عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.
مشخصات ظاهری : ج.
فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.
شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :
يادداشت : عربی.
يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.
يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.
يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.
يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...
يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).
يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).
يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).
يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).
يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).
يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).
يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).
يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).
يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).
يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.
يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).
يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).
يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).
مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س
موضوع : قرآن -- واژه نامه ها
Qur'an -- Dictionaries
موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها
Qur'an -- Encyclopedias
شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -
شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar
شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -
شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن
شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی
رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377
رده بندی دیویی : 297/13
شماره کتابشناسی ملی : 582410
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ
ناصر النّجفيّ
قاسم النّوريّ
محمّد حسن مؤمن زاده
حسين خاك شور
السيّد عبد الحميد عظيمي
السيّد جواد سيّدي
السيّد حسين رضويان
علي رضا غفراني
و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و محمّد الملكوتي و مقابلة النصوص إلى محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ و محمّد رضا النّوريّ و أبي القاسم حسن پور و تنضيد الحروف إلى حسين الطّائيّ في قسم الكمبيوتر.
ص: 5
ص: 6
المقدّمة 9
ب ط ن 11
ب ع ث 51
ب ع ث ر 109
ب ع د 119
ب ع ر 165
ب ع ض 173
ب ع ل 219
ب غ ت 237
ب غ ض 249
ب غ ل 263
ب غ ي 269
ب ق ر 359
ب ق ع 383
ب ق ل 393
ب ق ي 401
ب ك ر 435
ب ك ك 465
ب ك م 475
ب ك ي 493
ب ل د 515
ب ل س 537
ب ل ع 549
ب ل غ 559
ب ل و-ب ل ي 671
ب ن ن 739
ب ن و 757
ب ن ي 835
ب ه ت 863
ب ه ج 881
الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم 887
الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 893
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.
ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد السّادس من موسوعتنا القرآنيّة:
«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.
و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(29)مفردة قرآنيّة من حرف الباء،ابتداء من (ب ط ن)و انتهاء ب(ب ه ج)،و أوسع الكلمات فيه بحثا و تنقيبا هي(ب ل غ).
نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا بما يضارع الأمل في استمرار العمل،إنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.
محمّد واعظزاده الخراسانيّ
مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة
ص: 9
ص: 10
13 لفظا،25 مرّة:13 مكّيّة،12 مدنيّة
في 18 سورة:10 مكّيّة،8 مدنيّة
بطن 2:1-1 بطن 1:-1
الباطن 1:-1 بطنه 2:1-1
باطنه 2:1-1 بطني 1:-1
باطنة 1:1 بطون 7:6-1
بطانة 1:-1 بطونه 1:1
بطائنها 1:-1 بطونها 2:2
بطونهم 3:-3
الخليل :البطن في كلّ شيء خلاف الظّهر،كبطن الأرض و ظهرها،و كالباطن و الظّاهر،و كالبطانة و الظّهارة،يعني باطن الثّوب و ظاهره.قال اللّه عزّ و جلّ:
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ الرّحمن:
54،و في بعض التّفسير:(بطائنها):ظواهرها.
و بطانة الرّجل:وليجته من القوم الّذين يداخلهم و يداخلونه في دخلة أمرهم.و بطانته:سريرته،و كذلك يقال:أهل بطانته.
و لحاف مبطون و مبطّن.
و الباطنة من الكوفة و البصرة و نحوهما:مجتمعهم في وسطها،و الظّاهرة:ما تنحّى.
و بطن الرّاحة و ظهر الكفّ و باطن الإبط، و لا يقولون:بطن.
و باطن الخفّ:الّذي تليه الرّجل.
و النّعمة الباطنة:الّتي قد خصّت،و الظّاهرة:الّتي عمّت،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً لقمان:20.
و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،و هي الأشر من كثرة المال أيضا،و منه قيل:نزت به البطنة.
و رجل بطين:ضخم البطن،و رجل بطين:كثير المال
ص: 11
أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل مبطون:قد بطن و به البطن.
و ألقت الدّجاجة ذا بطنها:كناية عن مزقها،أي سلحها.
و ألقت المرأة ذا بطنها،أي ولدت،و نثرت للزّوج بطنها،أي أكثرت ولدها.
و البطان للبعير:كالحزام للدّابّة،و جمعه:بطن، و العدد:أبطنة،و تبطينك الدّابّة:ضربك بطنها بالسّوط.
و تبطّنت في هذا الأمر،أي دخلت فيه حتّى عرفت باطنه.و تبطّنت الأرض و الكلأ،أي جوّلت فيه.
و رجل مبطان:يغيب بالعشيّات عن النّاس في الشّرب و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل مبطان،إذا كان لا يزال ضخم البطن،يأكل أكلا شديدا دون أصحابه.
و تقول:أنت أبطن بهذا الأمر خبرة و أطول به عشرة،أي أخبر بباطنه.(7:440)
الكسائيّ: أبطنت البعير،إذا شددت بطانه.[ثمّ استشهد بشعر]
مثله أبو زيد.(الأزهريّ 13:376)
ابن شميّل: بطنان الأرض:ما توطّأ في بطون الأرض سهلها و حزنها و رياضها،و هي قرار الماء و مستنقعه،و هو البواطن و البطون.
يقال:بطن حمل البعير و واضعه حتّى يتّضع،أي حتّى يسترخي على بطنه و يتمكّن الحمل منه.
و يقال:تبطّن الرّجل جاريته،إذا باشرها و لمسها.
[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:375)
أبو عبيدة: في باطن وظيفي الفرس أبطنان،و هما عرقان استبطنا الذّراع حتّى انغمسا في عصب الوظيف.
(الأزهريّ 13:376)
أبو زيد: و قالوا:بطن الرّجل يبطن بطنة و هو الرّجل البطين،و هو الّذي ربّما أكل حتّى يعظم بطنه و ليست له عادة و ليس برغيب،و هذا رجل بطن:بيّن البطن.
و بطن يبطن بطنا،و هو الّذي لا يجد شيئا إلاّ ملأ جوفه من الرّغب،فلا تلقاه الدّهر إلاّ عظيم البطن.
(207)
الأصمعيّ: رجل مبطّن،إذا كان خميصا.فإذا كان لا يزال ضخم البطن لا ينهشم بطنه لجوع أو غيره،قيل له:مبطان.[ثمّ استشهد بشعر](الخطّابيّ 1:302)
بطن فلان بفلان يبطن به بطونا،إذا كان خاصّا به داخلا في أمره.
و يقال:إنّ فلانا لذو بطانة بفلان،أي ذو علم بداخلة أمره.
و يقال:أنت أبطنت فلانا دوني،أي جعلته أخصّ بك منّي،و هو مبطن،إذا أدخله في أمره،و خصّ به دون غيره،و صار من أهل دخلته.
يقال:أبطن فلان السّيف كشحه،إذا جعله تحت خصره.و يقال:بطّن فلان ثوبه تبطينا،و هي البطانة و الظّهارة.
يقال:ضرب فلان البعير فبطن له،إذا ضربه تحت البطن.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:بطنه الدّاء،و هو يبطنه،إذا دخله بطونا.
ص: 12
و البطن من الأرض:الغامض الدّاخل،و الجميع:
البطنان.و يقال:شأو بطين،أي بعيد.[ثمّ استشهد بشعر]
بطان الرّيش:ما كان تحت العسيب،و ظهرانه:
ما كان فوق العسيب.و يقال:رأش سهمه بظهران و لم يرشه ببطنان،لأنّ ظهران الرّيش أوفى و أتمّ،و بطنان الرّيش قصار.و واحد البطنان:بطن،و واحد الظّهران:
ظهر،و العسيب:قضيب الرّيش في وسطه.
بطن الرّجل يبطن بطنا و بطنة،إذا عظم بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:ثقلت عليه البطنة،و هي الكظّة.
و يقال:ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها،أراد بالخمصة:الجوعة.و يقال:مات فلان بالبطن.
و أتى فلان الوادي فتبطّنه،أي دخل بطنه.
و البطان:الحزام الّذي يلي البطن.
و يقال للّذي لا يزال ضخم البطن:مبطان،فإذا قالوا:رجل مبطّن فمعناه أنّه خميص البطن.[ثمّ استشهد بشعر]
البطان للقتب خاصّة،و جمعه:أبطنه،و الحزام للسّرج.
بطنت البعير أبطنه:شددت بطانه.
(الأزهريّ 13:372)
أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ما نزل من القرآن آية إلاّ لها ظهر و بطن،و لكلّ حرف حدّ،و لكلّ حدّ مطلع».
و أمّا قوله:«لها ظهر و بطن»فإنّ النّاس قد اختلفوا في تأويله.يروى عن الحسن أنّه سئل عن ذلك،فقال:
إنّ العرب يقول:قد قلّبت أمري ظهرا لبطن.
و قال غيره:الظّهر:لفظ القرآن،و البطن:تأويله.
و فيه قول ثالث و هو عندي أشبه الأقاويل بالصّواب،و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ قد قصّ عليك من نبإ عاد و ثمود و غيرهما من القرون الظّالمة لأنفسها،فأخبر بذنوبهم و ما عاقبهم بها؛فهذا هو«الظّهر»إنّما هو حديث حدّثك به عن قوم،فهو في الظّاهر خبر.
و أمّا«الباطن»منه فكأنّه صيّر ذلك الخبر عظة لك و تنبيها و تحذيرا أن تفعل فعلهم؛فيحلّ بك ما حلّ بهم من عقوبته.
أ لا ترى أنّه لمّا أخبرك عن قوم لوط و فعلهم و ما أنزل بهم،أنّ ذلك ممّا يبين ذلك أنّ من صنع ذلك عوقب بمثل عقوبتهم.
و هذا كرجل قال لك:إنّ السّلطان أتى بقوم قتلوا فقتلهم،و آخرين سرقوا فقطعهم،و شربوا الخمر فجلدهم؛فهذا«الظّاهر»إنّما هو حديث حدّثك به.
و«الباطن»أنّه قد وعظك بذلك و أخبرك أنّه يفعل ذلك بمن أذنب تلك الذّنوب،فهذا هو«البطن»على ما يقال، و اللّه أعلم.(1:215)
يموت (1)و ماله وافر لم ينفق منه شيئا.مات فلان ببطنته لم يتغضغض منها شيء،و مثله:مات فلان و هو عريض البطان،أي ماله جمّ لم يذهب منه شيء.
و يضرب هذا المثل في أمر الدّين أي خرج من الدّنيا سليما لم يثلم دينه شيء.(ابن منظور 13:57)ل.
ص: 13
ابن الأعرابيّ: أبطنت البعير،و لا يقال:بطنته، بغير ألف.(ابن سيدة 9:194)
ابن السّكّيت: رجل مبطّن:خميص البطن،و امرأة مبطّنة.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل بطين:عظيم البطن،و رجل مبطون:يشتكي بطنه.(الأزهريّ:13:374)
شمر:تبطّنها،إذا باشر بطنه بطنها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:376)
و في حديث إبراهيم«أنّه كان يبطن لحيته»أي يأخذ من تحت الذّقن الشّعر.(الهرويّ 1:183)
الدّينوريّ: البطنان:مسايل الماء في الغلظ واحدها باطن.[ثمّ استشهد بشعر]
البطنان من الرّيش:الّذي يلي الأرض إذا وقع الطّائر أو سفع شيئا أو جثم على بيضه أو فراخه،و الظّهار و الظهران:ما جعل من ظهر عسيب الرّيشة.
(ابن سيدة 9:193)
البطنان من الأرض واحد كالبطن.و أتى فلان الوادي فتبطّنه،أي دخل بطنه.(ابن منظور 13:55)
ابن دريد :البطن:خلاف الظّهر،و البطن:الغامض من الأرض،و البطن من العرب:دون القبيلة.
و أفرشني فلان بطن أمره و ظهره،أي سرّه و علانيته،و الباطن:خلاف الظّاهر.
و رجل بطين،أي عظيم البطن،و كذلك مبطان.
و رجل مبطّن:خميص البطن.[ثمّ استشهد بشعر]
و البطنان:بطنان القذذ إذا التقت،و هو مكروه.
و الظّهران:ظهرانها إذا التقت،و هو محمود.و فلان بطانتي دون إخواني،أي الّذي أبطنته أمري،و في التّنزيل:
لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118.
و بطنت ثوبي بثوب آخر،إذا جعلته تحته.
و استبطنت أمر فلان،إذا وقفت على دخلته.
و البطنة:كثرة الأكل و إفراط الشّبع.[ثمّ استشهد بشعر]
و مثل من أمثالهم:«البطنة تذهب الفطنة»،و من أمثالهم:«لا بدّ للبطنة من خمصة».
و بطن الرّجل،إذا أشر.و بطن بطنا،إذا عظم بطنه، و يقال ذلك في كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]
و بطن الشيء بطونا،إذا غمض.و بطنت البعير،إذا ضربت بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]
و البطان:حزام الرّجل،و أكثر ما يستعمل للقتب.
و الأبطنان:عرقان يكتنفان البطن.و رجل مبطون:في بطنه داء.
و البطين:نجم من نجوم السّماء،و هو بطن الحمل فيما يقال،و اللّه أعلم.و العرب تزعم أنّ البطين لا نوء له إلاّ الرّيح.
و البطين:فرس معروف من خيل العرب،و كذلك البطان،و هو ابن البطين.
و البطين:رجل من الخوارج معروف.[ثمّ استشهد بشعر]
وعدا فلان شأوا بطينا،أي بعيدا.[ثمّ استشهد بشعر](1:309)
ابن الأنباريّ: في حديث الاستسقاء«و جاء أهل البطانة يضجّون»البطانة:خارج
ص: 14
المدينة.(الهرويّ 1:182)
القاليّ: البطنان:جمع بطن،و هو ما غمض من الأرض.(1:184)
المتباطن:المتطامن.(2:9)
البطان و الوضين:حزام الرّحل.(2:266)
الأزهريّ: البطن:بطن الإنسان معروف،و هي ثلاثة أبطن إلى العشر،و بطون كثيرة،لما فوق العشر.
و تصغير البطن:بطين.
و البطين:نجم من منازل القمر،بين الشّرطين و الثّريّا.و أكثر ما جاء مصغّرا عن العرب،و هو بطن برج الحمل،و الشّرطان قرناه.
قال الفرّاء:قد تكون البطانة ظهارة،و الظّهارة بطانة؛و ذلك أنّ كلّ واحد فيها قد يكون وجها.و قد تقول العرب:هذا ظهر السّماء،لظاهرها الّذي تراه.
و قال غير الفرّاء:البطانة:ما بطن من الثّوب،و كان من شأن النّاس إخفاؤه.و الظّهارة:ما ظهر،و كان من شأن النّاس إبداؤه.
و إنّما يجوز ما قاله الفرّاء في ذي الوجهين المتساويين؛ إذ ولي كلّ واحد منهما قوما لحائط يلي أحد صفحيه قوما و الصّفح الآخر قوما آخرين.فكلّ وجه من الحائط ظهر لمن يليه،و كلّ واحد من الوجهين ظهر و بطن،و كذلك وجها الجبل و ما شاكله.
فأمّا الثّوب فلا يجوز أن تكون بطانته ظهارة و ظهارته بطانة.و يجوز أن يجعل ما يلينا من وجه السّماء و الكواكب ظهرا و بطنا،و كذلك ما يلينا من سقوف البيت.
و في الحديث:«المبطون شهيد»إذا مات بالبطن.
و رجل بطن:لا يهمّه إلاّ بطنه،و رجل مبطان،إذا كان لا يزال ضخم البطن من كثرة الأكل.
و من أمثال العرب الّتي تضرب للأمر إذا اشتدّ:
«التقت حلقتا البطان».
يقال:أخذ فلان باطنا من الأرض،و هي أبطأ جفوفا من غيرها.
و رجل بطين الكرز،إذا كان يخبئ زاده في السّفر و يأكل زاد صاحبه.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:ألقت المرأة ذا بطنها،أي ولدت.و ألقت الدّجاجة ذا بطنها،إذا باضت.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: بطنت البعير أبطنه:شددت بطانه.
قلت:و قد أنكر أبو الهيثم هذا الحرف على الأصمعيّ «بطنت»و قال:لا يجوز إلاّ«أبطنت».[ثمّ استشهد بشعر]
قلت:و بطنت لغة أيضا.(13:372)
و يقال:و استبطن الفحل الشّول،إذا ضربها كلّها فلقّحت،كأنّه أودع نطفته بطونها.[ثمّ استشهد بشعر](13:377)
الصّاحب: [قال نحو ما تقدّم عن الخليل و أضاف:]
و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،يقال:نزت به البطنة.و رجل مبطون:به بطن.
و ألقت الدّجاجة بطنها،و نثرت المرأة للزّوج بطنها:
أكثرت الولد.
و بطّنت الدّابّة تبطينا:ضربت بطنها بالسّوط،
ص: 15
و بطنته أيضا مخفّف.[ثمّ استشهد بشعر]
و الأبطن في الذّراع من الفرس:عرق في باطنها.
و رجل مبطان،و هو الّذي يغيب بالعشيّات عن النّاس في الشّرب و غيره،و هو أيضا الّذي لا يزال يأكل دون أصحابه.
و هو عريض البطان،أي كثير المال.
و البطانة:ما يجعل تحت عكمي البعير.يقال:بطنت البعير و أبطنته:شددت بطانه،و هو بمنزلة الحزام.
و ابتطنت الفحل،و استبطنته ثلاثة أبطن.
و غائط بطين،أي بعيد،و كذلك شأو بطين.و تباطن المكان:بعد.
و بطانة الرّجل:وليجته من القوم الّذين يداخلونه.
و بطن فلان بفلان يبطن به بطونا،إذ كان خاصّا به داخلا في أمره.و أبطنت فلانا دوني:جعلته أخصّ منّي.
و أبطنت السّيف كشحي.
و البطن من الأرض:الغامض،و جمعه:بطنان.
و البطن:القبيلة،و تصغيره بطينة.
و البطين:نجم.يقول السّاجع:«إذا طلع البطين اقتضي الدّين و ظهر الزّين،و اقتفي العطّار و القين».
و يقولون:إبط بطان:زجر للعنز.(9:190)
الخطّابيّ: بطنته،إذا أصبت بطنه،و رأسته،إذا أصبت رأسه.(1:288)
المبطّن:الضّامر البطن الّذي كأنّه قد لصق بطنه بظهره.(1:302)
الجوهريّ: البطن:خلاف الظّهر،و هو مذكّر.
و حكى أبو حاتم عن أبي عبيدة أنّ تأنيثه لغة.
و البطن:دون القبيلة.
و البطن:الجانب الطّويل من الرّيش،و الجمع:
بطنان،مثل ظهر و ظهران،و عبد و عبدان.
و البطنان أيضا:جمع البطن،و هو الغامض من الأرض.
و بطنان الجنّة:وسطها.
و بطنته:ضربت بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]
و قال قوم:بطنه و بطن له،مثل شكره و شكر له، و نصحه و نصح له.
و بطنت الوادي:دخلته،و بطنت هذا الأمر:عرفت باطنه،و منه«الباطن»في صفة اللّه عزّ و جلّ.
و بطنت بفلان:صرت من خواصّه.
و بطن الرّجل-على ما لم يسمّ فاعله-:اشتكى بطنه.
و بطن بالكسر يبطن بطنا:عظم بطنه من الشّبع.
[ثمّ استشهد بشعر]
و البطان للقتب:الحزام الّذي يجعل تحت بطن البعير.
و يقال:«التقت حلقتا البطان»:للأمر إذا اشتدّ،و هو بمنزلة التّصدير للرّحل.يقال منه:أبطنت البعير إبطانا، إذا شددت بطانه.
و الأبطن في ذراع الفرس:عرق في باطنها،و هما أبطنان.
و بطانة الثّوب:خلاف ظهارته،و بطانة الرّجل:
وليجته.
و أبطنت الرّجل،إذا جعلته من خواصّك،و أبطنت السّيف كشحي.
ص: 16
و بطّنت الثّوب تبطينا،إذا جعلت له بطانة، و استبطنت الشّيء.و تبطّنت الجارية.[ثمّ استشهد بشعر]
و تبطّنت الكلأ:جوّلت فيه.و ابطنت النّاقة عشرة أبطن،أي نتجتها عشر مرّات.
و البطنة:الكظّة،و هو أن تمتلئ من الطّعام امتلاء شديدا،يقال:ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها.
و البطن:النّهم الّذي لا يهمّه إلاّ بطنه.و المبطون:
العليل البطن.و المبطان:الّذي لا يزال عظيم البطن،من كثرة الأكل.
و المبطّن:الضّامر البطن.و المرأة مبطّنة.[ثمّ استشهد بشعر]
و البطين:العظيم البطن.و البطين:البعيد،يقال:
شأو بطين.
و البطين:من منازل القمر،و هو ثلاثة كواكب صغار مستوية التّثليث،كأنّها أثافيّ،و هو بطن الحمل.و صغّر لأنّ الحمل نجوم كثيرة على صورة الحمل؛فالشّرطان قرناه،و البطين بطنه،و الثّريّا أليته.(5:2079)
ابن فارس: الباء و الطّاء و النّون أصل واحد لا يكاد يخلف،و هو إنسيّ الشّيء و المقبل منه.فالبطن:
خلاف الظّهر،تقول:بطنت الرّجل،إذا ضربت بطنه.
[ثمّ استشهد بشعر]
و باطن الأمر:دخلته،خلاف ظاهره،و اللّه تعالى هو الباطن،لأنّه بطن الأشياء خبرا.[ثمّ أدام الكلام نحو ابن دريد ملخّصا](1:259)
ابن سيدة :البطن من الإنسان و سائر الحيوان:
خلاف الظّهر،مذكّر.
و جمع البطن:أبطن،و بطون،و بطنان.
و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،بطن بطنا و بطنة و بطن،و هو بطين.
و رجل بطن:لا همّ له إلاّ بطنه،و قيل:هو الرّغيب الّذي لا تنتهي نفسه من الأكل.
و قالوا:كيس بطين،أي ملآن،على المثل.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل مبطان:كثير الأكل لا يهمّه إلاّ بطنه.
و رجل بطين:عظيم البطن.
و مبطّن:ضامر البطن،و هذا على السّلب،كأنّه سلب بطنه فأعدمه،و الأنثى،مبطّنة.
و مبطون:يشتكي بطنه.
و البطن:داء البطن.
و بطنه يبطنه بطنا،و بطن له،كلاهما:ضرب بطنه.
[ثمّ استشهد بشعر]
و ألقى الرّجل ذا بطنه،كناية عن الرّجيع.
و ألقت الدّجاجة ذا بطنها يعني:مزقها.
و نثرت المرأة بطنها:كثر ولدها.
و البطن:دون القبيلة،و قيل:هو دون الفخذ و فوق العمارة،مذكّر،و الجمع:أبطن،و بطون.[ثمّ استشهد بشعر]
و فرس مبطّن:أبيض البطن و الظّهر.
و البطن من كلّ شيء:جوفه،و الجمع:كالجمع.
و الباطن:خلاف الظّاهر،و الجمع:بواطن.[ثمّ استشهد بشعر]
ص: 17
و قد بطن يبطن.
و الباطن:من أسماء اللّه جلّ و عزّ،و في التّنزيل:
هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الحديد:3،و قوله تعالى: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:120،فسّره ثعلب فقال:ظاهره:
المخالّة،و باطنه:الزّنى.
و الباطنة:خلاف الظّاهرة.
و البطانة:خلاف الظّهارة.
و بطانة الرّجل:خاصّته.
و أبطنه:اتّخذه بطانة.
و النّعمة الباطنة:الخاصّة،و الظّاهرة:العامّة.
و أفرشني بطن أمره و ظهره،أي سرّه و علانيته.
و بطن خبره يبطنه:خبره.
و استبطن أمره:وقف على دخلته.
و بطن بفلان:دخل في أمره.
و البطانة:السّريرة.
و باطنة الكورة:وسطها،و ظاهرتها:ما تنحّى منها.
و باطن كلّ شيء:داخله.
و بطن الأرض،و باطنها:ما غمض منها و اطمأنّ، و الجمع القليل:أبطنة،نادر،و الكثير:بطنان.
و البطن:الشّقّ الأطول من الرّيشة،و جمعها:بطنان.
و البطنان أيضا من الرّيش:ما كان بطن القذّة منه يلي بطن الأخرى.و قيل:البطنان:ما كان تحت العسيب.
و أبطن الرّجل كشحه سيفه،و بسيفه:جعله بطانته.
و بطن ثوبه بثوب آخر:جعله تحته.
و الأبطنان:عرقان مستبطنا بواطن وظيفي الذّراعين حتّى ينغمسا في الكفّين.
و البطان:حزام الرّحل و القتب،و قيل:هو للبعير كالحزام للدّابّة،و الجمع:أبطنة،و بطن.
و بطنه يبطنه و أبطنه:شدّ بطانه.
و إنّه لعريض البطان،أي رخيّ البال.
و رجل بطن:كثير المال.
و البطن:الأشر.
و البطنة:الأشر و البطر.و في المثل:«البطنة تذهب الفطنة».و قد بطن.
و شأو بطين:واسع.
و البطين:نجم من نجوم السّماء،و هو بطن الحمل فيما يقال،و العرب تزعم أنّ البطين لا نوء له إلاّ الرّيح.
و البطين:فرس معروف من خيل العرب،و كذلك البطان و هو ابن البطين.
و البطين:رجل من الخوارج.
و البطين الحمصي:من شعرائهم.(9:191)
الطّوسيّ: و البطن:خلاف الظّهر،فمنه بطانة الثّوب:خلاف ظهارته،لأنّها تلي بطنه،و بطانة الرّجل:
خاصّته،لأنّها بمنزلة ما يلي بطنه من ثيابه في القرب منه.
و منه البطنة و هو امتلاء البطن بالطّعام.و البطان:حزام البعير،لأنّه يلي بطنه.(2:571)
الرّاغب: بطن:أصل البطن الجارحة،و جمعه:بطون قال تعالى: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:
32،و قد بطّنته:أصبت بطنه.
و البطن:خلاف الظّهر في كلّ شيء.
و يقال للجهة السّفلى:بطن،و للجهة العليا:ظهر،و به
ص: 18
شبّه بطن الأمر و بطن البوادي.
و البطن من العرب،اعتبارا بأنّهم كشخص واحد، و أنّ كلّ قبيلة منهم كعضو بطن و فخذ و كاهل.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال لكلّ غامض:بطن،و لكلّ ظاهر:ظهر،و منه بطنان القدر و ظهرانها،و يقال لما تدركه الحاسّة:ظاهر، و لما يخفى عنها:باطن،قال عزّ و جلّ: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:120، ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.
و البطين:العظيم البطن،و البطن:الكثير الأكل، و المبطان:الّذي يكثر الأكل حتّى يعظم بطنه.
و البطنة:كثرة الأكل،و قيل:البطنة تذهب الفطنة.
و قد بطن الرّجل بطنا،إذا أشر من الشّبع و من كثرة الأكل،و قد بطن الرّجل:عظم بطنه.
و مبطن:خميص البطن.
و بطن الإنسان:أصيب بطنه،و منه رجل مبطون:
عليل البطن.
و البطانة:خلاف الظّهارة و بطّنت ثوبي بآخر:جعلته تحته و قد بطن فلان بفلان بطونا،و تستعار«البطانة»لمن تختصّه بالاطّلاع على باطن أمرك،قال عزّ و جلّ:
لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118،أي مختصّا بكم يستبطن أموركم،و ذلك استعارة من بطانة الثّوب بدلالة قولهم:لبست فلانا،إذا اختصصته،و فلان شعاري و دثاري.
و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: «ما بعث اللّه من نبيّ و لا استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان،بطانة تأمره بالخير و تحضّه عليه،و بطانة تأمره بالشّرّ و تحثّه عليه» و البطان:حزام يشدّ على البطن و جمعه:أبطنة و بطن.
و الأبطنان:عرقان يمرّان على البطن.
و البطين:نجم هو بطن الحمل.
و التّبطّن:دخول في باطن الأمر.(51)
الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«رأيت عيسى بن مريم عليه السّلام فإذا رجل أبيض مبطّن مثل السّيف»هو الضّامر البطن.
(الفائق 1:117)
النّخعيّ«كان يبطّن لحيته و يأخذ من جوانبها»أي يأخذ شعرها من تحت الذّقن و الحنك.
(الفائق 1:118)
قال سعد: «أنا لا أقاتلهم حتّى يقاتلهم ذو البطين»، أراد بذي البطين:أسامة،لاندحاح بطنه،و هو اتّساعه و استفاضته،و منه:اندحّ الكلأ.(الفائق 1:188)
الشّأو البطين:الغاية البعيدة.[ثمّ استشهد بشعر]
(الفائق 2:51)
عمرو رضي اللّه عنه،لمّا مات عبد الرّحمن بن عوف رضي اللّه تعالى عنه قال:«هنيئا لك ابن عوف خرجت من الدّنيا ببطنتك،لم يتغضغض منها شيء».
ضرب البطنة مثلا لوفور أجره الّذي استوجبه بهجرته و جهاده،و أنّه لم يتلبّس بولاية و عمل فينقص ذلك.(الفائق 3:68)
ألقت الدّجاجة ذا بطنها،و نثرت المرأة للزّوج بطنها،إذا أكثرت الولد.و بطنه و ظهره:ضربهما منه.
و قد بطن فلان،إذا اعتلّ بطنه،و هو مبطون و بطين و مبطان و مبطّن،أي عليل البطن و عظيمه،و أكول
ص: 19
و خميص.
و أبطن البعير:شدّ بطانه،و باطنت صاحبي:شددته معه.
و بطّن ثوبه بطانة حسنة،و بطائن ثيابهم الدّيباج، و هم أهل باطنة الكوفة،و إخوانهم أهل ضاحيتها.
و من المجاز:رش سهمك بظهران و لا ترشه ببطنان.
و هو في بطنان الشّباب،أي في وسطه.
و البحبوحة:بطنان الجنّة.[ثمّ استشهد بشعر]
و طلع البطين،و هو بطن الحمل.[ثمّ استشهد بشعر]
و نزلوا بطن الوادي،و هم في بطن مكّة،و بطنه من أكرم بطون العرب.
و استبطن الشّيء:دخل بطنه،كما يستبطن العرق اللّحم.و استبطن أمره:عرف باطنه.و تبطّن الكلأ:جوّل فيه و توسّطه.[ثمّ استشهد بشعر]
و تبطّن الجارية:جعلها بطانة له.[ثمّ استشهد بشعر]
و فلان مجرّب قد بطن الأمور:كأنّه ضرب بطونها عرفانا بحقائقها.
و يقال:أنت أبطن بهذا الأمر خبرة و أطول له عشرة،و هو بطانتي،و هم بطانتي،و أهل بطانتي.
و إذا اكتريت فاشترط العلاوة و البطانة،و هي ما يجعل تحت العكم من قربة و نحوها.
و نزت به البطنة،أي أبطره الغنى،و فلان عريض البطان،أي غنيّ.و شأو بطين:بعيد.[ثمّ استشهد بشعر]
و تباطن المكان:تباعد.(أساس البلاغة:25)
الطّبرسيّ: البطانة:خاصّة الرّجل الّذين يستبطنون أمره،مأخوذ من بطانة الثّوب الّذي يلي البدن لقربه منه،و هو نقيض الظّهارة.و يسمّى بها الواحد و الجميع،و المذكّر و المؤنّث.[ثمّ استشهد بشعر]
(1:492)
المدينيّ: ظهر السّماء و بطنها واحد،أي وجهها.
و كلّ شيء مبطّن له وجهان؛كلّ وجه بطانة للوجه الآخر.
في الحديث في صفة القرآن:«لكلّ آية منها ظهر و بطن».قيل:البطن:ما احتيج إلى تفسيره،و الظّهر:
ما ظهر منه بيانه.
و في حديث عطاء:«بطنت بك الحمّى،أي أثّرت في باطنك،يقال:بطنه الدّاء يبطنه بطونا:دخل بطنه.
في بعض الأحاديث:«غسل البطنة»أي الدّبر.
في صفة عليّ رضي اللّه عنه:«أنزع بطين».
البطين:العظيم البطن،و المبطان أيضا و المبطون، و بطن بطنا:عظم بطنه.
و قيل:المبطان:الكثير الأكل،و المبطّن:الخميص البطن.
في حديث عليّ: «كتب على كلّ بطن عقوله»البطن:
ما دون القبيلة،و الفخذ:ما دون البطن،أي كتب عليهم ما تغرمه العاقلة من الدّيات،فبيّن ما على كلّ قوم منهم.
في الحديث:«ينادي مناد من بطنان العرش».
البطن:المنخفض من الأرض،و جمعه:بطون و بطنان.و ضدّه الظّهر،و جمعه:ظهور و ظهران.و بطنان الرّيش و ظهرانه كذلك،و بطنان الرّبيع:صميمه،فكأنّ بطنان العرش أصله أيضا.
في الحديث:«رجل ارتبط فرسا ليستبطنها»أي
ص: 20
ليطلب ما في بطنها من النّتاج.(1:169)
ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الباطن»هو المحتجب عن أبصار الخلائق و أوهامهم،فلا يدركه بصر، و لا يحيط به وهم.
و قيل:هو العالم بما بطن،يقال:بطنت الأمر،إذا عرفت باطنه.
و فيه:«ما بعث اللّه من نبيّ و لا استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان»بطانة الرّجل:صاحب سرّه و داخلة أمره الّذي يشاوره في أحواله.
و منه الحديث:«أنّ امرأة ماتت في بطن».و قيل:
أراد به هاهنا«النّفاس»و هو أظهر،لأنّ البخاريّ ترجم عليه:باب الصّلاة على النّفساء.
و فيه:«تغدو خماصا و تروح بطانا»أي ممتلئة البطون.
و منه حديث موسى و شعيب عليهما السّلام:«و عود غنمه حفّلا بطانا».
و منه حديث عليّ: «أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى».المبطان:الكثير الأكل،و العظيم البطن.
و في صفة عيسى عليه السّلام:«فإذا رجل مبطّن مثل السّيف»المبطّن:الضّامر البطن.
و في حديث سليمان بن صرد:«الشّوط بطين»أي بعيد.
و فيه«ينادي مناد من بطنان العرش»أي من وسطه.و قيل:من أصله،و قيل:البطنان:جمع بطن، و هو الغامض من الأرض،يريد من دواخل العرش.
و منه كلام عليّ في الاستسقاء:«تروى به القيعان و تسيل به البطنان».(1:136)
أبو حيّان: البطن معروف،و جمعه على«فعول» قياس،و يجمع أيضا على«بطنان»و يقال بطن الأمر يبطن،إذا خفي.و بطن الرّجل فهو بطين:كبر.
و البطنة:امتلاء البطن بالطّعام،و يقال:«البطنة تذهب الفطنة».(1:478)
الفيروزآباديّ: البطن:خلاف الظّهر مذكّر، جمعه:أبطن و بطون و بطنان.و دون القبيلة،أو دون الفخذ،و فوق العمارة،جمعه:أبطن و بطون.و جوف كلّ شيء،و الشّقّ الأطول من الرّيش-الرّيشة-جمعه:
بطنان،و عشرون موضعا.
و ككتف:الأشر المتموّل،و من همّه بطنه،أو الرّغيب لا ينتهي من الأكل كالمبطان.
و رجل بطين:عظيم البطن،و قد بطن ككرم، و كمعظّم:ضامر البطن.
و مبطون يشتكيه.
و البطن محرّكة:داء البطن.
و بطنه و له و بطّنه:ضرب بطنه.
و بطن:خفي فهو باطن،جمعه:بواطن.و خبره:
علمه،و من فلان:صار من خواصّه.
و استبطن أمره:وقف على دخلته.
و البطانة بالكسر:السّريرة و وسط الكورة، و الصّاحب،و الوليجة،و من الثّوب:خلاف ظهارته، و قد بطّن الثّوب تبطينا و أبطنه،و موضع خارج المدينة.
و الباطن:داخل كلّ شيء،و من الأرض:ما غمض كبطنها،جمعه:أبطنة و بطنان.و مسيل الماء في الغلظ،
ص: 21
جمعه:بطنان.
و ككتاب:حزام القتب،جمعه:أبطنة و بطن.
و أبطن البعير:شدّ بطانه كبطّنه.
و عريض البطان:رخيّ البال.
و البطنة بالكسر:البطر و الأشر،و الكظّة.
و البطين:البعيد.
و كزبير:شاعر و منزل للقمر،ثلاثة كواكب صغار كأنّها أثافيّ،و هو بطن الحمل.
و كمعظّم:الأبيض الظّهر و البطن من الخيل.
و الباطنة من البصرة و الكوفة:مجتمع الدّور و الأسواق،و الضّاحية:ما تنحّى عن المساكن و كان بارزا.
و ذو البطن:الجعس.
و ألقت ذا بطنها:ولدت،و الدّجاجة:باضت، و الذّئب:يغبط بذي بطنه،لأنّه لا يظنّ به الجوع أبدا، و إنّما تظنّ به البطنة لعدوه على النّاس و الماشية.
و تبطين اللّحية:أن لا يؤخذ ممّا تحت الذّقن و الحنك.
(4:204)
الطّريحيّ: و بطانة الرّجل:دخلاؤه و أهل سرّه، ممّن يسكن إليهم و يثق بمودّتهم،شبّه ببطانة الثّوب كما يشبّه الأنصار بالشّعار و النّاس بالدّثار،و منه حديث الحائض:«كانوا كلّفوا نسوة من بطانتها»أي من أهل سريرتها،المستبطنين أمرها العالمين به.
و منه:«أعوذ بك من الخيانة فإنّها بئس البطانة».
قيل:أراد بالخيانة:مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ، و هي نقيض الأمانة.
و في حديث غيبة القائم عليه السّلام:«لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة و وليجة».البطانة:السّريرة و الصّاحب،و الوليجة:الدّخيلة،و خاصّتك من النّاس.
و في التّعويذ:«أعوذ بك من البطانة»و هي خلاف الظّهارة،و أصلها في الثّوب،ثمّ تستعار لمن تخصّه بالاطّلاع على باطن أمرك.و أريد ما يستنبطه،فيجعله بطانة حاله.
و في حديث الشّمس:«إذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش».قال بعض الشّارحين:كأنّ المراد وصولها إلى دائرة نصف النّهار،فإنّها حينئذ تحاذي النّقطة الّتي هي وسط العرش.
و البطنان:جمع البطن،و هو المنخفض من الأرض.
و في الحديث:«الباطن ليس على معنى الاستبصار للأشياء أن يغور فيها،و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا،كقول القائل:أبطنته،أي أخبرته و علمت مكنون سرّه».
و فيه:«أنت الباطن فليس دونك شيء»أي فليس شيء أبطن منك.
و في حديث الوضوء:«أ يبطّن الرّجل لحيته» بتشديد الطّاء من بطّن يبطّن،إذا أدخل الماء تحتها ممّا هو مستور بشعرها،لا من بطنت الوادي:دخلته.
و في حديث علي عليه السّلام:«إنّه مسح على النّعلين،و لم يستبطن الشّراكين»أي لم يمسح ما تحتهما.
و البطن:دون القبيلة،و فوقها:الفخذة،مؤنّثة،و إن أريد الحيّ فمذكّر.و يجمع البطن على أبطن و بطون.
و البطن محرّكة،داء البطن.
ص: 22
و المبطون:الّذي يموت بمرض البطن،و المبطون:من به إسهال أو انتفاخ في بطن،أو من يشتكي بطنه.و في الخبر:«المبطون لم يعذّب في القبر».
و بطن بالكسر يبطن فهو بطين،إذا عظم بطنه، و المبطان:مثله.
و المبطان:الّذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل،و منه حديث عليّ عليه السّلام:«أ أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى».
و البطنة بالكسر:الامتلاء الشّديد،و منه قوله عليه السّلام:
«إن أفرط في الشّبع كظّته البطنة»و منه:
بحسبك داء أن تبيت ببطنة
و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ
(6:214)
المصطفويّ: و الّذي يظهر من تحقيق موارد استعمال مشتقّات هذه المادّة:أنّ الأصل الواحد فيها هو مقابل الظّهور و خلافه.
و لمّا كان باطن بدن الحيوان عبارة عن المعدة لوقوعها في وسط البدن و لخلاء داخلها،و لكونها ذات مدخل و مخرج فأطلق لها البطن،و باعتبارها صحّ إطلاق الظّهر على ما وراءها.
و بهذه المناسبة أيضا أطلق البطن على ما دون القبيلة،لكونه في باطن القبيلة أو في بطنها و داخلها.
ثمّ اشتقّت منه الفعل بالاشتقاق الانتزاعيّ،فقيل:
بطنت الرّجل،إذا ضربت بطنه،و كذلك البطين و المبطون و المبطان.(1:275)
1- ...وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ....
الأنعام:151
ابن عبّاس: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنى بأسا في السّرّ،و يستقبحونه في العلانية؛فحرّم اللّه الزّنى في السّرّ و العلانية.نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 8:83)
إنّه خاصّ في الزّنى،(ما ظهر منها):ذوات الحوانيت،(و ما بطن):ذوات الاستسرار.
مثله الحسن،و السّدّيّ.(الماورديّ 2:186)
الإمام السّجّاد عليه السّلام: (ما ظهر):نكاح امرأة الأب، (و ما بطن):الزّنى.(الكاشانيّ 2:169)
مجاهد :(ما ظهر):جمع بين الأختين،و تزويج الرّجل امرأة أبيه من بعده،(و ما بطن):الزّنى.
(الطّبريّ 8:83)
نحوه سعيد بن جبير.(الماورديّ 2:186)
الضّحّاك: (ما ظهر):الخمر،(و ما بطن):الزّنى.
(الطّبريّ 8:84)
الإمام الباقر عليه السّلام:(ما ظهر):هو الزّنى،(و ما بطن):
المخالّة.(الطّوسيّ 4:341)
قتادة :سرّها و علانيتها.(الطّبريّ 8:83)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لا تقربوا الظّاهر من الأشياء المحرّمة عليكم،الّتي هي علانية بينكم، لا تناكرون ركوبها.و الباطن منها:الّذي تأتونه سرّا في خفاء لا تجاهرون به،فإنّ كلّ ذلك حرام.
و قد قيل:إنّما قيل:لا تقربوا ما ظهر من الفواحش
ص: 23
و ما بطن،لأنّهم كانوا يستقبحون من معاني الزّنى بعضا.
و ليس ما قالوا من ذلك بمدفوع،غير أنّ دليل الظّاهر من التّنزيل على النّهي عن ظاهر كلّ فاحشة و باطنها، و لا خبر يقطع العذر بأنّه عني به بعض دون جميع،و غير جائز إحالة ظاهر كتاب اللّه إلى باطن إلاّ بحجّة يجب التّسليم لها.(8:83)
الماورديّ: [بعد نقل الأقوال المذكورة قال:]
و قد ذكرنا فيه احتمال تأويل خامس:أنّ(ما ظهر منها)أفعال الجوارح،(و ما بطن منها)اعتقاد القلوب.(2:186)
الطّوسيّ: قيل:معناه ما علن و ما خفي من جميع أنواع الفواحش،و هو أعمّ فائدة.(4:341)
القرطبيّ: قوله:(ما ظهر):نهي عن جميع أنواع الفواحش و هي المعاصي،(و ما بطن):ما عقد عليه القلب من المخالفة.و ظهر و بطن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء.و(ما ظهر)نصب على البدل من (الفواحش)،(و ما بطن)عطف عليه.(7:133)
النّسفيّ: (ما ظهر)ما بينك و بين الخلق،(و ما بطن) ما بينك و بين اللّه.(2:40)
البروسويّ: أي ما يفعل منها علانية في الحوانيت، كما هو دأب أراذلهم.و ما يفعل سرّا باتّخاذ الأخدان،كما هو عادة أشرافهم.
و توجيه النّهي إلى قربانها للمبالغة في النّهي عنها، و يدخل في ذلك ما يبعده من الجنّة و يدنيه من النّار،و هو (ما ظهر)،و ما يبعده من الحقّ و يحجبه عنه-و إن لم يحجبه عن الجنّة و لم يبعده منها-و هو(ما بطن)،و أيضا ما ظهر منها بالفعل و ما بطن بالنّيّة.و من الزّنى زنى النّظر.
(3:118)
نحوه الآلوسيّ.(8:54)
الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ المراد ممّا ظهر و ممّا بطن:
العلانية و السّرّ كالزّنى العلنيّ،و اتّخاذ الأخدان، و الأخلاّء سرّا.(7:375)
2- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ. الأعراف:33
ابن مسعود: لا أحد أغير من اللّه،فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن،و لا أحد أحبّ إليه المدحة من اللّه فلذلك مدح نفسه.(البغويّ 2:189)
ابن عبّاس: (ما ظهر):ما كانت تفعله الجاهليّة من نكاح الأبناء نساء الآباء،و الجمع بين الأختين،و أن تنكح المرأة على عمّتها و خالتها،(و ما بطن):الزّنى.
مثله مجاهد.(أبو حيّان 4:292)
مجاهد :(ما ظهر منها):طواف أهل الجاهليّة عراة، (و ما بطن):الزّنى.(الطّبريّ 8:166)
الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ القرآن له ظهر و بطن، فجميع ما حرّم اللّه في القرآن هو الظّاهر،و الباطن من ذلك:أئمّة الجور.و جميع ما أحلّ اللّه في الكتاب هو الظّاهر و الباطن من ذلك:أئمّة الحقّ.(شبّر 2:360)
الإمام الكاظم عليه السّلام: (ما ظهر):يعني الزّنى المعلن، و نصب الرّايات الّتي كانت ترفعها الفواجر،(و ما بطن):
ما نكح من أزواج الآباء.(شبّر 2:360)
الجنيد: (الظّاهر)بكشف الكروب(و الباطن)بعلم
ص: 24
الغيوب.(الخازن 7:25)
الماورديّ: (ما ظهر منها):أفعال الجوارح و(ما بطن):اعتقاد القلوب.(2:219)
الخطيب التّبريزيّ: (ما ظهر منها):طواف الرّجل بالنّهار عريانا،(و ما بطن):طوافها باللّيل عارية.
(أبو حيّان 4:292)
نحوه البغويّ.(2:189)
ابن عطيّة: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ يجمع النّوع كلّه،لأنّه تقسيم لا يخرج عنه شيء،و هو لفظ عامّ في جميع الفواحش.
و ذهب مجاهد إلى تخصيص ذلك بأن قال:(ما ظهر):
الطّواف عريانا.و البواطن:الزّنى،و قيل:غير هذا ممّا يأتي على طريق المثال.(2:395)
ابن الجوزيّ: فيه ستّة أقوال:
أحدها:أنّ المراد بها الزّنى،ما ظهر منه:علانيته، و ما بطن:سرّه.رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس،و به قال سعيد بن جبير.
و الثّاني:أنّ(ما ظهر):نكاح الأمّهات(و ما بطن):
الزّنى.رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس،و به قال عليّ بن الحسين.
و الثّالث:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]
و الرّابع:أنّ(ما ظهر):الزّنى،(و ما بطن):العزل، قاله شريح.
و الخامس:[قول مجاهد و قد تقدّم]
و السّادس:أنّه عامّ في جميع المعاصي.(3:190)
الفخر الرّازيّ: فنقول في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ على هذا التّفسير[أي المراد ب«الفاحشة» الزّنى]وجهان:
الأوّل:يريد سرّ الزّنى،و هو الّذي يقع على سبيل العشق و المحبّة،و(ما ظهر منها)بأن يقع علانية.
و الثّاني:أن يراد بما ظهر من الزّنى:الملامسة و المعانقة،(و ما بطن)الدّخول.(14:66)
النّيسابوريّ: (الفواحش):ما يقطع على العبد طريق السّلوك إلى الرّبّ؛ففاحشة العوامّ ما ظَهَرَ مِنْها: ارتكاب المناهي،(و ما بطن):خطورها بالبال.
و فاحشة الخواصّ(ما ظهر منها):تتبع ما لأنفسهم نصيب منه و لو بذرّة،(و ما بطن):الصّبر على المحبوب و لو بلحظة.
و فاحشة الأخصّ(ما ظهر منها)ترك أدب من الآداب،أو التّعلّق بسبب من الأسباب،(و ما بطن):
الرّكون إلى شيء في الدّارين،و الالتفات إلى غير اللّه من العالمين.(8:107)
الآلوسيّ: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ بدل من (الفواحش)أي جهرها و سرّها.و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما(ما ظهر):الزّنى علانية،(و ما بطن):الزّنى سرّا.و قد كانوا يكرهون الأوّل و يفعلون الثّاني،فنهوا عن ذلك مطلقا.(8:112)
هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ... الحديد:3 النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في تمجيد الرّبّ]
اللّهمّ أنت الظّاهر فليس فوقك شيء،و أنت الباطن
ص: 25
فليس دونك شيء.(الأزهريّ 13:374)
ابن عبّاس: (و الظّاهر):الغالب العالي على كلّ شيء،(و الباطن):العالم بكلّ شيء.(الميبديّ 9:476)
كعب الأحبار:إنّ علمه بالأوّل كعلمه بالآخر، و علمه بالظّاهر كعلمه بالباطن.(الميبديّ 9:477)
ابن عمر: (و الظّاهر):بالإحياء،(و الباطن):
بالإماتة.(الميبديّ 9:477)
الضّحّاك: هو الّذي أوّل الأوّل و أخّر الآخر، و أظهر الظّاهر و أبطن الباطن.(الميبديّ 9:477)
السّدّيّ: (و الظّاهر):بتوفيقه إذ وفّقك للسّجود له، (الباطن):بستره إذ عصيته فستر عليك.
(الميبديّ 9:476)
ابن عطاء: (و الظّاهر)على قلوب أوليائه حتّى يعرفوه،(و الباطن)عن قلوب أعدائه حتّى ينكروه.(الميبديّ 9:477)
مقاتل: (و الظّاهر)بلا إظهار أحد،(و الباطن)بلا إبطان أحد.(الميبديّ 9:477)
الفرّاء: (و الظّاهر)على كلّ شيء علما،و كذلك (الباطن)على كلّ شيء علما.(3:132)
ابن أبي اليمان: (و الظّاهر):الحليم،(و الباطن):
العليم.(الميبديّ 9:477)
الزّجّاج: (و الظّاهر):العالم بما ظهر،(و الباطن):
العالم بما بطن،كما تقول:فلان يبطن أمر فلان،أي يعلم دخلة أمره.(5:122)
الأزهريّ: قيل:معناه أنّه علم السّرائر و الخفيّات كما علم كلّ ما هو ظاهر للخلق.(13:374)
الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:
أحدهما:أنّه العالم بما ظهر و ما بطن.
الثّاني:أنّه القاهر لما ظهر و ما بطن،من قوله تعالى:
فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ الصّفّ:14،و منه قوله: وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88.
و قيل:المعنى أنّه الظّاهر بأدلّته،الباطن من إحساس خلقه، وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ما يصحّ أن يكون معلوما،لأنّه عالم لنفسه.(9:519)
الرّاغب: اَلظّاهِرُ وَ الْباطِنُ في صفات اللّه تعالى لا يقال إلاّ مزدوجين،ك(الأوّل و الآخر).
ف(الظّاهر)قيل:إشارة إلى معرفتنا البديهيّة،فإنّ الفطرة تقتضي في كلّ ما نظر إليه الإنسان أنّه تعالى موجود،كما قال: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ الزّخرف:84،و لذلك قال بعض الحكماء:
مثل طالب معرفته مثل من طوّف في الآفاق في طلب ما هو معه.
(و الباطن)إشارة إلى معرفته الحقيقيّة،و هي الّتي أشار إليها أبو بكر بقوله:«يا من غاية معرفته القصور عن معرفته».
و قيل:ظاهر بآياته باطن بذاته،و قيل:ظاهر بأنّه محيط بالأشياء مدرك لها،باطن من أن يحاط به،كما قال عزّ و جلّ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الأنعام:103.
و قد روي عن أمير المؤمنين رضي اللّه عنه ما دلّ على تفسير اللّفظتين؛حيث قال:«تجلّى لعباده من غير
ص: 26
أن رأوه،و أراهم نفسه من غير أن تجلّى لهم».و معرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب و عقل وافر.(52)
الغزاليّ: هذان الوصفان من المضافات،فلا يكون الشّيء ظاهرا لشيء و باطنا له من وجه واحد،بل يكون ظاهرا من وجه بالإضافة إلى إدراك،و باطنا من وجه آخر.
فإنّ الظّهور و البطون إنّما يكون بالإضافة إلى الإدراكات،و اللّه تعالى باطن إن طلب من إدراك الحواسّ و خزانة الخيال،ظاهر إن طلب من خزانة العقل بالاستدلال و الرّيب من شدّة الظّهور،و كلّ ما جاوز الحدّ انعكس إلى الضّدّ.(الآلوسيّ 27:166)
الميبديّ: قيل:هذه الواوات مقحمة،و المعنى هو الأوّل الآخر و الظّاهر الباطن،لأنّ من كان منّا أوّلا لا يكون آخرا،و من كان ظاهرا لا يكون باطنا.
قيل:(و الظّاهر):الغالب العالي عزّ و جلّ،و هو البارئ في صنعه الدّال على قدرته و حكمته.(و الباطن):
الّذي بطن كلّ شيء علما،فهو يبطنها و يرى سرائرها، و يعلم خفاياها،و هو عزّ و جلّ خفي كنهه و كيفه و قدره.
قيل:(و الظّاهر)صنعا و رسما،(و الباطن)كيفا و قدرا.(9:477)
الزّمخشريّ: (و الظّاهر)بالأدلّة الدّالّة عليه، (و الباطن)لكونه غير مدرك بالحواسّ.
فإن قلت:فما معنى الواو؟
قلت:الواو الأولى معناها الدّلالة على أنّه الجامع بين الصّفتين الأوّليّة و الآخريّة،و الثّالثة:على أنّه الجامع بين الظّهور و الخفاء.
و أمّا الوسطى فعلى أنّه الجامع بين مجموع الصّفتين الأوليين و مجموع الصّفتين الأخريين،فهو المستمرّ الوجود في جميع الأوقات الماضية و الآتية،و هو في جميعها ظاهر و باطن.جامع للظّهور بالأدلّة و الخفاء، فلا يدرك بالحواسّ،و في هذا حجّة على من جوّز إدراكه في الآخرة بالحاسّة.
و قيل:(الظّاهر):العالي على كلّ شيء،الغالب له من ظهر عليه إذا علاه و غلبه.(و الباطن):الّذي بطن كلّ شيء،أي علم باطنه.و ليس بذاك مع العدول عن الظّاهر المفهوم.(4:61)
الطّبرسيّ: [ذكر بعض أقوال المفسّرين المتقدّم و أضاف:]
و قيل:الأوّل بلا ابتداء و الآخر بلا انتهاء،و الظّاهر بلا اقتراب،و الباطن بلا احتجاب.
و قيل:الأوّل بالأزليّة،و الآخر بالأبديّة،و الظّاهر بالأحديّة،و الباطن بالصّمديّة،عن أبي بكر الورّاق.
و قال البلخيّ: هو كقول القائل:فلان أوّل هذا الأمر و آخره و ظاهره و باطنه،أي عليه يدور الأمر و به يتمّ.
(5:230)
البيضاويّ: (الظّاهر)وجوده لكثرة دلائله، (و الباطن)حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول،أو الغالب على كلّ شيء و العالم بباطنه.
و الواو الأولى و الأخيرة للجمع بين الوصفين، و المتوسّطة للجمع بين المجموعين.(2:452)
النّيسابوريّ: أمّا تفسير اَلظّاهِرُ وَ الْباطِنُ فالمحقّقون قالوا:إنّه(الظّاهر)بالأدلّة الدّالّة على وجوده،
ص: 27
(و الباطن)لأنّه جلّ عن إدراك الحواسّ و العقول إيّاه،إمّا في الدّنيا،أو فيها و في الآخرة جميعا.
و قيل:معنى(الظّاهر):الغالب،(و الباطن):العالم بما بطن،أي خفي.(27:94)
الخازن: (الظّاهر)بالدّلائل الدّالّة على وحدانيّته، (و الباطن)الّذي احتجب عن العقول أن تكيّفه.
و قيل:(الظّاهر)بحججه الباهرة،و براهينه النّيّرة الزّاهرة،و شواهده الدّالّة على وحدانيّته،(و الباطن) الّذي احتجب عن أبصار الخلق،فلا تستولي عليه الكيفيّة.(7:25)
صدر المتألّهين: أمّا كونه ظاهرا فلكونه نور السّماوات و الأرض،و النّور حقيقته الظّهور،لأنّ ما ليست حقيقته النّور فإنّما يظهر بالنّور،و النّور بنفسه ظاهر و بذاته متجلّ.
و أمّا كونه باطنا،أي مختفيا،فلشدّة ظهوره و غاية وضوحه،و لأجل ذلك يختفى على الضّمائر و الأنظار، و يحتجب عن العقول و الأبصار،فذاته بذاته متجلّ للأشياء.و لأجل قصور بعض الذّات عن قبول تجلّيه يحتجب،فبالحقيقة لا حجاب إلاّ في المحجوبين.
و الحجاب هو القصور و الضّعف و النّقص،و ليس تجلّيه إلاّ حقيقة ذاته؛إذ لا معنى له بذاته إلاّ صريح ذاته، لأنّ صفاته ليست زائدة على ذاته،كما أوضحه الرّبّانيّون.
أو لا ترى الشّمس الّتي هي أشدّ الأنوار الحسّيّة و أقوى الأضواء البصريّة كيف احتجبت لفرط ظهورها على الحاسّة البصريّة،حتّى لا يمكن للبصر لأجل ضعف قوّته ملاحظتها إلاّ من وراء الحجاب،كالمرآة أو الماء أو السّحاب الرّقيق،كما قال الشّاعر:
كالشّمس يمنعك اجتلاؤك وجهها
فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا
فكذلك الحقّ سبحانه،فإنّه و إن لم تحط بحقيقته العقول و الأفكار و لم يدرك ذاته البصائر و الأبصار إلاّ أنّه ليس لوجهه نقاب إلاّ النّور،و لا لذاته حجاب إلاّ الظّهور،و لم يمنع القلوب من الاستنارة و الاستجلاء بعد تزكّيها عن كدورات الشّهوات إلاّ شدّة الإشراق و ضعف الأحداق.
فسبحان من اختفى عن بصائر الخلق نوره، و احتجب عن عقولهم لفرط الوضوح ظهوره،و هو بكلّ شيء عليم،لأنّه بنور ذاته يظهر جميع الأشياء على ذاته؛ إذ العلم بالشّيء ليس إلاّ ظهوره عند شيء آخر و مثوله بين يديه،و اللّه خالق كلّ شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء؛إذ بيده ملكوت الأشياء،و منه ينشأ حقائق الأنباء.(6:156)
البروسويّ: (و الظّاهر وجودا،لكثرة دلائله الواضحة،(و الباطن)حقيقة،فلا يحوم العقل حول إدراك كنهه،و ليس يعرف اللّه إلاّ اللّه،و تلك الباطنيّة سواء في الدّنيا و الآخرة.
فاضمحلّ ما في«الكشّاف»من أنّ فيه حجّة على من جوّز إدراكه في الآخرة بالحاسّة؛و ذلك فإنّ كونه باطنا بكنه حقيقته لا ينافي كونه مرئيّا في الآخرة،من حيث صفاته.(9:346)
الآلوسيّ: (و الظّاهر)أي بوجوده لأنّ كلّ
ص: 28
الموجودات بظهوره تعالى ظاهر،(و الباطن)بكنهه سبحانه،فلا تحوم حوله العقول...[و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال في توضيح كلامه:]
و في هذا حجّة على من جوّز إدراكه سبحانه في الآخرة بالحاسّة،أي و ذلك لأنّه تعالى ما من وقت يصحّ اتّصافه بالأوّليّة و الآخريّة إلاّ و يصحّ اتّصافه بالظّاهريّة و الباطنيّة معا،فإذا جوّز إدراكه سبحانه بالحاسّة في الآخرة فقد نفي كونه سبحانه باطنا،و هو خلاف ما تدلّ عليه الآية.
و أجاب عن ذلك صاحب«الكشف»فقال:إنّ تفسير(الباطن)بأنّه غير مدرك بالحواسّ تفسير بحسب التّشهّي،فإنّ بطونه تعالى عن إدراك العقول كبطونه عن إدراك الحواسّ،لأنّ حقيقة الذّات غير مدركة لا عقلا و لا حسّا باتّفاق بين المحقّقين من الطّائفتين.و الزّمخشريّ ممّن سلّم،فهو الظّاهر بوجوده و الباطن بكنهه،و هو سبحانه الجامع بين الوصفين أزلا و أبدا،و هذا لا ينافي الرّؤية،لأنّها لا تفيد ذلك عند مثبتها،انتهى.و هو حسن،فلا تغفل.(27:166)
الطّباطبائيّ: [تقدّم كلامه في«أ خ ر»فراجع]
(19:145)
المصطفويّ: أي الظّاهر عن العوالم و الباطن عنها،و له المثل الأعلى،و من عرف نفسه فقد عرف ربّه.
فنقول:إذا أردنا أن نعرف النّفس لزيد و روحه، و قلنا:إنّها هي الظّاهرة من وجوده و الباطنة منه،بمعنى أنّ كلّ عضو من أعضائه يصحّ أن يقال:إنّه زيد و من زيد و ليس بزيد،و كذلك روحه الحاكم الآمر المدرك بتمام أعضائه،و السّلطان في مملكة بدنه،و الباطن فيه فهو زيد.
فاللّه العليم المحيط الحيّ القادر سلطان مملكة الوجود و الحاكم في جميع العوالم،و خالق الموجودات كلّها، و المتجلّي فيها بعظمته و قدرته،و الظّاهر فيها بجلاله و جماله،و هو نور السّماوات و الأرض،و هو الحقّ المطلق الأزليّ الأبديّ الحيّ القيّوم.
ألا كلّ شيء ما سوى اللّه باطل
* فهو الظّاهر و الباطن في عالم الوجود،و حقيقة هذا المعنى لا يعرفها إلاّ من نوّر اللّه قلبه بنور المعرفة،و لا يمكن معرفته حقّا بالعلوم الرّسميّة و شقّ الشّعر بمتشابهات العلم و الفلسفة.
فاللّه المتعالي باطن عالم الوجود؛إذ ما من إدراك و قدرة و قوّة و حياة و نور و وجود إلاّ و هو من نوره و من فيضه،فهو تعالى و تبارك روح العالم و نوره،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.(1:277)
وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ. الأنعام:120
راجع«أ ث م».
أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً... لقمان:20
ص: 29
أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً... لقمان:20
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عرفنا النّعم الظّاهرة فما الباطنة؟فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«هو ما لو رآك النّاس عليه لمقتوك».
[و في رواية]«أمّا الظّاهرة فالإسلام،و ما حسّن من خلقك،و ما أفضل عليك من الرّزق.و أمّا الباطنة فما ستر من سوء عملك،يا ابن عبّاس يقول اللّه عزّ و جلّ:إنّي جعلت للمؤمن ثلاثا:صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله أكفّر به عنه خطاياه،و جعلت له ثلث ماله ليكفّر به عنه خطاياه،و سترت عليه سوء عمله الّذي لو قد أبديته للنّاس لنبذه أهله و ما سواهم».
(الميبديّ 7:504)
ابن عبّاس: الباطنة:مصالح الدّين و الدّنيا ممّا يعلمه اللّه و غاب العباد علمه.(الطّبرسيّ 4:320)
النّعمة الظّاهرة:الإسلام و القرآن،و الباطنة:ما ستر عليك من الذّنوب،و لم يعجل عليك بالنّقمة.
(البغويّ 3:590)
نحوه الحسن.(الزّمخشريّ 3:235)
مجاهد :الظّاهرة:ظهور الإسلام و النّصر على الأعداء،و الباطنة:الإمداد بالملائكة.
(البغويّ 3:590)
كان يقول:هي«لا إله إلاّ اللّه».(الطّبريّ 21:78)
أنّ الظّاهرة على اللّسان،و الباطنة في القلب.
(الماورديّ 4:342)
مثله وكيع(الماورديّ 4:342)،و الرّبيع(البغويّ 3:
590).
الضّحّاك: الظّاهرة:حسن الصّورة و تسوية الأعضاء،و الباطنة:المعرفة.(البغويّ 3:590)
الإمام الباقر عليه السّلام:أمّا النّعمة الظّاهرة فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ما جاء به من معرفة اللّه عزّ و جلّ،و توحيده.
و أمّا النّعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت،و عقد مودّتنا.فاعتقد و اللّه قوم هذه النّعمة الظّاهرة و الباطنة، و اعتقدها قوم ظاهرة،و لم يعتقدوها باطنة،فأنزل اللّه:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ المائدة:
41،ففرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند نزولها؛إذ لم يتقبّل اللّه تعالى إيمانهم إلاّ بعقد ولايتنا و محبّتنا.[و هذا تأويل]
(البحرانيّ 7:481)
عطاء: الظّاهرة:تخفيف الشّرائع،و الباطنة:
الشّفاعة.(البغويّ 3:590)
مقاتل: الظّاهرة:تسوية الخلق و الرّزق و الإسلام، و الباطنة:ما ستر من الذّنوب.(البغويّ 3:590)
الإمام الكاظم عليه السّلام: [و هو تأويل]النّعمة الظّاهرة:الإمام الظّاهر،و الباطنة:الإمام الغائب.
فقلت (1)له:و يكون في الأئمّة من يغيب؟فقال:
نعم،يغيب عن أبصار النّاس شخصه و لا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره،و هو الثّاني عشر منّا.و يسهّل اللّه له كلّ عسر،و يذلّل اللّه له كلّ صعب،و يظهر له كلّ كنوز الأرض،و يقرّب له كلّ بعيد،و يبير به كلّ جبّار عنيد،و يهلك على يده كلّ شيطان مريد،ذلك ابن سيّدةّ.
ص: 30
الإماء الّذي تخفى على النّاس ولادته،و لا يحلّ لهم تسميته،حتّى يظهره اللّه عزّ و جلّ،فيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما.(البحرانيّ 7:481)
المحاسبيّ: الظّاهرة:نعيم الدّنيا،و الباطنة:نعيم العقبى.(الميبديّ 7:505)
الطّبريّ: قوله:(ظاهرة)يقول:ظاهرة على الألسن قولا،و على الأبدان و جوارح الجسد عملا.
و قوله:(و باطنة)يقول:و باطنة في القلوب اعتقادا و معرفة.(21:78)
النّقّاش: أنّ الظّاهرة:ما أعطاهم من الزّيّ و الثّياب،و الباطنة:متاع المنازل.(الماورديّ 4:342)
الماورديّ: في قوله: ظاهِرَةً وَ باطِنَةً خمسة أقاويل (1):[ذكر بعض الأقوال و أضاف:]
الخامس:الظّاهرة:الولد،و الباطنة:الجماع.
و يحتمل سادسا:أنّ الظّاهرة:في نفسه،و الباطنة:في ذرّيّته من بعده.
و يحتمل سابعا:أنّ الظّاهرة:ما مضى،و الباطنة:
ما يأتي.
و يحتمل ثامنا:أنّ الظّاهرة:في الدّنيا،و الباطنة:في الآخرة.
و يحتمل تاسعا:أنّ الظّاهرة:في الأبدان،و الباطنة:
في الأديان.(4:342)
الطّوسيّ: أي من نعمه ما هو ظاهر لكم،لا يمكنكم جحده:من خلقكم و إحيائكم و أقداركم،و خلق الشّهوة فيكم،و ضروب نعمه.
و منها ما هو باطن مستور لا يعرفها إلاّ من أمعن النّظر فيها.
و قيل:النّعم الباطنة:مصالح الدّين و الدّنيا ممّا لا يشعرون به.(8:281)
الرّاغب: قيل:الظّاهرة:بالنّبوّة،و الباطنة بالعقل.
و قيل:الظّاهرة:المحسوسات و الباطنة:المعقولات.و قيل:
الظّاهرة:النّصرة على الأعداء بالنّاس،و الباطنة:النّصرة بالملائكة،و كلّ ذلك يدخل في عموم الآية.(52)
البغويّ: قيل:الظّاهرة:تمام الرّزق،و الباطنة:
حسن الخلق.
و قيل:الظّاهرة:الإمداد بالملائكة،و الباطنة:إلقاء الرّعب في قلوب الكفّار.
و قال سهل بن عبد اللّه:الظّاهرة:اتّباع الرّسول، و الباطنة:محبّته.(3:590)
الميبديّ: قيل:الظّاهرة:ما يراها النّاس من الجاه و المال و الخدم و الأولاد،و الباطنة:الخلق و العلم و القوّة، و سائر ما يعلمه العبد من نفسه.
و قيل:الظّاهرة:ما يعلمه العبد من نفسه،و الباطنة:
ما يعلمه اللّه،و لا يعلم العبد.
و قيل:الظّاهرة:قوله: وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ البقرة:221،و الباطنة:قوله: وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ الحجرات:7.
و قيل:الظّاهرة:الشّهادة النّاطقة،و الباطنة:
السّعادة السّابقة.
و قيل:الظّاهرة:وضع الوزر و رفع الذّكر،و الباطنة:
شرح الصّدر.ع.
ص: 31
و قيل:الظّاهرة:قوله: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ آل عمران:139،و الباطنة:قوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ الواقعة:11.(7:505)
ابن عطيّة: و الظّاهرة هي الصّحّة و حسن الخلقة و المال و غير ذلك،و الباطنة:المعتقدات من الإيمان و نحوه و العقل،و من الباطنة:التّنفّس و الهضم و التّغذّي و ما لا يحصى كثرة،و من الظّاهرة:عمل الجوارح بالطّاعة.(4:352)
الزّمخشريّ: فإن قلت:فما معنى الظّاهرة و الباطنة؟
قلت:الظّاهرة:كلّ ما يعلم بالمشاهدة،و الباطنة:
ما لا يعلم إلاّ بدليل أو لا يعلم أصلا.فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها و لا يهتدي إلى العلم بها،و قد أكثروا في ذلك.
و قيل:الظّاهرة:البصر و السّمع و اللّسان و سائر الجوارح الظّاهرة،و الباطنة:القلب و العقل و الفهم، و ما أشبه ذلك.(3:235)
الطّبرسيّ: [قال نحو الطّوسيّ و أضاف:].
و قيل:الظّاهرة:القرآن،و الباطنة:تأويله و معانيه.
[و بعد نقل الأقوال المتقدّمة قال:]
و لا تنافي بين هذه الأقوال،و كلّها نعم اللّه تعالى.
و يجوز حمل الآية على الجميع.(4:320)
الفخر الرّازيّ: (ظاهرة)و هي ما في الأعضاء من السّلامة،و(باطنة)و هي ما في القوى.فإنّ العضو ظاهر و فيه قوّة باطنة،أ لا ترى أنّ العين و الأذن شحم و غضروف ظاهر،و اللّسان و الأنف لحم و عظم ظاهر، و في كلّ واحد معنى باطن:من الإبصار،و السّمع، و الذّوق،و الشّمّ،و كذلك كلّ عضو.و قد تبطل القوّة و يبقى العضو قائما،و هذا أحسن ممّا قيل.فإنّ على هذا الوجه يكون الاستدلال بنعمة الآفاق و بنعمة الأنفس، و قوله: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً يكون إشارة إلى النّعم الأنفسيّة.
و فيهما أقوال كثيرة مذكورة في جميع كتب التّفاسير، و لا يبعد أن يكون ما ذكرناه مقولا منقولا،و إن لم يكن فلا يخرج من أن يكون سائغا معقولا.(25:152)
القرطبيّ: قيل:الظّاهرة:الصّحّة و كمال الخلق، و الباطنة:المعرفة و العقل.
و قيل:الظّاهرة:ما يرى الأبصار من المال و الجاه و الجمال في النّاس و توفيق الطّاعات،و الباطنة:ما يجده المرء في نفسه من العلم باللّه و حسن اليقين،و ما يدفع اللّه تعالى عن العبد من الآفات.و قد سرد الماورديّ في هذا أقوالا تسعة،كلّها ترجع إلى هذا.(14:73)
البيضاويّ: محسوسة و معقولة،ما تعرفونه و ما لا تعرفونه.(2:230)
النّسفيّ: (ظاهرة)بالمشاهد،(و باطنة)ما لا يعلم إلاّ بدليل،ثمّ قيل:الظّاهرة:البصر و السّمع و اللّسان و سائر الجوارح الظّاهرة،و الباطنة:القلب و العقل و الفهم،و ما أشبه ذلك.
و يروى في دعاء موسى عليه السّلام: إلهي دلّني على أخفى نعمتك على عبادك.
فقال:أخفى نعمتي عليهم النّفس.
و قيل:تخفيف الشّرائع،و تضعيف الذّرائع،و الخلق
ص: 32
و الخلق،و نيل العطايا،و صرف البلايا،و قبول الخلق و رضا الرّبّ.(3:382)
النّيسابوريّ: (ظاهرة)هي تسخير ما في السّماوات و ما في الأرض،من الأجسام العلويّة و السّفليّة:البسيطة و المركّبة.
(و باطنة)هي تسخير ما في سماوات القلوب من الصّدق و الإخلاص و التّوكّل و الشّكر،و سائر المقامات القلبيّة و الرّوحانيّة،بأن يسرّ العيون عليها بالسّكون المتدارك بالجذبة و الانتفاع بمنافعها و الاجتناب عن مضارّها.
و تسخير ما في أرض النّفوس من أضداد الأخلاق المذكورة بتبديلها بالحميدة،و التّمتّع بخواصّها، و التّحرّز عن آفاتها ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ لقمان:24،لفساد استعدادهم تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لقمان:31 سلامتهم في الظّاهر معلومة.
و أمّا في الباطن فنجاتهم بسفائن العصمة من بحار القدرة،أو بسفينة الشّريعة بملابسة الطّريقة في بحر الحقيقة لإراءة آيات شواهد الحقّ.و إذا تلاطمت عليهم أمواج بحار التّقدير تمنّوا أن تلفظهم نفحات الألطاف إلى سواحل الأعطاف.(21:59)
أبو حيّان: و الظّاهر أنّه يراد بالنّعمة الظّاهرة:
الإسلام،و الباطنة:السّتر.
و الّذي ينبغي أن يقال:إنّ الظّاهرة:ممّا يدرك بالمشاهدة،و الباطنة:ما لا يعلم إلاّ بدليل،أو لا يعلم أصلا،فكم من نعمة في بدن الإنسان لا يعلمها، و لا يهتدي إلى العلم بها.(7:190)
البروسويّ: (ظاهرة)أي حال كون تلك النّعم محسوسة مشاهدة،مثل حسن الصّورة،و امتداد القامة، و كمال الأعضاء.[ثمّ استشهد بشعر]
و الحواسّ الظّاهرة:من السّمع و البصر و الشّمّ و الذّوق و اللّمس و النّطق و ذكر اللّسان،و الرّزق و المال و الجاه و الخدم و الأولاد،و الصّحّة و العافية و الأمن، و وضع الوزر و رفع الذّكر و الأدب الحسن،و نفس بلا ذلّة و قدم بلا ذلّة و الإقرار،و الإسلام من نطق الشّهادة، و الصّلاة و الصّوم و الزّكاة و الحجّ و القرآن و حفظه، و متابعة الرّسول،و التّواضع لأولياء اللّه،و الإعراض عن الدّنيا،و يبيّن آياته للنّاس و أنتم الأعلون يعني النّصرة و الغلبة،و غير ذلك ممّا يعرفه الإنسان.
(و باطنة):و معقولة غير مشاهدة بالحسّ كنفخ الرّوح في البدن،و إشراقه بالعقل و الفهم و الفكر و المعرفة،و تزكية النّفس عن الرّذائل،و تحلية القلب بالفضائل،و لذا قال عليه السّلام:«اللّهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي»و محبّة الرّسول و زينه في قلوبكم، و السّعادة السّابقة،و أولئك المقرّبون،و شرح الصّدر و شهود المنعم،و إمداد الملائكة في الجهاد و نحوه،و صحّة الدّين و البصيرة و صفاء الأحوال،و الولاية فإنّها باطنة بالنّسبة إلى النّبوّة و الفطرة السّليمة،و طلب الحقيقة و الاستعداد لقبول الفيض،و اتّصال الذّكر على الدّوام و الرّضى و الغفران،و قلب بلا غفلة و توجّه بلا علّة و فيض بلا قلّة.(7:90)
الآلوسيّ: أي محسوسة و معقولة،معروفة لكم و غير معروفة.
ص: 33
و قيل:الظّاهرة:نحو إرسال الرّسل،و إنزال الكتب، و التّوفيق لقبول الإسلام،و الإتيان به،و الثّبات على قدم الصّدق،و لزوم العبوديّة.و الباطنة:ما أصاب الأرواح في عالم الذّرّ من رشاش نور النّور.«و أوّل الغيث قطر ثمّ ينسكب».
و نقل بعض الإماميّة عن الباقر رضي اللّه تعالى عنه أنّه قال:الظّاهرة:بالنّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم، و ما جاء به من معرفة اللّه تعالى و توحيده.و الباطنة:
ولايتنا أهل البيت و عقد مودّتنا.
و التّعميم الّذي أشرنا إليه أوّلا أولى،لكن أخرج البيهقيّ في شعب الإيمان عن عطاء قال:سألت ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما عن قوله تعالى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً لقمان:20،قال:هذه من كنوز علمي،سألت رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم، قال:أمّا الظّاهرة:فما سوّى من خلقك،و أمّا الباطنة:فما ستر من عورتك،و لو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم.
و في رواية أخرى رواها ابن مردويه و الدّيلميّ و البيهقيّ و ابن النّجّار عن ابن عبّاس أنّه قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قوله تعالى: وَ أَسْبَغَ... قال:أمّا الظّاهرة:فالإسلام و ما سوّى من خلقك،و ما أسبغ عليك من رزقه.و أمّا الباطنة:فما ستر من مساوئ عملك.
فإن صحّ ما ذكر فلا يعدل عنه إلى التّعميم إلاّ أن يقال:الغرض من تفسير الظّاهرة و الباطنة بما فسّرنا به التّمثيل،و هو الظّاهر،لا التّخصيص و إلاّ لتعارض الخبران.
ثمّ إنّ ظاهر هذين الخبرين يقتضي كون الذّنب -و هو المعبّر عنه في الأوّل بما ستر من العورة،و في الثّاني بما ستر من مساوئ العمل-نعمة،و لم نر كلامهم التّصريح بإطلاقها عليه.و يلزمه أنّ من كثرت ذنوبه كثرت نعم اللّه تعالى عليه.فكان المراد أنّ النّعمة الباطنة هي ستر ما ستر من العورة و مساوئ العمل،و لم يقل كذلك اعتمادا على وضوح الأمر.
و جاء في بعض الآثار ما يقتضي ذلك،أخرج ابن أبي حاتم و البيهقيّ عن مقاتل أنّه قال في الآية:(ظاهرة):
الإسلام،و(باطنة):ستره تعالى عليكم المعاصي،بل جاء في بعض روايات الخبر الثّاني.و أمّا ما بطن:فستر مساوئ عملك.(22:93)
الطّباطبائيّ: و المراد بالنّعم الظّاهرة و الباطنة، بناء على كون الخطاب للمشركين:النّعم الظّاهرة للحسّ كالسّمع و البصر و سائر الجوارح و الصّحّة و العافية و الطّيّبات من الرّزق،و النّعم الغائبة عن الحسّ كالشّعور و الإرادة و العقل.
و بناء على عموم الخطاب لجميع النّاس،الظّاهرة من النّعم هي ما ظهر للحسّ،كما تقدّم،و كالدّين الّذي به ينتظم أمور دنياهم و آخرتهم،و الباطنة منها كما تقدّم، و كالمقامات المعنويّة الّتي تنال بإخلاص العمل.
(16:229)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118
ابن عبّاس: كان رجال من المسلمين يواصلون
ص: 34
رجالا من اليهود لما كان بينهم من الجوار و الحلف في الجاهليّة،فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيهم فنهاهم عن مباطنتهم تخوّف الفتنة عليهم منهم.(الطّبريّ 4:61)
نحوه الحسن.(الطّوسيّ 2:570)
هم المنافقون.
مثله ابن زيد و السّدّيّ،و نحوه مجاهد.
(الطّبريّ 4:61)
قتادة: نهى اللّه عزّ و جلّ المؤمنين أن يستدخلوا المنافقين أو يؤاخوهم،أي يتولّوهم من دون المؤمنين.
(الطّبريّ 4:61)
الرّبيع: يقول:لا تستدخلوا المنافقين تتولّوهم دون المؤمنين.
نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 4:62)
أبو عبيدة: البطانة:الدّخلاء من غيركم.
(1:103)
الطّبريّ: يعني بذلك تعالى ذكره:يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه و رسوله،و أقرّوا بما جاءهم به نبيّهم من عند ربّهم لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:
118،يقول:لا تتّخذوا أولياء و أصدقاء لأنفسكم من دونكم،يقول:من دون أهل دينكم و ملّتكم،يعني من غير المؤمنين.
و إنّما جعل«البطانة»مثلا لخليل الرّجل،فشبّهه بما ولي بطنه من ثيابه،لحلوله منه في اطّلاعه على أسراره و ما يطويه عن أباعده،و كثير من أقاربه،محلّ ما ولي جسده من ثيابه،فنهى اللّه المؤمنين به أن يتّخذوا من الكفّار به أخلاّء و أصفياء.
ثمّ عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغشّ و الخيانة،و بغيهم إيّاهم الغوائل،فحذّرهم بذلك منهم عن مخالّتهم.(4:60)
نحوه البغويّ.(1:497)
الزّجّاج: البطانة:الدّخلاء الّذين يستبطنون و يتبسّط إليهم،يقال:فلان بطانة لفلان،أي مداخل له و مؤانس.
فالمعنى أنّ المؤمنين أمروا ألاّ يداخلوا المنافقين و لا اليهود،و ذلك أنّهم كانوا لا يبقون غاية في التّلبيس على المؤمنين،فأمروا بألاّ يداخلوهم لئلاّ يفسدوا عليهم دينهم.و أخبر اللّه المؤمنين بأنّهم لا يألونهم خبالا،أي لا يبقون غاية في إلقائهم فيما يضرّهم.(1:461)
الماورديّ: و البطانة هم خاصّة الرّجل الّذين يستبطنون أمره،و الأصل:البطن،و منه بطانة الثّوب، لأنّها تلي البطن.(1:419)
نحوه الطّوسيّ(2:570)،و الآلوسيّ(4:37)
الزّمخشريّ: بطانة الرّجل و وليجته:خصيصه و صفيّه الّذي يفضي إليه بشقوره (1)ثقة به،شبّه ببطانة الثّوب،كما يقال:فلان شعاري.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:
«الأنصار شعار و النّاس دثار».(1:458)
نحوه البيضاويّ(1:178)،و النّسفيّ(3:177، و أبو السّعود(1:265)،و الكاشانيّ(1:344)، و البروسويّ(2:85)،و شبّر(3:364).
ابن عطيّة: يعني من دون المؤمنين،و لفظة(دون) تقتضي فيما أضيف إليه أنّه معدوم من القصّة الّتي فيهاه.
ص: 35
الكلام،فشبّه الأخلاّء بما يلي بطن الإنسان من ثوبه.
و من هذا المعنى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:ما من خليفة و لا ذي إمرة إلاّ و له بطانتان:بطانة تأمره بالخير و تحضّه عليه، و بطانة تأمره بالشّرّ و تحضّه عليه.و المعصوم من عصم اللّه.(1:496)
الطّبرسيّ: أي لا تتّخذوا الكافرين أولياء و خواصّ من دون المؤمنين،تفشون إليهم أسراركم.
(1:492)
الفخر الرّازيّ: بطانة الرّجل:خاصّته الّذين يبطنون أمره.و أصله من البطن:خلاف الظّهر،و منه بطانة الثّوب:خلاف ظهارته.
و الحاصل أنّ الّذي يخصّه الإنسان بمزيد التّقريب يسمّى بطانة،لأنّه بمنزلة ما يلي بطنه في شدّة القرب منه.
(8:210)
الخازن: [بعد نقل كلام ابن عبّاس قال:]
و يدلّ على صحّة هذا القول أنّ الآيات المتقدّمة فيها ذكر اليهود،فتكون هذه الآية كذلك.
و قيل:كان قوم من المؤمنين يصافون المنافقين و يفشون إليهم الأسرار،و يطّلعونهم على الأحوال الخفيّة،فنهاهم اللّه عن ذلك.
و حجّة هذا القول أنّ اللّه ذكر في سياق هذه الآية قوله: وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ آل عمران:119،و هذه صفة المنافقين،لا صفة اليهود.
و قيل:المراد بهذه جميع أصناف الكفّار،و يدلّ على صحّة هذا القول معنى الآية،لأنّ اللّه تعالى قال:
لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118، فمنع المؤمنين أن يتّخذوا بطانة من دون المؤمنين،فيكون ذلك نهيا عن جميع الكفّار.
و البطانة:خاصّة الرّجل المطّلع على سرّه،و اشتقاقه من:بطانة الثّوب،بدلالة قولهم:لبست فلانا،إذا اختصصته،و يقال:فلان شعاري و دثاري.و الشّعار:
الّذي يلي الجسد،و كذلك البطانة.
و الحاصل:أنّ الّذي يخصّه الإنسان بمزيد القرب يسمّى بطانة،لأنّه يستبطن أمره و يطّلع منه على ما لا يطّلع عليه غيره.(1:342)
نحوه رشيد رضا.(4:81)
ابن كثير :بطانة الرّجل هم خاصّة أهله الّذين يطّلعون على داخل أمره.(2:101)
البروسويّ: إشارة إلى أنّ الحامل لأسرار الرّجل ينبغي أن يكون من جنسه معتمدا عليه مؤتمنا،و ربّما يفشي الرّجل سرّه إلى من لم يجرّبه في كلّ حاله فيفتضح عند النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]
فلا تغترّ بظاهر إنسان حتّى تعرف سريرته.
قال الإمام الغزاليّ: و لا تعوّل على مودّة من لم تختبره حقّ الخبرة،بأن تصحبه مدّة في دار أو موضع واحد، فتجرّبه في عزله و ولايته و غناه و فقره،أو تسافر معه أو تعامله في الدّينار و الدّرهم،أو تقع في شدّة فتحتاج إليه.
فإن رضيته في هذه الأحوال فاتّخذه أبا لك إن كان كبيرا، أو ابنا إن كان صغيرا،أو أخا إن كان مثلا لك.و إذا بلغك من الإخوان غيبة أو رأيت منهم شرّا أو أصابك منهم ما يسوؤك،فكل أمرهم إلى اللّه،و لا تشغل نفسك
ص: 36
بالمكافأة،فيزيد الضّرر،و يضيع العمر لشغله.
(2:86)
الطّباطبائيّ: سمّيت الوليجة:بطانة،و هي ما يلي البدن من الثّوب،و هي خلاف الظّهارة،لكونها تطّلع على باطن الإنسان و ما يضمره و يستسرّه.(3:386)
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ. الرّحمن:54
ابن مسعود: إذا كانت البطانة الّتي تلي الأرض هكذا،فما ظنّك بالظّهارة؟
مثله أبو هريرة.(القرطبيّ 17:179)
ابن عبّاس: إنّما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم،فأمّا الظّواهر فلا يعلمها إلاّ اللّه.
(القرطبيّ 17:179)
الحسن :بطائنها من إستبرق،و ظواهرها من نور جامد.(القرطبيّ 17:179)
نحوه مالك بن دينار و سفيان الثّوريّ.
(ابن كثير 6:499)
البطائن هي الظّواهر.(القرطبيّ 17:179)
قتادة: أنّ(بطائنها)يريد به ظواهرها.
(الماورديّ 5:439)
الكلبيّ: أنّه أراد البطانة دون الظّهارة،لأنّ البطانة إذا كانت من استبرق و هي أدون من الظّهارة،دلّ على أنّ الظّهارة فوق الإستبرق.(الماورديّ 5:439)
الفرّاء: قد تكون البطانة:ظهارة،و الظّهارة،بطانة في كلام العرب،و ذلك أنّ كلّ واحد منهما قد يكون وجها.و قد تقول العرب:هذا ظهر السّماء و هذا بطن السّماء،لظاهرها الّذي تراه.
و أخبرني بعض الفصحاء المحدّثين عن ابن الزّبير يعيب قتلة عثمان،فقال:«خرجوا عليه كاللّصوص من وراء القرية-فقتلهم اللّه كلّ قتلة-و نجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب،يريد:هربوا ليلا».فجعل ظهور الكواكب بطونا،و ذلك جائز على ما أخبرتك به.
(3:118)
ابن قتيبة: [بعد نقل كلام الفرّاء قال:]
و هذا أيضا من عجب التّفسير.كيف تكون البطانة ظهارة،و الظّهارة بطانة؟!و البطانة:ما بطن من الثّوب و كان من شأن النّاس إخفاؤه،و الظّهارة:ما ظهر منه و كان من شأن النّاس إبداؤه.
و هل يجوز لأحد أن يقول لوجه مصلّى:هذا بطانته؟ و لما ولي الأرض منه:هذا ظهارته؟!
و إنّما أراد اللّه جلّ و عزّ أن يعرّفنا من حيث نفهم فضل هذه الفرش،و أنّ ما ولي الأرض منها إستبرق، و هو الغليظ من الدّيباج.و إذا كانت البطانة كذلك، فالظّهارة أعلى و أشرف.
و كذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذه الحلّة».فذكر المناديل دون غيرها، لأنّها أخشن من الثّياب،و كذلك البطائن أخشن من الظّواهر.
و أمّا قولهم:ظهر السّماء و بطن السّماء،لما ولينا،فإنّ هذا قد يجوز في ذي الوجهين المتساويين،إذا ولي كلّ
ص: 37
واحد منهما قوما،تقول في حائط بينك و بين قوم لما وليك منه:هذا ظهر الحائط،و يقول الآخرون لما وليهم:
هذا ظهر الحائط؛فكلّ واحد من الوجهين ظهر و بطن، و مثل هذا كثير.كذلك السّماء ما ولينا منها ظهر،و هو لمن فوقها من الملائكة بطن.(441)
الزّجّاج: هي ممّا يلي الأرض.(البغويّ 4:341)
الطّوسيّ: و هو جمع بطانة،و هي باطن الظّهار، فالبطانة من أسفله و الظّاهرة من أعلاه.
و قيل:الظّواهر من سندس و هو الدّيباج الرّقيق، و البطائن من إستبرق و هو الدّيباج الغليظ.(9:480)
البغويّ: (بطائنها):جمع بطانة و هي الّتي تحت الظّهارة.(4:341)
نحوه الخازن.(7:8)
الزّمخشريّ: من ديباج ثخين،و إذا كانت البطائن من الإستبرق فما ظنّك بالظّهائر؟!
و قيل:ظاهرها من سندس،و قيل:من نور.
(4:49)
نحوه المراغيّ.(27:125)
الطّبرسيّ: أي من ديباج غليظ.ذكر البطانة و لم يذكر الظّهارة،لأنّ البطانة تدلّ على أنّ لها ظهارة، و البطانة دون الظّهارة،فتدلّ على أنّ الظّهارة فوق الإستبرق.
و قيل:لسعيد بن جبير:البطائن من إستبرق فما الظّهائر؟قال:هذا ممّا قال اللّه تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ السّجدة:17.(5:208)
الفخر الرّازيّ: قال أهل التّفسير:قوله: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ يدلّ على نهاية شرفها،فإنّ ما تكون بطائنها من الإستبرق تكون ظهائرها خيرا منها،و كأنّه شيء لا يدركه البصر من سندس،و هو الدّيباج الرّقيق النّاعم.
و فيه وجه آخر معنويّ و هو أنّ أهل الدّنيا يظهرون الزّينة و لا يتمكّنون من أن يجعلوا البطائن كالظّهائر،لأنّ غرضهم إظهار الزّينة و البطائن لا تظهر،و إذا انتفى السّبب انتفى المسبّب.فلمّا لم يحصل في جعل البطائن من الدّيباج مقصودهم،و هو الإظهار،تركوه.
و في الآخرة الأمر مبنيّ على الإكرام و التّنعيم، فتكون البطائن كالظّهائر،فذكر البطائن.(29:127)
القرطبيّ: (بطائنها):جمع بطانة و هي الّتي تحت الظّهارة،و الإستبرق:ما غلظ من الدّيباج و خشن،[ثمّ ذكر بعض أقوال المفسّرين و أضاف:]
و في الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: «ظواهرها نور يتلألأ».
و روي عن قتادة: و العرب تقول للظّهر:بطنا، فيقولون:هذا ظهر السّماء و هذا بطن السّماء،لظاهرها الّذي نراه.و أنكر ابن قتيبة و غيره هذا،و قالوا:
لا يكون هذا إلاّ في الوجهين المتساويين إذا ولي كلّ واحد منهما قوما كالحائط بينك و بين قوم،و على ذلك أمر السّماء.
(17:179)
ابن كثير :قال أبو عمران الجونيّ:هو الدّيباج المزيّن بالذّهب.فنبّه على شرف الظّهارة بشرف البطانة،فهذا من التّنبيه بالأدنى على الأعلى.
ص: 38
و قال القاسم بن محمّد:بطائنها من إستبرق و ظواهرها من الرّحمة.
و قال ابن شوذب عن أبي عبد اللّه الشّاميّ: ذكر اللّه البطائن و لم يذكر الظّواهر،و على الظّواهر المحابس، و لا يعلم ما تحت المحابس إلاّ اللّه تعالى.(6:499)
النّيسابوريّ: قال المفسّرون:إذا كان بطائن الفرش و هي الّتي تحت الظّهارة ممّا يلي الأرض من إستبرق فما ظنّك بظهائرها؟!و يجوز أن يكون ظهائرها السّندس.و التّحقيق أنّه لا يعلمها إلاّ اللّه،كقوله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ السّجدة:17.(27:69)
البروسويّ: (بطائنها):جمع بطانة،و هي بالكسر من الثّوب،خلاف ظهارته،بالفارسيّة:آستر.
(9:307)
نحوه الطّباطبائيّ.(19:109)
وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. الفتح:24
قتادة :بطن مكّة:الحديبيّة.(الطّبريّ 26:94)
مثله الطّبرسيّ.(5:124)
الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:يريد به مكّة، الثّاني:يريد به الحديبيّة،لأنّ بعضها مضاف إلى الحرم.
(5:318)
مثله القرطبيّ.(16:282)
الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: بِبَطْنِ مَكَّةَ إشارة إلى أمر كان هناك يقتضي عدم الكفّ،و مع ذلك وجد كفّ الأيدي،و ذلك الأمر هو دخول المسلمين ببطن مكّة.فإنّ ذلك يقتضي أن يصبر المكفوف على القتال لكون العدوّ دخل دارهم طالبين ثأرهم،و ذلك ممّا يوجب اجتهاد البليد في الذّبّ عن الحريم،و يقتضي أن يبالغ المسلمون في الاجتهاد في الجهاد،لكونهم لو قصّروا لكسروا و أسروا،لبعد مأمنهم،فقوله: بِبَطْنِ مَكَّةَ إشارة إلى بعد الكفّ،و مع ذلك وجد بمشيئة اللّه تعالى.(28:98)
البيضاويّ: في داخل مكّة.(2:403)
نحوه أبو السّعود(6:104)،و الكاشانيّ(5:42).
الخازن: قيل:أراد به الحديبيّة،و قيل:التّنعيم، و قيل:وادي مكّة.(6:169)
البروسويّ: أي في داخلها.[و بعد نقل كلام الرّاغب قال:]
لا شكّ أنّ وادي الحديبيّة واقع في الجهة السّفلى من مكّة،لأنّه في جانب جدّة المحروسة،فيكون المراد ب«البطن»تلك الجهة لا داخل مكّة،و المعنى-و اللّه تعالى أعلم-أنّ اللّه هو الّذي كفّ أيديهم عنكم و أيديكم عنهم من الحديبيّة الّتي هي الجهة السّفلى من مكّة،من بعد أن أقدركم عليهم،بحيث لو قاتلتموهم غلبتم عليهم بإذنه تعالى.(9:44)
شبّر: في داخلها أو بالحديبيّة.(6:49)
الآلوسيّ: يعني الحديبيّة،كما أخرج ذلك عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة.و قد تقدّم أنّ بعضها من حرم مكّة،و إن لم يسلم فالقرب التّامّ كاف،و يكون
ص: 39
إطلاق بِبَطْنِ مَكَّةَ عليها مبالغة.(26:111)
الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد بكفّ أيدي كلّ من الطّائفتين عن الأخرى:ما وقع من الصّلح بين الفئتين بالحديبيّة و هي بطن مكّة،لقربها منها و اتّصالها بها،حتّى قيل:إنّ بعض أراضيها من الحرم.(18:288)
1- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا... الأنعام:139
ابن عبّاس: اللّبن.(الطّبريّ 8:47)
يعني ألبان البحائر و السّيّب.
مثله الشّعبيّ و قتادة.(الطّبرسيّ 2:373)
مجاهد :أجنّة البحائر و السّيّب،ما ولد منها حيّا، فهو خالص للذّكور دون النّساء،و ما ولد ميّتا أكله الرّجال و النّساء.
مثله السّدّيّ(الطّبرسيّ 2:373)،و الزّمخشريّ (2:55)،و النّسفيّ(3:36)
قتادة: ألبان البحائر كانت للذّكور دون النّساء، و إن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم و إناثهم.
(الطّبريّ 8:48)
الطّبريّ: [بعد نقل الأقوال قال:]
و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنّهم قالوا في أنعام بأعيانها:ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا،و اللّبن ممّا في بطونها،و كذلك أجنّتها.
و لم يخصّص اللّه بالخبر عنهم أنّهم قالوا:بعض ذلك حرام عليهنّ دون بعض،و إذ كان ذلك كذلك،فالواجب أن يقال:إنّهم قالوا:ما في بطون تلك الأنعام من لبن و جنين حلّ لذكورهم خالصة دون إناثهم،و إنّهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم،إلاّ أن يكون الّذي في بطونها من الأجنّة ميّتا،فيشترك حينئذ في أكله الرّجال و النّساء.
(8:47)
الطّوسيّ: و المراد بما في بطون الأنعام.
قيل فيه ثلاثة أقوال:أحدها:قال قتادة:المراد به الألبان،و قال مجاهد و السّدّيّ:أنّه الأجنّة،الثّالث:أنّ المراد به الجميع،و هو أعمّ.(4:315)
مثله الطّبرسيّ.(2:373)
البيضاويّ: يعنون أجنّة البحائر و السّوائب.
(1:333)
مثله أبو السّعود(2:451)،و البروسويّ(3:110)
أبو حيّان: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ و ابن عبّاس و الشّعبيّ قال:]
و الظّاهر الأجنّة،لأنّها الّتي في البطن حقيقة،و أمّا اللّبن ففي الضّرع لا في البطن،إلاّ بمجاز بعيد.
(4:231)
الطّباطبائيّ: المراد بما في البطون أجنّة البحائر و السّيّب،فقد كانوا يحلّونها إذا ولدت حيّة للرّجال دون النّساء،و إن ولدت ميتة أكله الرّجال و النّساء جميعا.
و قيل:المراد بها الألبان،و قيل:الأجنّة و الألبان جميعا.(7:362)
2- فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. الواقعة:53
ص: 40
الفخر الرّازيّ: و(البطون)يحتمل أن يكون المراد منه مقابلة الجمع بالجمع،أي يملأ كلّ واحد منكم بطنه.
و يحتمل أن يكون المراد أنّ كلّ واحد منكم يملأ البطون، و(البطون)حينئذ تكون بطون الأمعاء لتخيّل وصف المعيّ في باطن الإنسان له كيأكل في سبعة أمعاء، فيملئون بطون الأمعاء و غيرها.
و الأوّل أظهر،و الثّاني أدخل في التّعذيب و الوعيد.
(29:174)
نحوه البروسويّ.(9:330)
الآلوسيّ: أي بطونكم من شدّة الجوع،فإنّه الّذي اضطرّهم و قسرهم على أكل مثلها،ممّا لا يؤكل.
(27:145)
1- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ. البقرة:174
الطّبريّ: فإن قال قائل:فهل يكون الأكل في غير البطن،فيقال: ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ؟
قيل:قد تقول العرب:جعت في غير بطني و شبعت في غير بطني،فقيل: (فِي بُطُونِهِمْ) لذلك،كما يقال:فعل فلان هذا نفسه.و قد بيّنّا ذلك في غير هذا الموضع فيما مضى.(2:90)
الطّوسيّ: [ذكر الاشكال و الجواب نحو الطبريّ و أضاف:]
و الثّاني:أنّه لمّا استعمل المجاز بالإجراء على الرّشوة اسم النّار،حقّق بذكر البطن ليدلّ على أنّ النّار تدخل أجوافهم.(2:89)
مثله الطّبرسيّ.(1:258)
الزّمخشريّ: ملء بطونهم،يقال:أكل فلان في بطنه و أكل في بعض بطنه.(1:329)
نحوه البيضاويّ(1:97)،و النّيسابوريّ(2:75)، و الشّربينيّ(1:114).
ابن عطيّة: و ذكرت«البطون»في أكلهم المؤدّي إلى النّار دلالة على حقيقة الأكل؛إذ قد يستعمل مجازا في مثل:أكل فلان أرضي و نحوه.
و في ذكر«البطن»أيضا تنبيه على مذمّتهم،بأنّهم باعوا آخرتهم بحظّهم من المطعم الّذي لا خطر له،و على هجنتهم بطاعة بطونهم.(1:241)
نحوه القرطبيّ(1:234)،و رشيد رضا(2:104).
الفخر الرّازيّ: قال بعضهم:ذكر«البطن»هاهنا زيادة بيان،لأنّه يقال:أكل فلان المال،إذا بذّره و أفسده.
و قال آخرون: بل فيه فائدة،فقوله: (فِي بُطُونِهِمْ) أي ملء بطونهم،يقال:أكل فلان في بطنه،و أكل في بعض بطنه.(5:29)
أبو حيّان: و ذكر (فِي بُطُونِهِمْ) إمّا على سبيل التّوكيد،إذ معلوم أنّ الأكل لا يكون إلاّ في البطن،فصار نظير: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38،أو كناية عن ملء البطن،لأنّه يقال:فلان أكل في بطنه،و فلان أكل في بعض بطنه.أو لرفع توهّم المجاز،إذ يقال:أكل فلان ماله،إذا بذّره و إن لم يأكله.(1:492)
ص: 41
نحوه أبو السّعود(1:233)،و البروسويّ(1:279)
الآلوسيّ: الجارّ و المجرور حال مقدّرة،أي (ما ياكلون)شيئا حاصلا فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ إذ الحصول في البطن ليس مقارنا للأكل.
و بهذا التّقدير يندفع ضعف تقديم الحال على الاستثناء،و لا يحتاج إلى القول بأنّه متعلّق ب(ياكلون)و المراد:في طريق(بطونهم)كما اختاره أبو البقاء.
و التّقييد ب«البطون»لإفادة الملء لا للتّأكيد،كما قيل به،و الظّرفيّة بلفظة(في)و إن لم تقتض استيعاب المظروف الظّرف لكنّه شاع استعمال ظرفيّة البطن في الاستيعاب،كما شاع ظرفيّة بعضه في عدمه.[ثمّ استشهد بشعر](2:43)
2- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً. النّساء:10
الزّمخشريّ: (فِي بُطُونِهِمْ) ملء بطونهم،يقال:
أكل فلان في بطنه و في بعض بطنه،قال:كلوا في بعض بطنكم تعفوا.(1:504)
نحوه الشّربينيّ(1:284)،و البروسويّ(2:170)
الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:الأكل لا يكون إلاّ في البطن فما فائدة قوله: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً؟
و جوابه:أنّه كقوله: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ آل عمران:167،و القول لا يكون إلاّ بالفم، و قال: وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:
46،و القلب لا يكون إلاّ في الصّدر،و قال: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38،و الطّيران لا يكون إلاّ بالجناح.و الغرض من كلّ ذلك التّأكيد و المبالغة.
(9:201)
القرطبيّ: خصّ«البطون»بالذّكر لتبيين نقصهم، و التّشنيع عليهم بضدّ مكارم الأخلاق.(5:53)
أبو السّعود: أي ملء بطونهم.(1:319)
مثله الكاشانيّ(1:393)،و شبّر(2:15)، و المراغيّ(4:193).
الآلوسيّ: أي ملء بطونهم.و شاع هذا التّعبير في ذلك و كأنّه مبنيّ على أنّ حقيقة الظّرفيّة المتبادر منها الإحاطة؛بحيث لا يفضّل الظّرف عن المظروف،فيكون الأكل في البطن ملء البطن،و في بعض البطن دونه.[ثمّ استشهد بشعر]
و لا ينافي هذا قول الأصوليّين:إنّ الظّرف إذا جرّ ب«في»لا يكون بتمامه ظرفا،بخلاف المقدّرة فيه،فنحو:
سرت يوم الخميس لتمامه،و في يوم الخميس لغيره.
فقد قال عصام الملّة:إنّ هذا مذهب الكوفيّين، و البصريّون لا يفرّقون بينهما،كما بيّن في النّحو.
و قال شهاب الدّين:الظّاهر أنّ ما ذكره أهل الأصول فيما يصحّ جرّه ب«في»و نصبه على الظّرفيّة.
و هذا ليس كذلك،لأنّه لا يقال:أكل بطنه،بمعنى في بطنه،فليس ممّا ذكره أهل الأصول في شيء،و هو مثل:
جعلت المتاع في البيت.فهو صادق بملئه و بعدمه،لكن الأصل الأوّل،كما ذكروه.
و جوّز أن يكون ذكر البطون للتّأكيد و المبالغة،كما في قوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
ص: 42
آل عمران:167،و القول لا يكون إلاّ بالفم.(4:215)
1-الأصل في هذه المادّة«البطن»من الإنسان و سائر الحيوان،يقال:بطن يبطن بطنا و بطنة،و كذا بطن يبطن،أي عظم بطنه فهو بطين.و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،يقال:ثقلت عليه البطنة،و ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها،و البطنة تذهب الفطنة.
و المبطان:الكثير الأكل و العظيم البطن،و منه قول عليّ عليه السّلام:«أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى».و في صفته عليه السّلام:«الأنزع البطين»،أي العظيم البطن.و رجل بطن:لا همّ له إلاّ بطنه،و كذا الكثير الأكل،و هو مبطان و بطين أيضا.
و بطن الرّجل:اشتكى بطنه،يقال:بطنه الدّاء يبطنه بطونا فهو مبطون.و بطن فلان فلانا يبطنه بطنا و بطن له:
ضرب بطنه.
و ألقى الرّجل ذا بطنه:تغوّط،و ألقت الدّجاجة ذا بطنها:باضت،و ألقت المرأة ذا بطنها:ولدت.و تبطّن الرّجل جاريته:باشر بطنه بطنها.
و قد أطلق هذا المعنى على ما يجاور البطن،فالبطان:
الحزام الّذي يلي البطن،و كذا حزام الرّحل و القتب، يقال:أبطن البعير،أي شدّ بطانه.
ثمّ توسّع فيه،فقيل لخلاف ظهر كلّ شيء:بطن، مثل:بطن الرّاحة و ظهر الكفّ،و باطنة الكورة:وسطها، و ظاهرتها:ضواحيها،و بطن الأرض و باطنها:ما غمض منها و اطمأنّ،و بطنان الأرض:ما توطّأ في بطون الأرض،سهلها و حزنها و رياضها،و بطنان الجنّة و العرش:وسطهما،و بطانة الثّوب:خلاف ظهارته، يقال:بطّن فلان ثوبه تبطينا،أي جعل له بطانة،و بطانة الفراش و ظهارته،و لحاف مبطون و مبطّن.
2-و قد نقل هذا الحرف أيضا إلى أسماء المعاني،كما هي عادة العرب في كلامها غالبا،تبدأ بالمحسوس ثمّ تستعمله في غير المحسوس مجازا فيصبح حقيقة،و منه:
الباطن:اسم من أسماء اللّه تعالى،أي العالم بكلّ ما بطن، كما هو العالم بكلّ ما ظهر،من قولهم:بطنت الأمر،أي عرفت باطنه.
و منه:بطانة الرّجل:خاصّته،يقال:أبطنت الرّجل، أي جعلته من خواصّك،و هو صاحب سرّه و داخلة أمره الّذي يشاوره في أحواله.و يقال أيضا:أفرشني ظهر أمره و بطنه،أي سرّه و علانيته،و بطن فلان بفلان يبطن به بطونا و بطانة،إذا كان خاصّا به داخلا في أمره،و بطنت بفلان:صرت من خواصّه،و إنّ فلانا لذو بطانة بفلان، أي ذو علم بداخلة أمره،و أنت أبطنت فلانا دوني،أي جعلته أخصّ بك منّي،فهو مبطّن.
3-و البطن:جماعة تنتسب إلى جدّ واحد،و هو من هذا الباب أيضا؛إذ كأنّهم خرجوا من بطن واحد،كما يقال:بينهم وشيجة رحم،و الرّحم:منبت الولد في البطن.و البطن في تدريج الجماعات من الكثرة إلى القلّة دون القبيلة،و قد ذكر ابن الكلبيّ عن أبيه:الشّعب،ثمّ القبيلة،ثمّ العمارة،ثمّ البطن،ثمّ الفخذ.
4-و لو قيل:إنّ الأصل في مادّتي«ب ط ن»و«ظ ه ر»هو البطن و الظّهر،جارحتان للبدن،ثمّ تفرّع منهما
ص: 43
ما لازمهما،و هو الظّهور و البطون،و اشتقّت من كلّ من الأصل و الفرع أفعال و صفات،لم يكن بعيدا عن جادّة الصّواب،لاحظ«ظ ه ر».
جاءت هذه المادّة فعلا ماضيا مرّتين،و اسم فاعل مذكّر ثلاث مرّات و مؤنّث مرّة،و اسما بوزن«فعالة» مفردا و جمعا مرّتين،و بوزن«فعل»مفردا أربع مرّات و جمعا(12)مرّة:
1- وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الأنعام:151
2- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. الأعراف:33
3- هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الحديد:3
4- وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ الأنعام:120
5- فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ الحديد:13
6- وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً
لقمان:20
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118
8- مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54
9- وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً الفتح:24
10- وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ النّور:45
11- فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الصّافّات:143،144
12- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
آل عمران:35
13- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا الأنعام:139
14- وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً النّحل:78
15- فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ
الصّافّات:66
16- يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ الزّمر:6
17- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ الدّخان:43-45
18- هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:32
19- ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ
الواقعة:51-53
ص: 44
20- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ
النّحل:66
21- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِها وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ
المؤمنون:21
22- يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ النّحل:69
23- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ البقرة:174
24- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً النّساء:10
يلاحظ أوّلا:أنّ ما ذكر فيها من الكلمات-مع اشتراكها في أصل المفهوم اللّغويّ-جاءت بمعان خمسة:
1-المعنى اللّغويّ الفرع حسب ما اخترنا،و هو البطون مستعملا مع ما يقابله و هو الظّهور،و ذلك في السّتّ الأولى مع تفاوت بينها،ففي(1)و(2)جاء الفعلان فيهما«ظهر»و«بطن»وصفا للفواحش،و في سائرهما اسم فاعل مع تفاوت في الموصوف،ففي(3) جاءا وصفا للّه،و في(4)وصفا للإثم،و في(5)وصفا للباب،و في(6)وصفا للنّعم.
2-البطانة في(7)،أي الشّخص الّذي يلج باطن الأمور،و قد نهى اللّه المؤمنين أن يتّخذوا بطانة من غيرهم.و أريد بهم-حسب سياق الآيات-أهل الكتاب،أي اليهود و النّصارى الّذين تحدّث اللّه عنهم في كثير من آيات هذه السّورة«آل عمران»،مخاطبا إيّاهم ب«يا اهل الكتاب)،توبيخا لهم على كفرهم بآيات اللّه، و صدّهم عن دين اللّه،و إصرارهم على إضلال المؤمنين، و انطوائهم على بغضهم،فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ... إلى آخر الآيات.
و ينبغي الوقوف على أمور:
الأوّل:قد حذّر اللّه المؤمنين من أهل الكتاب في كثير من السّور المدنيّة كالبقرة و آل عمران و المائدة و التّوبة،و السّورتان الأخيرتان هما من آخر ما نزل من القرآن،و اختلفوا في أيّ منهما آخر ما نزل،و الرّاجح عندنا المائدة.و كلّما أوشك الوحي على الاقتراب إلى النّهاية اشتدّ الحذر من هؤلاء في القرآن،كما يرى ذلك بوضوح في المائدة و التّوبة.
و هذا يساير ما وقع في تاريخ الإسلام من العلاقات السّلبيّة مع أهل الكتاب يهودا و نصارى،و قد استمرّت هذه الظّاهرة في جميع الأعصار،و اتّبعت إلى الآن في جميع الأمصار.فأكّد اللّه على المؤمنين أن لا يتّخذوا منهم بطانة و وليجة،و لا يوقفوهم على أسرارهم.إلاّ أنّ المسلمين في غالب الظّروف و لا سيّما في الحقبة الأخيرة قد خادنوهم و خالطوهم،رغم أنّهم قد لاقوا منهم ما لاقوا، فهل توجد بين أولي الأمر في البلاد الإسلاميّة آذان واعية و عيون ناظرة و قلوب مبصرة معتبرة؟
ص: 45
الثّاني:لفظ(من دونكم)في الآية و إن كان قد انصرف-كما قلنا-إلى أهل الكتاب حسب السّياق،إلاّ أنّه يعمّ المنافقين و الكفّار عامّة،بل قيل:بأنّها نزلت في بعض المنافقين،كما جاء في النّصوص.و عن ابن عطيّة أنّ «لفظة(دون)تقتضي فيما أضيفت إليه أنّه معدوم من القصّة الّتي منها الكلام»،و عليه فيشمل غير المؤمنين جميعا.
الثّالث:أنّ البطانة في اللّغة:ما بطن من الثّوب في قبال الظّهارة،و هي ما ظهر منه،فأطلقت عليه إمّا لأنّها باطنة غير ظاهرة،أو لمساسها البطن كما قيل،و تطلق على الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث.هذا في أصل اللّغة،ثمّ استعير لخاصّة الرّجل و دخلائه تشبيها لهم ببطانة الثّوب.
الرّابع:أنّ حامل أسرار الرّجل ينبغي أن يكون معتمده و مؤتمنه،و يكون منه لا من غيره،كما قال تعالى في شأن المؤمنين: وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النّساء:25،و في شأن المنافقين: اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67.و هذا يحتاج إلى اختبار عميق و عناء معنّ و تخطيط دقيق.
الخامس:جاءت«الوليجة»في القرآن بمعنى البطانة مرّة واحدة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ التّوبة:
16،و فيها ألوان من التّأكيد،منها:اعتبارها في صدر الآية معيار الاختبار و الابتلاء أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا و منها:عدّها في مرتبة الجهاد،و منها:عدّها في قبال اللّه و رسوله و المؤمنين في وسط الآية،و منها:قوله في ذيل الآية: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، لاحظ«و ل ج».
3-البطانة للفرش لا للثّوب في(8)عند وصف أهل الجنّة مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ الرّحمن:54،و البطائن:جمع بطانة،و أريد بها بواطن الفرش الّتي تلي الأرض،فإذا كانت بطانتها إستبرق فما ظنّك بالظّهارة،فهي فوقها؟!و قال الفرّاء:«إنّ المراد بها الظّهارة»،و أنكره ابن قتيبة في كلام طويل،لاحظ النّصوص،و لاحظ«إستبرق»أيضا.و البطانة و الظّهارة في الثّوب و في الفرش،و يقال لهما في الفارسيّة:«رويه» و«آستر».
4-البطن في(9)بمعنى داخل البلد و وسطه،و هي آية من سورة الفتح الّتي نزلت عقيب صلح الحديبيّة، و قد حال المشركون بين المؤمنين و ذهابهم إلى مكّة ليعتمروا،فبايعوا النّبيّ على الصّمود أمام المشركين، و انتهى الأمر إلى الصّلح فيما بينهم.و قد عدّه اللّه فتحا مبينا و فتحا قريبا،و كفّ به أيدي المشركين عن المؤمنين و أيدي المؤمنين عن المشركين،فقال: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ...
و قد وقع هذا الصّلح في الحديبيّة،خارج مكّة، فسمّي صلح الحديبيّة،كما سمّيت العمرة الّتي لم تقع:
عمرة الحديبيّة،و من أجل ذلك فسّر بعضهم:«بطن مكّة»بالحديبيّة،و ذكروا له وجوها،مثل:أنّ المراد ب(مكّة)وادي مكّة،و الحديبيّة قطعة منها أو واقعة في وسطها،أو التّنعيم،و هو داخل في مكّة،و غيرها.
و الوجه عندنا أنّ التّعبير بِبَطْنِ مَكَّةَ مبالغة في الدّخول،أي قاصدها دخلها حتّى وصل إلى وسطها،
ص: 46
يقال:إنّه حضر بطن المعركة و بطن الحادثة،أي مركزهما.فكأنّه قال:كفّ أيديهم عنكم و أيديكم عنهم في مركز البلد و وسطها،إظهارا لقدرته تعالى و حفظا لحرمته.إلاّ أنّه عبّر عن الحديبيّة ب«بطن مكّة»مبالغة في القرب من وسط المعركة،كأنّه قال:كفّ أيديكم جميعا في وسط المعركة الّتي كدتم تبدءون بالقتال فيها.
و يؤيّد هذا قوله: مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، أي كفّ أيديكم بعد أن وصلتم إلى وسط المعركة مع غلبتكم عليهم،أي و لو لم يكفّ اللّه أيديكم عنهم لكنتم ظافرين،و مع ذلك اقتضت حكمة اللّه تعالى لإتمام هذا الفتح المبين كفّ أيديكم عنهم،فكفّوا أيديهم عنكم، فالفضل كلّه للّه،و الفتح كلّه من اللّه وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:126.
5-البطن بمعناه اللّغويّ الأصل-حسب ما اخترناه- في باقي الآيات مع تفاوت بينها:
ففي(10)و(11)جاء البطن مفردا و أريد به نفس الجارحة ظاهرا و باطنا،فمن الدّوابّ ما يمشي على بطنه، أي يحرّك طيّات بطنه على الأرض عند المشي،و لو لا فضل اللّه للبث يونس داخل بطن الحوت،و يمكن عدّه ممّا أريد بالبطن وعاء الأكل كما سيجيء.
و الآيات(12)و(13)و(14)و(16)و(18) تتحدّث عن الجنين في البطن،و أريد بها الرّحم وعاء الجنين.
و تتحدّث الآيات(15)و(17)و(19)و(23) و(24)عن أكل الطّعام،و المراد بالبطون فيها المعدة و الأمعاء،و سائر جهاز الهضم.
و الآية(22)تتحدّث عن نعمة العسل،و المراد به المعدة أيضا،و لكن لا باعتبار دخول الطّعام فيها،بل باعتبار خروج العسل منها،لأنّ للنّحلة معدتين، إحداهما لهضم الطّعام،و الأخرى لصنع العسل،و الدّليل على ذلك قوله في أوّل الآية: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ...
النّحل:69،فالعسل ينشأ من الأكل.
و الملفت للنّظر أنّ اللّه يعبّر عن العسل بالشّراب، فكأنّه غلب فيه الشّراب على الطّعام،كما عبّر عن اللّبن في الآيتين بالسّقي أيضا،و هو يساوق الشّراب.
و المراد بالبطن في(20)و(21)الضّرع و مجاري اللّبن؛إذ تتحدّثان عن نعمة اللّبن للإنسان.
ثانيا:أنّ الموصوف في السّتّ الأولى الّتي جاء فيها البطن بمعنى الباطن أفعال و ذوات و ما يتركّب من الصّنفين.أمّا الأفعال فهي الفواحش في(1)و(2)، و الإثم في(4)،و أمّا الذّوات فاللّه تعالى في(3)،و الباب في(5).و أمّا المركّب منهما ففي(6)فإنّ الموصوف فيه النّعم،و هي تشمل الذّوات كالأولاد و الأرزاق و العشيرة و الأهل و الأموال،و تشمل الأفعال،و هي الأعمال الصّالحة الّتي يوفّق اللّه عباده بها،كالعبادات و الإنفاق و الخلق الحسن،و نحوها من فعل المعروف.
و قد غلبت على الأفعال الشّرور الفواحش و الإثم، و غلبت على الذّوات و ما تركّب من الأفعال و الذّوات الخيرات،فإنّ اللّه تعالى مبدأ الخيرات و باب السّور في الآخرة،باطنه فيه الرّحمة،و ظاهره من قبله العذاب، و النّعم كلّها خير.
ص: 47
ثالثا:قد جمع اللّه في هذه السّتّ بين الظّاهر و الباطن،سواء الأفعال منها و الذّوات و ما تركّب منهما، و الغرض من ذلك كلّه التّعميم و الشّمول في الموصوف، فالفواحش كلّها حرام ما ظهر منها و ما بطن،و كذلك الإثم على خلاف في المراد بالظّاهر و الباطن في الفواحش و الإثم،فلاحظ النّصوص.و النّعم كلّها مسبغة علينا، ما ظهر منها و ما بطن.
و أمّا الباب في(5)فيختلف ظاهره عن باطنه، فباطنه-و هو الشّقّ الأهمّ-فيه الرّحمة،و ظاهره ينشأ من قبله العذاب.فلاحظ البون الشّاسع بين الوصفين، فالرّحمة مستقرّة في باطنه،و العذاب ناشئ من قبل ظاهره دون أن يستقرّ فيه،فالغلبة في الرّحمة من جهتين:كونها في الباطن،و كونها مستقرّة فيه.
و أمّا وصف اللّه بالظّاهر و الباطن في(3)ففيه بحث ظريف و تعبير لطيف من جهات:
1-ما عن الرّاغب:أنّ الظّاهر و الباطن في صفات اللّه،لا يقال إلاّ مزدوجين،و كذلك الأوّل و الآخر،كما قال: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ الزّخرف:84،فكما لا يجوز الاقتصار على أحدهما، فيقال:هو اللّه إله في السّماء،أو يقال:هو اللّه إله في الأرض،لأنّه كذب و تحديد لقدرة اللّه،كذلك الأوصاف الأربعة:الأوّل و الآخر و الظّاهر و الباطن،فلا يقال:هو الأوّل،من دون ضمّ الآخر إليه،و لا هو الظّاهر،من دون ضمّ الباطن إليه.
و توسّع الميبديّ في الأوصاف الأربعة فقال:«قيل:
هذه الواوات مقحمة،و المعنى هو الأوّل الآخر،الظّاهر الباطن».و هذا خاصّ باللّه،و أمّا غيره فيتّصف بأحد الوصفين من الأربعة،فلاحظ.
و عن الزّمخشريّ: أنّ الواو الأولى تدلّ على أنّه جامع بين الوصفين:الظّاهر و الباطن،و كذلك الواو الثّالثة تدلّ على أنّه جامع بين الوصفين:الأوّل و الآخر، و أمّا الواو الوسطى فدالّة على أنّه جامع بين الوصفين الأوّلين و الوصفين الآخرين،و أنّه مستمرّ الوجود، جامع بين هذه الأوصاف.
و عن البلخيّ: هو كقول القائل:فلان أوّل هذا الأمر و آخره،و ظاهره و باطنه،أي عليه يدور الأمر و به يتمّ.
2-ما قالوا في معنى الظّاهر و الباطن وصفا للّه تعالى، و قد استوفى المفسّرون الكلام فيه،و لا نريد أن نكرّر ذلك،و إنّما نبغي تقسيمهما من حيث إنّهما وصف له تعالى،باعتبار ذاته أو باعتبار أفعاله.
فالوصف باعتبار ذاته مثل ما قيل:الظّاهر على قلوب أوليائه حتّى يعرفوه،و الباطن عن قلوب أعدائه حتّى ينكروه،أو هو الظّاهر فليس فوقه شيء،و هو الباطن فليس دونه شيء،أو هو الظّاهر بلا إظهار أحد، و الباطن بلا إبطان أحد،أو أنّ الباطن إشارة إلى معرفته الحقيقيّة،و الظّاهر معرفته بآثاره في الآفاق و الأنفس،أو ظاهر بآياته،باطن بذاته،فتجلّى للعباد في آياته، و اختفى عنهم بذاته،أو باطن إن طلب بالحواسّ،و ظاهر إن طلب بالعقل و الدّليل،أو الظّاهر صنعا و رسما، و الباطن كيفا و قدرا،أو الظّاهر بلا اقتراب،و الباطن بلا احتجاب،و الأوّل بلا ابتداء،و الآخر بلا انتهاء،أو الأوّل بالأزليّة،و الآخر بالأبديّة لاحظ«أول»
ص: 48
و«أ خ ر»،و الظّاهر بالأحديّة،و الباطن بالصّمديّة،أو الظّاهر عن العوالم،و الباطن عنها كالنّفس،و من عرف نفسه فقد عرف ربّه،لاحظ كلام المصطفويّ.
و قد أكمل صدر المتألّهين الكلام فيه بأنّه ظاهر، لأنّه نور السّماوات و الأرض.و النّور حقيقته الظّهور و غيره يظهر به،و هو باطن لشدّة ظهوره،و من أجل ذلك يختفي عن الضّمائر و الأنظار،فذاته بذاته،متجلّ غير محتجب،و الحجاب من جانب المحجوبين لا من جانبه،كالشّمس تحتجب من شدّة ظهورها عن أبصارنا، لقصور الأبصار لا لقصور الشّمس،فلاحظ.
و أمّا الوصف باعتبار صفاته فكقولهم:الظّاهر:
الغالب على كلّ شيء،و العالم:العالم بكلّ شيء،أو علمه بالظّاهر كعلمه بالباطن،أو الظّاهر بالإحياء،و الباطن بالإمانة،أو الظّاهر بالتّوفيق للطّاعة،و الباطن بستره عن المعصية،أو الظّاهر الحليم،و الباطن العليم،أو العالم بما ظهر،و العالم بما بطن،و العالم بالسّرائر و الظّواهر،أو القاهر لما ظهر و ما بطن،أو الّذي أظهر الظّاهر و أبطن الباطن،أو الظّاهر بكشف الكروب،و الباطن بعلم الغيوب.
3-و عندنا أنّ هذه الأوصاف-كما هو ظاهر السّياق -لذاته تعالى دون صفاته،فما قيل أوّلا في معناها أولى بالصّواب،و اللّه العالم.
رابعا:يشاهد في الآيات تناسق عدديّ،فما جاء بمعنى البطون مقابلا للظّهور-و هي السّتّ الأولى-الماضي فيها اثنان(1)و(2)،و الوصف أربعة(3)إلى(6)، فالوصف ضعف الماضي،و البطانة واحدا و جمعا اثنان بمعنيين،و البطن مفردا أربعة(9)إلى(12)بأربعة معان، و جمعا اثنا عشر(13)إلى(24)،أي ضعف المفرد ثلاث مرّات بثلاثة معان:خمسة منها بمعنى المعدة،و خمسة بمعنى الرّحم،و اثنان بمعنى الضّرع.
ص: 49
ص: 50
26 لفظا،67 مرّة:46 مكّيّة،21 مدنيّة
في 33 سورة:24 مكّيّة،9 مدنيّة
بعث 7:2-5 يبعثون 8:8
بعثه 1:-1 يبعثوا 1:-1
بعثنا 1:1 تبعثون 1:1
بعثنا 7:6-1 لتبعثنّ 1:-1
بعثناهم 2:2 أبعث 1:1
بعثناكم 1:-1 ابعث 3:1-2
يبعث 6:5-1 فابعثوا 2:1-1
ليبعثنّ 1:-1 مبعوثون 7:7
يبعثهم 3:1-2 مبعوثين 2:2
يبعثك 1:-1 البعث 3:2-1
يبعثكم 1:1 بعثكم 1:-1
نبعث 3:3 انبعث 1:1
يبعث 1:1 انبعاثهم 1:-1
الخليل :البعث:الإرسال،كبعث اللّه من في القبور.
و بعثت البعير:أرسلته،و حللت عقاله،أو كان باركا فهجته.[ثمّ استشهد بشعر]
و بعثته من نومه فانبعث،أي نبّهته.
و يوم البعث:يوم القيامة.
و ضرب البعث على الجند،إذا بعثوا،و كلّ قوم بعثوا في أمر أو في وجه فهم بعث.
و قيل لآدم:ابعث بعث النّار،فصار البعث بعثا للقوم جماعة.
هؤلاء بعث،مثل:هؤلاء سفر و ركب.(2:112)
الأصمعيّ: رجل بعث:لا يكاد ينام،و ناقة بعثة:
لا تكاد تبرك.(الأزهريّ 2:335)
ابن السّكّيت: و يقال:رجل بعث،إذا كان كثير
ص: 51
الانبعاث من نومه،لا يغلبه النّوم.[ثمّ استشهد بشعر]
(631)
شمر: و في حديث حذيفة:«إنّ للفتنة بعثات و وقفات فمن استطاع أن يموت في وقفاتها فليفعل».
بعثات،أي إثارات و هيجات.
و كلّ شيء أثرته فقد بعثته.و بعثت النّائم،إذا أهببته.
و البعث:القوم المبعوثون المشخصون،و يقال:هم البعث بسكون العين.(الأزهريّ 2:335)
ابن دريد :و بعثت الرّجل في الحاجة أبعثه بعثا، و بعثته على الشّيء،إذا أرغته أن يفعل الشّيء.
و البعث:الجند يبعثون في الأمر.
و يوم البعث:يوم القيامة،لأنّ النّاس يبعثون من أجداثهم.
و يوم بعاث:يوم معروف من أيّام الأوس و الخزرج في الجاهليّة.سمعناه من علمائنا بالعين و ضمّ الباء،و ذكر عن الخليل بالغين (1)معجمة،و لم يسمع من غيره.
و ليس هذا صحيحا عن الخليل أيضا.
و انبعث القوم في الخير و الشّرّ انبعاثا،إذا تتابعوا.
و قد سمّت العرب:باعثا و بعيثا.(1:201)
الأزهريّ: قال اللّيث:بعيث:اسم رجل،قلت:
هو شاعر معروف من بني تميم،و بعيث لقب له،و إنّما بعّثه قوله:
تبعّث منّي ما تبعّث بعد ما اس
تمرّ فؤادي و استمرّ مريزي
و بعاث بالعين:يوم من أيّام الأوس و الخزرج معروف،ذكره الواقديّ و محمّد بن إسحاق في كتابيهما، و ذكر ابن المظفّر هذا في«كتاب الغين»فجعله:يوم بغاث،فصحّفه و ما كان الخليل يخفى عليه يوم بعاث، لأنّه من مشاهير أيّام العرب،و إنّما صحّفه اللّيث و عزاه إلى خليل نفسه و هو لسانه،و اللّه أعلم.
و البعث في كلام العرب على وجهين:
أحدهما:الإرسال،كقول اللّه تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى الأعراف:103،معناه أرسلنا.و البعث:
إثارة بارك أو قاعد،تقول:بعثت البعير فانبعث،أي أثرته فثار.
و البعث أيضا:الإحياء من اللّه للموتى،و منه قوله جلّ و عزّ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56، أي:أحييناكم.
و في«النّوادر»:يقال:ابتعثنا الشّام عيرا،إذا أرسلوا إليها ركابا للميرة.
و باعيثاء:موضع معروف.(2:335)
الصّاحب:[قال نحو الخليل و أضاف:]
و رجل بعث:لا يستقرّ مكانه و لا يغلبه النّوم.
و بعّث أمره:خلّطه،قال:و لا أحقّه.و أراه بغّث معجمة من البغثة،و هي اختلاط السّواد بالبياض، و نحوه.(2:13)
الخطّابيّ: و الباعوث،يقال:إنّه استسقاء النّصارى،يخرجون بصلبانهم إلى الصّحارى يستسقون.
صولحوا على أن لا يخرجوا زيّهم و لا يظهروه للمسلمين فيفتنوهم بذلك.
و قال بعضهم:إنّما هو الباغوت بالغين معجمة و التّاء2)
ص: 52
الّتي هي أخت الطّاء،و هو عيد للنّصارى،اسم أعجميّ.(2:74)
الجوهريّ: بعثه و ابتعثه بمعنى،أي أرسله،فانبعث.
و قولهم:كنت في بعث فلان،أي في جيشه الّذي بعث معه.و البعوث:الجيوش.
و بعثت النّاقة:أثرتها.و بعثه من منامه،أي أهبّه.
و بعث الموتى:نشرهم ليوم البعث.
و انبعث في السّير،أي أسرع.و تبعّث منّي الشّعر، أي انبعث،كأنّه سار.(1:273)
ابن فارس: الباء و العين و الثّاء أصل واحد،و هو الإثارة.و يقال:بعثت النّاقة،إذا أثرتها.[ثمّ استشهد بشعر](1:266)
أبو هلال: الفرق بين البعث و الإرسال:أنّه يجوز أن يبعث الرّجل إلى الآخر الحاجة يخصّه دونك و دون المبعوث إليه،كالصّبيّ تبعثه إلى المكتب،فتقول:بعثته، و لا تقول:أرسلته،لأنّ الإرسال لا يكون إلاّ برسالة و ما يجري مجراها.
الفرق بين البعث و الإنفاذ:أنّ الإنفاذ يكون حملا و غير حمل.و البعث لا يكون حملا،و يستعمل فيما يعقل دون ما لا يعقل،فتقول:بعثت فلانا بكتابي،و لا يجوز أن تقول:بعثت كتابي إليك،كما تقول:أنفذت كتابي إليك.
و تقول:أنفذت إليك جميع ما تحتاج إليه،و لا تقول في ذلك:بعثت.و لكن تقول:بعثت إليك بجميع ما تحتاج إليه،فيكون المعنى بعثت فلانا بذلك.
الفرق بين البعث و النّشور:أنّ بعث الخلق اسم لإخراجهم من قبورهم إلى الموقف،و منه قوله تعالى:
مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52.و النّشور:اسم لظهور المبعوثين و ظهور أعمالهم للخلائق،و منه قولك:
نشرت اسمك و نشرت فضيلة فلان،إلاّ أنّه قيل:أنشر اللّه الموتى بالألف،و نشرت الفضيلة و الثّوب،للفرق بين المعنيين.(222)
ابن سيدة :بعثه يبعثه بعثا:أرسله وحده،و بعث به:أرسله مع غيره.و البعيث:الرّسول،و الجمع:بعثان.
و بعث الجند يبعثهم بعثا:وجّههم،و هو من ذلك، و هم البعث و البعيث،و جمع البعث:بعوث.[ثمّ استشهد بشعر]
جمع البعيث:بعث.
و بعثه على الشّيء:حمله على فعله.و بعث عليهم البلاء:أحلّه بهم،و في التّنزيل: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الإسراء:5،و في الخبر أنّ عبد الملك خطب فقال:بعثنا عليكم مسلم بن عقبة فقتلكم يوم الحرّة.
و انبعث الشّيء و تبعّث:اندفع.و بعثه من نومه بعثا فانبعث:أيقظه.
و تأويل البعث:إزالة ما كان يحبسه عن التّصرّف و الانبعاث.
و رجل بعث:كثير الانبعاث من نومه لا يغلبه.
و رجل بعث و بعث و بعث:لا تزال همومه تؤرّقه و تبعثه من نومه.[ثمّ استشهد بشعر]
و بعث اللّه الخلق يبعثهم بعثا:نشرهم،من ذلك.
و فتح العين في البعث كلّه لغة.
و بعث البعير فانبعث:حلّ عقاله فأرسله،أو كان
ص: 53
باركا فهاجه.و التّبعاث«تفعال»من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]
و يوم بعاث:يوم معروف من أيّام الأوس و الخزرج في الجاهليّة.
و البعيث و باعث:اسمان.(2:96)
و انبعث فلان لشأنه:مضى لقضاء حاجته.
(الإفصاح 1:277)
الحريريّ: و يقولون:بعثت إليه بغلام و أرسلت إليه هديّة،فيخطئون فيهما،لأنّ العرب تقول فيما يتصرّف بنفسه:بعثته و أرسلته،كما قال اللّه تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا المؤمنون:44،و يقولون فيما يحمل:
بعثت به و أرسلت به،كما قال اللّه سبحانه و تعالى إخبارا عن بلقيس وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ النّمل:35، و قد عيب على أبي الطّيّب قوله:
فآجرك الإله على عليل
بعثت إلى المسيح به طبيبا
و من تأوّل له فيه قال:أراد به أنّ العليل لاستحواذ العلّة على جسمه و حسّه قد التحق بحيّز ما لا يتصرّف بنفسه،فلهذا عدّى الفعل إليه بحرف الجرّ كما يعدّى إلى ما لا حسّ له،و لا عقل.(21)
الرّاغب: أصل البعث:إثارة الشّيء و توجيهه، يقال:بعثته فانبعث.
و يختلف البعث بحسب اختلاف ما علّق به،فبعثت البعير:أثرته و سيّرته،و قوله عزّ و جلّ: وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ الأنعام:36،أي يخرجهم و يسيّرهم إلى القيامة، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً المجادلة:18، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:7، ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لقمان:28.
فالبعث ضربان:بشريّ كبعث البعير و بعث الإنسان في حاجة،و إلهيّ و ذلك ضربان:
أحدهما:إيجاد الأعيان و الأجناس و الأنواع عن ليس،و ذلك يختصّ به البارئ تعالى،و لم يقدر عليه أحدا.
و الثّاني:إحياء الموتى،و قد خصّ بذلك بعض أوليائه كعيسى عليه السّلام و أمثاله،و منه قوله عزّ و جلّ:
فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الرّوم:56،يعني يوم الحشر.
و قوله عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31،أي قيّضه، وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:36،نحو أَرْسَلْنا رُسُلَنا المؤمنون:44،و قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12،و ذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان، وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً النّحل:84، قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ الأنعام:65،و قال عزّ و جلّ:
فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ البقرة:259.
و على هذا قوله عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ الأنعام:
60،و النّوم من جنس الموت،فجعل التّوفّي فيهما و البعث منهما سواء،و قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ التّوبة:46،أي توجّههم و مضيّهم.(52)
الزّمخشريّ: بعث اللّه الرّسول إلى عباده،و ابتعثه،
ص: 54
و محمّد رسول اللّه خير مبعوث و مبتعث،و في حديث المبعث كذا.
و بعثه من منامه،و بعثه على الأمر.و تواصوا بالخير و تباعثوا عليه.
و بعثه لكذا فانبعث له كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ التّوبة:46،و فلان كسلان لا ينبعث.
و بعث الشّيء و بعثره:أثاره.قال:
*فبعثتها تقص الإكام*
و فلان يكره الانبعاث،كأنّما بعث ليوم بعاث،و هو يوم بين الأوس و الخزرج.
و يوم البعث:يوم يبعثنا اللّه تعالى من القبور.
و رجل بعث:لا يزال ينبعث من نومه.[ثمّ استشهد بشعر]
و ضرب البعث عليهم.و خرج في البعوث،و هم الجنود يبعثون إلى الثّغور.(أساس البلاغة:25)
المدينيّ: قوله تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12،هو انفعل من البعث،و معناه الإسراع في الطّاعة للباعث المحرّض،يقال:بعثته،أي حرّضته فانبعث.
في حديث عمر: «لمّا صالح نصارى أهل الشّام كتبوا له:لا نخرج سعانين و لا باعوثا».
الباعوث:استسقاء النّصارى يخرجون بصلبانهم إلى الصّحارى فيستسقون.
و قيل:هو بالغين المعجمة و التّاء المنقوطة باثنتين من فوقها،و هو اسم عيد لهم،عجميّ.
و يغاث:اسم حصن للأوس،و قد يقال:
في حديث عائشة:«فبعثنا البعير فإذا العقد تحته» أي هيّجناه و أقمناه فانبعث.(1:172)
ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الباعث»هو الّذي يبعث الخلق،أي يحييهم بعد الموت يوم القيامة.
و في حديث عليّ يصف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «شهيدك يوم الدّين و بعيثك نعمة»أي مبعوثك الّذي بعثته إلى الخلق، أي أرسلته«فعيل»بمعنى«مفعول».
و في حديث حذيفة: «إنّ للفتنة بعثات»أي إثارات و تهيّجات،جمع بعثة،و هي المرّة من البعث،و كلّ شيء أثرته فقد بعثته.
و منه حديث عائشة: «فبعث البعير فإذا العقد تحته».
و منه الحديث: «أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني»أي أيقظاني من نومي.
و حديث القيامة: «يا آدم ابعث بعث النّار»أي المبعوث إليها من أهلها،و هو من باب تسمية المفعول بالمصدر.
الفيّوميّ: بعثت رسولا بعثا:أوصلته،و ابتعثته كذلك،و في المطاوع فانبعث،مثل كسرته فانكسر.
و كلّ شيء ينبعث بنفسه فإنّ الفعل يتعدّى إليه بنفسه،فيقال:بعثته.و كلّ شيء لا ينبعث بنفسه كالكتاب و الهديّة فإنّ الفعل يتعدّى إليه بالباء،فيقال:
بعثت به.
و أوجز الفارابيّ فقال:بعثه،أي أهبّه،و بعث به:
وجّهه.
و البعث:الجيش تسمية بالمصدر،و الجمع:البعوث.
ص: 55
و بعاث وزان غراب:موضع بالمدينة و تأنيثه أكثر.
و يوم بعاث:من أيّام الأوس و الخزرج بين المبعث و الهجرة،و كان الظّفر للأوس.(1:52)
الفيروزآباديّ: بعثه كمنعه:أرسله،كابتعثه فانبعث،و النّاقة:أثارها،و فلانا من منامه:أهبّه.
و البعث و يحرّك:الجيش،جمعه:بعوث،و النّشر، و ككتف:المتهجّد السّهران.
و بعث كفرح:أرق.
و تبعّث منّي الشّعر:انبعث كأنّه سال.
و البعيث:فرس عمر بن معدي كرب،و ابن حريث و ابن رزام و ابن بشير شعراء.و المنبعث:من الصّحابة، و كان اسمه مضطجعا فغيّره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.
و بعاث بالعين و بالغين كغراب و يثلّث:موضع بقرب المدينة،و يومه معروف.
و الباعوث:استسقاء النّصارى.(1:168)
الطّريحيّ: الإثارة،من فعل يفعل بالفتح فيهما، يقال:بعث اللّه الموتى من قبورهم،أي أثارهم و أخرجهم.
و في الحديث: «تنوّقوا بأكفانكم فإنّكم تبعثون بها» أي تنشرون بها.
و في حديث الحجر: «ليبعثه اللّه يوم القيامة»قيل:لمّا كان الحجر من جملة الأموات و أعلم نبيّ اللّه أنّ اللّه قدّر أن يهب له حياة يوم القيامة يستعدّ بها للنّطق،و يجعل له آلة تميّز بها المشهود له و غيره و آلة يشهد بها،شبّه حاله بالأموات الّذين كانوا رفاتا فبعثوا،لاستواء كلّ واحد منهما في انعدام الحياة أوّلا ثمّ في حصوله ثانيا.
و الباعث:الّذي يحيي الخلق بعد موتهم.
و بعثه و ابتعثه،بمعنى أرسله.
و من كلام عليّ عليه السّلام في وصف النّبيّ: «و بعيثك نعمة» أي مبعوثك الّذي بعثته إلى الخلق،أي أرسلته نعمة،فهو «فعيل»بمعنى«مفعول».
و مثله قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا»، و قوله:«بعثت إلى النّاس كافّة»،و مثله«بعث راحلته»، و«حتّى تنبعث راحلته»أي تستوي قائمة إلى الطّريق، أي حين ابتدأ الشّروع.
و البعث:الجيش،تسمية بالمصدر،و الجمع:بعوث، و منه«كان عليه السّلام يبعث البعوث»بفتح موحّدة،أي يرسل الجيش للقتال.
و في الحديث «أوّل العقيق بريد البعث»بالعين المهملة و الثّاء المثلّثة في المشهور،و هو مكان دون المسلح،بستّة أميال ممّا يلي العراق،و بينه و بين غمرة على ما قيل:أربعة و عشرون ميلا بريدان.
و فسّر المسلح بالسّين و الحاء المهملتين:اسم مكان أخذ السّلاح و لبس لامة الحرب،و هذا يناسب تفسير البعث بالجيش.و ضبطه العلماء بأنّه واحد المسالح،و هي المواضع العالية،و ضبطه البعض بالخاء المعجمة لنزع الثّياب به،و يحكى ضبطه عن العلاّمة ببريد النّغب بالنّون قبل الغين المعجمة و الباء الموحّدة أخيرا،و هو خلاف ما اشتهرت به الرّواية.و«يوم المبعث»هو يوم السّابع و العشرين من رجب.(2:236)
محمّد إسماعيل إبراهيم: بعثه:أرسله وحده، و بعث به:أرسله مع غيره،و بعثه من رقاده:أيقظه،
ص: 56
و بعث الموتى:أحياهم،و يوم البعث:يوم القيامة،و بعثه على الشّيء حمله على فعله،و الباعث:السّبب،و انبعث انبعاثا،هبّ مندفعا،و المبعوث:المرسل.(1:72)
العدنانيّ: البعثة.
جاء في«اللّسان»أنّ البعث هم القوم المبعوثون المشخّصون.و قال«الوسيط»:إنّ البعث هو الرّسول واحدا أو جماعة.
و قال علي راتب في تذكرته:«لم نقف قطّ على «بعثة»لعربيّ ثقة.
و لكنّ:
مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،أقرّ أنّ البعثة هي:هيئة ترسل في عمل معيّن مؤقّت،منها بعثة سياسيّة،و بعثة دراسيّة.(65)
محمود شيت: 1-و البعثة:هيئة ترسل في عمل معيّن مؤقّت،منها بعثة سياسيّة،و بعثة دراسيّة.و قد يمتدّ عملها فلا تؤقّت كالبعثات التّعليميّة.
2-أ-بعث المعنويّات:رفعها و قوّاها.بعث الرّسالة:
أرسلها.و بعث الرّسول:أرسله.
ب-البعثة العسكريّة:هيئة من العسكريّين ترسل لواجب عسكريّ تدريبيّ أو حربيّ.(1:91)
المصطفويّ: و الحقّ أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو المفهوم المركّب من الاختيار و الرّفع للعمل بوظيفة معيّنة،و أمّا التّوجيه و الإرسال و الإثارة و الإهباب،و الإيصال و أمثالها،كلّها معاني مجازيّة.
ثمّ إنّ هذا المعنى يختلف باختلاف موارده:كبعث النّبيّ للتّبليغ،و بعث الموتى للحساب و الجزاء،و بعث الجيش للحرب و الجهاد،و بعث النّائم لأداء الوظائف، و بعث النّاقة للسّير،و هكذا.
فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:
213، فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ المائدة:31، مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً الإسراء:79، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً البقرة:246، وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ التّوبة:46، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12.
و لا يخفى أنّ انتخاب هذه الكلمة في هذه الموارد في غاية اللّطافة و المناسبة؛إذ الإرسال يستلزم السّير و الحركة،و كذا التّوجيه و الإيصال يطلق بالنّسبة إلى الانتهاء إلى المقصود،و الإثارة بمعنى التّهييج،و قريب منه الإهباب.
و لمّا كان النّظر في هذه الآيات الشّريفة إلى بدو الأمر و نشوئه و حدوثه و إيجاده،عبّر بكلمة البعث،فإنّها ناظرة إلى هذه الجهة.و الإرسال أو التّوجيه ناظر إلى مرحلة بعد البدو و النّشوء،و الإيصال ناظر إلى جهة آخر السّير.
فالبعث قريب من معنى الإنهاض و الإقامة.
(1:278)
1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ... البقرة:213
الطّبرسيّ: أي أرسل اللّه النّبيّين.(1:307)
ص: 57
مثله أبو حيّان.(2:135)
الفخر الرّازيّ: الفاء في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ تقتضي أن يكون بعثهم بعد الاختلاف،و لو كانوا قبل ذلك أمّة واحدة في الكفر،لكانت بعثة الرّسل قبل هذا الاختلاف أولى،لأنّهم لمّا بعثوا عند ما كان بعضهم محقّا و بعضهم مبطلا،فلأن يبعثوا حين ما كانوا كلّهم مبطلين مصرّين على الكفر كان أولى.و هذا الوجه الّذي ذكره القفّال رحمه اللّه حسن في هذا الموضوع.(6:12)
القاسميّ: الّذي رفعهم على بقيّة خلقه،فأنبأهم بما يريد من أمره،و أرسلهم إلى خلقه.(3:528)
المراغيّ: فكان من لطف اللّه و رحمته أن يرسل إليهم الرّسل مبشّرين بالخير و السّعادة في الدّنيا و الآخرة،و منذرين بخيبة الأمل و حبوط العمل و عذاب اللّه إذا اتّبعوا شهواتهم،و لم ينظروا في العاقبة.(2:122)
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ عبّر تعالى بالبعث دون الإرسال و ما في معناه،لأنّ هذه الوحدة المخبر عنها من حال الإنسان الأوّليّ حال خمود و سكوت،و هو يناسب البعث الّذي هو الإقامة عن نوم أو قطون و نحو ذلك.
و هذه النّكتة لعلّها هي الموجبة للتّعبير عن هؤلاء المبعوثين بالنّبيّين دون أن يعبّر بالمرسلين أو الرّسل،على أنّ البعث و إنزال الكتاب-كما تقدّم بيانه-حقيقتهما بيان الحقّ للنّاس و تنبيههم بحقيقة أمر وجودهم و حياتهم، و إنبائهم أنّهم مخلوقون لربّهم،و هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،و أنّهم سالكون كادحون إلى اللّه،مبعوثون ليوم عظيم،واقفون في منزل من منازل السّير،لا حقيقة له إلاّ اللّعب و الغرور،فيجب أن يراعوا ذلك في هذه الحياة و أفعالها،و أن يجعلوا نصب أعينهم أنّهم من أين،و في أين،و إلى أين.
و هذا المعنى أنسب بلفظ النّبيّ الّذي معناه من استقرّ عنده النّبأ دون الرّسول،و لذلك عبّر بالنّبيّين،و في إسناد بعث النّبيّين إلى اللّه سبحانه دلالة على عصمة الأنبياء في تلقّيهم الوحي و تبليغهم الرّسالة إلى النّاس.(2:127)
2- فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ... المائدة:31
راجع:«غ ر ب،غراب»
3- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ... آل عمران:164
الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:أنّ بعثة الرّسول إحسان إلى كلّ العالمين؛و ذلك لأنّ وجه الإحسان في بعثته كونه داعيا لهم إلى ما يخلّصهم من عقاب اللّه و يوصلهم إلى ثواب اللّه.و هذا عامّ في حقّ العالمين،لأنّه مبعوث إلى كلّ العالمين،كما قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ سبأ:28،إلاّ أنّه لمّا لم ينتفع بهذا الإنعام إلاّ أهل الإسلام فلهذا التّأويل خصّ تعالى هذه المنّة بالمؤمنين،و نظيره قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2،مع أنّه هدى للكلّ،كما قال: هُدىً لِلنّاسِ البقرة:185،و قوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها النّازعات:45.
المسألة الثّالثة:اعلم أنّ بعثة الرّسول إحسان من اللّه
ص: 58
إلى الخلق،ثمّ إنّه لمّا كان الانتفاع بالرّسول أكثر كان وجه الإنعام في بعثة الرّسل أكثر،و بعثة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كانت مشتملة على الأمرين:أحدهما:المنافع الحاصلة من أصل البعثة،و الثّاني:المنافع الحاصلة بسبب ما فيه من الخصال الّتي ما كانت موجودة في غيره.
أمّا المنفعة بسبب أصل البعثة فهي الّتي ذكرها اللّه تعالى في قوله: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ النّساء:165،قال أبو عبد اللّه الحليميّ:وجه الانتفاع ببعثة الرّسل ليس إلاّ في طريق الدّين و هو من وجوه:
الأوّل:أنّ الخلق جبلوا على النّقصان و قلّة الفهم و عدم الدّراية،فهو صلوات اللّه عليه أورد عليهم وجوه الدّلائل و نقّحها،و كلّما خطر ببالهم شكّ أو شبهة أزالها و أجاب عنها.
و الثّاني:أنّ الخلق و إن كانوا يعلمون أنّه لا بدّ لهم من خدمة مولاهم،و لكنّهم ما كانوا عارفين بكيفيّة تلك الخدمة،فهو شرح تلك الكيفيّة لهم حتّى يقدموا على الخدمة آمنين من الغلط و من الإقدام على ما لا ينبغي.
و الثّالث:أنّ الخلق جبلوا على الكسل و الغفلة و التّواني و الملالة،فهو يورد عليهم أنواع التّرغيبات و التّرهيبات،حتّى أنّه كلّما عرض لهم كسل أو فتور نشّطهم للطّاعة و رغّبهم فيها.
الرّابع:أنّ أنوار عقول الخلق تجري مجرى أنوار البصر،و معلوم أنّ الانتفاع بنور البصر لا يكمل إلاّ عند سطوع نور الشّمس،و نوره عقليّ إلهيّ يجري مجرى طلوع الشّمس،فيقوّي العقول بنور عقله،و يظهر لهم من لوائح الغيب ما كان مستترا عنهم قبل ظهوره،فهذا إشارة حقيقيّة إلى فوائد أصل البعثة.
و أمّا المنافع الحاصلة بسبب ما كان في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من الصّفات فأمور ذكرها اللّه تعالى في هذه الآية أوّلها قوله:
مِنْ أَنْفُسِهِمْ. (9:78)
أبو السّعود: (اذ بعث)إلخ على أنّه خبر لمبتدإ محذوف،أي منه إذ بعث إلخ،أو على أنّ(إذ)في محلّ الرّفع على الابتداء،بمعنى لمن منّ اللّه عليه من المؤمنين وقت بعثه،و تخصيصهم بالامتنان مع عموم نعمة البعثة الأسود و الأحمر،لما مرّ من مزيد انتفاعهم بها.
(2:58)
مكارم الشّيرازيّ: في هذه الآية يدور الحديث حول أكبر النّعم الإلهيّة ألا و هي نعمة«بعثة الرّسول الأكرم و النّبيّ الخاتم»صلّى اللّه عليه و آله،و هو في الحقيقة إجابة قويّة على التّساؤل الّذي خالج بعض الأذهان من الحديثيّ العهد بالإسلام بعد«معركة أحد»و هو:لما ذا لحق بنا ما لحق،و لما ذا أصبنا بما أصبنا به؟فيجيبهم القرآن الكريم بقوله: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ آل عمران:164،أي إذا كنتم قد تحمّلتم كلّ هذه الخسائر و أصبتم بكلّ هذه المصائب،فإنّ عليكم أن لا تنسوا أنّ اللّه قد أنعم عليكم بأكبر نعمة ألا و هي بعثة نبيّ يقوم بهدايتكم و تربيتكم،و ينقذكم من الضّلالات و ينجيكم من المتاهات،فمهما تحمّلتم في سبيل الحفاظ على هذه النّعمة العظمى و الموهبة الكبرى،و مهما كلّفكم ذلك من ثمن،فهو ضئيل إلى جانبها،و حقير بالنّسبة إليها.(2:594)
ص: 59
4- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ...
الجمعة:2
ابن كثير :و ذلك أنّ العرب كانوا قديما متمسّكين بدين إبراهيم الخليل عليه السّلام،فبدّلوه و غيّروه و قلبوه و خالفوه،و استبدلوا بالتّوحيد شركا و باليقين شكّا، و ابتدعوا أشياء لم يأذن بها اللّه،و كذلك أهل الكتاب قد بدّلوا كتبهم و حرّفوها و غيّروها و أوّلوها.
فبعث اللّه محمّدا صلوات اللّه و سلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق،فيه هدايتهم و البيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم و معادهم، و الدّعوة لهم إلى ما يقرّبهم إلى الجنّة و رضا اللّه عنهم، و النّهي عمّا يقرّبهم إلى النّار،و سخط اللّه تعالى،حاكم فاصل لجميع الشّبهات و الشّكوك و الرّيب في الأصول و الفروع.
و جمع له تعالى-و له الحمد و المنّة-جميع المحاسن ممّن كان قبله،و أعطاه ما لم يعط أحدا من الأوّلين و لا يعطيه أحدا من الآخرين،فصلوات اللّه و سلامه عليه دائما إلى يوم الدّين.(7:6)
القاسميّ: [بعد نقل كلام ابن كثير قال:]
و إنّما أوثرت بعثته صلوات اللّه عليه في الأميّين، لأنّهم أحدّ النّاس أذهانا،و أقواهم جنانا،و أصفاهم فطرة،و أفصحهم بيانا،لم تفسد فطرتهم بغواشي المتحضّرين،و لا بأفانين تلاعب أولئك المتمدّنين،و لذا انقلبوا إلى النّاس بعد الإسلام بعلم عظيم،و حكمة باهرة،و سياسة عادلة،قادوا بها معظم الأمم،و دوّخوا بها أعظم الممالك.و إيثار البعثة فيهم بمعنى إظهارها فيهم لا ينافي عموم الرّسالة،كما قال سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الأعراف:158، و قوله: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ الأنعام:19،و هو ظاهر.(16:5797)
المراغيّ: أنّه ذكر الغرض من بعثة هذا الرّسول، و أجملها في أمور:
1-أنّه يتلو عليهم آيات القرآن الّتي فيها هدايتهم و إرشادهم لخير الدّارين،مع كونه أمّيّا لا يكتب و لا يقرأ،لئلاّ يكون هناك مطعن في نبوّته،بأن يقولوا:إنّه نقله من كتب الأوّلين،كما أشار إلى ذلك بقوله:
وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:48.
2-أنّه يطهّرهم من أدناس الشّرك و أخلاق الجاهليّة،و يجعلهم منيبين إلى اللّه،مخبتين إليه في أعمالهم و أقوالهم،لا يخضعون لسلطة مخلوق غيره،من ملك أو بشر أو حجر.
3-أنّه يعلّمهم الكتاب و الحكمة،أي يعلّمهم الشّرائع و الأحكام و حكمتها و أسرارها،فلا يتلقّون عنه شيئا إلاّ و هم يعلمون الغاية منه،و الغرض الّذي يفعله لأجله،فيقبلون إليه بشوق و اطمئنان،و قد تقدّم مثل هذا في سورة آل عمران.(28:95)
الطّباطبائيّ: و في الآية[أي يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ الآية الجمعة:1]توطئة و تمهيد برهانيّ لما يتضمّنه قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ إلخ، من بعثة الرّسول لتكميل النّاس و إسعادهم و هدايتهم بعد إذ كانوا في ضلال مبين.
ص: 60
و ذلك أنّه تعالى يسبّحه و ينزّهه الموجودات السّماويّة و الأرضيّة بما عندهم من النّقص الّذي هو متمّمه،و الحاجة الّتي هو قاضيها.فما من نقيصة أو حاجة إلاّ و هو المرجوّ في تمامها و قضائها،فهو المسبّح المنزّه عن كلّ نقص و حاجة،فله أن يحكم في نظام التّكوين بين خلقه بما شاء،و في نظام التّشريع في عباده بما أراد،كيف لا؟و هو ملك له أن يحكم في أهل مملكته،و عليهم أن يطيعوه.
و إذا حكم و شرّع بينهم دينا لم يكن ذلك منه لحاجة إلى تعبيدهم و نقص فيه يتمّمه بعبادتهم،لأنّه قدّوس منزّه عن كلّ نقص و حاجة.
ثمّ إذا حكم و شرّع و بلغه إيّاهم عن غنى منه، و دعاهم إليه بوساطة رسله،فلم يستجيبوا دعوته و تمرّدوا عن طاعته،لم يكن ذلك تعجيزا منهم له تعالى، لأنّه العزيز لا يغلبه فيما يريده غالب.
ثمّ إنّ الّذي حكم به و شرّعه من الدّين بما أنّه الملك القدّوس العزيز،ليس يذهب لغى لا أثر له،لأنّه حكيم على الإطلاق لا يفعل ما يفعل إلاّ لمصلحة،و لا يريد منهم ما يريد إلاّ لنفع يعود إليهم و خير ينالونه،فيستقيم به حالهم في دنياهم و أخراهم.
و بالجملة فتشريعه الدّين و إنزاله الكتاب-ببعث رسول يبلّغهم،و ذلك بتلاوة آياته،و يزكّيهم و يعلّمهم- منّ منه تعالى و فضل،كما قال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ.
(19:263)
عبد الكريم الخطيب: في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ امتنان على الأمّة العربيّة بهذا الفضل الّذي ساقه اللّه سبحانه و تعالى إليهم، و ردّ على اليهود،و إبطال لدعواهم،بأنّ اللّه اختارهم على العالمين و اختصّهم بفضله و إحسانه.(14:942)
5- وَ إِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً. الفرقان:41
الزّمخشريّ: (أ هذا)محكيّ بعد القول المضمر، و هذا استصغار، بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً و إخراجه في معرض التّسليم و الإقرار،و هم غاية على الجحود و الإنكار سخريّة و استهزاء،و لو لم يستهزءوا لقالوا:أ هذا الّذي زعم أو ادّعى أنّه مبعوث من عند اللّه رسولا.
(3:93)
ابن الشّجريّ: حذف الضّمير العائد إلى الموصول من صلته حسن كثير في التّنزيل،كقوله: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً يريد بعثه.(1:325)
القرطبيّ: و العائد محذوف،أي بعثه اللّه.(رسولا) نصب على الحال و التّقدير:أ هذا الّذي بعثه اللّه مرسلا.
(أ هذا)رفع بالابتداء و(الّذى)خبره.(رسولا)نصب على الحال.و(بعث)،في صلة(الّذى)،و اسم اللّه عزّ و جلّ رفع ب(بعث).و يجوز أن يكون مصدرا،لأنّ معنى(بعث)أرسل،و يكون معنى(رسولا)رسالة على هذا.(13:35)
البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى أنّ أهل الحسّ لا يرون النّبوّة و الرّسالة بالحسّ الظّاهر، لأنّها تدرك بنظر البصيرة المؤيّدة بنور اللّه،و هم عميان بهذا البصر،فلمّا سمعوا منه ما لم يهتدوا به من كلام النّبوّة
ص: 61
و الرّسالة ما اتّخذوه إلاّ هزؤا و قالوا مستهزءين: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً و هو بشر مثلنا محتاج إلى الطّعام و الشّراب.(6:216)
الطّباطبائيّ: بيان لاستهزائهم،أي يقولون كذا استهزاء بك.(15:222)
قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. يس:52
أبيّ بن كعب:ناموا نومة قبل البعث.
مثله خيثمة.(الطّبريّ 23:16)
ابن مسعود: [قرأ] (من اهبّنا من مرقدنا هذا) .
(الطّبريّ 23:16)
ابن عبّاس: من نبّهنا.(372)
إذا نفخ النّفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور و هجعوا هجعة إلى النّفخة الثّانية،و بينهما أربعون سنة، فذلك قولهم: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.
(القرطبيّ 15:41)
الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ القوم كانوا في القبور،فلمّا قاموا حسبوا أنّهم كانوا نياما قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قالت الملائكة: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يس:52.(القمّيّ 2:216)
الإمام الصّادق عليه السّلام: كان أبو ذرّ رحمه اللّه يقول في خطبته:و ما بين الموت و البعث إلاّ كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها.(العروسيّ 4:388)
الفرّاء: يكون مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا فيكون (هذا)من نعت المرقد خفضا،و(ما)في موضع رفع:
بعثكم وعد الرّحمن.
و البعث في هذا الموضع كالاستيقاظ،تقول:بعثت ناقتي فانبعثت،إذا أثارها.(2:380)
الطّبريّ: و يعني بقوله: مِنْ مَرْقَدِنا هذا من أيقظنا من منامنا،و هو من قولهم:بعث فلان ناقته فانبعث،إذا أثارها فثارت.[ثمّ حكى قراءة ابن مسعود]
و في قوله:(هذا)وجهان:
أحدهما:أن تكون إشارة إلى(ما)و يكون ذلك كلاما مبتدأ بعدتنا هي الخبر الأوّل بقوله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا فتكون(ما)حينئذ مرفوعة ب(هذا) و يكون معنى الكلام،هذا وعد الرّحمن،و صدق المرسلون.
و الوجه الآخر:أن تكون(من)صفة(المرقد) و تكون خفضا،ردّا على المرقد،و عند تمام الخبر عن الأوّل،فيكون معنى الكلام:من بعثنا من مرقدنا هذا،ثمّ يبتدئ الكلام،فيقال:ما وعد الرّحمن،بمعنى بعثكم وعد الرّحمن،فتكون(ما)حينئذ رفعا على هذا المعنى.
(23:16)
ابن الأنباريّ: [بعد نقل قراءة ابن مسعود قال:]
لا يحمل هذا الحديث على أن(أهبّنا)من لفظ القرآن،كما قاله من طعن في القرآن،و لكنّه تفسير (بعثنا)أو معبّر عن بعض معانيه.
و كذا حفظته(من هبّنا)بغير ألف في(أهبّنا)مع تسكين نون(من).(القرطبيّ 15:41)
الطّوسيّ: أي من حشرنا من منامنا الّذي كنّا فيه
ص: 62
نياما،ثمّ يقولون: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يس:52،في ما أخبرونا عن هذا المقام و عن هذا البعث.
فإن قيل:هذا ينافي قول المسلمين الّذين يقولون:
الكافر يعذّب في قبره،لأنّه لو كان معذّبا لما كان في المنام.
قيل:يحتمل أن يكون العذاب في القبر و لا يتّصل إلى يوم البعث،فتكون النّومة بين الحالين.و يحتمل لو كان متّصلا أن يكون ذلك عبارة عن عظم ما يشاهدونه و يحضرون فيه يوم القيامة،فكأنّهم كانوا قبل ذلك في مرقد،و إن كانوا في عذاب لما كان قليلا بالإضافة إلى الحاضر.(8:466)
الزّمخشريّ: عن ابن مسعود رضي اللّه عنه:(من أهبّنا)من هبّ من نومه،إذا انتبه و أهبّه غيره.و قرئ (من هبّنا) بمعنى أهبّنا.و عن بعضهم:أراد هبّ بنا، فحذف الجارّ و أوصل الفعل.و قرئ (من بعثنا و من هبّنا) على من الجارّة و المصدر.[إلى أن قال:]
فإن قلت: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا سؤال عن الباعث فكيف طابقه ذلك جوابا؟
قلت:معناه بعثكم الرّحمن الّذي وعدكم البعث و أنبأكم به الرّسل،إلاّ أنّه جيء به على طريقة سيئت بها قلوبهم،و نعيت إليهم أحوالهم،و ذكروا كفرهم و تكذيبهم و أخبروا بوقوع ما أنذروا به،و كأنّه قيل لهم:
ليس بالبعث الّذي عرفتموه و هو بعث النّائم من مرقده حتّى يهمّكم السّؤال عن الباعث،إنّ هذا هو البعث الأكبر ذو الأهوال و الأفزاع،و هو الّذي وعده اللّه في كتبه المنزلة على ألسنة رسله الصّادقين.(3:326)
ابن عطيّة: قرأ الجمهور (مَنْ بَعَثَنا) بفتح الميم على معنى الاستفهام.
و روي عن عليّ بن أبي طالب و ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّهما قرءا(من بعثنا)بكسر الميم على أنّها لابتداء الغاية،و سكون العين و كسر الثّاء على المصدر.
و في قراءة ابن مسعود (من أهبّنا من مرقدنا) أي من نبّهنا،و في قراءة أبيّ بن كعب (من هبّنا) ،قال أبو الفتح:
و لم أر لها في اللّغة أصلا،و لا مرّ بنا مهبوب،و نسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود رضي اللّه عنه.(4:457)
الفخر الرّازيّ: يعني لمّا بعثوا قالوا ذلك،لأنّ قوله:
وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ يدلّ على أنّهم بعثوا،و فيه مسائل:
المسألة الأولى:لو قال قائل:لو قال اللّه تعالى:فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون يقولون:يا ويلنا، كان أليق.
نقول:معاذ اللّه،و ذلك لأنّ قوله: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51،على ما ذكرنا إشارة إلى أنّه تعالى في أسرع زمان يجمع أجزاءهم و يؤلّفها و يحييها و يحرّكها؛بحيث يقع نسلانهم في وقت النّفخ،مع أنّ ذلك لا بدّ له من الجمع و التّأليف،فلو قال:
«يقولون»لكان ذلك مثل الحال«لينسلون»أي ينسلون قائلين:يا ويلنا،و ليس كذلك،فإنّ قولهم:يا ويلنا قبل أن ينسلوا،و إنّما ذكر النّسلان لما ذكرنا من الفوائد.[إلى أن قال:]
المسألة الثّالثة:ما وجه تعلّق مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا بقولهم:(يا ويلنا)؟
ص: 63
نقول:لمّا بعثوا تذكروا ما كانوا يسمعون من الرّسل، فقالوا: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا أ بعثنا اللّه البعث الموعود به أم كنّا نياما فنبّهنا؟و هذا كما إذا كان إنسان موعودا بأن يأتيه عدوّ لا يطيقه،ثمّ يرى رجلا هائلا يقبل عليه فيرتجف في نفسه،و يقول:هذا ذلك أم لا؟
و يدلّ على ما ذكرنا قولهم: مِنْ مَرْقَدِنا حيث جعلوا القبور موضع الرّقاد إشارة إلى أنّهم شكّوا في أنّهم كانوا نياما فنبّهوا،أو كانوا موتى،و كان الغالب على ظنّهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين،فقالوا: مَنْ بَعَثَنا إشارة إلى ظنّهم أنّه بعثهم الموعود به،و قالوا:
مِنْ مَرْقَدِنا إشارة إلى توهّمهم احتمال الانتباه.
(26:89)
نحوه الشّربينيّ.(3:56)
النّسفيّ: من أنشرنا.(4:10)
النّيسابوريّ: ثمّ بيّن أنّهم قبل النّسلان قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا كأنّهم شكّوا في أنّهم كانوا موتى فبعثوا أو كانوا نياما فتنبّهوا،فجمعوا في السّؤال بين الأمرين:البعث و المرقد.(23:25)
أبو السّعود: و قرئ (من أهبّنا) من هبّ من نومه، إذا انتبه.و قرئ (من هبّنا) بمعنى أهبّنا،و قيل:أصله هبّ بنا،فحذف الجارّ و أوصل الفعل إلى الضّمير.قيل:
فيه ترشيح و رمز و إشعار بأنّهم لاختلاط عقولهم يظنّون أنّهم كانوا نياما.
و عن مجاهد: أنّ للكفّار هجعة يجدون فيها طعم النّوم،فإذا صيح بأهل القبور يقولون ذلك.
و عن ابن عبّاس و أبيّ بن كعب و قتادة رحمهم اللّه تعالى: أنّ اللّه تعالى يرفع عنهم العذاب بين النّفختين فيرقدون،فإذا بعثوا بالنّفخة الثّانية و شاهدوا من أهوال القيامة ما شاهدوا دعوا بالويل و قالوا ذلك.
و قيل:إذا عاينوا جهنّم و ما فيها من أنواع العذاب يصير عذاب القبر في جنبها مثل النّوم فيقولون ذلك.
و قرئ (من بعثنا) و (من هبّنا) ب«من»الجارّة و المصدر.(5:303)
الآلوسيّ: عن ابن مسعود أنّه قرأ (من أهبّنا) بمن الاستفهاميّة،و أهبّ بالهمز من هبّ من نومه،إذا انتبه، و أهببته أنا،أي أنبهته.
و عن أبيّ أنّه قرأ (هبّنا) بلا همز.قال ابن جنّيّ:
و قراءة ابن مسعود أقيس،فهبّني بمعنى أيقظني لم أر لها أصلا،و لا مرّ بنا في اللّغة«مهبوب»بمعنى موقظ،اللّهمّ إلاّ أن يكون حرف الجرّ محذوفا،أي هبّ بنا،أي أيقظنا،ثمّ حذف و أوصل الفعل.و ليس المعنى على من هبّ فهببنا معه،و إنّما معناه من أيقظنا.
و قال البيضاويّ: هبّنا بدون الهمز،بمعنى أهبّنا بالهمز.و قرئ (من هبّنا) ب«من»الجارّة و المصدر،من هبّ يهبّ.(23:32)
المراغيّ: ثمّ ذكر أنّهم يعجبون حين يرون أنفسهم قد خرجوا من قبورهم للبعث،كما حكى عنهم بقوله: قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي قالوا:
يا قومنا انظروا هلاكنا و تعجّبوا منه،من بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟حينئذ يجيبهم المؤمنون فيقولون لهم: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يس:52.
(23:20)
ص: 64
نحوه عبد المنعم الجمّال.(4:291)
الطّباطبائيّ: و قولهم: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا مبنيّ على إنكارهم البعث و هم في الدّنيا، و رسوخ أثر الإنكار و الغفلة عن يوم الجزاء في نفوسهم و هم لا يزالون مستغرقين في الأهواء.فإذا قاموا من قبورهم مسرعين إلى المحشر فاجأهم الورود في عالم لا يستقبلهم فيه إلاّ توقّع الشّرّ،فأخذهم الفزع الأكبر و الدّهشة الّتي لا تقوم لها الجبال،و لذا يتبادرون أوّلا إلى دعوة الويل و الهلاك كما كان ذلك دأبهم في الدّنيا عند الوقوع في المخاطر.ثمّ سألوا عمّن بعثهم من مرقدهم،لأنّ الّذي أحاط بهم من الدّهشة أذهلهم من كلّ شيء.
ثمّ ذكروا ما كانت الرّسل عليهم السّلام يذكّرونهم به من الوعد الحقّ بالبعث و الجزاء،فشهدوا بحقّيّة الوعد و استعصموا بالرّحمة،فقالوا: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ على ما هو دأبهم في الدّنيا،حيث يكيدون عدوّهم إذا ظهر عليهم بالتّملّق و إظهار الذّلّة و الاعتراف بالظّلم و التّقصير،ثمّ صدّقوا الرّسل بقولهم: وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. (17:99)
...قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ...
البقرة:259
ابن عبّاس: أحياه في آخر النّهار.(37)
مثله الطّوسيّ(2:323)،و البغويّ(1:354)، و القرطبيّ(3:291)،و النّسفيّ(1:131)،و الخازن(1:
234)،و أبو حيّان(2:291)،و الحائريّ(2:120).
القمّيّ: أي أحياه،فلمّا رحم اللّه بني إسرائيل و أهلك بخت نصّر ردّ بني إسرائيل إلى الدّنيا،و كان عزير لمّا سلّط اللّه بخت نصّر على بني إسرائيل هرب و دخل في عين و غاب فيها،و بقي إرميا ميّتا مائة سنة،ثمّ أحياه اللّه تعالى.فأوّل ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ البيض فنظر،فأوحى اللّه تعالى إليه.(1:90)
أبو الفتوح: ثمّ أحياه،و البعث:الإحياء، و الإيقاظ من النّوم و الإرسال،و هنا بمعنى الإحياء بقرينة قوله: فَأَماتَهُ اللّهُ، و في سورة الكهف تنبيه في قوله:
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ الكهف:12،بقرينة فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْناهُمْ الكهف:11،12،و بمعنى الإرسال في قوله:
فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213.
(4:17)
الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثَهُ فالمعنى ثمّ أحياه.و يوم القيامة يسمّى يوم البعث،لأنّهم يبعثون من قبورهم،و أصله من بعثت النّاقة،إذا أقمتها من مكانها،و إنّما قال: ثُمَّ بَعَثَهُ و لم يقل:ثمّ أحياه،لأنّ قوله: ثُمَّ بَعَثَهُ يدلّ على أنّه عاد كما كان أوّلا حيّا عاقلا فاهما مستعدّا للنّظر و الاستدلال في المعارف الإلهيّة،و لو قال:ثمّ أحياه،لم تحصل هذا الفوائد.
(7:35)
مثله البروسويّ(1:413)،و نحوه الآلوسيّ(3:
21)،و المراغيّ(3:22).
النّيسابوريّ: قوله: ثُمَّ بَعَثَهُ يدلّ على أنّ
ص: 65
المبعوث هو تلك الجملة الّتي أماتها.و قيل:هي عظام الموتى الّذين تعجّب من إحيائهم.(3:32)
1- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ.
الأعراف:103
ابن عبّاس: أرسلنا.(134)
الإمام الرّضا عليه السّلام:قال ابن السّكّيت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام:لما ذا بعث اللّه تعالى موسى بن عمران بيده البيضاء و العصا و آلة السّحر،و بعث عيسى عليه السّلام بالطّبّ، و بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالكلام و الخطب؟
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:لمّا بعث موسى عليه السّلام كان الأغلب على أهل عصره السّحر،فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن من عند القوم و في وسعهم مثله،و بما أبطل به سحرهم،و أثبت به الحجّة عليهم.(العروسيّ 2:55)
العيّاشيّ: ...فلمّا بعث اللّه موسى عليه السّلام إلى فرعون فدخل المدينة،فلمّا رآه الأسد تبصبصت و ولّت مدبرة، ثمّ لم يأت مدينة إلاّ انفتح له بابها حتّى انتهى إلى قصر فرعون الّذي هو فيه.[إلى آخر الحديث](2:154)
الطّوسيّ: الهاء و الميم يجوز أن يكون كناية عن الأنبياء الّذين جرى ذكرهم،و يحتمل أن يكون كناية عن الأمم الّتي قد تقدّم ذكرهم و إهلاكهم،بعث إليه موسى و أرسله إليهم.
و البعث:الإرسال،و هو في الأصل النّقل باعتماد يوجب الإسراع إلى الشّيء،فمنه قوله: أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1)الأعراف:14،أي من القبور،و منه قوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56،أي نقلناكم إلى حال الحياة،و كذلك نقلنا موسى عن حاله بالإرسال إلى فرعون و ملئه.(4:519)
أبو الفتوح: ثُمَّ بَعَثْنا ثمّ أرسلنا،و(ثمّ)تفيد المهلة و التّراخي،و أصل البعث:الإثارة،و معناه هنا الإرسال.(8:319)
الطّبرسيّ: البعث:الإرسال،و هو في الأصل النّقل باعتماد يوجب الإسراع في المشي (2)،فالبعث بعد الموت:
نقل إلى حال الحياة،و البعث للأنبياء:نقل بالإرسال عن حالة إلى حالة النّبوّة.(2:456)
أبو السّعود: أي أرسلناه من بعد انقضاء وقائع الرّسل المذكورين،أو من بعد هلاك الأمم المحكيّة.
و التّصريح بذلك مع دلالة(ثمّ)على التّراخي للإيذان بأنّ بعثه عليه الصّلاة و السّلام جرى على سنن السّنّة الإلهيّة من إرسال الرّسل تترى،و تقديم الجارّ و المجرور على المفعول الصّريح لما مرّ مرارا من الاعتناء بالمقدّم و التّشويق إلى المؤخّر.(3:13)
البروسويّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]
فإنّ اللّه تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كلّ قرن و انقراض كلّ قوم نبيّا بعد نبيّ كما يخلف قوما بعد قوم و قرنا بعد قرن،و يظهر المعجزات على يدي النّبيّ ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطّبيعة إلى نور الحقيقة،فإنّ أغلب أهل كلّ زمان و قرن
ص: 66
و أكثرهم غافلون عن الدّين و حقائقه مستغرقون في بحر الدّنيا مستهلكون في أودية الشّهوات و اللّذّات النّفسانيّة الحيوانيّة ظلمات بعضها فوق بعض.(3:209)
الآلوسيّ: أي أرسلناه عليه السّلام بعد الرّسل أو بعد الأمم.و الأوّل متقدّم في قوله سبحانه: وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ الأعراف:101،و الثّاني مدلول عليه ب تِلْكَ الْقُرى و الاحتمال الأوّل أولى.[ثمّ قال نحو أبي السّعود]
(9:17)
رشيد رضا: هذه القصّة معطوفة على جملة ما قبلها من القصص،من قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً هود:
25،إلى قوله: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:
85،القصّة،فهي نوع و هنّ نوع آخر،و الفرق بين النّوعين أنّ تلك القصص متشابهة في تكذيب الأقوام فيها لرسلهم و معاندتهم إيّاهم و إيذائهم لهم،و في عاقبة ذلك بإهلاك اللّه تعالى إيّاهم بعذاب الاستئصال.و لذلك عطف كلّ واحدة منهنّ على الأولى بدون إعادة ذكر الإرسال،للإيذان بأنّها نوع واحد،فقال: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:73، وَ لُوطاً الأعراف:80، وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85.
و قد أعاد في قصّة موسى ذكر الإرسال للتّفرقة، و لكن بلفظ البعث و هو أخصّ و أبلغ من لفظ الإرسال، لأنّه يفيد معنى الإثارة و الإزعاج إلى الشّيء المهمّ،و لم يذكر في القرآن إلاّ في بعث الموتى و في الرّسالة العامّة، أي بعث عدّة من الرّسل،و في بعثة نبيّنا و موسى خاصّة، و كذا في بعث نقباء بني إسرائيل،و بعث من انتقم منهم و عذّبهم و سباهم حين أفسدوا في الأرض.
فالتّعبير بلفظ البعث هنا يؤكّد ما أفادته إعادة العامل من التّفرقة بين نوعي الإرسال،أعني أنّ لفظه الخاصّ مؤكّد لمعناه العامّ،كما يؤكّدها عطف هذه القصّة على أولئك ب(ثمّ)الّتي تدلّ على الفصل و التّراخي إمّا في الزّمان و إمّا في النّوع أو الرّتبة،و الأخير هو المراد هنا.
و بيانه أنّ هذا الإرسال و ما ترتّب عليه و أعقبه في قوم موسى مخالف لجملة ما قبله مخالفة تضادّ،فقد أنقذت به أمّة من عذاب الدّنيا،و هو تعبيد فرعون و ملئه لها، و سومهم إيّاها أنواع الخزي و النّكال،و اهتدت إلى عبادة اللّه تعالى وحده و إقامة شرعه،فأعطاها في الدّنيا ملكا عظيما،و جعل منها أنبياء و ملوكا،و أعدّ بذلك المهتدين منها لسعادة الآخرة الباقية،فأين هذا الإرسال من ذلك الإرسال،الّذي أعقب أقوام أولئك الرّسل في الدّنيا عذاب الاستئصال،و في الآخرة ما هو أشدّ و أبقى من الخزي و النّكال.
و قد يظهر للتّراخي الزّمانيّ وجه،باعتبار كون العطف على قصّة نوح،فإنّ ما عطف عليها من قصص و من بعده قد جعل تابعا و متمّما لها بعدم إعادة العامل (ارسلنا)كما تقدّم آنفا،و إلاّ فإنّ شعيبا و هو آخر أولئك الرّسل كان في زمن موسى و هو حموه (1)،و قد أوحى اللّه تعالى إلى موسى و هو لديه مع زوجه و أولاده في سيناء،».
ص: 67
و أرسله منها إلى فرعون و ملئه لإنقاذ بني إسرائيل من حكمه و ظلمه.
و يؤيّد ذلك كلّه أنّ اللّه تعالى ذكر إرسال نوح في سورة يونس،وقفى عليه بقوله: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ يونس:74،و قال بعد هذا: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ يونس:75.
و من المعلوم عقلا و استنباطا أنّ التّراخي بين بعثة نوح و من بعده من الرّسل زمانيّ؛إذ كان بعد تناسل الّذين نجوا معه في السّفينة و تكاثرهم،و صيرورتهم شعوبا و قبائل،و هذا الإجمال في سورة يونس في الرّسل مبنيّ على التّفصيل الّذي سبقه في سورة الأعراف الّتي نزلت قبلها أو هو أعمّ منه.
فإنّ الأمم قد كثرت بين نوح و موسى عليهما السّلام،و قد قال تعالى: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:
36،و قال لخاتم رسله: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ المؤمن:78،و قد بيّنّا حكمة تخصيص من ذكر في هذه السّورة منهم بالذّكر،و كذا من ذكر في سورة الأنعام و غيرها.
و المعنى ثمّ بعثنا من بعد أولئك الرّسل موسى بآياتنا الّتي تدلّ على صدقه فيما يبلّغه عنّا إلى فرعون و ملئه.
(9:37)
الطّباطبائيّ: في تغيير السّياق في أوّل القصّة دلالة على تجدّد الاهتمام بأمر موسى عليه السّلام،فإنّه من أولي العزم صاحب كتاب و شريعة،و قد ورد الدّين ببعثته في مرحلة جديدة من التّفصيل بعد المرحلتين اللّتين قطعهما ببعثة نوح و إبراهيم عليهما السّلام.
و في لفظ الآيات شيء من الإشارة إلى تبدّل المراحل،فقد قال تعالى أوّلا: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ الأعراف:59، وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:
73،فجرى على سياق واحد،لأنّ هودا و صالحا كانا على شريعة نوح،ثمّ غيّر السّياق فقال: وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ الأعراف:80،لأنّ لوطا من أهل المرحلة الثّانية في الدّين،و هي مرحلة شريعة إبراهيم،و كان لوط على شريعته،ثمّ عاد إلى السّياق السّابق في بدء قصّة شعيب،ثمّ غيّر السّياق في بدء قصّة موسى بقوله:
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ يونس:75،لأنّه ثالث أولي العزم،صاحب كتاب جديد و شريعة جديدة.
و دين اللّه و شرائعه و إن كان واحدا لا تناقض فيه و لا تنافي،غير أنّه مختلف بالإجمال و التّفصيل و الكمال، و زيادته بحسب تقدّم البشر تدريجيّا من النّقص إلى الكمال،و اشتداد استعداده لقبول المعارف الإلهيّة عصرا بعد عصر،إلى أن ينتهي إلى موقف علميّ هي أعلى المواقف،فيختتم عند ذلك الرّسالة و النّبوّة،و يستقرّ الكتاب و الشّريعة استقرارا لا مطمع بعده في كتاب جديد أو شريعة جديدة.
و لا يبقى للبشر بعد ذلك إلاّ التّدرّج في الكمال من حيث انتشار الدّين،و انبساطه على المجتمع البشريّ، و استيعابه لهم،و إلاّ التّقدّم من جهة التّحقّق بحقائق المعارف،و التّرقّي في مراقي العلم و العمل الّتي يدعو إليها
ص: 68
الكتاب،و يحرّض عليها الشّريعة،و الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده،و العاقبة للمتّقين.
فقوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ يونس:75،إجمال لقصّة موسى عليه السّلام،ثمّ يؤخذ في التّفصيل من قوله: وَ قالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ الأعراف:
104،و إنّا و إن كنّا نسمّي هذه القصص بقصّة موسى و قصّة نوح و قصّة هود و هكذا،فإنّها بحسب ما سردت في هذه السّورة قصص الأمم و الأقوام الّذين أرسل إليهم هؤلاء الرّسل الكرام،يذكر فيها حالهم فيما واجهوا به رسل اللّه من الإنكار و الرّدّ،و ما آل إليه أمرهم من نزول العذاب الإلهيّ الّذي أفنى جمعهم،و قطع دابرهم،و لذلك ترى أنّ عامّة القصص المذكورة مختومة بذكر نزول العذاب و هلاك القوم.(8:210)
2- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً.
الإسراء:5
ابن عبّاس: سلّطنا.(233)
مثله الميبديّ(5:511)،و الطّبرسيّ(3:398)، و النّسفيّ(2:307)،و ابن كثير(4:281).
الحسن :أي سلّطنا عليكم عبادا لنا أولي شوكة و قوّة و نجدة،و خلّينا بينكم و بينهم خاذلين لكم،جزاء على كفركم و عتوّكم،و هو مثل قوله: أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83.(الطّبرسيّ 3:398)
الجبّائيّ: أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم و جهادكم، لأنّ ظاهر قوله تعالى: عِباداً لَنا و قوله:(بعثنا) يقتضي ذلك.(الطّبرسيّ 3:398)
الطّبريّ: وجّهنا إليكم،و أرسلنا عليكم.
(15:27)
أبو مسلم: يجوز أن يكونوا مؤمنين أمرهم اللّه بجهاد هؤلاء،و يجوز أن يكونوا كافرين فتألّفهم نبيّ من الأنبياء لحرب هؤلاء،و سلّطهم على نظرائهم من الكفّار و الفسّاق.(الطّبرسيّ 3:398)
ابن عطيّة: يحتمل أن يكون اللّه بعث إلى ملك تلك الأمّة رسولا يأمره بغزو بني إسرائيل،فتكون البعثة بأمر.و يحتمل أن يكون عبّر بالبعث عمّا ألقي في نفس الملك الّذي غزاهم.(3:439)
القاضي عبد الجبّار: مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّه تعالى يريد من العباد:القتل و الظّلم و يبعثهم عليه.فقال: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ.
و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره إنّما يدلّ على أنّه يبعث عليهم من هذا حاله،و ليس فيه أنّ الّذي يقدمون عليه فساد،و قد يجوز أن يكون ذلك صلاحا،و يجوز أن يكون فسادا،فلا يصحّ تعلّقهم به.و بعد،فلو كان الفساد مذكورا فيه،لما صحّ تعلّقهم بالظّاهر،لأنّه كان يجب أن يكون تعالى يبعث من يفسد و يأمر بذلك.
و ليس هذا بمذهب القوم،لأنّهم و إن قالوا:إنّه تعالى يريد ذلك،فمن قولهم:إنّه قد نهى عنه و زجر عن فعله، و لا يجوز أن يكون باعثا لهم عليه،أو إليه مع النّهي و الزّجر،فلا يصحّ إذن تعلّقهم بالظّاهر.
ص: 69
و المراد عندنا بذلك:أنّه تعالى بعث-لمّا وقع الفساد الأوّل من بني إسرائيل-من حاربهم و غزاهم،فيكون الكلام على ظاهره،ثمّ قال تعالى: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ الإسراء:6،فجعل لهم الظّفر لمّا تابوا و عدلوا عن طريق الفساد،فبعض ذلك يصدّق بعضا في الوجه الّذي ذكرناه.
و في شيوخنا،رحمهم اللّه،من قال:إنّه تعالى لمّا خلّى بين القوم و بينهم و لم يمنعهم من محاربتهم،جاز أن يقول:
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ كما قال: أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83،من حيث خلّى،و لم يمنع،على بعض الوجوه.(2:456)
ابن شهرآشوب: فأمّا البعث فيجوز أن أرسلهم عليهم،بأن أمرهم بذلك على لسان بعض الأنبياء؛و ذلك أنّ بني إسرائيل لمّا أرسل عليهم من عاقبهم على معاصيهم،لم يذكر اللّه أنّ ذلك كان معصية و لا ذمّهم،بل هو كما أمر من الجهاد و السّبي و الهدم و الإحراق،و كلّ ذلك يجري مجرى واحد.
و البعث بمعنى الإرسال بالأمر و التّخلية و التّمكين، يقال:بعث فلان أعداءه على مكارهه.و لم يأت بمعنى الجبر و القضاء و القدر.[ثمّ استشهد بشعر](200)
الفخر الرّازيّ: معنى بَعَثْنا عَلَيْكُمْ أرسلنا عليكم،و خلّينا بينكم و بينهم خاذلين إيّاكم.
(20:155)
الطّباطبائيّ: أي أنهضناهم و أرسلناهم إليكم ليذلّوكم و ينتقموا منكم،و الدّليل على كون البعث للانتقام و الإذلال قوله: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ.
و لا ضير في عدّ مجيئهم إلى بني إسرائيل مع ما كان فيه من القتل الذّريع و الأسر و السّبي و النّهب و التّخريب بعثا إلهيّا،لأنّه كان على سبيل المجازاة على إفسادهم في الأرض و علوّهم و بغيهم بغير الحقّ،فما ظلمهم اللّه ببعث أعدائهم و تأييدهم عليهم و لكن كانوا هم الظّالمين لأنفسهم.
و بذلك يظهر أن لا دليل من الكلام يدلّ على قول من قال:إنّ المراد بقوله: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم و جهادكم،لاقتضاء ظاهر قوله:
(بعثنا)،و قوله:(عبادا)ذلك.(13:39)
مكارم الشّيرازيّ: تفيد أنّ الرّجال الّذين سيؤدّبون«بني إسرائيل»على فسادهم و علوّهم و طغيانهم،هم رجال مؤمنون،شجعان حتّى استحقّوا لقب العبوديّة.و ممّا يؤكّد هذا المعنى الّذي غفلت عنه معظم التّفاسير،هو كلمة(و بعثنا)و«لنا».و لكنّا مع ذلك،لا نستطيع الادّعاء أنّ كلمة«بعث»تستخدم فقط في مورد خطاب الأنبياء و المؤمنين،بل هي تستخدم في غير هذه الموارد أيضا،ففي قصّة هابيل و قابيل يقول القرآن الكريم: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31.
و كذلك الحال في كلمة«عباد»أو«عبد»[فلاحظ]
(8:361)
3- وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً... المائدة:12.
ابن عبّاس: النّقباء من بني إسرائيل بعثهم موسى
ص: 70
لينظروا إلى مدينة الجبّارين،فذهبوا و نظروا فجاءوا بحبّة من فاكهتهم،وقر رجل فقالوا:أقدروا قدر قوّة قوم هذه فاكهتهم؟(ابن عطيّة 2:168)
مجاهد :إنّهم بعثوا إلى الجبّارين ليقفوا على آثارهم و يرجعوا بذلك إلى موسى،فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدّة بأسهم،و عظم خلقهم إلى اثنين منهم.
مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 3:466)
السّدّيّ: إنّما بعث النّقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطّلاع على الجبّارين و السّبر لقوّتهم و منعتهم، فساروا حتّى لقيهم رجل من الجبّارين فأخذهم جميعا، فجعلهم في حجزته..
مثله الرّبيع.(ابن عطيّة 2:168)
البلخيّ: يجوز أن يكون النّقباء رسلا،و يجوز أن يكونوا قادة.(الطّوسيّ 3:466)
الطّوسيّ: قوله:(بعثنا)لا يدلّ على أنّهم رسل، كما إذا قال القائل:الخليفة بعث الأمير أو القضاة،لا يفيد أنّهم رسل،بل يفيد أنّه ولاّهم و قلّدهم.
و الغرض بذلك إعلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ هؤلاء الّذين همّوا بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صفاتهم و أخلاقهم أخلاق أسلافهم:الغدر و نقض العهد.(3:466)
ابن عطيّة: في قصص طويل ضعيف مقتضاه أنّهم اطّلعوا من الجبّارين على قوّة عظيمة،و ظنّوا أنّهم لا قبل لهم بهم،فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل،و أن يعلموا به موسى عليه السّلام ليرى فيه أمر ربّه، فلمّا انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرّفوا قراباتهم و من وثّقوه على سرّهم،ففشا الخبر حتّى اعوجّ أمر بني إسرائيل،و قالوا:اذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون.(2:168)
نحوه القرطبيّ.(6:112)
4- وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. الفرقان:51
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لو شئنا يا محمّد لأرسلنا في كلّ مصر و مدينة نذيرا ينذرهم بأسنا،على كفرهم بنا(19:23)
نحوه الطّوسيّ(7:498)،و البغويّ(3:452)، و الخازن(5:86)،و القرطبيّ(13:58)،و أبو حيّان(6:
506).
الفخر الرّازيّ: الأقوى أنّ المراد من ذلك تعظيم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذلك لوجوه:
أحدها:كأنّه تعالى بيّن له أنّه مع القدرة على بعثة رسول و نذير في كلّ قرية خصّه بالرّسالة و فضّله بها على الكلّ،و لذلك أتبعه بقوله: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ الفرقان:52،أي لا توافقهم.
و ثانيها:المراد و لو شئنا لخفّفنا عنك أعباء الرّسالة إلى كلّ العالمين و لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً الفرقان:
51،و لكنّا قصرنا الأمر عليك،و أجللناك و فضّلناك على سائر الرّسل؛فقابل هذا الإجلال بالتّشدّد في الدّين.
و ثالثها:أنّ الآية تقتضي مزج اللّطف بالعنف،لأنّها تدلّ على القدرة على أن يبعث في كلّ قرية نذيرا مثل محمّد،و أنّه لا حاجة بالحضرة الإلهيّة إلى محمّد البتّة.
و قوله:(و لو)يدلّ على أنّه سبحانه لا يفعل ذلك،
ص: 71
فبالنّظر إلى الأوّل يحصل التّأديب،و بالنّظر إلى الثّاني يحصل الإعزاز.(24:99)
نحوه النّسفيّ.(3:170)
ابن كثير :يدعوهم إلى اللّه عزّ و جلّ،و لكنّا خصصناك يا محمّد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، و أمرناك أن تبلّغهم هذا القرآن.(5:157)
الطّباطبائيّ: أي لو أردنا أن نبعث في كلّ قرية نذيرا ينذرهم،و رسولا يبلّغهم رسالاتنا لبعثنا،و لكن بعثناك إلى القرى كلّها نذيرا و رسولا لعظيم منزلتك عندنا.
هكذا فسّرت الآية و لا تخلو الآية التّالية.[و هي فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً الفرقان:52]من تأييد لذلك،و هذا المعنى لما وجّهنا به اتّصال الآيات أنسب.
أو أنّ المراد أنّا قادرون على أن نبعث في كلّ قرية رسولا،و إنّما اخترناك لمصلحة في اختيارك.
(15:228)
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
البقرة:56
ابن عبّاس: أحييناكم.(9)
الحسن :أي ثمّ أحييناكم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لاستكمال آجالكم.
مثله قتادة.(الطّبرسيّ 1:115)
قتادة :أخذتهم الصّاعقة،ثمّ بعثهم اللّه تعالى ليكملوا بقيّة آجالهم.(الطّبريّ 1:292)
ماتوا و ذهبت أرواحهم،ثمّ ردّوا لاستيفاء آجالهم.
(القرطبيّ 1:404)
السّدّيّ: أنّهم بعد الإحياء سألوا أن يبعثوا أنبياء، فبعثهم اللّه أنبياء.(الماورديّ 1:123)
بعثناكم أنبياء.(الطّبريّ 1:291)
الرّبيع: فبعثوا من بعد موتهم،لأنّ موتهم ذاك كان عقوبة لهم،فبعثوا لبقيّة آجالهم.(الطّبريّ 1:293)
ابن زيد :قال لهم موسى لمّا رجع من عند ربّه بالألواح،قد كتب فيها التّوراة فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا،فتاب اللّه عليهم،فقال:إنّ هذه الألواح فيها كتاب اللّه،فيه أمره الّذي أمركم به، و نهيه الّذي نهاكم عنه،فقالوا:و من يأخذه بقولك أنت لا و اللّه حتّى نرى اللّه جهرة،حتّى يطلع اللّه علينا فيقول:
هذا كتابي فخذوه،فما له لا يكلّمنا كما يكلّمك أنت يا موسى،فيقول:هذا كتابي فخذوه؟و قرأ قول اللّه تعالى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً البقرة:55.
فجاءت غضبة من اللّه عزّ و جلّ،فجاءتهم صاعقة بعد التّوبة،فصعقتهم،فماتوا أجمعون،ثمّ أحياهم اللّه من بعد موتهم،و قرأ قول اللّه تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
فقال لهم موسى:خذوا كتاب اللّه،فقالوا:لا،فقال:
أيّ شيء أصابكم،قالوا:أصابنا أنّا متنا ثمّ حيينا،قال:
خذوا كتاب اللّه،قالوا:لا،فبعث اللّه تعالى ملائكة، فنتقت الجبل فوقهم.(الطّبريّ 1:292)
الطّبريّ: يعني بقوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: ثمّ
ص: 72
أحييناكم.و أصل البعث:إثارة الشّيء من محلّه،و منه قيل:بعث فلان راحلته،إذا أسارها من مبركها للسّير.
[ثمّ استشهد بشعر و نقل الأقوال ثمّ اختار قول السّدّيّ المتقدّم](1:290)
نحوه البغويّ.(1:119)
القمّيّ: فهم السّبعون الّذين اختارهم موسى ليسمعوا كلام اللّه،فلمّا سمعوا الكلام قالوا:لن نؤمن لك يا موسى حتّى نرى اللّه جهرة؛فبعث اللّه عليهم صاعقة فاحترقوا،ثمّ أحياهم اللّه بعد ذلك و بعثهم أنبياء.فهذا دليل على الرّجعة في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه قال صلّى اللّه عليه و آله:
«لم يكن في بني إسرائيل شيء إلاّ و في أمّتي مثله».
(1:47)
الطّوسيّ: قوله: بَعَثْناكُمْ: أحييناكم،عند أكثر المفسّرين،كالحسن و قتادة و غيرهما.و قال السّدّيّ:
بعثناكم أنبياء.
و الأوّل أصحّ،لأنّه ظاهر الكلام،فلا يجوز العدول عنه،[إلى أن قال:]
فإن قيل:هل يجوز أن يردّ اللّه أحدا إلى التّكليف بعد أن مات،و عاين ما يضطرّه إلى معرفته باللّه؟
قيل:في ذلك خلاف،قال أبو عليّ: لا يجوز ذلك إلاّ على من لم يضطرّه اللّه إلى معرفته.و قال بعضهم:يجوز التّكليف في الحكمة،و إن اضطرّ إلى المعرفة.و قول أبي عليّ أقوى.
و أعلّ الرّمّانيّ قول أبي عليّ،فإن قيل:لمّا كانت المعرفة لأجل الطّاعات الّتي كلّفها العبد كانت هي الغرض الّذي يتبعه سائر الطّاعات،فلو ارتفع الغرض، ارتفع التّابع له.كما أنّ الغرض في الشّرائع الاستصلاح في الأصول الّتي تجب بالعقل،فلو ارتفع ذلك الغرض، ارتفع وجوب العمل بالشّرع.
و كما أنّه لا يجوز تكليف الطّاعة مع رفع التّمكّن مع المعرفة من غير ضرورة إليها.
قال:و وجه القول الثّاني:أنّه لمّا كان الشّكر على النّعمة يجب في المشاهد مع الضّرورة إلى معرفة النّعم، كان الشّكر للنّعمة الّتي هي أجلّ من نعمة كلّ منعم في الشّاهد أولى أن تجب مع الاضطرار إلى المعرفة.و لأبي عليّ أن يقول:لا تمنع من الوجوب،لكن لا يجوز التّكليف،لأنّ الغرض المعرفة،أي هي أصل ما وقع التّكليف به للعباد.
و الّذي أقوله:إنّ الّذي يحيا بعد الإماتة،إن كان لم يخلق له المعرفة الضّروريّة لم يضطرّ إليها،فإنّه يمتنع تكليفه،لأنّ العلم بأنّ الإحياء بعد الإماتة،لا يقدر عليه غير اللّه،طريقه الدّليل و غوامض الاستدلال فليس إحياؤه بعد الإماتة ما يوجب أن يكون مضطرّا إلى معرفته،فلذلك يصحّ تكليفه،و ليس الإحياء بعد الإماتة إلاّ كالانتباه من النّوم و الإفاقة بعد الغشية،فإنّ ذلك لا يوجب علم الاضطرار.
و إن فرضنا أنّه خلق فيه المعارضة ضرورة، فلا يحسن تكليفه،لأنّ حسن التّكليف موقوف على إزاحة علّة المكلّف من فعل اللّطف،و الإقدار و غير ذلك.
و من جملة الألطاف تكليفه للمعرفة.و الضّروريّة لا تقوم مقامها على ما بيّنّاه في الأصول؛و إذا لا يحسن تكليفه،لأنّه يصير مكلّفا و لم يفعل به ما هو لطف له،
ص: 73
و ذلك لا يجوز.
و قوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ معناه لكي تشكروا، و هذه لام الغرض.و فيه دليل على فساد قول المجبّرة:
إنّ اللّه تعالى ما أراد من الكفّار الشّكر،لأنّه لو أراد كفرهم،لقال:لتكفروا،و ذلك خلاف القرآن.
و من استدلّ بها على جوازها كان صحيحا،لأنّ من منع منه و أحاله،فالقرآن يكذبه،و إن استدلّ به على وجوب الرّجعة و حصولها فلا يصحّ،لأنّ إحياء قوم في وقت،ليس بدلالة على إحياء آخرين في وقت آخر، ذلك يحتاج إلى دلالة أخرى.
و قول من قال:لا تجوز الرّجعة،لأنّ ذلك معجزة و دلالة على نبوّة نبيّ،و ذلك لا يجوز إلاّ في زمن نبيّ؛غير صحيح،لأنّ عندنا يجوز إظهار المعجزات على يد الأئمّة و الصّالحين،و قد بيّنّاه في الأصول.
و من ادّعى قيام الحجّة بأنّ الخلق لا يردّون إلى الدّنيا،كما علمنا أن لا نبيّ بعد نبيّنا مقترح مبتدع،لما لا دليل على صحّته،فإنّا لا نخالف في ذلك.
و قال البلخيّ: لا تجوز الرّجعة مع الإعلام بها،لأنّ فيها إغراء بالمعاصي،من جهة الاتّكال على التّوبة في الكرّة الثّانية.
قال الرّمّانيّ: هذا ليس بصحيح،من قبل أنّه لو كان فيها إغراء بالمعصية،لكان في إعلام التّبقية إلى مدّة إغراء بالمعصية،و قد أعلم اللّه تعالى نبيّه و غيره إبليس:أنّه يبقيه إلى يوم يبعثون و لم يكن في ذلك إغراء بالمعصية.
و عندي أنّ الّذي قاله البلخيّ ليس بصحيح،لأنّ من يقول بالرّجعة،لا يقطع على أنّ النّاس كلّهم يرجعون،فيكون في ذلك اتّكال على التّوبة في الرّجعة، فيصير إغراء.فلا أحد من المكلّفين إلاّ و يجوز أن لا يرجع،و إن قطع على الرّجعة في الجملة،و يجوز أن لا يرجع،فكفى في باب الزّجر.
و أمّا قول الرّمّاني:إنّ اللّه تعالى أعلم أقواما مدّة مقامهم.فإنّ ذلك لا يجوز إلاّ فيمن هو معصوم،يؤمن من جهة الخطأ كالأنبياء و من يجري مجراهم في كونهم معصومين.فأمّا من ليس بمعصوم،فلا يجوز ذلك،لأنّه يصير مغرى بالقبح.و أمّا تبقية إبليس مع إعلامه أن يستبقيه إلى يوم القيامة،ففيه جوابان:
أحدهما:أنّه إنّما وعده قطعا بالتبقية بشرط ألاّ يفعل القبيح،و من فعل القبيح حقّ اخترته عقبه،و لا يكون مغرى.
و الثّاني:أنّ اللّه علم أنّه لا يريد بهذا الإعلام فعلا قبيحا،و إلاّ لما كان يفعله،و في ذلك إخراجه من باب الإغراء.و قد قيل:إنّ إبليس قد زال عنه التّكليف،و إنّما أمكنه اللّه من وسوسة الخلق تغليظا للتّكليف،و زيادة في مشاقّهم،و يجري ذلك مجرى زيادة الشّهوات،أنّه يحسن فعلها إذا كان في خلقها تعريض للثّواب الكثير الزّائد.(1:253)
الطّبرسيّ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ أي ثمّ أحييناكم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لاستكمال آجالكم،عن الحسن و قتادة.
و قيل:إنّهم سألوا بعد الإفاقة أن يبعثوا أنبياء فبعثهم اللّه أنبياء،عن السّدّيّ،فيكون معناه بعثناكم أنبياء.
و أجمع المفسّرون إلاّ شرذمة يسيرة:أنّ اللّه لم يكن أمات موسى كما أمات قومه،و لكن غشي عليه،بدلالة
ص: 74
قوله: فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ الأعراف:
143،و الإفاقة إنّما تكون من الغشيان،و قوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي لكي تشكروا اللّه على نعمه الّتي منها ردّه الحياة إليكم.
و في هذا إثبات لمعجزة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و احتجاج على مشركي العرب الّذين كانوا غير مؤمنين بالبعث، لأنّه كان يذكر لهم من أخبار الّذين يبعثهم اللّه في الدّنيا، فكان يوافقه على ذلك من يخالفه من اليهود و النّصارى.
و يجب أن يكون هؤلاء القوم و إن أماتهم اللّه ثمّ أحياهم غير مضطرّين إلى معرفة اللّه عند موتهم،كما يضطرّ الواحد منّا اليوم إلى معرفته عند الموت،بدليل أنّ اللّه أعادهم إلى التّكليف.و المعرفة في دار التّكليف لا تكون ضروريّة بل تكون مكتسبة،و لكن موتهم إنّما كان في حكم النّوم،فأذهب اللّه عنهم الرّوح من غير مشاهدة منهم لأحوال الآخرة.
و ليس في الإحياء بعد الإماتة ما يوجب الاضطرار إلى المعرفة،لأنّ العلم بأنّ الإحياء بعد الإماتة لا يقدر عليه غير اللّه طريقه الدّليل.و ليس الإحياء بعد الإماتة إلاّ قريبا من الانتباه بعد النّوم و الإفاقة بعد الإغماء،في أنّ ذلك لا يوجب علم الاضطرار،و استدلّ قوم من أصحابنا بهذه الآية على جواز الرّجعة.
و قول من قال:إنّ الرّجعة لا تجوز إلاّ في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لتكون معجزا له و دلالة على نبوّته باطل،لأنّ عندنا بل عند أكثر الأمّة يجوز إظهار المعجزات على أيدي الأئمّة و الأولياء،و الأدلّة على ذلك مذكورة في كتب الأصول.
و قال أبو القاسم البلخيّ: لا تجوز الرّجعة مع الإعلام بها،لأنّ فيها إغراء بالمعاصي،من جهة الاتّكال على التّوبة في الكرّة الثّانية.
و جوابه:أنّ من يقول بالرّجعة لا يذهب إلى أنّ النّاس كلّهم يرجعون فيصير إغراء بأن يقع الاتّكال على التّوبة فيها،بل لا أحد من المكلّفين إلاّ و يجوز أن لا يرجع،و ذلك يكفي في باب الزّجر.(1:115)
أبو الفتوح: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ، (ثمّ)حرف مهلة و تراخ،و جاء البعث بعدّة معان:الإحياء و الإيقاظ و الحمل على فعل عمل بمعنى الحثّ و التّحريض، و الإرسال،و النّصب.
فأمّا البعث بمعنى الإحياء فهو قوله هنا،و الحمل على فعل عمل في قوله: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12.
و أمّا الإرسال في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213،و بمعنى النّصب في قوله:
وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً المائدة:12،و بمعنى الإلهام في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31.
فذكر اللّه تعالى معناه بقرينة،لأنّه لفظ مشترك،كي يعلم معنى البعث في هذه الآية.(1:297)
الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لأنّ البعث قد لا يكون إلاّ بعد الموت، كقوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12-11
فإن قلت:هل دخل موسى عليه السّلام في هذا الكلام؟
ص: 75
قلت:لا،لوجهين:
الأوّل:أنّه خطاب مشافهة،فلا يجب أن يتناول موسى عليه السّلام.
الثّاني:أنّه لو تناول موسى لوجب تخصيصه بقوله تعالى في حقّ موسى: فَلَمّا أَفاقَ مع أنّ لفظة الإفاقة لا تستعمل في الموت.
و قال ابن قتيبة:إنّ موسى عليه السّلام قد مات،و هو خطأ لما بيّنّاه،أمّا قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فالمراد أنّه تعالى إنّما بعثهم بعد الموت في دار الدّنيا ليكلّفهم، و ليتمكّنوا من الإيمان و من تلافي ما صدر عنهم من الجرائم.أمّا أنّه كلّفهم،فلقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ و لفظ الشّكر يتناول جميع الطّاعات،لقوله تعالى: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً سبأ:13.
فإن قيل:كيف يجوز أن يكلّفهم و قد أماتهم،و لو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكلّف أهل الآخرة إذا بعثهم بعد الموت؟
قلنا:الّذي يمنع من تكليفهم في الآخرة ليس هو الإماتة ثمّ الإحياء،و إنّما يمنع من ذلك أنّه قد اضطرّهم يوم القيامة إلى معرفته،و إلى معرفة ما في الجنّة من اللّذّات،و ما في النّار من الآلام،و بعد العلم الضّروريّ لا تكليف.فإذا كان المانع هو هذا لم يمتنع في هؤلاء الّذين أماتهم اللّه بالصّاعقة أن لا يكون قد اضطرّهم،و إذا كان كذلك صحّ أن يكلّفوا من بعد،و يكون موتهم،ثمّ الإحياء بمنزلة النّوم أو بمنزلة الإغماء.
و نقل عن الحسن البصريّ أنّه تعالى قطع آجالهم بهذه الإماتة ثمّ أعادهم،كما أحيا الّذي أماته حين مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها،و أحيا الّذين أماتهم بعد ما خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت.و هذا ضعيف،لأنّه تعالى ما أماتهم بالصّاعقة إلاّ و قد كتب و أخبر بذلك،فصار ذلك الوقت أجلا لموتهم الأوّل،ثمّ الوقت الآخر أجلا لحياتهم.(3:86)
نحوه البروسويّ.(1:140)
القرطبيّ: أي أحييناكم.قال قتادة:ماتوا و ذهبت أرواحهم،ثمّ ردّوا لاستيفاء آجالهم.قال النّحّاس:
و هذا احتجاج على من لم يؤمن بالبعث من قريش، و احتجاج على أهل الكتاب إذ خبّروا بهذا.
و المعنى لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ما فعل بكم من البعث بعد الموت.
و قيل:ماتوا موت همود يعتبر به الغير،ثمّ أرسلوا.
و أصل البعث:الإرسال،و قيل:بل أصله إثارة الشّيء من محلّه،يقال:بعثت النّاقة:أثرتها،أي حرّكتها.[ثمّ استشهد بشعر]
و قال بعضهم: بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:
علّمناكم من بعد جهلكم.
قلت:و الأوّل أصحّ،لأنّ الأصل الحقيقة،و كان موت عقوبة،و منه قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ البقرة:243.(1:404)
أبو حيّان: و دلّ العطف ب(ثمّ)على أنّ بين أخذ الصّاعقة و البعث زمانا تتصوّر فيه المهلة و التّأخير،هو زمان ما نشأ عن الصّاعقة من الموت أو الغشي على الخلاف الّذي مرّ.
ص: 76
و البعث هنا:الإحياء،ذكر أنّهم لمّا ماتوا لم يزل موسى يناشد ربّه في إحيائهم،و يقول:يا ربّ إنّ بني إسرائيل يقولون:قتلت خيارنا،حتّى أحياهم اللّه جميعا رجلا بعد رجل،ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون.
و قيل:معنى البعث الإرسال،أي أرسلناكم،روي أنّه لمّا أحياهم اللّه سألوا أن يبعثهم أنبياء فبعثهم أنبياء.
و قيل:معنى البعث الإفاقة من الغشية،و يتخرّج على قول من قال:إنّهم صعقوا و لم يموتوا.
و قيل:البعث هنا:القيام بسرعة من مصارعهم، و منه: قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52.
و قيل:معنى البعث هنا التّعليم،أي ثمّ علّمناكم من بعد جهلكم.(1:212)
نحوه الآلوسيّ.(1:262)
محمّد عبده: إنّ المراد بالبعث هو كثرة النّسل، أي إنّه بعد ما وقع فيهم الموت بالصّاعقة و غيرها و ظنّ أن سينقرضون،بارك اللّه في نسلهم ليعدّ الشّعب بالبلاء السّابق،للقيام بحقّ الشّكر على النّعم الّتي تمتّع بها الآباء الّذين حلّ بهم العذاب،بكفرهم لها.
و العبرة الاجتماعيّة في الآيات:أنّ الخطاب في كلّ ما تقدّم كان موجّها إلى الّذين كانوا في عصر التّنزيل، و أنّ الكلام عن الأبناء و الآباء واحد لم تختلف فيه الضّمائر،حتّى كأنّ الّذين قتلوا أنفسهم بالتّوبة و الّذين صعقوا بعد ذلك هم المطالبون بالاعتبار و بالشّكر.
و ما جاء الخطاب بهذا الأسلوب إلاّ لبيان معنى وحدة الأمّة و اعتبار أنّ كلّ ما يبلوها اللّه به من الحسنات و السّيّئات و ما يجازيها به من النّعم و النّقم إنّما يكون لمعنى موجود فيها،يصحّ أن يخاطب اللاّحق منها بما كان للسّابق،كأنّه وقع به،ليعلم النّاس أنّ سنّة اللّه تعالى في الاجتماع الإنسانيّ أن تكون الأمم متكافلة،يعتبر كلّ فرد منها سعادته بسعادة سائر الأفراد و شقاءه بشقائهم، و يتوقّع نزول العقوبة به إذا فشت الذّنوب في الأمّة و إن لم يواقعها هو وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الأنفال:25.
و هذا التّكافل في الأمم هو المعراج الأعظم لرقيّها، لأنّه يحمل الأمّة الّتي تعرفه على التّعاون على الخير و المقاومة للشّرّ،فتكون من المفلحين.(1:322)
المراغيّ: يرى بعض المفسّرين أنّ اللّه أحياهم بعد أن وقع فيهم الموت بالصّاعقة و غيرها ليستوفوا بقيّة آجالهم و أرزاقهم،و كانت تلك الموتة لهم كالسّكتة القلبيّة لغيرهم.(1:121)
عبد الكريم الخطيب: و قد كاد يكون إجماع المفسّرين على أنّ«البعث»في قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة:56،هو إحياؤهم بعد أن أخذتهم الصّاعقة،و أنّ كلمتي:البعث و الموت هنا مجازيّتان في مقابل اليقظة و النّوم،كما في قوله تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:42.
و الأولى عندي أن يحمل المعنى على ظاهر اللّفظ، فيكون الموت موتا حقيقيّا،و البعث بعثا حقيقيّا أيضا، أي بعث الآخرة،و يشهد لهذا الوجه العطف ب(ثمّ)في هذه الآية ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، كما يقوّيه
ص: 77
أيضا ما جاء لسان موسى في قوله تعالى مخاطبا ربّه: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّايَ الأعراف:155،فلو أنّهم عادوا إلى الحياة مرّة أخرى لما كان لموسى أن يسأل ربّه ما سأل.
و أحسب أنّ الّذي حمل المفسّرين على القول بإحياء القوم بعد أن أخذتهم الرّجفة،حتّى أعيدوا إلى الحياة الدّنيا مرّة أخرى،هو قوله تعالى في خاتمة الآية:
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ كأنّ استحقاق الشّكر لا يكون إلاّ عن البعث الدّنيويّ،و كأنّ البعث الأخرويّ ليس بالنّعمة المستأهلة للحمد و الشّكر.و هذا غير صحيح،فالحياة على أيّة حال من الأحوال خير من العدم و اللّه سبحانه و تعالى يقول: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52،و المراد بالدّعوة هنا الدّعوة إلى الحشر، الّتي يستجيب لها الأموات جميعا بالحمد للّه ربّ العالمين.
ثمّ إنّ مجيء الآيات بعد هذا خطابا عامّا لبني إسرائيل،معدّدة النّعم الّتي أنعم اللّه بها عليهم،مذكّرة بالبعث بين عرض هذه النّعم،فيه إيقاظ للشّعور بيوم الجزاء و العمل له،و تغليظ للمنكرات الّتي يقترفها القوم، في مواجهة هذه النّعم الجليلة المتتابعة عليهم.(1:86)
1- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً.
الكهف:12
ابن عبّاس: أيقظناهم كما ناموا.(244)
مثله الطّبرسيّ(3:452)،و البيضاويّ(2:5)، و النّسفيّ(3:4)،و النّيسابوريّ(15:105)، و الشّربينيّ(2:354)،و الكاشانيّ(4:234)،و شبّر (4:61).
الطّبريّ: يقول:ثمّ بعثنا هؤلاء الفتية الّذين أووا إلى الكهف،بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم.(15:206)
الزّجّاج: أي بعثناهم من نومهم،و يقال لكلّ من خرج من الموت إلى الحياة أو من النّوم إلى الانتباه:
مبعوث.و تأويل مبعوث أنّه قد زال عنه ما كان يحبسه عن التّصرّف و الانبعاث.(3:271)
الماورديّ: يعني بالبعث إيقاظهم من رقدتهم.
(3:288)
ابن عطيّة: و البعث:التّحريك بعد سكون،و هذا مطّرد مع لفظة البعث حيث وقعت،و قد يكون السّكون في الشّخص أو عن الأمر المبعوث فيه و إن كان الشّخص متحرّكا.(3:500)
الفخر الرّازيّ: يريد من بعد نومهم،يعني أيقظناهم بعد نومهم.(21:83)
القرطبيّ: أي من بعد نومهم،و يقال لمن أحيي أو أقيم من نومه:مبعوث،لأنّه كان ممنوعا من الانبعاث و التّصرّف.(10:363)
أبو حيّان: البعث:التّحريك عن سكون،إمّا في الشّخص و إمّا عن الأمر المبعوث فيه،و إن كان المبعوث فيه متحرّكا.(6:103)
أبو السّعود: أي أيقظناهم من تلك النّومة الثّقيلة الشّبيهة بالموت.(4:172)
البروسويّ: أي أحييناهم بنا.(5:221)
ص: 78
الآلوسيّ: أي أيقظناهم و أثرناهم من نومهم.
(15:212)
القاسميّ: أي أيقظناهم إيقاظا يشبه بعث الموتى.
(11:4026)
المراغيّ: أي ثمّ أيقظناهم من رقدتهم لنعلم أيّ الطّائفتين المتنازعتين في مدّة لبثهم،أضبط في الإحصاء و العدّ لمدّة هذا اللّبث في الكهف.
و خلاصة ذلك:إنّا بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبر حالهم،لنرى أيّهم أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً فيظهر لهم عجزهم،و يفوّضوا ذلك إلى العليم الخبير،و يتعرّفوا ما صنع اللّه بهم من حفظ أبدانهم،فيزدادوا يقينا بكمال قدرته تعالى و علمه،و يستبصروا به في أمر البعث، و يكون ذلك لطفا لمؤمني زمانهم،و آية بيّنة لكفّارهم.
(15:122)
الطّباطبائيّ: المراد بالبعث هو الإيقاظ دون الإحياء،بقرينة الآية السّابقة.(13:249)
عبد المنعم الجمّال: فأنمناهم نوما عميقا في الكهف الّذي دخلوه سنين كثيرة.(3:1774)
2- وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ... الكهف:19
ابن عبّاس: أيقظناهم بعد ما مضى ثلاثمائة سنة و تسع سنين.(245)
مثله شبّر.(4:61)
ابن قتيبة: أحييناهم من هذه النّومة الّتي تشبه الموت.(غريب القرآن:265)
الطّبريّ: بعثناهم من رقدتهم،و أيقظناهم من نومهم لنعرّفهم عظيم سلطاننا.(15:216)
مثله المراغيّ.(15:131)
الماورديّ: يعني به إيقاظهم من نومهم.
(3:293)
مثله الشّربينيّ(2:357)،و البروسويّ(5:228).
الطّوسيّ: أي كما حفظنا أحوالهم طول تلك المدّة (بعثناهم)من تلك الرّقدة،لأنّ أحد الأمرين كالآخر في أنّه لا يقدر عليه إلاّ اللّه تعالى.
بيّن اللّه تعالى أنّه بعث أهل الكهف بعد نومهم الطّويل و رقدتهم البعيدة،ليسأل بعضهم بعضا عن مدّة مقامهم،فيتنبّهوا بذلك على معرفة صانعهم إن كانوا كفّارا من قومهم.و إن كانوا مؤمنين تثبّتوا زيادة على ما معهم، و يزدادوا يقينا إلى يقينهم.(7:24)
الزّمخشريّ: و كما أنمناهم تلك النّومة كذلك بعثناهم ادّكارا بقدرته على الإنامة و البعث جميعا،ليسأل بعضهم بعضا و يعرفوا حالهم و ما صنع اللّه بهم،فيعتبروا و يستدلّوا على عظم قدرة اللّه تعالى،و يزدادوا يقينا، و يشكروا ما أنعم اللّه به عليهم،و كرّموا به.(2:476)
نحوه القاسميّ.(11:4033)
القرطبيّ: البعث:التّحريك عن سكون،و المعنى كما ضربنا على آذانهم و زدناهم هدى و قلّبناهم،بعثناهم أيضا،أي أيقظناهم من نومهم على ما كانوا عليه من هيئاتهم في ثيابهم و أحوالهم.(10:374)
النّسفيّ: و كما أنمناهم تلك النّومة كذلك أيقظناهم إظهارا للقدرة على الإنامة و البعث جميعا.(3:6)
ص: 79
أبو السّعود: أي كما أنمناهم و حفظنا أجسادهم من البلى و التّحلّل آية دالّة على كمال قدرتنا،بعثناهم من النّوم.(4:179)
الكاشانيّ: و كما أنمناهم آية،بعثناهم آية على كمال قدرتنا.(3:236)
الآلوسيّ: أي كما أنمناهم هذه الإنامة الطّويلة و هي المفهومة ممّا مرّ،أيقظناهم.فالمشبّه:الإيقاظ،و المشبّه به:
الإنامة المشار إليها،و وجه الشّبه:كون كلّ منهما آية دالّة على كمال قدرته الباهرة عزّ و جلّ.(15:229)
الطّباطبائيّ: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ إلى إنامتهم بالصّورة الّتي مثّلتها الآيات السّابقة،أي كما أنمناهم في الكهف دهرا طويلا على هذا الوضع العجيب المدهش الّذي كان آية من آياتنا،كذلك بعثناهم و أيقظناهم ليتساءلوا بينهم.
و هذا التّشبيه و جعل التّساؤل غاية للبعث-مع ما تقدّم من دعائهم لدى ورود الكهف،و إنامتهم إثر ذلك-يدلّ على أنّهم إنّما بعثوا من نومتهم ليتساءلوا فيظهر لهم حقيقة الأمر،و إنّما أنيموا و لبثوا في نومتهم دهرا ليبعثوا،و قد نوّمهم اللّه إثر دعائهم و مسألتهم رحمة من عند اللّه و اهتداء مهيّأ من أمرهم.
فقد كان أزعجهم استيلاء الكفر على مجتمعهم، و ظهور الباطل،و إحاطة القهر و الجبر،و هجم عليهم اليأس و القنوط من ظهور كلمة الحقّ،و حرّيّة أهل الدّين في دينهم،فاستطالوا لبث الباطل في الأرض و ظهوره على الحقّ،كالّذي مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها قال:أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها،فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه.
و بالجملة لمّا غلبت عليهم هذه المزعمة و استيأسوا من زوال غلبة الباطل،أنامهم اللّه سنين عددا،ثمّ بعثهم ليتساءلوا فيجيبوا بيوم أو بعض يوم،ثمّ ينكشف لهم تحوّل الأحوال و مرور مئات من السّنين عند غيرهم، و هي بنظرة أخرى كيوم أو بعض يوم،فيعلموا أنّ طول الزّمان و قصره ليس بذاك الّذي يميت حقّا أو يحيي باطلا،و إنّما هو اللّه سبحانه جعل ما على الأرض زينة لها، و جذب إليها الإنسان،و أجرى فيها الدّهور و الأيّام ليبلوهم أيّهم أحسن عملا،و ليس للدّنيا إلاّ أن تغرّ بزينتها طالبيها ممّن أخلد إلى الأرض و اتّبع هواه.
و هذه حقيقة لا تزال لائحة للإنسان،كلّما انعطف على ما مرّت عليه من أيّامه السّالفة،و ما جرت عليه من الحوادث حلوها و مرّها،وجدها كطائف في نومة أو سنة في مثل يوم،غير أنّ سكر الهوى و التّلهّي بلهو الدّنيا لا يدعه أن ينتبه للحقّ فيتبعه،لكنّ للّه سبحانه على الإنسان يوم لا يشغله عن مشاهدة هذه الحقيقة شاغل من زينة الدّنيا و زخرفها و هو يوم الموت،كما عن عليّ عليه السّلام:«النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»و يوم آخر و هو يطوي فيه بساط الدّنيا و زينتها،و يقضي على العالم الإنسانيّ بالبيد و الانقراض.
و قد ظهر بما تقدّم أنّ قوله تعالى: لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ الكهف:19،غاية لبعثهم،و اللاّم لتعليل الغاية، و تنطبق على ما مرّ من الغاية في قوله: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12.
و ذكر بعضهم:أنّه بعض الغاية وضع موضعها
ص: 80
لاستتباعه لسائر آثار البعث،كأنّه قيل:ليتساءلوا بينهم،و ينجرّ ذلك إلى ظهور أمرهم،و انكشاف الآية و ظهور القدرة.و هذا مع عدم شاهد عليه من جهة اللّفظ تكلّف ظاهر.(13:257)
1- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. الأنعام:65
راجع«عذب و قدر».
2- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. النّحل:38
ابن عبّاس: إنّ رجالا يقولون:إنّ عليّا مبعوث قبل يوم القيامة،و يتأوّلون وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ الآية،لو كنّا نعلم أنّ عليّا مبعوث،ما تزوّجنا نساءه،و لا قسمنا ميراثه، و لكن هذه للنّاس عامّة.(الطّبريّ 14:105)
نحوه قتادة.(الطّبريّ 14:105) أبو العالية :كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين،فأتاه يتقاضاه،فكان فيما تكلّم به:
و الّذي أرجوه بعد الموت إنّه لكذا،فقال المشرك:إنّك تزعم أنّك تبعث بعد الموت،فأقسم باللّه جهد يمينه:
لا يبعث اللّه من يموت،فأنزل اللّه وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ الآية.(الطّبريّ 14:105)
نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 14:105)
[القمّيّ عن أبيه]عن بعض رجاله يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما يقول النّاس فيها؟
قال:يقولون:نزلت في الكفّار.
قال:إنّ الكفّار كانوا لا يحلفون باللّه،و إنّما نزلت في قوم من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،قيل لهم:ترجعون بعد الموت قبل القيامة،فحلفوا أنّهم لا يرجعون.
فردّ اللّه عليهم،فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ النّحل:
39،يعني في الرّجعة يردّهم فيقتلهم،و يشفي صدور المؤمنين فيهم.[و في هذا المعنى روايات أخرى،و كلّها تأويل](القمّيّ 1:385)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و حلف هؤلاء المشركون من قريش بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ حلفهم:
لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بعد مماته،و كذبوا و أبطلوا في أيمانهم الّتي حلفوا بها كذلك،بل سيبعثه اللّه بعد مماته، وَعْداً عَلَيْهِ أن يبعثهم وعد عباده.(14:104)
الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى:ثمّ إنّ هؤلاء الكفّار حلفوا باللّه على قدر طاقتهم و جهدهم:أنّه لا يحشر اللّه أحدا يوم القيامة،و لا يحييه بعد موته،ثمّ كذّبهم تعالى في ذلك،فقال:(بلى)يحشرهم و يبعثهم(وعدا)وعدهم به،و لا يخلف وعده.(6:381)
ابن عطيّة: و البعث من القبور ممّا يجوّزه العقل، و أثبته خبر الشّريعة على لسان جميع النّبيّين.
و قال بعض الشّيعة: إنّ الإشارة بهذه الآية إنّما هي لعليّ بن أبي طالب،و إنّ اللّه سيبعثه في الدّنيا،و هذا هو القول بالرّجعة.
ص: 81
و قولهم هذا باطل و افتراء على اللّه و بهتان من القول،ردّه ابن عبّاس و غيره.(3:393)
الطّبرسيّ: أي لا يحشر اللّه أحدا يوم القيامة، و لا يحيي من يموت بعد موته،ثمّ كذّبهم اللّه تعالى في ذلك، فقال:(بلى)يحشرهم اللّه و يبعثهم،(وعدا)وعدهم به، (عليه)إنجازه و تحقيقه من حيث الحكمة،(حقّا)ذلك الوعد ليس له خلف؛إذ لو لا البعث لما حسن التّكليف، لأنّ التّكليف إنّما يحسن لإثابة من عوّض به.(3:360)
الفخر الرّازيّ: و فيه مسألتان:
المسألة الأولى:اعلم أنّ هذا هو الشّبهة الرّابعة لمنكري النّبوّة،فقالوا:القول بالبعث و الحشر و النّشر باطل،فكان القول بالنّبوّة باطلا.
أمّا المقام الأوّل:فتقريره أنّ الإنسان ليس إلاّ هذه البنية المخصوصة،فإذا مات و تفرّقت أجزاؤه و بطل ذلك المزاج و الاعتدال،امتنع عوده بعينه،لأنّ الشّيء إذا عدم فقد فني و لم يبق له ذات،و لا حقيقة بعد فنائه و عدمه،فالّذي يعود يجب أن يكون شيئا مغايرا للأوّل فلا يكون عينه.
و أمّا المقام الثّاني:و هو أنّه لمّا بطل القول بالبعث بطل القول بالنّبوّة،و تقريره من وجهين:
الأوّل:أنّ محمّدا كان داعيا إلى تقرير القول بالمعاد، فإذا بطل ذلك ثبت أنّه كان داعيا إلى القول الباطل.و من كان كذلك لم يكن رسولا صادقا.
الثّاني:أنّه يقرّر نبوّة نفسه و وجوب طاعته بناء على التّرغيب في الثّواب و التّرهيب عن العقاب،و إذا بطل ذلك بطلت نبوّته.
إذا عرفت هذا فنقول:قوله: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ معناه أنّهم كانوا يدّعون العلم الضّروريّ بأنّ الشّيء إذا فني و صار عدما محضا و نفيا صرفا،فإنّه بعد هذا العدم الصّرف لا يعود بعينه بل العائد يكون شيئا آخر غيره.و هذا القسم و اليمين إشارة إلى أنّهم كانوا يدّعون العلم الضّروريّ بأنّ عوده بعينه بعد عدمه محال في بديهة العقل، وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ على أنّهم يجحدون في قلوبهم و عقولهم هذا العلم الضّروريّ.
و أمّا بيان أنّه لمّا بطل القول بالبعث بطل القول بالنّبوّة،فلم يذكره على سبيل التّصريح،لأنّه كلام جليّ متبادر إلى العقول،فتركوه لهذا العذر.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ القول بالبعث ممكن و يدلّ عليه وجهان:
الوجه الأوّل:أنّه وعد حقّ على اللّه تعالى،فوجب تحقيقه،ثمّ بيّن السّبب الّذي لأجله كان وعدا حقّا على اللّه تعالى و هو التّمييز بين المطيع،و بين العاصي و بين المحقّ و المبطل،و بين الظّالم و المظلوم،و هو قوله: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ النّحل:39،و هذه الطّريقة قد بالغنا في شرحها و تقريرها في سورة يونس.
و الوجه الثّاني:في بيان إمكان الحشر و النّشر أنّ كونه تعالى موجدا للأشياء و مكوّنا لها،لا يتوقّف على سبق مادّة و لا مدّة و لا آلة،و هو تعالى إنّما يكوّنها بمحض قدرته و مشيئته،و ليس لقدرته دافع و لا لمشيئته مانع.
فعبّر تعالى عن هذا النّفاذ الخالي عن المعارض بقوله:
إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
ص: 82
النّحل:40.
و إذا كان كذلك فكما أنّه تعالى قدر على الإيجاد في الابتداء،وجب أن يكون قادرا عليه في الإعادة؛فثبت بهذين الدّليلين القاطعين أنّ القول بالحشر و النّشر و البعث و القيامة حقّ و صدق،و القوم إنّما طعنوا في صحّة النبوّة بناء على الطّعن في هذا الأصل،فلمّا بطل هذا الطّعن بطل أيضا طعنهم في النّبوّة،و اللّه أعلم.(20:30)
الآلوسيّ: و هو مبنيّ على أنّ الميّت يعدم و يفنى و أنّ البعث إعادة له،و أنّه يستحيل إعادة المعدوم.و قد ذهب إلى هذه الاستحالة الفلاسفة،و لم يوافقهم في دعوى ذلك أحد من المتكلّمين إلاّ الكراميّة، و أبو الحسين البصريّ من المعتزلة،و احتجّوا عليها بما ردّه المحقّقون.
و بعضهم ادّعى الضّرورة في ذلك،و أنّ ما يذكر في بيانه تنبيهات عليه،فقد نقل الإمام عن الشّيخ أبي عليّ ابن سينا أنّه قال:كلّ من رجع إلى فطرته السّليمة و رفض عن نفسه الميل و التّعصّب شهد عقله الصّريح بأنّ إعادة المعدوم بعينه ممتنعة.و في قسم هؤلاء الكفّار على عدم البعث إشارة-كما قال في التّفسير-إلى أنّهم يدّعون العلم الضّروريّ بذلك.
و أنت تعلم أنّه إذا جوّز إعادة المعدوم بعينه-كما هو رأي جمهور المتكلّمين-فلا إشكال في البعث أصلا،و أمّا إن قلنا بعدم جواز الإعادة لقيام القاطع على ذلك فقد قيل:نلتزم القول بعدم انعدام شيء من الأبدان حتّى يلزم في البعث إعادة المعدوم،و إنّما عرض لها التّفرّق و يعرض لها في البعث الاجتماع فلا إعادة لمعدوم،و فيه بحث،و إن أيّد بقصّة إبراهيم عليه السّلام.
و من هنا قال المولى ميرزا جان:لا مخلص إلاّ بأن يقال:ببقاء النّفس المجرّدة،و أنّ البدن المبعوث مثل البدن الّذي كان في الدّنيا و ليس عينه بالشّخص،و لا ينافي هذا قانون العدالة؛إذ الفاعل هو النّفس ليس إلاّ و البدن بمنزلة السّكّين بالنّسبة إلى القطع،فكما أنّ الأثر المترتّب على القطع من المدح و الذّمّ و الثّواب و العقاب إنّما هو للقاطع لا للسّكّين،كذلك الأثر المترتّب على أفعال الإنسان إنّما هو للنّفس،و هي المتلذّذة و المتألّمة تلذّذا أو تألّما عقليّا أو حسّيّا فليس يلزم خلاف العدالة.
و أمّا الظّواهر الدّالّة على عود ذلك الشّخص بعينه فمؤولة لفرض القاطع الدّالّ على الامتناع،و ذلك بأن يقال:المراد إعادة مادّته مع صورة كانت أشبه الصّور إلى الصّورة الأولى فتدبّر،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في سورة «يس»تحقيق هذا المطلب على أتمّ وجه.(14:140)
المراغيّ: بعد أن ذكر عزّ اسمه حجّتهم،و قولهم:
إنّه لا حاجة إلى الأنبياء جميعا،لأنّا مجبورون فيما نفعل، و أنّه لو شاء اللّه أن نهتدي لكان،دون حاجة إلى إرسال الأنبياء.و ردّه عليهم بأنّ الحاجة إليهم إنّما هي في تبليغ ما أمر به و ترك ما نهى عنه،و لا يلزمون أحدا بإيمان و لا كفر،أردف هذا بشبهة أخرى لهم،إذ قالوا:إنّما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب و عقاب،و لكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة و لا معقولة،ذاك أنّ الجسم إذا تفرّق و ذهبت أجزاؤه كلّ مذهب امتنع أن يعود بعينه ليحاسب و يعاقب.
ص: 83
فردّ اللّه عليهم ما قالوا:بأنّ هذا ممكن،و قد وعد عليه وعدا حقّا،و أنّه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطّيّب و العاصي من المطيع،و أيضا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقّف على سبق مادّة و لا آلة،بل يقع ذلك بمحض قدرته و مشيئته،و ليس لقدرته دافع و لا مانع.
(14:82)
نحوه عبد المنعم الجمّال.(2:1659)
سيّد قطب: و لقد كانت قضيّة البعث دائما هي مشكلة العقيدة عند كثير من الأقوام،منذ أن أرسل اللّه رسله للنّاس،يأمرونهم بالمعروف و ينهونهم عن المنكر، و يخوّفونهم حساب اللّه يوم البعث و الحساب.
و هؤلاء المشركون من قريش أقسموا باللّه جهد أيمانهم:لا يبعث اللّه من يموت!فهم يقرّون بوجود اللّه و لكنّهم ينفون عنه بعث الموتى من القبور،يرون هذا البعث أمرا عسيرا بعد الموت و البلى و تفرّق الأشلاء و الذّرّات.
و غفلوا عن معجزة الحياة الأولى،و غفلوا عن طبيعة القدرة الإلهيّة،و أنّها لا تقاس إلى تصوّرات البشر و طاقتهم،و أنّ إيجاد شيء لا يكلّف تلك القدرة شيئا، فيكفي أن تتوجّه الإرادة إلى كون الشّيء ليكون.
و غفلوا كذلك عن حكمة اللّه في البعث،و هذه الدّنيا لا يبلغ أمر فيها تمامه.فالنّاس يختلفون حول الحقّ و الباطل،و الهدى و الضّلال،و الخير و الشّرّ،و قد لا يفصل بينهم فيما يختلفون فيه في هذه الأرض،لأنّ إرادة اللّه شاءت أن يمتدّ ببعضهم الأجل،و ألاّ يحلّ بهم عذابه الفاصل في هذه الدّيار،حتّى يتمّ الجزاء في الآخرة،و يبلغ كلّ أمر تمامه هناك.(4:2171)
الطّباطبائيّ: إنكار للحشر،و الجملة كناية عن أنّ الموت فناء فلا يتعلّق به بعده خلق جديد،و هذا لا ينافي قول كلّهم أو جلّهم بالتّناسخ،فإنّه قول بتعلّق النّفس بعد مفارقتها البدن ببدن آخر إنسانيّ أو غير إنسانيّ،و عيشها في الدّنيا،و هو قولهم:بالتّولّد بعد التّولّد.
و قوله: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا النّحل:38،أي ليس الأمر كما يقولون:بل يبعث اللّه من يموت،وعده وعدا ثابتا عليه حقّا،أي إنّ اللّه سبحانه أوجبه على نفسه بالوعد الّذي وعد عباده،و أثبته إثباتا فلا يتخلّف و لا يتغيّر.(12:247)
وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. الأعراف:167
سعيد بن جبير: هم أهل الكتاب،بعث اللّه عليهم العرب يجبونهم الخراج إلى يوم القيامة،فهو سوء العذاب،و لم يجب نبيّ الخراج قطّ إلاّ موسى عليه السّلام ثلاث عشرة سنة ثمّ أمسك،و إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.
(الطّبريّ 9:103)
قتادة: يبعث عليهم هذا الحيّ من العرب،فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.(الطّبريّ 9:103)
الطّبريّ: يعني أعلم ربّك ليبعثنّ على اليهود من يسومهم سوء العذاب،قيل:إنّ ذلك العرب،بعثهم اللّه
ص: 84
على اليهود يقاتلون من لم يسلم منهم،و لم يعط الجزية، و من أعطى منهم الجزية كان ذلك له صغارا و ذلّة.
(9:102)
الطّوسيّ: و في الآية دليل على أنّ اليهود لا يكون لهم دولة إلى يوم القيامة،و لا عزّ لهم أيضا.
و قيل:في معنى البعث هاهنا قولان:
أحدهما:الأمر و الإطلاق،و الآخر:التّخلية،و إن وقع على وجه المعصية،كما قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83.
(5:22)
مثله الطّبرسيّ.(4:494)
الزّمخشريّ: و معنى(ليبعثنّ عليهم)ليسلّطنّ عليهم،كقوله: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الإسراء:5.(2:127)
الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ففيه بحثان:
البحث الأوّل:أنّ اللاّم في قوله(ليبعثنّ)جواب القسم،لأنّ قوله: وَ إِذْ تَأَذَّنَ جار مجرى القسم،في كونه جازما بذلك الخبر.
البحث الثّاني:الضّمير في قوله:(عليهم)يقتضي أن يكون راجعا إلى قوله: فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ الأعراف:166،لكنّه قد علم أنّ الّذين مسخوا لم يستمرّ عليهم التّكليف.
ثمّ اختلفوا،فقال بعضهم:المراد نسلهم و الّذين بقوا منهم.
و قال آخرون:بل المراد سائر اليهود،فإنّ أهل القرية كانوا بين صالح و بين متعدّ،فمسخ المتعدّي و ألحق الذّلّ بالبقيّة.
و قال الأكثرون:هذه الآية في اليهود الّذين أدركهم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و دعاهم إلى شريعته،و هذا أقرب،لأنّ المقصود من هذه الآية تخويف اليهود الّذين كانوا في زمان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و زجرهم عن البقاء على اليهوديّة، لأنّهم إذا علموا بقاء الذّلّ عليهم إلى يوم القيامة انزجروا...(15:41)
البيضاويّ: و المعنى و إذ أوجب ربّك على نفسه ليسلّطنّ على اليهود مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ.
(1:375)
مثله النّسفيّ(2:83)،و القاسميّ(7:2893).
الخازن: اللاّم في قوله:(ليبعثنّ)جواب القسم، لأنّ قوله: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ جار مجرى القسم،لكونه جزما،و جواب القسم لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ.
[ثمّ ذكر الاختلاف في مرجع الضّمير في(عليهم)كما تقدّم عن الفخر و أضاف:]
و أورد على هذا بأنّ في آخر الزّمان يكون لهم عزّة، و ذلك عند خروج الدّجّال لأنّ اليهود أتباعه و أشياعه.
و أجيب عنه بأنّ ذلك العزّ الّذي يحصل لهم هو في نفسه غاية الذّلّة،لأنّهم يدّعون إلهيّة الدّجّال فيزدادون كفرا على كفرهم،فإذا هلك الدّجّال أهلكهم المسلمون و قتلوهم جميعا،فذلك هو الذّلّة و الصّغار المشار إليه بقوله تعالى: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ. (2:250)
شبّر:البعث هنا هو الأمر و الإطلاق أو التّخلية.
(2:431)
ص: 85
الآلوسيّ: أي اليهود لا المعتدين الّذين مسخوا قردة؛إذ لم يبقوا كما علمت.و يحتمل عود الضّمير:عليهم بناء على ما روي عن الحسن،و المراد حينئذ:هم و أخلافهم،و عوده إلى اليهود و النّصارى ليس بشيء و إن روي عن مجاهد،و الجارّ متعلّق ب(يبعثنّ)على معنى يسلّط عليهم البتّة.(9:94)
وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. الإسراء:79
راجع«ق و م»مقاما.
وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى... الأنعام:60
ابن عبّاس: يردّ إليكم أرواحكم.(111)
مثله النّيسابوريّ.(7:122)
قتادة: البعث:اليقظة.(الطّبريّ 7:215)
الجبّائيّ: ينبّهكم من نومكم في النّهار.
(الطّبريّ 7:215)
مثله الزّجّاج(2:258)،و الكاشانيّ(2:126).
الطّبريّ: ثمّ يبعثكم،يثيركم،و يوقظكم من منامكم فيه،يعني في النّهار،و الهاء الّتي فيه راجعة على النّهار.(7:215)
الماورديّ: يعني في النّهار باليقظة،و تصرّف الرّوح بعد قبضها بالنّوم.(2:123)
البغويّ: أي يوقظكم في النّهار.(2:130)
مثله الخازن.(2:117)
أبو الفتوح: يعني يوقظكم من النّوم في النّهار.
و البعث:الإيقاظ من النّوم،و هو المراد هنا،و نظيره قوله تعالى: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ الكهف:19.
و البعث:إحياء الموتى من قوله تعالى: وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. الحجّ:7.
و البعث:إرسال الأنبياء في قوله: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً.
و البعث:الحثّ و التّحريض،يقال:بعثته على كذا، إذا حرّضته عليه.
أي بعد ذلك يوقظكم من نومكم نهارا.(7:319)
الفخر الرّازيّ: أي يردّ إليكم أرواحكم في النّهار.
و البعث هاهنا:اليقظة،ثمّ قال: لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى أي أعماركم المكتوبة.و هي قوله: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ الأنعام:2.
و المعنى يبعثكم من نومكم إلى أن تبلغوا آجالكم، و معنى القضاء فصل الأمر على سبيل التّمام،و معنى قضاء الأجل فصل مدّة العمر من غيرها بالموت.
و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر أنّه ينيمهم أوّلا ثمّ يوقظهم ثانيا كان ذلك جاريا مجرى الإحياء بعد الإماتة،لا جرم استدلّ بذلك على صحّة البعث و القيامة.(13:12)
البيضاويّ: (يبعثكم):يوقظكم،أطلق البعث ترشيحا للتّوفّي.(1:314)
ص: 86
الشّربينيّ: أي يوقظكم بردّ أرواحكم.
(1:425)
أبو السّعود: أي يوقظكم في النّهار،عطف على (يتوفّاكم)و توسيط قوله تعالى:(و يعلم)بينهما لبيان ما في بعثهم من عظيم الإحسان إليهم،بالتّنبيه على أنّ ما يكتسبونه من السّيّئات مع كونها موجبة لإبقائهم على التّوفّي بل لإهلاكهم بالمرّة يفيض عليهم الحياة و يمهلهم، كما ينبئ عنه كلمة التّراخي،كأنّه قيل:هو الّذي يتوفّاكم في جنس اللّيالي ثمّ يبعثكم في جنس النّهار مع علمه بما ستجرحون فيها.(2:395)
مثله البروسويّ.(3:44)
الآلوسيّ: أي يوقظكم في النّهار،هل هو حقيقة في هذا المعنى أو مجاز؟فيه قولان؛و المتبادر منه في عرف الشّرع إحياء الموتى في الآخرة،و جعلوه ترشيحا للتّوفّي،و هو ظاهر جدّا على المتبادر في عرف الشّرع، لاختصاصه بالمشبّه به.
و يقال على غيره:إنّه لا يشترط في التّرشيح اختصاصه بالمشبّه به بل أن يكون أخصّ به بوجه،كما قرّروه في قوله:«له لبد أظفاره لم تقلم»،و البعث في الموتى أقوى،لأنّ عدم الإحساس فيه كذلك،فإزالته أشدّ.
و قد صرّحوا أيضا أنّ التّرشيح يجوز أن يكون باقيا على حقيقته تابعا للاستعارة،لا يقصد به إلاّ تقويتها.
و يجوز أن يكون مستعارا من ملائم المستعار منه لملائم المستعار له.(7:174)
رشيد رضا: أي ثمّ إنّه بعد توفّيكم بالنّوم يثيركم و يرسلكم منه في النّهار.[إلى أن قال:]
فإن قيل:كان الظّاهر أن يقال:و هو الّذي يتوفّاكم باللّيل ثمّ يبعثكم بالنّهار و يعلم ما جرحتم فيه،فما نكتة هذا التّقديم و التّأخير في الآية؟
قلت:الظّاهر المتبادر أنّ تأخير ذكر البعث لأجل أن تتّصل به علّته المقصودة بالذّكر في هذا السّياق،و هي قوله تعالى: لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى أي يوقظكم و يرسلكم في أعمالكم لأجل أن يقضي و ينفذ الأجل المسمّى في علمه تعالى لكلّ فرد منكم،فإنّ لأعماركم آجالا مقدّرة مكتوبة،لا بدّ من قضائها و إتمامها.
(7:480)
مثله المراغيّ.(7:146)
الطّباطبائيّ: سمّي الإيقاظ و التّنبيه بعثا محاذاة لتسمية الإنامة توفّيا،و جعل الغرض من البعث قضاء الأجل المسمّى،و هو الوقت المعلوم عند اللّه الّذي لا يتخطّاه حياة الإنسان الدّنيويّة،كما قال: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:
34.(7:130)
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. الأعراف:14
الماورديّ: فيه قولان:
أحدهما:أنّه سأله الإنظار بالعقوبة إلى البعث،و هو يوم القيامة.
و الثّاني:أنّه سأله الإنظار بالحياة إلى يوم يبعثون، و هو يوم القيامة،لئلاّ يذوق الموت؛فأجيب بالإنظار إلى
ص: 87
يوم الوقت المعلوم،و هي النّفخة الأولى،ليذوق الموت بين النّفختين،و هو أربعون سنة،قاله الكلبيّ.
(2:204)
الطّوسيّ: مدّة للإنظار الّذي طلبه.و البعث:
الإطلاق في الأمر،و الانبعاث:الانطلاق،و البعث و الحشر و النّشر و الجمع نظائر.
و يجوز في يَوْمِ يُبْعَثُونَ ثلاثة أوجه من العربيّة:
بالجرّ و ترك التّنوين على الإضافة،و الجرّ مع التّنوين على الصّفة،و الفتح و ترك التّنوين على البناء.و ليس بالوجه، لأنّ الفعل معرب.(4:389)
الطّبرسيّ: أي يبعث الخلق من قبورهم للجزاء.
و قيل:معناه أنظرني في الجزاء إلى يوم القيامة،فكأنّه خاف أن يعاجله اللّه سبحانه بالعقوبة،يدلّ عليه قوله:
إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ و لم يقل:إلى يوم يموتون،و معلوم أنّ اللّه تعالى لا يبقي أحدا حيّا إلى يوم القيامة.
(2:403)
القرطبيّ: سأل النّظرة و الإمهال إلى يوم البعث و الحساب،طلب ألاّ يموت،لأنّ البعث لا موت بعده.
(7:173)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ المؤمنون:16
ابن عبّاس: تحيون.(285)
الطّوسيّ: أي تحشرون إلى الموقف و الحساب و الجزاء بعد أن كنتم أمواتا.و لا يدلّ ذلك على أنّه لا يحييهم في القبور للمساءلة،لأنّ قوله:إنّه يميتهم عند فناء آجالهم و يبعثهم يوم القيامة،لا يمنع من أن يحييهم فيما بين ذلك،أ لا ترى أنّ القائل لو قال:دخلت بغداد في سنة مائة،و خرجت منها في سنة عشر و مائة،لم يدلّ على أنّه لم يخرج فيما بينهما و عاد،فكذلك الآية.
على أنّ اللّه تعالى أخبر أنّه أحيا قوما،فقال لهم اللّه:
موتوا،ثمّ أحياهم،فلا بدّ من تقدير ما قلناه للجميع.
و فيه دلالة على بطلان قول معمّر و النّظّام،في الإنسان.
(7:355)
الزّمخشريّ: جعل الإماتة الّتي هي إعدام الحياة و البعث الّذي هو إعادة ما يفنيه و يعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء و الاختراع.
فإن قلت:فإذا لا حياة إلاّ حياة الإنشاء و حياة البعث.
قلت:ليس في ذكر الحياتين نفي الثّالثة،و هي حياة القبر،كما لو ذكرت ثلثي ما عندك و طويت ذكر ثلثه، لم يكن دليلا على أنّ الثّلث ليس عندك،و أيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثّلاثة:الإنشاء و الإماتة و الإعادة، و المطويّ ذكرها من جنس الإعادة.(3:28)
مثله الفخر الرّازيّ.(3:86)
الطّبرسيّ: أي تحشرون إلى الموقف و الحساب و الجزاء.
أخبر اللّه سبحانه أنّ هذه البنية العجيبة المبنيّة على أحسن إتقان و إحكام تنقض بالموت لغرض صحيح و هو البعث و الإعادة،و هذا لا يمنع من الإحياء في القبور،لأنّ إثبات البعث في القيامة لا يدلّ على نفي ما عداه،أ لا ترى أنّ اللّه سبحانه أحيا الّذين أخرجوا من ديارهم و هم
ص: 88
ألوف،و أحيا قوم موسى على الجبل بعد ما أماتهم.
و في الآية دلالة على فساد قول النّظّام:في أنّ الإنسان هو الرّوح.و قول معمّر:إنّ الإنسان شيء لا ينقسم،و أنّه ليس بجسم.(4:101)
البروسويّ: تخرجون من قبوركم للحساب و المجازاة بالثّواب و العقاب.(6:73)
الآلوسيّ: تُبْعَثُونَ من قبوركم للحساب و المجازاة بالثّواب و العقاب.
و لم يؤكّد سبحانه أمر البعث تأكيده لأمر الموت،مع كثرة المتردّدين فيه و المنكرين له،اكتفاء بتقديم ما يغني عن كثرة التّأكيد،و يشيّد أركان الدّعوى أتمّ تشييد،من خلقه تعالى الإنسان من سلالة من طين،ثمّ نقله من طور إلى طور حتّى أنشأه خلقا آخر،يستغرق العجائب و يستجمع الغرائب،فإنّ في ذلك أدلّ دليل على حكمته و عظيم قدرته عزّ و جلّ على بعثه و إعادته،و أنّه جلّ و علا لا يهمل أمره و يتركه بعد موته نسيا منسيّا مستقرّا في رحم العدم،كأن لم يكن شيئا.
و لمّا تضمّنت الجملة السّابقة المبالغة في أنّه تعالى شأنه أحكم خلق الإنسان و أتقنه،بالغ سبحانه عزّ و جلّ في تأكيد الجملة الدّالّة على موته مع أنّه غير منكر لما أنّ ذلك سبب لاستبعاد العقل إيّاه أشدّ استبعاد،حتّى يوشك أن ينكر وقوعه من لم يشاهده،و سمع أنّ اللّه جلّ جلاله أحكم خلق الإنسان و أتقنه غاية الإتقان.و هذا وجه دقيق لزيادة التّأكيد في الجملة الدّالّة على الموت و عدم زيادته في الجملة الدّالّة على البعث،لم أر أنّي سبقت إليه.
و قيل في ذلك:إنّه تعالى شأنه لمّا ذكر في الآيات السّابقة من التّكليفات ما ذكر،نبّه على أنّه سبحانه أبدع خلق الإنسان و قلّبه في الأطوار حتّى أوصله إلى طور هو غاية كماله،و به يصحّ تكليفه بنحو تلك التّكليفات، و هو كونه حيّا عاقلا سميعا بصيرا،و كان ذلك مستدعيا لذكر طور يقع فيه الجزاء على ما كلّفه تعالى به،و هو أن يبعث يوم القيامة،فنبّه سبحانه عليه بقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ فالمقصود الأهمّ بعد بيان خلقه و تأهّله للتّكليف بيان بعثه،لكن وسّط حديث الموت، لأنّه برزخ بين طوره الّذي تأهّل به للأعمال الّتي تستدعي الجزاء و بين بعثه،فلا بدّ من قطعه للوصول إلى ذلك،فكأنّه قيل:أيّها المخلوق العجيب الشّأن إنّ ماهيّتك و حقيقتك تفنى و تعدم،ثمّ إنّها بعينها من الأجزاء المتفرّقة و العظام البالية و الجلود المتمزّقة المتلاشية في أقطار الشّرق و الغرب تبعث و تنشر ليوم الجزاء،لإثابة من أحسن فيما كلّفناه به،و عقاب من أساء فيه.فالقرينة الثّانية و هي الجملة الدّالّة على البعث لم تفتقر إلى التّوكيد افتقار الأولى،و هي الجملة الدّالّة على الموت،لأنّها كالمقدّمة لها،و توكيدها راجع إليها، و منه يعلم سرّ نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب،انتهى، و فيه من البعد ما فيه.
و قيل:إنّما بولغ في القرينة الأولى لتمادي المخاطبين في الغفلة،فكأنّهم نزلوا منزلة المنكرين لذلك،و أخليت الثّانية لوضوح أدلّتها و سطوع براهينها.
قال الطّيّبيّ: هذا كلام حسن لو ساعد عليه النّظم الفائق،و ربّما يقال:إنّ شدّة كراهة الموت-طبعا الّتي لا يكاد يسلم منها أحد-نزلت منزلة شدّة الإنكار،
ص: 89
فبولغ في تأكيد الجملة الدّالّة عليه،و أمّا البعث فمن حيث إنّه حياة بعد الموت لا تكرهه النّفوس،و من حيث إنّه مظنّة للشّدائد تكرهه،فلمّا لم يكن حاله كحال الموت و لا كحال الحياة بل بين بين أكّدت الجملة الدّالّة عليه تأكيدا واحدا.و هذا وجه للتّأكيد لم يذكره أحد من علماء المعاني،و لا يضرّ فيه ذلك إذا كان وجيها في نفسه.
(18:17)
الطّباطبائيّ: و هذا تمام التّدبير،و هو أعني البعث آخر مرحلة في مسير الإنسان إذا حلّ بها لزمها،و لا يزال قاطنا بها.(15:22)
إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ.
البقرة:246
الزّمخشريّ: انهض للقتال معنا أميرا،نصدر في تدبير الحرب عن رأيه و ننتهي إلى أمره.
طلبوا من نبيّهم نحو ما كان يفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من التّأمير على الجيوش الّتي كان يجهّزها و من أمرهم بطاعته و امتثال أوامره.(1:378)
نحوه النّيسابوريّ(2:309)،و أبو السّعود(1:185).
البيضاويّ: أقم لنا أميرا ننهض معه للقتال،يدبّر أمره و نصدر فيه عن رأيه.(1:129)
نحوه أبو حيّان(2:255)،و القاسميّ(3:642).
البروسويّ: أي أقم و انصب لنا سلطانا يتقدّمنا، و يحكم علينا في تدبير الحرب،و نطيع لأمره.
(1:381)
الآلوسيّ: أي أقم لنا أميرا.و أصل البعث:إرسال المبعوث من المكان الّذي هو فيه.لكن يختلف باختلاف متعلّقه،يقال:بعث البعير من مبركه إذا أثاره،و بعثته في السّير إذا هيّجته،و بعث اللّه تعالى الميّت إذا أحياه،
و ضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال.
(2:164)
وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها... النّساء:35
راجع«ح ك م».
وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. الإسراء:49
الطّبريّ: قالوا إنكارا منهم للبعث بعد الموت:(انّا لمبعوثون)بعد مصيرنا في القبر عظاما غير منحطمة، و رفاتا منحطمة،و قد بلينا فصرنا فيها ترابا خلقا منشأ كما كنّا قبل الممات،(جديدا):نعاد كما بدئنا؟(15:97)
الطّوسيّ: و(اذا)في موضع نصب بفعل يدلّ عليه (لمبعوثون)،و تقديره:أ نبعث أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً و صورته صورة الاستفهام و إنّما هم منكرون لذلك متعجّبون منه،و كلّ ما تحطّم و ترضّض يجيء أكثره على«فعال»مثل حطام، و رضاض و دقاق و غبار و تراب.
ص: 90
و الخلق الجديد،هو المجدّد،أي يبعثهم اللّه أحياء بعد أن كانوا أمواتا،أنكروا ذلك و تعجّبوا منه.(6:486)
الكرمانيّ: قوله: وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ثمّ أعادها في آخر السّورة بعينها من غير زيادة و لا نقصان،لأنّ هذا ليس بتكرار،فإنّ الأوّل من كلامهم في الدّنيا حين جادلوا الرّسول و أنكروا البعث،و الثّاني من كلام اللّه تعالى حين جازاهم على كفرهم و قولهم و إنكارهم البعث،فقال:
مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً* ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:97،98.
(117)
الطّبرسيّ: المعنى قال المنكرون للبعث:إنّا إذا متنا و انتثرت لحومنا و صرنا عظاما و ترابا أ نبعث بعد ذلك خلقا جديدا؟أي متجدّدا،و هو إنكار في صورة الاستفهام.(3:420)
الفخر الرّازيّ: أمّا تقرير شبهة القوم،فهي أنّ الإنسان إذا مات جفّت أعضاؤه و تناثرت و تفرّقت في حوالي العالم،فاختلط بتلك الأجزاء سائر أجزاء العالم.
أمّا الأجزاء المائيّة في البدن فتختلط بمياه العالم،و أمّا الأجزاء التّرابيّة فتختلط بتراب العالم،و أمّا الأجزاء الهوائيّة فتختلط بهواء العالم،و أمّا الأجزاء النّاريّة فتختلط بنار العالم.و إذا صار الأمر كذلك فكيف يعقل اجتماعها بأعيانها مرّة أخرى؟و كيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرّة أخرى؟فهذا هو تقرير الشّبهة.
و الجواب عنها:أنّ هذا الإشكال لا يتمّ إلاّ بالقدح في كمال علم اللّه و في كمال قدرته.أمّا إذا سلّمنا كونه تعالى عالما بجميع الجزئيّات،فحينئذ هذه الأجزاء و إن اختلطت بأجزاء العالم إلاّ أنّها متمايزة في علم اللّه تعالى، و لمّا سلّمنا كونه تعالى قادرا على كلّ الممكنات كان قادرا على إعادة التّأليف و التّركيب و الحياة و العقل إلى تلك الأجزاء بأعيانها،فثبت أنّا متى سلّمنا كمال علم اللّه و كمال قدرته زالت هذه الشّبهة بالكلّيّة.(20:225)
أبو السّعود: و(إذا)متمحّضة للظّرفيّة و هو الأظهر،و العامل فيها ما دلّ عليه قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ لا نفسه،لأنّ ما بعد إنّ و الهمزة و اللاّم لا يعمل فيما قبلها،و هو نبعث أو نعاد،و هو المرجع للإنكار.
و تقييده بالوقت المذكور ليس لتخصيصه به،فإنّهم منكرون للإحياء بعد الموت و إن كان البدن على حاله، بل لتقوية الإنكار للبعث،بتوجيهه إليه في حالة منافية له.
و تكرير الهمزة في قولهم:(أ إنّا)لتأكيد النّكير، و تحلية الجملة ب«إنّ و اللاّم»لتأكيد الإنكار لا لإنكار التّأكيد،كما-عسى-يتوهّم من ظاهر النّظم.فإنّ تقديم الهمزة لاقتضائها الصّدارة،كما في مثل قوله تعالى: أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:76،و نظائره على رأي الجمهور،فإنّ المعنى عندهم تعقيب الإنكار لا إنكار التّعقيب،كما هو المشهور.
و ليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في المبعوثيّة بالفعل،في حال كونهم عظاما و رفاتا كما يتراءى من ظاهر الجملة الاسميّة،بل كونهم بعرضيّة ذلك و استعدادهم له.و مرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك
ص: 91
الحالة،و فيه من الدّلالة على غلوّهم في الكفر و تماديهم في الضّلال ما لا مزيد عليه.(4:136)
نحوه البروسويّ(5:169)،و الآلوسيّ(15:91).
الطّباطبائيّ: في الآية مضيّ في بيان عدم فقههم بمعارف القرآن؛حيث استبعدوا البعث و هو من أهمّ ما يثبته القرآن،و أوضح ما قامت عليه الحجج من طريق الوحي و العقل،حتّى وصفه اللّه في مواضع من كلامه بأنّه لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2،و ليس لهم حجّة على نفيه، غير أنّهم استبعدوه استبعادا.
و من أعظم ما يزيّن في قلوبهم هذا الاستبعاد زعمهم أنّ الموت فناء للإنسان،و من المستبعد أن يتكوّن الشّيء عن عدم بحث،كما قالوا:أ إذا كنّا عظاما و رفاتا بفساد أبداننا عن الموت،حتّى إذا لم يبق منها إلاّ العظام،ثمّ رمّت العظام و صارت رفاتا،أ إنّا لفي خلق جديد نعود أناسيّ كما كنّا؟ذلك رجع بعيد،و لذلك ردّه سبحانه إليهم بتذكيرهم القدرة المطلقة و الخلق الأوّل.(13:115)
محمّد جواد مغنيّة: هذه هي حجّة من ارتاب بالبعث قديما و حديثا:كيف يعود الإنسان إلى الحياة بعد أن يصبح هباء منثورا؟
و الجواب هو من قدر على خلق الشّيء و إيجاده فبالأولى أن يقدر على جمعه بعد تفرّقه.و قد ذكر سبحانه شبهة المنكرين هذه،و جوابها هذا في العديد من الآيات، بعبارات شتّى،منها الآية قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يس:78،79.(5:52)
عزّة دروزة: الآيات متّصلة بما سبقها و استمرار لها،في صدد حكاية موقف الكفّار و مشاهد حجاجهم الوجاهيّة؛حيث احتوت حكاية سؤالهم الاستنكاريّ عن صحّة ما ينذرهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من البعث بعد أن يصبحوا عظاما بالية،و عن موعد هذا البعث،و عمّن يبعثهم؛و حيث أمرت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتوكيد ذلك لهم حتّى لو كانوا حجارة أو حديدا،أو شيئا أشدّ استعصاء على الإعادة و الإرجاع.
و بإخبارهم بأنّ ذلك قد يكون أقرب كثيرا ممّا يظنّون،و بأنّهم حينما يدعون و يبعثون سيدركون ما يكون من وفاء اللّه بوعده،حتّى أنّهم ليظنّون أنّهم لم يلبثوا بين الموت و البعث إلاّ فترة قصيرة، و يستجيبون لأمره،مسبّحين حامدين له برغم أنوفهم، معترفين بقدرته و عظمته؛و حيث حكت إصرارهم على الإنكار و الجحود و هزّهم لرءوسهم استنكارا و استهزاء،حينما قيل لهم:إنّ اللّه الّذي خلقهم أوّل مرّة هو قادر بطبيعة الحال على بعثهم ثانية.(3:241)
عبد المنعم الجمّال: بعد أن حكى القرآن أكاذيب الكفّار في شأن القرآن،و أنّه سحر و غير ذلك، حكى هنا إنكارهم للبعث،فقال:و قالوا-أي المنكرون للبعث الّذين لا يؤمنون بالآخرة،مستدلّين على إنكار البعث-:أ نبعث إذا صرنا عظاما بالية و ترابا تذروه الرّياح؟أ إنّا و نحن في هذه الحالة من البلى لمبعوثون خلقا جديدا؟إنّ هذا الأمر عجب!
فيأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه أن يقول لهم:كونوا حجارة صمّاء أو حديدا جامدا قويّا،أو خلقا أعظم صلابة من الحجارة و الحديد ممّا تعظّمون في قلوبكم،كونوا كذلك
ص: 92
و اللّه عزّ و جلّ قادر على إحيائكم و بعثكم من جديد.
فسيقولون لك يا محمّد:من الّذي يقدر على إعادتنا بعد أن صرنا ترابا و عظاما؟
قل لهم يا محمّد:يعيدكم الّذي خلقكم و فطركم أوّل مرّة،و إنّ القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى.إذا سمعوا منك هذه المقالة فسيحرّكون إليك رءوسهم متعجّبين و مستبعدين و هازئين،و يقولون مستهزءين:متى هذا البعث؟(3:1736)
وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. الرّوم:56
ابن عبّاس: إلى يوم يبعثون من القبور فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ يوم القيامة.(343)
الطّبريّ: يقول:فهذا يوم يبعث النّاس من قبورهم.(21:58)
الطّوسيّ: يعني يوم يبعث اللّه فيه خلقه و يحشرهم.و أصل البعث:جعل الشّيء جاريا في أمر، و منه انبعث الماء،إذا جرى،و انبعث من بين الأموات، إذا خرج خروج الماء،و يوم البعث:يوم إخراج النّاس من قبورهم إلى أرض المحشر.(8:266)
الشّربينيّ: سبب اختلاف الفريقين أنّ الموعود بوعد إذا ضرب له أجل،إن علم أنّ مصيره إلى النّار و هو الكافر يستقلّ مدّة اللّبث،و يختار تأخير الحشر و الإبقاء في القبر،و إن علم أنّ مصيره إلى الجنّة و هو المؤمن فيستكثر المدّة و لا يريد تأخيرها،فيختلف الفريقان.
و في هذه الفاء قولان؛أظهرهما أنّها عاطفة هذه الجملة على(لبثتم).
و قال الزّمخشريّ: هي جواب شرط مقدّر،أي إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث،أي فقد تبيّن بطلان ما قلتم.(3:178)
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. الشّمس:12
قتادة :يعني أحيمر ثمود.(الطّبريّ 30:214)
الطّبريّ: يقول:إذ ثار أشقى ثمود،و هو قدار بن سالف.(30:214)
البغويّ: أي قام،و الانبعاث هو الإسراع في الطّاعة للباعث،أي كذّبوا بالعذاب و كذّبوا صالحا لما انبعث اشقاها و هو قدار بن سالف.(5:260)
مثله الخازن(7:211)،و الشّربينيّ(4:543).
الميبديّ: أي نهض و قام(أشقاها)لعقر النّاقة، و الانبعاث:الإسراع في الطّاعة للباعث.(10:507)
نحوه القرطبيّ(20:78)،و المراغيّ(30:169).
الزّمخشريّ: منصوب ب(كذّبت)أو ب(الطّغوى).
(4:258)
الطّبرسيّ: أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر،و معنى انبعث انتدب و قام.(5:499)
نحوه ابن الجوزيّ.(9:142)
الفخر الرّازيّ: انبعث مطاوع بعث،يقال:بعثت
ص: 93
فلانا على الأمر فانبعث له،و المعنى أنّه كذّبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاها،و هو عاقر النّاقة.
(31:195)
البيضاويّ: إِذِ انْبَعَثَ: حين قام،ظرف لكذّبت أو طغوى.(2:561)
نحوه أبو السّعود(6:434)،و الطّباطبائيّ(2:
299).
النّيسابوريّ: تحرّكت داعية،و قوى عزمه على العقر.(30:107)
أبو حيّان:أي خرج لعقر النّاقة بنشاط و حرص.
و النّاصب ل(إذ)(كذّبت).(8:481)
السّيوطيّ: أسرع.(الجلالين 2:561)
البروسويّ: منصوب ب(كذّبت)أو ب«الطّغوى»، أي حين قام أشقى ثمود و هو قدار بن سالف امتثالا لأمر من بعثه إليه.فإنّ انبعث مطاوع لبعث،يقال:بعثت فلانا على أمر فانبعث له و امتثل.(10:446)
نحوه الآلوسيّ.(30:145)
مجمع اللّغة: أي مضى ذاهبا،و اندفع.
(1:110)
وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ. التّوبة:46
ابن عبّاس: خروجهم معك إلى غزوة تبوك.
(159)
مثله الضّحّاك(الطّبريّ 10:144)،و القرطبيّ(8:
156)،و الآلوسيّ(1:111).
الطّوسيّ: و الانبعاث:الانطلاق بسرعة في الأمر، لذلك يقال:فلان لا ينبعث في الحاجة،أي ليس له نفاذ فيها.(5:267)
الميبديّ: الانبعاث:الانطلاق في الحاجة،يقول:
كره اللّه نهوضهم للخروج.(4:141)
نحوه النّيسابوريّ.(10:97)
ابن عطيّة: نفوذهم لهذه الغزوة.(3:40)
الطّبرسيّ: معناه و لكن كره اللّه خروجهم إلى الغزو لعلمه أنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنّميمة بين المسلمين،و كانوا عيونا للمشركين،و كان الضّرر في خروجهم أكثر من الفائدة.(3:35)
الفخر الرّازيّ: الانبعاث:الانطلاق في الأمر، يقال:بعثت البعير فانبعث،و بعثته لأمر كذا فانبعث، و بعثه لأمر كذا،أي نفذه فيه،و المعنى أنّه تعالى كره خروجهم مع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم فصرفهم عنه.
فإن قيل:إنّ خروجهم مع الرّسول إمّا أن يقال:إنّه كان مفسدة و إمّا أن يقال:إنّه كان مصلحة.
فإن قلنا:إنّه كان مفسدة،فلم عاتب الرّسول في إذنه إيّاهم في القعود؟و إن قلنا:إنّه كان مصلحة،فلم قال:إنّه تعالى كره انبعاثهم و خروجهم؟
و الجواب الصّحيح:أنّ خروجهم مع الرّسول ما كان مصلحة،بدليل أنّه تعالى صرّح بعد هذه الآية و شرح تلك المفاسد،و هو قوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47.
بقي أن يقال:فلمّا كان الأصوب الأصلح أن
ص: 94
لا يخرجوا،فلم عاتب الرّسول في الإذن؟
فنقول:قد حكينا عن أبي مسلم أنّه قال:ليس في قوله:(لم اذنت لهم)أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان قد أذن لهم في القعود،بل يحتمل أن يقال:إنّهم استأذنوه في الخروج معه فأذن لهم،و على هذا التّقدير فإنّه يسقط السّؤال.
قال أبو مسلم: و الدّليل على صحّة ما قلنا:أنّ هذه الآية دلّت على أنّ خروجهم معه كان مفسدة،فوجب حمل ذلك العتاب على أنّه عليه الصّلاة و السّلام أذن لهم في الخروج معه.
و تأكّد ذلك بسائر الآيات،منها قوله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً التّوبة:83،و منها قوله تعالى:
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إلى قوله: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا الفتح:15،فهذا دفع هذا السّؤال على طريقة أبي مسلم.
و الوجه الثّاني من الجواب:أن نسلم أنّ العتاب في قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إنّما توجّه لأنّه عليه الصّلاة و السّلام أذن لهم في القعود.فنقول:ذلك العتاب ما كان لأجل أنّ ذلك القعود كان مفسدة،بل لأجل أنّ إذنه عليه الصّلاة و السّلام بذلك القعود كان مفسدة،و بيانه من وجوه:
الأوّل:أنّه عليه الصّلاة و السّلام أذن قبل إتمام التّفحّص و إكمال التّأمّل و التّدبّر،و لهذا السّبب قال تعالى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ التّوبة:43.
و الثّاني:أن[يكون]بتقدير أنّه عليه الصّلاة و السّلام ما كان يأذن لهم في القعود،فهم كانوا يقعدون من تلقاء أنفسهم،و كان يصير ذلك القعود علامة على نفاقهم،و إذا ظهر نفاقهم احترز المسلمون منهم و لم يغترّوا بقولهم،فلمّا أذن الرّسول في القعود بقي نفاقهم مخفيّا و فاتت تلك المصالح.
و الثّالث:أنّهم لمّا استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غضب عليهم،و قال: اُقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ على سبيل الزّجر،كما حكاه اللّه في آخر هذه الآية،و هو قوله:
وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ، ثمّ إنّهم اغتنموا هذه اللّفظة و قالوا:قد أذن لنا،فقال تعالى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ أي لم ذكرت عندهم هذا اللّفظ الّذي أمكنهم أن يتوسّلوا به إلى تحصيل غرضهم؟
الرّابع:أنّ الّذين يقولون:الاجتهاد غير جائز على الأنبياء عليهم السّلام قالوا:إنّه إنّما أذن بمقتضى الاجتهاد،و ذلك غير جائز،لأنّهم لما تمكّنوا من الوحي و كان الإقدام على الاجتهاد مع التّمكّن من الوحي جاريا مجرى الإقدام على الاجتهاد مع حصول النّصّ،فكما أنّ هذا غير جائز فكذا ذاك.(16:76)
البيضاويّ: استدراك عن مفهوم قوله: وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ كأنّه قال:ما خرجوا و لكن تثبّطوا، لأنّه تعالى كره انبعاثهم،أي نهوضهم للخروج.
(1:417)
أبو السّعود: أي نهوضهم للخروج.قيل:هو استدراك عمّا يفهم من مقدّم الشّرطيّة،فإنّ انتفاء إرادتهم للخروج يستلزم انتفاء خروجهم،و كراهة اللّه
ص: 95
تعالى انبعاثهم تستلزم تثبّطهم عن الخروج،فكأنّه قيل:
ما خرجوا و لكن تثبّطوا.
و الاتّفاق في المعنى لا يمنع الوقوع بين طرفي(لكن) بعد تحقّق الاختلاف نفيا و إثباتا في اللّفظ،كقولك:
ما أحسن إلى زيد و لكن أساء.و الأظهر أن يكون استدراكا من نفس المقدّم على نهج ما في الأقيسة الاستثنائيّة.
و المعنى لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة و لكن ما أرادوه،لما أنّه تعالى كره انبعاثهم،لما فيه من المفاسد.
(3:156)
نحوه الآلوسيّ.(10:111)
الكاشانيّ: نهوضهم للخروج إلى الغزو،و لعلمه بأنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنّميمة بين المسلمين.
(2:346)
مثله شبّر(3:79)،و القاسميّ(8:3167).
رشيد رضا: الانبعاث مطاوع البعث،و هو إثارة الإنسان أو الحيوان،و توجيهه إلى الشّيء بقوّة و نشاط كبعث الرّسل،أو إزعاج كبعثت البعير فانبعث،و بعث اللّه الموتى.و المعنى كره اللّه نفرهم و خروجهم مع المؤمنين،لما سيذكر من ضرره العائق عمّا أحبّه و قدّره من نصرهم.
(10:471)
مجمع اللّغة :أي مضيّهم و اندفاعهم.(1:110)
عبد المنعم الجمّال:نهوضهم للخروج معك بنشاط و همّة.(2:1235)
الدّامغانيّ: البعث على سبعة أوجه:الإلهام، الإحياء في الدّنيا،اليقظة في النّوم،التّسليط،الإرسال، البيان و النّصب،النّشور في القبور.
فوجه منها:البعث يعني الإلهام،فذلك قوله:
فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31،يعني فألهم اللّه غرابا.
و الوجه الثّاني:البعث:الإحياء في الدّنيا،قوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56،كقوله فيها:
فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ البقرة:259،يعني أحياه في الدّنيا.
و الوجه الثّالث:البعث:اليقظة في النّوم،قوله تعالى:
ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ الأنعام:60،أي من النّوم لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى.
و الوجه الرّابع:البعث:التّسليط،فذلك قوله:
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا الإسراء:5،أي سلّطنا عليكم عبادا لنا.
و الوجه الخامس:البعث يعني إرسال الرّسول، كقوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً الجمعة:2،مثلها رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً البقرة:
129،كقوله تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ الكهف:19،يعني أرسلوا.
و الوجه السّادس:البعث يعني النّصب و البيان،قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً، يعني انصبوا حكما مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35،كقوله: اِبْعَثْ لَنا مَلِكاً البقرة:246،أي بيّن لنا ملكا،مثلها فيها إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً البقرة:247.
ص: 96
و الوجه السّابع:البعث يعني النّشور من القبور،قوله في سورة الحجّ: أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ يعني ينشر من في القبور،و نظائرها كثيرة.(141)
نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:214)
1-جاء«البعث»بمعنى الإرسال و الإثارة،فمن الأوّل:بعثه يبعثه بعثا و ابتعثه،أي أرسله وحده،فهو بعث بمعنى مبعوث،من باب تسمية المفعول بالمصدر، و جمعه بعثان،و هو بعيث أيضا،(فعيل)بمعنى(مفعول)، و جمعه بعث،و منه حديث عليّ عليه السّلام يصف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:
«شهيدك يوم الدّين،و بعيثك نعمة»،أي مبعوثك الّذي بعثته إلى الخلق.
و بعث الجند:وجّههم،فهم بعث و بعث،يقال:
هؤلاء بعث،مثل:هؤلاء سفر و ركب،و كنت في بعث فلان،أي في جيشه الّذي بعث معه،و الجمع:بعوث.
و منه:بعث به:أرسله مع غيره،و بعث اللّه عليهم العذاب:أحلّه بهم،و في الخبر أنّ عبد الملك خطب فقال:
«بعثنا عليكم مسلم بن عقبة،فقتلكم يوم الحرّة».و بعثه على الشّيء:حمله على فعله.
و من الثّاني:بعث الموتى:أحياهم،و منه يوم البعث.
و بعثه من نومه بعثا و ابتعثه فانبعث،أي أيقظه و أهبّه، و في الحديث:«أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني»،أي أيقظاني من نومي.و رجل بعث:كثير الانبعاث من نومه.
و منهما معا:بعث البعير فانبعث،أي حلّ عقاله فأرسله،و كذا إذا كان باركا فهاجه و أثاره،و منه:انبعث فلان لشأنه:ثار و مضى ذاهبا لقضاء حاجته،و انبعث في السّير:أسرع،و انبعث الشّيء و تبعّث:اندفع،يقال:
تبعّث منّي الشّعر.
2-هل الإرسال و الإثارة معنى واحد للبعث،أم هما معنيان يتميّزان بالسّياق مثل بعث الأنبياء و بعث الموتى؟ خلاف بينهم،فعند الخليل-و تبعه غيره-الأصل هو الإرسال،و عند ابن فارس الأصل الإثارة،و عند الأزهريّ أصلان،قال:البعث في كلام العرب على وجهين:الإرسال...و الإثارة.و جمع الرّاغب بينهما فقال:
«أصل البعث إثارة الشّيء و توجيهه».
و يخطر بالبال أنّهما معنيان متلازمان قد يرجّح جانب أحدهما على الآخر،و يعلم بالسّياق،و لا جامع بينهما.و قد فرّق أبو هلال بين الإرسال و البعث:بأنّ الإرسال لا يكون إلاّ مع رسالة و نحوها،و البعث لا يقيّد بها!!كيف و قد جاء في القرآن بمعنى واحد و أَرْسَلْنا رُسُلَنا، و بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:36.
و من الغريب قول المصطفويّ: «إنّ الأصل فيه المفهوم المركّب من الاختيار و الرّفع للعمل بوظيفة معيّنة،و أمّا التّوجيه و الإرسال و الإثارة و أمثالها كلّها معان مجازيّة»!!و عليه فما استعمل في القرآن و غيره عنده مجاز،و لم يستعمل فيه بمعناه الحقيقيّ أصلا.كما فرّق أبو هلال أيضا بين البعث و الإرسال و الإنفاذ و النّشوز، فلاحظ النّصوص.
3-و الباعوث عند النّصارى:صلاة الاستسقاء و صلاة ثاني عيد الفصح،و هو معرّب اللّفظ السّريانيّ «باعوتا»بالعين و التّاء،لا بالغين و التّاء،كما ذهب إليه
ص: 97
بعض،لعدم وجود الغين في اللّغة السّريانيّة.
1-يدور معنى البعث في القرآن حول الإرسال و الإطلاق و الإثارة،و قد جاء فيه(67)مرّة:فعلا مجرّدا ماضيا(25)مرّة معلوما و مجهولا،و مضارعا(27)مرّة معلوما و مجهولا أيضا،و أمرا(5)مرّات،و فعلا ماضيا مزيدا مرّة واحدة،و اسم مفعول(9)مرّات،و مصدرا مجرّدا(4)مرّات،و مزيدا مرّة واحدة.و يختلف المبعوث باختلاف المبعوث إليه و المثار و الغاية منهما،كما في الآيات:
1-الأنبياء عامّة:1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213
2- وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ
النّحل:36
3- وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً.
الفرقان:51
4- وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً
الإسراء:15
5- وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً القصص:59
6- وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً الإسراء:94
7- وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ أَحَداً الجنّ:7
8- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يونس:74
2-يوسف:9- حَتّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً المؤمن:34
3-موسى:10- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ الأعراف:103
11- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ يونس:75
4-محمّد:12- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ البقرة:129
13- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ آل عمران:164
14- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ الجمعة:2
15- وَ إِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً. الفرقان:41
5-ملك:16- إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:246
6-طالوت:17- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً البقرة:247
7-نقباء بني إسرائيل:18- وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً المائدة:12
8-أولو البأس الشّديد:19- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
الإسراء:5
9-من يسوم بني إسرائيل العذاب:20- لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ
ص: 98
9-من يسوم بني إسرائيل العذاب:20- لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ
الأعراف:167
10-الحاشرين:21- قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:36
11-تمليخا:22- فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الكهف:19
12-حكم:23- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35
13-الغراب:24- فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31
14-العذاب:25- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ
الأنعام:65
1-أصحاب الكهف:1- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12
2- وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ
الكهف:19
3-عامّة النّاس:3- وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى الأنعام:60
1-الأربعون المختارون: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة:56
2-إرميا: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ
البقرة:259
1- وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
المؤمنون:100
2- أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ المطفّفين:4
3- وَ أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ الحجّ:7
4- وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
الأنعام:36
5- ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ المؤمنون:16
6- قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
الأعراف:14
7- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
الحجر:36 و ص:79
8- وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:87
9- فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الصّافّات:143،144
10- إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ الحجّ:5
11- ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ
لقمان:28
12- لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الرّوم:56
13- قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا
يس:52
14- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا
المجادلة:6
15- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ المجادلة:18
ص: 99
15- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ المجادلة:18
16- وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا مريم:15
17- وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا مريم:33
18- عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً
الإسراء:79
19- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:7
20- وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. الإسراء:49 و 98
21- قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ المؤمنون:82
22- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ
الصّافّات:16
23- وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ الواقعة:47
24- وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29
25- إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ المؤمنون:37
26- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ النّحل:38
27- وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ هود:7
28- أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21
29- وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّمل:65
30- وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً
النّحل:84
31- وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ النّحل:89
1-الاندفاع: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها* إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:11،12
2-الخروج: وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ
التّوبة:46
يلاحظ أوّلا:أنّ بعث الأنبياء و إرسالهم إلى النّاس يحمل رسالة،و هي الشّريعة و الكتاب و التّبشير و الإنذار و الهداية إلى الصّراط المستقيم و نحوها ممّا جاء بكثرة في الآيات،فالأنبياء عليهم السّلام رسل من اللّه إلى النّاس يحملون عبء هذه الرّسالة الكبيرة.و قد عبّر القرآن عن إرسالهم ب«البعث»،كما عبّر عن إحياء الموتى ب«البعث»،و هو بمعنى الإثارة و الإحياء دون الإرسال، فما هو الجامع و الرّابط بينهما؟
و الّذي نراه أنّ بعث الأنبياء أيضا فيه نوع إثارة للنّفوس الغافلة الميّتة،و إيقاظها من ذلك النّوم الحيوانيّ العميق.فاختار اللّه«البعث»إيماء إلى أنّ النّاس موتى و الأنبياء يحيونهم حياة طيّبة،كما قال:
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97
اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ
ص: 100
الأنفال:24
لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ
يس:70
وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ فاطر:19
وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ فاطر:22
و قديما قيل:النّاس موتى و أهل العلم أحياء.
و أيضا:الأنبياء يثيرون عقول النّاس،كما قال الإمام عليّ عليه السّلام:«فبعث اللّه فيهم رسله...و يثيروا لهم دفائن العقول (1)».فهذا هو الرّابط بين بعث الأنبياء و بعث الأموات،فالإيمان حياة و ولادة جديدة،تتلوا ولادة الإنسان الأولى من بطن أمّه.
ثانيا:جاءت خمس عشرة آية من هذه القائمة(1- 15)في بعث الأنبياء،ثمان منها في بعث الأنبياء عامّة،أو الأنبياء بعد نوح(6-8)مع رسالتهم،و هي التّبشير و الإنذار(1)و(3)،و إقامة الحجّة على النّاس(4)و(5)، و إتيان البيّنات(8)،أو تحمّل إنكار النّاس(6)و(7) و(9)،و اثنتان منها في بعث موسى(10)و(11)،و أربع في بعث نبيّنا(12-15):ثلاث منها تحمل رسالته(12- 14)،و واحدة الإنكار عليه(15).و رسالته في هذه الثّلاث مع آية أخرى-سنأتي على ذكرها-عبارة عن تلاوة الآيات و التّزكية و تعليم الكتاب و الحكمة.
فقد فصّل القرآن رسالته أربع مرّات بما لم يفصّلها في غيره من الأنبياء،كما فصّل شئون رسالته في قوله:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً الأحزاب:45، 46،كلّ ذلك اهتماما بشأنه،و إكبارا لرسالته،و توجيها لمن أرسل إليهم.
و له خصائص أخرى،و من أهمّها شمول نبوّته للأجيال و الأقوام وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ سبأ:
28،و خاتميّته ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب:40،و جامعيّة شريعته وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّحل:89،و كونه رحمة للعالمين، وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:107.
ثالثا:في الآيات الأربع أسرار لا بدّ من دراستها، و إليكم نصّها كاملة حسب ترتيب النّزول:
1- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ البقرة:129
2- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ البقرة:151
3- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ
آل عمران:164
4- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجمعة:2
دراستها:1.
ص: 101
أ-ثلاث منها:(1،3،4)جاءت بلفظ«البعث»، و واحدة:(2)بلفظ«الإرسال»،فهل فيه سرّ؟
الجواب:لا نعرف فيه شيئا،سوى أنّ«الإرسال» ألصق ب«رسولا»لفظا-و هو واضح-و معنى،لاحتوائهما على«الرّسالة»و خلوّ«البعث»منهما.و قد سبق أنّ أبا هلال فرّق بينهما بأنّ«أرسل»تحمل رسالة دون «بعث».هذا من ناحية،و من ناحية أخرى فإنّ«البعث» أنسب للهدف السّامي من إرسال الأنبياء،و هو إيقاظ النّاس من غفلتهم الّتي تشبه النّوم أو الموت،و إثارة عقولهم كما سبق.فلكلّ من البعث و الإرسال مزيّة ليست في الآخر،فإذا ذكرا معا يتكاملان،و يستعير كلّ منهما ما في الآخر،و فيه لون من البلاغة.
و ربّما يؤيّد ذلك أنّ آية أَرْسَلْنا جاءت من بينها بصيغة الخطاب و بصيغة الجمع: أَرْسَلْنا فِيكُمْ... آياتِنا و الباقي بصيغة الغيبة و المفرد(بعث).فأولاهم اللّه في الخطاب«الإرسال»جمعا تعظيما لنفسه و لفعله،و في الغياب«البعث»،و لا ريب في قرب الغيبة من الغفلة، و الّتي تستدعي البعث و الإيقاظ.إلاّ أنّه فضّل جانب «البعث»على«الإرسال»بتكراره ثلاث مرّات،و لا سيّما في أوّلها و آخرها نزولا،تأكيدا لشدّة غفلة النّاس، و خروجهم عن ساحة الحياة الرّبّانيّة،و إقامة للحجّة عليهم بأنّهم محتاجون إلى دعوة الأنبياء،كاحتياج المرضى إلى الطّبيب،و الموتى إلى المحيي.
و قد وصف الإمام عليّ عليه السّلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله:
«طبيب دوّار بطبّه،قد أحكم مراهمه،و أحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه،من قلوب عمي،و آذان صمّ،و ألسنة بكم،متتبّع بدوائه مواضع الغفلة،و مواطن الحيرة،لم يستضيئوا بأضواء الحكمة،و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة،فهم في ذلك كالأنعام السّائمة،و الصّخور القاسية (1)...».
ب-و قد اجتمعت الآيات الأربع في وجوه و افترقت في وجوه.
أمّا وجوه الاجتماع فهي:
1-التّعبير عن النّبيّ ب«رسولا»منصوبا،تأكيدا لرسالته،و أنّه رسول مبعوث من اللّه إليهم،فما يقوله هو قول اللّه و ليس من تلقاء نفسه: إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:4،و هذا هو الفارق بين النّبيّ بوصفه فردا من النّاس و بوصفه مبعوثا من قبل اللّه،و فيه تسجيل على النّاس باعتقاد كونه رسولا.و قد جاء «الرّسول»في القرآن(235)مرّة،و«الرّسل»96 مرّة، و(ارسلنا)63 مرّة،و منها(ارسلناك)خطابا للنّبيّ(13) مرّة،كلّ ذلك اهتماما بشأن الرّسالة و الرّسل.
2-إنّه(منهم)لا من غيرهم،و هذا استجابة لما في طبيعة العرب من الاعتداد بالنّفس و الاعتزاز بقوميّتهم و علوّهم على غيرهم،و عدم اتّباعهم و استسلامهم لغيرهم من الأمم الّتي أتاها الرّسل كبني إسرائيل، و عليه شواهد من التّنزيل،منها الإعلام بعدم إيمانهم بنبيّ من غيرهم:
وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:198،199
وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ8.
ص: 102
ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ فصّلت:44
و منها وصف القرآن نفسه مرّة بعد أخرى في عشر آيات-لاحظ المعجم المفهرس(ع ر ب)-بأنّه«كتاب عربيّ»أو نزل«بلسان عربيّ»،مثل وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا طه:113.
و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على اهتمام القرآن بإقناع نفوس العرب و إشباع رغباتهم،و تلبية تمنّياتهم و طموحاتهم-و كانوا يعيشون في الجزيرة مع جماعات من أهل الكتاب-بأن يكون لهم كتاب مثلهم و بلغتهم، و قد كانوا من قبل أمّيّين لا يعرفون الكتاب.
و يخطر بالبال أنّ وصف(أمّيّين)كان ذمّا لهم،قد لحقهم من قبل اليهود و النّصارى الّذين كانوا أهل كتاب شامتين بهم و مباهين لهم بأنّ لهم كتابا،فكانوا يحقّرون العرب بذلك،و كان وصف(الأمّيّين)حينذاك مترادفا لوصف«الأمم المتأخّرة»في عصرنا،و كذلك(اهل الكتاب)،كان مترادفا للأمم المتحضّرة و يومئ إليه قوله تعالى نقلا عن اليهود: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ آل عمران:75.
و من أجل ذلك نحسب أنّ إيمانهم بما أنزل من قبل في وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ البقرة:4،كان صعبا عليهم،شاهدا على رفضهم العصبيّة القوميّة و على تسليمهم لأمر اللّه؛حيث آمنوا بما كانوا عبر العصور يأبون الإيمان به.و يؤيّده أنّ اللّه قد منّ عليهم-و هم أمّيّون-ببعث الرّسول فيهم هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ، أي أنّ الرّسول كان من الأمّيّين و من جنسهم أيضا،و كذلك قوله: رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ. و وصف النّبيّ في القرآن ب«الأمّيّ»دفع لشبهة تعلّمه القرآن من غيره،و في نفس الوقت تأكيد لكونه نشأ بينهم،فلم يتأثّر بثقافة غيرهم،فثقافته هي ثقافتهم،إلاّ أنّه حظي بشرف الوحي الإلهيّ،لاحظ «الأمّيّ»في«أ م م».
3-إنّه مبعوث فيهم،و اختيار«فيهم»على«إليهم» أنّ«فيهم»يشعر بأنّه واحد منهم بعث فيهم،أمّا«إليهم» يشعر بأنّه جاءهم من خارجهم،و هذا لا يلبّي رغباتهم و طموحاتهم.
4-للرّسول واجبات أربعة:تلاوة الآيات،و تعليم الكتاب،و الحكمة،و التّزكية،مع تفاوت فيما بينها، سنذكره فيما بعد.
5-كونها مدنيّات،اثنتان منها(1)و(4)في البقرة، أوّل سورة نزلت في المدينة،و واحدة في آل عمران النّازلة بعدها و بعد الأنفال،و واحدة في سورة الجمعة النّازلة في أواخر ما بعد الهجرة،بعد الصّفّ و قبل سورتي الفتح و المائدة.
و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ اللّه أجمل في المكّيّات أهداف البعثة و برامجها،كما أجمل الشّرائع و الأحكام.و كما كانت الهجرة بدء التّشريع التّفصيليّ، و بدء الحكومة الإسلاميّة و السّياسة الإلهيّة،و بدء الإعلان أنّ المسلمين أمّة واحدة من دون النّاس-كما جاء في عهد النّبيّ لدى الهجرة لأهل المدينة-كان كذلك بدء تفصيل برامج الرّسالة،ابتداء من أوّل سورة مدنيّة و ثالثتها ثلاث مرّات،ليرتكز في نفوس المؤمنين، فيكونوا على بصيرة من أمرهم و من برامج نبيّهم،مؤكّدا
ص: 103
لها مرّة أخرى لدى خاتمة دور النّبوّة في سورة الجمعة الّتي كانوا يتلونها في صلاتهم الأسبوعيّة الجامعة،و هي صلاة الجمعة،ليتذكّروها دوما و لا يغفلوا عنها أبدا،فتكون هذه البرامج نصب أعينهم،و طوق رقابهم،و بمسمع و مرأى منهم.
و نضيف إلى ذلك أنّ آية الأحزاب:55 المتقدّمة الحاوية لشئون رسالته تفصيلا يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً.. .مدنيّة أيضا،و هذا يؤيّد ما ركّزنا فيه من أنّ الهجرة كانت بدء بيان الرّسالة تفصيلا بعد بيانها مجملا في مكّة،و قديما قالوا:التّفصيل بعد الإجمال أوقع في النّفوس.
و أمّا وجوه الافتراق فهي:
1-تقديم التّزكية على تعليم الكتاب و الحكمة في ثلاث آيات،و تأخيره عنهما في واحدة(1).و قد بحث المفسّرون حول ذلك،و خير ما وقفنا عليه كلام الإمام عبده ذيل(2)(المنار 3:30)،فإنّه بعد ملاحظة أنّ الآية (1)الّتي أخّرت التّزكية فيها عن تعليم الكتاب و الحكمة،حكاية دعاء إبراهيم و إسماعيل لذرّيّتهما،أن يبعث اللّه فيهم نبيّا منهم يفعل كذا و كذا،قال:
«و قد لاحظ إبراهيم عليه السّلام في دعوته الطّريق الطّبيعيّ،و هي أنّ التّعليم يكون أوّلا،ثمّ تكون التّزكية ثمرة له و نتيجة.و هاهنا الآية(2)ذكر التّرتيب بحسب الوجود و الوقوع؛و ذلك أنّ أوّل شيء فعله النّبيّ عليه السّلام هو دعاء النّاس إلى الإيمان بما تلا عليهم من آيات اللّه تعالى و دلائل توحيده...فأجاب النّاس دعوته بالتّدريج، و كلّ من آمن له كان يقتدي به في أخلاقه و أعماله،و لم تكن هنالك أحكام و لا شرائع،ثمّ شرّعت الأحكام بالتّدريج،فالتّزكية بالتّأسّي به عليه السّلام كانت متأخّرة عن إقامة الآيات و الدّلائل على أصول الإيمان،و متقدّمة على تلقّي الشّرائع و التّفقّه في الأحكام».
و خلاصته أنّ التّزكية كثمرة للرّسالة متأخّرة طبعا، إلاّ أنّها في الإسلام بدأت بعد الإيمان بالنّبيّ،و قبل تشريع الشّرائع و إبراهيم عليه السّلام،لاحظ التّرتيب الطّبيعيّ في دعائه.و الّذي وقع بالفعل كان بخلافه،لأنّ الإسلام جاء تدريجا،و الأحكام و الشّرائع كانت في أواخر ما جاء منه.
و أمّا صاحب«الميزان»فقال ذيل آية الجمعة(19:
265):«لأنّ هذه الآية تصف تربيته صلّى اللّه عليه و آله لمؤمني أمّته، و التّزكية مقدّمة في مقام التّربية على تعليم العلوم الحقّة و المعارف الحقيقيّة،و أمّا ما في دعوة إبراهيم عليه السّلام فإنّها دعاء و سؤال أن يتحقّق في ذرّيّته هذه الزّكاة و العلم بالكتاب و الحكمة،و العلوم و المعارف أقدم مرتبة و أرفع درجة في مرحلة التّحقّق من الاتّصاف بالزّكاة الرّاجعة إلى الأعمال و الأخلاق».
و ركّز الآلوسيّ(3:99)في اختلاف المراد في الموضعين،و أنّ لكلّ مقام مقالا دون أن يبيّنه،و أضاف «و قيل:إنّ التّزكية عبارة عن تكميل النّفس بحسب القوّة العمليّة،و تهذيبها المتفرّع على تكميلها بحسب القوّة النّظريّة الحاصلة بالتّعليم المترتّب على الثّلاثة،إلاّ أنّها وسّطت بين التّلاوة و التّعليم المترتّب عليها للإيذان بأنّ كلاّ من الأمور المترتّبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشّكر،و لو روعي ترتيب الوجود-كما في دعوة
ص: 104
إبراهيم عليه السّلام-لتبادر إلى الفهم كون الكلّ نعمة واحدة.
و قيل:قدّمت التّزكية تارة و أخّرت أخرى لأنّها علّة غائيّة لتعليم الكتاب و الحكمة،و هي مقدّمة في القصد و التّصوّر،مؤخّرة في الوجود و العمل،فقدّمت و أخّرت رعاية لكلّ منهما،إلى آخر ما قيل».
و نقول:لكلّ منها وجه،و يؤيّده اتّفاق ثلاثة منها، و هي الّتي تبرمج دعوة النّبيّ على تقديم التّزكية و انحصار دعاء إبراهيم بتأخيرها،فالتّأكيد في الآيات على ترتيب ما وقع فعلا.
و كيف كان فالمهمّ أنّ إبراهيم دعا للنّبيّ في ذرّيّته، مشيرا إلى مهمّته و أهدافه،و كان النّبيّ عليه السّلام يقول:«أنا دعوة أبي إبراهيم»،فحكى اللّه في كتابه دعاء إبراهيم بتفصيل،تنويها بأنّه هو هذا النّبيّ بالذّات الّذي أعلن برامج دعوته،وفقا لما دعا به إبراهيم له عليهما السّلام.
2-التّفاوت بينها صدرا و ذيلا،فصدّرت(1) ب رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ، و(2)ب كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ، و(3)ب لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، و(4)ب هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ. و هذه مع اختلاف التّعبير بينها تهتمّ اهتماما بالغا ببعث هذا النّبيّ،مرّة بصيغة الدّعاء بلسان أبي الأنبياء و شيخهم إبراهيم،و أخرى بتشبيه إرساله بجعل البيت الّذي بناه إبراهيم قبلة للنّاس،و هذا ما يربط هذه الآية بالآية(1)مع الفصل بينهما،فكلاهما ترتبط بإبراهيم عليه السّلام،و مرّة ثالثة بأنّها منّة منّ اللّه بها على المؤمنين،و رابعة بأنّ اللّه الّذي يسبّح له ما في السّماوات و الأرض الملك القدّوس العزيز الحكيم،هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم.و نحن نعلم-كما سبق في النّصوص التّفسيريّة عن الطّباطبائيّ-أنّ ذكر تلك الأوصاف تمهيد لتقويم هذا البعث و تقديره بقدره،و أنّه سيتحقّق بنهاية الإتقان بإذن اللّه العزيز الحكيم.
و ذيّلت(1)ب إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، و(2) ب وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، و(3)و(4) ب وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. فالأوليان تشعران بأنّ عمليّة بعثة النّبيّ صدرت عن مقام العزّة و الحكمة،و أنّهم يتعلّمون بها ما لم يكونوا يعلمون بدونها.و الأخيرتان ترتكزان على بعدهم و تأخّرهم عن هذه الموهبة،محتاجين إليها،لكونهم غارقين في ضلال مبين.
فسياق آيات بعثة النّبيّ عليه السّلام يصوّرها بكلّ إجلال و إعظام،و كانت كذلك،لأنّها لو لم تقع في زمانها لبقيت الإنسانيّة كلّها-إضافة إلى العرب-في خسران عظيم و ضلال مبين،حسب ما حقّقه العلماء.
ج-بقي البحث حول الواجبات الأربعة للنّبيّ في هذه الآيات،فنذكرها موجزة،و أمّا التّفصيل فيحال إلى الموادّ:(ت ل و)و(ك ت ب)و(ح ك م)و(ز ك و).
فنقول:أوّل ما يلفت النّظر فيها هو تقديم تلاوة الآيات، و التّلاوة فسّروها بالقراءة،و أصل التّلاوة من التّلو،أي مجيء شيء تلو شيء،و يقال للقراءة:تلاوة،لأنّ الألفاظ عند القرّاء يأتي بعضها تلو بعض.
قال الطّبرسيّ: «الفرق بين التّلاوة و القراءة:أنّ أصل القراءة جمع الحروف،و أصل التّلاوة إتباع الحروف (1)»،و التّلاوة ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام).
ص: 105
متّسق،و أصله من الاتباع،و منه:تلاه،أي تبعه» (1).
و قال الرّاغب:«التّلاوة تختصّ بإتباع كتب اللّه المنزلة تارة بالقراءة و تارة بالارتسام...و هو أخصّ من القراءة،فكلّ تلاوة قراءة و ليس كلّ قراءة تلاوة (2)».
و قال الإمام الرّازيّ: «التّلاوة مطلوبة لوجوه،منها:
بقاء لفظها على ألسنة أهل التّواتر،فيبقى مصونا عن التّحريف و التّصحيف.و منها:أن يكون لفظه و نظمه معجزا لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و منها:أن يكون تلاوته نوع عبادة و طاعة.و منها:أن تكون قراءته في الصّلوات و سائر العبادات نوع عبادة (3)».
و الآيات-كما يتبادر منها-آيات القرآن،لأنّها هي الّتي أوحاها اللّه إليه ليتلوها على النّاس،و ربّما عمّمها بعضهم،و منهم الإمام عبده،للبراهين العقليّة و آثار القدرة.و هو بعيد،لعدم صدق التّلاوة عليها،إلاّ أن يتكلّف.
ثمّ تأتي التّزكية في ثلاث منها،أي في غير(1)و قد بحثنا حول ذلك،و هي تطهير النّفس عن الرّذائل،و لهم فيها كلام طويل.ثمّ تعليم الكتاب،و المراد به القرآن، و قيل:الكتابة،و هو ضعيف،و تعليم الكتاب تفهيم مفاهيمه قولا و عملا بعد تعليم ألفاظه بالتّلاوة،فليس فيه تكرار،ثمّ تعليم الحكمة،و هي تطلق على القول و الفعل و الحكم المحكم،قال الإمام الرّازيّ(4:74):
«هي الإصابة في القول و العمل،و لا يسمّى حكيما إلاّ من جمع فيه الأمران».
و اختلفوا فيها اختلافا فاحشا على أقوال:إنّها الشّريعة،أو السّنّة،أو الأخلاق،أو العقائد،أو جميعها، أو الطّاعة و الإخلاص،أو المشابهات،أو معرفة الدّين، أو فهم المصالح و المنافع...و كيف كان فهي تختلف عن مصطلح الفلاسفة،فإنّه التّشبّه بالإله بقدر الطّاقة البشريّة،و إن شملته بعض هذه المعاني.
قال الإمام الرّازيّ(9:80)في نظم هذه الواجبات الأربعة:«و اعلم أنّ كمال حال الإنسان في أمرين:أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به،و بعبارة أخرى للنّفس الإنسانيّة قوّتان:نظريّة و عمليّة،و اللّه تعالى أنزل الكتاب على محمّد عليه السّلام ليكون سببا لتكميل الخلق في هاتين القوّتين.فقوله: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ إشارة إلى كونه مبلّغا لذلك الوحي من عند اللّه إلى الخلق.
و قوله:(يزكّيهم)إشارة إلى تكميل القوّة النّظريّة بحصول المعارف الإلهيّة.و(الكتاب)إشارة إلى معرفة التّأويل، و بعبارة أخرى(الكتاب)إشارة إلى ظواهر الشّريعة.
و(الحكمة)إشارة إلى محاسن الشّريعة و أسرارها و عللها و منافعها.ثمّ بيّن تعالى ما تتكمّل به هذه النّعمة، و هو أنّهم كانوا من قبل في ضلال مبين،لأنّ النّعمة إذا وردت بعد المحنة كان توقّعها أعظم،فإذا كان وجه النّعمة العلم و الإعلام،و وردا عقيب الجهل و الذّهاب عن الدّين،كان أعظم،و نظيره قوله: وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى الضّحى:7.
د-و قد جاءت الحكمة و كذا الكتاب كثيرا فيما آتاه اللّه الأنبياء،و جاء الكتاب و الحكمة معا في شأن الأنبياء3)
ص: 106
عامّة مرّة: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ آل عمران:81.
و في شأن آل إبراهيم مرّة أيضا: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:
54.
و في شأن النّبيّ عليه السّلام مرّتين: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ البقرة:231
وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً النّساء:113.
و في شأن عيسى عليه السّلام مرّتين أيضا:
وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ
آل عمران:48
وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ المائدة:110
و للكلام فيها مجال واسع،لاحظ(ك ت ب) و(ح ك م).
رابعا:أن بعث الملك(16)و(17)،و بعث النّقباء (18)ليس فيه رسالة كالأنبياء،بل هو تنصيبهم ملوكا و نقباء في بني إسرائيل.و الّذي يلفت النّظر فيها أنّ أمر الملوكيّة و النّقابة كان في بني إسرائيل بيد نبيّهم تلقّيا من اللّه،و هذا ما يوافق عقيدة الشّيعة الإماميّة القائلة بأنّ أمر الحكومة و الإمامة بعد النّبيّ عليه السّلام في الإسلام موكول إلى اللّه و الرّسول دون النّاس،لاحظ(ح ك م)و(أ م م).
خامسا:أنّ البعث في(19)و(20)ليس معناه إرسال النّبيّ أو تعيين الوليّ،بل هو تسليط عبد أو عباد أولي بأس شديد على بني إسرائيل ليسوموهم سوء العذاب،لاحظ النّصوص.و كذا في(21)،فهو إرسال من يدعو السّحرة لمناوأة موسى و هارون عليهما السّلام،و في (22)بعث رجل بورق إلى المدينة ليشتري لهم طعاما، و في(23)إرسال حكم من أهله،و حكم من أهلها ليصلح بين الزّوجين عند الشّقاق،و في(24)بعث غراب ليعلّم ابن آدم الّذي قتل أخاه كيف يواري جسمه في التّراب،و في(25)إنزال العذاب إلى الكفّار.و قد عبّر فيها جميعا ب«بعث»،لما فيها من مهمّة إلهيّة تشبه النّبوّة أو إثارة أمر غيبيّ.
سادسا:جاءت تحت عنوان«الإيقاظ من النّوم» ثلاث آيات،هي كالواسطة بين ما قبلها و ما بعدها، الرّاجعة إلى بعث الأموات.و قد جاء في الأحاديث «النّوم أخو الموت»،و ذكر في القرآن النّوم و الموت بصيغة واحدة هي التّوفّي اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:42،أي أنّ اللّه يتوفّى الأنفس في وقتين:وقت الموت و وقت النّوم، فيمسك في النّوم الّتي قضى عليها الموت.فتموت في نومها،و يرسل الّتي لم يقض عليها الموت إلى أجل مسمّى،فتستيقظ من نومها،و تعيش ما قدّر اللّه لها من الحياة الدّنيا إلى أن يأتي أجلها المسمّى فتموت.
و في آية أخرى: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى الأنعام:60.
ص: 107
سابعا:لقد جاءت آيتان في(البعث من الموت في الدّنيا)،و هذا ما يعبّر عنه في علم الكلام ب«الرّجعة»، و قد أقرّ بها المسلمون عامّة،لوقوعها في الأمم الغابرة.
و اختلفوا في وقوعها في هذه الأمّة؛فالإماميّة يعتقدونها، لما وردت عندهم من روايات الملاحم و أخبار المهديّ عليه السّلام،و أنكرها أكثرهم معتبرين ذلك من مثالب الإماميّة.و لا بأس بها ما دامت قد وقعت سابقا بنصّ القرآن،و لا تصادم أصلا من أصول الإسلام كما أنّها لا تعتبر حتّى عند الإماميّة أصلا من أصول الدّين،بل هي مجرّد تسليم لما أخبر به الصّادق،فمن لم يثبت عنده صدق هذا الخبر فلا شيء عليه،ككثير من أخبار الملاحم.
و أوّل من قال برجعة النّبيّ هو عمر بن الخطّاب، زاعما أنّ النّبيّ لا يموت،ثمّ رجع عنها لمّا تلا عليه أبو بكر قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30، فهل خرج عمر بهذا من الإسلام؟و هل ثلبه على ذلك من يثلب الإماميّة عليها؟رغم أنّ ما ادّعاه كان مخالفا لكتاب اللّه،و ما تدّعيه الإماميّة هو موافق للكتاب.
ثامنا:جاء في قائمة آيات«الحشر يوم القيامة» اعتقاد البعث و إثباته(1-12)و ما يحكي اعتراف الكفّار به بعد بعثهم(13-15)،و بعث عيسى(15 و 16) و بعث نبيّنا(18)و إنكار المشركين البعث استبعادا للحياة بعد الموت تسع مرّات(19-27)،و إخفاء وقت البعث(28 و 29).
و هناك آيتان(30 و 31)في أنّ اللّه يبعث يوم القيامة من كلّ أمّة شهيدا عليهم.و آيتان في الانبعاث،أحدهما:
في انبعاث أشقى ثمود،و ثانيهما:في انبعاث المنافقين لحرب النّبيّ عليه السّلام.
تاسعا:جاء البعث من مجموع 65 مرّة:33 مرّة في إحياء الموتى في الدّنيا و الآخرة و 32 مرّة في غيره من الإرسال و الإيقاظ،فاهتمّ القرآن بإحياء الموتى أكثر من غيره حتّى بعث الأنبياء،رغم أنّه من أصول العقيدة أيضا لأنّ إنكاره أشدّ و التّصديق به أهمّ.
عاشرا:جاء بمعنى بعث الأموات في القرآن ما يلي:
1-الإحياء،و منه:
وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
الحجّ:66
2-الحشر،و منه:
وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً النّمل:83
3-البروز،و منه:
وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48
4-النّشوز،و منه:
وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً الفرقان:3
5-الخروج،و منه:
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ
ق:42
6-البعثرة،و منه:
إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9
و ليوم القيامة أسامي كثيرة في القرآن،لاحظ «يوم».
ص: 108
لفظان،مرّتان مكّيّتان،في سورتين مكّيّتين
بعثر 1:1 بعثرت 1:1
الخليل :يقال:بعثره بعثرة،إذا قلب التّراب عنه.
(2:339)
الفرّاء: يقال:بعثر الرّجل متاعه و بحثره،إذا فرّقه و بدّده،و قلب بعضه على بعض.(الجوهريّ 2:592)
مثله ابن سيدة.(الإفصاح 2:1351)
أبو عبيدة: تقول:بعثرت حوضي،أي هدمته، و جعلت أسفله أعلاه.(الجوهريّ 2:594)
ابن السّكّيت: يقال:بحثروا متاعهم و بعثروه،أي فرّقوه.(الإبدال:86)
مثله القاليّ.(2:70)
ابن أبي اليمان: و المبعثر:المفرّق المخرج،قال اللّه جلّ و عزّ: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9.(427)
ابن دريد: يقال:بقط متاعه و بعثره،إذا فرّقه.
(3:473)
الأزهريّ: يقال:بحثر متاعه و بعثره،إذا أثاره و قلبه.(5:333)
الجوهريّ: يقال:بعثرت الشّيء و بحثرته،إذا استخرجته و كشفته.(2:593)
ابن سيدة: بعثر المتاع و التّراب:قلبه،و بعثر الشّيء:فرّقه.
و زعم يعقوب: أنّ عينها بدل من غين بغثر،أو غين بغثر بدل منها.
و بعثر الخبر:بحثه.(2:463)
الطّوسيّ: يقال:بعثر فلان حوضه و بحثره بمعنى واحد،إذا جعل أسفله أعلاه.و البحثرة:إثارة الشّيء بقلب باطنه إلى ظاهره.(1:290)
الرّاغب: قال اللّه تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ
ص: 109
الانفطار:4،أي قلب ترابها و أثير ما فيها،و من رأى تركيب الرّباعيّ و الخماسيّ من ثلاثيّين نحو تهلّل و بسمل،إذا قال:لا إله إلاّ اللّه وبسم اللّه،يقول:إنّ بعثر مركّب من بعث و أثير،و هذا لا يبعد في هذا الحرف،فإنّ البعثرة تتضمّن معنى بعث و أثير.(53)
الزّمخشريّ: و بعث الشّيء و بعثره:أثاره.
(أساس البلاغة:25)
المدينيّ: في حديث أبي هريرة:«إنّي إذا لم أرك تبعثرت نفسي»أي جاشت و خبثت و لقست و لم تطب.
و قيل:أي انقلبت،من قوله تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. (1:173)
نحوه ابن الأثير.(1:139)
الفيروزآباديّ: بعثر:نظر و فتّش،و الشّيء:
فرّقه و بدّده،و قلب بعضه على بعض،و استخرجه فكشفه،و أثار ما فيه.و الحوض:هدمه و جعل أسفله أعلاه.و البعثرة:غثيان النّفس،و اللّون الوسخ.
(1:389)
الطّريحيّ: يقال:بعثرت الشّيء و بحثرته،إذا استخرجته،و كشفته،و يقال:بعثرت،أي قلبت فأخرج ما فيها،من قولهم:«تبعثرت نفسي»أي جاشت و انقلبت،يريد عند البعث.(3:227)
محمّد إسماعيل إبراهيم: بعثر الشّيء:بدّده،أو قلب بعضه على بعض ليخرج ما تحته،و بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ نثر ترابها الّذي يغطّي الموتى ليبعثهم.(1:73)
محمود شيت: أ-بعثر الجنود:فرّقهم خوفا عليهم من القصف الجوّيّ أو الأرضيّ.
ب-التّبعثر:التّفرّق لتقليل الخسائر بالأرواح خوفا من القصف الجوّيّ أو الأرضيّ.(1:92)
المصطفويّ: و ليس ببعيد أن يأخذ الواضع حين وضعه أمثال هذه اللّغات من كلمتين،و أن يكونا منظورين لفظا و معنى،كالبعثرة من البعث و لفظ آخر كالعثر أو البثر أو الثّرى.و البحثرة من البحث و لفظ آخر.و دعثر و دعكر و دعسر من الدّعر و لفظ آخر، و هكذا.
و يمكن أن تكون الزّيادة بحرف تناسب ما قبلها تلفّظا،و بالنّسبة إلى هذه الزّيادة و هيئة الكلمة يحصل التّغيير في المعنى أيضا. وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:
4، إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9،أي قلب و بعث قلبا شديدا،فزيادة حرف الرّاء في آخر الكلمة تدلّ على الشّدّة و المبالغة و امتداد حالة البعث و شدّتها، و انتخاب الرّاء من بين الحروف لكونها من حروف الرّخوة و الذّلاقة.(1:279)
أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ* وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ. العاديات:9،10
ابن عبّاس: بحث.(الطّبريّ 30:280)
الفرّاء: رأيتها في مصحف عبد اللّه:(اذا بحث ما في القبور)،و سمعت بعض أعراب بني أسد،و قرأها فقال:
بحثر؛و هما لغتان:بحثر و بعثر.(3:286)
ص: 110
أبو عبيدة: أثير فأخرج.(2:308)
نحوه البغويّ(5:296)،و ابن قتيبة(536).
الطّبريّ: أثير ما في القبور،و أخرج ما فيها من الموتى و بحث.(30:280)
نحوه الزّجّاج(الزّبيديّ 3:53)،و الطّوسيّ(10:
397)،و القرطبيّ(20:163).
الزّمخشريّ: بعث.و قرئ (بحثر و بحث) و(بحثر و حصّل)على بنائهما للفاعل و حصل بالتّخفيف.
(4:279)
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا عدّ عليه قبائح أفعاله خوّفه،فقال: أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ و فيه مسألتان:
المسألة الأولى:القول في(بعثر)مضى في قوله تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:4،و ذكرنا أنّ معنى(بعثر)بعث و أثير و أخرج،و قرئ (بحثر) .
المسألة الثّانية:لقائل أن يسأل لم قال: بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ و لم يقل:بعثر من في القبور؟ثمّ إنّه لمّا قال:
ما فِي الْقُبُورِ فلم قال: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ العاديات:
11،و لم يقل:إنّ ربّها بها يومئذ لخبير؟
الجواب عن السّؤال الأوّل هو أنّ ما في الأرض من غير المكلّفين أكثر،فأخرج الكلام على الأغلب،أو يقال:إنّهم حال ما يبعثرون لا يكونون أحياء عقلاء بل بعد البعث يصيرون كذلك،فلا جرم كان الضّمير الأوّل ضمير غير العقلاء،و الضّمير الثّاني ضمير العقلاء.
(32:68)
أبو حيّان: قرأ الجمهور (بعثر) بالعين مبنيّا للمفعول،و قرأ عبد اللّه بالحاء،و قرأ الأسود بن زيد (بحث).و قرأ نضر بن عاصم(بحثر)على بنائه للفاعل.
(8:505)
بنت الشّاطئ: و«البعثرة»لم تأت في القرآن إلاّ في هذه الآية،و في آية الانفطار:4 وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ.
و كلتاهما في بعثرة القبور يوم القيامة،و فيهما جاء الفعل مبنيّا للمجهول،صرفا للذّهن إلى الحدث نفسه، و تركيزا للانتباه فيه.و فيهما أيضا انتقال سريع من بعثرة ما في القبور إلى الحساب العسير يحصّل ما في الصّدور، و تعلم به كلّ نفس ما قدّمت و أخّرت.
و البعثرة لغة فيها معنى التّبديد و التّفريق و الاختلاط،و قلب بعض الشّيء على بعض.و قالوا:
بعثر الحوض:هدمه و جعل أسفله أعلاه.
و قد يلحظ فيها معنى التّفتيش و الكشف،فيقال:
بعثر الشّيء:استخرجه فكشفه و أثار ما فيه،كما استعملت البعثرة في قلق الجوف،و غثيان النّفس.
و المتبادر من مفهوم(بعثر)في آيتي العاديات و الانفطار،هو التّشتّت و التّفرّق و الانتثار،و ما يكون عنها من حيرة و ضلال و اختلاط و ارتباك يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4،و لكنّ اللّفظ يحتفظ كذلك بما في الأصل اللّغويّ،إلى جانب التّفريق و الاختلاط،من معنى الإثارة و الكشف،فيمهّد لما بعده من تحصيل ما في الصّدور.
(التّفسير البيانيّ للقرآن الكريم 1:164)
ص: 111
وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. الانفطار:4
ابن عبّاس: بحثت عن الموتى فأخرجوا منها،يريد عند البعث.
مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:449)
السّدّيّ: أثيرت لبعث الأموات.(أبو حيّان 8:436)
الفرّاء: خرج ما في بطنها من الذّهب و الفضّة، و خرج الموتى بعد ذلك.و هو من أشراط السّاعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها،من ذهبها و فضّتها.
(3:243)
نحوه الميبديّ.(10:405)
أبو عبيدة: أثيرت،يقول الرّجل للرّجل:بعثرت حوضي،جعلت أسفله أعلاه.(2:288)
ابن قتيبة: قلبت و أخرج ما فيها،يقال:بعثرت المتاع و بحثرته،إذا جعلت أسفله أعلاه.(518)
نحوه القرطبيّ.(19:244)
الطّبريّ: و إذا القبور أثيرت،فاستخرج من فيها من الموتى أحياء،يقال:بعثر فلان حوض فلان،إذا جعل أسفله أعلاه،يقال:بعثره و بحثره،لغتان.
(30:85)
الزّجّاج: يعني بحثرت،أي قلب ترابها،و بعث الموتى الّذين فيها.(5:295)
نحوه البغويّ(5:296)،و الطّبرسيّ(5:449).
القمّيّ: تنشقّ،فيخرج النّاس منها.(2:409)
الزّمخشريّ: بعثر و بحثر بمعنى،و هما مركّبان من البعث و البحث مع راء مضمومة إليهما،و المعنى بحثت، و أخرج موتاها.
و قيل لبراءة:المبعثرة،لأنّها بعثرت أسرار المنافقين.(4:227)
نحوه البيضاويّ.(2:544)
الفخر الرّازيّ: [نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]
و المعنى أثيرت و قلب أسفلها أعلاها و باطنها ظاهرها،ثمّ هاهنا وجهان:
أحدهما:أنّ القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء،كما قال تعالى: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2.
و الثّاني:أنّها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذّهب و الفضّة؛و ذلك لأنّ من أشراط السّاعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها و فضّتها،ثمّ يكون بعد ذلك خروج الموتى.و الأوّل أقرب،لأنّ دلالة القبور على الأوّل أتمّ.
و أمّا فائدة هذا التّرتيب:فاعلم أنّ المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم و فناء الدّنيا،و انقطاع التّكاليف.و السّماء كالسّقف،و الأرض كالبناء،و من أراد تخريب دار فإنّه يبدأ أوّلا بتخريب السّقف؛و ذلك هو قوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ الانفطار:1،ثمّ يلزم من تخريب السّماء انتثار الكواكب؛و ذلك هو قوله:
وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ الانفطار:2،ثمّ إنّه تعالى بعد تخريب السّماء و الكواكب يخرّب كلّ ما على وجه الأرض،و هو قوله: وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ثمّ إنّه تعالى يخرّب آخر الأمر الأرض الّتي هي البناء؛و ذلك هو قوله:
وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ فإنّه إشارة إلى قلب الأرض
ص: 112
ظهرا لبطن،و بطنا لظهر.(31:77)
النّيسابوريّ: المعنى بحثت القبور و أخرج موتاها، و لأهل التّأويل أن يحملوا:بعثرة القبور،على كشف الأسرار و الأحوال الخفيّة.(30:42)
أبو حيّان: [ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]
فظاهر قوله:«إنّهما مركّبان أنّ مادّتهما ما ذكر،و أنّ الرّاء ضمّت إلى هذه المادّة»و الأمر ليس كما يقتضيه كلامه،لأنّ الرّاء ليست من حروف الزّيادة،بل هما مادّتان مختلفتان و إن اتّفقا من حيث المعنى.و أمّا إنّ إحداهما مركّبة من كذا فلا،و نظيره قولهم:دمث و دمثر، و سبط و سبطر.(8:436)
البروسويّ: قلب ترابها،و أخرج موتاها.
و لا يخالف ما سيجيء في العاديات،فإنّ«البعثرة»تجيء بمعنى الاستخراج أيضا،أي كالقلب.و نظيره بحثر لفظا و معنى،يقال:بعثرت المتاع و بحثرته،أي جعلت أسفله أعلاه.و جعل أسفل القبور أعلاها إنّما هو بإخراج موتاها.
و قيل لسورة براءة:المبعثرة،لأنّها بعثرت أسرار المنافقين،و هما أي«بعثر و بحثر»مركّبان من البعث و البحث،مع راء ضمّت إليهما.[إلى أن قال:]
و فيه إشارة إلى خراب قبور التّعيّنات و صيرورة المتعيّن مطلقا عن التّعيّنات،لأنّ التّعيّنات قبور الحقائق المطلقة و إلى قبور الأبدان فإنّها تخرج ما فيها من الأرواح و القوى بالموت.(10:356)
الآلوسيّ: قلب ترابها الّذي حثي على موتاها، و أزيل و أخرج من دفن فيها،على ما فسّر به غير واحد.
و أصل البعثرة على ما قيل:تبديد التّراب و نحوه،و هو إنّما يكون لإخراج شيء تحته.فقد يذكر و يراد معناه و لازمه معا،و عليه ما سمعت.و قد يتجوّز به عن البعث و الإخراج كما في العاديات؛حيث أسند فيها لما في القبور دونها كما هنا،و زعم بعض أنّه مشترك بين النّبش و الإخراج.
و ذهب بعض الأئمّة كالزّمخشريّ و السّهيليّ إلى أنّه مركّب من كلمتين اختصارا،و يسمّى ذلك نحتا.و أصل بعثر:بعث،و أثير،و نظيره بسمل و حمدل و حوقل و دمعز،أي قال:بسم اللّه و الحمد للّه تعالى،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه تعالى،و أدام للّه تعالى عزّه،إلى غير ذلك من النّظائر،و هي كثيرة في لغة العرب،و عليه يكون معناه النّبش و الإخراج معا.
و اعترضه أبو حيّان:بأنّ الرّاء ليست من أحرف الزّيادة،و هو توهّم منه،فإنّه فرق بين التّركيب و النّحت من كلمتين،و الزّيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة،كما فصّل في«الزّهر»نقلا عن أئمّة اللّغة، نعم الأصل عدم التّركيب.(30:63)
مثله القاسميّ.(17:6084)
المراغيّ: أي أثيرت و قلب أسفلها أعلاها و باطنها ظاهرها،ليخرج من فيها من الموتى أحياء.
(30:64)
نحوه الطّباطبائيّ(20:223)و الحجازيّ(30:23)
مكارم الشّيرازيّ: (بعثر)من البعثرة و هي البعث و الإثارة و الإخراج،و بعثرة ما في القبور:بعث الموتى و إخراجهم من القبور.(20:363)
ص: 113
1-الأصل في هذه المادّة:البعثرة،أي الإثارة،إلاّ أنّ هيئتها تختلف باختلاف المثار،ففي التّراب قلب،و في المتاع تفريق،و في الحوض هدم،و في الخبر بحث،و في مطلق الشّيء استخراج و كشف،يقال:بعثر التّراب يبعثر بعثرة،و بعثر الرّجل متاعه،و بعثرت حوضي، و بعثر الخبر،و بعثرت الشّيء.و كأنّ هذه المادّة وضعت للإثارة في الأجسام،ثمّ توسّعت إلى المعاني كالأخبار، و من الثّاني قول الفيروزآباديّ:بعثر:نظر و فتّش.
2-و ذكر ابن السّكّيت في الإبدال:بعثر المتاع و بغثره و بحثره،أي فرّقه،و نظير الأوّل ما حكاه الفرّاء:
سمعت وغاهم و وعاهم،أي ضجّتهم،و نظير الثّاني قولهم:ضجّت الإبل و ضبعت،أي مدّت ضبعيها في سيرها و أسرعت.
3-و أمّا حديث أبي هريرة:«إنّي إذا لم أرك تبغثرت نفسي»،أي جاشت و غثّت،فقد رواه المدينيّ بالعين تارة و بالغين أخرى،و كذا فعل ابن الأثير و ابن منظور، ثمّ جاراهم فيه من تلاهم،و تداوله واحد عن آخر مقلّدا بعضهم بعضا.
و نرى لفظة«تبغثرت»بالغين،كما ضبطه الزّمخشريّ في«الفائق»و ذكره عبد الرّحمن بن عيسى في باب«النّفور و اضطراب النّفس»من كتاب«الألفاظ الكتابيّة»،فقال:«يقال:غثت نفسي تغثي،و تبغثرت، و أجهشت نفسه،إذا نهضت و فارت،و جاشت نفسه، و غلت،و تمقّست،و نقست نفسه،إذا غثت».و هذا يحملنا على القول بأنّ«تبعثرت»-بالعين-تصحيف «تبغثرت».
4-و ذهب الزّمخشريّ إلى أنّ«بعثر»مركّب من «بعث»و«الرّاء»،و كذلك«بحثر»،إلاّ أنّه لم يفصح عن نوع هذا التّركيب،أ هو تركيب نحت أم تركيب تواتر؟
و قد حصر اللّغويّون ما ورد من تركيب النّحت في الألفاظ الآتية و ليس بينها«بعثر»:يقال:بسمل الرّجل،أي قال:بسم اللّه،و حوقل:قال:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،و هلّل:قال:لا إله إلاّ اللّه،و سبحل:
قال:سبحان اللّه،و حمدل:قال:الحمد للّه،و حيصل:
قال:حيّ على الصّلاة،و جعفل:قال:جعلت فداك، و طبقل:قال:أطال اللّه بقاءك،و دمعز:قال:أدام اللّه عزّك،و حيفل:قال:حيّ على الفلاح.
و كأنّ الزّمخشريّ أراد بالتّركيب نحت فعل من فعلين،و هما:بعث و عثر أو أثر،كما بيّنه المصطفويّ، فأخذ حروف الأوّل كلّها و ضمّ إليها الرّاء من الثّاني، فاجتمع فيه اللّفظ و المعنى منهما.و هذا نوع آخر من التّركيب يناسب الفعل الرّباعيّ،و قد لحظ الفخر الرّازيّ هذا؛حيث فسّر وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ب«بعث» و«أثير».
أمّا تركيب التّواتر فهو إمّا تركيب إضافة،مثل عبد اللّه،أو تركيب إسناد،مثل:برق نحره،أو تركيب مزج،مثل:حضرموت،و لا يشبه«بعثر»واحدا منها بتاتا؛إذ لم يرد في قياس أو سماع تركيب في العربيّة يضمّ كلمة و حرفا آخر،و هو شائع في اللّغات الهند و أوربيّة كالفارسيّة،و يطلق عليه الإلصاق،و لذا سمّيت هذه اللّغات الغرويّة أيضا.
ص: 114
جاء في هذه المادّة فعلان ماضيان مجهولان،في آيتين مكّيّتين:
1- وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:4
2- أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9
يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل فيهما أسند إلى القبور مع تفاوت،ففي الأولى أسند إلى نفس القبور،و في الثّانية إلى ما في القبور،أي الأموات،و هو المراد من الأولى أيضا، إلاّ أنّها جاءت متناسقة مع ما قبلها في الرّويّ: وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ* وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:3،4، كما أنّ الثّانية جاءت كذلك متناسقة مع ما بعدها: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ* وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ العاديات:
9،10.
ثانيا:قد تقدّم في الأصول اللّغويّة القول:بأنّ«بعثر» مركّب من«بعث»و«أثر»،فيفيد الإخراج و القلب؛ و عليه بنى الآلوسيّ قوله الأخير،لكنّه قال أوّلا:أريد بالأولى-حيث نسب البعثرة إلى القبور-قلبها لإخراج ما فيها،و بالثّانية-الّتي نسبت إلى ما في القبور-القلب و الإخراج معا تجوّزا.و احتمل أخيرا اشتراكه بين النّبش و الإخراج.و عليه أريد بالأولى القلب،و بالثّانية الإخراج،و هو بعيد،لوحدة السّياق فيهما.
ثالثا:بيّنت بنت الشّاطئ نكتتين في الآيتين غير ما ذكر:[في النّصّ المتقدّم منها]
الأولى:جاء الفعل مبنيّا للمجهول صرفا للذّهن إلى الحدث نفسه،و تركيزا للانتباه فيه،و انتقال سريع من بعثرة ما في القبور إلى الحساب العسير بتحصيل ما في الصّدور،و علم كلّ نفس ما قدّمت و أخّرت.
و الثّانية:أنّ المتبادر من مفهوم(بعثر)هو التّشتّت و التّفرّق و الانتثار،و ما يكون عنها من حيرة و ضلال و اختلاط و ارتباك،مع احتفاظ اللّفظ-إلى جانب ذلك- بمعناه اللّغويّ،و هو الإثارة و الكشف،فيمهّد لما بعده من تحصيل ما في الصّدور.
رابعا:كلتا الآيتين من أعلام القيامة و البعث،و إنذار بما يلقاه الإنسان يومئذ أمام اللّه ربّ العباد:
فقال في الأولى بعد أن عدّ أربعة من أعلام القيامة، بدء بانفطار السّماء و انتثار الكواكب و انفجار البحار، و انتهاء ببعثرة القبور: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ* يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الانفطار:5،6.
و قال في الثّانية بعد ذكر بعثرة ما في القبور و تحصيل ما في الصّدور: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ العاديات:
11.
فختم الآيتين متناسق معنى أيضا من جهتين:
الأولى:اشتمالهما على مواجهة الإنسان الرّبّ الكريم الخبير،ف(الكريم)في الأولى يبعث على الرّجاء، و(الخبير)في الثّانية يبعث على الخوف،فالعبد يكون يومئذ أمام الرّبّ بين الخوف و الرّجاء،فهم مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:106.
الثّانية:اشتمالهما على علم الإنسان يومئذ بأعماله و ضمائره،ففي الأولى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ، و في الثّانية وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ، أي
ص: 115
ميّز ما فيها من خير و شرّ،كما قال القرطبيّ.هذا مضافا إلى ما قاله النّيسابوريّ:«و لأهل التّأويل أن يحملوا بعثرة القبور على كشف الأسرار و الأحوال الخفيّة».
فكلّ من العبد و الرّبّ يومئذ عالم و خبير بما صدر عن العبد و بما يكنّ في الصّدور،و هذا حجّة على العبد أمام الرّبّ،لا مفرّ منها سوى كرم الرّبّ.
خامسا:للفخر الرّازيّ كلام في ترتيب ما جاء قبل الآية حول تخريب العالم بتشبيهه بتخريب البيت،حيث بدأ بالسّماء كسقف البيت،ثمّ بالنّجوم كأبواب البيت أو جدرانه،ثمّ بما في الأرض من البحار،مبتدئا بتفجير البحار ثمّ بالأرض نفسها الّتي هي أصل البناء.و إليه أشار بقوله: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، فإنّه إشارة إلى قلب الأرض كلّها ظهرا لبطن و بطنا لظهر.
و نقول تعقيبا لكلام الرّازيّ:هناك في السّور القصار أنواع من السّور:
الأوّل:سور مبدوءة بالقسم،و سنبحث حولها في بحث أقسام القرآن،و هو نوع من العلوم القرآنيّة، و لا تختصّ بالسّور القصار،و هي كثيرة.
و الثّاني:سور مبدوءة ب(قل)،و هي أربع سور.
و الثّالث:سور مبدوءة ب(اذا)،و هي التّكوير و الانفطار و الانشقاق و الزّلزال فقط.
و أمّا سورتا«المنافقون»و«النّصر»فإنّهما و إن ابتدءا ب(اذا)،فهما خارجتان من هذا النّوع،لأنّهما تشيران إلى أمر دنيويّ،و هو في الأولى مجيء المنافقين،و في الثّانية مجيء النّصر.
و هذه السّور الأربع تحمل في بداياتها أعلام القيامة و ما يتقدّمها من الأهوال في العالم،و ينبغي دراستها معا في مكان واحد-حيث لم أقف على هذا البحث إلى الآن- كما بحثت السّور المبدوءة بالحروف المقطّعة،و المبدوءة بالحمد و التّسبيح،فكشف عن سرّ ابتدائها بذلك.
و القول الموجز في هذه السّور الأربع:أنّها جميعا إجابة عمّا سأله المنكرون للبعث الّذي هو ركن من أركان الإسلام كالتّوحيد و النّبوّة،و معيار للإسلام و الكفر،فمن أنكره فليس بمسلم،و من اعترف به مع الاعتراف بالتّوحيد و النّبوّة فهو مسلم.
و قد تكرّر سؤال المنكرين في القرآن:متى هذا الوعد؟فأبهمه القرآن إبهاما،و خفي عن النّبيّ أيضا، لكنّه بيّن في هذه السّورة علامات البعث الحاكية لخراب العالم:
فالأولى:(و الشّمس)حيث بدأت بذكر اثنتي عشرة علامة،مشيرة إلى وقت وقوعها بلفظ(اذا)،بدء بتكوير الشّمس،و هو ينطبق على النّظريّة الحديثة في مركزيّة الشّمس في هذه المنظومة،فهي باقية ما دامت الشّمس مضيئة،فإذا كوّرت و انطفأ ضوؤها تتلاشى المنظومة الشّمسيّة.
و تلاه انكدار النّجوم،لأنّ ضوءها من الشّمس،ثمّ سقوط الأرض،لأنّها تدور حول الشّمس بجاذبيّتها، فإذا سقطت الشّمس تسقط الأرض أيضا،بدء بأوتادها -و هي الجبال-فتسيّر،ثمّ البحار فتسجّر،ثمّ الوحوش فتحشر،أي تجمع حول بعضها بعضا،رغم عدم ألف بعضها ببعض قبل ذلك،ثمّ العشار-و هي الإبل-فتعطّل لموت أربابها،و هكذا تجمع النّفوس و تزوّج،كلّ ذلك
ص: 116
لهول الموقف و شدّة الأمر.
ثمّ يذكر القرآن أحوال الآخرة بسؤال الموءودة و نشر الصّحف،و كشط السّماء و تسعير الجحيم، و إزلاف الجنّة و غيرها.
أمّا الثّانية-و هي الانفطار-فقد ذكرها الرّازيّ.
و الثّالثة-و هي الانشقاق-فذكرت فيها علامتان:
واحدة في السّماء،و هي انشقاقها و إعلامها لربّها و ما حقّ لها،و واحدة في الأرض،و هي امتدادها و إلقاؤها ما فيها و تخلّيها.
أمّا الرّابعة-و هي الزّلزال-فقد انحصرت بزلزال الأرض و إخراجها أثقالها،و فزع الإنسان منها و تحديثها أخبارها،و خروج النّاس من القبور أشتاتا لرؤية أعمالهم من خير و شرّ.
هذا غيض من فيض،و سيأتي التّفصيل في محلّه.
ص: 117
ص: 118
في 56 سورة:37 مكّيّة،19 مدنيّة
بعدت 1:-1 مبعدون 1:1
بعدت 1:1 بعد 148:62-86
باعد 1:1 بعده 21:13-8
بعيد 16:15-1 بعدهم 17:14-3
البعيد 3:2-1 بعدها 6:6
بعيدا 6:1-5 بعدهنّ 1:-1
بعد 1:1 بعدك 1:1
بعدا 6:6 بعدكم 1:1
بعدي 4:2-2
الخليل :بعد:خلاف شيء،و ضدّ قبل،فإذا أفردوا قالوا:هو من بعد و من قبل رفع،لأنّهما غايتان مقصود إليهما،فإذا لم يكن قبل و بعد غاية فهما نصب، لأنّهما صفة.
و ما خلف بعقبه فهو من بعده،تقول:أقمت خلاف زيد،أي بعد زيد.هو بغير تنوين على الغاية،مثل قولك:ما رأيته قطّ.
فإذا أضفته نصبت إذا وقع موقع الصّفة،كقولك:هو بعد زيد قادم.
فإذا ألقيت عليه«من»صار في حدّ الأسماء، كقولك:من بعد زيد،فصار«من»صفة،و خفض«بعد» لأنّ«من»حرف من حروف الخفض،و إنّما صار«بعد» منقادا ل«من»،و تحوّل من وصفيّته إلى الاسميّة،لأنّه لا تجتمع صفتان،و غلبه«من»لأنّ«من»صار في صدر الكلام فغلب.
و تقول العرب:بعدا و سحقا،مصروفا عن وجهه، و وجهه:أبعده اللّه و أسحقه.و المصروف ينصب،ليعلم أنّه منقول من حال إلى حال،أ لا ترى أنّهم يقولون:
مرحبا و أهلا و سهلا،و وجهه:أرحب اللّه منزلك،
ص: 119
و أهلّك له،و سهّله لك.
و من رفع فقال:بعد له و سحق،يقول:هو موصوف و صفته قوله:«له»مثل:غلام له،و فرس له،و إذا أدخلوا الألف و اللاّم لم يقولوا إلاّ بالضّمّ،البعد له، و السّحق له،و النّصب في القياس جائز على معنى أنزل اللّه البعد له،و السّحق له.
و البعد على معنيين:
أحدهما:ضدّ القرب،بعد يبعد بعدا فهو بعيد، و باعدته مباعدة.و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير،و باعد اللّه بينهما و بعّد،كما تقرأ هذه الآية رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،و(بعّد).[ثمّ استشهد بشعر]
و المباعدة:تباعد الشّيء عن الشّيء.
و الأبعد:ضدّ الأقرب،و الجمع:أقربون و أبعدون، و أباعد و أقارب.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقرأ بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،و (بعدت ثمود) إلاّ أنّهم يقولون:بعد الرّجل،و أبعده اللّه.
و البعد و البعاد أيضا من اللّعن،كقولك:أبعده اللّه، أي:لا يرثى له ممّا نزل به.[ثمّ استشهد بشعر]
و هذا من قولك:بعدا و سحقا،و الفعل منه:بعد يبعد بعدا.
و إذا أهّلته لما نزل به من سوء قلت:بعدا له،كما قال: بَعِدَتْ ثَمُودُ و نصبه فقال:بعدا له لأنّه جعله مصدرا،و لم يجعله اسما.و في لغة تميم يرفعون،و في لغة أهل الحجاز أيضا.(2:52)
سيبويه: بعد الرّجل،بالضّمّ و بعد بالكسر،بعدا و بعدا،فهو بعيد و بعاد،أي تباعد،و جمعهما:
بعداء.(ابن منظور 3:89)
و قالوا:بعدك؛تحذّره شيئا من خلفه.
(ابن سيدة 2:24)
اللّيث: تقول:هذه القرية بعيد،و هذه القرية قريب، لا يراد به النّعت،و لكن يراد بهما الاسم؛و الدّليل على أنّهما اسمان،قولك:قريبه قريب و بعيده بعيد.
(الأزهريّ 2:244)
بعد:كلمة دالّة على الشّيء الأخير،تقول:بعد هذا، منصوب،فإذا قلت:«أمّا بعد»فإنّك لا تضيفه إلى شيء، و لكنّك تجعله غاية نقيضا لقبل.
قال اللّه تعالى: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:4،فرفعهما لأنّهما غاية مقصود إليها.فإذا لم يكونا غاية فهما نصب،لأنّهما صفة.(الأزهريّ 2:242)
الضّبّيّ: العرب تقول:بعد الرّجل و بعد،إذا تباعد في غير سبّ.و يقال في السّبّ:بعد و سحق،لا غير.
(الأزهريّ 2:245)
الكسائيّ: تنحّ غير باعد،أي غير صاغر،و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.(الأزهريّ 2:247)
ابن شميّل: قال رجل لابنه:إن غدوت على المربد ربحت عناء،و رجعت بغير أبعد،أي بغير منفعة.
(الأزهريّ 2:246)
في قولهم:هلك الأبعد،يعني صاحبه،و هكذا يقال إذا كني عن اسمه،و يقال للمرأة:هلكت البعدى.
(الأزهريّ 2:247)
راود رجل من العرب أعرابيّة عن نفسها فأبت إلاّ أن يجعل لها شيئا،فجعل لها درهمين،فلمّا خالطها جعلت
ص: 120
تقول:غمزا و درهماك لك،فإن لم تغمز فبعد لك.رفعت البعد،يضرب مثلا للرّجل تراه يعمل العمل الشّديد.
(الأزهريّ 2:248)
الفرّاء: العرب إذا قالت:دارك منّا بعيد أو قريب، أو قالوا:فلانة منّا قريب أو بعيد،ذكّروا القريب و البعيد،لأنّ المعنى هي في مكان قريب أو بعيد،فجعل القريب و البعيد خلفا من المكان.
قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:83،و قال: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً الأحزاب:63،و قال: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56.
و لو أنّثنا و بنيتا على:بعدت منك فهي بعيدة،و قربت فهي قريبة،كان صوابا.
و من قال:قريب و بعيد و ذكّرهما،لم يثنّ قريبا و بعيدا،فقال:هما منك قريب،و هما منك بعيد.و من أنّثهما،فقال:هي منك قريبة و بعيدة ثنّى و جمع،فقال:
قريبات و بعيدات.[ثمّ استشهد بشعر]
و إذا أردت بالقريب و البعيد قرابة النّسب أنّثت لا غير،لم يختلف العرب فيها.(الأزهريّ 2:244)
يقال للرّجل الّذي لا يفهم عنك قولك:هو ينادي من مكان بعيد،و يقال للفهم:إنّه ليأخذ الأشياء من قرب.(الهرويّ 1:185)
أبو زيد:يقال:لم أجد عنده أبعد،أي طائلا.
(247)
لقيته بعيدات بين،إذا لقيته بعد حين،ثمّ أمسكت عنه،ثمّ أتيته.(الأزهريّ 2:247)
يقال للرّجل:«إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه»يقول:إذا لم تكن ممّن يقترب منه فتباعد عنه، لا يصبك شرّه.(الأزهريّ 2:248)
الأصمعيّ: أتانا فلان من بعدة،أي من أرض بعيدة.(الأزهريّ 2:246)
هم منّي غير بعد،أي ليسوا ببعيد.و انطلق يا فلان غير باعد،أي لا ذهبت.(الأزهريّ 2:247)
اللّحيانيّ: قال بعضهم:ما هو بالّذي لا بعد له، و ما هو بالّذي لا قبل له.(ابن منظور 3:93)
أبو عبيد: يقال:لقيته بعيدات بين،إذا لقيته بعد حين،و قيل:بعيدات بين،أي بعيد فراق؛و ذلك إذا كان الرّجل يمسك عن إتيان صاحبه الزّمان،ثمّ يأتيه،ثمّ يمسك عنه نحو ذلك أيضا،ثمّ يأتيه.و هو من ظروف الزّمان الّتي لا تتمكّن،و لا تستعمل إلاّ ظرفا.
(ابن منظور 3:93)
ابن الأعرابيّ: إنّه لذو بعدة،أي ذو رأي و حزم، و إنّك لغير أبعد،أي لا خير فيك،ليس لك بعد مذهب.
و رجل ذو بعدة،إذا كان نافذ الرّأي ذا غور و ذا بعد رأي.(الأزهريّ 2:246)
تقول العرب:في الأدنى و في البعد:بعيد و بعد.
(الأزهريّ 2:247)
أبو نصر الباهليّ: و العرب تقول:هو غير بعد،أي غير بعيد.(الأزهريّ 2:247)
أبو حاتم: قالوا:قبل و بعد من الأضداد.
(الأزهريّ 2:243)
ابن قتيبة :بعد يبعد،إذا كان بعده هلكة،و بعد
ص: 121
يبعد إذا تأنّى.(أبو حيّان 5:258)
ابن دريد :و البعد:ضدّ القرب،و بعد:ضدّ قبل.
و تقول العرب:فلان غير بعيد و غير بعد،سمعها أبو زيد من العرب.
و بعد الرّجل يبعد بعدا من النّأي،فإذا أمرت قلت:
ابعد،و بعد يبعد بعدا من قولهم:أبعده اللّه،فإذا أمرت قلت:ابعد.[ثمّ استشهد بشعر]
و البعاد:مصدر باعدته مباعدة و بعادا.(1:245)
ابن الأنباريّ: من العرب من يسوّي بين الهلاك و البعد الّذي هو ضدّ القرب،فيقول فيهما:بعد يبعد و بعد يبعد.(أبو حيّان 5:258)
النّحّاس: المعروف في اللّغة بعد يبعد بعدا و بعدا،إذا هلك.(أبو حيّان 5:258)
القاليّ: و الإبعاد و الإبعاط واحد.(2:158)
الأزهريّ: قال حذّاق النّحويّين:ما كان من«أفعل و فعلى»فإنّه تدخل فيه الألف و اللاّم،كقولك:هو الأبعد و البعدى و الأقرب و القربى.(2:246)
[و بعد أن ذكر قول ابن شميّل:في قولهم:هلك الأبعد...قال:]
قلت:هذا مثل قولهم:فلا مرحبا بالآخر،إذا كنى عن صاحبه و هو يذمّه.(2:247)
الصّاحب:بعد بعدا و بعادا و ابتعد،بمعنى.
و بعد بعدا:هلك.
و بعدا له و سحقا،و بعد له أيضا.
و باعد اللّه بينهما و بعّد.
و بعد:نقيض قبل.
و جئت بعديك-مثنّى-أي بعدك.[ثمّ استشهد بشعر]
و أتيته بعيدات بين،أي أتيته بعد زمن،ثمّ أمسكت عنه،ثمّ أتيت.
و ما عندك أبعد-منوّن-و إنّك لغير أبعد (1)،أي ما عندك طائل.
و أتاه من بعدة،أي من أرض بعيدة،و جمعها:بعد.
و هو ذو بعدة،أي بعيد الهمّة.
و يقولون:إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه،أي ممّن يبعد عنه،جمع بعيد.(1:432)
الجوهريّ: البعد:ضدّ القرب،و قد بعد بالضّمّ فهو بعيد،أي تباعد.و أبعده غيره و باعده،و بعّده تبعيدا.
و البعد بالتّحريك:جمع باعد،مثل خادم و خدم.[ثمّ استشهد بشعر]
و البعد أيضا:الهلاك،تقول منه:بعد بالكسر،فهو باعد.
و استبعد،أي تباعد،و استبعده:عدّه بعيدا.
و تقول:تنحّ غير باعد و غير بعد أيضا،أي غير صاغر.و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.
و ما أنتم ببعيد،و ما أنت منّا ببعيد،يستوي فيه الواحد و الجمع،و كذلك ما أنت منّا ببعد،و ما أنتم منّا ببعد.
و بيننا بعدة؛من الأرض و القرابة.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:أبعد اللّه الآخر،و لا يقال للأنثى منه شيء.».
ص: 122
و قولهم:كبّ اللّه الأبعد لفيه،أي ألقاه لوجهه.
و الأبعد:الخائن.
و البعدان:جمع بعيد،مثل رغيف و رغفان،يقال:
فلان من قربان الأمير و من بعدانه.
و الأباعد:خلاف الأقارب.
و بعد:نقيض قبل،و هما اسمان يكونان ظرفين إذا أضيفا.و أصلهما الإضافة،فمتى حذفت المضاف إليه لعلم المخاطب،بنيتهما على الضّمّ ليعلم أنّه مبنيّ؛إذ كان الضّمّ لا يدخلهما إعرابا،لأنّهما لا يصلح وقوعهما موقع الفاعل، و لا موقع المبتدإ و لا الخبر.(2:448)
ابن فارس: الباء و العين و الدّالّ أصلان:خلاف القرب،و مقابل قبل،قالوا:البعد:خلاف القرب،و البعد و البعد:الهلاك.و قالوا في قوله تعالى: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،أي هلكت،و قياس ذلك واحد.
و الأباعد:خلاف الأقارب.[ثمّ استشهد بشعر]
و تقول:تنحّ غير باعد،أي غير صاغر،و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.
و أمّا الآخر فقولك:جاء من بعد،كما تقول في خلافه:من قبل.(1:268)
المهدويّ: بعد يستعمل في الخير و الشّرّ،و بعد في الشّرّ خاصّة.(أبو حيّان 5:258)
ابن سيدة :البعد:خلاف القرب.[ثمّ استشهد بشعر]
بعد الرّجل و بعد بعدا و بعدا فهو بعيد و بعاد، و جمعهما:بعداء.وافق الّذين يقولون:«فعيل»الّذين يقولون:«فعال»لأنّهما أختان،و قد قيل:بعد.[ثمّ استشهد بشعر]
و في الدّعاء:بعدا له،نصبوه على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره،أي أبعده اللّه.
و بعد باعد،على المبالغة،و إن دعوت به فالمختار النّصب.[ثمّ استشهد بشعر]
و باعده مباعدة و بعادا،و باعد اللّه بينهما و بعّد، و يقرأ: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،و (بعّد) .
[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل مبعد:بعيد الأسفار.
و بعد بعدا و بعد:هلك أو اغترب،قال تعالى: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95.
و البعد و البعاد:اللّعن،منه أيضا.
و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير و أبعده (1).
و جلست بعيدة منك،و بعيدا منك،يعني مكانا بعيدا.و ربّما قالوا:هي بعيد منك،أي مكانها،و في التّنزيل وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:83،و أمّا بعيدة العهد فبالهاء.
و منزل بعد:بعيد.
و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا،و غير باعد،أي صاغر.
و إنّه لغير أبعد،أي لا خير فيه و لا له بعد مذهب.
و إنّه لذو بعدة،أي لذو رأي و حزم.
و ما عنده أبعد،أي طائل.
و بعد:ضدّ قبل،يبنى مفردا،و يعرب مضافا.
و حكى سيبويه أنّهم يقولون:من بعد،فينكّرونه،).
ص: 123
و أفعل هذا بعدا.[إلى أن قال:]
و قولهم في الخطابة:أمّا بعد،إنّما يريدون:أمّا بعد دعائي لك.و زعموا أنّ داود عليه السّلام أوّل من قالها،و لذلك قال عزّ و جلّ: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:
20،و زعم ثعلب:أنّ أوّل من قالها كعب بن لؤيّ.
(2:30)
الطّوسيّ: بعد:نقيض قبل،تقول:كان هذا بعد هذا.
و تقول:بعد بعدا،أو أبعده اللّه إبعادا،أو تباعد تباعدا،و باعده مباعدة،و استبعده استبعادا،و بعّده تبعيدا،و تبعّد تبعّدا.
و تقول:بعدا و سحقا.و يقرأ باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،و (بعّد) بمعنى واحد.
و الأبعد:نقيض الأقرب،و الجمع:أباعد و أقارب، و يقرأ بَعِدَتْ ثَمُودُ و(بعدت ثمود)هود:95، و معناهما واحد.إلاّ أنّهم يقولون:بعد الرّجل و أبعده اللّه.
و البعد من اللّعن،يقول:أبعده اللّه،أي لا يرثى له ممّا نزل به.و أصل الباب البعد:نقيض القرب.(1:236)
الرّاغب: البعد:ضدّ القرب،و ليس لهما حدّ محدود.
و إنّما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره،يقال ذلك في المحسوس و هو الأكثر،و في المعقول نحو قوله تعالى:
ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً النّساء:167،و قوله عزّ و جلّ:
أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فصّلت:44.
يقال:بعد إذا تباعد،و هو بعيد وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:83،و بعد:مات،و البعد أكثر ما يقال في الهلاك،نحو بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95.[ثمّ استشهد بشعر]
و البعد و البعد:يقال فيه و في ضدّ القرب،قال تعالى:
فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:41، فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:44.
بعد:يقال في مقابلة قبل.و نستوفي أنواعه في باب «قبل»إن شاء اللّه تعالى.(53)
الزّمخشريّ: أمّا بعد فقد كان كذا.و أتيته بعيدات بين،إذا أتيته بعد حين.[ثمّ استشهد بشعر]
و تنحّ غير باعد و غير بعد،أي غير صاغر.
و لا تبعد،و إن بعدت عنّي فلا بعدت.تقول:بعدا و سحقا،و قبحا و محقا،و هو محسن إلى الأباعد دون الأقارب.[ثمّ استشهد بشعر]
و فلان يستجرّ الحديث من أباعد أطرافه.و أبعد اللّه الأبعد.و«مثل العالم كمثل الحمّة يأتيها البعداء و يتركها القرباء».
و أبعد في السّوم،و أبعط فيه،إذا أشطّ.
و إن قلت كذا لم أبعده و لم استبعده.و قلت قولا بعيدا،و ما أبعده من الصّواب.و باعدني و تباعد منّي و ابتعد و تبعّد.[ثمّ استشهد بشعر]
و كانوا متقاربين فتباعدوا.
و يقال:إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه لا يصبك شرّه،جمع قريب و بعيد،كذليل و ذلاّن.
و فلان بعيد الهمّة و ذو بعدة.[ثمّ استشهد بشعر]
(أساس البلاغة:26)
المدينيّ: في الحديث:أنّه عليه السّلام«كان يخرج عند البراز فيتبعّد»أي يبعد عن النّظر،و هو مثل يتقرّب بمعنى
ص: 124
يقرب.و لو روي«يبتعد»بمعنى يبعد لجاز،كما قال تعالى: وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الأنبياء:97،بمعنى قرب، و روي«يبعد».
يقال:أبعد في الأرض،أي ذهب بعيدا.
في الحديث:«أنّ رجلا جاء و قال:إنّ الأبعد قد زنى»معناه الباعد عن العصمة و الخير.
يقال:ما عندك أبعد،بالتّنوين،و إنّك لغير أبعد؛أي غير طائل.
في حديث المختوم على فيه في تفسير قوله تعالى:
اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:65،فيقول لأعضائه:«بعدا لكنّ».و يجوز:بعد،كما يقال:ويلا له و ويل.
و يحتمل أن يكون من البعد الّذي هو ضدّ القرب، أي أبعدكنّ اللّه،و يحتمل أن يكون من قولهم:بعد،إذا هلك،أي هلكتنّ حين أقررتنّ على أنفسكنّ.
(1:174)
ابن الأثير: [قال نحو المدينيّ و أضاف:]
في حديث قتل أبي جهل:«هل أبعد من رجل قتلتموه»كذا جاء في سنن أبي داود،و معناها أنهى و أبلغ،لأنّ الشّيء المتناهي في نوعه يقال:قد أبعد فيه.
و هذا أمر بعيد،أي لا يقع مثله لعظمه.
و المعنى أنّك استعظمت شأني و استبعدت قتلي،فهل هو أبعد من رجل قتله قومه؟!و الرّوايات الصّحيحة:
«أعمد»بالميم.
و في حديث مهاجري الحبشة:«و جئنا إلى أرض البعداء»هم الأجانب الّذين لا قرابة بيننا و بينهم، واحدهم:بعيد.
و في حديث زيد بن أرقم:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خطبهم،فقال:أمّا بعد».قد تكرّرت هذه اللّفظة في الحديث،و تقدير الكلام فيها:أمّا بعد حمد اللّه تعالى فكذا و كذا.
و«بعد»من ظروف المكان الّتي بابها الإضافة،فإذا قطعت عنها و حذف المضاف إليه بنيت على الضّمّ كقبل.
و مثله قوله تعالى: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:
4،أي من قبل الأشياء و من بعدها.(1:140)
الفيّوميّ: بعد الشّيء بالضّمّ بعدا فهو بعيد، و يعدّى بالباء و بالهمزة،فيقال:بعدت به و أبعدته.
و تباعد مثل بعد.
و بعّدت بينهم تبعيدا،و باعدت مباعدة، و استبعدته:عددته بعيدا،و أبعدت في المذهب إبعادا، بمعنى تباعدت.
و في الحديث:«إذا أراد أحدكم قضاء الحاجة أبعد».
قال ابن قتيبة:و يكون«أبعد»لازما و متعدّيا؛فاللاّزم:
أبعد زيد عن المنزل،بمعنى تباعد،و المتعدّي:أبعدته، و أبعد في السّوم:شطّ.
و بعد بعدا من باب تعب:هلك.
و بعد:ظرف مبهم لا يفهم معناه إلاّ بالإضافة لغيره، و هو زمان متراخ عن السّابق.فإن قرب منه قيل:بعيدة بالتّصغير،كما يقال:قبل العصر.فإذا قرب قيل:قبيل العصر بالتّصغير،أي قريبا منه،و يسمّى تصغير التّقريب.و جاء زيد بعد عمرو،أي متراخيا زمانه عن زمان مجيء عمرو.
ص: 125
و تأتي بمعنى«مع»كقوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ القلم:13،أي مع ذلك.
و الأبعد:خلاف الأقرب،و الجمع:الأباعد.
(1:53)
الفيروزآباديّ: (البعد)معروف،و الموت، و فعلهما ككرم و فرح بعدا و بعدا،فهو بعيد و باعد و بعاد، الجمع:بعداء و بعد و بعدان.
و رجل مبعد كمنجل:بعيد الأسفار.و بعد باعد مبالغة.و بعدا له:أبعده اللّه.
و البعد و البعاد:اللّعن،و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير، و لعنه.و باعده مباعدة و بعادا،و بعّده:أبعده.
و منزل بعد بالتّحريك:بعيد.
و تنحّ غير بعيد،و غير باعد و غير بعد:كن قريبا.
و إنّه لغير أبعد و بعد كصرد:لا خير فيه.
و لذو بعد و بعدة،أي رأي و حزم.
و ما عنده أبعد أو بعد كصرد،أي طائل.
و بعد:ضدّ قبل،يبنى مفردا و يعرب مضافا،و حكي من بعد و أفعل بعدا.
و استبعد:تباعد،و الشّيء:عدّه بعيدا.و جئت بعديكما:بعدكما.و رأيته بعيدات بين و بعيداته،أي بعيد فراق.
و أمّا بعد،أي بعد دعائي لك.و أوّل من قاله داود عليه السّلام،أو كعب بن لؤيّ.
و الأباعد:ضدّ الأقارب،و بيننا بعدة-بالضّمّ-من الأرض،و من القرابة.
و بعدان كسحبان:مخلاف باليمن.(1:288)
الطّريحيّ: و في الحديث:«أيّ قاض قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السّماء و الأرض».قيل:يعني سقط عن درجة أهل الثّواب سقوط أبعد ممّا بين السّماء و الأرض.فأبعد:صفة مصدر،أي سقوطا بعيد المبتدإ و المنتهى.
و مثله:«يهوي به أبعد ما بين المشرق و المغرب».
و في الحديث:«من فعل كذا تباعدت عنه النّار مسيرة سنة»قيل:هو إشارة إلى يوم القيامة،يوم العبور على الصّراط و الورود على النّار.
و في الدّعاء:«باعد بيني و بين خطاياي»أي إذا قدّرت لي ذنبا و خطيئة فبعّد بيني و بينه،و اغفر لي خطاياي السّالفة منّي.
و في حديث الخلاء:«إذا أراد أحدكم قضاء الحاجة أبعد»يعني تباعد عن النّظّارة إليه.
و البعد:المسافة.و التّباعد:نقيض التّقارب.و بعّده بالتّشديد،بمعنى أبعده،و استبعده:نقيض استقربه.
و أمر بعيد:لا يقع مثله لعظمه.
و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.
و قد تكرّر في كلام الفصحاء«أمّا بعد»و هي كلمة تسمّى فصل الخطاب،يستعملها المتكلّم إذا أراد الانتقال من كلام إلى آخر.
قيل:أوّل من تكلّم بها داود،و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20، يعني أمّا بعد،و قيل:أراد بفصل الخطاب:البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر.
و قيل:أوّل من قالها عليّ عليه السّلام،لأنّها أوّل ما عرفت
ص: 126
من كلامه و خطبه.[ثمّ استشهد بشعر]
و معناها:مهما يكن من شيء بعد كذا فكذا.(3:15)
مجمع اللّغة: 1-البعد:خلاف القرب،يقال:بعد الرّجل يبعد-ككرم-بعدا فهو بعيد،و أبعده غيره و باعده و بعّده تبعيدا.
2-و مبعدون:جمع،مفرده مبعد:اسم مفعول من أبعده.
3-بعد-من باب تعب-يبعد بعدا و بعدا:هلك.
و البعد بالضّمّ أيضا:الهلاك،و يقال:بعدا له،دعاء عليه بالهلاك.
4-و بعد:ضدّ قبل،و قد جاءت في القرآن الكريم مضافة،و غير مضافة في مائة و تسعة و تسعين موضعا.(1:110)
العدنانيّ: و يخطّئون من يقول:الخطر بعيد عنّا، و يقولون:إنّ الصّواب هو:الخطر بعيد منّا،اعتمادا على قوله تعالى في الآية(82)من سورة هود: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ و قوله تعالى في الآية(89)من السّورة نفسها: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ.
و اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و مستدرك التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.
و ممّا ذكره الصّحاح،و مستدرك التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد:ما أنت أو أنتم منّا ببعيد.
و ممّا قاله الأساس:ما أبعده من الصّواب.
و قال المختار و الوسيط:ما أنتم منّا ببعيد.
و هناك أيضا من ذكر:
أ-تباعد منه:الأساس،و المدّ،و المتن،و الوسيط.
ب-ما أنت أو أنتم منّا ببعد:الصّحاح،و اللّسان، و مستدرك التّاج،و المدّ.
و لكن:
1-جاء في المختار:ما أنت عنّا ببعيد،و قد يكون الجارّ و المجرور«عنّا»هنا خطأ مطبعيّا،لأنّ مختار الصّحاح لم يخالف الصّحاح إلاّ في موادّ قليلة،و ربّما كانت هذه المادّة منها أو لم تكن.
2-و هنالك من ذكر:تباعد عنه:المصباح(في مادّة كشح)،و المدّ،و محيط المحيط،و الوسيط.
3-و انفرد محيط المحيط و أقرب الموارد بذكر:استبعد عنه،و لو ذكرا وحدهما حرف الجرّ«عن»لما اعتمدت عليهما.
4-و ورد ذكر:بعد عنّي في الأساس،و المدّ،و المتن.
5-و ذكر المصباح و المدّ جملة:أبعد زيد عن المنزل.
6-و انفرد التّاج في مستدركه،في باب الألف اللّيّنة، مادّة«إيّا»بقوله:باعد نفسك عن زيد،و باعد زيدا عنك.
7-و قال المدّ:باعده عنك.
8-و قال محيط المحيط:بعد القمر عن الأرض.
9-و جاء في المتن:ابتعد عنه.
فهذه كلّها ترينا أنّنا يجوز لنا أن نقول:بعد منه،و بعد عنه،و أنا أرى أنّ الجملة الأولى أعلى.(65)
المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة هذه:هو ما يقابل القرب،و من هذا المعنى قد أخذ مفهوم الظّرفيّة للزّمان أو المكان المتأخّر،لبعده بالنّسبة
ص: 127
إلى الظّرف الماضي أو الحال.و كذلك مفهوم الهلاكة و الحقارة للبعد عن جريان العرف و النّظر و الاعتدال المتوقّع.
و ليعلم أنّ كسر العين في الماضي،يدلّ على الانحطاط و التّنزيل و التّسفّل،و هذا المعنى يناسب الاستقرار و اللّصوق و العلل و الأحزان؛فمفهوم الهلاكة و الصّغارة المستفاد من«بعد»إنّما هو مقتضى الكسر في العين.
أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،أي بعدت حتّى تسفّلت. لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ الشّورى:18، فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ فصّلت:52،يراد البعد المعنويّ.
رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،باعده،أي أبعده بقيد الإطالة و الإدامة،كما هو مقتضى باب المفاعلة،طلبوا إيجاد الفاصلة و البعد بين أسفارهم، لملالهم عن كثرة السّفر.
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ الأنبياء:101،التّعبير بالإبعاد دون البعد:
إشارة إلى قيام البعد بالفاعل،و توجيه إلى جهة الصّدور، و إلى أنّ هذا لطف و فضل من اللّه المتعال. لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:4،ظرف مبنيّ على الضّمّ.
(1:281)
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ... التّوبة:42
الطّبريّ: و لكنّك استنفرتهم إلى موضع بعيد.
(10:141)
الآلوسيّ: قرأ عيسى بن عمر (بعدت) بكسر العين و (الشّقّة) بكسر الشّين،و بعد يبعد كعلم يعلم لغة.
و اختصّ ببعد الموت غالبا،و جاء لا تبعد للتّفجّع و التّحسّر في المصائب.(10:107)
مثله القاسميّ.(8:3161)
...أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ. هود:95
الطّوسيّ: و قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ (كما بعدت) بضمّ العين،و الآخر (بعدا) فنصب على المصدر، و تقديره:ألا أهلكهم اللّه فبعدوا بعدا.(6:58)
الزّمخشريّ: و قرأ السّلميّ (بعدت) بضمّ العين، و المعنى في البناءين واحد،و هو نقيض القرب.إلاّ أنّهم أرادوا التّفصلة بين البعد من جهة الهلاك و بين غيره، فغيّروا البناء،كما فرّقوا بين ضمان الخير و الشّرّ،فقالوا:
وعد و أوعد.
و قراءة السّلميّ جاءت على الأصل اعتبارا لمعنى البعد من غير تخصيص،كما يقال:ذهب فلان و مضى، في معنى الموت.
و قيل:معناه بعدا لهم من رحمة اللّه كما بعدت ثمود منها.(2:291)
نحوه أبو حيّان.(5:257)
البيضاويّ: و قرئ (بعدت) بالضّمّ على الأصل،
ص: 128
فإنّ الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك،و البعد مصدر لهما،و البعد مصدر المكسور.
(1:480)
أبو السّعود: العدول عن الإضمار إلى الإظهار، ليكون أدلّ على طغيانهم الّذي أدّاهم إلى هذه المرتبة، و ليكون أنسب بمن شبّه هلاكهم بهلاكهم،أعني ثمود.
و إنّما شبّه هلاكهم بهلاكهم،لأنّهما أهلكتا بنوع من العذاب و هو الصّيحة،غير أنّ هؤلاء صيح بهم من فوقهم،و أولئك من تحتهم.(3:347)
البروسويّ: بَعِدَتْ ثَمُودُ أي هلكت،شبّه هلاكهم بهلاكهم،لأنّهما أهلكتا بنوع من العذاب و هو الصّيحة.
و الجمهور على كسر العين من بعدت،على أنّها من بعد يبعد،بكسر العين في الماضي و فتحها في المضارع، بمعنى هلك يهلك.
أرادت العرب أن تفرّق بين البعد بمعنى الهلاك،و بين البعد الّذي هو ضدّ القرب،ففرّقوا بينهما بتغيير البناء، فقالوا:«بعد»بالضّمّ في ضدّ القرب،و«بعد»بالكسر في ضدّ السّلامة،و«البعد»بالضّمّ و السّكون مصدر لهما، و«البعد»بفتحتين إنّما يستعمل في مصدر مكسور العين.
(4:181)
فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا... سبأ:19
الفرّاء: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا قراءة العوامّ.
و تقرأ على الخبر (ربّنا بعّد بين اسفارنا) و(باعد).و تقرأ على الدّعاء (ربّنا بعّد) و تقرأ (ربّنا بعد بين اسفارنا) .
(2:359)
الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءة قوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا فقرأته عامّة قرّاء المدينة و الكوفة رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا على وجه الدّعاء و المسألة بالألف،و قرأ ذلك بعض أهل مكّة و البصرة (بعّد) بتشديد العين،على الدّعاء أيضا.و ذكر عن المتقدّمين أنّه كان يقرؤه(ربّنا باعد بين اسفارنا)على وجه الخبر من اللّه،أنّ اللّه فعل ذلك بهم.و حكي عن آخر أنّه قرأه (ربّنا بعّد) على وجه الخبر أيضا،غير أنّ الرّبّ منادى.
و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا رَبَّنا باعِدْ و(بعّد)لأنّهما القراءتان المعروفتان في قراءة الأمصار، و ما عداهما فغير معروف فيهم.على أنّ التّأويل من أهل التّأويل أيضا يحقّق قراءة من قرأه على وجه الدّعاء و المسألة،و ذلك أيضا ممّا يزيد القراءة الأخرى بعدا من الصّواب.
فإذا كان هو الصّواب من القراءة،فتأويل الكلام:
فقالوا:يا ربّنا باعد بين أسفارنا،فاجعل بيننا و بين الشّأم فلوات و مفاوز لنركب فيها الرّواحل،و نتزوّد معنا فيها الأزواد.
و هذا من الدّلالة على بطر القوم نعمة اللّه عليهم و إحسانه إليهم،و جهلهم بمقدار العافية،و لقد عجّل لهم ربّهم الإجابة.(22:85)
نحوه أبو زرعة.(588)
عبد الجبّار: و ربّما قيل في قوله تعالى: فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا كيف يصحّ من العقلاء أن
ص: 129
يسألوا ربّهم أن يباعد بين أسفارهم و هي قريبة؟
و جوابنا:أنّ ذلك منهم جاء على وجه الجهل،كقوله تعالى: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ الحجّ:47،هذا إذا قرئ على هذا الوجه.
و قد قرئ (ربّنا باعد بين اسفارنا) و ذلك على وجه الخبر،لأنّه غيّر أحوالهم،فنالهم من المشاقّ في أسفارهم خلاف ما كانوا عليه.و قد يقول الضّعيف:بعد عليّ الطّريق لمزيّة مشقّته،و إن كان حال الطّريق لم يتغيّر.
(338)
الزّمخشريّ: [ذكر اختلاف القراءة نحو الطّبريّ و أضاف:]
و قرئ (ربّنا باعد بين اسفارنا) و (بين سفرنا) ، و (بعّد) برفع ربّنا على الابتداء،و المعنى خلاف الأوّل و هو استبعاد مسايرهم على قصرها،و دنوّها لفرط تنعّمهم و ترفّههم،كأنّهم كانوا يتشاجون على ربّهم و يتحازنون عليه.(3:286)
الطّبرسيّ: أي اجعل بيننا و بين الشّام فلوات و مفاوز،لنركب إليها الرّواحل و نقطع المنازل.و هذا كما قالت بنو إسرائيل لمّا ملّوا النّعمة:أخرج إلينا ممّا تنبت الأرض من بقلها بدلا من المنّ و السّلوى.(4:387)
الفخر الرّازيّ: قيل:بأنّهم طلبوا ذلك،و هو يحتمل وجهين:
أحدهما:أن يسألوا بطرا كما طلبت اليهود الثّوم و البصل.
و يحتمل أن يكون ذلك لفساد اعتقادهم و شدّة اعتمادهم على أنّ ذلك لا يقدر،كما يقول القائل لغيره:
اضربني!إشارة إلى أنّه لا يقدر عليه.و يمكن أن يقال:
(قالوا ربّنا بعّد)بلسان الحال،أي لمّا كفروا فقد طلبوا أن يبعّد بين أسفارهم،و يخرّب المعمور من ديارهم.
(25:252)
أبو حيّان: و قرأ جمهور السّبعة(ربّنا)بالنّصب على النّداء(باعد)طلب،و ابن كثير و أبو عمرو و هشام كذلك إلاّ أنّهم شدّدوا العين.
و ابن عبّاس و ابن الحنفيّة و عمرو بن فائد(ربّنا) رفعا(بعّد)فعلا ماضيا مشدّد العين.
و ابن عبّاس أيضا و ابن الحنفيّة أيضا و أبو رجاء و الحسن و يعقوب و أبو حاتم و زيد بن عليّ و ابن يعمر أيضا،و أبو صالح و ابن أبي ليلى و الكلبيّ و محمّد بن عليّ و سلاّم و أبو حيوة كذلك إلاّ أنّه بألف بين الباء و العين.
و سعيد بن أبي الحسن أخي الحسين و ابن الحنفيّة أيضا و سفيان بن حسين و ابن السّميفع(ربّنا)بالنّصب (بعد)بضمّ العين فعلا ماضيا،(بين)بالنّصب،إلاّ سعيدا منهم فضمّ نون(بين)جعله فاعلا.و من نصب فالفاعل ضمير يعود على السّير،أي أبعد السّير بين أسفارنا.
فمن نصب(ربّنا)جعله نداء،فإن جاء بعده طلب كان ذلك أشرا منهم و بطرا،و إن جاء بعده فعلا ماضيا كان ذلك شكوى ممّا أحلّ بهم من بعد الأسفار الّتي طلبوها أوّلا.
و من رفع(ربّنا)فلا يكون الفعل إلاّ ماضيا،و هي جملة خبريّة فيها شكوى بعضهم إلى بعض،ممّا حلّ بهم من بعد الأسفار.
و من قرأ(باعد)أو(بعّد)بالألف و التّشديد ف(بين)
ص: 130
مفعول به،لأنّهما فعلان متعدّيان و ليس(بين)ظرفا؛ أ لا ترى إلى قراءة من رفعه كيف جعله اسما،فكذلك إذا نصب.
و قرئ(بعّد)مبنيّا للمفعول.(7:272)
نحوه الآلوسيّ.(22:130)
1- ...وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.
البقرة:176
راجع«ش ق ق»شقاق.
2- مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.
هود:83
الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:
أحدهما:إنّ مثل ذلك ليس ببعيد من ظالمي قومك يا محمّد،أراد به إذهاب قريش.و قال أبو عليّ:ذلك لا يكون إلاّ في زمان نبيّ أو عند القيامة،لأنّه معجز.
و الثّاني:قال: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يعني من قوم لوط أنّها لم تكن تخطئهم.(6:46)
الزّمخشريّ: (ببعيد):بشيء بعيد،و يجوز أن يراد:و ما هي بمكان بعيد،لأنّها و إن كانت في السّماء و هي مكان بعيد،إلاّ أنّها إذا هوت منها فهي أسرع شيء لحوقا بالمرمى فكأنّها بمكان قريب منه.
(2:284)
نحوه أبو حيّان.(5:250)
الفخر الرّازيّ: يعني به كفّار مكّة،و المقصود أنّه تعالى يرميهم بها.عن أنس أنّه قال:سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل عليه السّلام عن هذا،فقال:يعني عن ظالمي أمّتك، ما من ظالم منهم إلاّ و هو بمعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة.
و قيل:الضّمير في قوله:(و ما هى)للقرى.أي و ما تلك القرى الّتي وقعت فيها هذه الواقعة من كفّار مكّة ببعيد،و ذلك لأنّ القرى كانت في الشّام،و هي قريب من مكّة.(18:39)
أبو السّعود: و تذكير«البعيد»على تأويل الحجارة بالحجر أو إجرائه على موصوف مذكّر،أي بشيء بعيد، أو بمكان بعيد.فإنّها و إن كانت في السّماء و هي في غاية البعد من الأرض إلاّ أنّها حين هوت منها فهي أسرع شيء لحوقا بهم،فكأنّها بمكان قريب منهم،أو لأنّه على زنة المصدر كالزّفير و الصّهيل،و المصادر يستوي في الوصف بها المذكّر و المؤنّث.(3:239)
مثله الآلوسيّ.(12:114)
رشيد رضا: أي و ما هذه العقوبة أو القرى أو الأرض الّتي حلّ بها العذاب المخزي بمكان بعيد المسافة من مشركي مكّة،الظّالمين لأنفسهم بتكذيبك، و التّماري بنذرك أيّها الرّسول،بل هي قريبة منهم واقعة على طريقهم في رحلة الصّيف إلى الشّام،كما قال:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ الحجر:73-76،أي في طريق ثابت معروف بين المدينة و الشّام،و قال في سورة الصّافّات:137،138،بعد ذكر هلاكهم:
ص: 131
وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.
و التّعبير بصفة الظّالمين و كون العقوبة آية مرادة لا مصادفة،يجعل العبارة عبرة لكلّ الأقوام الظّالمة في كلّ زمان،و إن كان العذاب يختلف باختلاف الأحوال من أنواع الظّلم و كثرته و عمومه و ما دونهما.
و قيل:إنّ المعنى المتبادر إنّ هذه العاقبة ليست ببعيدة من الظّالمين من قوم لوط بل نزلت بهم عن استحقاق،أو من مشركي مكّة،و قدّم هذا من قدّمه من المفسّرين و أخّر ما قلناه،و لكنّه هو الّذي تؤيّده شواهد القرآن.(12:138)
الطّباطبائيّ: قيل:المراد ب(الظّالمين):ظالمو أهل مكّة أو المشركون من قوم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الكلام مسوق للتّهديد.
و المعنى:و ليست هذه الحجارة من ظالمي مكّة ببعيد، أو المعنى:ليست هذه القرى المخسوفة من ظالمي قومك ببعيد،فإنّه في طريقهم بين مكّة و الشّام،كما قال تعالى في موضع آخر: وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ الحجر:76،و قال:
وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.
و يؤيّده العدول من سياق التّكلّم إلى الغيبة في قوله:
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ فكأنّه تعالى عدل عن مثل قولنا:
«مسوّمة عندنا»إلى هذا التّعبير،ليتعرّض لقومه صلّى اللّه عليه و آله بالتّهديد،أو بإنهاء الحديث إلى حسّهم،ليكون أقوى تأثيرا في الحجاج عليهم.
و ربّما احتمل أنّ المراد تهديد مطلق الظّالمين،و المراد أنّه ليست الحجارة،أي إمطارها من عند اللّه تعالى من معشر الظّالمين،و منهم قوم لوط الظّالمون ببعيد،و يكون وجه الالتفات في قوله: عِنْدَ رَبِّكَ أيضا التّعريض لقوم النّبيّ الظّالمين المشركين.(10:344)
3- وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ. هود:89
قتادة :أي هم قريب منكم في الزّمان الّذي بينه و بينكم.(الطّبرسيّ 3:188)
إنّما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح و ثمود.
(الطّبريّ 12:104)
الكسائيّ: أي دورهم في دوركم.
(القرطبيّ 9:90)
الطّبريّ: و قد يحتمل أن يقال:معناه و ما دار قوم لوط منكم ببعيد.(12:104)
الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:
أحدهما:[قول قتادة الّذي تقدّم]
الآخر:أنّ دارهم قريبة من دارهم،فيجب أن يتّعظوا بهم.(6:52)
مثله الطّبرسيّ.(3:188)
الزّمخشريّ: يعني أنّهم أهلكوا في عهد قريب من عهدكم فهم أقرب الهالكين منكم،أو لا يبعدون منكم في الكفر و المساوئ،و ما يستحقّ به الهلاك.
فإن قلت:ما ل(بعيد)لم يرد على ما يقتضيه(قوم) من حمله على لفظه أو معناه؟
قلت:إمّا أن يراد:و ما إهلاكهم ببعيد،أو ما هم بشيء بعيد،أو بزمان أو مكان بعيد.و يجوز أن يسوّى في
ص: 132
قريب و بعيد و قليل و كثير بين المذكّر و المؤنّث،لورودها على زنة المصادر الّتي هي الصّهيل و النّهيق و نحوهما.
(2:288)
الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:
الأوّل:أنّ المراد نفي البعد في المكان،لأنّ بلاد قوم لوط عليه السّلام قريبة من مدين.
و الثّاني:أنّ المراد نفي البعد في الزّمان،لأنّ إهلاك قوم لوط عليه السّلام أقرب الإهلاكات الّتي عرفها النّاس في زمان شعيب عليه السّلام.
و على هذين التّقديرين فإنّ القرب في المكان و في الزّمان يفيد زيادة المعرفة،و كمال الوقوف على الأحوال،فكأنّه يقول:اعتبروا بأحوالهم و احذروا من مخالفة اللّه تعالى و منازعته،حتّى لا ينزل بكم مثل ذلك العذاب.(18:47)
الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، و لم يقل ببعيدين،و القوم اسم لجماعة الرّجال،و ما جاء في القرآن الضّمير العائد إليه إلاّ ضمير جماعة،قال اللّه تعالى: أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ نوح:1،و قال تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ الحجرات:11؟
قلنا:فيه إضمار تقديره:و ما هلاك قوم لوط أو مكان قوم لوط.و مكان قوم لوط كان قريبا منهم،و إهلاكهم أيضا كان قريبا من زمانهم.
الثّاني:أنّ«فعيلا»يستوي فيه الواحد و الاثنان و الجمع،قال الجوهريّ:يقال:ما أنتم منّا ببعيد،و قال اللّه تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ التّحريم:4، و قال: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ق:17.
(مسائل الرّازيّ: 139)
أبو حيّان: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ إمّا في الزّمان،لقرب عهد هلاكهم من عهدكم؛إذ هم أقرب الهالكين،و إمّا في الكفر و المعاصي و ما يستحقّ به الهلاك.
و أجرى«بعيدا»على قوم إمّا باعتبار الزّمان أو المكان،أي بزمان بعيد أو بمكان بعيد،أو باعتبار موصوف غيرهما،أي بشيء بعيد أو باعتبار مضاف إلى قوم،أي و ما إهلاك قوم لوط.و يجوز أن يسوّى في قريب و بعيد و كثير و قليل بين المفرد و الجمع و بين المذكّر و المؤنّث،كما قالوا:هو صديق و هم صديق و هي صديق و هنّ صديق.(5:255)
الشّربينيّ: لا في الزّمان و لا في المكان،لأنّهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم،و كانوا جيران قوم لوط،و بلادهم قريبة من بلادهم،فإنّ القرب في الزّمان و المكان يفيد زيادة المعرفة و كمال الوقوف على الأحوال،فكأنّه يقول:اعتبروا بأحوالهم و احذروا من مخالفة اللّه و منازعته،حتّى لا ينزل بكم مثل ذلك العذاب.
(2:75)
الكاشانيّ: يعني أنّهم أهلكوا في عهد قريب من عهدكم،فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعتبروا بهم.
(2:469)
نحوه البروسويّ.(4:176)
الآلوسيّ: زمانا كما روي عن قتادة،أو مكانا كما روي عن غيره.و مراده عليه السّلام أنّكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء،فإنّهم بمرأى
ص: 133
و مسمع منكم.
و كأنّه إنّما غيّر أسلوب التّحذير بهم و اكتفى بذكر قربهم إيذانا بأنّ ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم،لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة.
و جوّز أن يراد بالبعد البعد المعنويّ،أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر و المساوئ،فاحذروا أن يحلّ بكم ما حلّ بهم من العذاب.
و قد أخذ هذا المعنى بعض المتأخّرين فقال:فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم فما قوم لوط منكم ببعيد، [و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]
و في«الكشف»عن الجوهريّ:أنّ«القوم»يذكّر و يؤنّث،لأنّ أسماء الجموع الّتي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميّين تذكّر و تؤنّث،مثل رهط و نفر و قوم، و إذا صغّرت لم تدخل فيه الهاء،و قلت:قويم و رهيط و نفير،و يدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميّين،مثل الإبل و الغنم،لأنّ التّأنيث لازم.
و بينه و بين ما نقل عن الزّمخشريّ بون بعيد؛و عليه فلا حاجة إلى التّأويل،هذا،ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا أنذرهم سوء عاقبة صنيعهم عقّبه طمعا في اروعائهم عمّا هم فيه من الضّلال،بالحمل على الاستغفار و التّوبة.(12:122)
رشيد رضا: زمانا و لا مكانا و لا إجراما.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ و أضاف:]
و قدّر ل(بعيد)قبل ذلك موصوفا،فقال:بشيء بعيد،و قدّر غيره:و ما إهلاك قوم لوط إلخ،و يقاس عليه مثله.(12:146)
4- ...أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. إبراهيم:3
الطّبريّ: هم في ذهاب عن الحقّ بعيد،و أخذ على غير هدى و جور عن قصد السّبيل.(13:181)
الميبديّ: في خطاء و طريق جائر عن الصّواب.
(5:225)
الزّمخشريّ: أي ضلّوا عن طريق الحقّ و وقفوا دونه بمراحل.
فإن قلت:فما معنى وصف الضّلال بالبعد؟
قلت:هو من الإسناد المجازيّ،و البعد في الحقيقة للضّالّ،لأنّه هو الّذي يتباعد عن الطّريق،فوصف به فعله،كما تقول:جدّ جدّه،و يجوز أن يراد في ضلال ذي بعد،أو فيه بعد،لأنّ الضّالّ قد يضلّ عن الطّريق مكانا قريبا و بعيدا.(2:366)
نحوه البروسويّ(4:395)،و أبو السّعود(3:470)
الطّبرسيّ: أي في عدول عن الحقّ،بعيد عن الاستقامة و الصّواب.(3:303)
الفخر الرّازيّ: إنّما وصف هذا الضّلال بالبعد لوجوه:
الوجه الأوّل:أنّا بيّنّا أنّ أقصى مراتب الضّلال هو الّذي وصفه اللّه تعالى في هذه المرتبة،فهذه المرتبة في غاية البعد عن طريق الحقّ،فإنّ شرط الضّدّين أن يكونا في غاية التّباعد،مثل السّواد و البياض،فكذا هاهنا الضّلال الّذي يكون واقعا على هذا الوجه يكون في غاية البعد عن الحقّ،فإنّه لا يعقل ضلال أقوى و أكمل من هذا الضّلال.
و الوجه الثّاني:أن يكون المراد أنّه يبعد ردّهم عن
ص: 134
طريقة الضّلال إلى الهدى،لأنّه قد تمكّن ذلك في نفوسهم.
و الوجه الثّالث:أن يكون المراد من الضّلال:الهلاك، و التّقدير:أولئك في هلاك يطول عليهم فلا ينقطع،و أراد بالبعد امتداده و زوال انقطاعه.(19:79)
القرطبيّ: أي ذهاب عن الحقّ بعيد عنه.
(9:340)
الآلوسيّ: [بعد أن جعل أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ خبرا لقوله في صدر الآية اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا قال:]
و هو على غير هذا الوجه استئناف في موضع التّعليل،و فيه تأكيد لما أشعر به بناء الحكم على الموصول،و المراد أنّهم قد ضلّوا عن الحقّ و وقعوا عنه بمراحل.
و في الآية من المبالغة في ضلالهم ما لا يخفى؛حيث أسند فيها إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازا كجدّ جدّه،إلاّ أنّ الفرق بين ما نحن فيه و ذاك أنّ المسند إليه في الأوّل مصدر غير المسند و في ذاك مصدره،و ليس بينهما بعد.
و يجوز أن يقال:إنّه أسند فيها ما للشّخص إلى سبب اتّصافه بما وصف به،بناء على أنّ البعد في الحقيقة صفة له باعتبار بعد مكانه عن مقصده،و سبب بعده ضلاله،لأنّه لو لم يضلّ لم يبعد عنه،فيكون كقولك:قتل فلانا عصيانه،و الإسناد مجازيّ،و فيه المبالغة المذكورة أيضا.
[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]
و كتب عليه في«الكشف»أنّ الإسناد المجازيّ على جعل البعد لصاحب الضّلال،لأنّه الّذي يتباعد عن طريق الضّلال،فوصف ضلاله بوصفه مبالغة،و ليس المراد إبعادهم في الضّلال،و تعمّقهم فيه.
و أمّا قوله:فيجوز أن يراد:في ضلال ذي بعد،فعلى هذا،البعد صفة للضّلال حقيقة بمعنى بعد غوره،و أنّه هاوية لا نهاية لها.
و قوله:أو فيه بعد،على جعل الضّلال مستقرّا للبعد بمنزلة مكان بعيد عن الجادّة،و هو معنى بعده في نفسه عن الحقّ لتضادّهما،و إليه الإشارة بقوله:لأنّ الضّالّ قد يضلّ مكانا بعيدا و قريبا،و الغرض بيان غاية التّضادّ، و أنّه بعد لا يوازن وزانه.
و على جميع التّقادير«البعد»مستفاد من البعد المسافي إلى تفاوت ما بين الحقّ و الباطل أو ما بين أهلهما.
و جاز أن يكون قوله:«ذي بعد أو فيه بعد»وجها واحدا إشارة إلى الملابسة بين الضّلال و البعد لا بواسطة صاحب الضّلال،لكنّ الأوّل أولى تكثيرا للفائدة.(13:184)
5- مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ. إبراهيم:18
ابن عبّاس: الخطأ البعيد عن الصّواب.
(الطّبرسيّ 3:309)
الطّبريّ: أي الخطأ البيّن،البعيد عن طريق الحقّ.
(13:198)
الميبديّ: أي ما وصفنا هو الضّلال عن القصد، البعيد عن الرّشاد.و قيل:ذلك هو الخسران الكبير ضلال أعمالهم و ذهابها.(5:240)
ص: 135
الزّمخشريّ: إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحقّ أو عن الثّواب.(2:372)
الطّبرسيّ: يعني أنّ عملهم ذلك هو الذّهاب البعيد عن النّفع.(3:309)
القرطبيّ: أي الخسران الكبير،و إنّما جعله كبيرا لفوات استدراكه بالموت.(9:354)
أبو حيّان: (ذلك)إشارة إلى كونهم بهذه الحال و على مثل هذا الغرر البعيد الّذي يعمق فيه صاحبه و أبعد عن طريق النّجاة،و البعيد عن الحقّ أو الثّواب.
(5:415)
البروسويّ: ...هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ صاحبه عن طريق الحقّ و الصّواب بمراحل،أو عن نيل الثّواب.
فأسند البعد الّذي هو من أحوال الضّالّ إلى الضّلال الّذي هو فعله،مجازا مبالغة.
(4:408)
6- إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً. الفرقان:12
السّدّيّ: من مسيرة مائة عام.
مثله الكلبيّ.(الطّبرسيّ 4:163)
الإمام الصّادق عليه السّلام: من مسيرة سنة.
(الطّبرسيّ 4:163)
أبو حيّان: على حذف مضاف،أي رأتهم خزنتها من مكان بعيد.قيل:مسيرة خمسمائة عام،و قيل:مائة سنة،و قيل:سنة.(6:485)
أبو السّعود: إشعار بأنّ بعد ما بينها و بينهم من المسافة حين رأتهم،خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة،و فيه مزيد تهويل لأمرها.
(4:497)
البروسويّ: هو أقصى ما يمكن أن يرى منه.قيل:
من المشرق إلى المغرب و هي خمسمائة عام.و فيه إشارة بأنّ بعد ما بينها و بينهم من المسافة حين رأتهم خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة.
(6:194)
7- فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ...
النّمل:22
الطّبريّ: فمكث سليمان غير طويل،من حين سأل عن الهدهد،حتّى جاء الهدهد.(19:147)
الميبديّ: فمكث الهدهد بعد تفقّد سليمان إيّاه(غير بعيد)أي زمانا غير طويل حتّى رجع.و قيل:مكث سليمان بعد تفقّده،و توعّده غير طويل حتّى عاد الهدهد.
و قيل:عاد الهدهد فمكث،أي وقف مكانا غير بعيد من سليمان،فقال: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ. (7:203)
الزّمخشريّ: غير زمان بعيد،كقوله:(عن قريب)،و وصف مكثه بقصر المدّة،للدّلالة على إسراعه خوفا من سليمان.(3:143)
مثله الفخر الرّازيّ.(24:189)
الطّبرسيّ: أي فلم يلبث سليمان إلاّ زمانا يسيرا حتّى جاء الهدهد.و قيل:معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثمّ رجع.و على هذا فيجوز أن يكون التّقدير:
ص: 136
فمكث في مكان غير بعيد.(4:218)
أبو حيّان: و الظّاهر أنّ الضّمير في(فمكث)عائد على الهدهد،أي غير زمن بعيد،أي عن قرب.و وصف مكثه بقصر المدّة،للدّلالة على إسراعه خوفا من سليمان،و ليعلم كيف كان الطّير مسخّرا له،و لبيان ما أعطي من المعجزة الدّالّة على نبوّته و على قدرة اللّه.
و قيل:وقف مكانا غير بعيد من سليمان.[إلى أن قال:]
و قيل:الضّمير في(فمكث)لسليمان،و قيل:يحتمل أن يكون لسليمان و للهدهد.
و في الكلام حذف،فإن كان(غير بعيد)زمانا، فالتّقدير:فجاء سليمان فسأله ما غيّبك؟فقال:أحطت.
و إن كان مكانا،فالتّقدير:فجاء فوقف مكانا قريبا من سليمان،فسأله ما غيّبك؟(7:65)
أبو السّعود: زمانا غير مديد.(5:78)
الكاشانيّ: زمانا غير مديد،يريد به الدّلالة على سرعة رجوعه.(4:63)
البروسويّ: أي زمانا غير مديد،يشير إلى أنّ الغيبة و إن كانت موجبة للعذاب الشّديد و هو الحرمان من سعادة الحضور و منافعه،و لكنّه من أمارات السّعادة سرعة الرّجوع و تدارك الفائت.(6:338)
الآلوسيّ: الظّاهر أنّ الضّمير للهدهد،و(بعيد) صفة زمان،و الكلام بيان لمقدّر،كأنّه قيل:ما مضى من غيبته بعد التّهديد؟فقيل:مكث غير بعيد،أي مكث زمانا غير مديد.و وصف زمان مكثه بذلك للدّلالة على إسراعه خوفا من سليمان عليه السّلام،و ليعلم كيف كان الطّير مسخّرا له.
و قيل:الضّمير لسليمان،و هو كما ترى.و قيل:(بعيد) صفة مكان،أي فمكث الهدهد في مكان غير بعيد من سليمان.و جعله صفة الزّمان أولى.(19:186)
8- وَ قالُوا آمَنّا بِهِ وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. سبأ:52
الطّبريّ: و إنّما وصف ذلك الموضع بالبعيد لأنّهم قالوا ذلك في القيامة،فقال اللّه:أنّى لهم بالتّوبة المقبولة؟ و التّوبة المقبولة إنّما كانت في الدّنيا،و قد ذهبت الدّنيا، فصارت بعيدا من الآخرة.(22:110)
الطّبرسيّ: و قيل:معناه أنّهم طلبوا المردّ إلى الدّنيا،فالمراد أنّهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال و لم يرد بعد المكان و إنّما أراد بعد انتفاعهم بذلك،و بعدهم عن الصّواب.(4:398)
الفخر الرّازيّ: و المراد:ما مضى من الدّنيا.
(25:271)
القرطبيّ: أي من الآخرة.(14:317)
أبو حيّان:و المعنيّ من«أنّى لهم»تناول ما طلبوه من التّوبة بعد فوات وقتها،لأنّها إنّما تقبل في الدّنيا،و قد ذهبت الدّنيا فصارت على بعد من الآخرة،و ذلك قوله تعالى: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. (7:294)
الكاشانيّ: يعني بعد انقضاء زمان التّكليف.قال:
إنّهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال،و قد كان لهم مبذولا من حيث ينال.(4:227)
الطّباطبائيّ: و المراد بكونهم في مكان بعيد،أنّهم
ص: 137
في عالم الآخرة و هي دار تعيّن الجزاء،و هي أبعد ما يكون من عالم الدّنيا الّتي هي دار العمل و موطن الاكتساب بالاختيار.و قد تبدّل الغيب شهادة لهم و الشّهادة غيبا، كما تشير إليه الآية التّالية وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:53.
(16:391)
نحوه عبد الكريم الخطيب.(11:846)
9- وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. سبأ:53
الفخر الرّازيّ: يحتمل أن يكون المراد منه:أنّ مأخذهم بعيد،أخذوا الشّريك من أنّهم لا يقدرون على أعمال كثيرة إلاّ إذا كانوا أشخاصا كثيرة،فكذلك المخلوقات الكثيرة.و أخذوا بعد الإعادة من حالهم، و عجزهم عن الإحياء،فإنّ المريض يداوى فإذا مات لا يمكنهم إعادة الرّوح إليه،و قياس اللّه على المخلوقات بعيد المأخذ.
و يحتمل أن يقال:إنّهم كانوا يقولون:بأنّ السّاعة إذا كانت قائمة فالثّواب و النّعيم لنا،كقول قائلهم: وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50، فكانوا يقولون ذلك،فإن كان من قول الرّسول فما كان ذلك عندهم حتّى يقولوا عن إحساس،فإنّ ما لا يجب عقلا لا يعلم إلاّ بالإحساس،أو بقول الصّادق،فهم كانوا يقولون عن الغيب من مكان بعيد.
فإن قيل:قد ذكرت أنّ الآخرة قريب،فكيف قال:
(من مكان بعيد)؟
نقول:الجواب عنه من وجهين:
أحدهما:أنّ ذلك قريب عند من آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و من لم يؤمن لا يمكنه التّصديق به،فيكون بعيدا عنده.
الثّاني:أنّ الحكاية يوم القيامة،و كأنّه قال:كانوا يقذفون من مكان بعيد و هو الدّنيا.
و يحتمل وجها آخر و هو أنّهم في الآخرة يقولون:
رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً السّجدة:
12،و هو قذف بالغيب من مكان بعيد،و هو الدّنيا.
(25:272)
القرطبيّ: أي إنّ اللّه بعّد لهم أن يعلموا صدق محمّد.و قيل:أراد البعد عن القلب،أي من مكان بعيد عن قلوبهم.(14:317)
الطّباطبائيّ: و المراد بقوله: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ رميهم عالم الآخرة و هم في الدّنيا بالظّنون مع عدم علمهم به،و كونه غائبا عن حواسّهم؛ إذ كانوا يقولون:لا بعث و لا جنّة و لا نار.
و قيل:المراد به رميهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالسّحر و الكذب و الافتراء و الشّعر.
و العناية في إطلاق المكان البعيد على الدّنيا بالنّسبة إلى الآخرة،نظيرة إطلاقه على الآخرة بالنّسبة إلى الدّنيا،و قد تقدّمت الإشارة إليه.
و معنى الآيتين:و قال المشركون حينما أخذوا:آمنّا بالحقّ الّذي هو القرآن،و أنّى لهم تناول الإيمان به،إيمانا يفيد النّجاة مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و هو الآخرة.و الحال أنّهم كفروا به من قبل في الدّنيا،و هم ينفون أمور الآخرة بالظّنون و الأوهام مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و هو الدّنيا.(16:391)
ص: 138
10- ...أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. فصّلت:44
ابن عبّاس: سألوا الرّدّ حين لا ردّ.
(الأزهريّ 2:245)
مجاهد :بعيد من قلوبهم.(الطّبريّ 24:128)
الضّحّاك: ينادى الرّجل بأشنع اسمه.
(الطّبريّ 2:129)
ابن زيد: ضيّعوا أن يقبلوا الأمر من قريب، يتوبون و يؤمنون،فيقبل منهم،فأبوا.
(الطّبريّ 24:128)
الفرّاء: تقول للرّجل الّذي لا يفهم قولك:أنت تنادى من بعيد،تقول للفهم:إنّك لتأخذ الشّيء من قريب.و جاء في التّفسير:كأنّما ينادون من السّماء فلا يسمعون.(3:20)
نحوه الطّبريّ.(24:128)
الزّجّاج: يعني من قسوة قلوبهم يبعد عنهم ما يتلى عليهم.(4:390)
الطّبرسيّ: أي إنّهم لا يسمعون و لا يفهمون،كما أنّ من دعي من مكان بعيد لم يسمع و لم يفهم.و إنّما قال ذلك لبعد إفهامهم،و شدّة إعراضهم عنه.(5:17)
أبو السّعود: تمثيل لهم في عدم قبولهم و استماعهم له،بمن ينادى من مسافة نائية لا يكاد يسمع من مثلها الأصوات.(5:447)
البروسويّ: [قال نحو أبو السّعود و أضاف:]
و في«التّأويلات النّجميّة»:أولئك ينادون من مكان بعيد،لأنّ النّداء إنّما يجيء من فوق أعلى علّيّين و هم في أسفل السّافلين من الطّبيعة الإنسانيّة،و هم أبعد البعداء.(8:274)
الطّباطبائيّ: أي فلا يسمعون الصّوت و لا يرون الشّخص.و هو تمثيل لحالهم حيث لا يقبلون العظة و لا يعقلون الحجّة.(17:400)
11- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. ق:3
الطّبريّ: كما تقول للرّجل يخطئ في المسألة:لقد ذهبت مذهبا بعيدا من الصّواب،أي أخطأت.
(26:148)
الميبديّ: عن الصّدق لا يكون،و ليس المراد بعد الزّمان.و قيل:(بعيد)أي محال هذا،كقوله: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ الطّارق:8.(9:275)
الزّمخشريّ: مستبعد مستنكر،كقولك:هذا قول بعيد،و قد أبعد فلان في قوله،و معناه بعيد من الوهم و العادة.(4:4)
الطّبرسيّ: أي ردّ بعيد عن الأوهام،و إعادة بعيدة عن الكون،و المعنى أنّه لا يكون ذلك،لأنّه غير ممكن.
(5:141)
نحوه أبو السّعود.(6:123)
البروسويّ: بعيد جدّا عن الأوهام أو العادة أو الإمكان،أو عن الصّدق،غير كائن،لأنّه لا يمكن تمييز ترابنا من بقيّة التّراب.(9:103)
الطّباطبائيّ: و المراد بالبعد:البعد عن العقل.
(18:338)
عبد الكريم الخطيب: هو ممّا تسلّط عليه اسم الإشارة(هذا)في الآية السّابقة،فقولهم: هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ ق:2،مشار به إلى ما سبقه من قوله تعالى:
ص: 139
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ق:2.
ثمّ هو مشار به إلى ما بعده،من قوله تعالى: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً أي أ إذا متنا و كنّا ترابا تعود إلينا الحياة مرّة أخرى. ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ تنكره الحياة، و لا تصدّقه العقول،فما أبعد ما بين الحياة و هذا التّراب الهامد الّذي غربت فيه الحياة.هكذا يقولون،ساخرين مستهزءين.(13:466)
12- وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. ق:31
الطّوسيّ: أي ليس ببعيد مجيء ذلك،لأنّ كلّ آت قريب،و لذلك قال الحسن:كأنّك بالدّنيا لم تكن، و بالآخرة لم تزل.(9:371)
الزّمخشريّ: نصب على الظّرف،أي مكانا غير بعيد،أو على الحال،و تذكيره،لأنّه على زنة المصدر كالزّئير و الصّليل،و المصادر يستوي في الوصف بها المذكّر و المؤنّث.
أو على حذف الموصوف،أي شيئا غير بعيد، و معناه التّوكيد،كما تقول:هو قريب غير بعيد،و عزيز غير ذليل.(4:10)
نحوه أبو السّعود(6:129)،و البروسويّ(9:130)
الطّبرسيّ: أي هي قريبة منهم لا يلحقهم ضرر و لا مشقّة في الوصول إليها.و قيل:معناه ليس ببعيد مجيء ذلك،لأنّ كلّ آت قريب.(5:149)
الفخر الرّازيّ: غَيْرَ بَعِيدٍ يحتمل أن يكون نصبا على الظّرف،يقال:اجلس غير بعيد منّي،أي مكانا غير بعيد.و على هذا فقوله: غَيْرَ بَعِيدٍ يفيد التّأكيد؛و ذلك لأنّ القريب قد يكون بعيدا بالنّسبة إلى شيء،فإنّ المكان الّذي هو على مسيرة يوم قريب بالنّسبة إلى البلاد النّائية و بعيد بالنّسبة إلى متنزّهات المدينة.
فإذا قال قائل:أيّما أقرب المسجد الأقصى أو البلد الّذي هو بأقصى المغرب أو المشرق؟يقال له:المسجد الأقصى قريب.و إن قال:أيّهما أقرب هو أو البلد؟يقال له:هو بعيد،فقوله تعالى: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي قربت قربا حقيقيّا لا نسبيّا؛حيث لا يقال فيها:إنّها بعيدة عنه،مقايسة أو مناسبة.
و يحتمل أن يكون نصبا على الحال،تقديره:غربت، حال كون ذلك غاية التّقرّب.
أو نقول على هذا الوجه:يكون معنى(ازلفت) قربت،و هي غير بعيد،فيحصل المعنيان جميعا الإقراب و الاقتراب.
أو يكون المراد القرب و الحصول لا للمكان، فيحصل معنيان:القرب المكاني بقوله:غير بعيد، و الحصول بقوله:(ازلفت).(28:175)
أبو حيّان: مكانا غير بعيد و هو تأكيد ل(ازلفت) رفع مجاز القرب بالوعد و الإخبار،فانتصاب(غير)على الظّرف صفة قامت مقام«مكان»فأعربت بإعرابه.
[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]
و كونه على وزن المصدر لا يسوّغ أن يكون المذكّر صفة للمؤنّث.(8:127)
الآلوسيّ: أي في مكان غير بعيد،بمرأى منهم بين يديهم.و فيه مبالغة ليست في التّخلية عن الظّرف،
ص: 140
ف غَيْرَ بَعِيدٍ صفة لظرف متعلّق ب(ازلفت)حذف، فقام مقامه و انتصب انتصابه،و لذلك لم يقل:غير بعيدة.
و جوّز أن يكون منصوبا على المصدريّة،و الأصل:
و أزلفت إزلافا غير بعيد،قال الإمام:أي عن قدرتنا.
و أن يكون حالا من الجنّة قصد به التّوكيد،كما تقول:عزيز غير ذليل،لأنّ العزّة تنافي الذّلّ،و نفي مضادّ الشّيء تأكيد إثباته،و فيه دفع توهّم أنّ ثمّ تجوّزا أو شوبا من الضّدّ.
و لم يقل:غير بعيدة عليه،قيل:لتأويل الجنّة بالبستان.
و قيل:لأنّ«البعيد»على زنة المصدر الّذي من شأنه أن يستوي فيه المؤنّث و المذكّر كالزّئير و الصّليل،فعومل معاملته و أجري مجراه.
و قيل:لأنّ«فعيلا»بمعنى«فاعل»قد يجري مجرى «فعيل»بمعنى«مفعول»فيستوي فيه الأمران.
(26:188)
الطّباطبائيّ: و غَيْرَ بَعِيدٍ -على ما قيل-صفة لظرف محذوف،و التّقدير:في مكان غير بعيد.
و المعنى:و قربت الجنّة يومئذ للمتّقين حال كونها في مكان غير بعيد،أي هي بين أيديهم،لا تكلّف لهم في دخولها.(18:354)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَ نَراهُ قَرِيباً. المعارج:6،7
الطّبريّ: إنّهم يرونه غير واقع،و نحن نراه قريبا، لأنّه كائن،و كلّ ما هو آت قريب.(29:73)
الماورديّ: و في المراد بالبعيد وجهان:
أحدهما:مستحيل غير كائن،الثّاني:استبعاد منهم للآخرة.(6:91)
الطّوسيّ: هذا على وجه الإنكار عليهم استبعادهم يوم الجزاء،و توهّمهم أنّه بعيد.(10:116)
نحوه الطّبرسيّ.(5:353)
الميبديّ: أي إنّ الكفّار يرون العذاب و اليوم المذكور بعيدا مستحيلا غير ممكن،و نراه قريبا من الفهوم ممكنا.
و قيل:إنّهم يرونه بعيدا،أي بطيئا وقوعه،و نراه قريبا،أي سريعا وقوعه،لأنّ ما هو آت قريب،هذا كقوله: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:53.
(10:226)
الزّمخشريّ: أي يستبعدونه على جهة الإحالة، و نحن نراه قريبا هيّنا في قدرتنا،غير بعيد علينا و لا متعذّر.فالمراد بالبعيد:البعيد من الإمكان، و بالقريب:القريب منه.(4:157)
مثله الفخر الرّازيّ(30:125)،و نحوه أبو السّعود (5:193)،و البروسويّ(10:159)و الآلوسيّ(29:
58).
أبو حيّان: و البعد و القرب في الإمكان لا في المسافة.
(8:333)
1- ..وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. هود:44
الطّبريّ: أبعد اللّه القوم الظّالمين الّذين كفروا باللّه، من قوم نوح.(12:46)
ص: 141
الطّوسيّ: معناه أبعدهم اللّه من الخير بعدا،على وجه الدّعاء.
و يجوز أن يكون اللّه تعالى قال لهم ذلك،و يجوز أن يكون المؤمنون دعوا عليهم بذلك،و هو منصوب على المصدر.(5:563)
نحوه الطّبرسيّ.(3:165)
الميبديّ: (بعدا)مصدر موضوع موضع الأمر، قيل:سحقا لهؤلاء الظّالمين و لعنة عليهم.و هي من كلمات نفي النّدم الّتي نزّه بها ذاته،كما قال في موضع آخر: أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:68، أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ هود:95.(4:392)
الزّمخشريّ: يقال:بعد بعدا و بعدا،إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك و الموت و نحو ذلك،و لذلك اختصّ بدعاء السّوء.(2:271)
نحوه البيضاويّ(1:469)،و الكاشانيّ(2:448)، و القاسميّ(9:3441)
الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:
الأوّل:أنّه من كلام اللّه تعالى،قال لهم ذلك على سبيل اللّعن و الطّرد.
و الثّاني:أن يكون ذلك من كلام نوح عليه السّلام و أصحابه،لأنّ الغالب ممّن يسلم من الأمر الهائل بسبب اجتماع قوم من الظّلمة،فإذا هلكوا و نجا منهم قال مثل هذا الكلام،و لأنّه جار مجرى الدّعاء عليهم،فجعله من كلام البشر أليق.(17:235)
القرطبيّ: أي هلاكا لهم.(9:41)
أبو حيّان: الظّاهر أنّ قوله: وَ قِيلَ بُعْداً من قول اللّه تعالى كالأفعال السّابقة،و بني الجميع للمفعول للعلم بالفاعل.
و قيل:من قول نوح و المؤمنين،قيل:و يحتمل أن يكون من قول الملائكة،قيل:و يحتمل أن يكون ذلك عبارة عن بلوغ الأمر ذلك المبلغ و إن لم يكن ثمّ قول محسوس.
و معنى بعدا:هلاكا.(5:229)
أبو السّعود: أي هلاكا لهم،و التّعرّض لوصف الظّلم للاشعار بعلّيّته للهلاك و لتذكيره ما سبق،من قوله تعالى: وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هود:37.(3:317)
البروسويّ: قوله:(بعدا)مصدر مؤكّد لفعله المقدّر،أي بعدوا بعدا أي هلكوا،من قولهم:بعدا و بعدا إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك و الموت.و المعنى الدّعاء عليهم بذلك،و هو تعليم من اللّه تعالى لعباده أن يدعوا على الظّالمين به،أي ليبعد القوم بعدا و ليهلكوا.
(4:136)
الآلوسيّ: ذكر بعضهم أنّ البعد في الأصل ضدّ القرب،و هو باعتبار المكان،و يكون في المحسوس،و قد يقال في المعقول،نحو ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً. و استعماله في الهلاك مجاز.(12:65)
رشيد رضا: أي هلاكا و سحقا لهم،و بعدا من رحمة اللّه تعالى،بما كان من رسوخهم في الظّلم و استمرارهم عليه،و فقدهم الاستعداد للتّوبة، و الرّجوع إلى اللّه عزّ و جلّ،و سيأتي مثل هذا في أمثالهم من أقوام الأنبياء أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ هود:60،
ص: 142
أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:68.(12:80)
الطّباطبائيّ: أي قال اللّه عزّ اسمه: بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ، أي ليبعدوا بعدا،فأبعدهم بذلك من رحمته، و طردهم عن دار كرامته.و الكلام في ترك ذكر فاعل (قيل)هاهنا كالكلام فيه في(قيل)السّابق.
و الأمر أيضا في قوله: بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ كالأمرين السّابقين يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي هود:44،تكوينيّ،فهو عين ما أنقذه اللّه فيهم من الغرق المؤدّي إلى خزيهم في الدّنيا و خسرانهم في الآخرة،و إن كان من جهة وجه آخر من جنس الأمر التّشريعيّ،لتفرّعه على مخالفتهم الأمر الإلهيّ بالإيمان و العمل،و كونه جزاء لهم على استكبارهم و استعلائهم على اللّه عزّ و جلّ.(10:231)
2- ..أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ. هود:60
الطّبريّ: أبعدهم اللّه من الخير.(12:62)
الطّوسيّ: نصب(بعدا)على المصدر،و المعنى أبعدهم اللّه بعدا.و وقع(بعدا)موضع إبعاد،كما وقع نبات موضع إنبات في قوله: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17.6:15)
الزّمخشريّ: إن قلت:(بعدا)دعاء بالهلاك،فما معنى الدّعاء به عليهم بعد هلاكهم؟
قلت:معناه الدّلالة على أنّهم كانوا مستأهلين له.
[ثمّ استشهد بشعر](2:277)
الطّبرسيّ: أي أبعدهم من رحمته.(3:171)
الفخر الرّازيّ: فيه سؤالان:
الأوّل:اللّعن هو البعد،فلمّا قال: وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ فما الفائدة في قوله: أَلا بُعْداً لِعادٍ؟
و الجواب:التّكرير بعبارتين مختلفتين يدلّ على غاية التّأكيد.
الثّاني:ما الفائدة في قوله: لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ؟
الجواب:كان عاد عادين،فالأولى:القديمة هم قوم هود،و الثّانية:هم إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الفجر:7، فذكر ذلك لإزالة الاشتباه.
و الثّاني:أنّ المبالغة في التّنصيص تدلّ على مزيد التّأكيد.(18:16)
القرطبيّ: أي لا زالوا مبعدين عن رحمة اللّه.
و البعد:الهلاك.و البعد:التّباعد من الخير.(9:55)
أبو السّعود: دعاء عليهم بالهلاك مع كونهم هالكين أيّ هلاك،تسجيلا عليهم باستحقاق الهلاك و استيجاب الدّمار.
و تكرير حرف التّنبيه و إعادة(عاد)للمبالغة في تفظيع حالهم،و الحثّ على الاعتبار بقصّتهم.(3:30)
نحوه البروسويّ.(4:152)
الآلوسيّ: دعاء عليهم بالهلاك مع أنّهم هالكون أيّ هلاك،تسجيلا عليهم باستحقاق ذلك و الاستئهال له،و يقال في الدّعاء بالبقاء و استحقاقه:لا يبعد فلان، و هو في كلام العرب كثير.[ثمّ استشهد بشعر]
و جوّز أن يكون دعاء باللّعن،كما في«القاموس» البعد و البعاد:اللّعن.(12:87)
ص: 143
3- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. المؤمنون:41
الطّبريّ: فأبعد اللّه القوم الكافرين بهلاكهم؛إذ كفروا بربّهم،و عصوا رسله،و ظلموا أنفسهم(18:23)
الميبديّ: هذا كلام من لا يغلط في فعله و لا يندم على أمره،و تجده في القرآن في مواضع.(6:436)
الزّمخشريّ: بعدا و سحقا و دفرا و نحوها مصادر موضوعة مواضع أفعالها،و هي من جملة المصادر الّتي قال سيبويه:نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها.و معنى بعدا:بعدوا،أي هلكوا،يقال:بعد بعدا و بعدا نحو رشد رشدا و رشدا.(3:32)
نحوه النّسفيّ(3:120)،و البروسويّ(6:83)
القرطبيّ: أي هلاكا لهم،و قيل:بعدا لهم من رحمة اللّه،و هو منصوب على المصدر،و مثله سقيا له و رعيا.
(12:124)
الآلوسيّ: و البعد:ضدّ القرب،و الهلاك،و فعلهما ك«كرم و فرح»،و المتعارف الأوّل في الأوّل و الثّاني في الثّاني،و هو منصوب بمقدّر،أي بعدوا بعدا من رحمة اللّه تعالى،أو من كلّ خير،أو من النّجاة،أو هلكوا هلاكا.
و يجب حذف ناصب هذا المصدر عند سيبويه فيما إذا كان دعائيّا،كما صرّح به في«الدّرّ المصون».و اللاّم لبيان من دعي عليه أو أخبر ببعده،فهي متعلّقة بمحذوف لا ب(بعدا)،و وضع الظّاهر موضع الضّمير إيذانا بأنّ إبعادهم لظلمهم.(18:34)
الطّباطبائيّ: إبعاد و لعن لهم،أو دعاء عليهم و المعنى فأنجزنا للرّسول ما وعدناه من عذابهم،فأخذتهم الصّيحة السّماويّة و هي العذاب،فأهلكناهم و جعلناهم كغثاء السّيل،فليبعد القوم الظّالمون بعدا.(15:33)
1- لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. الرّوم:4
ابن جريج: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ: دولة فارس على الرّوم، وَ مِنْ بَعْدُ: دولة الرّوم على فارس.
(الطّبريّ 21:21)
الفرّاء: القراءة بالرّفع بغير تنوين،لأنّهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة،فلمّا أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه،و سموهما بالرّفع و هما مخفوضتان،ليكون الرّفع دليلا على ما سقط ممّا أضفتهما إليه،و كذلك ما أشبههما.[ثمّ استشهد بشعر]
ترفع إذا جعلته غاية،و لم تذكر بعده الّذي أضفته إليه.فإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت:«للّه الأمر من قبل و من بعد»كأنّك أظهرت المخفوض الّذي أسندت إليه (قبل)و(بعد).
و سمع الكسائيّ بعض بني أسد يقرؤها (لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ) يخفض(قبل)و يرفع(بعد)على ما نوى.
[ثمّ استشهد بشعر و شرحه إلى أن قال:]
كما تعرف أنّ(قبل)لا يكون إلاّ قبل شيء،و أنّ (بعد)كذلك.و لو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت و فيهما معنى الإضافة،فخفضت في الخفض و نوّنت في النّصب و الرّفع لكان صوابا،قد سمع ذلك من العرب.[ثمّ استشهد بأشعار](2:319)
ص: 144
الزّجّاج: القراءة الضّمّ،و عليه أهل العربيّة، و القرّاء كلّهم مجمعون عليه.فأمّا النّحويّون فيجيزون (من قبل و من بعد)بالتّنوين،و بعضهم يجيز من(قبل و من بعد)بغير تنوين.
و هذا خطأ،لأنّ(قبل و بعد)هاهنا أصلهما الخفض، و لكن بنيتا على الضّمّ،لأنّهما غايتان.و معنى غاية أنّ الكلمة حذفت منها الإضافة،و جعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف.
و إنّما بنيتا على الضّمّ،لأنّ إعرابهما في الإضافة النّصب و الخفض،تقول:رأيته قبلك و من قبلك، و لا يرفعان لأنّهما لا يحدّث عنهما،لأنّهما استعملتا ظرفين،فلمّا عدلا عن بابهما حرّكا بغير الحركتين اللّتين كانتا تدخلان عليهما بحقّ الإعراب.
فأمّا وجوب ذهاب إعرابهما،و بناؤهما؛فلأنّهما عرّفا من غير جهة التّعريف،لأنّه حذف منهما ما أضيفتا إليه،و المعنى:للّه الأمر من قبل أن يغلب الرّوم و من بعد ما غلبت.
و أمّا الخفض و التّنوين فعلى من جعلهما نكرتين، المعنى:للّه الأمر من تقدّم و تأخّر.
و الضّمّ أجود،فأمّا الكسر بلا تنوين فذكر الفرّاء أنّه تركه على ما كان يكون عليه في الإضافة و لم ينوّن، و احتجّ بقول الأوّل (1):
*بين ذراعي و جبهة الأسد*
و بقوله:
*ألاّ غلالة أو بداهة قارح نهد الجرارة*
و ليس هذا كذلك،لأنّ معنى بين ذراعي و جبهة الأسد:بين ذراعيه و جبهته،فقد ذكر أحد المضافين إليهما،و ذلك لو كان«للّه الأمر من قبل و من بعد كذا» لجاز،و كان المعنى:من قبل كذا و من بعد كذا.و ليس هذا القول ممّا يعرّج عليه،و لا قاله أحد من النّحويّين المتقدّمين.(4:176)
الطّوسيّ: تقديره:من بعد غلبهم و من قبل غلبهم،فقطع عن الإضافة و بني،لأنّه على الغاية.
و تفسيرها أنّه ظرف قطع عن الإضافة الّتي هي غاية،فصار كبعض الاسم،فاستحقّ البناء،و بني على الحركة،لأنّ له أصلا في التّمكّن يستعمل،و بني على الضّمّة لأنّها حركة لا تكون له في حال الإعراب،فهي أدلّ على البناء.(8:229)
الميبديّ: هما مرفوعان على الغاية،و المعنى من قبل دولة الرّوم على فارس و من بعدها،فأيّ الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر اللّه و قضائه و قدره.
و قيل:للّه المشيئة التّامّة و الإرادة النّافذة من قبل هذه الوقائع و من بعدها،فيرزق الظّفر من شاء و يجعل الدّبرة على من شاء.
و قيل:للّه الامر من قبل كلّ شيء و من بعد كلّ شيء.(7:429)
الزّمخشريّ: أي في أوّل الوقتين و في آخرهما حين غلبوا و حين يغلبون،كأنّه قيل:من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،يعني أنّ كونهم مغلوبين أوّلا و غالبين آخرا،ليس إلاّ بأمر اللّه و قضائه.ه.
ص: 145
و قرئ (من قبل و من بعد) على الجرّ من غير تقدير مضاف إليه و اقتطاعه،كأنّه قيل:قبلا و بعدا،بمعنى أوّلا و آخرا.(3:214)
نحوه البروسويّ.(7:6)
ابن عطيّة: لِلّهِ الْأَمْرُ أي إنقاذ الأحكام مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ أي من بعد هذه الغلبة الّتي بين هؤلاء القوم.و(قبل)و(بعد)ظرفان بنيا على الضّمّ،لأنّهما تعرّفا بحذف ما أضيفا إليه،و صارا متضمّنين ما حذف؛ فخالفا معرب الأسماء،و أشبها الحروف في التّضمين فبنيا.
و خصّا بالضّمّ لشبههما بالمنادى المفرد،في أنّه إذا نكّر أو أضيف زال بناؤه،و كذلك هما فضمّا،كما المنادى مبنيّ على الضّمّ.
و قيل في ذلك أيضا:إنّ الفتح تعذّر فيهما،لأنّه حالهما في إظهار ما أضيفا إليه،و تعذّر الكسر لأنّه حالهما عند إضافتهما إلى المتكلّم،و تعذّر السّكون لأنّ ما قبل أحدهما ساكن،فلم يبق إلاّ الضّمّ فبنيا عليه.
و من العرب من يقول:(من قبل و من بعد)بالخفض و التّنوين.(4:328)
نحوه القرطبيّ.(14:7)
الفخر الرّازيّ: أي من قبل الغلبة و من بعدها،أو من قبل هذه المدّة و من بعدها،يعني إن أراد غلبهم غلبهم قبل بضع سنين،و إن أراد غلبهم غلبهم بعدها،و ما قدر هذه المدّة لعجز،و إنّما هي إرادة نافذة.[ثمّ ذكر وجه بنائهما على الضّمّ نحو ابن عطيّة](25:96)
أبو حيّان:و قرأ الجمهور من (قبل و من بعد) بضمّهما،أي من قبل غلبة الرّوم و من بعدها.و لمّا كانا مضافين إلى معرفة و حذفت،بنيا على الضّمّ،و الكلام على ذلك مذكور في علم النّحو.
و قرأ أبو السّمال و الجحدريّ و عون العقيليّ (من قبل و من بعد) بالكسر و التّنوين فيهما.(7:162)
الآلوسيّ: أي من قبل هذه الحالة و من بعدها،و هو حاصل ما قيل:أي من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،و تقديم الخبر للتّخصيص.
و المعنى أنّ كلاّ من كونهم مغلوبين أوّلا و غالبين آخرا ليس إلاّ بأمر اللّه تعالى شأنه و قضائه عزّ و جلّ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ آل عمران:140.
و قرأ أبو السّمال و الجحدريّ عن العقيليّ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ بالكسر و التّنوين فيهما،فليس هناك مضاف إليه مقدّر أصلا على المشهور،كأنّه قيل:للّه الأمر قبلا و بعدا،أي في زمان متقدّم و في زمان متأخّر،و حذف بعضهم الموصوف.
و ذكر السّكّاكيّ أنّ المضاف إليه مقدّر في مثل ذلك أيضا،و التّنوين عوض عنه.و جوّز الفرّاء الكسر من غير تنوين.
و قال الزّجّاج: إنّه خطأ،لأنّه إمّا أن لا يقدّر فيه الإضافة فينوّن،أو يقدّر فيبنى على الضّمّ.و أمّا تقدير لفظه قياسا على قوله:
*بين ذراعي و جبهة الأسد*
فقياس مع الفارق،لذكره فيه بعد،و ما نحن فيه ليس كذلك.(21:20)
ص: 146
الطّباطبائيّ: (قبل و بعد)مبنيّان على الضّمّ، فهناك مضاف إليه مقدّر،و التّقدير:للّه الأمر من قبل أن غلبت الرّوم و من بعد أن غلبت،يأمر بما يشاء،فينصر من يشاء و يخذل من يشاء.
و قيل:المعنى للّه الأمر من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،أي وقت كونهم مغلوبين و وقت كونهم غالبين.و المعنى الأوّل أرجح،إن لم يكن راجحا متعيّنا.(16:155)
2- وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ...
الأنبياء:105
ابن خالويه :ليس في القرآن«بعد»بمعنى«قبل» إلاّ حرف واحد. وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ. (السّيوطيّ 2:160)
الميبديّ: و«بعد»بمعنى«قبل»كقوله: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها النّازعات:30،أي قبل ذلك،و مثله في الظّروف«وراء»فإنّه يكون بمعنى«خلف»و بمعنى «أمام»و يستعمل لهما.(6:318)
3- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ. العنكبوت:63
الإسكافيّ: قوله تعالى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الجاثية:5،و البقرة:164.
للسّائل أن يسأل عن الآية من سورة العنكبوت، لما ذا خصّت ب(من)في قوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها و أخلي الموضعان الآخران منها.؟
و الجواب أن يقال:إنّ التّقرير يؤثّر فيه من تحقيق الكلام ما لا يؤثّر في غيره،و الظّروف إذا حدّث حقّقت، تقول:سرت اليوم.فإن قلت:من أوّله إلى آخره،كان الحدّ تحقيقا،لأنّه قد يطلق لفظ اليوم و إن ذهبت ساعة أو ساعتان من أوّله،و إن بقيت ساعة أو ساعتان من آخره.فإذا وقع الحدّ زال هذا الوهم.
فقوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها تحقيق لأنّه محدود ب(من) و خصّ به التّقرير،لأنّه من أماكنه،و قوله تعالى في الآيتين الأخيرتين فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ليس فيه تقرير كما كانت الأولى،و إن كان يؤدّي معنى المحدود،إلاّ أنّه ليس له لفظه،فاختلف الموضعان بما ذكرت.(358)
الكرمانيّ: قوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها و في البقرة و الجاثية و الرّوم: بَعْدِ مَوْتِها لأنّ في هذه السّورة وافق ما قبله،و هو:«من قبله»فإنّهما يتوافقان.و فيه شيء آخر،و هو أنّ ما في هذه السّورة بسؤال و تقدير، و التّقدير يحتاج إلى التّحقيق فوق غيره،فقيّد الظّرف ب(من)فجمع بين طرفيه،كما سبق.(154)
4- وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.
النّحل:70
الإسكافيّ: قوله تعالى: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً النّحل:70،و قوله: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً الحجّ:5.
ص: 147
للسّائل أن يسأل فيقول:ما الفرق بين قوله: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إذا لم يكن فيه«من»و بين قوله:
لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً و لأيّ معنى اختصّت الآية من سورة الحجّ ب«من»و خلت منها الآية في سورة النّحل؟
الجواب أن يقال:ذكر في سورة النّحل الجملة الّتي فصّلت في سورة الحجّ،و كانت لفظة(بعد)لجملة الزّمان المتأخّر عن الشّيء،قال: وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ فأجمل ما فصّل في السّورة الأخرى،و بعده ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي يعزب عنه في حال الهرم ما كان يعلمه قبل من الحكم،و يستدركه من الآراء المصيبة،و يرتكبه من المذاهب القويمة،كان هذا موضع جمل لا تفصيل معها و لا تحديد.
و لم يكن كذلك الأمر في سورة الحجّ،لأنّه قال:
يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني أصلكم و هو آدم عليه السّلام ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أولاده ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ فذكر تفصيل الأحوال و مبادئها،فقال:من كذا و من كذا الابتداء كلّ حال ينتقل منه إلى غيره،فبنى ذكر الحال الّتي ينتقل فيها من العلم إلى فقده على الأحوال الّتي تقدّم ذكرها.
فكما حدّد أوائلها ب«من»كذلك حدّد الحال الأخيرة المنتقلة عمّا قبلها ب«من»فقال: مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ أي فقد العلم من بعد أن كان عالما،فباين الموضع الأوّل لذلك.(268)
5- لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ... الأحزاب:52
راجع زوج«أزواج».
1-الأصل في هذه المادّة البعد،خلاف القرب، يقال:بعد يبعد بعدا فهو بعيد،و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير، و باعد اللّه بينهما و بعّد،و كذا باعده و بعّده عن الخير، و استبعد فلان:تباعد،و استبعد فلانا:عدّه بعيدا.
و بعد يبعد بعدا،و بعد يبعد بعدا أيضا:هلك أو اغترب.و ينبغي أن يكون أصله البعد المادّيّ و المكانيّ، ثمّ توسّع إلى البعد المعنويّ،كالبعد عن الخير و الشّرّ و عن المال و المنال و عن الحياة و الممات،و من هنا أفاد معنى الهلاك،و منه:بعدا أو سحقا لك،من البعد المعنويّ:رجل ذو بعد،أي ذو رأي و حزم،و كأنّه يرى الأشياء و عواقب الأمور من بعيد.
و البعد الزّمانيّ متوسّط بينهما،و منه:بعد:خلاف قبل؛إذ قبل يدلّ على الإتيان و الاستقبال،و هو قريب، و بعد يدلّ على المضيّ و الاستدبار،و هو بعيد؛يقال:
رأيته بعيدات بين،أي بعد فراق،و ذلك إذا كان الرّجل يمسك عن إتيان صاحبه مدّة ثمّ يأتيه،ثمّ يمسك عنه نحو ذلك ثمّ يأتيه.
2-و يستعمل«بعد»مضافا و منقطعا عن الإضافة، فإذا أضيف أعرب،و إذا قطع بني على الضّمّ.و قولهم في الخطابة:«أمّا بعد»فهو مقطوع لفظا و مضاف معنى،لأنّ
ص: 148
تقديره:أمّا بعد دعائي لك،أو أمّا بعد حمد اللّه،و سمّي فصل الخطاب.و قيل:إنّ داود أوّل من قاله،لقوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20.
و هذا رأي واه،لأنّ لسان داود عبريّ،و هذا كلام عربيّ،كما أنّ جعل«فصل الخطاب»بمعنى«أمّا بعد»،هو من قبيل الشّرح أو التّأويل،و إلاّ فالمراد به القضاء بالحقّ.
3-و لم يرد اسم لهذه المادّة في اللّغة سوى«بعدان»:
اسم مكان،على ما ذكره ياقوت في«معجم البلدان» و قياسه إذا كان منقولا اسم فاعل من:بعد فهو بعدان، نحو:عطش فهو عطشان.إلاّ أنّ السّيوطيّ ما ذكره في عداد الأسماء الّتي جاءت على(فعلان)بل حصر ذلك في خمسة مواضع و اسم واحد،و ليس«بعدان»من بينها. (1)
جاءت هذه المادّة في القرآن فعلا ماضيا مجرّدا مرّتين،و أمرا من باب«المفاعلة»مرّة واحدة،و مصدرا (6)مرّات،و صفة على وزن«فعيل»(25)مرّة،و على وزن(فعل)مرّة واحدة،و اسما:بعد(199)مرّة.أمّا الفعل و المصدر فجاءا تارة بمعنى البعد المكانيّ،و أخرى البعد المعنويّ،أي الهلاك و الدّمار.
أمّا الأوّل ففيه ثلاث آيات:
1- وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ التّوبة:42
2- فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ سبأ:19
3- حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ الزّخرف:38
يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا في سياق الذّمّ و المهانة في ثلاثة مواضع:
فالأولى:الإزراء بمنافقي هذه الأمّة للقعود عن الجهاد و الاعتذار من المشاركة في القتال و تمام الآية: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، فهي مدنيّة، و الأخريان مكّيّتان.
و الثّانية:جاءت في شأن قوم سبأ الّذين أغرقهم اللّه بالسّيل العرم لكفرهم،و سلب منهم النّعمة،لظلمهم أنفسهم،و كانت المسافة بين قراهم قريبة،فسألوا ربّهم بأن يباعد بينها و فيها نكات:
1-جاء هذا اللّفظ مرّة واحدة من باب«المفاعلة» لهذه المادّة،أمرا متعدّيا،و لا ثاني له في القرآن،فهل فيه دلالة على أنّه كان نادر الاستعمال؟
2-تأتي المفاعلة عادة للمشاركة بين اثنين أحدهما فاعل و الآخر مفعول،مثل:ضارب زيد عمرا،و جاءت هنا للمشاركة بين الأسفار،فإنّ لكلّ منها نصيبا من البعد،و إن شئت قلت:إنّها هنا ليست للمشاركة بل هي بمعنى التّفريق و إيجاد البعد بين شيئين نظير«سافر»أي أحدث السّفر،أو هي للتّكثير أو للتّعدية.
3-هي الوحيدة بين آيات هذه المادّة في نسبة البعد -و هو صفة ذمّ و نقص-إلى اللّه حكاية عن قوم سبأ، لكن بمعنى إيجاده لغيره،دون اتّصافه به،مع أنّه تعالى
ص: 149
يتّصف بالقرب-و هو صفة مدح-كما قال: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186،و إن لم يكن القرب فيها في المكان و الزّمان.و يأتي في(مبعدون)أيضا أنّه جاء مجهولا و لم يسمّ فاعله-و إن كان هو اللّه-تنزيها له تعالى،أو تفخيما للأمر.
و أمّا الثّالثة:فجاءت في المشركين؛إذ قد صدّهم الشّيطان-الّذي جعله اللّه قرينا له-عن السّبيل،و هم يحسبون أنّهم مهتدون،فهم الّذين إذا جاءوا ربّهم في الآخرة و رأوا العذاب قال أحدهم لقرينه الّذي يلازمه في الآخرة كما لازمه في الدّنيا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، أي يتمنّى أن يبتعد عن قرين السّوء هذا بعد المشرق عن المغرب،أو بعد مشرق الصّيف عن مشرق الشّتاء-كما قيل-و هو بعيد.
ثانيا:أنّها جامعة بين الكفّار و المنافقين من هذه الأمّة و الأمم السّالفة،كما أنّها جامعة بين الدّنيا و الآخرة.
ثالثا:وصف هؤلاء في الأولى بالهالكين و الكاذبين يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، إذ حلفوا باللّه أنّهم لو استطاعوا لخرجوا مع المؤمنين إلى ساحة القتال.
و وصفوا في الأخيرتين بالظّالمين لأنفسهم وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ الزّخرف:39.
رابعا:لقد أسند اللّه الهلاك و الظّلم إلى أنفسهم في(1) و(2)صريحا،و في(3)إيماء.
و أمّا الثّاني،أي البعد المعنويّ ففيه ستّ آيات:
1- وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. هود:44
2- أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ هود:60
3- أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ
هود:68
4- أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95
5- فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ
المؤمنون:41
6- وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ
المؤمنون:44
يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت جميعا في سورتين مكّيّتين:هود و المؤمنون،أربعا في«هود»و اثنتين في «المؤمنون»و فيها تقريع و تعنيف و توبيخ للكافرين من الأمم السّابقة.فآيتا«المؤمنون»جاءتا في الأقوام و الأمم الّتي عاشت في العصور الواقعة بين نوح و موسى عليهما السّلام دون أن يسمّيهم،و ما في«هود»فإنّ الأولى في قوم نوح، و الثّانية في قوم عاد،و الثّالثة في قوم ثمود،و الرّابعة في أهل مدين.فهذه الثّلاثة الأخيرة تفصيل و شرح لما في «المؤمنون».
ثانيا:أنّها جميعا لعن الكافرين و دعاء عليهم، فخمس منها خطاب من اللّه تعالى،و واحدة-و هي الأولى الخاصّة بقوم نوح-أسندت إلى قائل مجهول وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. و في هذا بلاغ و تأكيد أشدّ لدمارهم،كأنّ قوم نوح لمّا أغرقوا لم يبق بعدهم أحد يقول لهم:بعدا،إلاّ قائل مجهول،أو أنّهم لم يكونوا في حدّ
ص: 150
يخاطبهم اللّه تعالى،فهم أدنى من ذلك.
ثالثا:وصف القوم في واحدة منها-أي(6)- ب(لا يؤمنون)،و في اثنتين-(1)و(5)-ب(الظّالمين)،و في اثنتين أيضا-(2)و(3)-بالكفر في سياق واحد: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ، و في هاتين الآيتين ألوان من التّأكيد:
1-ورود كلمة(الا)فيهما مرّتين،و في المجموع خمس مرّات للإعلام و الإنذار.2-كلمة(انّ).3-كلمة (بعدا)مفعولا مطلقا مع حذف الفعل،ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن في الفعل المحذوف،مثل:
«سحق»،«هلك»،«دمر»،«بعد»،و الأخير من مادّته لفظا،و غيره يترادف معه معنى،و هذا نظير قولنا:
«بعدا».
و هناك فرق بين الآيتين،ففي(2): أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ، و في(3): أَلا بُعْداً لِثَمُودَ دون ذكر «قوم صالح»،و ذلك رعاية لرويّ الآيات،كما هو واضح.
و أمّا الآية(4)،فليس فيها شيء من هذه التّأكيدات صريحا،سوى(الا)مرّة واحدة و(بعدا) بحذف الفعل،و لكن عوّض عن ذلك بقوله: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ الدّالّ على أنّه قد مرّ على قوم مدين ما مرّ على قوم ثمود من التّأكيد و الإدانة،مع الاحتفاظ بذلك برويّ الآيات بتكرار(ثمود).
على أنّه قد جاء في آية قبلها في شأنهم: وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:94،فوصفوا بالظّلم بدل الكفر،تناسقا للآيتين(1)و(5)،كما وصفوا في(6)بدل الكفر ب(لا يؤمنون).
رابعا:في آيتي«المؤمنون»تأكيد بليغ لدمار تلك الأقوام الّتي عاشت بين نوح و موسى عليهما السّلام بلفظين أصبح ثانيهما مثلا سائرا،فالأوّل: فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً، و الثّاني:
وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ، فإنّ التّعبير ب(جعلناهم) مشترك بينهما،يعني أنّه تعالى بقدرته و حكمته جعل تلك الأقوام في حيّز العدم.
بيد أنّ الفرق بين الكلمتين(غثاء)و(احاديث) شاسع جدّا،فالغثاء يعني الزّبد،و هو ما يحمله السّيل من رغوة و فتات،حيث ينعدم و يتلاشى كما قال: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17.و أمّا الأحاديث -و هي جمع الحديث،أي الكلام الحاكي القصص-فهي رغم بقائها بين الأقوام غاية في الدّمار و الهلاك،لأنّها تشهد بأنّه لم يبق لهولاء الأقوام وجود و أثر سوى الحديث عنهم في الكتب و الأساطير و السّمر و عند القاصّين،فألحقت أخبارهم بالأساطير السّائرة على ألسن النّاس،المشكوك وجودها رغم كونها صدقا و حقيقة،فهي أشبه بالخرافات و الأكاذيب،لتقادم أمدها و نسيان أخبارها،لاحظ«ح د ث»و«غ ث و».
و قد جاء هذا التّعبير مرّة أخرى في شأن قوم سبأ، في سياق مشابه لهذه الآية فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سبأ:19،و قد سبق الكلام في هذه الآية في قوله: باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا.
و هناك فرق آخر بين الآيتين أنّ التّوالي و التّتابع بين الحالات العارضة لهؤلاء الأقوام في الآية(5)أشدّ و آكد
ص: 151
من الآية(6)بتكرار الفاء في(5)ثلاث مرّات،و في(6) مرّتين،إضافة إلى أنّ الغثاء دالّ على الفناء بتاتا، و الأحاديث فيها شيء من البقاء و لو ذكرا كما سبق:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:41
فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:44
و فيهما فرق ثالث يرجّح كفّة الأولى أيضا من ناحية البلاغ و التّأكيد و الإنذار،و هو قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ، و هو غاية في تهويل العذاب،فكلّ من الكلمات الثّلاث:(اخذتهم)،(الصّيحة)،(بالحقّ)فيها من التّهويل ما لا يقوم مقامها لفظ آخر،و بينه و بين قوله في(6): فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً بون شاسع،إذ يدلّ على مجرّد هلاكهم بعضهم تلو بعض.
و هناك فرق رابع بينهما يشدّد التّأكيد في(5)،و هو قوله: لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ، بالتّعريف و لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بالتّنكير في(6).فالأوّل يفيد أنّ هؤلاء قوم معروفون بالظّلم،و الثّاني يفيد أنّهم قوم مجهولون لا يعبأ بهم،كأنّهم قوم أصبحوا نسيا منسيّا على كرّ الدّهور و تبدّل العصور،و تحوّل الأحوال،و توالي الدّول و الآجال،و تبدّل الملل و الأجيال.ثمّ إنّ الظّلم أسوء من الكفر عند النّاس-بحسب فطرتهم-و أهل الأديان و غيرهم في ذلك سواء.فهذا وجه خامس يرجّح كفّة(5)تأكيدا.
و أمّا الوصف من هذه المادّة فجاء على«فعيل» (25)مرّة،و على«مفعل»اسم مفعول من باب الإفعال، مرّة واحدة،و هو قوله:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (الأنبياء:101،102)
و قد جاءت الآية عقيب وصف جهنّم و الكفّار الخالدين فيها إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ* لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ* لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ الأنبياء:98-100.
و اللاّفت للنّظر مجيء الوصف فيها بهذه الصّيغة (مبعدون)دون بعيد كما في غيرها،فما هو السّبب؟
و الّذي يخطر بالبال-و اللّه أعلم-أمران:لفظيّ و معنويّ،أمّا اللّفظيّ فمتابعة الرّويّ،و هو(واردون)، و(خالدون)مرّتين قبله،و بعده،و(توعدون) و(صالحون)...و أمّا المعنويّ فيستفاد منه أنّ هؤلاء الّذين سبقت من اللّه لهم الحسنى إنّما أبعدوا عن النّار بإرادة من اللّه،و في هذا مزيد فضل لهم؛إذ اللّه بتفضّله عليهم و إكرامه لهم تصدّى بنفسه،لإبعادهم عن النّار،و حذف الفاعل تفخيما و إبهاما للأمر،أو تنزيها له تعالى عن نسبة البعد إليه كما سبق في«باعد»لازما.
و ما أشدّ ائتلافه و ملاءمته لقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى، أي من إتمام هذه الكرامة و الحسنى الّتي سبقت لهم منّا أن جعلناهم نحن مبعدين عن النّار الّتي أحاطت بالكافرين المخلّدين فيها.
و فيه إيماء لطيف إلى أنّه لو لا هذا الفضل من اللّه
ص: 152
عليهم لكادت النّار تقترب منهم أو تحيط بهم،مصداقا لقوله تعالى: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ الأنعام:16،أي من يصرف عنه العذاب يوم القيامة فهو بفضل اللّه و رحمته،و التّعبير فيها ب(يصرف عنه) مساوق ل(مبعدون)في هذه الآية.
ثمّ إنّ(باعد)و(مبعدون)فقط جاء(من هذه المادّة من المزيد فيه متعدّيا و غيرهما جاء من المجرّد لازما.
و هو على ثلاثة أقسام:مكانيّ و زمانيّ و معنويّ، و إليك التّفصيل:
الأوّل:البعد المكانيّ،و فيه سبع آيات:
1- إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً الفرقان:12
2- وَ قالُوا آمَنّا بِهِ وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:52
3- وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:53
4- وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فصّلت:44
5- وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران:30
6- وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هود:89
7- وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ق:31
يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا وعيد و إنذار للكافرين، سوى الأخيرة(7)،فإنّها وعد للمتّقين.
ثانيا:أنّها جميعا راجعة إلى الدّار الآخرة،سوى (6)،فإنّها جاءت في قوم شعيب و أصحاب مدين، حيث قال لهم نبيّهم: وَ يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، أي أنّ دارهم قريبة من داركم،و كانوا جميعا يسكنون في جزيرة العرب قرب فلسطين.و قيل:إنّهم قريبون منكم زمانا.
و عليه فالآية داخلة في قسم الزّمانيّ،كما أنّ الآية (5)أيضا تحمل معنى المكان و الزّمان،فإنّ لفظ«أمد» فيها بمعنى الغاية الّتي ينتهي إليها،و قيل في معناها:غاية بعيدة،أو مكان بعيد،أو ما بين المشرق و المغرب كما عند الطّبرسيّ(1:431)
ثالثا:التّعبير ب(مكان بعيد)في(1)إلى(4)ظاهر بمفهومه اللّغويّ في المكان،لكن قد يعبّر به عن البعد المعنويّ بمعنى الأمر المستبعد وقوعه،فقيل في(2): أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، أي أنّهم طلبوا الرّجوع إلى الدّنيا من حيث لا ينال أبدا،و لم يرد البعد المكانيّ، و إنّما أراد بعد حصولهم على ذلك،و بعدهم عن الصّواب.
إنّهم تعلّقوا بآمال كاذبة،و تمسّكوا بخيوط من الوهم،فقد بعدت بينهم و بين مآربهم الشّقّة...فنزعوا إلى الإيمان لو رجعوا إلى الدّنيا،و هي بعيدة عن الآخرة.
و نظيره ما قيل في(4): أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، إنّه تشبيه لعمى قلوبهم عن آيات اللّه بمن ينادونه من بعيد،فإنّ العرب تقول للرّجل الّذي لا يفقه القول:إنّك لتنادى من مكان بعيد،فيعنون أنّه كمن ينادى من بعيد بصوت عال فلا يسمعه،كأنّه أصمّ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ البقرة:171،و هو تمثيل
ص: 153
لحالهم؛حيث لا يقبلون العظة و لا يعقلون الحجّة.
و يحتمل هذا المعنى في(3)أيضا وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ لاحظ النّصوص.
رابعا:في(2)قران بين القريب و البعيد وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ* وَ قالُوا آمَنّا بِهِ وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:51،52، و المراد بالقريب و البعيد فيهما المكانيّ منهما حسب مفهوم اللّغة،أو المعنويّ منهما كما مرّ،و لا ينبغي التّفكيك بينهما بأخذ أحدهما مكانيّا و الآخر معنويّا.
خامسا:جاء في(7) غَيْرَ بَعِيدٍ بدل«قريب» رعاية للرّويّ،فقبلها:بعيد،الوعيد،للعبيد،مزيد،و لو جاء مكانه«قريب»لم يكن بعيدا من رويّ الآيات أيضا،فإنّه جاء في ذيل:السّورة مَكانٍ قَرِيبٍ إلاّ أنّه لا بدّ أن يقول قريبة صفة للجنّة،فيختلّ الرّويّ.و في وجه نصب«غير»و موصوفه خلاف،لاحظ النّصوص.
و قد جاء غَيْرَ بَعِيدٍ مرّة أخرى في(3)من الزّمانيّ: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ في صدر الآية،من دون رعاية الرّويّ،و سيأتي الوجه فيها أنّه للتّأديب.
الثّاني:البعد الزّمانيّ،و فيه ثلاث آيات:
1- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ الأنبياء:109
2- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَ نَراهُ قَرِيباً
المعارج:6،7
3- فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ
النّمل:22
يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين(1)و(2)كما هو ظاهر من سياقهما يراد بهما بعد يوم القيامة و قربه،و قد أبهمه في (1)عن قول النّبيّ عليه السّلام وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ، اعتذارا و اعترافا منه بعدم علمه بزمان وقوعه،و قد صرّح بذلك في آيات مثل: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ الشّورى:17،و غيرها.و قد نجّز قربه عند اللّه في(2) وَ نَراهُ قَرِيباً، أي قريب عنده في ملفّ الزّمان الممتدّ من الأزل،تحذيرا للنّاس من عدّه بعيدا.
ثانيا:يحتمل في هذه الآية:(2)القرب و البعد المعنويّ أيضا،مثل(3)من المكانيّ،أي أنّ النّاس يستبعدون وقوعه،و يعدّونه غير واقع أو مستحيلا، و هو عند اللّه ممكن و واقع.و عليه فالبعد و القرب في الإمكان لا في الزّمان و المكان،و اجتمع فيهما أيضا القريب و البعيد،و هو آكد في إعطاء المطلوب و إفهام المقصود.
ثالثا:جاءت الآية(3)في شأن هدهد سليمان،كما قال تعالى: وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ* فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ النّمل:20-22
و اختلفوا في ضمير الفاعل في«مكث»على ثلاثة وجوه:في أنّه هل مكث سليمان،أو مكث الهدهد زمانا غير بعيد،أو مكث الهدهد مكانا غير بعيد عن سليمان رعاية لحرمته و خوفا منه؟و الأقرب إلى السّياق هو الوسط،أي لمّا هدّد سليمان الهدهد،لم يمض إلاّ قليل أجابه الهدهد بقوله ذلك:أي مكث الهدهد مكثا غير بعيد دفاعا عن نفسه،و كأنّه لم يبادر إلى الكلام تلو كلام
ص: 154
سليمان،تعظيما له و تأدّبا منه،لكنّه لم يلبث طويلا.فتعبير فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ جمع بين الأمرين:الإسراع في الجواب،و التّأنّي و التّأدّب أمام سليمان،و لهذا قال:
غَيْرَ بَعِيدٍ بدل«قريب»فإنّه لا يؤدّي التّأدّب،لو لم يؤدّ خلافه.
و الفاء في(فمكث)دالّة على الإسراع،و(غير بعيد) دالّ على التّأدّب و التّأنّي.و قوله:(فقال)شاهد على رجوع الضّمير في(فمكث)إلى الهدهد دون سليمان،كما أنّ الفاء في(فقال)دالّة على الإسراع أيضا،و الفاءان معا دالّتان على متابعة الجواب للسّؤال و ارتباطه به و نشوئه منه بلا فصل،سوى ما تقتضيه الحكمة و الأدب من التّريّث و التّأنيّ،و للّه في كلامه أسرار!
الثّالث:و أمّا البعد المعنويّ ففيه(16)آية تنقسم بحسب الموصوف إلى أربعة أقسام:
1- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إبراهيم:3
2- مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ إبراهيم:18
3- يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ الحجّ:12
4- بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ سبأ:8
5- أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ الشّورى:18
6- قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ق:27
7- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً النّساء:60
8- وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً
النّساء:116
9- وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً النّساء:136
10- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً النّساء:167
يلاحظ أوّلا:أنّ هؤلاء الّذين اتّصفوا بأنّهم في ضلال بعيد لم يخرجوا عن كونهم كفّارا مشركين يؤثرون الدّنيا على الآخرة،غير مؤمنين بها و بما أنزل اللّه من الكتب،و بالملائكة و الرّسل؛صادّين عن سبيل اللّه، باغين إيّاها عوجا،متحاكمين إلى الطّاغوت،قرناء للشّياطين،ضالّين بإضلاله،فلاحظ الآيات و تأمّلها.
فالضّلال البعيد هو الكفر باللّه و ما يتبعه من العقائد و الأهواء الباطلة و الأعمال الفاسدة،و يقابله الإيمان و العمل الصّالح و الخلق الحسن،و قد جمعها اللّه في سورة واحدة بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ، صدق اللّه العليّ العظيم.
ص: 155
و الضّلال البعيد يقابله في القرآن الصّراط المستقيم الّذي حثّ القرآن على اتّباعه و الاهتداء به بما لا مزيد عليه.و هذا حديث ذو شجون،و بحث له خلفيّات و معقّبات،لاحظ«ص ر ط»و«ق و م»و«ض ل ل».
ثانيا:أنّ خمسا منها-(1)و(2)و(4)و(5)و(6)- مكّيّة،و خمسا-(3)و(7)إلى(10)-مدنيّة،فتوزّع بين المكّيّ و المدنيّ سواء،على تأمّل في(3)،فإنّها من سورة الحجّ المختلف في محلّ نزولها،و كونها مدنيّة،أو مشتركة بينهما،أو نازلة في طريق الهجرة كما احتملنا،و تمام الكلام في«المدخل»عند الحديث عن المكّيّ و المدنيّ.
و كان حصّة سورة النّساء المدنيّة منها أربعا،و حصّة سورة إبراهيم المكّيّة اثنتين،و الأربع الباقية متفرّقة في أربع سور.
ثالثا:أنّ جميعها جاءت في آخر الآيات منقسمة إلى ثلاث معرّفة باللاّم:(2)إلى(4)،و سبع نكرة.
و لا نحسب أنّ بينها فرقا في بداية الأمر إلاّ من أجل رعاية الرّويّ،فحرف الرّويّ في سورة النّساء جاء منصوبا و لفظه منكّرا،مثل:خبيرا،بصيرا،و لفظ الرّويّ في سورة الشّورى مختلف بين معرفة و نكرة،و قبل هذه الآية:شديد،قريب،و بعدها:العزيز،يصيب،أليم، فالآية تبعت ما قبلها في الرّويّ.
و كذلك سورة(ق)،فقبل آيتها:عنيد،عتيد، مريب،الشّديد،و بعدها:الوعيد،العبيد،مزيد،حفيظ، فهي تابعة لما هو الغالب عليها من التّنكير،و سورة الحجّ أيضا مختلفة الرّويّ معرفة و نكرة،فقبل هذه الآية:
الحميد،شديد،و بعدها:الحكيم،شكور،عظيم، فجاءت هذه الآية مناسقة للمعرفة.و كذلك سورة سبأ، فالمعرفة و النّكرة فيها متداخلات،فقبل آيتها:الحميد، حديد،و بعدها:منيب،السّعير،الشّكور،فجاءت الآية معرفة.
أمّا سورة إبراهيم فمختلفة الرّويّ أيضا،و الغالب عليها هو النّكرة،فجاء(بعيد)في آية منها نكرة،تبعا لما قبلها:شديد،و في أخرى معرفة،و قبلها:صديد، غليظ،و بعدها:عزيز،محيص،أليم،و كلّها نكرة.و كأنّ اَلضَّلالِ الْبَعِيدِ معرفة بين عدّة نكرات علم مرفوع بينها.
و من هنا يخطر بالبال أنّ التّعريف و التّنكير في هذه الآيات لا ينحصر سببهما في الرّويّ،بل لهما سبب آخر، فمثلا أنّ المعرفة في قوله: اَلضَّلالِ الْبَعِيدِ أبلغ في إيفاء المطلوب-و هو تأكيد الضّلالة-من النّكرة(ضلال بعيد) فكأنّه ضلال معروف مشهور،كما قال تعالى في الأمّيّين:
وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجمعة:2،كما يمكن العكس بأن يقال:إنّ النّكرة-باعتبار غورها في الإبهام-تكون أبلغ في ذلك،إذ تذهب بذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن من الضّلالة.
إلاّ أنّ السّؤال يبقى مثارا:لما ذا اختتمت هذه الآيات الثّلاث بالتّعريف و سائرها بالتّنكير،مع أنّ موجب الضّلال-و هو الكفر و الشّرك و عدم الإيمان-مشترك بينها؟فليس لنا أن ننيط الفرق إلى ما جاء فيها من الأفعال الموجبة للضّلال،فلاحظ.
رابعا:أمّا سرّ مجيء ضَلالٍ مُبِينٍ معرفة و نكرة في آخر الآيات دائما فهو مساوقة البعد للمتأخّر فأخّر،
ص: 156
و ختمت به الآيات أيضا ليكون معلما شاخصا،لا يختلط بغيره في وسط الآيات،و تراكم الكلمات،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.
1- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ البقرة:176
2- لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ
الحجّ:53
3- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ فصّلت:52
يلاحظ أوّلا:أنّ واحدة من الثّلاث-(1)-مدنيّة، و واحدة منها-(2)-مكّيّة،و الثّالثة الّتي جاءت في سورة الحجّ مردّدة،أو مشتركة أو وسط بينهما،كما سبق.
ثانيا:أنّها جميعا جاءت نكرة بخلاف(ضلال مبين) حيث جاءت نكرة و معرفة معا كما سبق،و لا نعلم له سببا إلاّ ما يرتبط بموضوعه و هو الكتاب،فإنّها جميعا جاءت بشأن الكتاب و الاختلاف و الشّكّ،فيه و هو ظاهر في الأولى و الأخيرة.أمّا الثّانية فجاءت فيما يلقي الشّيطان في الكتاب-على اختلاف في تفسيرها- فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ* وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ...
إلى أن يقول: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ الحجّ:
54-55.
و قوله في الأخيرة: مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، يفيد أنّ الشّكّ في الكتاب-و قد جاء زائحا و زائلا للشّكّ و الخلاف-غاية في الضّلال و الشّقاق، و هذا يرجّح أنّ التّنكير فيها للتّأكيد و البلاغ،فليكن كذلك في(ضلال بعيد)أي أنّ التّنكير فيه أيضا أبلغ و آكد من التّعريف،و هو الأكثر في تلك الآيات كما سبق.
ثالثا:الفرق بين الضّلال و الشّقاق:أنّ الضّلال الخروج من الصّراط المستقيم عمدا أو غفلة و جهلا،أمّا الشّقاق فيبدو فيه عنصر العمد و الإرادة بارزا،و حقيقته كون الحقّ في جانب و شقّ،و مريد الشّقاق في جانب و شقّ آخر،فحاله أسوء من حال من أصابه الضّلال من جهتين:كونه واقعا عن عمد دائما أو غالبا،و كونه مقابلا للحقّ.
أمّا الضّلال فقد يكون عن غفلة و جهل بالحقّ،و قد يكون انحرافا عن الطّريق بما لا يبلغ الحدّ المقابل له،مع وجود العلاقة بينهما،كما سبق في الآية الثّالثة مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، حيث جمعت بين الضّلال و الشّقاق،كما جمعت الآية الثّانية بين الظّلم و الشّقاق وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.
1- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:82،83
2- بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ سبأ:8
يلاحظ أوّلا:أنّهما جميعا مكّيّتان،فتشيران إلى
ص: 157
ذلك الضّلال المبين الرّاسخ و الشّائع في مكّة.
ثانيا:أنّ(1)صريحة في كون العذاب فيها هو عذاب من كذّب لفظا في الدّنيا،لأنّها جاءت في شأن قوم لوط كما تشهد به الآيات السّابقة لها.أمّا(2)فجاءت في عذاب الآخرة لمشركي مكّة،فقبلها وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ... سبأ:7،8.
ثالثا:أنّ(1)ربطت العذاب بالظّلم وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، و(2)ربطت العذاب بالضّلال فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ.
رابعا:سبب العذاب في(1)أمر واحد،و هو إنكار لوط،و في(2)إنكار محمّد مع عدم الإيمان بالآخرة،و من أجل ذلك جمعت بين العذاب و الضّلال،و هما أمران.
خامسا:لا ريب أنّ العذاب في(2)هو عذاب الآخرة كما سبق،فهل الضّلال أيضا ضلال الآخرة كما يقتضيه السّياق،أو الدّنيا،أو هما معا؟و الجمع مهما أمكن أولى،فضلال الآخرة تبع لضلال الدّنيا.
سادسا:أنّ(1)مرتبطة بالحياة الدّنيا،و العقوبة الّتي حلّت بقوم لوط كما سبق،و هو أمر واقع لا مرية فيه.
و أمّا(2)فهي-كما قلنا-ترتبط بالحياة الآخرة و ما فيها من العقاب،و قد أنكرها الكفّار و استبعدوها،مع أنّها واقعة أيضا،لا مجال للشّكّ فيها،لا من ناحية قدرة اللّه كما في كثير من الآيات،و لا من ناحية علمه تعالى بهويّة الأموات و رميمهم،كما في قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ق:5، و غيرها من الآيات.
واحدة:
أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ* قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ق:3،4
نزلت هذه الآية في كفّار مكّة أيضا؛حيث كذّبوا بالبعثين:بعث الرّسالة،و بعث الآخرة،فلاحظ ما قبلها.
و هو أكثر ما اشتقّ من هذه المادّة في القرآن،حتّى بلغ(199)آية،و لا موجب لذكرها،لاحظ المعجم المفهرس،إلاّ أنّها ليست على وتيرة واحدة،فعنصر الزّمان في بعضها أظهر من بعض،و إن لا يخلو شيء منها من الدّلالة عليه،و هناك فوارق أخرى،فهو على أقسام،و فيه بحوث:
الأوّل:ما هو صريح في عنصر الزّمان،و ذلك إذا أضيف إلى قوم أو شخص أو زمان،و يبلغ عددها حوالي (45)آية،و إليك أمثلة منه:
عمل:
1- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى البقرة:246
2- وَ لَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ البقرة:253
3- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
ص: 158
الأعراف:69
4- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ
الأعراف:74
5- أَ وَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها الأعراف:100
6- وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ
الإسراء:17
7- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى القصص:43
8- وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً الأحزاب:53
9- وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ الأنبياء:105
10- إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا التّوبة:28
11- وَ قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ
يوسف:45
12- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ
يوسف:48
13- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ
يوسف:49
14- وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ النّور:58
15- وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88
يلاحظ أوّلا:أنّ(بعد)في الآيات(1)و(6)و(8) أضيف إلى شخص و هو موسى و نوح و نبيّنا محمّد عليهم السّلام، و في الآيات(2)إلى(5)و(7)و أضيف إلى قوم أو جماعة،و في(9)إلى الذّكر و المراد به القرآن كما يأتي، و في(10)إلى(14)أضيف إلى الزّمان أو ذكر بعده زمان.
ثانيا:أنّ(بعد)في الآية(7)أضيف إلى إهلاك القرون الأولى و هو عمل،و في(14)إلى صلاة العشاء، إلاّ أنّهما صريحان في إرادة الزّمان،و تعيين الوقت بالصّلاة،شائع عند النّاس.
ثالثا:أنّه لو أريد بالذّكر في(9)القرآن فلفظ(بعد) فيها بمعزل عن الزّمن المتأخّر،لأنّ القرآن نزل بعد الزّبور،فكيف يكون الزّبور بعده؟و الجواب عنه بوجوه:
1-أريد بالذّكر التّوراة،و قد جاء ذلك في آيات:
1- اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي
طه:42
2- وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ* هُدىً وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ المؤمن:53،54
3- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الأنبياء:48
كما جاء عن نوح و هود قولهما:
أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ الأعراف:63 و 69
فإنّ الذّكر و إن أطلق على القرآن في آيات شتّى -حتّى صار اسما له كالقرآن و الفرقان-إلاّ أنّه من أجل أنّ القرآن يذكّر الإنسان باللّه و آياته و شريعته،و هذه الفائدة موجودة في التّوراة و غيرها من صحف الأنبياء،
ص: 159
و قد أطلق الفرقان أيضا في آية الأنبياء(3)على التّوراة.
2-أريد ب(بعد):قبل،قال ابن خالويه:«ليس في القرآن«بعد»بمعنى«قبل»إلاّ حرف واحد»و ذكر هذه الآية،و مثله ورد عن الميبديّ،لاحظ النّصوص.
و لا شاهد له في اللّغة و لا في القرآن،و إنّما اختاروه ليستقيم المعنى،مع أنّه غير متعيّن لدفع الاضطراب عن الآية.
3-ما سمعته عن الأستاذ محمّد تقي شريعتي،صاحب كتاب«تفسير نوين»،و كان يفسّر القرآن للطّبقة المثقّفة في مدينتنا«مشهد»،و كان يتمتّع بذوق سليم و خبرة في فهم القرآن.قال:«إنّ(بعد)هنا تفيد معنى«علاوة»،أي كتبنا في الزّبور علاوة عن القرآن».و هو معنى بديع،إلاّ أنّه يحتاج إلى شاهد له من اللّغة أو القرآن أيضا،و لم نقف عليه،لاحظ«ذ ك ر».
رابعا:ما ذكرناه من أنّ«بعد»إذا أضيف إلى شخص يدلّ على الزّمان لا ينطبق على قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ الجاثية:23،إذ اللّه لا يحدّد بزمان، فليس هذا من قبيل مِنْ بَعْدِ مُوسى، فكيف يوجّه ذلك؟
و الجواب بوجهين:
1-أنّه بمعنى«فمن يهديه من غير اللّه»،و هو ظاهر.
2-أنّه بمعنى«من بعد ما فعل به اللّه من الإضلال و الختم على سمعه و قلبه و جعل الغشاوة على بصره»، و هو ظاهر أيضا.
القسم الثّاني:ما ليس صريحا في الزّمان،إلاّ أنّه يلازمه،و هذا إذا أضيف«بعد»إلى فعل و عمل،مثل:
اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ
البقرة:27
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ
البقرة:75
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً البقرة:109
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181
و غيرها،و هو أكثرها ورودا في القرآن،لا سيّما في سورتي البقرة و آل عمران.
القسم الثّالث:تغلب على«بعد»الإضافة كما عرفت،فهو معرب منصوب،إلاّ إذا جاء مع«من» كقوله: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ البقرة:27،فهو مجرور،و سنتناوله بالبحث قريبا.
و قد يأتي مبنيّا على الضّمّ مثل:
1- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ البقرة:230
2- فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها محمّد:4
3- أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا... الحديد:10
4- وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا...
الأنفال:75
5- لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:4
ص: 160
6- لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ الأحزاب:52
7- فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ التّين:7
يلاحظ أوّلا:أنّ الوجه في بنائه عند عدم إضافته -حسب ما عنّ لنا بعد التّأمّل في ما قبل هذه الآيات- أنّها ذكرت أمرا أو أمورا،ثمّ أتي بكلمة(بعد)مبنيّة بحذف المضاف إليه،إشارة إلى أنّ المضاف إليه قد تقدّم فانتفى تكراره،و هذا نوع من الاختصار البليغ في الكلام:
فقبل الآية(1): اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... الآية
البقرة:229
و قبل(2): فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ... محمّد:4
و قبل(3): وَ ما لَكُمْ أَلاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ... لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
الحديد:10
و قبل(4): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ... الأنفال:72
و قبل(5): الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ
الرّوم:1-4
و قبل(6): يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي... الأحزاب:50
و قبل(7): لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
التّين:4
و الحاصل أنّ المضاف إليه في هذه الآيات محذوف، لذكره لفظا قبلها،أو للعلم به ممّا قبلها.
و لقائل أن يقول:إنّ ما ذكرته لهو موجود في الآيات الّتي ذكر فيها المضاف إليه أيضا.
و نقول:إنّ لردّ هذا الإشكال يحتاج إلى إمعان دقيق في تلك الآيات الكثيرة،و هذا ما ننيطه على الباحثين.
و قد جاء هذا البحث في«قبل»،فهناك آيات جاء فيها هذا اللّفظ مبنيّا،و هي كثيرة جدّا،فلاحظ.
ثانيا:قيل:وجه بناء(بعد)القطع عن الإضافة أو شبه القطع،نظير قول العرب:أبدأ بهذا أوّل،مبنيّا على الضّمّ،للقطع عن الإضافة أو شبهه،و التّقدير:أوّل العمل،أو أوّل من كذا.
القسم الرّابع:هناك آيات جاء فيها(بعد)و(قبل) معا:
1- قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا الأعراف:129
2- فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ
الرّوم:4
3- إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ الأعراف:174
4- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ المؤمن:5
5- لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا الحديد:10
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ النّور:58
ص: 161
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ النّور:58
و السّرّ فيها واضح،فإنّها بصدد التّعميم للحكم، مثل الآيات(1)إلى(4)،أو نفي التّعميم و التّسوية،مثل الآية(5)،و قد صرّح فيها بعدم المساواة(لا يستوى).
أو التّفصيل،لما أجمله قبلها،مثل الآية(6)،و جاء في صدرها(ثلث مرّات)،و في ذيلها(ثلث عورات)،مع أنّ المضاف إليه فيها مختلف: قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ و بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ.
القسم الخامس:جاء(بعد)في القرآن مع(من) حوالي(159)مرّة،و هو أكثرها،و جاء بدونها(40) مرّة،على سبيل المثال لا الحصر.
1- وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ البقرة:120
2- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164
3- فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ
البقرة:178
4- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181
5- قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها
البقرة:259
6- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا
آل عمران:8
7- فَمَنْ تَوَلّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ
آل عمران:82
8- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ
آل عمران:86
و هكذا غيرها،فما هو الوجه في وجود(من)في أكثر الآيات و فقدانها في قليل منها،و هو الّذي تقتضيه طبيعة الكلام،إذ الكلام بدونها مفهوم؟فالسّؤال في الحقيقة يرجع إلى سرّ مجيء(من)في كثير منها،بل أكثرها.
و الجواب من وجهين:
1-ما ورد كثيرا في مثلها أنّها زائدة،و ردّه الأستاذ عبده في بعض كلامه أنّه ليس في القرآن كلمة زائدة ليس لها معنى،و أنّ وجودها و عدمها سيّان.و هذا ما نقول به أيضا،و كان للشّريف الرّضيّ رضي اللّه عنه تفسير باسم«حقائق التّأويل»في عشر مجلّدات،لم يبق منها سوى مجلّد واحد مطبوع،و قد اهتمّ ببيان الفرق بين آيتين من القرآن جاءتا بلفظ واحد،زيد في إحداهما حرف و نحوه،فاستوفى الكلام فيه،فلاحظ.
2-إنّ«من»لابتداء الغاية،فتفيد التّعميم للحكم و استمراره من حين وقوع المضاف إليه،و فيه تأكيد بليغ،قال أبو حيّان (1)في قوله: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ البقرة:27-و هذا أوّل ما جاء(من بعد)في القرآن-:(من)متعلّقة بقوله:(ينقضون)،و هي لابتداء الغاية،و يدلّ على أنّ النّقض حصل عقيب توثّق العهد من دون فصل بينهما.و في ذلك دليل على عدم اكتراثهم بالعهد،فإثر ما استوثق اللّه منهم نقضوه.و قيل:
(من)زائدة،و هو بعيد.
و مصداق هذا القول كثير من الآيات الّتي أريد بها ردع المكذّبين و ذمّهم،مثل:).
ص: 162
1- ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ البقرة:64
2- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74
3- ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ البقرة:75
4- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً البقرة:109
5- حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ البقرة:109
6- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ البقرة:159
7- وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:211
8- وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ البقرة:213
9- وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ آل عمران:19
ففي هذه الآيات و أمثالها ذمّ شديد لهم،حيث تخلّفوا بمجرّد أن جاءتهم الآيات و البيّنات،و معلوم أنّ الكفر و الانحراف و الاختلاف بعد قيام الحجّة مباشرة تستدعي أشدّ الذّمّ،لأنّه يحكي عن عناده و لجاجه؛ حيث أنكر الحقّ إثر مجيئه فورا من دون أن يتأمّل فيه، و ليس مثله من أنكره بعد مدّة تسعه ليتأمّل فيه.و يجري هذا الوجه في أكثر الآيات،فلاحظ المعجم المفهرس.
و يلحق بهؤلاء من تاب و رجع إلى الطّاعة بعد عصيانه أو كفره مباشرة،فشمله فضل اللّه من بعده مباشرة،مثل:
1- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:89
2- اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ آل عمران:172
3- فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ المائدة:39
4- وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ الأنفال:75
5- ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ
التّوبة:27
6- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا النّحل:41
7- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا النّحل:110
8- ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ النّحل:119
9- أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:54
فالعصيان و الخلاف مباشرة في الطّائفة الأولى من الآيات،و الطّاعة و الوفاق في الثّانية،تستدعي أشدّ الإنذار و العقاب،أو تأكيد الوعد و الثّواب.
إن قلت:إنّ هناك آيات بمضمون واحد جاءت (من)في بعضها دون بعضها الآخر،مثل:
1- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164
ص: 163
1- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164
2- وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:24
3- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الجاثية:5
4- مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها العنكبوت:63
5- وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ الشّورى:28
قلت:أريد في الثّلاث الأولى إحياء الأرض بعد موتها بماء السّماء مطلقا بلا مباشرة،و أريد ب(4)التّأكيد في قدرة اللّه؛حيث أحيا الأرض بماء السّماء مباشرة، و هذا في(5)أوضح؛حيث ينزل اللّه رحمته من بعد ما قنطوا مباشرة،و كلاهما واقع.
و كذا ينبغي توجيه الآيات الّتي خلت من(من) كالمذكورات أوّلا،كما أنّ في بعضها جاءت(من)للتّعميم و الشّمول لما قبل الواقعة و بعدها مثل: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ كما سبق.
السّادس:جاء(بعد)في القرآن(199)مرّة، و(قبل)(254)مرّة،و منه يستظهر أنّ القرآن ركّز على الاعتبار بالسّابقين و بما سبق من صنع اللّه تكوينا و تشريعا و وعدا و وعيدا أكثر من المستقبل.على أنّ كثيرا من الآيات الّتي جاء فيها(بعد)يحتوي على(قبل)، فهما-أي قبل و بعد-يستلزم أحدهما الآخر،و هذا واضح.
السّابع:قد سبق في«أول» (1).عن أبي هلال العسكريّ الفرق بين«قبل»و«بعد»،و بين«الأوّل»و«الآخر»بأنّ الأوّل من جملة ما هو أوّله،و الآخر من جملة ما هو آخره، بخلاف«قبل»و«بعد»،فإنّهما خارجان من جملة ما أضيفا إليه.و بأنّ«قبل»و«بعد»لا يقتضيان زمانا،و لو اقتضيا زمانا لا يصحّ أن يستعملا في الأزمنة و الأوقات،بأن يقال:بعضها قبل بعض أو بعده،لأنّ ذلك يوجب أن يكون للزّمان زمان و قد سبق أن قلنا:إنّهما إذا أضيفا إلى شخص أو جماعة أو زمان،فتدلاّن على الزّمان صراحة،و إذا أضيفا إلى فعل فإيماء،و يدلّ على ذلك قوله:«فأصل«قبل»المقابلة،فكأنّ الحادث المتقدّم قد قابل الوقت الأوّل،و الحادث المتأخّر قد بعد عن الوقت الأوّل»،فقد ربطهما بالزّمان،لاحظ«أول»و«أ خ ر».).
ص: 164
لفظ واحد،مرّتان،في سورة مكّيّة
...وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ يوسف:65
وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:72
مجاهد :حمل حمار،و هي لغة.
(الطّبريّ 13:12)
مقاتل:إنّ البعير:كلّ ما يحمل عليه،بالعبرانيّة.
(الإتقان 2:131)
الخليل :البعر للإبل و لكلّ ذي ظلف،إلاّ للبقر الأهليّ،فإنّه يخثي.و الوحشيّ يبعر.
و يقال:بعر الأرانب و خراها.
و المبعار:الشّاة أو النّاقة تباعر إلى حالبها،و هو البعار على«فعال»بضمّ الفاء،لأنّه عيب.بل المبعار:
الكثيرة البعر.
و المبعر:حيث يكون البعر من الإبل و الشّاء،و هي المباعر.
و البعير:البازل.
و العرب تقول:هذا بعير ما لم يعرفوا،فإذا عرفوا قالوا للذّكر:جمل،و للأنثى:ناقة،كما يقولون:إنسان، فإذا عرفوا قالوا للذّكر:رجل،و للأنثى:امرأة.
(2:131)
الفرّاء: البعران،لغة في«البعران»،جمع بعير.
(الصّغانيّ 2:422)
الأصمعيّ: البعير:مثل الإنسان،و الجمل:مثل الرّجل،و النّاقة:مثل المرأة.و البعير:للجمل و النّاقة،كما تقول للمرأة و للرّجل:إنسان.(الكنز اللّغويّ:106)
سمعت أعرابيّا يقول:صرعتني بعير لي،فقلت:
ما هي؟فقال:ناقة.(ابن دريد 1:263)
ابن السّكّيت: البعر و البعر.[بمعنى واحد]
(إصلاح المنطق:97)
ابن دريد :البعر و البعر لغتان معروفتان للظّلف و الخفّ،و ربّما قيل للبعير:ثلط،و للبقر أيضا،و يجمع بعر:أبعارا.
ص: 165
و مبعر الشّاة و غيرها:ما اجتمع فيه البعر من أمعائها.
و البعير:اسم يجمع الذّكر و الأنثى.
و جمع البعير في أدنى العدد أبعرة،و أباعر في الكثير.
[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:بعران أيضا[ثمّ استشهد بشعر]
و بنو بعران:حيّ من العرب،و البعار:لقب رجل معروف،و البيعر:موضع،و البعّار:موضع،زعموا.
(1:263)
بعران و بعران:جمع بعير.(3:452)
و يجمع[فعيل]على فعلان و فعلان،مثل قضيب و قضبان و قضبان،و بعير و بعران و بعران و أبعرة.
(3:509)
النّحّاس: قال بعضهم:يسمّى الحمار بعيرا،يعني أنّها لغة.فأمّا أهل اللّغة فلا يعرفون أنّه يقال للحمار:
بعير.و اللّه أعلم بما أراد.(3:441)
الجوهريّ: البعير من الإبل بمنزلة الإنسان من النّاس،يقال للجمل:بعير و للنّاقة بعير.
و حكي عن بعض العرب:صرعتني بعيري،أي ناقتي،و شربت من لبن بعيري.و إنّما يقال له:بعير،إذا أجذع.و الجمع:أبعرة،و أباعر،و بعران.
و البعرة:واحدة البعر و الأبعار.
و قد بعر البعير و الشّاة يبعر بعرا.(2:593)
نحوه الرّازيّ.(71)
ابن فارس: الباء و العين و الرّاء أصلان:الجمال، و البعر،يقال:بعير و أبعرة و أباعر و بعران.[ثمّ استشهد بشعر]
و البعر معروف.(1:269)
الثّعالبيّ: الجمل بمنزلة الرّجل،و النّاقة بمنزلة المرأة،و البعير بمنزلة الإنسان.(47)
البعر:الرّوث اليابس.(65)
فصل في تقسيم القاذورات:خرء الإنسان،بعر البعير،ثلط الفيل،روث الدّابّة،خثي البقرة.(133)
ابن سيدة :البعر و البعر:رجيع الخفّ و الظّلف،إلاّ البقر الأهليّة فإنّها تخثي،واحدته:بعرة،و الجمع:أبعار، و قد بعر يبعر بعرا (1).
و المبعر و المبعر:مكان البعر من كلّ ذي أربع.
و باعرت النّاقة و الشّاة إلى حالبها:أسرعت؛ و الاسم:البعار (2).
و البعير:الجمل البازل،و قيل:الجذع،و قد يكون للأنثى.
و الجمع:أبعرة و أباعر و أباعير و بعران و بعران.[ثمّ استشهد بشعر]
و بعر الجمل بعرا:صار بعيرا.
و البعرة:الكمرة.(2:134)
و أبعرت المعى و بعّرته:نثلت ما فيه من البعر.
(الإفصاح 2:803)
الطّوسيّ: البعير:الجمل،و جمعه:بعران و أبعرة.
(6:171)
الرّاغب: البعير معروف،و يقع على الذّكر و الأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما،و جمعه:أبعرة و أباعرء.
ص: 166
و بعران.
و البعر:لما يسقط منه،و المبعر:موضع البعر، و المبعار من البعير:الكثير البعر.(53)
الزّمخشريّ: فلان لا يفتّ بعره،و لا يبتّ شعره.
و هو أهون عليّ من بعرة يرمى بها كلب،و أصله من فعل المعتدّة بعد وفاة زوجها.
و يقال منه:بعرت المعتدّة فهي باعرة،إذا أنقضت عدّتها،أي رمت بالبعرة.يقال:بعرته،إذا رميته بها.
و صرعتني بعير لي،و حلبت بعيري:تريد النّاقة.
[ثمّ استشهد بشعر]
و يقولون:كلا هذين البعيرين ناقة.و تقول:إنّ هذا الدّاعر ما زال ينحر الأباعر،و ينثل المباعر.
(أساس البلاغة:26)
ابن برّيّ: أباعر:جمع أبعرة،و أبعرة:جمع بعير، و أباعر:جمع الجمع،و ليس جمعا لبعير.[ثمّ استشهد بشعر]
و في البعير سؤال جرى في مجلس سيف الدّولة بن حمدان،و كان السّائل ابن خالويه و المسئول المتنبّيّ،قال ابن خالويه:و البعير أيضا:الحمار،و هو حرف نادر ألقيته على المتنبّيّ بين يدي سيف الدّولة،و كانت فيه خنزوانة (1)و عنجهيّة،فاضطرب،فقلت:المراد بالبعير في قوله تعالى: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:72، الحمار،فكسرت من عزّته،و هو أنّ البعير في القرآن الحمار.و ذلك أنّ يعقوب و إخوة يوسف عليهم الصّلاة و السّلام،كانوا بأرض كنعان و ليس هناك إبل،و إنّما كانوا يمتارون على الحمير.(ابن منظور 4:71)
ابن الأثير: في حديث جابر:«استغفر لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة البعير خمسا و عشرين مرّة»هي اللّيلة الّتي اشترى فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جابر جمله،و هو في السّفر.و حديث الجمل مشهور.(1:140)
الصّغانيّ: المبعار:الشّاة أو النّاقة،تباعر حالبها، و هو البعار بالكسر،و يعدّ عيبا،لأنّها ربّما ألقت بعرها في المحلب.
و مباعر الشّاة،و الإبل:حيث تلقي البعر منه؛ واحدها:مبعر.
و البعار بالضّمّ،في لغة أهل اليمن:النّبق الكبار.
و بنو تميم يقولون:بعير بكسر الباء،للبعير.
و بعّرته و أبعرته:نثلت ما فيه من البعر.(2:422)
ابن منظور :بنو تميم يقولون:بعير بكسر الباء، و شعير،و سائر العرب يقولون:بعير،و هو أفصح اللّغتين.
و في زبور داود:إنّ البعير:كلّ ما يحمل،و يقال لكلّ ما يحمل بالعبرانيّة:بعير.
البعر:الفقر التّامّ الدّائم.
و البعيرة:تصغير البعرة،و هي الغضبة في اللّه جلّ ذكره.
و من أمثالهم:«أنت كصاحب البعرة»و كان من حديثه:أنّ رجلا كانت له ظنّة في قومه،فجمعهم يستبرئهم و أخذ بعرة،فقال:إنّي رام ببعرتي هذه صاحب ظنّتي،فجفل لها أحدهم،و قال:لا ترمني بها، فأقرّ على نفسه.(4:71)ر.
ص: 167
أبو حيّان: البعير في الأشهر:الجمل مقابل النّاقة، و قد يطلق على النّاقة،كما يطلق على الجمل،فيقول على هذا:نعم البعير الجمل؛لعمومه.و يمتنع على الأشهر لترادفه،و في لغة تكسر باؤه.و يجمع في القلّة على أبعرة،و في الكثرة على بعران.(5:314)
الفيّوميّ: البعير:مثل الإنسان يقع على الذّكر و الأنثى،يقال:حلبت بعيري.و الجمل:بمنزلة الرّجل يختصّ بالذّكر،و النّاقة:بمنزلة المرأة تختصّ بالأنثى.
و البكر و البكرة:مثل الفتى و الفتاة.و القلوص:كالجارية.
هكذا حكاه جماعة،منهم ابن السّكّيت و الأزهريّ و ابن جنّيّ،ثمّ قال الأزهريّ:هذا كلام العرب،و لكن لا يعرفه إلاّ خواصّ أهل العلم باللّغة.
و وقع في كلام الشّافعيّ رضي اللّه عنه في الوصيّة:
«لو قال:أعطوه بعيرا،لم يكن لهم أن يعطوه ناقة».
فحمل البعير على الجمل،و وجهه أنّ الوصيّة مبنيّة على عرف النّاس لا على محتملات اللّغة الّتي لا يعرفها إلاّ الخواصّ.و حكى في«كفاية المتحفّظ»معنى ما تقدّم،ثمّ قال:و إنّما يقال:جمل أو ناقة،إذا أربعا.فأمّا قبل ذلك فيقال:قعود و بكر و بكرة و قلوص.
و جمع البعير:أبعرة و أباعر و بعران بالضّمّ.
و البعر معروف،و السّكون لغة،و هو من كلّ ذي ظلف و خفّ،و الجمع:أبعار،مثل سبب و أسباب.
و بعر ذلك الحيوان بعرا،من باب نفع:ألقى بعره.
(1:53)
الفيروزآباديّ: البعر،و يحرّك:رجيع الخفّ و الظّلف،واحدته بهاء،الجمع:أبعار،و الفعل كمنع.
و المبعر كمقعد و منبر:مكانه،من كلّ ذي أربع.
و البعير،و قد تكسر الباء:الجمل البازل أو الجذع، و قد يكون للأنثى و الحمار،و كلّ ما يحمل،و هاتان عن ابن خالويه،الجمع:أبعرة و أباعر و أباعير و بعران و بعران.
و بعر الجمل كفرح:صار بعيرا.
و البعر:الفقر التّامّ.
و البعرة:الغضبة في اللّه،و بالتّحريك:الكمرة.
و المبعار:الشّاة تباعر حالبها،و ككتاب:الاسم، و كغراب:النّبق.
و أبعر المعى و بعّره تبعيرا:نثل ما فيه من البعر.
(1:388)
الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان ثمّ قال:]
و عن مجاهد تفسيره هنا (1)بالحمار.و ذكر أنّ بعض العرب يقول للحمار:بعير،و هو شاذّ.(13:12)
مجمع اللّغة: البعير يطلق على الذّكر و الأنثى من الجمال إذا أجذع،كما يطلق البعير أيضا على الحمار، و على كلّ دابّة من دوابّ الحمل.(1:111)
محمّد إسماعيل إبراهيم: البعير:كلّ ما صلح للرّكوب و الحمل من الإبل،و ذلك إذا استكمل أربع سنوات،و يطلق على الذّكر و الأنثى.(1:74)
العدنانيّ: هذا بعير أو بعير،هذه بعير أو بعير.
و يخطّئون من يقول:هذه البعير أو البعير قويّة، و يقولون:إنّ الصّواب هو:هذه النّاقة قويّة،لأنّ البعير بفتح الباء هو الذّكر.5.
ص: 168
و لكن تطلق كلمة البعير على الذّكر و الأنثى،أي الجمل و النّاقة:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و ابن خالويه،و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس الّذي استشهد بقول الشّاعر:
لا تشتري لبن البعير،و عندنا
عرق الزّجاجة و اكف التّهتان
و ابن مكّيّ الصّقلّيّ في«تثقيف اللّسان»،و النّهاية، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.
و تطلق كلمة البعير أيضا على الحمار و كلّ ما يحمل.
و كلمة البعير الواردة في: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:72،قصد بها الحمار.
و بنو تميم يكسرون الباء،و يقولون:بعير.
و هذا بعير،أعلى من:هذه بعير.و هذه ناقة أعلى جدّا من:هذه بعير.
و يجمع البعير على:أبعرة،و بعران،و بعران،و بعر.
و تجمع الأبعرة على:أباعر،و أباعير:جمع الجمع.(66)
المصطفويّ: لا يبعد أن يكون البعير في أصل اللّغة موضوعا لكلّ ما يحمل،من الحمار و الجمل و الفرس،ثمّ غلب استعماله في الجمل.
فلا ينافي في القول بأنّ المراد من كَيْلَ بَعِيرٍ هو ما يحمله الحمار،لتداوله بينهم.(1:283)
1-الأصل في هذه المادّة:البعير،الحيوان المعروف، و منه تفرّعت سائر الفروع.و هو يذكّر و يؤنّث، و التّذكير أعرف.
و قيل:يطلق البعير على الجمل الجذع،أي ما استكمل أربعة أعوام و دخل في السّنة الخامسة،أو البازل،أي ما طلع نابه،و ذلك في السّنة الثّامنة أو التّاسعة،يقال:بعر الجمل بعرا،أي صار بعيرا.
و جمعه:أبعرة و بعران و بعران،و تجمع الأبعرة على:
أباعر،و أباعير.
و منه:البعرة،لما يخرج من البعير،كما أطلق على الدّويبّة الّتي تخرج من الأرض أرضة،و الشّجرة الّتي تخرج ثمرا كثيرا الثّميرة،و الصّغيرة من الحيّات حييّة.
و البعرة كناية عن الرّوث،كما كنّوا عن خرء الإنسان بالغائط و العذرة و الحدث و الرّجيع و ذي البطن و النّجو و البراز و البدا،لمناسبة ما،انظر«ب د و» و«ب ر ز».
يقال:بعر البعير يبعر بعرا،و جمع البعرة:بعر و أبعار.
و المبعر و المبعر:مكان البعرة من كلّ ذي أربع،و الجمع مباعر.
و منه أيضا قولهم:باعرت النّاقة و الشّاة حالبها مباعرة و بعارا،أي ألقت عليه بعرها،و هي ناقة أو شاة مبعار.
و البعر:الفقر التّامّ الدّائم،أطلق عليه ذلك تشبيها ببعرة البعير،لخوائه من كلّ نفع و فائدة.
و البعرة:الكمرة،سمّيت بذلك إمّا تشبيها بالبعرة، و إمّا قلبا عن أصلها«العبر»،أي القلف،جمع عبور،أي الأقلف،و هو من عظمت قلفته،و القلفة:الجلدة الّتي يقطعها الخاتن من ذكر الصّبيّ.
و البعيرة:تصغير البعرة،و هي-كما قيل-الغضبة في
ص: 169
اللّه،و لعلّه من قولهم:بعرت المعتدّة،إذا انقضت عدّتها، فرمت بالبعرة و كانت عادة في الجاهليّة،ثمّ استعمل في المعنى المذكور.
2-ورد«البعير»في اللّغة العبريّة بلفظ«بعير» بكسر الباء،كما في لغة تميم،و يعني به كلّ دابّة تستعمل في الزّراعة و الحمل،و في اللّغة السّريانيّة بلفظ«بعيرا»، و يعني به الماشية،و ما يرعى من البهائم.
ورد من هذه المادّة لفظ«البعير»في سورة مكّيّة مرّتين:
1- قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ. يوسف:65
2- قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ* قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ.
يوسف:71،72
يلاحظ أوّلا:أنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى أنّ «البعير»في الآيتين:الجمل،و ذهب بعض إلى أنّه الحمار، فقال مجاهد:«و هي لغة»،و قال ابن خالويه:«و ذلك أنّ يعقوب و إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان،فليس هناك إبل،و إنّما كانوا يمتارون على الحمير».
و لكن يردّ قول مجاهد ما قاله النّحّاس:«فأمّا أهل اللّغة فلا يعرفون أنّه يقال للحمار:بعير»،و هو كما قال.
و يرد ابن خالويه ما ورد في سفر التّكوين(32:13-15):
«و أخذ ممّا أتى بيده هديّة لعيسو أخيه:مائتي عنز و عشرين تيسا،مائتي نعجة و عشرين كبشا،ثلاثين ناقة مرضعة و أولادها،أربعين بقرة و عشرة ثيران، عشرين أتانا و عشرة حمير».
و لا شكّ أنّه يراد بلفظ«النّاقة»هنا الأنثى من البعران،فكان يوجد هذا الحيوان هناك أيضا،إلاّ أن يقال:وجوده في تلك البلاد ليس كثيرا كما في الجزيرة العربيّة،لأنّ جلّ أرض الشّام و فلسطين تتكوّن من الجبال و الهضاب و الوديان و السّهول،و تكاد تنعدم فيهما الصّحاري،و البعير حيوان صحراويّ.
ثانيا:لا يبعد أن يكون البعير هنا ما يحمل عليه من الحيوان،كما جاء بالعبريّة،و به قال مقاتل؛إذ لفظ «البعير»جرى على لسان أولاد يعقوب العبريّين و مخاطبيهم-و هم الأقباط-في قصّة يوسف،و هو بلفظ واحد تقريبا في كلا اللّغتين:العربيّة و العبريّة كما تقدّم، و لو قرئ بكسر الباء لكان ما احتملناه يقينا.
و لكن ليس هناك ما يقرّب يقينا أو يبعّد شكّا في ذلك،فأغلب نصوص التّاريخ لا تفصح عن هذا الأمر، و منها ما ورد في سفر التّكوين(45:17)،فقد أبهم فيها ذلك بلفظ«الدّوابّ»على لسان فرعون مخاطبا يوسف قائلا:«قل لإخوتك افعلوا هذا،حمّلوا دوابّكم و انطلقوا اذهبوا إلى أرض كنعان»،فهل كانت دوابّهم أحمرة أو أبعرة؟فاللّه أعلم.
ثالثا:ذكر في(1):(كيل بعير)و في(2):(حمل بعير) و هما شيء واحد،إلاّ أنّ«الكيل»باعتبار الوزن قبل الحمل،و«الحمل»باعتبار حمله بعد الوزن.و يبدو أنّه كان آنذاك كالوسق و الصّاع و المنّ و القفيز و الجريب
ص: 170
و غيرها،من موازين هذا العصر و العصور السّابقة.
رابعا:قوله: وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، و كذلك وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، كلاهما يحكي ضنك العيش و شظفه،و الفقر المدقع و تعاسة الحياة،و لهذا جاء في(1): ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ اعترافا بأنّه شيء سهل، ليس يثقل على الملك،مع ما له من كثرة المال،وسعة الملك،و عزّ الجاه و الاقتدار.
و لعلّه من أجل هذا قال: ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ بلفظ (ذلك)الدّالّ على بعد المشار إليه بدل«هذا كيل يسير»، إشارة إلى(كيل بعير)القريب منه،و السّياق يقتضيه.
فكأنّ الإشارة بلفظ(ذلك)إلى خفّة الكيل و قلّته،كأنّه بعيد عن اعتباره مالا،و أنّه ليس شيئا مذكورا.و ما أشدّ مناسبة هذا و ملاءمته مع ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، حيث جاء فيه«ذلك كيل»،بتنكير«كيل»و تكراره تأكيدا في حقارته،و مع(يسير)الدّالّ على قلّته و أنّه سهل المنال، و لا سيّما للملك.و قوله: وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ، يعبّر عن قناعتهم بأدنى العيش؛حيث يعدّون كَيْلَ بَعِيرٍ زيادة لهم.
و هذا ما يحكيه بوضوح قوله في(2): وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ؛ حيث جعل مال الجعالة حِمْلُ بَعِيرٍ. فإنّه مع إفادته القلّة عند من ضمنه،يحكي كثرته و وفرته عند هؤلاء المساكين الّذين تحمّلوا و عثاء السّفر طلبا له و ظفرا به،فجاء حِمْلُ بَعِيرٍ متلائما مع ما جاءوا من أجله،و هو كَيْلَ بَعِيرٍ دون غيره،كالذّهب و الفضّة و الدّراهم و الدّنانير و غيرها من الأموال الخارجة عن مطلوبهم.
و هذا يحكي أيضا اهتمامهم و اقتناعهم به،و أنّه كلّ ما يتوقّعون ضمانته بقوله: وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ، كأنّه شيء عظيم يجب ضمانه استيثاقا منه و وفاء بوعده.و لعلّ مجيء حِمْلُ بَعِيرٍ في(2)بدل كَيْلَ بَعِيرٍ في(1)دلالة على كبر«الحمل»،لأنّه شيء مشهود على ظهر البعير، يبدو للنّاظر.بخلاف كَيْلَ بَعِيرٍ فإنّه معدود و مقدّر في الحساب،و ليس كتلة تبدو للنّظّارة.
فظهر الفرق بين الآيتين،فالأولى تؤكّد القلّة و الثّانية تؤكّد الكثرة كما يقتضيه الحال،و هذا ضرب من ضروب البلاغة،بل هو جوهر البلاغة.
خامسا:اختصّ البعير بسورة يوسف،و كان له دور في حياة يوسف و قصّته،و هي أحسن القصص في القرآن،إيماء إلى جشوبة عيش أهله،و إخوته،و بيان موقعهم الاجتماعيّ،و إظهارهم بمظهر العجز،و أنّهم كانوا أفراد عائلة من العائلات الضّعيفة،و التّركيز على علوّ شأن يوسف و مكنته وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يوسف:56،ليقيس النّاس حاله بأحوال إخوته الّذين غدروا به،و ليعلم من له بصيرة عاقبة المكر و الخيانة و العصيان و مآل التّقوى و العفّة و الاعتصام باللّه،و تبعة حسدهم و كفرانهم أيضا، و ثمرة صبر يوسف و شكره.
و ينبغي أن يوزن و يقدّر هذا في الميزان عند تفسير لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ يوسف:7، فأيّ آية أهدى و أعظم من البون الشّاسع بين عاقبة يوسف و مصير إخوته.
و لقد لاحظ هذا يوسف عليه السّلام في قوله: رَبِّ قَدْ
ص: 171
آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:101،و حدّث به أيضا شكرا للّه عند رؤية أبيه و إخوته و هو على العرش وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ... يوسف:100،فجملة وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ، تصوّر لنا حالتهم الاجتماعيّة، أي أنّهم كانوا بدوا يسكنون البادية و الصّحراء، و يقتنون الإبل و البعران.و جملة وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ، تصوّر لنا حالة يوسف عليه السّلام؛حيث كان يتّكئ على منصّة الملك،و يجلس على العرش،فرفع أبويه على العرش.
سادسا:قد ساقنا الحديث عن البعير إلى عرش الملك،و الخوض في البون الشّاسع بينهما،الأمر الّذي ما كنّا نفكّر في علاقة أحدهما بالآخر،و أنّهما معا عبرة للمعتبرين في ظلّ القرآن الكريم.
ص: 172
8 ألفاظ،158 مرّة:72 مكّيّة،86 مدنيّة
في 38 سورة:25 مكّيّة،13 مدنيّة
بعض 85:40-45 بعضهم 33:16-17
بعضا 9:5-4 بعضكم 20:9-11
بعضه 3:-3 بعضنا 3:2-1
بعضها 4:-4 بعوضة 1:-1
الخليل :بعض كلّ شيء:طائفة منه.و بعّضته تبعيضا،إذا فرّقته أجزاء.
و بعض مذكّر في الوجوه كلّها،كقولك:هذه الدّار متّصل بعضها ببعض.
و بعض العرب يصل ب«بعض»كما يصل ب«ما»، كقول اللّه عزّ و جلّ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ آل عمران:
159،و كذلك ببعض في هذه الآية وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ المؤمن:28.
و البعوض:جمع البعوضة،و هي المؤذية العاضّة في الصّيف.(1:283)
يقال:رأيت غربانا تبتعض،أي يتناول بعضها بعضا.(الرّاغب:54)
الكسائيّ: قوم مبعوضون،و قد بعض القوم،إذا آذاهم البعوض،و أبعضوا،إذا كان في أرضهم بعوض.
و أرض مبعضة.و رمل البعوضة:معروفة بالبادية.
(الأزهريّ 1:490)
أبو عبيدة :بعض الشّيء:كلّه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 1:302)
أبو حاتم: قلت للأصمعيّ:رأيت في كتاب ابن المقفّع:«العلم كثير،و لكن أخذ البعض خير من ترك الكلّ»فأنكره أشدّ الإنكار،و قال:الألف و اللاّم لا تدخلان في«بعض و كلّ»لأنّهما معرفة بغير ألف و لام، و في القرآن وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ النّمل:87.
ص: 173
و لا تقول العرب:الكلّ و لا البعض،و قد استعمله النّاس حتّى سيبويه و الأخفش في كتابيهما،لقلّة علمهما بهذا النّحو،فاجتنب ذلك،فإنّه ليس من كلام العرب.
(الأزهريّ 1:490)
ابن أبي اليمان :البعوض:ضرب من البقّ.
(503)
ثعلب :أجمع أهل النّحو على أنّ«البعض»شيء من أشياء،أو شيء من شيء،إلاّ هشاما،فإنّه زعم أنّ قول لبيد:
*أو يعتلق بعض النّفوس حمامها*
فادّعى و أخطأ أنّ«البعض»هاهنا جمع.و لم يكن هذا من عمله،و إنّما أراد لبيد ببعض النّفوس:نفسه.
(الأزهريّ 1:490)
ابن دريد :بعض الشّيء:معروف،و قد قالوا:
تبعّض الشّيء و بعّضته،أي فرّقته.و لا أحسبها عالية.
(1:302)
الهمذانيّ: بعض الشّيء،بمعنى كلّه،و كلّه:جميع أجزاء الشّيء.و منه ما قيل: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ الزّخرف:63،و قيل: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،أي من بعضه.(214)
ابن خالويه :قد يكون«كلّ»بمعنى بعض، و«بعض»بمعنى كلّ.(الهمذانيّ:214)
الصّاحب: ليلة بعضة و مبعوضة:كثيرة البعوض.
و يقولون:«كلّفتني مخّ البعوض»لما لا يكون.
و حكي عن بعضهم:رأيت غربانا يتبعضضن،كأنّه يتناول بعضها بعضا.
و البعضوضة:دويبّة مثل الخنفساء،تقرض الوطاب.(1:319)
الجوهريّ: بعض الشّيء:واحد أبعاضه.و قد بعضته تبعيضا،أي جزّأته،فتبعّض.
و البعوض:البقّ،الواحدة:بعوضة.(3:1066)
ابن فارس: الباء و العين و الضّاد أصل واحد،و هو تجزئة الشّيء،و كلّ طائفة منه بعض.[ثمّ نقل كلام الخليل و أضاف:]
و ممّا شذّ عن هذا الأصل«البعوضة»و هي معروفة، و الجمع:بعوض.[ثمّ استشهد بشعر]
و هذه ليلة بعضة،أي كثيرة البعوض،و مبعوضة أيضا،كقولهم:مكان سبع و مسبوع،و ذئب و مذءوب.
و في المثل:«كلّفتني مخّ البعوض»لما لا يكون.[ثمّ استشهد بشعر]
و أصحاب البعوضة:قوم قتلهم خالد بن الوليد في الرّدّة.[ثمّ استشهد بشعر](1:269)
أبو هلال: الفرق بين البعض و الجزء:أنّ البعض ينقسم،و الجزء لا ينقسم.و الجزء يقتضي جمعا، و البعض يقتضي كلاّ.
و قال بعضهم:يدخل«الكلّ»على أعمّ العامّ، و لا يدخل«البعض»على أخصّ الخاصّ.و العموم ما يعبّر به الكلّ،و الخصوص ما يعبّر عنه البعض أو الجزء.
و قد يجيء«الكلّ»للخصوص بقرينة تقوم مقام الاستثناء،كقولك:لزيد في كلّ شيء يد.و يجيء «البعض»بمعنى الكلّ،كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2.
ص: 174
و قد يجيء«الكلّ»للخصوص بقرينة تقوم مقام الاستثناء،كقولك:لزيد في كلّ شيء يد.و يجيء «البعض»بمعنى الكلّ،كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2.
و حدّ«البعض»ما يشمله و غيره اسم واحد، و يكون في المتّفق و المختلف،كقولك:الرّجل بعض النّاس،و قولك:السّواد بعض الألوان.
و لا يقال:اللّه تعالى بعض الأشياء،و إن كان شيئا واحدا يجب إفراده بالذّكر لما يلزم من تعظيمه،و في القرآن وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62، و لم يقل:يرضوهما.
و قيل:حدّ«البعض»التّناقص عن الجملة.
و قال البلخيّ رحمه اللّه: البعض أقلّ من النّصف، و حدّ«الجزء»الواحد من ذا الجنس،و لهذا لا يسمّى القديم جزء كما يسمّى واحدا.(116)
ابن سيدة: بعض الشّيء:طائفة منه،و الجمع:
أبعاض،حكاه ابن جنّيّ.فلا أدري:أ هو تسمّح،أم هو شيء رواه.
و استعمل الزّجّاجيّ«بعضا»بالألف و اللاّم،فقال:
و إنّما قلنا:البعض و الكلّ مجازا،و على استعمال الجماعة له مسامحة،و هو في الحقيقة غير جائز،يعني أنّ هذا الاسم لا ينفصل من الإضافة.
و بعّض الشّيء فتبعّض:فرّقه فتفرّق.
و قيل:بعض الشّيء:كلّه.
قال لبيد:
*أو يعتلق بعض النّفوس حمامها*
و ليس هذا عندي على ما ذهب إليه أهل اللّغة،من أنّ البعض في معنى الكلّ،هذا نقض،و لا دليل في هذا البيت،لأنّه إنّما عنى ببعض النّفوس نفسه.
و قوله تعالى: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ يوسف:
10،بالتّأنيث في قراءة من قرأ به،فإنّه أنّث،لأنّ بعض السّيّارة سيّارة،كقولهم:ذهبت بعض أصابعه،لأنّ بعض الأصابع يكون إصبعا و إصبعين،و أصابع.
و قوله تعالى: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ المؤمن:28،إن قال قائل:كيف قال: بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره، و لم يقع بعضه؟و حقّ اللّفظ«كلّ الّذي يعدكم»؟
فالجواب:أنّ هذا باب من النّظر،يذهب فيه المناظر إلى إلزام حجّته بأيسر الأمر.و ليس في هذا نفي«الكلّ» و إنّما ذكر«البعض»ليوجب له«الكلّ»لأنّ البعض هو الكلّ.[ثمّ استشهد بشعر]و كأنّ مؤمن آل فرعون قال لهم:أقلّ ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الّذي يعدكم،و في ذلك هلاككم.
و البعوض:ضرب من الذّباب،الواحدة:بعوضة.
و بعضه البعوض يبعضه بعضا:عضّه،و لا يقال في غير البعوض.[ثمّ استشهد بشعر](1:256)
البعوض:البقّ،واحدته:بعوضة.و بعضوا:آذاهم البعوض،و أبعضوا:صار في أرضهم البعوض.
و أرض بعضة:كثيرته،و ليلة بعضة و مبعوضة، بعّضه البعوض يبعّضه بعضا:خمشه و عضّه.
(الإفصاح 2:858)
الرّاغب: بعض الشّيء:جزء منه،و يقال ذلك بمراعاة كلّ،و لذلك يقابل به«كلّ»فيقال:بعضه و كلّه، و جمعه:أبعاض.قال عزّ و جلّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ البقرة:36، وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً
ص: 175
الأنعام:129، وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً العنكبوت:25.
و قد بعّضت كذا:جعلته أبعاضا،نحو جزّأته.
قال أبو عبيدة: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ الزّخرف:63،أي كلّ الّذي.[ثمّ استشهد بشعر]
و في قوله هذا قصور نظر منه؛و ذلك أنّ الأشياء على أربعة أضرب:
ضرب في بيانه مفسدة،فلا يجوز لصاحب الشّريعة أن يبيّنه،كوقت القيامة و وقت الموت.
و ضرب معقول يمكن للنّاس إدراكه من غير نبيّ، كمعرفة اللّه،و معرفته في خلق السّماوات و الأرض، فلا يلزم صاحب الشّرع أن يبيّنه؛أ لا ترى أنّه كيف أحال معرفته على العقول،في نحو قوله: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يونس:101،و بقوله: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا الأعراف:184،و غير ذلك من الآيات.
و ضرب يجب عليه بيانه،كأصول الشّرعيّات المختصّة بشرعه.
و ضرب يمكن الوقوف عليه بما بيّنه صاحب الشّرع كفروع الأحكام.
و إذا اختلف النّاس في أمر غير الّذي يختصّ بالنّبيّ بيانه فهو مخيّر بين أن يبيّن و بين أن لا يبيّن،حسب ما يقتضي اجتهاده و حكمته،فإذا قوله تعالى: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، لم يرد به كلّ ذلك، و هذا ظاهر لمن ألقى العصبيّة عن نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]
و البعوض بني لفظه من«بعض»و ذلك لصغر جسمها،بالإضافة إلى سائر الحيوانات.(54)
الزّمخشريّ: بعض الشّرّ أهون من بعض.
و يقال للرّجل من القوم:من فعل كذا؟فيقول:
أحدنا أو بعضنا،يريد نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]
و هذه جارية حسّانة يشبه بعضها بعضا.
و أخذوا ماله فبعّضوه تبعيضا،إذا فرّقوه.و بعض الشّاة و بعّضها.
و أبغض القوم فهم مبعضون:كثر في أرضهم البعوض،و قوم مبعوضون و قد بعضوا،إذا أكلهم البعوض.و ليلة مبعوضة و بعضة.
و سمع بعض هذيل يقول:باتت علينا ليلة بعضة كادت تأكلنا.
و من المجاز:«كلّفتني مخّ البعوض»أي الأمر الشّديد.
(أساس البلاغة:26)
ابن الشّجريّ: أنّه تعالى جدّه قطع بعضا عمّا يقتضيه من الإضافة في قوله: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً الحجرات:12،و كذلك قوله: كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:285،و الأصل:لا يغتب بعضكم بعضكم،و كلّهم آمن باللّه.
و لتقدير الإضافة فيهما امتنع بعض النّحويّين من إدخال الألف و اللاّم عليهما.
و يجوز في قياس قول سيبويه و في رأي أبي عليّ لحاق الألف و اللاّم لهما،و ذلك أنّ سيبويه أجاز في قول الشّاعر:
ترى خلقها نصفا قناة قويمة
و نصفا نقا يرتجّ أو يتمرمر
أن تنصب نصفا على الحال،يعني أنّه كان
ص: 176
أصله:ترى خلقها قناة قويمة نصفا و نقا يرتجّ نصفا،فلمّا قدّم وصف النّكرة عليها صار انتصابه على الحال،و لمّا أجاز انتصاب«نصف»على الحال دلّ ذلك على أنّه عنده نكرة،و إذا كان نكرة جاز دخول الألف و اللاّم عليه، لأنّه إنّما يكون في قطعه عن الإضافة معرفة،إذا قدّرت إضافته إلى معرفة،و إذا لم تقدّر إضافته إلى معرفة كان نكرة.
و إذا كان نكرة جاز دخول الألف و اللاّم عليه،كما جاء في التّنزيل فَلَهَا النِّصْفُ النّساء:11،و«كلّ» و«بعض»مجراهما مجرى«نصف»لأنّه يقتضي الإضافة إلى ما هو نصف له،كما أنّ«كلاّ»يقتضي الإضافة إلى ما هو كلّ له،و«بعضا»يقتضي الإضافة إلى ما هو بعض له.
فإذا قدّرت إضافة«كلّ»و«بعض»إلى المعارف كانا معرفتين،و إذا قدّرت إضافتهما إلى النّكرات كانا نكرتين،فهما في هذا بمنزلة«نصف»،تقول:نصف دينار و نصف الدّينار،و كلّ رجل و كلّ الرّجال،و بعض رغيف و بعض الرّغيف.
قال أبو عليّ: و ممّا يدلّ على صحّة جواز دخول الألف و اللاّم عليهما أنّ أبا الحسن الأخفش حكى أنّهم يقولون:مررت بهم كلاّ،فينصبونه على الحال،و يجرونه مجرى:مررت بهم جميعا.و إذ أجاز انتصابه على الحال فيما حكاه عن العرب،فلا إشكال في جواز دخول الألف و اللاّم عليه.
و لا اعتبار بما وقع من المعارف في مواقع الأحوال، كقولهم:طلبته جهدك،و رجع عوده على بدئه،و أرسلها العراك،لأنّ هذه مصادر عملت فيها أفعال من ألفاظها مقدّرة،و تلك الأفعال واقعة في مواضع الأحوال.
و الأفعال نكرات فلا يمتنع وقوع الفعل مواقع الحال، و التّقدير:طلبته تجهد جهدك،و رجع يعود عوده، و أرسلها يعارك بعضها بعضها العراك.[ثمّ ذكر أمثلة أخرى إلى أن قال:]
فقد ثبت بما ذكرنا أنّ دخول الألف و اللاّم على«كلّ و بعض»جائز من جهتين:
إحداهما:أنّك لا تقدّرهما مضافين إلى معرفة،و إذا لم تقدّر إضافتهما إلى معرفة جريا مجرى«نصف»و غيره من النّكرات المتصرّفة.
و الجهة الأخرى:أن يكون«كلّ»على ما ذكره أبو الحسن من استعمالهم إيّاه حالا،بمعنى جميعا،فيجوز دخول الألف و اللاّم عليه كما دخلا في«الجميع».فقد ثبت بهذا أنّ من امتنع من دخول الألف و اللاّم عليهما مخطئ.
فإن قيل:قد علمت أنّ«كلاّ و بعضا»ممّا لا ينفكّ من الإضافة لفظا و معنى أو معنى لا لفظا،فهما في ذلك بمنزلة «قبل و بعد»فما الفرق بينهما و بين«قبل و بعد»حتّى أجزتم دخول الألف و اللاّم عليهما،و لم يأت ذلك في «قبل و بعد».و حتّى جاء بناء«قبل و بعد»على الضّمّ في حال إفرادهما إذا قدّرا مضافين إلى معرفة،و لم يأت ذلك في«كلّ و بعض»؟
فالجواب:أنّ امتناع الألف و اللاّم من الدّخول على «قبل و بعد»من حيث لم يستعملا إلاّ ظرفين ناقصي التّمكّن،فجريا في ذلك مجرى الظّروف الّتي لم تتمكّن،
ص: 177
كإذ و لدن و عند و لدى،و ساغ البناء فيهما إذا أفردا لنقصان تمكّنهما في حال الإضافة،أ لا تراهما لا يرفعان مضافين،و ليس بعد نقصان التّمكّن مع حذف المضاف إليه-و هو جار مجرى بعض أجزاء المضاف-إلاّ البناء.
و ليس كذلك«كلّ و بعد»لأنّهما اسمان متمكّنان كلّ التّمكّن.(1:153)
ابن الأثير: قد تكرّر فيه ذكر البعوض و هو البقّ، و قيل:صغاره،واحدته:بعوضة.(1:140)
الصّغانيّ: بعض الشّيء:بعضه و كلّه.
(ثلاثة كتب في الأضداد:224)
أبو حيّان: «بعض»أصله مصدر بعض يبعض بعضا،أي قطع،و يطلق على الجزء،و يقابله«كلّ»،و هما معرفتان لصدور الحال منهما في فصيح الكلام.قالوا:
مررت ببعض قائما و بكلّ جالسا،و ينوي فيهما الإضافة، فلذلك لا تدخل عليهما الألف و اللاّم.
و لذلك خطّئوا أبا القاسم الزّجاجيّ في قوله:و يبدّل البعض من الكلّ،و يعود الضّمير على«بعض»إذا أريد به جمع،مفردا و مجموعا،و كذلك الخبر و الحال و الوصف يجوز إفراده إذ ذاك و جمعه.(1:159)
نحوه الآلوسيّ.(1:236)
الفيّوميّ: بعض من الشّيء:طائفة منه،و بعضهم يقول:جزء منه.فيجوز أن يكون«البعض»جزء أعظم من الباقي،كالثّمانية تكون جزء من العشرة.
و هذا يتناول ما فوق النّصف كالثّمانية،فإنّه يصدق عليه أنّه شيء من العشرة.
و بعّضت الشّيء تبعيضا:جعلته أبعاضا متمايزة.
(1:53)
الفيروزآباديّ: بعض كلّ شيء:طائفة منه، جمعه:أبعاض.
و لا تدخله اللاّم خلافا لابن درستويه و أبي حاتم، استعملها سيبويه و الأخفش في كتابيهما لقلّة علمهما بهذا النّحو.
و البعوضة:البقّة،جمعها:بعوض،و ماء لبني أسد.
و بعضوا بالضّمّ:آذاهم،و ليلة بعضة و مبعوضة، و أرض بعضة:كثيرته.
و أبعضوا:صار في أرضهم البعوض،و كلّفني مخّ البعوض،أي ما لا يكون.و البعضوضة بالضّمّ:دويبّة كالخنفساء.
و الغربان تتبعضض:يتناول بعضها بعضا.
و بعّضته تبعيضا:جزّأته،فتبعّض:تجزّأ.
(2:336)
مجمع اللّغة :بعض الشّيء:طائفة منه،سواء قلّت أو كثرت.و قد جاءت«بعض»في القرآن الكريم مضافة و غير مضافة،في مائة و تسعة و عشرين موضعا.
و البعوضة:دويبّة تسمّى الجرجس و القرقس،لها أجنحة،و خرطوم تستقي به الدّم من الأجسام.و قد تطلق البعوضة على البقّة.(1:112)
نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:74)
العدنانيّ: بعض الشّيء:جزء منه،كلّه.و يخطّئون من لا يقول:إنّ بعض الشّيء هو جزء منه،و يعتمدون على:
1-ما جاء في تفسير الجلالين،و المصحف المفسّر
ص: 178
لمحمّد فريد وجدي للآية(63)من سورة الزّخرف وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، الّذي يقول:
إنّ«البعض»هنا يعني الجزء.
2-و على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار، و المصباح،و المتن،و الوسيط الّذين يقولون:إنّ «البعض»تعني الجزء من الشّيء،أو الطّائفة منه،سواء قلّت أو كثرت.
و لكن:
1-قال أبو عبيدة«معمر بن المثنّى»إنّ الآية الكريمة في سورة الزّخرف،تعني فيها كلمة(بعض)الكلّ، و استشهد بقول لبيد في معلّقته:
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها
أو يعتلق بعض النّفوس حمامها
و خطّأ الزّوزنيّ،في شرحه للمعلّقة قول أبي عبيدة، و قال:و من جعل«بعض النّفوس»بمعنى«كلّ النّفوس» فقد أخطأ،لأنّ«بعضا»لا يفيد العموم و الاستيعاب.
و تلاه الرّاغب الأصفهانيّ،فقال:إنّ كلمة(بعض) في الآية الكريمة لم يرد بها«الكلّ»،و إنّ قول لبيد:بعض النّفوس»يعني به نفسه،و معنى عجز بيت لبيد:«إلاّ أن يتداركني الموت،لكنّه عرّض و لم يصرّح،حسب ما بنيت عليه جملة الإنسان،في الابتعاد من ذكر موته.
2-و قال ابن الأنباريّ:و بعض حرف من الأضداد؛ يكون بمعنى بعض الشّيء،و بمعنى كلّه.قال بعض أهل اللّغة في قول اللّه عزّ و جلّ،حاكيا عن عيسى عليه السّلام؛ذكر الآية،و قال:معناه كلّ الّذي تختلفون فيه،و احتجّ ببيت لبيد،و قال:إنّ معناه أو يعتلق كلّ النّفوس،لأنّه لا يسلم من الحمام أحد،و الحمام هو القدر،ثمّ استشهد ببيت ابن قيس:
من دون صفراء في مفاصلها
لين،و في بعض مشيها خرق
و قال:معناه و في كلّ مشيها.
ثمّ قال ابن الأنباريّ:و قال غيره:«بعض»ليس من الأضداد،و لا يقع على«الكلّ»أبدا،و قال في قوله عزّ و جلّ-الآية نفسها-:ما أحضر من اختلافكم،لأنّ الّذي أغيب عنه لا أعلمه،فوقعت(بعض)في الآية على الوجه الظّاهر فيها.
و قال في شرح عجز بيت لبيد:«أو يعتلق نفسي حمامها»لأنّ«نفسي»هي بعض النّفوس.
ثمّ قال:و قالوا في قول ابن قيس:«و في بعض مشيها خرق»إذا استحسن منها في بعض الأحوال هذا وجد في مشيها،و ربّما كان غير هذا من المشي أحسن منه، ف«بعض»دخلت للتّبعيض و التّخصيص،و لم يقصد بها قصد العموم.
3-ثمّ ذكر اللّسان أنّ ابن سيده قال:إنّ كلمة «بعض»في بيت لبيد يعني بها نفسه.و أورد ابن منظور بعد ذلك الآية(28)من سورة المؤمن وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، و قال:و قيل في قوله:
بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ: أي كلّ الّذي يعدكم،أي إن يكن موسى صادقا يصبكم كلّ الّذي ينذركم به و يتوعّدكم،لا بعض دون بعض،لأنّ ذلك من فعل الكهّان،و أمّا الرّسل فلا يوجد عليهم وعد مكذوب،
ص: 179
و أنشد:
فيا ليته يعفى و يقرع بيننا
عن الموت أو عن بعض شكواه مقرع
فهو لا يريد هنا بعض شكواه دون بعض،بل يريد الكلّ.و بعض ضدّ كلّ.و قال ابن مقبل يخاطب ابنتي عصر:
لو لا الحياء و لو لا الدّين عبتكما
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
أراد:بكلّ ما فيكما.
4-و قال التّاج في مستدركه زيادة على بعض ما جاء في اللّسان:إنّ أبا الهيثم فسّر الآية كما فسّرها أبو عبيدة.
5-ذكر«المدّ»خلاصة ما قالته الفئتان،الفئة الّتي تقول:إنّ«بعضا»لا تعني سوى الجزء،أو الطّائفة من الشّيء،و الفئة الّتي تقول:إنّها تعني كلتا كلمتي«بعض و كلّ».
و قد اتّفقوا على أنّ«بعضا»مذكّر،و جمعه:أبعاض.
و أنا أرى أنّ في جعل«بعض»بمعنى«كلّ»تشويشا للعقول،و زرعا لفوضى،لا مسوّغ لها،في رياض اللّغة العربيّة.و أنصح بأن نكتفي باستعمال كلمة«بعض»بمعنى الجزء أو الطّائفة،و إهمال استعمالها بمعنى«كلّ»إهمالا تامّا.(66)
المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ البعض ينسب و يضاف إلى«الكلّ»سواء كان هذا الكلّ في ضمن الكلّيّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الحجرات:12،أو في ضمن المجموع أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الأنعام:158،أو في ضمن التّمام و المركّب يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ البقرة:
259،و سواء كان مادّيّا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ البقرة:
36،أو معنويّا بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ هود:12.
و الحاصل أنّ«البعض»يستعمل في الكمّيّات،لا في الكيفيّات.
و الفرق بينه و بين الجزء و الفرد:أنّ«البعض»ينسب و يضاف دائما إلى«الكلّ»و لا يصحّ إطلاقه إلاّ بعد تحقّق الكلّ.و هذا بخلاف«الجزء»فيصحّ إطلاقه على جزء لوحظ أن يكون جزء،و له صلاحيّة الجزئيّة مطلقا،أي قبل التّركّب أو بعده.و«الفرد»:ما كان ملحوظا مستقلاّ في مقابل المجموع.
و أمّا دخول الألف و اللاّم على«البعض»فلا إشكال فيه إذا أريد منه الجنس و المفهوم من حيث هو،أو تكون اللاّم عوضا عن المضاف إليه.(1:284)
1- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ. البقرة:36
ابن عبّاس: بعضهم لبعض عدوّ آدم و حوّاء، و إبليس و الحيّة.(الطّبريّ 1:240)
مثله السّدّيّ و نحوه أبو صالح.(الطّبريّ 1:239)
أبو العالية: يعني إبليس و آدم.(الطّبريّ 1:240)
مجاهد :آدم،و إبليس،و الحيّة،ذرّيّة بعضهم أعداء لبعض.(الطّبريّ 1:240)
آدم و ذرّيّته،و إبليس و ذرّيّته.(الطّبريّ 1:240)
ص: 180
نحوه الحائريّ.(1:135)
الحسن :إنّه أراد آدم و حوّاء و الوسوسة.
(الطّوسيّ 1:164)
قتادة: (اهبطوا)يعني آدم و حوّاء و إبليس.
(الدّرّ المنثور 1:55)
السّدّيّ: فهبطوا،هم آدم و حوّاء و الحيّة.(106)
مقاتل: إنّ إبليس عدوّ لآدم و حوّاء،و هما له عدوّ.(ابن الجوزيّ 1:69)
الإمام العسكريّ عليه السّلام: آدم و حوّاء و ولدهما عدوّ للحيّة،و إبليس و الحيّة و أولادهما أعداؤكم.(224)
الطّبريّ: و قد اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله:(اهبطوا)مع إجماعهم على أنّ آدم و زوجته ممّن عنى به.[ثمّ ذكر أقوال ابن عبّاس و غيره كما تقدّم]
(1:239)
الزّجّاج: إبليس عدوّ للمؤمنين من ولد آدم، و عداوته لهم كفر،و المؤمنون أعداء إبليس،و عداوتهم له إيمان.(1:115)
ابن الأنباريّ: آدم و حوّاء فحسب،و يكون الخطاب بلفظ الجمع و إن وقع على التّثنية،نحو وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78.(أبو حيّان 1:162)
الماورديّ: اختلفوا في المأمور بالهبوط،على ثلاثة أقاويل:
أحدهما:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]
و الثّاني:[قول مجاهد و قد تقدّم]
و الثّالث:أنّه آدم،و حوّاء،و الموسوس.(1:107)
الطّوسيّ: و قوله: اِهْبِطُوا إنّما قال بالجمع، لأنّه يحتمل أشياء:
أحدها:أنّه خاطب آدم و حوّاء و إبليس،فيصلح ذلك،و إن كان إبليس أهبط من قبلهما.يقال:أخرج جمع من الجيش،و إن أخرجوا متفرّقين.اختار هذا الزّجّاج.
و الثّاني:أنّه أراد آدم و حوّاء و الحيّة.
و الثّالث:آدم و حوّاء و ذرّيّتهما.
و الرّابع:قال الحسن:إنّه أراد آدم و حوّاء و الوسوسة.و ظاهر القول و إن كان أمرا،فالمراد به التّهديد.(1:164)
البغويّ: أراد العداوة الّتي بين ذرّيّة آدم و الحيّة، و بين المؤمنين من ذرّيّة آدم،و بين إبليس،قال اللّه تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ الأعراف:22.
(1:43)
نحوه الميبديّ.(1:151)
الزّمخشريّ: قيل:(اهبطوا)خطاب لآدم و حوّاء و إبليس،و قيل:و الحيّة.
و الصّحيح أنّه لآدم و حوّاء،و المراد:هما و ذرّيّاتهما، لأنّهما لمّا كانا أصل الإنس و متشعّبهم جعلا كأنّهما الإنس كلّهم،و الدّليل عليه قوله: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ طه:123،يدلّ على ذلك قوله:
فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:38،39،و ما هو إلاّ حكم يعمّ النّاس كلّهم.(1:274)
نحوه النّسفيّ.(1:42)
ص: 181
ابن عطيّة: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة في موضع الحال،و إفراد لفظ(عدوّ)من حيث لفظ(بعض)، و«بعض و كلّ»تجري مجرى الواحد.(1:129)
الطّبرسيّ: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا خاطب بخطاب الجمع،و فيه وجوه:
أحدها:أنّه خاطب آدم و حوّاء و إبليس،و هو اختيار الزّجّاج،و قول جماعة من المفسّرين.و هذا غير منكر و إن كان إبليس قد أخرج قبل ذلك بدلالة قوله:
فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ الحجر:34،فجمع الخبر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لأنّهم قد اجتمعوا في الهبوط و إن كانت أوقاتهم متفرّقة فيه،كما يقال:أخرج جميع من في الحبس،و إن أخرجوا متفرّقين.
و الثّاني:أنّه أراد آدم و حوّاء و الحيّة.و في هذا الوجه بعد،لأنّ خطاب من لا يفهم الخطاب لا يحسن،و لأنّه لم يتقدّم للحيّة ذكر،و الكناية عن غير مذكور لا تحسن إلاّ بحيث لا يقع لبس،مثل قوله: حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32،و قوله: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فاطر:45.[ثمّ استشهد بشعر]
و الثّالث:أنّه أراد آدم و حوّاء و ذرّيّتهما،لأنّ الوالدين يدلاّن على الذّرّيّة و يتعلّق بهما.
و الرّابع:أن يكون الخطاب يختصّ بآدم و حوّاء عليهما السّلام،و خاطب الاثنين على الجمع على عادة العرب؛و ذلك لأنّ الاثنين أوّل الجمع،قال اللّه تعالى:
إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78.
أراد حكم داود و سليمان،و قد تأوّل قوله تعالى:
فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ النّساء:81،على معنى فإن كان له أخوان.
و الخامس:آدم و حوّاء و الوسوسة،عن الحسن، و هذا ضعيف.(1:87)
الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المخاطبين بهذا الخطاب؛ بعد الاتّفاق على أنّ آدم و حوّاء عليهما السّلام كانا مخاطبين به، و ذكروا فيه وجوها:
الأوّل:و هو قول الأكثرين:أنّ إبليس داخل فيه أيضا،قالوا:لأنّ إبليس قد جرى ذكره في قوله:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها أي فأزلّهما و قلنا لهم:
اهبطوا.
أمّا قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فهذا تعريف لآدم و حوّاء عليهما السّلام،أنّ إبليس عدوّ لهما و لذرّيّتهما،كما عرّفهما ذلك قبل الأكل من الشّجرة، فقال: فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى طه:117.
فإن قيل:إنّ إبليس لمّا أبى من السّجود صار كافرا و أخرج من الجنّة و قيل له: فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها الأعراف:13،و قال أيضا: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ص:77،و إنّما أهبط منها لأجل تكبّره،فزلّة آدم عليه السّلام إنّما وقعت بعد ذلك بمدّة طويلة،ثمّ أمر بالهبوط بسبب الزّلّة،فلمّا حصل هبوط إبليس قبل ذلك،كيف يكون قوله:(اهبطوا)متناولا له؟
قلنا:إنّ اللّه تعالى لمّا أهبطه إلى الأرض فلعلّه عاد إلى السّماء مرّة أخرى لأجل أن يوسوس إلى آدم و حوّاء،فحين كان آدم و حوّاء في الجنّة قال اللّه تعالى
ص: 182
لهما: اِهْبِطا طه:123،فلمّا خرجا من الجنّة و اجتمع إبليس معهما خارج الجنّة أمر الكلّ،فقال:(اهبطوا).
و من النّاس من قال:ليس معنى قوله:(اهبطوا)أنّه قال ذلك لهم دفعة واحدة بل قال ذلك لكلّ واحد منهم على حدة في وقت.
و الوجه الثّاني:أنّ المراد آدم و حوّاء و الحيّة،و هذا ضعيف،لأنّه ثبت بالإجماع أنّ المكلّفين هم الملائكة و الجنّ و الإنس.و لقائل أن يمنع هذا الإجماع،فإنّ من النّاس من يقول:قد يحصل في غيرهم جمع من المكلّفين على ما قال تعالى: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ النّور:41،و قال سليمان للهدهد: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً النّمل:21.
الثّالث:المراد:آدم و حوّاء و ذرّيّتهما،لأنّهما لمّا كانا أصل الإنس جعلا كأنّهما الإنس كلّهم،و الدّليل عليه قوله: اِهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ و يدلّ عليه أيضا قوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:38،و هذا حكم يعمّ النّاس كلّهم،و معنى بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ما عليه النّاس من التّعادي و التّباغض و تضليل بعضهم لبعض.
و اعلم أنّ هذا القول ضعيف،لأنّ الذّرّيّة ما كانوا موجودين في ذلك الوقت،فكيف يتناولهم الخطاب؟!أمّا من زعم أنّ أقلّ الجمع اثنان فالسّؤال زائل على قوله.
(3:16)
القرطبيّ: (بعضكم)مبتدأ،(عدوّ)خبره،و الجملة في موضع نصب على الحال،و التّقدير:و هذه حالكم.
و حذفت الواو من(بعضكم)لأنّ في الكلام عائدا،كما يقال:رأيتك السّماء تمطر عليك.[إلى أن قال:]
و قد حمل بعض العلماء قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ على الإنسان نفسه،و فيه بعد و إن كان صحيحا معنى،يدلّ عليه قوله عليه السّلام«إنّ العبد إذا أصبح تقول جوارحه للسانه:اتّق اللّه فينا،فإنّك إذا استقمت استقمنا،و إن اعوججت اعوججنا».(1:320)
أبو حيّان: [ذكر أقوال المفسّرين في المراد ب«اهبطوا»و أضاف:]
و البعضيّة موجودة في ذرّيّتهما،لأنّه ليس كلّهم يعادي كلّهم،بل البعض يعادي البعض و إن كان معهما إبليس أو الحيّة،كما قاله مقاتل،فليس بعض ذرّيّتهما يعادي ذرّيّة آدم بل كلّهم أعداء لكلّ بني آدم.
و لكن يتحقّق هذا بأن جعل المأمورون بالهبوط شيئا واحدا و جزّءوا أجزاء،فكلّ جزء منها جزء من الّذين هبطوا،و الجزء يطلق عليه«البعض»فيكون التّقدير:كلّ جنس منكم معاد للجنس المباين له.
(1:163)
الآلوسيّ: و البعض في الأصل مصدر بمعنى القطع، و يطلق على الجزء،و هو ك«كلّ»ملازم للإضافة لفظا أو نيّة،و لا تدخل عليه اللاّم،و يعود عليه الضّمير مفردا و مجموعا إذا أريد به جمع.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن أبي حيّان](1:236)
الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّه خطاب لآدم و زوجته و إبليس،و قد خصّ إبليس وحده بالخطاب في
ص: 183
سورة الأعراف؛حيث قال: فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها الأعراف:13،فقوله تعالى:
(اهبطوا)كالجمع بين الخطابين،و حكاية عن قضاء قضى اللّه به العداوة بين إبليس لعنه اللّه و بين آدم و زوجته و ذرّيّتهما،و كذلك قضى به حياتهم في الأرض و موتهم فيها و بعثهم منها.
و ذرّيّة آدم مع آدم في الحكم كما-ربّما-يستشعر من ظاهر قوله: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25،و كما سيأتي في قوله تعالى:
وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ الأعراف:11.(1:132)
2- قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ. الأعراف:24
ابن عبّاس: يعني آدم و حوّاء و الحيّة و الطّاوس.
(125)
الحسن :إنّهم آدم و حوّاء و الوسوسة.
(الماورديّ 2:212)
السّدّيّ: فلعن الحيّة،و قطع قوائمها،و تركها تمشي على بطنها،و جعل رزقها من التّراب.و اهبطوا إلى الأرض:آدم و حوّاء و إبليس و الحيّة.(الطّبريّ 8:144)
الطّبريّ: هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن فعله بإبليس و ذرّيّته،و آدم و ولده و الحيّة،يقول تعالى ذكره لآدم و حوّاء و إبليس و الحيّة:اهبطوا من السّماء إلى الأرض،بعضكم لبعض عدوّ.(8:144)
الطّوسيّ: اختلفوا في المعنيّ بهذه الآية،فقال السّدّيّ و أبو عليّ الجبّائيّ و أبو بكر بن الإخشيد:إنّ المراد بالخطاب آدم و حوّاء،و إبليس،جمع بينهم في الذّكر، و إن كان الخطاب لهم وقع في أوقات متفرّقة،لأنّ إبليس أمر بالهبوط حين امتنع من السّجود،و آدم و حوّاء حين أكلا من الشّجرة،و انتزع لباسهما.
و قال أبو صالح: الخطاب متوجّه إلى آدم و حوّاء و الحيّة.
و قال الحسن قولا بعيدا من الصّواب: و هو أنّ المراد به آدم و حوّاء و الوسوسة.و هذا قول منعزب عنه،لأنّ الوسوسة لا تخاطب.(4:404)
الزّمخشريّ: (اهبطوا)الخطاب لآدم و حوّاء و إبليس،و بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ في موضع الحال، أي متعادين يعاديهما إبليس و يعاديانه.(2:73)
نحوه البيضاويّ(1:345)،و النّسفيّ(2:49)، و الحجازيّ(8:44).
الفخر الرّازيّ: يعني العداوة ثابتة بين الجنّ و الإنس،لا تزول البتّة.(14:50)
النّيسابوريّ: قيل: اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدوّ النّفس،عدوّ القلب.و الرّوح و القلب عدوّ لما سوى اللّه،(و لكم)للنّفس و القلب و الرّوح في أرض البدن مقام و تمتّع في الشّريعة،باستعمال الطّريقة للوصول إلى الحقيقة،(الى حين)تصير النّفس مطمئنّة تستحقّ الخطاب،ارجعي من الهبوط،و ارفعي بعد السّقوط.
(8:95)
الشّربينيّ: (بعضكم)أي بعض الذّرّيّة(لبعض عدوّ)أي من ظلم بعضهم بعضا.(1:469)
ص: 184
البروسويّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة حاليّة من فاعل(اهبطوا)أي متعادين،فطبع إبليس على العداوة كطبع العقرب على اللّدغ،و الذّئب على السّلب، فعادى آدم لذهاب رئاسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم،و أمرنا بمعاداة إبليس،لأنّ الابن يعادي عدوّ أبيه.
(3:146)
الآلوسيّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ في موضع الحال من فاعل(اهبطوا)و هي حال مقارنة أو مقدّرة.
و اختار بعض المعرّبين كون الجملة استئنافيّة،كأنّهم لمّا أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا؟فأجيبوا بأنّ بعضكم لبعض عدوّ.
و أمر العداوة على تقدير دخول الشّيطان في الخطاب ظاهر،و أمّا على تقدير التّخصيص بآدم و حوّاء عليهما السّلام فقد قيل:إنّه باعتبار أن يراد بهما ذرّيّتهما إمّا بالتّجوّز كإطلاق تميم على أولاده كلّهم أو يكتفي بذكرهما عنهم.
و اختار بعضهم كون العداوة هنا بمعنى«الظّلم»أي يظلم بعضكم بعضا،بسبب تضليل الشّيطان،فليفهم.
(8:102)
رشيد رضا: (بعضكم)و هو الشّيطان(عدوّ لبعض)و هو الإنسان.(8:351)
نحوه المراغيّ.(8:122)
الطّباطبائيّ: كأنّ الخطاب لآدم و زوجته و إبليس،و عداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم.(8:35)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ طه:123.
3- وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. البقرة:76
السّدّيّ: هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثمّ نافقوا.
(الطّبريّ 1:369)
الطّبريّ: يعني قوله: وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الّذين وصف اللّه صفتهم إلى بعض منهم،فصاروا في خلاء من النّاس غيرهم،و ذلك هو الموضع الّذي ليس فيه غيرهم،قالوا -يعني قال بعضهم لبعض-:أ تحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم.(1:369)
نحوه الطّوسيّ(1:315)و الطّبرسيّ(1:143)
البغويّ: يعني:كعب بن الأشرف و كعب بن أسد و وهب بن يهودا،أو غيرهم من رؤساء اليهود لأمرهم على ذلك.(1:135)
الزّمخشريّ: وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ الّذين لم ينافقوا(الى بعض)الّذين نافقوا.(1:291)
مثله النّيسابوريّ.(1:350)
ابن عطيّة: ورد في التّفسير أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
«لا يدخلنّ علينا قصبة المدينة إلاّ مؤمن».فقال كعب بن الأشرف و وهب بن يهوذا و أشباههما:اذهبوا و تحسّسوا أخبار من آمن بمحمّد،و قولوا لهم:آمنّا و اكفروا إذا رجعتم،فنزلت هذه الآية فيهم.
و قال ابن عبّاس: نزلت في منافقين من اليهود، و روي عنه أيضا أنّها نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض
ص: 185
المؤمنين:نحن نؤمن أنّه نبيّ و لكن ليس إلينا،و إنّما هو إليكم خاصّة.(1:168)
نحوه أبو حيّان.(1:273)
أبو السّعود: أي بعض المذكورين و هم السّاكتون منهم،أي إذا فرغوا من الاشتغال بالمؤمنين متوجّهين و منضمّين(إلى بعض)آخر منهم و هم منافقوهم؛بحيث لم يبق معهم غيرهم.(1:152)
نحوه البروسويّ(1:167)،و الآلوسيّ(1:299).
4- ..وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... البقرة:85
ابن عبّاس: ببعض ما في الكتاب تفادون أسراءكم من عدوّكم وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ و تتركون أسراء أصحابكم و لا تفادونهم،يقال:أ فتؤمنون ببعض الكتاب بما تهوى أنفسكم و تكفرون ببعض بما لا تهوى أنفسكم.
(13)
إخراجهم كفر،و فداؤهم إيمان.
مثله قتادة و ابن جريج.(الفخر الرّازيّ 3:173)
الإمام العسكريّ عليه السّلام: [في حديث طويل] أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو الّذي أوجب عليكم المفاداة، وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ و هو الّذى حرّم قتلهم و إخراجهم.(البرهان 1:462)
نحوه الكاشانيّ.(1:138)
الطّبريّ: الّذي فرضت عليكم فيه فرائضي و بيّنت لكم فيه حدودي،و أخذت عليه بالعمل بما فيه ميثاقي فتصدّقون به،فتفادون أسراكم من أيدي عدوّكم و تكفرون ببعضه،فتجحدونه،فتقتلون من حرّمت عليكم قتله من أهل دينكم و من قومكم،و تخرجونهم من ديارهم،و قد علمتم أنّ الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي و ميثاقي.(1:398)
نحوه الطّوسيّ.(1:377)
الزّمخشريّ: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ أي الفداء وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أي بالقتال و الإجلاء.
(1:294)
نحوه ابن عطيّة(1:175)،و ابن الجوزيّ(1:
112)،و البيضاويّ(1:68)،و النّسفيّ(1:60)،و شبّر (1:119).
ابن عربيّ: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ أي كتاب العقل و الشّرع قولا و إقرارا،فتقرّون به و تصدّقونه،و هو أنّ اتّباع الهوى و النّفس مذموم، موجب للوبال و الهلاك و الخسران، وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فعلا و عملا،فلا تنتهون عمّا نهاكم عنه،و هو إباحتهم و استحلالهم للمحرّمات و المنهيّات.(1:70)
الفخر الرّازيّ: اختلف العلماء فيه على وجهين:
أحدهما:إخراجهم كفر،و فداؤهم إيمان،و هو قول ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،و قتادة و ابن جريج.و لم يذمّهم على الفداء،و إنّما ذمّهم على المناقضة؟إذ أتوا ببعض الواجب و تركوا البعض.و قد تكون المناقضة أدخل في الذّمّ،لا يقال:هب أنّ ذلك الإخراج معصية فلم سمّاها كفرا مع أنّه ثبت أنّ العاصي لا يكفر؟لأنّا نقول:لعلّهم صرّحوا أنّ ذلك الإخراج غير واجب مع أنّ
ص: 186
صريح التّوراة كان دالاّ على وجوبه.
و ثانيهما:المراد منه التّنبيه على أنّهم في تمسّكهم بنبوّة موسى عليه السّلام مع التّكذيب بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،مع أنّ الحجّة في أمرهما على سواء،يجري مجرى طريقة السّلف منهم في أن يؤمنوا ببعض و يكفروا ببعض،و الكلّ في الميثاق سواء.(3:173)
نحوه النّيسابوريّ(1:363)،و الخازن(1:68)، و أبو السّعود(1:160)،و البروسويّ(1:175)، و الآلوسيّ(1:314)
القرطبيّ: قال علماؤنا:كان اللّه تعالى قد أخذ عليهم أربعة عهود:ترك القتل،و ترك الإخراج،و ترك المظاهرة،و فداء أساراهم،فأعرضوا عن كلّ ما أمروا به إلاّ الفداء،فوبّخهم اللّه على ذلك توبيخا يتلى،فقال:
أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو التّوراة وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ.
قلت:و لعمر اللّه لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض!ليت بالمسلمين،بل بالكافرين!حتّى تركنا إخواننا أذلاّء صاغرين،يجري عليهم حكم المشركين،فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.(2:22)
أبو حيّان:[نقل وجه الأوّل المتقدّم في كلام فخر و أضاف:]
و البعض الّذي آمنوا به إن كان المراد ب(الكتاب) التّوراة،فيكون عامّا فيما آمنوا به من أحكامها،و فداء الأسير من جملته.
و البعض الّذي كفروا به هو قتل بعضهم بعضا، و إخراج بعضهم من ديارهم،و المظاهرة بالإثم و العدوان من جملة ما كفروا به من التّوراة.
و قيل:معناه يستعملون البعض و يتركون البعض، تفادون أسرى قبيلتكم و تتركون أسرى أهل ملّتكم و لا تفادونهم.
و قيل:إنّ عبد اللّه بن سلاّم مرّ على رأس الجالوت بالكوفة و هو يفادي من النّساء من لم يقع عليه الحرب، و لا يفادي من وقع عليه الحرب،قال:فقال ابن سلاّم:
أما أنّه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلّهنّ؟
و قال مجاهد: معناه إن وجدته في يد غيرك فديته و أنت تقتله بيدك.(1:293)
رشيد رضا: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو فداء الأسرى وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ آخر منه،و هو النّهي عن القتل و الإخراج،أ ليس من الحماقة و الهزء و السّخريّة أن يدّعي مدّع مثل هذا الإيمان بأهون الأمور مع الكفر بأعظمها؟و الإيمان لا يتجزّأ،فالكفر بالبعض كالكفر بالكلّ.(1:373)
نحوه المراغيّ.(1:162)
الطّباطبائيّ: أي ما هو الفرق بين الإخراج و الفدية؛حيث أخذتم بحكم الفدية و تركتم حكم الإخراج و هما جميعا في الكتاب،أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض.(1:219)
5- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. البقرة:145
ص: 187
5- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. البقرة:145
راجع«ت ب ع،تابع».
6- ..وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ. البقرة:251
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه عزّ و جلّ ليدفع بالمسلم الصّالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء.(البغويّ 1:342)
لو لا عباد للّه ركّع و صبيان رضّع و بهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا.(الطّبرسيّ 1:357)
إنّ اللّه يصلح بصلاح الرّجل المسلم ولده و ولد ولده و أهل دويرته و دويرات حوله،و لا يزالون في حفظ اللّه ما دام فيهم.(الطّبرسيّ 1:357)
إنّ اللّه يدفع العذاب بمن يصلّي من أمّتي عمّن لا يصلّي،و بمن يزكّي عمّن لا يزكّي،و بمن يصوم عمّن لا يصوم،و بمن يحجّ عمّن لا يحجّ،و بمن يجاهد عمّن لا يجاهد.و لو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء ما أنظرهم اللّه طرفة عين،ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.
(القرطبيّ 3:260)
نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 1:357)
و النّحّاس(1:255)و القيسيّ(ابن عطيّة 1:337)
الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ اللّه يدفع الهلاك عن البرّ بالفاجر.(الماورديّ 1:321)
مثله قتادة.(الطّبرسيّ 1:357)
ابن عبّاس: كما دفع بداود شرّ جالوت عن بني إسرائيل.(35)
يدفع بالمجاهدين عن القاعدين.
(الماورديّ 1:321)
لو لا دفع اللّه بجنود المسلمين الكفّار و معرّتهم لغلبوا و خرّبوا البلاد.(الطّبرسيّ 1:357)
مثله مجاهد(الطّبرسيّ 1:357)،و نحوه مقاتل(ابن الجوزيّ 1:300)
مجاهد :يقول:و لو لا دفاع اللّه بالبرّ عن الفاجر، و ببقيّة أخلاف النّاس بعضهم عن بعض لهلك أهلها.
(الطّبريّ 2:633)
لو لا أنّ اللّه يدفع بمن أطاعه عمّن عصاه،كما دفع عن المتخلّفين عن طالوت بمن أطاعه،لهلك العصاة بسرعة العقوبة.(ابن الجوزيّ 1:300)
قتادة: يبتلي اللّه المؤمن بالكافر،و يعافي الكافر بالمؤمن.(الدّرّ المنثور 1:320)
الثّوريّ: الرّجل الصّالح يدفع به عن ما به من أهل بيته و جيرانه البلاء،أو الشّهود الّذين يستخرج بهم الحقوق.(أبو حيّان 2:269)
الطّبريّ: و لو لا أنّ اللّه يدفع ببعض النّاس:و هم أهل الطّاعة له و الإيمان به،بعضا:و هم أهل المعصية للّه و الشّرك به-كما دفع عن المتخلّفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر باللّه و المعصية له،و قد أعطاهم ما سألوا ربّهم ابتداء من بعثة ملك عليهم،ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان باللّه و اليقين و الصّبر،جالوت و جنوده-لفسدت الأرض.
(2:633)
القيسيّ: (ببعض)في موضع المفعول،بمنزلة:
ص: 188
مررت بزيد.(1:105)
الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها[قول عليّ عليه السّلام و قد تقدّم]
الثّاني:يدفع باللّطف للمؤمن و الرّعب في قلب الفاجر،أن يعمّ الأرض الفساد.
الثّالث:قال الحسن و البلخيّ: يزغ اللّه بالسّلطان فلا يزغ بالقرآن،لأنّه يغنيه على دفع الأشرار عن ظلم النّاس،لأنّه يريد منه المنع من الظّلم و الفساد،كان مؤمنا أو فاسقا.(2:301)
نحوه الطّبرسيّ.(1:357)
البغويّ: قال ابن عبّاس و مجاهد:لو لا دفع اللّه النّاس بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين و خرّبوا المساجد و البلاد.
و قال سائر المفسّرين:لو لا دفع اللّه بالمؤمنين و الأبرار عن الكفّار و الفجّار لهلكت الأرض بمن فيها، و لكن اللّه يدفع بالمؤمن عن الكافر و بالصّالح عن الفاجر.
(1:341)
نحوه الخازن.(1:223)
الزّمخشريّ: و لو لا أنّ اللّه يدفع بعض النّاس ببعض و يكفّ بهم فسادهم،لغلب المفسدون و فسدت الأرض و بطلت منافعها،و تعطّلت مصالحها من الحرث و النّسل و سائر ما يعمر الأرض.
و قيل:و لو لا أنّ اللّه ينصر المسلمين على الكفّار لفسدت الأرض بعيث الكفّار فيها و قتل المسلمين،أو لو لم يدفعهم بهم لعمّ الكفر و نزلت السّخطة،فاستؤصل أهل الأرض.(1:382)
نحوه أبو السّعود(1:291)،و البروسويّ(1:
392)،و الآلوسيّ(2:173).
ابن عطيّة: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه لو لا دفعه بالمؤمنين في صدور الكفرة على مرّ الدّهر لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ لأنّ الكفر كان يطبقها و يتمادى في جميع أقطارها،و لكنّه تعالى لا يخلي الزّمان من قائم بحقّ، وداع إلى اللّه و مقاتل عليه،إلى أن جعل ذلك في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى قيام السّاعة،له الحمد كثيرا.
قال مكّيّ: و أكثر المفسّرين على أنّ المعنى:لو لا أنّ اللّه يدفع بمن يصلّي عمّن لا يصلّي و بمن يتّقي عمّن لا يتّقي،لأهلك النّاس بذنوبهم.
و ليس هذا معنى الآية و لا هي منه في ورد و لا صدر، و الحديث الّذي رواه ابن عمر صحيح،و ما ذكر مكّيّ من احتجاج ابن عمر عليه بالآية لا يصحّ عندي،لأنّ ابن عمر من الفصحاء.(1:337)
أبو حيّان: السّلطان أو الظّالم يدفع يد الظّالم،أو داود دفع به عن طالوت،و لو لا ذلك غلبت العمالقة على بني إسرائيل؛فيكون(النّاس)عامّا و المراد الخصوص.
[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و اختاره](20:269)
القاسميّ: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ من أهل الشّرّ(ببعض)من أهل الخير لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.
(3:649)
رشيد رضا: أي لو لا أنّ اللّه تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحقّ،و أهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها،لغلب أهل الباطل و الإفساد في الأرض و بغوا على الصّالحين و أوقعوا بهم،حتّى يكون لهم
ص: 189
السّلطان وحدهم،فتفسد الأرض بفسادهم.(2:491)
نحوه المراغيّ.(2:225)
النّهاونديّ: (بعضهم)الكفّار(ببعض)المؤمنين.
و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام،أي يدفع الهلاك بالبرّ عن الفاجر،الخبر.
و لعلّ المراد:أنّ اللّه يدفع البلاء ببركة الأخيار عن الفجّار فيسلم،و يعيش أهل الفسق و الفجور بسبب وجود عباده الصّالحين،و لولاهم لمنعت السّماوات و الأرض بركاتها.
و يحتمل أن يكون المراد:لو لا دفع اللّه النّاس بعضهم عن المنكرات بنهي بعضهم، لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ بمن فيها.(1:175)
الطّباطبائيّ: و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد ب«الدّفع»في الآية:دفع اللّه الكافرين بالمؤمنين،كما أنّ المورد أيضا كذلك،و ربّما أيّده أيضا قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ الحجّ:40.
و فيه:أنّه في نفسه معنى صحيح،لكن ظاهر الآية أنّ المراد بصلاح الأرض:مطلق الصّلاح الدّائم المبقي للاجتماع دون الصّلاح الخاصّ الموجود في أحيان يسيرة،كقصّة طالوت،و قصص أخرى يسيرة معدودة.
و ربّما ذكر آخرون:أنّ المراد بها:دفع اللّه العذاب و الهلاك عن الفاجر بسبب البرّ،[ثمّ ذكر الرّوايتين الثّالثة و الرّابعة المتقدّمتين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:]
و فيه:أنّ عدم انطباق الآيتين على معنى الحديثين ممّا لا يخفى،إلاّ أن تنطبق عليهما من جهة أنّ موردهما أيضا من مصاديق دفع النّاس.
و ربّما ذكر بعضهم:أنّ المراد:دفع اللّه الظّالمين بالظّالمين،و هو كما ترى.(2:295)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الآية الحجّ:40
7- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ... البقرة:253
راجع«ر س ل».
8- ..قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ...
البقرة:259
راجع«ل ب ث».
9- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
آل عمران:34
ابن عبّاس: بعضها على دين بعض،و ولد بعضها من بعض.(46)
الحسن :يعني في التّناصر في الدّين،كما قال:
اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:
67،يعني في الضّلالة.
مثله قتادة.(القرطبيّ 4:64)
قتادة :في النّيّة،و العمل،و الإخلاص،و التّوحيد له.(الطّبريّ 3:235)
الإمام الصّادق عليه السّلام:بعضهم من نسل بعض.
ص: 190
(الطّوسيّ 2:442)
نحوه الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:442)،و البغويّ(1:
431)،و الخازن(1:285).
الطّبريّ: إنّما جعل بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ في الموالاة في الدّين،و الموازرة على الإسلام و الحقّ،كما قال جلّ ثناؤه: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،و قال في موضع آخر:
اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:
67،يعني أنّ دينهم واحد،و طريقتهم واحدة،فكذلك قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ إنّما معناه ذرّيّة دين بعضها دين بعض،و كلمتهم واحدة،و ملّتهم واحدة،في توحيد اللّه و طاعته.(3:234)
الطّوسيّ: و معنى قوله: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ أي في الاجتماع على الصّواب.قال الحسن. وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،في الاجتماع على الهدى،و به قال قتادة.
الثّاني (1):قال الجبّائيّ و غيره:إنّه في التّناسل،إذ جميعهم ذرّيّة آدم،ثمّ ذرّيّة نوح،ثمّ ذرّيّة إبراهيم،و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،لأنّه قال:الّذين اصطفاهم اللّه بعضهم من نسل بعض.(2:442)
الزّمخشريّ: يعني أنّ الآلين (2)ذرّيّة واحدة متسلسلة بعضها متشعّب من بعض،موسى و هارون من عمران،و عمران من يصهر،و يصهر من قاهث، و قاهث من لاوي،و لاوي من يعقوب،و يعقوب من إسحاق،و كذلك عيسى بن مريم بنت عمران بن ماثان ابن سليمان بن داود بن إيشى بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق،و قد دخل في آل إبراهيم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،(1:424)
نحوه الفخر الرّازيّ(8:24)،و البيضاويّ(1:
157)،و أبو حيّان(2:436)،و البروسويّ(2:25)، و الآلوسيّ(3:132).
القرطبيّ: [نقل قول الحسن و قتادة و أضاف:]
و قيل:في الاجتباء و الاصطفاء و النّبوّة.و قيل:
المراد به التّناسل،و هذا أضعفها.(4:64)
رشيد رضا: قال الأستاذ الإمام:يقال:إنّ لفظة الذّرّيّة قد يطلق على الوالدين و الأولاد خلافا لعرف الفقهاء،و هو قليل.و المشهور ما جرى عليه الفقهاء، و هو أنّ الذّريّة:الأولاد فقط،فقوله: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ظاهر على الأوّل،و يخصّ على الثّاني بآل إبراهيم و آل عمران.
و يصحّ أن يكون بمعنى أنّهم أشباه و أمثال في الخيريّة و الفضيلة الّتي هي أصل اصطفائهم،على حدّ قوله تعالى:
اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67،و هو استعمال معروف.
أقول:و هؤلاء الّذين يشبه بعضهم بعضا من هذه الذّرّيّة هم الأنبياء و الرّسل.(3:288)
نحوه المراغيّ.(3:143)
الطّباطبائيّ: في قوله: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ دلالة على أنّ كلّ بعض فرض منها،يبتدئ و ينتهي من البعض الآخر و إليه،و لازمه كون المجموع متشابه الأجزاء،لا يفترق البعض من البعض في أوصافهن.
ص: 191
و حالاته.
و إذا كان الكلام في اصطفائهم أفاد ذلك أنّهم ذرّيّة لا يفترقون في صفات الفضيلة الّتي اصطفاهم اللّه لأجلها على العالمين؛إذ لا جزاف و لا لعب في الأفعال الإلهيّة، و منها الاصطفاء الّذي هو منشأ خيرات هامّة في العالم.
(3:167)
الحجازيّ: ذرّيّة يشبه بعضها بعضا في الفضل و المزيّة،فهم خيار من خيار من خيار.(3:49)
10- وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ. آل عمران:50
راجع«ح ل ل».
11- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ...
آل عمران:195
ابن عبّاس: إذ كان بعضكم على دين بعض، و أولياؤه بعض.(63)
الضّحّاك: رجالكم شكل نسائكم و نساؤكم شكل رجالكم في الطّاعة،كما قال: اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71.(البغويّ 1:393)
الكلبيّ: في الدّين و النّصرة و الموالاة.
(البغويّ 1:393)
الطّبريّ: بعضكم أيّها المؤمنون الّذين يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم،من بعض،في النّصرة و المسألة و الدّين،و حكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل على حكم أحدكم،في أنّي لا أضيع عمل ذكر منكم و لا أنثى.
(4:215)
الفارسيّ: يحتمل أمرين:
أحدها:أن يريد بقوله:(بعضكم)العاملين(من بعض)يعني بعض العمل الّذي أمرتم به.
و الثّاني:أن يكون عنى بقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أنّ ذكور المؤمنين و إناثهم مستوون في أن لا يضيع اللّه لأحد منهم عملا،و أن يجازيهم على طاعتهم،فإناث المؤمنين بعض المؤمنين،و كذلك ذكورهم،فبعضهم كبعض في هذا الباب.(الطّوسيّ 3:90)
البغويّ: قيل:كلّكم من آدم و حوّاء.(1:393)
الزّمخشريّ: أي يجمع ذكوركم و إناثكم أصل واحد فكلّ واحد منكم من الآخر،أي من أصله،أو كأنّه منه لفرط اتّصالكم و اتّحادكم.
و قيل:المراد:وصلة الإسلام،و هذه جملة معترضة بيّنت بها شركة النّساء مع الرّجال فيما وعد اللّه عباده العاملين.(1:489)
نحوه البيضاويّ(1:199)،و النّيسابوريّ(4:
154)،و الشّربينيّ(1:276)،و شبّر(1:415)، و القاسميّ(4:1071)،و ابن عربيّ(2:242)، و البروسويّ(2:153)،و النّسفيّ(1:202).
ابن عطيّة: يعني في الأجر و تقبّل العمل،أي إنّ الرّجال و النّساء في ذلك على حدّ واحد.(1:557)
الطّبرسيّ: في النّصرة و الدّين و الموالاة،فحكمي في جميعكم حكم واحد،فلا أضيع عمل واحد منكم،
ص: 192
لاتّفاقكم في صفة الإيمان.
و هذا يتضمّن الحثّ على مواظبة الأدعية الّتي في الآيات المتقدّمة،و الإشارة إلى أنّها ممّا تعبد اللّه تعالى بها،و ندب إليها و ذلك لأنّه تضمن الإجابة لمن دعا بها.
(1:559)
الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ففيه وجوه؛أحسنها أن يقال:(من)بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض،و مثل بعض في الثّواب على الطّاعة، و العقاب على المعصية.
قال القفّال: هذا من قولهم:فلان منّي،أي على خلقي و سيرتي،قال تعالى: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي البقرة:249،و قال عليه الصّلاة و السّلام:«من غشّنا فليس منّا»و قال:«ليس منّا من حمل علينا السّلاح»فقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي بعضكم شبه بعض في استحقاق الثّواب على الطّاعة،و العقاب على المعصية،فكيف يمكن إدخال التّفاوت فيه؟(9:150)
القرطبيّ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ابتداء و خبر، أي دينكم واحد.و قيل:بعضكم من بعض في الثّواب و الأحكام و النّصرة،و شبه ذلك.(4:318)
ابن جزيّ: النّساء و الرّجال سواء في الأجور و الخيرات.(1:127)
أبو حيّان: أي مجمع ذكوركم و إناثكم أصل واحد، فكلّ واحد منكم من الآخر،أي من أصله.فإذا كنتم مشتركين في الأصل فكذلك أنتم مشتركون في الأجر و تقبّل العمل،فيكون(من)هنا تفيد التّبعيض الحقيقيّ، و يشير بذلك الاشتراك الأصليّ إلى الاشتراك في الأجر على حدّ واحد.
و قيل:معناه بعضكم من بعض في الدّين و النّصرة، و المعنى أنّ وصف الإيمان يجمعهم،كما جاء:«المسلمون تتكافأ دماؤهم».(3:144)
نحوه عبد الكريم الخطيب.(2:674).
ابن كثير :أي جميعكم في ثوابي سواء.(2:182)
السّيوطيّ: أي الذّكور من الإناث و بالعكس، و الجملة مؤكّدة لما قبلها،أي هم سواء في المجازاة بالأعمال و ترك تضييعها،نزلت لمّا قالت أمّ سلمة:يا رسول اللّه إنّي لا أسمع ذكر النّساء في الهجرة بشيء.
(الجلالين 1:199)
أبو السّعود: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ جملة معترضة مبيّنة لسبب انتظام النّساء في سلك الرّجال في الوعد، فإنّ كون كلّ منهما من الآخر لتشعّبهما من أصل واحد، أو لفرط الاتّصال بينهما،أو لاتّفاقهما في الدّين،و العمل، بما يستدعي الشّركة و الاتّحاد في ذلك.(2:87)
نحوه الكاشانيّ.(1:378)
الآلوسيّ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ مبتدأ و خبر، و(من)إمّا ابتدائيّة بتقدير مضاف،أي من أصل بعض، أو بدونه،لأنّ الذّكر من الأنثى و الأنثى من الذّكر.
و إمّا اتّصاليّة،و الاتّصال إمّا بحسب اتّحاد الأصل،أو المراد به الاتّصال في الاختلاط،أو التّعاون،أو الاتّحاد في الدّين،حتّى كأنّ كلّ واحد من الآخر لما بينهما من أخوّة الإسلام.
و الجملة مستأنفة معترضة مبيّنة لسبب انتظام
ص: 193
النّساء في سلك الدّخول مع الرّجال في الوعد.و جوّز أن تكون حالا أو صفة.(4:168)
نحوه طه الدّرّة.(2:296)
رشيد رضا: قد بيّن تعالى علّة هذه المساواة بقوله:
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فالرّجل مولود من المرأة و المرأة مولودة من الرّجل،فلا فرق بينهما في البشريّة، و لا تفاضل بينهما إلاّ بالأعمال،أي و ما تترتّب عليه الأعمال،و يترتّب هو عليها من العلوم و الأخلاق.
أقول:و فيه وجه آخر،و هو أنّ كلاّ منهما صنو و زوج و شقيق للآخر،و في معنى ذلك حديث«النّساء شقائق الرّجال»قالوا:أي مثلهم في الطّباع و الأخلاق، كأنّهنّ مشتقّات منهم،أو لأنّهنّ معهم من أصل واحد.
و وجه ثالث:أنّه بمعنى حديث«سلمان منّا» و حديث«ليس منّا من دعا إلى عصبيّة».فمعنى«منّا»:
على طريقتنا،و ما نحن عليه لا فرق بيننا و بينه.
(4:306)
نحوه المراغيّ.(4:166)
النّهاونديّ: (بعضكم)منشعب(من بعض)آخر، و كلّكم من أصل واحد،فلا مزيّة لأحد على أحد عند اللّه إلاّ بالتّقوى و العمل الصّالح،فمع تساوي النّسبة إلى اللّه و كون التّفاوت و المزيّة بالإيمان و القيام بوظائف العبوديّة لا يمكن إثابة بعض دون بعض.
و قيل:إنّ المراد من قوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إنّكم متوافقون في الدّين و الأعمال،كما قال في حقّ المنافقين: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67.(1:296)
12- ...وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ... النّساء:25
أي كلّكم أولاد آدم.(68)
ابن عبّاس: يريد أنّ المؤمنين بعضهم أكفاء بعض.
(الخازن 1:426)
الطّبريّ: هذا من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، و تأويل ذلك:من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فممّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات،فلينكح بعضكم من بعض،بمعنى:فلينكح هذا فتاة هذا،ف«البعض»مرفوع بتأويل الكلام.(5:19)
الزّجّاج: قيل:في الحسب،أي كلّكم ولد آدم، و يجوز أن يكون قوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ دينكم واحد،لأنّه ذكر هاهنا المؤمنات من العبيد.
و إنّما قيل لهم ذلك،لأنّ العرب كانت تطعن في الأنساب،و تفخر بالأحساب و تعيّر بالهجنة.كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ أمر العبيد و غيرهم مستوفي الإيمان،و إنّما كره التّزوّج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل،لأنّ ولد الحرّ من الأمة يصيرون رقيقا،و لأنّ الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرّجال،و ذلك شاقّ على الزّوج،فلذلك كره تزوّج الحرّ بالأمة،فأمّا المفاخرة بالأحساب و التّعيير بالأنساب فمن أمر الجاهليّة.
يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:ثلاث من أمر الجاهليّة:الطّعن في الأنساب،و المفاخرة بالأحساب،
ص: 194
و الاستسقاء بالأنواء.و لن تترك في الإسلام.(2:41)
نحوه ابن الجوزيّ(2:57)،و الخازن(1:426).
النّحّاس: في معنى هذا قولان:أحدهما:بنو آدم، و القول الآخر:إنّكم مؤمنون فأنتم إخوة.(2:64)
نحوه القرطبيّ.(5:141)
الطّوسيّ: في معناه قولان:أحدهما:كلّكم ولد آدم،و الثّاني:كلّكم على الإيمان.
و يجوز أن تكون الأمة أفضل من الحرّة،و أكثر ثوابا عند اللّه،و في ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة،إذا جوّز أن تكون أكثر ثوابا عند اللّه مع اشتراكهم بأنّهم ولد آدم، و في ذلك صرف عن التّغاير بالأنساب.و من كره نكاح الأمة قال:لأنّ الولد عندنا يلحق بالحريّة في كلا الطّرفين.(3:170)
البغويّ: قيل:بعضكم إخوة لبعض،و قيل:كلّكم من نفس واحدة،فلا تستنكفوا من نكاح الإماء.
(1:599)
نحوه شبّر(2:32)،و النّسفيّ(1:220)،و ابن جزيّ(1:138)
الزّمخشريّ: أي أنتم و أرقّاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان،لا يفضل حرّ عبدا إلاّ برجحان فيه.(1:520)
نحوه البيضاويّ(1:214)،و البروسويّ(2:
190)،و الشّربينيّ(1:296)،و الكاشانيّ(1:408)، القاسميّ(5:119)
ابن عطيّة: قالت طائفة:هو رفع على الابتداء و الخبر،و المقصد بهذا الكلام،أي إنّكم أيّها النّاس سواء،بنو الحرائر و بنو الإماء،أكرمكم عند اللّه أتقاكم.
فهذه توطئة لنفوس العرب الّتي كانت تستهجن ولد الأمة،فلمّا جاء الشّرع بجواز نكاحها،أعلموا مع ذلك أنّ ذلك التّهجين لا معنى له.
و قال الطّبريّ: هو رفع بفعل تقديره:فلينكح ممّا ملكت«ايمانكم بعضكم من بعض»،فعلى هذا في الكلام تقديم و تأخير؛و هذا قول ضعيف.(2:38)
نحوه أبو حيّان.(3:221)
الفخر الرّازيّ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ و فيه وجهان:
الأوّل:كلّكم أولاد آدم فلا تداخلنّكم أنفة من تزوّج الإماء عند الضّرورة.
و الثّاني:أنّ المعنى كلّكم مشتركون في الإيمان، و الإيمان أعظم الفضائل،فإذا حصل الاشتراك في أعظم الفضائل كان التّفاوت فيما وراءه غير ملتفت إليه، و نظيره قوله تعالى: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،و قوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ الحجرات:13.
قال الزّجّاج: فهذا الثّاني أولى،لتقدّم ذكر المؤمنات، أو لأنّ الشّرف بشرف الإسلام أول منه بسائر الصّفات،و هو يقوّي قول الشّافعيّ رضي اللّه عنه:«إنّ الإيمان شرط لجواز نكاح الأمة».[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](10:60)
نحوه النّيسابوريّ.(5:19)
أبو السّعود: إن أريد به الاتّصال من حيث الدّين فهو بيان لتناسبهم من تلك الحيثيّة،إثر بيان تفاوتهم في
ص: 195
ذلك،و إن أريد به الاتّصال من حيث النّسب فهو اعتراض آخر مؤكّد للتّأنيس من جهة أخرى.
و الخطاب في الموضعين إمّا ل(من)كما في الخطاب الّذي يعقبه،قد روعي فيما سبق جانب اللّفظ و هاهنا جانب المعنى،و الالتفات للاهتمام بالتّرغيب و التّأنيس.
و إمّا لغيرهم من المسلمين كالخطابات السّابقة لحصول التّرغيب بخطابهم أيضا.(2:125)
نحوه الآلوسيّ.(5:9)
رشيد رضا: وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النّساء:25،فهو يبيّن أنّ«الإيمان»قد رفع شأن الفتيات المؤمنات،و ساوى بينهنّ و بين الأحرار و الحرائر في الدّين،و هو أعلم بحقيقة هذا الإيمان و درجات قوّته و كماله.
فربّ أمة أكمل إيمانا من حرّة،فتكون أفضل منها عند اللّه تعالى،أي فلا يصحّ مع هذا أن تعدّوا نكاح الأمة عارا عند الحاجة إليه.
فأنتم أيّها المؤمنون إخوة في الإيمان بعضكم من بعض،كما قال تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ آل عمران:195،و قال: اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،و قال في غيرهم:
اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:
67 إلخ.
و قيل: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ في النّسب،و هو ضعيف كما ترى،فالإيمان هو المراد؛إذ لا ينبغي للمؤمن أن ينكح من اجتمع فيها نقص الشّرك و نقص الرّقّ.
(5:21)
نحوه المراغيّ(5:9)،و الحجازيّ(5:5)،و عبد الكريم الخطيب(3:758)،و طه الدّرّة(3:6).
النّهاونديّ: (بعضكم)منشعب(من بعض) و كلّكم من أرومة واحدة،لا فضل لبعضكم على بعض من جهة الأصل و النّسب،و إنّما الفضل بالإيمان.
(1:317)
الطّباطبائيّ: فأشار سبحانه بقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إلى حقيقة صريحة يندفع بالتّأمّل فيها هذا التّوهّم الفاسد،فالرّقيق إنسان كما أنّ الحرّ إنسان، لا يتميّزان في ما به يصير الإنسان واجدا لشئون الإنسانيّة،و إنّما يفترقان بسلسلة من أحكام موضوعة، يستقيم بها المجتمع الإنسانيّ في إنتاجه سعادة النّاس، و لا عبرة بهذه التّميّزات عند اللّه،و الّذي به العبرة هو التّقوى الّذي به الكرامة عند اللّه.
فلا ينبغي للمؤمنين أن ينفعلوا عن أمثال هذه الخطرات الوهميّة،الّتي تبعدهم عن حقائق المعارف المتضمّنة سعادتهم و فلاحهم،فإنّ الخروج عن مستوى الطّريق المستقيم،و إن كان حقيرا في بادئ أمره لكنّه لا يزال يبعد الإنسان من صراط الهداية،حتّى يورده أودية الهلكة.(4:277)
13- وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا... النّساء:32
ابن عبّاس: (بعضكم)يعني الرّجال على(بعض) يعني النّساء.(69)
ص: 196
القمّيّ: لا يجوز للرّجل أن يتمنّى امرأة رجل مسلم أو ماله،و لكن يسأل اللّه من فضله.(1:136)
الزّمخشريّ: بعض النّاس على بعض من الجاه و المال.(1:522)
الطّباطبائيّ: و في نسبة الفضل إلى فعل اللّه سبحانه،و التّعبير بقوله: بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ إيقاظ لصفة الخضوع لأمر اللّه بإيمانهم به،و غريزة الحبّ المثارة بالتّنبّه حتّى يتنبّه المفضّل عليه أنّ المفضّل بعض منه غير مبان.(4:337)
و هناك مطالب أخرى سنذكرها في«ف ض ل» و«م ن ى».
و بهذا المعنى جاء ..بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ... النّساء:34،في أكثر التّفاسير.
14- ...وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. النّساء:150
ابن عبّاس: وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ: ببعض الكتب و الرّسل، وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ: ببعض الكتب و الرّسل.(84)
الطّبريّ: نؤمن ببعض الأنبياء و نكفر ببعض.
(6:5)
و نحوه البيضاويّ(1:253)،و الشّربينيّ(1:
341).
الميبديّ: نصدّق ببعض الحقّ و لا نصدّق ببعض.
(2:743)
ابن عطيّة: نزل في اليهود و النّصارى،لأنّهم في كفرهم بمحمّد عليه السّلام كأنّهم قد كفروا بجميع الرّسل، و كفرهم بالرّسل كفر باللّه،و فرّقوا بين اللّه و رسله في أنّهم قالوا:نحن نؤمن باللّه و لا نؤمن بفلان و فلان من الأنبياء،و قولهم: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ.
قيل:معناه من الأنبياء،و قيل:هو تصديق بعضهم لمحمّد في أنّه نبيّ،لكن ليس إلى بني إسرائيل،و نحو هذا من تفريقاتهم الّتي كانت تعنّتا و روغانا.(2:130)
نحوه أبو حيّان(3:385)،و النّيسابوريّ(6:8)، و ابن جزيّ(1:162)،و أبو السّعود(2:214)، و البروسويّ(2:314)،و الآلوسيّ(6:4).
الطّبرسيّ: أي يقولون:نصدّق بهذا و نكذّب بذاك،كما فعل اليهود صدّقوا بموسى و من تقدّمه من الأنبياء،و كذّبوا بعيسى و محمّد،و كما فعلت النّصارى صدّقوا عيسى و من تقدّمه من الأنبياء،و كذّبوا بمحمّد.
(2:132)
نحوه القرطبيّ(6:5)،و شبّر(2:121).
الطّباطبائيّ: يريدون أن يفرّقوا بين اللّه و رسله:
فيؤمنون باللّه و بعض رسله،و يكفروا ببعض رسله مع كونه رسولا من اللّه،و الرّدّ عليه ردّ على اللّه تعالى.
(5:126)
15- وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ. المائدة:49
ابن عبّاس: في القرآن من الرّجم.(95)
ص: 197
احذرهم أن يضلّوك عن ذلك إلى ما يهوون من الأحكام إطماعا منهم في الاستجابة إلى الإسلام.
(الطّوسيّ 3:548)
الشّعبيّ: الآية و إن خرجت مخرج الكلام على اليهود فإنّ المجوس داخلون فيها.(الطّوسيّ 3:548)
مقاتل: شأن القصاص و الدّماء.
(ابن الجوزيّ 2:375)
ابن زيد: احذرهم أن يضلّوك بالكذب عن التّوراة بما ليس فيها،فإنّي قد بيّنت لك حكمها.
(الطّوسيّ 3:548)
الطّبريّ: فيصدّوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك من حكم كتابه.(6:273)
نحوه النّسفيّ(1:287)،و النّهاونديّ(1:403)
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ. المائدة:51
لاحظ«و ل ي»
17- وَ كَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ.
الأنعام:53
لاحظ«ف ت ن».
18- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ. الأنعام:65
راجع«ذوق».
19- وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ.
الأنعام:112
راجع«ش طن»و«و ح ي»
20- ...وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا...
الأنعام:128
راجع«م ت ع،استمتع»
21- وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. الأنعام:129
راجع«و ل ي».
22- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً... الأنعام:158
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «بادروا بالأعمال ستّا:طلوع الشّمس من مغربها،و الدّابّة،و الدّجّال،و الدّخان،و خويصة أحدكم أي موته،و أمر العامّة يعني القيامة.
ص: 198
(الطّبرسيّ 2:388)
نحوه أبو هريرة.(الماورديّ 2:190)
ابن مسعود: طلوع الشّمس من مغربها مع القمر في وقت واحد،و قرأ وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيمة:9.
(الماورديّ 2:190)
مجاهد : أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يقول:
طلوع الشّمس من مغربها.(الطّبريّ 8:96)
مثله قتادة و الطّبريّ.(الطّبريّ 8:96)
الإمام الباقر عليه السّلام: طلوع الشّمس من المغرب، و خروج الدّابّة،و الدّجّال،و الرّجل يكون مصرّا و لم يعمل عمل الإيمان،ثمّ تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه.
(العروسيّ 1:781)
قتادة: آية موجبة طلوع الشّمس من مغربها،أو ما شاء اللّه.(الطّبريّ 8:96)
الإمام الصّادق عليه السّلام: في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ الآية،الآيات هم الأئمّة عليهم السّلام، و الآية:المنتظر القائم عليه السّلام،فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ قيامه بالسّيف،و إن آمنت بمن تقدّمه من آبائه عليهم السّلام[و هذا تأويل](العروسيّ 1:781)
الزّجّاج: نحو خروج الدّابّة:أو طلوع الشّمس من مغربها.(2:308)
الزّمخشريّ: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يريد آيات القيامة و الهلاك الكلّيّ.و بعض الآيات:أشراط السّاعة،كطلوع الشّمس من مغربها،و غير ذلك.
(2:63)
نحوه النّسفيّ.(2:42)
ابن عطيّة: يصحّ أن يريد بقوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ جميع ما يقطع بوقوعه من أشراط السّاعة، ثمّ خصّص بعد ذلك بقوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الآية الّتي ترفع التّوبة معها،و قد بيّنت الأحاديث أنّها طلوع الشّمس من مغربها.(2:366)
أبو حيّان: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ و غيره ممّن ذكرناهم قال:]
و الظّاهر أنّهم توعّدوا بالشّيء العظيم من أشراط السّاعة،ليذهب الفكر في ذلك كلّ مذهب،لكن أتى بعد ذلك الإخبار عنه عن هذا«البعض»بعدم قبول التّوبة فيه إذا أتى.و تصريح الرّسول بأنّ طلوع الشّمس من مغربها وقت لا تنفع فيه التّوبة،فيظهر أنّه هذا«البعض».
و يحتمل أن يكون هذا«البعض»غرغرة الإنسان عند الموت،فإنّها تكون في وقت لا تنفع فيه التّوبة.قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:
18،و في الحديث:«أنّ توبة العبد تقبل ما لم يغرغر».
و يحتمل أن يكون قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ غير قوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فيكون هذا عبارة عن ما يقطع بوقوعه من أشراط السّاعة، و يكون قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فيه وصف محذوف يدلّ عليه المعنى،تقديره:يوم يأتي آيات ربّك الّتي يرتفع معها التّوبة.
و ثبت بالحديث الصّحيح أنّ طلوع الشّمس من مغربها وقت لا تقبل فيه التّوبة،و يدلّ على التّغاير إعادة (آياتِ رَبِّكَ) إذ لو كانت هذه تلك لكان التّركيب يوم
ص: 199
يأتي بعضها،أي بعض آيات ربّك.(4:259)
رشيد رضا: و«البعض»من هذه الآيات قد يطلع عليه الأفراد عند الغرغرة قبيل خروج الرّوح،و هي القيامة الصّغرى،و لا تراها الأمم كلّها إلاّ قبيل قيام القيامة الكبرى،فإنّ لها آيات كآيات الموت بعضها ظنّيّ و بعضها قطعيّ،يترتّب عليه حصول الإيمان القهريّ.
و في الآية من الإيجاز البليغ ما ترى،فإنّ الفصل بين كلمة«نفسا»الدّالّة على الشّمول لكونها نكرة في سياق النّفي،و بين صفتها الّتي هي جملة لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ إلخ بالفاعل و هو إِيمانُها، و عطف جملة أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عليها،قد أغنى عن التّصريح بما بسطنا به المعنى آنفا.
و قد روي في أحاديث،منها الصّحيح السّند و الضّعيف الّذي لا يحتجّ به وحده،بأنّ هذه«الآية»الّتي أبهمت فأضيفت إلى الرّبّ تعالى لتعظيم شأنها و تهويله، هي طلوع الشّمس من مغربها،قبيل تلك القارعة الصّاخّة الّتي ترجّ الأرض رجّا،و تبسّ الجبال بسّا، فتكون هباء منبثّا،إذا الشّمس كوّرت،و إذا الكواكب انتثرت،و بطل هذا النّظام الشّمسيّ.
و قد كان طلوع الشّمس من مغربها بعيدا عن المألوف المعقول،و لا سيّما معقول من كانوا يقولون بما تقول فلاسفة اليونان في الأفلاك و العقول.و أمّا علماء الهيئة الفلكيّة في هذا العصر فلا يتعذّر على عقولهم أن تتصوّر حادثا،تتحوّل فيه حركة الارض اليوميّة، فيكون الشّرق غربا و الغرب شرقا،و لا ندري أ يستلزم ذلك تغييرا آخر في النّظام الشّمسيّ أم لا؟
و قد ورد في المأثور ما يؤيّد هذا التّوجيه،فقد أخرج البخاريّ في«تاريخه»و أبو الشّيخ في«العظمة»و ابن عساكر عن كعب،قال:إذا أراد اللّه أن تطلع الشّمس من مغربها أدارها بالقطب-أي المحور-فجعل مشرقها مغربها و مغربها مشرقها،و هذا من أحسن العلم المعقول الّذي روي عن كعب،و اللّه على كلّ شيء قدير.
و أقوى الأحاديث الواردة في طلوع الشّمس من مغربها ما رواه البخاريّ في كتاب«الرّقاق»عن أبي هريرة،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لا تقوم السّاعة حتّى تطلع الشّمس من مغربها،فإذا طلعت و رآها النّاس آمنوا أجمعون،فذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً اه».
و مثله في«التّفسير»و غيره من صحيحه.و أورده في كتاب«الفتن»مطوّلا،فيه ذكر آيات أخرى لقيام السّاعة.و أخرجه أيضا أحمد و مسلم و أبو داود و النّسائيّ و ابن ماجه و غيرهم.
و أخرج أحمد و التّرمذيّ و غيرهما عن أبي هريرة أيضا رفعه«ثلاث إذا خرجن لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الأنعام:158،طلوع الشّمس من مغربها،و الدّجّال،و دابّة الأرض».و هو مشكل مخالف للأحاديث الأخرى الواردة في نزول المسيح بعد الدّجّال،و إيمان النّاس به.
و المشكلات في الأحاديث الواردة في أشراط السّاعة كثيرة أهمّ أسبابها-فيما صحّت أسانيده و اضطربت المتون،و تعارضت أو أشكلت من وجوه أخرى-أنّ هذه الأحاديث رويت بالمعنى و لم يكن كلّ
ص: 200
الرّواة يفهم المراد منها،لأنّها في أمور غيبيّة،فاختلف التّعبير باختلاف الأفهام،على أنّهم اختلفوا في ترتيب هذه الآيات.
و ممّا استشكلوه أنّ علّة عدم قبول الإيمان بعد طلوع الشّمس من مغربها لا تنطبق إلاّ على من رآها أو رويت له بالتّواتر،و قد روي أنّ الشّمس و القمر يكسيان النّور بعد كسوف و ظلمة،و يعودان إلى الطّلوع من المشرق.
و قد روى عبد بن حميد عن ابن عمر مرفوعا و موقوفا «يبقى النّاس بعد طلوع الشّمس من مغربها عشرين و مائة سنة».
و لكن رفعه لا يصحّ،و يعارضه من حديثه ما رواه مرفوعا«فالآيات خرزات منظومات في سلك،إذا انقطع السّلك تبع بعضها بعضا»قاله الحافظ ابن حجر و هو المعتمد.
و روى الطّبرانيّ و الحاكم عن عبد اللّه بن عمر حديثا،ذكر فيه طلوع الشّمس من مغربها،و قال:«فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل هذه الآية».
هذا و أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه لم يصرّح في هذه الأحاديث بالسّماع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيخشى أن يكون قد روى بعضها عن كعب الأحبار و أمثاله،فتكون مرسلة.
و لكن مجموع الرّوايات عنه و عن غيره تثبت هذه الآية بالجملة،فنظّمها في سلك المتشابهات،و نحمل التّعارض بين الرّوايات و ما في بعضها،من مخالفة الأدلّة القطعيّة على ما أشرنا إليه من الأسباب،كالرّواية عن مثل كعب الأحبار من رواة الإسرائيليّات،و اللّه أعلم.
(8:209)
النّهاونديّ: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ من المعجزات القاهرات،أو أشراط السّاعة،[ثمّ ذكر كلام الصّادق عليه السّلام](1:494)
عزّة دروزة: و قد قال المفسّرون:إنّ جملة يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ تعني ما يسمّى بعلامات السّاعة، و أوردوا في سياقها أحاديث عديدة متنوّعة الرّتب، تضمّنت ذكر هذه العلامات الّتي تسبق ختام الدّنيا،مثل طلوع الشّمس من المغرب،و ظهور دابّة الأرض المسمّاة بالجسّاسة،و نزول عيسى عليه السّلام من السّماء، و ظهور الدّجّال،و يأجوج و مأجوج إلخ،كما تضمّنت أنّ باب التّوبة و الإيمان ينسدّ حينئذ،فلا ينفع نفسا إيمانها و توبتها.
و يلحظ أنّ الجملة جزء من التّعقيب الّذي احتوته الآية الأولى و ما بعدها،و قد تضمّنت إنذار الكفّار السّامعين و التّنديد بهم.و الأولى صرفها إلى أمر قريب متّصل بظروفهم و بأشخاصهم.
و لعلّ الآية تنذرهم بغمرات الموت،أو بوقوع عذاب اللّه عليهم بغتة،فيحول هذا أو ذاك بينهم و بين تلافي أمرهم،و تدعوهم إلى اغتنام فرصة العافية وسعة الوقت قبل فواته.و هذا المعنى قد تكرّر بأساليب متنوّعة.
و مع خصوصيّة التّوجيه الزّمنيّة في الآية فيما تبادر لنا،فإنّها في حدّ ذاتها عامّة الشّمول في إنذارها، و تحذيرها بطبيعة الحال.(4:242)
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ إلى آخر الآية،يشرح خاصّة يوم ظهور هذه الآيات،و هي في الحقيقة خاصّة نفس الآيات،و هي أنّ «الإيمان»لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع و اختيار،أو آمنت قبله و لم تكن كسبت في إيمانها خيرا، و لم تعمل صالحا،بل انهمكت في السّيّئات و المعاصي؛إذ لا توبة لمثل هذا الإنسان،قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18.
ص: 201
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ إلى آخر الآية،يشرح خاصّة يوم ظهور هذه الآيات،و هي في الحقيقة خاصّة نفس الآيات،و هي أنّ «الإيمان»لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع و اختيار،أو آمنت قبله و لم تكن كسبت في إيمانها خيرا، و لم تعمل صالحا،بل انهمكت في السّيّئات و المعاصي؛إذ لا توبة لمثل هذا الإنسان،قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18.
فالنّفس الّتي لم تؤمن من قبل إيمان طوع و رضى،أو آمنت باللّه و كذّبت بآيات اللّه،و لم تعتن بشيء من شرائع اللّه،و استرسلت في المعاصي الموبقة،و لم تكتسب شيئا من صالح العمل فيما كان عليها ذلك،ثمّ شاهدت البأس الإلهيّ فحملها الاضطرار إلى الإيمان،لتردّ به بأس اللّه تعالى،لم ينفعها ذلك،و لم يردّ عنها بأسا، و لا يردّ بأسه عن القوم المجرمين.[و بعد نقل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام قال:]
أقول:و الظّاهر أنّ الرّواية من قبيل الجري و كذا ما تقدّم من الرّوايات،و يمكن أن يكون من التّفسير، و كيف كان فهو يوم تظهر فيه البطشة الإلهيّة الّتي تلجئ النّاس إلى الإيمان و لا ينفعهم.
و قد ورد«طلوع الشّمس من مغربها»في أحاديث كثيرة جدّا من طرق الشّيعة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و من طرق أهل السّنّة عن جمع من الصّحابة،كأبي سعيد الخدريّ و ابن مسعود و أبي هريرة و عبد اللّه بن عمر و حذيفة و أبي ذرّ و عبد اللّه بن عبّاس و عبد اللّه بن أبي أوفى و صفوان بن عسال و أنس و عبد الرّحمن بن عوف و معاوية و أبي أمامة و عائشة و غيرهم،و إن اختلفت في مضامينها اختلافا فاحشا.
و الأنظار العلميّة اليوم لا تمنع تبدّل الحركة الأرضيّة على خلاف ما هي عليه اليوم من الحركة الشّرقيّة،أو تبدّل القطبين بصيرورة الشّماليّ جنوبيّا و بالعكس،إمّا تدريجا كما يبيّنه الأرصاد الفلكيّة،أو دفعة لحادثة جويّة كلّيّة.هذا كلّه إن لم تكن الكلمة رمزا أشير بها إلى سرّ من أسرار الحقائق.
و قد عدّت في الرّوايات من تلك الآيات:خروج دابّة الأرض،و الدّخان،و خروج يأجوج و مأجوج.
و هذه أمور ينطق بها القرآن الكريم،و عدّ منها غير ذلك،كخروج المهديّ عليه السّلام و نزول عيسى بن مريم، و خروج الدّجّال و غيرها،و هي و إن كانت من حوادث آخر الزّمان،لكن كونها ممّا يتعلّق بها باب التّوبة،غير واضح.(7:387)
23- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. الأنعام:165
راجع«ر ف ع»
24- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. الأنفال:37
راجع«خ ب ث»
ص: 202
25- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ... الأنفال:72
راجع«و ل ي»
26- اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ... التّوبة:67
ابن عبّاس: على دين بعض في السّرّ.(161)
الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:أنّ بعضهم يجتمع مع بعض على النّفاق،و الثّاني:أنّ بعضهم يأخذ نفاقه من بعض.(2:379)
الطّوسيّ: المعنى أنّ بعضهم يضاف إلى بعض بالاجتماع على النّفاق،كما يقول القائل لغيره:أنت منّي و أنا منك،و المعنى أنّ أمرنا واحد لا ينفصل.
و قيل:بعضهم من بعض فيما يلحقهم من مقت اللّه و عذابه،أي منازلهم متساوية في ذلك.(5:294)
الزّمخشريّ: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أريد به نفي أن يكونوا من المؤمنين،و تكذيبهم في قولهم: وَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ التّوبة:56،و تقرير قوله:(و ما هم منكم)ثمّ وصفهم بما يدلّ على مضادّة حالهم لحال المؤمنين.(2:200)
البيضاويّ: أي متشابهة في النّفاق و البعد عن الإيمان كأبعاض الشّيء الواحد،و قيل:إنّه تكذيبهم في حلفهم باللّه.(1:422)
أبو حيّان: بيّن تعالى أنّ ذكورهم و إناثهم ليسوا من المؤمنين،كما قال تعالى: وَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ التّوبة:56،بل بعضهم من بعض في الحكم و المنزلة،و النّفاق،فهم على دين واحد.
و ليس المعنى على التّبعيض حقيقة،لأنّ ذلك معلوم،و وصفهم بخلاف ما عليه المؤمنون من أنّهم يأمرون بالمنكر،و هو الكفر و عبادة غير اللّه و المعاصي، و ينهون عن المعروف،لأنّ الّذين نزلت فيهم لم يكونوا أهل قدرة و لا أفعال ظاهرة،و ذلك بظهور الإسلام و عزّته.(5:68)
الآلوسيّ: أي متشابهون في النّفاق كتشابه أبعاض الشّيء الواحد،و المراد الاتّحاد في الحقيقة و الصّورة كالماء و التّراب،و الآية متّصلة بجميع ما ذكر من قبائحهم.
و قيل:هي متّصلة بقوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ و المراد منها تكذيب قولهم المذكور و إبطال له، و تقرير لقوله سبحانه: وَ ما هُمْ مِنْكُمْ و ما بعد من تغاير صفاتهم و صفات المؤمنين كالدّليل على ذلك.
و(من)على التّقريرين اتّصاليّة،كما في قوله عليه الصّلاة و السّلام:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».
و التّعرّض لأحوال الإناث للإيذان بكمال عراقتهم في الكفر و النّفاق.(10:132)
الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ الآية في مقام التّعليل لقوله في الآية السّابقة: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً التّوبة:66،و سياق مخاطبة المنافقين جار لم ينقطع بعد.
فالآية السّابقة لمّا دلّت على أنّه تعالى لا يترك المنافقين حتّى يعذّبهم بأجرامهم-فإن ترك بعضا منهم
ص: 203
لحكمة و مصلحة آخذ آخرين منهم بالعذاب-كان هناك مظنّة أن يسأل فيقال:ما وجه أخذ البعض إذا ترك غيره؟و هل هو إلاّ كأخذ الجار بجرم الجار؟فأجيب ببيان السّبب و هو أنّ المنافقين جميعا بعضهم من بعض لاشتراكهم في خبائث الصّفات و الأعمال،و اشتراكهم في جزاء أعمالهم و عاقبة حالهم.
و لعلّه ذكر المنافقات مع المنافقين مع عدم سبق لذكرهنّ،للدّلالة على كمال الاتّحاد و الاتّفاق بينهم في نفسيّتهم،و ليكون تلويحا على أنّ من النّساء أيضا أجزاء،مؤثّرة في هذا المجتمع النّفاقيّ الفاسد المفسد.
فمعنى الآية لا ينبغي أن يستغرب أخذ بعض المنافقين إذا ترك البعض الآخر،لأنّ المنافقين و المنافقات يحكم عليهم نوع من الوحدة النّفسيّة يوحّد كثرتهم،فيرجع بعضهم إلى بعض،فيشرّكهم في الأوصاف و الأعمال،و ما يجازون به بوعد من اللّه تعالى.
(9:335)
لاحظ«ن ف ق»
27- وَ إِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ. يونس:46
الزّجّاج: يقال في التّفسير:إنّه يعني به وقعة بدر، و قيل:إنّ اللّه جلّ و عزّ أعلم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ينتقم من بعض هذه الأمّة،و لم يعلمه أ يكون ذلك قبل وفاته أم بعدها.
(3:23)
الطّوسيّ: و البعض شيء يفصل من الكلّ، و البعض و القسم و الجزء نظائر.و معنى الآية إن أريناك يا محمّد بعض ما نعد هؤلاء الكفّار من العذاب عاجلا بأن ننزّل عليهم ذلك في حياتك،و إن أخّرنا ذلك عنهم إلى بعد وفاتك و وفاتهم،فإنّ ذلك لا يفوتهم.(5:444)
ابن عطيّة: و الإشارة بقوله:(بعض الّذى)إلى عقوبة اللّه لهم،نحو بدر و غيرها.و معنى هذه الآية:
الوعيد بالرّجوع إلى اللّه تعالى،أي إن أريناك عقوبتهم أو لم نركها،فهم على كلّ حال راجعون إلينا إلى الحساب و العذاب،ثمّ مع ذلك فاللّه شهيد من أوّل تكليفهم على جميع أعمالهم.(3:123)
الطّبرسيّ: (و امّا نرينّك)يا محمّد في حياتك بعض الّذي نعدهم،أي نعد هؤلاء الكفّار من العقوبة في الدّنيا، قالوا:و منه وقعة بدر.(3:113)
القرطبيّ: أي من إظهار دينك في حياتك،و قال المفسّرون:كان البعض الّذي وعدهم:قتل من قتل، و أسر من أسر ببدر.(8:348)
البيضاويّ: من العذاب في حياتك،كما أراه يوم بدر.(1:449)
مثله الآلوسيّ.(11:139)
لاحظ«ر أ ي»
28- وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً. الكهف:99
ابن الجوزيّ: في المشار إليهم ثلاثة أقوال:
أحدها:أنّهم يأجوج و مأجوج...
و الثّاني:أنّهم الكفّار.
و الثّالث:أنّهم جميع الخلائق:الجنّ و الإنس يموجون
ص: 204
حيارى؛فعلى هذين القولين المراد باليوم المذكور،يوم القيامة.(5:195)
و هناك مطالب أخرى سنذكرها في«م و ج».
29- مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ. المؤمنون:91
راجع«ال ه».
إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ.
البقرة:26
قتادة: البعوضة:أضعف ما خلق اللّه.
نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 1:178)
الرّبيع:إنّ البعوضة تحيا ما جاعت،فإذا سمنت ماتت.(الطّبرسيّ 1:67)
الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّما ضرب اللّه المثل بالبعوضة،لأنّ البعوضة على صغر حجمها خلق اللّه فيها جميع ما خلق في الفيل-مع كبره-و زيادة عضوين آخرين،فأراد اللّه سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطف خلقه،و عجيب صنعه.(العروسيّ 1:45)
الفرّاء: و أمّا نصبهم(بعوضة)فيكون من ثلاثة أوجه:
أوّلها:أن توقع الضّرب على البعوضة،و تجعل(ما) صلة،كقوله: عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ المؤمنون:40، يريد عن قليل.المعنى-و اللّه أعلم-إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب بعوضة فما فوقها مثلا.
و الوجه الآخر:أن تجعل(ما)اسما،و البعوضة صلة فتعرّبها بتعريب(ما)؛و ذلك جائز في«من»و«ما»لأنّهما يكونان معرفة في حال،و نكرة في حال.[ثمّ استشهد بشعر]
و الرّفع في(بعوضة)هاهنا جائز،لأنّ الصّلة ترفع، و اسمها منصوب و مخفوض.
و أمّا الوجه الثّالث،و هو أحبّها إليّ: فأن تجعل المعنى على:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها.و العرب إذا ألقت«بين»من كلام تصلح«إلى» في آخره،نصبوا الحرفين المخفوضين اللّذين خفض أحدهما ب«بين»و الآخر ب«إلى»،فيقولون:مطرنا ما زبالة فالثّعلبيّة،و له عشرون ما ناقة فجملا،و هي أحسن النّاس ما قرنا فقدما.يراد به:ما بين قرنها إلى قدمها.و يجوز أن تجعل القرن و القدم معرفة،فتقول:هي حسنة ما قرنها فقدمها.
فإذا لم تصلح«إلى»في آخر الكلام،لم يجز سقوط «بين»؛من ذلك أن تقول:داري ما بين الكوفة و المدينة.
فلا يجوز أن تقول:داري ما الكوفة فالمدينة،لأنّ«إلى» إنّما تصلح إذا كان ما بين المدينة و الكوفة كلّه من دارك، كما كان المطر آخذا ما بين زبالة إلى الثّعلبيّة.
و لا تصلح الفاء مكان الواو فيما لا تصلح فيه«إلى» كقولك:دار فلان بين الحيرة فالكوفة؛محال.و جلست
ص: 205
بين عبد اللّه فزيد؛محال،إلاّ أن يكون مقعدك آخذا للفضاء الّذي بينهما.
و إنّما امتنعت الفاء من الّذي لا تصلح فيه«إلى»،لأنّ الفعل فيه لا يأتي فيتّصل،و«إلى»تحتاج إلى اسمين يكون الفعل بينهما كطرفة عين،و إن قصر قدر الّذي بينهما ممّا يوجد،فصلحت الفاء في«إلى»،لأنّك تقول:أخذ المطر أوّله فكذا و كذا إلى آخره.فلمّا كان الفعل كثيرا شيئا بعد شيء في المعنى كان فيه تأويل من الجزاء.
و مثله أنّهم قالوا:إن تأتني فأنت محسن.و محال أن تقول:إن تأتني و أنت محسن؛فرضوا بالفاء جوابا في الجزاء و لم تصلح الواو.
قال الكسائيّ: سمعت أعرابيّا و رأى الهلال،فقال:
الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك.يريد ما بين إهلالك إلى سرارك؛فجعلوا النّصب الّذي كان يكون في«بين»فيما بعده إذا