إذا تبعه،أي و أنّ أتّبع القرآن،و هو خلاف الظّاهر.

و يؤيّد ما ذكرناه أوّلا من المعنى ما في حرف أبيّ،كما أخرجه أبو عبيد.و ابن المنذر عن هارون(و اتل عليهم القرآن)و حكى عنه في«البحر»أنّه قرأ (و اتل هذا القران) ،و لا تأييد فيه لما ذكرنا.

و قرأ عبد اللّه (و ان اتل) بغير واو و أمرا من«تلا»، فجاز أن تكون(أن)مصدريّة وصلت بالأمر،و جاز أن تكون مفسّرة على إضمار«أمرت».[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](20:39)

نحوه ملخّصا المراغيّ.(20:27)

محمّد جواد مغنيّة: المراد بتلاوة القرآن هنا:

الدّعوة إلى الإيمان به،و السّير على منهجه.(6:44)

الطّباطبائيّ: وَ أَنْ أَتْلُوَا... معطوف على قوله: أَنْ أَعْبُدَ أي أمرت أن أقرأ القرآن،و المراد:

تلاوته عليهم بدليل تفريع قوله: فَمَنِ اهْتَدى إلخ، عليه.(15:404)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الآية[ إِنَّما أُمِرْتُ...

النّمل:91]بيّنت وظيفتين أساسيّتين على النّبيّ، و هما:عبادة الواحد الأحد،و التّسليم المطلق لأمره.

و الآية التّالية تبيّن أسباب الوصول إلى هذين الهدفين،فتقول: وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ، أتلوه فأستضيء بنوره،و أنتهل من عذب معينه الّذي يهب الحياة،و أن أعول في جميع مناهجي على هديه.

أجل فالقرآن وسيلتي للوصول إلى هذين الهدفين المقدّسين،و المواجهة لكلّ أنواع الشّرك و الانحراف و الضّلال و مكافحتها.(12:146)

محمّد حسين فضل اللّه: وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ على النّاس كلّهم،لأفتح عيونهم و عقولهم و حياتهم على مواضع الهدى،ليفكّروا بحرّيّة،ليختاروا الموقف الّذي يناسبهم من خلال وعيهم للنّتائج الخيّرة الّتي تترتّب عليه في جانب الخير،و ليتعرّفوا الموقف الآخر الّذي يحتوي النّتائج السّلبيّة المترتّبة عليه.(17:254)

اتل

قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ... الأنعام:151

كعب الأحبار:هذه الآية هي مفتتح التّوراة:

(بسم الله الرحمن الرحيم) قُلْ تَعالَوْا... إلى آخر الآيات.(الثّعالبيّ 1:521)

ابن عبّاس: في الكتاب الّذي أنزل عليّ.(122)

هذه الآيات هي المحكمات المذكورة في آل عمران، اجتمعت عليها شرائع الخلق،و لم تنسخ قطّ في ملّة.

(الثّعالبيّ 2:521)

الطّبريّ: تعالوا أيّها القوم أقرأ عليكم ما حرّم ربّكم حقّا يقينا،لا الباطل،تخرّصا كخرصكم على اللّه الكذب و الفرية ظنّا،و لكن وحيا من اللّه أوحاه إليّ،و تنزيلا أنزله عليّ:ألاّ تشركوا باللّه شيئا من خلقه،و لا تعدلوا به الأوثان و الأصنام و...(8:81)

نحوه البغويّ(2:170)،و الخازن(2:162)، و القرطبيّ(7:130)،و ابن كثير(3:120).

الزّجّاج : قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ ف(ما)في

ص: 872

موضع نصب إن شئت ب(اتل)،و المعنى:تعالوا أتل الّذي حرّم ربّكم عليكم.و جائز أن تكون(ما)منصوبة ب(حرّم)،لأنّ التّلاوة بمنزلة القول،كأنّه قال:أقول أيّ شيء حرّم ربّكم عليكم،أ هذا أم هذا.(2:303)

نحوه الزّمخشريّ(2:61)،و الطّبرسيّ(2:382)، و أبو السّعود(2:458)،و شبّر(2:332).

الرّمّانيّ: التّلاوة هي القراءة،و الفرق بين التّلاوة و المتلوّ و القراءة و المقروء،أنّ التّلاوة و القراءة للمرّة الأولى،و المتلوّ و المقروء للثّانية و ما بعدها.

(الماورديّ 2:185)

الماورديّ: [نقل قول الرّمّانيّ ثمّ قال:]

و الّذي أراه من الفرق بينهما أنّ التّلاوة و القراءة يتناول اللّفظ،و المتلوّ و المقروء يتناول الملفوظ.

(2:185)

الطّوسيّ: قوله:(اتل)مشتقّ من«التّلاوة»مثل القراءة،و المتلوّ مثل المقروء.فالمتلوّ هو المقروء الأوّل، و التّلاوة هي الثّاني منه على طريق الإعادة،و هو مثل الحكاية و المحكيّ.

و هو مجزوم بأنّه جواب الأمر،و علامة الجزم فيه حذف الواو،و من شأن الجازم أن يأخذ الحركة إذا كانت على الحرف،فإن لم يكن هناك حركة أخذ نفس الحرف.

[ثمّ أدام نحو الزّجّاج](4:339)

ابن عطيّة :معناه أسرد و أقصّ (1)،من التّلاوة الّتي يصحّ،هي إتباع بعض الحروف بعضا.و(ما)نصب بقوله:(اتل)و هي بمعنى الّذي و قال الزّجّاج:أن يكون قوله:(اتل)معلّقا عن العمل،و(ما)نصب ب(حرّم)، و هذا قلق.(2:361)

نحوه أبو حيّان(4:249)،إلاّ أنّ فيه بحث في تركيب الجملة،راجع«ح ر م».

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ثمّ فسّره بعشرة أحكام خمسة منها واجبة.و التّلاوة:وصف للّفظ لا للمعنى،كيلا يقال أضداده محرّمة؟

قلنا:قوله: أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ لا ينفي تلاوة غيره،فقد تلا ما حرّم و تلا غيره أيضا.الثّاني:أنّ فيه إضمارا تقديره:(اتل)ما حرّم ربّكم (2)عليكم، و أوجب.(90)

الآلوسيّ: (اتل)جواب الأمر،أي إن تأتوني أتل.

(8:53)

الطّباطبائيّ: و التّلاوة:قريب المعنى من القراءة.

و لمّا كان قوله: تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ إلخ،دعوة إلى التّلاوة وضع في الكلام عين ما جاء به الوحي في مورد المحرّمات،من النّهي في بعضها و الأمر بالخلاف في بعضها الآخر،فقال: أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً كما قال:

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ، وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ إلخ،و قال: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً كما قال:

وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ، وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا الأنعام:152،إلخ.(7:372)ل.

ص: 873


1- الظّاهر كما ذكره(أبو حيّان 4:249) معناه:أسرد و أقصّ...
2- كذا في الأصل،و كأنّه جعل ما قبله الأوّل.
نتلوا

نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. القصص:3

الطّبريّ: نقرأ عليك و نقصّ.(20:26)

القرطبيّ: أي يقرأ عليك جبريل بأمرنا.

(13:248)

نحوه النّسفيّ.(3:225)

البيضاويّ: نقرؤه بقراءة جبريل.و يجوز أن يكون بمعنى ننزله،مجازا.(2:186)

نحوه أبو السّعود.(5:112)

الشّربينيّ: أي نقصّ قصّا متتابعا متواليا بعضه في أثر تبعض(عليك)بواسطة جبريل عليه السّلام.(3:79)

نحوه البروسويّ.(6:380)

الآلوسيّ: أي نقرأ بواسطة جبرائيل عليه السّلام.

فالإسناد مجازيّ كما في:«بنى الأمير المدينة».و التّلاوة في كلامهم-على ما قال الرّاغب-تختصّ باتّباع كتب اللّه تعالى المنزلة،تارة بالقراءة،و تارة بالارتسام،لما فيه من أمر و نهي و ترغيب و ترهيب،أو ما يتوهّم فيه ذلك؛ و هو أخصّ من القراءة.

و يجوز أن تكون«التّلاوة»هنا مجازا مرسلا عن التّنزيل،بعلاقة أنّ التّنزيل لازم لها أو سببها في الجملة، و أن تكون استعارة له لما بينهما من المشابهة،فإنّ كلاّ منهما طريق للتّبليغ،فالمعنى ننزل عليك.(20:42)

القاسميّ: أي نقرأ عليك،بواسطة الرّوح الأمين، تلاوة ملتبسة بالحقّ،كما قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يوسف:3،ثمّ استأنف ما يجري مجرى التّفسير للمجمل الموعود بقوله: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ. (13:4695)

عبد الكريم الخطيب : نَتْلُوا عَلَيْكَ بإسناد الفعل إلى اللّه سبحانه و تعالى،مع أنّ الّذي يتلو هذه الآيات على النّبيّ هو جبريل،في هذا تكريم للنّبيّ، و إدناء له من ربّه،الّذي يتلو عليه هذه الآيات.

(10:308)

نتلوه

ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ.

آل عمران:58

ابن عبّاس:ننزل عليك جبريل به.(48)

الطّبريّ: نقرؤها عليك يا محمّد،على لسان جبريل عليه السّلام،بوحينا إليك.(3:294)

نحوه البغويّ(1:449)،و المراغيّ(3:171)

الزّجّاج :(ذلك)أي القصيص الّذي جرى نتلوه عليك، مِنَ الْآياتِ أي من العلامات البيّنة الدّلالات على تثبيت رسالتك؛إذ كانت أخبارا لا يعلمها إلاّ قارئ كتاب أو معلّم،من أوحيت إليه.

و قد علم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان أمّيّا لا يكتب و لا يقرأ الكتب،على جهلة النّظر فيها و الفائدة منها،فإنّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يعلّمه أحد من النّاس،فلم يبق إلاّ الوحي،و الإخبار بهذه الأخبار الّتي يجتمع أهل الكتاب على الموافقة بالإخبار بها.(1:421)

نحوه الواحديّ(1:442)،و ابن الجوزيّ(1:

398)،و محمّد جواد مغنيّة(2:72).

ص: 874

الطّوسيّ: (ذلك)إشارة إلى الإخبار عن عيسى، و زكريّا،و يحيى،عن الحواريّين،و اليهود من بني إسرائيل،و هو في موضع نصب بما تقدّم. نَتْلُوهُ عَلَيْكَ لما فيه من الآية لمن تذكّر في ذلك و اعتبر به.

و موضع نَتْلُوهُ من الإعراب يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون رفعا بأنّه خبر(ذلك).

و الثّاني:ألاّ يكون له موضع،لأنّه صلة(ذلك)، و تقديره:الّذي نتلوه عليك من الآيات،و يكون موضع (من الآيات)رفعا بأنّه خبر(ذلك)ذكره الزّجّاج.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل في معنى قوله: نَتْلُوهُ عَلَيْكَ قولان:

أحدهما:نكلّمك به،و يكون وضع(نتلوه)موضع «نكلّم»كما يقول القائل:أنشأ زيد الكتاب،و تلاوة عمرو،فالتّلاوة تكون إظهار الكلام على جبهة الحكاية.

الثّاني: نَتْلُوهُ عَلَيْكَ بأمرنا جبريل أن يتلوه عليك،على قول الجبّائيّ.(2:481)

نحوه الطّبرسيّ.(1:450)

ابن عطيّة :(ذلك)رفع بالابتداء،و الإشارة به إلى ما تقدّم من الأنباء،و نَتْلُوهُ عَلَيْكَ خبر ابتداء، و قوله: مِنَ الْآياتِ لبيان الجنس،و يجوز أن يكون للتّبعيض.و يصحّ أن يكون نَتْلُوهُ عَلَيْكَ حالا، و يكون الخبر في قوله: مِنَ الْآياتِ.

و على قول الكوفيّين،يكون قوله: نَتْلُوهُ حالا،صلة ل ذلِكَ على حدّ قولهم في بيت ابن مفرغ الحميريّ:*...و هذا تحملين طليق*و يكون الخبر في قوله: مِنَ الْآياتِ. و قول البصريّين في البيت«أن تحلين»حال التّقدير،و هذا محمولا.و نَتْلُوهُ معناه نسرده،و مِنَ الْآياتِ ظاهره آيات القرآن.

و يحتمل أن يريد بقوله: مِنَ الْآياتِ من المعجزات و المستغربات أن تأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا،و بسبب تلاوتنا و أنت أمّيّ لا تقرأ،و لست ممّن أصحب أهل الكتاب،فالمعنى أنّها آيات لنبوّتك،و هذا الاحتمال إنّما يتمكّن مع كون نَتْلُوهُ حالا.(4451)

الفخر الرّازيّ: التّلاوة و القصص واحد في المعنى، فإنّ كلاّ منهما يرجع معناه إلى شيء يذكر بعضه على إثر بعض.

ثمّ إنّه تعالى أضاف«التّلاوة»إلى نفسه في هذه الآية،و في قوله: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى و أضاف «القصص»إلى نفسه،فقال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يوسف:3،و كلّ ذلك يدلّ على أنّه تعالى جعل تلاوة الملك جارية مجرى تلاوته سبحانه و تعالى، و هذا تشريف عظيم للملك.و إنّما حسن ذلك؛لأنّ تلاوة جبريل عليه السّلام لمّا كان بأمره من غير تفاوت أصلا،أضيف ذلك إليه سبحانه و تعالى.(8:78)

نحوه البروسويّ.(2:42)

الخازن :أن نخبرك به يا محمّد على لسان جبريل.

و إنّما أضاف ما يتلوه جبريل عليه السّلام إلى نفسه سبحانه و تعالى،لأنّه من عنده و بأمره من غير تفاوت أصلا، فأضافه إليه.(1:301)

أبو حيّان :(ذلك)إشارة إلى ما تقدّم من خبر عيسى و زكريّا و غيرهما،و(نتلوه)نسرده و نذكره شيئا بعد شيء.و أضاف التّلاوة إلى نفسه و إن كان الملك هو

ص: 875

التّالي،تشريفا له،جعل تلاوة المأمور تلاوة الآمر.

و في(نتلوه)التفات،لأنّ قبلة ضمير غائب في قوله:

(لا يحب)و(نتلوه)معناه تلونا،كقوله: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ.

و يجوز أن يراد به ظاهره من الحال،لأنّ قصّة عيسى لم يفرغ منها،و يكون(ذلك)بمعنى هذا.

(2:476)

أبو السّعود :[نحو ابن عطيّة ملخّصا و أضاف:]

و صيغة الاستقبال إمّا لاستحضار الصّورة أو على معناها؛إذ التّلاوة لم تتمّ بعد.(1:377)

الآلوسيّ: أي نسرده و نذكره شيئا بعد شيء.

و المراد تلوناه،إلاّ أنّه عبّر بالمضارع استحضارا للصّورة الحاصلة اعتناء بها.

و قيل:يمكن الحمل على الظّاهر،لأنّ قصّة عيسى عليه السّلام لم يفرغ منها بعد.[إلى أن قال:]

و جوّز في الآية أوجه من الإعراب:

الأوّل:أنّ(ذلك)مبتدأ،و(نتلوه)خبره،و(عليك) متعلّق بالخبر،و(من الآيات)حال من الضّمير المنصوب أو خبر بعد خبر،أو هو الخبر و ما بينهما حال من اسم الإشارة،على أنّ العامل فيه معنى الإشارة لا الجارّ و المجرور.قيل:لأنّ الحال لا يتقدّم العامل المعنويّ.

الثّاني:أن يكون(ذلك)خبرا لمحذوف،أي الأمر (ذلك)،و(نتلوه)في موضع الحال من(ذلك)،و(من الآيات)حال من الهاء...

الثّالث:أن يكون(ذلك)في موضع نصب بفعل دلّ عليه(نتلوه)فيكون(من الآيات)حالا من الهاء أيضا.

(3:185)

سيّد قطب :ذلك القصص،و ذلك التّوجيه القرآنيّ كلّه،فهو وحي من اللّه،يتلوه اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و في التّعبير معنى التّكريم و القرب و الودّ.

فما ذا بعد أن يتولّى اللّه تعالى التّلاوة على محمّد نبيّه؟ تلاوة الآيات و الذّكر الحكيم،و إنّه لحكيم يتولّى تقرير الحقائق الكبرى في النّفس و الحياة،بمنهج و أسلوب و طريقة تخاطب الفطرة و تتلطّف في الدّخول عليها و اللّصوق بها بشكل غير معهود فيما يصدر عن غير هذا المصدر الفريد.(1:404)

نتلوها

1- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. البقرة:252

الواحديّ: نعرّفك إيّاها و نبيّها.(1:476)

الآلوسيّ: أي بواسطة جبريل عليه السّلام،إمّا حال من «الآيات»و العامل معنى الإشارة،و إمّا جملة مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب.(2:174)

محمّد جواد مغنيّة:لقد تلا اللّه آياته على نبيّه الكريم،و تلاها النّبيّ علينا لنتدبّر حقيقتها،و نتّخذها دستورا في مقاصدنا و جميع أفعالنا،لنحيا حياة طيّبة هادئة قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَ لا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ الأنبياء:45.(1:383)

2- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ. آل عمران:108

الطّوسيّ: و إنّما قال: آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ

ص: 876

بِالْحَقِّ فقيّده ب(الحقّ)،لأنّه لمّا حقّق الوعيد بأنّه واقع لا محالة،نفى عنه حال الظّلم كعادة أهل الخير،ليكون الإنسان على بصيرة في سلوك الضّلالة مع الهلاك،أو الهدى مع النّجاة،و معنى نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أي معاملتي حقّ.و يحتمل أن يكون المراد نتلوها المعنى الحقّ،لأنّ معنى التّلاوة حقّ من حيث يتعلّق معتقدها بالشّيء،على ما هو به.

و الفرق بين تلوت عليه،و تلوت لديه:أنّ عليه يدلّ على إقرار التّلاوة،لأنّ معنى«عليه»استعلاء الشّيء،فهي تنبئ معن استعلائه بالظّهور للنّفس،كما يظهر لها بعلوّ الصّوت،و ليس كذلك لديه،لأنّ معناه عنده.(2:554)

ابن عطيّة :و قرأ أبو نهيك: (يتلوها) بالياء.

(1:488)

الطّبرسيّ: نقرأها عليك بالحقّ يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و على أمّتك،و نذكرها لك و نعرّفك إيّاها و نقصّها عليك.

(1:485)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور نَتْلُوها بالنّون،على سبيل الالتفات لما في إسناد التّلاوة للمعظّم ذاته من الفخامة و الشّرف.

و قرأ أبو نهيك بالياء،و الأحسن أن يكون الضّمير المرفوع في نَتْلُوها في هذه القراءة عائد على اللّه ليتّحد الضّمير،و ليس فيه التفات،لأنّه ضمير غائب عاد على اسم غائب.

و معنى التّلاوة:القراءة شيئا بعد شيء.و إسناد ذلك إلى(اللّه)على سبيل المجاز؛إذ التّالي هو جبريل لمّا أمره بالتّلاوة كان كأنّه هو التّالي تعالي

و قيل:يجوز أن يكون معنى نَتْلُوها ينزلها متوالية شيئا بعد شيء.و جوّزوا في قراءة أبي نهيك أن يكون ضمير الفاعل عائدا على جبريل،و إن لم يجر له ذكر للعلم به.(3:26)

أبو السّعود :قوله تعالى: نَتْلُوها جملة حاليّة من«الآيات»و العامل فيها معنى الإشارة،أو هي الخبر و(آيات اللّه)بدل من اسم الإشارة.و الالتفات إلى التّكلّم بنون العظمة،مع كون التّلاوة على لسان جبريل عليه السّلام،لإبراز كمال العناية بالتّلاوة.

و قرئ (يتلوها) على إسناد الفعل إلى ضميره تعالى، و قوله تعالى:(عليك)متعلّق ب(نتلوها).و قوله تعالى:

(بالحقّ)حال مؤكّدة من فاعل(نتلوها)أو من مفعوله، أي ملتبسين أو ملتبسة بالحقّ و العدل.(2:16)

نحوه البروسويّ.(2:77)

الآلوسيّ: أي نقرؤها شيئا فشيئا.و إسناد ذلك إليه تعالى مجاز؛إذ التّالي جبريل عليه السّلام بأمره سبحانه و تعالى.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](4:26)

محمّد جواد مغنيّة:(تلك)إشارة إلى الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار،و تعذيب الكفّار،و الخطاب موجّه لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و قد يسأل سائل:و أيّة فائدة من هذا الإخبار، ما دام محمّد يعلم علم اليقين أنّ هذه الآيات حقّ و صدق؟

الجواب:لقد دأب القرآن على تكرار ذلك في العديد من الآيات و ليس المقصود منها محمّدا بالذّات،بل

ص: 877

يرتاب و يظنّ بأنّ هذه الآيات و ما إليها هي من محمّد، لا من اللّه: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:48.

(2:129)

3- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ... الجاثية:6

الآلوسيّ: تِلْكَ آياتُ اللّهِ مبتدأ و خبر،و قوله تعالى: نَتْلُوها عَلَيْكَ حال،عاملها معنى الإشارة نحو هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72 على المشهور.

و قيل:هو الخبر و آياتُ اللّهِ بدل أو عطف بيان، و قوله سبحانه: بِالْحَقِّ حال من فاعل(نتلوها)أو من مفعوله،أي نتلوها محقّين،أو ملتبسة بالحقّ،فالباء للملابسة،و يجوز أن تكون للسّببيّة الغائيّة.

و المراد ب«الآيات»المشار إليها إمّا آيات القرآن أو السّورة،أو ما ذكر قبل من السّماوات و الأرض و غيرهما، فتلاوتها بتلاوة ما يدلّ عليها،و فسّرت بالسّرد،أي نسردها عليك.

و قال ابن عطيّة: الكلام بتقدير مضاف،أي نتلو شأنها و شأن العبرة بها.و قرئ (يتلوها) بالياء على أنّ الفاعل ضميره تعالى،و المراد على القراءتين:تلاوتها عليه،صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم الملك عليه السّلام.

(25:141)

يتلى

1- وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ. النّساء:127

عائشة: هذا في اليتيمة تكون عند الرّجل،لعلّها أن تكون شريكة في ماله،و هو أولى بها من غيره،فيرغب منها أن ينكحها،و يعضلها لمالها،و لا ينكحها غيره، كراهيّة أن يشركه أحد في مالها.(الطّبريّ 5:299)

هي اليتيمة تكون في حجر وليّها،تشاركه في ماله، فيعجبه مالها و جمالها،فيريد وليّنا أن يتزوّجها،بغير أن يقسط في صداقها،فيعطيها مثل ما يعطيها غيره،فنهوا أن ينكحوهنّ إلاّ أن يقسطوا لهنّ،و يبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ من الصّداق،و أمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ.

ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سواهنّ.

ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد هذه الآية فيهنّ،فأنزل اللّه: وَ يَسْتَفْتُونَكَ... الآية.و الّذي ذكر اللّه أنّه يتلى في الكتاب،الآية الأولى،الّتي قال فيها:

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:3.(الطّبريّ 5:301)

نحوه ابن عبّاس.(الطّبريّ 5:300)

ابن عبّاس: كان أهل الجاهليّة لا يورّثون المولود حتّى يكبر،و لا يورّثون المرأة؛فلمّا كان الإسلام،قال:

لا وَ يَسْتَفْتُونَكَ... في أوّل السّورة في الفرائض اللاّتي تؤتونهنّ ما كتب اللّه لهنّ.

نحوه سعيد بن جبير.(الطّبريّ 5:299)

سعيد بن جبير: كان لا يرث إلاّ الرّجل الّذي قد بلغ.لا يرث الرّجل الصّغير،و لا المرأة،فلمّا نزلت آية المواريث في سورة النّساء،شقّ على النّاس،و قالوا:

ص: 878

يرث الصّغير الّذي لا يعمل في المال و لا يقوم فيه،و المرأة هي كذلك،فيرثان كما يرث الرّجل الّذي يعمل في المال.

فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السّماء،فانتظروا،فلمّا رأوا أنّه لا يأتي حدث،قالوا:لئن تمّ هذا إنّه لواجب، ما منه بدّ.

ثمّ قالوا:سلوا،فسألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه:

وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ في أوّل السّورة فِي يَتامَى النِّساءِ...، و كان الوليّ إذا كانت المرأة ذات جمال و مال،رغب فيها،و نكحها،و استأثر بها،و إذا لم تكن ذات جمال و مال،أنكحها،و لم ينكحها.(الطّبريّ 5:299)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 5:300)،و روي في هذا المعنى رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام.(القمّيّ 1:254)

كان أهل الجاهليّة لا يورّثون الولدان حتّى يحتملوا، فأنزل اللّه: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ إلى قوله: فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً، و نزلت هذه الآية: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ... النّساء:176.(الطّبريّ 5:301)

قتادة :كانت اليتيمة تكون في حجر الرّجل فيها دمامة،فيرغب عنها أن ينكحها،و لا ينكحها،رغبة في مالها.

نحوه إبراهيم،و أبو مالك.(الطّبريّ 5:300)

السّدّيّ: كان جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ ثمّ السّلميّ،له ابنة عمّ عمياء،و كانت دميمة،و كانت قد ورثت عن أبيها مالا،فكان جابر يرغب عن نكاحها و لا ينكحها،رهبة أن يذهب الزّوج بمالها،فسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك،و كان ناس في حجورهم جوار أيضا مثل ذلك،فجعل جابر يسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أ ترث الجارية إذا كانت قبيحة عمياء؟فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:نعم،فأنزل اللّه فيهنّ هذا.(الطّبريّ 5:301)

الفرّاء: موضع(ما)رفع،كأنّه قال:يفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم.و إن شئت جعلت(ما)في موضع خفض:

يفتيكم اللّه فيهنّ و ما يتلى عليكم غيرهنّ.(1:290)

محمّد بن أبي موسى: استفتوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في النّساء،و سكتوا عن شيء كانوا يفعلونه،فأنزل اللّه:

وَ يَسْتَفْتُونَكَ... و يفتيكم فيما لم تسألوا عنه.

[و]كانوا لا يتزوّجون اليتيمة إذا كان بها دمامة، و لا يدفعون إليها مالها فتنفق،فنزلت: قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قال:

وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ...، قال:كانوا يورّثون الأكابر،و لا يورّثون الأصاغر،ثمّ أفتاهم فيما سكتوا عنه، فقال: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً... النّساء:128.(الطّبريّ 5:302)

الطّبريّ: [نقل ثلاثة من الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

فعلى هذه الأقوال الثّلاثة الّتي ذكرناها(ما)الّتي في قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ في موضع خفض،بمعنى العطف على الهاء و النّون،الّتي في قوله: يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ فكأنّهم وجّهوا تأويل الآية:قل اللّه يفتيكم أيّها النّاس في النّساء،و فيما يتلى عليكم في الكتاب.[ثمّ نقل قول محمّد بن أبي موسى و قال:]

فعلى هذا القول،الّذي يتلى علينا في الكتاب الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى

ص: 879

عَلَيْكُمْ... وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً... النّساء:127،128،و الّذي سأل القوم، فأجيبوا عنه:في يتامى النّساء اللاّتي كانوا لا يؤتونهنّ ما كتب اللّه لهنّ من الميراث عمّن ورثنه عنه.

و أولى هذه الأقوال-الّتي ذكرنا عمّن ذكرناها عنه بالصّواب،و أشبهها بظاهر التّنزيل-قول من قال:معنى قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ: و ما يتلى عليكم من آيات الفرائض في أوّل هذه السّورة و آخرها.

و إنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب،لأنّ الصّداق ليس ممّا كتب النّساء إلاّ بالنّكاح،فما لم تنكح فلا صداق لها قبل أحد.(5:299)

نحوه الطّوسيّ.(3:343)

الزّجّاج :موضع(ما)رفع.المعنى اللّه يفتيكم فيهنّ،و ما يتلى عليكم في الكتاب،أيضا يفتيكم فيهنّ.

و يجوز أن يكون(ما)في موضع جرّ،و هو بعيد جدّا،لأنّ الظّاهر لا يعطف على المضمر،فلذلك اختير الرّفع،و لأنّ معنى الرّفع أيضا أبين،لأنّ ما يتلى في الكتاب هو الّذي بيّن ما سألوا.فالمعنى قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، و كتابه يفتيكم فيهنّ.(2:114)

نحوه القيسيّ.(1:206)

الواحديّ: موضع(ما)رفع،لأنّ المعنى اللّه يفتيكم،يعني آية المواريث في أوّل هذه السّورة.

(2:123)

البغويّ: قيل:معناه و يفتيكم في ما يتلى عليكم.

و قيل:يريد اللّه أن يفتيكم فيهنّ،و كتابه يفتيكم فيهنّ، و هو قوله عزّ و جلّ: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ النّساء:2.

(1:707)

الزّمخشريّ: (ما يُتْلى) في محلّ الرّفع،أي اللّه يفتيكم،و المتلوّ (فِي الْكِتابِ) في معنى اليتامى،يعني قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى النّساء:3، و هو من قولك:أعجبني زيد و كرمه.

و يجوز أن يكون ما يُتْلى عَلَيْكُمْ مبتدأ،و(فى الكتاب)خبره على أنّها جملة معترضة.و المراد ب(الكتاب)اللّوح المحفوظ تعظيما للمتلوّ عليهم،و أنّ العدل و النّصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدّرجات عند اللّه،الّتي تجب مراعاتها و المحافظة عليها،و المخلّ بها ظالم متهاون بما عظّمه اللّه، و نحوه في تعظيم القرآن وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.

و يجوز أن يكون مجرورا على القسم،كأنّه قبله قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ و أقسم بما يتلى عليكم في الكتاب.و القسم أيضا لمعنى التّعظيم،و ليس بسديد أن يعطف على المجرور في(فيهنّ)لاختلاله من حيث اللّفظ و المعنى.

فإن قلت:بم تعلّق قوله: فِي يَتامَى النِّساءِ؟

قلت:في الوجه الأوّل هو صلة(يتلى)أي يتلى عليكم في معناهنّ.و يجوز أن يكون(فى يتامى النّساء) بدلا من(فيهنّ).و أمّا في الوجهين الآخرين فبدل لا غير.

(1:567)

نحوه الفخر الرّازيّ(11:62)،و نحوه ملخّصا البيضاويّ(1:247)،و النّسفيّ(1:253)،و شبّر(2:

106)،و محمّد جواد مغنيّة(2:449).

ص: 880

ابن عطيّة:قوله تعالى: ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يحتمل (ما)أن تكون في موضع خفض عطفا على الضّمير في قوله: فِيهِنَّ أي و يفتيكم فيما يتلى عليكم،قاله محمّد بن أبي موسى،و قال:أفتاهم اللّه فيما سألوا عنه و فيما لم يسألوا عنه.و يضعّف هذا التّأويل ما فيه من العطف على الضّمير المخفوض بغير إعادة الخفض.

و يحتمل أن تكون(ما)في موضع رفع عطفا على اسم اللّه عزّ و جلّ،أي و يفتيكم ما يتلى عليكم في الكتاب،يعني القرآن.و الإشارة بهذا إلى ما تقدّم من الآيات في أمر النّساء،و هو قوله تعالى في صدر السّورة:

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى... النّساء:3.

(2:118)

الطّبرسيّ: أي و يفتيكم أيضا ما يقرأ عليكم في الكتاب،أي القرآن.و تقديره:و كتابه يفتيكم،أي يبيّن لكم الفرائض المذكورة.(2:118)

نحوه القرطبيّ.(5:402)

ابن الجوزيّ: الّذي تلي عليهم في التّزويج قوله تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا... النّساء:3.(2:215)

العكبريّ: قوله تعالى:(و ما يتلى)في(ما)وجوه:

أحدها:موضعها جرّ عطفا على الضّمير المجرور ب(فى).و هذا على قول الكوفيّين؛لأنّهم يجيزون العطف على الضّمير المجرور من غير إعادة الجارّ.

و الثّاني:أن يكون في موضع نصب على معنى و نبيّن لكم ما يتلى،لأنّ معنى(يفتيكم)يبيّن لكم.

و الثّالث:هو في موضع رفع،و هو المختار.و في ذلك ثلاثة أوجه:

أحدها:هو معطوف على ضمير الفاعل في(يفتيكم) و جرى الجارّ و المجرور مجرى التّوكيد.

و الثّاني:هو معطوف على اسم اللّه،و هو: قُلِ اللّهُ.

و الثّالث:أنّه مبتدأ و الخبر محذوف،تقديره:

و ما يتلى عليكم في الكتاب يبيّن لكم.

و(فى)تتعلّق ب(يتلى)و يجوز أن يكون حالا من الضّمير في(يتلى).(1:393)

أبو حيّان :ذكروا في موضع(ما)من الإعراب:

الرّفع،و النّصب،و الجرّ؛فالرّفع ثلاثة أوجه:

أحدها:أن يكون معطوفا على اسم اللّه،أي اللّه يفتيكم،و المتلوّ(فى الكتاب)في معنى اليتامى.قال الزّمخشريّ يعني قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى... و هو قوله:أعجبني زيد و كرمه،انتهى.

و الثّاني:أن يكون معطوفا على الضّمير المستكنّ في (يفتيكم)و حسن الفصل بينهما بالمفعول و الجارّ و المجرور.

الثّالث:أن يكون(ما يتلى)مبتدأ،و(فى الكتاب) خبره،على أنّها جملة معترضة.

و قيل:في هذا الوجه الخبر محذوف،و التّقدير و ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء لكم أو يفتيكم.و حذف لدلالة ما قبله عليه،و على هذا التّقدير يتعلّق(فى الكتاب)بقوله:(يتلى عليكم).أو تكون في موضع الحال من الضّمير في(يتلى)بدل من(فى الكتاب).

و قال أبو البقاء:(فى)الثّانية تتعلّق بما تعلّقت به الأولى،لأنّ معناها يختلف،فالأولى ظرف،و الثّانية بمعنى الباء،أي بسبب اليتامى،كما تقول:جئتك في يوم الجمعة،في أمر زيد،و يجوز أن تتعلّق الثّانية ب(الكتاب)

ص: 881

أي فيما كتب بحكم اليتامى،يجوز أن تكون الثّانية حالا فتتعلّق بمحذوف.

و أمّا النّصب فعلى التّقدير:و يبيّن لكم ما يتلى،لأنّ (يفتيكم)معناها يبيّن،فدلّت عليها.

و أمّا الجرّ فمن وجهين:

أحدهما:أن تكون الواو للقسم،كأنّه قال:و أقسم بما يتلى عليكم في الكتاب،و القسم بمعنى التّعظيم،قاله الزّمخشريّ.

و الثّاني أن يكون معطوفا على الضّمير المجرور في (فيهنّ)قاله محمّد بن أبي موسى.و قال:أفتاهم اللّه فيما سألوا عنه و في ما لم يسألوا عنه.

قال ابن عطيّة و يضعّف هذا التّأويل ما فيه من العطف على الضّمير المخفوض بغير إعادة حرف الخفض.

قال الزّمخشريّ ليس بسديد أن يعطف على المجرور في (فيهنّ)لاختلاله من حيث اللّفظ و المعنى،انتهى.

و الّذي أختار هذا الوجه و إن كان مشهور جمهور البصريّين أنّ ذلك لا يجوز إلاّ في الشّعر،لكن قد ذكرت دلائل جواز ذلك في الكلام،و أمعنت في ذكر الدّلائل على ذلك في تفسير قوله: وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة 217،و ليس مختلا من حيث اللّفظ،لأنّا قد استدللنا على جواز ذلك،و لا من حيث المعنى كما زعم الزّمخشريّ بل المعنى عليه،و يكون على تقدير حذف، أي تكون لأدنى ملابسة لمّا كان متلوّا فيهنّ صحّت الإضافة إليها.و من ذلك قول الشّاعر:

*إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة*

و أمّا قول الزّمخشريّ:لاختلاله في اللّفظ و المعنى، فهو قول الزّجّاج بعينه.قال الزّجّاج:و هذا بعيد،لأنّه بالنّسبة إلى اللّفظ و إلى المعنى،أمّا اللّفظ فإنّه يقتضي عطف المظهر على المضمر و ذلك غير جائز،كما لم يجز قوله:(تساءلون به و الأرحام)و أمّا المعنى،فإنّه تعالى أفتى في تلك المسائل،و تقدير العطف على الضّمير يقتضي أنّه أفتى فيما يتلى عليكم في الكتاب،و معلوم أنّه ليس المراد ذلك،و إنّما المراد أنّه تعالى يفتي فيما سألوه من المسائل،انتهى كلامه.

و قد بيّنّا صحّة المعنى على تقدير ذلك المحذوف، و الرّفع على العطف على اللّه أو على ضمير يخرجه عن التّأسيس،و على الجملة تخرج الجملة بأسرها عن التّأسيس،و كذلك الجرّ على القسم،فالنّصب بإضمار فعل،و العطف على الضّمير يجعله تأسيسا.و إذا أراد الأمرين:التّأسيس.و تقدّم الكلام في تعلّق قوله:(فى يتامى النّساء).

و قال الزّمخشريّ فإن قلت:بم تعلّق قوله:(في يتامى النّساء)؟

قلت:في الوجه الأوّل هو صلة(يتلى)أي يتلى عليكم في معناهنّ،و يجوز أن يكون(في يتامى النّساء) بدلا من(فيهنّ)،و أمّا في الوجهين الأخيرين فبدل لا غير،انتهى كلامه.

و يعني بقوله:في الوجه الأوّل أن يكون(و ما يتلى) في موضع رفع،فأمّا ما أجازه في هذا الوجه من أنّه يكون صلة(يتلى)فلا يتصوّر إلاّ أن كان(فى يتامى)بدلا من (فى الكتاب)أو تكون(في)للسّبب لئلاّ يتعلّق حرفا جرّ بمعنى واحد بفعل واحد،فهو لا يجوز إلاّ إن كان على

ص: 882

طريقة البدل أو بالعطف.

و أمّا ما أجازه في هذا الوجه أيضا في أنّ(فى يتامى) بدل من(فيهنّ)فالظّاهر أنّه لا يجوز،للفصل بين البدل و المبدل منه بالعطف،و نظير هذا التّركيب:زيد يقيم في الدّار و عمرو في كسر منها،ففصلت بين«في الدّار»و بين «في كسر منها»بالعطف،و التّركيب المعهود:زيد يقيم في الدّار في كسر منها و عمرو.و اتّفق من وقفنا على كلامه في التّفسير على أنّ هذه الآية إشارة إلى ما مضى في صدر:

هذه السّورة،و هو قوله تعالى: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً و قوله: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ.

و قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:3،قالت عائشة رضي اللّه عنها:نزلت هذه الآية يعني وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى... أوّلا ثمّ سأل ناس بعدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن أمر النّساء،فنزلت وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فعلى ما قاله المفسّرون و ما نقل عن عائشة يكون(يفتيكم و يتلى) فيه وضع المضارع موضع الماضي،لأنّ الإفتاء و التّلاوة قد سبقت.(3:360)

الشّربينيّ: و يفتيكم أيضا في وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أي القرآن من آية الميراث.(1:335)

أبو السّعود : قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى...

بإسناد الإفتاء الّذي هو بيان المبهم و توضيح المشكل إليه تعالى و إلى ما تلي من الكتاب فيما سبق باعتبارين،على طريقة قولك:«أغناني زيد و عطاؤه».بعطف(ما)على المبتدأ أو ضميره في الخبر،لمكان الفصل بالمفعول و الجارّ و المجرور،و إيثار صيغة المضارع للإيذان باستمرار التّلاوة و دوامها.

(فى الكتاب)إمّا متعلّق ب(يتلى)أو بمحذوف وقع حالا من المستكنّ فيه،أي يتلى كائنا فيه.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](2:202)

نحوه المشهديّ.(2:639)

البروسويّ: وَ ما يُتْلى... عطف على اسم اللّه،أي يفتيكم اللّه و كلامه،فيكون الإفتاء مسندا إلى اللّه و إلى ما في القرآن من قوله: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ النّساء:11،في أوائل هذه السّورة و نحوه، و الفعل الواحد ينسب إلى فاعلين بالاعتبارين،كما يقال:«أغناني زيد و عطاؤه»فإنّ المسند إليه في الحقيقة شيء واحد،و هو المعطوف عليه،إلاّ أنّه عطف عليه شيء من أحواله،للدّلالة على أنّ الفعل إنّما قام بذلك الفاعل باعتبار اتّصافه بتلك الحال(في)شأن (يَتامَى النِّساءِ) ..

و ما يتلى في حقوقهنّ قوله تعالى: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ النّساء:2،و قوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوها...

النّساء:6،و نحوها من النّصوص الدّالّة على عدم التّعرّض لأموالهم.(2:294)

الآلوسيّ: في(ما)ثلاثة احتمالات:الرّفع،و النّصب، و الجرّ؛و على الأوّل:إمّا أن تكون مبتدأ و الخبر محذوف، و ما يتلى عليكم في القرآن يفتيكم و يبيّن لكم.و إيثار صيغة المضارع للإيذان بدوام التّلاوة و استمرارها،(و فى الكتاب)متعلّق ب(يتلى)أو بمحذوف وقع حالا من المستكنّ فيه،أي يتلى كائنا في الكتاب.

ص: 883

و إمّا أن تكون مبتدأ،و(فى الكتاب)خبره،و المراد ب(الكتاب)حينئذ:اللّوح المحفوظ؛إذ لو أريد به معناه المتبادر لم يكن فيه فائدة إلاّ أن يتكلّف له،و الجملة معترضة مسوقة لبيان عظم شأن المتلوّ،و(ما يتلى) متناول لما تلي و ما سيتلى.

و إمّا أن تكون معطوفة على الضّمير المستتر في (يفتيكم)و صحّ ذلك للفصل،و الجمع بين الحقيقة و المجاز في المجاز العقليّ سائغ شائع،فلا يردّ أنّ اللّه تعالى فاعل حقيقيّ للفعل،و المتلوّ فاعل مجازيّ له،و الإسناد إليه من قبيل الإسناد إلى السّبب فلا يصحّ العطف،و نظير ذلك «أغناني زيد و عطاؤه».

و إمّا أن تكون معطوفة على الاسم الجليل،و الإيراد أيضا غير وارد،نعم المتبادر أنّ هذا العطف من عطف المفرد على المفرد،و يبعده إفراد الضّمير،كما لا يخفى.

و على الثّاني:تكون مفعولا لفعل محذوف،أي و يبيّن لكم ما يتلى،و الجملة إمّا معطوفة على جملة(يفتيكم) و إمّا معترضة.

و على الثّالث:إمّا أن تكون في محلّ الجرّ على القسم المنبئ عن تعظيم المقسم به و تفخيمه،كأنّه قيل: قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، و أقسم«بما يتلى عليكم فى الكتاب».

و إمّا أن تكون معطوفة على الضّمير المجرور،كما نقل عن محمّد بن أبي موسى،و ما عند البصريّين ليس بوحي فيجب اتّباعه،نعم فيه اختلال معنويّ لا يكاد يندفع.

و إمّا أن تكون معطوفة على(النّساء)كما نقله الطّبرسيّ عن بعضهم،و لا يخفى ما فيه.(5:159)

رشيد رضا: أي و يفتيكم في شأنهنّ ما يتلى عليكم في الكتاب ممّا نزل قبل هذا الاستفتاء،في أحكام معاملة يتامى النّساء.[إلى أن قال:]

و المراد بهذا الّذي يتلى عليهم في الضّعفين-المرأة و اليتيم-هو ما تقدّم من الآيات في أوّل السّورة من الآية الأولى،أو ما بعدها في آخر آيات الفرائض،يذكّرهم اللّه تعالى بتلك الآيات المفصّلة أن يتدبّروها و يتأمّلوا معانيها و يعملوا بها.و ذلك أنّ من طباع البشر أن يغفلوا أو يتغافلوا عن دقائق الأحكام و العظات الّتي يراد بها إرجاعهم عن أهوائهم،و إذا توهّموا أنّ شيئا منها غير قطعيّ و أنّهم بالاستفتاء عنه ربّما يفتون بما عليه التّخفيف عنهم،و موافقة رغبتهم،لجئوا إلى ذلك و استفتوا.

(5:444)

نحوه المراغيّ.(5:170)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ -إلى قوله- وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ تقدّم أنّ ظاهر السّياق أنّ حكم يتامى النّساء و المستضعفين من الولدان إنّما تعرّض له لاتّصاله بحكم النّساء،كما وقع في آيات صدر:السّورة،لا لكونه داخلا فيما استفتوا عنه،و أنّهم إنّما استفتوا في النّساء فحسب.

و لازمه أن يكون قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ معطوفا على الضّمير المجرور في قوله:(فيهنّ)على ما جوّزه الفرّاء و إن منع عنه جمهور النّحاة.و على هذا يكون المراد من قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ إلخ،الأحكام و المعاني الّتي تتضمّنها

ص: 884

الآيات النّازلة في يتامى النّساء و الولدان،المودعة في أوّل السّورة.و التّلاوة كما يطلق على اللّفظ يطلق على المعنى إذا كان تحت اللّفظ،و المعنى:قل:اللّه يفتيكم في الأحكام الّتي تتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء.

و ربّما يظهر من بعضهم أنّه يعطف قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ، على موضع قوله:(فيهنّ)بعناية أنّ المراد بالإفتاء هو التّبيين،و المعنى:قل اللّه يبيّن لكم ما يتلى عليكم في الكتاب.

و ربّما ذكروا الكلام تراكيب أخر لا تخلو عن تعسّف لا يرتكب في كلامه تعالى مثله،كقوله بعضهم:إنّ قوله:

وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ، معطوف على موضع اسم الجلالة، في قوله:(قل اللّه)،أو على ضمير المستكنّ في قوله:

(يفتيكم).

و قول بعضهم:إنّه معطوف على(النّساء)في قوله:

(فى النّساء).

و قول بعضهم: إنّ الواو في قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ للاستيناف،و الجملة مستأنفة،و ما يُتْلى عَلَيْكُمْ مبتدأ،خبره قوله:(فى الكتاب)و الكلام مسوق للتّعظيم.

و قول بعضهم: إنّ الواو في قوله: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ للقسم،و يكون قوله: فِي يَتامَى النِّساءِ بدلا من قوله:(فيهنّ)و المعنى:قل اللّه يفتيكم-أقسم بما يتلى عليكم في الكتاب-في يتامى النّساء إلخ.و لا يخفى ما في جميع هذه الوجوه من التّعسّف الظّاهر.(5:99)

محمّد حسين فضل اللّه: وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ربّما كانت هذه الفقرة معطوفة على الضّمير في كلمة(فيهنّ)باعتبار أنّ الفتيا شاملة لما سألوا عنه و لما لم يسألوا عنه،في ما يتعلّق بالفئات الّتي قد يحتاج النّاس إلى معرفة حكمها،من جهة حالة الضّعف الّتي تغري النّاس بالاعتداء،و بمنعهم من حقوقهم المفروضة لبعض الاعتبارات غير الإنسانيّة.

و على هذا،فإنّ المراد ممّا جاء في قوله:

وَ ما يُتْلى... هو ما تقدّم الحديث عنه في أوّل هذه السّورة،في قوله تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ... النّساء:3، و في الآيات الأخرى المتعرّضة لبعض ذلك.(7:484)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ... المائدة:1

ابن عبّاس: إلاّ ما حرّم عليكم في هذه السّورة.

(87)

هي الميتة و الدّم و لحم الخنزير،و ما أهلّ لغير اللّه به.

نحوه مجاهد و السّدّيّ.(الطّبريّ 6:51)

الخنزير

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 6:52)

قتادة :أي من الميتة الّتي نهى اللّه عنها،و قدّم فيها.

(الطّبريّ 6:51)

إلاّ الميتة و ما لم يذكر اسم اللّه عليه.(الطّبريّ 6:51)

الفرّاء: و قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ في موضع نصب بالاستثناء،و يجوز الرّفع،كما يجوز:قام القوم إلاّ زيدا و إلاّ زيد.و المعنى فيه:إلاّ ما نبيّنه لكم من تحريم ما يحرم و أنتم محرمون،أو في الحرم.(1:298)

ص: 885

ابن قتيبة:ممّا حرّم.(138)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الّذي عناه اللّه بقوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فقال بعضهم:عنى اللّه بذلك:أحلّت لكم أولاد الإبل و البقر و الغنم،إلاّ ما بيّن اللّه لكم،فيما يتلى عليكم،بقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ المائدة:3.

و قال آخرون: بل الّذي استثنى اللّه بقوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ الخنزير.

و أولى التّأويلين في ذلك بالصّواب،تأويل من قال:

عنى بذلك:إلاّ ما يتلى عليكم من تحريم اللّه ما حرّم عليكم بقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المائدة:3، لأنّ اللّه عزّ و جلّ استثنى ممّا أباح لعباده من بهيمة الأنعام، ما حرّم عليهم منها،و الّذي حرّم عليهم منها ما بيّنه في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ و إن كان حرّمه اللّه علينا،فليس من بهيمة الأنعام،فيستثنى منها،فاستثناء ما حرّم علينا ممّا دخل في جملة ما قبل الاستثناء،أشبه من استثناء ما حرّم،ممّا لم يدخل في جملة ما قبل الاستثناء.(6:51)

الزّجّاج :موضع(ما)نصب ب(الاّ)،و تأويله أحلّت لكم بهيمة الأنعام إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ من الميتة و الدّم و الموقوذة و المتردّية و النّطيحة.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:يجوز أن تكون(ما)في موضع رفع على أنّه يذهب إلى أنّه يجوز:جاء إخوتك إلاّ زيد،و هذا عند البصريّين باطل،لأنّ المعنى عند هذا القائل جاء إخوتك و[ظ:لا]زيد،كأنّه يعطف بها كما يعطف ب«لا»،و يجوز عند البصريّين جاء الرّجل إلاّ زيد على معنى جاء الرّجال غير زيد،على أن تكون للنّكرة،أو ما قارب النّكرة من الأجناس.(2:141)

نحوه ابن عطيّة.(2:145)

الطّوسيّ: [ذكر التّأويلين كما ذكرها الطّبريّ ثمّ قال:]

و الأوّل:أقوى؛لأنّ قوله: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يجب حمله على عمومه في جميع ما حرّم اللّه تعالى في كتابه.و الّذي حرّمه هو ما ذكره في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ... المائدة:3،و الخنزير و إن كان محرّما،فليس من بهيمة الأنعام،فمتى حملناه عليه كان الاستثناء منقطعا، و متى خصّصنا بالميتة و الدّم،كان الاستثناء متّصلا.و إن حملناه على الكلّ نكون غلبنا حكم الميتة و ما ذكر بعده، فيكون الاستثناء أيضا حقيقة و متّصلا.و اختار الطّبريّ تخصيصه بالميتة و الدّم،و ما أهلّ لغير اللّه به.قال الحسين ابن عليّ المغربيّ (إِلاّ ما يُتْلى) معناه من البحيرة و السّائبة و الوصيلة فلا تكون المحرّم،و استثنى هاهنا ما حرّمه تعالى فلا يليق بذلك.(3:416)

الواحديّ: أي إلاّ ما يقرأ عليكم في القرآن ممّا حرّم عليكم،و هو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ... المائدة:3.

(2:148)

نحوه البغويّ(2:6)،و الخازن(2:3)،و رشيد رضا (6:124)،و المراغيّ(6:43)،و الطّباطبائيّ(5:161).

الميبديّ: يعني غير ما نهى اللّه عزّ و جلّ عن أكله ممّا حرّم عليكم في القرآن يقرأ عليكم،و ذلك في قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ إلى قوله:

ص: 886

وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ المائدة:3،و كذلك في قوله تعالى و تقدّس: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ الأنعام:121.(3:6)

الزّمخشريّ: إلاّ محرّم ما يتلى عليكم من القرآن، من نحو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...، أو إلاّ ما يتلى عليكم آية تحريمه.(1:591)

مثله البيضاويّ(1:260)،و نحوه النّسفيّ(1:

268)،و أبو السّعود(2:233)،و المشهديّ(3:6).

ابن الأنباريّ: (ما)في موضعه وجهان:أحدهما:

أن يكون منصوبا على الاستثناء من(بهيمة)،و الثّاني:أن يكون مرفوعا،لأنّه صفة(بهيمة الانعام)كما تقول:

أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير ما يتلى،فإذا أقيمت«إلاّ، و ما»بعدها مقام«غير»رفعت ما بعد إلاّ،و الوجه الأوّل أوجه الوجهين.(1:282)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ ظاهر هذا الاستثناء مجمل،و استثناء الكلام المجمل من الكلام المفصّل يجعل ما بقي بعد الاستثناء مجملا أيضا،إلاّ أنّ المفسّرين أجمعوا على أنّ المراد من هذا الاستثناء هو المذكور بعد هذه الآية،و هو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...

هذا أنّ قوله: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ يقتضي إحلالها لهم على جميع الوجوه،فبيّن اللّه تعالى أنّها إن كانت ميتة،أو موقوذة أو متردّية أو نطيحة أو افترسها السّبع أو ذبحت على غير اسم اللّه تعالى،فهي محرّمة.

(11:126)

القرطبيّ: أي يقرأ عليكم في القرآن و السّنّة من قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...، و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«و كلّ ذي ناب من السّباع حرام».

فإن قيل:الّذي يتلى علينا الكتاب ليس السّنّة؟

قلنا:كلّ سنّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فهي من كتاب اللّه، و الدّليل عليه أمران:

أحدهما:حديث العسيف«لأقضينّ بينكما بكتاب اللّه»و الرّجم ليس منصوصا في كتاب اللّه.

الثّاني:حديث ابن مسعود:و ما لي لا ألعن من لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو في كتاب اللّه..

و يحتمل: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ الآن،أو ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فيما بعد من مستقبل الزّمان،على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فيكون فيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت لا يفتقر فيه إلى تعجيل الحاجة.(6:35)

أبو حيّان :هذا استثناء من بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ و المعنى:إلاّ ما يتلى عليكم تحريمه،من نحو قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ....

و قال القرطبيّ: و معنى (يُتْلى عَلَيْكُمْ) يقرأ في القرآن و السّنّة،و منه:«كلّ ذي ناب من السّباع حرام.[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و موضع ما نصب على الاستثناء،و يجوز الرّفع على الصّفة ل(بهمة).

قال ابن عطيّة: و أجاز بعض الكوفيّين أن يكون في موضع رفع على البدل،و على أن تكون(الاّ)عاطفة، و ذلك لا يجوز عند البصريّين إلاّ من نكرة أو ما قاربها من أسماء الأجناس،نحو قولك:جاء الرّجل إلاّ زيد،كأنّك قلت:غير زيد انتهى.

و هذا الّذي حكاه عن بعض الكوفيّين من أنّه في

ص: 887

موضع رفع على البدل لا يصحّ البتّة،لأنّ الّذي قبله موجب،فكما لا يجوز:قام القوم إلاّ زيد على البدل، كذلك لا يجوز البدل في إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ.

و أمّا كون(الاّ)عاطفة فهو شيء ذهب إليه بعض الكوفيّين كما ذكر ابن عطيّة،و قوله:و ذلك لا يجوز عند البصريّين،ظاهره الإشارة إلى وجهي الرّفع البدل و العطف،و قوله:إلاّ من نكرة،هذا استثناء مبهم لا يدرى من أيّ شيء هو،و كلا وجهي الرّفع لا يصلح أن يكون استثناء منه،لأنّ البدل من الموجب لا يجيزه أحد علمناه لا بصريّ و لا كوفي.

و أمّا العطف فلا يجيزه بصريّ البتّة،و إنّما الّذي يجيزه البصريّون أن يكون نعتا لما قبله،في مثل هذا التّركيب،و شرط فيه بعضهم ما ذكر من أنّه يكون من المنعوت نكرة أو ما قاربها من أسماء الأجناس،فلعلّ ابن عطيّة اختلط عليه البدل و النّعت،و لم يفرّق بينهما في الحكم.

و لو فرضنا تبعيّة ما بعد(الاّ)لما قبلها في الإعراب على طريقة البدل حتّى يسوغ ذلك،لم يشترط تنكير ما قبل(الاّ)و لا كونه مقاربا للنّكرة من أسماء الأجناس، لأنّ البدل و المبدل منه يجوز اختلافهما بالتّنكير و التّعريف.

ابن كثير :[نقل قول ابن عبّاس و قتادة ثمّ قال:]

و الظّاهر-و اللّه أعلم-أنّ المراد بذلك قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ... فإنّ هذه و إن كانت من الأنعام إلاّ أنّها تحرم بهذه العوارض،و لهذا قال: إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ يعني منها،فإنّه حرام لا يمكن استدراكه و تلاحقه،و لهذا قال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ أي إلاّ ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال.(2:472)

الشّربينيّ: أي تحريمه،في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ... استثناء منقطع،و يجوز أن يكون متّصلا،و التّحريم عرض من الموت و نحوه.(1:350)

الآلوسيّ: ذكر ابن السّبكيّ و غيره أنّ قوله تعالى:

إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ مجمل للجهل بمعناه قبل نزول مبيّنه،و يسري الإجمال إلى ما تقدّم،و لكن ليس محلّ النّزاع.

و الاستثناء متّصل من(بهيمة)بتقدير مضاف محذوف من(ما يتلى)أي إلاّ محرّم ما يُتْلى عَلَيْكُمْ، و عنى بالمحرّم الميتة،و وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ... إلى آخر ما ذكر في الآية الثّالثة من السّورة،أو من فاعل (يتلى)، إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ آية تحريمه،لتكون(ما) عبارة عن البهيمة المحرّمة لا اللّفظ المتلوّ،و جوّز اعتبار التّجوّز في الإسناد من غير تقدير،و ليس بالبعيد.

و أمّا جعله مفرّغا من الموجب في موضع الحال،أي إلاّ كائنة على الحالات المتلوّة،فبعيد-كما قال الشّهاب- جدّا.و ذهب بعضهم إلى أنّه منقطع بناء على الظّاهر، لأنّ المتلوّ لفظ،و المستثنى منه ليس من جنسه.

و الأكثرون على الأوّل،و محلّ المستثنى النّصب، و جوّز الرّفع على ما حقّق في النّحو.(6:50)

سيّد قطب :و هو الّذي سيرد ذكره محرّما؛إمّا حرمة وقتيّة أو مكانيّة،أو حرمة مطلقة في أيّ مكان، و في أيّ زمان.(2:837)

ص: 888

محمّد جواد مغنيّة: (ما)في محلّ النّصب على الاستثناء المتّصل من(بهيمة).و قد تلا علينا جلّ ثناؤه صنفين من الأنعام:الأوّل ما أشار إليه بقوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، و الثّاني ما أشار إليه في الآية الثّالثة:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ. (3:6،7)

طه الدّرّة: (الاّ)أداة استثناء،(ما)تحتمل الموصولة و الموصوفة،فهي مبنيّة على السّكون في نصب على الاستثناء من(بهيمة).(يتلى)مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع،و علامة رفعه ضمّة مقدّرة على الألف للتّعذّر،و نائب الفاعل يعود إلى(ما)،و هو العائد أو الرّابط.

و أصل الكلام: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ تحريمه أو آية تحريمه،فحذف المضاف الّذي هو«آية»،و أقيم المضاف إليه مقامه،ثمّ حذف المضاف ثانيا،و أقيم الضّمير المجرور مقامه،فانقلب الضّمير المجرور مرفوعا،و استتر في (يتلى)،و عاد على(ما).

و قدّره الزّمخشريّ في«الكشّاف»:إلاّ محرّم ما يتلى عليكم.

و الأوّل أقوى،و الجملة الفعليّة: يُتْلى عَلَيْكُمْ صلة(ما)،أو صفتها.(عليكم):متعلّقان (1)بالفعل قبلهما.(3:208)

3- ...وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ...

الحجّ:30

الطّبريّ: إلاّ ما يتلى عليكم في كتاب اللّه،و ذلك:

الميتة،و الدّم،و لحم الخنزير،و ما أهلّ لغير اللّه به، و المنخنقة،و الموقوذة،و المتردّية،و النّطيحة،و ما أكل السّبع،و ما ذبح على النّصب،فإنّ ذلك كلّه رجس.

(17:153)

مثله المراغيّ.(17:110)

نحوه الزّجّاج(3:424)،و الزّمخشريّ(3:12)، و البغويّ(3:338)،و الطّبرسيّ(4:72)،و الخازن(5:

13)،و النّسفيّ(3:101)،و أبو حيّان(6:366).

الطّوسيّ: [مثل الطّبريّ ثمّ أضاف:]

و قيل:و أحلّت لكم الأنعام من الإبل،و البقر، و الغنم؛في حال إحرامكم إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ من الصّيد،فإنّه يحرم على المحرم.(7:311)

ابن عطيّة : إِلاّ ما يُتْلى عليهم في كتاب اللّه تعالى في غير موضع.(4:120)

الفخر الرّازيّ: ما يُتْلى في كتاب اللّه من المحرّمات من النّعم،و هو المذكور في سورة المائدة،قوله:

غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، و قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المائدة:1،3،و قوله: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ الأنعام:121.(23:31)

نحوه النّيسابوريّ.(17:95)

أبو البقاء: يجوز أن يكون الاستثناء منقطعا،لأنّ بهيمة الأنعام ليس فيها محرّم،و يجوز أن يكون متّصلا و يصرف إلى ما حرّم منها بسبب عارض،كالموت و نحوه.

(2:941)

ابن عربيّ: إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ في سورة المائدة من الرّذائل المشتبهة بالفضائل،و هي الّتيق.

ص: 889


1- الظّاهر:متعلّق.

صدرت من النّفس،لا على وجهها،و لا على ما ينبغي من أمرها بالرّذائل المحضة،فإنّها محرّمة،في سبيل اللّه على السّالكين.(2:104)

أبو السّعود :أي إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ آية تحريمه،استثناء متّصل منها على أنّ(ما)عبارة عمّا حرّم منها لعارض كالميتة و ما أهلّ به لغير اللّه تعالى.

و الجملة اعتراض جيء به تقريرا لما قبله من الأمر بالأكل و الإطعام،و دفعا لما عسى يتوهّم أنّ الإحرام يحرّمه كما يحرّم الصّيد.و عدم الاكتفاء ببيان،عدم كونها من ذلك القبيل،يحمل الأنعام على ما ذكر من الضّحايا و الهدايا المعهودة،خاصّة لئلاّ يحتاج إلى الاستثناء المذكور؛إذ ليس فيها ما حرّم لعارض قطعا لمراعاة حسن التّخلّص إلى ما بعده من قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ فإنّه مترتّب على ما يفيده قوله تعالى:

وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ الحجّ:32 من وجوب مراعاتها،و الاجتناب عنه من المحرّمات عن هتكها.

(4:379)

نحوه البروسويّ.(6:30)

الآلوسيّ: أي إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ آية تحريمه، استثناء متّصل،كما اختاره الأكثرون،منها على أنّ(ما) عبارة عمّا حرّم،منها لعارض كالميتة و ما أهلّ به لغير اللّه تعالى.

و جوّز أن يكون الاستثناء منقطعا،بناء على أنّ(ما) عبارة عمّا حرّم في قوله سبحانه: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...، و فيه ما ليس من جنس الأنعام.و الفعل على الوجهين لم يرد منه الاستقبال،لسبق تلاوة آية التّحريم،و كأنّ التّعبير بالمضارع استحضارا للصّورة الماضية لمزيد الاعتناء.

و قيل:التّعبير بالمضارع للدّلالة على الاستمرار التّجدّدي المناسب للمقام،و الجملة معترضة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالأكل و الإطعام،و دافعة لما عسى يتوهّم أنّ الإحرام يحرّم ذلك كما يحرّم الصّيد.(17:147)

الطّباطبائيّ: و المراد بقوله: ما يُتْلى عَلَيْكُمْ استمرار التّلاوة،فإنّ محرّمات الأكل نزلت في سورة الأنعام و هي مكّيّة،و في سورة النّحل،و هي نازلة في آخر عهده صلّى اللّه عليه و آله و أوّل عهده بالمدينة،و في سورة البقرة، و قد نزلت في أوائل الهجرة بعد مضيّ ستّة أشهر منها- على ما روي-و لا موجب لجعل(يتلى)للاستقبال، و أخذه إشارة إلى آية سورة المائدة،كما فعلوه.

(14:372)

مكارم الشّيرازيّ: عبارة إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصّيد على المحرم الّذي شرع في سورة المائدة:95؛حيث تقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ.

كما يمكن أن تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية-موضع البحث-الّتي تخصّ تحريم الأضحيّة الّتي تذبح للأصنام الّتي كانت متداولة زمن الجاهليّة،لأنّنا نعلم أنّ تذكية الحيوان تستوجب ذكر اسم اللّه عليه عند الذّبح،و لا يجوز ذكر اسم الصّنم أو أيّ اسم آخر عليه.

(10:302)

4- أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى

ص: 890

عَلَيْهِمْ... العنكبوت:51

الطّوسيّ: بيّن أنّ في القرآن دلالة واضحة و حجّة بالغة،ينزاح معه العلّة و تقوم به الحجّة،لا يحتاج معه إلى غيره في الوصول إلى العلم بصحّة نبوّته،و أنّه مبعوث من عند اللّه،مع أنّ إظهار المعجزات مع كونها لإزاحة العلّة يراعى فيها المصلحة.

فإذا كانت المصلحة في إظهار نوع منها لم يجز إظهار غيرها،و لو أظهر اللّه الأعلام الّتي اقترحوها ثمّ لم يؤمنوا،لاقتضت المصلحة استئصالهم كما اقتضت في الأمم الماضية،و قد وعد اللّه أنّ هذه الأمّة لا تعذّب بعذاب الاستئصال،كما قال: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الإسراء:59.

(8:218)

الخازن :معناه أنّ القرآن معجزة أتمّ من معجزة من تقدّم من الأنبياء،لأنّ معجزة القرآن تدوم على ممرّ الدّهور و الزّمان ثابتة لا تضمحلّ كما تزول كلّ آية بعد كونها.(5:163)

أبو حيّان :أي أو لم يكفهم آية مغنيّة عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحقّ،غير متعنّتين هذا القرآن الّذي تدوم تلاوته عليهم في كلّ مكان و زمان، فلا تزال معهم آية ثابتة لا تزول و لا تضمحلّ كما تزول كلّ آية بعد وجودها،و يكون في مكان دون مكان.إنّ في هذه الآية الموجودة في كلّ مكان و زمان(لرحمة)لنعمة عظيمة لا تنكر.

و قيل:أو لم يكفهم،يعني اليهود أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم بتحقيق ما في أيديهم من نعتك و نعت دينك.(7:156)

نحوه ملخّصا أبو السّعود.(5:157)

البروسويّ: يُتْلى عَلَيْكُمْ بلغتهم في كلّ زمان و مكان.[ثمّ قال نحو الخازن و أضاف:]

و فيه إشارة إلى عمى بصر قلوبهم؛حيث لم يروا الآية الواضحة الّتي هي القرآن حتّى طلبوا الآيات،و إلى تيسير قراءة مثل هذا القرآن في غير كاتب و قارئ، و إنزاله عليه و حفظه لديه و إحاطة بيانه إليه،آية واضحة.(6:483)

الآلوسيّ: [نحو أبو حيّان ملخّصا و أضاف:]

و له وجه،إن كان ضمير(قالوا)فيما تقدّم لأهل الكتاب.و أمّا إذا كان لكفّار قريش،فلا يخفى ما فيه.

(21:6)

المراغيّ: أي أ ما كفاهم دليلا على صدقك إنزالنا الكتاب عليك يتلونه و يتدارسونه ليل نهار،و أنت رجل أمّيّ لا تقرأ و لا تكتب،و لم تخالط أحدا من أهل الكتاب، و قد جئتهم بأخبار ما في الصّحف الأولى،و بيّنت الصّواب فيما اختلفوا فيه،كما قال: أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى. (21:10)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(12:392)

عبد الكريم الخطيب :إنّها آيات لا تغرب شمسها،و لا يخبو ضوؤها أبد الدّهر.(11:452)

5- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً. الأحزاب:34

أبو حيّان :قرأ زيد بن عليّ(ما تتلى)بتاء التّأنيث،

ص: 891

و الجمهور بالياء.(7:232)

أبو السّعود :و التّعرّض للتّلاوة في البيوت-و إن كان النّزول فيها مع أنّه الأنسب،لكونها مهبط الوحي- لعمومها لجميع الآيات،و وقوعها في كلّ البيوت، و تكرّرها الموجب لتمكّنهنّ من الذّكر و التّذكير،بخلاف النّزول.

و عدم تعيين التّالي لتعمّ تلاوة جبريل،و تلاوة النّبيّ عليهما الصّلاة و السّلام،و تلاوتهنّ و تلاوة غيرهنّ تعليما و تعلّما.(5:226)

مثله البروسويّ.(7:173)

الآلوسيّ: أي اذكرن للنّاس بطريق العظة و التّذكير.و قيل:أي تذكرن و لا تنسينّ ما يتلى في بيوتكنّ.[إلى أن قال:]

أي اذكرن ما يتلى من الكتاب الجامع،بين كونه آيات اللّه تعالى البيّنة الدّالّة على صدق النّبوّة بأوجه شتّى،و كونه حكمة منطوية على فنون العلوم و الشّرائع.

و هذا تذكير بما أنعم عليهنّ؛حيث جعلهنّ أهل بيت النّبوّة.[إلى أن ذكر مثل أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و قيل:إنّ ذلك[التّعرّض للتّلاوة دون النّزول] لرعاية الحكمة،بناء على أنّ المراد بها السّنّة،فإنّها لم تنزل نزول القرآن،و تعقّب بأنّها لم تتل أيضا تلاوته.

(22:20)

تتلى

1- وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ... آل عمران:101

القيسيّ: وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ ابتداء و خبر،في موضع الحال من المضمر في(تكفرون)،و مثله: وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ. (1:152)

الزّمخشريّ: تُتْلى عَلَيْكُمْ على لسان الرّسول غضّة طريّة،و بين أظهركم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ينبّهكم و يعظكم و يزيح شبهكم.(1:450)

نحوه النّسفيّ(1:173)،و الشّربينيّ(1:236)، و النّيسابوريّ(4:21).

ابن عطيّة :قرأ جمهور النّاس (تُتْلى) بالتّاء من فوق،و قرأ الحسن: (يتلى) بالياء؛إذا الآيات هي القرآن.

(1:482)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور (تُتْلى) بالتّاء،و قرأ الحسن و الأعمش (يتلى) بالياء،لأجل الفصل،و لأنّ التّأنيث غير حقيقيّ،و لأنّ الآيات هي القرآن.(3:15)

الآلوسيّ: و لم يسند سبحانه التّلاوة إلى رسوله عليه الصّلاة و السّلام إشارة إلى استقلال كلّ من الأمرين في الياء،و إيذانا بأنّ التّلاوة كافية في الغرض من أيّ قال كانت.(4:16)

الطّباطبائيّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله:

وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ آل عمران:100،101.

المراد بالفريق كما تقدّم هم اليهود أو فريق منهم، و قوله تعالى: وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ أي يمكنكم أن تعتصموا بالحقّ الّذي يظهر لكم بالإنصات إلى آيات اللّه و التّدبّر فيها،ثمّ الرّجوع فيما خفي عليكم منها لقلّة التّدبّر،أو الرّجوع ابتداء إلى رسوله الّذي هو فيكم غير محتجب عنكم و لا يغيب

ص: 892

عنكم،و استظهار الحقّ بالرّجوع إليه،ثمّ إبطال شبه ألقتها اليهود إليكم،و التّمسّك بآيات اللّه و برسوله و الاعتصام بهما اعتصام باللّه وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ آل عمران:101.

(3:365)

2- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. الأنفال:31

ابن عبّاس:على النّضر بن الحارث و أصحابه.

(147)

نحوه ابن جريج،و السّدّيّ،و سعيد بن جبير.

(الطّبريّ 9:231)

الطّبريّ: على هؤلاء الّذين كفروا.

(الطّبريّ 9:231)

نحوه ابن عطيّة.(2:520)

3- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ...

يونس:15

ابن عبّاس:[إذا]تقرأ على المستهزئين الوليد بن المغيرة و أصحابه.(171)

قتادة :(عليهم)يعني مشركي مكّة.

(البغويّ 2:413)

نحوه الطّبريّ(11:94)،و الواحديّ(2:541).

ابن عطيّة :هذه الآية نزلت في قريش،لأنّ بعض كفّارهم قال هذه المقالة (1).(3:110)

أبو حيّان:و إذا تسرد عليهم آيات القرآن.

(5:131)

أبو السّعود :التفات من خطابهم إلى الغيبة، إعراضا عنهم،و توجيها للخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بتعديد جناياتهم المضادّة،لما أريد منهم بالاستخلاف من تكذيب الرّسول،و الكفر بالآيات البيّنات و غير ذلك، كدأب من قبلهم من القرون المهلكة.و صيغة المضارع للدّلالة على تجدّد جوابهم الآتي،حسب تجدّد التّلاوة.

[إلى أن قال:]

و إيراد فعل التّلاوة مبنيّا للمفعول مسندا إلى الآيات دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ببنائه للفاعل،للإشعار بعدم الحاجة لتعيّن التّالي،و للإيذان بأنّ كلامهم في نفس المتلوّ دون التّالي.(3:220)

نحوه الآلوسيّ.(11:83)

رشيد رضا :في الآية التفات عن خطاب هؤلاء الموعوظين إلى الغيبة عنهم،و توجيه له إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

و أسلوب الالتفات في القرآن كثير جدّا،و فائدته العامّة تلوين الكلام بما يجدّد الانتباه له و التّأمّل فيه.

و يظهر في هذه الآية أنّ نكتة حكاية هذا الاقتراح السّخيف بأسلوب الإخبار عن قوم غائبين إفادة أمرين:

أحدهما:إظهار الإعراض عنهم كأنّهم غير حاضرين،لأنّهم لا يستحقّون الخطاب به من اللّه تعالى.

ثانيها:تلقينه صلّى اللّه عليه و سلّم الجواب عنه بما ترى من العبارة البليغة التّأثير.

و المعنى و إذا تتلى على أولئك القوم آياتنا المنزلة).

ص: 893


1- أي:(ائت بقران غير هذا...).

حالة كونها بارزة في أعلى معارض البيان،و أظهر مقدّمات الوحي و البرهان: قالَ الَّذِينَ... إلخ.

(11:318)

الطّباطبائيّ: هؤلاء المذكورون في الآية كانوا قوما وثنيّين يقدّسون الأصنام و يعبدونها،و من سننهم التّوغّل في المظالم و الآثام و اقتراف المعاصي،و القرآن ينهى عن ذلك كلّه.[إلى أن قال:]

و في قوله: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ... التفات من الخطاب إلى الغيبة،و الظّاهر أنّ النّكتة فيه أن يكون توطئة إلى إلقاء الأمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ إلخ،فإنّ ذلك لا يتمّ إلاّ بصرف الخطاب عنهم،و توجيهه إليه صلّى اللّه عليه و سلّم.(10:26)

4- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ... الحجّ:72

الطّبريّ: على مشركي قريش العابدين من دون اللّه،ما لم ينزّل به سلطانا.(71:201)

نحوه ابن عطيّة.(4:133)

أبو السّعود : وَ إِذا تُتْلى... عطف على يَعْبُدُونَ الحج:70،و ما بينهما اعتراض،و صيغة المضارع للدّلالة على الاستمرار التّجدّدي.(4:397)

مثله الآلوسيّ.(17:199)

5- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها... لقمان:7

الطّبريّ: وَ إِذا تُتْلى... على هذا الّذي اشترى لهو الحديث للإضلال عن سبيل اللّه.(21:64)

الميبديّ: هذا دليل على أنّ الآية السّابقة نزلت في النّفر بن الحارث.(7:487)

أبو حيّان :بدأ أوّلا بالحمل على اللّفظ فأفرد في قوله: مَنْ يَشْتَرِي و(ليضلّ)و(يتّخذها)لقمان:6، ثمّ جمع على الضّمير في قوله: أُولئِكَ لَهُمْ ثمّ حمل على اللّفظ فأفرد في قوله: وَ إِذا تُتْلى إلى آخره.و(من) في مَنْ يَشْتَرِي موصولة.و نظيره في«من» الشّرطيّة،قوله: وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ فما بعده أفرد،ثمّ قال: خالِدِينَ نجمع،ثمّ قال: قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً الطّلاق:11،فأفرد.

و لا نعلم جاء في القرآن ما حمل على اللّفظ ثمّ على المعنى ثمّ على اللّفظ غير هاتين الآيتين و النّحويّون يذكرون: وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ الآية فقط.و يستدلّون بها على أنّ هذا الحكم جار في«من»الموصولة و نظيرها ممّا لم يثنّ و لم يجمع من الموصولات.(7:184)

نحوه الآلوسيّ.(21:80)

الشّربينيّ: أي تتجدّد عليه تلاوتها،أي تلاوة القرآن من كلّ تال كان.(3:182)

أبو السّعود : وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ أي على المشتري،أفرد الضّمير فيه و فيما بعده،كالضّمائر الثّلاثة الأول،باعتبار لفظة(من)بعد ما جمع فيما بينهما باعتبار معناها.(5:186)

نحوه البروسويّ.(7:66)

الطّباطبائيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و من الممكن أن يكون ضمير(لهم)في الآية السّابقة

ص: 894

راجعا إلى مجموع المضلّ و الضّالّين المدلول عليهم بالسّياق،فتكون الضّمائر الرّاجعة إلى(من)مفردة جميعا.

(16:210)

6- يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. الجاثية:8

الشّربينيّ: تُتْلى عَلَيْهِ بجميع ما فيها[آيات اللّه]و هي القرآن،من سهولة فهمها و عذوبة ألفاظها و ظهور معانيها و جلالة مقاصدها مع الإعجاز،و هي القرآن العظيم،فكيف إذا كان التّالي أشرف الخلق.

و قرأ حمزة و الكسائيّ بإمالة محضة،و ورش بالفتح و بين اللّفظين،و الباقون بالفتح.(3:594)

أبو السّعود : تُتْلى عَلَيْهِ حال من آياتِ اللّهِ، و لا مساغ لجعله مفعولا ثانيا ل(يسمع)لأنّ شرطه أن يكون ما بعده ممّا لا يسمع،كقولك:سمعت زيدا يقرأ.(6:57)

7- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ... الجاثية:25

الشّربينيّ: أي تتابع بالقراءة من أيّ تال كان.

(3:600)

راجع«ك و ن»(ما كان).

8- أَ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ... الجاثية:31

الشّربينيّ: أي تواصل قراءتها من أيّ تال كان، فكيف إذا كانت بواسطة الرّسل تلاوة مستعلية.(3:601)

اتل

1- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ... المائدة:27

الطّبريّ: و اتل على هؤلاء اليهود،الّذين همّوا أن يبسطوا أيديهم إليكم،عليك و على أصحابك معك، و عرّفهم مكروه عاقبة الظّلم و المكر.(6:186)

ابن عطيّة :معناه أسرد و أسمعهم إيّاه،و هذه من علوم الكتب الأول الّتي لا تعلّق لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بها إلاّ من طريق الوحي،فهو من دلائل نبوّته.

و الضّمير في(عليهم)ظاهر أمره أنّه يراد به بنو إسرائيل،لوجهين:

أحدهما:أنّ المحاورة فيما تقدّم إنّما هي في شأنهم و إقامة الحجج عليهم،بسبب همّهم ببسط اليد إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الثّاني:أنّ علم نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ إنّما هو عندهم و في غامض كتبهم،و عليهم تقوم الحجّة في إيراده.(2:178)

الفخر الرّازيّ: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ فيه قولان:

أحدهما:و اتل على النّاس،و الثّاني:و اتل على أهل الكتاب.(11:203)

القرطبيّ: وجه اتّصال هذه الآية بما قبلها التّنبيه من اللّه تعالى على أنّ ظلم اليهود،و نقضهم المواثيق و العهود كظلم ابن آدم لأخيه.

المعنى:إن همّ هؤلاء اليهود بالفتك بك يا محمّد فقد قتلوا قبلك الأنبياء،و قتل قابيل هابيل،و الشّرّ قديم.

أي ذكّرهم هذه القصّة فهي قصّة صدق،لا كالأحاديث الموضوعة؛و في ذلك تبكيت لمن خالف الإسلام،و تسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(6:133)

ص: 895

الخازن:يعني اذكر لقومك و أخبرهم.(2:31)

أبو السّعود : وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ عطف على مقدّر، تعلّق به قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى... المائدة:19 إلخ،و تعلّقه به من حيث إنّه تمهيد لما سيأتي من جنايات بني إسرائيل بعد ما كتب عليهم و ما كتب،و جاءتهم الرّسل بما جاءت به من البيّنات.(2:259)

البروسويّ: أي على أهل الكتاب.(2:379)

الآلوسيّ: [قال نحو أبو السّعود ثمّ أضاف:]

و قيل:من حيث إنّ في الأوّل الجبن عن القتل،و في هذا الإقدام عليه،مع كون كلّ منهما معصية.

و ضمير(عليهم)يعود على بني إسرائيل كما هو الظّاهر؛إذ هم المحدّث عنهم أوّلا.و أمر صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بتلاوة ذلك عليهم إعلاما لهم بما هو في غامض كتبهم الأول،الّذي لا تعلّق للرسول عليه الصّلاة و السّلام بها إلاّ من جهة الوحي،لتقوم الحجّة بذلك عليهم.

و قيل:الضّمير عائد على هذه الأمّة أي اتل ما محمّد على قومك.(6:110)

رشيد رضا :[ذكر معنى التّلاوة كما تقدّم في النّصوص اللّغويّة ثمّ قال:]

و النّبأ:الخبر الصّحيح الّذي له شأن من الفائدة و الجدارة بالاهتمام.

و معنى الجملة:و اتل أيّها الرّسول على أهل الكتاب و سائر النّاس ذلك النّبأ العظيم.(6:341)

الطّباطبائيّ: التّلاوة من التّلو و هي القراءة، سمّيت بها لأنّ القارئ للنّبإ يأتي ببعض أجزائه في تلو بعض آخر.(5:298)

2- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها...

الأعراف:175

الواحديّ: أي اقرأ و قصّ على قومك.(2:426)

نحوه الخازن.(2:256)

الزّمخشريّ: (عليهم)أي على اليهود.(2:130)

ابن عطيّة :معناه قصّ و اسرد،و الضّمير في (عليهم)عائد على حاضري محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من الكفّار و غيرهم.(2:476)

أبو السّعود : وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ عطف على المضمر العامل في إِذْ أَخَذَ وارد على نمطه في الإنباء عن الحور بعد الكور،و الضّلالة بعد الهدى،أي و اتل على اليهود.

(3:52)

نحوه الآلوسيّ.(9:111)

رشيد رضا :التّلاوة:القراءة،و إلقاء الكلام الّذي يعاد و يكرّر للاعتبار به.و الضّمير في(عليهم)للنّاس المخاطبين بالدّعوة،و أوّلهم كفّار مكّة.و السّورة مكّيّة، و قيل:لليهود،لأنّ المثل تابع لقصّة موسى في السّورة.

(9:405)

الطّباطبائيّ: (عليهم)أي على بني إسرائيل،أو على النّاس خبرا عن أمر عظيم.(8:332)

3- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ... يونس:71

الطّبريّ: و اتل على هؤلاء المشركين الّذين قالوا:

اتّخذ اللّه ولدا من قومك.(11:141)

ص: 896

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه سبحانه لمّا بالغ في تقرير الدّلائل و البيّنات،و في الجواب عن الشّبه و السّؤالات، شرع بعد ذلك في بيان قصص الأنبياء عليهم السّلام لوجوه:

أحدها:أنّ الكلام إذا أطال في تقرير نوع من أنواع العلوم،فربّما حصل نوع من أنواع الملالة،فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفنّ من العلم إلى فنّ آخر،انشرح صدره و طاب قلبه،و وجد في نفسه رغبة جديدة،و قوّة حادثة.و ميلا قويّا.

و ثانيها:ليكون للرّسول عليه الصّلاة و السّلام و لأصحابه أسوة بمن سلف من الأنبياء،فإنّ الرّسول إذا سمع أنّ معاملة هؤلاء الكفّار مع كلّ الرّسل ما كانت إلاّ على هذا الوجه،خفّ ذلك على قلبه،كما يقال:المصيبة إذا عمّت خفّت.

و ثالثها:أنّ الكفّار إذا سمعوا هذه القصص،و علموا أنّ الجهّال و إن بالغوا في إيذاء الأنبياء المتقدّمين إلاّ أنّ اللّه تعالى أعانهم بالآخرة،و نصرهم و أيّدهم و قهر أعداءهم،كان سماع هؤلاء الكفّار لأمثال هذه القصص سببا لانكسار قلوبهم،و وقوع الخوف و الوجل في صدورهم،و حينئذ يقلّلون من أنواع الإيذاء و السّفاهة.

و رابعها:أنّا قد دلّلنا على أنّ محمّدا عليه الصّلاة و السّلام لمّا لم يتعلّم علما،و لم يطالع كتابا،ثمّ ذكر هذه الأقاصيص من غير تفاوت،و من غير زيادة و من غير نقصان،دلّ ذلك على أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما عرفها بالوحي و التّنزيل.(17:135)

أبو السّعود :أي على المشركين من أهل مكّة و غيرهم لتحقيق ما سبق من أنّهم لا يفلحون،و أنّ ما يتمتّعون به على جناح الفوات،و أنّهم مشرفون على العذاب الخالد(نبا نوح)لينزجروا بذلك عمّا هم عليه من الكفر،أو تنكسر شدّة شكيتهم،أو يعترف بعضهم بصحّة نبوّتك،بأن عرفوا أنّ ما تتلوه موافق لما ثبت عندهم من غير مخالفة بينهما أصلا،مع علمهم بأنّك لم تسمع ذلك من أحد ليس إلاّ بطريق الوحي.

و فيه من تقرير ما سبق من كون الكلّ للّه سبحانه، و اختصاص العزّة به تعالى،و انتفاء الخوف و الحزن عن أوليائه عزّ و علا قاطبة،و تشجيع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و حمله على عدم المبالات بهم و بأقوالهم و أفعالهم،ما لا يخفى.(3:26)

4- وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ...

الكهف:27

ابن عطيّة :أي اتّبع في أعمالك،و قيل اسرد بتلاوتك ما أوحي إليك من كتاب ربّك،لا نقض في قوله:

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، و ليس لك سواه جانب تميل إليه، و تستند.(3:511)

الفخر الرّازيّ: يتناول القراءة و يتناول الاتّباع أيضا،فيكون المعنى:الزم قراءة الكتاب الّذي أوحي إليك،و الزم ما لعمل به.(21:114)

نحوه النّيسابوريّ(15:128)،و الآلوسيّ(15:

257).و فيه مطالب راجع:«و ح ي»،(ما اوحى).

البروسويّ: أي القرآن للتّقرّب إلى اللّه تعالى بتلاوته و العمل بموجبه و الاطّلاع على أسراره، و لا تسمع لقولهم: اِئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ.

و الفرق بين التّلاوة و القراءة:أنّ التّلاوة قراءة القرآن

ص: 897

متابعة كالدّراسة و الأوراد الموظّفة،و القراءة أعمّ،لأنّها جمع الحروف باللّفظ لا اتباعها.(5:237)

مكارم الشّيرازيّ: أي لا تعر أيّة أهمّيّة إلى أقوال الآخرين المخلوطة بالكذب و الخرافة و الوضع،يجب أن يكون اعتمادك في هذه الأمور على الوحي الإلهيّ فقط، لأنّه لا يوجد شيء يستطيع أن يغيّر كلامه تعالى.

(9:212)

5- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ. الشّعراء:69

أبو السّعود :عطف على المضمر المقدّر عاملا ل(اذ نادى)إلخ،أي و اتل على المشركين.(5:45)

نحوه الآلوسيّ.(19:93)

البروسويّ: من«التّلاوة»و هي القراءة،على سبيل التّتابع،و القراءة أعمّ،أي اقرأ على مشركي العرب،و أخبر أهل مكّة.(6:281)

الطّباطبائيّ: غيّر السّياق عمّا كان عليه أوّل القصّة: وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى إلخ لمكان قوله:

عليهم:فإنّ المطلوب تلاوته على مشركي العرب و عمدتهم قريش،و إبراهيم هذا أبوهم.(15:280)

6- اُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ... العنكبوت:45

الفخر الرّازيّ: [لاحظ النّيسابوريّ](25:71)

ابن عربيّ: أي فصّل ما أجمل فيك من كتاب العقل القرآنيّ بسبب الوحي،و نزول كتاب العلم الفرقانيّ.

(2:248)

النّسفيّ: وَ اتْلُ ما أُوحِيَ... تقرّبا إلى اللّه تعالى بقراءة كلامه،و لتقف على ما أمر به و نهى عنه.

(3:259)

النّيسابوريّ: و حيث قوّى قلب المؤمنين بالتّخصيص المذكور،رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله: اُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ لتعلم أنّ نوحا و لوطا و غيرهما بلّغوا الرّسالة و بالغوا في إقامة الدّلالة،و لم ينقذوا قومهم من الضّلالة و الجهالة،و لهذا قال(اتل) و لم يقل:اتل عليهم،لأنّ التّلاوة بعد اليأس منهم ما كانت إلاّ لتسلية قلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

أو نقول:إنّ الكتاب الإلهيّ قانون كلّيّ،فيه شفاء للصّدور،فيجب تلاوته مرّة بعد أخرى،ليبلغ إلى حدّ التّواتر،و ينقله قرن إلى قرن،و يأخذه قوم من قوم إلى بوم النّشور.و أيضا فيه من العبر و المواعظ ما يهشّ لها الأسماع و تطمئنّ إليها القلوب،كالمسك يفوح لحظة فلحظة،و كالرّوض يستلذّه النّظر ساعة فساعة.

و في الجمع بين الأمرين:التّلاوة،و إقامة الصّلاة معنيان:

أحدهما:زيادة تسلية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كأنّه قيل له:إذا تلوت و لم يقبل منك فأقبل على الصّلاة،لأنّك واسطة بين المخلوقين،فإن لم يتّصل الطّرف الأوّل و هو من الخالق إلى المخلوق،فليتّصل الطّرف الآخر و هو من المخلوق إلى الخالق.

و الثّاني:أنّ العبادات إمّا اعتقاديّة و هي لا تتكرّر بل تبقى مستمرّا عليها،و إمّا لسانيّة و إمّا بدنيّة خارجيّة، و أفضلها الصّلاة،فأمر بتكرار الذّكر و الصّلاة حيازة

ص: 898

للفضيلتين.(21:7)

أبو السّعود : اُتْلُ ما أُوحِيَ... تقرّبا إلى اللّه بقراءته،و تذكّرا لما في تضاعيفه من المعاني،و تذكيرا للنّاس،و حملا لهم على العمل بما فيه من الأحكام و محاسن الآداب و مكارم الأخلاق.(5:154)

نحوه الآلوسيّ(20:163)،و المراغيّ(20:145).

البروسويّ: التّلاوة:القراءة،على سبيل التّوالي.

[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](6:473)

عبد الكريم الخطيب :و في أمر النّبيّ بتلاوة ما أوحي إليه من الكتاب إلفات للعقول إلى هذه الآيات القرآنيّة،بعد إلفات الأبصار إلى الآيات الكونيّة،فيكون من هذه و تلك لقاء بين المحسوس و المعقول،و بهذا تكتمل المعرفة،و تثبت قضايا العلم،فيقع للإنسان من ذلك علم يقينيّ،يقوم عليه إيمانه باللّه ربّ العالمين.

(10:436)

المكارم الشّيرازيّ: أي اقرأ هذه الآيات،فأنت واجد فيها ما تبتغيه و تطلبه من العلم و الحكمة و النّصح، و معيار معرفة الحقّ من الباطل،و سبيل تنوير القلب و الرّوح،و مسير حركة كلّ طائفة،أو مجموعة و اتّجاهها...اقرأ و امض على نهجها في حياتك،اقرأها و استلهم منها،اقرأها و نوّر قلبك بتلاوتها.(12:364)

اتلوها

...قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

آل عمران:93

الطّبرسيّ: فَاتْلُوها حتّى يتبيّن أنّه كما قلت لا كما قلتم، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم.

فاحتجّ عليهم بالتّوراة،و أمرهم بالإتيان بها و إن لم يقرءوا ما فيها،فإن كان في التّوراة إنّها كانت حلالا للأنبياء و إنّما حرّمها إسرائيل،فلم يجسروا على إتيان التّوراة،لعلمهم بصدق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بكذبهم.و كان ذلك دليلا ظاهرا على صحّة نبوّة نبيّنا محمّد؛إذ علم بأنّ في التّوراة ما يدلّ على كذبهم،من غير تعلّم التّوراة و قراءتها.(1:475)

البيضاويّ: أمر بمحاجّتهم بكتابهم و تبكيتهم بما فيه،من أنّه قد حرّم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرّما.

روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام لمّا قاله لهم،بهتوا و لم يجسروا أن يخرجوا التّوراة،و فيه دليل على نبوّته.

(1:172)

نحوه الآلوسيّ.(4:3)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ إلاّ أنّه قال:]

و في ذلك من الحجّة النّيّرة على صدق النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و جواز النّسخ الّذي يجحدونه ما لا يخفى،و الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها.(2:4)

نحوه البروسويّ.(2:65)

الطّباطبائيّ: و في قوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ دلالة على أنّهم كانوا ينكرون ذلك،أعني حلّيّة كلّ الطّعام عليهم قبل التّوراة،و يدلّ عليه أنّهم كانوا ينكرون النّسخ في الشّرائع،و يحيلون ذلك-كما مرّ ذكره-في ذيل قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها... البقرة:106،

ص: 899

فهم كانوا ينكرون بالطّبع قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160.

(3:345)

التّاليات

فَالتّالِياتِ ذِكْراً. الصّافّات:3

ابن عبّاس:أقسم بالملائكة قرأة الكتاب.

(374)

نحوه ابن مسعود،و الحسن،و سعيد بن جبير، و السّدّيّ(الماورديّ 5:37)،و مجاهد(الطّبريّ 23:

34)،و قشيريّ(5:227)،و الميبديّ(8:258).

قتادة :ما يتلى عليكم في القرآن من أخبار النّاس و الأمم قبلكم.(الطّبريّ 23:34)

أراد بني آدم الّذين يتلون كتبه المنزلة و تسبيحه و تكبيره،و نحو ذلك.(ابن عطيّة 4:465)

الفرّاء:قوله:تخفض التّاء من(الصّافّات)و من (التّاليات)لأنّه قسم.و كان ابن مسعود يدغم وَ الصَّافّاتِ صَفًّا و كذلك(و التّاليات)، (و الزّاجرات)يدغم التّاء منهنّ و التّبيان أجود،لأنّ القراءة بنيت على التّفصيل و البيان.و هذه الأحرف-فيما ذكروا-الملائكة.(2:382)

الطّبريّ: فالقارئات كتابا.

و اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بذلك،فقال بعضهم:هم الملائكة،و قال آخرون:هو ما يتلى في القرآن من أخبار الأمم قبلنا.(23:34)

نحوه البغويّ(5:25)،و أبو الفتوح(16:15)، و الخازن(6:15).

الزّجّاج :قيل:الملائكة،و جائز أن يكون الملائكة و غيرهم أيضا،ممّن يتلون ذكر اللّه.(4:297)

الرّمّانيّ: الأنبياء يتلون الذّكر على قومهم.

(الماورديّ 5:37)

القمّيّ: (الّذين يقرءون الكتاب من النّاس)فهو قسم،و جوابه إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ... إلخ.(2:218)

الطّوسيّ: أدغم أبو عمرو-إذ أدرج-التّاء في الصّاد،و الثّاء في الزّاي،و التّاء في الذّال،في قوله:

وَ الصَّافّاتِ...؛ لقرب مخرجهما إذا كانا من كلمتين، وافقه حمزة في جميع ذلك.الباقون بالإظهار،لأنّ قبل التّاء حرفا ساكنا،و هو الألف،لأنّ مخارجهما متغايرة.

[ثمّ نقل قول مجاهد و قتادة و قال:]

و قال قوم:يجوز أن يكون جماعة الّذين يتلون القرآن،و إنّما قال: فَالتّالِياتِ ذِكْراً و لم يقل:«تلوا» كما قال: فَالزّاجِراتِ زَجْراً لأنّ التّالي قد يكون بمعنى التّابع،تقول:تلوت فلانا،إذا تبعته،بمعنى جئت بعده، و منه قوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها الشّمس:2،فملاّ كان مشتركا،بيّنه بما ينزل الأبهام.(8:480،482)

(5:37)

الزّمخشريّ: أقسم اللّه سبحانه بطوائف الملائكة، أو بنفوسهم الصّافّات أقدامها في الصّلاة،من قوله تعالى:

وَ إِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، أو أجنحتها في الهواء،واقفة منتظرة لأمر للّه،(فالزّاجرات)السّحاب سوقا، (فالتّاليات)لكلام اللّه من الكتب المنزلة و غيرها.

و قيل:(الصّافّات):الطّير،من قوله تعالى: (وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ) ،و(الزّاجرات):كلّ ما زجر عن معاصي اللّه، و(التّاليات):كلّ من تلا كتاب اللّه.

ص: 900

و قيل:(الصّافّات):الطّير،من قوله تعالى: (وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ) ،و(الزّاجرات):كلّ ما زجر عن معاصي اللّه، و(التّاليات):كلّ من تلا كتاب اللّه.

و يجوز أن يقسم بنفوس العلماء العمّال الصّافّات أقدامها في التهجّد و سائر الصّلوات و صفوف الجماعات، فالزّاجرات بالمواعظ و النّصائح،فالتّاليات آيات اللّه، و الدّارسات شرائعه،أو بنفوس قوّاد الغزاة في سبيل اللّه الّتي تصف الصّفوف و تزجر للجهاد،و تتلو الذّكر،مع ذلك لا تشغلها عنه تلك الشّواغل،كما يحكى عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.

فإن قلت:ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصّفات؟

قلت:إمّا أن تدلّ على ترتّب معانيها في الوجود.[ثمّ استشهد بشعر]

و إمّا على ترتّبها في التّفاوت من بعض الوجوه، كقولك:خذ الأفضل،فالأكمل،و أعمل الأحسن فالأجمل.

و إمّا على ترتّب موصوفاتها في ذلك،كقوله:رحم اللّه المحلّقين فالمقصّرين.فعلى هذه القوانين الثّلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصّفات.

فإن قلت:فعلى أيّ القوانين هي فيما أنت بصدده؟

قلت:إن وحّدت الموصوف كانت للدّلالة على ترتّب الصّفات في التّفاصيل،و إن ثلّثته فهي للدّلالة على ترتّب الموصوفات فيه.

بيان ذلك أنّك إذا أجريت هذه الأوصاف على الملائكة و جعلتهم جامعين لها،فعطفها بالفاء يفيد ترتّبا لها في الفضل،إمّا أن يكون الفضل للصّفّ ثمّ للزّجر ثمّ للتّلاوة،و إمّا على العكس،و كذلك إن أردت العلماء و قوّاد الغزاة.

و إن أجريت الصّفة الأولى على طوائف و الثّانية و الثّالثة على أخر فقد أفادت ترتّب الموصوفات في الفضل،أعني أنّ الطّوائف ذوات فضل و الزّاجرات أفضل و التّاليات أبهر فضلا،أو على العكس،و كذلك إذا أردت بالصّافّات الطّير،و بالزّاجرات كلّ ما يزجر عن معصية،و بالتّاليات كلّ نفس تتلو الذّكر،فإنّ الموصوفات مختلفة.

و قرئ بإدغام التّاء في الصّاد و الزّاي و الذّال.

(3:333)

نحوه أبو السّعود(5:319)،و البروسويّ(7:445).

ابن عطيّة :[ذكر الأقوال في إدغام التّاء نحو الطّوسيّ بتفاوت]

الطّبرسيّ: ذكر إدغام التّاء نحو الطّوسيّ و أضاف:

قال أبو عليّ: إدغام التّاء في الصّاد لمقاربة اللّفظين، أ لا ترى من طرف اللّسان و أصول الثّنايا،و يجتمعان في الهمس.و المدغم فيه يزيد على المدغم بخلّتين،هما الإطباق و الصّفير.و يحسن إدغام الأنقص في الأزيد، و لا يجوز أن يدغم الأزيد صوتا في الأنقص صوتا،فلهذا يحسن إدغام التّاء في الزّاي من قوله: فَالزّاجِراتِ زَجْراً لأنّ التّاء مهموسة و الزّاي مجهورة و فيها زيادة صفير،كما كان في الصّاد.و كذلك حسن إدغام التّاء في الذّال في قوله: فَالتّالِياتِ ذِكْراً، وَ الذّارِياتِ ذَرْواً الذّاريات:1 لاتّفاقهما في أنّهما من طرف اللّسان و أصول الثّنايا.

ص: 901

فأمّا إدغام التّاء في الضّاد من قوله تعالى:

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً العاديات:1،فإنّ التّاء أقرب إلى الذّال و إلى الزّاي منهما في الضّاد،لأنّ الذّالّ و الزّاي و الصّاد من حروف طرف اللّسان،و أصول الثّنايا و طرفها،و الضّاد أبعد منهنّ،لأنّها من وسط اللّسان، و كذلك حسن إدغام التّاء فيها لأنّ الصّاد تغشّى الصّوت بها،و اتّسع و استطال حتّى اتّصل صرتها بأصول الثّنايا و طرف اللّسان،فأدغم التّاء فيها.

و سائر حروف طرف اللّسان و أصول الثّنايا إلاّ حروف الصّفير فإنّها لم تدغم في الضّاد و لم تدغم الضّاد في شيء من هذه الحروف،لما فيها من زيادة الصّوت.

فأمّا الإدغام في وَ السّابِحاتِ سَبْحاً* فَالسّابِقاتِ سَبْقاً النّازعات:3،4،فحسن لمقاربة الحروف.

فأمّا من قرأ بالإظهار في هذه الحروف فلاختلاف المخارج...(4:436)

الفخر الرّازيّ: [ذكر الأقوال في إدغام التّاء بنحو ممّا ذكره الطّوسيّ و أضاف:]

في الآية مسائل:

المسألة الثّانية:في هذه الأشياء المذكورة،المقسم بها يحتمل أن تكون صفات ثلاثة لموصوف واحد،و يحتمل أن تكون أشياء ثلاثة متباينة.أمّا على التّقدير الأوّل ففيه وجوه:

الأوّل:أنّها صفات الملائكة،و تقديره أنّ الملائكة يقفون صفوفا،إمّا في السّماوات لأداء العبادات،كما أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوا: وَ إِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. و قيل:

إنّهم يصفون أجنحتهم في الهواء،يقفون منتظرين وصول أمر اللّه إليهم.و يحتمل أيضا أن يقال:معنى كونهم صفوفا:أنّ لكلّ واحد منهم مرتبة معيّنة و درجة معيّنة في الشّرف و الفضيلة.

أو في الذّات و العلّيّة،و تلك الدّرجة المرتبة باقية غير متغيّرة،و ذلك يشبه الصّفوف.

و أمّا قوله:(فالزّاجرات زجرا)فقال اللّيث:يقال زجرت البعير فأنا أزجره زجرا،إذا حثثته ليمضي، و زجرت فلانا عن سوء فانزجر،أي نهيته فانتهى.فعلى هذا الزّجر للبعير كالحثّ،و للإنسان كالنّهي.إذا عرفت هذا فنقول:في وصف الملائكة بالزّجر وجوه:

الأوّل:قال ابن عبّاس:يريد الملائكة الّذين وكلّوا بالسّحاب يزجرونها،بمعنى أنّهم يأتون بها من موضع إلى موضع.

الثّاني:المراد منه أنّ الملائكة لهم تأثيرات في قلوب بني آدم على سبيل الإلهامات،فهم يزجرونهم عن المعاصي زجرا.

الثّالث:لعلّ الملائكة أيضا يزجرون الشّياطين عن التّعرّض لبني آدم بالشّرّ و الإيذاء.

و أقول:قد ثبت في العلوم العقليّة أنّ الموجودات على ثلاثة أقسام:مؤثّر لا يقبل الأثر و هو اللّه سبحانه و تعالى و هو أشرف الموجودات،و متأثّر لا يؤثّر و هم عالم الأجسام و هو أخس الموجودات،و موجود يؤثّر في شيء و يتأثّر عن شيء آخر و هو عالم الأرواح؛و ذلك لأنّها تقبل الأثر عن عالم كبرياء اللّه،ثمّ إنّها تؤثّر في عالم الأجسام.

و اعلم أنّ الجهة الّتي باعتبارها تقبل الأثر من عالم

ص: 902

كبرياء اللّه،غير الجهة الّتي باعتبارها تستولي على عالم الأجسام،و تقدر على التصرّف فيها،و قوله: فَالتّالِياتِ ذِكْراً إشارة إلى الأشرف من الجهة الّتي باعتبارها تقوّى على التّأثير في عالم الأجسام.

إذا عرفت هذا فقوله: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا إشارة إلى وقوفها صفّا صفّا في مقام العبوديّة و الطّاعة بالخشوع و الخضوع،و هي الجهة الّتي باعتبارها تقبل تلك الجواهر القدسيّة أصناف الأنوار الإلهيّة و الكمالات الصّمديّة.

و قوله تعالى: فَالزّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى تأثير الجواهر الملكيّة في تنوير الأرواح البشريّة،و إخراجها من القوّة إلى الفعل،و ذلك لمّا ثبت أنّ هذه الأرواح النّطقيّة البشريّة بالنّسبة إلى أرواح الملائكة كالقطرة بالنّسبة إلى البحر،و كالشّعلة إلى الشّمس.

و أنّ هذه الأرواح البشريّة إنّما تنتقل من القوّة إلى الفعل في المعارف الإلهيّة و الكمالات الرّوحانيّة بتأثيرات جواهر الملائكة،و نظيره قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، و قوله:

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ، و قوله تعالى:

فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً.

إذا عرفت هذا فنقول:في هذه الآية دقيقة أخرى و هي أنّ الكمال المطلق للشّيء إنّما يحصل إذا كان تامّا و فوق التّام.و المراد بكونه تامّا:أن تحصل جميع الكمالات اللاّئقة به حصولا بالفعل،و المراد بكونه فوق التّامّ:أن تفيض منه أصناف الكمالات و السّعادات على غيره،و من المعلوم أنّ كونه كاملا في ذاته مقدّم على كونه مكمّلا لغيره.

إذا عرفت هذا فقوله: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا إشارة إلى استكمال جواهر الملائكة في ذواتها وقت وقوفها في مواقف العبوديّة و صفوف الخدمة و الطّاعة،و قوله تعالى:

فَالزّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى كيفيّة تأثيراتها في إفاضة الجلايا القدسيّة و الأنوار الإلهيّة على الأرواح النّاطقة البشريّة،فهذه مناسبات عقليّة و اعتبارات حقيقيّة تنطبق عليها هذه الألفاظ الثّلاثة.

قال أبو مسلم الأصفهانيّ: لا يجوز حمل هذه الألفاظ على الملائكة،لأنّها مشعرة بالتّأنيث و الملائكة مبرّءون عن هذه الصّفة؛و الجواب من وجهين:الأوّل:أنّ (الصّافّات)جمع الجمع،فإنّه يقال:جماعة صافّة،ثمّ يجمع على صافّات.و الثّاني:أنّهم مبرّءون عن التّأنيث المعنويّ،أمّا التّأنيث في اللّفظ فلا،و كيف و هم يسمّون الملائكة مع أنّ علامة التّأنيث حاصلة في هذا الوجه.

الثّاني:أنّ تحمّل هذه الصّفات على النّفوس البشريّة الطّاهرة المقدّسة المقبلة على عبوديّة اللّه تعالى الّذين هم ملائكة الأرض،و بيانه من وجهين:الأوّل أنّ قوله تعالى: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا المراد:الصّفوف الحاصلة عند أداء الصّلوات بالجماعة،و قوله: فَالزّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى قراءة(اعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم) كأنّهم بسبب قراءة هذه الكلمة يزجرون الشّياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصّلاة،و قوله:

فَالتّالِياتِ ذِكْراً إشارة إلى قراءة القرآن في الصّلاة، و قيل: فَالزّاجِراتِ زَجْراً إشارة إلى رفع الصّوت بالقراءة،كأنّه يزجر الشّيطان بواسطة رفع الصّوت.

روي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم طاف على بيوت أصحابه في اللّيالي،

ص: 903

فسمع أبا بكر يقرأ بصوت منخفض و سمع عمر يقرأ بصوت رفيع،فسأل أبا بكر يقرأ بصوت منخفض و سمع عمر يقرأ يقرأ بصوت رفيع،فسأل أبا بكر لم تقرأ هكذا؟ فقال:المعبود سميع عليم،و سأل عمر لم تقرأ هكذا؟ فقال:أوقظ الوسنان و أطرد الشّيطان.

الوجه الثّاني:أنّ المراد من قوله: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا الصّفوف الحاصلة من العلماء المحقّقين الذين يدعون إلى دين اللّه تعالى،و المراد منه قوله: (فَالزّاجِراتِ زَجْراً) اشتغالهم بالزّجر عن الشّبهات و الشّهوات و المراد من قوله تعالى: فَالتّالِياتِ ذِكْراً اشتغالهم بالدّعوة إلى دين اللّه و التّرغيب في العمل بشرائع اللّه.

الوجه الثّالث:أن نحملها على أحوال الغزاة و المجاهدين في سبيل اللّه،فقوله: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا المراد منه صفوف القتال،لقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا الصّفّ:4،و أمّا (فَالزّاجِراتِ زَجْراً) فالزجرة و الصّيحة سواء،و المراد منه رفع الصّوت بزجر الخيل،و أمّا فَالتّالِياتِ ذِكْراً فالمراد منه اشتغال الغزاة وقت شروعهم في محاربة العدوّ بقراءة القرآن،و ذكر اللّه تعالى بالتّهليل و التّقديس.

الوجه الرّابع:أن نجعلها صفات لآيات القرآن، فقوله: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا المراد:آيات القرآن،فإنّها أنواع مختلفة،بعضها في دلائل التّوحيد،و بعضها في دلائل العلم و القدرة و الحكمة،و بعضها في دلائل النّبوّة، و بعضها في دلائل المعاد،و بعضها في بيان التّكاليف و الأحكام،و بعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة.و هذه الآيات مرتّبة ترتيبا لا يتغيّر و لا يتبدّل،فهذه الآيات تشبه أشخاصا واقفين في صفوف معيّنة.

و قوله: فَالزّاجِراتِ زَجْراً المراد منه:الآيات الزّاجرة عن الأفعال المنكرة،و قوله: فَالتّالِياتِ ذِكْراً المراد منه:الآيات الدّالّة على وجوب الإقدام على أعمال البرّ و الخير،وصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال:شعر شاعر و كلام قائل،قال تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الأسراء:9 و قال:

يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يس:1،2،قيل:الحكيم بمعنى الحاكم،فهذه جملة الوجوه المحتملة على تقدير أن تجعل هذه الألفاظ الثّلاثة صفات لشيء واحد.

و أمّا الاحتمال الثّاني:و هو أن يكون المراد بهذه الثّلاثة أشياء متغايرة،فقيل:المراد بقوله: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا الطّير،من قوله تعالى: وَ الطَّيْرُ صَافّاتٍ النّور:41،(و الزّاجرات):كلّ ما زجر عن معاصي اللّه، (و التّاليات):كلّ ما يتلى من كتاب اللّه.

و أقول:فيه وجه آخر،و هو أنّ مخلوقات اللّه إمّا جسمانيّة و إمّا روحانيّة:

أمّا الجسمانيّة فإنّها مرتّبة على طبقات و درجات لا تتغيّر البتّة،فالأرض وسط العالم و هي محفوفة بكرة الماء،و الماء محفوف بالهواء،و الهواء محفوف بالنّار،ثمّ هذه الأربعة محفوفة بكرات الأفلاك إلى آخر العالم الجسمانيّ،فهذه الأجسام كأنّها صفوف واقفة على عتبة جلال اللّه تعالى.

و أمّا الجواهر الرّوحانيّة فهي على اختلاف درجاتها و تباين صفاتها مشتركة في صفتين:

أحدهما:التّأثير في عالم الأجسام بالتّحريك

ص: 904

و التّصريف،و إليه الإشارة بقوله: فَالزّاجِراتِ زَجْراً. فأنّا قد بيّنّا أنّ المراد من هذا الزّجر:السّوق و التّحريك.

و الثّاني:الإدراك و المعرفة و الاستغراق في معرفة اللّه تعالى و الثّناء عليه،و إليه الإشارة بقوله تعالى:

فَالتّالِياتِ ذِكْراً. و لمّا كان الجسم أدنى منزلة من الأرواح المستقلّة فالتّصرّف في الجسمانيّات أدون منزلة من الأرواح المستغرقة في معرفة جلال اللّه المقبلة على تسبيح اللّه،كما قال: وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ الأنبياء:19.لا جرم بدأ في المرتبة الأولى بذكر الأجسام،فقال: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا، ثمّ ذكر في المرتبة الثّانية الأرواح المقدّسة المتوجّهة بكلّيّتها إلى معرفة جلال اللّه و الاستغراق في الثّناء عليه.فهذه احتمالات خطرت بالبال،و العالم بأسرار كلام اللّه تعالى ليس إلاّ اللّه.

المسألة الثّالثة:للنّاس في هذا الموضع قولان:

الأوّل:قول من يقول:المقسم به هاهنا خالق هذه الأشياء لا أعيان هذه الأشياء،و احتجّوا عليه بوجوه:

الأوّل:أنّه اللّه أكبر نهى عن الحلف بغير اللّه،فكيف يليق بحكمة اللّه أن يحلف بغير اللّه.

و الثّاني:أنّ الحلف بالشّيء في مثل هذا الموضع تعظيم عظيم للمحلوف به،و مثل هذا التّعظيم لا يليق إلاّ باللّه.

و الثّالث:أنّ هذا الّذي ذكرناه تأكّد بما أنّه تعالى صرّح به في بعض السّور،و هو قوله تعالى: وَ السَّماءِ وَ ما بَناها* وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها* وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها الشّمس:5-7.

و القول الثّاني:قول من يقول:إنّ القسم واقع بأعيان هذه الأشياء،و احتجّوا عليه بوجوه:

الأوّل:أنّ القسم وقع بهذه الأشياء بحسب ظاهر اللّفظ،فالعدول عنه خلاف الدّليل.

و الثّاني:أنّه تعالى قال: وَ السَّماءِ وَ ما بَناها فعلّق لفظ القسم ب(السّماء)ثمّ عطف عليه القسم بالباني للسّماء.فلو كان المراد من القسم ب(السّماء)القسم بمن بنى السّماء،لزم التّكرار في موضع واحد،و أنّه لا يجوز.

و الثّالث:أنّه لا يبعد أن تكون الحكمة في قسم من اللّه تعالى بهذه الأشياء،التّنبيه على شرف ذواتها و كمال حقائقها،لا سيّما إذا حملنا هذه الألفاظ على«الملائكة» فإنّه تكون الحكمة في القسم بها التّنبيه على جلالة درجاتها و كمال مراتبها،و اللّه أعلم.

فإن قيل:ذكر الحلف في هذا الموضع غير لائق، و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّ المقصود من هذا القسم إمّا إثبات هذا المطلوب عند المؤمن أو عند الكافر؛و الأوّل باطل،لأنّ المؤمن مقرّ به سواء حصل الحلف أو لم يحصل،فهذا الحلف عديم الفائدة على كلّ التّقديرات.

الثّاني:أنّه تعالى حلف في أوّل هذه السّورة على أنّ الإله واحد،و حلف في أوّل سورة(و الذّاريات)على أنّ القيامة حقّ،فقال: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً إلى قوله:

إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ* وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ 1-6، و إثبات هذه المطالب العالية الشّريفة على المخالفين من الدّهريّة و أمثالهم بالحلف و اليمين لا يليق بالعقلاء؛ و الجواب من وجوه:

ص: 905

الأوّل:أنّه تعالى قرّر التّوحيد و صحّة البعث و القيامة في سائر السّور بالدّلائل اليقينيّة،فلمّا تقدّم ذكر تلك الدّلائل لم يبعد تقريرها،فذكر القسم تأكيدا لما تقدّم،لا سيّما و القرآن إنّما أنزل بلغة العرب،و إثبات المطالب بالحلف و اليمين طريقة مألوفة عند العرب.

و الوجه الثّاني:في الجواب:أنّه تعالى لما أقسم بهذه الأشياء على صحّة قوله تعالى: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ الصّافّات:3،ذكر عقيبه ما هو كالدّليل اليقينيّ في كون الإله واحدا،و هو قوله تعالى: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ الصّافّات:5،و ذلك لأنّه تعالى بيّن في قوله: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء:22،أنّ انتظام أحوال السّماوات و الأرض يدلّ على أنّ الإله واحد،فهاهنا لمّا قال: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ أردفه بقوله: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ كأنّه قيل:قد بيّنّا أنّ النّظر في انتظام هذا العالم يدلّ على كون الإله واحدا،فتأمّلوا في ذلك الدّليل،ليحصل لكم العلم بالتّوحيد.

الوجه الثّالث:في الجواب:أنّ المقصود من هذا الكلام الرّدّ على عبدة الأصنام في قولهم:بأنّها آلهة، فكأنّه قيل:هذا المذهب قد بلغ في السّقوط و الرّكاكة إلى حيث يكفي في إبطاله مثل هذه الحجّة،و اللّه أعلم.

(26:114)

ابن عربيّ: وَ الصَّافّاتِ صَفًّا أقسم بنفوس السّالكين في سبيله طريق التّوحيد،(الصّافّات)في مقامهم و مراتب تجلّياتهم،و مواقف مشاهداتهم،(صفّا) واحدا في التّوجّه إليه،(فالزّاجرات)في دواعي الشّياطين،و فوارغ التّمنيّات النّفسانيّة في الأحايين (زجرا)بالأنوار،و الأذكار،و البراهين،(فالتّاليات) نوعا من أنواع الأذكار بحسب أحوالهم،باللّسان، و القلب،و السّرّ أو الرّوح،كما ذكر غير مرّه وحدانيّة معبودهم،لتثبيتهم في التّوجّه عن الزّيغ،و الانحراق بالالتفات إلى الغير،(ربّ)سماوات الغيوب السّبعة،الّتي هم سائرون فيها،و أرض البدن(و ما بينهما و ربّ) مشارق تجلّيّات الأنوار الصّفاتيّة،وصفه بالوحدانيّة الذّاتيّة في أطوار الرّبوبيّة،الكاشفة عن وجوه التّحوّلات،بتعدّد الأسماء،ليتحفّظوا عند تعدّد و تجلّيات الصّفات،و ترتّب المقامات من الاحتجاب بالكثرة.

(2:335)

القرطبيّ: قيل:المراد جبريل وحده،فذكر بلفظ الجمع،لأنّه كبير الملائكة،فلا يخلو من جنود و أتباع.

و قيل:هي آيات القرآن،وصفها بالتّلاوة،كما قال تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ النّمل:76.و يجوز أن يقال لآيات القرآن:تاليات، لأنّ بعض الحروف يتبع بعضا،ذكره القشيريّ.

(15:62)

أبو حيّان :التّاليات:القارئات.[ثمّ ذكر الأقوال و منها قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و معنى العكس في المكانين أنّك ترتقي من أفضل إلى فاضل إلى مفضول،أو تبدأ بالأدنى ثمّ بالفاضل ثمّ بالأفضل...(7:351)

الآلوسيّ: الملائكة عليهم السّلام.و(ذكرا)نصب على أنّه مفعول،و تنوينه للتّفخيم،و هو بمعنى المذكور المتلوّ،

ص: 906

و فسّر بكتاب اللّه عزّ و جلّ.

قال أبو صالح:هم الملائكة يجيئون بالكتاب و القرآن من عند اللّه عزّ و جلّ إلى النّاس.فالمراد بتلاوته:تلاوته على الغير،و فسّره بعضهم بالآيات و المعارف الإلهيّة و الملائكة يتلونهما على الأنبياء و الأولياء.

و قال بعض:أي فالتّاليات آيات اللّه تعالى و كتبه المنزلة على الأنبياء عليهم السّلام،و غيرها من التّسبيح و التّقديس و التّحميد و التّمجيد.و لعلّ التّلاوة على هذا أعمّ من التّلاوة على الغير و غيرها.

و قيل:(ذكرا)نصب على أنّه مصدر مؤكّد على غير اللّفظ،لتكون المنصوبات على نسق واحد.[ثمّ ذكر قول قتادة و الزّمخشريّ و أضاف:]

و جوّز أيضا أن يكون أقسم سبحانه بطوائف الأجرام الفلكيّة المرتّبة كالصّفوف المرصوصة بعضها فوق بعض،و النّفوس المدبّرة لتلك الأجرام بالتّحريم و نحوه،و الجواهر القدسيّة المستغرقة في بحار القدس، يسبّحون اللّيل و النّهار لا يفترون،و هم الملائكة الكروبيّون و نحوهم.و هذا بعيد بمراحل عن مذهب السّلف الصّالح بل عن مذهب أهل السّنّة مطلقا،كما لا يخفي.

و الفاء العاطفة ل(الصّفات)قد تكون لترتيب معانيها الوصفيّة في الوجود الخارجيّ،إذا كانت الذّات المتّصفة بها واحدة.

أو لترتيب معانيها في الرّتبة،إذا كانت الذّات واحدة أيضا،كما في قولك:أتمّ العقل فيك،إذا كنت شابّا فكهلا.

أو لترتيب الموصوفات بها في الوجود،كما في قولك:

وقفت كذا على بنيّ بطنا فبطنا.

أو في الرّتبة نحو:رحم اللّه تعالى المحلّقين فالمقصّرين.

و كلاهما مع تعدّد الموصوف و التّرتيب الرّتبيّ إمّا باعتبار التّرقّي،أو باعتبار التّدلّي،و هي إذا كانت الذّات المتّصفة بالصّفات هنا واحدة،و هم الملائكة عليهم السّلام بأسرهم،تحتمل أن تكون للتّرتيب الرّتبيّ باعتبار الترقّي،فالصّفّ في الرّتبة الأولى،لأنّه عمل قاصر، و الزّجر أعلى منه لما فيه من نفع الغير،و التّلاوة أعلى و أعلى لما فيها من نفع الخاصّة السّاري إلى نفع العامّة،بما فيه صلاح المعاش و المعاد.

و للتّرتيب الخارجيّ من حيث وجود ذوات الصّفات،فالصّفّ يوجد أوّلا،لأنّه كمال للملائكة في نفسها،ثمّ يوجد بعده الزّجر للغير،لأنّه تكميل للغير يستعدّ به الشّخص،ما لم يكمل في نفسه لا يتأهّل لأن يكمل غيره،ثمّ توجد التّلاوة بناء على أنّها إفاضة على الغير المستعدّ لها،و ذا لا يتحقّق إلاّ بعد حصول الاستعداد الّذي هو من آثار الزّجر.

و إذا كانت الذّات المتّصفة بها من الملائكة عليهم السّلام متعدّدة،بمعنى أنّ صنفا منهم كذا و صنفا آخر كذا، فالظّاهر أنّها للتّرتيب الرّتبيّ باعتبار التّرقّي،كما في الشّقّ الأوّل،فالجماعات الصّافّات كاملون و الزّاجرات أكمل منها و التّاليات أكمل و أكمل،كما يعلم ممّا سبق، و قيل يجوز أن يكون بعكس ذلك.بأن يراد بالصّافّات جماعات من الملائكة صافّات من حول العرش قائمات

ص: 907

في مقام العبوديّة و هم الكرّوبيّون المقرّبون أو ملائكة آخرون يقال لهم كما ذكر الشّيخ الأكبر قدّس اللّه سرّه المهيمون مستغرقون بحبّه تعالى لا يدري أحدهم أنّ اللّه عزّ و جلّ خلق غيره و ذكر أنّهم لم يؤمروا بالسّجود لآدم عليه السّلام لعدم شعورهم باستغراقهم به تعالى و أنّهم المعنيّون بالعالين في قوله تعالى: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ و بالزّاجرات جماعات أخر أمرت بتسخير العلويّات و السّفليّات و تدبيرها لما خلقت له و هي في الفضل على ما لها من النّفع للعباد دون الصّافّات، و بالتّاليات ذكرا جماعات أخر أمرت بتلاوة المعارف على خواصّ الخلق،و هي لخصوص نفعها دون الزّاجرات،أو المراد بالزّاجرات الزّاجرات النّاس عن القبيح بإلهام جهة قبحه و ما ينفر عن ارتكابه،و بالتّاليات ذكرا المهمّات للخير و الجهات المرغّبة فيه،و لكون دفع الضّرّ أولى من جلب الخير،و درء المفاسد أهمّ من جلب المصالح،و لذا قيل:التّخلية بالخاء مقدّمة على التّحلية كانت التّاليات دون الزّاجرات،و حال الفاء على سائر الأقوال السّابقة في الصّفات لا يخفى على من له أدنى تأمّل،و يجوز عندي-و اللّه تعالى أعلم-أن يراد بالصّافّات المصطفون للعبادة،من صلاة و محاربة كفرة مثلا ملائكة كانوا أم أناسيّ أم غيرهما،و بالزّاجرات الزّاجرون عن ارتكاب المعاصي بأقوالهم أو أفعالهم كائنين من كانوا،و بالتّاليات ذكرا التّالون لآيات اللّه تعالى على الغير للتّعليم أو نحوه كذلك،و لا عناد بين هذه الصّفات فتجتمع في بعض الأشخاص،و لعلّ التّرغيب على سبيل التّرقّي باعتبار نفس الصّفات،فالاصطفاف للعبادة كمال،و الزّجر عن ارتكاب المعاصي أكمل، و التّلاوة لآيات اللّه تعالى للتّعليم،لتضمّنه الأمر بالطّاعات و النّهي عن المعاصي،و التّخلّي عن الرّذائل و التّحلّي بالمعارف إلى أمور أخر أكمل و أكمل؛و جعل الصّفات المذكورة لموصوف واحد من الملائكة على ما مرّ بأن تكون جماعات منهم صافّات بمعنى صافّات أنفسها في سلك الصّفوف بالقيام في مقاماتها المعلومة أو القائمات صفوفا للعبادة و تاليات ذكرا بمعنى تاليات الآيات بطريق الوحي على الأنبياء عليهم السّلام لا يخلو عن بعد فيما أرى،على أنّ تعدّد الملائكة التّالين للوحي سواء كان صنفا مستقلاّ أم لا،ممّا يشكل عليه ما ذكره غير واحد أنّ الأمين على الوحي التّالي للذّكر على الأنبياء هو جبريل عليه السّلام لا غير،نعم من الآيات ما ينزل مشيّعا بجمع من الملائكة عليهم السّلام و نطق الكتاب الكريم بالرّصد عند إبلاغ الوحي،و هذا أمر و التّلاوة على الأنبياء عليهم السّلام أمر آخر فتأمّل جميع ذلك،و في المراد بالصّفات المتناسقة احتمالات غير ما ذكر فلا تغفل.

و أيّا ما كان فالقسم بتلك الجماعات أنفسها و لا حجر على اللّه عزّ و جلّ فله سبحانه أن يقسم بما شاء فلا حاجة إلى القول بأنّ الكلام على حذف مضاف أي و ربّ الصّافّات مثلا،و الآية ظاهرة الدّلالة على مذهب سيبويه.و الخليل في مثل: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى من أنّ الواو الثّانية و ما بعدها للعطف خلافا لمذهب غيرهما من أنّها للقسم،لوقوع الفاء فيها موضع الواو إلاّ أنّها تفيد التّرتيب.و أدغم ابن مسعود.

و مسروق.و الأعمش و أبو عمرو.و حمزة التّاءات

ص: 908

الثّلاث فيما يليها للتّقارب فإنّها من طرف اللّسان و أصول الثّنايا.(23:65)

محمّد جواد مغنيّة: و غير بعيد أن يكون المراد بالأنواع الثّلاثة الّذين ذكرهم الإمام عليّ عليه السّلام في الخطبة الأولى من نهج البلاغة،قال في وصف الملائكة:«فمنهم سجود لا يركعون،و راكعون لا ينتصبون،و صافّون لا يتزايلون»أي ثابتون في أماكنهم.فجائز أن يكون قوله:«و صافّون لا يتزايلون»إشارة إلى وَ الصَّافّاتِ صَفًّا.

ثمّ قال:«و منهم أمناء وجيه و ألسنة إلى رسله»أي ينزلون بالوحي على أنبيائه كجبريل عليه السّلام.و يجوز أن يكون قوله هذا إشارة إلى(التّاليات ذكرا)لأنّهم يتلون كتاب اللّه حين يبلّغونه إلى الأنبياء.ثمّ قال:«و منهم الحفظة لعباده».

و قال الشّيخ محمّد عبده في بيان هؤلاء:«كأنّهم قوى مودعة في أبدان البشر و نفوسهم،يحفظ اللّه الموصولين بها من المهالك و المعاطب،و لو لا ذلك لكان العطب ألصق بالإنسان من السّلامة».

و يريد الشّيخ عبده بهذا التّصوير أن يقرب للأفهام كيفيّة حفظ الملائكة للعباد،كما يشعر بذلك قوله:

(و كأنّهم)،و عليه يجوز أن يكون قول الإمام:«و منهم الحفظة لعباده»إشارة إلى(الزّاجرات زجرا»إذا قلنا:إنّ الزّجر معناه دفع الأذى عن العباد.(6:329)

الطّباطبائيّ: و(التّاليات)من التّلاوة بمعنى القراءة.

[و نقل اختلاف كلماتهم في الطّوائف الثّلاث ثمّ قال:]

و يحتمل-و اللّه العالم-أن يكون المراد بالطّوائف الثّلاث المذكورة في الآيات،طوائف الملائكة النّازلين بالوحي،المأمورين بتأمين الطّريق و دفع الشّياطين عن المداخلة فيه،و إيصاله إلى النّبيّ مطلقا،أو خصوص محمّد صلّى اللّه عليه و آله،كما يستفاد من قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:26-28.

و عليه فالمعنى أقسم بالملائكة الّذين يصفّون في طريق الوحي صفّا،فبالّذين يزجرون الشّياطين و يمنعونهم عن المداخلة في الوحي،فبالّذين يتلون على النّبيّ الذّكر،و هو مطلق الوحي أو خصوص القرآن،كما يؤيّده التّعبير عنه بتلاوة الذّكر.

و يؤيّد ما ذكرنا وقوع حديث رمي الشّياطين بالشّهب بعد هذه الآيات،و كذا قوله بعد: فَاسْتَفْتِهِمْ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا الصّافّات:11 الآية،كما ستشير إليه.

و لا ينافي ذلك إسناد النّزول بالقرآن إلى جبريل وحده،في قوله: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ البقرة:97،و قوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ الشّعراء:194،لأنّ الملائكة المذكورين أعوان جبريل،فنزولهم به نزوله به،و قد قال تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:13،16،و قال حكاية عنهم: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ مريم:64، و قال: وَ إِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ الصّافّات:166،و هذا

ص: 909

كنسبة التّوفّي إلى الرّسل من الملائكة،في قوله: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا الأنعام:61،و إليه ملك الموت و هو رئيسهم،في قوله: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ السّجدة:11.

و لا ضير في التّعبير عن«الملائكة»بلفظ الإناث:

الصّافّات و الزّاجرات و التّاليات،لأنّ موصوفها الجماعة،و التّأنيث لفظيّ.(17:122)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و(التّاليات)من التّلاوة،و هي جمع كلمة«تال» و تعني طوائف مهمّتها تلاوة شيء ما.[إلى أن قال:]

و(التّاليات)إشارة إلى كلّ الملائكة و الجماعات المؤمنة الّتي تتلو آيات اللّه،و تلهج بذكره تبارك و تعالى على الدّوام.(14:253)

محمّد حسين فضل اللّه: هي الّتي تتلو ذكر اللّه أو ذكر ما أنزله من الآيات.و قد اختلف المفسّرون في مصداقها،فقيل:هم الملائكة يتلون الوحي على النّبيّ الموحى إليه.و قيل:جماعة قرّاء القرآن يتلونه في الصّلاة.

و الظّاهر أنّ هذا التّفسير لا ترجع إلى أثر شرعيّ ثابت؛بحيث يكون حجّة في مصدره،بل هي من نوع الاجتهادات و الاحتمالات الذّاتيّة على سبيل الاستحسان.[ثمّ نقل قول الطّباطبائيّ و قال:]

و في هذا الاحتمال نوع خفاء،لأنّ ما استشهد به من الآية لا يتعلّق بالرّسالة،بل بالغيب الّذي قد يطّلع رسله عليه،و ربّما كان المراد به الرّسول البشريّ الّذي يراد له أن يبلّغ رسالاته كما يجب،و اللّه العالم.(19:175)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: التّلاوة على أربعة أوجه:

أحدها:القراءة،كقوله: وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:44،و قوله: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يونس:

15،نظيرها في الأنفال(الآية:2): وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، و في الجاثية(الآية:25)؛و مريم (الآية:73،و القصص(الآية:53):«تتلى»،و قوله:

قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها آل عمران:93.

و الثّاني:الإقرار كقوله: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121.

و الثّالث:الإنزال:كقوله في البقرة(الآية:252):

تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، نظيرها في آل عمران(الآية:108).

و الرّابع:التّبع،كقوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها (الشّمس:2).(154)

الدّامغانيّ: التّلاوة على أربعة أوجه:الإنزال، الاتّباع الكتابة،القراءة.

فوجه منها:(يتلوا)أي ينزل،قوله: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى القصص:3،يعني ننزل عليك،كقوله:

ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ آل عمران:58،أي ننزله عليك من الآيات،كقوله: تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ آل عمران:108،أي ننزلها عليك.

و الوجه الثّاني:(نتلوا)أي نتّبع،فذلك قوله:

يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ البقرة:121،يعني يتّبعونه حقّ اتّباعه،كقوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها الشّمس:2،أي تبعها.

و الوجه الثّالث:(يتلوا)أي يكتب،قوله:

ص: 910

وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ البقرة:102،يعني تكتب الشّياطين عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ.

و الوجه الرّابع:(يتلوا)أي يقرأ،قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ فاطر:29،كقوله: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آل عمران:113،يعني يقرءون،و نحوه كثير.

(180)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّلو،و هو ولد النّاقة،كما أطلق على ولد الحمار و البغل و الشّاة و الماعز أيضا، و الجمع:أتلاء،و الأنثى:تلوة؛يقال:ناقة متل و متلية، أي يتبعها ولدها.و الجمع:المتالي،و أتلت النّاقة:تبعها ولدها،و تلا الرّجل:اشترى تلوا.

ثمّ قيل لك ما يتلو شيئا:تلوا،يقال:هذا تلو هذا، أي تبعه.و يقال عند الدّعاء على الرّجل:لا دريت و لا أتليت،أي لا تتلى إبله،أي لا يكون لها أولاد.

و أتلاه اللّه أطفالا:أتبعه أولادا،و رجل تلوّ:لا يزال متّبعا،و تلوت فلانا تلوّا:تبعته،و أتليته إيّاه:أتبعته، يقال:ما زلت أتلوه حتّى أتليته،أي تقدّمته و سبقته فصار خلفي.

و استتليته:جعلته يتلوني،و استتلاني:دعاني إلى تلوّه،و تتلّى الشّيء:تتبّعه،و جاءت الخيل تتاليا:

متتابعة،و تتالت الأمور:تلا بعضها بعضا.

و توالي كلّ شيء:آخره،فالتّوالي:الأعجاز، لاتّباعها الصّدور،و توالي الفرس:ذنبه و رجلاه،يقال:

إنّه لخبيث التّوالي و سريع التّوالي،و توالي الظّعن و الإبل و النّجوم:أواخرها.

و منه:المتلية و المتلي من النّوق:الّتي تنتج في آخر النّتاج،لأنّها تبع للمبكّرة؛أو هي المؤخّرة للإنتاج، و الجمع:المتالي.

و التّلاوة:قراءة القرآن خاصّة،لأنّ تاليه يتبع آية بعد آية،ثمّ سمّيت بها كلّ قراءة؛يقال:تلا فلان القرآن يتلوا تلاوة،و تلّى الرّجل الفريضة:أتبعها النّفل.

و المتالي:الّذي يراسل المغنّي-أي يتبعه-بصوت رفيع، و تكون المراسلة في الغناء و في العمل.

2-و التّلاوة:بقيّة الشّيء عامّة،و هي من قولهم:

تليت تتلى عليه تلاوة و تليّة و تلى،أي بقيت،و أتليت عنده تلاوة و تليّة و تلى:أبقيتها.

و يبدو أنّ«التّلاوة»ممّا انقلب ياؤه واوا،مثل:

الغشاوة:الغشاء،من قولهم:غشي الأمر فلانا يغشاه، أي حواه و غطّاه،و الحيوان:الحياة،من:حيي يحيا حياة و حيوانا:كان ذا نما،فهو من«ت ل ي».و منها أيضا كلّ ما يعني الإحالة و الجوار،يقال:أتليته:أعطيته التلاء، و هو الذّمّة و الجوار و الحوالة.

و قد عدّ ابن فارس التّليّة و التّلاوة من هذا الباب، لأنّها-كما قال-تتلو ما تقدّم منها.فإن كان ما ذهب إليه صوابا فهو من تداخل اللّغات،مثل:قلا يقلو،و قلى يقلي الشّيء:أنضجه،فبيّن«ت ل ي»و«ت ل و»-على هذا القول-اشتقاق كبير.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت ماضيا(3)مرّات،و مضارعا(47)مرّة

ص: 911

و أمرا(7)مرّات،و اسم فاعل مرّة في(58)آية،لها معنياه:التّلاوة(57)مرّة و التّلو مرّة واحدة و آيات التّلاوة أربعة أصناف:

ألف:تلاوة اللّه:

1- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ القصص:2،3

2- ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ

آل عمران:58

3- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ البقرة:252

4- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ آل عمران:108

5- تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ الجاثية:6

ب:تلاوة النّبيّ و الرّسل:

6- قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ

يونس:16

7- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيّاهُمْ... الأنعام:151

8- وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً الكهف:83

9- ...وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ...

النّمل:91،92

10- ...إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ* وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ... يونس:60،61

11- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ... الرّعد:30

12- ...وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ القصص:45

13- وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:47

14- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ البقرة:129

15- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ البقرة:151

16- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ

آل عمران:164

17- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجمعة:2

18- رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ... الطّلاق:11

ص: 912

19- رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً

البيّنة:2

20- وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا... القصص:59

21- ...وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ... الزّمر:71

22- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ المائدة:27

23- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ

الأعراف:175

24- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ... يونس:71

25- وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً الكهف:27

26- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ الشّعراء:69

27- اُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ... العنكبوت:45

ج:ما لم يسمّ فاعله:

28- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الأنفال:2

29- ...إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58

30- وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً الأحزاب:34

31- أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

العنكبوت:51

32- ...وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ النّساء:127

33- ...أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ

المائدة:1

34- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً

الإسراء:107

35- ...وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

الحجّ:30

36- وَ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ القصص:53

37- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنفال:31

38- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ يونس:15

39- وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ...

آل عمران:101

40- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ

ص: 913

نَدِيًّا مريم:73

41- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا... الحجّ:72

42- قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ المؤمنون:66

43- أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ المؤمنون:105

44- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ

لقمان:7

45- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ...

سبأ:43

46- يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الجاثية:8

47- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجاثية:25

48- وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَ كُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ الجاثية:31

49- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ الأحقاف:7

50 و 51- إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ القلم:15 و المطفّفين:13

د-تلاوة غير اللّه و الرّسول:

52- فَالتّالِياتِ ذِكْراً الصّافّات:3

53- أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:44

54- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ فاطر:29

55- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ

آل عمران:113

56- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آل عمران:93

57- وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ... البقرة:102

58- وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها

الشّمس:1،2

يلاحظ أوّلا:أنّ المتلوّ من الأصناف الأربعة هي آيات اللّه في(35)آية،و هو الأكثر:من(1)إلى(5) و(12)و(14)إلى(18)و(20)و(21)و(28)إلى (44)و(51)إلى(54).

و المتلوّ في(6)و(9)و(10)و(13)و(47)القرآن، و في(53)و(54)و(55)الكتاب،و في(45)و(46)و (48)و(49)و(50)و(51)ما يتلى،و أكثرها آيات اللّه.

و في(11)و(25)و(27)ما أوحي إليك،و في(8) و(52)الذّكر،و في(19)صحفا مطهّرة،و في(7)ما حرّم ربّكم،و في(1)نبأ موسى،و في(22)نبأ ابني آدم،و في

ص: 914

(23)نبأ الّذي آتيناه آياتنا،و في(24)نبأ نوح،و في (26)نبأ إبراهيم،و في(56)التّوراة،و في(57)ما تتلوا الشّياطين.

ثانيا:جاءت«التّلاوة»في القرآن حول النّصوص المقدّسة دائما،كالآيات و القرآن و التّوراة،كما أطلقت التّلاوة في الآية(57):(ما تتلوا الشّياطين)على ما كان يتلو الكهنة في قطوسهم و عزائمهم،فلو لم تكن محدودة بها في اللّغة،فهي خاصّة بذلك في عرف القرآن.

ثالثا:أشكل عليهم في الصّنف الأوّل إسناد التّلاوة إلى اللّه،لاستلزامها أن يكون له فم،فأوّلوها إلى أنّها مجاز في الإسناد،و المراد بها:تلاوة جبرئيل،أو أريد بها:الإنزال.و قد جمع الإنزال و التّلاوة في(31: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ، فأسند الإنزال إلى اللّه دون التّلاوة،فتكاد تكون الآية شاهدا لهذا الوجه.

و هناك احتمال ثالث،و هو إرادة اللّه بها،و هو عندنا إيجاد الصّوت من اللّه،فجاز إسناده إليه،إلاّ أنّه بعيد؛إذ لم يعهد التّكلّم في خصوص القرآن،و إنّما جاء في شأنه الوحي و الإنزال و التّنزيل و الإتيان و نحوها.نعم أطلق على ما يعمّ الجميع وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ الشّورى:51،لاحظ«و ح ي».

رابعا:جاءت في الصّنف الثّاني(21)آية،من(6- 27)،و قد أسندت التّلاوة فيها إلى النّبيّ عليه السّلام خاصّة، سوى الآيتين(20)و(21)،فأسندت فيهما إلى الرّسل عامّة،كبيان للنّبوّة العامّة تمهيدا لنبوّته عليه السّلام،فأبان في أولاهما-(20)-أنّ حجّة اللّه على أهل القرى لا تتمّ إلاّ ببعث رسول في أمّتها يتلو عليهم آياته.و في ثانيتهما -(21)-تهتجّ خزنة جهنّم من الملائكة على أهلها بمجيء الرّسل،منهم يتلون آيات ربّهم.

فالحجّة على العباد-استنادا إلى هاتين الآيتين-إنّما تتمّ بأمرين:

1-إرسال الرّسل إليهم بحيث يتّصلون بهم و يعرّفونهم بأنفسهم،فإذا أرسلوا في أمّ القرى يكفي أهلها جميعا.

2-تلاوة آيات ربّهم المنزلة عليهم،و إبلاغهم رسالة اللّه تعالى.

و يبدو من غيرهما أيضا أنّ تلاوة الآيات شرط كلّف به الرّسول،مثل(9): وَ أُمِرْتُ... وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ، و(11): كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ... لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ...: و قد أمره اللّه بالتّلاوة في ستّ منها:

(22-27)،و في اثنتين منها:(25)و(27)تلاوة ما أوحي إليه من الكتاب،و في الباقي تلاوة قصص بعض الأنبياء عليهم السّلام،كابني آدم و نوح و إبراهيم و غيرهم.

خامسا:أنّ سياق الآيات الأربع-(14-17)-من هذا الصّنف واحد،و هو تنظيم برامج الرّسول،و هي ثلاثة أمور:

1-تلاوة آيات اللّه على النّاس،و قد وقعت فيها جميعا صدرا كطليعة لوظائف الرّسول.

2-تزكية نفوسهم،و قد وقعت بعد التّلاوة و قبل تعليم الكتاب و الحكمة في ثلاث منها،و أخّرت عنه في واحدة،و هي(14)،و قد تقدّم سرّ ذلك في«ب ع ث».

ص: 915

3-تعليم الكتاب و الحكمة،و للبحث في هذه الآيات موضع آخر،لاحظ«ب ع ث»و«ح ك م»و«ك ت ب».

سادسا:جاءت في الصّنف الثّالث(32)آية من (28-51)،و لم يذكر فيها«الفاعل»،أي التّالي،لأنّ سياقها التّركيز لبيان كيفيّة تأثير في من تتلى عليهم من النّاس أيّا كان التّالي،و التّالي فيه طبعا هو النّبيّ عليه السّلام أو المؤمنون.

و هي قسمان:القسم الأوّل:المتلوّ عليهم هم المؤمنون،و الثّاني:هم الكافرون،و تأثير التّلاوة في «المؤمنين»في القسم الأوّل على أنحاء:

1- إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، (28)، قالُوا آمَنّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا: (36).

2-«إذا تليت عليهم خروا سجدا و بكيا:»(29)، يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً: (34).

3-«إن فيما عليهم لرحمة و ذكر المؤمنين:»(31)،«أو فيها حكمة و أنه لطيف خبير:»(31).

4-فيها حكم من أحكام اللّه أمرا و نهيا يعملون بها:

(32)و(33)و(35).

5- يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ: (54).

كما جاء تأثير التّلاوة في القسم الثّاني في «الكافرين»على أنحاء أيضا:

1-الكفر بها:(39).

2-التّكذيب بها:(43).

3-قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا:(37).

4-قالوا ائت بقرآن غير هذا:(38).

5-قالوا إنّها من أساطير الأوّلين:(37)و(50) و(51).

6-قال الكافرون للمؤمنين: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا :(40).

7-يظهر في وجوههم المنكر:(41).

8-«كانوا ينكصون على أعقابهم:»(42).

9-«ولوا مستكبرين كأن لم يسمعوها:»(44)و(46) و(48).

10- قالُوا ما هذا إِلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ: (45).

11- قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: (47).

12-قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ: (49).

13-«يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم:»(53).

سابعا:إذا قيست آثار التّلاوة على الفريقين المؤمنين و الكافرين يظهر أنّ آثارها في المؤمنين متناسقة،تتلخّص في الإيمان و العمل،و جزاؤها الرّحمة في الدّنيا و النّجاة في الدّار الآخرة.

أمّا آثارها في الكافرين فمتشتّتة متلوّنة،ذات أعذار واهية متباينة،ناشئة من الكفر و الاستكبار.و هذا شأن الإيمان و الكفر،فالإيمان يبعث على الثّبات و السّكينة و الرّجاء دائما،و الكفر على التّلوّث و الاضطراب و اليأس.

ثامنا:جاءت في الصّنف الرّابع(7)آيات حول تلاوة غير اللّه و الرّسول:

1- فَالتّالِياتِ ذِكْراً: (52)،و هي من جملة أقسام القرآن،و للبحث فيهما عموما محلّ آخر،و هو«المدخل» من هذا المعجم.أمّا البحث في هذه الآية فيبتني على تفسير الأقسام الثّلاثة الّتي صدّرت بها سورة الصّافّات:

ص: 916

وَ الصَّافّاتِ صَفًّا* فَالزّاجِراتِ زَجْراً* فَالتّالِياتِ ذِكْراً.

قد اختلفوا في تفسيرها اختلافا فاحشا،و ذكروا حولها أقوالا تستند-كما قال فضل اللّه-إلى حجّة شرعيّة،بل هي اجتهادات تفسيريّة.

و قد أسهب الفخر الرّازيّ في الكلام حولها،فقسّم جملة الأقوال إلى وجهين:وجّه جعل الموصوف بهذه الأوصاف من جنس واحد،فذكر له وجوها خمسة:

1-أ-أصناف الملائكة.

2-أصناف التّالين للقرآن من النّاس.

3-أصناف الغزاة،و هو المرويّ عن عليّ عليه السّلام.

4-أصناف آيات القرآن،بتأويل التّاليات إلى المتلوّات،و قد نقل هذه الوجوه الأربعة عن المفسّرين.

5-و أضاف هو قسما خامسا،و هو أصناف مخلوقات اللّه.كما أضاف ابن عربيّ قسما سادسا،و هو أصناف العارفين،و لكلّ من هذه الأصناف توجيه،لاحظ كلام الفخر الرّازيّ.

و وجه جعل الموصوفات بها مختلفة،و هو بعيد جدّا، و المتعيّن عندنا وحدة الموصوفات،و أقربها الوجه الأوّل،و هو صفوف الملائكة.

ثمّ أطال الكلام في وجه عطفها بالفاء،و للزّمخشريّ كلام رائع في توجيه هذه الفاء في مواقعها الثّلاثة، و أضاف الفخر الرّازيّ بحثا في المتلوّات،فلاحظ.

و ينبغي أن يطرح بحث ثالث في الرّبط بين الأقسام المذكورة في هذه السّورة-و هي سبعة-و بين جوابها:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها، لاحظ«ف ل ح»و«ز ك و».

2-الآيتان(53)و(54)خطاب للمؤمنين الّذين يتلون كتاب اللّه،و هم صنفان:

أ-صنف لا ينتفع بتلاوة الآيات،و هم الّذين يأمرون النّاس بالبرّ و ينسون أنفسهم،فهذا خلاف ما يتلونه من آيات،فوبّخهم بأنّهم من آيات اللّه،فوبّخهم بأنّهم لم لا يعقلون؟

ب-و صنف ينتفع بها بأحسن وجه،و هم الّذين يقيمون الصّلاة،و ينفقون ممّا رزقهم اللّه سرّا و علانية، و يرجون تجارة لن تبور،لاحظ«ت ج ر»و«ب و ر».

3-ثلاث آيات(55-57)خطاب لأهل الكتاب عموما و اليهود خصوصا الّذين يتلون التّوراة،وهمه صنفان أيضا،مطيعون و عاصون:

أ-صنف المؤمنين الّذين ينتفعون بها،و هم أمّة قائمة في اللّيل، يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ (55).

ب-و صنف العاصين الّذين حرّفوا أحكام اللّه، فحرّموا أشياء كانت حلالا في التّوراة(56).أو نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم،و اتّبعوا ما تتلوا الشّياطين على ملك سليمان(57)،لاحظ النّصوص.

تاسعا:هذه ملاحظات راجعة إلى المعنى الأوّل،أي «التّلاوة»و أمّا المعنى الثّاني،و هو«التّلو»ففيه آية واحدة،و هي(58) وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها. و قد اختلفوا في تفسيرها(تليها)على وجوه، و الّذي يفهمه النّاس منها ما رأوه بأمّ أعينهم في السّماء أنّ القمر تلا الشّمس عادة حينما تغيب في اللّيل.و قد ذكر اللّه الشّمس و القمر في القرآن مرّات،و الشّمس مقدّمة على القمر فيها،مثل: وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ

ص: 917

يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لقمان:29،فلا مجال لما وجّهوا به الآية من وجهة نظر علماء النّجوم،فلاحظ.

عاشرا:آيات التّلاوة-و هي(57)آية-موزّعة بين المكّيّ و المدنيّ بنسبة 35/32 على التّرتيب إذا ما ضمّنت آيتا الحجّ إلى المدنيّات.فكانت التّلاوة في مكّة على المشركين أكثر من المدينة-و هي كانت دار الإسلام- لأنّ المشركين كانوا لا يحتاجون إلى تلاوة الآيات عليهم طمعا في إيمانهم أكثر من المؤمنين الّذين كانوا يحتاجون إليه تقوية لإيمانهم،أو لعرض الأحكام إليهم.و كيف كان فلفظ«التّلاوة»كانت شائعة في البلدين،و حتّى بين أهل الكتاب في المدينة بمفهوم واحد.

ص: 918

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس، بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:

حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:مصر.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة، بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

ص: 919


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة، بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:

المكتبة العلميّة،القاهرة.

ابن قيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:

المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر، بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف، الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني، القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو رزق...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ، القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة، بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(244)

غريب الحديث،ط:دار الكتب، بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر، مصر.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة، بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي، قم.

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق، بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:

انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:آفتاب،طهران.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة، بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:التّجاريّة، مصر.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

ص: 920

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم، بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير،طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ، قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو، طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب، بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:

المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم، بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة، طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب، مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ، جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب، مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:

الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر، بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة، مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة، مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر، دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة، بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب، بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة، بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-و فعلت و أفعلت،ط:

التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب، القاهرة.

ص: 921

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة، بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة، بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر، بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب، بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:

إسرائيل.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:

الكلّيّات،القاهرة.

سيبويه:عمرو

الكتاب،ط:عالم الكتب، بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت،

3-تفسير الجلالين،ط:

مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

الشّبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين، الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة، بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي، قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة، طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب، القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب، بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ، قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة، طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:

الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:

المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

الطّنطاويّ:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ، مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،

ص: 922

بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب، بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم، بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر، بيروت.

عبد اللّطيف بغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد، القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر) التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:

ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة، طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن، القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو، طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب، قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة، القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:

الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

ص: 923

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب، بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف، بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان، طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنيّة

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:

دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدني،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:

الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:

الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان، طهران.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة، طهران.

معرفت:محمّد هادى(معاصر)

التّفسير و المفسرون،ط:

الجامعة الرّضوية،مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير، طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن، ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب، بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،

علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة، بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:

مطبعة الإميريكيّ،بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:

جهان،طهران.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 924

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ.(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ.(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ص: 925

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد.(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن نحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابي.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:نعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق.(206)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد.(322)

أبو منذر السّلام:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن قاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

ص: 926

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدورد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

السّمين:أحمد.(756)

سهل التّستريّ.(284)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ.(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

ص: 927

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

الشّيذلة:عزيزيّ.(494)

الشّيشينيّ(؟)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

علاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن مظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك ابن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

ص: 928

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.

(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن حكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

مطرّف بن الشّخّير.(87)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّووي:يحيى.676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

الواحديّ:عليّ.(468)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 929

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.