المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 6

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلفون

الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و محمّد الملكوتي و مقابلة النصوص إلى محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ و محمّد رضا النّوريّ و أبي القاسم حسن پور و تنضيد الحروف إلى حسين الطّائيّ في قسم الكمبيوتر.

ص: 5

ص: 6

المحتويات

المقدّمة 9

ب ط ن 11

ب ع ث 51

ب ع ث ر 109

ب ع د 119

ب ع ر 165

ب ع ض 173

ب ع ل 219

ب غ ت 237

ب غ ض 249

ب غ ل 263

ب غ ي 269

ب ق ر 359

ب ق ع 383

ب ق ل 393

ب ق ي 401

ب ك ر 435

ب ك ك 465

ب ك م 475

ب ك ي 493

ب ل د 515

ب ل س 537

ب ل ع 549

ب ل غ 559

ب ل و-ب ل ي 671

ب ن ن 739

ب ن و 757

ب ن ي 835

ب ه ت 863

ب ه ج 881

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم 887

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 893

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.

ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد السّادس من موسوعتنا القرآنيّة:

«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.

و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(29)مفردة قرآنيّة من حرف الباء،ابتداء من (ب ط ن)و انتهاء ب(ب ه ج)،و أوسع الكلمات فيه بحثا و تنقيبا هي(ب ل غ).

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا بما يضارع الأمل في استمرار العمل،إنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الباء

ب ط ن

اشارة

13 لفظا،25 مرّة:13 مكّيّة،12 مدنيّة

في 18 سورة:10 مكّيّة،8 مدنيّة

بطن 2:1-1 بطن 1:-1

الباطن 1:-1 بطنه 2:1-1

باطنه 2:1-1 بطني 1:-1

باطنة 1:1 بطون 7:6-1

بطانة 1:-1 بطونه 1:1

بطائنها 1:-1 بطونها 2:2

بطونهم 3:-3

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البطن في كلّ شيء خلاف الظّهر،كبطن الأرض و ظهرها،و كالباطن و الظّاهر،و كالبطانة و الظّهارة،يعني باطن الثّوب و ظاهره.قال اللّه عزّ و جلّ:

مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ الرّحمن:

54،و في بعض التّفسير:(بطائنها):ظواهرها.

و بطانة الرّجل:وليجته من القوم الّذين يداخلهم و يداخلونه في دخلة أمرهم.و بطانته:سريرته،و كذلك يقال:أهل بطانته.

و لحاف مبطون و مبطّن.

و الباطنة من الكوفة و البصرة و نحوهما:مجتمعهم في وسطها،و الظّاهرة:ما تنحّى.

و بطن الرّاحة و ظهر الكفّ و باطن الإبط، و لا يقولون:بطن.

و باطن الخفّ:الّذي تليه الرّجل.

و النّعمة الباطنة:الّتي قد خصّت،و الظّاهرة:الّتي عمّت،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً لقمان:20.

و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،و هي الأشر من كثرة المال أيضا،و منه قيل:نزت به البطنة.

و رجل بطين:ضخم البطن،و رجل بطين:كثير المال

ص: 11

أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مبطون:قد بطن و به البطن.

و ألقت الدّجاجة ذا بطنها:كناية عن مزقها،أي سلحها.

و ألقت المرأة ذا بطنها،أي ولدت،و نثرت للزّوج بطنها،أي أكثرت ولدها.

و البطان للبعير:كالحزام للدّابّة،و جمعه:بطن، و العدد:أبطنة،و تبطينك الدّابّة:ضربك بطنها بالسّوط.

و تبطّنت في هذا الأمر،أي دخلت فيه حتّى عرفت باطنه.و تبطّنت الأرض و الكلأ،أي جوّلت فيه.

و رجل مبطان:يغيب بالعشيّات عن النّاس في الشّرب و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مبطان،إذا كان لا يزال ضخم البطن،يأكل أكلا شديدا دون أصحابه.

و تقول:أنت أبطن بهذا الأمر خبرة و أطول به عشرة،أي أخبر بباطنه.(7:440)

الكسائيّ: أبطنت البعير،إذا شددت بطانه.[ثمّ استشهد بشعر]

مثله أبو زيد.(الأزهريّ 13:376)

ابن شميّل: بطنان الأرض:ما توطّأ في بطون الأرض سهلها و حزنها و رياضها،و هي قرار الماء و مستنقعه،و هو البواطن و البطون.

يقال:بطن حمل البعير و واضعه حتّى يتّضع،أي حتّى يسترخي على بطنه و يتمكّن الحمل منه.

و يقال:تبطّن الرّجل جاريته،إذا باشرها و لمسها.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:375)

أبو عبيدة: في باطن وظيفي الفرس أبطنان،و هما عرقان استبطنا الذّراع حتّى انغمسا في عصب الوظيف.

(الأزهريّ 13:376)

أبو زيد: و قالوا:بطن الرّجل يبطن بطنة و هو الرّجل البطين،و هو الّذي ربّما أكل حتّى يعظم بطنه و ليست له عادة و ليس برغيب،و هذا رجل بطن:بيّن البطن.

و بطن يبطن بطنا،و هو الّذي لا يجد شيئا إلاّ ملأ جوفه من الرّغب،فلا تلقاه الدّهر إلاّ عظيم البطن.

(207)

الأصمعيّ: رجل مبطّن،إذا كان خميصا.فإذا كان لا يزال ضخم البطن لا ينهشم بطنه لجوع أو غيره،قيل له:مبطان.[ثمّ استشهد بشعر](الخطّابيّ 1:302)

بطن فلان بفلان يبطن به بطونا،إذا كان خاصّا به داخلا في أمره.

و يقال:إنّ فلانا لذو بطانة بفلان،أي ذو علم بداخلة أمره.

و يقال:أنت أبطنت فلانا دوني،أي جعلته أخصّ بك منّي،و هو مبطن،إذا أدخله في أمره،و خصّ به دون غيره،و صار من أهل دخلته.

يقال:أبطن فلان السّيف كشحه،إذا جعله تحت خصره.و يقال:بطّن فلان ثوبه تبطينا،و هي البطانة و الظّهارة.

يقال:ضرب فلان البعير فبطن له،إذا ضربه تحت البطن.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بطنه الدّاء،و هو يبطنه،إذا دخله بطونا.

ص: 12

و البطن من الأرض:الغامض الدّاخل،و الجميع:

البطنان.و يقال:شأو بطين،أي بعيد.[ثمّ استشهد بشعر]

بطان الرّيش:ما كان تحت العسيب،و ظهرانه:

ما كان فوق العسيب.و يقال:رأش سهمه بظهران و لم يرشه ببطنان،لأنّ ظهران الرّيش أوفى و أتمّ،و بطنان الرّيش قصار.و واحد البطنان:بطن،و واحد الظّهران:

ظهر،و العسيب:قضيب الرّيش في وسطه.

بطن الرّجل يبطن بطنا و بطنة،إذا عظم بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ثقلت عليه البطنة،و هي الكظّة.

و يقال:ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها،أراد بالخمصة:الجوعة.و يقال:مات فلان بالبطن.

و أتى فلان الوادي فتبطّنه،أي دخل بطنه.

و البطان:الحزام الّذي يلي البطن.

و يقال للّذي لا يزال ضخم البطن:مبطان،فإذا قالوا:رجل مبطّن فمعناه أنّه خميص البطن.[ثمّ استشهد بشعر]

البطان للقتب خاصّة،و جمعه:أبطنه،و الحزام للسّرج.

بطنت البعير أبطنه:شددت بطانه.

(الأزهريّ 13:372)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ما نزل من القرآن آية إلاّ لها ظهر و بطن،و لكلّ حرف حدّ،و لكلّ حدّ مطلع».

و أمّا قوله:«لها ظهر و بطن»فإنّ النّاس قد اختلفوا في تأويله.يروى عن الحسن أنّه سئل عن ذلك،فقال:

إنّ العرب يقول:قد قلّبت أمري ظهرا لبطن.

و قال غيره:الظّهر:لفظ القرآن،و البطن:تأويله.

و فيه قول ثالث و هو عندي أشبه الأقاويل بالصّواب،و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ قد قصّ عليك من نبإ عاد و ثمود و غيرهما من القرون الظّالمة لأنفسها،فأخبر بذنوبهم و ما عاقبهم بها؛فهذا هو«الظّهر»إنّما هو حديث حدّثك به عن قوم،فهو في الظّاهر خبر.

و أمّا«الباطن»منه فكأنّه صيّر ذلك الخبر عظة لك و تنبيها و تحذيرا أن تفعل فعلهم؛فيحلّ بك ما حلّ بهم من عقوبته.

أ لا ترى أنّه لمّا أخبرك عن قوم لوط و فعلهم و ما أنزل بهم،أنّ ذلك ممّا يبين ذلك أنّ من صنع ذلك عوقب بمثل عقوبتهم.

و هذا كرجل قال لك:إنّ السّلطان أتى بقوم قتلوا فقتلهم،و آخرين سرقوا فقطعهم،و شربوا الخمر فجلدهم؛فهذا«الظّاهر»إنّما هو حديث حدّثك به.

و«الباطن»أنّه قد وعظك بذلك و أخبرك أنّه يفعل ذلك بمن أذنب تلك الذّنوب،فهذا هو«البطن»على ما يقال، و اللّه أعلم.(1:215)

يموت (1)و ماله وافر لم ينفق منه شيئا.مات فلان ببطنته لم يتغضغض منها شيء،و مثله:مات فلان و هو عريض البطان،أي ماله جمّ لم يذهب منه شيء.

و يضرب هذا المثل في أمر الدّين أي خرج من الدّنيا سليما لم يثلم دينه شيء.(ابن منظور 13:57)ل.

ص: 13


1- قال في باب البخيل.

ابن الأعرابيّ: أبطنت البعير،و لا يقال:بطنته، بغير ألف.(ابن سيدة 9:194)

ابن السّكّيت: رجل مبطّن:خميص البطن،و امرأة مبطّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بطين:عظيم البطن،و رجل مبطون:يشتكي بطنه.(الأزهريّ:13:374)

شمر:تبطّنها،إذا باشر بطنه بطنها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:376)

و في حديث إبراهيم«أنّه كان يبطن لحيته»أي يأخذ من تحت الذّقن الشّعر.(الهرويّ 1:183)

الدّينوريّ: البطنان:مسايل الماء في الغلظ واحدها باطن.[ثمّ استشهد بشعر]

البطنان من الرّيش:الّذي يلي الأرض إذا وقع الطّائر أو سفع شيئا أو جثم على بيضه أو فراخه،و الظّهار و الظهران:ما جعل من ظهر عسيب الرّيشة.

(ابن سيدة 9:193)

البطنان من الأرض واحد كالبطن.و أتى فلان الوادي فتبطّنه،أي دخل بطنه.(ابن منظور 13:55)

ابن دريد :البطن:خلاف الظّهر،و البطن:الغامض من الأرض،و البطن من العرب:دون القبيلة.

و أفرشني فلان بطن أمره و ظهره،أي سرّه و علانيته،و الباطن:خلاف الظّاهر.

و رجل بطين،أي عظيم البطن،و كذلك مبطان.

و رجل مبطّن:خميص البطن.[ثمّ استشهد بشعر]

و البطنان:بطنان القذذ إذا التقت،و هو مكروه.

و الظّهران:ظهرانها إذا التقت،و هو محمود.و فلان بطانتي دون إخواني،أي الّذي أبطنته أمري،و في التّنزيل:

لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118.

و بطنت ثوبي بثوب آخر،إذا جعلته تحته.

و استبطنت أمر فلان،إذا وقفت على دخلته.

و البطنة:كثرة الأكل و إفراط الشّبع.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثل من أمثالهم:«البطنة تذهب الفطنة»،و من أمثالهم:«لا بدّ للبطنة من خمصة».

و بطن الرّجل،إذا أشر.و بطن بطنا،إذا عظم بطنه، و يقال ذلك في كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

و بطن الشيء بطونا،إذا غمض.و بطنت البعير،إذا ضربت بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البطان:حزام الرّجل،و أكثر ما يستعمل للقتب.

و الأبطنان:عرقان يكتنفان البطن.و رجل مبطون:في بطنه داء.

و البطين:نجم من نجوم السّماء،و هو بطن الحمل فيما يقال،و اللّه أعلم.و العرب تزعم أنّ البطين لا نوء له إلاّ الرّيح.

و البطين:فرس معروف من خيل العرب،و كذلك البطان،و هو ابن البطين.

و البطين:رجل من الخوارج معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

وعدا فلان شأوا بطينا،أي بعيدا.[ثمّ استشهد بشعر](1:309)

ابن الأنباريّ: في حديث الاستسقاء«و جاء أهل البطانة يضجّون»البطانة:خارج

ص: 14

المدينة.(الهرويّ 1:182)

القاليّ: البطنان:جمع بطن،و هو ما غمض من الأرض.(1:184)

المتباطن:المتطامن.(2:9)

البطان و الوضين:حزام الرّحل.(2:266)

الأزهريّ: البطن:بطن الإنسان معروف،و هي ثلاثة أبطن إلى العشر،و بطون كثيرة،لما فوق العشر.

و تصغير البطن:بطين.

و البطين:نجم من منازل القمر،بين الشّرطين و الثّريّا.و أكثر ما جاء مصغّرا عن العرب،و هو بطن برج الحمل،و الشّرطان قرناه.

قال الفرّاء:قد تكون البطانة ظهارة،و الظّهارة بطانة؛و ذلك أنّ كلّ واحد فيها قد يكون وجها.و قد تقول العرب:هذا ظهر السّماء،لظاهرها الّذي تراه.

و قال غير الفرّاء:البطانة:ما بطن من الثّوب،و كان من شأن النّاس إخفاؤه.و الظّهارة:ما ظهر،و كان من شأن النّاس إبداؤه.

و إنّما يجوز ما قاله الفرّاء في ذي الوجهين المتساويين؛ إذ ولي كلّ واحد منهما قوما لحائط يلي أحد صفحيه قوما و الصّفح الآخر قوما آخرين.فكلّ وجه من الحائط ظهر لمن يليه،و كلّ واحد من الوجهين ظهر و بطن،و كذلك وجها الجبل و ما شاكله.

فأمّا الثّوب فلا يجوز أن تكون بطانته ظهارة و ظهارته بطانة.و يجوز أن يجعل ما يلينا من وجه السّماء و الكواكب ظهرا و بطنا،و كذلك ما يلينا من سقوف البيت.

و في الحديث:«المبطون شهيد»إذا مات بالبطن.

و رجل بطن:لا يهمّه إلاّ بطنه،و رجل مبطان،إذا كان لا يزال ضخم البطن من كثرة الأكل.

و من أمثال العرب الّتي تضرب للأمر إذا اشتدّ:

«التقت حلقتا البطان».

يقال:أخذ فلان باطنا من الأرض،و هي أبطأ جفوفا من غيرها.

و رجل بطين الكرز،إذا كان يخبئ زاده في السّفر و يأكل زاد صاحبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ألقت المرأة ذا بطنها،أي ولدت.و ألقت الدّجاجة ذا بطنها،إذا باضت.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: بطنت البعير أبطنه:شددت بطانه.

قلت:و قد أنكر أبو الهيثم هذا الحرف على الأصمعيّ «بطنت»و قال:لا يجوز إلاّ«أبطنت».[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:و بطنت لغة أيضا.(13:372)

و يقال:و استبطن الفحل الشّول،إذا ضربها كلّها فلقّحت،كأنّه أودع نطفته بطونها.[ثمّ استشهد بشعر](13:377)

الصّاحب: [قال نحو ما تقدّم عن الخليل و أضاف:]

و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،يقال:نزت به البطنة.و رجل مبطون:به بطن.

و ألقت الدّجاجة بطنها،و نثرت المرأة للزّوج بطنها:

أكثرت الولد.

و بطّنت الدّابّة تبطينا:ضربت بطنها بالسّوط،

ص: 15

و بطنته أيضا مخفّف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبطن في الذّراع من الفرس:عرق في باطنها.

و رجل مبطان،و هو الّذي يغيب بالعشيّات عن النّاس في الشّرب و غيره،و هو أيضا الّذي لا يزال يأكل دون أصحابه.

و هو عريض البطان،أي كثير المال.

و البطانة:ما يجعل تحت عكمي البعير.يقال:بطنت البعير و أبطنته:شددت بطانه،و هو بمنزلة الحزام.

و ابتطنت الفحل،و استبطنته ثلاثة أبطن.

و غائط بطين،أي بعيد،و كذلك شأو بطين.و تباطن المكان:بعد.

و بطانة الرّجل:وليجته من القوم الّذين يداخلونه.

و بطن فلان بفلان يبطن به بطونا،إذ كان خاصّا به داخلا في أمره.و أبطنت فلانا دوني:جعلته أخصّ منّي.

و أبطنت السّيف كشحي.

و البطن من الأرض:الغامض،و جمعه:بطنان.

و البطن:القبيلة،و تصغيره بطينة.

و البطين:نجم.يقول السّاجع:«إذا طلع البطين اقتضي الدّين و ظهر الزّين،و اقتفي العطّار و القين».

و يقولون:إبط بطان:زجر للعنز.(9:190)

الخطّابيّ: بطنته،إذا أصبت بطنه،و رأسته،إذا أصبت رأسه.(1:288)

المبطّن:الضّامر البطن الّذي كأنّه قد لصق بطنه بظهره.(1:302)

الجوهريّ: البطن:خلاف الظّهر،و هو مذكّر.

و حكى أبو حاتم عن أبي عبيدة أنّ تأنيثه لغة.

و البطن:دون القبيلة.

و البطن:الجانب الطّويل من الرّيش،و الجمع:

بطنان،مثل ظهر و ظهران،و عبد و عبدان.

و البطنان أيضا:جمع البطن،و هو الغامض من الأرض.

و بطنان الجنّة:وسطها.

و بطنته:ضربت بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:بطنه و بطن له،مثل شكره و شكر له، و نصحه و نصح له.

و بطنت الوادي:دخلته،و بطنت هذا الأمر:عرفت باطنه،و منه«الباطن»في صفة اللّه عزّ و جلّ.

و بطنت بفلان:صرت من خواصّه.

و بطن الرّجل-على ما لم يسمّ فاعله-:اشتكى بطنه.

و بطن بالكسر يبطن بطنا:عظم بطنه من الشّبع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البطان للقتب:الحزام الّذي يجعل تحت بطن البعير.

و يقال:«التقت حلقتا البطان»:للأمر إذا اشتدّ،و هو بمنزلة التّصدير للرّحل.يقال منه:أبطنت البعير إبطانا، إذا شددت بطانه.

و الأبطن في ذراع الفرس:عرق في باطنها،و هما أبطنان.

و بطانة الثّوب:خلاف ظهارته،و بطانة الرّجل:

وليجته.

و أبطنت الرّجل،إذا جعلته من خواصّك،و أبطنت السّيف كشحي.

ص: 16

و بطّنت الثّوب تبطينا،إذا جعلت له بطانة، و استبطنت الشّيء.و تبطّنت الجارية.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبطّنت الكلأ:جوّلت فيه.و ابطنت النّاقة عشرة أبطن،أي نتجتها عشر مرّات.

و البطنة:الكظّة،و هو أن تمتلئ من الطّعام امتلاء شديدا،يقال:ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها.

و البطن:النّهم الّذي لا يهمّه إلاّ بطنه.و المبطون:

العليل البطن.و المبطان:الّذي لا يزال عظيم البطن،من كثرة الأكل.

و المبطّن:الضّامر البطن.و المرأة مبطّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البطين:العظيم البطن.و البطين:البعيد،يقال:

شأو بطين.

و البطين:من منازل القمر،و هو ثلاثة كواكب صغار مستوية التّثليث،كأنّها أثافيّ،و هو بطن الحمل.و صغّر لأنّ الحمل نجوم كثيرة على صورة الحمل؛فالشّرطان قرناه،و البطين بطنه،و الثّريّا أليته.(5:2079)

ابن فارس: الباء و الطّاء و النّون أصل واحد لا يكاد يخلف،و هو إنسيّ الشّيء و المقبل منه.فالبطن:

خلاف الظّهر،تقول:بطنت الرّجل،إذا ضربت بطنه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و باطن الأمر:دخلته،خلاف ظاهره،و اللّه تعالى هو الباطن،لأنّه بطن الأشياء خبرا.[ثمّ أدام الكلام نحو ابن دريد ملخّصا](1:259)

ابن سيدة :البطن من الإنسان و سائر الحيوان:

خلاف الظّهر،مذكّر.

و جمع البطن:أبطن،و بطون،و بطنان.

و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،بطن بطنا و بطنة و بطن،و هو بطين.

و رجل بطن:لا همّ له إلاّ بطنه،و قيل:هو الرّغيب الّذي لا تنتهي نفسه من الأكل.

و قالوا:كيس بطين،أي ملآن،على المثل.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مبطان:كثير الأكل لا يهمّه إلاّ بطنه.

و رجل بطين:عظيم البطن.

و مبطّن:ضامر البطن،و هذا على السّلب،كأنّه سلب بطنه فأعدمه،و الأنثى،مبطّنة.

و مبطون:يشتكي بطنه.

و البطن:داء البطن.

و بطنه يبطنه بطنا،و بطن له،كلاهما:ضرب بطنه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ألقى الرّجل ذا بطنه،كناية عن الرّجيع.

و ألقت الدّجاجة ذا بطنها يعني:مزقها.

و نثرت المرأة بطنها:كثر ولدها.

و البطن:دون القبيلة،و قيل:هو دون الفخذ و فوق العمارة،مذكّر،و الجمع:أبطن،و بطون.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس مبطّن:أبيض البطن و الظّهر.

و البطن من كلّ شيء:جوفه،و الجمع:كالجمع.

و الباطن:خلاف الظّاهر،و الجمع:بواطن.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 17

و قد بطن يبطن.

و الباطن:من أسماء اللّه جلّ و عزّ،و في التّنزيل:

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الحديد:3،و قوله تعالى: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:120،فسّره ثعلب فقال:ظاهره:

المخالّة،و باطنه:الزّنى.

و الباطنة:خلاف الظّاهرة.

و البطانة:خلاف الظّهارة.

و بطانة الرّجل:خاصّته.

و أبطنه:اتّخذه بطانة.

و النّعمة الباطنة:الخاصّة،و الظّاهرة:العامّة.

و أفرشني بطن أمره و ظهره،أي سرّه و علانيته.

و بطن خبره يبطنه:خبره.

و استبطن أمره:وقف على دخلته.

و بطن بفلان:دخل في أمره.

و البطانة:السّريرة.

و باطنة الكورة:وسطها،و ظاهرتها:ما تنحّى منها.

و باطن كلّ شيء:داخله.

و بطن الأرض،و باطنها:ما غمض منها و اطمأنّ، و الجمع القليل:أبطنة،نادر،و الكثير:بطنان.

و البطن:الشّقّ الأطول من الرّيشة،و جمعها:بطنان.

و البطنان أيضا من الرّيش:ما كان بطن القذّة منه يلي بطن الأخرى.و قيل:البطنان:ما كان تحت العسيب.

و أبطن الرّجل كشحه سيفه،و بسيفه:جعله بطانته.

و بطن ثوبه بثوب آخر:جعله تحته.

و الأبطنان:عرقان مستبطنا بواطن وظيفي الذّراعين حتّى ينغمسا في الكفّين.

و البطان:حزام الرّحل و القتب،و قيل:هو للبعير كالحزام للدّابّة،و الجمع:أبطنة،و بطن.

و بطنه يبطنه و أبطنه:شدّ بطانه.

و إنّه لعريض البطان،أي رخيّ البال.

و رجل بطن:كثير المال.

و البطن:الأشر.

و البطنة:الأشر و البطر.و في المثل:«البطنة تذهب الفطنة».و قد بطن.

و شأو بطين:واسع.

و البطين:نجم من نجوم السّماء،و هو بطن الحمل فيما يقال،و العرب تزعم أنّ البطين لا نوء له إلاّ الرّيح.

و البطين:فرس معروف من خيل العرب،و كذلك البطان و هو ابن البطين.

و البطين:رجل من الخوارج.

و البطين الحمصي:من شعرائهم.(9:191)

الطّوسيّ: و البطن:خلاف الظّهر،فمنه بطانة الثّوب:خلاف ظهارته،لأنّها تلي بطنه،و بطانة الرّجل:

خاصّته،لأنّها بمنزلة ما يلي بطنه من ثيابه في القرب منه.

و منه البطنة و هو امتلاء البطن بالطّعام.و البطان:حزام البعير،لأنّه يلي بطنه.(2:571)

الرّاغب: بطن:أصل البطن الجارحة،و جمعه:بطون قال تعالى: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:

32،و قد بطّنته:أصبت بطنه.

و البطن:خلاف الظّهر في كلّ شيء.

و يقال للجهة السّفلى:بطن،و للجهة العليا:ظهر،و به

ص: 18

شبّه بطن الأمر و بطن البوادي.

و البطن من العرب،اعتبارا بأنّهم كشخص واحد، و أنّ كلّ قبيلة منهم كعضو بطن و فخذ و كاهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال لكلّ غامض:بطن،و لكلّ ظاهر:ظهر،و منه بطنان القدر و ظهرانها،و يقال لما تدركه الحاسّة:ظاهر، و لما يخفى عنها:باطن،قال عزّ و جلّ: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:120، ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.

و البطين:العظيم البطن،و البطن:الكثير الأكل، و المبطان:الّذي يكثر الأكل حتّى يعظم بطنه.

و البطنة:كثرة الأكل،و قيل:البطنة تذهب الفطنة.

و قد بطن الرّجل بطنا،إذا أشر من الشّبع و من كثرة الأكل،و قد بطن الرّجل:عظم بطنه.

و مبطن:خميص البطن.

و بطن الإنسان:أصيب بطنه،و منه رجل مبطون:

عليل البطن.

و البطانة:خلاف الظّهارة و بطّنت ثوبي بآخر:جعلته تحته و قد بطن فلان بفلان بطونا،و تستعار«البطانة»لمن تختصّه بالاطّلاع على باطن أمرك،قال عزّ و جلّ:

لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118،أي مختصّا بكم يستبطن أموركم،و ذلك استعارة من بطانة الثّوب بدلالة قولهم:لبست فلانا،إذا اختصصته،و فلان شعاري و دثاري.

و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: «ما بعث اللّه من نبيّ و لا استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان،بطانة تأمره بالخير و تحضّه عليه،و بطانة تأمره بالشّرّ و تحثّه عليه» و البطان:حزام يشدّ على البطن و جمعه:أبطنة و بطن.

و الأبطنان:عرقان يمرّان على البطن.

و البطين:نجم هو بطن الحمل.

و التّبطّن:دخول في باطن الأمر.(51)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«رأيت عيسى بن مريم عليه السّلام فإذا رجل أبيض مبطّن مثل السّيف»هو الضّامر البطن.

(الفائق 1:117)

النّخعيّ«كان يبطّن لحيته و يأخذ من جوانبها»أي يأخذ شعرها من تحت الذّقن و الحنك.

(الفائق 1:118)

قال سعد: «أنا لا أقاتلهم حتّى يقاتلهم ذو البطين»، أراد بذي البطين:أسامة،لاندحاح بطنه،و هو اتّساعه و استفاضته،و منه:اندحّ الكلأ.(الفائق 1:188)

الشّأو البطين:الغاية البعيدة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفائق 2:51)

عمرو رضي اللّه عنه،لمّا مات عبد الرّحمن بن عوف رضي اللّه تعالى عنه قال:«هنيئا لك ابن عوف خرجت من الدّنيا ببطنتك،لم يتغضغض منها شيء».

ضرب البطنة مثلا لوفور أجره الّذي استوجبه بهجرته و جهاده،و أنّه لم يتلبّس بولاية و عمل فينقص ذلك.(الفائق 3:68)

ألقت الدّجاجة ذا بطنها،و نثرت المرأة للزّوج بطنها،إذا أكثرت الولد.و بطنه و ظهره:ضربهما منه.

و قد بطن فلان،إذا اعتلّ بطنه،و هو مبطون و بطين و مبطان و مبطّن،أي عليل البطن و عظيمه،و أكول

ص: 19

و خميص.

و أبطن البعير:شدّ بطانه،و باطنت صاحبي:شددته معه.

و بطّن ثوبه بطانة حسنة،و بطائن ثيابهم الدّيباج، و هم أهل باطنة الكوفة،و إخوانهم أهل ضاحيتها.

و من المجاز:رش سهمك بظهران و لا ترشه ببطنان.

و هو في بطنان الشّباب،أي في وسطه.

و البحبوحة:بطنان الجنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و طلع البطين،و هو بطن الحمل.[ثمّ استشهد بشعر]

و نزلوا بطن الوادي،و هم في بطن مكّة،و بطنه من أكرم بطون العرب.

و استبطن الشّيء:دخل بطنه،كما يستبطن العرق اللّحم.و استبطن أمره:عرف باطنه.و تبطّن الكلأ:جوّل فيه و توسّطه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبطّن الجارية:جعلها بطانة له.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان مجرّب قد بطن الأمور:كأنّه ضرب بطونها عرفانا بحقائقها.

و يقال:أنت أبطن بهذا الأمر خبرة و أطول له عشرة،و هو بطانتي،و هم بطانتي،و أهل بطانتي.

و إذا اكتريت فاشترط العلاوة و البطانة،و هي ما يجعل تحت العكم من قربة و نحوها.

و نزت به البطنة،أي أبطره الغنى،و فلان عريض البطان،أي غنيّ.و شأو بطين:بعيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و تباطن المكان:تباعد.(أساس البلاغة:25)

الطّبرسيّ: البطانة:خاصّة الرّجل الّذين يستبطنون أمره،مأخوذ من بطانة الثّوب الّذي يلي البدن لقربه منه،و هو نقيض الظّهارة.و يسمّى بها الواحد و الجميع،و المذكّر و المؤنّث.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:492)

المدينيّ: ظهر السّماء و بطنها واحد،أي وجهها.

و كلّ شيء مبطّن له وجهان؛كلّ وجه بطانة للوجه الآخر.

في الحديث في صفة القرآن:«لكلّ آية منها ظهر و بطن».قيل:البطن:ما احتيج إلى تفسيره،و الظّهر:

ما ظهر منه بيانه.

و في حديث عطاء:«بطنت بك الحمّى،أي أثّرت في باطنك،يقال:بطنه الدّاء يبطنه بطونا:دخل بطنه.

في بعض الأحاديث:«غسل البطنة»أي الدّبر.

في صفة عليّ رضي اللّه عنه:«أنزع بطين».

البطين:العظيم البطن،و المبطان أيضا و المبطون، و بطن بطنا:عظم بطنه.

و قيل:المبطان:الكثير الأكل،و المبطّن:الخميص البطن.

في حديث عليّ: «كتب على كلّ بطن عقوله»البطن:

ما دون القبيلة،و الفخذ:ما دون البطن،أي كتب عليهم ما تغرمه العاقلة من الدّيات،فبيّن ما على كلّ قوم منهم.

في الحديث:«ينادي مناد من بطنان العرش».

البطن:المنخفض من الأرض،و جمعه:بطون و بطنان.و ضدّه الظّهر،و جمعه:ظهور و ظهران.و بطنان الرّيش و ظهرانه كذلك،و بطنان الرّبيع:صميمه،فكأنّ بطنان العرش أصله أيضا.

في الحديث:«رجل ارتبط فرسا ليستبطنها»أي

ص: 20

ليطلب ما في بطنها من النّتاج.(1:169)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الباطن»هو المحتجب عن أبصار الخلائق و أوهامهم،فلا يدركه بصر، و لا يحيط به وهم.

و قيل:هو العالم بما بطن،يقال:بطنت الأمر،إذا عرفت باطنه.

و فيه:«ما بعث اللّه من نبيّ و لا استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان»بطانة الرّجل:صاحب سرّه و داخلة أمره الّذي يشاوره في أحواله.

و منه الحديث:«أنّ امرأة ماتت في بطن».و قيل:

أراد به هاهنا«النّفاس»و هو أظهر،لأنّ البخاريّ ترجم عليه:باب الصّلاة على النّفساء.

و فيه:«تغدو خماصا و تروح بطانا»أي ممتلئة البطون.

و منه حديث موسى و شعيب عليهما السّلام:«و عود غنمه حفّلا بطانا».

و منه حديث عليّ: «أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى».المبطان:الكثير الأكل،و العظيم البطن.

و في صفة عيسى عليه السّلام:«فإذا رجل مبطّن مثل السّيف»المبطّن:الضّامر البطن.

و في حديث سليمان بن صرد:«الشّوط بطين»أي بعيد.

و فيه«ينادي مناد من بطنان العرش»أي من وسطه.و قيل:من أصله،و قيل:البطنان:جمع بطن، و هو الغامض من الأرض،يريد من دواخل العرش.

و منه كلام عليّ في الاستسقاء:«تروى به القيعان و تسيل به البطنان».(1:136)

أبو حيّان: البطن معروف،و جمعه على«فعول» قياس،و يجمع أيضا على«بطنان»و يقال بطن الأمر يبطن،إذا خفي.و بطن الرّجل فهو بطين:كبر.

و البطنة:امتلاء البطن بالطّعام،و يقال:«البطنة تذهب الفطنة».(1:478)

الفيروزآباديّ: البطن:خلاف الظّهر مذكّر، جمعه:أبطن و بطون و بطنان.و دون القبيلة،أو دون الفخذ،و فوق العمارة،جمعه:أبطن و بطون.و جوف كلّ شيء،و الشّقّ الأطول من الرّيش-الرّيشة-جمعه:

بطنان،و عشرون موضعا.

و ككتف:الأشر المتموّل،و من همّه بطنه،أو الرّغيب لا ينتهي من الأكل كالمبطان.

و رجل بطين:عظيم البطن،و قد بطن ككرم، و كمعظّم:ضامر البطن.

و مبطون يشتكيه.

و البطن محرّكة:داء البطن.

و بطنه و له و بطّنه:ضرب بطنه.

و بطن:خفي فهو باطن،جمعه:بواطن.و خبره:

علمه،و من فلان:صار من خواصّه.

و استبطن أمره:وقف على دخلته.

و البطانة بالكسر:السّريرة و وسط الكورة، و الصّاحب،و الوليجة،و من الثّوب:خلاف ظهارته، و قد بطّن الثّوب تبطينا و أبطنه،و موضع خارج المدينة.

و الباطن:داخل كلّ شيء،و من الأرض:ما غمض كبطنها،جمعه:أبطنة و بطنان.و مسيل الماء في الغلظ،

ص: 21

جمعه:بطنان.

و ككتاب:حزام القتب،جمعه:أبطنة و بطن.

و أبطن البعير:شدّ بطانه كبطّنه.

و عريض البطان:رخيّ البال.

و البطنة بالكسر:البطر و الأشر،و الكظّة.

و البطين:البعيد.

و كزبير:شاعر و منزل للقمر،ثلاثة كواكب صغار كأنّها أثافيّ،و هو بطن الحمل.

و كمعظّم:الأبيض الظّهر و البطن من الخيل.

و الباطنة من البصرة و الكوفة:مجتمع الدّور و الأسواق،و الضّاحية:ما تنحّى عن المساكن و كان بارزا.

و ذو البطن:الجعس.

و ألقت ذا بطنها:ولدت،و الدّجاجة:باضت، و الذّئب:يغبط بذي بطنه،لأنّه لا يظنّ به الجوع أبدا، و إنّما تظنّ به البطنة لعدوه على النّاس و الماشية.

و تبطين اللّحية:أن لا يؤخذ ممّا تحت الذّقن و الحنك.

(4:204)

الطّريحيّ: و بطانة الرّجل:دخلاؤه و أهل سرّه، ممّن يسكن إليهم و يثق بمودّتهم،شبّه ببطانة الثّوب كما يشبّه الأنصار بالشّعار و النّاس بالدّثار،و منه حديث الحائض:«كانوا كلّفوا نسوة من بطانتها»أي من أهل سريرتها،المستبطنين أمرها العالمين به.

و منه:«أعوذ بك من الخيانة فإنّها بئس البطانة».

قيل:أراد بالخيانة:مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ، و هي نقيض الأمانة.

و في حديث غيبة القائم عليه السّلام:«لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة و وليجة».البطانة:السّريرة و الصّاحب،و الوليجة:الدّخيلة،و خاصّتك من النّاس.

و في التّعويذ:«أعوذ بك من البطانة»و هي خلاف الظّهارة،و أصلها في الثّوب،ثمّ تستعار لمن تخصّه بالاطّلاع على باطن أمرك.و أريد ما يستنبطه،فيجعله بطانة حاله.

و في حديث الشّمس:«إذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش».قال بعض الشّارحين:كأنّ المراد وصولها إلى دائرة نصف النّهار،فإنّها حينئذ تحاذي النّقطة الّتي هي وسط العرش.

و البطنان:جمع البطن،و هو المنخفض من الأرض.

و في الحديث:«الباطن ليس على معنى الاستبصار للأشياء أن يغور فيها،و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا،كقول القائل:أبطنته،أي أخبرته و علمت مكنون سرّه».

و فيه:«أنت الباطن فليس دونك شيء»أي فليس شيء أبطن منك.

و في حديث الوضوء:«أ يبطّن الرّجل لحيته» بتشديد الطّاء من بطّن يبطّن،إذا أدخل الماء تحتها ممّا هو مستور بشعرها،لا من بطنت الوادي:دخلته.

و في حديث علي عليه السّلام:«إنّه مسح على النّعلين،و لم يستبطن الشّراكين»أي لم يمسح ما تحتهما.

و البطن:دون القبيلة،و فوقها:الفخذة،مؤنّثة،و إن أريد الحيّ فمذكّر.و يجمع البطن على أبطن و بطون.

و البطن محرّكة،داء البطن.

ص: 22

و المبطون:الّذي يموت بمرض البطن،و المبطون:من به إسهال أو انتفاخ في بطن،أو من يشتكي بطنه.و في الخبر:«المبطون لم يعذّب في القبر».

و بطن بالكسر يبطن فهو بطين،إذا عظم بطنه، و المبطان:مثله.

و المبطان:الّذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل،و منه حديث عليّ عليه السّلام:«أ أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى».

و البطنة بالكسر:الامتلاء الشّديد،و منه قوله عليه السّلام:

«إن أفرط في الشّبع كظّته البطنة»و منه:

بحسبك داء أن تبيت ببطنة

و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ

(6:214)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من تحقيق موارد استعمال مشتقّات هذه المادّة:أنّ الأصل الواحد فيها هو مقابل الظّهور و خلافه.

و لمّا كان باطن بدن الحيوان عبارة عن المعدة لوقوعها في وسط البدن و لخلاء داخلها،و لكونها ذات مدخل و مخرج فأطلق لها البطن،و باعتبارها صحّ إطلاق الظّهر على ما وراءها.

و بهذه المناسبة أيضا أطلق البطن على ما دون القبيلة،لكونه في باطن القبيلة أو في بطنها و داخلها.

ثمّ اشتقّت منه الفعل بالاشتقاق الانتزاعيّ،فقيل:

بطنت الرّجل،إذا ضربت بطنه،و كذلك البطين و المبطون و المبطان.(1:275)

النّصوص التّفسيريّة

بطن

1- ...وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ....

الأنعام:151

ابن عبّاس: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنى بأسا في السّرّ،و يستقبحونه في العلانية؛فحرّم اللّه الزّنى في السّرّ و العلانية.نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 8:83)

إنّه خاصّ في الزّنى،(ما ظهر منها):ذوات الحوانيت،(و ما بطن):ذوات الاستسرار.

مثله الحسن،و السّدّيّ.(الماورديّ 2:186)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: (ما ظهر):نكاح امرأة الأب، (و ما بطن):الزّنى.(الكاشانيّ 2:169)

مجاهد :(ما ظهر):جمع بين الأختين،و تزويج الرّجل امرأة أبيه من بعده،(و ما بطن):الزّنى.

(الطّبريّ 8:83)

نحوه سعيد بن جبير.(الماورديّ 2:186)

الضّحّاك: (ما ظهر):الخمر،(و ما بطن):الزّنى.

(الطّبريّ 8:84)

الإمام الباقر عليه السّلام:(ما ظهر):هو الزّنى،(و ما بطن):

المخالّة.(الطّوسيّ 4:341)

قتادة :سرّها و علانيتها.(الطّبريّ 8:83)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لا تقربوا الظّاهر من الأشياء المحرّمة عليكم،الّتي هي علانية بينكم، لا تناكرون ركوبها.و الباطن منها:الّذي تأتونه سرّا في خفاء لا تجاهرون به،فإنّ كلّ ذلك حرام.

و قد قيل:إنّما قيل:لا تقربوا ما ظهر من الفواحش

ص: 23

و ما بطن،لأنّهم كانوا يستقبحون من معاني الزّنى بعضا.

و ليس ما قالوا من ذلك بمدفوع،غير أنّ دليل الظّاهر من التّنزيل على النّهي عن ظاهر كلّ فاحشة و باطنها، و لا خبر يقطع العذر بأنّه عني به بعض دون جميع،و غير جائز إحالة ظاهر كتاب اللّه إلى باطن إلاّ بحجّة يجب التّسليم لها.(8:83)

الماورديّ: [بعد نقل الأقوال المذكورة قال:]

و قد ذكرنا فيه احتمال تأويل خامس:أنّ(ما ظهر منها)أفعال الجوارح،(و ما بطن منها)اعتقاد القلوب.(2:186)

الطّوسيّ: قيل:معناه ما علن و ما خفي من جميع أنواع الفواحش،و هو أعمّ فائدة.(4:341)

القرطبيّ: قوله:(ما ظهر):نهي عن جميع أنواع الفواحش و هي المعاصي،(و ما بطن):ما عقد عليه القلب من المخالفة.و ظهر و بطن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء.و(ما ظهر)نصب على البدل من (الفواحش)،(و ما بطن)عطف عليه.(7:133)

النّسفيّ: (ما ظهر)ما بينك و بين الخلق،(و ما بطن) ما بينك و بين اللّه.(2:40)

البروسويّ: أي ما يفعل منها علانية في الحوانيت، كما هو دأب أراذلهم.و ما يفعل سرّا باتّخاذ الأخدان،كما هو عادة أشرافهم.

و توجيه النّهي إلى قربانها للمبالغة في النّهي عنها، و يدخل في ذلك ما يبعده من الجنّة و يدنيه من النّار،و هو (ما ظهر)،و ما يبعده من الحقّ و يحجبه عنه-و إن لم يحجبه عن الجنّة و لم يبعده منها-و هو(ما بطن)،و أيضا ما ظهر منها بالفعل و ما بطن بالنّيّة.و من الزّنى زنى النّظر.

(3:118)

نحوه الآلوسيّ.(8:54)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ المراد ممّا ظهر و ممّا بطن:

العلانية و السّرّ كالزّنى العلنيّ،و اتّخاذ الأخدان، و الأخلاّء سرّا.(7:375)

2- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ. الأعراف:33

ابن مسعود: لا أحد أغير من اللّه،فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن،و لا أحد أحبّ إليه المدحة من اللّه فلذلك مدح نفسه.(البغويّ 2:189)

ابن عبّاس: (ما ظهر):ما كانت تفعله الجاهليّة من نكاح الأبناء نساء الآباء،و الجمع بين الأختين،و أن تنكح المرأة على عمّتها و خالتها،(و ما بطن):الزّنى.

مثله مجاهد.(أبو حيّان 4:292)

مجاهد :(ما ظهر منها):طواف أهل الجاهليّة عراة، (و ما بطن):الزّنى.(الطّبريّ 8:166)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ القرآن له ظهر و بطن، فجميع ما حرّم اللّه في القرآن هو الظّاهر،و الباطن من ذلك:أئمّة الجور.و جميع ما أحلّ اللّه في الكتاب هو الظّاهر و الباطن من ذلك:أئمّة الحقّ.(شبّر 2:360)

الإمام الكاظم عليه السّلام: (ما ظهر):يعني الزّنى المعلن، و نصب الرّايات الّتي كانت ترفعها الفواجر،(و ما بطن):

ما نكح من أزواج الآباء.(شبّر 2:360)

الجنيد: (الظّاهر)بكشف الكروب(و الباطن)بعلم

ص: 24

الغيوب.(الخازن 7:25)

الماورديّ: (ما ظهر منها):أفعال الجوارح و(ما بطن):اعتقاد القلوب.(2:219)

الخطيب التّبريزيّ: (ما ظهر منها):طواف الرّجل بالنّهار عريانا،(و ما بطن):طوافها باللّيل عارية.

(أبو حيّان 4:292)

نحوه البغويّ.(2:189)

ابن عطيّة: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ يجمع النّوع كلّه،لأنّه تقسيم لا يخرج عنه شيء،و هو لفظ عامّ في جميع الفواحش.

و ذهب مجاهد إلى تخصيص ذلك بأن قال:(ما ظهر):

الطّواف عريانا.و البواطن:الزّنى،و قيل:غير هذا ممّا يأتي على طريق المثال.(2:395)

ابن الجوزيّ: فيه ستّة أقوال:

أحدها:أنّ المراد بها الزّنى،ما ظهر منه:علانيته، و ما بطن:سرّه.رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس،و به قال سعيد بن جبير.

و الثّاني:أنّ(ما ظهر):نكاح الأمّهات(و ما بطن):

الزّنى.رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس،و به قال عليّ بن الحسين.

و الثّالث:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

و الرّابع:أنّ(ما ظهر):الزّنى،(و ما بطن):العزل، قاله شريح.

و الخامس:[قول مجاهد و قد تقدّم]

و السّادس:أنّه عامّ في جميع المعاصي.(3:190)

الفخر الرّازيّ: فنقول في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ على هذا التّفسير[أي المراد ب«الفاحشة» الزّنى]وجهان:

الأوّل:يريد سرّ الزّنى،و هو الّذي يقع على سبيل العشق و المحبّة،و(ما ظهر منها)بأن يقع علانية.

و الثّاني:أن يراد بما ظهر من الزّنى:الملامسة و المعانقة،(و ما بطن)الدّخول.(14:66)

النّيسابوريّ: (الفواحش):ما يقطع على العبد طريق السّلوك إلى الرّبّ؛ففاحشة العوامّ ما ظَهَرَ مِنْها: ارتكاب المناهي،(و ما بطن):خطورها بالبال.

و فاحشة الخواصّ(ما ظهر منها):تتبع ما لأنفسهم نصيب منه و لو بذرّة،(و ما بطن):الصّبر على المحبوب و لو بلحظة.

و فاحشة الأخصّ(ما ظهر منها)ترك أدب من الآداب،أو التّعلّق بسبب من الأسباب،(و ما بطن):

الرّكون إلى شيء في الدّارين،و الالتفات إلى غير اللّه من العالمين.(8:107)

الآلوسيّ: ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ بدل من (الفواحش)أي جهرها و سرّها.و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما(ما ظهر):الزّنى علانية،(و ما بطن):الزّنى سرّا.و قد كانوا يكرهون الأوّل و يفعلون الثّاني،فنهوا عن ذلك مطلقا.(8:112)

الباطن

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ... الحديد:3 النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في تمجيد الرّبّ]

اللّهمّ أنت الظّاهر فليس فوقك شيء،و أنت الباطن

ص: 25

فليس دونك شيء.(الأزهريّ 13:374)

ابن عبّاس: (و الظّاهر):الغالب العالي على كلّ شيء،(و الباطن):العالم بكلّ شيء.(الميبديّ 9:476)

كعب الأحبار:إنّ علمه بالأوّل كعلمه بالآخر، و علمه بالظّاهر كعلمه بالباطن.(الميبديّ 9:477)

ابن عمر: (و الظّاهر):بالإحياء،(و الباطن):

بالإماتة.(الميبديّ 9:477)

الضّحّاك: هو الّذي أوّل الأوّل و أخّر الآخر، و أظهر الظّاهر و أبطن الباطن.(الميبديّ 9:477)

السّدّيّ: (و الظّاهر):بتوفيقه إذ وفّقك للسّجود له، (الباطن):بستره إذ عصيته فستر عليك.

(الميبديّ 9:476)

ابن عطاء: (و الظّاهر)على قلوب أوليائه حتّى يعرفوه،(و الباطن)عن قلوب أعدائه حتّى ينكروه.(الميبديّ 9:477)

مقاتل: (و الظّاهر)بلا إظهار أحد،(و الباطن)بلا إبطان أحد.(الميبديّ 9:477)

الفرّاء: (و الظّاهر)على كلّ شيء علما،و كذلك (الباطن)على كلّ شيء علما.(3:132)

ابن أبي اليمان: (و الظّاهر):الحليم،(و الباطن):

العليم.(الميبديّ 9:477)

الزّجّاج: (و الظّاهر):العالم بما ظهر،(و الباطن):

العالم بما بطن،كما تقول:فلان يبطن أمر فلان،أي يعلم دخلة أمره.(5:122)

الأزهريّ: قيل:معناه أنّه علم السّرائر و الخفيّات كما علم كلّ ما هو ظاهر للخلق.(13:374)

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:أنّه العالم بما ظهر و ما بطن.

الثّاني:أنّه القاهر لما ظهر و ما بطن،من قوله تعالى:

فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ الصّفّ:14،و منه قوله: وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88.

و قيل:المعنى أنّه الظّاهر بأدلّته،الباطن من إحساس خلقه، وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ما يصحّ أن يكون معلوما،لأنّه عالم لنفسه.(9:519)

الرّاغب: اَلظّاهِرُ وَ الْباطِنُ في صفات اللّه تعالى لا يقال إلاّ مزدوجين،ك(الأوّل و الآخر).

ف(الظّاهر)قيل:إشارة إلى معرفتنا البديهيّة،فإنّ الفطرة تقتضي في كلّ ما نظر إليه الإنسان أنّه تعالى موجود،كما قال: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ الزّخرف:84،و لذلك قال بعض الحكماء:

مثل طالب معرفته مثل من طوّف في الآفاق في طلب ما هو معه.

(و الباطن)إشارة إلى معرفته الحقيقيّة،و هي الّتي أشار إليها أبو بكر بقوله:«يا من غاية معرفته القصور عن معرفته».

و قيل:ظاهر بآياته باطن بذاته،و قيل:ظاهر بأنّه محيط بالأشياء مدرك لها،باطن من أن يحاط به،كما قال عزّ و جلّ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الأنعام:103.

و قد روي عن أمير المؤمنين رضي اللّه عنه ما دلّ على تفسير اللّفظتين؛حيث قال:«تجلّى لعباده من غير

ص: 26

أن رأوه،و أراهم نفسه من غير أن تجلّى لهم».و معرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب و عقل وافر.(52)

الغزاليّ: هذان الوصفان من المضافات،فلا يكون الشّيء ظاهرا لشيء و باطنا له من وجه واحد،بل يكون ظاهرا من وجه بالإضافة إلى إدراك،و باطنا من وجه آخر.

فإنّ الظّهور و البطون إنّما يكون بالإضافة إلى الإدراكات،و اللّه تعالى باطن إن طلب من إدراك الحواسّ و خزانة الخيال،ظاهر إن طلب من خزانة العقل بالاستدلال و الرّيب من شدّة الظّهور،و كلّ ما جاوز الحدّ انعكس إلى الضّدّ.(الآلوسيّ 27:166)

الميبديّ: قيل:هذه الواوات مقحمة،و المعنى هو الأوّل الآخر و الظّاهر الباطن،لأنّ من كان منّا أوّلا لا يكون آخرا،و من كان ظاهرا لا يكون باطنا.

قيل:(و الظّاهر):الغالب العالي عزّ و جلّ،و هو البارئ في صنعه الدّال على قدرته و حكمته.(و الباطن):

الّذي بطن كلّ شيء علما،فهو يبطنها و يرى سرائرها، و يعلم خفاياها،و هو عزّ و جلّ خفي كنهه و كيفه و قدره.

قيل:(و الظّاهر)صنعا و رسما،(و الباطن)كيفا و قدرا.(9:477)

الزّمخشريّ: (و الظّاهر)بالأدلّة الدّالّة عليه، (و الباطن)لكونه غير مدرك بالحواسّ.

فإن قلت:فما معنى الواو؟

قلت:الواو الأولى معناها الدّلالة على أنّه الجامع بين الصّفتين الأوّليّة و الآخريّة،و الثّالثة:على أنّه الجامع بين الظّهور و الخفاء.

و أمّا الوسطى فعلى أنّه الجامع بين مجموع الصّفتين الأوليين و مجموع الصّفتين الأخريين،فهو المستمرّ الوجود في جميع الأوقات الماضية و الآتية،و هو في جميعها ظاهر و باطن.جامع للظّهور بالأدلّة و الخفاء، فلا يدرك بالحواسّ،و في هذا حجّة على من جوّز إدراكه في الآخرة بالحاسّة.

و قيل:(الظّاهر):العالي على كلّ شيء،الغالب له من ظهر عليه إذا علاه و غلبه.(و الباطن):الّذي بطن كلّ شيء،أي علم باطنه.و ليس بذاك مع العدول عن الظّاهر المفهوم.(4:61)

الطّبرسيّ: [ذكر بعض أقوال المفسّرين المتقدّم و أضاف:]

و قيل:الأوّل بلا ابتداء و الآخر بلا انتهاء،و الظّاهر بلا اقتراب،و الباطن بلا احتجاب.

و قيل:الأوّل بالأزليّة،و الآخر بالأبديّة،و الظّاهر بالأحديّة،و الباطن بالصّمديّة،عن أبي بكر الورّاق.

و قال البلخيّ: هو كقول القائل:فلان أوّل هذا الأمر و آخره و ظاهره و باطنه،أي عليه يدور الأمر و به يتمّ.

(5:230)

البيضاويّ: (الظّاهر)وجوده لكثرة دلائله، (و الباطن)حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول،أو الغالب على كلّ شيء و العالم بباطنه.

و الواو الأولى و الأخيرة للجمع بين الوصفين، و المتوسّطة للجمع بين المجموعين.(2:452)

النّيسابوريّ: أمّا تفسير اَلظّاهِرُ وَ الْباطِنُ فالمحقّقون قالوا:إنّه(الظّاهر)بالأدلّة الدّالّة على وجوده،

ص: 27

(و الباطن)لأنّه جلّ عن إدراك الحواسّ و العقول إيّاه،إمّا في الدّنيا،أو فيها و في الآخرة جميعا.

و قيل:معنى(الظّاهر):الغالب،(و الباطن):العالم بما بطن،أي خفي.(27:94)

الخازن: (الظّاهر)بالدّلائل الدّالّة على وحدانيّته، (و الباطن)الّذي احتجب عن العقول أن تكيّفه.

و قيل:(الظّاهر)بحججه الباهرة،و براهينه النّيّرة الزّاهرة،و شواهده الدّالّة على وحدانيّته،(و الباطن) الّذي احتجب عن أبصار الخلق،فلا تستولي عليه الكيفيّة.(7:25)

صدر المتألّهين: أمّا كونه ظاهرا فلكونه نور السّماوات و الأرض،و النّور حقيقته الظّهور،لأنّ ما ليست حقيقته النّور فإنّما يظهر بالنّور،و النّور بنفسه ظاهر و بذاته متجلّ.

و أمّا كونه باطنا،أي مختفيا،فلشدّة ظهوره و غاية وضوحه،و لأجل ذلك يختفى على الضّمائر و الأنظار، و يحتجب عن العقول و الأبصار،فذاته بذاته متجلّ للأشياء.و لأجل قصور بعض الذّات عن قبول تجلّيه يحتجب،فبالحقيقة لا حجاب إلاّ في المحجوبين.

و الحجاب هو القصور و الضّعف و النّقص،و ليس تجلّيه إلاّ حقيقة ذاته؛إذ لا معنى له بذاته إلاّ صريح ذاته، لأنّ صفاته ليست زائدة على ذاته،كما أوضحه الرّبّانيّون.

أو لا ترى الشّمس الّتي هي أشدّ الأنوار الحسّيّة و أقوى الأضواء البصريّة كيف احتجبت لفرط ظهورها على الحاسّة البصريّة،حتّى لا يمكن للبصر لأجل ضعف قوّته ملاحظتها إلاّ من وراء الحجاب،كالمرآة أو الماء أو السّحاب الرّقيق،كما قال الشّاعر:

كالشّمس يمنعك اجتلاؤك وجهها

فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا

فكذلك الحقّ سبحانه،فإنّه و إن لم تحط بحقيقته العقول و الأفكار و لم يدرك ذاته البصائر و الأبصار إلاّ أنّه ليس لوجهه نقاب إلاّ النّور،و لا لذاته حجاب إلاّ الظّهور،و لم يمنع القلوب من الاستنارة و الاستجلاء بعد تزكّيها عن كدورات الشّهوات إلاّ شدّة الإشراق و ضعف الأحداق.

فسبحان من اختفى عن بصائر الخلق نوره، و احتجب عن عقولهم لفرط الوضوح ظهوره،و هو بكلّ شيء عليم،لأنّه بنور ذاته يظهر جميع الأشياء على ذاته؛ إذ العلم بالشّيء ليس إلاّ ظهوره عند شيء آخر و مثوله بين يديه،و اللّه خالق كلّ شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء؛إذ بيده ملكوت الأشياء،و منه ينشأ حقائق الأنباء.(6:156)

البروسويّ: (و الظّاهر وجودا،لكثرة دلائله الواضحة،(و الباطن)حقيقة،فلا يحوم العقل حول إدراك كنهه،و ليس يعرف اللّه إلاّ اللّه،و تلك الباطنيّة سواء في الدّنيا و الآخرة.

فاضمحلّ ما في«الكشّاف»من أنّ فيه حجّة على من جوّز إدراكه في الآخرة بالحاسّة؛و ذلك فإنّ كونه باطنا بكنه حقيقته لا ينافي كونه مرئيّا في الآخرة،من حيث صفاته.(9:346)

الآلوسيّ: (و الظّاهر)أي بوجوده لأنّ كلّ

ص: 28

الموجودات بظهوره تعالى ظاهر،(و الباطن)بكنهه سبحانه،فلا تحوم حوله العقول...[و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال في توضيح كلامه:]

و في هذا حجّة على من جوّز إدراكه سبحانه في الآخرة بالحاسّة،أي و ذلك لأنّه تعالى ما من وقت يصحّ اتّصافه بالأوّليّة و الآخريّة إلاّ و يصحّ اتّصافه بالظّاهريّة و الباطنيّة معا،فإذا جوّز إدراكه سبحانه بالحاسّة في الآخرة فقد نفي كونه سبحانه باطنا،و هو خلاف ما تدلّ عليه الآية.

و أجاب عن ذلك صاحب«الكشف»فقال:إنّ تفسير(الباطن)بأنّه غير مدرك بالحواسّ تفسير بحسب التّشهّي،فإنّ بطونه تعالى عن إدراك العقول كبطونه عن إدراك الحواسّ،لأنّ حقيقة الذّات غير مدركة لا عقلا و لا حسّا باتّفاق بين المحقّقين من الطّائفتين.و الزّمخشريّ ممّن سلّم،فهو الظّاهر بوجوده و الباطن بكنهه،و هو سبحانه الجامع بين الوصفين أزلا و أبدا،و هذا لا ينافي الرّؤية،لأنّها لا تفيد ذلك عند مثبتها،انتهى.و هو حسن،فلا تغفل.(27:166)

الطّباطبائيّ: [تقدّم كلامه في«أ خ ر»فراجع]

(19:145)

المصطفويّ: أي الظّاهر عن العوالم و الباطن عنها،و له المثل الأعلى،و من عرف نفسه فقد عرف ربّه.

فنقول:إذا أردنا أن نعرف النّفس لزيد و روحه، و قلنا:إنّها هي الظّاهرة من وجوده و الباطنة منه،بمعنى أنّ كلّ عضو من أعضائه يصحّ أن يقال:إنّه زيد و من زيد و ليس بزيد،و كذلك روحه الحاكم الآمر المدرك بتمام أعضائه،و السّلطان في مملكة بدنه،و الباطن فيه فهو زيد.

فاللّه العليم المحيط الحيّ القادر سلطان مملكة الوجود و الحاكم في جميع العوالم،و خالق الموجودات كلّها، و المتجلّي فيها بعظمته و قدرته،و الظّاهر فيها بجلاله و جماله،و هو نور السّماوات و الأرض،و هو الحقّ المطلق الأزليّ الأبديّ الحيّ القيّوم.

ألا كلّ شيء ما سوى اللّه باطل

* فهو الظّاهر و الباطن في عالم الوجود،و حقيقة هذا المعنى لا يعرفها إلاّ من نوّر اللّه قلبه بنور المعرفة،و لا يمكن معرفته حقّا بالعلوم الرّسميّة و شقّ الشّعر بمتشابهات العلم و الفلسفة.

فاللّه المتعالي باطن عالم الوجود؛إذ ما من إدراك و قدرة و قوّة و حياة و نور و وجود إلاّ و هو من نوره و من فيضه،فهو تعالى و تبارك روح العالم و نوره،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.(1:277)

باطنه

وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ. الأنعام:120

راجع«أ ث م».

باطنة

أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً... لقمان:20

ص: 29

أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً... لقمان:20

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عرفنا النّعم الظّاهرة فما الباطنة؟فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«هو ما لو رآك النّاس عليه لمقتوك».

[و في رواية]«أمّا الظّاهرة فالإسلام،و ما حسّن من خلقك،و ما أفضل عليك من الرّزق.و أمّا الباطنة فما ستر من سوء عملك،يا ابن عبّاس يقول اللّه عزّ و جلّ:إنّي جعلت للمؤمن ثلاثا:صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله أكفّر به عنه خطاياه،و جعلت له ثلث ماله ليكفّر به عنه خطاياه،و سترت عليه سوء عمله الّذي لو قد أبديته للنّاس لنبذه أهله و ما سواهم».

(الميبديّ 7:504)

ابن عبّاس: الباطنة:مصالح الدّين و الدّنيا ممّا يعلمه اللّه و غاب العباد علمه.(الطّبرسيّ 4:320)

النّعمة الظّاهرة:الإسلام و القرآن،و الباطنة:ما ستر عليك من الذّنوب،و لم يعجل عليك بالنّقمة.

(البغويّ 3:590)

نحوه الحسن.(الزّمخشريّ 3:235)

مجاهد :الظّاهرة:ظهور الإسلام و النّصر على الأعداء،و الباطنة:الإمداد بالملائكة.

(البغويّ 3:590)

كان يقول:هي«لا إله إلاّ اللّه».(الطّبريّ 21:78)

أنّ الظّاهرة على اللّسان،و الباطنة في القلب.

(الماورديّ 4:342)

مثله وكيع(الماورديّ 4:342)،و الرّبيع(البغويّ 3:

590).

الضّحّاك: الظّاهرة:حسن الصّورة و تسوية الأعضاء،و الباطنة:المعرفة.(البغويّ 3:590)

الإمام الباقر عليه السّلام:أمّا النّعمة الظّاهرة فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ما جاء به من معرفة اللّه عزّ و جلّ،و توحيده.

و أمّا النّعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت،و عقد مودّتنا.فاعتقد و اللّه قوم هذه النّعمة الظّاهرة و الباطنة، و اعتقدها قوم ظاهرة،و لم يعتقدوها باطنة،فأنزل اللّه:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ المائدة:

41،ففرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند نزولها؛إذ لم يتقبّل اللّه تعالى إيمانهم إلاّ بعقد ولايتنا و محبّتنا.[و هذا تأويل]

(البحرانيّ 7:481)

عطاء: الظّاهرة:تخفيف الشّرائع،و الباطنة:

الشّفاعة.(البغويّ 3:590)

مقاتل: الظّاهرة:تسوية الخلق و الرّزق و الإسلام، و الباطنة:ما ستر من الذّنوب.(البغويّ 3:590)

الإمام الكاظم عليه السّلام: [و هو تأويل]النّعمة الظّاهرة:الإمام الظّاهر،و الباطنة:الإمام الغائب.

فقلت (1)له:و يكون في الأئمّة من يغيب؟فقال:

نعم،يغيب عن أبصار النّاس شخصه و لا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره،و هو الثّاني عشر منّا.و يسهّل اللّه له كلّ عسر،و يذلّل اللّه له كلّ صعب،و يظهر له كلّ كنوز الأرض،و يقرّب له كلّ بعيد،و يبير به كلّ جبّار عنيد،و يهلك على يده كلّ شيطان مريد،ذلك ابن سيّدةّ.

ص: 30


1- أحمد بن محمّد بن زياد الأزديّ.

الإماء الّذي تخفى على النّاس ولادته،و لا يحلّ لهم تسميته،حتّى يظهره اللّه عزّ و جلّ،فيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما.(البحرانيّ 7:481)

المحاسبيّ: الظّاهرة:نعيم الدّنيا،و الباطنة:نعيم العقبى.(الميبديّ 7:505)

الطّبريّ: قوله:(ظاهرة)يقول:ظاهرة على الألسن قولا،و على الأبدان و جوارح الجسد عملا.

و قوله:(و باطنة)يقول:و باطنة في القلوب اعتقادا و معرفة.(21:78)

النّقّاش: أنّ الظّاهرة:ما أعطاهم من الزّيّ و الثّياب،و الباطنة:متاع المنازل.(الماورديّ 4:342)

الماورديّ: في قوله: ظاهِرَةً وَ باطِنَةً خمسة أقاويل (1):[ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

الخامس:الظّاهرة:الولد،و الباطنة:الجماع.

و يحتمل سادسا:أنّ الظّاهرة:في نفسه،و الباطنة:في ذرّيّته من بعده.

و يحتمل سابعا:أنّ الظّاهرة:ما مضى،و الباطنة:

ما يأتي.

و يحتمل ثامنا:أنّ الظّاهرة:في الدّنيا،و الباطنة:في الآخرة.

و يحتمل تاسعا:أنّ الظّاهرة:في الأبدان،و الباطنة:

في الأديان.(4:342)

الطّوسيّ: أي من نعمه ما هو ظاهر لكم،لا يمكنكم جحده:من خلقكم و إحيائكم و أقداركم،و خلق الشّهوة فيكم،و ضروب نعمه.

و منها ما هو باطن مستور لا يعرفها إلاّ من أمعن النّظر فيها.

و قيل:النّعم الباطنة:مصالح الدّين و الدّنيا ممّا لا يشعرون به.(8:281)

الرّاغب: قيل:الظّاهرة:بالنّبوّة،و الباطنة بالعقل.

و قيل:الظّاهرة:المحسوسات و الباطنة:المعقولات.و قيل:

الظّاهرة:النّصرة على الأعداء بالنّاس،و الباطنة:النّصرة بالملائكة،و كلّ ذلك يدخل في عموم الآية.(52)

البغويّ: قيل:الظّاهرة:تمام الرّزق،و الباطنة:

حسن الخلق.

و قيل:الظّاهرة:الإمداد بالملائكة،و الباطنة:إلقاء الرّعب في قلوب الكفّار.

و قال سهل بن عبد اللّه:الظّاهرة:اتّباع الرّسول، و الباطنة:محبّته.(3:590)

الميبديّ: قيل:الظّاهرة:ما يراها النّاس من الجاه و المال و الخدم و الأولاد،و الباطنة:الخلق و العلم و القوّة، و سائر ما يعلمه العبد من نفسه.

و قيل:الظّاهرة:ما يعلمه العبد من نفسه،و الباطنة:

ما يعلمه اللّه،و لا يعلم العبد.

و قيل:الظّاهرة:قوله: وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ البقرة:221،و الباطنة:قوله: وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ الحجرات:7.

و قيل:الظّاهرة:الشّهادة النّاطقة،و الباطنة:

السّعادة السّابقة.

و قيل:الظّاهرة:وضع الوزر و رفع الذّكر،و الباطنة:

شرح الصّدر.ع.

ص: 31


1- لم يذكر الوجه الرّابع.

و قيل:الظّاهرة:قوله: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ آل عمران:139،و الباطنة:قوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ الواقعة:11.(7:505)

ابن عطيّة: و الظّاهرة هي الصّحّة و حسن الخلقة و المال و غير ذلك،و الباطنة:المعتقدات من الإيمان و نحوه و العقل،و من الباطنة:التّنفّس و الهضم و التّغذّي و ما لا يحصى كثرة،و من الظّاهرة:عمل الجوارح بالطّاعة.(4:352)

الزّمخشريّ: فإن قلت:فما معنى الظّاهرة و الباطنة؟

قلت:الظّاهرة:كلّ ما يعلم بالمشاهدة،و الباطنة:

ما لا يعلم إلاّ بدليل أو لا يعلم أصلا.فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها و لا يهتدي إلى العلم بها،و قد أكثروا في ذلك.

و قيل:الظّاهرة:البصر و السّمع و اللّسان و سائر الجوارح الظّاهرة،و الباطنة:القلب و العقل و الفهم، و ما أشبه ذلك.(3:235)

الطّبرسيّ: [قال نحو الطّوسيّ و أضاف:].

و قيل:الظّاهرة:القرآن،و الباطنة:تأويله و معانيه.

[و بعد نقل الأقوال المتقدّمة قال:]

و لا تنافي بين هذه الأقوال،و كلّها نعم اللّه تعالى.

و يجوز حمل الآية على الجميع.(4:320)

الفخر الرّازيّ: (ظاهرة)و هي ما في الأعضاء من السّلامة،و(باطنة)و هي ما في القوى.فإنّ العضو ظاهر و فيه قوّة باطنة،أ لا ترى أنّ العين و الأذن شحم و غضروف ظاهر،و اللّسان و الأنف لحم و عظم ظاهر، و في كلّ واحد معنى باطن:من الإبصار،و السّمع، و الذّوق،و الشّمّ،و كذلك كلّ عضو.و قد تبطل القوّة و يبقى العضو قائما،و هذا أحسن ممّا قيل.فإنّ على هذا الوجه يكون الاستدلال بنعمة الآفاق و بنعمة الأنفس، و قوله: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً يكون إشارة إلى النّعم الأنفسيّة.

و فيهما أقوال كثيرة مذكورة في جميع كتب التّفاسير، و لا يبعد أن يكون ما ذكرناه مقولا منقولا،و إن لم يكن فلا يخرج من أن يكون سائغا معقولا.(25:152)

القرطبيّ: قيل:الظّاهرة:الصّحّة و كمال الخلق، و الباطنة:المعرفة و العقل.

و قيل:الظّاهرة:ما يرى الأبصار من المال و الجاه و الجمال في النّاس و توفيق الطّاعات،و الباطنة:ما يجده المرء في نفسه من العلم باللّه و حسن اليقين،و ما يدفع اللّه تعالى عن العبد من الآفات.و قد سرد الماورديّ في هذا أقوالا تسعة،كلّها ترجع إلى هذا.(14:73)

البيضاويّ: محسوسة و معقولة،ما تعرفونه و ما لا تعرفونه.(2:230)

النّسفيّ: (ظاهرة)بالمشاهد،(و باطنة)ما لا يعلم إلاّ بدليل،ثمّ قيل:الظّاهرة:البصر و السّمع و اللّسان و سائر الجوارح الظّاهرة،و الباطنة:القلب و العقل و الفهم،و ما أشبه ذلك.

و يروى في دعاء موسى عليه السّلام: إلهي دلّني على أخفى نعمتك على عبادك.

فقال:أخفى نعمتي عليهم النّفس.

و قيل:تخفيف الشّرائع،و تضعيف الذّرائع،و الخلق

ص: 32

و الخلق،و نيل العطايا،و صرف البلايا،و قبول الخلق و رضا الرّبّ.(3:382)

النّيسابوريّ: (ظاهرة)هي تسخير ما في السّماوات و ما في الأرض،من الأجسام العلويّة و السّفليّة:البسيطة و المركّبة.

(و باطنة)هي تسخير ما في سماوات القلوب من الصّدق و الإخلاص و التّوكّل و الشّكر،و سائر المقامات القلبيّة و الرّوحانيّة،بأن يسرّ العيون عليها بالسّكون المتدارك بالجذبة و الانتفاع بمنافعها و الاجتناب عن مضارّها.

و تسخير ما في أرض النّفوس من أضداد الأخلاق المذكورة بتبديلها بالحميدة،و التّمتّع بخواصّها، و التّحرّز عن آفاتها ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ لقمان:24،لفساد استعدادهم تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لقمان:31 سلامتهم في الظّاهر معلومة.

و أمّا في الباطن فنجاتهم بسفائن العصمة من بحار القدرة،أو بسفينة الشّريعة بملابسة الطّريقة في بحر الحقيقة لإراءة آيات شواهد الحقّ.و إذا تلاطمت عليهم أمواج بحار التّقدير تمنّوا أن تلفظهم نفحات الألطاف إلى سواحل الأعطاف.(21:59)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّه يراد بالنّعمة الظّاهرة:

الإسلام،و الباطنة:السّتر.

و الّذي ينبغي أن يقال:إنّ الظّاهرة:ممّا يدرك بالمشاهدة،و الباطنة:ما لا يعلم إلاّ بدليل،أو لا يعلم أصلا،فكم من نعمة في بدن الإنسان لا يعلمها، و لا يهتدي إلى العلم بها.(7:190)

البروسويّ: (ظاهرة)أي حال كون تلك النّعم محسوسة مشاهدة،مثل حسن الصّورة،و امتداد القامة، و كمال الأعضاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحواسّ الظّاهرة:من السّمع و البصر و الشّمّ و الذّوق و اللّمس و النّطق و ذكر اللّسان،و الرّزق و المال و الجاه و الخدم و الأولاد،و الصّحّة و العافية و الأمن، و وضع الوزر و رفع الذّكر و الأدب الحسن،و نفس بلا ذلّة و قدم بلا ذلّة و الإقرار،و الإسلام من نطق الشّهادة، و الصّلاة و الصّوم و الزّكاة و الحجّ و القرآن و حفظه، و متابعة الرّسول،و التّواضع لأولياء اللّه،و الإعراض عن الدّنيا،و يبيّن آياته للنّاس و أنتم الأعلون يعني النّصرة و الغلبة،و غير ذلك ممّا يعرفه الإنسان.

(و باطنة):و معقولة غير مشاهدة بالحسّ كنفخ الرّوح في البدن،و إشراقه بالعقل و الفهم و الفكر و المعرفة،و تزكية النّفس عن الرّذائل،و تحلية القلب بالفضائل،و لذا قال عليه السّلام:«اللّهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي»و محبّة الرّسول و زينه في قلوبكم، و السّعادة السّابقة،و أولئك المقرّبون،و شرح الصّدر و شهود المنعم،و إمداد الملائكة في الجهاد و نحوه،و صحّة الدّين و البصيرة و صفاء الأحوال،و الولاية فإنّها باطنة بالنّسبة إلى النّبوّة و الفطرة السّليمة،و طلب الحقيقة و الاستعداد لقبول الفيض،و اتّصال الذّكر على الدّوام و الرّضى و الغفران،و قلب بلا غفلة و توجّه بلا علّة و فيض بلا قلّة.(7:90)

الآلوسيّ: أي محسوسة و معقولة،معروفة لكم و غير معروفة.

ص: 33

و قيل:الظّاهرة:نحو إرسال الرّسل،و إنزال الكتب، و التّوفيق لقبول الإسلام،و الإتيان به،و الثّبات على قدم الصّدق،و لزوم العبوديّة.و الباطنة:ما أصاب الأرواح في عالم الذّرّ من رشاش نور النّور.«و أوّل الغيث قطر ثمّ ينسكب».

و نقل بعض الإماميّة عن الباقر رضي اللّه تعالى عنه أنّه قال:الظّاهرة:بالنّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم، و ما جاء به من معرفة اللّه تعالى و توحيده.و الباطنة:

ولايتنا أهل البيت و عقد مودّتنا.

و التّعميم الّذي أشرنا إليه أوّلا أولى،لكن أخرج البيهقيّ في شعب الإيمان عن عطاء قال:سألت ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما عن قوله تعالى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً لقمان:20،قال:هذه من كنوز علمي،سألت رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم، قال:أمّا الظّاهرة:فما سوّى من خلقك،و أمّا الباطنة:فما ستر من عورتك،و لو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم.

و في رواية أخرى رواها ابن مردويه و الدّيلميّ و البيهقيّ و ابن النّجّار عن ابن عبّاس أنّه قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قوله تعالى: وَ أَسْبَغَ... قال:أمّا الظّاهرة:فالإسلام و ما سوّى من خلقك،و ما أسبغ عليك من رزقه.و أمّا الباطنة:فما ستر من مساوئ عملك.

فإن صحّ ما ذكر فلا يعدل عنه إلى التّعميم إلاّ أن يقال:الغرض من تفسير الظّاهرة و الباطنة بما فسّرنا به التّمثيل،و هو الظّاهر،لا التّخصيص و إلاّ لتعارض الخبران.

ثمّ إنّ ظاهر هذين الخبرين يقتضي كون الذّنب -و هو المعبّر عنه في الأوّل بما ستر من العورة،و في الثّاني بما ستر من مساوئ العمل-نعمة،و لم نر كلامهم التّصريح بإطلاقها عليه.و يلزمه أنّ من كثرت ذنوبه كثرت نعم اللّه تعالى عليه.فكان المراد أنّ النّعمة الباطنة هي ستر ما ستر من العورة و مساوئ العمل،و لم يقل كذلك اعتمادا على وضوح الأمر.

و جاء في بعض الآثار ما يقتضي ذلك،أخرج ابن أبي حاتم و البيهقيّ عن مقاتل أنّه قال في الآية:(ظاهرة):

الإسلام،و(باطنة):ستره تعالى عليكم المعاصي،بل جاء في بعض روايات الخبر الثّاني.و أمّا ما بطن:فستر مساوئ عملك.(22:93)

الطّباطبائيّ: و المراد بالنّعم الظّاهرة و الباطنة، بناء على كون الخطاب للمشركين:النّعم الظّاهرة للحسّ كالسّمع و البصر و سائر الجوارح و الصّحّة و العافية و الطّيّبات من الرّزق،و النّعم الغائبة عن الحسّ كالشّعور و الإرادة و العقل.

و بناء على عموم الخطاب لجميع النّاس،الظّاهرة من النّعم هي ما ظهر للحسّ،كما تقدّم،و كالدّين الّذي به ينتظم أمور دنياهم و آخرتهم،و الباطنة منها كما تقدّم، و كالمقامات المعنويّة الّتي تنال بإخلاص العمل.

(16:229)

بطانة

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً... آل عمران:118

ابن عبّاس: كان رجال من المسلمين يواصلون

ص: 34

رجالا من اليهود لما كان بينهم من الجوار و الحلف في الجاهليّة،فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيهم فنهاهم عن مباطنتهم تخوّف الفتنة عليهم منهم.(الطّبريّ 4:61)

نحوه الحسن.(الطّوسيّ 2:570)

هم المنافقون.

مثله ابن زيد و السّدّيّ،و نحوه مجاهد.

(الطّبريّ 4:61)

قتادة: نهى اللّه عزّ و جلّ المؤمنين أن يستدخلوا المنافقين أو يؤاخوهم،أي يتولّوهم من دون المؤمنين.

(الطّبريّ 4:61)

الرّبيع: يقول:لا تستدخلوا المنافقين تتولّوهم دون المؤمنين.

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 4:62)

أبو عبيدة: البطانة:الدّخلاء من غيركم.

(1:103)

الطّبريّ: يعني بذلك تعالى ذكره:يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه و رسوله،و أقرّوا بما جاءهم به نبيّهم من عند ربّهم لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:

118،يقول:لا تتّخذوا أولياء و أصدقاء لأنفسكم من دونكم،يقول:من دون أهل دينكم و ملّتكم،يعني من غير المؤمنين.

و إنّما جعل«البطانة»مثلا لخليل الرّجل،فشبّهه بما ولي بطنه من ثيابه،لحلوله منه في اطّلاعه على أسراره و ما يطويه عن أباعده،و كثير من أقاربه،محلّ ما ولي جسده من ثيابه،فنهى اللّه المؤمنين به أن يتّخذوا من الكفّار به أخلاّء و أصفياء.

ثمّ عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغشّ و الخيانة،و بغيهم إيّاهم الغوائل،فحذّرهم بذلك منهم عن مخالّتهم.(4:60)

نحوه البغويّ.(1:497)

الزّجّاج: البطانة:الدّخلاء الّذين يستبطنون و يتبسّط إليهم،يقال:فلان بطانة لفلان،أي مداخل له و مؤانس.

فالمعنى أنّ المؤمنين أمروا ألاّ يداخلوا المنافقين و لا اليهود،و ذلك أنّهم كانوا لا يبقون غاية في التّلبيس على المؤمنين،فأمروا بألاّ يداخلوهم لئلاّ يفسدوا عليهم دينهم.و أخبر اللّه المؤمنين بأنّهم لا يألونهم خبالا،أي لا يبقون غاية في إلقائهم فيما يضرّهم.(1:461)

الماورديّ: و البطانة هم خاصّة الرّجل الّذين يستبطنون أمره،و الأصل:البطن،و منه بطانة الثّوب، لأنّها تلي البطن.(1:419)

نحوه الطّوسيّ(2:570)،و الآلوسيّ(4:37)

الزّمخشريّ: بطانة الرّجل و وليجته:خصيصه و صفيّه الّذي يفضي إليه بشقوره (1)ثقة به،شبّه ببطانة الثّوب،كما يقال:فلان شعاري.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«الأنصار شعار و النّاس دثار».(1:458)

نحوه البيضاويّ(1:178)،و النّسفيّ(3:177، و أبو السّعود(1:265)،و الكاشانيّ(1:344)، و البروسويّ(2:85)،و شبّر(3:364).

ابن عطيّة: يعني من دون المؤمنين،و لفظة(دون) تقتضي فيما أضيف إليه أنّه معدوم من القصّة الّتي فيهاه.

ص: 35


1- أي يخبره بأمره و يطلعه على أسراره.

الكلام،فشبّه الأخلاّء بما يلي بطن الإنسان من ثوبه.

و من هذا المعنى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:ما من خليفة و لا ذي إمرة إلاّ و له بطانتان:بطانة تأمره بالخير و تحضّه عليه، و بطانة تأمره بالشّرّ و تحضّه عليه.و المعصوم من عصم اللّه.(1:496)

الطّبرسيّ: أي لا تتّخذوا الكافرين أولياء و خواصّ من دون المؤمنين،تفشون إليهم أسراركم.

(1:492)

الفخر الرّازيّ: بطانة الرّجل:خاصّته الّذين يبطنون أمره.و أصله من البطن:خلاف الظّهر،و منه بطانة الثّوب:خلاف ظهارته.

و الحاصل أنّ الّذي يخصّه الإنسان بمزيد التّقريب يسمّى بطانة،لأنّه بمنزلة ما يلي بطنه في شدّة القرب منه.

(8:210)

الخازن: [بعد نقل كلام ابن عبّاس قال:]

و يدلّ على صحّة هذا القول أنّ الآيات المتقدّمة فيها ذكر اليهود،فتكون هذه الآية كذلك.

و قيل:كان قوم من المؤمنين يصافون المنافقين و يفشون إليهم الأسرار،و يطّلعونهم على الأحوال الخفيّة،فنهاهم اللّه عن ذلك.

و حجّة هذا القول أنّ اللّه ذكر في سياق هذه الآية قوله: وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ آل عمران:119،و هذه صفة المنافقين،لا صفة اليهود.

و قيل:المراد بهذه جميع أصناف الكفّار،و يدلّ على صحّة هذا القول معنى الآية،لأنّ اللّه تعالى قال:

لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118، فمنع المؤمنين أن يتّخذوا بطانة من دون المؤمنين،فيكون ذلك نهيا عن جميع الكفّار.

و البطانة:خاصّة الرّجل المطّلع على سرّه،و اشتقاقه من:بطانة الثّوب،بدلالة قولهم:لبست فلانا،إذا اختصصته،و يقال:فلان شعاري و دثاري.و الشّعار:

الّذي يلي الجسد،و كذلك البطانة.

و الحاصل:أنّ الّذي يخصّه الإنسان بمزيد القرب يسمّى بطانة،لأنّه يستبطن أمره و يطّلع منه على ما لا يطّلع عليه غيره.(1:342)

نحوه رشيد رضا.(4:81)

ابن كثير :بطانة الرّجل هم خاصّة أهله الّذين يطّلعون على داخل أمره.(2:101)

البروسويّ: إشارة إلى أنّ الحامل لأسرار الرّجل ينبغي أن يكون من جنسه معتمدا عليه مؤتمنا،و ربّما يفشي الرّجل سرّه إلى من لم يجرّبه في كلّ حاله فيفتضح عند النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

فلا تغترّ بظاهر إنسان حتّى تعرف سريرته.

قال الإمام الغزاليّ: و لا تعوّل على مودّة من لم تختبره حقّ الخبرة،بأن تصحبه مدّة في دار أو موضع واحد، فتجرّبه في عزله و ولايته و غناه و فقره،أو تسافر معه أو تعامله في الدّينار و الدّرهم،أو تقع في شدّة فتحتاج إليه.

فإن رضيته في هذه الأحوال فاتّخذه أبا لك إن كان كبيرا، أو ابنا إن كان صغيرا،أو أخا إن كان مثلا لك.و إذا بلغك من الإخوان غيبة أو رأيت منهم شرّا أو أصابك منهم ما يسوؤك،فكل أمرهم إلى اللّه،و لا تشغل نفسك

ص: 36

بالمكافأة،فيزيد الضّرر،و يضيع العمر لشغله.

(2:86)

الطّباطبائيّ: سمّيت الوليجة:بطانة،و هي ما يلي البدن من الثّوب،و هي خلاف الظّهارة،لكونها تطّلع على باطن الإنسان و ما يضمره و يستسرّه.(3:386)

بطائنها

مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ. الرّحمن:54

ابن مسعود: إذا كانت البطانة الّتي تلي الأرض هكذا،فما ظنّك بالظّهارة؟

مثله أبو هريرة.(القرطبيّ 17:179)

ابن عبّاس: إنّما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم،فأمّا الظّواهر فلا يعلمها إلاّ اللّه.

(القرطبيّ 17:179)

الحسن :بطائنها من إستبرق،و ظواهرها من نور جامد.(القرطبيّ 17:179)

نحوه مالك بن دينار و سفيان الثّوريّ.

(ابن كثير 6:499)

البطائن هي الظّواهر.(القرطبيّ 17:179)

قتادة: أنّ(بطائنها)يريد به ظواهرها.

(الماورديّ 5:439)

الكلبيّ: أنّه أراد البطانة دون الظّهارة،لأنّ البطانة إذا كانت من استبرق و هي أدون من الظّهارة،دلّ على أنّ الظّهارة فوق الإستبرق.(الماورديّ 5:439)

الفرّاء: قد تكون البطانة:ظهارة،و الظّهارة،بطانة في كلام العرب،و ذلك أنّ كلّ واحد منهما قد يكون وجها.و قد تقول العرب:هذا ظهر السّماء و هذا بطن السّماء،لظاهرها الّذي تراه.

و أخبرني بعض الفصحاء المحدّثين عن ابن الزّبير يعيب قتلة عثمان،فقال:«خرجوا عليه كاللّصوص من وراء القرية-فقتلهم اللّه كلّ قتلة-و نجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب،يريد:هربوا ليلا».فجعل ظهور الكواكب بطونا،و ذلك جائز على ما أخبرتك به.

(3:118)

ابن قتيبة: [بعد نقل كلام الفرّاء قال:]

و هذا أيضا من عجب التّفسير.كيف تكون البطانة ظهارة،و الظّهارة بطانة؟!و البطانة:ما بطن من الثّوب و كان من شأن النّاس إخفاؤه،و الظّهارة:ما ظهر منه و كان من شأن النّاس إبداؤه.

و هل يجوز لأحد أن يقول لوجه مصلّى:هذا بطانته؟ و لما ولي الأرض منه:هذا ظهارته؟!

و إنّما أراد اللّه جلّ و عزّ أن يعرّفنا من حيث نفهم فضل هذه الفرش،و أنّ ما ولي الأرض منها إستبرق، و هو الغليظ من الدّيباج.و إذا كانت البطانة كذلك، فالظّهارة أعلى و أشرف.

و كذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذه الحلّة».فذكر المناديل دون غيرها، لأنّها أخشن من الثّياب،و كذلك البطائن أخشن من الظّواهر.

و أمّا قولهم:ظهر السّماء و بطن السّماء،لما ولينا،فإنّ هذا قد يجوز في ذي الوجهين المتساويين،إذا ولي كلّ

ص: 37

واحد منهما قوما،تقول في حائط بينك و بين قوم لما وليك منه:هذا ظهر الحائط،و يقول الآخرون لما وليهم:

هذا ظهر الحائط؛فكلّ واحد من الوجهين ظهر و بطن، و مثل هذا كثير.كذلك السّماء ما ولينا منها ظهر،و هو لمن فوقها من الملائكة بطن.(441)

الزّجّاج: هي ممّا يلي الأرض.(البغويّ 4:341)

الطّوسيّ: و هو جمع بطانة،و هي باطن الظّهار، فالبطانة من أسفله و الظّاهرة من أعلاه.

و قيل:الظّواهر من سندس و هو الدّيباج الرّقيق، و البطائن من إستبرق و هو الدّيباج الغليظ.(9:480)

البغويّ: (بطائنها):جمع بطانة و هي الّتي تحت الظّهارة.(4:341)

نحوه الخازن.(7:8)

الزّمخشريّ: من ديباج ثخين،و إذا كانت البطائن من الإستبرق فما ظنّك بالظّهائر؟!

و قيل:ظاهرها من سندس،و قيل:من نور.

(4:49)

نحوه المراغيّ.(27:125)

الطّبرسيّ: أي من ديباج غليظ.ذكر البطانة و لم يذكر الظّهارة،لأنّ البطانة تدلّ على أنّ لها ظهارة، و البطانة دون الظّهارة،فتدلّ على أنّ الظّهارة فوق الإستبرق.

و قيل:لسعيد بن جبير:البطائن من إستبرق فما الظّهائر؟قال:هذا ممّا قال اللّه تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ السّجدة:17.(5:208)

الفخر الرّازيّ: قال أهل التّفسير:قوله: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ يدلّ على نهاية شرفها،فإنّ ما تكون بطائنها من الإستبرق تكون ظهائرها خيرا منها،و كأنّه شيء لا يدركه البصر من سندس،و هو الدّيباج الرّقيق النّاعم.

و فيه وجه آخر معنويّ و هو أنّ أهل الدّنيا يظهرون الزّينة و لا يتمكّنون من أن يجعلوا البطائن كالظّهائر،لأنّ غرضهم إظهار الزّينة و البطائن لا تظهر،و إذا انتفى السّبب انتفى المسبّب.فلمّا لم يحصل في جعل البطائن من الدّيباج مقصودهم،و هو الإظهار،تركوه.

و في الآخرة الأمر مبنيّ على الإكرام و التّنعيم، فتكون البطائن كالظّهائر،فذكر البطائن.(29:127)

القرطبيّ: (بطائنها):جمع بطانة و هي الّتي تحت الظّهارة،و الإستبرق:ما غلظ من الدّيباج و خشن،[ثمّ ذكر بعض أقوال المفسّرين و أضاف:]

و في الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: «ظواهرها نور يتلألأ».

و روي عن قتادة: و العرب تقول للظّهر:بطنا، فيقولون:هذا ظهر السّماء و هذا بطن السّماء،لظاهرها الّذي نراه.و أنكر ابن قتيبة و غيره هذا،و قالوا:

لا يكون هذا إلاّ في الوجهين المتساويين إذا ولي كلّ واحد منهما قوما كالحائط بينك و بين قوم،و على ذلك أمر السّماء.

(17:179)

ابن كثير :قال أبو عمران الجونيّ:هو الدّيباج المزيّن بالذّهب.فنبّه على شرف الظّهارة بشرف البطانة،فهذا من التّنبيه بالأدنى على الأعلى.

ص: 38

و قال القاسم بن محمّد:بطائنها من إستبرق و ظواهرها من الرّحمة.

و قال ابن شوذب عن أبي عبد اللّه الشّاميّ: ذكر اللّه البطائن و لم يذكر الظّواهر،و على الظّواهر المحابس، و لا يعلم ما تحت المحابس إلاّ اللّه تعالى.(6:499)

النّيسابوريّ: قال المفسّرون:إذا كان بطائن الفرش و هي الّتي تحت الظّهارة ممّا يلي الأرض من إستبرق فما ظنّك بظهائرها؟!و يجوز أن يكون ظهائرها السّندس.و التّحقيق أنّه لا يعلمها إلاّ اللّه،كقوله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ السّجدة:17.(27:69)

البروسويّ: (بطائنها):جمع بطانة،و هي بالكسر من الثّوب،خلاف ظهارته،بالفارسيّة:آستر.

(9:307)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:109)

بطن

وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. الفتح:24

قتادة :بطن مكّة:الحديبيّة.(الطّبريّ 26:94)

مثله الطّبرسيّ.(5:124)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:يريد به مكّة، الثّاني:يريد به الحديبيّة،لأنّ بعضها مضاف إلى الحرم.

(5:318)

مثله القرطبيّ.(16:282)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: بِبَطْنِ مَكَّةَ إشارة إلى أمر كان هناك يقتضي عدم الكفّ،و مع ذلك وجد كفّ الأيدي،و ذلك الأمر هو دخول المسلمين ببطن مكّة.فإنّ ذلك يقتضي أن يصبر المكفوف على القتال لكون العدوّ دخل دارهم طالبين ثأرهم،و ذلك ممّا يوجب اجتهاد البليد في الذّبّ عن الحريم،و يقتضي أن يبالغ المسلمون في الاجتهاد في الجهاد،لكونهم لو قصّروا لكسروا و أسروا،لبعد مأمنهم،فقوله: بِبَطْنِ مَكَّةَ إشارة إلى بعد الكفّ،و مع ذلك وجد بمشيئة اللّه تعالى.(28:98)

البيضاويّ: في داخل مكّة.(2:403)

نحوه أبو السّعود(6:104)،و الكاشانيّ(5:42).

الخازن: قيل:أراد به الحديبيّة،و قيل:التّنعيم، و قيل:وادي مكّة.(6:169)

البروسويّ: أي في داخلها.[و بعد نقل كلام الرّاغب قال:]

لا شكّ أنّ وادي الحديبيّة واقع في الجهة السّفلى من مكّة،لأنّه في جانب جدّة المحروسة،فيكون المراد ب«البطن»تلك الجهة لا داخل مكّة،و المعنى-و اللّه تعالى أعلم-أنّ اللّه هو الّذي كفّ أيديهم عنكم و أيديكم عنهم من الحديبيّة الّتي هي الجهة السّفلى من مكّة،من بعد أن أقدركم عليهم،بحيث لو قاتلتموهم غلبتم عليهم بإذنه تعالى.(9:44)

شبّر: في داخلها أو بالحديبيّة.(6:49)

الآلوسيّ: يعني الحديبيّة،كما أخرج ذلك عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة.و قد تقدّم أنّ بعضها من حرم مكّة،و إن لم يسلم فالقرب التّامّ كاف،و يكون

ص: 39

إطلاق بِبَطْنِ مَكَّةَ عليها مبالغة.(26:111)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد بكفّ أيدي كلّ من الطّائفتين عن الأخرى:ما وقع من الصّلح بين الفئتين بالحديبيّة و هي بطن مكّة،لقربها منها و اتّصالها بها،حتّى قيل:إنّ بعض أراضيها من الحرم.(18:288)

بطون

1- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا... الأنعام:139

ابن عبّاس: اللّبن.(الطّبريّ 8:47)

يعني ألبان البحائر و السّيّب.

مثله الشّعبيّ و قتادة.(الطّبرسيّ 2:373)

مجاهد :أجنّة البحائر و السّيّب،ما ولد منها حيّا، فهو خالص للذّكور دون النّساء،و ما ولد ميّتا أكله الرّجال و النّساء.

مثله السّدّيّ(الطّبرسيّ 2:373)،و الزّمخشريّ (2:55)،و النّسفيّ(3:36)

قتادة: ألبان البحائر كانت للذّكور دون النّساء، و إن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم و إناثهم.

(الطّبريّ 8:48)

الطّبريّ: [بعد نقل الأقوال قال:]

و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنّهم قالوا في أنعام بأعيانها:ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا،و اللّبن ممّا في بطونها،و كذلك أجنّتها.

و لم يخصّص اللّه بالخبر عنهم أنّهم قالوا:بعض ذلك حرام عليهنّ دون بعض،و إذ كان ذلك كذلك،فالواجب أن يقال:إنّهم قالوا:ما في بطون تلك الأنعام من لبن و جنين حلّ لذكورهم خالصة دون إناثهم،و إنّهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم،إلاّ أن يكون الّذي في بطونها من الأجنّة ميّتا،فيشترك حينئذ في أكله الرّجال و النّساء.

(8:47)

الطّوسيّ: و المراد بما في بطون الأنعام.

قيل فيه ثلاثة أقوال:أحدها:قال قتادة:المراد به الألبان،و قال مجاهد و السّدّيّ:أنّه الأجنّة،الثّالث:أنّ المراد به الجميع،و هو أعمّ.(4:315)

مثله الطّبرسيّ.(2:373)

البيضاويّ: يعنون أجنّة البحائر و السّوائب.

(1:333)

مثله أبو السّعود(2:451)،و البروسويّ(3:110)

أبو حيّان: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ و ابن عبّاس و الشّعبيّ قال:]

و الظّاهر الأجنّة،لأنّها الّتي في البطن حقيقة،و أمّا اللّبن ففي الضّرع لا في البطن،إلاّ بمجاز بعيد.

(4:231)

الطّباطبائيّ: المراد بما في البطون أجنّة البحائر و السّيّب،فقد كانوا يحلّونها إذا ولدت حيّة للرّجال دون النّساء،و إن ولدت ميتة أكله الرّجال و النّساء جميعا.

و قيل:المراد بها الألبان،و قيل:الأجنّة و الألبان جميعا.(7:362)

2- فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. الواقعة:53

ص: 40

الفخر الرّازيّ: و(البطون)يحتمل أن يكون المراد منه مقابلة الجمع بالجمع،أي يملأ كلّ واحد منكم بطنه.

و يحتمل أن يكون المراد أنّ كلّ واحد منكم يملأ البطون، و(البطون)حينئذ تكون بطون الأمعاء لتخيّل وصف المعيّ في باطن الإنسان له كيأكل في سبعة أمعاء، فيملئون بطون الأمعاء و غيرها.

و الأوّل أظهر،و الثّاني أدخل في التّعذيب و الوعيد.

(29:174)

نحوه البروسويّ.(9:330)

الآلوسيّ: أي بطونكم من شدّة الجوع،فإنّه الّذي اضطرّهم و قسرهم على أكل مثلها،ممّا لا يؤكل.

(27:145)

بطونهم

1- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ. البقرة:174

الطّبريّ: فإن قال قائل:فهل يكون الأكل في غير البطن،فيقال: ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ؟

قيل:قد تقول العرب:جعت في غير بطني و شبعت في غير بطني،فقيل: (فِي بُطُونِهِمْ) لذلك،كما يقال:فعل فلان هذا نفسه.و قد بيّنّا ذلك في غير هذا الموضع فيما مضى.(2:90)

الطّوسيّ: [ذكر الاشكال و الجواب نحو الطبريّ و أضاف:]

و الثّاني:أنّه لمّا استعمل المجاز بالإجراء على الرّشوة اسم النّار،حقّق بذكر البطن ليدلّ على أنّ النّار تدخل أجوافهم.(2:89)

مثله الطّبرسيّ.(1:258)

الزّمخشريّ: ملء بطونهم،يقال:أكل فلان في بطنه و أكل في بعض بطنه.(1:329)

نحوه البيضاويّ(1:97)،و النّيسابوريّ(2:75)، و الشّربينيّ(1:114).

ابن عطيّة: و ذكرت«البطون»في أكلهم المؤدّي إلى النّار دلالة على حقيقة الأكل؛إذ قد يستعمل مجازا في مثل:أكل فلان أرضي و نحوه.

و في ذكر«البطن»أيضا تنبيه على مذمّتهم،بأنّهم باعوا آخرتهم بحظّهم من المطعم الّذي لا خطر له،و على هجنتهم بطاعة بطونهم.(1:241)

نحوه القرطبيّ(1:234)،و رشيد رضا(2:104).

الفخر الرّازيّ: قال بعضهم:ذكر«البطن»هاهنا زيادة بيان،لأنّه يقال:أكل فلان المال،إذا بذّره و أفسده.

و قال آخرون: بل فيه فائدة،فقوله: (فِي بُطُونِهِمْ) أي ملء بطونهم،يقال:أكل فلان في بطنه،و أكل في بعض بطنه.(5:29)

أبو حيّان: و ذكر (فِي بُطُونِهِمْ) إمّا على سبيل التّوكيد،إذ معلوم أنّ الأكل لا يكون إلاّ في البطن،فصار نظير: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38،أو كناية عن ملء البطن،لأنّه يقال:فلان أكل في بطنه،و فلان أكل في بعض بطنه.أو لرفع توهّم المجاز،إذ يقال:أكل فلان ماله،إذا بذّره و إن لم يأكله.(1:492)

ص: 41

نحوه أبو السّعود(1:233)،و البروسويّ(1:279)

الآلوسيّ: الجارّ و المجرور حال مقدّرة،أي (ما ياكلون)شيئا حاصلا فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ إذ الحصول في البطن ليس مقارنا للأكل.

و بهذا التّقدير يندفع ضعف تقديم الحال على الاستثناء،و لا يحتاج إلى القول بأنّه متعلّق ب(ياكلون)و المراد:في طريق(بطونهم)كما اختاره أبو البقاء.

و التّقييد ب«البطون»لإفادة الملء لا للتّأكيد،كما قيل به،و الظّرفيّة بلفظة(في)و إن لم تقتض استيعاب المظروف الظّرف لكنّه شاع استعمال ظرفيّة البطن في الاستيعاب،كما شاع ظرفيّة بعضه في عدمه.[ثمّ استشهد بشعر](2:43)

2- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً. النّساء:10

الزّمخشريّ: (فِي بُطُونِهِمْ) ملء بطونهم،يقال:

أكل فلان في بطنه و في بعض بطنه،قال:كلوا في بعض بطنكم تعفوا.(1:504)

نحوه الشّربينيّ(1:284)،و البروسويّ(2:170)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:الأكل لا يكون إلاّ في البطن فما فائدة قوله: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً؟

و جوابه:أنّه كقوله: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ آل عمران:167،و القول لا يكون إلاّ بالفم، و قال: وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:

46،و القلب لا يكون إلاّ في الصّدر،و قال: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38،و الطّيران لا يكون إلاّ بالجناح.و الغرض من كلّ ذلك التّأكيد و المبالغة.

(9:201)

القرطبيّ: خصّ«البطون»بالذّكر لتبيين نقصهم، و التّشنيع عليهم بضدّ مكارم الأخلاق.(5:53)

أبو السّعود: أي ملء بطونهم.(1:319)

مثله الكاشانيّ(1:393)،و شبّر(2:15)، و المراغيّ(4:193).

الآلوسيّ: أي ملء بطونهم.و شاع هذا التّعبير في ذلك و كأنّه مبنيّ على أنّ حقيقة الظّرفيّة المتبادر منها الإحاطة؛بحيث لا يفضّل الظّرف عن المظروف،فيكون الأكل في البطن ملء البطن،و في بعض البطن دونه.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا ينافي هذا قول الأصوليّين:إنّ الظّرف إذا جرّ ب«في»لا يكون بتمامه ظرفا،بخلاف المقدّرة فيه،فنحو:

سرت يوم الخميس لتمامه،و في يوم الخميس لغيره.

فقد قال عصام الملّة:إنّ هذا مذهب الكوفيّين، و البصريّون لا يفرّقون بينهما،كما بيّن في النّحو.

و قال شهاب الدّين:الظّاهر أنّ ما ذكره أهل الأصول فيما يصحّ جرّه ب«في»و نصبه على الظّرفيّة.

و هذا ليس كذلك،لأنّه لا يقال:أكل بطنه،بمعنى في بطنه،فليس ممّا ذكره أهل الأصول في شيء،و هو مثل:

جعلت المتاع في البيت.فهو صادق بملئه و بعدمه،لكن الأصل الأوّل،كما ذكروه.

و جوّز أن يكون ذكر البطون للتّأكيد و المبالغة،كما في قوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ

ص: 42

آل عمران:167،و القول لا يكون إلاّ بالفم.(4:215)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البطن»من الإنسان و سائر الحيوان،يقال:بطن يبطن بطنا و بطنة،و كذا بطن يبطن،أي عظم بطنه فهو بطين.و البطنة:امتلاء البطن من الطّعام،يقال:ثقلت عليه البطنة،و ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها،و البطنة تذهب الفطنة.

و المبطان:الكثير الأكل و العظيم البطن،و منه قول عليّ عليه السّلام:«أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى».و في صفته عليه السّلام:«الأنزع البطين»،أي العظيم البطن.و رجل بطن:لا همّ له إلاّ بطنه،و كذا الكثير الأكل،و هو مبطان و بطين أيضا.

و بطن الرّجل:اشتكى بطنه،يقال:بطنه الدّاء يبطنه بطونا فهو مبطون.و بطن فلان فلانا يبطنه بطنا و بطن له:

ضرب بطنه.

و ألقى الرّجل ذا بطنه:تغوّط،و ألقت الدّجاجة ذا بطنها:باضت،و ألقت المرأة ذا بطنها:ولدت.و تبطّن الرّجل جاريته:باشر بطنه بطنها.

و قد أطلق هذا المعنى على ما يجاور البطن،فالبطان:

الحزام الّذي يلي البطن،و كذا حزام الرّحل و القتب، يقال:أبطن البعير،أي شدّ بطانه.

ثمّ توسّع فيه،فقيل لخلاف ظهر كلّ شيء:بطن، مثل:بطن الرّاحة و ظهر الكفّ،و باطنة الكورة:وسطها، و ظاهرتها:ضواحيها،و بطن الأرض و باطنها:ما غمض منها و اطمأنّ،و بطنان الأرض:ما توطّأ في بطون الأرض،سهلها و حزنها و رياضها،و بطنان الجنّة و العرش:وسطهما،و بطانة الثّوب:خلاف ظهارته، يقال:بطّن فلان ثوبه تبطينا،أي جعل له بطانة،و بطانة الفراش و ظهارته،و لحاف مبطون و مبطّن.

2-و قد نقل هذا الحرف أيضا إلى أسماء المعاني،كما هي عادة العرب في كلامها غالبا،تبدأ بالمحسوس ثمّ تستعمله في غير المحسوس مجازا فيصبح حقيقة،و منه:

الباطن:اسم من أسماء اللّه تعالى،أي العالم بكلّ ما بطن، كما هو العالم بكلّ ما ظهر،من قولهم:بطنت الأمر،أي عرفت باطنه.

و منه:بطانة الرّجل:خاصّته،يقال:أبطنت الرّجل، أي جعلته من خواصّك،و هو صاحب سرّه و داخلة أمره الّذي يشاوره في أحواله.و يقال أيضا:أفرشني ظهر أمره و بطنه،أي سرّه و علانيته،و بطن فلان بفلان يبطن به بطونا و بطانة،إذا كان خاصّا به داخلا في أمره،و بطنت بفلان:صرت من خواصّه،و إنّ فلانا لذو بطانة بفلان، أي ذو علم بداخلة أمره،و أنت أبطنت فلانا دوني،أي جعلته أخصّ بك منّي،فهو مبطّن.

3-و البطن:جماعة تنتسب إلى جدّ واحد،و هو من هذا الباب أيضا؛إذ كأنّهم خرجوا من بطن واحد،كما يقال:بينهم وشيجة رحم،و الرّحم:منبت الولد في البطن.و البطن في تدريج الجماعات من الكثرة إلى القلّة دون القبيلة،و قد ذكر ابن الكلبيّ عن أبيه:الشّعب،ثمّ القبيلة،ثمّ العمارة،ثمّ البطن،ثمّ الفخذ.

4-و لو قيل:إنّ الأصل في مادّتي«ب ط ن»و«ظ ه ر»هو البطن و الظّهر،جارحتان للبدن،ثمّ تفرّع منهما

ص: 43

ما لازمهما،و هو الظّهور و البطون،و اشتقّت من كلّ من الأصل و الفرع أفعال و صفات،لم يكن بعيدا عن جادّة الصّواب،لاحظ«ظ ه ر».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت هذه المادّة فعلا ماضيا مرّتين،و اسم فاعل مذكّر ثلاث مرّات و مؤنّث مرّة،و اسما بوزن«فعالة» مفردا و جمعا مرّتين،و بوزن«فعل»مفردا أربع مرّات و جمعا(12)مرّة:

1- وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الأنعام:151

2- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. الأعراف:33

3- هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الحديد:3

4- وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ الأنعام:120

5- فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ الحديد:13

6- وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً

لقمان:20

7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً آل عمران:118

8- مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54

9- وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً الفتح:24

10- وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ النّور:45

11- فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الصّافّات:143،144

12- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

آل عمران:35

13- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا الأنعام:139

14- وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً النّحل:78

15- فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ

الصّافّات:66

16- يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ الزّمر:6

17- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ الدّخان:43-45

18- هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:32

19- ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ

الواقعة:51-53

ص: 44

20- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ

النّحل:66

21- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِها وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ

المؤمنون:21

22- يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ النّحل:69

23- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ البقرة:174

24- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً النّساء:10

يلاحظ أوّلا:أنّ ما ذكر فيها من الكلمات-مع اشتراكها في أصل المفهوم اللّغويّ-جاءت بمعان خمسة:

1-المعنى اللّغويّ الفرع حسب ما اخترنا،و هو البطون مستعملا مع ما يقابله و هو الظّهور،و ذلك في السّتّ الأولى مع تفاوت بينها،ففي(1)و(2)جاء الفعلان فيهما«ظهر»و«بطن»وصفا للفواحش،و في سائرهما اسم فاعل مع تفاوت في الموصوف،ففي(3) جاءا وصفا للّه،و في(4)وصفا للإثم،و في(5)وصفا للباب،و في(6)وصفا للنّعم.

2-البطانة في(7)،أي الشّخص الّذي يلج باطن الأمور،و قد نهى اللّه المؤمنين أن يتّخذوا بطانة من غيرهم.و أريد بهم-حسب سياق الآيات-أهل الكتاب،أي اليهود و النّصارى الّذين تحدّث اللّه عنهم في كثير من آيات هذه السّورة«آل عمران»،مخاطبا إيّاهم ب«يا اهل الكتاب)،توبيخا لهم على كفرهم بآيات اللّه، و صدّهم عن دين اللّه،و إصرارهم على إضلال المؤمنين، و انطوائهم على بغضهم،فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ... إلى آخر الآيات.

و ينبغي الوقوف على أمور:

الأوّل:قد حذّر اللّه المؤمنين من أهل الكتاب في كثير من السّور المدنيّة كالبقرة و آل عمران و المائدة و التّوبة،و السّورتان الأخيرتان هما من آخر ما نزل من القرآن،و اختلفوا في أيّ منهما آخر ما نزل،و الرّاجح عندنا المائدة.و كلّما أوشك الوحي على الاقتراب إلى النّهاية اشتدّ الحذر من هؤلاء في القرآن،كما يرى ذلك بوضوح في المائدة و التّوبة.

و هذا يساير ما وقع في تاريخ الإسلام من العلاقات السّلبيّة مع أهل الكتاب يهودا و نصارى،و قد استمرّت هذه الظّاهرة في جميع الأعصار،و اتّبعت إلى الآن في جميع الأمصار.فأكّد اللّه على المؤمنين أن لا يتّخذوا منهم بطانة و وليجة،و لا يوقفوهم على أسرارهم.إلاّ أنّ المسلمين في غالب الظّروف و لا سيّما في الحقبة الأخيرة قد خادنوهم و خالطوهم،رغم أنّهم قد لاقوا منهم ما لاقوا، فهل توجد بين أولي الأمر في البلاد الإسلاميّة آذان واعية و عيون ناظرة و قلوب مبصرة معتبرة؟

ص: 45

الثّاني:لفظ(من دونكم)في الآية و إن كان قد انصرف-كما قلنا-إلى أهل الكتاب حسب السّياق،إلاّ أنّه يعمّ المنافقين و الكفّار عامّة،بل قيل:بأنّها نزلت في بعض المنافقين،كما جاء في النّصوص.و عن ابن عطيّة أنّ «لفظة(دون)تقتضي فيما أضيفت إليه أنّه معدوم من القصّة الّتي منها الكلام»،و عليه فيشمل غير المؤمنين جميعا.

الثّالث:أنّ البطانة في اللّغة:ما بطن من الثّوب في قبال الظّهارة،و هي ما ظهر منه،فأطلقت عليه إمّا لأنّها باطنة غير ظاهرة،أو لمساسها البطن كما قيل،و تطلق على الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث.هذا في أصل اللّغة،ثمّ استعير لخاصّة الرّجل و دخلائه تشبيها لهم ببطانة الثّوب.

الرّابع:أنّ حامل أسرار الرّجل ينبغي أن يكون معتمده و مؤتمنه،و يكون منه لا من غيره،كما قال تعالى في شأن المؤمنين: وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النّساء:25،و في شأن المنافقين: اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67.و هذا يحتاج إلى اختبار عميق و عناء معنّ و تخطيط دقيق.

الخامس:جاءت«الوليجة»في القرآن بمعنى البطانة مرّة واحدة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ التّوبة:

16،و فيها ألوان من التّأكيد،منها:اعتبارها في صدر الآية معيار الاختبار و الابتلاء أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا و منها:عدّها في مرتبة الجهاد،و منها:عدّها في قبال اللّه و رسوله و المؤمنين في وسط الآية،و منها:قوله في ذيل الآية: وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، لاحظ«و ل ج».

3-البطانة للفرش لا للثّوب في(8)عند وصف أهل الجنّة مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ الرّحمن:54،و البطائن:جمع بطانة،و أريد بها بواطن الفرش الّتي تلي الأرض،فإذا كانت بطانتها إستبرق فما ظنّك بالظّهارة،فهي فوقها؟!و قال الفرّاء:«إنّ المراد بها الظّهارة»،و أنكره ابن قتيبة في كلام طويل،لاحظ النّصوص،و لاحظ«إستبرق»أيضا.و البطانة و الظّهارة في الثّوب و في الفرش،و يقال لهما في الفارسيّة:«رويه» و«آستر».

4-البطن في(9)بمعنى داخل البلد و وسطه،و هي آية من سورة الفتح الّتي نزلت عقيب صلح الحديبيّة، و قد حال المشركون بين المؤمنين و ذهابهم إلى مكّة ليعتمروا،فبايعوا النّبيّ على الصّمود أمام المشركين، و انتهى الأمر إلى الصّلح فيما بينهم.و قد عدّه اللّه فتحا مبينا و فتحا قريبا،و كفّ به أيدي المشركين عن المؤمنين و أيدي المؤمنين عن المشركين،فقال: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ...

و قد وقع هذا الصّلح في الحديبيّة،خارج مكّة، فسمّي صلح الحديبيّة،كما سمّيت العمرة الّتي لم تقع:

عمرة الحديبيّة،و من أجل ذلك فسّر بعضهم:«بطن مكّة»بالحديبيّة،و ذكروا له وجوها،مثل:أنّ المراد ب(مكّة)وادي مكّة،و الحديبيّة قطعة منها أو واقعة في وسطها،أو التّنعيم،و هو داخل في مكّة،و غيرها.

و الوجه عندنا أنّ التّعبير بِبَطْنِ مَكَّةَ مبالغة في الدّخول،أي قاصدها دخلها حتّى وصل إلى وسطها،

ص: 46

يقال:إنّه حضر بطن المعركة و بطن الحادثة،أي مركزهما.فكأنّه قال:كفّ أيديهم عنكم و أيديكم عنهم في مركز البلد و وسطها،إظهارا لقدرته تعالى و حفظا لحرمته.إلاّ أنّه عبّر عن الحديبيّة ب«بطن مكّة»مبالغة في القرب من وسط المعركة،كأنّه قال:كفّ أيديكم جميعا في وسط المعركة الّتي كدتم تبدءون بالقتال فيها.

و يؤيّد هذا قوله: مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، أي كفّ أيديكم بعد أن وصلتم إلى وسط المعركة مع غلبتكم عليهم،أي و لو لم يكفّ اللّه أيديكم عنهم لكنتم ظافرين،و مع ذلك اقتضت حكمة اللّه تعالى لإتمام هذا الفتح المبين كفّ أيديكم عنهم،فكفّوا أيديهم عنكم، فالفضل كلّه للّه،و الفتح كلّه من اللّه وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:126.

5-البطن بمعناه اللّغويّ الأصل-حسب ما اخترناه- في باقي الآيات مع تفاوت بينها:

ففي(10)و(11)جاء البطن مفردا و أريد به نفس الجارحة ظاهرا و باطنا،فمن الدّوابّ ما يمشي على بطنه، أي يحرّك طيّات بطنه على الأرض عند المشي،و لو لا فضل اللّه للبث يونس داخل بطن الحوت،و يمكن عدّه ممّا أريد بالبطن وعاء الأكل كما سيجيء.

و الآيات(12)و(13)و(14)و(16)و(18) تتحدّث عن الجنين في البطن،و أريد بها الرّحم وعاء الجنين.

و تتحدّث الآيات(15)و(17)و(19)و(23) و(24)عن أكل الطّعام،و المراد بالبطون فيها المعدة و الأمعاء،و سائر جهاز الهضم.

و الآية(22)تتحدّث عن نعمة العسل،و المراد به المعدة أيضا،و لكن لا باعتبار دخول الطّعام فيها،بل باعتبار خروج العسل منها،لأنّ للنّحلة معدتين، إحداهما لهضم الطّعام،و الأخرى لصنع العسل،و الدّليل على ذلك قوله في أوّل الآية: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ...

النّحل:69،فالعسل ينشأ من الأكل.

و الملفت للنّظر أنّ اللّه يعبّر عن العسل بالشّراب، فكأنّه غلب فيه الشّراب على الطّعام،كما عبّر عن اللّبن في الآيتين بالسّقي أيضا،و هو يساوق الشّراب.

و المراد بالبطن في(20)و(21)الضّرع و مجاري اللّبن؛إذ تتحدّثان عن نعمة اللّبن للإنسان.

ثانيا:أنّ الموصوف في السّتّ الأولى الّتي جاء فيها البطن بمعنى الباطن أفعال و ذوات و ما يتركّب من الصّنفين.أمّا الأفعال فهي الفواحش في(1)و(2)، و الإثم في(4)،و أمّا الذّوات فاللّه تعالى في(3)،و الباب في(5).و أمّا المركّب منهما ففي(6)فإنّ الموصوف فيه النّعم،و هي تشمل الذّوات كالأولاد و الأرزاق و العشيرة و الأهل و الأموال،و تشمل الأفعال،و هي الأعمال الصّالحة الّتي يوفّق اللّه عباده بها،كالعبادات و الإنفاق و الخلق الحسن،و نحوها من فعل المعروف.

و قد غلبت على الأفعال الشّرور الفواحش و الإثم، و غلبت على الذّوات و ما تركّب من الأفعال و الذّوات الخيرات،فإنّ اللّه تعالى مبدأ الخيرات و باب السّور في الآخرة،باطنه فيه الرّحمة،و ظاهره من قبله العذاب، و النّعم كلّها خير.

ص: 47

ثالثا:قد جمع اللّه في هذه السّتّ بين الظّاهر و الباطن،سواء الأفعال منها و الذّوات و ما تركّب منهما، و الغرض من ذلك كلّه التّعميم و الشّمول في الموصوف، فالفواحش كلّها حرام ما ظهر منها و ما بطن،و كذلك الإثم على خلاف في المراد بالظّاهر و الباطن في الفواحش و الإثم،فلاحظ النّصوص.و النّعم كلّها مسبغة علينا، ما ظهر منها و ما بطن.

و أمّا الباب في(5)فيختلف ظاهره عن باطنه، فباطنه-و هو الشّقّ الأهمّ-فيه الرّحمة،و ظاهره ينشأ من قبله العذاب.فلاحظ البون الشّاسع بين الوصفين، فالرّحمة مستقرّة في باطنه،و العذاب ناشئ من قبل ظاهره دون أن يستقرّ فيه،فالغلبة في الرّحمة من جهتين:كونها في الباطن،و كونها مستقرّة فيه.

و أمّا وصف اللّه بالظّاهر و الباطن في(3)ففيه بحث ظريف و تعبير لطيف من جهات:

1-ما عن الرّاغب:أنّ الظّاهر و الباطن في صفات اللّه،لا يقال إلاّ مزدوجين،و كذلك الأوّل و الآخر،كما قال: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ الزّخرف:84،فكما لا يجوز الاقتصار على أحدهما، فيقال:هو اللّه إله في السّماء،أو يقال:هو اللّه إله في الأرض،لأنّه كذب و تحديد لقدرة اللّه،كذلك الأوصاف الأربعة:الأوّل و الآخر و الظّاهر و الباطن،فلا يقال:هو الأوّل،من دون ضمّ الآخر إليه،و لا هو الظّاهر،من دون ضمّ الباطن إليه.

و توسّع الميبديّ في الأوصاف الأربعة فقال:«قيل:

هذه الواوات مقحمة،و المعنى هو الأوّل الآخر،الظّاهر الباطن».و هذا خاصّ باللّه،و أمّا غيره فيتّصف بأحد الوصفين من الأربعة،فلاحظ.

و عن الزّمخشريّ: أنّ الواو الأولى تدلّ على أنّه جامع بين الوصفين:الظّاهر و الباطن،و كذلك الواو الثّالثة تدلّ على أنّه جامع بين الوصفين:الأوّل و الآخر، و أمّا الواو الوسطى فدالّة على أنّه جامع بين الوصفين الأوّلين و الوصفين الآخرين،و أنّه مستمرّ الوجود، جامع بين هذه الأوصاف.

و عن البلخيّ: هو كقول القائل:فلان أوّل هذا الأمر و آخره،و ظاهره و باطنه،أي عليه يدور الأمر و به يتمّ.

2-ما قالوا في معنى الظّاهر و الباطن وصفا للّه تعالى، و قد استوفى المفسّرون الكلام فيه،و لا نريد أن نكرّر ذلك،و إنّما نبغي تقسيمهما من حيث إنّهما وصف له تعالى،باعتبار ذاته أو باعتبار أفعاله.

فالوصف باعتبار ذاته مثل ما قيل:الظّاهر على قلوب أوليائه حتّى يعرفوه،و الباطن عن قلوب أعدائه حتّى ينكروه،أو هو الظّاهر فليس فوقه شيء،و هو الباطن فليس دونه شيء،أو هو الظّاهر بلا إظهار أحد، و الباطن بلا إبطان أحد،أو أنّ الباطن إشارة إلى معرفته الحقيقيّة،و الظّاهر معرفته بآثاره في الآفاق و الأنفس،أو ظاهر بآياته،باطن بذاته،فتجلّى للعباد في آياته، و اختفى عنهم بذاته،أو باطن إن طلب بالحواسّ،و ظاهر إن طلب بالعقل و الدّليل،أو الظّاهر صنعا و رسما، و الباطن كيفا و قدرا،أو الظّاهر بلا اقتراب،و الباطن بلا احتجاب،و الأوّل بلا ابتداء،و الآخر بلا انتهاء،أو الأوّل بالأزليّة،و الآخر بالأبديّة لاحظ«أول»

ص: 48

و«أ خ ر»،و الظّاهر بالأحديّة،و الباطن بالصّمديّة،أو الظّاهر عن العوالم،و الباطن عنها كالنّفس،و من عرف نفسه فقد عرف ربّه،لاحظ كلام المصطفويّ.

و قد أكمل صدر المتألّهين الكلام فيه بأنّه ظاهر، لأنّه نور السّماوات و الأرض.و النّور حقيقته الظّهور و غيره يظهر به،و هو باطن لشدّة ظهوره،و من أجل ذلك يختفي عن الضّمائر و الأنظار،فذاته بذاته،متجلّ غير محتجب،و الحجاب من جانب المحجوبين لا من جانبه،كالشّمس تحتجب من شدّة ظهورها عن أبصارنا، لقصور الأبصار لا لقصور الشّمس،فلاحظ.

و أمّا الوصف باعتبار صفاته فكقولهم:الظّاهر:

الغالب على كلّ شيء،و العالم:العالم بكلّ شيء،أو علمه بالظّاهر كعلمه بالباطن،أو الظّاهر بالإحياء،و الباطن بالإمانة،أو الظّاهر بالتّوفيق للطّاعة،و الباطن بستره عن المعصية،أو الظّاهر الحليم،و الباطن العليم،أو العالم بما ظهر،و العالم بما بطن،و العالم بالسّرائر و الظّواهر،أو القاهر لما ظهر و ما بطن،أو الّذي أظهر الظّاهر و أبطن الباطن،أو الظّاهر بكشف الكروب،و الباطن بعلم الغيوب.

3-و عندنا أنّ هذه الأوصاف-كما هو ظاهر السّياق -لذاته تعالى دون صفاته،فما قيل أوّلا في معناها أولى بالصّواب،و اللّه العالم.

رابعا:يشاهد في الآيات تناسق عدديّ،فما جاء بمعنى البطون مقابلا للظّهور-و هي السّتّ الأولى-الماضي فيها اثنان(1)و(2)،و الوصف أربعة(3)إلى(6)، فالوصف ضعف الماضي،و البطانة واحدا و جمعا اثنان بمعنيين،و البطن مفردا أربعة(9)إلى(12)بأربعة معان، و جمعا اثنا عشر(13)إلى(24)،أي ضعف المفرد ثلاث مرّات بثلاثة معان:خمسة منها بمعنى المعدة،و خمسة بمعنى الرّحم،و اثنان بمعنى الضّرع.

ص: 49

ص: 50

ب ع ث

اشارة

26 لفظا،67 مرّة:46 مكّيّة،21 مدنيّة

في 33 سورة:24 مكّيّة،9 مدنيّة

بعث 7:2-5 يبعثون 8:8

بعثه 1:-1 يبعثوا 1:-1

بعثنا 1:1 تبعثون 1:1

بعثنا 7:6-1 لتبعثنّ 1:-1

بعثناهم 2:2 أبعث 1:1

بعثناكم 1:-1 ابعث 3:1-2

يبعث 6:5-1 فابعثوا 2:1-1

ليبعثنّ 1:-1 مبعوثون 7:7

يبعثهم 3:1-2 مبعوثين 2:2

يبعثك 1:-1 البعث 3:2-1

يبعثكم 1:1 بعثكم 1:-1

نبعث 3:3 انبعث 1:1

يبعث 1:1 انبعاثهم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البعث:الإرسال،كبعث اللّه من في القبور.

و بعثت البعير:أرسلته،و حللت عقاله،أو كان باركا فهجته.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعثته من نومه فانبعث،أي نبّهته.

و يوم البعث:يوم القيامة.

و ضرب البعث على الجند،إذا بعثوا،و كلّ قوم بعثوا في أمر أو في وجه فهم بعث.

و قيل لآدم:ابعث بعث النّار،فصار البعث بعثا للقوم جماعة.

هؤلاء بعث،مثل:هؤلاء سفر و ركب.(2:112)

الأصمعيّ: رجل بعث:لا يكاد ينام،و ناقة بعثة:

لا تكاد تبرك.(الأزهريّ 2:335)

ابن السّكّيت: و يقال:رجل بعث،إذا كان كثير

ص: 51

الانبعاث من نومه،لا يغلبه النّوم.[ثمّ استشهد بشعر]

(631)

شمر: و في حديث حذيفة:«إنّ للفتنة بعثات و وقفات فمن استطاع أن يموت في وقفاتها فليفعل».

بعثات،أي إثارات و هيجات.

و كلّ شيء أثرته فقد بعثته.و بعثت النّائم،إذا أهببته.

و البعث:القوم المبعوثون المشخصون،و يقال:هم البعث بسكون العين.(الأزهريّ 2:335)

ابن دريد :و بعثت الرّجل في الحاجة أبعثه بعثا، و بعثته على الشّيء،إذا أرغته أن يفعل الشّيء.

و البعث:الجند يبعثون في الأمر.

و يوم البعث:يوم القيامة،لأنّ النّاس يبعثون من أجداثهم.

و يوم بعاث:يوم معروف من أيّام الأوس و الخزرج في الجاهليّة.سمعناه من علمائنا بالعين و ضمّ الباء،و ذكر عن الخليل بالغين (1)معجمة،و لم يسمع من غيره.

و ليس هذا صحيحا عن الخليل أيضا.

و انبعث القوم في الخير و الشّرّ انبعاثا،إذا تتابعوا.

و قد سمّت العرب:باعثا و بعيثا.(1:201)

الأزهريّ: قال اللّيث:بعيث:اسم رجل،قلت:

هو شاعر معروف من بني تميم،و بعيث لقب له،و إنّما بعّثه قوله:

تبعّث منّي ما تبعّث بعد ما اس

تمرّ فؤادي و استمرّ مريزي

و بعاث بالعين:يوم من أيّام الأوس و الخزرج معروف،ذكره الواقديّ و محمّد بن إسحاق في كتابيهما، و ذكر ابن المظفّر هذا في«كتاب الغين»فجعله:يوم بغاث،فصحّفه و ما كان الخليل يخفى عليه يوم بعاث، لأنّه من مشاهير أيّام العرب،و إنّما صحّفه اللّيث و عزاه إلى خليل نفسه و هو لسانه،و اللّه أعلم.

و البعث في كلام العرب على وجهين:

أحدهما:الإرسال،كقول اللّه تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى الأعراف:103،معناه أرسلنا.و البعث:

إثارة بارك أو قاعد،تقول:بعثت البعير فانبعث،أي أثرته فثار.

و البعث أيضا:الإحياء من اللّه للموتى،و منه قوله جلّ و عزّ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56، أي:أحييناكم.

و في«النّوادر»:يقال:ابتعثنا الشّام عيرا،إذا أرسلوا إليها ركابا للميرة.

و باعيثاء:موضع معروف.(2:335)

الصّاحب:[قال نحو الخليل و أضاف:]

و رجل بعث:لا يستقرّ مكانه و لا يغلبه النّوم.

و بعّث أمره:خلّطه،قال:و لا أحقّه.و أراه بغّث معجمة من البغثة،و هي اختلاط السّواد بالبياض، و نحوه.(2:13)

الخطّابيّ: و الباعوث،يقال:إنّه استسقاء النّصارى،يخرجون بصلبانهم إلى الصّحارى يستسقون.

صولحوا على أن لا يخرجوا زيّهم و لا يظهروه للمسلمين فيفتنوهم بذلك.

و قال بعضهم:إنّما هو الباغوت بالغين معجمة و التّاء2)

ص: 52


1- العين(4:402)

الّتي هي أخت الطّاء،و هو عيد للنّصارى،اسم أعجميّ.(2:74)

الجوهريّ: بعثه و ابتعثه بمعنى،أي أرسله،فانبعث.

و قولهم:كنت في بعث فلان،أي في جيشه الّذي بعث معه.و البعوث:الجيوش.

و بعثت النّاقة:أثرتها.و بعثه من منامه،أي أهبّه.

و بعث الموتى:نشرهم ليوم البعث.

و انبعث في السّير،أي أسرع.و تبعّث منّي الشّعر، أي انبعث،كأنّه سار.(1:273)

ابن فارس: الباء و العين و الثّاء أصل واحد،و هو الإثارة.و يقال:بعثت النّاقة،إذا أثرتها.[ثمّ استشهد بشعر](1:266)

أبو هلال: الفرق بين البعث و الإرسال:أنّه يجوز أن يبعث الرّجل إلى الآخر الحاجة يخصّه دونك و دون المبعوث إليه،كالصّبيّ تبعثه إلى المكتب،فتقول:بعثته، و لا تقول:أرسلته،لأنّ الإرسال لا يكون إلاّ برسالة و ما يجري مجراها.

الفرق بين البعث و الإنفاذ:أنّ الإنفاذ يكون حملا و غير حمل.و البعث لا يكون حملا،و يستعمل فيما يعقل دون ما لا يعقل،فتقول:بعثت فلانا بكتابي،و لا يجوز أن تقول:بعثت كتابي إليك،كما تقول:أنفذت كتابي إليك.

و تقول:أنفذت إليك جميع ما تحتاج إليه،و لا تقول في ذلك:بعثت.و لكن تقول:بعثت إليك بجميع ما تحتاج إليه،فيكون المعنى بعثت فلانا بذلك.

الفرق بين البعث و النّشور:أنّ بعث الخلق اسم لإخراجهم من قبورهم إلى الموقف،و منه قوله تعالى:

مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52.و النّشور:اسم لظهور المبعوثين و ظهور أعمالهم للخلائق،و منه قولك:

نشرت اسمك و نشرت فضيلة فلان،إلاّ أنّه قيل:أنشر اللّه الموتى بالألف،و نشرت الفضيلة و الثّوب،للفرق بين المعنيين.(222)

ابن سيدة :بعثه يبعثه بعثا:أرسله وحده،و بعث به:أرسله مع غيره.و البعيث:الرّسول،و الجمع:بعثان.

و بعث الجند يبعثهم بعثا:وجّههم،و هو من ذلك، و هم البعث و البعيث،و جمع البعث:بعوث.[ثمّ استشهد بشعر]

جمع البعيث:بعث.

و بعثه على الشّيء:حمله على فعله.و بعث عليهم البلاء:أحلّه بهم،و في التّنزيل: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الإسراء:5،و في الخبر أنّ عبد الملك خطب فقال:بعثنا عليكم مسلم بن عقبة فقتلكم يوم الحرّة.

و انبعث الشّيء و تبعّث:اندفع.و بعثه من نومه بعثا فانبعث:أيقظه.

و تأويل البعث:إزالة ما كان يحبسه عن التّصرّف و الانبعاث.

و رجل بعث:كثير الانبعاث من نومه لا يغلبه.

و رجل بعث و بعث و بعث:لا تزال همومه تؤرّقه و تبعثه من نومه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعث اللّه الخلق يبعثهم بعثا:نشرهم،من ذلك.

و فتح العين في البعث كلّه لغة.

و بعث البعير فانبعث:حلّ عقاله فأرسله،أو كان

ص: 53

باركا فهاجه.و التّبعاث«تفعال»من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يوم بعاث:يوم معروف من أيّام الأوس و الخزرج في الجاهليّة.

و البعيث و باعث:اسمان.(2:96)

و انبعث فلان لشأنه:مضى لقضاء حاجته.

(الإفصاح 1:277)

الحريريّ: و يقولون:بعثت إليه بغلام و أرسلت إليه هديّة،فيخطئون فيهما،لأنّ العرب تقول فيما يتصرّف بنفسه:بعثته و أرسلته،كما قال اللّه تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا المؤمنون:44،و يقولون فيما يحمل:

بعثت به و أرسلت به،كما قال اللّه سبحانه و تعالى إخبارا عن بلقيس وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ النّمل:35، و قد عيب على أبي الطّيّب قوله:

فآجرك الإله على عليل

بعثت إلى المسيح به طبيبا

و من تأوّل له فيه قال:أراد به أنّ العليل لاستحواذ العلّة على جسمه و حسّه قد التحق بحيّز ما لا يتصرّف بنفسه،فلهذا عدّى الفعل إليه بحرف الجرّ كما يعدّى إلى ما لا حسّ له،و لا عقل.(21)

الرّاغب: أصل البعث:إثارة الشّيء و توجيهه، يقال:بعثته فانبعث.

و يختلف البعث بحسب اختلاف ما علّق به،فبعثت البعير:أثرته و سيّرته،و قوله عزّ و جلّ: وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ الأنعام:36،أي يخرجهم و يسيّرهم إلى القيامة، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً المجادلة:18، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:7، ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لقمان:28.

فالبعث ضربان:بشريّ كبعث البعير و بعث الإنسان في حاجة،و إلهيّ و ذلك ضربان:

أحدهما:إيجاد الأعيان و الأجناس و الأنواع عن ليس،و ذلك يختصّ به البارئ تعالى،و لم يقدر عليه أحدا.

و الثّاني:إحياء الموتى،و قد خصّ بذلك بعض أوليائه كعيسى عليه السّلام و أمثاله،و منه قوله عزّ و جلّ:

فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الرّوم:56،يعني يوم الحشر.

و قوله عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31،أي قيّضه، وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:36،نحو أَرْسَلْنا رُسُلَنا المؤمنون:44،و قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12،و ذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان، وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً النّحل:84، قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ الأنعام:65،و قال عزّ و جلّ:

فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ البقرة:259.

و على هذا قوله عزّ و جلّ: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ الأنعام:

60،و النّوم من جنس الموت،فجعل التّوفّي فيهما و البعث منهما سواء،و قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ التّوبة:46،أي توجّههم و مضيّهم.(52)

الزّمخشريّ: بعث اللّه الرّسول إلى عباده،و ابتعثه،

ص: 54

و محمّد رسول اللّه خير مبعوث و مبتعث،و في حديث المبعث كذا.

و بعثه من منامه،و بعثه على الأمر.و تواصوا بالخير و تباعثوا عليه.

و بعثه لكذا فانبعث له كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ التّوبة:46،و فلان كسلان لا ينبعث.

و بعث الشّيء و بعثره:أثاره.قال:

*فبعثتها تقص الإكام*

و فلان يكره الانبعاث،كأنّما بعث ليوم بعاث،و هو يوم بين الأوس و الخزرج.

و يوم البعث:يوم يبعثنا اللّه تعالى من القبور.

و رجل بعث:لا يزال ينبعث من نومه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ضرب البعث عليهم.و خرج في البعوث،و هم الجنود يبعثون إلى الثّغور.(أساس البلاغة:25)

المدينيّ: قوله تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12،هو انفعل من البعث،و معناه الإسراع في الطّاعة للباعث المحرّض،يقال:بعثته،أي حرّضته فانبعث.

في حديث عمر: «لمّا صالح نصارى أهل الشّام كتبوا له:لا نخرج سعانين و لا باعوثا».

الباعوث:استسقاء النّصارى يخرجون بصلبانهم إلى الصّحارى فيستسقون.

و قيل:هو بالغين المعجمة و التّاء المنقوطة باثنتين من فوقها،و هو اسم عيد لهم،عجميّ.

و يغاث:اسم حصن للأوس،و قد يقال:

في حديث عائشة:«فبعثنا البعير فإذا العقد تحته» أي هيّجناه و أقمناه فانبعث.(1:172)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الباعث»هو الّذي يبعث الخلق،أي يحييهم بعد الموت يوم القيامة.

و في حديث عليّ يصف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «شهيدك يوم الدّين و بعيثك نعمة»أي مبعوثك الّذي بعثته إلى الخلق، أي أرسلته«فعيل»بمعنى«مفعول».

و في حديث حذيفة: «إنّ للفتنة بعثات»أي إثارات و تهيّجات،جمع بعثة،و هي المرّة من البعث،و كلّ شيء أثرته فقد بعثته.

و منه حديث عائشة: «فبعث البعير فإذا العقد تحته».

و منه الحديث: «أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني»أي أيقظاني من نومي.

و حديث القيامة: «يا آدم ابعث بعث النّار»أي المبعوث إليها من أهلها،و هو من باب تسمية المفعول بالمصدر.

الفيّوميّ: بعثت رسولا بعثا:أوصلته،و ابتعثته كذلك،و في المطاوع فانبعث،مثل كسرته فانكسر.

و كلّ شيء ينبعث بنفسه فإنّ الفعل يتعدّى إليه بنفسه،فيقال:بعثته.و كلّ شيء لا ينبعث بنفسه كالكتاب و الهديّة فإنّ الفعل يتعدّى إليه بالباء،فيقال:

بعثت به.

و أوجز الفارابيّ فقال:بعثه،أي أهبّه،و بعث به:

وجّهه.

و البعث:الجيش تسمية بالمصدر،و الجمع:البعوث.

ص: 55

و بعاث وزان غراب:موضع بالمدينة و تأنيثه أكثر.

و يوم بعاث:من أيّام الأوس و الخزرج بين المبعث و الهجرة،و كان الظّفر للأوس.(1:52)

الفيروزآباديّ: بعثه كمنعه:أرسله،كابتعثه فانبعث،و النّاقة:أثارها،و فلانا من منامه:أهبّه.

و البعث و يحرّك:الجيش،جمعه:بعوث،و النّشر، و ككتف:المتهجّد السّهران.

و بعث كفرح:أرق.

و تبعّث منّي الشّعر:انبعث كأنّه سال.

و البعيث:فرس عمر بن معدي كرب،و ابن حريث و ابن رزام و ابن بشير شعراء.و المنبعث:من الصّحابة، و كان اسمه مضطجعا فغيّره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و بعاث بالعين و بالغين كغراب و يثلّث:موضع بقرب المدينة،و يومه معروف.

و الباعوث:استسقاء النّصارى.(1:168)

الطّريحيّ: الإثارة،من فعل يفعل بالفتح فيهما، يقال:بعث اللّه الموتى من قبورهم،أي أثارهم و أخرجهم.

و في الحديث: «تنوّقوا بأكفانكم فإنّكم تبعثون بها» أي تنشرون بها.

و في حديث الحجر: «ليبعثه اللّه يوم القيامة»قيل:لمّا كان الحجر من جملة الأموات و أعلم نبيّ اللّه أنّ اللّه قدّر أن يهب له حياة يوم القيامة يستعدّ بها للنّطق،و يجعل له آلة تميّز بها المشهود له و غيره و آلة يشهد بها،شبّه حاله بالأموات الّذين كانوا رفاتا فبعثوا،لاستواء كلّ واحد منهما في انعدام الحياة أوّلا ثمّ في حصوله ثانيا.

و الباعث:الّذي يحيي الخلق بعد موتهم.

و بعثه و ابتعثه،بمعنى أرسله.

و من كلام عليّ عليه السّلام في وصف النّبيّ: «و بعيثك نعمة» أي مبعوثك الّذي بعثته إلى الخلق،أي أرسلته نعمة،فهو «فعيل»بمعنى«مفعول».

و مثله قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا»، و قوله:«بعثت إلى النّاس كافّة»،و مثله«بعث راحلته»، و«حتّى تنبعث راحلته»أي تستوي قائمة إلى الطّريق، أي حين ابتدأ الشّروع.

و البعث:الجيش،تسمية بالمصدر،و الجمع:بعوث، و منه«كان عليه السّلام يبعث البعوث»بفتح موحّدة،أي يرسل الجيش للقتال.

و في الحديث «أوّل العقيق بريد البعث»بالعين المهملة و الثّاء المثلّثة في المشهور،و هو مكان دون المسلح،بستّة أميال ممّا يلي العراق،و بينه و بين غمرة على ما قيل:أربعة و عشرون ميلا بريدان.

و فسّر المسلح بالسّين و الحاء المهملتين:اسم مكان أخذ السّلاح و لبس لامة الحرب،و هذا يناسب تفسير البعث بالجيش.و ضبطه العلماء بأنّه واحد المسالح،و هي المواضع العالية،و ضبطه البعض بالخاء المعجمة لنزع الثّياب به،و يحكى ضبطه عن العلاّمة ببريد النّغب بالنّون قبل الغين المعجمة و الباء الموحّدة أخيرا،و هو خلاف ما اشتهرت به الرّواية.و«يوم المبعث»هو يوم السّابع و العشرين من رجب.(2:236)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بعثه:أرسله وحده، و بعث به:أرسله مع غيره،و بعثه من رقاده:أيقظه،

ص: 56

و بعث الموتى:أحياهم،و يوم البعث:يوم القيامة،و بعثه على الشّيء حمله على فعله،و الباعث:السّبب،و انبعث انبعاثا،هبّ مندفعا،و المبعوث:المرسل.(1:72)

العدنانيّ: البعثة.

جاء في«اللّسان»أنّ البعث هم القوم المبعوثون المشخّصون.و قال«الوسيط»:إنّ البعث هو الرّسول واحدا أو جماعة.

و قال علي راتب في تذكرته:«لم نقف قطّ على «بعثة»لعربيّ ثقة.

و لكنّ:

مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،أقرّ أنّ البعثة هي:هيئة ترسل في عمل معيّن مؤقّت،منها بعثة سياسيّة،و بعثة دراسيّة.(65)

محمود شيت: 1-و البعثة:هيئة ترسل في عمل معيّن مؤقّت،منها بعثة سياسيّة،و بعثة دراسيّة.و قد يمتدّ عملها فلا تؤقّت كالبعثات التّعليميّة.

2-أ-بعث المعنويّات:رفعها و قوّاها.بعث الرّسالة:

أرسلها.و بعث الرّسول:أرسله.

ب-البعثة العسكريّة:هيئة من العسكريّين ترسل لواجب عسكريّ تدريبيّ أو حربيّ.(1:91)

المصطفويّ: و الحقّ أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو المفهوم المركّب من الاختيار و الرّفع للعمل بوظيفة معيّنة،و أمّا التّوجيه و الإرسال و الإثارة و الإهباب،و الإيصال و أمثالها،كلّها معاني مجازيّة.

ثمّ إنّ هذا المعنى يختلف باختلاف موارده:كبعث النّبيّ للتّبليغ،و بعث الموتى للحساب و الجزاء،و بعث الجيش للحرب و الجهاد،و بعث النّائم لأداء الوظائف، و بعث النّاقة للسّير،و هكذا.

فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:

213، فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ المائدة:31، مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً الإسراء:79، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً البقرة:246، وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ التّوبة:46، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12.

و لا يخفى أنّ انتخاب هذه الكلمة في هذه الموارد في غاية اللّطافة و المناسبة؛إذ الإرسال يستلزم السّير و الحركة،و كذا التّوجيه و الإيصال يطلق بالنّسبة إلى الانتهاء إلى المقصود،و الإثارة بمعنى التّهييج،و قريب منه الإهباب.

و لمّا كان النّظر في هذه الآيات الشّريفة إلى بدو الأمر و نشوئه و حدوثه و إيجاده،عبّر بكلمة البعث،فإنّها ناظرة إلى هذه الجهة.و الإرسال أو التّوجيه ناظر إلى مرحلة بعد البدو و النّشوء،و الإيصال ناظر إلى جهة آخر السّير.

فالبعث قريب من معنى الإنهاض و الإقامة.

(1:278)

النّصوص التّفسيريّة

بعث

1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ... البقرة:213

الطّبرسيّ: أي أرسل اللّه النّبيّين.(1:307)

ص: 57

مثله أبو حيّان.(2:135)

الفخر الرّازيّ: الفاء في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ تقتضي أن يكون بعثهم بعد الاختلاف،و لو كانوا قبل ذلك أمّة واحدة في الكفر،لكانت بعثة الرّسل قبل هذا الاختلاف أولى،لأنّهم لمّا بعثوا عند ما كان بعضهم محقّا و بعضهم مبطلا،فلأن يبعثوا حين ما كانوا كلّهم مبطلين مصرّين على الكفر كان أولى.و هذا الوجه الّذي ذكره القفّال رحمه اللّه حسن في هذا الموضوع.(6:12)

القاسميّ: الّذي رفعهم على بقيّة خلقه،فأنبأهم بما يريد من أمره،و أرسلهم إلى خلقه.(3:528)

المراغيّ: فكان من لطف اللّه و رحمته أن يرسل إليهم الرّسل مبشّرين بالخير و السّعادة في الدّنيا و الآخرة،و منذرين بخيبة الأمل و حبوط العمل و عذاب اللّه إذا اتّبعوا شهواتهم،و لم ينظروا في العاقبة.(2:122)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ عبّر تعالى بالبعث دون الإرسال و ما في معناه،لأنّ هذه الوحدة المخبر عنها من حال الإنسان الأوّليّ حال خمود و سكوت،و هو يناسب البعث الّذي هو الإقامة عن نوم أو قطون و نحو ذلك.

و هذه النّكتة لعلّها هي الموجبة للتّعبير عن هؤلاء المبعوثين بالنّبيّين دون أن يعبّر بالمرسلين أو الرّسل،على أنّ البعث و إنزال الكتاب-كما تقدّم بيانه-حقيقتهما بيان الحقّ للنّاس و تنبيههم بحقيقة أمر وجودهم و حياتهم، و إنبائهم أنّهم مخلوقون لربّهم،و هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،و أنّهم سالكون كادحون إلى اللّه،مبعوثون ليوم عظيم،واقفون في منزل من منازل السّير،لا حقيقة له إلاّ اللّعب و الغرور،فيجب أن يراعوا ذلك في هذه الحياة و أفعالها،و أن يجعلوا نصب أعينهم أنّهم من أين،و في أين،و إلى أين.

و هذا المعنى أنسب بلفظ النّبيّ الّذي معناه من استقرّ عنده النّبأ دون الرّسول،و لذلك عبّر بالنّبيّين،و في إسناد بعث النّبيّين إلى اللّه سبحانه دلالة على عصمة الأنبياء في تلقّيهم الوحي و تبليغهم الرّسالة إلى النّاس.(2:127)

2- فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ... المائدة:31

راجع:«غ ر ب،غراب»

3- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ... آل عمران:164

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:أنّ بعثة الرّسول إحسان إلى كلّ العالمين؛و ذلك لأنّ وجه الإحسان في بعثته كونه داعيا لهم إلى ما يخلّصهم من عقاب اللّه و يوصلهم إلى ثواب اللّه.و هذا عامّ في حقّ العالمين،لأنّه مبعوث إلى كلّ العالمين،كما قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ سبأ:28،إلاّ أنّه لمّا لم ينتفع بهذا الإنعام إلاّ أهل الإسلام فلهذا التّأويل خصّ تعالى هذه المنّة بالمؤمنين،و نظيره قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2،مع أنّه هدى للكلّ،كما قال: هُدىً لِلنّاسِ البقرة:185،و قوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها النّازعات:45.

المسألة الثّالثة:اعلم أنّ بعثة الرّسول إحسان من اللّه

ص: 58

إلى الخلق،ثمّ إنّه لمّا كان الانتفاع بالرّسول أكثر كان وجه الإنعام في بعثة الرّسل أكثر،و بعثة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كانت مشتملة على الأمرين:أحدهما:المنافع الحاصلة من أصل البعثة،و الثّاني:المنافع الحاصلة بسبب ما فيه من الخصال الّتي ما كانت موجودة في غيره.

أمّا المنفعة بسبب أصل البعثة فهي الّتي ذكرها اللّه تعالى في قوله: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ النّساء:165،قال أبو عبد اللّه الحليميّ:وجه الانتفاع ببعثة الرّسل ليس إلاّ في طريق الدّين و هو من وجوه:

الأوّل:أنّ الخلق جبلوا على النّقصان و قلّة الفهم و عدم الدّراية،فهو صلوات اللّه عليه أورد عليهم وجوه الدّلائل و نقّحها،و كلّما خطر ببالهم شكّ أو شبهة أزالها و أجاب عنها.

و الثّاني:أنّ الخلق و إن كانوا يعلمون أنّه لا بدّ لهم من خدمة مولاهم،و لكنّهم ما كانوا عارفين بكيفيّة تلك الخدمة،فهو شرح تلك الكيفيّة لهم حتّى يقدموا على الخدمة آمنين من الغلط و من الإقدام على ما لا ينبغي.

و الثّالث:أنّ الخلق جبلوا على الكسل و الغفلة و التّواني و الملالة،فهو يورد عليهم أنواع التّرغيبات و التّرهيبات،حتّى أنّه كلّما عرض لهم كسل أو فتور نشّطهم للطّاعة و رغّبهم فيها.

الرّابع:أنّ أنوار عقول الخلق تجري مجرى أنوار البصر،و معلوم أنّ الانتفاع بنور البصر لا يكمل إلاّ عند سطوع نور الشّمس،و نوره عقليّ إلهيّ يجري مجرى طلوع الشّمس،فيقوّي العقول بنور عقله،و يظهر لهم من لوائح الغيب ما كان مستترا عنهم قبل ظهوره،فهذا إشارة حقيقيّة إلى فوائد أصل البعثة.

و أمّا المنافع الحاصلة بسبب ما كان في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من الصّفات فأمور ذكرها اللّه تعالى في هذه الآية أوّلها قوله:

مِنْ أَنْفُسِهِمْ. (9:78)

أبو السّعود: (اذ بعث)إلخ على أنّه خبر لمبتدإ محذوف،أي منه إذ بعث إلخ،أو على أنّ(إذ)في محلّ الرّفع على الابتداء،بمعنى لمن منّ اللّه عليه من المؤمنين وقت بعثه،و تخصيصهم بالامتنان مع عموم نعمة البعثة الأسود و الأحمر،لما مرّ من مزيد انتفاعهم بها.

(2:58)

مكارم الشّيرازيّ: في هذه الآية يدور الحديث حول أكبر النّعم الإلهيّة ألا و هي نعمة«بعثة الرّسول الأكرم و النّبيّ الخاتم»صلّى اللّه عليه و آله،و هو في الحقيقة إجابة قويّة على التّساؤل الّذي خالج بعض الأذهان من الحديثيّ العهد بالإسلام بعد«معركة أحد»و هو:لما ذا لحق بنا ما لحق،و لما ذا أصبنا بما أصبنا به؟فيجيبهم القرآن الكريم بقوله: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ آل عمران:164،أي إذا كنتم قد تحمّلتم كلّ هذه الخسائر و أصبتم بكلّ هذه المصائب،فإنّ عليكم أن لا تنسوا أنّ اللّه قد أنعم عليكم بأكبر نعمة ألا و هي بعثة نبيّ يقوم بهدايتكم و تربيتكم،و ينقذكم من الضّلالات و ينجيكم من المتاهات،فمهما تحمّلتم في سبيل الحفاظ على هذه النّعمة العظمى و الموهبة الكبرى،و مهما كلّفكم ذلك من ثمن،فهو ضئيل إلى جانبها،و حقير بالنّسبة إليها.(2:594)

ص: 59

4- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ...

الجمعة:2

ابن كثير :و ذلك أنّ العرب كانوا قديما متمسّكين بدين إبراهيم الخليل عليه السّلام،فبدّلوه و غيّروه و قلبوه و خالفوه،و استبدلوا بالتّوحيد شركا و باليقين شكّا، و ابتدعوا أشياء لم يأذن بها اللّه،و كذلك أهل الكتاب قد بدّلوا كتبهم و حرّفوها و غيّروها و أوّلوها.

فبعث اللّه محمّدا صلوات اللّه و سلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق،فيه هدايتهم و البيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم و معادهم، و الدّعوة لهم إلى ما يقرّبهم إلى الجنّة و رضا اللّه عنهم، و النّهي عمّا يقرّبهم إلى النّار،و سخط اللّه تعالى،حاكم فاصل لجميع الشّبهات و الشّكوك و الرّيب في الأصول و الفروع.

و جمع له تعالى-و له الحمد و المنّة-جميع المحاسن ممّن كان قبله،و أعطاه ما لم يعط أحدا من الأوّلين و لا يعطيه أحدا من الآخرين،فصلوات اللّه و سلامه عليه دائما إلى يوم الدّين.(7:6)

القاسميّ: [بعد نقل كلام ابن كثير قال:]

و إنّما أوثرت بعثته صلوات اللّه عليه في الأميّين، لأنّهم أحدّ النّاس أذهانا،و أقواهم جنانا،و أصفاهم فطرة،و أفصحهم بيانا،لم تفسد فطرتهم بغواشي المتحضّرين،و لا بأفانين تلاعب أولئك المتمدّنين،و لذا انقلبوا إلى النّاس بعد الإسلام بعلم عظيم،و حكمة باهرة،و سياسة عادلة،قادوا بها معظم الأمم،و دوّخوا بها أعظم الممالك.و إيثار البعثة فيهم بمعنى إظهارها فيهم لا ينافي عموم الرّسالة،كما قال سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الأعراف:158، و قوله: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ الأنعام:19،و هو ظاهر.(16:5797)

المراغيّ: أنّه ذكر الغرض من بعثة هذا الرّسول، و أجملها في أمور:

1-أنّه يتلو عليهم آيات القرآن الّتي فيها هدايتهم و إرشادهم لخير الدّارين،مع كونه أمّيّا لا يكتب و لا يقرأ،لئلاّ يكون هناك مطعن في نبوّته،بأن يقولوا:إنّه نقله من كتب الأوّلين،كما أشار إلى ذلك بقوله:

وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:48.

2-أنّه يطهّرهم من أدناس الشّرك و أخلاق الجاهليّة،و يجعلهم منيبين إلى اللّه،مخبتين إليه في أعمالهم و أقوالهم،لا يخضعون لسلطة مخلوق غيره،من ملك أو بشر أو حجر.

3-أنّه يعلّمهم الكتاب و الحكمة،أي يعلّمهم الشّرائع و الأحكام و حكمتها و أسرارها،فلا يتلقّون عنه شيئا إلاّ و هم يعلمون الغاية منه،و الغرض الّذي يفعله لأجله،فيقبلون إليه بشوق و اطمئنان،و قد تقدّم مثل هذا في سورة آل عمران.(28:95)

الطّباطبائيّ: و في الآية[أي يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ الآية الجمعة:1]توطئة و تمهيد برهانيّ لما يتضمّنه قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ إلخ، من بعثة الرّسول لتكميل النّاس و إسعادهم و هدايتهم بعد إذ كانوا في ضلال مبين.

ص: 60

و ذلك أنّه تعالى يسبّحه و ينزّهه الموجودات السّماويّة و الأرضيّة بما عندهم من النّقص الّذي هو متمّمه،و الحاجة الّتي هو قاضيها.فما من نقيصة أو حاجة إلاّ و هو المرجوّ في تمامها و قضائها،فهو المسبّح المنزّه عن كلّ نقص و حاجة،فله أن يحكم في نظام التّكوين بين خلقه بما شاء،و في نظام التّشريع في عباده بما أراد،كيف لا؟و هو ملك له أن يحكم في أهل مملكته،و عليهم أن يطيعوه.

و إذا حكم و شرّع بينهم دينا لم يكن ذلك منه لحاجة إلى تعبيدهم و نقص فيه يتمّمه بعبادتهم،لأنّه قدّوس منزّه عن كلّ نقص و حاجة.

ثمّ إذا حكم و شرّع و بلغه إيّاهم عن غنى منه، و دعاهم إليه بوساطة رسله،فلم يستجيبوا دعوته و تمرّدوا عن طاعته،لم يكن ذلك تعجيزا منهم له تعالى، لأنّه العزيز لا يغلبه فيما يريده غالب.

ثمّ إنّ الّذي حكم به و شرّعه من الدّين بما أنّه الملك القدّوس العزيز،ليس يذهب لغى لا أثر له،لأنّه حكيم على الإطلاق لا يفعل ما يفعل إلاّ لمصلحة،و لا يريد منهم ما يريد إلاّ لنفع يعود إليهم و خير ينالونه،فيستقيم به حالهم في دنياهم و أخراهم.

و بالجملة فتشريعه الدّين و إنزاله الكتاب-ببعث رسول يبلّغهم،و ذلك بتلاوة آياته،و يزكّيهم و يعلّمهم- منّ منه تعالى و فضل،كما قال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ.

(19:263)

عبد الكريم الخطيب: في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ امتنان على الأمّة العربيّة بهذا الفضل الّذي ساقه اللّه سبحانه و تعالى إليهم، و ردّ على اليهود،و إبطال لدعواهم،بأنّ اللّه اختارهم على العالمين و اختصّهم بفضله و إحسانه.(14:942)

5- وَ إِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً. الفرقان:41

الزّمخشريّ: (أ هذا)محكيّ بعد القول المضمر، و هذا استصغار، بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً و إخراجه في معرض التّسليم و الإقرار،و هم غاية على الجحود و الإنكار سخريّة و استهزاء،و لو لم يستهزءوا لقالوا:أ هذا الّذي زعم أو ادّعى أنّه مبعوث من عند اللّه رسولا.

(3:93)

ابن الشّجريّ: حذف الضّمير العائد إلى الموصول من صلته حسن كثير في التّنزيل،كقوله: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً يريد بعثه.(1:325)

القرطبيّ: و العائد محذوف،أي بعثه اللّه.(رسولا) نصب على الحال و التّقدير:أ هذا الّذي بعثه اللّه مرسلا.

(أ هذا)رفع بالابتداء و(الّذى)خبره.(رسولا)نصب على الحال.و(بعث)،في صلة(الّذى)،و اسم اللّه عزّ و جلّ رفع ب(بعث).و يجوز أن يكون مصدرا،لأنّ معنى(بعث)أرسل،و يكون معنى(رسولا)رسالة على هذا.(13:35)

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى أنّ أهل الحسّ لا يرون النّبوّة و الرّسالة بالحسّ الظّاهر، لأنّها تدرك بنظر البصيرة المؤيّدة بنور اللّه،و هم عميان بهذا البصر،فلمّا سمعوا منه ما لم يهتدوا به من كلام النّبوّة

ص: 61

و الرّسالة ما اتّخذوه إلاّ هزؤا و قالوا مستهزءين: أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً و هو بشر مثلنا محتاج إلى الطّعام و الشّراب.(6:216)

الطّباطبائيّ: بيان لاستهزائهم،أي يقولون كذا استهزاء بك.(15:222)

بعثنا

قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. يس:52

أبيّ بن كعب:ناموا نومة قبل البعث.

مثله خيثمة.(الطّبريّ 23:16)

ابن مسعود: [قرأ] (من اهبّنا من مرقدنا هذا) .

(الطّبريّ 23:16)

ابن عبّاس: من نبّهنا.(372)

إذا نفخ النّفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور و هجعوا هجعة إلى النّفخة الثّانية،و بينهما أربعون سنة، فذلك قولهم: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.

(القرطبيّ 15:41)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ القوم كانوا في القبور،فلمّا قاموا حسبوا أنّهم كانوا نياما قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قالت الملائكة: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يس:52.(القمّيّ 2:216)

الإمام الصّادق عليه السّلام: كان أبو ذرّ رحمه اللّه يقول في خطبته:و ما بين الموت و البعث إلاّ كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها.(العروسيّ 4:388)

الفرّاء: يكون مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا فيكون (هذا)من نعت المرقد خفضا،و(ما)في موضع رفع:

بعثكم وعد الرّحمن.

و البعث في هذا الموضع كالاستيقاظ،تقول:بعثت ناقتي فانبعثت،إذا أثارها.(2:380)

الطّبريّ: و يعني بقوله: مِنْ مَرْقَدِنا هذا من أيقظنا من منامنا،و هو من قولهم:بعث فلان ناقته فانبعث،إذا أثارها فثارت.[ثمّ حكى قراءة ابن مسعود]

و في قوله:(هذا)وجهان:

أحدهما:أن تكون إشارة إلى(ما)و يكون ذلك كلاما مبتدأ بعدتنا هي الخبر الأوّل بقوله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا فتكون(ما)حينئذ مرفوعة ب(هذا) و يكون معنى الكلام،هذا وعد الرّحمن،و صدق المرسلون.

و الوجه الآخر:أن تكون(من)صفة(المرقد) و تكون خفضا،ردّا على المرقد،و عند تمام الخبر عن الأوّل،فيكون معنى الكلام:من بعثنا من مرقدنا هذا،ثمّ يبتدئ الكلام،فيقال:ما وعد الرّحمن،بمعنى بعثكم وعد الرّحمن،فتكون(ما)حينئذ رفعا على هذا المعنى.

(23:16)

ابن الأنباريّ: [بعد نقل قراءة ابن مسعود قال:]

لا يحمل هذا الحديث على أن(أهبّنا)من لفظ القرآن،كما قاله من طعن في القرآن،و لكنّه تفسير (بعثنا)أو معبّر عن بعض معانيه.

و كذا حفظته(من هبّنا)بغير ألف في(أهبّنا)مع تسكين نون(من).(القرطبيّ 15:41)

الطّوسيّ: أي من حشرنا من منامنا الّذي كنّا فيه

ص: 62

نياما،ثمّ يقولون: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يس:52،في ما أخبرونا عن هذا المقام و عن هذا البعث.

فإن قيل:هذا ينافي قول المسلمين الّذين يقولون:

الكافر يعذّب في قبره،لأنّه لو كان معذّبا لما كان في المنام.

قيل:يحتمل أن يكون العذاب في القبر و لا يتّصل إلى يوم البعث،فتكون النّومة بين الحالين.و يحتمل لو كان متّصلا أن يكون ذلك عبارة عن عظم ما يشاهدونه و يحضرون فيه يوم القيامة،فكأنّهم كانوا قبل ذلك في مرقد،و إن كانوا في عذاب لما كان قليلا بالإضافة إلى الحاضر.(8:466)

الزّمخشريّ: عن ابن مسعود رضي اللّه عنه:(من أهبّنا)من هبّ من نومه،إذا انتبه و أهبّه غيره.و قرئ (من هبّنا) بمعنى أهبّنا.و عن بعضهم:أراد هبّ بنا، فحذف الجارّ و أوصل الفعل.و قرئ (من بعثنا و من هبّنا) على من الجارّة و المصدر.[إلى أن قال:]

فإن قلت: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا سؤال عن الباعث فكيف طابقه ذلك جوابا؟

قلت:معناه بعثكم الرّحمن الّذي وعدكم البعث و أنبأكم به الرّسل،إلاّ أنّه جيء به على طريقة سيئت بها قلوبهم،و نعيت إليهم أحوالهم،و ذكروا كفرهم و تكذيبهم و أخبروا بوقوع ما أنذروا به،و كأنّه قيل لهم:

ليس بالبعث الّذي عرفتموه و هو بعث النّائم من مرقده حتّى يهمّكم السّؤال عن الباعث،إنّ هذا هو البعث الأكبر ذو الأهوال و الأفزاع،و هو الّذي وعده اللّه في كتبه المنزلة على ألسنة رسله الصّادقين.(3:326)

ابن عطيّة: قرأ الجمهور (مَنْ بَعَثَنا) بفتح الميم على معنى الاستفهام.

و روي عن عليّ بن أبي طالب و ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّهما قرءا(من بعثنا)بكسر الميم على أنّها لابتداء الغاية،و سكون العين و كسر الثّاء على المصدر.

و في قراءة ابن مسعود (من أهبّنا من مرقدنا) أي من نبّهنا،و في قراءة أبيّ بن كعب (من هبّنا) ،قال أبو الفتح:

و لم أر لها في اللّغة أصلا،و لا مرّ بنا مهبوب،و نسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود رضي اللّه عنه.(4:457)

الفخر الرّازيّ: يعني لمّا بعثوا قالوا ذلك،لأنّ قوله:

وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ يدلّ على أنّهم بعثوا،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:لو قال قائل:لو قال اللّه تعالى:فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون يقولون:يا ويلنا، كان أليق.

نقول:معاذ اللّه،و ذلك لأنّ قوله: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51،على ما ذكرنا إشارة إلى أنّه تعالى في أسرع زمان يجمع أجزاءهم و يؤلّفها و يحييها و يحرّكها؛بحيث يقع نسلانهم في وقت النّفخ،مع أنّ ذلك لا بدّ له من الجمع و التّأليف،فلو قال:

«يقولون»لكان ذلك مثل الحال«لينسلون»أي ينسلون قائلين:يا ويلنا،و ليس كذلك،فإنّ قولهم:يا ويلنا قبل أن ينسلوا،و إنّما ذكر النّسلان لما ذكرنا من الفوائد.[إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:ما وجه تعلّق مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا بقولهم:(يا ويلنا)؟

ص: 63

نقول:لمّا بعثوا تذكروا ما كانوا يسمعون من الرّسل، فقالوا: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا أ بعثنا اللّه البعث الموعود به أم كنّا نياما فنبّهنا؟و هذا كما إذا كان إنسان موعودا بأن يأتيه عدوّ لا يطيقه،ثمّ يرى رجلا هائلا يقبل عليه فيرتجف في نفسه،و يقول:هذا ذلك أم لا؟

و يدلّ على ما ذكرنا قولهم: مِنْ مَرْقَدِنا حيث جعلوا القبور موضع الرّقاد إشارة إلى أنّهم شكّوا في أنّهم كانوا نياما فنبّهوا،أو كانوا موتى،و كان الغالب على ظنّهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين،فقالوا: مَنْ بَعَثَنا إشارة إلى ظنّهم أنّه بعثهم الموعود به،و قالوا:

مِنْ مَرْقَدِنا إشارة إلى توهّمهم احتمال الانتباه.

(26:89)

نحوه الشّربينيّ.(3:56)

النّسفيّ: من أنشرنا.(4:10)

النّيسابوريّ: ثمّ بيّن أنّهم قبل النّسلان قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا كأنّهم شكّوا في أنّهم كانوا موتى فبعثوا أو كانوا نياما فتنبّهوا،فجمعوا في السّؤال بين الأمرين:البعث و المرقد.(23:25)

أبو السّعود: و قرئ (من أهبّنا) من هبّ من نومه، إذا انتبه.و قرئ (من هبّنا) بمعنى أهبّنا،و قيل:أصله هبّ بنا،فحذف الجارّ و أوصل الفعل إلى الضّمير.قيل:

فيه ترشيح و رمز و إشعار بأنّهم لاختلاط عقولهم يظنّون أنّهم كانوا نياما.

و عن مجاهد: أنّ للكفّار هجعة يجدون فيها طعم النّوم،فإذا صيح بأهل القبور يقولون ذلك.

و عن ابن عبّاس و أبيّ بن كعب و قتادة رحمهم اللّه تعالى: أنّ اللّه تعالى يرفع عنهم العذاب بين النّفختين فيرقدون،فإذا بعثوا بالنّفخة الثّانية و شاهدوا من أهوال القيامة ما شاهدوا دعوا بالويل و قالوا ذلك.

و قيل:إذا عاينوا جهنّم و ما فيها من أنواع العذاب يصير عذاب القبر في جنبها مثل النّوم فيقولون ذلك.

و قرئ (من بعثنا) و (من هبّنا) ب«من»الجارّة و المصدر.(5:303)

الآلوسيّ: عن ابن مسعود أنّه قرأ (من أهبّنا) بمن الاستفهاميّة،و أهبّ بالهمز من هبّ من نومه،إذا انتبه، و أهببته أنا،أي أنبهته.

و عن أبيّ أنّه قرأ (هبّنا) بلا همز.قال ابن جنّيّ:

و قراءة ابن مسعود أقيس،فهبّني بمعنى أيقظني لم أر لها أصلا،و لا مرّ بنا في اللّغة«مهبوب»بمعنى موقظ،اللّهمّ إلاّ أن يكون حرف الجرّ محذوفا،أي هبّ بنا،أي أيقظنا،ثمّ حذف و أوصل الفعل.و ليس المعنى على من هبّ فهببنا معه،و إنّما معناه من أيقظنا.

و قال البيضاويّ: هبّنا بدون الهمز،بمعنى أهبّنا بالهمز.و قرئ (من هبّنا) ب«من»الجارّة و المصدر،من هبّ يهبّ.(23:32)

المراغيّ: ثمّ ذكر أنّهم يعجبون حين يرون أنفسهم قد خرجوا من قبورهم للبعث،كما حكى عنهم بقوله: قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا أي قالوا:

يا قومنا انظروا هلاكنا و تعجّبوا منه،من بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟حينئذ يجيبهم المؤمنون فيقولون لهم: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يس:52.

(23:20)

ص: 64

نحوه عبد المنعم الجمّال.(4:291)

الطّباطبائيّ: و قولهم: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا مبنيّ على إنكارهم البعث و هم في الدّنيا، و رسوخ أثر الإنكار و الغفلة عن يوم الجزاء في نفوسهم و هم لا يزالون مستغرقين في الأهواء.فإذا قاموا من قبورهم مسرعين إلى المحشر فاجأهم الورود في عالم لا يستقبلهم فيه إلاّ توقّع الشّرّ،فأخذهم الفزع الأكبر و الدّهشة الّتي لا تقوم لها الجبال،و لذا يتبادرون أوّلا إلى دعوة الويل و الهلاك كما كان ذلك دأبهم في الدّنيا عند الوقوع في المخاطر.ثمّ سألوا عمّن بعثهم من مرقدهم،لأنّ الّذي أحاط بهم من الدّهشة أذهلهم من كلّ شيء.

ثمّ ذكروا ما كانت الرّسل عليهم السّلام يذكّرونهم به من الوعد الحقّ بالبعث و الجزاء،فشهدوا بحقّيّة الوعد و استعصموا بالرّحمة،فقالوا: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ على ما هو دأبهم في الدّنيا،حيث يكيدون عدوّهم إذا ظهر عليهم بالتّملّق و إظهار الذّلّة و الاعتراف بالظّلم و التّقصير،ثمّ صدّقوا الرّسل بقولهم: وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. (17:99)

بعثه

...قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ...

البقرة:259

ابن عبّاس: أحياه في آخر النّهار.(37)

مثله الطّوسيّ(2:323)،و البغويّ(1:354)، و القرطبيّ(3:291)،و النّسفيّ(1:131)،و الخازن(1:

234)،و أبو حيّان(2:291)،و الحائريّ(2:120).

القمّيّ: أي أحياه،فلمّا رحم اللّه بني إسرائيل و أهلك بخت نصّر ردّ بني إسرائيل إلى الدّنيا،و كان عزير لمّا سلّط اللّه بخت نصّر على بني إسرائيل هرب و دخل في عين و غاب فيها،و بقي إرميا ميّتا مائة سنة،ثمّ أحياه اللّه تعالى.فأوّل ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ البيض فنظر،فأوحى اللّه تعالى إليه.(1:90)

أبو الفتوح: ثمّ أحياه،و البعث:الإحياء، و الإيقاظ من النّوم و الإرسال،و هنا بمعنى الإحياء بقرينة قوله: فَأَماتَهُ اللّهُ، و في سورة الكهف تنبيه في قوله:

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ الكهف:12،بقرينة فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْناهُمْ الكهف:11،12،و بمعنى الإرسال في قوله:

فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213.

(4:17)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثَهُ فالمعنى ثمّ أحياه.و يوم القيامة يسمّى يوم البعث،لأنّهم يبعثون من قبورهم،و أصله من بعثت النّاقة،إذا أقمتها من مكانها،و إنّما قال: ثُمَّ بَعَثَهُ و لم يقل:ثمّ أحياه،لأنّ قوله: ثُمَّ بَعَثَهُ يدلّ على أنّه عاد كما كان أوّلا حيّا عاقلا فاهما مستعدّا للنّظر و الاستدلال في المعارف الإلهيّة،و لو قال:ثمّ أحياه،لم تحصل هذا الفوائد.

(7:35)

مثله البروسويّ(1:413)،و نحوه الآلوسيّ(3:

21)،و المراغيّ(3:22).

النّيسابوريّ: قوله: ثُمَّ بَعَثَهُ يدلّ على أنّ

ص: 65

المبعوث هو تلك الجملة الّتي أماتها.و قيل:هي عظام الموتى الّذين تعجّب من إحيائهم.(3:32)

بعثنا

1- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ.

الأعراف:103

ابن عبّاس: أرسلنا.(134)

الإمام الرّضا عليه السّلام:قال ابن السّكّيت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام:لما ذا بعث اللّه تعالى موسى بن عمران بيده البيضاء و العصا و آلة السّحر،و بعث عيسى عليه السّلام بالطّبّ، و بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالكلام و الخطب؟

فقال له أبو الحسن عليه السّلام:لمّا بعث موسى عليه السّلام كان الأغلب على أهل عصره السّحر،فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن من عند القوم و في وسعهم مثله،و بما أبطل به سحرهم،و أثبت به الحجّة عليهم.(العروسيّ 2:55)

العيّاشيّ: ...فلمّا بعث اللّه موسى عليه السّلام إلى فرعون فدخل المدينة،فلمّا رآه الأسد تبصبصت و ولّت مدبرة، ثمّ لم يأت مدينة إلاّ انفتح له بابها حتّى انتهى إلى قصر فرعون الّذي هو فيه.[إلى آخر الحديث](2:154)

الطّوسيّ: الهاء و الميم يجوز أن يكون كناية عن الأنبياء الّذين جرى ذكرهم،و يحتمل أن يكون كناية عن الأمم الّتي قد تقدّم ذكرهم و إهلاكهم،بعث إليه موسى و أرسله إليهم.

و البعث:الإرسال،و هو في الأصل النّقل باعتماد يوجب الإسراع إلى الشّيء،فمنه قوله: أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1)الأعراف:14،أي من القبور،و منه قوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56،أي نقلناكم إلى حال الحياة،و كذلك نقلنا موسى عن حاله بالإرسال إلى فرعون و ملئه.(4:519)

أبو الفتوح: ثُمَّ بَعَثْنا ثمّ أرسلنا،و(ثمّ)تفيد المهلة و التّراخي،و أصل البعث:الإثارة،و معناه هنا الإرسال.(8:319)

الطّبرسيّ: البعث:الإرسال،و هو في الأصل النّقل باعتماد يوجب الإسراع في المشي (2)،فالبعث بعد الموت:

نقل إلى حال الحياة،و البعث للأنبياء:نقل بالإرسال عن حالة إلى حالة النّبوّة.(2:456)

أبو السّعود: أي أرسلناه من بعد انقضاء وقائع الرّسل المذكورين،أو من بعد هلاك الأمم المحكيّة.

و التّصريح بذلك مع دلالة(ثمّ)على التّراخي للإيذان بأنّ بعثه عليه الصّلاة و السّلام جرى على سنن السّنّة الإلهيّة من إرسال الرّسل تترى،و تقديم الجارّ و المجرور على المفعول الصّريح لما مرّ مرارا من الاعتناء بالمقدّم و التّشويق إلى المؤخّر.(3:13)

البروسويّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

فإنّ اللّه تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كلّ قرن و انقراض كلّ قوم نبيّا بعد نبيّ كما يخلف قوما بعد قوم و قرنا بعد قرن،و يظهر المعجزات على يدي النّبيّ ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطّبيعة إلى نور الحقيقة،فإنّ أغلب أهل كلّ زمان و قرن

ص: 66


1- و سورتي الحجر:36 و ص:79.
2- هكذا،و وردت عند الطّوسيّ(الشّيء».

و أكثرهم غافلون عن الدّين و حقائقه مستغرقون في بحر الدّنيا مستهلكون في أودية الشّهوات و اللّذّات النّفسانيّة الحيوانيّة ظلمات بعضها فوق بعض.(3:209)

الآلوسيّ: أي أرسلناه عليه السّلام بعد الرّسل أو بعد الأمم.و الأوّل متقدّم في قوله سبحانه: وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ الأعراف:101،و الثّاني مدلول عليه ب تِلْكَ الْقُرى و الاحتمال الأوّل أولى.[ثمّ قال نحو أبي السّعود]

(9:17)

رشيد رضا: هذه القصّة معطوفة على جملة ما قبلها من القصص،من قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً هود:

25،إلى قوله: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:

85،القصّة،فهي نوع و هنّ نوع آخر،و الفرق بين النّوعين أنّ تلك القصص متشابهة في تكذيب الأقوام فيها لرسلهم و معاندتهم إيّاهم و إيذائهم لهم،و في عاقبة ذلك بإهلاك اللّه تعالى إيّاهم بعذاب الاستئصال.و لذلك عطف كلّ واحدة منهنّ على الأولى بدون إعادة ذكر الإرسال،للإيذان بأنّها نوع واحد،فقال: وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:73، وَ لُوطاً الأعراف:80، وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً الأعراف:85.

و قد أعاد في قصّة موسى ذكر الإرسال للتّفرقة، و لكن بلفظ البعث و هو أخصّ و أبلغ من لفظ الإرسال، لأنّه يفيد معنى الإثارة و الإزعاج إلى الشّيء المهمّ،و لم يذكر في القرآن إلاّ في بعث الموتى و في الرّسالة العامّة، أي بعث عدّة من الرّسل،و في بعثة نبيّنا و موسى خاصّة، و كذا في بعث نقباء بني إسرائيل،و بعث من انتقم منهم و عذّبهم و سباهم حين أفسدوا في الأرض.

فالتّعبير بلفظ البعث هنا يؤكّد ما أفادته إعادة العامل من التّفرقة بين نوعي الإرسال،أعني أنّ لفظه الخاصّ مؤكّد لمعناه العامّ،كما يؤكّدها عطف هذه القصّة على أولئك ب(ثمّ)الّتي تدلّ على الفصل و التّراخي إمّا في الزّمان و إمّا في النّوع أو الرّتبة،و الأخير هو المراد هنا.

و بيانه أنّ هذا الإرسال و ما ترتّب عليه و أعقبه في قوم موسى مخالف لجملة ما قبله مخالفة تضادّ،فقد أنقذت به أمّة من عذاب الدّنيا،و هو تعبيد فرعون و ملئه لها، و سومهم إيّاها أنواع الخزي و النّكال،و اهتدت إلى عبادة اللّه تعالى وحده و إقامة شرعه،فأعطاها في الدّنيا ملكا عظيما،و جعل منها أنبياء و ملوكا،و أعدّ بذلك المهتدين منها لسعادة الآخرة الباقية،فأين هذا الإرسال من ذلك الإرسال،الّذي أعقب أقوام أولئك الرّسل في الدّنيا عذاب الاستئصال،و في الآخرة ما هو أشدّ و أبقى من الخزي و النّكال.

و قد يظهر للتّراخي الزّمانيّ وجه،باعتبار كون العطف على قصّة نوح،فإنّ ما عطف عليها من قصص و من بعده قد جعل تابعا و متمّما لها بعدم إعادة العامل (ارسلنا)كما تقدّم آنفا،و إلاّ فإنّ شعيبا و هو آخر أولئك الرّسل كان في زمن موسى و هو حموه (1)،و قد أوحى اللّه تعالى إلى موسى و هو لديه مع زوجه و أولاده في سيناء،».

ص: 67


1- قد اشتبه الأمر على رشيد رضا و غيره،بشأن شعيب الّذي كان موسى عليه السّلام حموا له و كان قاطنا ببلدة«مدين» الّتي لعلّها كانت موطن قوم مدين فإنّه نبيّ آخر لم يذكر القرآن اسمه،فقد جاء شعيب فيه 11 مرّة و هو نبيّ أرسل إلى قوم مدين،قيل إنّه من ذريّة إبراهيم و إسماعيل و كان بعد قوم ثمود و قبل موسى عليه السّلام،لاحظ«شعيب» و«مدين».

و أرسله منها إلى فرعون و ملئه لإنقاذ بني إسرائيل من حكمه و ظلمه.

و يؤيّد ذلك كلّه أنّ اللّه تعالى ذكر إرسال نوح في سورة يونس،وقفى عليه بقوله: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ يونس:74،و قال بعد هذا: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ يونس:75.

و من المعلوم عقلا و استنباطا أنّ التّراخي بين بعثة نوح و من بعده من الرّسل زمانيّ؛إذ كان بعد تناسل الّذين نجوا معه في السّفينة و تكاثرهم،و صيرورتهم شعوبا و قبائل،و هذا الإجمال في سورة يونس في الرّسل مبنيّ على التّفصيل الّذي سبقه في سورة الأعراف الّتي نزلت قبلها أو هو أعمّ منه.

فإنّ الأمم قد كثرت بين نوح و موسى عليهما السّلام،و قد قال تعالى: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:

36،و قال لخاتم رسله: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ المؤمن:78،و قد بيّنّا حكمة تخصيص من ذكر في هذه السّورة منهم بالذّكر،و كذا من ذكر في سورة الأنعام و غيرها.

و المعنى ثمّ بعثنا من بعد أولئك الرّسل موسى بآياتنا الّتي تدلّ على صدقه فيما يبلّغه عنّا إلى فرعون و ملئه.

(9:37)

الطّباطبائيّ: في تغيير السّياق في أوّل القصّة دلالة على تجدّد الاهتمام بأمر موسى عليه السّلام،فإنّه من أولي العزم صاحب كتاب و شريعة،و قد ورد الدّين ببعثته في مرحلة جديدة من التّفصيل بعد المرحلتين اللّتين قطعهما ببعثة نوح و إبراهيم عليهما السّلام.

و في لفظ الآيات شيء من الإشارة إلى تبدّل المراحل،فقد قال تعالى أوّلا: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ الأعراف:59، وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً الأعراف:65، وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً الأعراف:

73،فجرى على سياق واحد،لأنّ هودا و صالحا كانا على شريعة نوح،ثمّ غيّر السّياق فقال: وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ الأعراف:80،لأنّ لوطا من أهل المرحلة الثّانية في الدّين،و هي مرحلة شريعة إبراهيم،و كان لوط على شريعته،ثمّ عاد إلى السّياق السّابق في بدء قصّة شعيب،ثمّ غيّر السّياق في بدء قصّة موسى بقوله:

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ يونس:75،لأنّه ثالث أولي العزم،صاحب كتاب جديد و شريعة جديدة.

و دين اللّه و شرائعه و إن كان واحدا لا تناقض فيه و لا تنافي،غير أنّه مختلف بالإجمال و التّفصيل و الكمال، و زيادته بحسب تقدّم البشر تدريجيّا من النّقص إلى الكمال،و اشتداد استعداده لقبول المعارف الإلهيّة عصرا بعد عصر،إلى أن ينتهي إلى موقف علميّ هي أعلى المواقف،فيختتم عند ذلك الرّسالة و النّبوّة،و يستقرّ الكتاب و الشّريعة استقرارا لا مطمع بعده في كتاب جديد أو شريعة جديدة.

و لا يبقى للبشر بعد ذلك إلاّ التّدرّج في الكمال من حيث انتشار الدّين،و انبساطه على المجتمع البشريّ، و استيعابه لهم،و إلاّ التّقدّم من جهة التّحقّق بحقائق المعارف،و التّرقّي في مراقي العلم و العمل الّتي يدعو إليها

ص: 68

الكتاب،و يحرّض عليها الشّريعة،و الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده،و العاقبة للمتّقين.

فقوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ يونس:75،إجمال لقصّة موسى عليه السّلام،ثمّ يؤخذ في التّفصيل من قوله: وَ قالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ الأعراف:

104،و إنّا و إن كنّا نسمّي هذه القصص بقصّة موسى و قصّة نوح و قصّة هود و هكذا،فإنّها بحسب ما سردت في هذه السّورة قصص الأمم و الأقوام الّذين أرسل إليهم هؤلاء الرّسل الكرام،يذكر فيها حالهم فيما واجهوا به رسل اللّه من الإنكار و الرّدّ،و ما آل إليه أمرهم من نزول العذاب الإلهيّ الّذي أفنى جمعهم،و قطع دابرهم،و لذلك ترى أنّ عامّة القصص المذكورة مختومة بذكر نزول العذاب و هلاك القوم.(8:210)

2- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً.

الإسراء:5

ابن عبّاس: سلّطنا.(233)

مثله الميبديّ(5:511)،و الطّبرسيّ(3:398)، و النّسفيّ(2:307)،و ابن كثير(4:281).

الحسن :أي سلّطنا عليكم عبادا لنا أولي شوكة و قوّة و نجدة،و خلّينا بينكم و بينهم خاذلين لكم،جزاء على كفركم و عتوّكم،و هو مثل قوله: أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83.(الطّبرسيّ 3:398)

الجبّائيّ: أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم و جهادكم، لأنّ ظاهر قوله تعالى: عِباداً لَنا و قوله:(بعثنا) يقتضي ذلك.(الطّبرسيّ 3:398)

الطّبريّ: وجّهنا إليكم،و أرسلنا عليكم.

(15:27)

أبو مسلم: يجوز أن يكونوا مؤمنين أمرهم اللّه بجهاد هؤلاء،و يجوز أن يكونوا كافرين فتألّفهم نبيّ من الأنبياء لحرب هؤلاء،و سلّطهم على نظرائهم من الكفّار و الفسّاق.(الطّبرسيّ 3:398)

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون اللّه بعث إلى ملك تلك الأمّة رسولا يأمره بغزو بني إسرائيل،فتكون البعثة بأمر.و يحتمل أن يكون عبّر بالبعث عمّا ألقي في نفس الملك الّذي غزاهم.(3:439)

القاضي عبد الجبّار: مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّه تعالى يريد من العباد:القتل و الظّلم و يبعثهم عليه.فقال: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ.

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره إنّما يدلّ على أنّه يبعث عليهم من هذا حاله،و ليس فيه أنّ الّذي يقدمون عليه فساد،و قد يجوز أن يكون ذلك صلاحا،و يجوز أن يكون فسادا،فلا يصحّ تعلّقهم به.و بعد،فلو كان الفساد مذكورا فيه،لما صحّ تعلّقهم بالظّاهر،لأنّه كان يجب أن يكون تعالى يبعث من يفسد و يأمر بذلك.

و ليس هذا بمذهب القوم،لأنّهم و إن قالوا:إنّه تعالى يريد ذلك،فمن قولهم:إنّه قد نهى عنه و زجر عن فعله، و لا يجوز أن يكون باعثا لهم عليه،أو إليه مع النّهي و الزّجر،فلا يصحّ إذن تعلّقهم بالظّاهر.

ص: 69

و المراد عندنا بذلك:أنّه تعالى بعث-لمّا وقع الفساد الأوّل من بني إسرائيل-من حاربهم و غزاهم،فيكون الكلام على ظاهره،ثمّ قال تعالى: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ الإسراء:6،فجعل لهم الظّفر لمّا تابوا و عدلوا عن طريق الفساد،فبعض ذلك يصدّق بعضا في الوجه الّذي ذكرناه.

و في شيوخنا،رحمهم اللّه،من قال:إنّه تعالى لمّا خلّى بين القوم و بينهم و لم يمنعهم من محاربتهم،جاز أن يقول:

بَعَثْنا عَلَيْكُمْ كما قال: أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83،من حيث خلّى،و لم يمنع،على بعض الوجوه.(2:456)

ابن شهرآشوب: فأمّا البعث فيجوز أن أرسلهم عليهم،بأن أمرهم بذلك على لسان بعض الأنبياء؛و ذلك أنّ بني إسرائيل لمّا أرسل عليهم من عاقبهم على معاصيهم،لم يذكر اللّه أنّ ذلك كان معصية و لا ذمّهم،بل هو كما أمر من الجهاد و السّبي و الهدم و الإحراق،و كلّ ذلك يجري مجرى واحد.

و البعث بمعنى الإرسال بالأمر و التّخلية و التّمكين، يقال:بعث فلان أعداءه على مكارهه.و لم يأت بمعنى الجبر و القضاء و القدر.[ثمّ استشهد بشعر](200)

الفخر الرّازيّ: معنى بَعَثْنا عَلَيْكُمْ أرسلنا عليكم،و خلّينا بينكم و بينهم خاذلين إيّاكم.

(20:155)

الطّباطبائيّ: أي أنهضناهم و أرسلناهم إليكم ليذلّوكم و ينتقموا منكم،و الدّليل على كون البعث للانتقام و الإذلال قوله: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ.

و لا ضير في عدّ مجيئهم إلى بني إسرائيل مع ما كان فيه من القتل الذّريع و الأسر و السّبي و النّهب و التّخريب بعثا إلهيّا،لأنّه كان على سبيل المجازاة على إفسادهم في الأرض و علوّهم و بغيهم بغير الحقّ،فما ظلمهم اللّه ببعث أعدائهم و تأييدهم عليهم و لكن كانوا هم الظّالمين لأنفسهم.

و بذلك يظهر أن لا دليل من الكلام يدلّ على قول من قال:إنّ المراد بقوله: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ أمرنا قوما مؤمنين بقتالكم و جهادكم،لاقتضاء ظاهر قوله:

(بعثنا)،و قوله:(عبادا)ذلك.(13:39)

مكارم الشّيرازيّ: تفيد أنّ الرّجال الّذين سيؤدّبون«بني إسرائيل»على فسادهم و علوّهم و طغيانهم،هم رجال مؤمنون،شجعان حتّى استحقّوا لقب العبوديّة.و ممّا يؤكّد هذا المعنى الّذي غفلت عنه معظم التّفاسير،هو كلمة(و بعثنا)و«لنا».و لكنّا مع ذلك،لا نستطيع الادّعاء أنّ كلمة«بعث»تستخدم فقط في مورد خطاب الأنبياء و المؤمنين،بل هي تستخدم في غير هذه الموارد أيضا،ففي قصّة هابيل و قابيل يقول القرآن الكريم: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31.

و كذلك الحال في كلمة«عباد»أو«عبد»[فلاحظ]

(8:361)

3- وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً... المائدة:12.

ابن عبّاس: النّقباء من بني إسرائيل بعثهم موسى

ص: 70

لينظروا إلى مدينة الجبّارين،فذهبوا و نظروا فجاءوا بحبّة من فاكهتهم،وقر رجل فقالوا:أقدروا قدر قوّة قوم هذه فاكهتهم؟(ابن عطيّة 2:168)

مجاهد :إنّهم بعثوا إلى الجبّارين ليقفوا على آثارهم و يرجعوا بذلك إلى موسى،فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدّة بأسهم،و عظم خلقهم إلى اثنين منهم.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 3:466)

السّدّيّ: إنّما بعث النّقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطّلاع على الجبّارين و السّبر لقوّتهم و منعتهم، فساروا حتّى لقيهم رجل من الجبّارين فأخذهم جميعا، فجعلهم في حجزته..

مثله الرّبيع.(ابن عطيّة 2:168)

البلخيّ: يجوز أن يكون النّقباء رسلا،و يجوز أن يكونوا قادة.(الطّوسيّ 3:466)

الطّوسيّ: قوله:(بعثنا)لا يدلّ على أنّهم رسل، كما إذا قال القائل:الخليفة بعث الأمير أو القضاة،لا يفيد أنّهم رسل،بل يفيد أنّه ولاّهم و قلّدهم.

و الغرض بذلك إعلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ هؤلاء الّذين همّوا بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صفاتهم و أخلاقهم أخلاق أسلافهم:الغدر و نقض العهد.(3:466)

ابن عطيّة: في قصص طويل ضعيف مقتضاه أنّهم اطّلعوا من الجبّارين على قوّة عظيمة،و ظنّوا أنّهم لا قبل لهم بهم،فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل،و أن يعلموا به موسى عليه السّلام ليرى فيه أمر ربّه، فلمّا انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرّفوا قراباتهم و من وثّقوه على سرّهم،ففشا الخبر حتّى اعوجّ أمر بني إسرائيل،و قالوا:اذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون.(2:168)

نحوه القرطبيّ.(6:112)

4- وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. الفرقان:51

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لو شئنا يا محمّد لأرسلنا في كلّ مصر و مدينة نذيرا ينذرهم بأسنا،على كفرهم بنا(19:23)

نحوه الطّوسيّ(7:498)،و البغويّ(3:452)، و الخازن(5:86)،و القرطبيّ(13:58)،و أبو حيّان(6:

506).

الفخر الرّازيّ: الأقوى أنّ المراد من ذلك تعظيم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذلك لوجوه:

أحدها:كأنّه تعالى بيّن له أنّه مع القدرة على بعثة رسول و نذير في كلّ قرية خصّه بالرّسالة و فضّله بها على الكلّ،و لذلك أتبعه بقوله: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ الفرقان:52،أي لا توافقهم.

و ثانيها:المراد و لو شئنا لخفّفنا عنك أعباء الرّسالة إلى كلّ العالمين و لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً الفرقان:

51،و لكنّا قصرنا الأمر عليك،و أجللناك و فضّلناك على سائر الرّسل؛فقابل هذا الإجلال بالتّشدّد في الدّين.

و ثالثها:أنّ الآية تقتضي مزج اللّطف بالعنف،لأنّها تدلّ على القدرة على أن يبعث في كلّ قرية نذيرا مثل محمّد،و أنّه لا حاجة بالحضرة الإلهيّة إلى محمّد البتّة.

و قوله:(و لو)يدلّ على أنّه سبحانه لا يفعل ذلك،

ص: 71

فبالنّظر إلى الأوّل يحصل التّأديب،و بالنّظر إلى الثّاني يحصل الإعزاز.(24:99)

نحوه النّسفيّ.(3:170)

ابن كثير :يدعوهم إلى اللّه عزّ و جلّ،و لكنّا خصصناك يا محمّد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، و أمرناك أن تبلّغهم هذا القرآن.(5:157)

الطّباطبائيّ: أي لو أردنا أن نبعث في كلّ قرية نذيرا ينذرهم،و رسولا يبلّغهم رسالاتنا لبعثنا،و لكن بعثناك إلى القرى كلّها نذيرا و رسولا لعظيم منزلتك عندنا.

هكذا فسّرت الآية و لا تخلو الآية التّالية.[و هي فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً الفرقان:52]من تأييد لذلك،و هذا المعنى لما وجّهنا به اتّصال الآيات أنسب.

أو أنّ المراد أنّا قادرون على أن نبعث في كلّ قرية رسولا،و إنّما اخترناك لمصلحة في اختيارك.

(15:228)

بعثناكم

ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

البقرة:56

ابن عبّاس: أحييناكم.(9)

الحسن :أي ثمّ أحييناكم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لاستكمال آجالكم.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 1:115)

قتادة :أخذتهم الصّاعقة،ثمّ بعثهم اللّه تعالى ليكملوا بقيّة آجالهم.(الطّبريّ 1:292)

ماتوا و ذهبت أرواحهم،ثمّ ردّوا لاستيفاء آجالهم.

(القرطبيّ 1:404)

السّدّيّ: أنّهم بعد الإحياء سألوا أن يبعثوا أنبياء، فبعثهم اللّه أنبياء.(الماورديّ 1:123)

بعثناكم أنبياء.(الطّبريّ 1:291)

الرّبيع: فبعثوا من بعد موتهم،لأنّ موتهم ذاك كان عقوبة لهم،فبعثوا لبقيّة آجالهم.(الطّبريّ 1:293)

ابن زيد :قال لهم موسى لمّا رجع من عند ربّه بالألواح،قد كتب فيها التّوراة فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا،فتاب اللّه عليهم،فقال:إنّ هذه الألواح فيها كتاب اللّه،فيه أمره الّذي أمركم به، و نهيه الّذي نهاكم عنه،فقالوا:و من يأخذه بقولك أنت لا و اللّه حتّى نرى اللّه جهرة،حتّى يطلع اللّه علينا فيقول:

هذا كتابي فخذوه،فما له لا يكلّمنا كما يكلّمك أنت يا موسى،فيقول:هذا كتابي فخذوه؟و قرأ قول اللّه تعالى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً البقرة:55.

فجاءت غضبة من اللّه عزّ و جلّ،فجاءتهم صاعقة بعد التّوبة،فصعقتهم،فماتوا أجمعون،ثمّ أحياهم اللّه من بعد موتهم،و قرأ قول اللّه تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

فقال لهم موسى:خذوا كتاب اللّه،فقالوا:لا،فقال:

أيّ شيء أصابكم،قالوا:أصابنا أنّا متنا ثمّ حيينا،قال:

خذوا كتاب اللّه،قالوا:لا،فبعث اللّه تعالى ملائكة، فنتقت الجبل فوقهم.(الطّبريّ 1:292)

الطّبريّ: يعني بقوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: ثمّ

ص: 72

أحييناكم.و أصل البعث:إثارة الشّيء من محلّه،و منه قيل:بعث فلان راحلته،إذا أسارها من مبركها للسّير.

[ثمّ استشهد بشعر و نقل الأقوال ثمّ اختار قول السّدّيّ المتقدّم](1:290)

نحوه البغويّ.(1:119)

القمّيّ: فهم السّبعون الّذين اختارهم موسى ليسمعوا كلام اللّه،فلمّا سمعوا الكلام قالوا:لن نؤمن لك يا موسى حتّى نرى اللّه جهرة؛فبعث اللّه عليهم صاعقة فاحترقوا،ثمّ أحياهم اللّه بعد ذلك و بعثهم أنبياء.فهذا دليل على الرّجعة في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه قال صلّى اللّه عليه و آله:

«لم يكن في بني إسرائيل شيء إلاّ و في أمّتي مثله».

(1:47)

الطّوسيّ: قوله: بَعَثْناكُمْ: أحييناكم،عند أكثر المفسّرين،كالحسن و قتادة و غيرهما.و قال السّدّيّ:

بعثناكم أنبياء.

و الأوّل أصحّ،لأنّه ظاهر الكلام،فلا يجوز العدول عنه،[إلى أن قال:]

فإن قيل:هل يجوز أن يردّ اللّه أحدا إلى التّكليف بعد أن مات،و عاين ما يضطرّه إلى معرفته باللّه؟

قيل:في ذلك خلاف،قال أبو عليّ: لا يجوز ذلك إلاّ على من لم يضطرّه اللّه إلى معرفته.و قال بعضهم:يجوز التّكليف في الحكمة،و إن اضطرّ إلى المعرفة.و قول أبي عليّ أقوى.

و أعلّ الرّمّانيّ قول أبي عليّ،فإن قيل:لمّا كانت المعرفة لأجل الطّاعات الّتي كلّفها العبد كانت هي الغرض الّذي يتبعه سائر الطّاعات،فلو ارتفع الغرض، ارتفع التّابع له.كما أنّ الغرض في الشّرائع الاستصلاح في الأصول الّتي تجب بالعقل،فلو ارتفع ذلك الغرض، ارتفع وجوب العمل بالشّرع.

و كما أنّه لا يجوز تكليف الطّاعة مع رفع التّمكّن مع المعرفة من غير ضرورة إليها.

قال:و وجه القول الثّاني:أنّه لمّا كان الشّكر على النّعمة يجب في المشاهد مع الضّرورة إلى معرفة النّعم، كان الشّكر للنّعمة الّتي هي أجلّ من نعمة كلّ منعم في الشّاهد أولى أن تجب مع الاضطرار إلى المعرفة.و لأبي عليّ أن يقول:لا تمنع من الوجوب،لكن لا يجوز التّكليف،لأنّ الغرض المعرفة،أي هي أصل ما وقع التّكليف به للعباد.

و الّذي أقوله:إنّ الّذي يحيا بعد الإماتة،إن كان لم يخلق له المعرفة الضّروريّة لم يضطرّ إليها،فإنّه يمتنع تكليفه،لأنّ العلم بأنّ الإحياء بعد الإماتة،لا يقدر عليه غير اللّه،طريقه الدّليل و غوامض الاستدلال فليس إحياؤه بعد الإماتة ما يوجب أن يكون مضطرّا إلى معرفته،فلذلك يصحّ تكليفه،و ليس الإحياء بعد الإماتة إلاّ كالانتباه من النّوم و الإفاقة بعد الغشية،فإنّ ذلك لا يوجب علم الاضطرار.

و إن فرضنا أنّه خلق فيه المعارضة ضرورة، فلا يحسن تكليفه،لأنّ حسن التّكليف موقوف على إزاحة علّة المكلّف من فعل اللّطف،و الإقدار و غير ذلك.

و من جملة الألطاف تكليفه للمعرفة.و الضّروريّة لا تقوم مقامها على ما بيّنّاه في الأصول؛و إذا لا يحسن تكليفه،لأنّه يصير مكلّفا و لم يفعل به ما هو لطف له،

ص: 73

و ذلك لا يجوز.

و قوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ معناه لكي تشكروا، و هذه لام الغرض.و فيه دليل على فساد قول المجبّرة:

إنّ اللّه تعالى ما أراد من الكفّار الشّكر،لأنّه لو أراد كفرهم،لقال:لتكفروا،و ذلك خلاف القرآن.

و من استدلّ بها على جوازها كان صحيحا،لأنّ من منع منه و أحاله،فالقرآن يكذبه،و إن استدلّ به على وجوب الرّجعة و حصولها فلا يصحّ،لأنّ إحياء قوم في وقت،ليس بدلالة على إحياء آخرين في وقت آخر، ذلك يحتاج إلى دلالة أخرى.

و قول من قال:لا تجوز الرّجعة،لأنّ ذلك معجزة و دلالة على نبوّة نبيّ،و ذلك لا يجوز إلاّ في زمن نبيّ؛غير صحيح،لأنّ عندنا يجوز إظهار المعجزات على يد الأئمّة و الصّالحين،و قد بيّنّاه في الأصول.

و من ادّعى قيام الحجّة بأنّ الخلق لا يردّون إلى الدّنيا،كما علمنا أن لا نبيّ بعد نبيّنا مقترح مبتدع،لما لا دليل على صحّته،فإنّا لا نخالف في ذلك.

و قال البلخيّ: لا تجوز الرّجعة مع الإعلام بها،لأنّ فيها إغراء بالمعاصي،من جهة الاتّكال على التّوبة في الكرّة الثّانية.

قال الرّمّانيّ: هذا ليس بصحيح،من قبل أنّه لو كان فيها إغراء بالمعصية،لكان في إعلام التّبقية إلى مدّة إغراء بالمعصية،و قد أعلم اللّه تعالى نبيّه و غيره إبليس:أنّه يبقيه إلى يوم يبعثون و لم يكن في ذلك إغراء بالمعصية.

و عندي أنّ الّذي قاله البلخيّ ليس بصحيح،لأنّ من يقول بالرّجعة،لا يقطع على أنّ النّاس كلّهم يرجعون،فيكون في ذلك اتّكال على التّوبة في الرّجعة، فيصير إغراء.فلا أحد من المكلّفين إلاّ و يجوز أن لا يرجع،و إن قطع على الرّجعة في الجملة،و يجوز أن لا يرجع،فكفى في باب الزّجر.

و أمّا قول الرّمّاني:إنّ اللّه تعالى أعلم أقواما مدّة مقامهم.فإنّ ذلك لا يجوز إلاّ فيمن هو معصوم،يؤمن من جهة الخطأ كالأنبياء و من يجري مجراهم في كونهم معصومين.فأمّا من ليس بمعصوم،فلا يجوز ذلك،لأنّه يصير مغرى بالقبح.و أمّا تبقية إبليس مع إعلامه أن يستبقيه إلى يوم القيامة،ففيه جوابان:

أحدهما:أنّه إنّما وعده قطعا بالتبقية بشرط ألاّ يفعل القبيح،و من فعل القبيح حقّ اخترته عقبه،و لا يكون مغرى.

و الثّاني:أنّ اللّه علم أنّه لا يريد بهذا الإعلام فعلا قبيحا،و إلاّ لما كان يفعله،و في ذلك إخراجه من باب الإغراء.و قد قيل:إنّ إبليس قد زال عنه التّكليف،و إنّما أمكنه اللّه من وسوسة الخلق تغليظا للتّكليف،و زيادة في مشاقّهم،و يجري ذلك مجرى زيادة الشّهوات،أنّه يحسن فعلها إذا كان في خلقها تعريض للثّواب الكثير الزّائد.(1:253)

الطّبرسيّ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ أي ثمّ أحييناكم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لاستكمال آجالكم،عن الحسن و قتادة.

و قيل:إنّهم سألوا بعد الإفاقة أن يبعثوا أنبياء فبعثهم اللّه أنبياء،عن السّدّيّ،فيكون معناه بعثناكم أنبياء.

و أجمع المفسّرون إلاّ شرذمة يسيرة:أنّ اللّه لم يكن أمات موسى كما أمات قومه،و لكن غشي عليه،بدلالة

ص: 74

قوله: فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ الأعراف:

143،و الإفاقة إنّما تكون من الغشيان،و قوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي لكي تشكروا اللّه على نعمه الّتي منها ردّه الحياة إليكم.

و في هذا إثبات لمعجزة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و احتجاج على مشركي العرب الّذين كانوا غير مؤمنين بالبعث، لأنّه كان يذكر لهم من أخبار الّذين يبعثهم اللّه في الدّنيا، فكان يوافقه على ذلك من يخالفه من اليهود و النّصارى.

و يجب أن يكون هؤلاء القوم و إن أماتهم اللّه ثمّ أحياهم غير مضطرّين إلى معرفة اللّه عند موتهم،كما يضطرّ الواحد منّا اليوم إلى معرفته عند الموت،بدليل أنّ اللّه أعادهم إلى التّكليف.و المعرفة في دار التّكليف لا تكون ضروريّة بل تكون مكتسبة،و لكن موتهم إنّما كان في حكم النّوم،فأذهب اللّه عنهم الرّوح من غير مشاهدة منهم لأحوال الآخرة.

و ليس في الإحياء بعد الإماتة ما يوجب الاضطرار إلى المعرفة،لأنّ العلم بأنّ الإحياء بعد الإماتة لا يقدر عليه غير اللّه طريقه الدّليل.و ليس الإحياء بعد الإماتة إلاّ قريبا من الانتباه بعد النّوم و الإفاقة بعد الإغماء،في أنّ ذلك لا يوجب علم الاضطرار،و استدلّ قوم من أصحابنا بهذه الآية على جواز الرّجعة.

و قول من قال:إنّ الرّجعة لا تجوز إلاّ في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لتكون معجزا له و دلالة على نبوّته باطل،لأنّ عندنا بل عند أكثر الأمّة يجوز إظهار المعجزات على أيدي الأئمّة و الأولياء،و الأدلّة على ذلك مذكورة في كتب الأصول.

و قال أبو القاسم البلخيّ: لا تجوز الرّجعة مع الإعلام بها،لأنّ فيها إغراء بالمعاصي،من جهة الاتّكال على التّوبة في الكرّة الثّانية.

و جوابه:أنّ من يقول بالرّجعة لا يذهب إلى أنّ النّاس كلّهم يرجعون فيصير إغراء بأن يقع الاتّكال على التّوبة فيها،بل لا أحد من المكلّفين إلاّ و يجوز أن لا يرجع،و ذلك يكفي في باب الزّجر.(1:115)

أبو الفتوح: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ، (ثمّ)حرف مهلة و تراخ،و جاء البعث بعدّة معان:الإحياء و الإيقاظ و الحمل على فعل عمل بمعنى الحثّ و التّحريض، و الإرسال،و النّصب.

فأمّا البعث بمعنى الإحياء فهو قوله هنا،و الحمل على فعل عمل في قوله: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:12.

و أمّا الإرسال في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213،و بمعنى النّصب في قوله:

وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً المائدة:12،و بمعنى الإلهام في قوله: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31.

فذكر اللّه تعالى معناه بقرينة،لأنّه لفظ مشترك،كي يعلم معنى البعث في هذه الآية.(1:297)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لأنّ البعث قد لا يكون إلاّ بعد الموت، كقوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12-11

فإن قلت:هل دخل موسى عليه السّلام في هذا الكلام؟

ص: 75

قلت:لا،لوجهين:

الأوّل:أنّه خطاب مشافهة،فلا يجب أن يتناول موسى عليه السّلام.

الثّاني:أنّه لو تناول موسى لوجب تخصيصه بقوله تعالى في حقّ موسى: فَلَمّا أَفاقَ مع أنّ لفظة الإفاقة لا تستعمل في الموت.

و قال ابن قتيبة:إنّ موسى عليه السّلام قد مات،و هو خطأ لما بيّنّاه،أمّا قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فالمراد أنّه تعالى إنّما بعثهم بعد الموت في دار الدّنيا ليكلّفهم، و ليتمكّنوا من الإيمان و من تلافي ما صدر عنهم من الجرائم.أمّا أنّه كلّفهم،فلقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ و لفظ الشّكر يتناول جميع الطّاعات،لقوله تعالى: اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً سبأ:13.

فإن قيل:كيف يجوز أن يكلّفهم و قد أماتهم،و لو جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكلّف أهل الآخرة إذا بعثهم بعد الموت؟

قلنا:الّذي يمنع من تكليفهم في الآخرة ليس هو الإماتة ثمّ الإحياء،و إنّما يمنع من ذلك أنّه قد اضطرّهم يوم القيامة إلى معرفته،و إلى معرفة ما في الجنّة من اللّذّات،و ما في النّار من الآلام،و بعد العلم الضّروريّ لا تكليف.فإذا كان المانع هو هذا لم يمتنع في هؤلاء الّذين أماتهم اللّه بالصّاعقة أن لا يكون قد اضطرّهم،و إذا كان كذلك صحّ أن يكلّفوا من بعد،و يكون موتهم،ثمّ الإحياء بمنزلة النّوم أو بمنزلة الإغماء.

و نقل عن الحسن البصريّ أنّه تعالى قطع آجالهم بهذه الإماتة ثمّ أعادهم،كما أحيا الّذي أماته حين مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها،و أحيا الّذين أماتهم بعد ما خرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت.و هذا ضعيف،لأنّه تعالى ما أماتهم بالصّاعقة إلاّ و قد كتب و أخبر بذلك،فصار ذلك الوقت أجلا لموتهم الأوّل،ثمّ الوقت الآخر أجلا لحياتهم.(3:86)

نحوه البروسويّ.(1:140)

القرطبيّ: أي أحييناكم.قال قتادة:ماتوا و ذهبت أرواحهم،ثمّ ردّوا لاستيفاء آجالهم.قال النّحّاس:

و هذا احتجاج على من لم يؤمن بالبعث من قريش، و احتجاج على أهل الكتاب إذ خبّروا بهذا.

و المعنى لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ما فعل بكم من البعث بعد الموت.

و قيل:ماتوا موت همود يعتبر به الغير،ثمّ أرسلوا.

و أصل البعث:الإرسال،و قيل:بل أصله إثارة الشّيء من محلّه،يقال:بعثت النّاقة:أثرتها،أي حرّكتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم: بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:

علّمناكم من بعد جهلكم.

قلت:و الأوّل أصحّ،لأنّ الأصل الحقيقة،و كان موت عقوبة،و منه قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ البقرة:243.(1:404)

أبو حيّان: و دلّ العطف ب(ثمّ)على أنّ بين أخذ الصّاعقة و البعث زمانا تتصوّر فيه المهلة و التّأخير،هو زمان ما نشأ عن الصّاعقة من الموت أو الغشي على الخلاف الّذي مرّ.

ص: 76

و البعث هنا:الإحياء،ذكر أنّهم لمّا ماتوا لم يزل موسى يناشد ربّه في إحيائهم،و يقول:يا ربّ إنّ بني إسرائيل يقولون:قتلت خيارنا،حتّى أحياهم اللّه جميعا رجلا بعد رجل،ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون.

و قيل:معنى البعث الإرسال،أي أرسلناكم،روي أنّه لمّا أحياهم اللّه سألوا أن يبعثهم أنبياء فبعثهم أنبياء.

و قيل:معنى البعث الإفاقة من الغشية،و يتخرّج على قول من قال:إنّهم صعقوا و لم يموتوا.

و قيل:البعث هنا:القيام بسرعة من مصارعهم، و منه: قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52.

و قيل:معنى البعث هنا التّعليم،أي ثمّ علّمناكم من بعد جهلكم.(1:212)

نحوه الآلوسيّ.(1:262)

محمّد عبده: إنّ المراد بالبعث هو كثرة النّسل، أي إنّه بعد ما وقع فيهم الموت بالصّاعقة و غيرها و ظنّ أن سينقرضون،بارك اللّه في نسلهم ليعدّ الشّعب بالبلاء السّابق،للقيام بحقّ الشّكر على النّعم الّتي تمتّع بها الآباء الّذين حلّ بهم العذاب،بكفرهم لها.

و العبرة الاجتماعيّة في الآيات:أنّ الخطاب في كلّ ما تقدّم كان موجّها إلى الّذين كانوا في عصر التّنزيل، و أنّ الكلام عن الأبناء و الآباء واحد لم تختلف فيه الضّمائر،حتّى كأنّ الّذين قتلوا أنفسهم بالتّوبة و الّذين صعقوا بعد ذلك هم المطالبون بالاعتبار و بالشّكر.

و ما جاء الخطاب بهذا الأسلوب إلاّ لبيان معنى وحدة الأمّة و اعتبار أنّ كلّ ما يبلوها اللّه به من الحسنات و السّيّئات و ما يجازيها به من النّعم و النّقم إنّما يكون لمعنى موجود فيها،يصحّ أن يخاطب اللاّحق منها بما كان للسّابق،كأنّه وقع به،ليعلم النّاس أنّ سنّة اللّه تعالى في الاجتماع الإنسانيّ أن تكون الأمم متكافلة،يعتبر كلّ فرد منها سعادته بسعادة سائر الأفراد و شقاءه بشقائهم، و يتوقّع نزول العقوبة به إذا فشت الذّنوب في الأمّة و إن لم يواقعها هو وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الأنفال:25.

و هذا التّكافل في الأمم هو المعراج الأعظم لرقيّها، لأنّه يحمل الأمّة الّتي تعرفه على التّعاون على الخير و المقاومة للشّرّ،فتكون من المفلحين.(1:322)

المراغيّ: يرى بعض المفسّرين أنّ اللّه أحياهم بعد أن وقع فيهم الموت بالصّاعقة و غيرها ليستوفوا بقيّة آجالهم و أرزاقهم،و كانت تلك الموتة لهم كالسّكتة القلبيّة لغيرهم.(1:121)

عبد الكريم الخطيب: و قد كاد يكون إجماع المفسّرين على أنّ«البعث»في قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة:56،هو إحياؤهم بعد أن أخذتهم الصّاعقة،و أنّ كلمتي:البعث و الموت هنا مجازيّتان في مقابل اليقظة و النّوم،كما في قوله تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:42.

و الأولى عندي أن يحمل المعنى على ظاهر اللّفظ، فيكون الموت موتا حقيقيّا،و البعث بعثا حقيقيّا أيضا، أي بعث الآخرة،و يشهد لهذا الوجه العطف ب(ثمّ)في هذه الآية ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، كما يقوّيه

ص: 77

أيضا ما جاء لسان موسى في قوله تعالى مخاطبا ربّه: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّايَ الأعراف:155،فلو أنّهم عادوا إلى الحياة مرّة أخرى لما كان لموسى أن يسأل ربّه ما سأل.

و أحسب أنّ الّذي حمل المفسّرين على القول بإحياء القوم بعد أن أخذتهم الرّجفة،حتّى أعيدوا إلى الحياة الدّنيا مرّة أخرى،هو قوله تعالى في خاتمة الآية:

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ كأنّ استحقاق الشّكر لا يكون إلاّ عن البعث الدّنيويّ،و كأنّ البعث الأخرويّ ليس بالنّعمة المستأهلة للحمد و الشّكر.و هذا غير صحيح،فالحياة على أيّة حال من الأحوال خير من العدم و اللّه سبحانه و تعالى يقول: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52،و المراد بالدّعوة هنا الدّعوة إلى الحشر، الّتي يستجيب لها الأموات جميعا بالحمد للّه ربّ العالمين.

ثمّ إنّ مجيء الآيات بعد هذا خطابا عامّا لبني إسرائيل،معدّدة النّعم الّتي أنعم اللّه بها عليهم،مذكّرة بالبعث بين عرض هذه النّعم،فيه إيقاظ للشّعور بيوم الجزاء و العمل له،و تغليظ للمنكرات الّتي يقترفها القوم، في مواجهة هذه النّعم الجليلة المتتابعة عليهم.(1:86)

بعثناهم

1- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً.

الكهف:12

ابن عبّاس: أيقظناهم كما ناموا.(244)

مثله الطّبرسيّ(3:452)،و البيضاويّ(2:5)، و النّسفيّ(3:4)،و النّيسابوريّ(15:105)، و الشّربينيّ(2:354)،و الكاشانيّ(4:234)،و شبّر (4:61).

الطّبريّ: يقول:ثمّ بعثنا هؤلاء الفتية الّذين أووا إلى الكهف،بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم.(15:206)

الزّجّاج: أي بعثناهم من نومهم،و يقال لكلّ من خرج من الموت إلى الحياة أو من النّوم إلى الانتباه:

مبعوث.و تأويل مبعوث أنّه قد زال عنه ما كان يحبسه عن التّصرّف و الانبعاث.(3:271)

الماورديّ: يعني بالبعث إيقاظهم من رقدتهم.

(3:288)

ابن عطيّة: و البعث:التّحريك بعد سكون،و هذا مطّرد مع لفظة البعث حيث وقعت،و قد يكون السّكون في الشّخص أو عن الأمر المبعوث فيه و إن كان الشّخص متحرّكا.(3:500)

الفخر الرّازيّ: يريد من بعد نومهم،يعني أيقظناهم بعد نومهم.(21:83)

القرطبيّ: أي من بعد نومهم،و يقال لمن أحيي أو أقيم من نومه:مبعوث،لأنّه كان ممنوعا من الانبعاث و التّصرّف.(10:363)

أبو حيّان: البعث:التّحريك عن سكون،إمّا في الشّخص و إمّا عن الأمر المبعوث فيه،و إن كان المبعوث فيه متحرّكا.(6:103)

أبو السّعود: أي أيقظناهم من تلك النّومة الثّقيلة الشّبيهة بالموت.(4:172)

البروسويّ: أي أحييناهم بنا.(5:221)

ص: 78

الآلوسيّ: أي أيقظناهم و أثرناهم من نومهم.

(15:212)

القاسميّ: أي أيقظناهم إيقاظا يشبه بعث الموتى.

(11:4026)

المراغيّ: أي ثمّ أيقظناهم من رقدتهم لنعلم أيّ الطّائفتين المتنازعتين في مدّة لبثهم،أضبط في الإحصاء و العدّ لمدّة هذا اللّبث في الكهف.

و خلاصة ذلك:إنّا بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبر حالهم،لنرى أيّهم أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً فيظهر لهم عجزهم،و يفوّضوا ذلك إلى العليم الخبير،و يتعرّفوا ما صنع اللّه بهم من حفظ أبدانهم،فيزدادوا يقينا بكمال قدرته تعالى و علمه،و يستبصروا به في أمر البعث، و يكون ذلك لطفا لمؤمني زمانهم،و آية بيّنة لكفّارهم.

(15:122)

الطّباطبائيّ: المراد بالبعث هو الإيقاظ دون الإحياء،بقرينة الآية السّابقة.(13:249)

عبد المنعم الجمّال: فأنمناهم نوما عميقا في الكهف الّذي دخلوه سنين كثيرة.(3:1774)

2- وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ... الكهف:19

ابن عبّاس: أيقظناهم بعد ما مضى ثلاثمائة سنة و تسع سنين.(245)

مثله شبّر.(4:61)

ابن قتيبة: أحييناهم من هذه النّومة الّتي تشبه الموت.(غريب القرآن:265)

الطّبريّ: بعثناهم من رقدتهم،و أيقظناهم من نومهم لنعرّفهم عظيم سلطاننا.(15:216)

مثله المراغيّ.(15:131)

الماورديّ: يعني به إيقاظهم من نومهم.

(3:293)

مثله الشّربينيّ(2:357)،و البروسويّ(5:228).

الطّوسيّ: أي كما حفظنا أحوالهم طول تلك المدّة (بعثناهم)من تلك الرّقدة،لأنّ أحد الأمرين كالآخر في أنّه لا يقدر عليه إلاّ اللّه تعالى.

بيّن اللّه تعالى أنّه بعث أهل الكهف بعد نومهم الطّويل و رقدتهم البعيدة،ليسأل بعضهم بعضا عن مدّة مقامهم،فيتنبّهوا بذلك على معرفة صانعهم إن كانوا كفّارا من قومهم.و إن كانوا مؤمنين تثبّتوا زيادة على ما معهم، و يزدادوا يقينا إلى يقينهم.(7:24)

الزّمخشريّ: و كما أنمناهم تلك النّومة كذلك بعثناهم ادّكارا بقدرته على الإنامة و البعث جميعا،ليسأل بعضهم بعضا و يعرفوا حالهم و ما صنع اللّه بهم،فيعتبروا و يستدلّوا على عظم قدرة اللّه تعالى،و يزدادوا يقينا، و يشكروا ما أنعم اللّه به عليهم،و كرّموا به.(2:476)

نحوه القاسميّ.(11:4033)

القرطبيّ: البعث:التّحريك عن سكون،و المعنى كما ضربنا على آذانهم و زدناهم هدى و قلّبناهم،بعثناهم أيضا،أي أيقظناهم من نومهم على ما كانوا عليه من هيئاتهم في ثيابهم و أحوالهم.(10:374)

النّسفيّ: و كما أنمناهم تلك النّومة كذلك أيقظناهم إظهارا للقدرة على الإنامة و البعث جميعا.(3:6)

ص: 79

أبو السّعود: أي كما أنمناهم و حفظنا أجسادهم من البلى و التّحلّل آية دالّة على كمال قدرتنا،بعثناهم من النّوم.(4:179)

الكاشانيّ: و كما أنمناهم آية،بعثناهم آية على كمال قدرتنا.(3:236)

الآلوسيّ: أي كما أنمناهم هذه الإنامة الطّويلة و هي المفهومة ممّا مرّ،أيقظناهم.فالمشبّه:الإيقاظ،و المشبّه به:

الإنامة المشار إليها،و وجه الشّبه:كون كلّ منهما آية دالّة على كمال قدرته الباهرة عزّ و جلّ.(15:229)

الطّباطبائيّ: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ إلى إنامتهم بالصّورة الّتي مثّلتها الآيات السّابقة،أي كما أنمناهم في الكهف دهرا طويلا على هذا الوضع العجيب المدهش الّذي كان آية من آياتنا،كذلك بعثناهم و أيقظناهم ليتساءلوا بينهم.

و هذا التّشبيه و جعل التّساؤل غاية للبعث-مع ما تقدّم من دعائهم لدى ورود الكهف،و إنامتهم إثر ذلك-يدلّ على أنّهم إنّما بعثوا من نومتهم ليتساءلوا فيظهر لهم حقيقة الأمر،و إنّما أنيموا و لبثوا في نومتهم دهرا ليبعثوا،و قد نوّمهم اللّه إثر دعائهم و مسألتهم رحمة من عند اللّه و اهتداء مهيّأ من أمرهم.

فقد كان أزعجهم استيلاء الكفر على مجتمعهم، و ظهور الباطل،و إحاطة القهر و الجبر،و هجم عليهم اليأس و القنوط من ظهور كلمة الحقّ،و حرّيّة أهل الدّين في دينهم،فاستطالوا لبث الباطل في الأرض و ظهوره على الحقّ،كالّذي مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها قال:أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها،فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه.

و بالجملة لمّا غلبت عليهم هذه المزعمة و استيأسوا من زوال غلبة الباطل،أنامهم اللّه سنين عددا،ثمّ بعثهم ليتساءلوا فيجيبوا بيوم أو بعض يوم،ثمّ ينكشف لهم تحوّل الأحوال و مرور مئات من السّنين عند غيرهم، و هي بنظرة أخرى كيوم أو بعض يوم،فيعلموا أنّ طول الزّمان و قصره ليس بذاك الّذي يميت حقّا أو يحيي باطلا،و إنّما هو اللّه سبحانه جعل ما على الأرض زينة لها، و جذب إليها الإنسان،و أجرى فيها الدّهور و الأيّام ليبلوهم أيّهم أحسن عملا،و ليس للدّنيا إلاّ أن تغرّ بزينتها طالبيها ممّن أخلد إلى الأرض و اتّبع هواه.

و هذه حقيقة لا تزال لائحة للإنسان،كلّما انعطف على ما مرّت عليه من أيّامه السّالفة،و ما جرت عليه من الحوادث حلوها و مرّها،وجدها كطائف في نومة أو سنة في مثل يوم،غير أنّ سكر الهوى و التّلهّي بلهو الدّنيا لا يدعه أن ينتبه للحقّ فيتبعه،لكنّ للّه سبحانه على الإنسان يوم لا يشغله عن مشاهدة هذه الحقيقة شاغل من زينة الدّنيا و زخرفها و هو يوم الموت،كما عن عليّ عليه السّلام:«النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»و يوم آخر و هو يطوي فيه بساط الدّنيا و زينتها،و يقضي على العالم الإنسانيّ بالبيد و الانقراض.

و قد ظهر بما تقدّم أنّ قوله تعالى: لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ الكهف:19،غاية لبعثهم،و اللاّم لتعليل الغاية، و تنطبق على ما مرّ من الغاية في قوله: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12.

و ذكر بعضهم:أنّه بعض الغاية وضع موضعها

ص: 80

لاستتباعه لسائر آثار البعث،كأنّه قيل:ليتساءلوا بينهم،و ينجرّ ذلك إلى ظهور أمرهم،و انكشاف الآية و ظهور القدرة.و هذا مع عدم شاهد عليه من جهة اللّفظ تكلّف ظاهر.(13:257)

يبعث

1- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. الأنعام:65

راجع«عذب و قدر».

2- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. النّحل:38

ابن عبّاس: إنّ رجالا يقولون:إنّ عليّا مبعوث قبل يوم القيامة،و يتأوّلون وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ الآية،لو كنّا نعلم أنّ عليّا مبعوث،ما تزوّجنا نساءه،و لا قسمنا ميراثه، و لكن هذه للنّاس عامّة.(الطّبريّ 14:105)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 14:105) أبو العالية :كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين،فأتاه يتقاضاه،فكان فيما تكلّم به:

و الّذي أرجوه بعد الموت إنّه لكذا،فقال المشرك:إنّك تزعم أنّك تبعث بعد الموت،فأقسم باللّه جهد يمينه:

لا يبعث اللّه من يموت،فأنزل اللّه وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ الآية.(الطّبريّ 14:105)

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 14:105)

[القمّيّ عن أبيه]عن بعض رجاله يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما يقول النّاس فيها؟

قال:يقولون:نزلت في الكفّار.

قال:إنّ الكفّار كانوا لا يحلفون باللّه،و إنّما نزلت في قوم من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،قيل لهم:ترجعون بعد الموت قبل القيامة،فحلفوا أنّهم لا يرجعون.

فردّ اللّه عليهم،فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ النّحل:

39،يعني في الرّجعة يردّهم فيقتلهم،و يشفي صدور المؤمنين فيهم.[و في هذا المعنى روايات أخرى،و كلّها تأويل](القمّيّ 1:385)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و حلف هؤلاء المشركون من قريش بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ حلفهم:

لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بعد مماته،و كذبوا و أبطلوا في أيمانهم الّتي حلفوا بها كذلك،بل سيبعثه اللّه بعد مماته، وَعْداً عَلَيْهِ أن يبعثهم وعد عباده.(14:104)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى:ثمّ إنّ هؤلاء الكفّار حلفوا باللّه على قدر طاقتهم و جهدهم:أنّه لا يحشر اللّه أحدا يوم القيامة،و لا يحييه بعد موته،ثمّ كذّبهم تعالى في ذلك،فقال:(بلى)يحشرهم و يبعثهم(وعدا)وعدهم به،و لا يخلف وعده.(6:381)

ابن عطيّة: و البعث من القبور ممّا يجوّزه العقل، و أثبته خبر الشّريعة على لسان جميع النّبيّين.

و قال بعض الشّيعة: إنّ الإشارة بهذه الآية إنّما هي لعليّ بن أبي طالب،و إنّ اللّه سيبعثه في الدّنيا،و هذا هو القول بالرّجعة.

ص: 81

و قولهم هذا باطل و افتراء على اللّه و بهتان من القول،ردّه ابن عبّاس و غيره.(3:393)

الطّبرسيّ: أي لا يحشر اللّه أحدا يوم القيامة، و لا يحيي من يموت بعد موته،ثمّ كذّبهم اللّه تعالى في ذلك، فقال:(بلى)يحشرهم اللّه و يبعثهم،(وعدا)وعدهم به، (عليه)إنجازه و تحقيقه من حيث الحكمة،(حقّا)ذلك الوعد ليس له خلف؛إذ لو لا البعث لما حسن التّكليف، لأنّ التّكليف إنّما يحسن لإثابة من عوّض به.(3:360)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسألتان:

المسألة الأولى:اعلم أنّ هذا هو الشّبهة الرّابعة لمنكري النّبوّة،فقالوا:القول بالبعث و الحشر و النّشر باطل،فكان القول بالنّبوّة باطلا.

أمّا المقام الأوّل:فتقريره أنّ الإنسان ليس إلاّ هذه البنية المخصوصة،فإذا مات و تفرّقت أجزاؤه و بطل ذلك المزاج و الاعتدال،امتنع عوده بعينه،لأنّ الشّيء إذا عدم فقد فني و لم يبق له ذات،و لا حقيقة بعد فنائه و عدمه،فالّذي يعود يجب أن يكون شيئا مغايرا للأوّل فلا يكون عينه.

و أمّا المقام الثّاني:و هو أنّه لمّا بطل القول بالبعث بطل القول بالنّبوّة،و تقريره من وجهين:

الأوّل:أنّ محمّدا كان داعيا إلى تقرير القول بالمعاد، فإذا بطل ذلك ثبت أنّه كان داعيا إلى القول الباطل.و من كان كذلك لم يكن رسولا صادقا.

الثّاني:أنّه يقرّر نبوّة نفسه و وجوب طاعته بناء على التّرغيب في الثّواب و التّرهيب عن العقاب،و إذا بطل ذلك بطلت نبوّته.

إذا عرفت هذا فنقول:قوله: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ معناه أنّهم كانوا يدّعون العلم الضّروريّ بأنّ الشّيء إذا فني و صار عدما محضا و نفيا صرفا،فإنّه بعد هذا العدم الصّرف لا يعود بعينه بل العائد يكون شيئا آخر غيره.و هذا القسم و اليمين إشارة إلى أنّهم كانوا يدّعون العلم الضّروريّ بأنّ عوده بعينه بعد عدمه محال في بديهة العقل، وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ على أنّهم يجحدون في قلوبهم و عقولهم هذا العلم الضّروريّ.

و أمّا بيان أنّه لمّا بطل القول بالبعث بطل القول بالنّبوّة،فلم يذكره على سبيل التّصريح،لأنّه كلام جليّ متبادر إلى العقول،فتركوه لهذا العذر.ثمّ إنّه تعالى بيّن أنّ القول بالبعث ممكن و يدلّ عليه وجهان:

الوجه الأوّل:أنّه وعد حقّ على اللّه تعالى،فوجب تحقيقه،ثمّ بيّن السّبب الّذي لأجله كان وعدا حقّا على اللّه تعالى و هو التّمييز بين المطيع،و بين العاصي و بين المحقّ و المبطل،و بين الظّالم و المظلوم،و هو قوله: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ النّحل:39،و هذه الطّريقة قد بالغنا في شرحها و تقريرها في سورة يونس.

و الوجه الثّاني:في بيان إمكان الحشر و النّشر أنّ كونه تعالى موجدا للأشياء و مكوّنا لها،لا يتوقّف على سبق مادّة و لا مدّة و لا آلة،و هو تعالى إنّما يكوّنها بمحض قدرته و مشيئته،و ليس لقدرته دافع و لا لمشيئته مانع.

فعبّر تعالى عن هذا النّفاذ الخالي عن المعارض بقوله:

إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

ص: 82

النّحل:40.

و إذا كان كذلك فكما أنّه تعالى قدر على الإيجاد في الابتداء،وجب أن يكون قادرا عليه في الإعادة؛فثبت بهذين الدّليلين القاطعين أنّ القول بالحشر و النّشر و البعث و القيامة حقّ و صدق،و القوم إنّما طعنوا في صحّة النبوّة بناء على الطّعن في هذا الأصل،فلمّا بطل هذا الطّعن بطل أيضا طعنهم في النّبوّة،و اللّه أعلم.(20:30)

الآلوسيّ: و هو مبنيّ على أنّ الميّت يعدم و يفنى و أنّ البعث إعادة له،و أنّه يستحيل إعادة المعدوم.و قد ذهب إلى هذه الاستحالة الفلاسفة،و لم يوافقهم في دعوى ذلك أحد من المتكلّمين إلاّ الكراميّة، و أبو الحسين البصريّ من المعتزلة،و احتجّوا عليها بما ردّه المحقّقون.

و بعضهم ادّعى الضّرورة في ذلك،و أنّ ما يذكر في بيانه تنبيهات عليه،فقد نقل الإمام عن الشّيخ أبي عليّ ابن سينا أنّه قال:كلّ من رجع إلى فطرته السّليمة و رفض عن نفسه الميل و التّعصّب شهد عقله الصّريح بأنّ إعادة المعدوم بعينه ممتنعة.و في قسم هؤلاء الكفّار على عدم البعث إشارة-كما قال في التّفسير-إلى أنّهم يدّعون العلم الضّروريّ بذلك.

و أنت تعلم أنّه إذا جوّز إعادة المعدوم بعينه-كما هو رأي جمهور المتكلّمين-فلا إشكال في البعث أصلا،و أمّا إن قلنا بعدم جواز الإعادة لقيام القاطع على ذلك فقد قيل:نلتزم القول بعدم انعدام شيء من الأبدان حتّى يلزم في البعث إعادة المعدوم،و إنّما عرض لها التّفرّق و يعرض لها في البعث الاجتماع فلا إعادة لمعدوم،و فيه بحث،و إن أيّد بقصّة إبراهيم عليه السّلام.

و من هنا قال المولى ميرزا جان:لا مخلص إلاّ بأن يقال:ببقاء النّفس المجرّدة،و أنّ البدن المبعوث مثل البدن الّذي كان في الدّنيا و ليس عينه بالشّخص،و لا ينافي هذا قانون العدالة؛إذ الفاعل هو النّفس ليس إلاّ و البدن بمنزلة السّكّين بالنّسبة إلى القطع،فكما أنّ الأثر المترتّب على القطع من المدح و الذّمّ و الثّواب و العقاب إنّما هو للقاطع لا للسّكّين،كذلك الأثر المترتّب على أفعال الإنسان إنّما هو للنّفس،و هي المتلذّذة و المتألّمة تلذّذا أو تألّما عقليّا أو حسّيّا فليس يلزم خلاف العدالة.

و أمّا الظّواهر الدّالّة على عود ذلك الشّخص بعينه فمؤولة لفرض القاطع الدّالّ على الامتناع،و ذلك بأن يقال:المراد إعادة مادّته مع صورة كانت أشبه الصّور إلى الصّورة الأولى فتدبّر،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في سورة «يس»تحقيق هذا المطلب على أتمّ وجه.(14:140)

المراغيّ: بعد أن ذكر عزّ اسمه حجّتهم،و قولهم:

إنّه لا حاجة إلى الأنبياء جميعا،لأنّا مجبورون فيما نفعل، و أنّه لو شاء اللّه أن نهتدي لكان،دون حاجة إلى إرسال الأنبياء.و ردّه عليهم بأنّ الحاجة إليهم إنّما هي في تبليغ ما أمر به و ترك ما نهى عنه،و لا يلزمون أحدا بإيمان و لا كفر،أردف هذا بشبهة أخرى لهم،إذ قالوا:إنّما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب و عقاب،و لكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة و لا معقولة،ذاك أنّ الجسم إذا تفرّق و ذهبت أجزاؤه كلّ مذهب امتنع أن يعود بعينه ليحاسب و يعاقب.

ص: 83

فردّ اللّه عليهم ما قالوا:بأنّ هذا ممكن،و قد وعد عليه وعدا حقّا،و أنّه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطّيّب و العاصي من المطيع،و أيضا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقّف على سبق مادّة و لا آلة،بل يقع ذلك بمحض قدرته و مشيئته،و ليس لقدرته دافع و لا مانع.

(14:82)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(2:1659)

سيّد قطب: و لقد كانت قضيّة البعث دائما هي مشكلة العقيدة عند كثير من الأقوام،منذ أن أرسل اللّه رسله للنّاس،يأمرونهم بالمعروف و ينهونهم عن المنكر، و يخوّفونهم حساب اللّه يوم البعث و الحساب.

و هؤلاء المشركون من قريش أقسموا باللّه جهد أيمانهم:لا يبعث اللّه من يموت!فهم يقرّون بوجود اللّه و لكنّهم ينفون عنه بعث الموتى من القبور،يرون هذا البعث أمرا عسيرا بعد الموت و البلى و تفرّق الأشلاء و الذّرّات.

و غفلوا عن معجزة الحياة الأولى،و غفلوا عن طبيعة القدرة الإلهيّة،و أنّها لا تقاس إلى تصوّرات البشر و طاقتهم،و أنّ إيجاد شيء لا يكلّف تلك القدرة شيئا، فيكفي أن تتوجّه الإرادة إلى كون الشّيء ليكون.

و غفلوا كذلك عن حكمة اللّه في البعث،و هذه الدّنيا لا يبلغ أمر فيها تمامه.فالنّاس يختلفون حول الحقّ و الباطل،و الهدى و الضّلال،و الخير و الشّرّ،و قد لا يفصل بينهم فيما يختلفون فيه في هذه الأرض،لأنّ إرادة اللّه شاءت أن يمتدّ ببعضهم الأجل،و ألاّ يحلّ بهم عذابه الفاصل في هذه الدّيار،حتّى يتمّ الجزاء في الآخرة،و يبلغ كلّ أمر تمامه هناك.(4:2171)

الطّباطبائيّ: إنكار للحشر،و الجملة كناية عن أنّ الموت فناء فلا يتعلّق به بعده خلق جديد،و هذا لا ينافي قول كلّهم أو جلّهم بالتّناسخ،فإنّه قول بتعلّق النّفس بعد مفارقتها البدن ببدن آخر إنسانيّ أو غير إنسانيّ،و عيشها في الدّنيا،و هو قولهم:بالتّولّد بعد التّولّد.

و قوله: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا النّحل:38،أي ليس الأمر كما يقولون:بل يبعث اللّه من يموت،وعده وعدا ثابتا عليه حقّا،أي إنّ اللّه سبحانه أوجبه على نفسه بالوعد الّذي وعد عباده،و أثبته إثباتا فلا يتخلّف و لا يتغيّر.(12:247)

ليبعثنّ

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. الأعراف:167

سعيد بن جبير: هم أهل الكتاب،بعث اللّه عليهم العرب يجبونهم الخراج إلى يوم القيامة،فهو سوء العذاب،و لم يجب نبيّ الخراج قطّ إلاّ موسى عليه السّلام ثلاث عشرة سنة ثمّ أمسك،و إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(الطّبريّ 9:103)

قتادة: يبعث عليهم هذا الحيّ من العرب،فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.(الطّبريّ 9:103)

الطّبريّ: يعني أعلم ربّك ليبعثنّ على اليهود من يسومهم سوء العذاب،قيل:إنّ ذلك العرب،بعثهم اللّه

ص: 84

على اليهود يقاتلون من لم يسلم منهم،و لم يعط الجزية، و من أعطى منهم الجزية كان ذلك له صغارا و ذلّة.

(9:102)

الطّوسيّ: و في الآية دليل على أنّ اليهود لا يكون لهم دولة إلى يوم القيامة،و لا عزّ لهم أيضا.

و قيل:في معنى البعث هاهنا قولان:

أحدهما:الأمر و الإطلاق،و الآخر:التّخلية،و إن وقع على وجه المعصية،كما قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83.

(5:22)

مثله الطّبرسيّ.(4:494)

الزّمخشريّ: و معنى(ليبعثنّ عليهم)ليسلّطنّ عليهم،كقوله: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الإسراء:5.(2:127)

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ففيه بحثان:

البحث الأوّل:أنّ اللاّم في قوله(ليبعثنّ)جواب القسم،لأنّ قوله: وَ إِذْ تَأَذَّنَ جار مجرى القسم،في كونه جازما بذلك الخبر.

البحث الثّاني:الضّمير في قوله:(عليهم)يقتضي أن يكون راجعا إلى قوله: فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ الأعراف:166،لكنّه قد علم أنّ الّذين مسخوا لم يستمرّ عليهم التّكليف.

ثمّ اختلفوا،فقال بعضهم:المراد نسلهم و الّذين بقوا منهم.

و قال آخرون:بل المراد سائر اليهود،فإنّ أهل القرية كانوا بين صالح و بين متعدّ،فمسخ المتعدّي و ألحق الذّلّ بالبقيّة.

و قال الأكثرون:هذه الآية في اليهود الّذين أدركهم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و دعاهم إلى شريعته،و هذا أقرب،لأنّ المقصود من هذه الآية تخويف اليهود الّذين كانوا في زمان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و زجرهم عن البقاء على اليهوديّة، لأنّهم إذا علموا بقاء الذّلّ عليهم إلى يوم القيامة انزجروا...(15:41)

البيضاويّ: و المعنى و إذ أوجب ربّك على نفسه ليسلّطنّ على اليهود مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ.

(1:375)

مثله النّسفيّ(2:83)،و القاسميّ(7:2893).

الخازن: اللاّم في قوله:(ليبعثنّ)جواب القسم، لأنّ قوله: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ جار مجرى القسم،لكونه جزما،و جواب القسم لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ.

[ثمّ ذكر الاختلاف في مرجع الضّمير في(عليهم)كما تقدّم عن الفخر و أضاف:]

و أورد على هذا بأنّ في آخر الزّمان يكون لهم عزّة، و ذلك عند خروج الدّجّال لأنّ اليهود أتباعه و أشياعه.

و أجيب عنه بأنّ ذلك العزّ الّذي يحصل لهم هو في نفسه غاية الذّلّة،لأنّهم يدّعون إلهيّة الدّجّال فيزدادون كفرا على كفرهم،فإذا هلك الدّجّال أهلكهم المسلمون و قتلوهم جميعا،فذلك هو الذّلّة و الصّغار المشار إليه بقوله تعالى: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ. (2:250)

شبّر:البعث هنا هو الأمر و الإطلاق أو التّخلية.

(2:431)

ص: 85

الآلوسيّ: أي اليهود لا المعتدين الّذين مسخوا قردة؛إذ لم يبقوا كما علمت.و يحتمل عود الضّمير:عليهم بناء على ما روي عن الحسن،و المراد حينئذ:هم و أخلافهم،و عوده إلى اليهود و النّصارى ليس بشيء و إن روي عن مجاهد،و الجارّ متعلّق ب(يبعثنّ)على معنى يسلّط عليهم البتّة.(9:94)

ان يبعثك

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. الإسراء:79

راجع«ق و م»مقاما.

يبعثكم

وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى... الأنعام:60

ابن عبّاس: يردّ إليكم أرواحكم.(111)

مثله النّيسابوريّ.(7:122)

قتادة: البعث:اليقظة.(الطّبريّ 7:215)

الجبّائيّ: ينبّهكم من نومكم في النّهار.

(الطّبريّ 7:215)

مثله الزّجّاج(2:258)،و الكاشانيّ(2:126).

الطّبريّ: ثمّ يبعثكم،يثيركم،و يوقظكم من منامكم فيه،يعني في النّهار،و الهاء الّتي فيه راجعة على النّهار.(7:215)

الماورديّ: يعني في النّهار باليقظة،و تصرّف الرّوح بعد قبضها بالنّوم.(2:123)

البغويّ: أي يوقظكم في النّهار.(2:130)

مثله الخازن.(2:117)

أبو الفتوح: يعني يوقظكم من النّوم في النّهار.

و البعث:الإيقاظ من النّوم،و هو المراد هنا،و نظيره قوله تعالى: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ الكهف:19.

و البعث:إحياء الموتى من قوله تعالى: وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. الحجّ:7.

و البعث:إرسال الأنبياء في قوله: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً.

و البعث:الحثّ و التّحريض،يقال:بعثته على كذا، إذا حرّضته عليه.

أي بعد ذلك يوقظكم من نومكم نهارا.(7:319)

الفخر الرّازيّ: أي يردّ إليكم أرواحكم في النّهار.

و البعث هاهنا:اليقظة،ثمّ قال: لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى أي أعماركم المكتوبة.و هي قوله: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ الأنعام:2.

و المعنى يبعثكم من نومكم إلى أن تبلغوا آجالكم، و معنى القضاء فصل الأمر على سبيل التّمام،و معنى قضاء الأجل فصل مدّة العمر من غيرها بالموت.

و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر أنّه ينيمهم أوّلا ثمّ يوقظهم ثانيا كان ذلك جاريا مجرى الإحياء بعد الإماتة،لا جرم استدلّ بذلك على صحّة البعث و القيامة.(13:12)

البيضاويّ: (يبعثكم):يوقظكم،أطلق البعث ترشيحا للتّوفّي.(1:314)

ص: 86

الشّربينيّ: أي يوقظكم بردّ أرواحكم.

(1:425)

أبو السّعود: أي يوقظكم في النّهار،عطف على (يتوفّاكم)و توسيط قوله تعالى:(و يعلم)بينهما لبيان ما في بعثهم من عظيم الإحسان إليهم،بالتّنبيه على أنّ ما يكتسبونه من السّيّئات مع كونها موجبة لإبقائهم على التّوفّي بل لإهلاكهم بالمرّة يفيض عليهم الحياة و يمهلهم، كما ينبئ عنه كلمة التّراخي،كأنّه قيل:هو الّذي يتوفّاكم في جنس اللّيالي ثمّ يبعثكم في جنس النّهار مع علمه بما ستجرحون فيها.(2:395)

مثله البروسويّ.(3:44)

الآلوسيّ: أي يوقظكم في النّهار،هل هو حقيقة في هذا المعنى أو مجاز؟فيه قولان؛و المتبادر منه في عرف الشّرع إحياء الموتى في الآخرة،و جعلوه ترشيحا للتّوفّي،و هو ظاهر جدّا على المتبادر في عرف الشّرع، لاختصاصه بالمشبّه به.

و يقال على غيره:إنّه لا يشترط في التّرشيح اختصاصه بالمشبّه به بل أن يكون أخصّ به بوجه،كما قرّروه في قوله:«له لبد أظفاره لم تقلم»،و البعث في الموتى أقوى،لأنّ عدم الإحساس فيه كذلك،فإزالته أشدّ.

و قد صرّحوا أيضا أنّ التّرشيح يجوز أن يكون باقيا على حقيقته تابعا للاستعارة،لا يقصد به إلاّ تقويتها.

و يجوز أن يكون مستعارا من ملائم المستعار منه لملائم المستعار له.(7:174)

رشيد رضا: أي ثمّ إنّه بعد توفّيكم بالنّوم يثيركم و يرسلكم منه في النّهار.[إلى أن قال:]

فإن قيل:كان الظّاهر أن يقال:و هو الّذي يتوفّاكم باللّيل ثمّ يبعثكم بالنّهار و يعلم ما جرحتم فيه،فما نكتة هذا التّقديم و التّأخير في الآية؟

قلت:الظّاهر المتبادر أنّ تأخير ذكر البعث لأجل أن تتّصل به علّته المقصودة بالذّكر في هذا السّياق،و هي قوله تعالى: لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى أي يوقظكم و يرسلكم في أعمالكم لأجل أن يقضي و ينفذ الأجل المسمّى في علمه تعالى لكلّ فرد منكم،فإنّ لأعماركم آجالا مقدّرة مكتوبة،لا بدّ من قضائها و إتمامها.

(7:480)

مثله المراغيّ.(7:146)

الطّباطبائيّ: سمّي الإيقاظ و التّنبيه بعثا محاذاة لتسمية الإنامة توفّيا،و جعل الغرض من البعث قضاء الأجل المسمّى،و هو الوقت المعلوم عند اللّه الّذي لا يتخطّاه حياة الإنسان الدّنيويّة،كما قال: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:

34.(7:130)

يبعثون

قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. الأعراف:14

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّه سأله الإنظار بالعقوبة إلى البعث،و هو يوم القيامة.

و الثّاني:أنّه سأله الإنظار بالحياة إلى يوم يبعثون، و هو يوم القيامة،لئلاّ يذوق الموت؛فأجيب بالإنظار إلى

ص: 87

يوم الوقت المعلوم،و هي النّفخة الأولى،ليذوق الموت بين النّفختين،و هو أربعون سنة،قاله الكلبيّ.

(2:204)

الطّوسيّ: مدّة للإنظار الّذي طلبه.و البعث:

الإطلاق في الأمر،و الانبعاث:الانطلاق،و البعث و الحشر و النّشر و الجمع نظائر.

و يجوز في يَوْمِ يُبْعَثُونَ ثلاثة أوجه من العربيّة:

بالجرّ و ترك التّنوين على الإضافة،و الجرّ مع التّنوين على الصّفة،و الفتح و ترك التّنوين على البناء.و ليس بالوجه، لأنّ الفعل معرب.(4:389)

الطّبرسيّ: أي يبعث الخلق من قبورهم للجزاء.

و قيل:معناه أنظرني في الجزاء إلى يوم القيامة،فكأنّه خاف أن يعاجله اللّه سبحانه بالعقوبة،يدلّ عليه قوله:

إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ و لم يقل:إلى يوم يموتون،و معلوم أنّ اللّه تعالى لا يبقي أحدا حيّا إلى يوم القيامة.

(2:403)

القرطبيّ: سأل النّظرة و الإمهال إلى يوم البعث و الحساب،طلب ألاّ يموت،لأنّ البعث لا موت بعده.

(7:173)

تبعثون

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ المؤمنون:16

ابن عبّاس: تحيون.(285)

الطّوسيّ: أي تحشرون إلى الموقف و الحساب و الجزاء بعد أن كنتم أمواتا.و لا يدلّ ذلك على أنّه لا يحييهم في القبور للمساءلة،لأنّ قوله:إنّه يميتهم عند فناء آجالهم و يبعثهم يوم القيامة،لا يمنع من أن يحييهم فيما بين ذلك،أ لا ترى أنّ القائل لو قال:دخلت بغداد في سنة مائة،و خرجت منها في سنة عشر و مائة،لم يدلّ على أنّه لم يخرج فيما بينهما و عاد،فكذلك الآية.

على أنّ اللّه تعالى أخبر أنّه أحيا قوما،فقال لهم اللّه:

موتوا،ثمّ أحياهم،فلا بدّ من تقدير ما قلناه للجميع.

و فيه دلالة على بطلان قول معمّر و النّظّام،في الإنسان.

(7:355)

الزّمخشريّ: جعل الإماتة الّتي هي إعدام الحياة و البعث الّذي هو إعادة ما يفنيه و يعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء و الاختراع.

فإن قلت:فإذا لا حياة إلاّ حياة الإنشاء و حياة البعث.

قلت:ليس في ذكر الحياتين نفي الثّالثة،و هي حياة القبر،كما لو ذكرت ثلثي ما عندك و طويت ذكر ثلثه، لم يكن دليلا على أنّ الثّلث ليس عندك،و أيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثّلاثة:الإنشاء و الإماتة و الإعادة، و المطويّ ذكرها من جنس الإعادة.(3:28)

مثله الفخر الرّازيّ.(3:86)

الطّبرسيّ: أي تحشرون إلى الموقف و الحساب و الجزاء.

أخبر اللّه سبحانه أنّ هذه البنية العجيبة المبنيّة على أحسن إتقان و إحكام تنقض بالموت لغرض صحيح و هو البعث و الإعادة،و هذا لا يمنع من الإحياء في القبور،لأنّ إثبات البعث في القيامة لا يدلّ على نفي ما عداه،أ لا ترى أنّ اللّه سبحانه أحيا الّذين أخرجوا من ديارهم و هم

ص: 88

ألوف،و أحيا قوم موسى على الجبل بعد ما أماتهم.

و في الآية دلالة على فساد قول النّظّام:في أنّ الإنسان هو الرّوح.و قول معمّر:إنّ الإنسان شيء لا ينقسم،و أنّه ليس بجسم.(4:101)

البروسويّ: تخرجون من قبوركم للحساب و المجازاة بالثّواب و العقاب.(6:73)

الآلوسيّ: تُبْعَثُونَ من قبوركم للحساب و المجازاة بالثّواب و العقاب.

و لم يؤكّد سبحانه أمر البعث تأكيده لأمر الموت،مع كثرة المتردّدين فيه و المنكرين له،اكتفاء بتقديم ما يغني عن كثرة التّأكيد،و يشيّد أركان الدّعوى أتمّ تشييد،من خلقه تعالى الإنسان من سلالة من طين،ثمّ نقله من طور إلى طور حتّى أنشأه خلقا آخر،يستغرق العجائب و يستجمع الغرائب،فإنّ في ذلك أدلّ دليل على حكمته و عظيم قدرته عزّ و جلّ على بعثه و إعادته،و أنّه جلّ و علا لا يهمل أمره و يتركه بعد موته نسيا منسيّا مستقرّا في رحم العدم،كأن لم يكن شيئا.

و لمّا تضمّنت الجملة السّابقة المبالغة في أنّه تعالى شأنه أحكم خلق الإنسان و أتقنه،بالغ سبحانه عزّ و جلّ في تأكيد الجملة الدّالّة على موته مع أنّه غير منكر لما أنّ ذلك سبب لاستبعاد العقل إيّاه أشدّ استبعاد،حتّى يوشك أن ينكر وقوعه من لم يشاهده،و سمع أنّ اللّه جلّ جلاله أحكم خلق الإنسان و أتقنه غاية الإتقان.و هذا وجه دقيق لزيادة التّأكيد في الجملة الدّالّة على الموت و عدم زيادته في الجملة الدّالّة على البعث،لم أر أنّي سبقت إليه.

و قيل في ذلك:إنّه تعالى شأنه لمّا ذكر في الآيات السّابقة من التّكليفات ما ذكر،نبّه على أنّه سبحانه أبدع خلق الإنسان و قلّبه في الأطوار حتّى أوصله إلى طور هو غاية كماله،و به يصحّ تكليفه بنحو تلك التّكليفات، و هو كونه حيّا عاقلا سميعا بصيرا،و كان ذلك مستدعيا لذكر طور يقع فيه الجزاء على ما كلّفه تعالى به،و هو أن يبعث يوم القيامة،فنبّه سبحانه عليه بقوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ فالمقصود الأهمّ بعد بيان خلقه و تأهّله للتّكليف بيان بعثه،لكن وسّط حديث الموت، لأنّه برزخ بين طوره الّذي تأهّل به للأعمال الّتي تستدعي الجزاء و بين بعثه،فلا بدّ من قطعه للوصول إلى ذلك،فكأنّه قيل:أيّها المخلوق العجيب الشّأن إنّ ماهيّتك و حقيقتك تفنى و تعدم،ثمّ إنّها بعينها من الأجزاء المتفرّقة و العظام البالية و الجلود المتمزّقة المتلاشية في أقطار الشّرق و الغرب تبعث و تنشر ليوم الجزاء،لإثابة من أحسن فيما كلّفناه به،و عقاب من أساء فيه.فالقرينة الثّانية و هي الجملة الدّالّة على البعث لم تفتقر إلى التّوكيد افتقار الأولى،و هي الجملة الدّالّة على الموت،لأنّها كالمقدّمة لها،و توكيدها راجع إليها، و منه يعلم سرّ نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب،انتهى، و فيه من البعد ما فيه.

و قيل:إنّما بولغ في القرينة الأولى لتمادي المخاطبين في الغفلة،فكأنّهم نزلوا منزلة المنكرين لذلك،و أخليت الثّانية لوضوح أدلّتها و سطوع براهينها.

قال الطّيّبيّ: هذا كلام حسن لو ساعد عليه النّظم الفائق،و ربّما يقال:إنّ شدّة كراهة الموت-طبعا الّتي لا يكاد يسلم منها أحد-نزلت منزلة شدّة الإنكار،

ص: 89

فبولغ في تأكيد الجملة الدّالّة عليه،و أمّا البعث فمن حيث إنّه حياة بعد الموت لا تكرهه النّفوس،و من حيث إنّه مظنّة للشّدائد تكرهه،فلمّا لم يكن حاله كحال الموت و لا كحال الحياة بل بين بين أكّدت الجملة الدّالّة عليه تأكيدا واحدا.و هذا وجه للتّأكيد لم يذكره أحد من علماء المعاني،و لا يضرّ فيه ذلك إذا كان وجيها في نفسه.

(18:17)

الطّباطبائيّ: و هذا تمام التّدبير،و هو أعني البعث آخر مرحلة في مسير الإنسان إذا حلّ بها لزمها،و لا يزال قاطنا بها.(15:22)

ابعث

إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ.

البقرة:246

الزّمخشريّ: انهض للقتال معنا أميرا،نصدر في تدبير الحرب عن رأيه و ننتهي إلى أمره.

طلبوا من نبيّهم نحو ما كان يفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من التّأمير على الجيوش الّتي كان يجهّزها و من أمرهم بطاعته و امتثال أوامره.(1:378)

نحوه النّيسابوريّ(2:309)،و أبو السّعود(1:185).

البيضاويّ: أقم لنا أميرا ننهض معه للقتال،يدبّر أمره و نصدر فيه عن رأيه.(1:129)

نحوه أبو حيّان(2:255)،و القاسميّ(3:642).

البروسويّ: أي أقم و انصب لنا سلطانا يتقدّمنا، و يحكم علينا في تدبير الحرب،و نطيع لأمره.

(1:381)

الآلوسيّ: أي أقم لنا أميرا.و أصل البعث:إرسال المبعوث من المكان الّذي هو فيه.لكن يختلف باختلاف متعلّقه،يقال:بعث البعير من مبركه إذا أثاره،و بعثته في السّير إذا هيّجته،و بعث اللّه تعالى الميّت إذا أحياه،

و ضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال.

(2:164)

فابعثوا

وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها... النّساء:35

راجع«ح ك م».

لمبعوثون

وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. الإسراء:49

الطّبريّ: قالوا إنكارا منهم للبعث بعد الموت:(انّا لمبعوثون)بعد مصيرنا في القبر عظاما غير منحطمة، و رفاتا منحطمة،و قد بلينا فصرنا فيها ترابا خلقا منشأ كما كنّا قبل الممات،(جديدا):نعاد كما بدئنا؟(15:97)

الطّوسيّ: و(اذا)في موضع نصب بفعل يدلّ عليه (لمبعوثون)،و تقديره:أ نبعث أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً و صورته صورة الاستفهام و إنّما هم منكرون لذلك متعجّبون منه،و كلّ ما تحطّم و ترضّض يجيء أكثره على«فعال»مثل حطام، و رضاض و دقاق و غبار و تراب.

ص: 90

و الخلق الجديد،هو المجدّد،أي يبعثهم اللّه أحياء بعد أن كانوا أمواتا،أنكروا ذلك و تعجّبوا منه.(6:486)

الكرمانيّ: قوله: وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ثمّ أعادها في آخر السّورة بعينها من غير زيادة و لا نقصان،لأنّ هذا ليس بتكرار،فإنّ الأوّل من كلامهم في الدّنيا حين جادلوا الرّسول و أنكروا البعث،و الثّاني من كلام اللّه تعالى حين جازاهم على كفرهم و قولهم و إنكارهم البعث،فقال:

مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً* ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:97،98.

(117)

الطّبرسيّ: المعنى قال المنكرون للبعث:إنّا إذا متنا و انتثرت لحومنا و صرنا عظاما و ترابا أ نبعث بعد ذلك خلقا جديدا؟أي متجدّدا،و هو إنكار في صورة الاستفهام.(3:420)

الفخر الرّازيّ: أمّا تقرير شبهة القوم،فهي أنّ الإنسان إذا مات جفّت أعضاؤه و تناثرت و تفرّقت في حوالي العالم،فاختلط بتلك الأجزاء سائر أجزاء العالم.

أمّا الأجزاء المائيّة في البدن فتختلط بمياه العالم،و أمّا الأجزاء التّرابيّة فتختلط بتراب العالم،و أمّا الأجزاء الهوائيّة فتختلط بهواء العالم،و أمّا الأجزاء النّاريّة فتختلط بنار العالم.و إذا صار الأمر كذلك فكيف يعقل اجتماعها بأعيانها مرّة أخرى؟و كيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرّة أخرى؟فهذا هو تقرير الشّبهة.

و الجواب عنها:أنّ هذا الإشكال لا يتمّ إلاّ بالقدح في كمال علم اللّه و في كمال قدرته.أمّا إذا سلّمنا كونه تعالى عالما بجميع الجزئيّات،فحينئذ هذه الأجزاء و إن اختلطت بأجزاء العالم إلاّ أنّها متمايزة في علم اللّه تعالى، و لمّا سلّمنا كونه تعالى قادرا على كلّ الممكنات كان قادرا على إعادة التّأليف و التّركيب و الحياة و العقل إلى تلك الأجزاء بأعيانها،فثبت أنّا متى سلّمنا كمال علم اللّه و كمال قدرته زالت هذه الشّبهة بالكلّيّة.(20:225)

أبو السّعود: و(إذا)متمحّضة للظّرفيّة و هو الأظهر،و العامل فيها ما دلّ عليه قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ لا نفسه،لأنّ ما بعد إنّ و الهمزة و اللاّم لا يعمل فيما قبلها،و هو نبعث أو نعاد،و هو المرجع للإنكار.

و تقييده بالوقت المذكور ليس لتخصيصه به،فإنّهم منكرون للإحياء بعد الموت و إن كان البدن على حاله، بل لتقوية الإنكار للبعث،بتوجيهه إليه في حالة منافية له.

و تكرير الهمزة في قولهم:(أ إنّا)لتأكيد النّكير، و تحلية الجملة ب«إنّ و اللاّم»لتأكيد الإنكار لا لإنكار التّأكيد،كما-عسى-يتوهّم من ظاهر النّظم.فإنّ تقديم الهمزة لاقتضائها الصّدارة،كما في مثل قوله تعالى: أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:76،و نظائره على رأي الجمهور،فإنّ المعنى عندهم تعقيب الإنكار لا إنكار التّعقيب،كما هو المشهور.

و ليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في المبعوثيّة بالفعل،في حال كونهم عظاما و رفاتا كما يتراءى من ظاهر الجملة الاسميّة،بل كونهم بعرضيّة ذلك و استعدادهم له.و مرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك

ص: 91

الحالة،و فيه من الدّلالة على غلوّهم في الكفر و تماديهم في الضّلال ما لا مزيد عليه.(4:136)

نحوه البروسويّ(5:169)،و الآلوسيّ(15:91).

الطّباطبائيّ: في الآية مضيّ في بيان عدم فقههم بمعارف القرآن؛حيث استبعدوا البعث و هو من أهمّ ما يثبته القرآن،و أوضح ما قامت عليه الحجج من طريق الوحي و العقل،حتّى وصفه اللّه في مواضع من كلامه بأنّه لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2،و ليس لهم حجّة على نفيه، غير أنّهم استبعدوه استبعادا.

و من أعظم ما يزيّن في قلوبهم هذا الاستبعاد زعمهم أنّ الموت فناء للإنسان،و من المستبعد أن يتكوّن الشّيء عن عدم بحث،كما قالوا:أ إذا كنّا عظاما و رفاتا بفساد أبداننا عن الموت،حتّى إذا لم يبق منها إلاّ العظام،ثمّ رمّت العظام و صارت رفاتا،أ إنّا لفي خلق جديد نعود أناسيّ كما كنّا؟ذلك رجع بعيد،و لذلك ردّه سبحانه إليهم بتذكيرهم القدرة المطلقة و الخلق الأوّل.(13:115)

محمّد جواد مغنيّة: هذه هي حجّة من ارتاب بالبعث قديما و حديثا:كيف يعود الإنسان إلى الحياة بعد أن يصبح هباء منثورا؟

و الجواب هو من قدر على خلق الشّيء و إيجاده فبالأولى أن يقدر على جمعه بعد تفرّقه.و قد ذكر سبحانه شبهة المنكرين هذه،و جوابها هذا في العديد من الآيات، بعبارات شتّى،منها الآية قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يس:78،79.(5:52)

عزّة دروزة: الآيات متّصلة بما سبقها و استمرار لها،في صدد حكاية موقف الكفّار و مشاهد حجاجهم الوجاهيّة؛حيث احتوت حكاية سؤالهم الاستنكاريّ عن صحّة ما ينذرهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من البعث بعد أن يصبحوا عظاما بالية،و عن موعد هذا البعث،و عمّن يبعثهم؛و حيث أمرت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتوكيد ذلك لهم حتّى لو كانوا حجارة أو حديدا،أو شيئا أشدّ استعصاء على الإعادة و الإرجاع.

و بإخبارهم بأنّ ذلك قد يكون أقرب كثيرا ممّا يظنّون،و بأنّهم حينما يدعون و يبعثون سيدركون ما يكون من وفاء اللّه بوعده،حتّى أنّهم ليظنّون أنّهم لم يلبثوا بين الموت و البعث إلاّ فترة قصيرة، و يستجيبون لأمره،مسبّحين حامدين له برغم أنوفهم، معترفين بقدرته و عظمته؛و حيث حكت إصرارهم على الإنكار و الجحود و هزّهم لرءوسهم استنكارا و استهزاء،حينما قيل لهم:إنّ اللّه الّذي خلقهم أوّل مرّة هو قادر بطبيعة الحال على بعثهم ثانية.(3:241)

عبد المنعم الجمّال: بعد أن حكى القرآن أكاذيب الكفّار في شأن القرآن،و أنّه سحر و غير ذلك، حكى هنا إنكارهم للبعث،فقال:و قالوا-أي المنكرون للبعث الّذين لا يؤمنون بالآخرة،مستدلّين على إنكار البعث-:أ نبعث إذا صرنا عظاما بالية و ترابا تذروه الرّياح؟أ إنّا و نحن في هذه الحالة من البلى لمبعوثون خلقا جديدا؟إنّ هذا الأمر عجب!

فيأمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه أن يقول لهم:كونوا حجارة صمّاء أو حديدا جامدا قويّا،أو خلقا أعظم صلابة من الحجارة و الحديد ممّا تعظّمون في قلوبكم،كونوا كذلك

ص: 92

و اللّه عزّ و جلّ قادر على إحيائكم و بعثكم من جديد.

فسيقولون لك يا محمّد:من الّذي يقدر على إعادتنا بعد أن صرنا ترابا و عظاما؟

قل لهم يا محمّد:يعيدكم الّذي خلقكم و فطركم أوّل مرّة،و إنّ القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى.إذا سمعوا منك هذه المقالة فسيحرّكون إليك رءوسهم متعجّبين و مستبعدين و هازئين،و يقولون مستهزءين:متى هذا البعث؟(3:1736)

البعث

وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. الرّوم:56

ابن عبّاس: إلى يوم يبعثون من القبور فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ يوم القيامة.(343)

الطّبريّ: يقول:فهذا يوم يبعث النّاس من قبورهم.(21:58)

الطّوسيّ: يعني يوم يبعث اللّه فيه خلقه و يحشرهم.و أصل البعث:جعل الشّيء جاريا في أمر، و منه انبعث الماء،إذا جرى،و انبعث من بين الأموات، إذا خرج خروج الماء،و يوم البعث:يوم إخراج النّاس من قبورهم إلى أرض المحشر.(8:266)

الشّربينيّ: سبب اختلاف الفريقين أنّ الموعود بوعد إذا ضرب له أجل،إن علم أنّ مصيره إلى النّار و هو الكافر يستقلّ مدّة اللّبث،و يختار تأخير الحشر و الإبقاء في القبر،و إن علم أنّ مصيره إلى الجنّة و هو المؤمن فيستكثر المدّة و لا يريد تأخيرها،فيختلف الفريقان.

و في هذه الفاء قولان؛أظهرهما أنّها عاطفة هذه الجملة على(لبثتم).

و قال الزّمخشريّ: هي جواب شرط مقدّر،أي إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث،أي فقد تبيّن بطلان ما قلتم.(3:178)

انبعث

إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. الشّمس:12

قتادة :يعني أحيمر ثمود.(الطّبريّ 30:214)

الطّبريّ: يقول:إذ ثار أشقى ثمود،و هو قدار بن سالف.(30:214)

البغويّ: أي قام،و الانبعاث هو الإسراع في الطّاعة للباعث،أي كذّبوا بالعذاب و كذّبوا صالحا لما انبعث اشقاها و هو قدار بن سالف.(5:260)

مثله الخازن(7:211)،و الشّربينيّ(4:543).

الميبديّ: أي نهض و قام(أشقاها)لعقر النّاقة، و الانبعاث:الإسراع في الطّاعة للباعث.(10:507)

نحوه القرطبيّ(20:78)،و المراغيّ(30:169).

الزّمخشريّ: منصوب ب(كذّبت)أو ب(الطّغوى).

(4:258)

الطّبرسيّ: أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر،و معنى انبعث انتدب و قام.(5:499)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:142)

الفخر الرّازيّ: انبعث مطاوع بعث،يقال:بعثت

ص: 93

فلانا على الأمر فانبعث له،و المعنى أنّه كذّبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاها،و هو عاقر النّاقة.

(31:195)

البيضاويّ: إِذِ انْبَعَثَ: حين قام،ظرف لكذّبت أو طغوى.(2:561)

نحوه أبو السّعود(6:434)،و الطّباطبائيّ(2:

299).

النّيسابوريّ: تحرّكت داعية،و قوى عزمه على العقر.(30:107)

أبو حيّان:أي خرج لعقر النّاقة بنشاط و حرص.

و النّاصب ل(إذ)(كذّبت).(8:481)

السّيوطيّ: أسرع.(الجلالين 2:561)

البروسويّ: منصوب ب(كذّبت)أو ب«الطّغوى»، أي حين قام أشقى ثمود و هو قدار بن سالف امتثالا لأمر من بعثه إليه.فإنّ انبعث مطاوع لبعث،يقال:بعثت فلانا على أمر فانبعث له و امتثل.(10:446)

نحوه الآلوسيّ.(30:145)

مجمع اللّغة: أي مضى ذاهبا،و اندفع.

(1:110)

انبعاثهم

وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ. التّوبة:46

ابن عبّاس: خروجهم معك إلى غزوة تبوك.

(159)

مثله الضّحّاك(الطّبريّ 10:144)،و القرطبيّ(8:

156)،و الآلوسيّ(1:111).

الطّوسيّ: و الانبعاث:الانطلاق بسرعة في الأمر، لذلك يقال:فلان لا ينبعث في الحاجة،أي ليس له نفاذ فيها.(5:267)

الميبديّ: الانبعاث:الانطلاق في الحاجة،يقول:

كره اللّه نهوضهم للخروج.(4:141)

نحوه النّيسابوريّ.(10:97)

ابن عطيّة: نفوذهم لهذه الغزوة.(3:40)

الطّبرسيّ: معناه و لكن كره اللّه خروجهم إلى الغزو لعلمه أنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنّميمة بين المسلمين،و كانوا عيونا للمشركين،و كان الضّرر في خروجهم أكثر من الفائدة.(3:35)

الفخر الرّازيّ: الانبعاث:الانطلاق في الأمر، يقال:بعثت البعير فانبعث،و بعثته لأمر كذا فانبعث، و بعثه لأمر كذا،أي نفذه فيه،و المعنى أنّه تعالى كره خروجهم مع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم فصرفهم عنه.

فإن قيل:إنّ خروجهم مع الرّسول إمّا أن يقال:إنّه كان مفسدة و إمّا أن يقال:إنّه كان مصلحة.

فإن قلنا:إنّه كان مفسدة،فلم عاتب الرّسول في إذنه إيّاهم في القعود؟و إن قلنا:إنّه كان مصلحة،فلم قال:إنّه تعالى كره انبعاثهم و خروجهم؟

و الجواب الصّحيح:أنّ خروجهم مع الرّسول ما كان مصلحة،بدليل أنّه تعالى صرّح بعد هذه الآية و شرح تلك المفاسد،و هو قوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47.

بقي أن يقال:فلمّا كان الأصوب الأصلح أن

ص: 94

لا يخرجوا،فلم عاتب الرّسول في الإذن؟

فنقول:قد حكينا عن أبي مسلم أنّه قال:ليس في قوله:(لم اذنت لهم)أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان قد أذن لهم في القعود،بل يحتمل أن يقال:إنّهم استأذنوه في الخروج معه فأذن لهم،و على هذا التّقدير فإنّه يسقط السّؤال.

قال أبو مسلم: و الدّليل على صحّة ما قلنا:أنّ هذه الآية دلّت على أنّ خروجهم معه كان مفسدة،فوجب حمل ذلك العتاب على أنّه عليه الصّلاة و السّلام أذن لهم في الخروج معه.

و تأكّد ذلك بسائر الآيات،منها قوله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً التّوبة:83،و منها قوله تعالى:

سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إلى قوله: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا الفتح:15،فهذا دفع هذا السّؤال على طريقة أبي مسلم.

و الوجه الثّاني من الجواب:أن نسلم أنّ العتاب في قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إنّما توجّه لأنّه عليه الصّلاة و السّلام أذن لهم في القعود.فنقول:ذلك العتاب ما كان لأجل أنّ ذلك القعود كان مفسدة،بل لأجل أنّ إذنه عليه الصّلاة و السّلام بذلك القعود كان مفسدة،و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّه عليه الصّلاة و السّلام أذن قبل إتمام التّفحّص و إكمال التّأمّل و التّدبّر،و لهذا السّبب قال تعالى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ التّوبة:43.

و الثّاني:أن[يكون]بتقدير أنّه عليه الصّلاة و السّلام ما كان يأذن لهم في القعود،فهم كانوا يقعدون من تلقاء أنفسهم،و كان يصير ذلك القعود علامة على نفاقهم،و إذا ظهر نفاقهم احترز المسلمون منهم و لم يغترّوا بقولهم،فلمّا أذن الرّسول في القعود بقي نفاقهم مخفيّا و فاتت تلك المصالح.

و الثّالث:أنّهم لمّا استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غضب عليهم،و قال: اُقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ على سبيل الزّجر،كما حكاه اللّه في آخر هذه الآية،و هو قوله:

وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ، ثمّ إنّهم اغتنموا هذه اللّفظة و قالوا:قد أذن لنا،فقال تعالى: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ أي لم ذكرت عندهم هذا اللّفظ الّذي أمكنهم أن يتوسّلوا به إلى تحصيل غرضهم؟

الرّابع:أنّ الّذين يقولون:الاجتهاد غير جائز على الأنبياء عليهم السّلام قالوا:إنّه إنّما أذن بمقتضى الاجتهاد،و ذلك غير جائز،لأنّهم لما تمكّنوا من الوحي و كان الإقدام على الاجتهاد مع التّمكّن من الوحي جاريا مجرى الإقدام على الاجتهاد مع حصول النّصّ،فكما أنّ هذا غير جائز فكذا ذاك.(16:76)

البيضاويّ: استدراك عن مفهوم قوله: وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ كأنّه قال:ما خرجوا و لكن تثبّطوا، لأنّه تعالى كره انبعاثهم،أي نهوضهم للخروج.

(1:417)

أبو السّعود: أي نهوضهم للخروج.قيل:هو استدراك عمّا يفهم من مقدّم الشّرطيّة،فإنّ انتفاء إرادتهم للخروج يستلزم انتفاء خروجهم،و كراهة اللّه

ص: 95

تعالى انبعاثهم تستلزم تثبّطهم عن الخروج،فكأنّه قيل:

ما خرجوا و لكن تثبّطوا.

و الاتّفاق في المعنى لا يمنع الوقوع بين طرفي(لكن) بعد تحقّق الاختلاف نفيا و إثباتا في اللّفظ،كقولك:

ما أحسن إلى زيد و لكن أساء.و الأظهر أن يكون استدراكا من نفس المقدّم على نهج ما في الأقيسة الاستثنائيّة.

و المعنى لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة و لكن ما أرادوه،لما أنّه تعالى كره انبعاثهم،لما فيه من المفاسد.

(3:156)

نحوه الآلوسيّ.(10:111)

الكاشانيّ: نهوضهم للخروج إلى الغزو،و لعلمه بأنّهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنّميمة بين المسلمين.

(2:346)

مثله شبّر(3:79)،و القاسميّ(8:3167).

رشيد رضا: الانبعاث مطاوع البعث،و هو إثارة الإنسان أو الحيوان،و توجيهه إلى الشّيء بقوّة و نشاط كبعث الرّسل،أو إزعاج كبعثت البعير فانبعث،و بعث اللّه الموتى.و المعنى كره اللّه نفرهم و خروجهم مع المؤمنين،لما سيذكر من ضرره العائق عمّا أحبّه و قدّره من نصرهم.

(10:471)

مجمع اللّغة :أي مضيّهم و اندفاعهم.(1:110)

عبد المنعم الجمّال:نهوضهم للخروج معك بنشاط و همّة.(2:1235)

الأشباه و النّظائر

الدّامغانيّ: البعث على سبعة أوجه:الإلهام، الإحياء في الدّنيا،اليقظة في النّوم،التّسليط،الإرسال، البيان و النّصب،النّشور في القبور.

فوجه منها:البعث يعني الإلهام،فذلك قوله:

فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31،يعني فألهم اللّه غرابا.

و الوجه الثّاني:البعث:الإحياء في الدّنيا،قوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ البقرة:56،كقوله فيها:

فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ البقرة:259،يعني أحياه في الدّنيا.

و الوجه الثّالث:البعث:اليقظة في النّوم،قوله تعالى:

ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ الأنعام:60،أي من النّوم لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى.

و الوجه الرّابع:البعث:التّسليط،فذلك قوله:

بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا الإسراء:5،أي سلّطنا عليكم عبادا لنا.

و الوجه الخامس:البعث يعني إرسال الرّسول، كقوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً الجمعة:2،مثلها رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً البقرة:

129،كقوله تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ الكهف:19،يعني أرسلوا.

و الوجه السّادس:البعث يعني النّصب و البيان،قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً، يعني انصبوا حكما مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35،كقوله: اِبْعَثْ لَنا مَلِكاً البقرة:246،أي بيّن لنا ملكا،مثلها فيها إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً البقرة:247.

ص: 96

و الوجه السّابع:البعث يعني النّشور من القبور،قوله في سورة الحجّ: أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ يعني ينشر من في القبور،و نظائرها كثيرة.(141)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:214)

الأصول اللّغويّة

1-جاء«البعث»بمعنى الإرسال و الإثارة،فمن الأوّل:بعثه يبعثه بعثا و ابتعثه،أي أرسله وحده،فهو بعث بمعنى مبعوث،من باب تسمية المفعول بالمصدر، و جمعه بعثان،و هو بعيث أيضا،(فعيل)بمعنى(مفعول)، و جمعه بعث،و منه حديث عليّ عليه السّلام يصف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«شهيدك يوم الدّين،و بعيثك نعمة»،أي مبعوثك الّذي بعثته إلى الخلق.

و بعث الجند:وجّههم،فهم بعث و بعث،يقال:

هؤلاء بعث،مثل:هؤلاء سفر و ركب،و كنت في بعث فلان،أي في جيشه الّذي بعث معه،و الجمع:بعوث.

و منه:بعث به:أرسله مع غيره،و بعث اللّه عليهم العذاب:أحلّه بهم،و في الخبر أنّ عبد الملك خطب فقال:

«بعثنا عليكم مسلم بن عقبة،فقتلكم يوم الحرّة».و بعثه على الشّيء:حمله على فعله.

و من الثّاني:بعث الموتى:أحياهم،و منه يوم البعث.

و بعثه من نومه بعثا و ابتعثه فانبعث،أي أيقظه و أهبّه، و في الحديث:«أتاني اللّيلة آتيان فابتعثاني»،أي أيقظاني من نومي.و رجل بعث:كثير الانبعاث من نومه.

و منهما معا:بعث البعير فانبعث،أي حلّ عقاله فأرسله،و كذا إذا كان باركا فهاجه و أثاره،و منه:انبعث فلان لشأنه:ثار و مضى ذاهبا لقضاء حاجته،و انبعث في السّير:أسرع،و انبعث الشّيء و تبعّث:اندفع،يقال:

تبعّث منّي الشّعر.

2-هل الإرسال و الإثارة معنى واحد للبعث،أم هما معنيان يتميّزان بالسّياق مثل بعث الأنبياء و بعث الموتى؟ خلاف بينهم،فعند الخليل-و تبعه غيره-الأصل هو الإرسال،و عند ابن فارس الأصل الإثارة،و عند الأزهريّ أصلان،قال:البعث في كلام العرب على وجهين:الإرسال...و الإثارة.و جمع الرّاغب بينهما فقال:

«أصل البعث إثارة الشّيء و توجيهه».

و يخطر بالبال أنّهما معنيان متلازمان قد يرجّح جانب أحدهما على الآخر،و يعلم بالسّياق،و لا جامع بينهما.و قد فرّق أبو هلال بين الإرسال و البعث:بأنّ الإرسال لا يكون إلاّ مع رسالة و نحوها،و البعث لا يقيّد بها!!كيف و قد جاء في القرآن بمعنى واحد و أَرْسَلْنا رُسُلَنا، و بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً النّحل:36.

و من الغريب قول المصطفويّ: «إنّ الأصل فيه المفهوم المركّب من الاختيار و الرّفع للعمل بوظيفة معيّنة،و أمّا التّوجيه و الإرسال و الإثارة و أمثالها كلّها معان مجازيّة»!!و عليه فما استعمل في القرآن و غيره عنده مجاز،و لم يستعمل فيه بمعناه الحقيقيّ أصلا.كما فرّق أبو هلال أيضا بين البعث و الإرسال و الإنفاذ و النّشوز، فلاحظ النّصوص.

3-و الباعوث عند النّصارى:صلاة الاستسقاء و صلاة ثاني عيد الفصح،و هو معرّب اللّفظ السّريانيّ «باعوتا»بالعين و التّاء،لا بالغين و التّاء،كما ذهب إليه

ص: 97

بعض،لعدم وجود الغين في اللّغة السّريانيّة.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

1-يدور معنى البعث في القرآن حول الإرسال و الإطلاق و الإثارة،و قد جاء فيه(67)مرّة:فعلا مجرّدا ماضيا(25)مرّة معلوما و مجهولا،و مضارعا(27)مرّة معلوما و مجهولا أيضا،و أمرا(5)مرّات،و فعلا ماضيا مزيدا مرّة واحدة،و اسم مفعول(9)مرّات،و مصدرا مجرّدا(4)مرّات،و مزيدا مرّة واحدة.و يختلف المبعوث باختلاف المبعوث إليه و المثار و الغاية منهما،كما في الآيات:

أ-الإرسال:

1-الأنبياء عامّة:1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213

2- وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ

النّحل:36

3- وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً.

الفرقان:51

4- وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً

الإسراء:15

5- وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً القصص:59

6- وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً الإسراء:94

7- وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ أَحَداً الجنّ:7

8- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يونس:74

2-يوسف:9- حَتّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً المؤمن:34

3-موسى:10- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ الأعراف:103

11- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ يونس:75

4-محمّد:12- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ البقرة:129

13- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ آل عمران:164

14- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ الجمعة:2

15- وَ إِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً. الفرقان:41

5-ملك:16- إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:246

6-طالوت:17- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً البقرة:247

7-نقباء بني إسرائيل:18- وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً المائدة:12

8-أولو البأس الشّديد:19- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ

الإسراء:5

9-من يسوم بني إسرائيل العذاب:20- لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ

ص: 98

9-من يسوم بني إسرائيل العذاب:20- لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ

الأعراف:167

10-الحاشرين:21- قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:36

11-تمليخا:22- فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الكهف:19

12-حكم:23- وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها النّساء:35

13-الغراب:24- فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ المائدة:31

14-العذاب:25- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ

الأنعام:65

ب-الإيقاظ من النّوم:

1-أصحاب الكهف:1- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12

2- وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ

الكهف:19

3-عامّة النّاس:3- وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى الأنعام:60

ج-البعث من الموت في الدّنيا:

1-الأربعون المختارون: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة:56

2-إرميا: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ

البقرة:259

د-الحشر يوم القيامة:

1- وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

المؤمنون:100

2- أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ المطفّفين:4

3- وَ أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ الحجّ:7

4- وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ

الأنعام:36

5- ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ المؤمنون:16

6- قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

الأعراف:14

7- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

الحجر:36 و ص:79

8- وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ الشّعراء:87

9- فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الصّافّات:143،144

10- إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ الحجّ:5

11- ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ

لقمان:28

12- لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ الرّوم:56

13- قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا

يس:52

14- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا

المجادلة:6

15- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ المجادلة:18

ص: 99

15- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ المجادلة:18

16- وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا مريم:15

17- وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا مريم:33

18- عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً

الإسراء:79

19- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ التّغابن:7

20- وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. الإسراء:49 و 98

21- قالُوا أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ المؤمنون:82

22- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ

الصّافّات:16

23- وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ الواقعة:47

24- وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29

25- إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ المؤمنون:37

26- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ النّحل:38

27- وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ هود:7

28- أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21

29- وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّمل:65

30- وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً

النّحل:84

31- وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ النّحل:89

ه-الانبعاث:

1-الاندفاع: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها* إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها الشّمس:11،12

2-الخروج: وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ

التّوبة:46

يلاحظ أوّلا:أنّ بعث الأنبياء و إرسالهم إلى النّاس يحمل رسالة،و هي الشّريعة و الكتاب و التّبشير و الإنذار و الهداية إلى الصّراط المستقيم و نحوها ممّا جاء بكثرة في الآيات،فالأنبياء عليهم السّلام رسل من اللّه إلى النّاس يحملون عبء هذه الرّسالة الكبيرة.و قد عبّر القرآن عن إرسالهم ب«البعث»،كما عبّر عن إحياء الموتى ب«البعث»،و هو بمعنى الإثارة و الإحياء دون الإرسال، فما هو الجامع و الرّابط بينهما؟

و الّذي نراه أنّ بعث الأنبياء أيضا فيه نوع إثارة للنّفوس الغافلة الميّتة،و إيقاظها من ذلك النّوم الحيوانيّ العميق.فاختار اللّه«البعث»إيماء إلى أنّ النّاس موتى و الأنبياء يحيونهم حياة طيّبة،كما قال:

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً النّحل:97

اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ

ص: 100

الأنفال:24

لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ

يس:70

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ فاطر:19

وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ فاطر:22

و قديما قيل:النّاس موتى و أهل العلم أحياء.

و أيضا:الأنبياء يثيرون عقول النّاس،كما قال الإمام عليّ عليه السّلام:«فبعث اللّه فيهم رسله...و يثيروا لهم دفائن العقول (1)».فهذا هو الرّابط بين بعث الأنبياء و بعث الأموات،فالإيمان حياة و ولادة جديدة،تتلوا ولادة الإنسان الأولى من بطن أمّه.

ثانيا:جاءت خمس عشرة آية من هذه القائمة(1- 15)في بعث الأنبياء،ثمان منها في بعث الأنبياء عامّة،أو الأنبياء بعد نوح(6-8)مع رسالتهم،و هي التّبشير و الإنذار(1)و(3)،و إقامة الحجّة على النّاس(4)و(5)، و إتيان البيّنات(8)،أو تحمّل إنكار النّاس(6)و(7) و(9)،و اثنتان منها في بعث موسى(10)و(11)،و أربع في بعث نبيّنا(12-15):ثلاث منها تحمل رسالته(12- 14)،و واحدة الإنكار عليه(15).و رسالته في هذه الثّلاث مع آية أخرى-سنأتي على ذكرها-عبارة عن تلاوة الآيات و التّزكية و تعليم الكتاب و الحكمة.

فقد فصّل القرآن رسالته أربع مرّات بما لم يفصّلها في غيره من الأنبياء،كما فصّل شئون رسالته في قوله:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً الأحزاب:45، 46،كلّ ذلك اهتماما بشأنه،و إكبارا لرسالته،و توجيها لمن أرسل إليهم.

و له خصائص أخرى،و من أهمّها شمول نبوّته للأجيال و الأقوام وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ سبأ:

28،و خاتميّته ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب:40،و جامعيّة شريعته وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّحل:89،و كونه رحمة للعالمين، وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:107.

ثالثا:في الآيات الأربع أسرار لا بدّ من دراستها، و إليكم نصّها كاملة حسب ترتيب النّزول:

1- رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ البقرة:129

2- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ البقرة:151

3- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ

آل عمران:164

4- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجمعة:2

دراستها:1.

ص: 101


1- نهج البلاغة:خ:1.

أ-ثلاث منها:(1،3،4)جاءت بلفظ«البعث»، و واحدة:(2)بلفظ«الإرسال»،فهل فيه سرّ؟

الجواب:لا نعرف فيه شيئا،سوى أنّ«الإرسال» ألصق ب«رسولا»لفظا-و هو واضح-و معنى،لاحتوائهما على«الرّسالة»و خلوّ«البعث»منهما.و قد سبق أنّ أبا هلال فرّق بينهما بأنّ«أرسل»تحمل رسالة دون «بعث».هذا من ناحية،و من ناحية أخرى فإنّ«البعث» أنسب للهدف السّامي من إرسال الأنبياء،و هو إيقاظ النّاس من غفلتهم الّتي تشبه النّوم أو الموت،و إثارة عقولهم كما سبق.فلكلّ من البعث و الإرسال مزيّة ليست في الآخر،فإذا ذكرا معا يتكاملان،و يستعير كلّ منهما ما في الآخر،و فيه لون من البلاغة.

و ربّما يؤيّد ذلك أنّ آية أَرْسَلْنا جاءت من بينها بصيغة الخطاب و بصيغة الجمع: أَرْسَلْنا فِيكُمْ... آياتِنا و الباقي بصيغة الغيبة و المفرد(بعث).فأولاهم اللّه في الخطاب«الإرسال»جمعا تعظيما لنفسه و لفعله،و في الغياب«البعث»،و لا ريب في قرب الغيبة من الغفلة، و الّتي تستدعي البعث و الإيقاظ.إلاّ أنّه فضّل جانب «البعث»على«الإرسال»بتكراره ثلاث مرّات،و لا سيّما في أوّلها و آخرها نزولا،تأكيدا لشدّة غفلة النّاس، و خروجهم عن ساحة الحياة الرّبّانيّة،و إقامة للحجّة عليهم بأنّهم محتاجون إلى دعوة الأنبياء،كاحتياج المرضى إلى الطّبيب،و الموتى إلى المحيي.

و قد وصف الإمام عليّ عليه السّلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله:

«طبيب دوّار بطبّه،قد أحكم مراهمه،و أحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه،من قلوب عمي،و آذان صمّ،و ألسنة بكم،متتبّع بدوائه مواضع الغفلة،و مواطن الحيرة،لم يستضيئوا بأضواء الحكمة،و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة،فهم في ذلك كالأنعام السّائمة،و الصّخور القاسية (1)...».

ب-و قد اجتمعت الآيات الأربع في وجوه و افترقت في وجوه.

أمّا وجوه الاجتماع فهي:

1-التّعبير عن النّبيّ ب«رسولا»منصوبا،تأكيدا لرسالته،و أنّه رسول مبعوث من اللّه إليهم،فما يقوله هو قول اللّه و ليس من تلقاء نفسه: إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:4،و هذا هو الفارق بين النّبيّ بوصفه فردا من النّاس و بوصفه مبعوثا من قبل اللّه،و فيه تسجيل على النّاس باعتقاد كونه رسولا.و قد جاء «الرّسول»في القرآن(235)مرّة،و«الرّسل»96 مرّة، و(ارسلنا)63 مرّة،و منها(ارسلناك)خطابا للنّبيّ(13) مرّة،كلّ ذلك اهتماما بشأن الرّسالة و الرّسل.

2-إنّه(منهم)لا من غيرهم،و هذا استجابة لما في طبيعة العرب من الاعتداد بالنّفس و الاعتزاز بقوميّتهم و علوّهم على غيرهم،و عدم اتّباعهم و استسلامهم لغيرهم من الأمم الّتي أتاها الرّسل كبني إسرائيل، و عليه شواهد من التّنزيل،منها الإعلام بعدم إيمانهم بنبيّ من غيرهم:

وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ الشّعراء:198،199

وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ8.

ص: 102


1- نهج البلاغة:خ:108.

ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ فصّلت:44

و منها وصف القرآن نفسه مرّة بعد أخرى في عشر آيات-لاحظ المعجم المفهرس(ع ر ب)-بأنّه«كتاب عربيّ»أو نزل«بلسان عربيّ»،مثل وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا طه:113.

و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على اهتمام القرآن بإقناع نفوس العرب و إشباع رغباتهم،و تلبية تمنّياتهم و طموحاتهم-و كانوا يعيشون في الجزيرة مع جماعات من أهل الكتاب-بأن يكون لهم كتاب مثلهم و بلغتهم، و قد كانوا من قبل أمّيّين لا يعرفون الكتاب.

و يخطر بالبال أنّ وصف(أمّيّين)كان ذمّا لهم،قد لحقهم من قبل اليهود و النّصارى الّذين كانوا أهل كتاب شامتين بهم و مباهين لهم بأنّ لهم كتابا،فكانوا يحقّرون العرب بذلك،و كان وصف(الأمّيّين)حينذاك مترادفا لوصف«الأمم المتأخّرة»في عصرنا،و كذلك(اهل الكتاب)،كان مترادفا للأمم المتحضّرة و يومئ إليه قوله تعالى نقلا عن اليهود: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ آل عمران:75.

و من أجل ذلك نحسب أنّ إيمانهم بما أنزل من قبل في وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ البقرة:4،كان صعبا عليهم،شاهدا على رفضهم العصبيّة القوميّة و على تسليمهم لأمر اللّه؛حيث آمنوا بما كانوا عبر العصور يأبون الإيمان به.و يؤيّده أنّ اللّه قد منّ عليهم-و هم أمّيّون-ببعث الرّسول فيهم هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ، أي أنّ الرّسول كان من الأمّيّين و من جنسهم أيضا،و كذلك قوله: رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ. و وصف النّبيّ في القرآن ب«الأمّيّ»دفع لشبهة تعلّمه القرآن من غيره،و في نفس الوقت تأكيد لكونه نشأ بينهم،فلم يتأثّر بثقافة غيرهم،فثقافته هي ثقافتهم،إلاّ أنّه حظي بشرف الوحي الإلهيّ،لاحظ «الأمّيّ»في«أ م م».

3-إنّه مبعوث فيهم،و اختيار«فيهم»على«إليهم» أنّ«فيهم»يشعر بأنّه واحد منهم بعث فيهم،أمّا«إليهم» يشعر بأنّه جاءهم من خارجهم،و هذا لا يلبّي رغباتهم و طموحاتهم.

4-للرّسول واجبات أربعة:تلاوة الآيات،و تعليم الكتاب،و الحكمة،و التّزكية،مع تفاوت فيما بينها، سنذكره فيما بعد.

5-كونها مدنيّات،اثنتان منها(1)و(4)في البقرة، أوّل سورة نزلت في المدينة،و واحدة في آل عمران النّازلة بعدها و بعد الأنفال،و واحدة في سورة الجمعة النّازلة في أواخر ما بعد الهجرة،بعد الصّفّ و قبل سورتي الفتح و المائدة.

و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ اللّه أجمل في المكّيّات أهداف البعثة و برامجها،كما أجمل الشّرائع و الأحكام.و كما كانت الهجرة بدء التّشريع التّفصيليّ، و بدء الحكومة الإسلاميّة و السّياسة الإلهيّة،و بدء الإعلان أنّ المسلمين أمّة واحدة من دون النّاس-كما جاء في عهد النّبيّ لدى الهجرة لأهل المدينة-كان كذلك بدء تفصيل برامج الرّسالة،ابتداء من أوّل سورة مدنيّة و ثالثتها ثلاث مرّات،ليرتكز في نفوس المؤمنين، فيكونوا على بصيرة من أمرهم و من برامج نبيّهم،مؤكّدا

ص: 103

لها مرّة أخرى لدى خاتمة دور النّبوّة في سورة الجمعة الّتي كانوا يتلونها في صلاتهم الأسبوعيّة الجامعة،و هي صلاة الجمعة،ليتذكّروها دوما و لا يغفلوا عنها أبدا،فتكون هذه البرامج نصب أعينهم،و طوق رقابهم،و بمسمع و مرأى منهم.

و نضيف إلى ذلك أنّ آية الأحزاب:55 المتقدّمة الحاوية لشئون رسالته تفصيلا يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً.. .مدنيّة أيضا،و هذا يؤيّد ما ركّزنا فيه من أنّ الهجرة كانت بدء بيان الرّسالة تفصيلا بعد بيانها مجملا في مكّة،و قديما قالوا:التّفصيل بعد الإجمال أوقع في النّفوس.

و أمّا وجوه الافتراق فهي:

1-تقديم التّزكية على تعليم الكتاب و الحكمة في ثلاث آيات،و تأخيره عنهما في واحدة(1).و قد بحث المفسّرون حول ذلك،و خير ما وقفنا عليه كلام الإمام عبده ذيل(2)(المنار 3:30)،فإنّه بعد ملاحظة أنّ الآية (1)الّتي أخّرت التّزكية فيها عن تعليم الكتاب و الحكمة،حكاية دعاء إبراهيم و إسماعيل لذرّيّتهما،أن يبعث اللّه فيهم نبيّا منهم يفعل كذا و كذا،قال:

«و قد لاحظ إبراهيم عليه السّلام في دعوته الطّريق الطّبيعيّ،و هي أنّ التّعليم يكون أوّلا،ثمّ تكون التّزكية ثمرة له و نتيجة.و هاهنا الآية(2)ذكر التّرتيب بحسب الوجود و الوقوع؛و ذلك أنّ أوّل شيء فعله النّبيّ عليه السّلام هو دعاء النّاس إلى الإيمان بما تلا عليهم من آيات اللّه تعالى و دلائل توحيده...فأجاب النّاس دعوته بالتّدريج، و كلّ من آمن له كان يقتدي به في أخلاقه و أعماله،و لم تكن هنالك أحكام و لا شرائع،ثمّ شرّعت الأحكام بالتّدريج،فالتّزكية بالتّأسّي به عليه السّلام كانت متأخّرة عن إقامة الآيات و الدّلائل على أصول الإيمان،و متقدّمة على تلقّي الشّرائع و التّفقّه في الأحكام».

و خلاصته أنّ التّزكية كثمرة للرّسالة متأخّرة طبعا، إلاّ أنّها في الإسلام بدأت بعد الإيمان بالنّبيّ،و قبل تشريع الشّرائع و إبراهيم عليه السّلام،لاحظ التّرتيب الطّبيعيّ في دعائه.و الّذي وقع بالفعل كان بخلافه،لأنّ الإسلام جاء تدريجا،و الأحكام و الشّرائع كانت في أواخر ما جاء منه.

و أمّا صاحب«الميزان»فقال ذيل آية الجمعة(19:

265):«لأنّ هذه الآية تصف تربيته صلّى اللّه عليه و آله لمؤمني أمّته، و التّزكية مقدّمة في مقام التّربية على تعليم العلوم الحقّة و المعارف الحقيقيّة،و أمّا ما في دعوة إبراهيم عليه السّلام فإنّها دعاء و سؤال أن يتحقّق في ذرّيّته هذه الزّكاة و العلم بالكتاب و الحكمة،و العلوم و المعارف أقدم مرتبة و أرفع درجة في مرحلة التّحقّق من الاتّصاف بالزّكاة الرّاجعة إلى الأعمال و الأخلاق».

و ركّز الآلوسيّ(3:99)في اختلاف المراد في الموضعين،و أنّ لكلّ مقام مقالا دون أن يبيّنه،و أضاف «و قيل:إنّ التّزكية عبارة عن تكميل النّفس بحسب القوّة العمليّة،و تهذيبها المتفرّع على تكميلها بحسب القوّة النّظريّة الحاصلة بالتّعليم المترتّب على الثّلاثة،إلاّ أنّها وسّطت بين التّلاوة و التّعليم المترتّب عليها للإيذان بأنّ كلاّ من الأمور المترتّبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشّكر،و لو روعي ترتيب الوجود-كما في دعوة

ص: 104

إبراهيم عليه السّلام-لتبادر إلى الفهم كون الكلّ نعمة واحدة.

و قيل:قدّمت التّزكية تارة و أخّرت أخرى لأنّها علّة غائيّة لتعليم الكتاب و الحكمة،و هي مقدّمة في القصد و التّصوّر،مؤخّرة في الوجود و العمل،فقدّمت و أخّرت رعاية لكلّ منهما،إلى آخر ما قيل».

و نقول:لكلّ منها وجه،و يؤيّده اتّفاق ثلاثة منها، و هي الّتي تبرمج دعوة النّبيّ على تقديم التّزكية و انحصار دعاء إبراهيم بتأخيرها،فالتّأكيد في الآيات على ترتيب ما وقع فعلا.

و كيف كان فالمهمّ أنّ إبراهيم دعا للنّبيّ في ذرّيّته، مشيرا إلى مهمّته و أهدافه،و كان النّبيّ عليه السّلام يقول:«أنا دعوة أبي إبراهيم»،فحكى اللّه في كتابه دعاء إبراهيم بتفصيل،تنويها بأنّه هو هذا النّبيّ بالذّات الّذي أعلن برامج دعوته،وفقا لما دعا به إبراهيم له عليهما السّلام.

2-التّفاوت بينها صدرا و ذيلا،فصدّرت(1) ب رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ، و(2)ب كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ، و(3)ب لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، و(4)ب هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ. و هذه مع اختلاف التّعبير بينها تهتمّ اهتماما بالغا ببعث هذا النّبيّ،مرّة بصيغة الدّعاء بلسان أبي الأنبياء و شيخهم إبراهيم،و أخرى بتشبيه إرساله بجعل البيت الّذي بناه إبراهيم قبلة للنّاس،و هذا ما يربط هذه الآية بالآية(1)مع الفصل بينهما،فكلاهما ترتبط بإبراهيم عليه السّلام،و مرّة ثالثة بأنّها منّة منّ اللّه بها على المؤمنين،و رابعة بأنّ اللّه الّذي يسبّح له ما في السّماوات و الأرض الملك القدّوس العزيز الحكيم،هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولا منهم.و نحن نعلم-كما سبق في النّصوص التّفسيريّة عن الطّباطبائيّ-أنّ ذكر تلك الأوصاف تمهيد لتقويم هذا البعث و تقديره بقدره،و أنّه سيتحقّق بنهاية الإتقان بإذن اللّه العزيز الحكيم.

و ذيّلت(1)ب إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، و(2) ب وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، و(3)و(4) ب وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. فالأوليان تشعران بأنّ عمليّة بعثة النّبيّ صدرت عن مقام العزّة و الحكمة،و أنّهم يتعلّمون بها ما لم يكونوا يعلمون بدونها.و الأخيرتان ترتكزان على بعدهم و تأخّرهم عن هذه الموهبة،محتاجين إليها،لكونهم غارقين في ضلال مبين.

فسياق آيات بعثة النّبيّ عليه السّلام يصوّرها بكلّ إجلال و إعظام،و كانت كذلك،لأنّها لو لم تقع في زمانها لبقيت الإنسانيّة كلّها-إضافة إلى العرب-في خسران عظيم و ضلال مبين،حسب ما حقّقه العلماء.

ج-بقي البحث حول الواجبات الأربعة للنّبيّ في هذه الآيات،فنذكرها موجزة،و أمّا التّفصيل فيحال إلى الموادّ:(ت ل و)و(ك ت ب)و(ح ك م)و(ز ك و).

فنقول:أوّل ما يلفت النّظر فيها هو تقديم تلاوة الآيات، و التّلاوة فسّروها بالقراءة،و أصل التّلاوة من التّلو،أي مجيء شيء تلو شيء،و يقال للقراءة:تلاوة،لأنّ الألفاظ عند القرّاء يأتي بعضها تلو بعض.

قال الطّبرسيّ: «الفرق بين التّلاوة و القراءة:أنّ أصل القراءة جمع الحروف،و أصل التّلاوة إتباع الحروف (1)»،و التّلاوة ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام).

ص: 105


1- مجمع البيان(1:98).

متّسق،و أصله من الاتباع،و منه:تلاه،أي تبعه» (1).

و قال الرّاغب:«التّلاوة تختصّ بإتباع كتب اللّه المنزلة تارة بالقراءة و تارة بالارتسام...و هو أخصّ من القراءة،فكلّ تلاوة قراءة و ليس كلّ قراءة تلاوة (2)».

و قال الإمام الرّازيّ: «التّلاوة مطلوبة لوجوه،منها:

بقاء لفظها على ألسنة أهل التّواتر،فيبقى مصونا عن التّحريف و التّصحيف.و منها:أن يكون لفظه و نظمه معجزا لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و منها:أن يكون تلاوته نوع عبادة و طاعة.و منها:أن تكون قراءته في الصّلوات و سائر العبادات نوع عبادة (3)».

و الآيات-كما يتبادر منها-آيات القرآن،لأنّها هي الّتي أوحاها اللّه إليه ليتلوها على النّاس،و ربّما عمّمها بعضهم،و منهم الإمام عبده،للبراهين العقليّة و آثار القدرة.و هو بعيد،لعدم صدق التّلاوة عليها،إلاّ أن يتكلّف.

ثمّ تأتي التّزكية في ثلاث منها،أي في غير(1)و قد بحثنا حول ذلك،و هي تطهير النّفس عن الرّذائل،و لهم فيها كلام طويل.ثمّ تعليم الكتاب،و المراد به القرآن، و قيل:الكتابة،و هو ضعيف،و تعليم الكتاب تفهيم مفاهيمه قولا و عملا بعد تعليم ألفاظه بالتّلاوة،فليس فيه تكرار،ثمّ تعليم الحكمة،و هي تطلق على القول و الفعل و الحكم المحكم،قال الإمام الرّازيّ(4:74):

«هي الإصابة في القول و العمل،و لا يسمّى حكيما إلاّ من جمع فيه الأمران».

و اختلفوا فيها اختلافا فاحشا على أقوال:إنّها الشّريعة،أو السّنّة،أو الأخلاق،أو العقائد،أو جميعها، أو الطّاعة و الإخلاص،أو المشابهات،أو معرفة الدّين، أو فهم المصالح و المنافع...و كيف كان فهي تختلف عن مصطلح الفلاسفة،فإنّه التّشبّه بالإله بقدر الطّاقة البشريّة،و إن شملته بعض هذه المعاني.

قال الإمام الرّازيّ(9:80)في نظم هذه الواجبات الأربعة:«و اعلم أنّ كمال حال الإنسان في أمرين:أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به،و بعبارة أخرى للنّفس الإنسانيّة قوّتان:نظريّة و عمليّة،و اللّه تعالى أنزل الكتاب على محمّد عليه السّلام ليكون سببا لتكميل الخلق في هاتين القوّتين.فقوله: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ إشارة إلى كونه مبلّغا لذلك الوحي من عند اللّه إلى الخلق.

و قوله:(يزكّيهم)إشارة إلى تكميل القوّة النّظريّة بحصول المعارف الإلهيّة.و(الكتاب)إشارة إلى معرفة التّأويل، و بعبارة أخرى(الكتاب)إشارة إلى ظواهر الشّريعة.

و(الحكمة)إشارة إلى محاسن الشّريعة و أسرارها و عللها و منافعها.ثمّ بيّن تعالى ما تتكمّل به هذه النّعمة، و هو أنّهم كانوا من قبل في ضلال مبين،لأنّ النّعمة إذا وردت بعد المحنة كان توقّعها أعظم،فإذا كان وجه النّعمة العلم و الإعلام،و وردا عقيب الجهل و الذّهاب عن الدّين،كان أعظم،و نظيره قوله: وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى الضّحى:7.

د-و قد جاءت الحكمة و كذا الكتاب كثيرا فيما آتاه اللّه الأنبياء،و جاء الكتاب و الحكمة معا في شأن الأنبياء3)

ص: 106


1- مجمع البيان(1:233).
2- المفردات(75).
3- التّفسير الكبير.(4:73)

عامّة مرّة: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ آل عمران:81.

و في شأن آل إبراهيم مرّة أيضا: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:

54.

و في شأن النّبيّ عليه السّلام مرّتين: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ البقرة:231

وَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً النّساء:113.

و في شأن عيسى عليه السّلام مرّتين أيضا:

وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ

آل عمران:48

وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ المائدة:110

و للكلام فيها مجال واسع،لاحظ(ك ت ب) و(ح ك م).

رابعا:أن بعث الملك(16)و(17)،و بعث النّقباء (18)ليس فيه رسالة كالأنبياء،بل هو تنصيبهم ملوكا و نقباء في بني إسرائيل.و الّذي يلفت النّظر فيها أنّ أمر الملوكيّة و النّقابة كان في بني إسرائيل بيد نبيّهم تلقّيا من اللّه،و هذا ما يوافق عقيدة الشّيعة الإماميّة القائلة بأنّ أمر الحكومة و الإمامة بعد النّبيّ عليه السّلام في الإسلام موكول إلى اللّه و الرّسول دون النّاس،لاحظ(ح ك م)و(أ م م).

خامسا:أنّ البعث في(19)و(20)ليس معناه إرسال النّبيّ أو تعيين الوليّ،بل هو تسليط عبد أو عباد أولي بأس شديد على بني إسرائيل ليسوموهم سوء العذاب،لاحظ النّصوص.و كذا في(21)،فهو إرسال من يدعو السّحرة لمناوأة موسى و هارون عليهما السّلام،و في (22)بعث رجل بورق إلى المدينة ليشتري لهم طعاما، و في(23)إرسال حكم من أهله،و حكم من أهلها ليصلح بين الزّوجين عند الشّقاق،و في(24)بعث غراب ليعلّم ابن آدم الّذي قتل أخاه كيف يواري جسمه في التّراب،و في(25)إنزال العذاب إلى الكفّار.و قد عبّر فيها جميعا ب«بعث»،لما فيها من مهمّة إلهيّة تشبه النّبوّة أو إثارة أمر غيبيّ.

سادسا:جاءت تحت عنوان«الإيقاظ من النّوم» ثلاث آيات،هي كالواسطة بين ما قبلها و ما بعدها، الرّاجعة إلى بعث الأموات.و قد جاء في الأحاديث «النّوم أخو الموت»،و ذكر في القرآن النّوم و الموت بصيغة واحدة هي التّوفّي اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:42،أي أنّ اللّه يتوفّى الأنفس في وقتين:وقت الموت و وقت النّوم، فيمسك في النّوم الّتي قضى عليها الموت.فتموت في نومها،و يرسل الّتي لم يقض عليها الموت إلى أجل مسمّى،فتستيقظ من نومها،و تعيش ما قدّر اللّه لها من الحياة الدّنيا إلى أن يأتي أجلها المسمّى فتموت.

و في آية أخرى: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى الأنعام:60.

ص: 107

سابعا:لقد جاءت آيتان في(البعث من الموت في الدّنيا)،و هذا ما يعبّر عنه في علم الكلام ب«الرّجعة»، و قد أقرّ بها المسلمون عامّة،لوقوعها في الأمم الغابرة.

و اختلفوا في وقوعها في هذه الأمّة؛فالإماميّة يعتقدونها، لما وردت عندهم من روايات الملاحم و أخبار المهديّ عليه السّلام،و أنكرها أكثرهم معتبرين ذلك من مثالب الإماميّة.و لا بأس بها ما دامت قد وقعت سابقا بنصّ القرآن،و لا تصادم أصلا من أصول الإسلام كما أنّها لا تعتبر حتّى عند الإماميّة أصلا من أصول الدّين،بل هي مجرّد تسليم لما أخبر به الصّادق،فمن لم يثبت عنده صدق هذا الخبر فلا شيء عليه،ككثير من أخبار الملاحم.

و أوّل من قال برجعة النّبيّ هو عمر بن الخطّاب، زاعما أنّ النّبيّ لا يموت،ثمّ رجع عنها لمّا تلا عليه أبو بكر قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ الزّمر:30، فهل خرج عمر بهذا من الإسلام؟و هل ثلبه على ذلك من يثلب الإماميّة عليها؟رغم أنّ ما ادّعاه كان مخالفا لكتاب اللّه،و ما تدّعيه الإماميّة هو موافق للكتاب.

ثامنا:جاء في قائمة آيات«الحشر يوم القيامة» اعتقاد البعث و إثباته(1-12)و ما يحكي اعتراف الكفّار به بعد بعثهم(13-15)،و بعث عيسى(15 و 16) و بعث نبيّنا(18)و إنكار المشركين البعث استبعادا للحياة بعد الموت تسع مرّات(19-27)،و إخفاء وقت البعث(28 و 29).

و هناك آيتان(30 و 31)في أنّ اللّه يبعث يوم القيامة من كلّ أمّة شهيدا عليهم.و آيتان في الانبعاث،أحدهما:

في انبعاث أشقى ثمود،و ثانيهما:في انبعاث المنافقين لحرب النّبيّ عليه السّلام.

تاسعا:جاء البعث من مجموع 65 مرّة:33 مرّة في إحياء الموتى في الدّنيا و الآخرة و 32 مرّة في غيره من الإرسال و الإيقاظ،فاهتمّ القرآن بإحياء الموتى أكثر من غيره حتّى بعث الأنبياء،رغم أنّه من أصول العقيدة أيضا لأنّ إنكاره أشدّ و التّصديق به أهمّ.

عاشرا:جاء بمعنى بعث الأموات في القرآن ما يلي:

1-الإحياء،و منه:

وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ

الحجّ:66

2-الحشر،و منه:

وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً النّمل:83

3-البروز،و منه:

وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48

4-النّشوز،و منه:

وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً الفرقان:3

5-الخروج،و منه:

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ

ق:42

6-البعثرة،و منه:

إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9

و ليوم القيامة أسامي كثيرة في القرآن،لاحظ «يوم».

ص: 108

ب ع ث ر

اشارة

لفظان،مرّتان مكّيّتان،في سورتين مكّيّتين

بعثر 1:1 بعثرت 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :يقال:بعثره بعثرة،إذا قلب التّراب عنه.

(2:339)

الفرّاء: يقال:بعثر الرّجل متاعه و بحثره،إذا فرّقه و بدّده،و قلب بعضه على بعض.(الجوهريّ 2:592)

مثله ابن سيدة.(الإفصاح 2:1351)

أبو عبيدة: تقول:بعثرت حوضي،أي هدمته، و جعلت أسفله أعلاه.(الجوهريّ 2:594)

ابن السّكّيت: يقال:بحثروا متاعهم و بعثروه،أي فرّقوه.(الإبدال:86)

مثله القاليّ.(2:70)

ابن أبي اليمان: و المبعثر:المفرّق المخرج،قال اللّه جلّ و عزّ: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9.(427)

ابن دريد: يقال:بقط متاعه و بعثره،إذا فرّقه.

(3:473)

الأزهريّ: يقال:بحثر متاعه و بعثره،إذا أثاره و قلبه.(5:333)

الجوهريّ: يقال:بعثرت الشّيء و بحثرته،إذا استخرجته و كشفته.(2:593)

ابن سيدة: بعثر المتاع و التّراب:قلبه،و بعثر الشّيء:فرّقه.

و زعم يعقوب: أنّ عينها بدل من غين بغثر،أو غين بغثر بدل منها.

و بعثر الخبر:بحثه.(2:463)

الطّوسيّ: يقال:بعثر فلان حوضه و بحثره بمعنى واحد،إذا جعل أسفله أعلاه.و البحثرة:إثارة الشّيء بقلب باطنه إلى ظاهره.(1:290)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ

ص: 109

الانفطار:4،أي قلب ترابها و أثير ما فيها،و من رأى تركيب الرّباعيّ و الخماسيّ من ثلاثيّين نحو تهلّل و بسمل،إذا قال:لا إله إلاّ اللّه وبسم اللّه،يقول:إنّ بعثر مركّب من بعث و أثير،و هذا لا يبعد في هذا الحرف،فإنّ البعثرة تتضمّن معنى بعث و أثير.(53)

الزّمخشريّ: و بعث الشّيء و بعثره:أثاره.

(أساس البلاغة:25)

المدينيّ: في حديث أبي هريرة:«إنّي إذا لم أرك تبعثرت نفسي»أي جاشت و خبثت و لقست و لم تطب.

و قيل:أي انقلبت،من قوله تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. (1:173)

نحوه ابن الأثير.(1:139)

الفيروزآباديّ: بعثر:نظر و فتّش،و الشّيء:

فرّقه و بدّده،و قلب بعضه على بعض،و استخرجه فكشفه،و أثار ما فيه.و الحوض:هدمه و جعل أسفله أعلاه.و البعثرة:غثيان النّفس،و اللّون الوسخ.

(1:389)

الطّريحيّ: يقال:بعثرت الشّيء و بحثرته،إذا استخرجته،و كشفته،و يقال:بعثرت،أي قلبت فأخرج ما فيها،من قولهم:«تبعثرت نفسي»أي جاشت و انقلبت،يريد عند البعث.(3:227)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بعثر الشّيء:بدّده،أو قلب بعضه على بعض ليخرج ما تحته،و بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ نثر ترابها الّذي يغطّي الموتى ليبعثهم.(1:73)

محمود شيت: أ-بعثر الجنود:فرّقهم خوفا عليهم من القصف الجوّيّ أو الأرضيّ.

ب-التّبعثر:التّفرّق لتقليل الخسائر بالأرواح خوفا من القصف الجوّيّ أو الأرضيّ.(1:92)

المصطفويّ: و ليس ببعيد أن يأخذ الواضع حين وضعه أمثال هذه اللّغات من كلمتين،و أن يكونا منظورين لفظا و معنى،كالبعثرة من البعث و لفظ آخر كالعثر أو البثر أو الثّرى.و البحثرة من البحث و لفظ آخر.و دعثر و دعكر و دعسر من الدّعر و لفظ آخر، و هكذا.

و يمكن أن تكون الزّيادة بحرف تناسب ما قبلها تلفّظا،و بالنّسبة إلى هذه الزّيادة و هيئة الكلمة يحصل التّغيير في المعنى أيضا. وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:

4، إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9،أي قلب و بعث قلبا شديدا،فزيادة حرف الرّاء في آخر الكلمة تدلّ على الشّدّة و المبالغة و امتداد حالة البعث و شدّتها، و انتخاب الرّاء من بين الحروف لكونها من حروف الرّخوة و الذّلاقة.(1:279)

النّصوص التّفسيريّة

بعثر

أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ* وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ. العاديات:9،10

ابن عبّاس: بحث.(الطّبريّ 30:280)

الفرّاء: رأيتها في مصحف عبد اللّه:(اذا بحث ما في القبور)،و سمعت بعض أعراب بني أسد،و قرأها فقال:

بحثر؛و هما لغتان:بحثر و بعثر.(3:286)

ص: 110

أبو عبيدة: أثير فأخرج.(2:308)

نحوه البغويّ(5:296)،و ابن قتيبة(536).

الطّبريّ: أثير ما في القبور،و أخرج ما فيها من الموتى و بحث.(30:280)

نحوه الزّجّاج(الزّبيديّ 3:53)،و الطّوسيّ(10:

397)،و القرطبيّ(20:163).

الزّمخشريّ: بعث.و قرئ (بحثر و بحث) و(بحثر و حصّل)على بنائهما للفاعل و حصل بالتّخفيف.

(4:279)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا عدّ عليه قبائح أفعاله خوّفه،فقال: أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ و فيه مسألتان:

المسألة الأولى:القول في(بعثر)مضى في قوله تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:4،و ذكرنا أنّ معنى(بعثر)بعث و أثير و أخرج،و قرئ (بحثر) .

المسألة الثّانية:لقائل أن يسأل لم قال: بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ و لم يقل:بعثر من في القبور؟ثمّ إنّه لمّا قال:

ما فِي الْقُبُورِ فلم قال: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ العاديات:

11،و لم يقل:إنّ ربّها بها يومئذ لخبير؟

الجواب عن السّؤال الأوّل هو أنّ ما في الأرض من غير المكلّفين أكثر،فأخرج الكلام على الأغلب،أو يقال:إنّهم حال ما يبعثرون لا يكونون أحياء عقلاء بل بعد البعث يصيرون كذلك،فلا جرم كان الضّمير الأوّل ضمير غير العقلاء،و الضّمير الثّاني ضمير العقلاء.

(32:68)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (بعثر) بالعين مبنيّا للمفعول،و قرأ عبد اللّه بالحاء،و قرأ الأسود بن زيد (بحث).و قرأ نضر بن عاصم(بحثر)على بنائه للفاعل.

(8:505)

بنت الشّاطئ: و«البعثرة»لم تأت في القرآن إلاّ في هذه الآية،و في آية الانفطار:4 وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ.

و كلتاهما في بعثرة القبور يوم القيامة،و فيهما جاء الفعل مبنيّا للمجهول،صرفا للذّهن إلى الحدث نفسه، و تركيزا للانتباه فيه.و فيهما أيضا انتقال سريع من بعثرة ما في القبور إلى الحساب العسير يحصّل ما في الصّدور، و تعلم به كلّ نفس ما قدّمت و أخّرت.

و البعثرة لغة فيها معنى التّبديد و التّفريق و الاختلاط،و قلب بعض الشّيء على بعض.و قالوا:

بعثر الحوض:هدمه و جعل أسفله أعلاه.

و قد يلحظ فيها معنى التّفتيش و الكشف،فيقال:

بعثر الشّيء:استخرجه فكشفه و أثار ما فيه،كما استعملت البعثرة في قلق الجوف،و غثيان النّفس.

و المتبادر من مفهوم(بعثر)في آيتي العاديات و الانفطار،هو التّشتّت و التّفرّق و الانتثار،و ما يكون عنها من حيرة و ضلال و اختلاط و ارتباك يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4،و لكنّ اللّفظ يحتفظ كذلك بما في الأصل اللّغويّ،إلى جانب التّفريق و الاختلاط،من معنى الإثارة و الكشف،فيمهّد لما بعده من تحصيل ما في الصّدور.

(التّفسير البيانيّ للقرآن الكريم 1:164)

ص: 111

بعثرت

وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. الانفطار:4

ابن عبّاس: بحثت عن الموتى فأخرجوا منها،يريد عند البعث.

مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:449)

السّدّيّ: أثيرت لبعث الأموات.(أبو حيّان 8:436)

الفرّاء: خرج ما في بطنها من الذّهب و الفضّة، و خرج الموتى بعد ذلك.و هو من أشراط السّاعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها،من ذهبها و فضّتها.

(3:243)

نحوه الميبديّ.(10:405)

أبو عبيدة: أثيرت،يقول الرّجل للرّجل:بعثرت حوضي،جعلت أسفله أعلاه.(2:288)

ابن قتيبة: قلبت و أخرج ما فيها،يقال:بعثرت المتاع و بحثرته،إذا جعلت أسفله أعلاه.(518)

نحوه القرطبيّ.(19:244)

الطّبريّ: و إذا القبور أثيرت،فاستخرج من فيها من الموتى أحياء،يقال:بعثر فلان حوض فلان،إذا جعل أسفله أعلاه،يقال:بعثره و بحثره،لغتان.

(30:85)

الزّجّاج: يعني بحثرت،أي قلب ترابها،و بعث الموتى الّذين فيها.(5:295)

نحوه البغويّ(5:296)،و الطّبرسيّ(5:449).

القمّيّ: تنشقّ،فيخرج النّاس منها.(2:409)

الزّمخشريّ: بعثر و بحثر بمعنى،و هما مركّبان من البعث و البحث مع راء مضمومة إليهما،و المعنى بحثت، و أخرج موتاها.

و قيل لبراءة:المبعثرة،لأنّها بعثرت أسرار المنافقين.(4:227)

نحوه البيضاويّ.(2:544)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و المعنى أثيرت و قلب أسفلها أعلاها و باطنها ظاهرها،ثمّ هاهنا وجهان:

أحدهما:أنّ القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء،كما قال تعالى: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2.

و الثّاني:أنّها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذّهب و الفضّة؛و ذلك لأنّ من أشراط السّاعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها و فضّتها،ثمّ يكون بعد ذلك خروج الموتى.و الأوّل أقرب،لأنّ دلالة القبور على الأوّل أتمّ.

و أمّا فائدة هذا التّرتيب:فاعلم أنّ المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم و فناء الدّنيا،و انقطاع التّكاليف.و السّماء كالسّقف،و الأرض كالبناء،و من أراد تخريب دار فإنّه يبدأ أوّلا بتخريب السّقف؛و ذلك هو قوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ الانفطار:1،ثمّ يلزم من تخريب السّماء انتثار الكواكب؛و ذلك هو قوله:

وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ الانفطار:2،ثمّ إنّه تعالى بعد تخريب السّماء و الكواكب يخرّب كلّ ما على وجه الأرض،و هو قوله: وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ثمّ إنّه تعالى يخرّب آخر الأمر الأرض الّتي هي البناء؛و ذلك هو قوله:

وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ فإنّه إشارة إلى قلب الأرض

ص: 112

ظهرا لبطن،و بطنا لظهر.(31:77)

النّيسابوريّ: المعنى بحثت القبور و أخرج موتاها، و لأهل التّأويل أن يحملوا:بعثرة القبور،على كشف الأسرار و الأحوال الخفيّة.(30:42)

أبو حيّان: [ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

فظاهر قوله:«إنّهما مركّبان أنّ مادّتهما ما ذكر،و أنّ الرّاء ضمّت إلى هذه المادّة»و الأمر ليس كما يقتضيه كلامه،لأنّ الرّاء ليست من حروف الزّيادة،بل هما مادّتان مختلفتان و إن اتّفقا من حيث المعنى.و أمّا إنّ إحداهما مركّبة من كذا فلا،و نظيره قولهم:دمث و دمثر، و سبط و سبطر.(8:436)

البروسويّ: قلب ترابها،و أخرج موتاها.

و لا يخالف ما سيجيء في العاديات،فإنّ«البعثرة»تجيء بمعنى الاستخراج أيضا،أي كالقلب.و نظيره بحثر لفظا و معنى،يقال:بعثرت المتاع و بحثرته،أي جعلت أسفله أعلاه.و جعل أسفل القبور أعلاها إنّما هو بإخراج موتاها.

و قيل لسورة براءة:المبعثرة،لأنّها بعثرت أسرار المنافقين،و هما أي«بعثر و بحثر»مركّبان من البعث و البحث،مع راء ضمّت إليهما.[إلى أن قال:]

و فيه إشارة إلى خراب قبور التّعيّنات و صيرورة المتعيّن مطلقا عن التّعيّنات،لأنّ التّعيّنات قبور الحقائق المطلقة و إلى قبور الأبدان فإنّها تخرج ما فيها من الأرواح و القوى بالموت.(10:356)

الآلوسيّ: قلب ترابها الّذي حثي على موتاها، و أزيل و أخرج من دفن فيها،على ما فسّر به غير واحد.

و أصل البعثرة على ما قيل:تبديد التّراب و نحوه،و هو إنّما يكون لإخراج شيء تحته.فقد يذكر و يراد معناه و لازمه معا،و عليه ما سمعت.و قد يتجوّز به عن البعث و الإخراج كما في العاديات؛حيث أسند فيها لما في القبور دونها كما هنا،و زعم بعض أنّه مشترك بين النّبش و الإخراج.

و ذهب بعض الأئمّة كالزّمخشريّ و السّهيليّ إلى أنّه مركّب من كلمتين اختصارا،و يسمّى ذلك نحتا.و أصل بعثر:بعث،و أثير،و نظيره بسمل و حمدل و حوقل و دمعز،أي قال:بسم اللّه و الحمد للّه تعالى،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه تعالى،و أدام للّه تعالى عزّه،إلى غير ذلك من النّظائر،و هي كثيرة في لغة العرب،و عليه يكون معناه النّبش و الإخراج معا.

و اعترضه أبو حيّان:بأنّ الرّاء ليست من أحرف الزّيادة،و هو توهّم منه،فإنّه فرق بين التّركيب و النّحت من كلمتين،و الزّيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة،كما فصّل في«الزّهر»نقلا عن أئمّة اللّغة، نعم الأصل عدم التّركيب.(30:63)

مثله القاسميّ.(17:6084)

المراغيّ: أي أثيرت و قلب أسفلها أعلاها و باطنها ظاهرها،ليخرج من فيها من الموتى أحياء.

(30:64)

نحوه الطّباطبائيّ(20:223)و الحجازيّ(30:23)

مكارم الشّيرازيّ: (بعثر)من البعثرة و هي البعث و الإثارة و الإخراج،و بعثرة ما في القبور:بعث الموتى و إخراجهم من القبور.(20:363)

ص: 113

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البعثرة،أي الإثارة،إلاّ أنّ هيئتها تختلف باختلاف المثار،ففي التّراب قلب،و في المتاع تفريق،و في الحوض هدم،و في الخبر بحث،و في مطلق الشّيء استخراج و كشف،يقال:بعثر التّراب يبعثر بعثرة،و بعثر الرّجل متاعه،و بعثرت حوضي، و بعثر الخبر،و بعثرت الشّيء.و كأنّ هذه المادّة وضعت للإثارة في الأجسام،ثمّ توسّعت إلى المعاني كالأخبار، و من الثّاني قول الفيروزآباديّ:بعثر:نظر و فتّش.

2-و ذكر ابن السّكّيت في الإبدال:بعثر المتاع و بغثره و بحثره،أي فرّقه،و نظير الأوّل ما حكاه الفرّاء:

سمعت وغاهم و وعاهم،أي ضجّتهم،و نظير الثّاني قولهم:ضجّت الإبل و ضبعت،أي مدّت ضبعيها في سيرها و أسرعت.

3-و أمّا حديث أبي هريرة:«إنّي إذا لم أرك تبغثرت نفسي»،أي جاشت و غثّت،فقد رواه المدينيّ بالعين تارة و بالغين أخرى،و كذا فعل ابن الأثير و ابن منظور، ثمّ جاراهم فيه من تلاهم،و تداوله واحد عن آخر مقلّدا بعضهم بعضا.

و نرى لفظة«تبغثرت»بالغين،كما ضبطه الزّمخشريّ في«الفائق»و ذكره عبد الرّحمن بن عيسى في باب«النّفور و اضطراب النّفس»من كتاب«الألفاظ الكتابيّة»،فقال:«يقال:غثت نفسي تغثي،و تبغثرت، و أجهشت نفسه،إذا نهضت و فارت،و جاشت نفسه، و غلت،و تمقّست،و نقست نفسه،إذا غثت».و هذا يحملنا على القول بأنّ«تبعثرت»-بالعين-تصحيف «تبغثرت».

4-و ذهب الزّمخشريّ إلى أنّ«بعثر»مركّب من «بعث»و«الرّاء»،و كذلك«بحثر»،إلاّ أنّه لم يفصح عن نوع هذا التّركيب،أ هو تركيب نحت أم تركيب تواتر؟

و قد حصر اللّغويّون ما ورد من تركيب النّحت في الألفاظ الآتية و ليس بينها«بعثر»:يقال:بسمل الرّجل،أي قال:بسم اللّه،و حوقل:قال:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،و هلّل:قال:لا إله إلاّ اللّه،و سبحل:

قال:سبحان اللّه،و حمدل:قال:الحمد للّه،و حيصل:

قال:حيّ على الصّلاة،و جعفل:قال:جعلت فداك، و طبقل:قال:أطال اللّه بقاءك،و دمعز:قال:أدام اللّه عزّك،و حيفل:قال:حيّ على الفلاح.

و كأنّ الزّمخشريّ أراد بالتّركيب نحت فعل من فعلين،و هما:بعث و عثر أو أثر،كما بيّنه المصطفويّ، فأخذ حروف الأوّل كلّها و ضمّ إليها الرّاء من الثّاني، فاجتمع فيه اللّفظ و المعنى منهما.و هذا نوع آخر من التّركيب يناسب الفعل الرّباعيّ،و قد لحظ الفخر الرّازيّ هذا؛حيث فسّر وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ب«بعث» و«أثير».

أمّا تركيب التّواتر فهو إمّا تركيب إضافة،مثل عبد اللّه،أو تركيب إسناد،مثل:برق نحره،أو تركيب مزج،مثل:حضرموت،و لا يشبه«بعثر»واحدا منها بتاتا؛إذ لم يرد في قياس أو سماع تركيب في العربيّة يضمّ كلمة و حرفا آخر،و هو شائع في اللّغات الهند و أوربيّة كالفارسيّة،و يطلق عليه الإلصاق،و لذا سمّيت هذه اللّغات الغرويّة أيضا.

ص: 114

الاستعمال القرآنيّ

جاء في هذه المادّة فعلان ماضيان مجهولان،في آيتين مكّيّتين:

1- وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:4

2- أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ العاديات:9

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل فيهما أسند إلى القبور مع تفاوت،ففي الأولى أسند إلى نفس القبور،و في الثّانية إلى ما في القبور،أي الأموات،و هو المراد من الأولى أيضا، إلاّ أنّها جاءت متناسقة مع ما قبلها في الرّويّ: وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ* وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:3،4، كما أنّ الثّانية جاءت كذلك متناسقة مع ما بعدها: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ* وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ العاديات:

9،10.

ثانيا:قد تقدّم في الأصول اللّغويّة القول:بأنّ«بعثر» مركّب من«بعث»و«أثر»،فيفيد الإخراج و القلب؛ و عليه بنى الآلوسيّ قوله الأخير،لكنّه قال أوّلا:أريد بالأولى-حيث نسب البعثرة إلى القبور-قلبها لإخراج ما فيها،و بالثّانية-الّتي نسبت إلى ما في القبور-القلب و الإخراج معا تجوّزا.و احتمل أخيرا اشتراكه بين النّبش و الإخراج.و عليه أريد بالأولى القلب،و بالثّانية الإخراج،و هو بعيد،لوحدة السّياق فيهما.

ثالثا:بيّنت بنت الشّاطئ نكتتين في الآيتين غير ما ذكر:[في النّصّ المتقدّم منها]

الأولى:جاء الفعل مبنيّا للمجهول صرفا للذّهن إلى الحدث نفسه،و تركيزا للانتباه فيه،و انتقال سريع من بعثرة ما في القبور إلى الحساب العسير بتحصيل ما في الصّدور،و علم كلّ نفس ما قدّمت و أخّرت.

و الثّانية:أنّ المتبادر من مفهوم(بعثر)هو التّشتّت و التّفرّق و الانتثار،و ما يكون عنها من حيرة و ضلال و اختلاط و ارتباك،مع احتفاظ اللّفظ-إلى جانب ذلك- بمعناه اللّغويّ،و هو الإثارة و الكشف،فيمهّد لما بعده من تحصيل ما في الصّدور.

رابعا:كلتا الآيتين من أعلام القيامة و البعث،و إنذار بما يلقاه الإنسان يومئذ أمام اللّه ربّ العباد:

فقال في الأولى بعد أن عدّ أربعة من أعلام القيامة، بدء بانفطار السّماء و انتثار الكواكب و انفجار البحار، و انتهاء ببعثرة القبور: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ* يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الانفطار:5،6.

و قال في الثّانية بعد ذكر بعثرة ما في القبور و تحصيل ما في الصّدور: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ العاديات:

11.

فختم الآيتين متناسق معنى أيضا من جهتين:

الأولى:اشتمالهما على مواجهة الإنسان الرّبّ الكريم الخبير،ف(الكريم)في الأولى يبعث على الرّجاء، و(الخبير)في الثّانية يبعث على الخوف،فالعبد يكون يومئذ أمام الرّبّ بين الخوف و الرّجاء،فهم مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:106.

الثّانية:اشتمالهما على علم الإنسان يومئذ بأعماله و ضمائره،ففي الأولى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ، و في الثّانية وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ، أي

ص: 115

ميّز ما فيها من خير و شرّ،كما قال القرطبيّ.هذا مضافا إلى ما قاله النّيسابوريّ:«و لأهل التّأويل أن يحملوا بعثرة القبور على كشف الأسرار و الأحوال الخفيّة».

فكلّ من العبد و الرّبّ يومئذ عالم و خبير بما صدر عن العبد و بما يكنّ في الصّدور،و هذا حجّة على العبد أمام الرّبّ،لا مفرّ منها سوى كرم الرّبّ.

خامسا:للفخر الرّازيّ كلام في ترتيب ما جاء قبل الآية حول تخريب العالم بتشبيهه بتخريب البيت،حيث بدأ بالسّماء كسقف البيت،ثمّ بالنّجوم كأبواب البيت أو جدرانه،ثمّ بما في الأرض من البحار،مبتدئا بتفجير البحار ثمّ بالأرض نفسها الّتي هي أصل البناء.و إليه أشار بقوله: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، فإنّه إشارة إلى قلب الأرض كلّها ظهرا لبطن و بطنا لظهر.

و نقول تعقيبا لكلام الرّازيّ:هناك في السّور القصار أنواع من السّور:

الأوّل:سور مبدوءة بالقسم،و سنبحث حولها في بحث أقسام القرآن،و هو نوع من العلوم القرآنيّة، و لا تختصّ بالسّور القصار،و هي كثيرة.

و الثّاني:سور مبدوءة ب(قل)،و هي أربع سور.

و الثّالث:سور مبدوءة ب(اذا)،و هي التّكوير و الانفطار و الانشقاق و الزّلزال فقط.

و أمّا سورتا«المنافقون»و«النّصر»فإنّهما و إن ابتدءا ب(اذا)،فهما خارجتان من هذا النّوع،لأنّهما تشيران إلى أمر دنيويّ،و هو في الأولى مجيء المنافقين،و في الثّانية مجيء النّصر.

و هذه السّور الأربع تحمل في بداياتها أعلام القيامة و ما يتقدّمها من الأهوال في العالم،و ينبغي دراستها معا في مكان واحد-حيث لم أقف على هذا البحث إلى الآن- كما بحثت السّور المبدوءة بالحروف المقطّعة،و المبدوءة بالحمد و التّسبيح،فكشف عن سرّ ابتدائها بذلك.

و القول الموجز في هذه السّور الأربع:أنّها جميعا إجابة عمّا سأله المنكرون للبعث الّذي هو ركن من أركان الإسلام كالتّوحيد و النّبوّة،و معيار للإسلام و الكفر،فمن أنكره فليس بمسلم،و من اعترف به مع الاعتراف بالتّوحيد و النّبوّة فهو مسلم.

و قد تكرّر سؤال المنكرين في القرآن:متى هذا الوعد؟فأبهمه القرآن إبهاما،و خفي عن النّبيّ أيضا، لكنّه بيّن في هذه السّورة علامات البعث الحاكية لخراب العالم:

فالأولى:(و الشّمس)حيث بدأت بذكر اثنتي عشرة علامة،مشيرة إلى وقت وقوعها بلفظ(اذا)،بدء بتكوير الشّمس،و هو ينطبق على النّظريّة الحديثة في مركزيّة الشّمس في هذه المنظومة،فهي باقية ما دامت الشّمس مضيئة،فإذا كوّرت و انطفأ ضوؤها تتلاشى المنظومة الشّمسيّة.

و تلاه انكدار النّجوم،لأنّ ضوءها من الشّمس،ثمّ سقوط الأرض،لأنّها تدور حول الشّمس بجاذبيّتها، فإذا سقطت الشّمس تسقط الأرض أيضا،بدء بأوتادها -و هي الجبال-فتسيّر،ثمّ البحار فتسجّر،ثمّ الوحوش فتحشر،أي تجمع حول بعضها بعضا،رغم عدم ألف بعضها ببعض قبل ذلك،ثمّ العشار-و هي الإبل-فتعطّل لموت أربابها،و هكذا تجمع النّفوس و تزوّج،كلّ ذلك

ص: 116

لهول الموقف و شدّة الأمر.

ثمّ يذكر القرآن أحوال الآخرة بسؤال الموءودة و نشر الصّحف،و كشط السّماء و تسعير الجحيم، و إزلاف الجنّة و غيرها.

أمّا الثّانية-و هي الانفطار-فقد ذكرها الرّازيّ.

و الثّالثة-و هي الانشقاق-فذكرت فيها علامتان:

واحدة في السّماء،و هي انشقاقها و إعلامها لربّها و ما حقّ لها،و واحدة في الأرض،و هي امتدادها و إلقاؤها ما فيها و تخلّيها.

أمّا الرّابعة-و هي الزّلزال-فقد انحصرت بزلزال الأرض و إخراجها أثقالها،و فزع الإنسان منها و تحديثها أخبارها،و خروج النّاس من القبور أشتاتا لرؤية أعمالهم من خير و شرّ.

هذا غيض من فيض،و سيأتي التّفصيل في محلّه.

ص: 117

ص: 118

ب ع د 17 لفظا،235 مرّة:127 مكّيّة،108 مدنيّة

اشارة

في 56 سورة:37 مكّيّة،19 مدنيّة

بعدت 1:-1 مبعدون 1:1

بعدت 1:1 بعد 148:62-86

باعد 1:1 بعده 21:13-8

بعيد 16:15-1 بعدهم 17:14-3

البعيد 3:2-1 بعدها 6:6

بعيدا 6:1-5 بعدهنّ 1:-1

بعد 1:1 بعدك 1:1

بعدا 6:6 بعدكم 1:1

بعدي 4:2-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بعد:خلاف شيء،و ضدّ قبل،فإذا أفردوا قالوا:هو من بعد و من قبل رفع،لأنّهما غايتان مقصود إليهما،فإذا لم يكن قبل و بعد غاية فهما نصب، لأنّهما صفة.

و ما خلف بعقبه فهو من بعده،تقول:أقمت خلاف زيد،أي بعد زيد.هو بغير تنوين على الغاية،مثل قولك:ما رأيته قطّ.

فإذا أضفته نصبت إذا وقع موقع الصّفة،كقولك:هو بعد زيد قادم.

فإذا ألقيت عليه«من»صار في حدّ الأسماء، كقولك:من بعد زيد،فصار«من»صفة،و خفض«بعد» لأنّ«من»حرف من حروف الخفض،و إنّما صار«بعد» منقادا ل«من»،و تحوّل من وصفيّته إلى الاسميّة،لأنّه لا تجتمع صفتان،و غلبه«من»لأنّ«من»صار في صدر الكلام فغلب.

و تقول العرب:بعدا و سحقا،مصروفا عن وجهه، و وجهه:أبعده اللّه و أسحقه.و المصروف ينصب،ليعلم أنّه منقول من حال إلى حال،أ لا ترى أنّهم يقولون:

مرحبا و أهلا و سهلا،و وجهه:أرحب اللّه منزلك،

ص: 119

و أهلّك له،و سهّله لك.

و من رفع فقال:بعد له و سحق،يقول:هو موصوف و صفته قوله:«له»مثل:غلام له،و فرس له،و إذا أدخلوا الألف و اللاّم لم يقولوا إلاّ بالضّمّ،البعد له، و السّحق له،و النّصب في القياس جائز على معنى أنزل اللّه البعد له،و السّحق له.

و البعد على معنيين:

أحدهما:ضدّ القرب،بعد يبعد بعدا فهو بعيد، و باعدته مباعدة.و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير،و باعد اللّه بينهما و بعّد،كما تقرأ هذه الآية رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،و(بعّد).[ثمّ استشهد بشعر]

و المباعدة:تباعد الشّيء عن الشّيء.

و الأبعد:ضدّ الأقرب،و الجمع:أقربون و أبعدون، و أباعد و أقارب.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقرأ بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،و (بعدت ثمود) إلاّ أنّهم يقولون:بعد الرّجل،و أبعده اللّه.

و البعد و البعاد أيضا من اللّعن،كقولك:أبعده اللّه، أي:لا يرثى له ممّا نزل به.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا من قولك:بعدا و سحقا،و الفعل منه:بعد يبعد بعدا.

و إذا أهّلته لما نزل به من سوء قلت:بعدا له،كما قال: بَعِدَتْ ثَمُودُ و نصبه فقال:بعدا له لأنّه جعله مصدرا،و لم يجعله اسما.و في لغة تميم يرفعون،و في لغة أهل الحجاز أيضا.(2:52)

سيبويه: بعد الرّجل،بالضّمّ و بعد بالكسر،بعدا و بعدا،فهو بعيد و بعاد،أي تباعد،و جمعهما:

بعداء.(ابن منظور 3:89)

و قالوا:بعدك؛تحذّره شيئا من خلفه.

(ابن سيدة 2:24)

اللّيث: تقول:هذه القرية بعيد،و هذه القرية قريب، لا يراد به النّعت،و لكن يراد بهما الاسم؛و الدّليل على أنّهما اسمان،قولك:قريبه قريب و بعيده بعيد.

(الأزهريّ 2:244)

بعد:كلمة دالّة على الشّيء الأخير،تقول:بعد هذا، منصوب،فإذا قلت:«أمّا بعد»فإنّك لا تضيفه إلى شيء، و لكنّك تجعله غاية نقيضا لقبل.

قال اللّه تعالى: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:4،فرفعهما لأنّهما غاية مقصود إليها.فإذا لم يكونا غاية فهما نصب،لأنّهما صفة.(الأزهريّ 2:242)

الضّبّيّ: العرب تقول:بعد الرّجل و بعد،إذا تباعد في غير سبّ.و يقال في السّبّ:بعد و سحق،لا غير.

(الأزهريّ 2:245)

الكسائيّ: تنحّ غير باعد،أي غير صاغر،و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.(الأزهريّ 2:247)

ابن شميّل: قال رجل لابنه:إن غدوت على المربد ربحت عناء،و رجعت بغير أبعد،أي بغير منفعة.

(الأزهريّ 2:246)

في قولهم:هلك الأبعد،يعني صاحبه،و هكذا يقال إذا كني عن اسمه،و يقال للمرأة:هلكت البعدى.

(الأزهريّ 2:247)

راود رجل من العرب أعرابيّة عن نفسها فأبت إلاّ أن يجعل لها شيئا،فجعل لها درهمين،فلمّا خالطها جعلت

ص: 120

تقول:غمزا و درهماك لك،فإن لم تغمز فبعد لك.رفعت البعد،يضرب مثلا للرّجل تراه يعمل العمل الشّديد.

(الأزهريّ 2:248)

الفرّاء: العرب إذا قالت:دارك منّا بعيد أو قريب، أو قالوا:فلانة منّا قريب أو بعيد،ذكّروا القريب و البعيد،لأنّ المعنى هي في مكان قريب أو بعيد،فجعل القريب و البعيد خلفا من المكان.

قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:83،و قال: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً الأحزاب:63،و قال: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56.

و لو أنّثنا و بنيتا على:بعدت منك فهي بعيدة،و قربت فهي قريبة،كان صوابا.

و من قال:قريب و بعيد و ذكّرهما،لم يثنّ قريبا و بعيدا،فقال:هما منك قريب،و هما منك بعيد.و من أنّثهما،فقال:هي منك قريبة و بعيدة ثنّى و جمع،فقال:

قريبات و بعيدات.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا أردت بالقريب و البعيد قرابة النّسب أنّثت لا غير،لم يختلف العرب فيها.(الأزهريّ 2:244)

يقال للرّجل الّذي لا يفهم عنك قولك:هو ينادي من مكان بعيد،و يقال للفهم:إنّه ليأخذ الأشياء من قرب.(الهرويّ 1:185)

أبو زيد:يقال:لم أجد عنده أبعد،أي طائلا.

(247)

لقيته بعيدات بين،إذا لقيته بعد حين،ثمّ أمسكت عنه،ثمّ أتيته.(الأزهريّ 2:247)

يقال للرّجل:«إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه»يقول:إذا لم تكن ممّن يقترب منه فتباعد عنه، لا يصبك شرّه.(الأزهريّ 2:248)

الأصمعيّ: أتانا فلان من بعدة،أي من أرض بعيدة.(الأزهريّ 2:246)

هم منّي غير بعد،أي ليسوا ببعيد.و انطلق يا فلان غير باعد،أي لا ذهبت.(الأزهريّ 2:247)

اللّحيانيّ: قال بعضهم:ما هو بالّذي لا بعد له، و ما هو بالّذي لا قبل له.(ابن منظور 3:93)

أبو عبيد: يقال:لقيته بعيدات بين،إذا لقيته بعد حين،و قيل:بعيدات بين،أي بعيد فراق؛و ذلك إذا كان الرّجل يمسك عن إتيان صاحبه الزّمان،ثمّ يأتيه،ثمّ يمسك عنه نحو ذلك أيضا،ثمّ يأتيه.و هو من ظروف الزّمان الّتي لا تتمكّن،و لا تستعمل إلاّ ظرفا.

(ابن منظور 3:93)

ابن الأعرابيّ: إنّه لذو بعدة،أي ذو رأي و حزم، و إنّك لغير أبعد،أي لا خير فيك،ليس لك بعد مذهب.

و رجل ذو بعدة،إذا كان نافذ الرّأي ذا غور و ذا بعد رأي.(الأزهريّ 2:246)

تقول العرب:في الأدنى و في البعد:بعيد و بعد.

(الأزهريّ 2:247)

أبو نصر الباهليّ: و العرب تقول:هو غير بعد،أي غير بعيد.(الأزهريّ 2:247)

أبو حاتم: قالوا:قبل و بعد من الأضداد.

(الأزهريّ 2:243)

ابن قتيبة :بعد يبعد،إذا كان بعده هلكة،و بعد

ص: 121

يبعد إذا تأنّى.(أبو حيّان 5:258)

ابن دريد :و البعد:ضدّ القرب،و بعد:ضدّ قبل.

و تقول العرب:فلان غير بعيد و غير بعد،سمعها أبو زيد من العرب.

و بعد الرّجل يبعد بعدا من النّأي،فإذا أمرت قلت:

ابعد،و بعد يبعد بعدا من قولهم:أبعده اللّه،فإذا أمرت قلت:ابعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعاد:مصدر باعدته مباعدة و بعادا.(1:245)

ابن الأنباريّ: من العرب من يسوّي بين الهلاك و البعد الّذي هو ضدّ القرب،فيقول فيهما:بعد يبعد و بعد يبعد.(أبو حيّان 5:258)

النّحّاس: المعروف في اللّغة بعد يبعد بعدا و بعدا،إذا هلك.(أبو حيّان 5:258)

القاليّ: و الإبعاد و الإبعاط واحد.(2:158)

الأزهريّ: قال حذّاق النّحويّين:ما كان من«أفعل و فعلى»فإنّه تدخل فيه الألف و اللاّم،كقولك:هو الأبعد و البعدى و الأقرب و القربى.(2:246)

[و بعد أن ذكر قول ابن شميّل:في قولهم:هلك الأبعد...قال:]

قلت:هذا مثل قولهم:فلا مرحبا بالآخر،إذا كنى عن صاحبه و هو يذمّه.(2:247)

الصّاحب:بعد بعدا و بعادا و ابتعد،بمعنى.

و بعد بعدا:هلك.

و بعدا له و سحقا،و بعد له أيضا.

و باعد اللّه بينهما و بعّد.

و بعد:نقيض قبل.

و جئت بعديك-مثنّى-أي بعدك.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتيته بعيدات بين،أي أتيته بعد زمن،ثمّ أمسكت عنه،ثمّ أتيت.

و ما عندك أبعد-منوّن-و إنّك لغير أبعد (1)،أي ما عندك طائل.

و أتاه من بعدة،أي من أرض بعيدة،و جمعها:بعد.

و هو ذو بعدة،أي بعيد الهمّة.

و يقولون:إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه،أي ممّن يبعد عنه،جمع بعيد.(1:432)

الجوهريّ: البعد:ضدّ القرب،و قد بعد بالضّمّ فهو بعيد،أي تباعد.و أبعده غيره و باعده،و بعّده تبعيدا.

و البعد بالتّحريك:جمع باعد،مثل خادم و خدم.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعد أيضا:الهلاك،تقول منه:بعد بالكسر،فهو باعد.

و استبعد،أي تباعد،و استبعده:عدّه بعيدا.

و تقول:تنحّ غير باعد و غير بعد أيضا،أي غير صاغر.و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.

و ما أنتم ببعيد،و ما أنت منّا ببعيد،يستوي فيه الواحد و الجمع،و كذلك ما أنت منّا ببعد،و ما أنتم منّا ببعد.

و بيننا بعدة؛من الأرض و القرابة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أبعد اللّه الآخر،و لا يقال للأنثى منه شيء.».

ص: 122


1- ورد ممنوعا من الصّرف في مطبوع«التّهذيب و المحكم و التّكملة».

و قولهم:كبّ اللّه الأبعد لفيه،أي ألقاه لوجهه.

و الأبعد:الخائن.

و البعدان:جمع بعيد،مثل رغيف و رغفان،يقال:

فلان من قربان الأمير و من بعدانه.

و الأباعد:خلاف الأقارب.

و بعد:نقيض قبل،و هما اسمان يكونان ظرفين إذا أضيفا.و أصلهما الإضافة،فمتى حذفت المضاف إليه لعلم المخاطب،بنيتهما على الضّمّ ليعلم أنّه مبنيّ؛إذ كان الضّمّ لا يدخلهما إعرابا،لأنّهما لا يصلح وقوعهما موقع الفاعل، و لا موقع المبتدإ و لا الخبر.(2:448)

ابن فارس: الباء و العين و الدّالّ أصلان:خلاف القرب،و مقابل قبل،قالوا:البعد:خلاف القرب،و البعد و البعد:الهلاك.و قالوا في قوله تعالى: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،أي هلكت،و قياس ذلك واحد.

و الأباعد:خلاف الأقارب.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:تنحّ غير باعد،أي غير صاغر،و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.

و أمّا الآخر فقولك:جاء من بعد،كما تقول في خلافه:من قبل.(1:268)

المهدويّ: بعد يستعمل في الخير و الشّرّ،و بعد في الشّرّ خاصّة.(أبو حيّان 5:258)

ابن سيدة :البعد:خلاف القرب.[ثمّ استشهد بشعر]

بعد الرّجل و بعد بعدا و بعدا فهو بعيد و بعاد، و جمعهما:بعداء.وافق الّذين يقولون:«فعيل»الّذين يقولون:«فعال»لأنّهما أختان،و قد قيل:بعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الدّعاء:بعدا له،نصبوه على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره،أي أبعده اللّه.

و بعد باعد،على المبالغة،و إن دعوت به فالمختار النّصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و باعده مباعدة و بعادا،و باعد اللّه بينهما و بعّد، و يقرأ: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،و (بعّد) .

[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مبعد:بعيد الأسفار.

و بعد بعدا و بعد:هلك أو اغترب،قال تعالى: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95.

و البعد و البعاد:اللّعن،منه أيضا.

و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير و أبعده (1).

و جلست بعيدة منك،و بعيدا منك،يعني مكانا بعيدا.و ربّما قالوا:هي بعيد منك،أي مكانها،و في التّنزيل وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:83،و أمّا بعيدة العهد فبالهاء.

و منزل بعد:بعيد.

و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا،و غير باعد،أي صاغر.

و إنّه لغير أبعد،أي لا خير فيه و لا له بعد مذهب.

و إنّه لذو بعدة،أي لذو رأي و حزم.

و ما عنده أبعد،أي طائل.

و بعد:ضدّ قبل،يبنى مفردا،و يعرب مضافا.

و حكى سيبويه أنّهم يقولون:من بعد،فينكّرونه،).

ص: 123


1- الظّاهر:و لعنه،كما ذكره الفيروزآباديّ(1:288).

و أفعل هذا بعدا.[إلى أن قال:]

و قولهم في الخطابة:أمّا بعد،إنّما يريدون:أمّا بعد دعائي لك.و زعموا أنّ داود عليه السّلام أوّل من قالها،و لذلك قال عزّ و جلّ: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:

20،و زعم ثعلب:أنّ أوّل من قالها كعب بن لؤيّ.

(2:30)

الطّوسيّ: بعد:نقيض قبل،تقول:كان هذا بعد هذا.

و تقول:بعد بعدا،أو أبعده اللّه إبعادا،أو تباعد تباعدا،و باعده مباعدة،و استبعده استبعادا،و بعّده تبعيدا،و تبعّد تبعّدا.

و تقول:بعدا و سحقا.و يقرأ باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،و (بعّد) بمعنى واحد.

و الأبعد:نقيض الأقرب،و الجمع:أباعد و أقارب، و يقرأ بَعِدَتْ ثَمُودُ و(بعدت ثمود)هود:95، و معناهما واحد.إلاّ أنّهم يقولون:بعد الرّجل و أبعده اللّه.

و البعد من اللّعن،يقول:أبعده اللّه،أي لا يرثى له ممّا نزل به.و أصل الباب البعد:نقيض القرب.(1:236)

الرّاغب: البعد:ضدّ القرب،و ليس لهما حدّ محدود.

و إنّما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره،يقال ذلك في المحسوس و هو الأكثر،و في المعقول نحو قوله تعالى:

ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً النّساء:167،و قوله عزّ و جلّ:

أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فصّلت:44.

يقال:بعد إذا تباعد،و هو بعيد وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:83،و بعد:مات،و البعد أكثر ما يقال في الهلاك،نحو بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعد و البعد:يقال فيه و في ضدّ القرب،قال تعالى:

فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:41، فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:44.

بعد:يقال في مقابلة قبل.و نستوفي أنواعه في باب «قبل»إن شاء اللّه تعالى.(53)

الزّمخشريّ: أمّا بعد فقد كان كذا.و أتيته بعيدات بين،إذا أتيته بعد حين.[ثمّ استشهد بشعر]

و تنحّ غير باعد و غير بعد،أي غير صاغر.

و لا تبعد،و إن بعدت عنّي فلا بعدت.تقول:بعدا و سحقا،و قبحا و محقا،و هو محسن إلى الأباعد دون الأقارب.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان يستجرّ الحديث من أباعد أطرافه.و أبعد اللّه الأبعد.و«مثل العالم كمثل الحمّة يأتيها البعداء و يتركها القرباء».

و أبعد في السّوم،و أبعط فيه،إذا أشطّ.

و إن قلت كذا لم أبعده و لم استبعده.و قلت قولا بعيدا،و ما أبعده من الصّواب.و باعدني و تباعد منّي و ابتعد و تبعّد.[ثمّ استشهد بشعر]

و كانوا متقاربين فتباعدوا.

و يقال:إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه لا يصبك شرّه،جمع قريب و بعيد،كذليل و ذلاّن.

و فلان بعيد الهمّة و ذو بعدة.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:26)

المدينيّ: في الحديث:أنّه عليه السّلام«كان يخرج عند البراز فيتبعّد»أي يبعد عن النّظر،و هو مثل يتقرّب بمعنى

ص: 124

يقرب.و لو روي«يبتعد»بمعنى يبعد لجاز،كما قال تعالى: وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الأنبياء:97،بمعنى قرب، و روي«يبعد».

يقال:أبعد في الأرض،أي ذهب بعيدا.

في الحديث:«أنّ رجلا جاء و قال:إنّ الأبعد قد زنى»معناه الباعد عن العصمة و الخير.

يقال:ما عندك أبعد،بالتّنوين،و إنّك لغير أبعد؛أي غير طائل.

في حديث المختوم على فيه في تفسير قوله تعالى:

اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ يس:65،فيقول لأعضائه:«بعدا لكنّ».و يجوز:بعد،كما يقال:ويلا له و ويل.

و يحتمل أن يكون من البعد الّذي هو ضدّ القرب، أي أبعدكنّ اللّه،و يحتمل أن يكون من قولهم:بعد،إذا هلك،أي هلكتنّ حين أقررتنّ على أنفسكنّ.

(1:174)

ابن الأثير: [قال نحو المدينيّ و أضاف:]

في حديث قتل أبي جهل:«هل أبعد من رجل قتلتموه»كذا جاء في سنن أبي داود،و معناها أنهى و أبلغ،لأنّ الشّيء المتناهي في نوعه يقال:قد أبعد فيه.

و هذا أمر بعيد،أي لا يقع مثله لعظمه.

و المعنى أنّك استعظمت شأني و استبعدت قتلي،فهل هو أبعد من رجل قتله قومه؟!و الرّوايات الصّحيحة:

«أعمد»بالميم.

و في حديث مهاجري الحبشة:«و جئنا إلى أرض البعداء»هم الأجانب الّذين لا قرابة بيننا و بينهم، واحدهم:بعيد.

و في حديث زيد بن أرقم:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خطبهم،فقال:أمّا بعد».قد تكرّرت هذه اللّفظة في الحديث،و تقدير الكلام فيها:أمّا بعد حمد اللّه تعالى فكذا و كذا.

و«بعد»من ظروف المكان الّتي بابها الإضافة،فإذا قطعت عنها و حذف المضاف إليه بنيت على الضّمّ كقبل.

و مثله قوله تعالى: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:

4،أي من قبل الأشياء و من بعدها.(1:140)

الفيّوميّ: بعد الشّيء بالضّمّ بعدا فهو بعيد، و يعدّى بالباء و بالهمزة،فيقال:بعدت به و أبعدته.

و تباعد مثل بعد.

و بعّدت بينهم تبعيدا،و باعدت مباعدة، و استبعدته:عددته بعيدا،و أبعدت في المذهب إبعادا، بمعنى تباعدت.

و في الحديث:«إذا أراد أحدكم قضاء الحاجة أبعد».

قال ابن قتيبة:و يكون«أبعد»لازما و متعدّيا؛فاللاّزم:

أبعد زيد عن المنزل،بمعنى تباعد،و المتعدّي:أبعدته، و أبعد في السّوم:شطّ.

و بعد بعدا من باب تعب:هلك.

و بعد:ظرف مبهم لا يفهم معناه إلاّ بالإضافة لغيره، و هو زمان متراخ عن السّابق.فإن قرب منه قيل:بعيدة بالتّصغير،كما يقال:قبل العصر.فإذا قرب قيل:قبيل العصر بالتّصغير،أي قريبا منه،و يسمّى تصغير التّقريب.و جاء زيد بعد عمرو،أي متراخيا زمانه عن زمان مجيء عمرو.

ص: 125

و تأتي بمعنى«مع»كقوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ القلم:13،أي مع ذلك.

و الأبعد:خلاف الأقرب،و الجمع:الأباعد.

(1:53)

الفيروزآباديّ: (البعد)معروف،و الموت، و فعلهما ككرم و فرح بعدا و بعدا،فهو بعيد و باعد و بعاد، الجمع:بعداء و بعد و بعدان.

و رجل مبعد كمنجل:بعيد الأسفار.و بعد باعد مبالغة.و بعدا له:أبعده اللّه.

و البعد و البعاد:اللّعن،و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير، و لعنه.و باعده مباعدة و بعادا،و بعّده:أبعده.

و منزل بعد بالتّحريك:بعيد.

و تنحّ غير بعيد،و غير باعد و غير بعد:كن قريبا.

و إنّه لغير أبعد و بعد كصرد:لا خير فيه.

و لذو بعد و بعدة،أي رأي و حزم.

و ما عنده أبعد أو بعد كصرد،أي طائل.

و بعد:ضدّ قبل،يبنى مفردا و يعرب مضافا،و حكي من بعد و أفعل بعدا.

و استبعد:تباعد،و الشّيء:عدّه بعيدا.و جئت بعديكما:بعدكما.و رأيته بعيدات بين و بعيداته،أي بعيد فراق.

و أمّا بعد،أي بعد دعائي لك.و أوّل من قاله داود عليه السّلام،أو كعب بن لؤيّ.

و الأباعد:ضدّ الأقارب،و بيننا بعدة-بالضّمّ-من الأرض،و من القرابة.

و بعدان كسحبان:مخلاف باليمن.(1:288)

الطّريحيّ: و في الحديث:«أيّ قاض قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السّماء و الأرض».قيل:يعني سقط عن درجة أهل الثّواب سقوط أبعد ممّا بين السّماء و الأرض.فأبعد:صفة مصدر،أي سقوطا بعيد المبتدإ و المنتهى.

و مثله:«يهوي به أبعد ما بين المشرق و المغرب».

و في الحديث:«من فعل كذا تباعدت عنه النّار مسيرة سنة»قيل:هو إشارة إلى يوم القيامة،يوم العبور على الصّراط و الورود على النّار.

و في الدّعاء:«باعد بيني و بين خطاياي»أي إذا قدّرت لي ذنبا و خطيئة فبعّد بيني و بينه،و اغفر لي خطاياي السّالفة منّي.

و في حديث الخلاء:«إذا أراد أحدكم قضاء الحاجة أبعد»يعني تباعد عن النّظّارة إليه.

و البعد:المسافة.و التّباعد:نقيض التّقارب.و بعّده بالتّشديد،بمعنى أبعده،و استبعده:نقيض استقربه.

و أمر بعيد:لا يقع مثله لعظمه.

و تنحّ غير بعيد،أي كن قريبا.

و قد تكرّر في كلام الفصحاء«أمّا بعد»و هي كلمة تسمّى فصل الخطاب،يستعملها المتكلّم إذا أراد الانتقال من كلام إلى آخر.

قيل:أوّل من تكلّم بها داود،و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20، يعني أمّا بعد،و قيل:أراد بفصل الخطاب:البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر.

و قيل:أوّل من قالها عليّ عليه السّلام،لأنّها أوّل ما عرفت

ص: 126

من كلامه و خطبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و معناها:مهما يكن من شيء بعد كذا فكذا.(3:15)

مجمع اللّغة: 1-البعد:خلاف القرب،يقال:بعد الرّجل يبعد-ككرم-بعدا فهو بعيد،و أبعده غيره و باعده و بعّده تبعيدا.

2-و مبعدون:جمع،مفرده مبعد:اسم مفعول من أبعده.

3-بعد-من باب تعب-يبعد بعدا و بعدا:هلك.

و البعد بالضّمّ أيضا:الهلاك،و يقال:بعدا له،دعاء عليه بالهلاك.

4-و بعد:ضدّ قبل،و قد جاءت في القرآن الكريم مضافة،و غير مضافة في مائة و تسعة و تسعين موضعا.(1:110)

العدنانيّ: و يخطّئون من يقول:الخطر بعيد عنّا، و يقولون:إنّ الصّواب هو:الخطر بعيد منّا،اعتمادا على قوله تعالى في الآية(82)من سورة هود: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ و قوله تعالى في الآية(89)من السّورة نفسها: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ.

و اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و مستدرك التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.

و ممّا ذكره الصّحاح،و مستدرك التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد:ما أنت أو أنتم منّا ببعيد.

و ممّا قاله الأساس:ما أبعده من الصّواب.

و قال المختار و الوسيط:ما أنتم منّا ببعيد.

و هناك أيضا من ذكر:

أ-تباعد منه:الأساس،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

ب-ما أنت أو أنتم منّا ببعد:الصّحاح،و اللّسان، و مستدرك التّاج،و المدّ.

و لكن:

1-جاء في المختار:ما أنت عنّا ببعيد،و قد يكون الجارّ و المجرور«عنّا»هنا خطأ مطبعيّا،لأنّ مختار الصّحاح لم يخالف الصّحاح إلاّ في موادّ قليلة،و ربّما كانت هذه المادّة منها أو لم تكن.

2-و هنالك من ذكر:تباعد عنه:المصباح(في مادّة كشح)،و المدّ،و محيط المحيط،و الوسيط.

3-و انفرد محيط المحيط و أقرب الموارد بذكر:استبعد عنه،و لو ذكرا وحدهما حرف الجرّ«عن»لما اعتمدت عليهما.

4-و ورد ذكر:بعد عنّي في الأساس،و المدّ،و المتن.

5-و ذكر المصباح و المدّ جملة:أبعد زيد عن المنزل.

6-و انفرد التّاج في مستدركه،في باب الألف اللّيّنة، مادّة«إيّا»بقوله:باعد نفسك عن زيد،و باعد زيدا عنك.

7-و قال المدّ:باعده عنك.

8-و قال محيط المحيط:بعد القمر عن الأرض.

9-و جاء في المتن:ابتعد عنه.

فهذه كلّها ترينا أنّنا يجوز لنا أن نقول:بعد منه،و بعد عنه،و أنا أرى أنّ الجملة الأولى أعلى.(65)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة هذه:هو ما يقابل القرب،و من هذا المعنى قد أخذ مفهوم الظّرفيّة للزّمان أو المكان المتأخّر،لبعده بالنّسبة

ص: 127

إلى الظّرف الماضي أو الحال.و كذلك مفهوم الهلاكة و الحقارة للبعد عن جريان العرف و النّظر و الاعتدال المتوقّع.

و ليعلم أنّ كسر العين في الماضي،يدلّ على الانحطاط و التّنزيل و التّسفّل،و هذا المعنى يناسب الاستقرار و اللّصوق و العلل و الأحزان؛فمفهوم الهلاكة و الصّغارة المستفاد من«بعد»إنّما هو مقتضى الكسر في العين.

أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95،أي بعدت حتّى تسفّلت. لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ الشّورى:18، فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ فصّلت:52،يراد البعد المعنويّ.

رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا سبأ:19،باعده،أي أبعده بقيد الإطالة و الإدامة،كما هو مقتضى باب المفاعلة،طلبوا إيجاد الفاصلة و البعد بين أسفارهم، لملالهم عن كثرة السّفر.

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ الأنبياء:101،التّعبير بالإبعاد دون البعد:

إشارة إلى قيام البعد بالفاعل،و توجيه إلى جهة الصّدور، و إلى أنّ هذا لطف و فضل من اللّه المتعال. لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:4،ظرف مبنيّ على الضّمّ.

(1:281)

النّصوص التّفسيريّة

بعدت

لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ... التّوبة:42

الطّبريّ: و لكنّك استنفرتهم إلى موضع بعيد.

(10:141)

الآلوسيّ: قرأ عيسى بن عمر (بعدت) بكسر العين و (الشّقّة) بكسر الشّين،و بعد يبعد كعلم يعلم لغة.

و اختصّ ببعد الموت غالبا،و جاء لا تبعد للتّفجّع و التّحسّر في المصائب.(10:107)

مثله القاسميّ.(8:3161)

بعدت

...أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ. هود:95

الطّوسيّ: و قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ (كما بعدت) بضمّ العين،و الآخر (بعدا) فنصب على المصدر، و تقديره:ألا أهلكهم اللّه فبعدوا بعدا.(6:58)

الزّمخشريّ: و قرأ السّلميّ (بعدت) بضمّ العين، و المعنى في البناءين واحد،و هو نقيض القرب.إلاّ أنّهم أرادوا التّفصلة بين البعد من جهة الهلاك و بين غيره، فغيّروا البناء،كما فرّقوا بين ضمان الخير و الشّرّ،فقالوا:

وعد و أوعد.

و قراءة السّلميّ جاءت على الأصل اعتبارا لمعنى البعد من غير تخصيص،كما يقال:ذهب فلان و مضى، في معنى الموت.

و قيل:معناه بعدا لهم من رحمة اللّه كما بعدت ثمود منها.(2:291)

نحوه أبو حيّان.(5:257)

البيضاويّ: و قرئ (بعدت) بالضّمّ على الأصل،

ص: 128

فإنّ الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك،و البعد مصدر لهما،و البعد مصدر المكسور.

(1:480)

أبو السّعود: العدول عن الإضمار إلى الإظهار، ليكون أدلّ على طغيانهم الّذي أدّاهم إلى هذه المرتبة، و ليكون أنسب بمن شبّه هلاكهم بهلاكهم،أعني ثمود.

و إنّما شبّه هلاكهم بهلاكهم،لأنّهما أهلكتا بنوع من العذاب و هو الصّيحة،غير أنّ هؤلاء صيح بهم من فوقهم،و أولئك من تحتهم.(3:347)

البروسويّ: بَعِدَتْ ثَمُودُ أي هلكت،شبّه هلاكهم بهلاكهم،لأنّهما أهلكتا بنوع من العذاب و هو الصّيحة.

و الجمهور على كسر العين من بعدت،على أنّها من بعد يبعد،بكسر العين في الماضي و فتحها في المضارع، بمعنى هلك يهلك.

أرادت العرب أن تفرّق بين البعد بمعنى الهلاك،و بين البعد الّذي هو ضدّ القرب،ففرّقوا بينهما بتغيير البناء، فقالوا:«بعد»بالضّمّ في ضدّ القرب،و«بعد»بالكسر في ضدّ السّلامة،و«البعد»بالضّمّ و السّكون مصدر لهما، و«البعد»بفتحتين إنّما يستعمل في مصدر مكسور العين.

(4:181)

باعد

فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا... سبأ:19

الفرّاء: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا قراءة العوامّ.

و تقرأ على الخبر (ربّنا بعّد بين اسفارنا) و(باعد).و تقرأ على الدّعاء (ربّنا بعّد) و تقرأ (ربّنا بعد بين اسفارنا) .

(2:359)

الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءة قوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا فقرأته عامّة قرّاء المدينة و الكوفة رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا على وجه الدّعاء و المسألة بالألف،و قرأ ذلك بعض أهل مكّة و البصرة (بعّد) بتشديد العين،على الدّعاء أيضا.و ذكر عن المتقدّمين أنّه كان يقرؤه(ربّنا باعد بين اسفارنا)على وجه الخبر من اللّه،أنّ اللّه فعل ذلك بهم.و حكي عن آخر أنّه قرأه (ربّنا بعّد) على وجه الخبر أيضا،غير أنّ الرّبّ منادى.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا رَبَّنا باعِدْ و(بعّد)لأنّهما القراءتان المعروفتان في قراءة الأمصار، و ما عداهما فغير معروف فيهم.على أنّ التّأويل من أهل التّأويل أيضا يحقّق قراءة من قرأه على وجه الدّعاء و المسألة،و ذلك أيضا ممّا يزيد القراءة الأخرى بعدا من الصّواب.

فإذا كان هو الصّواب من القراءة،فتأويل الكلام:

فقالوا:يا ربّنا باعد بين أسفارنا،فاجعل بيننا و بين الشّأم فلوات و مفاوز لنركب فيها الرّواحل،و نتزوّد معنا فيها الأزواد.

و هذا من الدّلالة على بطر القوم نعمة اللّه عليهم و إحسانه إليهم،و جهلهم بمقدار العافية،و لقد عجّل لهم ربّهم الإجابة.(22:85)

نحوه أبو زرعة.(588)

عبد الجبّار: و ربّما قيل في قوله تعالى: فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا كيف يصحّ من العقلاء أن

ص: 129

يسألوا ربّهم أن يباعد بين أسفارهم و هي قريبة؟

و جوابنا:أنّ ذلك منهم جاء على وجه الجهل،كقوله تعالى: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ الحجّ:47،هذا إذا قرئ على هذا الوجه.

و قد قرئ (ربّنا باعد بين اسفارنا) و ذلك على وجه الخبر،لأنّه غيّر أحوالهم،فنالهم من المشاقّ في أسفارهم خلاف ما كانوا عليه.و قد يقول الضّعيف:بعد عليّ الطّريق لمزيّة مشقّته،و إن كان حال الطّريق لم يتغيّر.

(338)

الزّمخشريّ: [ذكر اختلاف القراءة نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قرئ (ربّنا باعد بين اسفارنا) و (بين سفرنا) ، و (بعّد) برفع ربّنا على الابتداء،و المعنى خلاف الأوّل و هو استبعاد مسايرهم على قصرها،و دنوّها لفرط تنعّمهم و ترفّههم،كأنّهم كانوا يتشاجون على ربّهم و يتحازنون عليه.(3:286)

الطّبرسيّ: أي اجعل بيننا و بين الشّام فلوات و مفاوز،لنركب إليها الرّواحل و نقطع المنازل.و هذا كما قالت بنو إسرائيل لمّا ملّوا النّعمة:أخرج إلينا ممّا تنبت الأرض من بقلها بدلا من المنّ و السّلوى.(4:387)

الفخر الرّازيّ: قيل:بأنّهم طلبوا ذلك،و هو يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يسألوا بطرا كما طلبت اليهود الثّوم و البصل.

و يحتمل أن يكون ذلك لفساد اعتقادهم و شدّة اعتمادهم على أنّ ذلك لا يقدر،كما يقول القائل لغيره:

اضربني!إشارة إلى أنّه لا يقدر عليه.و يمكن أن يقال:

(قالوا ربّنا بعّد)بلسان الحال،أي لمّا كفروا فقد طلبوا أن يبعّد بين أسفارهم،و يخرّب المعمور من ديارهم.

(25:252)

أبو حيّان: و قرأ جمهور السّبعة(ربّنا)بالنّصب على النّداء(باعد)طلب،و ابن كثير و أبو عمرو و هشام كذلك إلاّ أنّهم شدّدوا العين.

و ابن عبّاس و ابن الحنفيّة و عمرو بن فائد(ربّنا) رفعا(بعّد)فعلا ماضيا مشدّد العين.

و ابن عبّاس أيضا و ابن الحنفيّة أيضا و أبو رجاء و الحسن و يعقوب و أبو حاتم و زيد بن عليّ و ابن يعمر أيضا،و أبو صالح و ابن أبي ليلى و الكلبيّ و محمّد بن عليّ و سلاّم و أبو حيوة كذلك إلاّ أنّه بألف بين الباء و العين.

و سعيد بن أبي الحسن أخي الحسين و ابن الحنفيّة أيضا و سفيان بن حسين و ابن السّميفع(ربّنا)بالنّصب (بعد)بضمّ العين فعلا ماضيا،(بين)بالنّصب،إلاّ سعيدا منهم فضمّ نون(بين)جعله فاعلا.و من نصب فالفاعل ضمير يعود على السّير،أي أبعد السّير بين أسفارنا.

فمن نصب(ربّنا)جعله نداء،فإن جاء بعده طلب كان ذلك أشرا منهم و بطرا،و إن جاء بعده فعلا ماضيا كان ذلك شكوى ممّا أحلّ بهم من بعد الأسفار الّتي طلبوها أوّلا.

و من رفع(ربّنا)فلا يكون الفعل إلاّ ماضيا،و هي جملة خبريّة فيها شكوى بعضهم إلى بعض،ممّا حلّ بهم من بعد الأسفار.

و من قرأ(باعد)أو(بعّد)بالألف و التّشديد ف(بين)

ص: 130

مفعول به،لأنّهما فعلان متعدّيان و ليس(بين)ظرفا؛ أ لا ترى إلى قراءة من رفعه كيف جعله اسما،فكذلك إذا نصب.

و قرئ(بعّد)مبنيّا للمفعول.(7:272)

نحوه الآلوسيّ.(22:130)

بعيد

1- ...وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.

البقرة:176

راجع«ش ق ق»شقاق.

2- مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.

هود:83

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:إنّ مثل ذلك ليس ببعيد من ظالمي قومك يا محمّد،أراد به إذهاب قريش.و قال أبو عليّ:ذلك لا يكون إلاّ في زمان نبيّ أو عند القيامة،لأنّه معجز.

و الثّاني:قال: وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يعني من قوم لوط أنّها لم تكن تخطئهم.(6:46)

الزّمخشريّ: (ببعيد):بشيء بعيد،و يجوز أن يراد:و ما هي بمكان بعيد،لأنّها و إن كانت في السّماء و هي مكان بعيد،إلاّ أنّها إذا هوت منها فهي أسرع شيء لحوقا بالمرمى فكأنّها بمكان قريب منه.

(2:284)

نحوه أبو حيّان.(5:250)

الفخر الرّازيّ: يعني به كفّار مكّة،و المقصود أنّه تعالى يرميهم بها.عن أنس أنّه قال:سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل عليه السّلام عن هذا،فقال:يعني عن ظالمي أمّتك، ما من ظالم منهم إلاّ و هو بمعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة.

و قيل:الضّمير في قوله:(و ما هى)للقرى.أي و ما تلك القرى الّتي وقعت فيها هذه الواقعة من كفّار مكّة ببعيد،و ذلك لأنّ القرى كانت في الشّام،و هي قريب من مكّة.(18:39)

أبو السّعود: و تذكير«البعيد»على تأويل الحجارة بالحجر أو إجرائه على موصوف مذكّر،أي بشيء بعيد، أو بمكان بعيد.فإنّها و إن كانت في السّماء و هي في غاية البعد من الأرض إلاّ أنّها حين هوت منها فهي أسرع شيء لحوقا بهم،فكأنّها بمكان قريب منهم،أو لأنّه على زنة المصدر كالزّفير و الصّهيل،و المصادر يستوي في الوصف بها المذكّر و المؤنّث.(3:239)

مثله الآلوسيّ.(12:114)

رشيد رضا: أي و ما هذه العقوبة أو القرى أو الأرض الّتي حلّ بها العذاب المخزي بمكان بعيد المسافة من مشركي مكّة،الظّالمين لأنفسهم بتكذيبك، و التّماري بنذرك أيّها الرّسول،بل هي قريبة منهم واقعة على طريقهم في رحلة الصّيف إلى الشّام،كما قال:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ الحجر:73-76،أي في طريق ثابت معروف بين المدينة و الشّام،و قال في سورة الصّافّات:137،138،بعد ذكر هلاكهم:

ص: 131

وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

و التّعبير بصفة الظّالمين و كون العقوبة آية مرادة لا مصادفة،يجعل العبارة عبرة لكلّ الأقوام الظّالمة في كلّ زمان،و إن كان العذاب يختلف باختلاف الأحوال من أنواع الظّلم و كثرته و عمومه و ما دونهما.

و قيل:إنّ المعنى المتبادر إنّ هذه العاقبة ليست ببعيدة من الظّالمين من قوم لوط بل نزلت بهم عن استحقاق،أو من مشركي مكّة،و قدّم هذا من قدّمه من المفسّرين و أخّر ما قلناه،و لكنّه هو الّذي تؤيّده شواهد القرآن.(12:138)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد ب(الظّالمين):ظالمو أهل مكّة أو المشركون من قوم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الكلام مسوق للتّهديد.

و المعنى:و ليست هذه الحجارة من ظالمي مكّة ببعيد، أو المعنى:ليست هذه القرى المخسوفة من ظالمي قومك ببعيد،فإنّه في طريقهم بين مكّة و الشّام،كما قال تعالى في موضع آخر: وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ الحجر:76،و قال:

وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

و يؤيّده العدول من سياق التّكلّم إلى الغيبة في قوله:

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ فكأنّه تعالى عدل عن مثل قولنا:

«مسوّمة عندنا»إلى هذا التّعبير،ليتعرّض لقومه صلّى اللّه عليه و آله بالتّهديد،أو بإنهاء الحديث إلى حسّهم،ليكون أقوى تأثيرا في الحجاج عليهم.

و ربّما احتمل أنّ المراد تهديد مطلق الظّالمين،و المراد أنّه ليست الحجارة،أي إمطارها من عند اللّه تعالى من معشر الظّالمين،و منهم قوم لوط الظّالمون ببعيد،و يكون وجه الالتفات في قوله: عِنْدَ رَبِّكَ أيضا التّعريض لقوم النّبيّ الظّالمين المشركين.(10:344)

3- وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ. هود:89

قتادة :أي هم قريب منكم في الزّمان الّذي بينه و بينكم.(الطّبرسيّ 3:188)

إنّما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح و ثمود.

(الطّبريّ 12:104)

الكسائيّ: أي دورهم في دوركم.

(القرطبيّ 9:90)

الطّبريّ: و قد يحتمل أن يقال:معناه و ما دار قوم لوط منكم ببعيد.(12:104)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:[قول قتادة الّذي تقدّم]

الآخر:أنّ دارهم قريبة من دارهم،فيجب أن يتّعظوا بهم.(6:52)

مثله الطّبرسيّ.(3:188)

الزّمخشريّ: يعني أنّهم أهلكوا في عهد قريب من عهدكم فهم أقرب الهالكين منكم،أو لا يبعدون منكم في الكفر و المساوئ،و ما يستحقّ به الهلاك.

فإن قلت:ما ل(بعيد)لم يرد على ما يقتضيه(قوم) من حمله على لفظه أو معناه؟

قلت:إمّا أن يراد:و ما إهلاكهم ببعيد،أو ما هم بشيء بعيد،أو بزمان أو مكان بعيد.و يجوز أن يسوّى في

ص: 132

قريب و بعيد و قليل و كثير بين المذكّر و المؤنّث،لورودها على زنة المصادر الّتي هي الصّهيل و النّهيق و نحوهما.

(2:288)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أنّ المراد نفي البعد في المكان،لأنّ بلاد قوم لوط عليه السّلام قريبة من مدين.

و الثّاني:أنّ المراد نفي البعد في الزّمان،لأنّ إهلاك قوم لوط عليه السّلام أقرب الإهلاكات الّتي عرفها النّاس في زمان شعيب عليه السّلام.

و على هذين التّقديرين فإنّ القرب في المكان و في الزّمان يفيد زيادة المعرفة،و كمال الوقوف على الأحوال،فكأنّه يقول:اعتبروا بأحوالهم و احذروا من مخالفة اللّه تعالى و منازعته،حتّى لا ينزل بكم مثل ذلك العذاب.(18:47)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، و لم يقل ببعيدين،و القوم اسم لجماعة الرّجال،و ما جاء في القرآن الضّمير العائد إليه إلاّ ضمير جماعة،قال اللّه تعالى: أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ نوح:1،و قال تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ الحجرات:11؟

قلنا:فيه إضمار تقديره:و ما هلاك قوم لوط أو مكان قوم لوط.و مكان قوم لوط كان قريبا منهم،و إهلاكهم أيضا كان قريبا من زمانهم.

الثّاني:أنّ«فعيلا»يستوي فيه الواحد و الاثنان و الجمع،قال الجوهريّ:يقال:ما أنتم منّا ببعيد،و قال اللّه تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ التّحريم:4، و قال: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ق:17.

(مسائل الرّازيّ: 139)

أبو حيّان: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ إمّا في الزّمان،لقرب عهد هلاكهم من عهدكم؛إذ هم أقرب الهالكين،و إمّا في الكفر و المعاصي و ما يستحقّ به الهلاك.

و أجرى«بعيدا»على قوم إمّا باعتبار الزّمان أو المكان،أي بزمان بعيد أو بمكان بعيد،أو باعتبار موصوف غيرهما،أي بشيء بعيد أو باعتبار مضاف إلى قوم،أي و ما إهلاك قوم لوط.و يجوز أن يسوّى في قريب و بعيد و كثير و قليل بين المفرد و الجمع و بين المذكّر و المؤنّث،كما قالوا:هو صديق و هم صديق و هي صديق و هنّ صديق.(5:255)

الشّربينيّ: لا في الزّمان و لا في المكان،لأنّهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم،و كانوا جيران قوم لوط،و بلادهم قريبة من بلادهم،فإنّ القرب في الزّمان و المكان يفيد زيادة المعرفة و كمال الوقوف على الأحوال،فكأنّه يقول:اعتبروا بأحوالهم و احذروا من مخالفة اللّه و منازعته،حتّى لا ينزل بكم مثل ذلك العذاب.

(2:75)

الكاشانيّ: يعني أنّهم أهلكوا في عهد قريب من عهدكم،فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعتبروا بهم.

(2:469)

نحوه البروسويّ.(4:176)

الآلوسيّ: زمانا كما روي عن قتادة،أو مكانا كما روي عن غيره.و مراده عليه السّلام أنّكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء،فإنّهم بمرأى

ص: 133

و مسمع منكم.

و كأنّه إنّما غيّر أسلوب التّحذير بهم و اكتفى بذكر قربهم إيذانا بأنّ ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم،لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة.

و جوّز أن يراد بالبعد البعد المعنويّ،أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر و المساوئ،فاحذروا أن يحلّ بكم ما حلّ بهم من العذاب.

و قد أخذ هذا المعنى بعض المتأخّرين فقال:فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم فما قوم لوط منكم ببعيد، [و بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]

و في«الكشف»عن الجوهريّ:أنّ«القوم»يذكّر و يؤنّث،لأنّ أسماء الجموع الّتي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميّين تذكّر و تؤنّث،مثل رهط و نفر و قوم، و إذا صغّرت لم تدخل فيه الهاء،و قلت:قويم و رهيط و نفير،و يدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميّين،مثل الإبل و الغنم،لأنّ التّأنيث لازم.

و بينه و بين ما نقل عن الزّمخشريّ بون بعيد؛و عليه فلا حاجة إلى التّأويل،هذا،ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا أنذرهم سوء عاقبة صنيعهم عقّبه طمعا في اروعائهم عمّا هم فيه من الضّلال،بالحمل على الاستغفار و التّوبة.(12:122)

رشيد رضا: زمانا و لا مكانا و لا إجراما.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و قدّر ل(بعيد)قبل ذلك موصوفا،فقال:بشيء بعيد،و قدّر غيره:و ما إهلاك قوم لوط إلخ،و يقاس عليه مثله.(12:146)

4- ...أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. إبراهيم:3

الطّبريّ: هم في ذهاب عن الحقّ بعيد،و أخذ على غير هدى و جور عن قصد السّبيل.(13:181)

الميبديّ: في خطاء و طريق جائر عن الصّواب.

(5:225)

الزّمخشريّ: أي ضلّوا عن طريق الحقّ و وقفوا دونه بمراحل.

فإن قلت:فما معنى وصف الضّلال بالبعد؟

قلت:هو من الإسناد المجازيّ،و البعد في الحقيقة للضّالّ،لأنّه هو الّذي يتباعد عن الطّريق،فوصف به فعله،كما تقول:جدّ جدّه،و يجوز أن يراد في ضلال ذي بعد،أو فيه بعد،لأنّ الضّالّ قد يضلّ عن الطّريق مكانا قريبا و بعيدا.(2:366)

نحوه البروسويّ(4:395)،و أبو السّعود(3:470)

الطّبرسيّ: أي في عدول عن الحقّ،بعيد عن الاستقامة و الصّواب.(3:303)

الفخر الرّازيّ: إنّما وصف هذا الضّلال بالبعد لوجوه:

الوجه الأوّل:أنّا بيّنّا أنّ أقصى مراتب الضّلال هو الّذي وصفه اللّه تعالى في هذه المرتبة،فهذه المرتبة في غاية البعد عن طريق الحقّ،فإنّ شرط الضّدّين أن يكونا في غاية التّباعد،مثل السّواد و البياض،فكذا هاهنا الضّلال الّذي يكون واقعا على هذا الوجه يكون في غاية البعد عن الحقّ،فإنّه لا يعقل ضلال أقوى و أكمل من هذا الضّلال.

و الوجه الثّاني:أن يكون المراد أنّه يبعد ردّهم عن

ص: 134

طريقة الضّلال إلى الهدى،لأنّه قد تمكّن ذلك في نفوسهم.

و الوجه الثّالث:أن يكون المراد من الضّلال:الهلاك، و التّقدير:أولئك في هلاك يطول عليهم فلا ينقطع،و أراد بالبعد امتداده و زوال انقطاعه.(19:79)

القرطبيّ: أي ذهاب عن الحقّ بعيد عنه.

(9:340)

الآلوسيّ: [بعد أن جعل أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ خبرا لقوله في صدر الآية اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا قال:]

و هو على غير هذا الوجه استئناف في موضع التّعليل،و فيه تأكيد لما أشعر به بناء الحكم على الموصول،و المراد أنّهم قد ضلّوا عن الحقّ و وقعوا عنه بمراحل.

و في الآية من المبالغة في ضلالهم ما لا يخفى؛حيث أسند فيها إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازا كجدّ جدّه،إلاّ أنّ الفرق بين ما نحن فيه و ذاك أنّ المسند إليه في الأوّل مصدر غير المسند و في ذاك مصدره،و ليس بينهما بعد.

و يجوز أن يقال:إنّه أسند فيها ما للشّخص إلى سبب اتّصافه بما وصف به،بناء على أنّ البعد في الحقيقة صفة له باعتبار بعد مكانه عن مقصده،و سبب بعده ضلاله،لأنّه لو لم يضلّ لم يبعد عنه،فيكون كقولك:قتل فلانا عصيانه،و الإسناد مجازيّ،و فيه المبالغة المذكورة أيضا.

[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و كتب عليه في«الكشف»أنّ الإسناد المجازيّ على جعل البعد لصاحب الضّلال،لأنّه الّذي يتباعد عن طريق الضّلال،فوصف ضلاله بوصفه مبالغة،و ليس المراد إبعادهم في الضّلال،و تعمّقهم فيه.

و أمّا قوله:فيجوز أن يراد:في ضلال ذي بعد،فعلى هذا،البعد صفة للضّلال حقيقة بمعنى بعد غوره،و أنّه هاوية لا نهاية لها.

و قوله:أو فيه بعد،على جعل الضّلال مستقرّا للبعد بمنزلة مكان بعيد عن الجادّة،و هو معنى بعده في نفسه عن الحقّ لتضادّهما،و إليه الإشارة بقوله:لأنّ الضّالّ قد يضلّ مكانا بعيدا و قريبا،و الغرض بيان غاية التّضادّ، و أنّه بعد لا يوازن وزانه.

و على جميع التّقادير«البعد»مستفاد من البعد المسافي إلى تفاوت ما بين الحقّ و الباطل أو ما بين أهلهما.

و جاز أن يكون قوله:«ذي بعد أو فيه بعد»وجها واحدا إشارة إلى الملابسة بين الضّلال و البعد لا بواسطة صاحب الضّلال،لكنّ الأوّل أولى تكثيرا للفائدة.(13:184)

5- مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ. إبراهيم:18

ابن عبّاس: الخطأ البعيد عن الصّواب.

(الطّبرسيّ 3:309)

الطّبريّ: أي الخطأ البيّن،البعيد عن طريق الحقّ.

(13:198)

الميبديّ: أي ما وصفنا هو الضّلال عن القصد، البعيد عن الرّشاد.و قيل:ذلك هو الخسران الكبير ضلال أعمالهم و ذهابها.(5:240)

ص: 135

الزّمخشريّ: إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحقّ أو عن الثّواب.(2:372)

الطّبرسيّ: يعني أنّ عملهم ذلك هو الذّهاب البعيد عن النّفع.(3:309)

القرطبيّ: أي الخسران الكبير،و إنّما جعله كبيرا لفوات استدراكه بالموت.(9:354)

أبو حيّان: (ذلك)إشارة إلى كونهم بهذه الحال و على مثل هذا الغرر البعيد الّذي يعمق فيه صاحبه و أبعد عن طريق النّجاة،و البعيد عن الحقّ أو الثّواب.

(5:415)

البروسويّ: ...هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ صاحبه عن طريق الحقّ و الصّواب بمراحل،أو عن نيل الثّواب.

فأسند البعد الّذي هو من أحوال الضّالّ إلى الضّلال الّذي هو فعله،مجازا مبالغة.

(4:408)

6- إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً. الفرقان:12

السّدّيّ: من مسيرة مائة عام.

مثله الكلبيّ.(الطّبرسيّ 4:163)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من مسيرة سنة.

(الطّبرسيّ 4:163)

أبو حيّان: على حذف مضاف،أي رأتهم خزنتها من مكان بعيد.قيل:مسيرة خمسمائة عام،و قيل:مائة سنة،و قيل:سنة.(6:485)

أبو السّعود: إشعار بأنّ بعد ما بينها و بينهم من المسافة حين رأتهم،خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة،و فيه مزيد تهويل لأمرها.

(4:497)

البروسويّ: هو أقصى ما يمكن أن يرى منه.قيل:

من المشرق إلى المغرب و هي خمسمائة عام.و فيه إشارة بأنّ بعد ما بينها و بينهم من المسافة حين رأتهم خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة.

(6:194)

7- فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ...

النّمل:22

الطّبريّ: فمكث سليمان غير طويل،من حين سأل عن الهدهد،حتّى جاء الهدهد.(19:147)

الميبديّ: فمكث الهدهد بعد تفقّد سليمان إيّاه(غير بعيد)أي زمانا غير طويل حتّى رجع.و قيل:مكث سليمان بعد تفقّده،و توعّده غير طويل حتّى عاد الهدهد.

و قيل:عاد الهدهد فمكث،أي وقف مكانا غير بعيد من سليمان،فقال: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ. (7:203)

الزّمخشريّ: غير زمان بعيد،كقوله:(عن قريب)،و وصف مكثه بقصر المدّة،للدّلالة على إسراعه خوفا من سليمان.(3:143)

مثله الفخر الرّازيّ.(24:189)

الطّبرسيّ: أي فلم يلبث سليمان إلاّ زمانا يسيرا حتّى جاء الهدهد.و قيل:معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثمّ رجع.و على هذا فيجوز أن يكون التّقدير:

ص: 136

فمكث في مكان غير بعيد.(4:218)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّ الضّمير في(فمكث)عائد على الهدهد،أي غير زمن بعيد،أي عن قرب.و وصف مكثه بقصر المدّة،للدّلالة على إسراعه خوفا من سليمان،و ليعلم كيف كان الطّير مسخّرا له،و لبيان ما أعطي من المعجزة الدّالّة على نبوّته و على قدرة اللّه.

و قيل:وقف مكانا غير بعيد من سليمان.[إلى أن قال:]

و قيل:الضّمير في(فمكث)لسليمان،و قيل:يحتمل أن يكون لسليمان و للهدهد.

و في الكلام حذف،فإن كان(غير بعيد)زمانا، فالتّقدير:فجاء سليمان فسأله ما غيّبك؟فقال:أحطت.

و إن كان مكانا،فالتّقدير:فجاء فوقف مكانا قريبا من سليمان،فسأله ما غيّبك؟(7:65)

أبو السّعود: زمانا غير مديد.(5:78)

الكاشانيّ: زمانا غير مديد،يريد به الدّلالة على سرعة رجوعه.(4:63)

البروسويّ: أي زمانا غير مديد،يشير إلى أنّ الغيبة و إن كانت موجبة للعذاب الشّديد و هو الحرمان من سعادة الحضور و منافعه،و لكنّه من أمارات السّعادة سرعة الرّجوع و تدارك الفائت.(6:338)

الآلوسيّ: الظّاهر أنّ الضّمير للهدهد،و(بعيد) صفة زمان،و الكلام بيان لمقدّر،كأنّه قيل:ما مضى من غيبته بعد التّهديد؟فقيل:مكث غير بعيد،أي مكث زمانا غير مديد.و وصف زمان مكثه بذلك للدّلالة على إسراعه خوفا من سليمان عليه السّلام،و ليعلم كيف كان الطّير مسخّرا له.

و قيل:الضّمير لسليمان،و هو كما ترى.و قيل:(بعيد) صفة مكان،أي فمكث الهدهد في مكان غير بعيد من سليمان.و جعله صفة الزّمان أولى.(19:186)

8- وَ قالُوا آمَنّا بِهِ وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. سبأ:52

الطّبريّ: و إنّما وصف ذلك الموضع بالبعيد لأنّهم قالوا ذلك في القيامة،فقال اللّه:أنّى لهم بالتّوبة المقبولة؟ و التّوبة المقبولة إنّما كانت في الدّنيا،و قد ذهبت الدّنيا، فصارت بعيدا من الآخرة.(22:110)

الطّبرسيّ: و قيل:معناه أنّهم طلبوا المردّ إلى الدّنيا،فالمراد أنّهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال و لم يرد بعد المكان و إنّما أراد بعد انتفاعهم بذلك،و بعدهم عن الصّواب.(4:398)

الفخر الرّازيّ: و المراد:ما مضى من الدّنيا.

(25:271)

القرطبيّ: أي من الآخرة.(14:317)

أبو حيّان:و المعنيّ من«أنّى لهم»تناول ما طلبوه من التّوبة بعد فوات وقتها،لأنّها إنّما تقبل في الدّنيا،و قد ذهبت الدّنيا فصارت على بعد من الآخرة،و ذلك قوله تعالى: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. (7:294)

الكاشانيّ: يعني بعد انقضاء زمان التّكليف.قال:

إنّهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال،و قد كان لهم مبذولا من حيث ينال.(4:227)

الطّباطبائيّ: و المراد بكونهم في مكان بعيد،أنّهم

ص: 137

في عالم الآخرة و هي دار تعيّن الجزاء،و هي أبعد ما يكون من عالم الدّنيا الّتي هي دار العمل و موطن الاكتساب بالاختيار.و قد تبدّل الغيب شهادة لهم و الشّهادة غيبا، كما تشير إليه الآية التّالية وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:53.

(16:391)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(11:846)

9- وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. سبأ:53

الفخر الرّازيّ: يحتمل أن يكون المراد منه:أنّ مأخذهم بعيد،أخذوا الشّريك من أنّهم لا يقدرون على أعمال كثيرة إلاّ إذا كانوا أشخاصا كثيرة،فكذلك المخلوقات الكثيرة.و أخذوا بعد الإعادة من حالهم، و عجزهم عن الإحياء،فإنّ المريض يداوى فإذا مات لا يمكنهم إعادة الرّوح إليه،و قياس اللّه على المخلوقات بعيد المأخذ.

و يحتمل أن يقال:إنّهم كانوا يقولون:بأنّ السّاعة إذا كانت قائمة فالثّواب و النّعيم لنا،كقول قائلهم: وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50، فكانوا يقولون ذلك،فإن كان من قول الرّسول فما كان ذلك عندهم حتّى يقولوا عن إحساس،فإنّ ما لا يجب عقلا لا يعلم إلاّ بالإحساس،أو بقول الصّادق،فهم كانوا يقولون عن الغيب من مكان بعيد.

فإن قيل:قد ذكرت أنّ الآخرة قريب،فكيف قال:

(من مكان بعيد)؟

نقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ ذلك قريب عند من آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و من لم يؤمن لا يمكنه التّصديق به،فيكون بعيدا عنده.

الثّاني:أنّ الحكاية يوم القيامة،و كأنّه قال:كانوا يقذفون من مكان بعيد و هو الدّنيا.

و يحتمل وجها آخر و هو أنّهم في الآخرة يقولون:

رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً السّجدة:

12،و هو قذف بالغيب من مكان بعيد،و هو الدّنيا.

(25:272)

القرطبيّ: أي إنّ اللّه بعّد لهم أن يعلموا صدق محمّد.و قيل:أراد البعد عن القلب،أي من مكان بعيد عن قلوبهم.(14:317)

الطّباطبائيّ: و المراد بقوله: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ رميهم عالم الآخرة و هم في الدّنيا بالظّنون مع عدم علمهم به،و كونه غائبا عن حواسّهم؛ إذ كانوا يقولون:لا بعث و لا جنّة و لا نار.

و قيل:المراد به رميهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالسّحر و الكذب و الافتراء و الشّعر.

و العناية في إطلاق المكان البعيد على الدّنيا بالنّسبة إلى الآخرة،نظيرة إطلاقه على الآخرة بالنّسبة إلى الدّنيا،و قد تقدّمت الإشارة إليه.

و معنى الآيتين:و قال المشركون حينما أخذوا:آمنّا بالحقّ الّذي هو القرآن،و أنّى لهم تناول الإيمان به،إيمانا يفيد النّجاة مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و هو الآخرة.و الحال أنّهم كفروا به من قبل في الدّنيا،و هم ينفون أمور الآخرة بالظّنون و الأوهام مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و هو الدّنيا.(16:391)

ص: 138

10- ...أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ. فصّلت:44

ابن عبّاس: سألوا الرّدّ حين لا ردّ.

(الأزهريّ 2:245)

مجاهد :بعيد من قلوبهم.(الطّبريّ 24:128)

الضّحّاك: ينادى الرّجل بأشنع اسمه.

(الطّبريّ 2:129)

ابن زيد: ضيّعوا أن يقبلوا الأمر من قريب، يتوبون و يؤمنون،فيقبل منهم،فأبوا.

(الطّبريّ 24:128)

الفرّاء: تقول للرّجل الّذي لا يفهم قولك:أنت تنادى من بعيد،تقول للفهم:إنّك لتأخذ الشّيء من قريب.و جاء في التّفسير:كأنّما ينادون من السّماء فلا يسمعون.(3:20)

نحوه الطّبريّ.(24:128)

الزّجّاج: يعني من قسوة قلوبهم يبعد عنهم ما يتلى عليهم.(4:390)

الطّبرسيّ: أي إنّهم لا يسمعون و لا يفهمون،كما أنّ من دعي من مكان بعيد لم يسمع و لم يفهم.و إنّما قال ذلك لبعد إفهامهم،و شدّة إعراضهم عنه.(5:17)

أبو السّعود: تمثيل لهم في عدم قبولهم و استماعهم له،بمن ينادى من مسافة نائية لا يكاد يسمع من مثلها الأصوات.(5:447)

البروسويّ: [قال نحو أبو السّعود و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:أولئك ينادون من مكان بعيد،لأنّ النّداء إنّما يجيء من فوق أعلى علّيّين و هم في أسفل السّافلين من الطّبيعة الإنسانيّة،و هم أبعد البعداء.(8:274)

الطّباطبائيّ: أي فلا يسمعون الصّوت و لا يرون الشّخص.و هو تمثيل لحالهم حيث لا يقبلون العظة و لا يعقلون الحجّة.(17:400)

11- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. ق:3

الطّبريّ: كما تقول للرّجل يخطئ في المسألة:لقد ذهبت مذهبا بعيدا من الصّواب،أي أخطأت.

(26:148)

الميبديّ: عن الصّدق لا يكون،و ليس المراد بعد الزّمان.و قيل:(بعيد)أي محال هذا،كقوله: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ الطّارق:8.(9:275)

الزّمخشريّ: مستبعد مستنكر،كقولك:هذا قول بعيد،و قد أبعد فلان في قوله،و معناه بعيد من الوهم و العادة.(4:4)

الطّبرسيّ: أي ردّ بعيد عن الأوهام،و إعادة بعيدة عن الكون،و المعنى أنّه لا يكون ذلك،لأنّه غير ممكن.

(5:141)

نحوه أبو السّعود.(6:123)

البروسويّ: بعيد جدّا عن الأوهام أو العادة أو الإمكان،أو عن الصّدق،غير كائن،لأنّه لا يمكن تمييز ترابنا من بقيّة التّراب.(9:103)

الطّباطبائيّ: و المراد بالبعد:البعد عن العقل.

(18:338)

عبد الكريم الخطيب: هو ممّا تسلّط عليه اسم الإشارة(هذا)في الآية السّابقة،فقولهم: هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ ق:2،مشار به إلى ما سبقه من قوله تعالى:

ص: 139

بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ق:2.

ثمّ هو مشار به إلى ما بعده،من قوله تعالى: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً أي أ إذا متنا و كنّا ترابا تعود إلينا الحياة مرّة أخرى. ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ تنكره الحياة، و لا تصدّقه العقول،فما أبعد ما بين الحياة و هذا التّراب الهامد الّذي غربت فيه الحياة.هكذا يقولون،ساخرين مستهزءين.(13:466)

12- وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. ق:31

الطّوسيّ: أي ليس ببعيد مجيء ذلك،لأنّ كلّ آت قريب،و لذلك قال الحسن:كأنّك بالدّنيا لم تكن، و بالآخرة لم تزل.(9:371)

الزّمخشريّ: نصب على الظّرف،أي مكانا غير بعيد،أو على الحال،و تذكيره،لأنّه على زنة المصدر كالزّئير و الصّليل،و المصادر يستوي في الوصف بها المذكّر و المؤنّث.

أو على حذف الموصوف،أي شيئا غير بعيد، و معناه التّوكيد،كما تقول:هو قريب غير بعيد،و عزيز غير ذليل.(4:10)

نحوه أبو السّعود(6:129)،و البروسويّ(9:130)

الطّبرسيّ: أي هي قريبة منهم لا يلحقهم ضرر و لا مشقّة في الوصول إليها.و قيل:معناه ليس ببعيد مجيء ذلك،لأنّ كلّ آت قريب.(5:149)

الفخر الرّازيّ: غَيْرَ بَعِيدٍ يحتمل أن يكون نصبا على الظّرف،يقال:اجلس غير بعيد منّي،أي مكانا غير بعيد.و على هذا فقوله: غَيْرَ بَعِيدٍ يفيد التّأكيد؛و ذلك لأنّ القريب قد يكون بعيدا بالنّسبة إلى شيء،فإنّ المكان الّذي هو على مسيرة يوم قريب بالنّسبة إلى البلاد النّائية و بعيد بالنّسبة إلى متنزّهات المدينة.

فإذا قال قائل:أيّما أقرب المسجد الأقصى أو البلد الّذي هو بأقصى المغرب أو المشرق؟يقال له:المسجد الأقصى قريب.و إن قال:أيّهما أقرب هو أو البلد؟يقال له:هو بعيد،فقوله تعالى: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ أي قربت قربا حقيقيّا لا نسبيّا؛حيث لا يقال فيها:إنّها بعيدة عنه،مقايسة أو مناسبة.

و يحتمل أن يكون نصبا على الحال،تقديره:غربت، حال كون ذلك غاية التّقرّب.

أو نقول على هذا الوجه:يكون معنى(ازلفت) قربت،و هي غير بعيد،فيحصل المعنيان جميعا الإقراب و الاقتراب.

أو يكون المراد القرب و الحصول لا للمكان، فيحصل معنيان:القرب المكاني بقوله:غير بعيد، و الحصول بقوله:(ازلفت).(28:175)

أبو حيّان: مكانا غير بعيد و هو تأكيد ل(ازلفت) رفع مجاز القرب بالوعد و الإخبار،فانتصاب(غير)على الظّرف صفة قامت مقام«مكان»فأعربت بإعرابه.

[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و كونه على وزن المصدر لا يسوّغ أن يكون المذكّر صفة للمؤنّث.(8:127)

الآلوسيّ: أي في مكان غير بعيد،بمرأى منهم بين يديهم.و فيه مبالغة ليست في التّخلية عن الظّرف،

ص: 140

ف غَيْرَ بَعِيدٍ صفة لظرف متعلّق ب(ازلفت)حذف، فقام مقامه و انتصب انتصابه،و لذلك لم يقل:غير بعيدة.

و جوّز أن يكون منصوبا على المصدريّة،و الأصل:

و أزلفت إزلافا غير بعيد،قال الإمام:أي عن قدرتنا.

و أن يكون حالا من الجنّة قصد به التّوكيد،كما تقول:عزيز غير ذليل،لأنّ العزّة تنافي الذّلّ،و نفي مضادّ الشّيء تأكيد إثباته،و فيه دفع توهّم أنّ ثمّ تجوّزا أو شوبا من الضّدّ.

و لم يقل:غير بعيدة عليه،قيل:لتأويل الجنّة بالبستان.

و قيل:لأنّ«البعيد»على زنة المصدر الّذي من شأنه أن يستوي فيه المؤنّث و المذكّر كالزّئير و الصّليل،فعومل معاملته و أجري مجراه.

و قيل:لأنّ«فعيلا»بمعنى«فاعل»قد يجري مجرى «فعيل»بمعنى«مفعول»فيستوي فيه الأمران.

(26:188)

الطّباطبائيّ: و غَيْرَ بَعِيدٍ -على ما قيل-صفة لظرف محذوف،و التّقدير:في مكان غير بعيد.

و المعنى:و قربت الجنّة يومئذ للمتّقين حال كونها في مكان غير بعيد،أي هي بين أيديهم،لا تكلّف لهم في دخولها.(18:354)

بعيدا

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَ نَراهُ قَرِيباً. المعارج:6،7

الطّبريّ: إنّهم يرونه غير واقع،و نحن نراه قريبا، لأنّه كائن،و كلّ ما هو آت قريب.(29:73)

الماورديّ: و في المراد بالبعيد وجهان:

أحدهما:مستحيل غير كائن،الثّاني:استبعاد منهم للآخرة.(6:91)

الطّوسيّ: هذا على وجه الإنكار عليهم استبعادهم يوم الجزاء،و توهّمهم أنّه بعيد.(10:116)

نحوه الطّبرسيّ.(5:353)

الميبديّ: أي إنّ الكفّار يرون العذاب و اليوم المذكور بعيدا مستحيلا غير ممكن،و نراه قريبا من الفهوم ممكنا.

و قيل:إنّهم يرونه بعيدا،أي بطيئا وقوعه،و نراه قريبا،أي سريعا وقوعه،لأنّ ما هو آت قريب،هذا كقوله: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:53.

(10:226)

الزّمخشريّ: أي يستبعدونه على جهة الإحالة، و نحن نراه قريبا هيّنا في قدرتنا،غير بعيد علينا و لا متعذّر.فالمراد بالبعيد:البعيد من الإمكان، و بالقريب:القريب منه.(4:157)

مثله الفخر الرّازيّ(30:125)،و نحوه أبو السّعود (5:193)،و البروسويّ(10:159)و الآلوسيّ(29:

58).

أبو حيّان: و البعد و القرب في الإمكان لا في المسافة.

(8:333)

بعدا

1- ..وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. هود:44

الطّبريّ: أبعد اللّه القوم الظّالمين الّذين كفروا باللّه، من قوم نوح.(12:46)

ص: 141

الطّوسيّ: معناه أبعدهم اللّه من الخير بعدا،على وجه الدّعاء.

و يجوز أن يكون اللّه تعالى قال لهم ذلك،و يجوز أن يكون المؤمنون دعوا عليهم بذلك،و هو منصوب على المصدر.(5:563)

نحوه الطّبرسيّ.(3:165)

الميبديّ: (بعدا)مصدر موضوع موضع الأمر، قيل:سحقا لهؤلاء الظّالمين و لعنة عليهم.و هي من كلمات نفي النّدم الّتي نزّه بها ذاته،كما قال في موضع آخر: أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:68، أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ هود:95.(4:392)

الزّمخشريّ: يقال:بعد بعدا و بعدا،إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك و الموت و نحو ذلك،و لذلك اختصّ بدعاء السّوء.(2:271)

نحوه البيضاويّ(1:469)،و الكاشانيّ(2:448)، و القاسميّ(9:3441)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أنّه من كلام اللّه تعالى،قال لهم ذلك على سبيل اللّعن و الطّرد.

و الثّاني:أن يكون ذلك من كلام نوح عليه السّلام و أصحابه،لأنّ الغالب ممّن يسلم من الأمر الهائل بسبب اجتماع قوم من الظّلمة،فإذا هلكوا و نجا منهم قال مثل هذا الكلام،و لأنّه جار مجرى الدّعاء عليهم،فجعله من كلام البشر أليق.(17:235)

القرطبيّ: أي هلاكا لهم.(9:41)

أبو حيّان: الظّاهر أنّ قوله: وَ قِيلَ بُعْداً من قول اللّه تعالى كالأفعال السّابقة،و بني الجميع للمفعول للعلم بالفاعل.

و قيل:من قول نوح و المؤمنين،قيل:و يحتمل أن يكون من قول الملائكة،قيل:و يحتمل أن يكون ذلك عبارة عن بلوغ الأمر ذلك المبلغ و إن لم يكن ثمّ قول محسوس.

و معنى بعدا:هلاكا.(5:229)

أبو السّعود: أي هلاكا لهم،و التّعرّض لوصف الظّلم للاشعار بعلّيّته للهلاك و لتذكيره ما سبق،من قوله تعالى: وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ هود:37.(3:317)

البروسويّ: قوله:(بعدا)مصدر مؤكّد لفعله المقدّر،أي بعدوا بعدا أي هلكوا،من قولهم:بعدا و بعدا إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك و الموت.و المعنى الدّعاء عليهم بذلك،و هو تعليم من اللّه تعالى لعباده أن يدعوا على الظّالمين به،أي ليبعد القوم بعدا و ليهلكوا.

(4:136)

الآلوسيّ: ذكر بعضهم أنّ البعد في الأصل ضدّ القرب،و هو باعتبار المكان،و يكون في المحسوس،و قد يقال في المعقول،نحو ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً. و استعماله في الهلاك مجاز.(12:65)

رشيد رضا: أي هلاكا و سحقا لهم،و بعدا من رحمة اللّه تعالى،بما كان من رسوخهم في الظّلم و استمرارهم عليه،و فقدهم الاستعداد للتّوبة، و الرّجوع إلى اللّه عزّ و جلّ،و سيأتي مثل هذا في أمثالهم من أقوام الأنبياء أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ هود:60،

ص: 142

أَلا بُعْداً لِثَمُودَ هود:68.(12:80)

الطّباطبائيّ: أي قال اللّه عزّ اسمه: بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ، أي ليبعدوا بعدا،فأبعدهم بذلك من رحمته، و طردهم عن دار كرامته.و الكلام في ترك ذكر فاعل (قيل)هاهنا كالكلام فيه في(قيل)السّابق.

و الأمر أيضا في قوله: بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ كالأمرين السّابقين يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي هود:44،تكوينيّ،فهو عين ما أنقذه اللّه فيهم من الغرق المؤدّي إلى خزيهم في الدّنيا و خسرانهم في الآخرة،و إن كان من جهة وجه آخر من جنس الأمر التّشريعيّ،لتفرّعه على مخالفتهم الأمر الإلهيّ بالإيمان و العمل،و كونه جزاء لهم على استكبارهم و استعلائهم على اللّه عزّ و جلّ.(10:231)

2- ..أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ. هود:60

الطّبريّ: أبعدهم اللّه من الخير.(12:62)

الطّوسيّ: نصب(بعدا)على المصدر،و المعنى أبعدهم اللّه بعدا.و وقع(بعدا)موضع إبعاد،كما وقع نبات موضع إنبات في قوله: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17.6:15)

الزّمخشريّ: إن قلت:(بعدا)دعاء بالهلاك،فما معنى الدّعاء به عليهم بعد هلاكهم؟

قلت:معناه الدّلالة على أنّهم كانوا مستأهلين له.

[ثمّ استشهد بشعر](2:277)

الطّبرسيّ: أي أبعدهم من رحمته.(3:171)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالان:

الأوّل:اللّعن هو البعد،فلمّا قال: وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ فما الفائدة في قوله: أَلا بُعْداً لِعادٍ؟

و الجواب:التّكرير بعبارتين مختلفتين يدلّ على غاية التّأكيد.

الثّاني:ما الفائدة في قوله: لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ؟

الجواب:كان عاد عادين،فالأولى:القديمة هم قوم هود،و الثّانية:هم إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الفجر:7، فذكر ذلك لإزالة الاشتباه.

و الثّاني:أنّ المبالغة في التّنصيص تدلّ على مزيد التّأكيد.(18:16)

القرطبيّ: أي لا زالوا مبعدين عن رحمة اللّه.

و البعد:الهلاك.و البعد:التّباعد من الخير.(9:55)

أبو السّعود: دعاء عليهم بالهلاك مع كونهم هالكين أيّ هلاك،تسجيلا عليهم باستحقاق الهلاك و استيجاب الدّمار.

و تكرير حرف التّنبيه و إعادة(عاد)للمبالغة في تفظيع حالهم،و الحثّ على الاعتبار بقصّتهم.(3:30)

نحوه البروسويّ.(4:152)

الآلوسيّ: دعاء عليهم بالهلاك مع أنّهم هالكون أيّ هلاك،تسجيلا عليهم باستحقاق ذلك و الاستئهال له،و يقال في الدّعاء بالبقاء و استحقاقه:لا يبعد فلان، و هو في كلام العرب كثير.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّز أن يكون دعاء باللّعن،كما في«القاموس» البعد و البعاد:اللّعن.(12:87)

ص: 143

3- فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. المؤمنون:41

الطّبريّ: فأبعد اللّه القوم الكافرين بهلاكهم؛إذ كفروا بربّهم،و عصوا رسله،و ظلموا أنفسهم(18:23)

الميبديّ: هذا كلام من لا يغلط في فعله و لا يندم على أمره،و تجده في القرآن في مواضع.(6:436)

الزّمخشريّ: بعدا و سحقا و دفرا و نحوها مصادر موضوعة مواضع أفعالها،و هي من جملة المصادر الّتي قال سيبويه:نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها.و معنى بعدا:بعدوا،أي هلكوا،يقال:بعد بعدا و بعدا نحو رشد رشدا و رشدا.(3:32)

نحوه النّسفيّ(3:120)،و البروسويّ(6:83)

القرطبيّ: أي هلاكا لهم،و قيل:بعدا لهم من رحمة اللّه،و هو منصوب على المصدر،و مثله سقيا له و رعيا.

(12:124)

الآلوسيّ: و البعد:ضدّ القرب،و الهلاك،و فعلهما ك«كرم و فرح»،و المتعارف الأوّل في الأوّل و الثّاني في الثّاني،و هو منصوب بمقدّر،أي بعدوا بعدا من رحمة اللّه تعالى،أو من كلّ خير،أو من النّجاة،أو هلكوا هلاكا.

و يجب حذف ناصب هذا المصدر عند سيبويه فيما إذا كان دعائيّا،كما صرّح به في«الدّرّ المصون».و اللاّم لبيان من دعي عليه أو أخبر ببعده،فهي متعلّقة بمحذوف لا ب(بعدا)،و وضع الظّاهر موضع الضّمير إيذانا بأنّ إبعادهم لظلمهم.(18:34)

الطّباطبائيّ: إبعاد و لعن لهم،أو دعاء عليهم و المعنى فأنجزنا للرّسول ما وعدناه من عذابهم،فأخذتهم الصّيحة السّماويّة و هي العذاب،فأهلكناهم و جعلناهم كغثاء السّيل،فليبعد القوم الظّالمون بعدا.(15:33)

بعد

1- لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. الرّوم:4

ابن جريج: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ: دولة فارس على الرّوم، وَ مِنْ بَعْدُ: دولة الرّوم على فارس.

(الطّبريّ 21:21)

الفرّاء: القراءة بالرّفع بغير تنوين،لأنّهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة،فلمّا أدّتا عن معنى ما أضيفتا إليه،و سموهما بالرّفع و هما مخفوضتان،ليكون الرّفع دليلا على ما سقط ممّا أضفتهما إليه،و كذلك ما أشبههما.[ثمّ استشهد بشعر]

ترفع إذا جعلته غاية،و لم تذكر بعده الّذي أضفته إليه.فإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت:«للّه الأمر من قبل و من بعد»كأنّك أظهرت المخفوض الّذي أسندت إليه (قبل)و(بعد).

و سمع الكسائيّ بعض بني أسد يقرؤها (لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ) يخفض(قبل)و يرفع(بعد)على ما نوى.

[ثمّ استشهد بشعر و شرحه إلى أن قال:]

كما تعرف أنّ(قبل)لا يكون إلاّ قبل شيء،و أنّ (بعد)كذلك.و لو أطلقتهما بالعربيّة فنوّنت و فيهما معنى الإضافة،فخفضت في الخفض و نوّنت في النّصب و الرّفع لكان صوابا،قد سمع ذلك من العرب.[ثمّ استشهد بأشعار](2:319)

ص: 144

الزّجّاج: القراءة الضّمّ،و عليه أهل العربيّة، و القرّاء كلّهم مجمعون عليه.فأمّا النّحويّون فيجيزون (من قبل و من بعد)بالتّنوين،و بعضهم يجيز من(قبل و من بعد)بغير تنوين.

و هذا خطأ،لأنّ(قبل و بعد)هاهنا أصلهما الخفض، و لكن بنيتا على الضّمّ،لأنّهما غايتان.و معنى غاية أنّ الكلمة حذفت منها الإضافة،و جعلت غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف.

و إنّما بنيتا على الضّمّ،لأنّ إعرابهما في الإضافة النّصب و الخفض،تقول:رأيته قبلك و من قبلك، و لا يرفعان لأنّهما لا يحدّث عنهما،لأنّهما استعملتا ظرفين،فلمّا عدلا عن بابهما حرّكا بغير الحركتين اللّتين كانتا تدخلان عليهما بحقّ الإعراب.

فأمّا وجوب ذهاب إعرابهما،و بناؤهما؛فلأنّهما عرّفا من غير جهة التّعريف،لأنّه حذف منهما ما أضيفتا إليه،و المعنى:للّه الأمر من قبل أن يغلب الرّوم و من بعد ما غلبت.

و أمّا الخفض و التّنوين فعلى من جعلهما نكرتين، المعنى:للّه الأمر من تقدّم و تأخّر.

و الضّمّ أجود،فأمّا الكسر بلا تنوين فذكر الفرّاء أنّه تركه على ما كان يكون عليه في الإضافة و لم ينوّن، و احتجّ بقول الأوّل (1):

*بين ذراعي و جبهة الأسد*

و بقوله:

*ألاّ غلالة أو بداهة قارح نهد الجرارة*

و ليس هذا كذلك،لأنّ معنى بين ذراعي و جبهة الأسد:بين ذراعيه و جبهته،فقد ذكر أحد المضافين إليهما،و ذلك لو كان«للّه الأمر من قبل و من بعد كذا» لجاز،و كان المعنى:من قبل كذا و من بعد كذا.و ليس هذا القول ممّا يعرّج عليه،و لا قاله أحد من النّحويّين المتقدّمين.(4:176)

الطّوسيّ: تقديره:من بعد غلبهم و من قبل غلبهم،فقطع عن الإضافة و بني،لأنّه على الغاية.

و تفسيرها أنّه ظرف قطع عن الإضافة الّتي هي غاية،فصار كبعض الاسم،فاستحقّ البناء،و بني على الحركة،لأنّ له أصلا في التّمكّن يستعمل،و بني على الضّمّة لأنّها حركة لا تكون له في حال الإعراب،فهي أدلّ على البناء.(8:229)

الميبديّ: هما مرفوعان على الغاية،و المعنى من قبل دولة الرّوم على فارس و من بعدها،فأيّ الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر اللّه و قضائه و قدره.

و قيل:للّه المشيئة التّامّة و الإرادة النّافذة من قبل هذه الوقائع و من بعدها،فيرزق الظّفر من شاء و يجعل الدّبرة على من شاء.

و قيل:للّه الامر من قبل كلّ شيء و من بعد كلّ شيء.(7:429)

الزّمخشريّ: أي في أوّل الوقتين و في آخرهما حين غلبوا و حين يغلبون،كأنّه قيل:من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،يعني أنّ كونهم مغلوبين أوّلا و غالبين آخرا،ليس إلاّ بأمر اللّه و قضائه.ه.

ص: 145


1- جاء في الهامش:البيت للفرزدق،و ذكر صدره.

و قرئ (من قبل و من بعد) على الجرّ من غير تقدير مضاف إليه و اقتطاعه،كأنّه قيل:قبلا و بعدا،بمعنى أوّلا و آخرا.(3:214)

نحوه البروسويّ.(7:6)

ابن عطيّة: لِلّهِ الْأَمْرُ أي إنقاذ الأحكام مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ أي من بعد هذه الغلبة الّتي بين هؤلاء القوم.و(قبل)و(بعد)ظرفان بنيا على الضّمّ،لأنّهما تعرّفا بحذف ما أضيفا إليه،و صارا متضمّنين ما حذف؛ فخالفا معرب الأسماء،و أشبها الحروف في التّضمين فبنيا.

و خصّا بالضّمّ لشبههما بالمنادى المفرد،في أنّه إذا نكّر أو أضيف زال بناؤه،و كذلك هما فضمّا،كما المنادى مبنيّ على الضّمّ.

و قيل في ذلك أيضا:إنّ الفتح تعذّر فيهما،لأنّه حالهما في إظهار ما أضيفا إليه،و تعذّر الكسر لأنّه حالهما عند إضافتهما إلى المتكلّم،و تعذّر السّكون لأنّ ما قبل أحدهما ساكن،فلم يبق إلاّ الضّمّ فبنيا عليه.

و من العرب من يقول:(من قبل و من بعد)بالخفض و التّنوين.(4:328)

نحوه القرطبيّ.(14:7)

الفخر الرّازيّ: أي من قبل الغلبة و من بعدها،أو من قبل هذه المدّة و من بعدها،يعني إن أراد غلبهم غلبهم قبل بضع سنين،و إن أراد غلبهم غلبهم بعدها،و ما قدر هذه المدّة لعجز،و إنّما هي إرادة نافذة.[ثمّ ذكر وجه بنائهما على الضّمّ نحو ابن عطيّة](25:96)

أبو حيّان:و قرأ الجمهور من (قبل و من بعد) بضمّهما،أي من قبل غلبة الرّوم و من بعدها.و لمّا كانا مضافين إلى معرفة و حذفت،بنيا على الضّمّ،و الكلام على ذلك مذكور في علم النّحو.

و قرأ أبو السّمال و الجحدريّ و عون العقيليّ (من قبل و من بعد) بالكسر و التّنوين فيهما.(7:162)

الآلوسيّ: أي من قبل هذه الحالة و من بعدها،و هو حاصل ما قيل:أي من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،و تقديم الخبر للتّخصيص.

و المعنى أنّ كلاّ من كونهم مغلوبين أوّلا و غالبين آخرا ليس إلاّ بأمر اللّه تعالى شأنه و قضائه عزّ و جلّ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ آل عمران:140.

و قرأ أبو السّمال و الجحدريّ عن العقيليّ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ بالكسر و التّنوين فيهما،فليس هناك مضاف إليه مقدّر أصلا على المشهور،كأنّه قيل:للّه الأمر قبلا و بعدا،أي في زمان متقدّم و في زمان متأخّر،و حذف بعضهم الموصوف.

و ذكر السّكّاكيّ أنّ المضاف إليه مقدّر في مثل ذلك أيضا،و التّنوين عوض عنه.و جوّز الفرّاء الكسر من غير تنوين.

و قال الزّجّاج: إنّه خطأ،لأنّه إمّا أن لا يقدّر فيه الإضافة فينوّن،أو يقدّر فيبنى على الضّمّ.و أمّا تقدير لفظه قياسا على قوله:

*بين ذراعي و جبهة الأسد*

فقياس مع الفارق،لذكره فيه بعد،و ما نحن فيه ليس كذلك.(21:20)

ص: 146

الطّباطبائيّ: (قبل و بعد)مبنيّان على الضّمّ، فهناك مضاف إليه مقدّر،و التّقدير:للّه الأمر من قبل أن غلبت الرّوم و من بعد أن غلبت،يأمر بما يشاء،فينصر من يشاء و يخذل من يشاء.

و قيل:المعنى للّه الأمر من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين،و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين،أي وقت كونهم مغلوبين و وقت كونهم غالبين.و المعنى الأوّل أرجح،إن لم يكن راجحا متعيّنا.(16:155)

2- وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ...

الأنبياء:105

ابن خالويه :ليس في القرآن«بعد»بمعنى«قبل» إلاّ حرف واحد. وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ. (السّيوطيّ 2:160)

الميبديّ: و«بعد»بمعنى«قبل»كقوله: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها النّازعات:30،أي قبل ذلك،و مثله في الظّروف«وراء»فإنّه يكون بمعنى«خلف»و بمعنى «أمام»و يستعمل لهما.(6:318)

3- وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّهُ. العنكبوت:63

الإسكافيّ: قوله تعالى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الجاثية:5،و البقرة:164.

للسّائل أن يسأل عن الآية من سورة العنكبوت، لما ذا خصّت ب(من)في قوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها و أخلي الموضعان الآخران منها.؟

و الجواب أن يقال:إنّ التّقرير يؤثّر فيه من تحقيق الكلام ما لا يؤثّر في غيره،و الظّروف إذا حدّث حقّقت، تقول:سرت اليوم.فإن قلت:من أوّله إلى آخره،كان الحدّ تحقيقا،لأنّه قد يطلق لفظ اليوم و إن ذهبت ساعة أو ساعتان من أوّله،و إن بقيت ساعة أو ساعتان من آخره.فإذا وقع الحدّ زال هذا الوهم.

فقوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها تحقيق لأنّه محدود ب(من) و خصّ به التّقرير،لأنّه من أماكنه،و قوله تعالى في الآيتين الأخيرتين فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ليس فيه تقرير كما كانت الأولى،و إن كان يؤدّي معنى المحدود،إلاّ أنّه ليس له لفظه،فاختلف الموضعان بما ذكرت.(358)

الكرمانيّ: قوله: مِنْ بَعْدِ مَوْتِها و في البقرة و الجاثية و الرّوم: بَعْدِ مَوْتِها لأنّ في هذه السّورة وافق ما قبله،و هو:«من قبله»فإنّهما يتوافقان.و فيه شيء آخر،و هو أنّ ما في هذه السّورة بسؤال و تقدير، و التّقدير يحتاج إلى التّحقيق فوق غيره،فقيّد الظّرف ب(من)فجمع بين طرفيه،كما سبق.(154)

4- وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.

النّحل:70

الإسكافيّ: قوله تعالى: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً النّحل:70،و قوله: لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً الحجّ:5.

ص: 147

للسّائل أن يسأل فيقول:ما الفرق بين قوله: لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إذا لم يكن فيه«من»و بين قوله:

لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً و لأيّ معنى اختصّت الآية من سورة الحجّ ب«من»و خلت منها الآية في سورة النّحل؟

الجواب أن يقال:ذكر في سورة النّحل الجملة الّتي فصّلت في سورة الحجّ،و كانت لفظة(بعد)لجملة الزّمان المتأخّر عن الشّيء،قال: وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ فأجمل ما فصّل في السّورة الأخرى،و بعده ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي يعزب عنه في حال الهرم ما كان يعلمه قبل من الحكم،و يستدركه من الآراء المصيبة،و يرتكبه من المذاهب القويمة،كان هذا موضع جمل لا تفصيل معها و لا تحديد.

و لم يكن كذلك الأمر في سورة الحجّ،لأنّه قال:

يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني أصلكم و هو آدم عليه السّلام ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أولاده ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ فذكر تفصيل الأحوال و مبادئها،فقال:من كذا و من كذا الابتداء كلّ حال ينتقل منه إلى غيره،فبنى ذكر الحال الّتي ينتقل فيها من العلم إلى فقده على الأحوال الّتي تقدّم ذكرها.

فكما حدّد أوائلها ب«من»كذلك حدّد الحال الأخيرة المنتقلة عمّا قبلها ب«من»فقال: مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ أي فقد العلم من بعد أن كان عالما،فباين الموضع الأوّل لذلك.(268)

5- لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ... الأحزاب:52

راجع زوج«أزواج».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البعد،خلاف القرب، يقال:بعد يبعد بعدا فهو بعيد،و أبعده اللّه:نحّاه عن الخير، و باعد اللّه بينهما و بعّد،و كذا باعده و بعّده عن الخير، و استبعد فلان:تباعد،و استبعد فلانا:عدّه بعيدا.

و بعد يبعد بعدا،و بعد يبعد بعدا أيضا:هلك أو اغترب.و ينبغي أن يكون أصله البعد المادّيّ و المكانيّ، ثمّ توسّع إلى البعد المعنويّ،كالبعد عن الخير و الشّرّ و عن المال و المنال و عن الحياة و الممات،و من هنا أفاد معنى الهلاك،و منه:بعدا أو سحقا لك،من البعد المعنويّ:رجل ذو بعد،أي ذو رأي و حزم،و كأنّه يرى الأشياء و عواقب الأمور من بعيد.

و البعد الزّمانيّ متوسّط بينهما،و منه:بعد:خلاف قبل؛إذ قبل يدلّ على الإتيان و الاستقبال،و هو قريب، و بعد يدلّ على المضيّ و الاستدبار،و هو بعيد؛يقال:

رأيته بعيدات بين،أي بعد فراق،و ذلك إذا كان الرّجل يمسك عن إتيان صاحبه مدّة ثمّ يأتيه،ثمّ يمسك عنه نحو ذلك ثمّ يأتيه.

2-و يستعمل«بعد»مضافا و منقطعا عن الإضافة، فإذا أضيف أعرب،و إذا قطع بني على الضّمّ.و قولهم في الخطابة:«أمّا بعد»فهو مقطوع لفظا و مضاف معنى،لأنّ

ص: 148

تقديره:أمّا بعد دعائي لك،أو أمّا بعد حمد اللّه،و سمّي فصل الخطاب.و قيل:إنّ داود أوّل من قاله،لقوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20.

و هذا رأي واه،لأنّ لسان داود عبريّ،و هذا كلام عربيّ،كما أنّ جعل«فصل الخطاب»بمعنى«أمّا بعد»،هو من قبيل الشّرح أو التّأويل،و إلاّ فالمراد به القضاء بالحقّ.

3-و لم يرد اسم لهذه المادّة في اللّغة سوى«بعدان»:

اسم مكان،على ما ذكره ياقوت في«معجم البلدان» و قياسه إذا كان منقولا اسم فاعل من:بعد فهو بعدان، نحو:عطش فهو عطشان.إلاّ أنّ السّيوطيّ ما ذكره في عداد الأسماء الّتي جاءت على(فعلان)بل حصر ذلك في خمسة مواضع و اسم واحد،و ليس«بعدان»من بينها. (1)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت هذه المادّة في القرآن فعلا ماضيا مجرّدا مرّتين،و أمرا من باب«المفاعلة»مرّة واحدة،و مصدرا (6)مرّات،و صفة على وزن«فعيل»(25)مرّة،و على وزن(فعل)مرّة واحدة،و اسما:بعد(199)مرّة.أمّا الفعل و المصدر فجاءا تارة بمعنى البعد المكانيّ،و أخرى البعد المعنويّ،أي الهلاك و الدّمار.

أمّا الأوّل ففيه ثلاث آيات:

1- وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ التّوبة:42

2- فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ سبأ:19

3- حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ الزّخرف:38

يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا في سياق الذّمّ و المهانة في ثلاثة مواضع:

فالأولى:الإزراء بمنافقي هذه الأمّة للقعود عن الجهاد و الاعتذار من المشاركة في القتال و تمام الآية: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، فهي مدنيّة، و الأخريان مكّيّتان.

و الثّانية:جاءت في شأن قوم سبأ الّذين أغرقهم اللّه بالسّيل العرم لكفرهم،و سلب منهم النّعمة،لظلمهم أنفسهم،و كانت المسافة بين قراهم قريبة،فسألوا ربّهم بأن يباعد بينها و فيها نكات:

1-جاء هذا اللّفظ مرّة واحدة من باب«المفاعلة» لهذه المادّة،أمرا متعدّيا،و لا ثاني له في القرآن،فهل فيه دلالة على أنّه كان نادر الاستعمال؟

2-تأتي المفاعلة عادة للمشاركة بين اثنين أحدهما فاعل و الآخر مفعول،مثل:ضارب زيد عمرا،و جاءت هنا للمشاركة بين الأسفار،فإنّ لكلّ منها نصيبا من البعد،و إن شئت قلت:إنّها هنا ليست للمشاركة بل هي بمعنى التّفريق و إيجاد البعد بين شيئين نظير«سافر»أي أحدث السّفر،أو هي للتّكثير أو للتّعدية.

3-هي الوحيدة بين آيات هذه المادّة في نسبة البعد -و هو صفة ذمّ و نقص-إلى اللّه حكاية عن قوم سبأ، لكن بمعنى إيجاده لغيره،دون اتّصافه به،مع أنّه تعالى

ص: 149


1- المزهر(2:67).

يتّصف بالقرب-و هو صفة مدح-كما قال: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186،و إن لم يكن القرب فيها في المكان و الزّمان.و يأتي في(مبعدون)أيضا أنّه جاء مجهولا و لم يسمّ فاعله-و إن كان هو اللّه-تنزيها له تعالى،أو تفخيما للأمر.

و أمّا الثّالثة:فجاءت في المشركين؛إذ قد صدّهم الشّيطان-الّذي جعله اللّه قرينا له-عن السّبيل،و هم يحسبون أنّهم مهتدون،فهم الّذين إذا جاءوا ربّهم في الآخرة و رأوا العذاب قال أحدهم لقرينه الّذي يلازمه في الآخرة كما لازمه في الدّنيا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، أي يتمنّى أن يبتعد عن قرين السّوء هذا بعد المشرق عن المغرب،أو بعد مشرق الصّيف عن مشرق الشّتاء-كما قيل-و هو بعيد.

ثانيا:أنّها جامعة بين الكفّار و المنافقين من هذه الأمّة و الأمم السّالفة،كما أنّها جامعة بين الدّنيا و الآخرة.

ثالثا:وصف هؤلاء في الأولى بالهالكين و الكاذبين يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، إذ حلفوا باللّه أنّهم لو استطاعوا لخرجوا مع المؤمنين إلى ساحة القتال.

و وصفوا في الأخيرتين بالظّالمين لأنفسهم وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ الزّخرف:39.

رابعا:لقد أسند اللّه الهلاك و الظّلم إلى أنفسهم في(1) و(2)صريحا،و في(3)إيماء.

و أمّا الثّاني،أي البعد المعنويّ ففيه ستّ آيات:

1- وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. هود:44

2- أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ هود:60

3- أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ

هود:68

4- أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ هود:95

5- فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ

المؤمنون:41

6- وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ

المؤمنون:44

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت جميعا في سورتين مكّيّتين:هود و المؤمنون،أربعا في«هود»و اثنتين في «المؤمنون»و فيها تقريع و تعنيف و توبيخ للكافرين من الأمم السّابقة.فآيتا«المؤمنون»جاءتا في الأقوام و الأمم الّتي عاشت في العصور الواقعة بين نوح و موسى عليهما السّلام دون أن يسمّيهم،و ما في«هود»فإنّ الأولى في قوم نوح، و الثّانية في قوم عاد،و الثّالثة في قوم ثمود،و الرّابعة في أهل مدين.فهذه الثّلاثة الأخيرة تفصيل و شرح لما في «المؤمنون».

ثانيا:أنّها جميعا لعن الكافرين و دعاء عليهم، فخمس منها خطاب من اللّه تعالى،و واحدة-و هي الأولى الخاصّة بقوم نوح-أسندت إلى قائل مجهول وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ. و في هذا بلاغ و تأكيد أشدّ لدمارهم،كأنّ قوم نوح لمّا أغرقوا لم يبق بعدهم أحد يقول لهم:بعدا،إلاّ قائل مجهول،أو أنّهم لم يكونوا في حدّ

ص: 150

يخاطبهم اللّه تعالى،فهم أدنى من ذلك.

ثالثا:وصف القوم في واحدة منها-أي(6)- ب(لا يؤمنون)،و في اثنتين-(1)و(5)-ب(الظّالمين)،و في اثنتين أيضا-(2)و(3)-بالكفر في سياق واحد: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ، و في هاتين الآيتين ألوان من التّأكيد:

1-ورود كلمة(الا)فيهما مرّتين،و في المجموع خمس مرّات للإعلام و الإنذار.2-كلمة(انّ).3-كلمة (بعدا)مفعولا مطلقا مع حذف الفعل،ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن في الفعل المحذوف،مثل:

«سحق»،«هلك»،«دمر»،«بعد»،و الأخير من مادّته لفظا،و غيره يترادف معه معنى،و هذا نظير قولنا:

«بعدا».

و هناك فرق بين الآيتين،ففي(2): أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ، و في(3): أَلا بُعْداً لِثَمُودَ دون ذكر «قوم صالح»،و ذلك رعاية لرويّ الآيات،كما هو واضح.

و أمّا الآية(4)،فليس فيها شيء من هذه التّأكيدات صريحا،سوى(الا)مرّة واحدة و(بعدا) بحذف الفعل،و لكن عوّض عن ذلك بقوله: كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ الدّالّ على أنّه قد مرّ على قوم مدين ما مرّ على قوم ثمود من التّأكيد و الإدانة،مع الاحتفاظ بذلك برويّ الآيات بتكرار(ثمود).

على أنّه قد جاء في آية قبلها في شأنهم: وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:94،فوصفوا بالظّلم بدل الكفر،تناسقا للآيتين(1)و(5)،كما وصفوا في(6)بدل الكفر ب(لا يؤمنون).

رابعا:في آيتي«المؤمنون»تأكيد بليغ لدمار تلك الأقوام الّتي عاشت بين نوح و موسى عليهما السّلام بلفظين أصبح ثانيهما مثلا سائرا،فالأوّل: فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً، و الثّاني:

وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ، فإنّ التّعبير ب(جعلناهم) مشترك بينهما،يعني أنّه تعالى بقدرته و حكمته جعل تلك الأقوام في حيّز العدم.

بيد أنّ الفرق بين الكلمتين(غثاء)و(احاديث) شاسع جدّا،فالغثاء يعني الزّبد،و هو ما يحمله السّيل من رغوة و فتات،حيث ينعدم و يتلاشى كما قال: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17.و أمّا الأحاديث -و هي جمع الحديث،أي الكلام الحاكي القصص-فهي رغم بقائها بين الأقوام غاية في الدّمار و الهلاك،لأنّها تشهد بأنّه لم يبق لهولاء الأقوام وجود و أثر سوى الحديث عنهم في الكتب و الأساطير و السّمر و عند القاصّين،فألحقت أخبارهم بالأساطير السّائرة على ألسن النّاس،المشكوك وجودها رغم كونها صدقا و حقيقة،فهي أشبه بالخرافات و الأكاذيب،لتقادم أمدها و نسيان أخبارها،لاحظ«ح د ث»و«غ ث و».

و قد جاء هذا التّعبير مرّة أخرى في شأن قوم سبأ، في سياق مشابه لهذه الآية فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سبأ:19،و قد سبق الكلام في هذه الآية في قوله: باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا.

و هناك فرق آخر بين الآيتين أنّ التّوالي و التّتابع بين الحالات العارضة لهؤلاء الأقوام في الآية(5)أشدّ و آكد

ص: 151

من الآية(6)بتكرار الفاء في(5)ثلاث مرّات،و في(6) مرّتين،إضافة إلى أنّ الغثاء دالّ على الفناء بتاتا، و الأحاديث فيها شيء من البقاء و لو ذكرا كما سبق:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ المؤمنون:41

فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:44

و فيهما فرق ثالث يرجّح كفّة الأولى أيضا من ناحية البلاغ و التّأكيد و الإنذار،و هو قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ، و هو غاية في تهويل العذاب،فكلّ من الكلمات الثّلاث:(اخذتهم)،(الصّيحة)،(بالحقّ)فيها من التّهويل ما لا يقوم مقامها لفظ آخر،و بينه و بين قوله في(6): فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً بون شاسع،إذ يدلّ على مجرّد هلاكهم بعضهم تلو بعض.

و هناك فرق رابع بينهما يشدّد التّأكيد في(5)،و هو قوله: لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ، بالتّعريف و لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بالتّنكير في(6).فالأوّل يفيد أنّ هؤلاء قوم معروفون بالظّلم،و الثّاني يفيد أنّهم قوم مجهولون لا يعبأ بهم،كأنّهم قوم أصبحوا نسيا منسيّا على كرّ الدّهور و تبدّل العصور،و تحوّل الأحوال،و توالي الدّول و الآجال،و تبدّل الملل و الأجيال.ثمّ إنّ الظّلم أسوء من الكفر عند النّاس-بحسب فطرتهم-و أهل الأديان و غيرهم في ذلك سواء.فهذا وجه خامس يرجّح كفّة(5)تأكيدا.

بعيد و مبعد:

و أمّا الوصف من هذه المادّة فجاء على«فعيل» (25)مرّة،و على«مفعل»اسم مفعول من باب الإفعال، مرّة واحدة،و هو قوله:

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (الأنبياء:101،102)

و قد جاءت الآية عقيب وصف جهنّم و الكفّار الخالدين فيها إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ* لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ* لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ الأنبياء:98-100.

و اللاّفت للنّظر مجيء الوصف فيها بهذه الصّيغة (مبعدون)دون بعيد كما في غيرها،فما هو السّبب؟

و الّذي يخطر بالبال-و اللّه أعلم-أمران:لفظيّ و معنويّ،أمّا اللّفظيّ فمتابعة الرّويّ،و هو(واردون)، و(خالدون)مرّتين قبله،و بعده،و(توعدون) و(صالحون)...و أمّا المعنويّ فيستفاد منه أنّ هؤلاء الّذين سبقت من اللّه لهم الحسنى إنّما أبعدوا عن النّار بإرادة من اللّه،و في هذا مزيد فضل لهم؛إذ اللّه بتفضّله عليهم و إكرامه لهم تصدّى بنفسه،لإبعادهم عن النّار،و حذف الفاعل تفخيما و إبهاما للأمر،أو تنزيها له تعالى عن نسبة البعد إليه كما سبق في«باعد»لازما.

و ما أشدّ ائتلافه و ملاءمته لقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى، أي من إتمام هذه الكرامة و الحسنى الّتي سبقت لهم منّا أن جعلناهم نحن مبعدين عن النّار الّتي أحاطت بالكافرين المخلّدين فيها.

و فيه إيماء لطيف إلى أنّه لو لا هذا الفضل من اللّه

ص: 152

عليهم لكادت النّار تقترب منهم أو تحيط بهم،مصداقا لقوله تعالى: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ الأنعام:16،أي من يصرف عنه العذاب يوم القيامة فهو بفضل اللّه و رحمته،و التّعبير فيها ب(يصرف عنه) مساوق ل(مبعدون)في هذه الآية.

ثمّ إنّ(باعد)و(مبعدون)فقط جاء(من هذه المادّة من المزيد فيه متعدّيا و غيرهما جاء من المجرّد لازما.

بعيد:
اشارة

و هو على ثلاثة أقسام:مكانيّ و زمانيّ و معنويّ، و إليك التّفصيل:

الأوّل:البعد المكانيّ،و فيه سبع آيات:

1- إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً الفرقان:12

2- وَ قالُوا آمَنّا بِهِ وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:52

3- وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:53

4- وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فصّلت:44

5- وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً آل عمران:30

6- وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هود:89

7- وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ق:31

يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا وعيد و إنذار للكافرين، سوى الأخيرة(7)،فإنّها وعد للمتّقين.

ثانيا:أنّها جميعا راجعة إلى الدّار الآخرة،سوى (6)،فإنّها جاءت في قوم شعيب و أصحاب مدين، حيث قال لهم نبيّهم: وَ يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، أي أنّ دارهم قريبة من داركم،و كانوا جميعا يسكنون في جزيرة العرب قرب فلسطين.و قيل:إنّهم قريبون منكم زمانا.

و عليه فالآية داخلة في قسم الزّمانيّ،كما أنّ الآية (5)أيضا تحمل معنى المكان و الزّمان،فإنّ لفظ«أمد» فيها بمعنى الغاية الّتي ينتهي إليها،و قيل في معناها:غاية بعيدة،أو مكان بعيد،أو ما بين المشرق و المغرب كما عند الطّبرسيّ(1:431)

ثالثا:التّعبير ب(مكان بعيد)في(1)إلى(4)ظاهر بمفهومه اللّغويّ في المكان،لكن قد يعبّر به عن البعد المعنويّ بمعنى الأمر المستبعد وقوعه،فقيل في(2): أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، أي أنّهم طلبوا الرّجوع إلى الدّنيا من حيث لا ينال أبدا،و لم يرد البعد المكانيّ، و إنّما أراد بعد حصولهم على ذلك،و بعدهم عن الصّواب.

إنّهم تعلّقوا بآمال كاذبة،و تمسّكوا بخيوط من الوهم،فقد بعدت بينهم و بين مآربهم الشّقّة...فنزعوا إلى الإيمان لو رجعوا إلى الدّنيا،و هي بعيدة عن الآخرة.

و نظيره ما قيل في(4): أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، إنّه تشبيه لعمى قلوبهم عن آيات اللّه بمن ينادونه من بعيد،فإنّ العرب تقول للرّجل الّذي لا يفقه القول:إنّك لتنادى من مكان بعيد،فيعنون أنّه كمن ينادى من بعيد بصوت عال فلا يسمعه،كأنّه أصمّ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ البقرة:171،و هو تمثيل

ص: 153

لحالهم؛حيث لا يقبلون العظة و لا يعقلون الحجّة.

و يحتمل هذا المعنى في(3)أيضا وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ لاحظ النّصوص.

رابعا:في(2)قران بين القريب و البعيد وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ* وَ قالُوا آمَنّا بِهِ وَ أَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سبأ:51،52، و المراد بالقريب و البعيد فيهما المكانيّ منهما حسب مفهوم اللّغة،أو المعنويّ منهما كما مرّ،و لا ينبغي التّفكيك بينهما بأخذ أحدهما مكانيّا و الآخر معنويّا.

خامسا:جاء في(7) غَيْرَ بَعِيدٍ بدل«قريب» رعاية للرّويّ،فقبلها:بعيد،الوعيد،للعبيد،مزيد،و لو جاء مكانه«قريب»لم يكن بعيدا من رويّ الآيات أيضا،فإنّه جاء في ذيل:السّورة مَكانٍ قَرِيبٍ إلاّ أنّه لا بدّ أن يقول قريبة صفة للجنّة،فيختلّ الرّويّ.و في وجه نصب«غير»و موصوفه خلاف،لاحظ النّصوص.

و قد جاء غَيْرَ بَعِيدٍ مرّة أخرى في(3)من الزّمانيّ: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ في صدر الآية،من دون رعاية الرّويّ،و سيأتي الوجه فيها أنّه للتّأديب.

الثّاني:البعد الزّمانيّ،و فيه ثلاث آيات:

1- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ الأنبياء:109

2- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَ نَراهُ قَرِيباً

المعارج:6،7

3- فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ

النّمل:22

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين(1)و(2)كما هو ظاهر من سياقهما يراد بهما بعد يوم القيامة و قربه،و قد أبهمه في (1)عن قول النّبيّ عليه السّلام وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ، اعتذارا و اعترافا منه بعدم علمه بزمان وقوعه،و قد صرّح بذلك في آيات مثل: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ الشّورى:17،و غيرها.و قد نجّز قربه عند اللّه في(2) وَ نَراهُ قَرِيباً، أي قريب عنده في ملفّ الزّمان الممتدّ من الأزل،تحذيرا للنّاس من عدّه بعيدا.

ثانيا:يحتمل في هذه الآية:(2)القرب و البعد المعنويّ أيضا،مثل(3)من المكانيّ،أي أنّ النّاس يستبعدون وقوعه،و يعدّونه غير واقع أو مستحيلا، و هو عند اللّه ممكن و واقع.و عليه فالبعد و القرب في الإمكان لا في الزّمان و المكان،و اجتمع فيهما أيضا القريب و البعيد،و هو آكد في إعطاء المطلوب و إفهام المقصود.

ثالثا:جاءت الآية(3)في شأن هدهد سليمان،كما قال تعالى: وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ* فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ النّمل:20-22

و اختلفوا في ضمير الفاعل في«مكث»على ثلاثة وجوه:في أنّه هل مكث سليمان،أو مكث الهدهد زمانا غير بعيد،أو مكث الهدهد مكانا غير بعيد عن سليمان رعاية لحرمته و خوفا منه؟و الأقرب إلى السّياق هو الوسط،أي لمّا هدّد سليمان الهدهد،لم يمض إلاّ قليل أجابه الهدهد بقوله ذلك:أي مكث الهدهد مكثا غير بعيد دفاعا عن نفسه،و كأنّه لم يبادر إلى الكلام تلو كلام

ص: 154

سليمان،تعظيما له و تأدّبا منه،لكنّه لم يلبث طويلا.فتعبير فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ جمع بين الأمرين:الإسراع في الجواب،و التّأنّي و التّأدّب أمام سليمان،و لهذا قال:

غَيْرَ بَعِيدٍ بدل«قريب»فإنّه لا يؤدّي التّأدّب،لو لم يؤدّ خلافه.

و الفاء في(فمكث)دالّة على الإسراع،و(غير بعيد) دالّ على التّأدّب و التّأنّي.و قوله:(فقال)شاهد على رجوع الضّمير في(فمكث)إلى الهدهد دون سليمان،كما أنّ الفاء في(فقال)دالّة على الإسراع أيضا،و الفاءان معا دالّتان على متابعة الجواب للسّؤال و ارتباطه به و نشوئه منه بلا فصل،سوى ما تقتضيه الحكمة و الأدب من التّريّث و التّأنيّ،و للّه في كلامه أسرار!

الثّالث:و أمّا البعد المعنويّ ففيه(16)آية تنقسم بحسب الموصوف إلى أربعة أقسام:

الأوّل:الضّلال،و فيه(10)آيات:

1- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إبراهيم:3

2- مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ إبراهيم:18

3- يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ الحجّ:12

4- بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ سبأ:8

5- أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ الشّورى:18

6- قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ق:27

7- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً النّساء:60

8- وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً

النّساء:116

9- وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً النّساء:136

10- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً النّساء:167

يلاحظ أوّلا:أنّ هؤلاء الّذين اتّصفوا بأنّهم في ضلال بعيد لم يخرجوا عن كونهم كفّارا مشركين يؤثرون الدّنيا على الآخرة،غير مؤمنين بها و بما أنزل اللّه من الكتب،و بالملائكة و الرّسل؛صادّين عن سبيل اللّه، باغين إيّاها عوجا،متحاكمين إلى الطّاغوت،قرناء للشّياطين،ضالّين بإضلاله،فلاحظ الآيات و تأمّلها.

فالضّلال البعيد هو الكفر باللّه و ما يتبعه من العقائد و الأهواء الباطلة و الأعمال الفاسدة،و يقابله الإيمان و العمل الصّالح و الخلق الحسن،و قد جمعها اللّه في سورة واحدة بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ، صدق اللّه العليّ العظيم.

ص: 155

و الضّلال البعيد يقابله في القرآن الصّراط المستقيم الّذي حثّ القرآن على اتّباعه و الاهتداء به بما لا مزيد عليه.و هذا حديث ذو شجون،و بحث له خلفيّات و معقّبات،لاحظ«ص ر ط»و«ق و م»و«ض ل ل».

ثانيا:أنّ خمسا منها-(1)و(2)و(4)و(5)و(6)- مكّيّة،و خمسا-(3)و(7)إلى(10)-مدنيّة،فتوزّع بين المكّيّ و المدنيّ سواء،على تأمّل في(3)،فإنّها من سورة الحجّ المختلف في محلّ نزولها،و كونها مدنيّة،أو مشتركة بينهما،أو نازلة في طريق الهجرة كما احتملنا،و تمام الكلام في«المدخل»عند الحديث عن المكّيّ و المدنيّ.

و كان حصّة سورة النّساء المدنيّة منها أربعا،و حصّة سورة إبراهيم المكّيّة اثنتين،و الأربع الباقية متفرّقة في أربع سور.

ثالثا:أنّ جميعها جاءت في آخر الآيات منقسمة إلى ثلاث معرّفة باللاّم:(2)إلى(4)،و سبع نكرة.

و لا نحسب أنّ بينها فرقا في بداية الأمر إلاّ من أجل رعاية الرّويّ،فحرف الرّويّ في سورة النّساء جاء منصوبا و لفظه منكّرا،مثل:خبيرا،بصيرا،و لفظ الرّويّ في سورة الشّورى مختلف بين معرفة و نكرة،و قبل هذه الآية:شديد،قريب،و بعدها:العزيز،يصيب،أليم، فالآية تبعت ما قبلها في الرّويّ.

و كذلك سورة(ق)،فقبل آيتها:عنيد،عتيد، مريب،الشّديد،و بعدها:الوعيد،العبيد،مزيد،حفيظ، فهي تابعة لما هو الغالب عليها من التّنكير،و سورة الحجّ أيضا مختلفة الرّويّ معرفة و نكرة،فقبل هذه الآية:

الحميد،شديد،و بعدها:الحكيم،شكور،عظيم، فجاءت هذه الآية مناسقة للمعرفة.و كذلك سورة سبأ، فالمعرفة و النّكرة فيها متداخلات،فقبل آيتها:الحميد، حديد،و بعدها:منيب،السّعير،الشّكور،فجاءت الآية معرفة.

أمّا سورة إبراهيم فمختلفة الرّويّ أيضا،و الغالب عليها هو النّكرة،فجاء(بعيد)في آية منها نكرة،تبعا لما قبلها:شديد،و في أخرى معرفة،و قبلها:صديد، غليظ،و بعدها:عزيز،محيص،أليم،و كلّها نكرة.و كأنّ اَلضَّلالِ الْبَعِيدِ معرفة بين عدّة نكرات علم مرفوع بينها.

و من هنا يخطر بالبال أنّ التّعريف و التّنكير في هذه الآيات لا ينحصر سببهما في الرّويّ،بل لهما سبب آخر، فمثلا أنّ المعرفة في قوله: اَلضَّلالِ الْبَعِيدِ أبلغ في إيفاء المطلوب-و هو تأكيد الضّلالة-من النّكرة(ضلال بعيد) فكأنّه ضلال معروف مشهور،كما قال تعالى في الأمّيّين:

وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجمعة:2،كما يمكن العكس بأن يقال:إنّ النّكرة-باعتبار غورها في الإبهام-تكون أبلغ في ذلك،إذ تذهب بذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن من الضّلالة.

إلاّ أنّ السّؤال يبقى مثارا:لما ذا اختتمت هذه الآيات الثّلاث بالتّعريف و سائرها بالتّنكير،مع أنّ موجب الضّلال-و هو الكفر و الشّرك و عدم الإيمان-مشترك بينها؟فليس لنا أن ننيط الفرق إلى ما جاء فيها من الأفعال الموجبة للضّلال،فلاحظ.

رابعا:أمّا سرّ مجيء ضَلالٍ مُبِينٍ معرفة و نكرة في آخر الآيات دائما فهو مساوقة البعد للمتأخّر فأخّر،

ص: 156

و ختمت به الآيات أيضا ليكون معلما شاخصا،لا يختلط بغيره في وسط الآيات،و تراكم الكلمات،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

الثّاني:الشّقاق،و فيه ثلاث آيات:

1- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ البقرة:176

2- لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ

الحجّ:53

3- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ فصّلت:52

يلاحظ أوّلا:أنّ واحدة من الثّلاث-(1)-مدنيّة، و واحدة منها-(2)-مكّيّة،و الثّالثة الّتي جاءت في سورة الحجّ مردّدة،أو مشتركة أو وسط بينهما،كما سبق.

ثانيا:أنّها جميعا جاءت نكرة بخلاف(ضلال مبين) حيث جاءت نكرة و معرفة معا كما سبق،و لا نعلم له سببا إلاّ ما يرتبط بموضوعه و هو الكتاب،فإنّها جميعا جاءت بشأن الكتاب و الاختلاف و الشّكّ،فيه و هو ظاهر في الأولى و الأخيرة.أمّا الثّانية فجاءت فيما يلقي الشّيطان في الكتاب-على اختلاف في تفسيرها- فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ* وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ...

إلى أن يقول: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ الحجّ:

54-55.

و قوله في الأخيرة: مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، يفيد أنّ الشّكّ في الكتاب-و قد جاء زائحا و زائلا للشّكّ و الخلاف-غاية في الضّلال و الشّقاق، و هذا يرجّح أنّ التّنكير فيها للتّأكيد و البلاغ،فليكن كذلك في(ضلال بعيد)أي أنّ التّنكير فيه أيضا أبلغ و آكد من التّعريف،و هو الأكثر في تلك الآيات كما سبق.

ثالثا:الفرق بين الضّلال و الشّقاق:أنّ الضّلال الخروج من الصّراط المستقيم عمدا أو غفلة و جهلا،أمّا الشّقاق فيبدو فيه عنصر العمد و الإرادة بارزا،و حقيقته كون الحقّ في جانب و شقّ،و مريد الشّقاق في جانب و شقّ آخر،فحاله أسوء من حال من أصابه الضّلال من جهتين:كونه واقعا عن عمد دائما أو غالبا،و كونه مقابلا للحقّ.

أمّا الضّلال فقد يكون عن غفلة و جهل بالحقّ،و قد يكون انحرافا عن الطّريق بما لا يبلغ الحدّ المقابل له،مع وجود العلاقة بينهما،كما سبق في الآية الثّالثة مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، حيث جمعت بين الضّلال و الشّقاق،كما جمعت الآية الثّانية بين الظّلم و الشّقاق وَ إِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.

الثّالث:العذاب،و فيه آيتان:

1- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:82،83

2- بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ سبأ:8

يلاحظ أوّلا:أنّهما جميعا مكّيّتان،فتشيران إلى

ص: 157

ذلك الضّلال المبين الرّاسخ و الشّائع في مكّة.

ثانيا:أنّ(1)صريحة في كون العذاب فيها هو عذاب من كذّب لفظا في الدّنيا،لأنّها جاءت في شأن قوم لوط كما تشهد به الآيات السّابقة لها.أمّا(2)فجاءت في عذاب الآخرة لمشركي مكّة،فقبلها وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ* أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ... سبأ:7،8.

ثالثا:أنّ(1)ربطت العذاب بالظّلم وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، و(2)ربطت العذاب بالضّلال فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ.

رابعا:سبب العذاب في(1)أمر واحد،و هو إنكار لوط،و في(2)إنكار محمّد مع عدم الإيمان بالآخرة،و من أجل ذلك جمعت بين العذاب و الضّلال،و هما أمران.

خامسا:لا ريب أنّ العذاب في(2)هو عذاب الآخرة كما سبق،فهل الضّلال أيضا ضلال الآخرة كما يقتضيه السّياق،أو الدّنيا،أو هما معا؟و الجمع مهما أمكن أولى،فضلال الآخرة تبع لضلال الدّنيا.

سادسا:أنّ(1)مرتبطة بالحياة الدّنيا،و العقوبة الّتي حلّت بقوم لوط كما سبق،و هو أمر واقع لا مرية فيه.

و أمّا(2)فهي-كما قلنا-ترتبط بالحياة الآخرة و ما فيها من العقاب،و قد أنكرها الكفّار و استبعدوها،مع أنّها واقعة أيضا،لا مجال للشّكّ فيها،لا من ناحية قدرة اللّه كما في كثير من الآيات،و لا من ناحية علمه تعالى بهويّة الأموات و رميمهم،كما في قوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ق:5، و غيرها من الآيات.

الرّابع:رجوع الأموات إلى الحياة،و فيه آية

واحدة:

أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ* قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ق:3،4

نزلت هذه الآية في كفّار مكّة أيضا؛حيث كذّبوا بالبعثين:بعث الرّسالة،و بعث الآخرة،فلاحظ ما قبلها.

بعد:
اشارة

و هو أكثر ما اشتقّ من هذه المادّة في القرآن،حتّى بلغ(199)آية،و لا موجب لذكرها،لاحظ المعجم المفهرس،إلاّ أنّها ليست على وتيرة واحدة،فعنصر الزّمان في بعضها أظهر من بعض،و إن لا يخلو شيء منها من الدّلالة عليه،و هناك فوارق أخرى،فهو على أقسام،و فيه بحوث:

الأوّل:ما هو صريح في عنصر الزّمان،و ذلك إذا أضيف إلى قوم أو شخص أو زمان،و يبلغ عددها حوالي (45)آية،و إليك أمثلة منه:

أ-ما أضيف شيء معيّن إلى شخص أو قوم أو

عمل:

1- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى البقرة:246

2- وَ لَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ البقرة:253

3- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ

ص: 158

الأعراف:69

4- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ

الأعراف:74

5- أَ وَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها الأعراف:100

6- وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ

الإسراء:17

7- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى القصص:43

8- وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً الأحزاب:53

9- وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ الأنبياء:105

ب-ما جاء بعده زمان:

10- إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا التّوبة:28

11- وَ قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ

يوسف:45

12- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ

يوسف:48

13- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ

يوسف:49

14- وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ النّور:58

15- وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ص:88

يلاحظ أوّلا:أنّ(بعد)في الآيات(1)و(6)و(8) أضيف إلى شخص و هو موسى و نوح و نبيّنا محمّد عليهم السّلام، و في الآيات(2)إلى(5)و(7)و أضيف إلى قوم أو جماعة،و في(9)إلى الذّكر و المراد به القرآن كما يأتي، و في(10)إلى(14)أضيف إلى الزّمان أو ذكر بعده زمان.

ثانيا:أنّ(بعد)في الآية(7)أضيف إلى إهلاك القرون الأولى و هو عمل،و في(14)إلى صلاة العشاء، إلاّ أنّهما صريحان في إرادة الزّمان،و تعيين الوقت بالصّلاة،شائع عند النّاس.

ثالثا:أنّه لو أريد بالذّكر في(9)القرآن فلفظ(بعد) فيها بمعزل عن الزّمن المتأخّر،لأنّ القرآن نزل بعد الزّبور،فكيف يكون الزّبور بعده؟و الجواب عنه بوجوه:

1-أريد بالذّكر التّوراة،و قد جاء ذلك في آيات:

1- اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي

طه:42

2- وَ أَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ* هُدىً وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ المؤمن:53،54

3- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الأنبياء:48

كما جاء عن نوح و هود قولهما:

أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ الأعراف:63 و 69

فإنّ الذّكر و إن أطلق على القرآن في آيات شتّى -حتّى صار اسما له كالقرآن و الفرقان-إلاّ أنّه من أجل أنّ القرآن يذكّر الإنسان باللّه و آياته و شريعته،و هذه الفائدة موجودة في التّوراة و غيرها من صحف الأنبياء،

ص: 159

و قد أطلق الفرقان أيضا في آية الأنبياء(3)على التّوراة.

2-أريد ب(بعد):قبل،قال ابن خالويه:«ليس في القرآن«بعد»بمعنى«قبل»إلاّ حرف واحد»و ذكر هذه الآية،و مثله ورد عن الميبديّ،لاحظ النّصوص.

و لا شاهد له في اللّغة و لا في القرآن،و إنّما اختاروه ليستقيم المعنى،مع أنّه غير متعيّن لدفع الاضطراب عن الآية.

3-ما سمعته عن الأستاذ محمّد تقي شريعتي،صاحب كتاب«تفسير نوين»،و كان يفسّر القرآن للطّبقة المثقّفة في مدينتنا«مشهد»،و كان يتمتّع بذوق سليم و خبرة في فهم القرآن.قال:«إنّ(بعد)هنا تفيد معنى«علاوة»،أي كتبنا في الزّبور علاوة عن القرآن».و هو معنى بديع،إلاّ أنّه يحتاج إلى شاهد له من اللّغة أو القرآن أيضا،و لم نقف عليه،لاحظ«ذ ك ر».

رابعا:ما ذكرناه من أنّ«بعد»إذا أضيف إلى شخص يدلّ على الزّمان لا ينطبق على قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ الجاثية:23،إذ اللّه لا يحدّد بزمان، فليس هذا من قبيل مِنْ بَعْدِ مُوسى، فكيف يوجّه ذلك؟

و الجواب بوجهين:

1-أنّه بمعنى«فمن يهديه من غير اللّه»،و هو ظاهر.

2-أنّه بمعنى«من بعد ما فعل به اللّه من الإضلال و الختم على سمعه و قلبه و جعل الغشاوة على بصره»، و هو ظاهر أيضا.

القسم الثّاني:ما ليس صريحا في الزّمان،إلاّ أنّه يلازمه،و هذا إذا أضيف«بعد»إلى فعل و عمل،مثل:

اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ

البقرة:27

ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ

البقرة:75

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً البقرة:109

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181

و غيرها،و هو أكثرها ورودا في القرآن،لا سيّما في سورتي البقرة و آل عمران.

القسم الثّالث:تغلب على«بعد»الإضافة كما عرفت،فهو معرب منصوب،إلاّ إذا جاء مع«من» كقوله: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ البقرة:27،فهو مجرور،و سنتناوله بالبحث قريبا.

و قد يأتي مبنيّا على الضّمّ مثل:

1- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ البقرة:230

2- فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها محمّد:4

3- أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا... الحديد:10

4- وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا...

الأنفال:75

5- لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ الرّوم:4

ص: 160

6- لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ الأحزاب:52

7- فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ التّين:7

يلاحظ أوّلا:أنّ الوجه في بنائه عند عدم إضافته -حسب ما عنّ لنا بعد التّأمّل في ما قبل هذه الآيات- أنّها ذكرت أمرا أو أمورا،ثمّ أتي بكلمة(بعد)مبنيّة بحذف المضاف إليه،إشارة إلى أنّ المضاف إليه قد تقدّم فانتفى تكراره،و هذا نوع من الاختصار البليغ في الكلام:

فقبل الآية(1): اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... الآية

البقرة:229

و قبل(2): فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ... محمّد:4

و قبل(3): وَ ما لَكُمْ أَلاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ... لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ

الحديد:10

و قبل(4): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ... الأنفال:72

و قبل(5): الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ

الرّوم:1-4

و قبل(6): يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي... الأحزاب:50

و قبل(7): لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ

التّين:4

و الحاصل أنّ المضاف إليه في هذه الآيات محذوف، لذكره لفظا قبلها،أو للعلم به ممّا قبلها.

و لقائل أن يقول:إنّ ما ذكرته لهو موجود في الآيات الّتي ذكر فيها المضاف إليه أيضا.

و نقول:إنّ لردّ هذا الإشكال يحتاج إلى إمعان دقيق في تلك الآيات الكثيرة،و هذا ما ننيطه على الباحثين.

و قد جاء هذا البحث في«قبل»،فهناك آيات جاء فيها هذا اللّفظ مبنيّا،و هي كثيرة جدّا،فلاحظ.

ثانيا:قيل:وجه بناء(بعد)القطع عن الإضافة أو شبه القطع،نظير قول العرب:أبدأ بهذا أوّل،مبنيّا على الضّمّ،للقطع عن الإضافة أو شبهه،و التّقدير:أوّل العمل،أو أوّل من كذا.

القسم الرّابع:هناك آيات جاء فيها(بعد)و(قبل) معا:

1- قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا الأعراف:129

2- فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ

الرّوم:4

3- إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ الأعراف:174

4- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ المؤمن:5

5- لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا الحديد:10

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ النّور:58

ص: 161

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ النّور:58

و السّرّ فيها واضح،فإنّها بصدد التّعميم للحكم، مثل الآيات(1)إلى(4)،أو نفي التّعميم و التّسوية،مثل الآية(5)،و قد صرّح فيها بعدم المساواة(لا يستوى).

أو التّفصيل،لما أجمله قبلها،مثل الآية(6)،و جاء في صدرها(ثلث مرّات)،و في ذيلها(ثلث عورات)،مع أنّ المضاف إليه فيها مختلف: قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ و بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ.

القسم الخامس:جاء(بعد)في القرآن مع(من) حوالي(159)مرّة،و هو أكثرها،و جاء بدونها(40) مرّة،على سبيل المثال لا الحصر.

1- وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ البقرة:120

2- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164

3- فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ

البقرة:178

4- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181

5- قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها

البقرة:259

6- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا

آل عمران:8

7- فَمَنْ تَوَلّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ

آل عمران:82

8- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ

آل عمران:86

و هكذا غيرها،فما هو الوجه في وجود(من)في أكثر الآيات و فقدانها في قليل منها،و هو الّذي تقتضيه طبيعة الكلام،إذ الكلام بدونها مفهوم؟فالسّؤال في الحقيقة يرجع إلى سرّ مجيء(من)في كثير منها،بل أكثرها.

و الجواب من وجهين:

1-ما ورد كثيرا في مثلها أنّها زائدة،و ردّه الأستاذ عبده في بعض كلامه أنّه ليس في القرآن كلمة زائدة ليس لها معنى،و أنّ وجودها و عدمها سيّان.و هذا ما نقول به أيضا،و كان للشّريف الرّضيّ رضي اللّه عنه تفسير باسم«حقائق التّأويل»في عشر مجلّدات،لم يبق منها سوى مجلّد واحد مطبوع،و قد اهتمّ ببيان الفرق بين آيتين من القرآن جاءتا بلفظ واحد،زيد في إحداهما حرف و نحوه،فاستوفى الكلام فيه،فلاحظ.

2-إنّ«من»لابتداء الغاية،فتفيد التّعميم للحكم و استمراره من حين وقوع المضاف إليه،و فيه تأكيد بليغ،قال أبو حيّان (1)في قوله: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ البقرة:27-و هذا أوّل ما جاء(من بعد)في القرآن-:(من)متعلّقة بقوله:(ينقضون)،و هي لابتداء الغاية،و يدلّ على أنّ النّقض حصل عقيب توثّق العهد من دون فصل بينهما.و في ذلك دليل على عدم اكتراثهم بالعهد،فإثر ما استوثق اللّه منهم نقضوه.و قيل:

(من)زائدة،و هو بعيد.

و مصداق هذا القول كثير من الآيات الّتي أريد بها ردع المكذّبين و ذمّهم،مثل:).

ص: 162


1- البحر المحيط(1:127).

1- ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ البقرة:64

2- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74

3- ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ البقرة:75

4- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً البقرة:109

5- حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ البقرة:109

6- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ البقرة:159

7- وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:211

8- وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ البقرة:213

9- وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ آل عمران:19

ففي هذه الآيات و أمثالها ذمّ شديد لهم،حيث تخلّفوا بمجرّد أن جاءتهم الآيات و البيّنات،و معلوم أنّ الكفر و الانحراف و الاختلاف بعد قيام الحجّة مباشرة تستدعي أشدّ الذّمّ،لأنّه يحكي عن عناده و لجاجه؛ حيث أنكر الحقّ إثر مجيئه فورا من دون أن يتأمّل فيه، و ليس مثله من أنكره بعد مدّة تسعه ليتأمّل فيه.و يجري هذا الوجه في أكثر الآيات،فلاحظ المعجم المفهرس.

و يلحق بهؤلاء من تاب و رجع إلى الطّاعة بعد عصيانه أو كفره مباشرة،فشمله فضل اللّه من بعده مباشرة،مثل:

1- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:89

2- اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ آل عمران:172

3- فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ المائدة:39

4- وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ الأنفال:75

5- ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ

التّوبة:27

6- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا النّحل:41

7- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا النّحل:110

8- ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ النّحل:119

9- أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:54

فالعصيان و الخلاف مباشرة في الطّائفة الأولى من الآيات،و الطّاعة و الوفاق في الثّانية،تستدعي أشدّ الإنذار و العقاب،أو تأكيد الوعد و الثّواب.

إن قلت:إنّ هناك آيات بمضمون واحد جاءت (من)في بعضها دون بعضها الآخر،مثل:

1- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164

ص: 163

1- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164

2- وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الرّوم:24

3- وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها الجاثية:5

4- مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها العنكبوت:63

5- وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ الشّورى:28

قلت:أريد في الثّلاث الأولى إحياء الأرض بعد موتها بماء السّماء مطلقا بلا مباشرة،و أريد ب(4)التّأكيد في قدرة اللّه؛حيث أحيا الأرض بماء السّماء مباشرة، و هذا في(5)أوضح؛حيث ينزل اللّه رحمته من بعد ما قنطوا مباشرة،و كلاهما واقع.

و كذا ينبغي توجيه الآيات الّتي خلت من(من) كالمذكورات أوّلا،كما أنّ في بعضها جاءت(من)للتّعميم و الشّمول لما قبل الواقعة و بعدها مثل: لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ كما سبق.

السّادس:جاء(بعد)في القرآن(199)مرّة، و(قبل)(254)مرّة،و منه يستظهر أنّ القرآن ركّز على الاعتبار بالسّابقين و بما سبق من صنع اللّه تكوينا و تشريعا و وعدا و وعيدا أكثر من المستقبل.على أنّ كثيرا من الآيات الّتي جاء فيها(بعد)يحتوي على(قبل)، فهما-أي قبل و بعد-يستلزم أحدهما الآخر،و هذا واضح.

السّابع:قد سبق في«أول» (1).عن أبي هلال العسكريّ الفرق بين«قبل»و«بعد»،و بين«الأوّل»و«الآخر»بأنّ الأوّل من جملة ما هو أوّله،و الآخر من جملة ما هو آخره، بخلاف«قبل»و«بعد»،فإنّهما خارجان من جملة ما أضيفا إليه.و بأنّ«قبل»و«بعد»لا يقتضيان زمانا،و لو اقتضيا زمانا لا يصحّ أن يستعملا في الأزمنة و الأوقات،بأن يقال:بعضها قبل بعض أو بعده،لأنّ ذلك يوجب أن يكون للزّمان زمان و قد سبق أن قلنا:إنّهما إذا أضيفا إلى شخص أو جماعة أو زمان،فتدلاّن على الزّمان صراحة،و إذا أضيفا إلى فعل فإيماء،و يدلّ على ذلك قوله:«فأصل«قبل»المقابلة،فكأنّ الحادث المتقدّم قد قابل الوقت الأوّل،و الحادث المتأخّر قد بعد عن الوقت الأوّل»،فقد ربطهما بالزّمان،لاحظ«أول»و«أ خ ر».).

ص: 164


1- في هذا المعجم(4:221).

ب ع ر

اشارة

لفظ واحد،مرّتان،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

...وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ يوسف:65

وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:72

مجاهد :حمل حمار،و هي لغة.

(الطّبريّ 13:12)

مقاتل:إنّ البعير:كلّ ما يحمل عليه،بالعبرانيّة.

(الإتقان 2:131)

الخليل :البعر للإبل و لكلّ ذي ظلف،إلاّ للبقر الأهليّ،فإنّه يخثي.و الوحشيّ يبعر.

و يقال:بعر الأرانب و خراها.

و المبعار:الشّاة أو النّاقة تباعر إلى حالبها،و هو البعار على«فعال»بضمّ الفاء،لأنّه عيب.بل المبعار:

الكثيرة البعر.

و المبعر:حيث يكون البعر من الإبل و الشّاء،و هي المباعر.

و البعير:البازل.

و العرب تقول:هذا بعير ما لم يعرفوا،فإذا عرفوا قالوا للذّكر:جمل،و للأنثى:ناقة،كما يقولون:إنسان، فإذا عرفوا قالوا للذّكر:رجل،و للأنثى:امرأة.

(2:131)

الفرّاء: البعران،لغة في«البعران»،جمع بعير.

(الصّغانيّ 2:422)

الأصمعيّ: البعير:مثل الإنسان،و الجمل:مثل الرّجل،و النّاقة:مثل المرأة.و البعير:للجمل و النّاقة،كما تقول للمرأة و للرّجل:إنسان.(الكنز اللّغويّ:106)

سمعت أعرابيّا يقول:صرعتني بعير لي،فقلت:

ما هي؟فقال:ناقة.(ابن دريد 1:263)

ابن السّكّيت: البعر و البعر.[بمعنى واحد]

(إصلاح المنطق:97)

ابن دريد :البعر و البعر لغتان معروفتان للظّلف و الخفّ،و ربّما قيل للبعير:ثلط،و للبقر أيضا،و يجمع بعر:أبعارا.

ص: 165

و مبعر الشّاة و غيرها:ما اجتمع فيه البعر من أمعائها.

و البعير:اسم يجمع الذّكر و الأنثى.

و جمع البعير في أدنى العدد أبعرة،و أباعر في الكثير.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بعران أيضا[ثمّ استشهد بشعر]

و بنو بعران:حيّ من العرب،و البعار:لقب رجل معروف،و البيعر:موضع،و البعّار:موضع،زعموا.

(1:263)

بعران و بعران:جمع بعير.(3:452)

و يجمع[فعيل]على فعلان و فعلان،مثل قضيب و قضبان و قضبان،و بعير و بعران و بعران و أبعرة.

(3:509)

النّحّاس: قال بعضهم:يسمّى الحمار بعيرا،يعني أنّها لغة.فأمّا أهل اللّغة فلا يعرفون أنّه يقال للحمار:

بعير.و اللّه أعلم بما أراد.(3:441)

الجوهريّ: البعير من الإبل بمنزلة الإنسان من النّاس،يقال للجمل:بعير و للنّاقة بعير.

و حكي عن بعض العرب:صرعتني بعيري،أي ناقتي،و شربت من لبن بعيري.و إنّما يقال له:بعير،إذا أجذع.و الجمع:أبعرة،و أباعر،و بعران.

و البعرة:واحدة البعر و الأبعار.

و قد بعر البعير و الشّاة يبعر بعرا.(2:593)

نحوه الرّازيّ.(71)

ابن فارس: الباء و العين و الرّاء أصلان:الجمال، و البعر،يقال:بعير و أبعرة و أباعر و بعران.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعر معروف.(1:269)

الثّعالبيّ: الجمل بمنزلة الرّجل،و النّاقة بمنزلة المرأة،و البعير بمنزلة الإنسان.(47)

البعر:الرّوث اليابس.(65)

فصل في تقسيم القاذورات:خرء الإنسان،بعر البعير،ثلط الفيل،روث الدّابّة،خثي البقرة.(133)

ابن سيدة :البعر و البعر:رجيع الخفّ و الظّلف،إلاّ البقر الأهليّة فإنّها تخثي،واحدته:بعرة،و الجمع:أبعار، و قد بعر يبعر بعرا (1).

و المبعر و المبعر:مكان البعر من كلّ ذي أربع.

و باعرت النّاقة و الشّاة إلى حالبها:أسرعت؛ و الاسم:البعار (2).

و البعير:الجمل البازل،و قيل:الجذع،و قد يكون للأنثى.

و الجمع:أبعرة و أباعر و أباعير و بعران و بعران.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعر الجمل بعرا:صار بعيرا.

و البعرة:الكمرة.(2:134)

و أبعرت المعى و بعّرته:نثلت ما فيه من البعر.

(الإفصاح 2:803)

الطّوسيّ: البعير:الجمل،و جمعه:بعران و أبعرة.

(6:171)

الرّاغب: البعير معروف،و يقع على الذّكر و الأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما،و جمعه:أبعرة و أباعرء.

ص: 166


1- في اللّسان:بسكون العين.
2- في اللّسان:بكسر الباء.

و بعران.

و البعر:لما يسقط منه،و المبعر:موضع البعر، و المبعار من البعير:الكثير البعر.(53)

الزّمخشريّ: فلان لا يفتّ بعره،و لا يبتّ شعره.

و هو أهون عليّ من بعرة يرمى بها كلب،و أصله من فعل المعتدّة بعد وفاة زوجها.

و يقال منه:بعرت المعتدّة فهي باعرة،إذا أنقضت عدّتها،أي رمت بالبعرة.يقال:بعرته،إذا رميته بها.

و صرعتني بعير لي،و حلبت بعيري:تريد النّاقة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون:كلا هذين البعيرين ناقة.و تقول:إنّ هذا الدّاعر ما زال ينحر الأباعر،و ينثل المباعر.

(أساس البلاغة:26)

ابن برّيّ: أباعر:جمع أبعرة،و أبعرة:جمع بعير، و أباعر:جمع الجمع،و ليس جمعا لبعير.[ثمّ استشهد بشعر]

و في البعير سؤال جرى في مجلس سيف الدّولة بن حمدان،و كان السّائل ابن خالويه و المسئول المتنبّيّ،قال ابن خالويه:و البعير أيضا:الحمار،و هو حرف نادر ألقيته على المتنبّيّ بين يدي سيف الدّولة،و كانت فيه خنزوانة (1)و عنجهيّة،فاضطرب،فقلت:المراد بالبعير في قوله تعالى: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:72، الحمار،فكسرت من عزّته،و هو أنّ البعير في القرآن الحمار.و ذلك أنّ يعقوب و إخوة يوسف عليهم الصّلاة و السّلام،كانوا بأرض كنعان و ليس هناك إبل،و إنّما كانوا يمتارون على الحمير.(ابن منظور 4:71)

ابن الأثير: في حديث جابر:«استغفر لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة البعير خمسا و عشرين مرّة»هي اللّيلة الّتي اشترى فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جابر جمله،و هو في السّفر.و حديث الجمل مشهور.(1:140)

الصّغانيّ: المبعار:الشّاة أو النّاقة،تباعر حالبها، و هو البعار بالكسر،و يعدّ عيبا،لأنّها ربّما ألقت بعرها في المحلب.

و مباعر الشّاة،و الإبل:حيث تلقي البعر منه؛ واحدها:مبعر.

و البعار بالضّمّ،في لغة أهل اليمن:النّبق الكبار.

و بنو تميم يقولون:بعير بكسر الباء،للبعير.

و بعّرته و أبعرته:نثلت ما فيه من البعر.(2:422)

ابن منظور :بنو تميم يقولون:بعير بكسر الباء، و شعير،و سائر العرب يقولون:بعير،و هو أفصح اللّغتين.

و في زبور داود:إنّ البعير:كلّ ما يحمل،و يقال لكلّ ما يحمل بالعبرانيّة:بعير.

البعر:الفقر التّامّ الدّائم.

و البعيرة:تصغير البعرة،و هي الغضبة في اللّه جلّ ذكره.

و من أمثالهم:«أنت كصاحب البعرة»و كان من حديثه:أنّ رجلا كانت له ظنّة في قومه،فجمعهم يستبرئهم و أخذ بعرة،فقال:إنّي رام ببعرتي هذه صاحب ظنّتي،فجفل لها أحدهم،و قال:لا ترمني بها، فأقرّ على نفسه.(4:71)ر.

ص: 167


1- كبر.

أبو حيّان: البعير في الأشهر:الجمل مقابل النّاقة، و قد يطلق على النّاقة،كما يطلق على الجمل،فيقول على هذا:نعم البعير الجمل؛لعمومه.و يمتنع على الأشهر لترادفه،و في لغة تكسر باؤه.و يجمع في القلّة على أبعرة،و في الكثرة على بعران.(5:314)

الفيّوميّ: البعير:مثل الإنسان يقع على الذّكر و الأنثى،يقال:حلبت بعيري.و الجمل:بمنزلة الرّجل يختصّ بالذّكر،و النّاقة:بمنزلة المرأة تختصّ بالأنثى.

و البكر و البكرة:مثل الفتى و الفتاة.و القلوص:كالجارية.

هكذا حكاه جماعة،منهم ابن السّكّيت و الأزهريّ و ابن جنّيّ،ثمّ قال الأزهريّ:هذا كلام العرب،و لكن لا يعرفه إلاّ خواصّ أهل العلم باللّغة.

و وقع في كلام الشّافعيّ رضي اللّه عنه في الوصيّة:

«لو قال:أعطوه بعيرا،لم يكن لهم أن يعطوه ناقة».

فحمل البعير على الجمل،و وجهه أنّ الوصيّة مبنيّة على عرف النّاس لا على محتملات اللّغة الّتي لا يعرفها إلاّ الخواصّ.و حكى في«كفاية المتحفّظ»معنى ما تقدّم،ثمّ قال:و إنّما يقال:جمل أو ناقة،إذا أربعا.فأمّا قبل ذلك فيقال:قعود و بكر و بكرة و قلوص.

و جمع البعير:أبعرة و أباعر و بعران بالضّمّ.

و البعر معروف،و السّكون لغة،و هو من كلّ ذي ظلف و خفّ،و الجمع:أبعار،مثل سبب و أسباب.

و بعر ذلك الحيوان بعرا،من باب نفع:ألقى بعره.

(1:53)

الفيروزآباديّ: البعر،و يحرّك:رجيع الخفّ و الظّلف،واحدته بهاء،الجمع:أبعار،و الفعل كمنع.

و المبعر كمقعد و منبر:مكانه،من كلّ ذي أربع.

و البعير،و قد تكسر الباء:الجمل البازل أو الجذع، و قد يكون للأنثى و الحمار،و كلّ ما يحمل،و هاتان عن ابن خالويه،الجمع:أبعرة و أباعر و أباعير و بعران و بعران.

و بعر الجمل كفرح:صار بعيرا.

و البعر:الفقر التّامّ.

و البعرة:الغضبة في اللّه،و بالتّحريك:الكمرة.

و المبعار:الشّاة تباعر حالبها،و ككتاب:الاسم، و كغراب:النّبق.

و أبعر المعى و بعّره تبعيرا:نثل ما فيه من البعر.

(1:388)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان ثمّ قال:]

و عن مجاهد تفسيره هنا (1)بالحمار.و ذكر أنّ بعض العرب يقول للحمار:بعير،و هو شاذّ.(13:12)

مجمع اللّغة: البعير يطلق على الذّكر و الأنثى من الجمال إذا أجذع،كما يطلق البعير أيضا على الحمار، و على كلّ دابّة من دوابّ الحمل.(1:111)

محمّد إسماعيل إبراهيم: البعير:كلّ ما صلح للرّكوب و الحمل من الإبل،و ذلك إذا استكمل أربع سنوات،و يطلق على الذّكر و الأنثى.(1:74)

العدنانيّ: هذا بعير أو بعير،هذه بعير أو بعير.

و يخطّئون من يقول:هذه البعير أو البعير قويّة، و يقولون:إنّ الصّواب هو:هذه النّاقة قويّة،لأنّ البعير بفتح الباء هو الذّكر.5.

ص: 168


1- يوسف:65.

و لكن تطلق كلمة البعير على الذّكر و الأنثى،أي الجمل و النّاقة:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و ابن خالويه،و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس الّذي استشهد بقول الشّاعر:

لا تشتري لبن البعير،و عندنا

عرق الزّجاجة و اكف التّهتان

و ابن مكّيّ الصّقلّيّ في«تثقيف اللّسان»،و النّهاية، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و تطلق كلمة البعير أيضا على الحمار و كلّ ما يحمل.

و كلمة البعير الواردة في: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف:72،قصد بها الحمار.

و بنو تميم يكسرون الباء،و يقولون:بعير.

و هذا بعير،أعلى من:هذه بعير.و هذه ناقة أعلى جدّا من:هذه بعير.

و يجمع البعير على:أبعرة،و بعران،و بعران،و بعر.

و تجمع الأبعرة على:أباعر،و أباعير:جمع الجمع.(66)

المصطفويّ: لا يبعد أن يكون البعير في أصل اللّغة موضوعا لكلّ ما يحمل،من الحمار و الجمل و الفرس،ثمّ غلب استعماله في الجمل.

فلا ينافي في القول بأنّ المراد من كَيْلَ بَعِيرٍ هو ما يحمله الحمار،لتداوله بينهم.(1:283)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البعير،الحيوان المعروف، و منه تفرّعت سائر الفروع.و هو يذكّر و يؤنّث، و التّذكير أعرف.

و قيل:يطلق البعير على الجمل الجذع،أي ما استكمل أربعة أعوام و دخل في السّنة الخامسة،أو البازل،أي ما طلع نابه،و ذلك في السّنة الثّامنة أو التّاسعة،يقال:بعر الجمل بعرا،أي صار بعيرا.

و جمعه:أبعرة و بعران و بعران،و تجمع الأبعرة على:

أباعر،و أباعير.

و منه:البعرة،لما يخرج من البعير،كما أطلق على الدّويبّة الّتي تخرج من الأرض أرضة،و الشّجرة الّتي تخرج ثمرا كثيرا الثّميرة،و الصّغيرة من الحيّات حييّة.

و البعرة كناية عن الرّوث،كما كنّوا عن خرء الإنسان بالغائط و العذرة و الحدث و الرّجيع و ذي البطن و النّجو و البراز و البدا،لمناسبة ما،انظر«ب د و» و«ب ر ز».

يقال:بعر البعير يبعر بعرا،و جمع البعرة:بعر و أبعار.

و المبعر و المبعر:مكان البعرة من كلّ ذي أربع،و الجمع مباعر.

و منه أيضا قولهم:باعرت النّاقة و الشّاة حالبها مباعرة و بعارا،أي ألقت عليه بعرها،و هي ناقة أو شاة مبعار.

و البعر:الفقر التّامّ الدّائم،أطلق عليه ذلك تشبيها ببعرة البعير،لخوائه من كلّ نفع و فائدة.

و البعرة:الكمرة،سمّيت بذلك إمّا تشبيها بالبعرة، و إمّا قلبا عن أصلها«العبر»،أي القلف،جمع عبور،أي الأقلف،و هو من عظمت قلفته،و القلفة:الجلدة الّتي يقطعها الخاتن من ذكر الصّبيّ.

و البعيرة:تصغير البعرة،و هي-كما قيل-الغضبة في

ص: 169

اللّه،و لعلّه من قولهم:بعرت المعتدّة،إذا انقضت عدّتها، فرمت بالبعرة و كانت عادة في الجاهليّة،ثمّ استعمل في المعنى المذكور.

2-ورد«البعير»في اللّغة العبريّة بلفظ«بعير» بكسر الباء،كما في لغة تميم،و يعني به كلّ دابّة تستعمل في الزّراعة و الحمل،و في اللّغة السّريانيّة بلفظ«بعيرا»، و يعني به الماشية،و ما يرعى من البهائم.

الاستعمال القرآنيّ

ورد من هذه المادّة لفظ«البعير»في سورة مكّيّة مرّتين:

1- قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ. يوسف:65

2- قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ* قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ.

يوسف:71،72

يلاحظ أوّلا:أنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى أنّ «البعير»في الآيتين:الجمل،و ذهب بعض إلى أنّه الحمار، فقال مجاهد:«و هي لغة»،و قال ابن خالويه:«و ذلك أنّ يعقوب و إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان،فليس هناك إبل،و إنّما كانوا يمتارون على الحمير».

و لكن يردّ قول مجاهد ما قاله النّحّاس:«فأمّا أهل اللّغة فلا يعرفون أنّه يقال للحمار:بعير»،و هو كما قال.

و يرد ابن خالويه ما ورد في سفر التّكوين(32:13-15):

«و أخذ ممّا أتى بيده هديّة لعيسو أخيه:مائتي عنز و عشرين تيسا،مائتي نعجة و عشرين كبشا،ثلاثين ناقة مرضعة و أولادها،أربعين بقرة و عشرة ثيران، عشرين أتانا و عشرة حمير».

و لا شكّ أنّه يراد بلفظ«النّاقة»هنا الأنثى من البعران،فكان يوجد هذا الحيوان هناك أيضا،إلاّ أن يقال:وجوده في تلك البلاد ليس كثيرا كما في الجزيرة العربيّة،لأنّ جلّ أرض الشّام و فلسطين تتكوّن من الجبال و الهضاب و الوديان و السّهول،و تكاد تنعدم فيهما الصّحاري،و البعير حيوان صحراويّ.

ثانيا:لا يبعد أن يكون البعير هنا ما يحمل عليه من الحيوان،كما جاء بالعبريّة،و به قال مقاتل؛إذ لفظ «البعير»جرى على لسان أولاد يعقوب العبريّين و مخاطبيهم-و هم الأقباط-في قصّة يوسف،و هو بلفظ واحد تقريبا في كلا اللّغتين:العربيّة و العبريّة كما تقدّم، و لو قرئ بكسر الباء لكان ما احتملناه يقينا.

و لكن ليس هناك ما يقرّب يقينا أو يبعّد شكّا في ذلك،فأغلب نصوص التّاريخ لا تفصح عن هذا الأمر، و منها ما ورد في سفر التّكوين(45:17)،فقد أبهم فيها ذلك بلفظ«الدّوابّ»على لسان فرعون مخاطبا يوسف قائلا:«قل لإخوتك افعلوا هذا،حمّلوا دوابّكم و انطلقوا اذهبوا إلى أرض كنعان»،فهل كانت دوابّهم أحمرة أو أبعرة؟فاللّه أعلم.

ثالثا:ذكر في(1):(كيل بعير)و في(2):(حمل بعير) و هما شيء واحد،إلاّ أنّ«الكيل»باعتبار الوزن قبل الحمل،و«الحمل»باعتبار حمله بعد الوزن.و يبدو أنّه كان آنذاك كالوسق و الصّاع و المنّ و القفيز و الجريب

ص: 170

و غيرها،من موازين هذا العصر و العصور السّابقة.

رابعا:قوله: وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، و كذلك وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، كلاهما يحكي ضنك العيش و شظفه،و الفقر المدقع و تعاسة الحياة،و لهذا جاء في(1): ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ اعترافا بأنّه شيء سهل، ليس يثقل على الملك،مع ما له من كثرة المال،وسعة الملك،و عزّ الجاه و الاقتدار.

و لعلّه من أجل هذا قال: ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ بلفظ (ذلك)الدّالّ على بعد المشار إليه بدل«هذا كيل يسير»، إشارة إلى(كيل بعير)القريب منه،و السّياق يقتضيه.

فكأنّ الإشارة بلفظ(ذلك)إلى خفّة الكيل و قلّته،كأنّه بعيد عن اعتباره مالا،و أنّه ليس شيئا مذكورا.و ما أشدّ مناسبة هذا و ملاءمته مع ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، حيث جاء فيه«ذلك كيل»،بتنكير«كيل»و تكراره تأكيدا في حقارته،و مع(يسير)الدّالّ على قلّته و أنّه سهل المنال، و لا سيّما للملك.و قوله: وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ، يعبّر عن قناعتهم بأدنى العيش؛حيث يعدّون كَيْلَ بَعِيرٍ زيادة لهم.

و هذا ما يحكيه بوضوح قوله في(2): وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ؛ حيث جعل مال الجعالة حِمْلُ بَعِيرٍ. فإنّه مع إفادته القلّة عند من ضمنه،يحكي كثرته و وفرته عند هؤلاء المساكين الّذين تحمّلوا و عثاء السّفر طلبا له و ظفرا به،فجاء حِمْلُ بَعِيرٍ متلائما مع ما جاءوا من أجله،و هو كَيْلَ بَعِيرٍ دون غيره،كالذّهب و الفضّة و الدّراهم و الدّنانير و غيرها من الأموال الخارجة عن مطلوبهم.

و هذا يحكي أيضا اهتمامهم و اقتناعهم به،و أنّه كلّ ما يتوقّعون ضمانته بقوله: وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ، كأنّه شيء عظيم يجب ضمانه استيثاقا منه و وفاء بوعده.و لعلّ مجيء حِمْلُ بَعِيرٍ في(2)بدل كَيْلَ بَعِيرٍ في(1)دلالة على كبر«الحمل»،لأنّه شيء مشهود على ظهر البعير، يبدو للنّاظر.بخلاف كَيْلَ بَعِيرٍ فإنّه معدود و مقدّر في الحساب،و ليس كتلة تبدو للنّظّارة.

فظهر الفرق بين الآيتين،فالأولى تؤكّد القلّة و الثّانية تؤكّد الكثرة كما يقتضيه الحال،و هذا ضرب من ضروب البلاغة،بل هو جوهر البلاغة.

خامسا:اختصّ البعير بسورة يوسف،و كان له دور في حياة يوسف و قصّته،و هي أحسن القصص في القرآن،إيماء إلى جشوبة عيش أهله،و إخوته،و بيان موقعهم الاجتماعيّ،و إظهارهم بمظهر العجز،و أنّهم كانوا أفراد عائلة من العائلات الضّعيفة،و التّركيز على علوّ شأن يوسف و مكنته وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يوسف:56،ليقيس النّاس حاله بأحوال إخوته الّذين غدروا به،و ليعلم من له بصيرة عاقبة المكر و الخيانة و العصيان و مآل التّقوى و العفّة و الاعتصام باللّه،و تبعة حسدهم و كفرانهم أيضا، و ثمرة صبر يوسف و شكره.

و ينبغي أن يوزن و يقدّر هذا في الميزان عند تفسير لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ يوسف:7، فأيّ آية أهدى و أعظم من البون الشّاسع بين عاقبة يوسف و مصير إخوته.

و لقد لاحظ هذا يوسف عليه السّلام في قوله: رَبِّ قَدْ

ص: 171

آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:101،و حدّث به أيضا شكرا للّه عند رؤية أبيه و إخوته و هو على العرش وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ... يوسف:100،فجملة وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ، تصوّر لنا حالتهم الاجتماعيّة، أي أنّهم كانوا بدوا يسكنون البادية و الصّحراء، و يقتنون الإبل و البعران.و جملة وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ، تصوّر لنا حالة يوسف عليه السّلام؛حيث كان يتّكئ على منصّة الملك،و يجلس على العرش،فرفع أبويه على العرش.

سادسا:قد ساقنا الحديث عن البعير إلى عرش الملك،و الخوض في البون الشّاسع بينهما،الأمر الّذي ما كنّا نفكّر في علاقة أحدهما بالآخر،و أنّهما معا عبرة للمعتبرين في ظلّ القرآن الكريم.

ص: 172

ب ع ض

اشارة

8 ألفاظ،158 مرّة:72 مكّيّة،86 مدنيّة

في 38 سورة:25 مكّيّة،13 مدنيّة

بعض 85:40-45 بعضهم 33:16-17

بعضا 9:5-4 بعضكم 20:9-11

بعضه 3:-3 بعضنا 3:2-1

بعضها 4:-4 بعوضة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بعض كلّ شيء:طائفة منه.و بعّضته تبعيضا،إذا فرّقته أجزاء.

و بعض مذكّر في الوجوه كلّها،كقولك:هذه الدّار متّصل بعضها ببعض.

و بعض العرب يصل ب«بعض»كما يصل ب«ما»، كقول اللّه عزّ و جلّ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ آل عمران:

159،و كذلك ببعض في هذه الآية وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ المؤمن:28.

و البعوض:جمع البعوضة،و هي المؤذية العاضّة في الصّيف.(1:283)

يقال:رأيت غربانا تبتعض،أي يتناول بعضها بعضا.(الرّاغب:54)

الكسائيّ: قوم مبعوضون،و قد بعض القوم،إذا آذاهم البعوض،و أبعضوا،إذا كان في أرضهم بعوض.

و أرض مبعضة.و رمل البعوضة:معروفة بالبادية.

(الأزهريّ 1:490)

أبو عبيدة :بعض الشّيء:كلّه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 1:302)

أبو حاتم: قلت للأصمعيّ:رأيت في كتاب ابن المقفّع:«العلم كثير،و لكن أخذ البعض خير من ترك الكلّ»فأنكره أشدّ الإنكار،و قال:الألف و اللاّم لا تدخلان في«بعض و كلّ»لأنّهما معرفة بغير ألف و لام، و في القرآن وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ النّمل:87.

ص: 173

و لا تقول العرب:الكلّ و لا البعض،و قد استعمله النّاس حتّى سيبويه و الأخفش في كتابيهما،لقلّة علمهما بهذا النّحو،فاجتنب ذلك،فإنّه ليس من كلام العرب.

(الأزهريّ 1:490)

ابن أبي اليمان :البعوض:ضرب من البقّ.

(503)

ثعلب :أجمع أهل النّحو على أنّ«البعض»شيء من أشياء،أو شيء من شيء،إلاّ هشاما،فإنّه زعم أنّ قول لبيد:

*أو يعتلق بعض النّفوس حمامها*

فادّعى و أخطأ أنّ«البعض»هاهنا جمع.و لم يكن هذا من عمله،و إنّما أراد لبيد ببعض النّفوس:نفسه.

(الأزهريّ 1:490)

ابن دريد :بعض الشّيء:معروف،و قد قالوا:

تبعّض الشّيء و بعّضته،أي فرّقته.و لا أحسبها عالية.

(1:302)

الهمذانيّ: بعض الشّيء،بمعنى كلّه،و كلّه:جميع أجزاء الشّيء.و منه ما قيل: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ الزّخرف:63،و قيل: وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ النّمل:23،أي من بعضه.(214)

ابن خالويه :قد يكون«كلّ»بمعنى بعض، و«بعض»بمعنى كلّ.(الهمذانيّ:214)

الصّاحب: ليلة بعضة و مبعوضة:كثيرة البعوض.

و يقولون:«كلّفتني مخّ البعوض»لما لا يكون.

و حكي عن بعضهم:رأيت غربانا يتبعضضن،كأنّه يتناول بعضها بعضا.

و البعضوضة:دويبّة مثل الخنفساء،تقرض الوطاب.(1:319)

الجوهريّ: بعض الشّيء:واحد أبعاضه.و قد بعضته تبعيضا،أي جزّأته،فتبعّض.

و البعوض:البقّ،الواحدة:بعوضة.(3:1066)

ابن فارس: الباء و العين و الضّاد أصل واحد،و هو تجزئة الشّيء،و كلّ طائفة منه بعض.[ثمّ نقل كلام الخليل و أضاف:]

و ممّا شذّ عن هذا الأصل«البعوضة»و هي معروفة، و الجمع:بعوض.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه ليلة بعضة،أي كثيرة البعوض،و مبعوضة أيضا،كقولهم:مكان سبع و مسبوع،و ذئب و مذءوب.

و في المثل:«كلّفتني مخّ البعوض»لما لا يكون.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصحاب البعوضة:قوم قتلهم خالد بن الوليد في الرّدّة.[ثمّ استشهد بشعر](1:269)

أبو هلال: الفرق بين البعض و الجزء:أنّ البعض ينقسم،و الجزء لا ينقسم.و الجزء يقتضي جمعا، و البعض يقتضي كلاّ.

و قال بعضهم:يدخل«الكلّ»على أعمّ العامّ، و لا يدخل«البعض»على أخصّ الخاصّ.و العموم ما يعبّر به الكلّ،و الخصوص ما يعبّر عنه البعض أو الجزء.

و قد يجيء«الكلّ»للخصوص بقرينة تقوم مقام الاستثناء،كقولك:لزيد في كلّ شيء يد.و يجيء «البعض»بمعنى الكلّ،كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2.

ص: 174

و قد يجيء«الكلّ»للخصوص بقرينة تقوم مقام الاستثناء،كقولك:لزيد في كلّ شيء يد.و يجيء «البعض»بمعنى الكلّ،كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2.

و حدّ«البعض»ما يشمله و غيره اسم واحد، و يكون في المتّفق و المختلف،كقولك:الرّجل بعض النّاس،و قولك:السّواد بعض الألوان.

و لا يقال:اللّه تعالى بعض الأشياء،و إن كان شيئا واحدا يجب إفراده بالذّكر لما يلزم من تعظيمه،و في القرآن وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62، و لم يقل:يرضوهما.

و قيل:حدّ«البعض»التّناقص عن الجملة.

و قال البلخيّ رحمه اللّه: البعض أقلّ من النّصف، و حدّ«الجزء»الواحد من ذا الجنس،و لهذا لا يسمّى القديم جزء كما يسمّى واحدا.(116)

ابن سيدة: بعض الشّيء:طائفة منه،و الجمع:

أبعاض،حكاه ابن جنّيّ.فلا أدري:أ هو تسمّح،أم هو شيء رواه.

و استعمل الزّجّاجيّ«بعضا»بالألف و اللاّم،فقال:

و إنّما قلنا:البعض و الكلّ مجازا،و على استعمال الجماعة له مسامحة،و هو في الحقيقة غير جائز،يعني أنّ هذا الاسم لا ينفصل من الإضافة.

و بعّض الشّيء فتبعّض:فرّقه فتفرّق.

و قيل:بعض الشّيء:كلّه.

قال لبيد:

*أو يعتلق بعض النّفوس حمامها*

و ليس هذا عندي على ما ذهب إليه أهل اللّغة،من أنّ البعض في معنى الكلّ،هذا نقض،و لا دليل في هذا البيت،لأنّه إنّما عنى ببعض النّفوس نفسه.

و قوله تعالى: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ يوسف:

10،بالتّأنيث في قراءة من قرأ به،فإنّه أنّث،لأنّ بعض السّيّارة سيّارة،كقولهم:ذهبت بعض أصابعه،لأنّ بعض الأصابع يكون إصبعا و إصبعين،و أصابع.

و قوله تعالى: يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ المؤمن:28،إن قال قائل:كيف قال: بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره، و لم يقع بعضه؟و حقّ اللّفظ«كلّ الّذي يعدكم»؟

فالجواب:أنّ هذا باب من النّظر،يذهب فيه المناظر إلى إلزام حجّته بأيسر الأمر.و ليس في هذا نفي«الكلّ» و إنّما ذكر«البعض»ليوجب له«الكلّ»لأنّ البعض هو الكلّ.[ثمّ استشهد بشعر]و كأنّ مؤمن آل فرعون قال لهم:أقلّ ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الّذي يعدكم،و في ذلك هلاككم.

و البعوض:ضرب من الذّباب،الواحدة:بعوضة.

و بعضه البعوض يبعضه بعضا:عضّه،و لا يقال في غير البعوض.[ثمّ استشهد بشعر](1:256)

البعوض:البقّ،واحدته:بعوضة.و بعضوا:آذاهم البعوض،و أبعضوا:صار في أرضهم البعوض.

و أرض بعضة:كثيرته،و ليلة بعضة و مبعوضة، بعّضه البعوض يبعّضه بعضا:خمشه و عضّه.

(الإفصاح 2:858)

الرّاغب: بعض الشّيء:جزء منه،و يقال ذلك بمراعاة كلّ،و لذلك يقابل به«كلّ»فيقال:بعضه و كلّه، و جمعه:أبعاض.قال عزّ و جلّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ البقرة:36، وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً

ص: 175

الأنعام:129، وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً العنكبوت:25.

و قد بعّضت كذا:جعلته أبعاضا،نحو جزّأته.

قال أبو عبيدة: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ الزّخرف:63،أي كلّ الّذي.[ثمّ استشهد بشعر]

و في قوله هذا قصور نظر منه؛و ذلك أنّ الأشياء على أربعة أضرب:

ضرب في بيانه مفسدة،فلا يجوز لصاحب الشّريعة أن يبيّنه،كوقت القيامة و وقت الموت.

و ضرب معقول يمكن للنّاس إدراكه من غير نبيّ، كمعرفة اللّه،و معرفته في خلق السّماوات و الأرض، فلا يلزم صاحب الشّرع أن يبيّنه؛أ لا ترى أنّه كيف أحال معرفته على العقول،في نحو قوله: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يونس:101،و بقوله: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا الأعراف:184،و غير ذلك من الآيات.

و ضرب يجب عليه بيانه،كأصول الشّرعيّات المختصّة بشرعه.

و ضرب يمكن الوقوف عليه بما بيّنه صاحب الشّرع كفروع الأحكام.

و إذا اختلف النّاس في أمر غير الّذي يختصّ بالنّبيّ بيانه فهو مخيّر بين أن يبيّن و بين أن لا يبيّن،حسب ما يقتضي اجتهاده و حكمته،فإذا قوله تعالى: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، لم يرد به كلّ ذلك، و هذا ظاهر لمن ألقى العصبيّة عن نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعوض بني لفظه من«بعض»و ذلك لصغر جسمها،بالإضافة إلى سائر الحيوانات.(54)

الزّمخشريّ: بعض الشّرّ أهون من بعض.

و يقال للرّجل من القوم:من فعل كذا؟فيقول:

أحدنا أو بعضنا،يريد نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه جارية حسّانة يشبه بعضها بعضا.

و أخذوا ماله فبعّضوه تبعيضا،إذا فرّقوه.و بعض الشّاة و بعّضها.

و أبغض القوم فهم مبعضون:كثر في أرضهم البعوض،و قوم مبعوضون و قد بعضوا،إذا أكلهم البعوض.و ليلة مبعوضة و بعضة.

و سمع بعض هذيل يقول:باتت علينا ليلة بعضة كادت تأكلنا.

و من المجاز:«كلّفتني مخّ البعوض»أي الأمر الشّديد.

(أساس البلاغة:26)

ابن الشّجريّ: أنّه تعالى جدّه قطع بعضا عمّا يقتضيه من الإضافة في قوله: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً الحجرات:12،و كذلك قوله: كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:285،و الأصل:لا يغتب بعضكم بعضكم،و كلّهم آمن باللّه.

و لتقدير الإضافة فيهما امتنع بعض النّحويّين من إدخال الألف و اللاّم عليهما.

و يجوز في قياس قول سيبويه و في رأي أبي عليّ لحاق الألف و اللاّم لهما،و ذلك أنّ سيبويه أجاز في قول الشّاعر:

ترى خلقها نصفا قناة قويمة

و نصفا نقا يرتجّ أو يتمرمر

أن تنصب نصفا على الحال،يعني أنّه كان

ص: 176

أصله:ترى خلقها قناة قويمة نصفا و نقا يرتجّ نصفا،فلمّا قدّم وصف النّكرة عليها صار انتصابه على الحال،و لمّا أجاز انتصاب«نصف»على الحال دلّ ذلك على أنّه عنده نكرة،و إذا كان نكرة جاز دخول الألف و اللاّم عليه، لأنّه إنّما يكون في قطعه عن الإضافة معرفة،إذا قدّرت إضافته إلى معرفة،و إذا لم تقدّر إضافته إلى معرفة كان نكرة.

و إذا كان نكرة جاز دخول الألف و اللاّم عليه،كما جاء في التّنزيل فَلَهَا النِّصْفُ النّساء:11،و«كلّ» و«بعض»مجراهما مجرى«نصف»لأنّه يقتضي الإضافة إلى ما هو نصف له،كما أنّ«كلاّ»يقتضي الإضافة إلى ما هو كلّ له،و«بعضا»يقتضي الإضافة إلى ما هو بعض له.

فإذا قدّرت إضافة«كلّ»و«بعض»إلى المعارف كانا معرفتين،و إذا قدّرت إضافتهما إلى النّكرات كانا نكرتين،فهما في هذا بمنزلة«نصف»،تقول:نصف دينار و نصف الدّينار،و كلّ رجل و كلّ الرّجال،و بعض رغيف و بعض الرّغيف.

قال أبو عليّ: و ممّا يدلّ على صحّة جواز دخول الألف و اللاّم عليهما أنّ أبا الحسن الأخفش حكى أنّهم يقولون:مررت بهم كلاّ،فينصبونه على الحال،و يجرونه مجرى:مررت بهم جميعا.و إذ أجاز انتصابه على الحال فيما حكاه عن العرب،فلا إشكال في جواز دخول الألف و اللاّم عليه.

و لا اعتبار بما وقع من المعارف في مواقع الأحوال، كقولهم:طلبته جهدك،و رجع عوده على بدئه،و أرسلها العراك،لأنّ هذه مصادر عملت فيها أفعال من ألفاظها مقدّرة،و تلك الأفعال واقعة في مواضع الأحوال.

و الأفعال نكرات فلا يمتنع وقوع الفعل مواقع الحال، و التّقدير:طلبته تجهد جهدك،و رجع يعود عوده، و أرسلها يعارك بعضها بعضها العراك.[ثمّ ذكر أمثلة أخرى إلى أن قال:]

فقد ثبت بما ذكرنا أنّ دخول الألف و اللاّم على«كلّ و بعض»جائز من جهتين:

إحداهما:أنّك لا تقدّرهما مضافين إلى معرفة،و إذا لم تقدّر إضافتهما إلى معرفة جريا مجرى«نصف»و غيره من النّكرات المتصرّفة.

و الجهة الأخرى:أن يكون«كلّ»على ما ذكره أبو الحسن من استعمالهم إيّاه حالا،بمعنى جميعا،فيجوز دخول الألف و اللاّم عليه كما دخلا في«الجميع».فقد ثبت بهذا أنّ من امتنع من دخول الألف و اللاّم عليهما مخطئ.

فإن قيل:قد علمت أنّ«كلاّ و بعضا»ممّا لا ينفكّ من الإضافة لفظا و معنى أو معنى لا لفظا،فهما في ذلك بمنزلة «قبل و بعد»فما الفرق بينهما و بين«قبل و بعد»حتّى أجزتم دخول الألف و اللاّم عليهما،و لم يأت ذلك في «قبل و بعد».و حتّى جاء بناء«قبل و بعد»على الضّمّ في حال إفرادهما إذا قدّرا مضافين إلى معرفة،و لم يأت ذلك في«كلّ و بعض»؟

فالجواب:أنّ امتناع الألف و اللاّم من الدّخول على «قبل و بعد»من حيث لم يستعملا إلاّ ظرفين ناقصي التّمكّن،فجريا في ذلك مجرى الظّروف الّتي لم تتمكّن،

ص: 177

كإذ و لدن و عند و لدى،و ساغ البناء فيهما إذا أفردا لنقصان تمكّنهما في حال الإضافة،أ لا تراهما لا يرفعان مضافين،و ليس بعد نقصان التّمكّن مع حذف المضاف إليه-و هو جار مجرى بعض أجزاء المضاف-إلاّ البناء.

و ليس كذلك«كلّ و بعد»لأنّهما اسمان متمكّنان كلّ التّمكّن.(1:153)

ابن الأثير: قد تكرّر فيه ذكر البعوض و هو البقّ، و قيل:صغاره،واحدته:بعوضة.(1:140)

الصّغانيّ: بعض الشّيء:بعضه و كلّه.

(ثلاثة كتب في الأضداد:224)

أبو حيّان: «بعض»أصله مصدر بعض يبعض بعضا،أي قطع،و يطلق على الجزء،و يقابله«كلّ»،و هما معرفتان لصدور الحال منهما في فصيح الكلام.قالوا:

مررت ببعض قائما و بكلّ جالسا،و ينوي فيهما الإضافة، فلذلك لا تدخل عليهما الألف و اللاّم.

و لذلك خطّئوا أبا القاسم الزّجاجيّ في قوله:و يبدّل البعض من الكلّ،و يعود الضّمير على«بعض»إذا أريد به جمع،مفردا و مجموعا،و كذلك الخبر و الحال و الوصف يجوز إفراده إذ ذاك و جمعه.(1:159)

نحوه الآلوسيّ.(1:236)

الفيّوميّ: بعض من الشّيء:طائفة منه،و بعضهم يقول:جزء منه.فيجوز أن يكون«البعض»جزء أعظم من الباقي،كالثّمانية تكون جزء من العشرة.

و هذا يتناول ما فوق النّصف كالثّمانية،فإنّه يصدق عليه أنّه شيء من العشرة.

و بعّضت الشّيء تبعيضا:جعلته أبعاضا متمايزة.

(1:53)

الفيروزآباديّ: بعض كلّ شيء:طائفة منه، جمعه:أبعاض.

و لا تدخله اللاّم خلافا لابن درستويه و أبي حاتم، استعملها سيبويه و الأخفش في كتابيهما لقلّة علمهما بهذا النّحو.

و البعوضة:البقّة،جمعها:بعوض،و ماء لبني أسد.

و بعضوا بالضّمّ:آذاهم،و ليلة بعضة و مبعوضة، و أرض بعضة:كثيرته.

و أبعضوا:صار في أرضهم البعوض،و كلّفني مخّ البعوض،أي ما لا يكون.و البعضوضة بالضّمّ:دويبّة كالخنفساء.

و الغربان تتبعضض:يتناول بعضها بعضا.

و بعّضته تبعيضا:جزّأته،فتبعّض:تجزّأ.

(2:336)

مجمع اللّغة :بعض الشّيء:طائفة منه،سواء قلّت أو كثرت.و قد جاءت«بعض»في القرآن الكريم مضافة و غير مضافة،في مائة و تسعة و عشرين موضعا.

و البعوضة:دويبّة تسمّى الجرجس و القرقس،لها أجنحة،و خرطوم تستقي به الدّم من الأجسام.و قد تطلق البعوضة على البقّة.(1:112)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:74)

العدنانيّ: بعض الشّيء:جزء منه،كلّه.و يخطّئون من لا يقول:إنّ بعض الشّيء هو جزء منه،و يعتمدون على:

1-ما جاء في تفسير الجلالين،و المصحف المفسّر

ص: 178

لمحمّد فريد وجدي للآية(63)من سورة الزّخرف وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، الّذي يقول:

إنّ«البعض»هنا يعني الجزء.

2-و على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار، و المصباح،و المتن،و الوسيط الّذين يقولون:إنّ «البعض»تعني الجزء من الشّيء،أو الطّائفة منه،سواء قلّت أو كثرت.

و لكن:

1-قال أبو عبيدة«معمر بن المثنّى»إنّ الآية الكريمة في سورة الزّخرف،تعني فيها كلمة(بعض)الكلّ، و استشهد بقول لبيد في معلّقته:

ترّاك أمكنة إذا لم أرضها

أو يعتلق بعض النّفوس حمامها

و خطّأ الزّوزنيّ،في شرحه للمعلّقة قول أبي عبيدة، و قال:و من جعل«بعض النّفوس»بمعنى«كلّ النّفوس» فقد أخطأ،لأنّ«بعضا»لا يفيد العموم و الاستيعاب.

و تلاه الرّاغب الأصفهانيّ،فقال:إنّ كلمة(بعض) في الآية الكريمة لم يرد بها«الكلّ»،و إنّ قول لبيد:بعض النّفوس»يعني به نفسه،و معنى عجز بيت لبيد:«إلاّ أن يتداركني الموت،لكنّه عرّض و لم يصرّح،حسب ما بنيت عليه جملة الإنسان،في الابتعاد من ذكر موته.

2-و قال ابن الأنباريّ:و بعض حرف من الأضداد؛ يكون بمعنى بعض الشّيء،و بمعنى كلّه.قال بعض أهل اللّغة في قول اللّه عزّ و جلّ،حاكيا عن عيسى عليه السّلام؛ذكر الآية،و قال:معناه كلّ الّذي تختلفون فيه،و احتجّ ببيت لبيد،و قال:إنّ معناه أو يعتلق كلّ النّفوس،لأنّه لا يسلم من الحمام أحد،و الحمام هو القدر،ثمّ استشهد ببيت ابن قيس:

من دون صفراء في مفاصلها

لين،و في بعض مشيها خرق

و قال:معناه و في كلّ مشيها.

ثمّ قال ابن الأنباريّ:و قال غيره:«بعض»ليس من الأضداد،و لا يقع على«الكلّ»أبدا،و قال في قوله عزّ و جلّ-الآية نفسها-:ما أحضر من اختلافكم،لأنّ الّذي أغيب عنه لا أعلمه،فوقعت(بعض)في الآية على الوجه الظّاهر فيها.

و قال في شرح عجز بيت لبيد:«أو يعتلق نفسي حمامها»لأنّ«نفسي»هي بعض النّفوس.

ثمّ قال:و قالوا في قول ابن قيس:«و في بعض مشيها خرق»إذا استحسن منها في بعض الأحوال هذا وجد في مشيها،و ربّما كان غير هذا من المشي أحسن منه، ف«بعض»دخلت للتّبعيض و التّخصيص،و لم يقصد بها قصد العموم.

3-ثمّ ذكر اللّسان أنّ ابن سيده قال:إنّ كلمة «بعض»في بيت لبيد يعني بها نفسه.و أورد ابن منظور بعد ذلك الآية(28)من سورة المؤمن وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، و قال:و قيل في قوله:

بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ: أي كلّ الّذي يعدكم،أي إن يكن موسى صادقا يصبكم كلّ الّذي ينذركم به و يتوعّدكم،لا بعض دون بعض،لأنّ ذلك من فعل الكهّان،و أمّا الرّسل فلا يوجد عليهم وعد مكذوب،

ص: 179

و أنشد:

فيا ليته يعفى و يقرع بيننا

عن الموت أو عن بعض شكواه مقرع

فهو لا يريد هنا بعض شكواه دون بعض،بل يريد الكلّ.و بعض ضدّ كلّ.و قال ابن مقبل يخاطب ابنتي عصر:

لو لا الحياء و لو لا الدّين عبتكما

ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري

أراد:بكلّ ما فيكما.

4-و قال التّاج في مستدركه زيادة على بعض ما جاء في اللّسان:إنّ أبا الهيثم فسّر الآية كما فسّرها أبو عبيدة.

5-ذكر«المدّ»خلاصة ما قالته الفئتان،الفئة الّتي تقول:إنّ«بعضا»لا تعني سوى الجزء،أو الطّائفة من الشّيء،و الفئة الّتي تقول:إنّها تعني كلتا كلمتي«بعض و كلّ».

و قد اتّفقوا على أنّ«بعضا»مذكّر،و جمعه:أبعاض.

و أنا أرى أنّ في جعل«بعض»بمعنى«كلّ»تشويشا للعقول،و زرعا لفوضى،لا مسوّغ لها،في رياض اللّغة العربيّة.و أنصح بأن نكتفي باستعمال كلمة«بعض»بمعنى الجزء أو الطّائفة،و إهمال استعمالها بمعنى«كلّ»إهمالا تامّا.(66)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ البعض ينسب و يضاف إلى«الكلّ»سواء كان هذا الكلّ في ضمن الكلّيّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الحجرات:12،أو في ضمن المجموع أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الأنعام:158،أو في ضمن التّمام و المركّب يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ البقرة:

259،و سواء كان مادّيّا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ البقرة:

36،أو معنويّا بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ هود:12.

و الحاصل أنّ«البعض»يستعمل في الكمّيّات،لا في الكيفيّات.

و الفرق بينه و بين الجزء و الفرد:أنّ«البعض»ينسب و يضاف دائما إلى«الكلّ»و لا يصحّ إطلاقه إلاّ بعد تحقّق الكلّ.و هذا بخلاف«الجزء»فيصحّ إطلاقه على جزء لوحظ أن يكون جزء،و له صلاحيّة الجزئيّة مطلقا،أي قبل التّركّب أو بعده.و«الفرد»:ما كان ملحوظا مستقلاّ في مقابل المجموع.

و أمّا دخول الألف و اللاّم على«البعض»فلا إشكال فيه إذا أريد منه الجنس و المفهوم من حيث هو،أو تكون اللاّم عوضا عن المضاف إليه.(1:284)

النّصوص التّفسيريّة

بعض

1- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ. البقرة:36

ابن عبّاس: بعضهم لبعض عدوّ آدم و حوّاء، و إبليس و الحيّة.(الطّبريّ 1:240)

مثله السّدّيّ و نحوه أبو صالح.(الطّبريّ 1:239)

أبو العالية: يعني إبليس و آدم.(الطّبريّ 1:240)

مجاهد :آدم،و إبليس،و الحيّة،ذرّيّة بعضهم أعداء لبعض.(الطّبريّ 1:240)

آدم و ذرّيّته،و إبليس و ذرّيّته.(الطّبريّ 1:240)

ص: 180

نحوه الحائريّ.(1:135)

الحسن :إنّه أراد آدم و حوّاء و الوسوسة.

(الطّوسيّ 1:164)

قتادة: (اهبطوا)يعني آدم و حوّاء و إبليس.

(الدّرّ المنثور 1:55)

السّدّيّ: فهبطوا،هم آدم و حوّاء و الحيّة.(106)

مقاتل: إنّ إبليس عدوّ لآدم و حوّاء،و هما له عدوّ.(ابن الجوزيّ 1:69)

الإمام العسكريّ عليه السّلام: آدم و حوّاء و ولدهما عدوّ للحيّة،و إبليس و الحيّة و أولادهما أعداؤكم.(224)

الطّبريّ: و قد اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله:(اهبطوا)مع إجماعهم على أنّ آدم و زوجته ممّن عنى به.[ثمّ ذكر أقوال ابن عبّاس و غيره كما تقدّم]

(1:239)

الزّجّاج: إبليس عدوّ للمؤمنين من ولد آدم، و عداوته لهم كفر،و المؤمنون أعداء إبليس،و عداوتهم له إيمان.(1:115)

ابن الأنباريّ: آدم و حوّاء فحسب،و يكون الخطاب بلفظ الجمع و إن وقع على التّثنية،نحو وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78.(أبو حيّان 1:162)

الماورديّ: اختلفوا في المأمور بالهبوط،على ثلاثة أقاويل:

أحدهما:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

و الثّاني:[قول مجاهد و قد تقدّم]

و الثّالث:أنّه آدم،و حوّاء،و الموسوس.(1:107)

الطّوسيّ: و قوله: اِهْبِطُوا إنّما قال بالجمع، لأنّه يحتمل أشياء:

أحدها:أنّه خاطب آدم و حوّاء و إبليس،فيصلح ذلك،و إن كان إبليس أهبط من قبلهما.يقال:أخرج جمع من الجيش،و إن أخرجوا متفرّقين.اختار هذا الزّجّاج.

و الثّاني:أنّه أراد آدم و حوّاء و الحيّة.

و الثّالث:آدم و حوّاء و ذرّيّتهما.

و الرّابع:قال الحسن:إنّه أراد آدم و حوّاء و الوسوسة.و ظاهر القول و إن كان أمرا،فالمراد به التّهديد.(1:164)

البغويّ: أراد العداوة الّتي بين ذرّيّة آدم و الحيّة، و بين المؤمنين من ذرّيّة آدم،و بين إبليس،قال اللّه تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ الأعراف:22.

(1:43)

نحوه الميبديّ.(1:151)

الزّمخشريّ: قيل:(اهبطوا)خطاب لآدم و حوّاء و إبليس،و قيل:و الحيّة.

و الصّحيح أنّه لآدم و حوّاء،و المراد:هما و ذرّيّاتهما، لأنّهما لمّا كانا أصل الإنس و متشعّبهم جعلا كأنّهما الإنس كلّهم،و الدّليل عليه قوله: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ طه:123،يدلّ على ذلك قوله:

فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:38،39،و ما هو إلاّ حكم يعمّ النّاس كلّهم.(1:274)

نحوه النّسفيّ.(1:42)

ص: 181

ابن عطيّة: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة في موضع الحال،و إفراد لفظ(عدوّ)من حيث لفظ(بعض)، و«بعض و كلّ»تجري مجرى الواحد.(1:129)

الطّبرسيّ: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا خاطب بخطاب الجمع،و فيه وجوه:

أحدها:أنّه خاطب آدم و حوّاء و إبليس،و هو اختيار الزّجّاج،و قول جماعة من المفسّرين.و هذا غير منكر و إن كان إبليس قد أخرج قبل ذلك بدلالة قوله:

فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ الحجر:34،فجمع الخبر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لأنّهم قد اجتمعوا في الهبوط و إن كانت أوقاتهم متفرّقة فيه،كما يقال:أخرج جميع من في الحبس،و إن أخرجوا متفرّقين.

و الثّاني:أنّه أراد آدم و حوّاء و الحيّة.و في هذا الوجه بعد،لأنّ خطاب من لا يفهم الخطاب لا يحسن،و لأنّه لم يتقدّم للحيّة ذكر،و الكناية عن غير مذكور لا تحسن إلاّ بحيث لا يقع لبس،مثل قوله: حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32،و قوله: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ فاطر:45.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّالث:أنّه أراد آدم و حوّاء و ذرّيّتهما،لأنّ الوالدين يدلاّن على الذّرّيّة و يتعلّق بهما.

و الرّابع:أن يكون الخطاب يختصّ بآدم و حوّاء عليهما السّلام،و خاطب الاثنين على الجمع على عادة العرب؛و ذلك لأنّ الاثنين أوّل الجمع،قال اللّه تعالى:

إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78.

أراد حكم داود و سليمان،و قد تأوّل قوله تعالى:

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ النّساء:81،على معنى فإن كان له أخوان.

و الخامس:آدم و حوّاء و الوسوسة،عن الحسن، و هذا ضعيف.(1:87)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المخاطبين بهذا الخطاب؛ بعد الاتّفاق على أنّ آدم و حوّاء عليهما السّلام كانا مخاطبين به، و ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:و هو قول الأكثرين:أنّ إبليس داخل فيه أيضا،قالوا:لأنّ إبليس قد جرى ذكره في قوله:

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها أي فأزلّهما و قلنا لهم:

اهبطوا.

أمّا قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فهذا تعريف لآدم و حوّاء عليهما السّلام،أنّ إبليس عدوّ لهما و لذرّيّتهما،كما عرّفهما ذلك قبل الأكل من الشّجرة، فقال: فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى طه:117.

فإن قيل:إنّ إبليس لمّا أبى من السّجود صار كافرا و أخرج من الجنّة و قيل له: فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها الأعراف:13،و قال أيضا: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ص:77،و إنّما أهبط منها لأجل تكبّره،فزلّة آدم عليه السّلام إنّما وقعت بعد ذلك بمدّة طويلة،ثمّ أمر بالهبوط بسبب الزّلّة،فلمّا حصل هبوط إبليس قبل ذلك،كيف يكون قوله:(اهبطوا)متناولا له؟

قلنا:إنّ اللّه تعالى لمّا أهبطه إلى الأرض فلعلّه عاد إلى السّماء مرّة أخرى لأجل أن يوسوس إلى آدم و حوّاء،فحين كان آدم و حوّاء في الجنّة قال اللّه تعالى

ص: 182

لهما: اِهْبِطا طه:123،فلمّا خرجا من الجنّة و اجتمع إبليس معهما خارج الجنّة أمر الكلّ،فقال:(اهبطوا).

و من النّاس من قال:ليس معنى قوله:(اهبطوا)أنّه قال ذلك لهم دفعة واحدة بل قال ذلك لكلّ واحد منهم على حدة في وقت.

و الوجه الثّاني:أنّ المراد آدم و حوّاء و الحيّة،و هذا ضعيف،لأنّه ثبت بالإجماع أنّ المكلّفين هم الملائكة و الجنّ و الإنس.و لقائل أن يمنع هذا الإجماع،فإنّ من النّاس من يقول:قد يحصل في غيرهم جمع من المكلّفين على ما قال تعالى: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ النّور:41،و قال سليمان للهدهد: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً النّمل:21.

الثّالث:المراد:آدم و حوّاء و ذرّيّتهما،لأنّهما لمّا كانا أصل الإنس جعلا كأنّهما الإنس كلّهم،و الدّليل عليه قوله: اِهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ و يدلّ عليه أيضا قوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:38،و هذا حكم يعمّ النّاس كلّهم،و معنى بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ما عليه النّاس من التّعادي و التّباغض و تضليل بعضهم لبعض.

و اعلم أنّ هذا القول ضعيف،لأنّ الذّرّيّة ما كانوا موجودين في ذلك الوقت،فكيف يتناولهم الخطاب؟!أمّا من زعم أنّ أقلّ الجمع اثنان فالسّؤال زائل على قوله.

(3:16)

القرطبيّ: (بعضكم)مبتدأ،(عدوّ)خبره،و الجملة في موضع نصب على الحال،و التّقدير:و هذه حالكم.

و حذفت الواو من(بعضكم)لأنّ في الكلام عائدا،كما يقال:رأيتك السّماء تمطر عليك.[إلى أن قال:]

و قد حمل بعض العلماء قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ على الإنسان نفسه،و فيه بعد و إن كان صحيحا معنى،يدلّ عليه قوله عليه السّلام«إنّ العبد إذا أصبح تقول جوارحه للسانه:اتّق اللّه فينا،فإنّك إذا استقمت استقمنا،و إن اعوججت اعوججنا».(1:320)

أبو حيّان: [ذكر أقوال المفسّرين في المراد ب«اهبطوا»و أضاف:]

و البعضيّة موجودة في ذرّيّتهما،لأنّه ليس كلّهم يعادي كلّهم،بل البعض يعادي البعض و إن كان معهما إبليس أو الحيّة،كما قاله مقاتل،فليس بعض ذرّيّتهما يعادي ذرّيّة آدم بل كلّهم أعداء لكلّ بني آدم.

و لكن يتحقّق هذا بأن جعل المأمورون بالهبوط شيئا واحدا و جزّءوا أجزاء،فكلّ جزء منها جزء من الّذين هبطوا،و الجزء يطلق عليه«البعض»فيكون التّقدير:كلّ جنس منكم معاد للجنس المباين له.

(1:163)

الآلوسيّ: و البعض في الأصل مصدر بمعنى القطع، و يطلق على الجزء،و هو ك«كلّ»ملازم للإضافة لفظا أو نيّة،و لا تدخل عليه اللاّم،و يعود عليه الضّمير مفردا و مجموعا إذا أريد به جمع.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن أبي حيّان](1:236)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّه خطاب لآدم و زوجته و إبليس،و قد خصّ إبليس وحده بالخطاب في

ص: 183

سورة الأعراف؛حيث قال: فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها الأعراف:13،فقوله تعالى:

(اهبطوا)كالجمع بين الخطابين،و حكاية عن قضاء قضى اللّه به العداوة بين إبليس لعنه اللّه و بين آدم و زوجته و ذرّيّتهما،و كذلك قضى به حياتهم في الأرض و موتهم فيها و بعثهم منها.

و ذرّيّة آدم مع آدم في الحكم كما-ربّما-يستشعر من ظاهر قوله: فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ الأعراف:25،و كما سيأتي في قوله تعالى:

وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ الأعراف:11.(1:132)

2- قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ. الأعراف:24

ابن عبّاس: يعني آدم و حوّاء و الحيّة و الطّاوس.

(125)

الحسن :إنّهم آدم و حوّاء و الوسوسة.

(الماورديّ 2:212)

السّدّيّ: فلعن الحيّة،و قطع قوائمها،و تركها تمشي على بطنها،و جعل رزقها من التّراب.و اهبطوا إلى الأرض:آدم و حوّاء و إبليس و الحيّة.(الطّبريّ 8:144)

الطّبريّ: هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن فعله بإبليس و ذرّيّته،و آدم و ولده و الحيّة،يقول تعالى ذكره لآدم و حوّاء و إبليس و الحيّة:اهبطوا من السّماء إلى الأرض،بعضكم لبعض عدوّ.(8:144)

الطّوسيّ: اختلفوا في المعنيّ بهذه الآية،فقال السّدّيّ و أبو عليّ الجبّائيّ و أبو بكر بن الإخشيد:إنّ المراد بالخطاب آدم و حوّاء،و إبليس،جمع بينهم في الذّكر، و إن كان الخطاب لهم وقع في أوقات متفرّقة،لأنّ إبليس أمر بالهبوط حين امتنع من السّجود،و آدم و حوّاء حين أكلا من الشّجرة،و انتزع لباسهما.

و قال أبو صالح: الخطاب متوجّه إلى آدم و حوّاء و الحيّة.

و قال الحسن قولا بعيدا من الصّواب: و هو أنّ المراد به آدم و حوّاء و الوسوسة.و هذا قول منعزب عنه،لأنّ الوسوسة لا تخاطب.(4:404)

الزّمخشريّ: (اهبطوا)الخطاب لآدم و حوّاء و إبليس،و بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ في موضع الحال، أي متعادين يعاديهما إبليس و يعاديانه.(2:73)

نحوه البيضاويّ(1:345)،و النّسفيّ(2:49)، و الحجازيّ(8:44).

الفخر الرّازيّ: يعني العداوة ثابتة بين الجنّ و الإنس،لا تزول البتّة.(14:50)

النّيسابوريّ: قيل: اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدوّ النّفس،عدوّ القلب.و الرّوح و القلب عدوّ لما سوى اللّه،(و لكم)للنّفس و القلب و الرّوح في أرض البدن مقام و تمتّع في الشّريعة،باستعمال الطّريقة للوصول إلى الحقيقة،(الى حين)تصير النّفس مطمئنّة تستحقّ الخطاب،ارجعي من الهبوط،و ارفعي بعد السّقوط.

(8:95)

الشّربينيّ: (بعضكم)أي بعض الذّرّيّة(لبعض عدوّ)أي من ظلم بعضهم بعضا.(1:469)

ص: 184

البروسويّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة حاليّة من فاعل(اهبطوا)أي متعادين،فطبع إبليس على العداوة كطبع العقرب على اللّدغ،و الذّئب على السّلب، فعادى آدم لذهاب رئاسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم،و أمرنا بمعاداة إبليس،لأنّ الابن يعادي عدوّ أبيه.

(3:146)

الآلوسيّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ في موضع الحال من فاعل(اهبطوا)و هي حال مقارنة أو مقدّرة.

و اختار بعض المعرّبين كون الجملة استئنافيّة،كأنّهم لمّا أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا؟فأجيبوا بأنّ بعضكم لبعض عدوّ.

و أمر العداوة على تقدير دخول الشّيطان في الخطاب ظاهر،و أمّا على تقدير التّخصيص بآدم و حوّاء عليهما السّلام فقد قيل:إنّه باعتبار أن يراد بهما ذرّيّتهما إمّا بالتّجوّز كإطلاق تميم على أولاده كلّهم أو يكتفي بذكرهما عنهم.

و اختار بعضهم كون العداوة هنا بمعنى«الظّلم»أي يظلم بعضكم بعضا،بسبب تضليل الشّيطان،فليفهم.

(8:102)

رشيد رضا: (بعضكم)و هو الشّيطان(عدوّ لبعض)و هو الإنسان.(8:351)

نحوه المراغيّ.(8:122)

الطّباطبائيّ: كأنّ الخطاب لآدم و زوجته و إبليس،و عداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم.(8:35)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ طه:123.

3- وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. البقرة:76

السّدّيّ: هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثمّ نافقوا.

(الطّبريّ 1:369)

الطّبريّ: يعني قوله: وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الّذين وصف اللّه صفتهم إلى بعض منهم،فصاروا في خلاء من النّاس غيرهم،و ذلك هو الموضع الّذي ليس فيه غيرهم،قالوا -يعني قال بعضهم لبعض-:أ تحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم.(1:369)

نحوه الطّوسيّ(1:315)و الطّبرسيّ(1:143)

البغويّ: يعني:كعب بن الأشرف و كعب بن أسد و وهب بن يهودا،أو غيرهم من رؤساء اليهود لأمرهم على ذلك.(1:135)

الزّمخشريّ: وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ الّذين لم ينافقوا(الى بعض)الّذين نافقوا.(1:291)

مثله النّيسابوريّ.(1:350)

ابن عطيّة: ورد في التّفسير أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«لا يدخلنّ علينا قصبة المدينة إلاّ مؤمن».فقال كعب بن الأشرف و وهب بن يهوذا و أشباههما:اذهبوا و تحسّسوا أخبار من آمن بمحمّد،و قولوا لهم:آمنّا و اكفروا إذا رجعتم،فنزلت هذه الآية فيهم.

و قال ابن عبّاس: نزلت في منافقين من اليهود، و روي عنه أيضا أنّها نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض

ص: 185

المؤمنين:نحن نؤمن أنّه نبيّ و لكن ليس إلينا،و إنّما هو إليكم خاصّة.(1:168)

نحوه أبو حيّان.(1:273)

أبو السّعود: أي بعض المذكورين و هم السّاكتون منهم،أي إذا فرغوا من الاشتغال بالمؤمنين متوجّهين و منضمّين(إلى بعض)آخر منهم و هم منافقوهم؛بحيث لم يبق معهم غيرهم.(1:152)

نحوه البروسويّ(1:167)،و الآلوسيّ(1:299).

4- ..وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... البقرة:85

ابن عبّاس: ببعض ما في الكتاب تفادون أسراءكم من عدوّكم وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ و تتركون أسراء أصحابكم و لا تفادونهم،يقال:أ فتؤمنون ببعض الكتاب بما تهوى أنفسكم و تكفرون ببعض بما لا تهوى أنفسكم.

(13)

إخراجهم كفر،و فداؤهم إيمان.

مثله قتادة و ابن جريج.(الفخر الرّازيّ 3:173)

الإمام العسكريّ عليه السّلام: [في حديث طويل] أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو الّذي أوجب عليكم المفاداة، وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ و هو الّذى حرّم قتلهم و إخراجهم.(البرهان 1:462)

نحوه الكاشانيّ.(1:138)

الطّبريّ: الّذي فرضت عليكم فيه فرائضي و بيّنت لكم فيه حدودي،و أخذت عليه بالعمل بما فيه ميثاقي فتصدّقون به،فتفادون أسراكم من أيدي عدوّكم و تكفرون ببعضه،فتجحدونه،فتقتلون من حرّمت عليكم قتله من أهل دينكم و من قومكم،و تخرجونهم من ديارهم،و قد علمتم أنّ الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي و ميثاقي.(1:398)

نحوه الطّوسيّ.(1:377)

الزّمخشريّ: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ أي الفداء وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أي بالقتال و الإجلاء.

(1:294)

نحوه ابن عطيّة(1:175)،و ابن الجوزيّ(1:

112)،و البيضاويّ(1:68)،و النّسفيّ(1:60)،و شبّر (1:119).

ابن عربيّ: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ أي كتاب العقل و الشّرع قولا و إقرارا،فتقرّون به و تصدّقونه،و هو أنّ اتّباع الهوى و النّفس مذموم، موجب للوبال و الهلاك و الخسران، وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فعلا و عملا،فلا تنتهون عمّا نهاكم عنه،و هو إباحتهم و استحلالهم للمحرّمات و المنهيّات.(1:70)

الفخر الرّازيّ: اختلف العلماء فيه على وجهين:

أحدهما:إخراجهم كفر،و فداؤهم إيمان،و هو قول ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،و قتادة و ابن جريج.و لم يذمّهم على الفداء،و إنّما ذمّهم على المناقضة؟إذ أتوا ببعض الواجب و تركوا البعض.و قد تكون المناقضة أدخل في الذّمّ،لا يقال:هب أنّ ذلك الإخراج معصية فلم سمّاها كفرا مع أنّه ثبت أنّ العاصي لا يكفر؟لأنّا نقول:لعلّهم صرّحوا أنّ ذلك الإخراج غير واجب مع أنّ

ص: 186

صريح التّوراة كان دالاّ على وجوبه.

و ثانيهما:المراد منه التّنبيه على أنّهم في تمسّكهم بنبوّة موسى عليه السّلام مع التّكذيب بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،مع أنّ الحجّة في أمرهما على سواء،يجري مجرى طريقة السّلف منهم في أن يؤمنوا ببعض و يكفروا ببعض،و الكلّ في الميثاق سواء.(3:173)

نحوه النّيسابوريّ(1:363)،و الخازن(1:68)، و أبو السّعود(1:160)،و البروسويّ(1:175)، و الآلوسيّ(1:314)

القرطبيّ: قال علماؤنا:كان اللّه تعالى قد أخذ عليهم أربعة عهود:ترك القتل،و ترك الإخراج،و ترك المظاهرة،و فداء أساراهم،فأعرضوا عن كلّ ما أمروا به إلاّ الفداء،فوبّخهم اللّه على ذلك توبيخا يتلى،فقال:

أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو التّوراة وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ.

قلت:و لعمر اللّه لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض!ليت بالمسلمين،بل بالكافرين!حتّى تركنا إخواننا أذلاّء صاغرين،يجري عليهم حكم المشركين،فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.(2:22)

أبو حيّان:[نقل وجه الأوّل المتقدّم في كلام فخر و أضاف:]

و البعض الّذي آمنوا به إن كان المراد ب(الكتاب) التّوراة،فيكون عامّا فيما آمنوا به من أحكامها،و فداء الأسير من جملته.

و البعض الّذي كفروا به هو قتل بعضهم بعضا، و إخراج بعضهم من ديارهم،و المظاهرة بالإثم و العدوان من جملة ما كفروا به من التّوراة.

و قيل:معناه يستعملون البعض و يتركون البعض، تفادون أسرى قبيلتكم و تتركون أسرى أهل ملّتكم و لا تفادونهم.

و قيل:إنّ عبد اللّه بن سلاّم مرّ على رأس الجالوت بالكوفة و هو يفادي من النّساء من لم يقع عليه الحرب، و لا يفادي من وقع عليه الحرب،قال:فقال ابن سلاّم:

أما أنّه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلّهنّ؟

و قال مجاهد: معناه إن وجدته في يد غيرك فديته و أنت تقتله بيدك.(1:293)

رشيد رضا: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ و هو فداء الأسرى وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ آخر منه،و هو النّهي عن القتل و الإخراج،أ ليس من الحماقة و الهزء و السّخريّة أن يدّعي مدّع مثل هذا الإيمان بأهون الأمور مع الكفر بأعظمها؟و الإيمان لا يتجزّأ،فالكفر بالبعض كالكفر بالكلّ.(1:373)

نحوه المراغيّ.(1:162)

الطّباطبائيّ: أي ما هو الفرق بين الإخراج و الفدية؛حيث أخذتم بحكم الفدية و تركتم حكم الإخراج و هما جميعا في الكتاب،أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض.(1:219)

5- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. البقرة:145

ص: 187

5- وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ. البقرة:145

راجع«ت ب ع،تابع».

6- ..وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ. البقرة:251

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه عزّ و جلّ ليدفع بالمسلم الصّالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء.(البغويّ 1:342)

لو لا عباد للّه ركّع و صبيان رضّع و بهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا.(الطّبرسيّ 1:357)

إنّ اللّه يصلح بصلاح الرّجل المسلم ولده و ولد ولده و أهل دويرته و دويرات حوله،و لا يزالون في حفظ اللّه ما دام فيهم.(الطّبرسيّ 1:357)

إنّ اللّه يدفع العذاب بمن يصلّي من أمّتي عمّن لا يصلّي،و بمن يزكّي عمّن لا يزكّي،و بمن يصوم عمّن لا يصوم،و بمن يحجّ عمّن لا يحجّ،و بمن يجاهد عمّن لا يجاهد.و لو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء ما أنظرهم اللّه طرفة عين،ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.

(القرطبيّ 3:260)

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 1:357)

و النّحّاس(1:255)و القيسيّ(ابن عطيّة 1:337)

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ اللّه يدفع الهلاك عن البرّ بالفاجر.(الماورديّ 1:321)

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 1:357)

ابن عبّاس: كما دفع بداود شرّ جالوت عن بني إسرائيل.(35)

يدفع بالمجاهدين عن القاعدين.

(الماورديّ 1:321)

لو لا دفع اللّه بجنود المسلمين الكفّار و معرّتهم لغلبوا و خرّبوا البلاد.(الطّبرسيّ 1:357)

مثله مجاهد(الطّبرسيّ 1:357)،و نحوه مقاتل(ابن الجوزيّ 1:300)

مجاهد :يقول:و لو لا دفاع اللّه بالبرّ عن الفاجر، و ببقيّة أخلاف النّاس بعضهم عن بعض لهلك أهلها.

(الطّبريّ 2:633)

لو لا أنّ اللّه يدفع بمن أطاعه عمّن عصاه،كما دفع عن المتخلّفين عن طالوت بمن أطاعه،لهلك العصاة بسرعة العقوبة.(ابن الجوزيّ 1:300)

قتادة: يبتلي اللّه المؤمن بالكافر،و يعافي الكافر بالمؤمن.(الدّرّ المنثور 1:320)

الثّوريّ: الرّجل الصّالح يدفع به عن ما به من أهل بيته و جيرانه البلاء،أو الشّهود الّذين يستخرج بهم الحقوق.(أبو حيّان 2:269)

الطّبريّ: و لو لا أنّ اللّه يدفع ببعض النّاس:و هم أهل الطّاعة له و الإيمان به،بعضا:و هم أهل المعصية للّه و الشّرك به-كما دفع عن المتخلّفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر باللّه و المعصية له،و قد أعطاهم ما سألوا ربّهم ابتداء من بعثة ملك عليهم،ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان باللّه و اليقين و الصّبر،جالوت و جنوده-لفسدت الأرض.

(2:633)

القيسيّ: (ببعض)في موضع المفعول،بمنزلة:

ص: 188

مررت بزيد.(1:105)

الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها[قول عليّ عليه السّلام و قد تقدّم]

الثّاني:يدفع باللّطف للمؤمن و الرّعب في قلب الفاجر،أن يعمّ الأرض الفساد.

الثّالث:قال الحسن و البلخيّ: يزغ اللّه بالسّلطان فلا يزغ بالقرآن،لأنّه يغنيه على دفع الأشرار عن ظلم النّاس،لأنّه يريد منه المنع من الظّلم و الفساد،كان مؤمنا أو فاسقا.(2:301)

نحوه الطّبرسيّ.(1:357)

البغويّ: قال ابن عبّاس و مجاهد:لو لا دفع اللّه النّاس بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين و خرّبوا المساجد و البلاد.

و قال سائر المفسّرين:لو لا دفع اللّه بالمؤمنين و الأبرار عن الكفّار و الفجّار لهلكت الأرض بمن فيها، و لكن اللّه يدفع بالمؤمن عن الكافر و بالصّالح عن الفاجر.

(1:341)

نحوه الخازن.(1:223)

الزّمخشريّ: و لو لا أنّ اللّه يدفع بعض النّاس ببعض و يكفّ بهم فسادهم،لغلب المفسدون و فسدت الأرض و بطلت منافعها،و تعطّلت مصالحها من الحرث و النّسل و سائر ما يعمر الأرض.

و قيل:و لو لا أنّ اللّه ينصر المسلمين على الكفّار لفسدت الأرض بعيث الكفّار فيها و قتل المسلمين،أو لو لم يدفعهم بهم لعمّ الكفر و نزلت السّخطة،فاستؤصل أهل الأرض.(1:382)

نحوه أبو السّعود(1:291)،و البروسويّ(1:

392)،و الآلوسيّ(2:173).

ابن عطيّة: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه لو لا دفعه بالمؤمنين في صدور الكفرة على مرّ الدّهر لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ لأنّ الكفر كان يطبقها و يتمادى في جميع أقطارها،و لكنّه تعالى لا يخلي الزّمان من قائم بحقّ، وداع إلى اللّه و مقاتل عليه،إلى أن جعل ذلك في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى قيام السّاعة،له الحمد كثيرا.

قال مكّيّ: و أكثر المفسّرين على أنّ المعنى:لو لا أنّ اللّه يدفع بمن يصلّي عمّن لا يصلّي و بمن يتّقي عمّن لا يتّقي،لأهلك النّاس بذنوبهم.

و ليس هذا معنى الآية و لا هي منه في ورد و لا صدر، و الحديث الّذي رواه ابن عمر صحيح،و ما ذكر مكّيّ من احتجاج ابن عمر عليه بالآية لا يصحّ عندي،لأنّ ابن عمر من الفصحاء.(1:337)

أبو حيّان: السّلطان أو الظّالم يدفع يد الظّالم،أو داود دفع به عن طالوت،و لو لا ذلك غلبت العمالقة على بني إسرائيل؛فيكون(النّاس)عامّا و المراد الخصوص.

[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و اختاره](20:269)

القاسميّ: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ من أهل الشّرّ(ببعض)من أهل الخير لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.

(3:649)

رشيد رضا: أي لو لا أنّ اللّه تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحقّ،و أهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها،لغلب أهل الباطل و الإفساد في الأرض و بغوا على الصّالحين و أوقعوا بهم،حتّى يكون لهم

ص: 189

السّلطان وحدهم،فتفسد الأرض بفسادهم.(2:491)

نحوه المراغيّ.(2:225)

النّهاونديّ: (بعضهم)الكفّار(ببعض)المؤمنين.

و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام،أي يدفع الهلاك بالبرّ عن الفاجر،الخبر.

و لعلّ المراد:أنّ اللّه يدفع البلاء ببركة الأخيار عن الفجّار فيسلم،و يعيش أهل الفسق و الفجور بسبب وجود عباده الصّالحين،و لولاهم لمنعت السّماوات و الأرض بركاتها.

و يحتمل أن يكون المراد:لو لا دفع اللّه النّاس بعضهم عن المنكرات بنهي بعضهم، لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ بمن فيها.(1:175)

الطّباطبائيّ: و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد ب«الدّفع»في الآية:دفع اللّه الكافرين بالمؤمنين،كما أنّ المورد أيضا كذلك،و ربّما أيّده أيضا قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ الحجّ:40.

و فيه:أنّه في نفسه معنى صحيح،لكن ظاهر الآية أنّ المراد بصلاح الأرض:مطلق الصّلاح الدّائم المبقي للاجتماع دون الصّلاح الخاصّ الموجود في أحيان يسيرة،كقصّة طالوت،و قصص أخرى يسيرة معدودة.

و ربّما ذكر آخرون:أنّ المراد بها:دفع اللّه العذاب و الهلاك عن الفاجر بسبب البرّ،[ثمّ ذكر الرّوايتين الثّالثة و الرّابعة المتقدّمتين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:]

و فيه:أنّ عدم انطباق الآيتين على معنى الحديثين ممّا لا يخفى،إلاّ أن تنطبق عليهما من جهة أنّ موردهما أيضا من مصاديق دفع النّاس.

و ربّما ذكر بعضهم:أنّ المراد:دفع اللّه الظّالمين بالظّالمين،و هو كما ترى.(2:295)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الآية الحجّ:40

7- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ... البقرة:253

راجع«ر س ل».

8- ..قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ...

البقرة:259

راجع«ل ب ث».

9- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

آل عمران:34

ابن عبّاس: بعضها على دين بعض،و ولد بعضها من بعض.(46)

الحسن :يعني في التّناصر في الدّين،كما قال:

اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:

67،يعني في الضّلالة.

مثله قتادة.(القرطبيّ 4:64)

قتادة :في النّيّة،و العمل،و الإخلاص،و التّوحيد له.(الطّبريّ 3:235)

الإمام الصّادق عليه السّلام:بعضهم من نسل بعض.

ص: 190

(الطّوسيّ 2:442)

نحوه الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:442)،و البغويّ(1:

431)،و الخازن(1:285).

الطّبريّ: إنّما جعل بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ في الموالاة في الدّين،و الموازرة على الإسلام و الحقّ،كما قال جلّ ثناؤه: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،و قال في موضع آخر:

اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:

67،يعني أنّ دينهم واحد،و طريقتهم واحدة،فكذلك قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ إنّما معناه ذرّيّة دين بعضها دين بعض،و كلمتهم واحدة،و ملّتهم واحدة،في توحيد اللّه و طاعته.(3:234)

الطّوسيّ: و معنى قوله: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ أي في الاجتماع على الصّواب.قال الحسن. وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،في الاجتماع على الهدى،و به قال قتادة.

الثّاني (1):قال الجبّائيّ و غيره:إنّه في التّناسل،إذ جميعهم ذرّيّة آدم،ثمّ ذرّيّة نوح،ثمّ ذرّيّة إبراهيم،و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،لأنّه قال:الّذين اصطفاهم اللّه بعضهم من نسل بعض.(2:442)

الزّمخشريّ: يعني أنّ الآلين (2)ذرّيّة واحدة متسلسلة بعضها متشعّب من بعض،موسى و هارون من عمران،و عمران من يصهر،و يصهر من قاهث، و قاهث من لاوي،و لاوي من يعقوب،و يعقوب من إسحاق،و كذلك عيسى بن مريم بنت عمران بن ماثان ابن سليمان بن داود بن إيشى بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق،و قد دخل في آل إبراهيم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،(1:424)

نحوه الفخر الرّازيّ(8:24)،و البيضاويّ(1:

157)،و أبو حيّان(2:436)،و البروسويّ(2:25)، و الآلوسيّ(3:132).

القرطبيّ: [نقل قول الحسن و قتادة و أضاف:]

و قيل:في الاجتباء و الاصطفاء و النّبوّة.و قيل:

المراد به التّناسل،و هذا أضعفها.(4:64)

رشيد رضا: قال الأستاذ الإمام:يقال:إنّ لفظة الذّرّيّة قد يطلق على الوالدين و الأولاد خلافا لعرف الفقهاء،و هو قليل.و المشهور ما جرى عليه الفقهاء، و هو أنّ الذّريّة:الأولاد فقط،فقوله: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ظاهر على الأوّل،و يخصّ على الثّاني بآل إبراهيم و آل عمران.

و يصحّ أن يكون بمعنى أنّهم أشباه و أمثال في الخيريّة و الفضيلة الّتي هي أصل اصطفائهم،على حدّ قوله تعالى:

اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67،و هو استعمال معروف.

أقول:و هؤلاء الّذين يشبه بعضهم بعضا من هذه الذّرّيّة هم الأنبياء و الرّسل.(3:288)

نحوه المراغيّ.(3:143)

الطّباطبائيّ: في قوله: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ دلالة على أنّ كلّ بعض فرض منها،يبتدئ و ينتهي من البعض الآخر و إليه،و لازمه كون المجموع متشابه الأجزاء،لا يفترق البعض من البعض في أوصافهن.

ص: 191


1- قوله:الثّاني عطف على القول الأوّل من دون ذكر رقم له.
2- يعني بهما:آل إبراهيم و آل عمران.

و حالاته.

و إذا كان الكلام في اصطفائهم أفاد ذلك أنّهم ذرّيّة لا يفترقون في صفات الفضيلة الّتي اصطفاهم اللّه لأجلها على العالمين؛إذ لا جزاف و لا لعب في الأفعال الإلهيّة، و منها الاصطفاء الّذي هو منشأ خيرات هامّة في العالم.

(3:167)

الحجازيّ: ذرّيّة يشبه بعضها بعضا في الفضل و المزيّة،فهم خيار من خيار من خيار.(3:49)

10- وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ. آل عمران:50

راجع«ح ل ل».

11- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ...

آل عمران:195

ابن عبّاس: إذ كان بعضكم على دين بعض، و أولياؤه بعض.(63)

الضّحّاك: رجالكم شكل نسائكم و نساؤكم شكل رجالكم في الطّاعة،كما قال: اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71.(البغويّ 1:393)

الكلبيّ: في الدّين و النّصرة و الموالاة.

(البغويّ 1:393)

الطّبريّ: بعضكم أيّها المؤمنون الّذين يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم،من بعض،في النّصرة و المسألة و الدّين،و حكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل على حكم أحدكم،في أنّي لا أضيع عمل ذكر منكم و لا أنثى.

(4:215)

الفارسيّ: يحتمل أمرين:

أحدها:أن يريد بقوله:(بعضكم)العاملين(من بعض)يعني بعض العمل الّذي أمرتم به.

و الثّاني:أن يكون عنى بقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أنّ ذكور المؤمنين و إناثهم مستوون في أن لا يضيع اللّه لأحد منهم عملا،و أن يجازيهم على طاعتهم،فإناث المؤمنين بعض المؤمنين،و كذلك ذكورهم،فبعضهم كبعض في هذا الباب.(الطّوسيّ 3:90)

البغويّ: قيل:كلّكم من آدم و حوّاء.(1:393)

الزّمخشريّ: أي يجمع ذكوركم و إناثكم أصل واحد فكلّ واحد منكم من الآخر،أي من أصله،أو كأنّه منه لفرط اتّصالكم و اتّحادكم.

و قيل:المراد:وصلة الإسلام،و هذه جملة معترضة بيّنت بها شركة النّساء مع الرّجال فيما وعد اللّه عباده العاملين.(1:489)

نحوه البيضاويّ(1:199)،و النّيسابوريّ(4:

154)،و الشّربينيّ(1:276)،و شبّر(1:415)، و القاسميّ(4:1071)،و ابن عربيّ(2:242)، و البروسويّ(2:153)،و النّسفيّ(1:202).

ابن عطيّة: يعني في الأجر و تقبّل العمل،أي إنّ الرّجال و النّساء في ذلك على حدّ واحد.(1:557)

الطّبرسيّ: في النّصرة و الدّين و الموالاة،فحكمي في جميعكم حكم واحد،فلا أضيع عمل واحد منكم،

ص: 192

لاتّفاقكم في صفة الإيمان.

و هذا يتضمّن الحثّ على مواظبة الأدعية الّتي في الآيات المتقدّمة،و الإشارة إلى أنّها ممّا تعبد اللّه تعالى بها،و ندب إليها و ذلك لأنّه تضمن الإجابة لمن دعا بها.

(1:559)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ففيه وجوه؛أحسنها أن يقال:(من)بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض،و مثل بعض في الثّواب على الطّاعة، و العقاب على المعصية.

قال القفّال: هذا من قولهم:فلان منّي،أي على خلقي و سيرتي،قال تعالى: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي البقرة:249،و قال عليه الصّلاة و السّلام:«من غشّنا فليس منّا»و قال:«ليس منّا من حمل علينا السّلاح»فقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي بعضكم شبه بعض في استحقاق الثّواب على الطّاعة،و العقاب على المعصية،فكيف يمكن إدخال التّفاوت فيه؟(9:150)

القرطبيّ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ابتداء و خبر، أي دينكم واحد.و قيل:بعضكم من بعض في الثّواب و الأحكام و النّصرة،و شبه ذلك.(4:318)

ابن جزيّ: النّساء و الرّجال سواء في الأجور و الخيرات.(1:127)

أبو حيّان: أي مجمع ذكوركم و إناثكم أصل واحد، فكلّ واحد منكم من الآخر،أي من أصله.فإذا كنتم مشتركين في الأصل فكذلك أنتم مشتركون في الأجر و تقبّل العمل،فيكون(من)هنا تفيد التّبعيض الحقيقيّ، و يشير بذلك الاشتراك الأصليّ إلى الاشتراك في الأجر على حدّ واحد.

و قيل:معناه بعضكم من بعض في الدّين و النّصرة، و المعنى أنّ وصف الإيمان يجمعهم،كما جاء:«المسلمون تتكافأ دماؤهم».(3:144)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(2:674).

ابن كثير :أي جميعكم في ثوابي سواء.(2:182)

السّيوطيّ: أي الذّكور من الإناث و بالعكس، و الجملة مؤكّدة لما قبلها،أي هم سواء في المجازاة بالأعمال و ترك تضييعها،نزلت لمّا قالت أمّ سلمة:يا رسول اللّه إنّي لا أسمع ذكر النّساء في الهجرة بشيء.

(الجلالين 1:199)

أبو السّعود: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ جملة معترضة مبيّنة لسبب انتظام النّساء في سلك الرّجال في الوعد، فإنّ كون كلّ منهما من الآخر لتشعّبهما من أصل واحد، أو لفرط الاتّصال بينهما،أو لاتّفاقهما في الدّين،و العمل، بما يستدعي الشّركة و الاتّحاد في ذلك.(2:87)

نحوه الكاشانيّ.(1:378)

الآلوسيّ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ مبتدأ و خبر، و(من)إمّا ابتدائيّة بتقدير مضاف،أي من أصل بعض، أو بدونه،لأنّ الذّكر من الأنثى و الأنثى من الذّكر.

و إمّا اتّصاليّة،و الاتّصال إمّا بحسب اتّحاد الأصل،أو المراد به الاتّصال في الاختلاط،أو التّعاون،أو الاتّحاد في الدّين،حتّى كأنّ كلّ واحد من الآخر لما بينهما من أخوّة الإسلام.

و الجملة مستأنفة معترضة مبيّنة لسبب انتظام

ص: 193

النّساء في سلك الدّخول مع الرّجال في الوعد.و جوّز أن تكون حالا أو صفة.(4:168)

نحوه طه الدّرّة.(2:296)

رشيد رضا: قد بيّن تعالى علّة هذه المساواة بقوله:

بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فالرّجل مولود من المرأة و المرأة مولودة من الرّجل،فلا فرق بينهما في البشريّة، و لا تفاضل بينهما إلاّ بالأعمال،أي و ما تترتّب عليه الأعمال،و يترتّب هو عليها من العلوم و الأخلاق.

أقول:و فيه وجه آخر،و هو أنّ كلاّ منهما صنو و زوج و شقيق للآخر،و في معنى ذلك حديث«النّساء شقائق الرّجال»قالوا:أي مثلهم في الطّباع و الأخلاق، كأنّهنّ مشتقّات منهم،أو لأنّهنّ معهم من أصل واحد.

و وجه ثالث:أنّه بمعنى حديث«سلمان منّا» و حديث«ليس منّا من دعا إلى عصبيّة».فمعنى«منّا»:

على طريقتنا،و ما نحن عليه لا فرق بيننا و بينه.

(4:306)

نحوه المراغيّ.(4:166)

النّهاونديّ: (بعضكم)منشعب(من بعض)آخر، و كلّكم من أصل واحد،فلا مزيّة لأحد على أحد عند اللّه إلاّ بالتّقوى و العمل الصّالح،فمع تساوي النّسبة إلى اللّه و كون التّفاوت و المزيّة بالإيمان و القيام بوظائف العبوديّة لا يمكن إثابة بعض دون بعض.

و قيل:إنّ المراد من قوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إنّكم متوافقون في الدّين و الأعمال،كما قال في حقّ المنافقين: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67.(1:296)

12- ...وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ... النّساء:25

أي كلّكم أولاد آدم.(68)

ابن عبّاس: يريد أنّ المؤمنين بعضهم أكفاء بعض.

(الخازن 1:426)

الطّبريّ: هذا من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، و تأويل ذلك:من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فممّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات،فلينكح بعضكم من بعض،بمعنى:فلينكح هذا فتاة هذا،ف«البعض»مرفوع بتأويل الكلام.(5:19)

الزّجّاج: قيل:في الحسب،أي كلّكم ولد آدم، و يجوز أن يكون قوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ دينكم واحد،لأنّه ذكر هاهنا المؤمنات من العبيد.

و إنّما قيل لهم ذلك،لأنّ العرب كانت تطعن في الأنساب،و تفخر بالأحساب و تعيّر بالهجنة.كانوا يسمّون ابن الأمة الهجين،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ أمر العبيد و غيرهم مستوفي الإيمان،و إنّما كره التّزوّج بالأمة إذا وجد إلى الحرّة سبيل،لأنّ ولد الحرّ من الأمة يصيرون رقيقا،و لأنّ الأمة مستخدمة ممتهنة تكثر عشرة الرّجال،و ذلك شاقّ على الزّوج،فلذلك كره تزوّج الحرّ بالأمة،فأمّا المفاخرة بالأحساب و التّعيير بالأنساب فمن أمر الجاهليّة.

يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:ثلاث من أمر الجاهليّة:الطّعن في الأنساب،و المفاخرة بالأحساب،

ص: 194

و الاستسقاء بالأنواء.و لن تترك في الإسلام.(2:41)

نحوه ابن الجوزيّ(2:57)،و الخازن(1:426).

النّحّاس: في معنى هذا قولان:أحدهما:بنو آدم، و القول الآخر:إنّكم مؤمنون فأنتم إخوة.(2:64)

نحوه القرطبيّ.(5:141)

الطّوسيّ: في معناه قولان:أحدهما:كلّكم ولد آدم،و الثّاني:كلّكم على الإيمان.

و يجوز أن تكون الأمة أفضل من الحرّة،و أكثر ثوابا عند اللّه،و في ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة،إذا جوّز أن تكون أكثر ثوابا عند اللّه مع اشتراكهم بأنّهم ولد آدم، و في ذلك صرف عن التّغاير بالأنساب.و من كره نكاح الأمة قال:لأنّ الولد عندنا يلحق بالحريّة في كلا الطّرفين.(3:170)

البغويّ: قيل:بعضكم إخوة لبعض،و قيل:كلّكم من نفس واحدة،فلا تستنكفوا من نكاح الإماء.

(1:599)

نحوه شبّر(2:32)،و النّسفيّ(1:220)،و ابن جزيّ(1:138)

الزّمخشريّ: أي أنتم و أرقّاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان،لا يفضل حرّ عبدا إلاّ برجحان فيه.(1:520)

نحوه البيضاويّ(1:214)،و البروسويّ(2:

190)،و الشّربينيّ(1:296)،و الكاشانيّ(1:408)، القاسميّ(5:119)

ابن عطيّة: قالت طائفة:هو رفع على الابتداء و الخبر،و المقصد بهذا الكلام،أي إنّكم أيّها النّاس سواء،بنو الحرائر و بنو الإماء،أكرمكم عند اللّه أتقاكم.

فهذه توطئة لنفوس العرب الّتي كانت تستهجن ولد الأمة،فلمّا جاء الشّرع بجواز نكاحها،أعلموا مع ذلك أنّ ذلك التّهجين لا معنى له.

و قال الطّبريّ: هو رفع بفعل تقديره:فلينكح ممّا ملكت«ايمانكم بعضكم من بعض»،فعلى هذا في الكلام تقديم و تأخير؛و هذا قول ضعيف.(2:38)

نحوه أبو حيّان.(3:221)

الفخر الرّازيّ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ و فيه وجهان:

الأوّل:كلّكم أولاد آدم فلا تداخلنّكم أنفة من تزوّج الإماء عند الضّرورة.

و الثّاني:أنّ المعنى كلّكم مشتركون في الإيمان، و الإيمان أعظم الفضائل،فإذا حصل الاشتراك في أعظم الفضائل كان التّفاوت فيما وراءه غير ملتفت إليه، و نظيره قوله تعالى: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،و قوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ الحجرات:13.

قال الزّجّاج: فهذا الثّاني أولى،لتقدّم ذكر المؤمنات، أو لأنّ الشّرف بشرف الإسلام أول منه بسائر الصّفات،و هو يقوّي قول الشّافعيّ رضي اللّه عنه:«إنّ الإيمان شرط لجواز نكاح الأمة».[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](10:60)

نحوه النّيسابوريّ.(5:19)

أبو السّعود: إن أريد به الاتّصال من حيث الدّين فهو بيان لتناسبهم من تلك الحيثيّة،إثر بيان تفاوتهم في

ص: 195

ذلك،و إن أريد به الاتّصال من حيث النّسب فهو اعتراض آخر مؤكّد للتّأنيس من جهة أخرى.

و الخطاب في الموضعين إمّا ل(من)كما في الخطاب الّذي يعقبه،قد روعي فيما سبق جانب اللّفظ و هاهنا جانب المعنى،و الالتفات للاهتمام بالتّرغيب و التّأنيس.

و إمّا لغيرهم من المسلمين كالخطابات السّابقة لحصول التّرغيب بخطابهم أيضا.(2:125)

نحوه الآلوسيّ.(5:9)

رشيد رضا: وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النّساء:25،فهو يبيّن أنّ«الإيمان»قد رفع شأن الفتيات المؤمنات،و ساوى بينهنّ و بين الأحرار و الحرائر في الدّين،و هو أعلم بحقيقة هذا الإيمان و درجات قوّته و كماله.

فربّ أمة أكمل إيمانا من حرّة،فتكون أفضل منها عند اللّه تعالى،أي فلا يصحّ مع هذا أن تعدّوا نكاح الأمة عارا عند الحاجة إليه.

فأنتم أيّها المؤمنون إخوة في الإيمان بعضكم من بعض،كما قال تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ آل عمران:195،و قال: اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71،و قال في غيرهم:

اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:

67 إلخ.

و قيل: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ في النّسب،و هو ضعيف كما ترى،فالإيمان هو المراد؛إذ لا ينبغي للمؤمن أن ينكح من اجتمع فيها نقص الشّرك و نقص الرّقّ.

(5:21)

نحوه المراغيّ(5:9)،و الحجازيّ(5:5)،و عبد الكريم الخطيب(3:758)،و طه الدّرّة(3:6).

النّهاونديّ: (بعضكم)منشعب(من بعض) و كلّكم من أرومة واحدة،لا فضل لبعضكم على بعض من جهة الأصل و النّسب،و إنّما الفضل بالإيمان.

(1:317)

الطّباطبائيّ: فأشار سبحانه بقوله: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إلى حقيقة صريحة يندفع بالتّأمّل فيها هذا التّوهّم الفاسد،فالرّقيق إنسان كما أنّ الحرّ إنسان، لا يتميّزان في ما به يصير الإنسان واجدا لشئون الإنسانيّة،و إنّما يفترقان بسلسلة من أحكام موضوعة، يستقيم بها المجتمع الإنسانيّ في إنتاجه سعادة النّاس، و لا عبرة بهذه التّميّزات عند اللّه،و الّذي به العبرة هو التّقوى الّذي به الكرامة عند اللّه.

فلا ينبغي للمؤمنين أن ينفعلوا عن أمثال هذه الخطرات الوهميّة،الّتي تبعدهم عن حقائق المعارف المتضمّنة سعادتهم و فلاحهم،فإنّ الخروج عن مستوى الطّريق المستقيم،و إن كان حقيرا في بادئ أمره لكنّه لا يزال يبعد الإنسان من صراط الهداية،حتّى يورده أودية الهلكة.(4:277)

13- وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا... النّساء:32

ابن عبّاس: (بعضكم)يعني الرّجال على(بعض) يعني النّساء.(69)

ص: 196

القمّيّ: لا يجوز للرّجل أن يتمنّى امرأة رجل مسلم أو ماله،و لكن يسأل اللّه من فضله.(1:136)

الزّمخشريّ: بعض النّاس على بعض من الجاه و المال.(1:522)

الطّباطبائيّ: و في نسبة الفضل إلى فعل اللّه سبحانه،و التّعبير بقوله: بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ إيقاظ لصفة الخضوع لأمر اللّه بإيمانهم به،و غريزة الحبّ المثارة بالتّنبّه حتّى يتنبّه المفضّل عليه أنّ المفضّل بعض منه غير مبان.(4:337)

و هناك مطالب أخرى سنذكرها في«ف ض ل» و«م ن ى».

و بهذا المعنى جاء ..بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ... النّساء:34،في أكثر التّفاسير.

14- ...وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. النّساء:150

ابن عبّاس: وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ: ببعض الكتب و الرّسل، وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ: ببعض الكتب و الرّسل.(84)

الطّبريّ: نؤمن ببعض الأنبياء و نكفر ببعض.

(6:5)

و نحوه البيضاويّ(1:253)،و الشّربينيّ(1:

341).

الميبديّ: نصدّق ببعض الحقّ و لا نصدّق ببعض.

(2:743)

ابن عطيّة: نزل في اليهود و النّصارى،لأنّهم في كفرهم بمحمّد عليه السّلام كأنّهم قد كفروا بجميع الرّسل، و كفرهم بالرّسل كفر باللّه،و فرّقوا بين اللّه و رسله في أنّهم قالوا:نحن نؤمن باللّه و لا نؤمن بفلان و فلان من الأنبياء،و قولهم: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ.

قيل:معناه من الأنبياء،و قيل:هو تصديق بعضهم لمحمّد في أنّه نبيّ،لكن ليس إلى بني إسرائيل،و نحو هذا من تفريقاتهم الّتي كانت تعنّتا و روغانا.(2:130)

نحوه أبو حيّان(3:385)،و النّيسابوريّ(6:8)، و ابن جزيّ(1:162)،و أبو السّعود(2:214)، و البروسويّ(2:314)،و الآلوسيّ(6:4).

الطّبرسيّ: أي يقولون:نصدّق بهذا و نكذّب بذاك،كما فعل اليهود صدّقوا بموسى و من تقدّمه من الأنبياء،و كذّبوا بعيسى و محمّد،و كما فعلت النّصارى صدّقوا عيسى و من تقدّمه من الأنبياء،و كذّبوا بمحمّد.

(2:132)

نحوه القرطبيّ(6:5)،و شبّر(2:121).

الطّباطبائيّ: يريدون أن يفرّقوا بين اللّه و رسله:

فيؤمنون باللّه و بعض رسله،و يكفروا ببعض رسله مع كونه رسولا من اللّه،و الرّدّ عليه ردّ على اللّه تعالى.

(5:126)

15- وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ. المائدة:49

ابن عبّاس: في القرآن من الرّجم.(95)

ص: 197

احذرهم أن يضلّوك عن ذلك إلى ما يهوون من الأحكام إطماعا منهم في الاستجابة إلى الإسلام.

(الطّوسيّ 3:548)

الشّعبيّ: الآية و إن خرجت مخرج الكلام على اليهود فإنّ المجوس داخلون فيها.(الطّوسيّ 3:548)

مقاتل: شأن القصاص و الدّماء.

(ابن الجوزيّ 2:375)

ابن زيد: احذرهم أن يضلّوك بالكذب عن التّوراة بما ليس فيها،فإنّي قد بيّنت لك حكمها.

(الطّوسيّ 3:548)

الطّبريّ: فيصدّوك عن بعض ما أنزل اللّه إليك من حكم كتابه.(6:273)

نحوه النّسفيّ(1:287)،و النّهاونديّ(1:403)

16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ. المائدة:51

لاحظ«و ل ي»

17- وَ كَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ.

الأنعام:53

لاحظ«ف ت ن».

18- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ. الأنعام:65

راجع«ذوق».

19- وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ.

الأنعام:112

راجع«ش طن»و«و ح ي»

20- ...وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا...

الأنعام:128

راجع«م ت ع،استمتع»

21- وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. الأنعام:129

راجع«و ل ي».

22- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً... الأنعام:158

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «بادروا بالأعمال ستّا:طلوع الشّمس من مغربها،و الدّابّة،و الدّجّال،و الدّخان،و خويصة أحدكم أي موته،و أمر العامّة يعني القيامة.

ص: 198

(الطّبرسيّ 2:388)

نحوه أبو هريرة.(الماورديّ 2:190)

ابن مسعود: طلوع الشّمس من مغربها مع القمر في وقت واحد،و قرأ وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيمة:9.

(الماورديّ 2:190)

مجاهد : أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يقول:

طلوع الشّمس من مغربها.(الطّبريّ 8:96)

مثله قتادة و الطّبريّ.(الطّبريّ 8:96)

الإمام الباقر عليه السّلام: طلوع الشّمس من المغرب، و خروج الدّابّة،و الدّجّال،و الرّجل يكون مصرّا و لم يعمل عمل الإيمان،ثمّ تجيء الآيات فلا ينفعه إيمانه.

(العروسيّ 1:781)

قتادة: آية موجبة طلوع الشّمس من مغربها،أو ما شاء اللّه.(الطّبريّ 8:96)

الإمام الصّادق عليه السّلام: في قول اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ الآية،الآيات هم الأئمّة عليهم السّلام، و الآية:المنتظر القائم عليه السّلام،فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ قيامه بالسّيف،و إن آمنت بمن تقدّمه من آبائه عليهم السّلام[و هذا تأويل](العروسيّ 1:781)

الزّجّاج: نحو خروج الدّابّة:أو طلوع الشّمس من مغربها.(2:308)

الزّمخشريّ: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يريد آيات القيامة و الهلاك الكلّيّ.و بعض الآيات:أشراط السّاعة،كطلوع الشّمس من مغربها،و غير ذلك.

(2:63)

نحوه النّسفيّ.(2:42)

ابن عطيّة: يصحّ أن يريد بقوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ جميع ما يقطع بوقوعه من أشراط السّاعة، ثمّ خصّص بعد ذلك بقوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الآية الّتي ترفع التّوبة معها،و قد بيّنت الأحاديث أنّها طلوع الشّمس من مغربها.(2:366)

أبو حيّان: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ و غيره ممّن ذكرناهم قال:]

و الظّاهر أنّهم توعّدوا بالشّيء العظيم من أشراط السّاعة،ليذهب الفكر في ذلك كلّ مذهب،لكن أتى بعد ذلك الإخبار عنه عن هذا«البعض»بعدم قبول التّوبة فيه إذا أتى.و تصريح الرّسول بأنّ طلوع الشّمس من مغربها وقت لا تنفع فيه التّوبة،فيظهر أنّه هذا«البعض».

و يحتمل أن يكون هذا«البعض»غرغرة الإنسان عند الموت،فإنّها تكون في وقت لا تنفع فيه التّوبة.قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:

18،و في الحديث:«أنّ توبة العبد تقبل ما لم يغرغر».

و يحتمل أن يكون قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ غير قوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فيكون هذا عبارة عن ما يقطع بوقوعه من أشراط السّاعة، و يكون قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فيه وصف محذوف يدلّ عليه المعنى،تقديره:يوم يأتي آيات ربّك الّتي يرتفع معها التّوبة.

و ثبت بالحديث الصّحيح أنّ طلوع الشّمس من مغربها وقت لا تقبل فيه التّوبة،و يدلّ على التّغاير إعادة (آياتِ رَبِّكَ) إذ لو كانت هذه تلك لكان التّركيب يوم

ص: 199

يأتي بعضها،أي بعض آيات ربّك.(4:259)

رشيد رضا: و«البعض»من هذه الآيات قد يطلع عليه الأفراد عند الغرغرة قبيل خروج الرّوح،و هي القيامة الصّغرى،و لا تراها الأمم كلّها إلاّ قبيل قيام القيامة الكبرى،فإنّ لها آيات كآيات الموت بعضها ظنّيّ و بعضها قطعيّ،يترتّب عليه حصول الإيمان القهريّ.

و في الآية من الإيجاز البليغ ما ترى،فإنّ الفصل بين كلمة«نفسا»الدّالّة على الشّمول لكونها نكرة في سياق النّفي،و بين صفتها الّتي هي جملة لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ إلخ بالفاعل و هو إِيمانُها، و عطف جملة أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عليها،قد أغنى عن التّصريح بما بسطنا به المعنى آنفا.

و قد روي في أحاديث،منها الصّحيح السّند و الضّعيف الّذي لا يحتجّ به وحده،بأنّ هذه«الآية»الّتي أبهمت فأضيفت إلى الرّبّ تعالى لتعظيم شأنها و تهويله، هي طلوع الشّمس من مغربها،قبيل تلك القارعة الصّاخّة الّتي ترجّ الأرض رجّا،و تبسّ الجبال بسّا، فتكون هباء منبثّا،إذا الشّمس كوّرت،و إذا الكواكب انتثرت،و بطل هذا النّظام الشّمسيّ.

و قد كان طلوع الشّمس من مغربها بعيدا عن المألوف المعقول،و لا سيّما معقول من كانوا يقولون بما تقول فلاسفة اليونان في الأفلاك و العقول.و أمّا علماء الهيئة الفلكيّة في هذا العصر فلا يتعذّر على عقولهم أن تتصوّر حادثا،تتحوّل فيه حركة الارض اليوميّة، فيكون الشّرق غربا و الغرب شرقا،و لا ندري أ يستلزم ذلك تغييرا آخر في النّظام الشّمسيّ أم لا؟

و قد ورد في المأثور ما يؤيّد هذا التّوجيه،فقد أخرج البخاريّ في«تاريخه»و أبو الشّيخ في«العظمة»و ابن عساكر عن كعب،قال:إذا أراد اللّه أن تطلع الشّمس من مغربها أدارها بالقطب-أي المحور-فجعل مشرقها مغربها و مغربها مشرقها،و هذا من أحسن العلم المعقول الّذي روي عن كعب،و اللّه على كلّ شيء قدير.

و أقوى الأحاديث الواردة في طلوع الشّمس من مغربها ما رواه البخاريّ في كتاب«الرّقاق»عن أبي هريرة،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لا تقوم السّاعة حتّى تطلع الشّمس من مغربها،فإذا طلعت و رآها النّاس آمنوا أجمعون،فذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً اه».

و مثله في«التّفسير»و غيره من صحيحه.و أورده في كتاب«الفتن»مطوّلا،فيه ذكر آيات أخرى لقيام السّاعة.و أخرجه أيضا أحمد و مسلم و أبو داود و النّسائيّ و ابن ماجه و غيرهم.

و أخرج أحمد و التّرمذيّ و غيرهما عن أبي هريرة أيضا رفعه«ثلاث إذا خرجن لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الأنعام:158،طلوع الشّمس من مغربها،و الدّجّال،و دابّة الأرض».و هو مشكل مخالف للأحاديث الأخرى الواردة في نزول المسيح بعد الدّجّال،و إيمان النّاس به.

و المشكلات في الأحاديث الواردة في أشراط السّاعة كثيرة أهمّ أسبابها-فيما صحّت أسانيده و اضطربت المتون،و تعارضت أو أشكلت من وجوه أخرى-أنّ هذه الأحاديث رويت بالمعنى و لم يكن كلّ

ص: 200

الرّواة يفهم المراد منها،لأنّها في أمور غيبيّة،فاختلف التّعبير باختلاف الأفهام،على أنّهم اختلفوا في ترتيب هذه الآيات.

و ممّا استشكلوه أنّ علّة عدم قبول الإيمان بعد طلوع الشّمس من مغربها لا تنطبق إلاّ على من رآها أو رويت له بالتّواتر،و قد روي أنّ الشّمس و القمر يكسيان النّور بعد كسوف و ظلمة،و يعودان إلى الطّلوع من المشرق.

و قد روى عبد بن حميد عن ابن عمر مرفوعا و موقوفا «يبقى النّاس بعد طلوع الشّمس من مغربها عشرين و مائة سنة».

و لكن رفعه لا يصحّ،و يعارضه من حديثه ما رواه مرفوعا«فالآيات خرزات منظومات في سلك،إذا انقطع السّلك تبع بعضها بعضا»قاله الحافظ ابن حجر و هو المعتمد.

و روى الطّبرانيّ و الحاكم عن عبد اللّه بن عمر حديثا،ذكر فيه طلوع الشّمس من مغربها،و قال:«فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل هذه الآية».

هذا و أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه لم يصرّح في هذه الأحاديث بالسّماع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيخشى أن يكون قد روى بعضها عن كعب الأحبار و أمثاله،فتكون مرسلة.

و لكن مجموع الرّوايات عنه و عن غيره تثبت هذه الآية بالجملة،فنظّمها في سلك المتشابهات،و نحمل التّعارض بين الرّوايات و ما في بعضها،من مخالفة الأدلّة القطعيّة على ما أشرنا إليه من الأسباب،كالرّواية عن مثل كعب الأحبار من رواة الإسرائيليّات،و اللّه أعلم.

(8:209)

النّهاونديّ: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ من المعجزات القاهرات،أو أشراط السّاعة،[ثمّ ذكر كلام الصّادق عليه السّلام](1:494)

عزّة دروزة: و قد قال المفسّرون:إنّ جملة يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ تعني ما يسمّى بعلامات السّاعة، و أوردوا في سياقها أحاديث عديدة متنوّعة الرّتب، تضمّنت ذكر هذه العلامات الّتي تسبق ختام الدّنيا،مثل طلوع الشّمس من المغرب،و ظهور دابّة الأرض المسمّاة بالجسّاسة،و نزول عيسى عليه السّلام من السّماء، و ظهور الدّجّال،و يأجوج و مأجوج إلخ،كما تضمّنت أنّ باب التّوبة و الإيمان ينسدّ حينئذ،فلا ينفع نفسا إيمانها و توبتها.

و يلحظ أنّ الجملة جزء من التّعقيب الّذي احتوته الآية الأولى و ما بعدها،و قد تضمّنت إنذار الكفّار السّامعين و التّنديد بهم.و الأولى صرفها إلى أمر قريب متّصل بظروفهم و بأشخاصهم.

و لعلّ الآية تنذرهم بغمرات الموت،أو بوقوع عذاب اللّه عليهم بغتة،فيحول هذا أو ذاك بينهم و بين تلافي أمرهم،و تدعوهم إلى اغتنام فرصة العافية وسعة الوقت قبل فواته.و هذا المعنى قد تكرّر بأساليب متنوّعة.

و مع خصوصيّة التّوجيه الزّمنيّة في الآية فيما تبادر لنا،فإنّها في حدّ ذاتها عامّة الشّمول في إنذارها، و تحذيرها بطبيعة الحال.(4:242)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ إلى آخر الآية،يشرح خاصّة يوم ظهور هذه الآيات،و هي في الحقيقة خاصّة نفس الآيات،و هي أنّ «الإيمان»لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع و اختيار،أو آمنت قبله و لم تكن كسبت في إيمانها خيرا، و لم تعمل صالحا،بل انهمكت في السّيّئات و المعاصي؛إذ لا توبة لمثل هذا الإنسان،قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18.

ص: 201

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ إلى آخر الآية،يشرح خاصّة يوم ظهور هذه الآيات،و هي في الحقيقة خاصّة نفس الآيات،و هي أنّ «الإيمان»لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع و اختيار،أو آمنت قبله و لم تكن كسبت في إيمانها خيرا، و لم تعمل صالحا،بل انهمكت في السّيّئات و المعاصي؛إذ لا توبة لمثل هذا الإنسان،قال تعالى: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ النّساء:18.

فالنّفس الّتي لم تؤمن من قبل إيمان طوع و رضى،أو آمنت باللّه و كذّبت بآيات اللّه،و لم تعتن بشيء من شرائع اللّه،و استرسلت في المعاصي الموبقة،و لم تكتسب شيئا من صالح العمل فيما كان عليها ذلك،ثمّ شاهدت البأس الإلهيّ فحملها الاضطرار إلى الإيمان،لتردّ به بأس اللّه تعالى،لم ينفعها ذلك،و لم يردّ عنها بأسا، و لا يردّ بأسه عن القوم المجرمين.[و بعد نقل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام قال:]

أقول:و الظّاهر أنّ الرّواية من قبيل الجري و كذا ما تقدّم من الرّوايات،و يمكن أن يكون من التّفسير، و كيف كان فهو يوم تظهر فيه البطشة الإلهيّة الّتي تلجئ النّاس إلى الإيمان و لا ينفعهم.

و قد ورد«طلوع الشّمس من مغربها»في أحاديث كثيرة جدّا من طرق الشّيعة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و من طرق أهل السّنّة عن جمع من الصّحابة،كأبي سعيد الخدريّ و ابن مسعود و أبي هريرة و عبد اللّه بن عمر و حذيفة و أبي ذرّ و عبد اللّه بن عبّاس و عبد اللّه بن أبي أوفى و صفوان بن عسال و أنس و عبد الرّحمن بن عوف و معاوية و أبي أمامة و عائشة و غيرهم،و إن اختلفت في مضامينها اختلافا فاحشا.

و الأنظار العلميّة اليوم لا تمنع تبدّل الحركة الأرضيّة على خلاف ما هي عليه اليوم من الحركة الشّرقيّة،أو تبدّل القطبين بصيرورة الشّماليّ جنوبيّا و بالعكس،إمّا تدريجا كما يبيّنه الأرصاد الفلكيّة،أو دفعة لحادثة جويّة كلّيّة.هذا كلّه إن لم تكن الكلمة رمزا أشير بها إلى سرّ من أسرار الحقائق.

و قد عدّت في الرّوايات من تلك الآيات:خروج دابّة الأرض،و الدّخان،و خروج يأجوج و مأجوج.

و هذه أمور ينطق بها القرآن الكريم،و عدّ منها غير ذلك،كخروج المهديّ عليه السّلام و نزول عيسى بن مريم، و خروج الدّجّال و غيرها،و هي و إن كانت من حوادث آخر الزّمان،لكن كونها ممّا يتعلّق بها باب التّوبة،غير واضح.(7:387)

23- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. الأنعام:165

راجع«ر ف ع»

24- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. الأنفال:37

راجع«خ ب ث»

ص: 202

25- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ... الأنفال:72

راجع«و ل ي»

26- اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ... التّوبة:67

ابن عبّاس: على دين بعض في السّرّ.(161)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:أنّ بعضهم يجتمع مع بعض على النّفاق،و الثّاني:أنّ بعضهم يأخذ نفاقه من بعض.(2:379)

الطّوسيّ: المعنى أنّ بعضهم يضاف إلى بعض بالاجتماع على النّفاق،كما يقول القائل لغيره:أنت منّي و أنا منك،و المعنى أنّ أمرنا واحد لا ينفصل.

و قيل:بعضهم من بعض فيما يلحقهم من مقت اللّه و عذابه،أي منازلهم متساوية في ذلك.(5:294)

الزّمخشريّ: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أريد به نفي أن يكونوا من المؤمنين،و تكذيبهم في قولهم: وَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ التّوبة:56،و تقرير قوله:(و ما هم منكم)ثمّ وصفهم بما يدلّ على مضادّة حالهم لحال المؤمنين.(2:200)

البيضاويّ: أي متشابهة في النّفاق و البعد عن الإيمان كأبعاض الشّيء الواحد،و قيل:إنّه تكذيبهم في حلفهم باللّه.(1:422)

أبو حيّان: بيّن تعالى أنّ ذكورهم و إناثهم ليسوا من المؤمنين،كما قال تعالى: وَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ التّوبة:56،بل بعضهم من بعض في الحكم و المنزلة،و النّفاق،فهم على دين واحد.

و ليس المعنى على التّبعيض حقيقة،لأنّ ذلك معلوم،و وصفهم بخلاف ما عليه المؤمنون من أنّهم يأمرون بالمنكر،و هو الكفر و عبادة غير اللّه و المعاصي، و ينهون عن المعروف،لأنّ الّذين نزلت فيهم لم يكونوا أهل قدرة و لا أفعال ظاهرة،و ذلك بظهور الإسلام و عزّته.(5:68)

الآلوسيّ: أي متشابهون في النّفاق كتشابه أبعاض الشّيء الواحد،و المراد الاتّحاد في الحقيقة و الصّورة كالماء و التّراب،و الآية متّصلة بجميع ما ذكر من قبائحهم.

و قيل:هي متّصلة بقوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ و المراد منها تكذيب قولهم المذكور و إبطال له، و تقرير لقوله سبحانه: وَ ما هُمْ مِنْكُمْ و ما بعد من تغاير صفاتهم و صفات المؤمنين كالدّليل على ذلك.

و(من)على التّقريرين اتّصاليّة،كما في قوله عليه الصّلاة و السّلام:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».

و التّعرّض لأحوال الإناث للإيذان بكمال عراقتهم في الكفر و النّفاق.(10:132)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ الآية في مقام التّعليل لقوله في الآية السّابقة: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً التّوبة:66،و سياق مخاطبة المنافقين جار لم ينقطع بعد.

فالآية السّابقة لمّا دلّت على أنّه تعالى لا يترك المنافقين حتّى يعذّبهم بأجرامهم-فإن ترك بعضا منهم

ص: 203

لحكمة و مصلحة آخذ آخرين منهم بالعذاب-كان هناك مظنّة أن يسأل فيقال:ما وجه أخذ البعض إذا ترك غيره؟و هل هو إلاّ كأخذ الجار بجرم الجار؟فأجيب ببيان السّبب و هو أنّ المنافقين جميعا بعضهم من بعض لاشتراكهم في خبائث الصّفات و الأعمال،و اشتراكهم في جزاء أعمالهم و عاقبة حالهم.

و لعلّه ذكر المنافقات مع المنافقين مع عدم سبق لذكرهنّ،للدّلالة على كمال الاتّحاد و الاتّفاق بينهم في نفسيّتهم،و ليكون تلويحا على أنّ من النّساء أيضا أجزاء،مؤثّرة في هذا المجتمع النّفاقيّ الفاسد المفسد.

فمعنى الآية لا ينبغي أن يستغرب أخذ بعض المنافقين إذا ترك البعض الآخر،لأنّ المنافقين و المنافقات يحكم عليهم نوع من الوحدة النّفسيّة يوحّد كثرتهم،فيرجع بعضهم إلى بعض،فيشرّكهم في الأوصاف و الأعمال،و ما يجازون به بوعد من اللّه تعالى.

(9:335)

لاحظ«ن ف ق»

27- وَ إِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ. يونس:46

الزّجّاج: يقال في التّفسير:إنّه يعني به وقعة بدر، و قيل:إنّ اللّه جلّ و عزّ أعلم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ينتقم من بعض هذه الأمّة،و لم يعلمه أ يكون ذلك قبل وفاته أم بعدها.

(3:23)

الطّوسيّ: و البعض شيء يفصل من الكلّ، و البعض و القسم و الجزء نظائر.و معنى الآية إن أريناك يا محمّد بعض ما نعد هؤلاء الكفّار من العذاب عاجلا بأن ننزّل عليهم ذلك في حياتك،و إن أخّرنا ذلك عنهم إلى بعد وفاتك و وفاتهم،فإنّ ذلك لا يفوتهم.(5:444)

ابن عطيّة: و الإشارة بقوله:(بعض الّذى)إلى عقوبة اللّه لهم،نحو بدر و غيرها.و معنى هذه الآية:

الوعيد بالرّجوع إلى اللّه تعالى،أي إن أريناك عقوبتهم أو لم نركها،فهم على كلّ حال راجعون إلينا إلى الحساب و العذاب،ثمّ مع ذلك فاللّه شهيد من أوّل تكليفهم على جميع أعمالهم.(3:123)

الطّبرسيّ: (و امّا نرينّك)يا محمّد في حياتك بعض الّذي نعدهم،أي نعد هؤلاء الكفّار من العقوبة في الدّنيا، قالوا:و منه وقعة بدر.(3:113)

القرطبيّ: أي من إظهار دينك في حياتك،و قال المفسّرون:كان البعض الّذي وعدهم:قتل من قتل، و أسر من أسر ببدر.(8:348)

البيضاويّ: من العذاب في حياتك،كما أراه يوم بدر.(1:449)

مثله الآلوسيّ.(11:139)

لاحظ«ر أ ي»

28- وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً. الكهف:99

ابن الجوزيّ: في المشار إليهم ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّهم يأجوج و مأجوج...

و الثّاني:أنّهم الكفّار.

و الثّالث:أنّهم جميع الخلائق:الجنّ و الإنس يموجون

ص: 204

حيارى؛فعلى هذين القولين المراد باليوم المذكور،يوم القيامة.(5:195)

و هناك مطالب أخرى سنذكرها في«م و ج».

29- مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ. المؤمنون:91

راجع«ال ه».

بعوضة

إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ.

البقرة:26

قتادة: البعوضة:أضعف ما خلق اللّه.

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 1:178)

الرّبيع:إنّ البعوضة تحيا ما جاعت،فإذا سمنت ماتت.(الطّبرسيّ 1:67)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّما ضرب اللّه المثل بالبعوضة،لأنّ البعوضة على صغر حجمها خلق اللّه فيها جميع ما خلق في الفيل-مع كبره-و زيادة عضوين آخرين،فأراد اللّه سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطف خلقه،و عجيب صنعه.(العروسيّ 1:45)

الفرّاء: و أمّا نصبهم(بعوضة)فيكون من ثلاثة أوجه:

أوّلها:أن توقع الضّرب على البعوضة،و تجعل(ما) صلة،كقوله: عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ المؤمنون:40، يريد عن قليل.المعنى-و اللّه أعلم-إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب بعوضة فما فوقها مثلا.

و الوجه الآخر:أن تجعل(ما)اسما،و البعوضة صلة فتعرّبها بتعريب(ما)؛و ذلك جائز في«من»و«ما»لأنّهما يكونان معرفة في حال،و نكرة في حال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الرّفع في(بعوضة)هاهنا جائز،لأنّ الصّلة ترفع، و اسمها منصوب و مخفوض.

و أمّا الوجه الثّالث،و هو أحبّها إليّ: فأن تجعل المعنى على:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها.و العرب إذا ألقت«بين»من كلام تصلح«إلى» في آخره،نصبوا الحرفين المخفوضين اللّذين خفض أحدهما ب«بين»و الآخر ب«إلى»،فيقولون:مطرنا ما زبالة فالثّعلبيّة،و له عشرون ما ناقة فجملا،و هي أحسن النّاس ما قرنا فقدما.يراد به:ما بين قرنها إلى قدمها.و يجوز أن تجعل القرن و القدم معرفة،فتقول:هي حسنة ما قرنها فقدمها.

فإذا لم تصلح«إلى»في آخر الكلام،لم يجز سقوط «بين»؛من ذلك أن تقول:داري ما بين الكوفة و المدينة.

فلا يجوز أن تقول:داري ما الكوفة فالمدينة،لأنّ«إلى» إنّما تصلح إذا كان ما بين المدينة و الكوفة كلّه من دارك، كما كان المطر آخذا ما بين زبالة إلى الثّعلبيّة.

و لا تصلح الفاء مكان الواو فيما لا تصلح فيه«إلى» كقولك:دار فلان بين الحيرة فالكوفة؛محال.و جلست

ص: 205

بين عبد اللّه فزيد؛محال،إلاّ أن يكون مقعدك آخذا للفضاء الّذي بينهما.

و إنّما امتنعت الفاء من الّذي لا تصلح فيه«إلى»،لأنّ الفعل فيه لا يأتي فيتّصل،و«إلى»تحتاج إلى اسمين يكون الفعل بينهما كطرفة عين،و إن قصر قدر الّذي بينهما ممّا يوجد،فصلحت الفاء في«إلى»،لأنّك تقول:أخذ المطر أوّله فكذا و كذا إلى آخره.فلمّا كان الفعل كثيرا شيئا بعد شيء في المعنى كان فيه تأويل من الجزاء.

و مثله أنّهم قالوا:إن تأتني فأنت محسن.و محال أن تقول:إن تأتني و أنت محسن؛فرضوا بالفاء جوابا في الجزاء و لم تصلح الواو.

قال الكسائيّ: سمعت أعرابيّا و رأى الهلال،فقال:

الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك.يريد ما بين إهلالك إلى سرارك؛فجعلوا النّصب الّذي كان يكون في«بين»فيما بعده إذا سقطت؛ليعلم أنّ معنى«بين»مراد.

و حكى الكسائيّ عن بعض العرب: الشّنق ما خمسا إلى خمس و عشرين،يريد ما بين خمس إلى خمس و عشرين.و الشّنق:ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل.

و الأوقاص:في البقر.(1:21)

نحوه الطّوسيّ.(1:112)

أبو عبيدة: معناها:أن يضرب مثلا بعوضة،(ما) توكيد للكلام من حروف الزّوائد.[ثمّ استشهد بشعر]

و سأل يونس رؤبة عن قول اللّه تعالى:(ما بعوضة) فرفعها.و بنو تميم يعملون آخر الفعلين و الأداتين في الاسم.[ثمّ استشهد بشعر](1:34)

الطّبريّ: أخبر عباده أنّه لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها عقيب أمثال قد تقدّمت في هذه السّورة ضربها للمنافقين دون الأمثال الّتي ضربها في سائر السّور غيرها.[إلى أن قال:]

لا أنّه جلّ ذكره قصد الخبر عن عين البعوضة أنّه لا يستحي من ضرب المثل بها،و لكن البعوضة لمّا كانت أضعف الخلق.[إلى أن قال:]خصّها اللّه بالذّكر في القلّة، فأخبر أنّه لا يستحي أن يضرب أقلّ الأمثال في الحقّ و أحقرها و أعلاها إلى غير نهاية في الارتفاع،جوابا منه جلّ ذكره لمن أنكر من منافقي خلقه ما ضرب لهم من المثل بموقد النّار،و الصّيّب من السّماء،على ما نعتها به من نعتهما.[إلى أن قال:]

فمعنى قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً إنّ اللّه لا يخشى أن يصف شبها لما شبه به.

و أمّا(ما)الّتي مع«مثل»فإنّها بمعنى«الّذي»،لأنّ معنى الكلام:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب الّذي هو بعوضة في الصّغر و القلّة فما فوقها مثلا.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الفرّاء و أضاف:]

و قد زعم بعض أهل العربيّة أنّ(ما)الّتي مع«المثل» صلة في الكلام،بمعنى التّطوّل،و أنّ معنى الكلام:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا فما فوقها.فعلى هذا التّأويل يجب أن تكون(بعوضة)منصوبة ب(يضرب)، و أن تكون(ما)الثّانية الّتي في(فما فوقها)معطوفة على البعوضة لا على(ما).[إلى أن قال:]

قد تبيّن إذا بما وصفنا أنّ معنى الكلام:إنّ اللّه لا يستحيي أن يصف شبها لما شبه به الّذي هو ما بين بعوضة إلى ما فوق البعوضة،فأمّا تأويل الكلام لو رفعت

ص: 206

«البعوضة»فغير جائز في(ما)إلاّ ما قلنا:من أن تكون اسما لا صلة،بمعنى التّطوّل.(1:178)

الزّجّاج: فأمّا إعراب(بعوضة)فالنّصب من جهتين في قولنا،و ذكر بعض النّحويّين جهة ثالثة.

فأمّا أجود هذه الجهات فأن تكون(ما)زائدة مؤكّدة،كأنّه قال:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا،و مثلا بعوضة،و(ما)زائدة مؤكّدة،نحو قوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:159،المعنى فبرحمة من اللّه حقّا،ف(ما)في التّوكيد بمنزلة«حقّ»إلاّ أنّه لا إعراب لها،و الخافض،و النّاصب يتخطّاها إلى ما بعدها،فمعناها التّوكيد،و مثلها في التّوكيد«لا»في قوله: لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ الحديد:29،معناه لأن يعلم أهل الكتاب.

و يجوز أن يكون(ما)نكرة،فيكون المعنى إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب شيئا مثلا،و كأنّ بعوضة في موضع وصف شيء،كأنّه قال:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلا شيئا من الأشياء،بعوضة فما فوقها.

و قال بعض النّحويّين:يجوز أن يكون معناه:ما بين بعوضة إلى ما فوقها،و القولان الأوّلان قول النّحويّين القدماء.

و الاختيار عند جمع البصريّين أن يكون(ما)لغوا، و الرّفع في(بعوضة)جائز في الإعراب.و لا أحفظ من قرأ به،و لا أعلم هل قرأ به أحد أم لا؟فالرّفع على إضمار «هو»كأنّه قال:مثلا الّذي هو بعوضة.

و هذا عند سيبويه ضعيف،و عنه مندوحة،و لكن من قرأ (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) الأنعام:154،-و قد قرئ به-جاز أن يقرأ (مَثَلاً ما بَعُوضَةً) .و لكنّه في (الَّذِي أَحْسَنَ) أقوى،لأنّ الّذي أطول،و ليس للّذي مذهب غير الأسماء.(1:103)

نحوه الماورديّ(1:87)،و البغويّ(1:100)، و ابن الجوزيّ(1:54)،و البروسويّ(1:85).

الميبديّ: (ما)نكرة بمعنى الشّيء،تقديره:مثلا شيئا بعوضة،كقوله تعالى: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ ق:

23،أي هذا شيء لديّ عتيد.و إعراب(بعوضة)نصب على البدل،يعني بدل(ما).

و البعوض:صغار البقّ،واحدة منها بعوضة.

(1:119)

الزّمخشريّ: (ما)هذه إبهاميّة،و هي الّتي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما و زادته شياعا و عموما، كقولك:أعطني كتابا ما تريد،أيّ كتاب كان؛أو صلة للتّأكيد كالّتي في قوله: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ المائدة:

13،كأنّه قيل:لا يستحيي أن يضرب مثلا حقّا أو البتّة،هذا إذا نصبت(بعوضة).

فإن رفعتها فهي موصولة صلتها الجملة،لأنّ التّقدير:هو بعوضة،فحذف صدر الجملة كما حذف في تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ الأنعام:154.

و وجه آخر حسن جميل،و هو أن تكون الّتي فيها معنى الاستفهام،لما استنكفوا من تمثيل اللّه لأصنامهم بالمحقّرات،قال:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب للأنداد ما شاء من الأشياء المحقّرة مثلا،بله البعوضة فما فوقها،كما يقال:فلان لا يبالي بما وهب ما دينار و ديناران.

أو المعنى:إنّ للّه أن يتمثّل للأنداد و حقارة شأنها بما

ص: 207

لا شيء أصغر منه و أقلّ،كما لو تمثّل بالجزء الّذي لا يتجزّأ،و بما لا يدركه لتناهيه في صغره إلاّ هو وحده بلطفه،أو بالمعدوم،كما تقول العرب:فلان أقلّ من لا شيء في العدد.

و لقد ألمّ به قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ العنكبوت:42.

و هذه القراءة[الرّفع]تعزى إلى رؤبة بن العجّاج، و هو أمضغ العرب للشّيخ و القيصوم،المشهود له بالفصاحة،و كانوا يشبّهون به الحسن،و ما أظنّه ذهب في هذه القراءة إلاّ إلى هذا الوجه،و هو المطابق لفصاحته.

و انتصب(بعوضة)بأنّها عطف بيان ل(مثلا)أو مفعول ل(يضرب)،و(مثلا)حال عن النّكرة مقدّمة عليه،أو انتصبا مفعولين،فجرى«ضرب»مجرى «جعل».و اشتقاق البعوض من«البعض»و هو القطع، كالبضع و العضب،يقال:بعضه البعوض.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه بعض الشّيء،لأنّه قطعة منه،و البعوض في أصله صفة على«فعول»كالقطوع فغلبت،و كذلك الخموش.(1:264)

نحوه أبو السّعود.(1:98)

ابن عطيّة: [قال نحو الزّجّاج و أضاف:]

و البعوضة:«فعولة»من بعض،إذا قطع اللّحم،يقال بضع و بعض بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ الضّحّاك و إبراهيم بن أبي عبلة و رؤبة بن العجّاج:(بعوضة)بالرّفع.

قال أبو الفتح: وجه ذلك أنّ(ما)اسم بمنزلة «الّذي»أي لا يستحيي أن يضرب الّذي هو بعوضة مثلا،فحذف العائد على الموصول،و هو مبتدأ.و مثله قراءة بعضهم: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) الأنعام:154، أي على الّذي هو أحسن.و حكى سيبويه:ما أنا بالّذي قائل لك شيئا،أي هو قائل.(1:110)

الطّبرسيّ: (ما)في قوله: (ما بَعُوضَةً) بالنّصب،فيه وجوه:

أحدها:أن تكون(ما)مزيدة و معناها التّوكيد،كما في قوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:

159،و تقديره:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا أو مثلا بعوضة،فيكون بعوضة مفعولا ثانيا ل(يضرب).

و ثانيها:أن يكون(ما)نكرة مفسّرة ل(بعوضة)كما يكون نكرة موصوفة في قوله تعالى: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ ق:23،فيكون تقديره:لا يستحيي أن يضرب مثلا شيئا من الأشياء بعوضة،فتكون(بعوضة)بدلا من شيئا.

و ثالثها:ما يحكى عن الفرّاء أنّ معناه:ما بين بعوضة إلى ما فوقها،كما يقال:مطرنا ما زبالة إلى الثّعلبيّة،و له عشرون ما ناقة فجملا،و هي أحسن النّاس ما قرنا فقدما،يعنون«ما بين»في جميع ذلك،و الاختيار عند البصريّين الوجه الأوّل.

و إنّما اختير هذا الوجه،لأنّ(ضرب)هاهنا بمعنى «جعل»فجاز أن يتعدّى إلى مفعولين،و يدخل على المبتدإ و الخبر.و في التّنزيل ما يدلّ عليه،و هو قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ يونس:24،فمثل الحياة مبتدأ و(كماء) خبره.و في موضع آخر وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ الكهف:45،فدخل(اضرب)على المبتدإ و الخبر فصار بمنزلة قولك:ظننت زيدا كعمرو.

ص: 208

و إنّما اختير هذا الوجه،لأنّ(ضرب)هاهنا بمعنى «جعل»فجاز أن يتعدّى إلى مفعولين،و يدخل على المبتدإ و الخبر.و في التّنزيل ما يدلّ عليه،و هو قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ يونس:24،فمثل الحياة مبتدأ و(كماء) خبره.و في موضع آخر وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ الكهف:45،فدخل(اضرب)على المبتدإ و الخبر فصار بمنزلة قولك:ظننت زيدا كعمرو.

و يجوز في الإعراب الرّفع في(بعوضة)و إن لم تجز القراءة به،و فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف في صلة(ما) فكأنّه قال:الّذي هو بعوضة،كقراءة من قرأ (تماما على الّذى احسن) بالرّفع.و هذا عند سيبويه ضعيف،و هو في «الّذي»أقوى،لأنّ(الّذي)أطول،و ليس ل(لّذي) مذهب غير الأسماء.

و الثّاني:على الجواب،كأنّه لمّا قيل:إنّ اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلا ما،قيل:ما هو؟فقيل:

بعوضة،أي هو بعوضة،كما تقول:مررت برجل زيد، أي هو زيد،فتكون(ما)على هذا الوجه نكرة مجرّدة من الصّفة و الصّلة.(1:66)

الفخر الرّازيّ: [قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و الطّبرسيّ و أضاف:]

و عن بعضهم: اشتقاقه من«بعض الشّيء»سمّي به لقلّة جرمه و صغره،و لأنّ بعض الشّيء قليل بالقياس إلى كلّه،و الوجه القويّ هو الأوّل.

قال:و هو من عجائب خلق اللّه تعالى،فإنّه صغير جدّا،و خرطومه في غاية الصّغر،ثمّ إنّه مع ذلك مجوّف، ثمّ ذلك الخرطوم مع فرط صغره و كونه مجوّفا يغوص في جلد الفيل و الجاموس على ثخانته،كما يضرب الرّجل إصبعه في الخبيص،و ذلك لما ركّب اللّه في رأس خرطومه من السّمّ.(2:135)

نحوه البيضاويّ.(1:41)

أبو حيّان: و(ما)إذا نصبت(بعوضة)زائدة للتّأكيد أو صفة ل«المثل»تزيد النّكرة شياعا،كما تقول:ائتني برجل ما،أي أيّ رجل كان.و أجاز الفرّاء و ثعلب و الزّجّاج أن تكون(ما)نكرة و ينتصب بدلا من قوله:

(مثلا)و قرأ الجمهور بنصب(بعوضة).

و اختلف في توجيه النّصب على وجوه:

أحدها:أن تكون صفة ل(ما)إذا جعلنا(ما)بدلا من «مثل»و(مثلا)مفعول ب(يضرب)و تكون(ما)إذ ذاك قد وصفت باسم الجنس المتنكّر لإبهام(ما)،و هو قول الفرّاء.

الثّاني:أن تكون(بعوضة)عطف بيان،و(مثلا) مفعول ب(يضرب).

الثّالث:أن تكون بدلا من«مثل».

الرّابع:أن يكون مفعولا ل(يضرب)و انتصب(مثلا) حالا من النّكرة،مقدّمة عليها.

و الخامس:أن تكون مفعولا ل(يضرب)ثانيا، و الأوّل و هو«المثل»على أنّ(يضرب)يتعدّى إلى اثنين.

و السّادس:أن تكون مفعولا أوّل ل(يضرب) و(مثلا)المفعول الثّاني.

و السّابع:أن تكون منصوبا على تقدير إسقاط الجارّ،و المعنى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فما فوقها، و حكوا:له عشرون ما ناقة فجملا.و نسبه ابن عطيّة لبعض الكوفيّين،و نسبه المهدويّ للكوفيّين،و نسبه غيرهما للكسائيّ و الفرّاء،و يكون(مثلا)مفعولا

ص: 209

ب(يضرب)على هذا الوجه.

و أنكر هذا النّصب،أعني نصب(بعوضة)على هذا الوجه أبو العبّاس.

و تحرير نقل هذا المذهب أنّ الكوفيّين يزعمون أنّ (ما)تكون جزاء في الأصل،و تحوّل إلى لفظ«الّذي» فينتصب ما بعدها سواء كان نكرة أم غير نكرة،و يعطف عليه ب«الفاء»فقط و تلزم،و لا يصلح مكانها«الواو» و لا«ثمّ»و لا«أو»و لا«لا»و يجعلون النّصب في ذلك الاسم على حذف مضاف،و هو«بين»فلمّا حذف«بين» قام هذا مقامه في الإعراب،و يقدّرون الفاء ب«إلى»،و قد جاء التّصريح بها في بعض المواضع.

و حكى الكسائيّ عن العرب: مطرنا ما زبالة فالثّعلبيّة و«ما»منصوبة بمطرنا.

و حكى الكسائيّ و الفرّاء عن العرب: هي أحسن النّاس ما قرنا،و انتصاب«ما»في هذه المسألة على التّفسير،و تقول:هي حسنة ما قرنها إلى قدمها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الكسائيّ: سمعت أعرابيّا نظر إلى الهلال،فقال:

الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك.و حكى الفرّاء عن العرب:الشّنق ما خمسا فعشرين،و المعنى-فيما تقدّم- ما بين كذا إلى كذا.و(ما)في هذا المعنى لا تسقط،فخطأ أن يقول:مطرنا زبالة فالثّعلبيّة.و هذا الّذي ذهب إليه الكوفيّون لا يعرفه البصريّون،و ردّه إلى قواعد البصريّين مذكور في غير هذا.

و الّذي نختاره من هذا الأعاريب:أنّ«ضرب» يتعدّى إلى اثنين هو الصّحيح،و ذلك لواحد هو مثلا لقوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ الحجّ:73،و لأنّه المقدّم في التّركيب،و صالح لأن ينتصب ب(يضرب)،و(ما)صفة تزيد النّكرة شياعا،لأنّ زيادتها في هذا الموضع لا تنقاس،و(بعوضة)بدل،لأنّ عطف البيان-مذهب الجمهور فيه-أنّه لا يكون في النّكرات،إنّما ذهب إلى ذلك الفارسيّ،و لأنّ الصّفة بأسماء الأجناس لا تنقاس.

و قرأ الضّحّاك و إبراهيم بن أبي عبلة و رؤبة بن العجّاج و قطرب(بعوضة)بالرّفع،و اتّفق المعربون على أنّه خبر.و لكن اختلفوا فيما يكون عنه خبرا،فقيل:

خبر مبتدإ محذوف،تقديره:هو بعوضة،و في هذا وجهان:

أحدهما:أنّ هذه الجملة صلة ل(ما)و(ما)موصولة بمعنى«الّذي»و حذف هذا العائد.و هذا الإعراب لا يصحّ إلاّ على مذهب الكوفيّين؛حيث لم يشترطوا في جواز حذف هذا الضّمير طول الصّلة.

و أمّا البصريّون فإنّهم اشترطوا ذلك في غير«أيّ» من الموصولات.و على مذهبهم تكون هذه القراءة على هذا التّخريج شاذّة،و يكون إعراب(ما)على هذا التّخريج بدلا،التّقدير:مثلا الّذي هو بعوضة.

و الوجه الثّاني:أن تكون(ما)زائدة أو صفة،و هو بعوضة،و ما بعده جملة كالتّفسير لما انطوى عليه الكلام السّابق.

و قيل:خبر مبتدإ ملفوظ به،و هو(ما)،على أن تكون استفهاميّة.(1:122)

نحوه الآلوسيّ.(1:206)

مكارم الشّيرازيّ: المعاندون اتّخذوا من صغر

ص: 210

البعوضة و الذّبابة ذريعة للاستهزاء بالأمثلة القرآنيّة.

لكنّهم لو أنصفوا و أمعنوا النّظر في هذا الجسم الصّغير، لرأوا فيه من عجائب الخلقة،و عظيم الصّنع و الدّقّة، ما يحيّر العقول و الألباب.[ثمّ استشهد بقول الإمام الصّادق عليه السّلام المتقدّم]

يريد اللّه سبحانه بهذا المثال أن يبيّن للمؤمنين دقّة الصّنع في الخلق.و التّفكير في هذا الموجود الضّعيف على الظّاهر،و الشّبيه بالفيل في الواقع،يبيّن للإنسان عظمة الخالق.

خرطوم هذا الحيوان الصّغير يشبه خرطوم الفيل، أجوف،ذو فتحة دقيقة جدّا،و له قوّة ماصّة تسحب الدّم.

منح اللّه هذا الحيوان قوّة هضم و تمثيل و دفع،كما منحه أطرافا و أذنا و أجنحة تتناسب تماما مع وضع معيشته.هذه الحشرة تتمتّع بحسّاسيّة تشعر فيها بالخطر بسرعة فائقة،و تفرّ عند ما يداهمها عدوّ بمهارة عجيبة و هي مع صغرها و ضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات.(1:122)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البعوض،و هو جنس واحدتها بعوضة،أي البقّ،يقال:بعضه البعوض يبعضه بعضا،أي لسعه.و بعض القوم:آذاهم البعوض فهم مبعوضون.و أبعضوا،إذا كان في أرضهم بعوض، و أرضهم مبعضة،أي كثيرة البعوض،مثل:أرض مبقّة، أي كثيرة البقّ.و ليلة بعضة و مبعوضة:كثيرة البعوض.

و في المثل:«كلّفتني مخّ البعوض»،يقال لما لا يكون، كقولهم:«دونه بيض الأنوق».

و سمّي ما يتجزّأ من الشّيء بعضا تجوّزا و تسامحا،ثمّ صار حقيقة غالبة على أصله-و قد جعله ابن فارس أصلا،شذّ عنه بعوضة-يقال:بعّض الشّيء تبعيضا،أي فرّقه أجزاء،و تبعّض الشّيء:تفرّق،كأنّه أصابته البعوضة ففرّقته.و منه:رأيت غربانا تتبعّض،أي يتناول بعضها بعضا،و يجرح بعضها بعضا،كما تفعل البعوضة بالجسم،ثمّ تحوّل«بعض»إلى حقيقة في الجزء من كلّ شيء،فاشتقّ منه فعل،يقال:بعّض الشّيء.

2-و في استعمال«بعض»خلاف،فبعض قال:

بعض»من الأضداد،إذ تأتي تارة بمعنى جزء،و أخرى بمعنى كلّ.و قال بعض:«بعض»بمعنى جزء لا غير،و لكلّ منهما حجّة.

بيد أنّ المعنى الأخير مطّرد في اللّغة،و لم يرد المعنى الآخر في السّماع إلاّ في شعر لبيد،و قد أوّل بمعنى جزء، و هو تأويل حسن.

و قالوا في«بعض»أيضا:لا يجوز استعمال«بعض» بالألف و اللاّم،لأنّ هذا اللّفظ لا ينفصل من الإضافة، و ممّن قال بذلك الأصمعيّ و أبو حاتم.و قد أجاز ذلك الأزهريّ محتجّا باستعماله معرّفا بالألف و اللاّم،من قبل بعض النّحويّين كسيبويه و الأخفش في كتبهما.

و لكنّ تشبّث الأزهريّ بقول النّحاة-و هو لغويّ- مغاير لما دأب عليه أضرابه،من تقصّي كلام العرب و الأخذ عنهم.و حقيق به أن يقول:لم يرد في السّماع «البعض»بالألف و اللاّم،أو يقول كما قال الزّجّاجيّ:

ص: 211

«إنّما قلنا:البعض و الكلّ،مجازا،و على استعمال الجماعة له مسامحة،و هو في الحقيقة غير جائز».

ثمّ من يدري فلعلّهما استعملاه سهوا و غفلة«لقلّة علمهما بهذا النّحو،فاجتنب ذلك،فإنّه ليس من كلام العرب»،كما قال أبو حاتم.

الاستعمال القرآنيّ

1-ورد لفظان من هذه المادّة في القرآن:«بعوضة» مرّة واحدة،و«بعض»(157)مرّة،منها(92)مرّة مضافة،و(65)مرّة مقطوعة عن الإضافة،بتنوين النّصب(9)مرّات،و تنوين الجرّ(56)مرّة.

و جاء في معجم ألفاظ مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة «قد جاءت«بعض»في القرآن الكريم مضافة و غير مضافة،في 129 موضعا.و هذا الإحصاء-كما يبدو- مستند إلى ما ذكره صاحب«المعجم المفهرس لألفاظ القرآن»-و كان أحد مؤلّفي المعجم المذكور أيضا-حيث عدّ لفظ«بعض»غير المضافة و المضافة إلى غير الضّمير (57)مرّة خطأ،و لكنّه سرد(85)آية.

2-جاء«بعض»في القرآن ب(57)وجها في(38) سورة:(25)مكّيّة،و(13)مدنيّة:

آدم و ذرّيّته:1- وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ.

البقرة:36

2- قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ الأعراف:24

3- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.

طه:123

ذرّيّة آدم:4- وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ النّساء:25

الخلائق:5- وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ النّحل:71

6- اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ الإسراء:21

7- وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ

الكهف:99

8- وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً الفرقان:20

الإنس و الجنّ:9- رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا الأنعام:128

10- لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88

شياطين الإنس و الجنّ:11- يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً الأنعام:112

النّاس:12- وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا الزّخرف:32

الأجيال:13- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. آل عمران:34

14- لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ آل عمران:195

الرّجال و النّساء:15- وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ النّساء:21

16- وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ النّساء:32

ص: 212

16- وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ النّساء:32

17- اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ النّساء:34

الملائكة:18- خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ص:22

الملائكة و عبدتهم:19- فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا سبأ:42

الأنبياء:20- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ

البقرة:253

21- وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ

النّساء:150

22- وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ

الإسراء:55

المؤمنون:23- وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ الأنعام:165

24- وَ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ محمّد:4

25- وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ

الحجرات:2

26- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً النّور:63

27- وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

الحجرات:12

المؤمنون و المؤمنات:28- وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ التّوبة:71

المؤمنون و أهل الكتاب:29- وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ آل عمران:64

المؤمنون و الكافرون:30- وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ البقرة:251

31- وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ الحجّ:40

المهاجرون و الأنصار:32- وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ الأنفال:72

33- وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ الأنفال:75،و الأحزاب:6

حفصة:34- وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً التّحريم:3

حديث حفصة:35- فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ التّحريم:3

أهل الجنّة:36- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ الصّافّات:50

37- وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ

الطّور:25

أصحاب الجنّة المحترقة:38- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ القلم:30

آيات القيامة:39- أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها الأنعام:158

القرآن:40- وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ

الرّعد:36

ص: 213

القصاص:41- وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ المائدة:49

مفاداة الأسرى:42- وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ البقرة:85

خطايا من فرّ في أحد:43- إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا آل عمران:155

مخالفة النّبيّ: 44- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ محمّد:26

الطّوّافون:45- طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ النّور:58

الدّائن و المدين:46- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ البقرة:283

المهر:47- وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ النّساء:19

الأمر المهم:48- فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ النّور:62

الأعجمون:49- وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ... الشّعراء:198

الخلطاء:50- وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ص:24

الأخلاّء:51- اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ الزّخرف:67

المسافرون:52- وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ يوسف:10

الظّنّ:53- اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الحجرات:12

الأقاويل:54- وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ

الحاقّة:44

اليوم:55- قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ البقرة:259

56- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ الكهف:19

57- قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ

المؤمنون:113

الأطعمة:58- وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ آل عمران:50

الظّلمات:59- ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها النّور:40

الثّمر الجيّد و الرّديء:60- وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ الرّعد:4

الشّريف و الوضيع:61- وَ كَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الأنعام:53

الظّالمون:62- وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ الأنعام:129

63- وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ سبأ:31

64- وَ إِنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ الجاثية:19

65- بَلْ إِنْ يَعِدُ الظّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاّ غُرُوراً فاطر:40

الخبيث:66- وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً الأنفال:37

ص: 214

الخبيث:66- وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً الأنفال:37

المنافقون:67- وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ التّوبة:127

المنافقون و المنافقات:68- اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67

المنافقون و اليهود:69- وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ البقرة:76

الجلاء و الجزية و القتل:70- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ المائدة:49

تبيين التّوراة:71- قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ الزّخرف:63

لسان بقرة بني إسرائيل:72- فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى البقرة:73

اليهود و النّصارى:73- لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ المائدة:51

عدم اتّباع اليهود قبلة النّصارى و بالعكس:

74- وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ البقرة:145

قتل و أسر أهل مكّة:75- وَ إِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ يونس:46

الآلهة:76- إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ هود:54

77- إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ المؤمنون:91

سبّ الآلهة:78- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ هود:12

الكافرون:79- وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ

الأنعام:65

80- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ

الأنفال:73

81- ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً العنكبوت:25

82- وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ

الصّافّات:27

83- فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ

المؤمنون:44

العقاب:84- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا

الرّوم:41

العذاب:85- وَ إِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ الرّعد:40

86- قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ النّمل:72

87- وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ المؤمن:28

88- فَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ المؤمن:77

يلاحظ أوّلا:أنّ سبعا من الآيات تركّز في تفضيل بعض على بعض،و هي(5)و(6):التّفضيل بين النّاس في الرّزق و العطاء،و(16)و(17):تفضيل الرّجال على النّساء،و(20)و(22):تفضيل بعض النّبيّين على بعض،و(60):تفضيل بعض الثّمرات على بعض في الأكل.فهذا تعبير قرآنيّ يبيّن عدل اللّه في التّفاضل،

ص: 215

دون تمييز و ظلم لأحد بغير الحقّ.

ثانيا:أنّ خمسا منها تركّز في أنّ بعضا من النّاس أولياء بعض،و هي(13)إنّ المؤمنين و المؤمنات بعضهم أولياء بعض،و(32)إنّ المهاجرين و الأنصار بعضهم أولياء بعض،و(64)إنّ الظّالمين بعضهم أولياء بعض، و(73)إنّ اليهود و النّصارى بعضهم أولياء بعض، و(80)إنّ الكفّار بعضهم أولياء بعض.

و منها يظهر أنّ العقيدة هي ملاك الولاية بين النّاس، سواء الصّلحاء منهم أم الأشقياء،فالمؤمنون و المؤمنات و كذلك المهاجرون و الأنصار بعضهم أولياء بعض،سواء كانت الولاية بمعنى المحبّة و النّصرة أو تولّي الأمور،لاحظ «و ل ي»و بإزاء هؤلاء الظّالمون و الكفّار(62)و(63)، و كذلك اليهود و النّصارى(73)بعضهم أولياء بعض.

ثالثا:هناك تعبير قرآنيّ بلفظ«بعض من بعض» يفصح عن وحدة الصّفّ و الموقف لدى الجماعات في أربع آيات،و هي(4)و(14)إنّ المؤمنين بعضهم من بعض، و(13)إنّ الأجيال و الذّرّيّة بعضها من بعض،و(68)إنّ المنافقين بعضهم من بعض.

رابعا:أربع آيات ترفض بشدّة الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به و إنكار بعضه،و هي(21):الإيمان ببعض الرّسل و إنكار بعضهم،و(40):إنكار بعض القرآن من قبل بعض الأحزاب،و(42):الإيمان ببعض الكتاب و الكفر ببعضه،و نحوها(44):سنطيعكم في بعض الأمر.

و هذه تنصّ على أنّ الإيمان بالحقّ لا يتبعّض و لا يتجزّأ، فليس قولهم:(نؤمن ببعض و نكفر ببعض)إيمانا،بل هو كفر محض.

و قد دعم القرآن في أوّل البقرة و غيرها«الإيمان»بما أنزل على النّبيّ بما أنزل من قبله و فنّد التّفريق بين الرّسل،على الرّغم من أنّ اللّه فضّل بعضهم على بعض.

فالإيمان بتفضيل بعضهم على بعض حقّ،و الإيمان ببعضهم و إنكار بعض باطل،لاحظ«أ م ن»و«ف ر ق» و«ف ض ل».

خامسا:هناك آيات ترفض استعلاء بعض النّاس على بعض:(77)،و بغي بعضهم على بعض:(50) و(18)،و عداوة بعضهم لبعض:(27)،و اتّخاذ بعضهم بعضا إلها:(29)،و ظنّ السّوء ببعضهم بعضا:(53)، و التّقوّل على اللّه ببعض الأقاويل:(54)،و الجهر بالقول للنّبيّ كجهر قول بعضهم لبعض:(25)،و دعاء الرّسول كدعاء بعضهم بعضا:(26).

سادسا:و من هذه الآيات ثلاث تنصّ على أنّ النّاس في القيامة يتحدّثون عن مدّة موتهم،فيقولون:

لبثنا يوما أو بعض يوم:(55)و(56)و(57)،فصار تعبيرا قرآنيّا شائعا،و كذلك جملة ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ 59،فإنّها مثل قرآنيّ سائر.و مثلها:

لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا 19.

سابعا:هناك آيات تحتوي التّساؤل بين أهل الجنّة في الجنّة:(36)و(37)،و بين أهل النّار في النّار:(82)، و رجوع بعضهم إلى بعض في القول:(81)،و أنّهم يتلاومون:(38)،لاحظ موادّها.

3-و جاء منها«البعوضة»مرّة واحدة في سورة مدنيّة،و قد سبق نصّها في النّصوص التّفسيريّة:

يلاحظ أوّلا:أنّ البحث في«الآية»و«البعوضة»

ص: 216

يدور حول أمرين:

الأوّل:إعراب(بعوضة ما)بالنّصب هي القراءة المشهورة،و فيها وجوه،ذكرها المفسّرون بدء بالفرّاء و ختاما ب«ابن عاشور»،و قد أنهاها أبو حيّان إلى سبعة أوجه فلاحظ.

و أوجهها ما اختاره ابن عاشور و غيره أنّ(ما)أداة إبهاميّة تتّصل بالنّكرة فتؤكّد معناها،من تنويع أو تفخيم أو تحقير،نحو:لأمر ما،و أعطاه شيئا ما،و أضاف قائلا:

«و الأظهر أنّها مزيدة،لتكون دلالتها على التّأكيد أشدّ».

و نحن لا نوافقه على هذا الوجه،و حينئذ فنصب (بعوضة)على أنّها بدل،أو بيان من قوله:(مثلا).

و قرئ بالرّفع،و اتّفقوا على أنّه خبر،إمّا لمبتدإ محذوف،أي هذا المثل بعوضة،أو مبتدإ ملفوظ و هو(ما) على أنّها استفهاميّة،أي ما هو المثل؟هو بعوضة.

الثّاني:ما هو سرّ ذكر البعوضة؟و هو أنّها مع صغر حجمها جمع اللّه فيها ما في الفيل و زيادة،ثمّ إنّها ذكرت ليعلم بها المؤمن من غيره،نظير المتشابهات اللاّتي يعرف بها من في قلبه مرض عمّن يؤمن بها،و يقول:

آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا آل عمران:7.

ثانيا:ما هو سرّ إتيان(بعوضة)مرّة واحدة في القرآن؟

و الجواب:أنّها أحقر الأمثال القرآنيّة و أدناها،على كثرتها،فوقعت في آخر العدد و في نهاية المطاف،و مؤخّر الصّفّ،ليس بعده شيء.

ثالثا:ما هو السّبب في مجيئها في سورة مدنيّة و هي البقرة؟

و الجواب:أنّها آية ابتلاء المنافقين،و هم الّذين تكلّموا حول هذا المثل.و نحن نعرف أنّ المنافقين نشئوا في المدينة،و قد تحدّث عنهم القرآن في أوّل سورة مدنيّة و هي البقرة،بإزاء المتّقين و الكافرين،فكان تشكيكهم بهذا المثل آية نفاقهم.ثمّ وصفهم اللّه في آيات و سور مدنيّة،أطولها سورة التّوبة.و قد خصّ سورة المنافقين باسمهم،كما خصّ سورة الكافرين باسم الكفّار،و سورة المؤمنين باسم الّذين آمنوا،لاحظ«ن ف ق».

ص: 217

ص: 218

ب ع ل

اشارة

4 ألفاظ،7 مرّات:2 مكّيّة،5 مدنيّة

في 5 سور:2 مكّيّة،3 مدنيّة

بعلا 1:1 بعلها 1:-1

بعولتهنّ 4:-4 بعلى 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البعل:الزّوج،يقال:بعل يبعل بعلا و بعولة،فهو بعل مستبعل.و امرأة مستبعل،إذا كانت تحظى عند زوجها،و الرّجل يتعرّس لامرأته:يطلب الحظوة عندها.و المرأة تتبعّل لزوجها،إذا كانت مطيعة له.

و البعل:أرض مرتفعة لا يصيبها مطر إلاّ مرّة في السّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:البعل من الأرض:الّتي لا يبلغها الماء إن سيق إليها،لارتفاعها.

و رجل بعل،و قد بعل يبعل بعلا،إذا كان يصير عند الحرب كالمبهوت من الفرق و الدّهش.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة بعلة:لا تحسن لبس الثّياب.

و البعل من النّخل:ما شرب بعروقه من غير سقي سماء و لا غيرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعل:الذّكر من النّخل،و النّاس يسمّونه الفحل.

و البعل:صنم كان لقوم إلياس،قال اللّه عزّ و جلّ:

أَ تَدْعُونَ بَعْلاً الصّافّات:125.

و التّباعل و المباعلة و البعال:ملاعبة الرّجل أهله، تقول:باعلها مباعلة،و في الحديث:«أيّام شرب و بعال».(2:149)

الكسائيّ: البعل و هو العذي،و هو ما سقته السّماء.

(الأزهريّ 2:413)

نحوه أبو عمرو الشّيبانيّ.(الفيّوميّ 1:55)

الشّافعيّ: البعل:ما رسخ عروقه في الماء،فاستغنى

ص: 219

عن أن يسقى.(الأزهريّ 2:414)

الأصمعيّ: العذي:ما سقته السّماء،و البعل:

ما شرب بعروقه من غير سقي،و لا سماء.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 4:1635)

بعل الرّجل يبعل بعلا،كقولك:دهش و خرق و عقر.(الأزهريّ 2:415)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين ذكر أيّام التّشريق،فقال:«إنّها أيّام أكل و شرب و بعال».

البعال:النّكاح،و ملاعبة الرّجل أهله،يقال للمرأة:

هي تباعل زوجها بعالا و مباعلة،إذا فعلت ذلك معه.

(1:113)

و في الحديث:«ما سقي بعلا ففيه العشر».

البعل:ما شرب بعروقه من الأرض،من غير سقي من سماء،و لا غيرها.(الهرويّ 1:188)

ابن الأعرابيّ: البعل:الضّجر و التّبرّم بالشّيء.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البعل:الصّنم،و البعل:اسم ملك،و البعل:الزّوج، و قد بعل يبعل بعلا،إذا صار بعلا لها.

(الأزهريّ 2:415)

البعل:حسن العشرة من الزّوجين.و البعال:

حديث العروسين،و البعال:الجمال.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 2:415)

يقال:بعل الرّجل و بحر و بقر،إذا تحيّر فلم يهتد لأمره.و امرأة بعلة،إذا كانت بلهاء،لا تحسن أن تلبس ثيابها،و تصلح أمر نفسها.(الخطّابيّ 1:608)

ابن السّكّيت: و البعل:الّذي يفزع عند الرّوع، فيترك سلاحه أو متاعه و يذهب،إمّا حاملا و إمّا هاربا.

و يقال:هو الّذي يفزع،فيذهب فؤاده عند الرّوع، فلا يبرح مكانه من الفزع حتّى يغشاه القوم فيقتلوه،أو يأخذوه و يدعوه،بعل يبعل بعلا.

و العقر:الّذي يفجأه الرّوع فلا يقدر أن يتقدّم أو يتأخّر،عقر يعقر عقرا،و رجال بعلون و عقرون.

(179)

نحوه السّجستانيّ.(الأضداد:146)

باعلت الرّجل المرأة،إذا اتّخذته بعلا،و بعل الرّجل:

صار بعلا.[ثمّ استشهد بشعر](355)

البعل:الزّوج،يقال:هو بعلها و هي بعله و بعلته.

و البعل أيضا:النّخل الّذي يشرب بعروقه،و قد يجزأ فيستغني عن السّقي،يقال:قد استبعل النّخل.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعل:مصدر بعل الرّجل بأمره يبعل بعلا،إذا برم به،فلم يدر كيف يصنع فيه.(إصلاح المنطق:51)

و يقال:قد بعل فلان عند القتال يبعل بعلا،إذا شده فلم يقاتل.(إصلاح المنطق:191)

ثعلب :يقال:خرق الرّجل،و بعل.و بحر،و بقر، إذا نزل به أمر فبقي متحيّرا.(الخطّابيّ 1:265)

ابن دريد :البعل:الزّوج،و بعل الشّيء:ربّه و مالكه.و البعل:النّخل الّذي يشرب بعروقه و يستغني عن المطر.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأكيدر بن عبد الملك«لكم الضّامنة من النّخل و لنا الضّاحية من البعل».

و استبعل النّخل،إذا صار بعلا.

ص: 220

و امرأة حسن البعال و المباعلة و التّبعّل،إذا كانت حسنة الطّاعة لزوجها.

و في الحديث:«أنّها أيّام نعم و طعم و بعال»يعني أيّام التّشريق،و يقال:«أيّام أكل و شرب و بعال».

و بعل الرّجل بالأمر،إذا ضاق به ذرعا.و أصبح فلان بعلا على أهله،أي ثقلا عليهم.و بعل الرّجل في الشّيء يبعل بعلا،إذا تحيّر فيه،مفتوح العين.و بعل الرّجل،إذا خرق من فزع و لم يتحرّك.(1:314)

البعل من النّخل:ما اكتفى بماء السّماء.(1:43)

يقال:خرق بالشّيء و بعل به و ذهب به و بقر به و ذئب به،كلّه واحد،إذا تحيّر.(2:331)

القاليّ: البعل:التّحيّر،و الوهل:الفزع.

(2:290)

الأزهريّ: قال أبو عبيد:قال الأصمعيّ:البعل:

ما شرب بعروقه من الأرض،من غير سقي من سماء و لا غيره.

قلت:و قد ذكر القتيبيّ هذا في الحروف الّتي ذكر أنّه أصلح الغلط الّذي وقع فيها.و ألفيته يتعجّب من قول الأصمعيّ:«البعل:ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي من السّماء و لا غيرها».و قال:ليت شعري أينما يكون هذا النّخل الّذي لا يسقى من سماء و لا غيرها.

و توهّم أنّه يصلح غلطا،فجاء بأطمّ غلط،و جهل ما قاله الأصمعيّ،و حمله جهله به على التّخبّط فيما لا يعرفه؛ فرأيت أن أذكر أصناف النّخيل لتقف عليها،فيصحّ لك ما حكاه أبو عبيد عن الأصمعيّ.

فمن النّخيل السّقيّ،و يقال:المسقويّ،و هو الّذي يسقى بماء الأنهار و العيون الجارية.و من السّقيّ ما يسقى نضحا بالدّلاء و النّواعير و ما أشبهها،فهذا صنف.

و منها العذي،و هو ما نبت منها فى الأرض السّهلة، فإذا مطرت نشفت السّهولة ماء المطر،فعاشت عروقها بالثّرى الباطن تحت الأرض،و يجيء تمرها قعقاعا،لأنّه لا يكون ريّان كالسّقيّ،و يسمّى التّمر إذا جاء كذلك قسيا و سحّا.

و الضّرب الثّالث من النّخيل:ما نبت وديّه في أرض يقرب ماؤها الّذي خلقه اللّه تحت الأرض في رقّات الأرض ذات النّزّ،فرسخت عروقها في ذلك الماء الّذي تحت الأرض،و استغنت عن سقي السّماء و عن إجراء ماء الأنهار إليها،أو سقيها نضحا بالدّلاء.

و هذا الضّرب هو البعل الّذي فسّره الأصمعيّ.و تمر هذا الضّرب من التّمر أن لا يكون ريّان و لا سحّا،و لكن يكون بينهما.

و قد رأيت بناحية البيضاء-من بلاد جذيمة عبد القيس-نخلا كثيرا عروقها راسخة في الماء،و هي مستغنية عن السّقي و عن ماء السّماء،تسمّى بعلا.

و يقال للرّجل:هو بعل المرأة،و يقال للمرأة:هي بعله و بعلته،و يجمع البعل:بعولة،قال اللّه جلّ و عزّ:

وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ البقرة:228.

و قال اللّيث في تفسير«البعل من النّخل»ما هو أطمّ من الغلط الّذي ذكرناه عن القتيبيّ،زعم أنّ البعل:الذّكر من النّخل،و النّاس يسمّونه الفحل.

قلت:و هذا غلط فاحش،و كأنّه اعتبر هذا التّفسير من لفظ البعل:الّذي معناه الزّوج.

ص: 221

قلت:و بعل النّخيل:إناثها الّتي تلقّح فتحمل.و أمّا الفحال فإنّ ثمره ينتفض،و إنّما يلقّح بطلعه طلع الإناث إذا انشقّ.

و قال اللّيث أيضا:البعل:الزّوج،يقال:بعل يبعل بعولة فهو باعل،أي مستعلج.

قلت:و هذا من أغاليط اللّيث أيضا،و إنّما سمّي زوج المرأة بعلا،لأنّه سيّدها و مالكها،و ليس من باب الاستعلاج في شيء.

و امرأة حسنة التّبعّل،إذا كانت مطاوعة لزوجها محبّة له.

و استبعل النّخل،إذا صار بعلا راسخ العروق في الماء،مستغنيا عن السّقي و عن إجراء الماء في نهر أو عاثور إليه.(2:413-415)

الصّاحب:بعل بعالة و بعولة،فهو بعل متبعّل بعل، و بعل بعلا:صار بعلا.

و يقال للمرأة:بعلة و بعل جميعا،و قد ابتعلت و تبعّلت:أطاعت زوجها،و هم البعولة و البعال.

و البعال:ملاعبة الرّجل أهله.

و لا نباعلكم،أي لا نزوّجكم،و لا نتزوّج إليكم.

و البعل:الأرض المرتفعة لا يعلوها الماء،و الجميع:

بعول.و الفحل من النّخل،و النّخلة الّتي اجتزأت أن تشرب الماء بعروقها أيضا،و قد استبعلت.و استبعل المكان:صار ذا بعل من النّخل.

و البعل أيضا:اسم صنم كان لقوم إلياس.

و البعل:الدّهش،و البطر جميعا.

و امرأة بعلة:لا تحسن لبس الثّياب.

و البعال:جبل بالقصيبة.(2:57)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ رجلا أتاه فقال:يا رسول اللّه،أبايعك على الجهاد،فقال:هل لك من بعل؟قال:نعم،قال:انطلق فجاهد،فإنّ لك فيه مجاهدا حسنا».

قوله:هل لك من بعل؟يريد هل بقي من أهلك من تلزمك طاعته،من والد أو والدة،أو من في معناهما، يقال:هذا بعل الدّار،و بعل الدّابّة،أي مالكها،و منه قيل لزوج المرأة:بعل.

و روي عن ابن عبّاس في قوله: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ قال:ربّا.الصّافّات:125.

قال ابن أبي روق:اختصم رجلان في ناقة،فمرّ ابن عبّاس عليهما،و أحدهما يقول:أنا و اللّه بعلها،أنا و اللّه بعلها.[إلى أن قال:]

و في«البعل»وجه آخر:و هو أن يقال:هل لك من بعل؟على وزن«وعل»يريد هل في أهلك من بعل،أي ضعف و عجز عن السّعي و العمل.[ثمّ نقل قول ابن الأعرابيّ و قال:]

و فيه لغة أخرى:بعل بفتح العين،فهو بعل.حكاها ابن السّكّيت عن يونس،قال:يقال:بعل الرّجل إذا صار بعلا يبعل.[ثمّ استشهد بشعر]

فالبعل على هذا معناه الكلّ من العيال،يقال:أصبح فلان بعلا على أهله،أي ثقلا عليهم و كلاّ.(1:606)

في حديث عروة أنّه قال:«قتل في بني عمرو بن عوف قتيل-يعني خطأ-فجعل عقله على بني عمرو بن عوف،فما زال وارثه و هو عمير بن فلان بعليّا حتّى

ص: 222

مات».

قوله:«بعليّا»روي تفسيره عن بعض رواة هذا الخبر أنّه الكثير المال.

قال:إذا علا النّاس بماله فهو البعليّ.

و لست أدري ما صحّة هذا،و لا أراه شيئا إلاّ أن يكون نسبه إلى بعل النّخل،يريد أنّه اقتنى نخلا كثيرا من بعل النّخل فنسب إليه،فقيل:بعليّ،كما يقال:نخليّ،إذا نسب إلى النّخل.

و البعل أيضا:الرّئيس،و البعل:المالك.و قد روينا فيما تقدّم أنّ رجلا خاصم آخر في ناقة،فقال:أنا و اللّه بعلها،أي مالكها؛فعلى هذا يكون قوله:«بعليّا»أي رئيسا متملّكا،و اللّه أعلم.

و فيه وجه آخر:هو أشبه بالكلام،و هو أن يكون بعلياء على وزن«فعلاء»من العلاء.قال الأصمعيّ:و هو مثل يقال:«ما زال منها بعلياء»يقال ذلك للرّجل يفعل الفعلة فيشرف بها،و يرتفع قدره.(3:45)

مثله المدينيّ.(1:175)

الجوهريّ: البعل:الزّوج،و الجمع:البعولة،و يقال للمرأة أيضا:بعل و بعلة،مثل زوج و زوجة.

و بعل الرّجل،أي صار بعلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:من بعل هذه النّاقة؟أي من ربّها و صاحبها؟.

و البعل:النّخل الّذي يشرب بعروقه فيستغني عن السّقي،يقال:قد استبعل النّخل.و في الحديث:

«ما شرب بعلا ففيه العشر».

و البعل:اسم صنم كان لقوم إلياس عليه السّلام.

و بعلبكّ:اسم بلد،و القول فيه كالقول في:

سامّ أبرص،و قد ذكرناه في باب الصّاد.

و بعل الرّجل بالكسر،أي دهش،و امرأة بعلة.

(4:1635)

ابن فارس: الباء و العين و اللاّم أصول ثلاثة:

فالأوّل:الصّاحب،يقال للزّوج:بعل.و كانوا يسمّون بعض الأصنام بعلا،و من ذلك البعال،و هو ملاعبة الرّجل أهله.و في الحديث في أيّام التّشريق:«إنّها أيّام التّشريق،إنّها أيّام أكل و شرب و بعال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الثّاني:جنس من الحيرة و الدّهش،يقال:

بعل الرّجل،إذا دهش.و لعلّ من هذا قولهم:امرأة بعلة، إذا كانت لا تحسن لبس الثّياب.

و الأصل الثّالث:البعل من الأرض:المرتفعة الّتي لا يصيبها المطر في السّنة،إلاّ مرّة واحدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّا يحمل على هذا الباب الثّالث«البعل»و هو ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء،و هو في قوله صلّى اللّه عليه و آله في صدقة النّخل:«ما شرب منه بعلا ففيه العشر».[ثمّ استشهد بشعر](1:264)

أبو هلال: الفرق بين البعل و الزّوج:أنّ الرّجل لا يكون بعلا للمرأة حتّى يدخل بها؛و ذلك أنّ البعال:

النّكاح و الملاعبة،و منه قوله عليه السّلام:«أيّام أكل و شرب و بعال».[ثمّ استشهد بشعر]

و أصل الكلمة القيام بالأمر،و منه يقال للنّخل إذا شرب بعروقه و لم يحتج إلى سقي:بعل،كأنّه يقوم بمصالح

ص: 223

نفسه.(234)

الهرويّ: البعولة:جمع البعل،و الرّجل بعل المرأة، و المرأة بعلته.و قد بعل يبعل بعلا،إذا صار بعلا.

و في حديث آخر:«أنّه قال صلّى اللّه عليه و سلّم:العجوة شفاء من السّمّ و نزل بعلها من الجنّة».

قال الأزهريّ: أراد ببعلها:فسيلها الرّاسخ عروقها في الماء،لا يسقى بنضح و لا غيره.

و في حديث الشّورى:«فقال عمر:قوموا فتشاوروا فمن بعل عليكم أمره فاقتلوه»،قال أبو حمزة:يعني من أبى.

و في موضع آخر:«من تأمّر عليكم من غير مشورة،أو بعل عليكم أمرا»أي خالفكم.

و في موضع آخر:«فإن بعل أحد على المسلمين» يريد تشتّت أمرهم،فقدّموه فاضربوا عنقه.

و في حديث الأحنف:«لمّا نزل به الهياطلة بعل بالأمر»يقال:بعل،و برق،و بقر،و بحر،بمعنى واحد،أي حار،و دهش،و فزع.(1:187)

ابن سيدة: البعل:الأرض المرتفعة الّتي لا يصيبها مطر إلاّ مرّة واحدة في السّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:البعل:كلّ شجر أو زرع لا يسقى.و قيل:

البعل:ما سقته السّماء،و قد استبعل الموضع.

و البعل من النّخل:ما شرب بعروقه من غير سقي و لا ماء سماء،و قيل:هو ما اكتفى بماء السّماء.

و به فسّر ابن دريد ما في كتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأكيدر بن عبد الملك«لكم الضّامنة من النّخل و لنا الضّاحية من البعل»الضّامنة:ما أطاف به سور المدينة،و الضّاحية:

ما كان خارجا.[ثمّ استشهد بشعر]

و البعل:ما أعطي من الإتاوة على سقي النّخل.[ثمّ استشهد بشعر]

و استبعل الموضع و النّخل:صار بعلا.

و البعل:الذّكر من النّخل.

و البعل:الزّوج،و الجمع:بعال و بعول و بعولة،قال سيبويه:ألحقوا الهاء لتأكيد التّأنيث.و الأنثى بعل و بعلة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بعل يبعل بعولة و هو بعل:صار بعلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و استبعل كبعل.

و تبعّلت المرأة:أطاعت بعلها،و تبعّلت له:تزيّنت.

و روي عن ابن عبّاس:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا أتى يوم الجمعة قال:يا عائشة اليوم يوم تبعّل و قران» يعني بالقران:التّزويج.

و باعلت المرأة:اتّخذت بعلا،و باعل القوم قوما آخرين مباعلة و بعالا:تزوّج بعضهم إلى بعض.

و بعل الشّيء:ربّه و مالكه.

و بعل و البعل جميعا:صنم،سمّي بذلك لعبادتهم إيّاه كأنّه ربّهم،و قوله جلّ و عزّ: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً الصّافّات:125،قيل:معناه تدعون ربّا،و قيل:هو صنم.

و بعل بأمره بعلا فهو بعل:برم فلم يدر كيف يصنع فيه.

و البعل:الدّهش عند الرّوع.

و بعل بعلا:فرق و دهش.

ص: 224

و امرأة بعلة:لا تحسن لبس الثّياب.

و باعله:جالسه.

و هو بعل على أهله،أي ثقل.

و بعل على الرّجل:أبى عليه،و في حديث الشّورى:

«فقال عمر:قوموا فتشاوروا فمن بعل عليكم أمركم فاقتلوه».(2:171)

الطّوسيّ: تقول:بعل يبعل بعولة و هو بعل، و قوله: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً أي ربّا،لأنّه بمعنى من سمّيتموه باستعلاء الرّبوبيّة تخرّصا،و قيل:إنّه صنم.

و البعل:النّخل يشرب بعروقه،لأنّه مستعل على شربه.

و بعل الرّجل بأمره،إذا ضاق به ذرعا،لأنّه علاه منه ما ضاق به صدره.

و بعل الرّجل:في معنى بطر،لأنّه استعلى معظّما و كبرا.

و امرأة بعلة:لا تحسن لبس الثّياب،لأنّ الحيرة تستعلي عليها،فتدهشها.

و بعل الرّجل يبعل بعلا،إذا دهش دهشا.(2:240)

نحوه الطّبرسيّ.(1:325)

و البعل:الزّوج،و أصله:القائم بالأمر،فيقولون للنّخل الّذي يستغني بماء السّماء عن سقي الأنهار و العيون:بعل،لأنّه قائم بالأمر في استغنائه عن تكلّف السّقي له.

و مالك الشّيء القيّم بتدبيره:بعل،و منه قوله تعالى: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً. (6:33)

نحوه الطّبرسيّ(3:178)،و الطّباطبائيّ(10:325) الرّاغب:البعل هو الذّكر من الزّوجين،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72،و جمعه:

بعولة،نحو فحل و فحولة،قال تعالى: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ البقرة:228.

و لمّا تصوّر من الرّجل الاستعلاء على المرأة،فجعل سائسها و القائم عليها،كما قال تعالى: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ النّساء:34،سمّي باسمه كلّ مستعل على غيره،فسمّى العرب معبودهم الّذي يتقرّبون به إلى اللّه بعلا،لاعتقادهم ذلك فيه،في نحو قوله تعالى: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ الصّافّات:125.

و يقال:أتانا بعل هذه الدّابّة،أي المستعلي عليها.

و قيل:للأرض المستعلية على غيرها:بعل،و لفحل النّخل:بعل،تشبيها بالبعل من الرّجال،و لما عظم حتّى يشرب بعروقه:بعل،لاستعلائه،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«فيما سقي بعلا العشر».

و لمّا كانت وطأة العالي على المستولي عليه مستثقلة في النّفس،قيل:أصبح فلان بعلا على أهله،أي ثقيلا لعلوّه عليهم:و بني من لفظ البعل:المباعلة،و البعال، كناية عن الجماع.

و بعل الرّجل يبعل بعولة و استبعل فهو بعل و مستبعل،إذا صار بعلا و استبعل النّخل:عظم.

و تصوّر من البعل الّذي هو النّخل قيامه في مكانه، فقيل:بعل فلان بأمره،إذا أدهش و ثبت مكانه ثبوت النّخل في مقرّه؛و ذلك كقولهم:ما هو إلاّ شجر فيمن لا يبرح.(54)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ما سقي منها بعلا ففيه

ص: 225

العشر»البعل:النّخل النّابت في أرض تقرب مادّة مائها، فهو يجتزئ بذلك عن المطر و السّقي.[ثمّ استشهد بشعر]

ابن مسعود رضي اللّه عنه:«ما مصلّى لامرأة أفضل من أشدّ مكان في بيتها ظلمة إلاّ امرأة قد يئست من البعولة فهي في منقليها (1)».هي جمع بعل،و التّاء لتأنيث الجمع،كالسّهولة و الحزونة.و يجوز أن يكون مصدرا، يقال:بعّلت المرأة بعولة،أي صارت ذات بعل.

(الفائق 1:118)

عروة رضي اللّه عنه قال:«قتل في بني عمرو بن عوف قتيل،فجعل عقله على بني عمرو بن عوف، فما زال وارثه و هو عمير بن فلان بعليّا حتّى مات».

هو منسوب إلى البعل من النّخل،و قد سبق تفسيره، و المراد ما زال غنيّا ذا نخل كثير.و يجوز أن يكون بمعنى «البعل»و هو المالك،من قولهم:هو بعل هذه النّاقة، و الياء ملحقة للمبالغة،مثلها في أحمريّ و دوّاريّ،أي كثير الأملاك و القنية.

و قيل:يشبه أن يكون بعلياء،من قول العرب في أمثالها:«ما زال منها بعلياء»يضرب لمن يفعل فعلة تكسبه شرفا و مجدا،و مثله قولهم:ما زال بعدها ينظر في خير.(الفائق 1:120)

الأحنف رضي اللّه عنه:«إنّ الهياطلة لمّا نزلت به بعل بالأمر».هم قوم من الهند.

بعل بالأمر،أي عيي به،فلم يدر كيف يصنع.

(الفائق 4:107)

«النّساء ما يعولهنّ،إلاّ بعولهنّ».و بعل فلان بعولة حسنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة حسنة التّبعّل،و هو يباعل أهله،أي يلاعبها،و بينهما مباعلة و ملاعبة،و هما يتباعلان،و هم يتباعلون.«و هذه أيّام أكل و شرب و بعال».

و بعل بالأمر،إذا عيّ به.و امرأة بعلة:لا تحسن اللّبس.

و من المجاز:هذا بعل النّخل،لفحلها.و من بعل هذه الدّابّة؟لربّها.(أساس البلاغة:26)

الفخر الرّازيّ: في البعولة قولان:

أحدهما:أنّه جمع بعل،كالفحولة و الذّكورة، و الجدودة و العمومة.و هذه الهاء زائدة مؤكّدة لتأنيث الجماعة،و لا يجوز إدخالها في كلّ جمع،بل فيما رواه أهل اللّغة عن العرب،فلا يقال في كعب:كعوبة،و لا في كلب:

كلابة.

و اعلم أنّ اسم«البعل»ممّا يشترك فيه الزّوجان، فيقال للمرأة:بعلة كما يقال لها:زوجة،في كثير من اللّغات،و زوج في أفصح اللّغات،فهما بعلان،كما أنّهما زوجان.

و أصل البعل:السّيّد المالك فيما قيل،يقال:من بعل هذه النّاقة؟كما يقال:من ربّها؟

و بعل:اسم صنم كانوا يتّخذونه ربّا،و قد كان النّساء يدعون أزواجهنّ بالسّؤدد.

القول الثّاني:أنّ البعولة مصدر،يقال:بعل الرّجل يبعل بعولة،إذا صار بعلا.و باعل الرّجل امرأته،إذاز.

ص: 226


1- ثمّ قال:المنقل:الخفّ...أي هي لابسة خفّيها لخروجها من البيت،و تردّدها في الحوائج،و المعنى كراهة الصّلاة في المسجد للشّوابّ،و التّرخيص فيها للعجائز.

جامعها،و في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال في أيّام التّشريق:«إنّها أيّام أكل و شرب و بعال».

و امرأة حسنة البعل،إذا كانت تحسن عشرة زوجها،و منه الحديث:«إذا أحسنتنّ تبعّل أزواجكنّ».

(6:99)

نحوه القرطبيّ(3:119)،و النّيسابوريّ(2:263)

ابن الأثير: في حديث الإيمان:«و أن تلد الأمة بعلها»المراد بالبعل هاهنا المالك،يعني كثرة السّبي و التّسرّي،فإذا استولد المسلم جارية كان ولدها بمنزلة ربّها.(1:141)

الصّغانيّ: بعل:إذا فزع من أعدائه فحمل عليهم فقاتلهم،و إذا ألقى سلاحه و هرب.(الأضداد:224)

الفيّوميّ: البعل:الزّوج،يقال:بعل يبعل،من باب «قتل»بعولة،إذا تزوّج،و المرأة بعل أيضا،و قد يقال فيها:بعلة بالهاء،كما يقال:زوجة،تحقيقا للتّأنيث، و الجمع:البعولة،قال تعالى: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ البقرة:228.(1:55)

الفيروزآباديّ: البعل:الأرض المرتفعة،تمطر في السّنة مرّة،و كلّ نخل و شجر و زرع لا يسقى،أو ما سقته السّماء،و قد استبعل المكان،و ما أعطي من الإتاوة على سقي النّخل،و الذّكر من النّخل،و صنم كان لقوم إلياس عليه السّلام،و ملك من الملوك،و ربّ الشّيء و مالكه، و الثّقل،و الزّوج.جمعه:بعال و بعولة و بعول،و الأنثى:

بعل و بعلة.

و بعل كمنع بعولة:صار بعلا،كاستبعل،و عليه:أبى.

و تبعّلت:أطاعت بعلها،أو تزّيّنت له.

و البعال:الجماع،و ملاعبة الرّجل أهله،كالتّباعل و المباعلة.

و باعلت:اتّخذت بعلا،و القوم قوما،تزوّج بعضهم إلى بعض،و فلان فلانا:جالسه.

و بعل بأمره كفرح:دهش و فرق و برم،فلم يدر ما يصنع فهو بعل،و البعلة كفرحة:الّتي لا تحسن لبس الثّياب.(3:346)

الطّريحيّ: في الحديث:«جهاد المرأة حسن التّبعّل»التّبعّل:حسن العشرة،و حسن صحبة المرأة مع بعلها.

و البعال:النّكاح،و ملاعبة الرّجل امرأته«فعال» من البعل،و هو الزّوج،و منه حديث أيّام التّشريق:

«أيّام أكل و شرب و بعال»أي نكاح.

يقال:بعل يبعل بعلا من باب«قتل»بعولة،إذا تزوّج.

و المباعلة:المباشرة.

و البعل كالتّبعّل:حسن العشرة.و يستعار البعل للنّخل،و هو ما يشرب بعروقه من الأرض،فاستغنى عن السّقي.(5:322)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بعل المرأة:زوجها، و الجمع:بعولة،و يقال للمرأة أيضا:بعل و بعلة.

و البعل:الرّبّ و السّيّد،و بهذا المعنى استعملها عبدة الأصنام.

بعل:اسم صنم عبده قوم إلياس.(1:74)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو ما كان قائما بنفسه،و له جهة علوّ و استغناء

ص: 227

و سيادة.و هذا المعنى تختلف مصاديقه باختلاف الموارد:

فبعل المرأة:زوجها،و بعل النّخل:ما كان مستغنيا عن السّقي،و البعل لبعض الطّوائف:هو صنمهم،و بعل الشّيء:مالكه و صاحبه،و بعل الأمكنة:ما كان مرتفعا مستغنيا عن المطر.فالقيود المنظورة في مفهوم المادّة ملحوظة في جميع تلك الموارد.

و أمّا الضّجر و الدّهش فلعلّه من آثار المفهوم،فإنّ السّيّد كثيرا ما يكون له مسئوليّة و يتوجّه إليه وظائف مخصوصة ليست لغيره،فقد يبرم و ينضجر و يدهش في قبال هذه الوظائف و مسئوليّته.(1:286)

النّصوص التّفسيريّة

بعلا

أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ.

الصّافّات:125

ابن عبّاس: يعني ربّا،بلغة حمير.

(اللّغات في القرآن:40)

صنما.(القرطبيّ 15:116)

لم أدر ما«البعل»في القرآن حتّى رأيت أعرابيّا، فقلت:لمن هذه النّاقة؟فقال:أنا بعلها،أي ربّها.

(ابن دريد 1:314)

مجاهد :يعني ربّا.(2:545)

أ تدعون إلها سوى اللّه.(الهرويّ 1:187)

مثله عكرمة.(الطّبريّ 23:91)

و البعل بلغة أهل اليمن،هو الرّبّ و السّيّد.

مثله عكرمة،و قتادة،و السّدّيّ.

(الطّبرسيّ 4:457)

عكرمة: يقول:أ تدعون ربّا؟و هي لغة أهل اليمن، تقول:من بعل هذا الثّور؟أي من ربّه؟

(الطّبريّ 23:92)

الضّحّاك: المراد بالبعل هاهنا:صنم،كانوا يعبدونه.

مثله الحسن،و ابن زيد.(الطّوسيّ 8:524)

و مثله عطاء.(الطّبرسيّ 4:457)

قتادة: هذه لغة باليمانيّة:أ تدعون ربّا دون اللّه؟

(الطّبريّ 23:92)

يعني ربّا،و هي لغة أزدشنوءة.(ابن كثير 6:33)

مثله مقاتل.(الماورديّ 5:64)

مقاتل: صنم،كسّره إلياس،و هرب منهم.

(القرطبيّ 15:117)

ابن إسحاق: امرأة كانوا يعبدونها.

(القرطبيّ 15:117)

مثله ابن شجرة.(الماورديّ 5:64)

ابن زيد: بعل:صنم كانوا يعبدون،كانوا ببعلبكّ، و هي وراء دمشق،و كان بها البعل الّذي كانوا يعبدون.

(الطّبريّ 23:92)

نحوه البغويّ.(4:513)

الفرّاء: ذكروا أنّه كان صنما من ذهب يسمّى بعلا، فقال: أَ تَدْعُونَ بَعْلاً أي هذا الصّنم ربّا.و يقال:

أ تدعون بعلا ربّا سوى اللّه؟(2:392)

نحوه الأزهريّ.(2:412)

ابن قتيبة: أي ربّا،يقال:أنا بعل هذه النّاقة،أي

ص: 228

ربّها،و بعل الدّار،أي مالكها.و يقال:بعل صنم كان لهم.

(374)

ثعلب :اختلف النّاس في قوله عزّ و جلّ:(بعلا)، فقالت طائفة:البعل هاهنا:الصّنم.و قالت طائفة:البعل هاهنا:ملك.و قال ابن إسحاق:امرأة كانوا يعبدونها، و الأوّل أكثر.(القرطبيّ 15:117)

كراع النّمل:صنم كان لقوم يونس عليه السّلام.

(ابن سيدة 2:173)

الطّبريّ: [اكتفى بذكر الأقوال و بعض معاني الرّبّ في اللّغة](23:92)

القمّيّ: كان لهم صنم يسمّونه بعلا،و سأل رجل أعرابيّا عن ناقة واقفه فقال:لمن هذه النّاقة؟فقال الأعرابيّ:أنا بعلها،و سمّي الرّبّ بعلا.(2:226)

النّحّاس: يقال:هذا بعل الدّار،أي ربّها،فالمعنى أ تدعون ربّا اختلقتموه،و تذرون أحسن الخالقين؟

و أصل هذا أنّه يقال لكلّ ما علا و ارتفع:بعل،و منه قيل:بعل المرأة،و منه قيل لما شرب بماء السّماء:

بعل.(6:55)

ابن فارس: كلّ ما في القرآن من البعل فهو الزّوج إلاّ أَ تَدْعُونَ بَعْلاً فهو الصّنم.(السّيوطيّ 2:156)

الطّوسيّ: و البعل في لغة أهل اليمن هو الرّبّ، يقولون:من بعل هذا الثّوب؟أي من ربّه،يقولون:هو بعل هذه الدّابّة،أي ربّها،كما يقولون:ربّ الدّار و ربّ الفرس.و زوج المرأة:بعلها،و النّخل و الزّرع إذا استقى بماء السّماء فهو بعل،و هو العذي،خلاف السّقي.

و الأصل في الرّبّ:المالك،فالزّوج ربّ البضع،لأنّه مالكه.

و معنى الآية:أ تدعون بالإلهيّة صنما عادلين عن أحسن الخالقين؟و هذا إنكار عليهم أن يعتقدوا أنّ غير اللّه إله،أو يقولون لغيره:يا إلهي.(8:524)

الميبديّ: و هو اسم الصّنم الّذي كانوا يعبدونه، و كان صنما من ذهب،طوله عشرون ذراعا،في عينيه ياقوتتان كبيرتان.

و قيل:هو اسم امرأة عبدها قوم.

و قيل:هو تنّين عبده أهل ذلك الزّمان.

و المعنى:أ تدعون بعلا إلها و تعرضون عن أحسن الخالقين؟(8:296)

[بعد بيان معنى البعولة قال:]

أمّا بعل قوم إلياس فهو اسم صنم،و به سمّي بعلبكّ، و يقال:اسم مطبخ سليمان و منزل إلياس.(6:519)

الفخر الرّازيّ: في«بعل»قولان:

أحدهما:أنّه اسم علم لصنم كان لهم،كمناة و هبل.

و قيل:كان من ذهب،و كان طوله عشرين ذراعا،و له أربعة أوجه،و فتنوا به و عظّموه،حتّى عيّنوا له أربعمائة سادن،و جعلوهم أنبياء.و كان الشّيطان يدخل في جوف بعل و يتكلّم بشريعة الضّلالة،و السّدنة يحفظونها و يعلّمونها النّاس،و هم أهل بعلبكّ،من بلاد الشّام،و به سمّيت مدينتهم بعلبكّ.

و اعلم أنّ قولهم:بعل اسم صنم من أصنامهم،لا بأس به.و أمّا قولهم:إنّ الشّيطان كان يدخل في جوف بعل و يتكلّم بشريعة الضّلالة،فهذا مشكل،لأنّا إن جوّزنا هذا كان ذلك قادحا في كثير من المعجزات،لأنّه

ص: 229

نقل في معجزات النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كلام الذّئب معه،و كلام الجمل معه،و حنين الجذع،و لو جوّزنا أن يدخل الشّيطان في جوف جسم و يتكلّم،فحينئذ يكون هذا الاحتمال قائما في الذّئب و الجمل و الجذع،و ذلك يقدح في كون هذه الأشياء معجزات.

القول الثّاني:أنّ«البعل»هو الرّبّ بلغة اليمن،يقال:

من بعل هذه الدّار؟أي من ربّها؟و سمّي الزّوج بعلا لهذا المعنى،قال تعالى: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ البقرة:

228،و قال تعالى: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72، فعلى هذا التّقدير:المعنى أ تعبدون بعض البعول و تتركون عبادة اللّه؟(26:161)

نحوه القرطبيّ(15:116)،و النّسفيّ(4:28)، و النّيسابوريّ(23:66)،و أبو السّعود(5:337)، و البروسويّ(7:481)،و الآلوسيّ(23:139)، و خليل ياسين(2:150).

البيضاويّ: و هو اسم صنم كان لأهل بكّ من الشّام؟و هو البلد الّذي يقال له الآن:بعلبكّ.و قيل:

البعل:الرّبّ،بلغة اليمن.(2:299)

نحوه أبو رزق.(1:112)

أبو حيّان: [ذكر نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قالت فرقة:إنّ(بعلا)اسم امرأة أتتهم بضلالة فاتّبعوها.

و قرئ (أ تدعون بعلاء) بالمدّ على وزن حمراء.

و يؤنس هذه القراءة قول من قال:إنّه اسم امرأة.

(7:373)

الطّريحيّ: بعل بالفتح فالسّكون:اسم صنم،كان لقوم إلياس عليه السّلام.(5:322)

العامليّ: و البعل:اسم صنم،و سيأتي في الأصنام تأويلها و تأويل ما هو عبارة عنها كاللاّت و نحوه،بأعداء الأئمّة و رؤسائهم من أئمّة الضّلال،فهكذا هنا أيضا.

و أمّا سائر ما ورد من«البعل»بمعنى الزّوج مفردا، و جمعا،فلا يناسب هذا التّأويل،اللّهمّ إلاّ أن يؤول في بعض المواضع بما يدلّ على تأويل الذّكر-كما سيأتي فيه-لتناسب مدلولهما،لكن لا يخلو عن بعد،بل يحتاج إلى غاية التّكلّف،فلا تغفل.(101)

القاسميّ: و هو صنم من أصنام الفنيقيّين،أقاموا له و لغيره من الأوثان معابد و مذابح و كهنة،يعظّمون من شأنهم و يقيمون لهم المآدب و الأعياد الحافلة،و يقدّمون لهم ضحايا بشريّة.(14:5059)

المصطفويّ: [بعد بيان معنى البعل في اللّغة و ذكر الآية قال:]

لعلّ مراده مطلق مفهوم البعل:من المالك، و الصّاحب،و المتموّل،و السّلطان،و غيرهم،أو الصّنم فقط.

و يمكن أن تكون جملة وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ قرينة على إرادة مطلق المفهوم،فإنّ المحجوبين من النّاس يتوجّهون إلى كلّ ما كان مؤثّرا في الظّاهر،في تدبير أمورهم،و إصلاح معاشهم،و تأمين حياتهم،و جلب المنافع إليهم.(1:287)

بعلى

قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. هود:72

ص: 230

قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. هود:72

الطّبريّ: و البعل في هذا الموضع:الزّوج،و سمّي بذلك،لأنّه قيّم أمرها،كما سمّوا مالك الشّيء بعله،و كما قالوا للنّخل الّتي تستغني بماء السّماء عن سقي ماء الأنهار و العيون:البعل،لأنّ مالك الشّيء القيّم به،و النّخل البعل:بماء السّماء حياته.(12:77)

الماورديّ: و البعل هو الزّوج في هذا الموضع، و منه قوله تعالى: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ..

البقرة:228.[إلى أن قال:]

فسمّي الزّوج بعلا لتطاوله على الزّوجة،كتطاول السّيّد على المسود.(2:486)

البيضاويّ: زوجي،و أصله القائم بالأمر.

(1:475)

مثله أبو السّعود(3:333)،و البروسويّ(4:163).

الخازن: يعني زوجي،و البعل هو المستعلي على غيره،و لمّا كان زوج المرأة مستعليا عليها قائما بأمرها، سمّي بعلا لذلك.(3:198)

الشّربينيّ: أي زوجي،سمّي بذلك لأنّه قيّم أمرها و قولها.(2:69)

نحوه الآلوسيّ.(12:100)

بعولتهنّ

...وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً... البقرة:228

أبو عبيدة: الأزواج،واحدها:بعل.(1:74)

الطّبريّ: و البعولة:جمع بعل،و هو الزّوج للمرأة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يجمع البعل:البعولة و البعول،كما يجمع الفحل:

الفحول و الفحولة،و الذّكر:الذّكور و الذّكورة،و كذلك ما كان على مثال«فعول»من الجمع فإنّ العرب كثيرا ما تدخل فيه الهاء.فأمّا ما كان منها على مثال«فعال» فقليل في كلامهم دخول الهاء فيه،و قد حكي عنهم العظام و العظامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل:الحجارة و الحجار،و المهارة و المهار، و الذّكارة و الذّكار:للذّكور.(2:451)

نحوه الزّجّاج.(1:306)

الماورديّ: البعل:الزّوج،سمّي بذلك لعلوّه على الزّوجة بما قد ملكه عن زوجيّتها،و منه قوله تعالى:

أَ تَدْعُونَ بَعْلاً الصّافّات:125،أي ربّا،لعلّوه بالرّبوبيّة.(1:292)

نحوه الخازن.(1:190)

الطّوسيّ: يعني أزواجهنّ أحقّ برجعتهنّ،و ذلك يختصّ بالرّجعيّات،و إن كان أوّل الآية عامّا في جميع المطلّقات الرّجعيّة و البائنة.و سمّي الزّوج بعلا،لأنّه عال على المرأة بملكه لزوجيّتها.(2:240)

الميبديّ: بعولة:جمع:بعل،مثل ذكورة و فعولة و عمومة و خئولة.يقال للزّوج:بعل،و للزّوجة:بعلة، و اشتقاقه من المباعلة،و المباعلة:المجامعة.(1:610)

الزّمخشريّ: و البعولة:جمع:بعل،و التّاء لاحقة لتأنيث الجمع،كما في الحزونة و السّهولة.و يجوز أن يراد بالبعولة المصدر من قولك:«بعل حسن البعولة».يعني و أهل بعولتهنّ.(1:366)

ص: 231

نحوه النّسفيّ(1:114)،و البيضاويّ(1:120)، و الشّربينيّ(1:147)،و أبو السّعود(1:271).

ابن عطيّة: البعل:الزّوج،و جمعه على«بعولة» شاذّ لا ينقاس،لكن هو المسموع.

و قال قوم:الهاء فيه دالّة على تأنيث الجماعة، و قيل:هي هاء تأنيث دخلت على بعول،و بعول لا شذوذ فيه.(1:305)

أبو حيّان: قرأ مسلمة بن محارب (و بعولتهنّ) بسكون التّاء،فرارا من ثقل توالي الحركات،و هو مثل ما حكى أبو زيد(و رسلنا)بسكون اللاّم.

و ذكر أبو عمرو أنّ لغة تميم تسكين المرفوع من «يعلمهم»و نحوه،و سمّاهم بعولة باعتبار ما كانوا عليه، أو لأنّ الرّجعيّة زوجة على ما ذهب إليه بعضهم،و المعنى أنّ الأزواج أحقّ لمراجعتهنّ.(2:188)

البروسويّ: (و بعولتهنّ)جمع بعل،و البعلة:المرأة، و أصل البعل:السّيّد و المالك،سمّي الزّوج بعلا لقيامه بأمر زوجته،كأنّه مالك لها و ربّ.و التّاء في«البعولة» لتأنيث الجمع،فإنّ الجمع لكونه بمعنى الجماعة في حكم المؤنّث،و التّاء زائدة لتأكيد التّأنيث.

و دلّت تسمية الزّوج بعلا بعد طلاقها الصّريح على أنّ النّكاح قائم و الحلّ ثابت.و الضّمير لبعض أفراد المطلّقات لأنّ(هنّ)عامّ شامل للمطلّقة بالطّلاق الرّجعيّ و البائن،و لا حقّ لأزواج المطلّقات البوائن في النّكاح و الرّجعة.(1:354)

الآلوسيّ: البعل:النّخل الشّارب بعروقه،عبّر به عن الزّوج لإقامته على الزّوجة للمعنى المخصوص.

و قيل:باعلها:جامعها،و بعل الرّجل،إذا دهش فأقام،كأنّه النّخل الّذي لا يبرح.

ففي اختيار لفظ«البعولة»إشارة إلى أنّ أصل الرّجعة بالمجامعة.

و جوّز أن يكون«البعولة»مصدرا نعت به،من قولك:«بعل حسن البعولة»أي العشرة مع الزّوجة،أو أقيم مقام المضاف المحذوف،أي و أهل بعولتهنّ.

(2:134)

الطّباطبائيّ: البعولة:جمع البعل،و هو الذّكر من الزّوجين ما داما زوجين،و قد استشعر منه معنى الاستعلاء و القوّة و الثّبات في الشّدائد،لما أنّ الرّجل كذلك بالنّسبة إلى المرأة.

ثمّ جعل أصلا يشتقّ منه الألفاظ بهذا المعنى،فقيل لراكب الدّابّة:بعلها،و للأرض المستعلية:بعل،و للصّنم:

بعل،و للنّخل إذا عظم:بعل،و نحو ذلك.

و الضّمير في(بعولتهنّ)للمطلّقات،إلاّ أنّ الحكم خاصّ بالرّجعيّات دون مطلق المطلّقات،الأعمّ منها و من البائنات.(2:231)

حسنين مخلوف: أي أزواجهنّ أولى برجعتهنّ إليهم في حال العدّة.جمع بعل،و هو الذّكر من الزّوجين، يقال:بعل الرّجل يبعل بعولة،إذا صار زوجا.(75)

الحجازيّ: جمع بعل،المراد به الزّوج الّذي طلّق.

(2:49)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البعل،و هو الأرض

ص: 232

المرتفعة الّتي لا يصيبها سيح و لا سيل،و البعل و هو الحيرة و الدّهش،و فيه معنى الاستعلاء أيضا،كما ذهب إليه الطّوسيّ.

و حمل على الأوّل النّخل الّذي يسقى بالمطر،ثمّ عمّم في كلّ شجر أو زرع لا يسقى إلاّ بالمطر،أو يشرب بعروقه من الأرض،يقال:استبعل الموضع،أي صار بعلا فاستغنى عن السّقي،و استبعل النّخل أيضا:صار بعلا راسخ العروق في الماء،مستغنيا عن السّقي و عن إجراء الماء عليه.

و أطلق«البعل»أيضا على الرّبّ و الرّئيس و المالك و الزّوج تشبيها بالأرض المرتفعة،يقال:من بعل هذه النّاقة؟أي من ربّها و صاحبها؟و رجل بعليّ:علا النّاس بماله.

و بعل الرّجل يبعل بعلا،و استبعل أيضا:صار زوجا للمرأة،فهو بعل مستبعل،و هي بعل و بعلة،مثل:زوج و زوجة.و باعل القوم قوما آخرين بعالا و مباعلة:

تزوّج بعضهم إلى بعض.و كذا باعلت المرأة،إذا اتّخذت بعلا،و امرأة مستبعل:محظيّة عند زوجها،و تبعّلت المرأة:أطاعت زوجها،يقال:امرأة حسنة التّبعّل.

و منه:باعل الرّجل أهله بعالا و مباعلة:لاعبها، و هي تباعله أيضا،و البعال و المباعلة:المجالسة و المباشرة.فهذه كلّها متفرّعة عن معنى الاستعلاء و قد جعل الطّباطبائيّ-كما سبق-أصله:الزّوج دون الأرض المرتفعة كما اخترناه،و هو محتمل.

و أمّا البعل بمعنى«الكلّ»فهو ضدّ الاستغناء و الرّفعة،و هذا يعني أنّ هذا الأصل من الأضداد،يقال:

هو بعل على أهله،أي ثقل عليهم،و صار فلان بعلا على قومه:ثقلا و عيالا.

و يحمل عليه البعل بمعنى الذّكر من النّخل،لأنّه كلّ أيضا؛إذ يشرب الماء و لا يثمر،كذكر النّحل يأكل العسل و لا ينتج.و يحتمل أن يكون على أصله و هو الرّفعة، و ليس ضدّا،لأنّ الكلّ ثقيل يعلو عاتق غيره في إمرار معاشه.

و من البعل:بعل الرّجل يبعل بعلا:دهش عند الرّوع،فهو بعل.و بعل بأمره بعلا:برم و ضجر فلم يدر كيف يصنع فيه،فهو بعل.و منه أيضا:امرأة بعلة:

لا تحسن لبس الثّياب،لأنّ الحيرة-كما قال الطّوسيّ- تستعلي عليها فتدهشها؛و بهذا يتّحد المعنيان،فإنّ الدّهشة تعلو الإنسان عند الرّوع.

2-و قال الخليل وحده:«بعل يبعل بعلا و بعولة»، فقد جعل«البعولة»مصدرا،إلاّ أنّ سيبويه نقل عنه قولا يدلّ على أنّه قال:بأنّه جمع أيضا،فقال في باب جمع التّكسير من«الكتاب» (1):«و قد يكسّر-أي فعل- على فعولة و فعالة،فيلحقون هاء التّأنيث البناء،و هو القياس أن يكسّر عليه،و زعم الخليل أنّهم إنّما أرادوا أن يلحقوا التّأنيث،و ذلك نحو:الفحالة و البعولة و العمومة».و هذا يعني أنّ الخليل كان متردّدا فيه بين الجمع و المصدر،كما تردّد من جاء بعده كالصّاحب و الزّمخشريّ و ابن الأثير و الفيّوميّ،و غيرهم.

و لقد عدّه سائر اللّغويّين جمع«بعل»فحسب،و هو الصّواب،لأنّ وزن«فعول»يطّرد في كلّ اسم على8.

ص: 233


1- 3:568.

«فعل»مثل:كعب و كعوب،و فلس و فلوس،غير أنّ اتّصال الهاء بهذا الوزن قليل في السّماع،كما أشار إليه سيبويه بقوله:«و قد يكسّر على فعولة».

كما لا يجوز قياسا أن يجعل«فعولة»مصدرا لفعل على وزن«فعل»كبعل،بل يطّرد ذلك في ما جاء على «فعل»،مثل:سهل سهولة،و صعب صعوبة،و عذب عذوبة.

3-أمّا معبود الفينيقيّين و الكنعانيّين ثمّ الإسرائيليّين في فترة محدودة،فهو اسم علم لامرأة عبدها هؤلاء،و لعلّها عشتروت إلهة الحبّ و الخصب، و هي الزّهرة أو القمر عندهم.أو اسم ملك،و لعلّه«بعل أو تسور»ابن أحيرام،ملك مدينة صور.أو اسم صنم كانوا يعبدونه،و أطلقوا اسمه على المدن الّتي انتشرت فيها عبادته،مثل:بعل بكّ-و لا يزال فيها بقايا معبد عظيم-و بعل معون،و بعل شليشه و غيرها.

4-و قد قطع اللّغويّون و المفسّرون قاطبة بكونه لفظا عربيّا،و لكنّ من تكلّم فيه من المستشرقين انشعبوا فيه فريقين:أحدهما يذهب إلى أنّه عربيّ المنشأ،و الثّاني يقول بأعجميّته،و من الفريق الأخير من صرّح بكونه سريانيّا أو حبشيّا.

5-بيد أنّ ما بين أيدينا من النّصوص و الشّواهد لا يسعفنا بالبتّ في مهد هذا اللّفظ و منشئه؛إذ كان مستعملا في أغلب اللّغات السّاميّة،إلاّ أنّه جاء ساكن العين في العربيّة و محرّكا في سائر أخواتها.

و قد عزا ابن عبّاس و الرّعيل الأوّل من التّابعين هذا اللّفظ إلى سكّان اليمن،و يعضد قولهم هذا ما اكتشف من الآثار التّاريخيّة حديثا؛إذ عثر خلال التّنقيب هناك على ألواح و كتابات تنبئ عن استعمال هذا اللّفظ و شيوعه منذ القدم عند عرب الجنوب.

6-و نرى هذا اللّفظ علما منقولا من مصدر:بعل يبعل بعلا،أي ساد و ملك،و هذا المعنى-أي السّيّد و المالك-معروف في سائر اللّغات السّاميّة كالعبريّة و السّريانيّة،ثمّ أطلقه الفينيقيّون و الكنعانيّون على معبودهم.

و قد عرفه العبريّون في التّاريخ بأنّه إله الكنعانيّين، و لعلّ أقدم نصّ في اللّغة العبريّة يضمّ لفظ«البعل» ما جاء في التّوراة:«فقال موسى لقضاة إسرائيل:اقتلوا كلّ من تعلّق ببعل فغور»العدد 25:5،و في سفر التّثنية (4:3)بلسان موسى:«أعينكم قد أبصرت ما فعله الرّبّ ببعل فغور،إنّ كلّ من تبع بعل فغور أباده الرّبّ إلهكم من بينكم».كما ورد لفظ«البعل»في سفري الملوك الأوّل(18:17-40)و إرميا(9:5)من العهد القديم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«بعل»أو«بعولة»في الآيات التّالية:

1- وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما النّساء:128

2- قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72

3- وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً البقرة:228

4- وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ النّور:31

ص: 234

4- وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ النّور:31

5- أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ

الصّافّات:125

يلاحظ أوّلا:أنّ المراد بالبعل في الآيات الأربع الأولى زوج المرأة،و يعني به النّاشز أو المعرض عن زوجته،في الآية(1)،و إبراهيم الخليل عليه السّلام في(2)، و أزواج المطلّقات طلاقا رجعيّا في(3)،و أزواج المؤمنات في(4).

ثانيا:جاء في القرآن ما يعني الزّوج أيضا،و لكنّ المراد به المرأة دون الرّجل:

أ-الحلائل جمع حليلة: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ النّساء:23

ب-الصّاحبة: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ

المعارج:11،12

كما جاء لفظ«الزّوج»في القرآن و المراد به الرّجل و المرأة معا:

أ-الرّجل: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ البقرة:230

ب-المرأة: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ الأنبياء:90

ثالثا:جاء(بعولتهنّ)أربع مرّات:مرّة في(3)، و ثلاث مرّات في(4)،و المراد به:الأزواج،فهي جمع و ليست مصدرا،كما عليه جمهور اللّغويّين و المفسّرين.

و جاء(ازواجهنّ)جمع زوج-و هو الرّجل-مرّة واحدة في القرآن وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ البقرة:232،و هذه نظير الآية(3)،إذ كلتا الآيتين تتعرّض لردّ النّساء إلى الرّجال في الطّلاق الرّجعيّ دون البائن.

إلاّ أنّ آية«الأزواج»تعيّن الرّدّ بعد العدّة،أمّا آية «البعولة»فلا تعيّن ذلك،أ هو قبل العدّة-و هو الأظهر- أم بعدها؟و هذا يعني أنّ«البعل»أخصّ بالمرأة من «الزّوج»فلا يطلق على الرّجل إلاّ في حال النّكاح كما في (4)،أو في العدّة كما في(3)على الأظهر.أمّا«الزّوج» فيطلق عليه ذلك و لو بعد العدّة،هذا مع أنّ«الزّوج» يطلق على القرين أيضا.

رابعا:لقد كرّر(بعولتهنّ)في(4)ثلاث مرّات تأكيدا لإبداء الزّينة لهم،أو من له قرابة من النّساء بواسطتهم.

خامسا:أنّ«بعل»في الآية الأخيرة يراد به المعبود على الأشهر،و جاء نكرة لكونه علما،أو إمعانا في تحقيره و الإزراء به؛إذ كان قوم إلياس يعظّمونه و يبجّلونه،فأنكر عليهم إلياس ذلك،و نهاهم عن الإعراض عن اللّه الّذي خلقهم و خلق آباءهم،فهو حريّ بالعبادة دون سواه.

أو لعلّه جاء نكرة مضاهاة للفظ(الها)في قوله تعالى:

وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ الأعراف:138،و هذا رمز إلى أنّ(الها)في هذه الآية يعني(بعلا)بعينه في سورة الصّافّات،لأنّ موسى حينما قدم بقومه من مصر و دخل أرض الشّام،مرّ بقرى الكنعانيّين الوثنيّين الّذين كانوا

ص: 235

يعكفون على عبادة«بعل»،فتاقت نفوس بني إسرائيل إلى عبادة«بعل»،فقالوا لموسى:اجعل لنا بعلا كما لهم بعال.

سادسا:صرّح باسم معبود قوم إلياس و لم يبهمه هنا بلفظ«إله»أو«آلهة»و غيرهما،لأنّه قد اشتهر أمره بين بني إسرائيل في ذلك الحين،و ليجعله نظيرا لآلهة أهل مكّة من الأصنام كاللاّت و العزّى و مناة المذكورة في القرآن،و لا سيّما أنّ هذه السّورة هي محاججة بين النّبيّ و قومه،كما كانت سورة نوح عبرة و موعظة لهم،فذكر فيها أصنام قوم نوح،و هي:ودّ و سواع و يغوث و يعوق و نسر،و هي كالصّافّات مكّيّة.و كذا كلّ سورة ذكر فيها اسم صنم أو لفظ«آلهة»أو«أصنام»أو«أوثان»،إلاّ قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الحجّ:30،فهو مدنيّ.

و لكن لا يبعد أن يكون مكّيّا أيضا،فقد أجمع المفسّرون قاطبة على أنّ سورة الحجّ مختلطة،فيها المكّيّ و المدنيّ معا.أو هي نزلت قبيل الهجرة،لأنّ فيها الإذن بالقتال في قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ... الحجّ:

39،و هي عند القوم أوّل آية نزلت بشأن القتال.

[لاحظ المدخل:الفصل 16]

ص: 236

ب غ ت

اشارة

بغتة

لفظ واحد،13 مرّة:11 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 10 سور:8 مكّيّة،2 مدنيّتان

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البغت:البغتة،قال:

*و أفظع شيء حين يفجؤك البغت*

و باغته مباغتة،أي فاجأه بغتة.(4:397)

نحوه الهرويّ.(1:190)

الكسائيّ: يقال:بغتهم الأمر يبغتهم بغتا و بغتة، إذا أتاهم فجأة.(القرطبيّ 6:429)

نحوه النّحّاس.(2:415)

ابن دريد :البغت:المفاجأة.[ثمّ استشهد بشعر]

و باغته الأمر مباغتة و بغاتا و بغتة،إذا فاجأه.

فأمّا الباغوت فأعجميّ معرّب،و هو عيد للنّصارى.

(1:196)

الصّاحب:البغت:المفاجأة،باغته مباغتة.

و في التّلاعب يقولون:البغتى،من البغتة.(5:48)

الجوهريّ: البغت:أن يفجأك الشّيء،تقول:

بغته،أي فاجأه.

و لقيته بغتة،أي فجأة،و المباغتة:المفاجأة،و يقال:

لست آمن بغتات العدوّ،أي فجآته.(1:243)

نحوه الرّازيّ.(72)

ابن فارس: الباء و الغين و التّاء أصل واحد لا يقاس عليه،منه البغت،و هو أن يفجأ الشّيء.[ثمّ استشهد بشعر](1:272)

ابن سيدة :البغت،و البغتة:الفجأة،و في التّنزيل:

وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً العنكبوت:53،أي فجأة.

بغته الأمر يبغته بغتا:فجأه.و باغته مباغتة و بغاتا:

فاجأه.(5:281)

الزّجّاج: كلّ ما جاء فجاءة فقد بغت.

ص: 237

يقال:قد بغته الأمر يبغته بغتا و بغتة،إذا أتاه فجاءة.[ثمّ استشهد بشعر](2:241)

نحوه الطّوسيّ(4:122)،و الطّبرسيّ(2:291)، و الطّباطبائيّ(7:56).

الطّوسيّ: البغتة و الفجأة و الغفلة نظائر،و هي مجيء الشّيء من غير تقدمة.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:204)

نحوه الطّبرسيّ.(3:276)

الرّاغب: البغت:مفاجأة الشّيء من حيث لا يحتسب،قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:

187،و قال: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً الأنبياء:40،و قال:

تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً يوسف:107.

و يقال:بغت كذا،فهو باغت.[ثمّ استشهد بشعر]

(55)

الزّمخشريّ: بغته الأمر و باغته،و جاءه بغتة.

و لا رأي للمبغوت،و المبغوت:مبهوت.

(أساس البلاغة:26)

ابن الأثير: قد تكرّر في الحديث ذكر«البغتة» و هي الفجأة.يقال:بغته يبغته بغتا،أي فاجأه.

[و]في حديث صلح نصارى الشّام:«و لا نظهر باغوتا»هكذا رواه بعضهم.و قد تقدّم في العين المهملة و الثّاء المثلّثة.(1:142)

أبو حيّان: البغت و البغتة:الفجأة،يقال:بغته يبغته،أي فجأه يفجأه،و هي مجيء الشّيء سرعة،من غير جعل بالك إليه،و غير علمك بوقت مجيئه.(4:85)

نحوه أبو السّعود.(2:372)

الفيّوميّ: بغته بغتا،من باب نفع:فاجأه،و جاء بغتة،أي فجأة على غرّة،و باغته كذلك.(1:56)

الفيروزآباديّ: البغت و البغتة و البغتة محرّكة:

الفجأة،بغته كمنعه:فجئه.و المباغتة:المفاجأة.

و الباغوت:عيد للنّصارى.(1:149)

محمود شيت: 1-أ-باغت الجيش الأعداء:

هاجمه في مكان أو زمان،أو بأسلوب لا يتوقّعه.

ب-المباغتة:من مبادئ الحرب،بل من أهمّ مبادئ الحرب.و هي من أقوى العوامل و أبعدها أثرا في الحرب.

و تأثيرها المعنويّ عظيم جدّا،و تأثيرها من النّاحية النّفسيّة يكن فيما تحدثه من شلل في تفكير القائد الخصم.(1:92)

النّصوص التّفسيريّة

بغتة

1- ...حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها... الأنعام:31

ابن عبّاس: فجأة.(108)

نحوه أكثر المفسّرين

الطّبريّ: فجأة من غير علم،من تفجؤه بوقت مفاجأتها إيّاه،يقال منه:بغتّه أبغته بغتة،إذا أخذته كذلك.(7:178)

نحوه الطّبرسيّ.(2:292)

الزّمخشريّ: فجأة،و انتصابها على الحال،بمعنى باغتة،أو على المصدر كأنّه قيل:بغتتهم السّاعة بغتة.

(2:14)

ص: 238

نحوه النّسفيّ.(2:9)

ابن عطيّة: (بغتة)معناه فجأة،تقول:بغتني الأمر،أي فجأني.و نصبها على المصدر في موضع الحال، كما تقول:قتلته صبرا.

و لا يجيز سيبويه القياس عليه،و لا تقول:جاء فلان سرعة و نحوه.(2:283)

نحوه أبو البركات(1:318)،و القرطبيّ(6:412).

الفخر الرّازيّ: البغت و البغتة هو الفجأة،و المعنى أنّ السّاعة لا تجيء إلاّ دفعة،لأنّه لا يعلم أحد متى يكون مجيئها،و في أيّ وقت يكون حدوثها.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](12:198)

أبو حيّان: و جوّزوا في انتصاب(بغتة)أن يكون مصدرا في موضع الحال من(السّاعة)أي باغتة.

أو من مفعول(جاءتهم)أي مبغوتين.

أو مصدرا ل(جاء)من غير لفظه،كأنّه قيل:حتّى إذا بغتتهم السّاعة بغتة.

أو مصدرا لفعل محذوف،أي تبغتهم بغتة.

(4:107)

نحوه أبو السّعود.(2:372)

البروسويّ: (بغتة)حال من فاعل(جاءتهم)،أي باغتة مفاجأة.

و البغت و البغتة:مفاجأة الشّيء بسرعة،من غير أن يشعر به الإنسان،حتّى لو كان له شعور بمجيئه ثمّ جاءه بسرعة لا يقال فيه:بغتة.

و الوقت الّذي تقوم فيه القيامة،يفجأ النّاس في ساعة لا يعلمها أحد إلاّ اللّه تعالى،فلذلك سمّيت ساعة خفيفة،يحدث فيها أمر عظيم.(3:21)

2- ...حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. الأنعام:44

ابن عبّاس: فجأة بالعذاب.(109)

مجاهد :فجأة آمنين.(الطّبريّ 7:194)

الإمام الباقر عليه السّلام: [في حديث]

و أمّا قوله:(حتّى اذا...)يعني بذلك قيام القائم عليه السّلام، حتّى كأنّهم لم يكن لهم سلطان قطّ،فذلك قوله:(بغتة).

[و هذا تأويل](العروسيّ 1:718)

الزّجّاج: أي فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون.

(2:248)

البغويّ: فجأة؛آمن ما كانوا،و أعجب ما كانت الدّنيا إليهم.(2:124)

القرطبيّ: (بغتة)معناه فجأة،و هي الأخذ على غرّة،و من غير تقدّم أمارة.فإذا أخذ الإنسان و هو غارّ غافل فقد أخذ بغتة،و أنكى شيء:ما يفجأ من البغت.

و قد قيل:إنّ التّذكير الّذي سلف-فأعرضوا عنه- قام مقام الأمارة و اللّه أعلم.(6:426)

الخازن :يعني جاءهم عذابنا فجأة،من حيث لا يشعرون.

قال الحسن: مكر بالقوم و ربّ الكعبة.

و قال أهل المعاني:إنّما أخذوا في حال الرّخاء و السّلامة ليكون أشدّ،لتحسّرهم على ما فاتهم من الحال -السّلامة و العافية و النّصر في ضروب اللّذّة- فأخذناهم في آمن ما كانوا،و أعجب ما كانت الدّنيا

ص: 239

إليهم.(2:110)

أبو السّعود: أي نزل بهم عذابنا فجأة،ليكون أشدّ عليهم وقعا،و أفضع هولا.(2:383)

نحوه الآلوسيّ.(7:152)

رشيد رضا: أي أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كوننا مباغتين لهم،أو حال كونهم مبغوتين؛إذ فجأهم على غرّة من غير سبق أمارة،و لا إمهال للاستعداد أو للهرب.(7:414)

3- قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً... الأنعام:47

ابن عبّاس: ليلا و نهارا.

مثله الحسن.(البغويّ 2:125)

مجاهد :(بغتة):فجأة آمنين،(او جهرة):و هم ينظرون.(الطّبريّ 7:198)

أبو عبيدة: مجاز(بغتة):فجأة و هم لا يشعرون، (او جهرة)أي أو علانية و هم ينظرون.(1:193)

نحوه الطّبريّ(7:198)،و الزّجّاج(2:249)، و الطّوسيّ(4:150)،و الخازن(2:111).

الزّمخشريّ: لمّا كانت البغتة أن يقع الأمر من غير أن يشعر به و تظهر أماراته،قيل: بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً.

و قرئ (بغتة او جهرة) .(2:19).

ابن عطيّة: (بغتة)معناه لا يتقدّم عندكم منها علم، و(جهرة)معناه تبدو لكم مخايله و مباديه،ثمّ تتوالى حتّى تنزل.(2:293)

نحوه البيضاويّ.(1:311) الطّبرسيّ: (بغتة)أي مفاجأة،(او جهرة)أي علانية.

و إنّما قابل البغتة بالجهرة،لأنّ البغتة تتضمّن معنى الخفية،لأنّه يأتيهم من حيث لا يشعرون.(2:303)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:ما المراد بقوله: بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً؟

قلنا:العذاب الّذي يجيئهم إمّا من غير سبق علامة تدلّهم على مجيء ذلك العذاب،أو مع سبق هذه العلامة؛ فالأوّل:هو البغتة،و الثّاني:هو الجهرة.

و الأوّل سمّاه اللّه تعالى بالبغتة،لأنّه فاجأهم بها، و سمّى الثّاني(جهرة)لأنّ نفس العذاب وقع بهم.و قد عرفوه حتّى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرّزوا منه.[ثمّ ذكر قول الحسن و قال:]

و قال القاضي:يجب حمل هذا الكلام على ما تقدّم ذكره،لأنّه لو جاءهم ذلك العذاب ليلا و قد عاينوا مقدّمته،لم يكن بغتة.و لو جاءهم نهارا و هم لا يشعرون بمقدّمته،لم يكن جهرة.فأمّا إذا حملناه على الوجه الّذي تقدّم ذكره استقام الكلام.(12:228)

أبو حيّان: و لمّا كانت البغتة تضمّنت معنى الخفية صحّ مقابلتها للجهرة،و بدئ بها لأنّها أردع من الجهرة.

(4:132)

نحوه أبو السّعود.(2:384)

البروسويّ: أي ليلا أو نهارا،لما أنّ الغالب فيما أتى ليلا:البغتة،أي الفجأة،و في ما أتى نهارا:الجهرة،و هو المناسب لما في سورة الأعراف:97،98،من قوله تعالى: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ* أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ. و القرآن يفسّر بعضه بعضا،و هو اللاّئح بالبال.(3:32)

ص: 240

البروسويّ: أي ليلا أو نهارا،لما أنّ الغالب فيما أتى ليلا:البغتة،أي الفجأة،و في ما أتى نهارا:الجهرة،و هو المناسب لما في سورة الأعراف:97،98،من قوله تعالى: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ* أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ. و القرآن يفسّر بعضه بعضا،و هو اللاّئح بالبال.(3:32)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي حيّان ثمّ أضاف:]

و إنّما لم يقل:خفية،لأنّ الإخفاء لا يناسب شأنه تعالى.

و زعم بعضهم أنّ«البغتة»استعارة للخفية بقرينة مقابلتها ب«الجهرة»و أنّها مكنيّة من غير تخييليّة.

و لا يخفى أنّه على ما فيه تعسّف لا حاجة إليه،فإنّ المقابلة بين الشّيء و القريب من مقابله كثيرة في الفصيح.و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«بشّروا و لا تنفّروا».

و قرئ (بغتة أو جهرة) بفتح الغين و الهاء على أنّهما مصدران كالغلبة،أي إتيانا بغتة أو إتيانا جهرة.

و في«المحتسب»لابن جنّيّ أنّ مذهب أصحابنا في كلّ حرف حلق ساكن بعد فتح لا يحرّك إلاّ على أنّه لغة فيه كالنّهر و النّهر،و الشّعر و الشّعر،و الحلب و الحلب، و الطّرد و الطّرد.

و مذهب الكوفيّين أنّه يجوز تحريك الثّاني لكونه حرفا حلقيّا قياسا مطّردا،كالبحر و البحر.و ما أرى الحقّ إلاّ معهم،و كذا سمعت من عامّة عقيل.

و سمعت الشّجريّ يقول:أنا محموم،بفتح الحاء و ليس في كلام العرب«مفعول»بفتح الفاء.و قالوا:

اللّحم،يريد اللّحم.و سمعته يقول:تغدوا بمعنى تغدوا، و ليس في كلامهم«مفعل»بفتح الفاء.و قالوا:سار نحوه، بفتح الحاء.و لو كانت الحركة أصليّة ما صحّت اللاّم أصلا انتهى.و هي-كما قال الشّهاب-فائدة ينبغي حفظها.

و قرئ (بغتة و جهرة) بالواو الواصلة.(7:153)

4- ...فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

الأعراف:95

الطّوسيّ: و معنى الآية أنّه تعالى يدبّر خلقه الّذين يعملون بمعاصيه،أن يأخذهم تارة بالشّدّة و أخرى بالرّخاء،فإذا فسدوا على الأمرين جميعا أخذهم بغتة، ليكون ذلك أعظم في الحسرة،و أبلغ في باب العقوبة.

(4:507)

مثله الطّبرسيّ(2:451)،و نحوه القرطبيّ(7:

252)،و الشّربينيّ(1:496)،و الفخر الرّازيّ(14:

184).

ابن عطيّة: أي فجأة،و أخذة أسف،و بطشا للشّقاء السّابق لهم في قديم علمه.(2:432)

أبو السّعود: فجأة؛أشدّ الأخذ و أفضعه.

و ليس المراد بالأخذ بغتة:إهلاكهم طرفة عين، كإهلاك عاد و قوم لوط،بل ما يعمّه و ما يمضي بين الأخذ و إتمام الإهلاك أيّاما،كدأب ثمود.(3:9)

5- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً... الأعراف:187

قتادة: غفلة،و ذلك أشدّها.(الجصّاص 3:36)

الزّمخشريّ: (إلاّ بغتة)إلاّ فجأة على غفلة منكم.

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ السّاعة تهيج بالنّاس،و الرّجل يصلح حوضه،و الرّجل يسقي ماشيته،و الرّجل يقوّم

ص: 241

سلعته في سوقه،و الرّجل يخفض ميزانه و يرفعه...».

(2:134)

نحوه أكثر المفسّرين إلاّ أنّ بعضهم ذكر الحديث أطول ممّا نقلناه عن الزّمخشريّ كالشّربينيّ(1:543) فراجع.

6- ...أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

يوسف:107

ابن عبّاس: تصيح الصّيحة بالنّاس و هم في أسواقهم و مواضعهم،كما قال: تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يس:49.(القرطبيّ 9:273)

النّحّاس: معنى(بغتة)إصابة من حيث لم يتوقّع.

(القرطبيّ 9:273)

الميبديّ: فجأة من غير سابقة علامة، وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانها،غير مستعدّين لها.(5:148)

مثله أبو السّعود(3:432)،و نحوه أكثر المفسّرين.

القرطبيّ: (بغتة)نصب على الحال،و أصله المصدر.و قال المبرّد:جاء عن العرب حال بعد نكرة و هو قولهم:وقع أمر بغتة و فجأة.(9:273)

7- بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ. الأنبياء:40

الزّمخشريّ: قرأ الأعمش (بغتة) بفتح الغين.

(2:573)

القرطبيّ: أي فجأة،يعني القيامة.و قيل:العقوبة، و قيل:النّار،فلا يتمكّنون من حيلة.(11:290)

الطّباطبائيّ: الّذي يقتضيه السّياق أنّ فاعل (تاتيهم)ضمير راجع إلى النّار دون السّاعة،كما ذهب إليه بعضهم.[إلى أن قال:]

و معنى:إتيان النّار بغتة،أنّها تفاجئهم حيث لا يدرون من أين تأتيهم و تحيط بهم،فإنّ ذلك لازم ما وصفه اللّه من أمرها بقوله: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ* اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ الهمزة:6،7،و قوله: اَلنّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ... البقرة:24،و قوله: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الانبياء:98.

و النّار الّتي هذا شأنه تأخذ باطن الإنسان كظاهره على حدّ سواء،لا كنار الدّنيا حتّى تتوجّه من جهة إلى جهة،و تأخذ الظّاهر قبل الباطن،و الخارج قبل الدّاخل، حتّى تمهلهم بقطع مسافة أو بتدرّج في عمل،أو مفارقة في جهة،فيحتال لدفعها بتجاف،أو تجنّب،أو إبداء حائل، أو الالتجاء إلى ركن،بل هي معهم كما أنّ أنفسهم معهم، لا تستطاع ردّا؛إذ لا اختلاف جهة و لا تقبل مهلة؛إذ لا مسافة بينها و بينهم،فلا تسمح لهم في نزولها عليهم إلاّ البهت و الحيرة.

فمعنى الآية-و اللّه أعلم-لا يدفعون النّار عن وجوههم و ظهورهم،بل تأتيهم من حيث لا يشعرون بها و لا يدرون،فتكون مباغتة لهم،فلا يستطيعون ردّها، و لا يمهلون في إتيانها.(14:289)

8- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ. الزّخرف:66

الطّوسيّ: أي فجأة،و إنّما كانت السّاعة بغتة مع

ص: 242

تقديم الإنذار بها،لأنّهم مع الإنذار لا يدرون وقت مجيئها،كما لا يدري الإنسان وقت الرّعد و الزّلازل، فتأتي بغتة،و إن علم أنّها تكون.(9:214)

الآلوسيّ: و(ينظرون)بمعنى ينتظرون،أي ما ينتظرون شيئا إلاّ إتيان السّاعة كالمنتظر الّذي لا بدّ من وقوعه.

و لمّا جاز اجتماع الفجأة و الشّعور،وجب أن يقيّد ذلك بقوله سبحانه:(و هم لا يشعرون)لعدم إغناء الأوّل عنه،فلا استدراك.

و قيل:يجوز أن يراد ب(لا يشعرون)الإثبات،لأنّ الكلام وارد على الإنكار،كأنّه قيل:هل يزعمون أنّها تأتيهم بغتة و هم لا يشعرون؟أي لا يكون ذلك بل تأتيهم و هم فطنون،و فيه ما فيه.(25:97)

الطّباطبائيّ: البغتة:الفجأة،و المراد بعدم شعورهم بها:غفلتهم عنها،لاشتغالهم بأمور الدّنيا،كما قال تعالى: ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يس:49،فلا يتكرّر المعنى في قوله: بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

و المعنى:ما ينتظر هؤلاء الكفّار بكفرهم و تكذيبهم لآيات اللّه إلاّ أن تأتيهم السّاعة مباغتة لهم،و هم غافلون عنها،مشتغلون بأمور دنياهم،أي إنّ حالهم حال من هدّده الهلاك،فلم يتوسّل بشيء من أسباب النّجاة،و قعد ينتظر الهلاك.

ففي الكلام كناية عن عدم اعتنائهم بالإيمان بالحقّ، ليتخلّصوا به عن أليم العذاب.(18:120)

راجع«ن ظ ر»

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:مجيء الشّيء فجأة دون توقّع،يقال:بغته الأمر يبغته بغتا و بغتة،أي فجأه و بهته.و باغته مباغتة و بغاتا،أي فاجأه و أتاه دون توقّع.و لقيته بغتة:فجأة.و لست آمن بغتات العدوّ،أي فجآته.و باغت الجيش الأعداء:هاجمهم بأسلوب لا يتوقّعونه،و المباغتة،في مصطلح العسكريّين:من أهمّ مبادئ الحرب،و أقواها أثرا في نفوس الأعداء.

2-و لم يؤثر عن العرب غير ما ذكر،إلاّ أنّ «الرّاغب»توسّع فاشتقّ اسم فاعل من«بغت»،فقال:

بغت كذا فهو«باغت».و اشتقّ الزّمخشريّ اسم مفعول منه،فقال:لا رأي«للمبغوت»،و المبغوت مبهوت.

و يسوغ في القياس أيضا تحريك عين المصدر «بغت»فيقال:بغت،لأنّه حرف حلق،مثل:نهر و نهر، و شعر و شعر...

3-و أمّا«الباغوت»-بمعنى صلاة الاستسقاء و صلاة ثاني عيد الفصح-فهو معرّب لفظ«باعوتا»السّريانيّ، كما بيّنا ذلك في«ب ع ث»،و لكنّ ابن الأثير ذكره تارة بلفظ«باغوتا»و تارة بلفظ«باعوثا».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة لفظة واحدة(13)مرّة بنسق واحد،و هي(بغتة):

1- فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ

ص: 243

مُبْلِسُونَ الأنعام:44

2- قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ الأنعام:47

3- ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الأعراف:95

4- لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الشّعراء:201،202

5- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ

العنكبوت:53

6- وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ

الزّمر:55

7- أَ فَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ يوسف:107

8- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الزّخرف:66

9- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ الأنعام:31

10- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ* بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ الأنبياء:39،40

11- وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ

الحجّ:55

12- فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ محمّد:18

13- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ

الأعراف:187

يلاحظ أوّلا:أنّ(بغتة)جاءت دائما وعيدا لأعداء اللّه،فهي في عرف القرآن-و لعلّها في لغة العرب-إنذار و وعيد،و قد اختارها القرآن كأبلغ تعبير لتجسيم حالة المصابين بالعذاب،و بقيام السّاعة.

و هي مصدر منصوب حالا للعذاب و السّاعة،أي باغتا أو باغتة.أو للمصابين،أي مبغوتين.

أو مفعول مطلق ل(جاءت)من غير لفظ الفعل،أي بغتتهم بغتة.

أو وصف لمفعول مطلق محذوف،أي جاءتهم مجيئا بغتة،و الأوّل أقرب،و ينبغي أن يتّخذ هذا مثلا قرآنيّا يقتبس منه.

ثانيا:أنّ الآيات ثلاثة أصناف:صنف يخصّ العذاب الدّنيويّ(1)إلى(6)،و صنف يخصّ السّاعة(8)إلى (13)،و صنف يشمل الصّنفين(7).و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ حالة الكفّار حين يصيبهم العذاب في الدّنيا أو تدركهم السّاعة في الآخرة واحدة،

ص: 244

و هي كونها بغتة،و على غفلة منهم.

ثالثا:في ستّ منها(3)إلى(8)قيّدت(بغتة)ب (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) أو (وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .و حيث إنّ(بغتة) أخذ في معناها-كما سبق-الجهل و الغفلة و عدم الشّعور بمجيء الشّيء و دون توقّعه،فيبدو أنّ هذا القيد تكرار يستغنى عنه،و يؤيّده قوله في(2): إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً؛ حيث دار مجيء العذاب بين«البغتة و الجهرة»،و جاء في تفسيرها:ليلا أو نهارا،فجأة آمنين أو جهرة،علانية و هم ينظرون،و أيّدوه بقوله تعالى أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ* أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ الأعراف:97،98.

و عندنا أنّ اللّه كرّر(لا يشعرون)-على الرّغم من أنّه مفهوم من(بغتة)-إكبارا للعذاب و تخويفا للمشركين، ليسلب الأمن منهم حتّى يعيشوا خائفين دائما،و لا يقرّ لهم أمن و قرار أبدا.و لكنّهم-للأسف-لا يعتبرون بآيات اللّه مع تكرارها و تأكيدها،فيغفلون عنها، و يعيشون بأمن و دعة؛حيث يحيط بهم العذاب،أو تدركهم السّاعة بغتة.

و هناك رؤية أخرى بخلاف ذلك،لا تعدّ ذاك تكرارا أو أمرا يحترز منه،فقال الآلوسيّ:«لمّا جاز اجتماع الفجأة و الشّعور،وجب أن يقيّد ذلك بقوله سبحانه: (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) لعدم إغناء الأوّل عنه فلا استدراك.و قيل:

يجوز أن يراد ب (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) إثبات أنّ الكلام وارد على الإنكار،كأنّه قيل:هل يزعمون أنّها تأتيهم بغتة و هم لا يشعرون؟أي لا يكون ذلك،بل تأتيهم و هم مطمئنّون،و فيه ما فيه».

و نقول:إنّ الوجه الأوّل الّذي اختاره فيه ما فيه أيضا.

و قال الطّباطبائيّ: «المراد بعدم شعورهم بها غفلتهم عنها،لاشتغالهم بأمور الدّنيا،كما قال تعالى:

ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يس:49،فلا يتكرّر المعنى في قوله: بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

و عندنا أنّ قيد (لا يَشْعُرُونَ) لا يختصّ بما ذكره من صورة الاشتغال،فإنّه جاء في آيات أخرى خلت من الاشتغال،بل هذا القيد تأكيد و تسجيل و تصريح بما يفهم من(بغتة)إيماء.و التّكرار هنا حسن؛إذ جاء حسب مقتضى الحال،فهذا تصريح بعد الإيماء،و مثله كثير في القرآن.

رابعا:جاء في اثنتين منها(1)و(3)ما يبعثهم على غفلتهم من الفرح و النّعم،ففي(1): فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، و في(3): ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً.

و قال بعضهم:«إنّما أخذوا في حال الرّخاء و السّلامة لتكون أشدّ،لتحسّرهم على ما فاتهم من الحال:السّلامة و العافية و النّصر في ضروب اللّذّة،فأخذناهم في آمن ما كانوا و أعجب ما كانت الدّنيا لهم».

خامسا:يختلف ذيل الآيات بعد(بغتة)،ففي ستّ منها(3)إلى(8)جاء (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) أو (وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .و قد تحدّثنا فيها أنّه تأكيد لما يفهم من (بغتة)حرصا على إيقاظهم من غفلتهم،و لكنّهم لا ينتبهون.

ص: 245

خامسا:يختلف ذيل الآيات بعد(بغتة)،ففي ستّ منها(3)إلى(8)جاء (وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) أو (وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) .و قد تحدّثنا فيها أنّه تأكيد لما يفهم من (بغتة)حرصا على إيقاظهم من غفلتهم،و لكنّهم لا ينتبهون.

و في(1): (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) ،قال الطّبرسيّ(4:58):

«أي آيسون من النّجاة و الرّحمة،عن ابن عبّاس.و قيل:

أذلّة خاضعون،عن البلخيّ.و قيل:متحيّرون منقطعو الحجّة،و المعاني تتقارب».

و في(2): هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ، أي أنّ هؤلاء الّذين تدركهم السّاعة بغتة ظالمون لأنفسهم، هالكون في ذواتهم.

و في(9): قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ و فيها حسرة شديدة على تفريطهم معترفين به،إلى جانب حملهم أوزارهم على ظهورهم، ممّا يجسّد حالتهم المزرية في ذلك اليوم،ففيها اجتمع لهم العذاب الرّوحيّ-و هو التّحسّر-و العذاب الجسميّ، و هو حمل الأوزار على ظهورهم كما يحمل الحمار الأثقال.

و فيه تحقير لهم يؤول إلى نوع آخر من العذاب الرّوحيّ.

و في(10): تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ، و قد اجتمع فيها ثلاثة ألوان من العذاب النّفسانيّ:

الأوّل:(فتبهتهم)أي فتحيّرهم،و الحيرة نتيجة طبيعيّة لمفاجأة العذاب.

و الثّاني: فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها أي أنّهم عاجزون عن ردّ هذا العذاب،و الإحساس بالعجز عذاب نفسانيّ و ذلّة روحيّة.

و الثّالث:(و لا هم ينظرون)أي لا يؤخّر عذابهم إلى وقت آخر،و لا يمهلون لتوبة أو معذرة،قاله الطّبرسيّ (7:92).

و في(11): أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ، و قد اختلفت الأقوال فيها،قال الطّبرسيّ(7:176):«المراد ب عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ، عذاب يوم بدر،عن قتادة و مجاهد،و سمّي«عقيما»لأنّه لا مثل له في عظم أمره.أو يوم القيامة،و المعنى حتّى تأتيهم علامات السّاعة أو عذاب يوم القيامة،و سمّي«عقيما»لأنّه لا ليلة له،عن عكرمة و الجبّائيّ».

و نقول:بناء على القول الأوّل،فقد جمعت هذه الآية -مثل الآية(7)-بين العذاب الدّنيويّ و عذاب السّاعة، و لكنّه بعيد،لأنّ ما بعدها: اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الحجّ:56 و هذا وصف ليوم القيامة،فالظّاهر أنّ المراد ب«يوم عقيم»يوم القيامة،و ذكره بعد(السّاعة) كالتّفصيل بعد الإجمال تخويفا و إنذارا.

و في(12) فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ، و هذا جواب لقوله في صدرها: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أي أنّهم إذا يكفرون و لا يتناهون لتأتيهم السّاعة بغتة،فقد جاء أشراطها،أي علاماتها،فلينتبهوا و يستعدّوا للعقاب، لكنّهم لا ينتبهون،بعيدون عن ذكراهم.

و في(13) يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها الأعراف:

187،و هذا عطف على صدر الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها، و لا دخل لها ب(بغتة).

ص: 246

إذا فنتيجة نزول العذاب أو إتيان السّاعة بغتة،هي أنواع من العذاب الرّوحيّ و الجسميّ،كالحيرة و الحسرة و الحرمان و العجز،و حمل الأثقال و نحوها.

سادسا:هذه الآيات كلّها مكّيّة سوى اثنتين منها (11)و(12)،و كلاهما من صنف آيات السّاعة.فالآية (11)في سورة الحجّ-و هي مورد الخلاف نزولا و قد مرّت بنا مرّات-أنّها آخر ما نزل بمكّة لدى الهجرة،أو في طريقها،لاحظ المدخل«فصل المكّيّ و المدنيّ».و الآية (12)في سورة محمّد المدنيّة،نزلت في أواخر سني الهجرة.و كذا سائر الآيات،فطبيعتها حسب السّياق مكّيّة،لأنّها إمّا ترتبط بوعيد العذاب للأمم السّالفة؛إذ جاءت في سرد قصصهم،مثل(1)و(3)،و أكثر قصصهم جاءت في المكّيّات،و لا سيّما في الأنعام و الأعراف اللّتين اشتملتا على هاتين الآيتين(1)و(3).

أو لهذه الأمّة كما في(2)و(4)و(5)و(7)،أو بوعيد هذه الأمّة،لمجيء«السّاعة»،كما في سائر الآيات.

و معلوم أنّ اعتقاد«السّاعة»من أركان الإسلام و أصوله الّتي جاءت في المكّيّات كثيرا و في المدنيّات قليلا،أي أقلّ منها.

و الّذي يلفت النّظر أنّها جاءت في سورة الأنعام ثلاث مرّات:(1)و(2)و(9)،واحدة منها-و هي(1)- في الأنبياء عامّة،و الآيتان الأخريان-(2)و(9)-في نبيّنا خاصّة،و سياق(2)في العذاب،و(9)في السّاعة.

و في سورة الأعراف مرّتين:(3)و(13)،إحداهما-(3) -في العذاب و في الأنبياء عامّة،و ثانيهما-(13)-في السّاعة و في نبيّنا خاصّة.

أمّا سائر الآيات و هي(4)إلى(8)و(10)إلى(12) -فثلاث منها في العذاب،و هي(4)إلى(6)،و خمس منها في السّاعة،و هي(8)إلى(12)،و واحدة-كما سبق -فيهما،و هي(7)،و كلّها خاصّة نبيّنا.

إذن أنّ اثنتين منها(1)و(3)ترتبطان بالأنبياء عامّة،و الباقي تخصّ نبيّنا.و هذا يدلّ على اهتمام القرآن بشأن نبيّنا في الوعيد بالعذاب و السّاعة،و أنّ هناك نوع تناسق في آيات العذاب و السّاعة عددا.

ص: 247

ص: 248

ب غ ض

اشارة

البغضاء

لفظ واحد،5 مرّات:في 3 سور مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البغضة و البغضاء:شدّة البغض.و قد بغض بغاضة فهو بغيض،و بغض إليّ بغضة و بغاضة.

و نعم بك اللّه عينا،و أبغض بعدوّك عينا.(4:369)

اللّيث:البغض:نقيض الحبّ،و البغضة و البغضاء:

شدّة البغض.

و رجل بغيض،و قد بغض بغاضة.و تقول:هو محبوب غير مبغض و غير مبغّض.(الأزهريّ 8:17)

نحوه الصّاحب.(4:556)

سيبويه: ما أبغضني له!و ما أبغضه إليّ!

إذا قلت:ما أبغضني له!فإنّما تخبر أنّك مبغض له، و إذا قلت:ما أبغضه إليّ!فإنّما تخبر أنّه مبغض عندك.

(ابن منظور 7:121)

أبو حاتم: من كلام الحشو:أنا أبغض فلانا،و هو يبغضني.و هو خطأ إنّما يقال:أنا أبغض فلانا.

و يقال:ما أبغضك إليّ!و قد بغض إليّ،إذا صار بغيضا.و أبغض به إليّ!أي ما أبغضه!و هذا صحيح.

(الأزهريّ 8:18)

ابن دريد :البغض:ضدّ الحبّ،أبغضته أبغضه إبغاضا و بغضة،و بغاضة:لغة يمانيّة ليست بالعالية.

و قد سمّت العرب«بغيضا»و هو أبو قبيلة منهم.

و أهل اليمن يقولون للرّجل:بغض جدّك،إذا شتموه،كما يقولون:عثر جدّك.(1:303)

الهمذانيّ: بيني و بينه شأن و عداوة و بغضاء،و في قلوبهم تغلي مراجل العداوة،و تلتهب نار البغضاء، و هذه صدور و غرة.(18)

يقال:فلان يبغض فلانا،و يحتويه،و يقليه، و يشنؤه.

ص: 249

و البغض،و المقت،و القلى،و الشّنأ،و البغضة، واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول في ضدّه:و يحبّه،و يمقه من المقة،و يودّه من الودّ.(273)

ابن خالويه :البغض،ثمّ القلى،ثمّ الشّنآن،ثمّ الشّنف،ثمّ المقت،ثمّ البغضة؛و هو أشدّ البغض.

فأمّا الفرك،فهو بغض المرأة زوجها،و بغض الرّجل امرأته،لا غير.(الثّعالبيّ:189)

الجوهريّ: البغض:ضدّ الحبّ.و قد بغض الرّجل بالضّمّ بغاضة،أي صار بغيضا.

و بغّضه اللّه إلى النّاس تبغيضا،فأبغضوه،أي مقتوه، فهو مبغض.

و بغيض:أبو حيّ من قيس.

و البغضاء:شدّة البغض،و كذلك البغضة بالكسر.

و قولهم:ما أبغضه إليّ!شاذّ،لا يقاس عليه.

و التّباغض:ضدّ التّحابّ.(3:1066)

أبو هلال: الفرق بين الكراهة و البغض:أنّه قد اتّسع بالبغض ما لم يتّسع بالكراهة،فقيل:أبغض زيدا، أي أبغض إكرامه و نفعه،و لا يقال:أكرهه،بهذا المعنى.

كما اتّسع بلفظ المحبّة،فقيل:أحبّ زيدا،بمعنى أحبّ إكرامه و نفعه،و لا يقال:أريده،في هذا المعنى.

و مع هذا فإنّ«الكراهة»تستعمل فيما لا يستعمل فيه «البغض»،فيقال:أكره هذا الطّعام،و لا يقال:أبغضه، كما تقول:أحبّه،و المراد:إنّي أكره أكله،كما أنّ المراد بقولك:أريد هذا الطّعام،أنّك تريد أكله أو شراءه.

الفرق بين قولك:يبغضه،و قولك:لا يحبّه:أنّ قولك:لا يحبّه،أبلغ من حيث يتوهّم إذا قال:يبغضه؛إنّه يبغضه من وجه و يحبّه من وجه،كما إذا قلت:يجهله، جاز أن يجهله من وجه و يعلمه من وجه،و إذا قلت:

لا يعلمه،لم يحتمل الوجهين.(105)

ابن فارس: الباء و الغين و الضّاد أصل واحد،و هو يدلّ على خلاف الحبّ،يقال:أبغضته أبغضه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قالوا:بغض جدّه،كقولهم:عثر.(1:273)

ابن سيدة: البغض،و البغضة:نقيض الحبّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و البغضاء،و البغاضة،جميعا:كالبغض.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أبغضه و بغضه،الأخيرة عن ثعلب وحده، و قال في قوله تعالى: إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ الشّعراء:168،أي الباغضين،فدلّ على أنّ«بغض» عنده لغة،و لو لا أنّها لغة عنده لقال:من المبغضين.

و البغوض:المبغض،أنشد سيبويه:

*و لكن بغوض أن يقال عديم*

و هذا أيضا يدلّ على أنّ بغضته لغة،لأنّ«فعولا»إنّما هي في الأكثر عن فاعل لا«مفعل».

و قيل:البغيض:المبغض و المبغض،جميعا،ضدّ.

و المباغضة:تعاطي البغضاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد بغض و بغض،فهو بغيض.

و رجل مبغّض:يبغض كثيرا.و قد بغّض إليه الأمر.

و ما أبغضه إليّ!و لا يقال:ما أبغضني له!فإنّك إنّما تخبر أنّك مبغض له.و إذا قلت:ما أبغضه إليّ!فإنّما تخبر

ص: 250

أنّه مبغض عندك.(5:414)

بغض الشّيء يبغض بغضا و بغض بغاضة و بغضة:

صار ممقوتا مكروها.

و بغضه يبغضه بغضا:مقته و كرهه،فهو باغض و بغوض.و الشّيء بغيض و مبغوض.

و أبغضته:مقتّه و كرهته.

و بغّضه للنّاس:جعلهم يبغضونه كثيرا.

و تباغضوا:أبغض بعضهم بعضا.

و تبغّض إليه:أظهر البغض.

و باغضه:جزاه بغضا ببغض..(الإفصاح 1:183)

الرّاغب: البغض:نفار النّفس عن الشّيء الّذي ترغب عنه،و هو ضدّ الحبّ،فإنّ الحبّ انجذاب النّفس إلى الشّيء الّذي ترغب فيه.

يقال:بغض الشّيء بغضا و بغضته بغضاء،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ المائدة:

64،و قال: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ المائدة:91،و قوله عليه السّلام:«إنّ اللّه تعالى يبغض الفاحش المتفحّش».فذكر بغضه له تنبيه على فيضه،و توفيق إحسانه منه.(55)

الزّمخشريّ: هو من أهل البغض و البغضة و المبغضة و البغضاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:هو حقيق بالبغضاء،قذاة يجلّ عن الإغضاء.

و هو بغيض من البغضاء،و قد بغض بغاضة،و قد أبغضته و باغضته،و بينهما مباغضة.

و ما رأيت أشدّ تباغضا منهما،و لم يزالا متباغضين.

و حبّب اللّه إليّ زيدا،و بغّض إليّ عمرا،و تحبّب إليّ فلان،و تبغّض إليّ أخوه.

و من المجاز:يقولون:أنعم اللّه بك عينا،و أبغض بعدوّك عينا.و بغض جدّه،إذا عثر.

(أساس البلاغة:26)

ابن برّيّ: [بعد قول الجوهريّ:قولهم:ما أبغضه لي!شاذّ لا يقاس عليه،قال:]

إنّما جعله شاذّا،لأنّه جعله من«أبغض»و التّعجّب لا يكون من«أفعل»إلاّ ب«أشدّ»و نحوه.

و ليس كما ظنّ بل هو من:بغض فلان إليّ.و قد حكى أهل اللّغة و النّحو:ما أبغضني له!إذا كنت أنت المبغض له،و ما أبغضني إليه!إذا كان هو المبغض لك.

(ابن منظور 7:122)

الفيّوميّ: بغض الشّيء بالضّمّ بغاضة فهو بغيض، و أبغضته إبغاضا فهو مبغض،و الاسم:البغض.

قالوا:و لا يقال:بغضته بغير ألف.

و بغّضه اللّه تعالى للنّاس بالتّشديد فأبغضوه.

و البغضة بالكسر و البغضاء:شدّة البغض.

و تباغض القوم:أبغض بعضهم بعضا.(1:56)

الفيروزآباديّ: البغض بالضّمّ:ضدّ الحبّ.

و البغضة بالكسر،و البغضاء:شدّته.

و بغض ككرم و نصر و فرح بغاضة فهو بغيض.

و يقال:بغض جدّك كنعس جدّك،و نعم اللّه بك عينا و بغض بعدوّك عينا.

و أبغضه و يبغضني بالضّمّ،لغة رديئة.و ما أبغضه لي! شاذّ.

ص: 251

و أبغضوه:مقتوه.

و التّبغيض و التّباغض و التّبغّض:ضدّ التّحبيب و التّحابب و التّحبّب.(2:336)

الطّريحيّ: و في الحديث:«إنّ اللّه ليبغض المؤمن الضّعيف.قلت:و ما المؤمن الضّعيف؟قال:هو الّذي يرى المنكر و لا ينكر على فاعله».

و معناه أن يعامله معاملة المبغض مع من أبغضه،بأن يوصل إليه ما يترتّب على البغض لا حقيقة البغض،فإنّ ما يوصف به سبحانه يؤخذ باعتبار الغايات لا المبادئ.

(4:197)

العدنانيّ: أبغضه فهو مبغض.

و بغضه فهو مبغوض و بغيض.

و يخطّئون من يقول:فلان بغض المصارعة منذ شاهدها أوّل مرّة،فالمصارعة مبغوضة.و يرون أنّ الصّواب هو:أبغض المصارعة،فالمصارعة مبغضة.

و الحقيقة هي أنّ كلا الفعلين صحيح،و لكنّ الفعل أبغضه أعلى من بغضه.

فممّن ذكر الفعل أبغضه فهو مبغض:

أبو حاتم السّجستانيّ،و الأزهريّ،و«لحن العوامّ»لمحمّد الزّبيديّ،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح الّذي أنكر «بغضه»و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّن ذكر الفعل:بغضه فهو مبغوض و بغيض؛قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه تعالى يبغض الفاحش المتفحّش».

و منهم أبو حاتم السّجستانيّ،و ثعلب،و الرّاغب الأصفهانيّ في«مفرداته»قال:بغض الشّيء بغضا،و بغضته بغضاء، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط الّذي اكتفى بذكر«مبغوض»و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

[ثمّ ذكر قول ثعلب الّذي أورده ابن سيدة]

و ذكر أبو حاتم السّجستانيّ،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن أنّ«بغضه» لغة رديئة.

أمّا فعله فهو:بغض يبغض بغضا،أو:بغض يبغض بغضا.(69)

المصطفويّ: البغض:ضدّ الحبّ،و البغضاء مصدر كالدّعوى.

و البغض:صفة نفسانيّة في قبال الحبّ،فإذا اشتدّ و ظهر في مقام العمل فهو العداوة،فإنّه مأخوذ من التّعدّي،و بينهما عموم و خصوص من وجه.(1:289)

النّصوص التّفسيريّة

البغضاء

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. آل عمران:118

قتادة :يقول:قد بدت البغضاء من أفواه المنافقين، إلى إخوانهم من الكفّار،من غشّهم للإسلام و أهله، و بغضهم إيّاهم.(الطّبريّ 4:63)

ص: 252

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:قد بدت بغضاء هؤلاء الّذين نهيتكم أيّها المؤمنون أن تتّخذوهم بطانة من دونكم،لكم بأفواههم،يعني بألسنتهم.

و الّذي بدا لهم منهم بألسنتهم إقامتهم على كفرهم، و عداوتهم من خالف ما هم عليه مقيمون من الضّلالة.

فذلك من أوكد الأسباب في معاداتهم أهل الإيمان، لأنّ ذلك عداوة على الدّين،و العداوة على الدّين، العداوة الّتي لا زوال لها إلاّ بانتقال أحد المتعاديين إلى ملّة الآخر منهما؛و ذلك انتقال من هدى إلى ضلالة،كانت عند المنتقل إليها ضلالة قبل ذلك،فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين و مقامهم عليه،أبين الدّلالة لأهل الإيمان،على ما هم عليه من البغضاء و العداوة.

و قد قال بعضهم:معنى قوله: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ قد بدت بغضاؤهم لأهل الإيمان إلى أوليائهم من المنافقين و أهل الكفر،باطّلاع بعضهم بعضا على ذلك.

و زعم قائلو هذه المقالة أنّ الّذين عنوا بهذه الآية:

أهل النّفاق،دون من كان مصرّحا بالكفر من اليهود و أهل الشّرك.[ثمّ حكى قول قتادة و قال:]

و هذا القول الّذي ذكرناه عن قتادة قول لا معنى له؛ و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما نهى المؤمنين أن يتّخذوا بطانة ممّن قد عرفوه بالغشّ للإسلام و أهله و البغضاء،إمّا بأدلّة ظاهرة،دالّة على أنّ ذلك من صفتهم،و إمّا بإظهار الموصوفين بذلك العداوة،و الشّنآن و المناصبة لهم.

فأمّا من لم يثبتوه معرفة أنّه الّذي نهاهم اللّه عزّ و جلّ عن مخالّته و مباطنته،فغير جائز أن يكونوا نهوا عن مخالّته و مصادقته،إلاّ بعد تعريفهم إيّاهم:إمّا بأعيانهم و أسمائهم،و إمّا بصفات قد عرفوهم بها.

و إذ كان ذلك كذلك،و كان إبداء المنافقين بألسنتهم ما في قلوبهم من بغضاء المؤمنين إلى إخوانهم من الكفّار، غير مدرك به المؤمنون معرفة ما هم عليه لهم،مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم لهم،و التّودّد إليهم؛كان بيّنا أنّ الّذي نهى اللّه المؤمنين عن اتّخاذهم لأنفسهم بطانة دونهم:هم الّذين قد ظهرت لهم بغضاؤهم بألسنتهم، على ما وصفهم اللّه عزّ و جلّ به.

فعرفهم المؤمنون بالصّفة الّتي نعتهم اللّه بها،و أنّهم هم الّذين وصفهم تعالى ذكره بأنّهم أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ آل عمران:116،ممّن كان له ذمّة و عهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه من أهل الكتاب.

لأنّهم لو كانوا المنافقين،لكان الأمر فيهم على ما قد بيّنّا،و لو كانوا الكفّار ممّن قد ناصب المؤمنين الحرب،لم يكن المؤمنون متّخذيهم لأنفسهم بطانة،من دون المؤمنين مع اختلاف بلادهم،و افتراق أمصارهم.

و لكنّهم الّذين كانوا بين أظهر المؤمنين من أهل الكتاب، أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ممّن كان له من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عهد و عقد،من يهود بني إسرائيل.

و(البغضاء):مصدر،و قد ذكر أنّها في قراءة عبد اللّه بن مسعود (قد بدا البغضاء من افواههم) على وجه التّذكير.و إنّما جاز ذلك بالتّذكير،و لفظه لفظ المؤنّث، لأنّ المصادر تأنيثها ليس بالتّأنيث اللاّزم،فيجوز تذكير ما خرج منها على لفظ المؤنّث و تأنيثه،كما قال عزّ و جلّ:

وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:67،و كما قال:

ص: 253

فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ الأنعام:157،و في موضع آخر: وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:

94،و قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ الأعراف:73.

و قال:(من افواههم)و إنّما بدا ما بدا من البغضاء بألسنتهم،لأنّ المعنيّ به الكلام الّذي ظهر للمؤمنين منهم من أفواههم،فقال: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ.

(4:63)

الزّمخشريّ: لأنّهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم،و تحاملهم عليها أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين.

[ثمّ ذكر قول قتادة المتقدّم و أضاف:]

و في قراءة عبد اللّه (قد بدا البغضاء...قد بيّنّا لكم الآيات) الدّالّة على وجوب الإخلاص في الدّين، و موالاة أولياء اللّه،و معاداة أعدائه، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ما بيّن لكم فعملتم به.

فإن قلت:كيف موقع هذه الجمل؟

قلت:يجوز أن يكون(لا يالونكم)صفة ل«البطانة»، و كذلك قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ كأنّه قيل:بطانة غير آليكم خبالا بادية بغضاؤهم.

و أمّا(قد بيّنّا)فكلام مبتدأ،و أحسن منه و أبلغ أن تكون مستأنفات كلّها على وجه التّعليل،للنّهي عن اتّخاذهم بطانة.(1:458)

الطّبرسيّ: معناه ظهرت أمارة العداوة لكم على ألسنتهم،و في فحوى أقوالهم،و فلتات كلامهم.

(1:493)

الفخر الرّازيّ: البغضاء:أشدّ البغض،فالبغض مع البغضاء كالضّرّ مع الضّرّاء.

قوله: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إن حملناه على المنافقين ففي تفسيره وجهان:

الأوّل:أنّه لا بدّ في المنافق من أن يجري في كلامه ما يدلّ على نفاقه،و مفارقته لطريق المخالصة في الودّ و النّصيحة،و نظيره قوله تعالى: وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ محمّد:30.

الثّاني:[قول قتادة و قد تقدّم]أمّا إن حملناه على «اليهود»فتفسير قوله: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ فهو أنّهم يظهرون تكذيب نبيّكم و كتابكم، و ينسبونكم إلى الجهل و الحمق.و من اعتقد في غيره الإصرار على الجهل و الحمق امتنع أن يحبّه،بل لا بدّ و أن يبغضه،فهذا هو المراد بقوله: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ. (8:212)

القاسميّ: [بعد نقل قول الزّمخشريّ أضاف:]

و قد قيل:كوامن النّفوس تظهر على صفحات الوجوه و فلتات اللّسان، وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ممّا ظهر، لأنّ ظهوره ليس عن رويّة و اختيار بل فلتة.

و مثله يكون قليلا قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ الدّالّة على سوء اتّخاذكم إيّاهم بطانة،لتمتنعوا منها،فتخلصوا في الدّين،و توالوا المؤمنين،و تعادوا الكافرين، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، أي من أهل العقل،أو تعقلون ما بيّن لكم،فعملتم به.(4:949)

رشيد رضا: [قال نحو ما تقدّم عن الطّبريّ و أضاف:]

و ذكر الرّازيّ وجها ثالثا:أنّها في الكافرين

ص: 254

و المنافقين عامّة،قال:«و أمّا ما تمسّكوا به من أنّ ما بعد الآية مختصّ بالمنافقين،فهذا لا يمنع عموم أوّل الآية،فإنّه ثبت في أصول الفقه أنّ أوّل الآية إذا كان عامّا و آخرها إذا كان خاصّا لم يكن خصوص آخر الآية مانعا من عموم أوّلها».(4:81)

الطّباطبائيّ: أريد به ظهور البغضاء و العداوة من لحن قولهم و فلتات لسانهم.

ففيه استعارة لطيفة و كناية،و لم يبيّن ما في صدورهم بل أبهم قوله: وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ للإيماء إلى أنّه لا يوصف لتنوّعه و عظمته،و به يتأكّد قوله:(اكبر).

(3:386)

2- وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ سَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. المائدة:14

ابن عبّاس: (البغضاء)في القلب.(90)

القرطبيّ: (البغضاء):البغض:أشار بهذا إلى اليهود و النّصارى،لتقدّم ذكرهما.(6:118)

الخازن :(العداوة و البغضاء)هي الأهواء المختلفة.

و في الهاء و الميم من قوله تعالى:(بينهم)قولان:

أحدهما:أنّ المراد بهم اليهود و النّصارى،فإنّ العداوة و البغضاء حاصلة بينهم إلى يوم القيامة.

و القول الثّاني:أنّ المراد بهم فرق النّصارى،فإنّ كلّ فرقة منهم تكفّر الأخرى.(2:23)

أبو السّعود: أي يتعادون و يتباغضون إلى يوم القيامة،حسبما تقتضيه أهواءهم المختلفة و آراؤهم الزّائغة،المؤدّية إلى التّفرّق إلى الفرق الثّلاث.

(2:250)

نحوه البروسويّ.(2:367)

الطّباطبائيّ: و قد كان المسيح عيسى بن مريم نبيّ رحمة،يدعو النّاس إلى الصّلح و السّلم،و يندبهم إلى الإشراف على الآخرة،و الإعراض عن ملاذّ الدّنيا و زخارفها،و ينهاهم عن التّكالب لأجل هذا العرض الأدنى،فلمّا(نسوا حظّا ممّا ذكّروا به)،أثبت اللّه سبحانه في قلوبهم مكان السّلم و الصّلح حربا،و بدل المؤاخاة و الموادّة الّتي ندبوا إليها معادة و مباغضة،كما يقول:

فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

و هذه(العداوة و البغضاء)اللّتان ذكرهما اللّه تعالى، صارتا من الملكات الرّاسخة المرتكزة بين هؤلاء الأمم المسيحيّة،و كالنّار الآخرة الّتي لا مناصّ لهم،كلّما أرادوا أن يخرجوا منها عن غمّ أعيدوا فيها،و ذوقوا عذاب الحريق.(5:241)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا كلمة(البغضاء)المشتقّة من المصدر«بغض»فهي تعني النّفور و الاستياء الشّديد من شيء معيّن.

و يحتمل أن يكون الفرق بين الكلمتين المذكورتين، هو أنّ لكلمة«بغض»طابع وجدانيّ أكثر ممّا هو عمليّ، كما في كلمة(العداوة)الّتي لها طابع عمليّ،و قد يكون لكلمة«بغض»أو«بغضاء»مفهوم أشمل يستوعب العمليّ منه و القلبيّ و الوجدانيّ.(3:575)

ص: 255

3- ...وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. المائدة:64

الزّمخشريّ: فكلمهم أبدا مختلف،و قلوبهم شتّى، لا يقع اتّفاق بينهم و لا تعاضد.(1:629)

مثله النّسفيّ.(1:292)

ابن عطيّة: (العداوة)أخصّ من(البغضاء)لأنّ كلّ عدوّ فهو يبغض،و قد يبغض من ليس بعدوّ،و كأنّ (العداوة)شيء مشتهر يكون عنه عمل و حرب، (و البغضاء)قد لا تجاوز النّفوس،و قد ألقى اللّه الأمرين على بني إسرائيل.(2:216)

الخازن: يعني ألقينا العداوة و البغضاء بين اليهود و النّصارى.و قيل:ألقى ذلك بين طوائف اليهود،فجعلهم مختلفين في دينهم،متعادين متباغضين إلى يوم القيامة.

(2:59)

أبو حيّان: الّذي يظهر أنّ المعنى لا يزالون متباغضين متعادين،فلا يمكن اجتماع كلمتهم على قتالك، و لا يقدرون على ضررك،و لا يصلون إليك و لا إلى أتباعك،لأنّ الطّائفتين لا توادّ بينهم،فيجتمعان على حربك.

و في ذلك إخبار بالمغيب،و هو أنّه لم يجتمع لحرب المسلمين جيشا يهود و نصارى،مذ كان الإسلام إلى هذا الوقت.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ](3:525)

الشّربينيّ: فكلّ فرقة منهم تخالف الأخرى، فلا تتوافق قلوبهم و لا تتطابق أقوالهم.(1:385)

أبو السّعود: فلا يكاد تتوافق قلوبهم،و لا تتطابق أقوالهم.

و الجملة مبتدأة مسوقة لإزاحة ما عسى يتوهّم من ذكر طغيانهم و كفرهم من الاجتماع على أمر يؤدّي إلى الإضرار بالمسلمين.

قيل:(العداوة)أخصّ من(البغضاء)لأنّ كلّ عدوّ مبغض،بلا عكس كلّيّ.(2:295)

نحوه البروسويّ(2:415)،و الآلوسيّ(6:182).

عبد الكريم الخطيب: وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ و هو لعنة من لعنات اللّه على هؤلاء القوم،تقطع معهم مسيرتهم في الحياة،متنقّلة بهم من جيل إلى جيل،إلى أن تقوم السّاعة.

ف(العداوة)قائمة بينهم،يطعمون منها طعاما خبيثا، يملأ كيانهم حقدا و بغضا،لا يطمئنّ لهم قلب،و لا يستريح لهم بال،فهم في حرب مستعرة فيما بينهم،و هم في حرب متّصلة بينهم و بين النّاس جميعا،يبغضون النّاس، و يبغضهم النّاس،و تلك هي اللّعنة الّتي تأخذ الملعونين بالبأساء و الضّرّاء،مع كلّ نفس يتنفّسونه،من الميلاد إلى الممات.(3:1133)

الطّباطبائيّ: و(العداوة)كأنّ المراد بها البغض الّذي يستصحب التّعدّي في العمل،(و البغضاء)هو مطلق ما في القلب من حالة النّفار و إن لم يستعقب التّعدّي في العمل،فيفيد اجتماعهما معنى البغض الّذي يوجب الظّلم على الغير،و البغض الّذي يقصر عنه.(6:36)

4- إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. المائدة:91.راجع«خ م ر»

ص: 256

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البغض»و هو ضدّ الحبّ، يقال:بغض الرّجل يبغض بغاضة،و بغض يبغض بغضا فهو بغيض،أي ممقوت.و بغّضه اللّه إلى النّاس، و ما أبغضني له!أي أنا مبغض له،و ما أبغضه إليّ!أي هو مبغض عندي.

و في حديث عليّ-كما في سنن ابن ماجة و خصال الصّدوق-«عهد إليّ النّبيّ الأمّيّ أنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن و لا يبغضني إلاّ منافق».و في الدّعاء:نعم اللّه بك عينا، و أبغض بعدوّك عينا.

و التّباغض:نقيض التّحابّ،و البغضة و البغضاء و البغاضة:شدّة البغض.

2-قال أبو حاتم:و في حشو الكلام:أنا أبغض فلانا و هو يبغضني،و لكنّ هذا ممّا انفرد به ثعلب،فقال في تفسير قوله تعالى: قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ الشّعراء:168،أي من الباغضين،و هو اسم فاعل من «بغض».و ممّا يدعم رأيه قول مزاحم العقيليّ:

فرطن فلا ردّ لما بتّ و انقضى

و لكن بغوض أن يقال:عديم

و بغوض:مشتقّ من«باغض»لا من«مبغض»كما هو المشهور في«فعول».

و منه ما جاء في الدّعاء:«و احجبني عن أعين الباغضين».

3-أمّا قولهم:ما أبغضه لي!فهو إمّا من«أبغض» فيكون شاذّا،مثل:أخصر من«اختصر»،لأنّ أفعل التّفضيل و التّعجّب لا يشتقّ من الثّلاثيّ المزيد،و قياسه -مثلا-ما أشدّ بغضه لي!و هو قول الجوهريّ.و إمّا من «بغض»أو«بغض»،من قولهم:بغض فلان إليّ،و هذا قول ابن برّيّ.و كلا القولين سائغ في اللّغة،إلاّ أنّ الأوّل مخالف للقياس،و الثّاني موافق له.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة لفظة واحدة-و هي البغضاء- خمس مرّات:

1- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ الممتحنة:4

2- ...وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

المائدة:64

3- وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ سَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. المائدة:14

ص: 257

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ آل عمران:118

5- إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ المائدة:91

يلاحظ أوّلا:أنّ القرآن لم يستعمل فعلا و لا صفة من مادّة«ب غ ض»،كما استعمل نقيضه«ح ب ب» بصيغ مختلفة في أكثر من سبعين مرّة.و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ اللّه يبغض البغض و يحبّ الحبّ، و أنّه يأبى ذكرها إلاّ إذا لم يؤدّ معناه لفظ آخر،و هو أشدّ البغض كما يأتي.

ثانيا:أنّه لم يستعمل منها إلاّ«البغضاء»و هي شدّة البغض؛إمّا بين أولياء اللّه و بين أعدائه كما في(1)،فإنّها بين إبراهيم و أعدائه من المشركين،و في(4)فإنّها بين المؤمنين و أعدائهم من اليهود.أو بين الكفّار أنفسهم كما في(3)،فإنّها بين اليهود،و في(3)فإنّها بين النّصارى.أو بين المؤمنين أنفسهم كما في(5).

فلم يرض اللّه باستعمال هذه الكلمة إلاّ بين المؤمنين و أعدائهم،أي في سبيل العقيدة دون شيء آخر،كالمال و الجاه و نحوهما من أمور الدّنيا،فإنّها مهما بلغت من الأهميّة لا تليق بهذه الشّدّة من البغض.أمّا الدّين فيليق بذلك،لأنّه سبيل اللّه،و قد ورد في الحديث«و هل الدّين إلاّ الحبّ و البغض».

ثالثا:جاءت(البغضاء)وحدها في(4)الواردة في بغضاء الكفّار للمؤمنين،و جاءت مع(العداوة)في سائر الآيات أربع مرّات.و السّرّ فيه يكمن في الفرق بين العداوة و البغضاء،فقد قالوا:إنّ النّسبة بينهما عموم و خصوص مطلق،قال ابن عطيّة في(المحرّر الوجيز 2:

216):«العداوة أخصّ من البغضاء،لأنّ كلّ عدوّ فهو يبغض،و قد يبغض من ليس بعدوّ،و كأنّ العداوة شيء مشتهر يكون عنه عمل و حرب،و البغضاء قد لا تتجاوز النّفوس»،و مثله حكى الآلوسيّ(6:183)عن «السّمين».

و قال المصطفويّ: «البغض صفة نفسانيّة في قبال الحبّ،فإذا اشتدّ و ظهر في مقام العمل فهو«العداوة»، فإنّه مأخوذ من التّعدّي،و بينهما عموم و خصوص من وجه».و كان ينبغي له أن يقول-كما قال ابن عطيّة و السّمين-:إنّ العداوة أخصّ من البغض بوجه مطلق.

و لكن ظاهر ما نقل عن ابن عبّاس في(تنوير المقباس:90)أنّهما متباينان،قال:«العداوة بالقتل و الهلاك،و البغضاء في القلب».و فيه تسامح،فإنّ العداوة لا تخلو من شيء من البغض.

و كيف كان،فالظّاهر أنّ(العداوة)هنا هي البغض مع التّصدّي لإعماله بالتّعدّي.و إذا كان كذلك فالآية(4) بصدد بيان أنّ الكفّار يبطنون البغضاء للمؤمنين في نفوسهم،و قد تبدو-من حيث لا يشعرون-من أفواههم،لكنّهم لم يبرزوها بأيديهم و لمّا يعتدوا على المؤمنين،فلا يناسب هنا ذكر(العداوة)مع(البغضاء)،أمّا الآيات الأربع فأريد بها تحقّقهما معا.

و تطرح هاهنا أربعة أسئلة:

1-لم قدّمت(العداوة)على(البغضاء)فيها،مع أنّها

ص: 258

متأخّرة عنها طبعا،إذ العدوّ يبغض عدوّه أوّلا ثمّ يعتدي عليه؟

و الجواب يكمن في كلام الرّاغب،فإنّه قال:«العدو:

التّجاوز و منافاة الالتئام،فتارة يعتبر بالقلب،فيقال له:

العداوة و المعاداة،و تارة بالمشي،فيقال له:العدو،و تارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة،فيقال له:العدوان و العدو...».

و عليه ف«العداوة»و إن كانت من مادّة العدوان،إلاّ أنّها خاصّ بالمنافرة قلبا،فهي من هذه الجهة أعمّ من «البغضاء»،أي تشمل الخفيف و الشّديد،و البغضاء خاصّ بالبغض الشّديد.فالعداوة و البغضاء ابتداء بالخفيف و الأعمّ و انتهاء بالشّديد و الأخصّ،و هذا شائع في كلامهم،و في القرآن حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة:238، فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّانٌ الرّحمن:68،و هذا كقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48،فعن المبرّد -الفروق اللّغويّة:11-أنّ الشّرعة لأوّل الشّيء، و المنهاج لمعظمه و متّسعه.

ثمّ شاعت كتعبير قرآنيّ في المحاورات،فيقال:

العداوة و البغضاء،بتقديم العداوة.

أمّا في(2): طُغْياناً وَ كُفْراً وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ، فجاء(طغيانا و كفرا)معا ابتداء بالأعمّ و انتهاء بالأخصّ،و تلاهما(العداوة و البغضاء)كذلك، مع تفاوت أنّ الأوّلين نكرتان،و الأخيرين معرفتان، و كأنّهما متقابلان،أي العداوة تقابل الطّغيان،و البغضاء تقابل الكفر،أو المجموع للمجموع.

2-لما ذا جاءت العداوة و البغضاء في الجميع بالألف و اللاّم؟

و الجواب:أنّها لتعريف الجنس كالإنسان و الرّجل و المرأة،و المراد جنسهما و ماهيّتهما الكاملة،و لو نكّرتا لم يفهم منهما سوى المرّة،أو القليل منهما.

3-الفعل المتعلّق ب(العداوة و البغضاء)تارة لازم، و هو(بدا)و(بدت)،و الاسمان فاعلان له،ففي(1):

وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ، و في(4) قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ، و بينهما فرق:

فإنّ إظهار العداوة و البغضاء في(1)من قبل المؤمنين يكون تعمّدا بعد براءتهم من الكفّار بقولهم: إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ فعطفوا(بدا)على(كفرنا) مع التّصريح ب(بيننا و بينكم)تأكيدا في الشّقاق و البون الشّاسع بين الطّائفتين:المؤمنين و الكافرين،فبدوّ العداوة و البغضاء فيها من آثار كفرهم و براءتهم من الكفّار.

و هذا بخلاف(4)ففيها قد بدت البغضاء-مجرّدة عن العداوة لما سبق-من أفواه الكفّار قهرا من دون عمد و قصد لشدّة ما في قلوبهم من البغضاء حتّى لا يمكنهم إبطانها.

و تارة متعدّ،و الاسمان مفعولان له.و هذا الفعل (القينا)في(2)،و(اغرينا)في(3)،فاعلهما(اللّه)، و(يوقع)في(5)،و فاعله(الشّيطان)،فهل في هذا سرّ؟

و الجواب:أنّ(القينا)جاء في شأن اليهود،و هو من «اللّقاء»و هو كما قال الرّاغب:«مقابلة الشّيء بالشّيء و مصادفتهما معا،و الإلقاء:طرح الشّيء حيث تلقاه، أي تراه».فكأنّ اللّه ألقى بين اليهود عداوة و بغضاء

ص: 259

مشهورتين مشاهدتين.و(اغرينا)جاء في شأن النّصارى،و أصله من اللّصوق،كما قال الطّبرسيّ(3:

349)،و من الغراء و هو ما يلصق به،عند الرّاغب (606)و غيره.

فالفرق بين(القينا)و(اغرينا)أنّ(القينا)يرتكز على وضوح العداوة بين اليهود،بحيث ترى و تشهر، و(اغرينا)يرتكز على اللّصوق و اللّزوم،و أنّ العداوة بين النّصارى ثابتة لا تنفكّ عنهم،لاحظ«ل ق ي» و«غ ر ي».هذا مع إشعارهما بسيطرة اللّه عليهم،و أنّه يفعل ذلك من مقام العزّة،و لذا جاء بصيغة الجمع (القينا)،(اغرينا).

و أمّا(يوقع)فهو من الوقوع،و هو كما قال الرّاغب:

«ثبوت شيء و سقوطه»،و أكثر ما جاء في القرآن في العذاب،و شاهده قوله: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ الواقعة:1،2،فكأنّ اللّه يريد أنّ الشّيطان يوقع النّاس بالخمر و الميسر،و يسقطهم في الشّدّة و العذاب،فالتّركيز فيها في السّقوط في الشّدّة -لاحظ«و ق ع»-دون تصريح بسيطرة الشّيطان عليهم.

4-جاء في أربع منها لفظ(بين)مع العداوة و البغضاء،ففي(1): وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ، و في(2): وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ، و في(3) فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ، و في(5) أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ، و في واحدة-و هي(4)-بدون(بين):

قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ فما هو سرّها؟

و الجواب:وجهه ظاهر،و هو أنّ في تلك الأربع جاءت(البغضاء)مع(العداوة)و هي بين اثنين.أمّا في (4)فجاءت(البغضاء)وحدها،و كأنّ(العداوة)الّتي تحمل التّعدّي تستلزم أن تكون بين اثنين دون(البغضاء) وحدها،و المراد بها بغض الكفّار المؤمنين دون العكس، و في تلك تحقّق البغض من الطّرفين،مع أنّ المخاطب للبغضاء في(4)معلوم و هو المؤمنون.

رابعا:هذه الآيات كلّها مدنيّة،تناسب حالة ما بعد الهجرة؛حيث بدأ فيها القتال و الحرب بين المؤمنين و الكفّار،فأولاها نزولا في آل عمران الّتي نزلت في السّنة الثّالثة من الهجرة،و هي تمنع المؤمنين من اتّخاذ بطانة من غيرهم.

و ثانيتها في الممتحنة،و هذه السّورة تبيّن سلوك المؤمنين مع الكفّار،و تمنع المسلمين من اتّخاذ أعداءهم أولياء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ... الممتحنة:1.

أمّا الثّلاث الباقية فجاءت في سورة المائدة الّتي نزلت في آخر ما نزل من السّور على قول مشهور،و هي تشتمل على أشدّ العداء بين المؤمنين و الكفّار و لا سيّما أهل الكتاب،فتشتمل في اثنتين منها على العداء بين اليهود و العداء بين النّصارى،ليجنّب المؤمنين من وقوع العداء بينهم،كما بين أهل الكتاب،و قد وقع للأسف ذلك.

و في واحدة منها(العداوة و البغضاء)اللّتان يريد الشّيطان أن يوقعهما في الخمر و الميسر بين المؤمنين، و هذا يشعر إشعارا لطيفا بأنّ الخمر و الميسر يجعلان المؤمنين أعداء،مثل اليهود و النّصارى.

ص: 260

ب غ ل

اشارة

البغال

لفظ واحد،مرّة واحدة مكّيّة:في سورة مكّيّة

النّصوص

وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها... النّحل:8

الخليل: البغلة و البغل:معروفان.

و«البغل بغل و هو لذلك أهل (1)»

و التّبغيل:مشية الإبل في سعة.(4:421)

الأصمعيّ: التّبغيل:مشي فيه اختلاط بين العنق و الهملجة.(الأزهريّ 8:139)

مثله ابن السّكّيت.(682)

ابن دريد :البغل:معروف،و اختلفوا في اشتقاقه، فقال قوم:من«التّبغيل»و هو ضرب من سير الإبل.

هل تبلّغني أدنى دارهم قلص

يزجى أوائلها التّبغيل و الرّتك

و قال قوم:بل هو من الغلظ و صلابة الجسم،و يقال:

نكح فلان في بني فلان فبغّلهم،أي هجّن أولادهم.

(1:318)

الأزهريّ: يقال:تزوّج فلان فلانة فبغّل أولادها، إذا كان فيهم هجنة.و رجل بغّال:صاحب بغال.و يجمع البغل:بغالا.(8:139)

الجوهريّ: البغل:واحد البغال الّتي تركب، و الأنثى بغلة.و المبغولاء:جماعة البغال.و البغّال:

صاحب البغل.(4:1636)

ابن فارس: الباء و الغين و اللاّم يدلّ على قوّة في الجسم،من ذلك«البغل».

قال قوم:سمّي بذلك لقوّة خلقه.

و قد قالوا:سمّي بغلا من«التّبغيل»و هو ضرب من السّير.

و الّذي نذهب إليه أنّ«التّبغيل»مشتقّ من سير البغل.(1:271)

ص: 261


1- قال محقّق«العين»في الهامش:عبارة لم نهتد إليها.

ابن سيدة: البغل:هذا الحيوان الشّحّاج.و الجمع:

بغال.و مبغولاء:اسم للجمع.

و البغّال:صاحب البغال،حكاه سيبويه و عمارة بن عقيل.

و نكح فيه فبغلهم،و بغّلهم:هجّن أولادهم.و هو من«البغل»لأنّ البغل يعجز عن شأو الفرس.

و التّبغيل:من مشي الإبل؛مشي فيه سعة.و قيل:

هو بين الهملجة و العنق.(5:535)

البغل:الشّحّاج من الحيوان،و هو بين الحمار و الفرس،و الجمع:بغال،و هي بغلة،و الجمع:بغلات، و اسم الجمع:مبغولاء.

بغل بغولة و بغّل تبغيلا:بلّد و أعيا.

و البغّال:القائم على رعاية البغل.

(الإفصاح 2:704)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ النّحل:8.

البغل:المتولّد من بين الحمار و الفرس.و تبغّل البعير:

تشبّه به في سعة مشيه،و تصوّر منه عرامته و خبثه،فقيل في صفة النّذل:هو بغل.(55)

الزّمخشريّ: البغل نغل (1)،و هو لذلك أهل.

و فلانة أعقر من بغلة.

و طريق فيه أبوال البغال،إذا كان صعبا.

و من المجاز:يقول أهل مصر:اشترى فلان بغلة حسناء،يريدون الجارية.و في بيت فلان بغال كثير.

و اشتريت من بغال اليمن،و لكن بغالي الثّمن.

و نكح فلان في بني فلان فبغّل أولادهم،أي هجّنهم.

و بغّلت في المشي:بلّدت و أعييت.و بغل بغولة،إذا بلد.

و هو من الثّور أبغل،و من الحمار أنغل.

(أساس البلاغة:27)

ابن الأثير: في قصيد كعب بن زهير:

*فيها على الأين إرقال و تبغيل*

التّبغيل:تفعيل من«البغل»كأنّه شبّه سيرها بسير البغل،لشدّته.(1:143)

الفيّوميّ: البغل:معروف،و جمع القلّة:أبغال، و جمع الكثرة:بغال.و الأنثى:بغلة بالهاء،و الجمع:

بغلات،مثل سجدة و سجدات،و بغال أيضا.(1:56)

الدّميريّ: البغل:معروف،و كنيته أبو الأشحج و أبو الحرون و أبو الصّفر و أبو قضاعة و أبو قموص و أبو كعب و أبو مختار و أبو ملعون.و يقال له:ابن ناهق.

و هو مركّب من الفرس و الحمار،و لذلك صار له صلابة الحمار،و عظم آلات الخيل،و كذلك شحيجه،أي صوته؛مولّد من صهيل الفرس و نهيق الحمار.

و هو عقيم لا يولد له،و لكن في تاريخ ابن البطريق في حوادث سنة أربع و أربعين و أربعمائة:أنّ بغلة بنابلس ولدت في بطن حجرة (2)سوداء و بغلا أبيض،قال:و هذا أعجب ما سمع.و شرّ الطّباع ما تجاذبته الأعراق المتضادّة،و الأخلاق المتباينة،و العناصر المتباعدة.

و إذا كان الذّكر حمارا يكون شديد الشّبه بالفرس، و إذا كان الذّكر فرسا يكون شديد الشّبه بالحمار.ل.

ص: 262


1- جاء في«العين»:البغل بغل...
2- أنثى الخيل.

و من العجب أنّ كلّ عضو فرضته منه يكون بين الفرس و الحمار،و كذلك أخلاقه ليس له ذكاء الفرس و لا بلادة الحمار.

و يقال:إنّ أول من أنتجها قارون.

و له صبر الحمار و قوّة الفرس،و يوصف برداءة الأخلاق و التّلوّن،لأجل التّركيب.

لكنّه مع ذلك يوصف بالهدايا في كلّ طريق يسلكه مرّة واحدة،و هو مع ذلك مركب الملوك في أسفارها، و قعيدة الصّعاليك في قضاء أوطارها مع احتماله للأثقال، و صبره على طول الإيغال.(1:195)

القلقشنديّ: البغال،و فيها نوعيّة في الخيل و الحمير،و من حيث أنّها تتولّد بين حصان و أتان،أو بين حمار و حجرة.

و فيها النّفيس المختار لركوب الرّؤساء من العلماء، و الوزراء،و الحكّام،و سائر رؤساء المتعمّمين.

و إنّه صلّى اللّه عليه و سلّم في يوم أحد كان راكبا بغلة،و لو لا شرفها و نفاستها و قيامها مقام الخيل لما ركبها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في موطن الحرب.

و يستحسن فيها غالب ما يستحسن في الخيل.

و قد قيل:إنّ خيار ما يقتضي من البغال ما اشتدّت قوائمه و عظمت قصرته،و عنقه و هامته،و صفت عيناه، و رحب جوفه،و عرض كفله،و سلم من جميع العيوب و العلل.

و ممّا يستحسن في البغال دون الخيل:السّفا،و هو خفّة شعر النّاصية،و أن يكون بيديها و رجليها خطوط مختلفة،جلّ ما تكون للسّنّور.

و يقال:إنّ خير ما يختار للسّرج و الرّكوب:البغال المصريّة،لأنّ أمّهاتها عتاق و هجن.و خيار ما يحتاج إليه للسّرايا و المواكب و الرّكض مع الخيل:بغال الجزيرة و إفريقيّة.

و ممّا ينبغي التّنبيه عليه:أنّ في البغلات منها شدّة محبّة للدّوابّ إذا ربطت معها،و فساد للدّوابّ إذا اعتادتها حتّى يصير أحدهما لا يفارق الآخر إلاّ بمشقّة.

و يحسن في البغال:الخصي،و في البغلات:

التّحويص.و لا يعاب ركوب شيء منها حينئذ إذا كان نفيسا.(2:34)

الفيروزآباديّ: البغل:معروف،و الجمع:بغال.

و مبغولاء:اسم جمع،و الأنثى بهاء.

و بغلهم كمنعهم:هجّن أولادهم كبغّلهم.

و بغّل تبغيلا:بلّد و أعيا،و الإبل مشت بين الهملجة و العنق.(3:346)

مجمع اللّغة :البغل؛و جمعه بغال،و أنثاه بغلة:

حيوان يتولّد من الحمار و الفرس.و الشّأن في البغال العقم.(1:113)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:75)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ«البغل»اسم على وزان«فلس»متوسّط بين الفرس و الحمار،كما في الآية الشّريفة.و مأخوذ من البلوغ و الغلبة بالاشتقاق الكبير، و لعلّ الدّلالة على قوّة الجسم مستفادة من هذا المعنى.

و أمّا اشتقاق صيغ:بغل و بغّل و تبغّل و أمثالها، فانتزاعيّ.(1:290)

ص: 263

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البغل»،و هو الحيوان المولّد من الحجر و الحمار،أو من الأتان و الحصان.

و الأنثى بغلة،و الجمع بغال،و اسم الجمع مبغولاء، و صاحبها البغّال.

و التّبغيل:نوع من سير الإبل،ملفّق بين العنق و الهملجة.

2-و البغل حيوان عقيم،مركّب من شمائل الفرس و الحمار و صفاتهما،و هو يكتسب الصّفات الوراثيّة من أمّه،فإذا كان الذّكر حصانا يكون شبيها بالحمار،فتغلب عليه بلادته،و إذا كان الذّكر حمارا يكون شبيها بالفرس، فيكتسب شيئا من ذكائه.

و في كلا الحالتين فهو لا قوام له بمطاولة الفرس و أصالته،و لذا تعيب العرب المرأة الّتي تتزوّج رجلا هو دونها في الحسب و النّسب،يقال:تزوّج فلان فلانة فبغّل أولادها،أي هجّنهم.

3-و ذهب المستشرق الألمانيّ(هومّل)-كما قال (آرثرجفري)في«المفردات الدّخيلة في القرآن»-إلى أنّ لفظ«البغل»حبشيّ،و أصله في لغة الأحباش«بقل»، و استدلّ بكثرة وجود هذا الحيوان في الحبشة،ككثرة وجود الإبل في الجزيرة العربيّة.

و هذا ليس بشيء؛إذ لا يتوقّف الوضع في اللّغة على كثرة الشّيء و ندرته،أو على كبره و صغر جثّته،فقد سمّت العرب«النّعامة»-و هو طائر يعيش في إفريقيا، و يندر وجوده في بلاد العرب-بأسماء مختلفة حسب جنسه و سنّه،و وصفت أعضاءه و أطوار ريشه،و حكت أصواته،و بيّنت نعوته و أسماء بيضه،ثمّ سمّت فراخه منذ خروجها من البيض إلى فتوّتها.

و نحسب لفظ«بقل»الحبشيّ منقولا من اللّفظ العربيّ «بغل»،لعدم وجود حرف الغين في الحبشيّة و كذا في السّريانيّة،إذ جاء فيها بلفظ«بجلا».

الاستعمال القرآنيّ

يلاحظ أوّلا:أنّ(البغال)-جمعا-جاءت مرّة واحدة في سورة مكّيّة في عداد الأنعام:

وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ* وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ النّحل:5-8

ثانيا:جاءت الأنعام في القرآن(26)مرّة،لاحظ «ن ع م»و تشمل الحيوانات الأهليّة من البقر و الغنم و الإبل و الخيل و البغال و الحمير.و ذكرت في هذه الآيات بنحو العموم أوّلا،و ذكرت منافعها من الدّفء و الأكل، و الجمال حين الرّواح،و حمل الأثقال،ثمّ ذكرت أخيرا الخيل و البغال و الحمير دون ذكر الأكل،فقال:

لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً، فلو لا نصوص أخرى،دلّت الآيات على عدم صلاحيّتها للأكل،أو أنّها لم تكن مأكولة حين ذاك.

ثالثا:قد تقدّم في النّصوص أنّ«البغل»حيوان متولّد من الفرس و الحمار،و هو وسط بينهما في جميع الجهات،

ص: 264

كما جاء في الآية متوسّطا بينهما أيضا،إلاّ أنّه قدّمت الخيل عليها لشرفها عليها.

رابعا:(البغال)جمع كثرة للبغل،و كذا الحمير للحمار،أمّا الخيل فاسم جمع،و امتازت الخيل عنهما في هذه الجهة أيضا.و قد جاءت هذه كلّها جمعا بدل المفرد موافقة للفظ«الأنعام»،و إشارة إلى أنّها تركب غالبا في جماعات من القوافل و الجيوش:

1- اَلْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ آل عمران:14

2- وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ الأنفال:60

3- اَلْخَيْلَ وَ الْبِغالَ النّحل:8

4- مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ الحشر:6

خامسا:جاءت الخيل في القرآن-كما سبق-أربع مرّات معرّفة و منكّرة،كما جاء الحمار أربع مرّات أيضا:

مفردا مرّتين،و جمعا مرّتين:

1- كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5

2- وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ البقرة:259

3- وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ النّحل:8

4- إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ

لقمان:19

فقد لوحظ التّوازن بين الفرس و الحمار عددا،مع احتفاظ«الخيل»بهذا اللّفظ شرفا،و اختلاف«الحمار» بين الجمع و المفرد،و مع اختصاص«الخيل»شرفا بالجهاد في سبيل اللّه،في اثنتين منها(2)و(4)،و من النّعم الموهوبة في اثنتين(2)و(3).

أمّا«الحمار»فجاء محقّرا في اثنتين بل في ثلاثة(1) و(2)و(4)،و جعل من النّعم الموهوبة مرّة واحدة فقط (3).فمع التّوازن العدديّ بينهما روعي جانب الشّرف للخيل.

سادسا:جاءت«الخيل»في ثلاث سور مدنيّة:آل عمران،و الأنفال،و الحشر،و في سورة مكّيّة واحدة و هي النّحل.و جاء«الحمار»في سورتين مدنيّتين:البقرة و الجمعة،و في سورتين مكّيّتين:النّحل و لقمان،ففضّل جانب الخيل في المدنيّة بواحدة،لأنّها دار حرب و جيش و جهاد.

أمّا«الحمار»فهو للرّكوب فقط،و يضرب به المثل لبلادته و حقارته و تسخيره للرّكوب.و هذه أمور مشتركة بين مكّة و المدينة بنسبة واحدة،فجاءت مرّتين في مكّة،و مرّتين في المدينة،و اكتفى في«البغال»بمرّة واحدة للرّكوب فقط،في عداد الأنعام في سورة مكّيّة.

ص: 265

ص: 266

ب غ ي

اشارة

39 لفظا،96 مرّة:50 مكّيّة،46 مدنيّة

في 41 سورة:24 مكّيّة،17 مدنيّة

بغى 2:2 البغي 3:3

بغوا 1:-1 بغيا 6:3-3

بغت 1:-1 بغيهم 1:1

بغي 1:-1 بغيكم 1:1

يبغي 1:1 البغاء 1:-1

يبغيان 1:-1 ابتغى 2:2

يبغون 5:3-2 ابتغوا 2:1-1

يبغونها 3:3 ابتغيت 1:-1

يبغونكم 1:-1 يبتغ 1:-1

تبغي 1:-1 يبتغون 7:-7

تبغ 1:1 تبتغي 2:1-1

تبغونها 2:1-1 تبتغون 1:-1

تبغوا 1:-1 تبتغوا 10:7-3

أبغي 1:1 أبتغي 1:-1

أبغيكم 1:1 نبتغي 1:-1

نبغي 1:1 ابتغ 2:2

نبغ 1:1 ابتغوا 4:1-3

باغ 3:2-1 ابتغاء 13:2-11

بغيّا 2:2 ابتغاؤكم 1:1

ينبغي 6:6

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بغى بغاء،أي فجر،و هو يبغي.

و البغية:نقيض الرّشدة،في الولد،يقال:هو ابن بغية،قال:

لدى رشدة من أمّه أو لبغية

فيغلبها فحل على النّسل منجب

و ابن رشدة،إذا كان من ماء صاف.و البغية،من الزّنى.

ص: 267

و البغية:مصدر الابتغاء،تقول:هو بغيتي،أي طلبتي و طيّتي.

و بغيت الشّيء أبغيه بغاء،و ابتغيته:طلبته.

و تقول:لا ينبغي لك أن تفعل كذا،و ما انبغى لك،في الماضي،أي ما ينبغي.

و البغي في عدو الفرس:اختيال و مرح،و إنّه ليبغي في عدوه.و لا يقال:فرس باغ.

و البغي:الظّلم،و الباغي:الظّالم.

و البغايا:الجواري.

و البغايا:الطّلائع،الواحدة:بغيّة أيضا.(4:453)

الكسائيّ: أبغيتك الشّيء،إذا أردت أنّك أعنته على طلبه.فإذا أردت أنّك فعلت ذلك له قلت:بغيتك.

و كذلك أعكمتك و أحملتك،إذا أعنته.و عكمتك العكم،أي فعلته لك.(الأزهريّ 8:210)

ما لي و للبغ بعضكم على بعض،أراد:و للبغي،و لم يعلّله.(ابن سيدة 6:28)

سمعت من العرب:و ما ينبغي أن يكون كذا،أي ما يستقيم،أو ما يحسن.(الفيّوميّ 1:57)

الفرّاء: البغاء:الزّنى.(2:251)

نحوه أبو عبيدة.(2:606)

يقال:ابغني نارا،ابغني ثوبا،المعنى ابتغه لي وحدك.

و أبغني الشّيء:ابتغه معي:أعنّي.

فإذا جئت ب«لي»قلت:ابغ لي الشّيء،و لم تهمز.

(الحربيّ 2:607)

نحوه الخطّابيّ.(1:118)

أبو زيد: العرب تقول:انبغى له الشّيء ينبغي انبغاء.

و الصّحيح أنّ استعماله بلفظ المضيّ قليل،و الأكثر من العرب لا يقوله،فهو نظير يدع و ودع؛إذ كان«و د ع» لا يستعمل إلاّ في القليل.(الزّبيديّ 10:39)

الأصمعيّ: يقال:ابغني كذا و كذا،أي اطلبه لي، و معنى ابغني و ابغ لي سواء.

فإذا قال:أبغني كذا و كذا،فمعناه أعنّي على بغائه، و اطلبه معي.[إلى أن قال:]

بغت المرأة و هي تبغي بغاء،إذا فجرت،و قال اللّه جلّ و عزّ: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ النّور:33، و البغاء:الفجور.و قال اللّه: وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا مريم:28،أي ما كانت فاجرة.

و امرأة بغيّ،و باغت المرأة تباغي بغاء،إذا زنت، و هذا كلّه من كلام العرب.

بغى الرّجل حاجته أو ضالّته يبغيها بغاء و بغية و بغاية،إذا طلبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان ذو بغاية للكسب،إذا كان يبغي ذلك.

و ارتدّت على فلان بغيته،أي طلبته؛و ذلك إن لم يجد ما طلب.و الرّجل يبغي على صاحبه بغيا.

و يقال:بغى الجرح و هو يبغي بغيا؛إذا ترامى إلى فساد.

و يقال:دفعنا بغي السّماء خلفنا،أي شدّتها،و معظم مطرها.

و يقال:قامت البغايا على رءوسهم،يعني الإماء، و الواحدة:بغيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و البغايا أيضا:الطّلائع،الواحدة:بغيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 268

و يقال:جاء بغيّة القوم و شيّفتهم،أي طليعتهم.

(الأزهريّ 8:210،211)

نحوه ابن خالويه.(ابن منظور 14:77)

قال ابن عبّاس: «لو بغى جبل على جبل لجعل الباغي منهما دكّا»:بغى الرّجل على صاحبه يبغي بغيا، و ذلك أن يحمله على ما يكره مقتدرا.(الحربيّ 2:606)

البغية مثل الجلسة:الحال الّتي تبغيها،و البغية:

الحاجة نفسها.(الجوهريّ 6:2281)

اللّحيانيّ: بغيت على أخيك بغيا،أي حسدته، بغيا.(الأزهريّ 8:209)

بغى الرّجل الخير و الشّرّ،و كلّ ما يطلبه بغاء و بغية و بغى مقصور.

و قال بعضهم:بغية و بغى.[ثمّ استشهد بشعر]

و البغيّة:الطّلبة،و كذلك البغية،تقول:بغيتي عندك و بغيّتي عندك.

و قال بعضهم:البغيّة:الضّالّة،و قد بغيت بغيّتي،أي طلبت ضالّتي،و الباغي:الّذي يطلب الشّيء الضّالّ، و جمعه:بغاة و بغيان.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ما انبغى لك أن تفعل،و ما ابتغى لك،أي ما ينبغي.(الأزهريّ 8:211)

أصل البغي:الحسد،ثمّ سمّي الظّلم:بغيا،لأنّ الحاسد ظالم.(الهرويّ 1:191)

نحوه الأزهريّ.(8:209)

استبغى القوم فبغوه،و بغوا له،أي طلبوا له.

لا يقال:رجل بغيّ.(ابن سيدة 6:27)

أبو عبيدة: في حديث عمرو بن العاص حين قدم على عمر من مصر،و كان واليه عليها،فقال:كم سرت؟فقال:عشرين.فقال عمر:لقد سرت سير عاشق.فقال عمرو:إنّي و اللّه ما تأبّطني الإماء و لا حملتني البغايا في غبرات المآلي.فقال عمر:و اللّه ما هذا بجواب الكلام الّذي سألتك عنه!و إنّ الدّجاجة لتفحص في الرّماد فتضع لغير الفحل،و البيضة منسوبة إلى طرقها.

فقام عمرو متربّد الوجه.

قوله:«و لا حملتني البغايا في غبرات المآلي»أمّا البغايا فإنّها الفواجر.(2:258)

البغايا:الإماء،لأنّهنّ كنّ يفجرن.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيدة 6:28)

البغي:الكثير من المطر،و بغت السّماء:اشتدّ مطرها.

(ابن منظور 14:79)

ابن السّكّيت: و البغايا من النّساء:الفواجر.

و البغايا أيضا:الإماء،و الواحدة منهما:بغيّ.و البغايا:

الطّلائع،واحدتها:بغيّة،و هي الطّليعة.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:342)

ابن أبي اليمان :يقال:بغت المرأة،و هي تبغي بغاء،إذا فجرت.و هي امرأة بغيّ على«فعيل».و البغيّ:

الأمة.

و يقال:بغى الرّجل الحاجة يبغيها بغاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول العرب:أبغني كذا و كذا،أي اطلبه لي، و يقال:أبغني كذا و كذا إبغاء،أي أعنّي عليه،و أطلبه معي.(47)

الحربيّ: عن ابن مسعود:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن

ص: 269

مهر البغيّ».قوله:«مهر البغيّ»هي المرأة الزّانية، و الاسم:البغاء،و قال اللّه تعالى: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ النّور:33.(2:603)

ثعلب :لي في بني فلان بغية،أي حاجة و طلبة.

(51)

و قوم بغاء:بغى بعضهم على بعض.

(ابن سيدة 6:28)

كراع النّمل:جمل باغ:لا يلقح.(ابن سيدة 6:29)

الطّبريّ: البغي:مصدر من قول القائل:بغى فلان على فلان بغيا،إذا طغى و اعتدى عليه،فجاوز حدّه؛ و من ذلك قيل للجرح إذا أمدّ،و للبحر إذا كثر ماؤه ففاض،و للسّحاب إذا وقع بأرض فأخضبت:بغى،كلّ ذلك بمعنى واحد،و هي زيادته و تجاوز حدّه.

(2:337)

الزّجّاج: يقال:انبغى لفلان أن يفعل كذا،أي صلح له أن يفعل.و كأنّه يطلب فعل كذا،فانطلب له،أي طاوعه.و لكنّه اجتزئ بقولهم:انبغى.

(الأزهريّ 8:212)

السّجستانيّ: بغى عليهم،أي ترفّع عليهم،و علا و جاوز المقدار.(145)

الأزهريّ: و يقال:أبغني شيئا،أي أعطني،و ابغ لي شيئا.و يقال:استبغيت القوم فبغوا لي و بغوني،أي طلبوا لي.

و يقال:فلان يبغي على النّاس،إذا ظلمهم و طلب أذاهم.

و الفئة الباغية،هي الظّالمة،الخارجة عن طاعة الإمام العادل.(8:212)

و كلام العرب المعروف:فلان ابن غيّة و ابن زنية و ابن رشدة،و قد قيل:زنية و رشدة،و الفتح أفصح اللّغتين.

فأمّا غيّة،فلا يجوز فيه غير الفتح.و أمّا ابن بغية فلم أجده لغير اللّيث،و لا يبعد عن الصّواب.

(8:213)

الخطّابيّ: قال الأعشى:

كالذئبة الغبساء في ظلّ السّرب

خرجت أبغيها الطّعام في رجب

و قوله:أبغيها الطّعام،معناه أمتاره،و أبغيه لها، كقوله تعالى: وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ المطفّفين:3، المعنى كالوا لهم،و وزنوا لهم،كقوله: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ الأعراف:155،أي من قومه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أكثر ما يقال:البغي في طلب الشّرّ،و أقلّه ما جاء في طلب الخير،كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إذا جاء شهر رمضان فتّحت له أبواب الجنّة،و غلّقت أبواب النّار،و صفّدت الشّياطين،و قيل:يا باغي الخير أقبل،و يا باغي الشّرّ أقصر».[ثمّ استشهد بشعر](1:242)

في حديث أبي بكر:«أنّه خرج في بغاء إبل،فدخل عند الظّهيرة على امرأة،يقال لها:حيّة،فسقته ضيحة حامضة».قوله:في بغاء إبل،أي في طلب إبل.

(2:11)

في حديث أبي بكر رضي اللّه عنه:«أنّه لمّا خرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة لقيه رجل بكراع الغميم،فقال:

ص: 270

من أنتم؟فقال أبو بكر:باغ و هاد،و كان يركب خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيقول له:تقدّم على صدر الرّاحلة حتّى تعرّب عنّا من لقينا،فيقول:أكون وراءك و أعرّب عنك.

و قوله:باغ و هاد،يعرّض ببغاء الإبل و بهداية الطّريق،و هو يريد أنّه يبغي الخير و يطلب الدّين،و أنّ صاحبه يهدي من الضّلالة.يقال:بغى الرّجل ضالّته يبغي بغاء،مضمومة الباء،و رجل باغ،و قوم بغاة و بغيان.(2:32)

الجوهريّ: البغي:التّعدّي.و بغى الرّجل على الرّجل:استطال.

و بغى الجرح:ورم،و ترامى إلى فساد.

و بغى الوالي:ظلم.

و كلّ مجاوزة في الحدّ و إفراط على المقدار الّذي هو حدّ الشّيء،فهو بغي.

و برىء جرحه على بغي،و هو أن يبرأ،و فيه شيء من نغل.(6:2281)

و يقال:بغيت المال من مبغاته،كما تقول:أتيت الأمر من مأتاته،تريد المأتى و المبغى.(6:2282)

ابن فارس: الباء و الغين و الياء أصلان:أحدهما:

طلب الشّيء،و الثّاني:جنس من الفساد.

فمن الأوّل:بغيت الشّيء أبغيه،إذا طلبته،و يقال:

بغيتك الشّيء،إذا طلبته لك.و أبغيتك الشّيء،إذا أعنتك على طلبه.

و البغية و البغية:الحاجة.

و تقول:ما ينبغي لك أن تفعل كذا.

و هذا من أفعال المطاوعة،تقول:بغيت فانبغى،كما تقول:كسرته فانكسر.

و الأصل الثّاني:قولهم:بغى الجرح،إذا ترامى إلى فساد،ثمّ يشتقّ من هذا ما بعده،فالبغيّ:الفاجرة،تقول بغت تبغي بغاء،و هي بغيّ.

و منه أن يبغي الإنسان على آخر،و منه بغي المطر، و هو شدّته و معظمه.و إذا كان ذا بغي فلا بدّ أن يقع منه فساد.(1:271)

أبو هلال: الفرق بين قولك:يجب كذا،و قولك:

ينبغي كذا؛أنّ قولك:ينبغي كذا،يقتضي أن يكون المبتغي حسنا،سواء كان لازما أو لا،و الواجب لا يكون إلاّ لازما.(187)

الفرق بين الظّلم و البغي:أنّ الظّلم ما ذكرناه:[أصل الظّلم نقصان الحقّ]

و البغي:شدّة الطّلب لما ليس بحقّ بالتّغليب،و أصله في العربيّة:شدّة الطّلب.

و منه يقال:دفعنا بغي السّماء خلفنا،أي شدّة مطرها.و بغى الجرح يبغي،إذا ترامى إلى فساد،يرجع إلى ذلك.و كذلك«البغاء»و هو الزّنى.

و قيل:في قوله تعالى: وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف:33،أنّه يريد التّرؤّس على النّاس،بالغلبة و الاستطالة.(192)

الهرويّ: في حديث إبراهيم النّخعيّ:«أنّ إبراهيم بن المهاجر جعل على بيت الورق،فقال النّخعيّ:ما بغي له»أي ما خير له.

و في الحديث:«فانطلقوا بغيانا»البغيان:جمع باغ، كما تقول:راع،و رعيان.(1:193)

ص: 271

ابن سيدة: بغى الشّيء-ما كان خيرا أو شرّا- يبغيه بغاء،و بغى.الأخيرة عن اللّحيانيّ،و الأولى أعرف.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابتغاه،و تبغّاه،و استبغاه،كلّ ذلك:طلبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاسم:البغية،و البغية.

قال ثعلب:بغى الخير بغية و بغية،فجعلهما مصدرين.

و البغية:الحاجة.

و البغية و البغية،و البغيّة:ما ابتغي.

و البغيّة:الضّالّة المبغيّة.

و البغية،و البغية:الحاجة المبغيّة.

و أبغاه الشّيء:طلبه له،أو أعانه على طلبه.

و قيل:بغاه الشّيء:طلبه له،و أبغاه إيّاه:أعانه عليه.

و الباغي:الطّالب.و الجمع:بغاة،و بغيان.

و انبغى الشّيء:تيسّر،و تسهّل،و قوله تعالى:

وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ يس:69،أي يتسهّل له.

و إنّه لذو بغاية،أي كسوب.

و البغية في الولد:نقيض الرّشدة.

و بغت الأمة تبغي بغيا،و باغت مباغاة،و بغاء،و هي بغيّ و بغوّ:عهرت.

و قيل:البغيّ: الأمة،فاجرة كانت أو غير فاجرة.

و قيل:البغيّ أيضا:الفاجرة،حرّة كانت أو أمة.و في التّنزيل: وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا مريم:28،فأمّ مريم حرّة لا محالة.لذلك عمّ ثعلب ب«البغاء»فقال:بغت المرأة،فلم يخصّ أمة و لا حرّة.

و البغيّة:الطّليعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بغى الرّجل علينا بغيا:عدل عن الحقّ و استطال.

و بغى عليه يبغي بغيا:علا عليه و ظلمه،و في التّنزيل: بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ص:22،و فيه:

وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف:33.

و بغى بغيا:كذب.

و بغى في مشيته بغيا:اختال و أسرع،و كذلك الفرس،و لا يقال:فرس باغ.

و البغي:الكثير من المطر.

و بغى الجرح بغيا:فسد و أمدّ.

و برئ جرحه على بغي،إذا برئ،و فيه شيء من نغل.

و بغى الشّيء بغيا:نظر إليه كيف هو.

و بغاه بغيا:رقبه و انتظره.

و ما ينبغي لك أن تفعل،و ما يبتغي،أي لا نولك.

(6:27)

الطّوسيّ: البغي:طلب العلوّ بغير الحقّ،و منه قيل لولاة الجور:بغاة.

يقال بغى يبغي بغيا:فهو باغ،و ابتغي كذا ابتغاء،إذا طلبه.

و يبتغي فعل الحسن،أي يطلب فعله بدعائه إلى نفسه.(8:175)

معنى البغي الاستعلاء بالظّلم،و هو خلاف الاستعلاء بالحجّة.

ص: 272

و البغي يدعو إلى الاختلاف،لما فيه من طلب الرّفعة،بما لا يرجع إلى حقيقة،و لا يسوغ في الحكمة، و إنّما كان ذلك طلبا للرّئاسة،و الامتناع من الانقياد للحقّ بالأنفة.(9:255)

الرّاغب: البغي:طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى،تجاوزه أو لم يتجاوزه.

فتارة يعتبر في القدر الّذي هو الكمّيّة،و تارة يعتبر في الوصف الّذي هو الكيفيّة،يقال:بغيت الشّيء،إذا طلبت أكثر ما يجب،و ابتغيت كذلك،قال عزّ و جلّ:

لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ التّوبة:48،و قال تعالى:

يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ التّوبة:47.

و البغي على حزبين:أحدهما:محمود،و هو تجاوز العدل إلى الإحسان،و الفرض إلى التّطوّع.

و الثّاني:مذموم،و هو تجاوز الحقّ إلى الباطل،أو تجاوزه إلى الشّبه،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:«الحقّ بيّن و الباطل بيّن،و بين ذلك أمور مشتبهات،و من رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه».

و لأنّ البغي قد يكون محمودا و مذموما قال تعالى:

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ الشّورى:42،فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحقّ.

و أبغيتك:أعنتك على طلبه.

و بغى الجرح:تجاوز الحدّ في فساده.

و بغت المرأة بغاء،إذا فجرت؛و ذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها،قال عزّ و جلّ: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً النّور:33.

و بغت السّماء:تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه.

و بغى:تكبّر؛و ذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، و يستعمل ذلك في أيّ أمر كان.

قال تعالى: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ يونس:

23، بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ الحجّ:60، إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ القصص:76، و قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي الحجرات:9.

فالبغي في أكثر المواضع مذموم،و قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ البقرة:173،أي غير طالب ما ليس له طلبه، و لا متجاوز لما رسم له.

و أمّا«الابتغاء»فقد خصّ بالاجتهاد في الطّلب،فمتى كان الطّلب لشيء محمود فالابتغاء فيه محمود،نحو اِبْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ الإسراء:28، اِبْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى الليل:20.

و قولهم:ينبغي مطاوع«بغى»،فإذا قيل:ينبغي أن يكون كذا،فيقال:على وجهين:

أحدهما:ما يكون مسخّرا للفعل،نحو:النّار ينبغي أن تحرق الثّوب.

و الثّاني:على معنى الاستئهال،نحو:فلان ينبغي أن يعطي لكرمه.و قوله تعالى: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ يس:69،على الأوّل،فإنّ معناه لا يتسخّر و لا يتسهّل له،أ لا ترى أنّ لسانه لم يكن يجري به،و قوله تعالى: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ص:35.(55)

الزّمخشريّ: بغيته و ابتغيته.و طال بي البغاء فما

ص: 273

وجدته.و فلان بغيتي،أي طلبتي و ظنّتي.و عند فلان بغيتي.

و ابغني ضالّتي:اطلبها لي،و أبغني ضالّتي:أعنّي على طلبها.قال رؤبة:

و اذكر بخير و ابغني ما يبتغى.

أي اصنع بي ما يحبّ أن يصنع.

و خرجوا بغيانا لضوالّهم.و بغت فلانة بغاء،و هي بغيّ:طلوب للرّجال،و هنّ بغايا.

و منه قيل للإماء:البغايا،لأنّهنّ كنّ يباغين في الجاهليّة.يقال:قامت البغايا على رءوسهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و خرجت أمة فلان تباغي،و هو ابن بغية و غيّة، بمعنى.

و أقبلت البغايا،و هي الطّلائع.

و بغى علينا فلان:خرج علينا طالبا أذانا و ظلمنا.

و هي الفئة الباغية،و هم البغاة و أهل البغي و الفساد، و قد تباغوا:تظالموا.

و من المجاز:بغى الجرح:ترامى إلى الفساد.و بغت السّماء:ألحّ مطرها.و دفعنا بغي السّماء خلفنا.

و يقال للفرس:إنّه لذو بغي في عدوه،أي ذو مرح، و فرس باغ.(أساس البلاغة:27)

في حديث أبي بكر:«خرج في بغاء إبل»

أخرج:بغاء الشّيء على زنة«الأدواء»كالعطاس و النّحاز،تشبيها لشغل قلب الطّالب بالدّاء.و بغاء المرأة، على زنة«العيوب»كالشّراد و الحران،لأنّه عيب فاحش.(الفائق 1:122)

المدينيّ: في الحديث:«انطلقوا بغيانا»أي ناشدين و طالبين،جمع باغ،كراع و رعيان،و مصدره«بغاء» بالضّمّ.[ثمّ ذكر مثل الفائق](1:178)

ابن الأثير: فيه:«ابغني أحجارا أستطب بها».

يقال:ابغني كذا بهمزة الوصل،أي اطلب لي.

و أبغني بهمزة القطع،أي أعنّي على الطّلب.

و منه الحديث:«أبغوني حديدة أستطب بها»بهمزة الوصل و القطع،و قد تكرّر في الحديث،يقال:بغى يبغي بغاء بالضّمّ،إذا طلب.

و في حديث عمّار:«تقتله الفئة الباغية»هي الظّالمة الخارجة عن طاعة الإمام.و أصل البغي:مجاوزة الحدّ.

و منه الحديث:«فلا تبغوا عليهنّ سبيلا»أي إن أطعنكم فلا يبقى لكم عليهنّ طريق إلاّ أن يكون بغيا و جورا.

و منه حديث ابن عمر:«قال لرجل:أنا أبغضك، قال:لم؟قال:لأنّك تبغي في أذانك»أراد التّطريب فيه و التّمديد،من تجاوز الحدّ.

و في حديث أبي سلمة:«أقام شهرا يداوي جرحه، فدمل على بغي،و لا يدري به»أي على فساد.

و فيه:«امرأة بغيّ دخلت الجنّة في كلب»أي فاجرة،و جمعها:البغايا.

و يقال للأمة:بغيّ و إن لم يرد به الذّمّ،و إن كان في الأصل ذمّا،يقال:بغت المرأة تبغي بغاء بالكسر،إذا زنت،فهي بغيّ.جعلوا«البغاء»على زنة«العيوب» كالحران و الشّراد،لأنّ الزّنى عيب.

و في حديث عمر:«أنّه مرّ برجل يقطع سمرا

ص: 274

بالبادية،فقال:رعيت بغوتها و برمتها و حبلتها و بلّتها و فتلتها،ثمّ تقطعها؟».

قال القتيبيّ: يرويه أصحاب الحديث«معوتها»، و ذلك غلط،لأنّ«المعوة»البسرة الّتي جرى فيها الإرطاب.و الصّواب بغوتها،و هي ثمرة السّمر أوّل ما تخرج،ثمّ تصير بعد ذلك برمة،ثمّ بلّة،ثمّ فتلة.

(1:143)

القرطبيّ: أصل البغي في اللّغة:قصد الفساد، يقال:بغت المرأة تبغي بغاء،إذا فجرت،قال اللّه تعالى:

وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ النّور:33.

و ربّما استعمل«البغي»في طلب غير الفساد، و العرب تقول:خرج الرّجل في بغاء إبل له،أي في طلبها.[ثمّ استشهد بشعر](2:232)

الفيّوميّ: بغيته:أبغيه بغيا:طلبته،و ابتغيته و تبغّيته مثله،و الاسم:البغاء،وزان«غراب».

و ينبغي أن يكون كذا،معناه يندب ندبا مؤكّدا لا يحسن تركه،و استعمال ماضيه مهجور.

و قد عدّوا«ينبغي»من الأفعال الّتي لا تتصرّف، فلا يقال:انبغى.

و قيل في توجيهه:إنّ انبغى مطاوع بغى، و لا يستعمل«انفعل»في المطاوعة إلاّ إذا كان فيه علاج و انفعال،مثل كسرته فانكسر،و كما لا يقال:طلبته فانطلب و قصدته فانقصد،لا يقال:بغيته فانبغى،لأنّه لا علاج فيه.و أجازه بعضهم.

البغيّ: القينة و إن كانت عفيفة،لثبوت الفجور لها في الأصل.تباغي:أي تزاني.

ولي عنده بغية بالكسر و هي الحاجة الّتي تبغيها و ضمّها لغة.و قيل:بالكسر الهيئة،و بالضّمّ الحاجة.

(1:57)

الفيروزآباديّ: بغيته أبغيه بغاء و بغى و بغية بضمّهنّ،و بغية بالكسر:طلبته،كابتغيته و تبغّيته و استبغيته.

و البغيّة كرضيّة:ما ابتغي كالبغية بالكسر و الضّمّ، و الضّالّة المبغيّة.

و أبغاه الشّيء:طلبه له،كبغاه إيّاه كرماه،أو أعانه على طلبه.

و استبغى القوم فبغوه،و له:طلبوا له.

و الباغي:الطّالب،جمعه:بغاة و بغيان.

و انبغى الشّيء:تيسّر و تسهّل.

و أنّه لذو بغاية بالضّمّ:كسوب.

و بغت الأمة تبغي بغيا،و باغت مباغاة و بغاء،فهي بغيّ و بغوّ:عهرت.

و البغيّ: الأمة أو الحرّة الفاجرة.

و بغى عليه يبغي بغيا:علا و ظلم،و عدل عن الحقّ، و استطال،و كذب،و في مشيته اختال و أسرع،و الشّيء نظر إليه كيف هو،و رقبه و انتظره،و السّماء اشتدّ مطرها.

و البغي:الكثير من البطر.

و جمل باغ:لا يلقح.

و ما انبغى لك أن تفعل،و ما ابتغى،و ما ينبغي، و ما يبتغي.

و فئة باغية:خارجة عن طاعة الإمام العادل.

و البغايا:الطّلائع تكون قبل ورود الجيش.

ص: 275

و المبتغي:الأسد.(4:305)

الطّريحيّ: في الحديث:«ألا و إنّ اللّه يحبّ بغاة العلم (1)»بضمّ موحّدة،أي طلبته،جمع باغ،بمعنى طالب،و الجمع:بغيان،كراع و رعيان.يقال:بغيت الشّيء بغاء و بغته،إذا طلبته.

و البغاة أيضا:جمع باغ،و هم الخارجون على إمام معصوم،كما في الجمل و صفّين سمّوا بذلك،لقوله تعالى:

فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ الحجرات:9.

و الفئة الباغية:الخارجة عن طاعة الإمام،من «البغي»الّذي هو مجاوزة الحدّ.و منه حديث عمّار:

«تقتله الفئة الباغية».

و فيه:«إيّاك أن يسمع منك كلمة بغي»أي ظلم و فساد.

قيل:و منه«الفئة الباغية»لأنّها عدلت عن القصد.

و البغية بالكسر،مثل الجلسة:الحال الّتي تبغيها، و البغية بضمّ الموحّدة:الحاجة نفسها.

و في الحديث في رجل أعار جارية:«لم يبغها غائلة» أي لا يقصد اغتيالها،فقضى أن لا يغرمها.(1:55،56)

مجمع اللّغة: بغى عليه يبغي بغيا،من باب رمى:

ظلم،و عدل عن الحقّ،و استطال،فهو باغ.

و بغى بغيا:كذب و ظلم.

و البغي:الكبر و الظّلم و الفساد،أو هو كلّ مجاوزة و إفراط على المقدار الّذي هو حدّ الشّيء.

و قد يطلق البغي على الحسد.

بغى الشّيء يبغيه،كرمى يرمي،بغاء و بغى و بغية:

طلبه.

ابتغى الشّيء يبتغيه ابتغاء:طلبه.

و يقال:انبغى لفلان أن يفعل،أي صلح له أن يفعل.

و ما ينبغي،بمعنى لا يصحّ و لا يجوز.و يقال:انبغى الشّيء:

تيسّر و سهّل.

بغت المرأة بغيا و بغاء فهي بغيّ،و باغت بغاء و مباغاة:فجرت.(1:113)

العدنانيّ: لا ينبغي له أن يسافر،ينبغي له أن يسافر.

و يخطّئون من يأتي بالفعل ينبغي غير مسبوق بنفي، فلا يجيزون أن نقول:ينبغي له أن يسافر،معتمدين على:

1-قوله تعالى: وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً مريم:92،و على ورود الفعل(ينبغى)خمس مرّات أخرى في آي الذّكر الحكيم،مسبوقا بنفي.

2-و على قول ليلى الأخيليّة في صاحبها توبة:

لنا صاحب ما ينبغي أن نخونه

و أنت لأخرى صاحب و خليل

3-و على قول معجم مقاييس اللّغة:ما ينبغي لك أن تفعل كذا.

4-و على قول القاموس المحيط:و ما انبغى لك أن تفعل،و ما ابتغى،و ما ينبغي،و ما يبتغي.

و لكن:

أجاز أن نقول:انبغى لنا أن نفعل كذا:سيبويه، و الكسائيّ،و الشّافعيّ،و أبو زيد الأنصاريّ،و الزّجّاج، و الأزهريّ،و الواحديّ،و البيهقيّ،و التّاج،و المتن.1.

ص: 276


1- الكافي 1:31.

و قال الصّحاح و اللّسان:ينبغي لك أن تفعل كذا، هو من أفعال المطاوعة،يقال:بغيته فانبغى.

و جاء في«مفردات»الرّاغب الأصفهانيّ: النّار ينبغي أن تحرق الثّوب،و فلان ينبغي أن يعطي لكرمه.

و قال المصباح: ينبغي أن يكون كذا،معناه يندب ندبا مؤكّدا لا يحسن تركه.

و قال الوسيط: ينبغي لفلان أن يعمل كذا:يحسن به، و يستحبّ له.

و ندر استعمال غير المضارع من هذه المادّة،و إذا أريد الماضي،قيل:كان ينبغي،و ما كان ينبغي.

لذا قل:ينبغي أن يسافر.

لا ينبغي له أن يسافر.(69)

محمود شيت:[قال نحو ما تقدّم عن السّابقين و أضاف:]

و أكثر ما يستعمل في معنى الطّلب.ابتغى،لا بغى.

[إلى أن قال:]

الباغي:الخارج على القانون.و الفئة الباغية:

الخارجة على القانون،و هي من أبناء البلاد،و لكنّها حملت السّلاح على السّلطة القائمة،فهي ليست عدوّا لأنّها من الشّعب،و لكنّها باغية.(1:93)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الطّلب الشّديد،و الإرادة الأكيدة.

و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد و الاستعمالات:

فإذا استعملت بحرف«على»تدلّ على التّعدّي و التّجاوز إرادة أو عملا بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى الحجرات:9، خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ص:22، فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً النّساء:34، لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ص:24، ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ الحجّ:60، إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ يونس:23.

و إذا استعملت في مورد المنع و التّحريم،فكذلك أيضا وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ النّور:33، إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ الأعراف:33، وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ النّحل:90، وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا مريم:

20.

و كذلك إذا كانت قرينة أخرى لفظيّة أو مقاميّة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ البقرة:173، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ الأنعام:146، فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الجاثية:17، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً يونس:90، وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ الشّورى:39.

فالتّعدّي و التّجاوز الزّائد على الطّلب الشّديد إنّما يستفاد بالقرائن،و الأصل الواحد محفوظ في جميع هذه الموارد.

و إذا خلت عن القرينة:فالمراد هو الطّلب الشّديد ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ الكهف:64، قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي يوسف:65، أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ آل عمران:83، وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ النّحل:14، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا النّساء:94، وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ المائدة:35.

ثمّ إنّ شدّة الطّلب قد يكون مقدّرا،بمعنى أنّ استعمال

ص: 277

هذه المادّة يكون في مورد يقتضي تحقّق الطّلب الشّديد، إمّا لعظمة المطلوب و علوّه أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ البقرة:198، وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ القصص:77، وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ المائدة:35، اِبْتِغاءَ وَجْهِ اللّهِ البقرة:272، إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى الليل:20.

و إمّا لحقارة المطلوب،و كونه بعيدا عن التّعقّل، و مخالفا للنّظر الصّحيح،فيحتاج طلبه إلى مئونة زائدة، أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي الأنعام:164، أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ آل عمران:83، أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ المائدة:50، وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ الأحزاب:

51،باعتبار سبق العزل.

فظهر أنّ هذه المادّة ليست بمعنى الفساد،و لا الزّنى و لا الظّلم و الاعتداء،و لا الحاجة و لا غيرها.بل الحقيقة فيها هي«الطّلب الشديد»،و هذا المعنى ينطبق بالقرائن على مفاهيم مختلفة،باقتضاء المقام،و بتناسب من ينسب إليه.

فإذا نسب إلى المرأة بطور مطلق من غير ذكر متعلّق له،فيستفاد منه«الفجور».و إذا ذكر متعلّقه بحرف «على»يستفاد منه:الإضرار و التّعدّي،قولا أو عملا أو فكرا.

و أمّا الفرق بين صيغة الابتغاء و الانبغاء:فالانبغاء «انفعال»يدلّ على القبول،فيقال:بغيته ولدا فانبغى، و بغيته أن يتّخذ ولدا أو وليّا،أو يتعلّم شعرا،أو يتّخذ ملكا،فانبغى،أي قبل ذلك الطّلب و الاتّخاذ أو لم ينبغ، و بغيت الولد و الشّعر و الوليّ و الملك فانبغى كلّ واحد منها.لا ينبغي لأحد ما ينبغي للرّحمن.

و أمّا الابتغاء:فهو«افتعال»و يدلّ على المطاوعة و الموافقة،في مقابل:المنع و الإباء و المخالفة،فيقال:

اكتسب،أي كسب طوعا و رغبة،و ابتغى أي طلب بالطّوع.

و قد يكون«الطّوع»في جانب المفعول،كما في جمع الشّيء و وصله،فاجتمع و اتّصل:

وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ البقرة:187، يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً الحشر:8، أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً الأنعام:114، لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ التّوبة:48.(1:292)

النّصوص التّفسيريّة

بغى

1- إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ.

القصص:76

ابن عبّاس: تجبّر و تكبّر عليهم،و سخط عليهم.

(الفخر الرّازيّ 25:14)

كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل،فكان يبغي عليهم،و يطالبهم لما كانوا بمصر.

مثله ابن المسيّب.(الطّبرسيّ 4:266)

أنّه صنع بغيا،حين أمر اللّه موسى برجم الزّاني، فعمد قارون إلى امرأة بغيّ،فأعطاها مالا و حملها على أن

ص: 278

ادّعت عليه أنّه زنى بها،و قال:فأنت قد زنيت.

و حضرت البغيّ فادّعت ذلك عليه،فعظم على موسى ما قالت،و أحلفها باللّه الّذي فلق البحر لبني إسرائيل،و أنزل التّوراة على موسى إلاّ صدقت.

فقالت:أشهد أنّك بريء،و أنّ قارون أعطاني مالا، و حملني على أن قلت ما قلت.و أنت الصّادق و قارون الكاذب،فكان هذا بغيه.(الماورديّ 4:264)

شهر بن حوشب: زاد عليهم في الثّياب شبرا.

(الطّبريّ 20:106)

مثله عطاء.(الطّبرسيّ 4:266)

الضّحّاك: بغيه عليهم:أنّه كفر باللّه.

(الماورديّ 4:264)

طغى عليهم و استطال عليهم،فلم يوفّقهم في أمر.

(الفخر الرّازيّ 25:14)

قتادة :أنّه علا عليهم بكثرة ماله و ولده.

(الماورديّ 4:264)

السّدّيّ: كان اسم البغيّ شجرتا،و بذل لها قارون ألفي درهم.(الماورديّ 4:265)

الكلبيّ: بغيه عليهم،أنّه حسد هارون على الحبورة.(الفخر الرّازيّ 25:14)

يحيى بن سلاّم: أنّه كان غلاما لفرعون فتعدّى على بني إسرائيل و ظلمهم.(الماورديّ 4:265)

الطّبريّ: يقول:فتجاوز حدّه في الكبر،و التّجبّر عليهم.

و كان بعضهم يقول:كان بغيه عليهم زيادة شبر، أخذها في طول ثيابه.

و قال آخرون:كان بغيه عليهم بكثرة ماله.(20:106)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أنّه نسب ما آتاه اللّه من الكنوز إلى نفسه،بعلمه و حيلته.(الماورديّ 4:265)

القفّال: بغى عليهم،أي طلب الفضل عليهم،و أن يكونوا تحت يده.(الفخر الرّازيّ 25:14)

الزّمخشريّ: من البغي و هو الظّلم،قيل ملّكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم.

و قيل:من البغي و هو الكبر و البذخ،تبذّخ عليهم بكثرة ماله و ولده.

و قيل:زاد عليهم في الثّياب شبرا.(3:190)

ابن عطيّة: بغى على قومه بأنواع من البغي،من ذلك:كفره بموسى،و استخفافه به،و مطالبته له...إلى غير ذلك ممّا يصدر عمّن فسد اعتقاده.(4:298)

الطّبرسيّ: أي استطال عليهم بكثرة كنوزه.

عن قتادة قال:و كان يسمّى المنوّر لحسن صورته.

و لم يكن في بني إسرائيل أقرأ منه للتّوراة،و لكنّ عدوّ اللّه نافق،كما نافق السّامريّ فبغى عليهم.(4:266)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:أنّه بغى بسبب ماله،و بغيه أنّه استخفّ بالفقراء،و لم يرع لهم حقّ الإيمان،و لا عظّمهم مع كثرة أمواله.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين إلى أن قال:]

يروى أنّ موسى عليه السّلام لمّا قطع البحر و أغرق اللّه تعالى فرعون،جعل الحبورة لهارون،فحصلت له النّبوّة و الحبورة.و كان صاحب القربان و المذبح،و كان لموسى الرّسالة.فوجد قارون من ذلك في نفسه،فقال:يا موسى لك الرّسالة،و لهارون الحبورة،و لست في شيء،

ص: 279

و لا أصبر أنا على هذا.

فقال موسى عليه السّلام:و اللّه ما صنعت ذلك لهارون و لكنّ اللّه جعله له،فقال:و اللّه لا أصدّقك أبدا حتّى تأتيني بآية أعرف بها أنّ اللّه جعل ذلك لهارون.

قال:فأمر موسى عليه السّلام رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كلّ رجل منهم بعصاة،فجاءوا بها.فألقاها موسى عليه السّلام في قبّة له،و كان ذلك بأمر اللّه تعالى،فدعا ربّه أن يريهم بيان ذلك،فباتوا يحرسون عصيّهم،فأصبحت عصا هارون تهتزّ،لها ورق أخضر،و كانت من شجر اللّوز.

فقال موسى:يا قارون أ ما ترى ما صنع اللّه لهارون؟! فقال:و اللّه ما هذا بأعجب ممّا تصنع من السّحر.فاعتزل قارون و معه ناس كثير.

و ولّى هارون الحبورة و المذبح و القربان،فكان بنو إسرائيل يأتون بهداياهم إلى هارون،فيضعها في المذبح، و تنزل النّار من السّماء فتأكلها.

و اعتزل قارون بأتباعه،و كان كثير المال و التّبع من بني إسرائيل،فما كان يأتي موسى عليه السّلام و لا يجالسه.

و روى أبو أمامة الباهليّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:

«كان قارون من السّبعين المختارة الّذين سمعوا كلام اللّه تعالى».(25:13)

أبو حيّان: (بغى عليهم)ذكروا من أنواع بغيه:

الكفر،و الكبر،و حسده لموسى على النّبوّة،و لهارون على الذّبح و القربان،و ظلمه لبني إسرائيل حين ملّكه فرعون عليهم،و دسّه بغيّا تكذب على موسى أنّه تعرّض لها و تفضحه بذلك،في ملإ من بني إسرائيل.و من تكبّره أن زاد في ثيابه شبرا.(7:131)

البروسويّ: المعنى:طلب الفضل عليهم،و أن يكونوا تحت أمره.

و ليس ببعيد فإنّ كثرة المال المشار إليها بقوله:

وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ الآية،سبب للبغي.

و أمارة بغيه:الإباء و الاستكبار و العجب،و التّمرّد عن قبول النّصيحة،و كان يجرّ ثوبه كبرا و خيلاء.

(6:429)

2- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ. ص:22

الطّبريّ: يقول:تعدّى أحدنا على صاحبه بغير حقّ.(23:142)

ابن عطيّة: معناه:اعتدى و استطال.[ثمّ استشهد بشعر](4:499)

الفخر الرّازيّ: أي تعدّى،و خرج عن الحدّ،يقال:

بغى الجرح،إذا أفرط وجعه،و انتهى إلى الغاية.و يقال:

بغت المرأة،إذا زنت،لأنّ الزّنى كبيرة منكرة،قال تعالى: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ النّور:33.

(26:195)

الخازن: أي تعدّى،و خرج عن الحدّ،جئناك لتقضي بيننا.

فإن قلت:إذا جعلتهما ملكين فكيف يتصوّر البغي منهما،و الملائكة لا يبغي بعضهم على بعض؟

قلت:هذا من معاريض الكلام،لا على تحقيق البغي من أحدهما.

ص: 280

و المعنى أ رأيت خصمين بغى أحدهما على الآخر.

(6:39)

بغوا

وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ. الشّورى:27

ابن عبّاس: بغيهم:طلبهم منزلة بعد منزلة،و دابّة بعد دابّة،و مركبا بعد مركب،و ملبسا بعد ملبس.

(القرطبيّ 16:27)

الطّبريّ: تجاوزوا الحدّ الّذي حدّه اللّه لهم،إلى غير الّذي حدّه لهم في بلاده؛بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم.و لكنّه ينزل رزقهم بقدر،لكفايتهم الّذي يشاء منه.(25:30)

الزّمخشريّ: من البغي،و هو الظّلم،أي لبغى هذا على ذلك و ذاك على هذا،لأنّ الغنى مبطرة مأشرة، و كفى بحال قارون عبرة،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«أخوف ما أخاف على أمّتي:زهرة الدّنيا و كثرتها».[ثمّ استشهد بشعر]

يعني أنّهم أحيوا،فحدّثوا أنفسهم بالبغي و التّفاتن.

أو من البغي و هو البذخ و الكبر،أي لتكبّروا في الأرض،و فعلوا ما يتبع الكبر من العلوّ فيها،و الفساد.

(3:469)

نحوه النّسفيّ.(4:107)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا قال في الآية الأولى:«إنّه يجيب دعاء المؤمنين»ورد عليه سؤال، و هو أنّ المؤمن قد يكون في شدّة و بليّة و فقر،ثمّ يدعو فلا يشاهد أثر الإجابة،فكيف الحال فيه مع ما تقدّم من قوله: وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا الشّورى:26؟

فأجاب تعالى عنه بقوله: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، أي و لأقدموا على المعاصي.

و لمّا كان ذلك محذورا وجب أن لا يعطيهم ما طلبوه.

قال الجبّائيّ: هذه الآية تدلّ على بطلان قول المجبّرة من وجهين:

الأوّل:أنّ حاصل الكلام أنّه تعالى: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، و البغي في الأرض غير مراد،فإرادة بسط الرّزق غير حاصلة.فهذا الكلام إنّما يتمّ إذا قلنا:إنّه تعالى لا يريد البغي في الأرض؛و ذلك يوجب فساد قول المجبّرة.

الثّاني:أنّه تعالى بيّن أنّه إنّما لم يرد بسط الرّزق،لأنّه يفضي إلى المفسدة.فلمّا بيّن تعالى أنّه لا يريد ما يفضي إلى المفسدة،فبأن لا يكون مريدا للمفسدة كان أولى.

أجاب أصحابنا بأنّ الميل الشّديد إلى البغي و القسوة و القهر صفة حدثت بعد أن لم تكن،فلا بدّ لها من فاعل؛ و فاعل هذه الأحوال إمّا العبد أو اللّه.

و الأوّل باطل،لأنّه إنّما يفعل هذه الأشياء لو مال طبعه إليها.فيعود السّؤال في أنّه من المحدث لذلك الميل؟ الثّاني،و يلزم التّسلسل.

و أيضا فالميل الشّديد إلى الظّلم و القسوة عيوب و نقصانات،و العاقل لا يرضى بتحصيل موجبات النّقصان لنفسه،و لمّا بطل هذا ثبت أنّ محدث هذا الميل و الرّغبة هو اللّه تعالى.

ص: 281

ثمّ أورد الجبّائي في تفسيره على نفسه سؤالا،قال:

فإن قيل:أ ليس قد بسط اللّه الرّزق لبعض عباده مع أنّه بغى؟

و أجاب عنه:بأنّ الّذي عنده الرّزق و بغى،كان المعلوم من حاله أنّه يبغي على كلّ حال،سواء أعطي ذلك الرّزق أو لم يعط.

و أقول:هذا الجواب فاسد،و يدلّ عليه القرآن و العقل:

أمّا القرآن فقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى العلق:6،7،حكم مطلقا بأنّ حصول الغنى سبب لحصول الطّغيان.

و أمّا العقل،فهو أنّ النّفس إذا كانت مائلة إلى الشّرّ، لكنّها كانت فاقدة للآلات و الأدوات،كان الشّرّ أقلّ، و إذا كانت واجدة لها،كان الشّرّ أكثر؛فثبت أنّ وجدان المال يوجب الطّغيان.

المسألة الثّانية:في بيان الوجه الّذي لأجله كان التّوسّع موجبا للطّغيان،ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:أنّ اللّه تعالى لو سوّى في الرّزق بين الكلّ، لامتنع كون البعض خادما للبعض،و لو صار الأمر كذلك لخرب العالم و تعطّلت المصالح.

الثّاني:أنّ هذه الآية مختصّة بالعرب،فإنّه كلّما اتّسع رزقهم و وجدوا من المطر ما يرويهم،و من الكلإ و العشب ما يشبعهم،أقدموا على النّهب و الغارة.

الثّالث:أنّ الإنسان متكبّر بالطّبع،فإذا وجد الغنى و القدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصليّة و هو التّكبّر، و إذا وقع في شدّة و بليّة و مكروه،انكسر فعاد إلى الطّاعة و التّواضع.(27:170)

القرطبيّ: طغوا و عصوا.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و أضاف:]

و قيل:أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه، لقوله:«لو كان لابن آدم و اديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا»و هذا هو البغي،و هو معنى قول ابن عبّاس.

و قيل:لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض،و لتعطّلت الصّنائع.

و قيل:أراد بالرّزق:المطر الّذي هو سبب الرّزق، أي لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدّعاء،فيقبض تارة ليتضرّعوا،و يبسط أخرى ليشكروا.

و قيل:كانوا إذا أخصبوا أغار بعضهم على بعض.

فلا يبعد حمل البغي على هذا.(16:27)

البيضاويّ: لتكبّروا،و أفسدوا فيها بطرا،أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء و استعلاء،و هذا على الغالب.

و أصل البغي:طلب تجاوز الاقتصاد،فيما يتحرّى كمّيّة أو كيفيّة.(2:358)

مثله أبو السّعود(6:19)،و الآلوسيّ(25:38).

النّيسابوريّ: أي ظلم بعضهم بعضا،و عصوا اللّه.

و هذه ليست بقضيّة كلّيّة دائمة و لكنّها أكثريّة،فإنّ المال معين قويّ على تحصيل المطالب،و دفع ما لا يلائم النّفس.و إذا كانت الآلة موجودة و داعية الشّرّ في طبع الإنسان مجبولة،فقلّما لا يقع مقتضاه في الخارج.

و أيضا إنّ أكثر النّاس إنّما يخدم مثله و يتسخّره طمعا في ماله أو جاهه التّابع للمال غالبا،فلو تساويا في المال استنكف كلّ منهما من الانقياد لصاحبه،فارتفعت رابطة

ص: 282

التّعاون،و انقطعت سلسلة التّمدّن.(25:32)

القاسميّ: أي تجاوز الحدّ الّذي حدّه لهم إلى غيره،بركوبهم ما حظره عليهم،لأنّ الغنى مبطرة مأشرة.(14:5244)

الطّباطبائيّ: البغي:الظّلم،و معنى الآية:و لو وسّع اللّه الرّزق على عباده،فأشبع الجميع بإيتائه، لظلموا في الأرض،لما أنّ من طبع سعة المال الأشر و البطر،و الاستكبار و الطّغيان،كما قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى العلق:6،7.

و لكن ينزّل ما يشاء من الرّزق بقدر و كمّيّة معيّنة، إنّه بعباده خبير بصير،فيعلم ما يستحقّه كلّ عبد و ما يصلحه من غنى أو فقر،فيؤتيه ذلك.(18:56)

بغت

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ... الحجرات:9

ابن عبّاس: إنّ اللّه سبحانه أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم اللّه،و ينصف بعضهم من بعض،فإن أجابوا،حكم فيهم بكتاب اللّه،حتّى ينصف المظلوم من الظّالم.

فمن أبى منهم أن يجيب،فهو باغ؛فحقّ على إمام المؤمنين أن يجاهدهم و يقاتلهم،حتّى يفيئوا إلى أمر اللّه، و يقرّوا بحكم اللّه.(الطّبريّ 26:127)

الإمام الصّادق عليه السّلام: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حروب أمير المؤمنين عليه السّلام،و كان السّائل من محبّينا، فقال له:

«إنّ اللّه تعالى بعث محمّدا بخمسة أسياف:ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتّى تضع الحرب أوزارها،و لن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها،فإذا طلعت الشّمس من مغربها،أمن النّاس كلّهم في ذلك اليوم،فيومئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً الأنعام:158.

و سيف منها مكفوف،و سيف منها مغمود،سلّه إلى غيرنا،و حكمه إلينا،إلى قوله:

و أمّا السّيف المكفوف،فسيف على أهل البغي و التّأويل،قال اللّه تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9.

فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّ منكم من يقاتل بعدي على«التّأويل»كما قاتلت على «التّنزيل».

فسئل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من هو؟قال:خاصف النّعل،يعني أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثمّ قال عمّار بن ياسر:قاتلت بهذه الرّاية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و هذه الرّابعة.و اللّه لو ضربونا حتّى بلغوا بنا السّعفات من هجر،لعلمنا أنّا على الحقّ و أنّهم على الباطل.

و كان السّيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السّلام ما كان من رسول اللّه عليه السّلام في أهل مكّة يوم فتح مكّة،فإنّه لم يسب لهم ذرّيّة،و قال:من أغلق بابه فهو آمن،و من ألقى

ص: 283

سلاحه فهو آمن.

و كذلك قال أمير المؤمنين يوم البصرة،نادى فيهم:

لا تسبوا لهم ذرّيّة،و لا تجهزوا على جريح،و لا تتبعوا مدبرا،و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن».

(العروسيّ 5:84)

ابن زيد: هذا أمر من اللّه أمر به الولاة كهيئة ما تكون العصبة بين النّاس،و أمرهم أن يصلحوا بينهما.

فإن أبوا قاتل الفئة الباغية،حتّى ترجع إلى أمر اللّه.فإذا رجعت أصلحوا بينهما،و أخبروهم أنّ المؤمنين إخوة، فأصلحوا بين أخويكم.و لا يقاتل الفئة الباغية إلاّ الإمام.(الطّبريّ 26:127)

الطّبريّ: يقول:فإن أبت إحدى هاتين الطّائفتين الإجابة إلى حكم كتاب اللّه له و عليه،و تعدّت ما جعل اللّه عدلا بين خلقه،و أجابت الأخرى منهما فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي يقول:فقاتلوا الّتي تعتدي و تأبى الإجابة إلى حكم اللّه.(26:127)

عبد الجبّار: فإنّه لا يدلّ على أنّ الباغية منهما مؤمنة في تلك الحال،على ما تقوله المرجئة؛و ذلك لأنّه وصفها ب«الإيمان»،و لما وقع البغي و القتال.و هذا كقولنا:إنّ المؤمن إذا ارتدّ وجب قتله،و لا يوجب ذلك كونه مرتدّا في حال إيمانه.

و الآية دالّة على ما نقوله:من أنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر يجب،لأنّه تعالى أوجب الإصلاح بينهما،لأنّ حالهما لا يخلو من وجهين:

إمّا أن يكونا مبطلين،أو أحدهما محقّ و الآخر مبطل،لأنّه لا يصحّ كونهما محقّين جميعا و الحال هذه، و لا بدّ من أن يكون القتال الواقع منهما قبيحا؛فأوجب اللّه تعالى الإصلاح بالقول،و ما يجري مجراه.

ثمّ بيّن أنّ ذلك إذا لم يصادف القبول و بغت إحداهما، وجب كفّهما عن البغي بالمقاتلة.و نبّه بهذين الطّريقين اللّذين أحدهما الإصلاح بالقول،و الآخر بالقتال،على ما بينهما من الوسائط،ممّا يقرب عنده كفّ الباغي عن البغي.

و لو كان الأمر على ما تقوله المجبّرة،لم يكن لذلك معنى،لأنّه تعالى إن خلق فيهم المقاتلة فالإصلاح لا يؤثّر،فإن لم يخلق ذلك فكمثل.

و كذلك كلّ من ينهاه عن منكر،فعلى قولهم:

لا فائدة في النّهي عنه،لأنّ أمره في المستقبل موقوف على خلقه تعالى فيه المنكر أو ضدّه،فما الفائدة في ذلك؟

و إنّما يصحّ على مذهبنا،لأنّا نبعث بذلك المقدم على المنكر إلى الكفّ عن أمثاله في المستقبل،و نكون نحن عند ذلك أقرب إلى الامتناع من المنكر.

فأمّا على مذهبهم لا فائدة فيه على وجه،و كذلك الأمر بالمعروف.(متشابه القرآن 2:623)

الماورديّ: البغي:التّعدّي بالقوّة إلى طلب ما ليس بمستحقّ.

(تبغى)فيه وجهان:أحدهما:تبغي في التّعدّي في القتال،الثّاني:في العدول عن الصّلح،قاله الفرّاء.

(5:331)

الطّوسيّ: أي فإن بغت إحدى الطّائفتين على الأخرى بأن تطلب ما لا يجوز لها،و تقابل الأخرى ظالمة لها،متعدّية عليها فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي لأنّها هي

ص: 284

الظّالمة المتعدّية،دون الأخرى.(9:346)

مثله الطّبرسيّ.(5:133)

الميبديّ: اعلم أنّ أهل البغي هم الّذين خرجوا على الإمام العادل،و تمرّدوا عليه،و هم يعرفون بثلاث خصال:

الأولى:كثرة عددهم،و شدّة بأسهم.

الثّانية:يؤوّلون عصيانهم للإمام بتأويل محتمل.

الثّالثة:ينصبون لهم إماما يأتمّون به.

و متى اجتمعت هذه الخصال في قوم فهم بغاة عصاة.

و الحكم فيهم:أن يدعوهم الإمام العادل-قبل ذي بدء- إلى طاعته،فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم،و درأ الظّالم عنهم.و إن لم يذكروا مظلمة،و لم يكونوا في محنة، و أصرّوا على البغي،قاتلهم الإمام،حتّى يفيئوا بقهرهم إلى طاعته.

و الحكم في قتالهم:أن لا يتبع مدبرهم،و لا يقتل أسيرهم،و لا يجهز على جريحهم.فقد بعث أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يوم الجمل مناديا ينادي:ألا لا يتبع مدبر، و لا يوقف على جريح.و أوتي عليّ عليه السّلام يوم صفّين بأسير،فقال:«لا أقتلك صبرا،إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين».

و لكن ما أتلفت إحدى الطّائفتين على الأخرى في حال القتال،من نفس و مال فلا ضمان عليها.

أمّا من لم تجتمع فيه هذه الشّروط الثّلاثة،بأن كانوا قليلين،و لم يكن لهم تأويل،و لم ينصبوا إماما؛و حكم هؤلاء إن تعرّضوا للمسلمين،حكم قطّاع الطّريق، لا حكم البغاة.

روي أنّ عليّا عليه السّلام سمع رجلا يقول في ناحية المسجد:لا حكم إلاّ للّه،فقال عليّ: كلمة حقّ أريد بها باطل،لكم علينا ثلاث:لا تمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه،و لا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا،و لا نبدؤكم بقتال.

و في الآية دليل على أنّ«البغي»لا يزيل اسم «الإيمان»لأنّ اللّه عزّ و جلّ سمّاهم مؤمنين مع كونهم باغين.يدلّ عليه ما روى الحارث الأعور:أنّ عليّ بن أبي طالب سئل-و هو القدوة في قتال أهل البغي-عن أهل الجمل و صفّين:

أ مشركون هم؟قال:لا،من الشّرك فرّوا.فقيل:

منافقون هم؟قال:لا،إنّ المنافقين لا يذكرون اللّه إلاّ قليلا.قيل:فما حالهم؟قال:إخواننا بغوا علينا.

(9:251)

الزّمخشريّ: البغي:الاستطالة و الظّلم و إباء الصّلح.[إلى أن قال:]

و حكم الفئة الباغية وجوب قتالها ما قاتلت.

و عن ابن عمر:ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدته من أمر هذه الآية،أن لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني اللّه عزّ و جلّ.قاله بعد أن اعتزل.

فإذا كافّت و قبضت عن الحرب أيديها تركت،و إذا تولّت أعمل بما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:

«يا ابن أمّ عبد،هل تدري كيف حكم اللّه فيمن بغى من هذه الأمّة؟قال:اللّه و رسوله أعلم.قال:لا يجهز على جريحها،و لا يقتل أسيرها،و لا يطلب هاربها،و لا يقسم فيؤها».

ص: 285

و لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما،إمّا أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا،فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين و يثمر المكافّة و الموادعة.فإن لم تتحاجزا و لم تصطلحا و أقامتا على البغي،صير إلى مقاتلتهما.

و إمّا أن يلتحم بينهما القتال لشبهة دخلت عليهما، و كلتاهما عند أنفسهما محقّة،فالواجب إزالة الشّبهة بالحجج النّيّرة و البراهين القاطعة،و اطّلاعهما على مراشد الحقّ.

فإن ركبتا متن اللّجاج،و لم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه و نصحتا به،من اتّباع الحقّ بعد وضوحه لهما،فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين.

و إمّا أن تكون إحداهما الباغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكفّ و تتوب،فإن فعلت أصلح بينهما و بين المبغيّ عليها،بالقسط و العدل.

و في ذلك تفاصيل:إن كانت الباغية من قلّة العدد؛ بحيث لا منعة لها،ضمنت بعد الفيئة ما جنت.

و إن كانت كثيرة ذات منعة و شوكة،لم تضمن إلاّ عند محمّد بن الحسن رحمه اللّه،فإنّه كان يفتي بأنّ الضّمان يلزمها إذا فاءت.

و أمّا قبل التّجمّع و التّجنّد،أو حين تتفرّق عند وضع الحرب أوزارها،فما جنته ضمنته عند الجميع.

(3:563)

ابن عطيّة: معناه طلبت العلوّ بغير الحقّ،و مدافعة الفئة الباغية متوجّه في كلّ حال.و أمّا التّهيّؤ لقتالها فمع الولاة.[إلى أن قال:]

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:حكم اللّه في الفئة الباغية أن لا يجهز على جريح،و لا يطلب هارب،و لا يقتل أسير.

(5:148)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى نادرة أخرى،و هي «البغي»لأنّه غير متوقّع.

فإن قيل:كيف يصحّ في هذا الموضع كلمة(ان)مع أنّها تستعمل في الشّرط الّذي لا يتوقّع وقوعه،و بغي أحدهما عند الاقتتال لا بدّ منه؛إذ كلّ واحد منهما لا يكون محسنا،فقوله:(ان)تكون من قبيل قول القائل:

إن طلعت الشّمس؟

نقول:فيه معنى لطيف،و هو أنّ اللّه تعالى يقول:

الاقتتال بين طائفتين لا يكون إلاّ نادر الوقوع،و هو كما تظنّ كلّ طائفة أنّ الأخرى فيها الكفر و الفساد،فالقتال واجب،كما سبق في اللّيالي المظلمة.

أو يقع لكلّ واحد أنّ القتال جائز بالاجتهاد،و هو خطأ،فقال تعالى:الاقتتال لا يقع إلاّ كذا،فإن بان لهما أو لأحدهما الخطأ و استمرّ عليه فهو نادر،و عند ذلك يكون قد بغى،فقال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى يعني بعد استبانة الأمر،و حينئذ فقوله:(فان بغت)في غاية الحسن،لأنّه يفيد النّدرة و قلّة الوقوع.

و فيه أيضا مباحث:

الأوّل:قال:(فان بغت)و لم يقل:فإن تبغ،لما ذكرنا في قوله تعالى:(اقتتلوا)و لم يقل:يقتتلوا (1).7)

ص: 286


1- قال تعالى:(اقتتلوا)و لم يقل:يقتتلوا،لأنّ صيغة الاستقبال تنبئ عن الدّوام و الاستمرار،فيفهم منه أنّ طائفتين من المؤمنين إن تمادى الاقتتال بينهما فأصلحوا.و هذا لأنّ صيغة المستقبل تنبئ عن ذلك، يقال:فلان يتهجّد و يصوم.(الفخر الرّازيّ 28:127)

الثّاني:قال:(حتّى تفيء)إشارة إلى أنّ القتال ليس جزاء للباغي،كحدّ الشّرب الّذي يقام و إن ترك الشّرب،بل القتال إلى حدّ الفيئة،فإن فاءت الفئة الباغية حرم قتالهم.

الثّالث:هذا القتال لدفع الصّائل،فيندرج فيه، و ذلك لأنّه لمّا كانت الفيئة من إحداهما،فإن حصلت من الأخرى لا يوجد البغي الّذي لأجله حلّ القتال.

الرّابع:هذا دليل على أنّ المؤمن بالكبيرة لا يخرج عن كونه مؤمنا،لأنّ الباغي جعله من إحدى الطّائفتين، و سمّاهما مؤمنين.(28:128)

القرطبيّ: تعدّت و لم تجب إلى حكم اللّه و كتابه، و البغي:التّطاول و الفساد.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية، المعلوم بغيها على الإمام،أو على أحد من المسلمين.

و على فساد قول من منع من قتال المؤمنين،و احتجّ بقوله عليه السّلام:«قتال المؤمن كفر».

و لو كان قتال المؤمن الباغي كفرا،لكان اللّه تعالى قد أمر بالكفر،تعالى اللّه عن ذلك،و قد قاتل الصّدّيق رضي اللّه عنه من تمسّك بالإسلام و امتنع من الزّكاة،و أمر ألاّ يتبع مولّ،و لا يجهز على جريح،و لم تحلّ أموالهم،بخلاف الواجب في الكفّار.

و قال الطّبريّ: لو كان الواجب في كلّ اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه،و لزوم المنازل؛لما أقيم حدّ،و لا أبطل باطل.و لوجد أهل النّفاق و الفجور سبيلا إلى استحلال كلّ ما حرّم اللّه عليهم من أموال المسلمين، و سبي نسائهم،و سفك دمائهم؛بأن يتحزّبوا عليهم، و يكفّ المسلمون أيديهم عنهم،و ذلك مخالف لقوله عليه السّلام:«خذوا على أيدي سفهائكم».(16:316)

النّيسابوريّ: البغي:الاستطالة و إباء الصّلح.

[إلى أن قال:]

و اعلم أنّ(الباغية)في اصطلاح الفقهاء:فرقة خالفت الإمام بتأويل باطل بطلانا بحسب الظّنّ لا القطع.

فيخرج المرتدّ،لأنّ تأويله باطل قطعا،و كذا الخوارج،و هم صنف من المبتدعة،يكفّرون من أتى بكبيرة،و يسبّون بعض الأئمّة.و هكذا يخرج مانع حقّ الشّرع للّه أو للعباد عنادا،لأنّه لا تأويل له.

و لا بدّ أن يكون له شوكة و عدد و عدد،يحتاج الإمام في دفعهم إلى كلفة،ببذل مال أو إعداد رجال،فإن كانوا أفرادا يسهل ضبطهم،فليسوا بأهل بغي.

و الأكثرون على أنّ البغاة ليسوا بفسقة و لا كفرة، لقوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا، و عن عليّ رضي اللّه عنه:«إخواننا بغوا علينا».

و لكنّهم يخطئون فيما يفعلون و يذهبون إليه من التّأويل،كما وقع للخارجة عن عليّ رضي اللّه عنه؛ حيث اعتقدوا أنّه يعرف قتلة عثمان و يقدر عليهم، و لا يقتصّ،لمواطأته إيّاهم.و كما قال مانعو الزّكاة لأبي بكر:أمرنا بدفع الزّكاة إلى من صلاته سكن لنا،و صلاة غير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليست بسكن لنا.

و اتّفقوا على أنّ معاوية و من تابعه كانوا باغين، للحديث المشهور«أنّ عمّارا تقتله الفئة الباغية».

ص: 287

و قد يقال:إنّ«الباغية»في حال بغيها ليست بمؤمنة، و إنّما سمّاهم المؤمنين باعتبار ما قبل البغي،كقوله:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ المائدة:

54،و المرتدّ ليس بمؤمن بالاتّفاق.

أمّا الّذي يتلفه العادل على الباغي و بالعكس في غير القتال،فمضمون على القاعدة الممهّدة،في قصاص النّفوس،و غرامة الأموال.[ثمّ بيّن حكم القتال منهم إلى أن قال:]

و أمّا كيفيّة قتال الباغين،فإن أمكن الأسر لم يقتلوا،و إن أمكن الإثخان فلا يذفف (1)عليه،كدفع الصّائل،إلاّ إذا التحم القتال،و تعسّر الضّبط.

(26:63-65)

ابن كثير :يقول تعالى آمرا بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فسمّاهم مؤمنين مع الاقتتال.

و بهذا استدلّ البخاريّ و غيره على أنّه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية و إن عظمت،لا كما يقوله الخوارج و من تابعهم من المعتزلة و نحوهم.

و هكذا ثبت في صحيح البخاريّ من حديث الحسن،عن أبي بكر رضي اللّه عنه،قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خطب يوما،و معه على المنبر الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما،فجعل ينظر إليه مرّة،و إلى النّاس أخرى،و يقول:«إنّ ابني هذا سيّد،و لعلّ اللّه تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».

فكان كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم،أصلح اللّه تعالى به بين أهل الشّام و أهل العراق،بعد الحروب الطّويلة،و الواقعات المهولة.

و قوله تعالى: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ أي حتّى ترجع إلى أمر اللّه و رسوله،و تسمع للحقّ و تطيعه،كما ثبت فى الصّحيح عن أنس رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«انصر أخاك ظالما أو مظلوما».

قلت:يا رسول اللّه،هذا نصرته مظلوما،فكيف أنصره ظالما؟قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«تمنعه من الظّلم فذاك نصرك إيّاه».(6:376)

الفاضل المقداد: استدلّ بهذه الآية المعاصر على قتال البغاة و هو خطاء،فإنّ الباغي هو من خرج على الإمام العادل بتأويل باطل و حاربه،و هو عندنا كافر، لقوله صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام:«يا عليّ حربك حربي و سلمك سلمي»،فكيف يكون الباغي المذكور مؤمنا حتّى يكون داخلا في الآية؟!

و لا يلزم من ذكر لفظ«البغي»في الآية أن يكون المراد بذلك البغاة المعهودين عند أهل الفقه،كما قال الشّافعيّ:ما عرفنا أحكام البغاة إلاّ من فعل عليّ عليه السّلام.

يريد فعله في حرب البصرة و الشّام و الخوارج،من أنّه لم يتبع مدبري أهل البصرة و الخوارج،و لم يجهز على جريحهم،لأنّهم ليس لهم فئة.و تبع مدبري أهل الشّام و أجهز على جريحهم.

و لذلك لم يجعلها الرّاونديّ حجّة على قتال البغاة،بل جعلها في قسم من يكون من المسلمين أو المؤمنين،فيقع بينهم قتال و تعدّي بعض على بعض،فيكون«البغي»ه.

ص: 288


1- يذفف عليه:يجهز عليه.

بمعنى التّعدّي،فيقاتل المتعدّي حتّى يرجع عن تعدّيه إلى طاعة اللّه،و امتثال أوامره.(1:386)

الآلوسيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:الخطاب لمن يتأتّى منه الإصلاح و مقاتلة الباغي،فمتى تحقّق البغي من طائفة،كان حكم إعانة المبغيّ عليه حكم الجهاد.[ثمّ ذكر حديث ابن عمر و قال:]

و صرّح بعض الحنابلة بأنّ قتال الباغين أفضل من الجهاد،احتجاجا بأنّ عليّا كرّم اللّه تعالى وجهه اشتغل في زمان خلافته بقتالهم دون الجهاد.

و الحقّ أنّ ذلك ليس على إطلاقه،بل إذا خشي من ترك قتالهم مفسدة عظيمة،دفعها أعظم من مصلحة الجهاد.

و ظاهر الآية أنّ الباغي مؤمن،لجعل الطّائفتين الباغية و المبغيّ عليها من المؤمنين.

نعم الباغي على الإمام-و لو جائرا-فاسق مرتكب لكبيرة،إن كان بغيه بلا تأويل،أو بتأويل قطعيّ البطلان.

و المعتزلة يقولون في مثله:إنّه فاسق مخلّد في النّار، إن مات بلا توبة.و الخوارج يقولون:إنّه كافر.

و الإماميّة أكفروا الباغي على عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،المقاتل له،و احتجّوا بما روى من قوله صلّى اللّه عليه و سلّم له:

«حربك حربي»،و فيه بحث.(26:151)

العامليّ: قد جاء«الباغي»في اللّغة،بمعنى الطّالب للشّيء،خيرا كان أو شرّا،و منه«الابتغاء»و ما يشتقّ منه،و قد ورد الجميع بهذا المعنى،في موارد من القرآن.

و ظاهر إمكان تأويل طلاّب القبائح و ما ذمّه اللّه تعالى بالأعادي و العكس بالعكس،كما ينكشف هذا أيضا،فإنّه قد ورد البغي كثيرا،بمعنى مجاوزة الحدّ و الطّغيان و خلاف الإطاعة،و أصله:من طلب الخلاف و الظّلم و السّوء.

و قد ورد تأويله في الأخبار خصوصا و عموما:

بعداوة الأئمّة عليهم السّلام،و بأعدائهم و ظالميهم و قاتليهم، و مانعي حقّهم،و الدّاعين إلى غيرهم.و أنّ الباغي و الفئة الباغية:من بغى على إمام هدى،خارج عن طاعته.

و في رواية تأويل(البغي)بخصوص«الثّالث»،فمن الأخبار ما مرّ في الفصل الرّابع من المقالة الأولى،من المقدّمة الأولى عن المفضّل،عن الصّادق عليه السّلام،من قوله في تفسير قوله تعالى: وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ النّحل:90،هم أعداء الأنبياء،و هم المنهيّ عن مودّتهم و طاعتهم،الخبر.

و في الأخبار المتواترة عن النّبيّ عليه السّلام،أنّه قال:«إنّ (الفئة الباغية)هي الّتي تقتل عمّارا».

فعلى هذا كلّ من خرج على عليّ عليه السّلام بل على كلّ إمام حقّ،بل كلّ من يعاديه؛بحيث لا يمتنع من الخروج عليه،بل كلّ من يعادي شيعتهم أيضا،بهذه المرتبة الّتي لا يمتنع عن منازعتهم في الدّين و لو باللّسان،فهو الباغي و من الفئة الباغية،فتأمّل حتّى تفهم تأويل كلّ موضع، و اللّه الهادي.(105)

الطّباطبائيّ: البغي:الظّلم و التّعدّي بغير حقّ، و الفيء:الرّجوع،و المراد ب(أمر اللّه):ما أمر به اللّه.

و المعنى فإن تعدّت إحدى الطّائفتين على الأخرى

ص: 289

بغير حقّ،فقاتلوا الطّائفة المتعدّية حتّى ترجع إلى ما أمر به اللّه،و تنقاد لحكمه.(18:314،315)

بغى

ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ. الحجّ:60

الطّبرسيّ: أي ظلم بإخراجه من منزله،يعني ما فعله المشركون من البغي على المسلمين حتّى أخرجوهم إلى مفارقة ديارهم.(4:93)

القرطبيّ: أي بالكلام و الإزعاج من وطنه؛و ذلك أنّ المشركين كذّبوا نبيّهم،و آذوا من آمن به و أخرجوه و أخرجوهم من مكّة،و ظاهروا على إخراجهم.

(12:90)

البروسويّ: ظلم عليه بالمعاودة إلى العقوبة، يقال:بغى عليه بغيا:علا و ظلم.(6:54)

يبغى

قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ...

ص:24

الطّبريّ: ليتعدّى بعضهم على بعض.(23:145)

مثله الماورديّ(5:88)،و نحوه القرطبيّ(15:

179).

الطّوسيّ: ليبغى بعضهم على بعض فيظلمه.

(8:553)

الزّمخشريّ: قرئ (ليبغي) بفتح الياء على تقدير النّون الخفيفة،و حذفها كقوله:

أضرب عنك الهموم طارقها،و هو جواب قسم محذوف.

و(ليبغ)بحذف الياء اكتفاء عنها بالكسرة.

(3:371)

مثله أبو حيّان.(7:393)

البروسويّ: أي ليتعدّى غير مراع لحقّ الصّحبة و الشّركة.(8:17)

مثله الآلوسيّ.(23:181)

القاسميّ: أي بغي الأعداء،مع أنّ من واجب حقّهم النّصفة على الأقلّ،إن لم يقوموا بفضيلة الإيثار.

(14:5087)

يبغيان

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ

الرّحمن:20،21

ابن عبّاس: لا يبغي واحد منهما على الآخر.

مثله مجاهد و قتادة.(ابن عطيّة 5:227)

نحوه الطّوسيّ.(9:469)

مجاهد :معناه(لا يبغيان):لا يختلطان،و معناه لا يبغيان على النّاس.(الطّوسيّ 9:469)

الضّحّاك: لا يختلطان،لا يسيل العذب على الملح، و لا المالح على العذب.(الماورديّ 5:430)

الحسن :(لا يبغيان)على النّاس و العمران.

مثله قتادة.(ابن عطيّة 5:228)

ص: 290

(لا يبغيان)عليكم،فيغرقانكم.

(الآلوسيّ 27:106)

قتادة: (لا يبغيان)على اليبس.و ما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي،فحجز أحدهما عن صاحبه، بقدرته و لطفه و جلاله،تبارك و تعالى.

(الطّبريّ 27:130)

ابن زيد: لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه.

(الطّبريّ 27:130)

الطّبريّ: [و بعد نقل أقوال المتقدّمين قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه وصف البحرين اللّذين ذكرهما في هذه الآية أنّهما لا يبغيان.و لم يخصّص وصفهما في شيء دون شيء،بل عمّ الخبر عنهما بذلك.

فالصّواب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه،فيقال:إنّهما لا يبغيان على شيء،و لا يبغي أحدهما على صاحبه، و لا يتجاوزان حدّ اللّه الّذي حدّه لهما.(27:129)

الشّريف الرّضيّ: معنى قوله تعالى:(لا يبغيان) أي لا يغلب أحدهما على الآخر،فيقلبه إلى صفته،إمّا الملح على العذب،أو العذب على الملح.

و كنّى تعالى بلفظ«البغي»عن غلبة أحدهما على صاحبه،لأنّ الباغي في الشّاهد:اسم لمن تغلّب من طريق الظّلم بالقوّة و البسطة،و التّطاول و السّطوة.

(تلخيص البيان:321)

الماورديّ: في قوله:(لا يبغيان)ثلاثة أقاويل:

[و قد ذكرنا الأوّل و الثّاني عن الضّحّاك و قتادة،و إليك الثّالث]

الثّالث:لا يبغيان أن يلتقيا،قاله ابن زيد،و تقدير الكلام:مرج البحرين يلتقيان لو لا البرزخ الّذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا.(5:430)

ابن عطيّة: [و بعد نقل قول ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و الحسن قال:]

و قال بعض المتأوّلين:هي من قولك:بغى،إذا طلب،فمعناه(لا يبغيان)حالا غير حالهما الّتي خلقا و سخّرا لها.(5:227)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:من البغي،أي لا يظلم أحدهما على الآخر.

بخلاف قول الطّبيعيّ حيث يقول:الماءان كلاهما جزء واحد،فقال:هما لا يبغيان ذلك.

و ثانيهما:أن يقال:(لا يبغيان)من البغي،بمعنى الطّلب،أي لا يطلبان شيئا.

و على هذا ففيه وجه آخر،و هو أن يقال:إنّ (يبغيان)لا مفعول له معيّن،بل هو بيان أنّهما لا يبغيان في ذاتهما و لا يطلبان شيئا أصلا.بخلاف ما يقول الطّبيعيّ:إنّه يطلب الحركة و السّكون في موضع عن موضع.

(29:101)

البروسويّ: أي لا ينبغي أحدهما على الآخر بالممازجة و إبطال الخاصّيّة،مع أنّ شأنهما الاختلاط على الفور،بل يبقيان على حالهما زمانا يسيرا،مع أنّ شأنهما الاختلاط،و انفعال كلّ واحد منهما عن الآخر على الفور.

أو لا يتجاوزان حدّيهما بإغراق ما بينهما من الأرض، لتكون الأرض بارزة يتّخذها أهلها مسكنا و مهادا.

ص: 291

فقوله:(لا يبغيان)إمّا من«الابتغاء»و هو الطّلب، أي لا يطلبان غير ما قدّر لهما،أو من«البغي»و هو مجاوزة كلّ واحد منهما ما حدّ له.(9:295)

نحوه الآلوسيّ.(27:106)

يبغون

1- أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. آل عمران:83

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز من مكّة و المدينة،و قرّاء الكوفة (أ فغير دين اللّه تبغون و اليه ترجعون) على وجه الخطاب.

و قرأ ذلك بعض أهل الحجاز (أ فغير دين اللّه يبغون و اليه يرجعون) بالياء كلتيهما،على وجه الخبر عن الغائب.

و قرأ ذلك بعض أهل البصرة أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ على وجه الخبر عن الغائب، (و اليه ترجعون) على وجه المخاطبة.

و أولى ذلك بالصّواب قراءة من قرأ(أ فغير دين اللّه تبغون)على وجه الخطاب(و اليه ترجعون)بالتّاء،لأنّ الآية الّتي قبلها خطاب لهم،فإتباع الخطاب نظيره أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره.

و إن كان الوجه الآخر جائزا،لما قد ذكرنا فيما مضى قبل،من أنّ الحكاية يخرج الكلام معها أحيانا على الخطاب كلّه،و أحيانا على وجه الخبر عن الغائب، و أحيانا بعضه على الخطاب،و بعضه على الغيبة،فقوله:

(تبغون و اليه ترجعون)في هذه الآية من ذلك.

و تأويل الكلام:يا معشر أهل الكتاب(أ فغير دين اللّه تبغون)يقول:أ فغير طاعة اللّه تلتمسون، و تريدون.(3:335)

الطّبرسيّ: قرأ أبو عمرو(يبغون)بالياء(و اليه ترجعون)بالتّاء مضمومة.و قرأ بالياء فيهما ابن عبّاس و حفص و يعقوب و سهل.و الباقون بالتّاء فيهما جميعا.

من قرأ بالتّاء فيهما،فلأنّ أوّل الآية خطاب للنّبيّ.

و من قرأ بالياء فعلى تقدير:قل لهم:أ فغير دين اللّه يبغون.فجاء على لفظ الغيبة،لأنّه غيب.(1:466)

الفخر الرّازيّ: قرأ حفص عن عاصم(يبغون) و(يرجعون)بالياء المنقّطة من تحتها،لوجهين:

أحدهما:ردّا لهذا إلى قوله: فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ آل عمران:82.

و الثّاني:أنّه تعالى إنّما ذكر حكاية أخذ الميثاق حتّى يبيّن أنّ اليهود و النّصارى يلزمهم الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا أصرّوا على كفرهم قال على جهة الاستنكار: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ.

و قرأ أبو عمرو(تبغون)بالتّاء خطابا لليهود و غيرهم من الكفّار،و(يرجعون)بالياء ليرجع إلى جميع المكلّفين المذكورين،في قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.

و قرأ الباقون فيهما بالتّاء على الخطاب،لأنّ ما قبله خطاب كقوله: أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ آل عمران:81

و أيضا:فلا يبعد أن يقال للمسلم و الكافر و لكلّ أحد:(أ فغير دين اللّه تبغون)؟مع علمكم بأنّه أسلم له من في السّماوات و الأرض،و أنّ مرجعكم إليه،و هو

ص: 292

كقوله: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ آل عمران:101.(8:129)

أبو حيّان: معنى(تبغون)تطلبون،و هو هنا بمعنى تدينون،لأنّهم متلبّسون بدين غير دين اللّه،لا طالبوه.

و عبّر بالطّلب إشعارا بأنّهم في كلّ وقت باحثون عنه و مستخرجوه و مبتغوه.(2:515)

البروسويّ: عطف على مقدّر،أي أ يتولّون فيبغون غير دين اللّه،و يطلبونه.(2:57)

الطّباطبائيّ: تفريع على الآية السّابقة المتضمّنة لأخذ ميثاق النّبيّين.

و المعنى فإذا كان دين اللّه واحدا،و هو الّذي أخذ عليه الميثاق من عامّة النّبيّين و أممهم،و كان على المتقدّم من الأنبياء و الأمم أن يبشّروا بالرّسول المتأخّر، و يؤمنوا بما عنده و يصدّقوه،فما ذا يقصده هؤلاء-معاشر أهل الكتاب-و قد كفروا بك،و ظاهر حالهم أنّهم يبغون الدّين.فهل يبغون غير الإسلام الّذي هو دين اللّه الوحيد؟

و لذلك لا يصدّقونك،و لا يتمسّكون بدين الإسلام، مع أنّه كان يجب عليهم الاعتصام بالإسلام،لأنّه الدّين الّذي يبتني على الفطرة،و كذلك يجب أن يكون الدّين، و الدّليل عليه أنّ من في السّماوات و الأرض من أولي العقل و الشّعور مسلمون للّه في مقام التّكوين،فيجب أن يسلموا عليه في مقام التّشريع.(3:335)

2- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. المائدة:50

الطّوسيّ: قرأ(تبغون)بالتّاء ابن عامر وحده، الباقون بالياء.

من قرأ بالتّاء فعلى معنى قل:لهم.و من قرأ بالياء، فلأنّ ما قبله على لفظ الغيبة،و هو قوله: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ المائدة:49،فحملوا عليه.

و نصب أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ و هو مفعول به، و معنى(تبغون)تطلبون،يقال:بغى يبغي بغيا،إذا طلبه.

و البغاة هم الّذين يطلبون التّآمر على النّاس و التّرؤّس بغير حقّ.و البغيّ:الفاجرة،لأنّها تطلب الفاحشة.و منه قوله: وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ... الحجّ:60،أي من طلب عليه الاستعلاء بالظّلم.(3:549)

النّيسابوريّ: فيه تعيير لليهود،بأنّهم أهل كتاب و علم،و مع ذلك يطلبون حكم الملّة الجاهليّة،الّتي هي محض الجهل و صريح الهوى.

و قال مقاتل: إنّ قريظة و النّضير طلبوا إليه أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهليّة من التّفاضل بين القتلى، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«القتلى بواء»أي سواء،فقال بنو النّضير:نحن لا نرضى بذلك،فنزلت.

و عن الحسن: هو عامّ في كلّ من يبتغي غير حكم اللّه.و سئل طاوس عن الرّجل يفضل بعض ولده على بعض،فتلا هذه الآية.(6:110)

أبو حيّان: قرأ الجمهور(يبغون)بالياء،على نسق الغيبة المتقدّمة.و قرأ ابن عامر بالتّاء،على الخطاب؛ و فيه مواجهتهم بالإنكار و الرّدع و الزّجر،و ليس ذلك في الغيبة؛فهذه حكمة الالتفات و الخطاب ليهود قريظة

ص: 293

و النّضير.(3:505)

القاسميّ: أي أ يتولّون عن حكمك فيبغون حكم الجاهليّة.و تقديم المفعول للتّخصيص المفيد لتأكيد الإنكار و التّعجيب،لأنّ التّولّي عن حكمه عليه الصّلاة و السّلام،و طلب حكم آخر،منكر عجيب.و طلب حكم الجاهليّة أقبح و أعجب.(6:2021)

3- فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

يونس:23

ابن عبّاس: يريد به الفساد و التّكذيب و الجراءة على اللّه تعالى.(الفخر الرّازيّ 17:71)

مقاتل: معنى يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يعبدون غير اللّه.(الطّوسيّ 5:416)

الزّجّاج: البغي:التّرقّي في الفساد.

(الفخر الرّازيّ 17:71)

الطّوسيّ: إنّه إذا أنجاهم و خلّصهم من تلك الشّدائد عادوا إلى البغي،و هو الاستعلاء بالظّلم.

(5:416)

الزّمخشريّ: يفسدون فيها و يعبثون متراقين في ذلك ممعنين فيه،من قولك:بغى الجرح،إذا ترامى إلى الفساد.

فإن قلت:فما معنى قوله:(بغير الحقّ)و البغي لا يكون بحقّ؟

قلت:بلى،و هو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة،و هدم دورهم و إحراق زروعهم و قطع أشجارهم،كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ببني قريظة.

(2:232)

ابن عطيّة: أي يفسدون و يكفرون.

و البغي:التّعدّي و الأعمال الفاسدة،و وكّد ذلك بقوله:(بغير الحقّ)ثمّ ابتدأ بالرّجز و ذمّ البغي في أوجز لفظ.(3:113)

الطّبرسيّ: أي يعملون فيها بالمعاصي و الفساد، و يشتغلون بالظّلم على الأنبياء،و على المسلمين.

(3:101)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا حكى عنهم هذا التّضرّع الكامل،بيّن أنّهم بعد الخلاص من تلك البليّة و المحنة أقدموا في الحال على البغي في الأرض بغير الحقّ.

(17:71)

القرطبيّ: أي يعملون في الأرض بالفساد و بالمعاصي.و البغي:الفساد و الشّرك،من بغى الجرح، إذا فسد.و أصله:الطّلب،أي يطلبون الاستعلاء بالفساد،(بغير الحقّ)أي بالتّكذيب،و منه بغت المرأة:

طلبت غير زوجها.(8:326)

أبو حيّان: [بعد نقل قول ابن عبّاس، و الزّمخشريّ،و الزّجّاج،و الأصمعيّ،قال:]

و لا يصحّ أن يقال في المسلمين:إنّهم باغون على الكفرة،إلاّ أن ذكر أنّ أصل البغي هو الطّلب مطلقا، و لا يتضمّن الفساد.فحينئذ ينقسم إلى طلب بحقّ و طلب بغير حقّ.و لمّا حمل ابن عطيّة«البغي»هنا على الفساد، قال:أكّد ذلك بقوله:(بغير الحقّ).(5:140)

ص: 294

الآلوسيّ: أي فاجئوا الفساد فيها و سارعوا إليه، مترامين في ذلك ممعنين فيه-من قولهم:بغى الجرح،إذا ترامى في الفساد-و زيادة(فى الارض)للدّلالة على شمول بغيهم لأقطارها،و صيغة المضارع للدّلالة على التّجدّد و الاستمرار.

و قوله سبحانه و تعالى:(بغير الحقّ)تأكيد لما يفيده البغي؛إذ معناه أنّه بغير الحقّ عندهم أيضا،بأن يكون ظلما ظاهرا لا يخفى قبحه على كلّ أحد،كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ البقرة:61.

و قد فسّر«البغي»بإفساد صورة الشّيء و إتلاف منفعته،و جعل(بغير الحقّ)للاحتراز ممّا يكون من ذلك بحقّ،كتخريب الغزاة ديار الكفرة،و قطع أشجارهم، و حرق زروعهم،كما فعل صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم ببني قريظة.

و تعقّب بأنّه ممّا لا يساعده النّظم الكريم،لأنّ «البغي»بالمعنى الأوّل هو اللاّئق بحال المفسدين؛فينبغي بناء الكلام عليه.و الزّمخشريّ اختار كون ذلك للاحتراز عمّا ذكر.

و ذكر في«الكشف»أنّه أشار بذلك إلى أنّ الفساد اللّغويّ:خروج الشّيء من الانتفاع،فلا كلّ بغي،أي فساد في الأرض و استطالة فيها.كذلك كما علمت،و إن كان موضوعه العرفيّ للاستطالة بغير حقّ،لكن النّظر إلى موضوعه الأصليّ.

و قيل:إنّ البغي الّذي يتعدّى ب«في»بمعنى الإتلاف و الإفساد،و هو يكون حقّا.و غيره و الّذي يتعدّى ب«على»بمعنى الظّلم.و تقييد الأوّل بغير الحقّ للاحتراز و تقييد الثّاني به للتّأكيد.

و لعلّ من يجعل«البغي»هنا بمعنى الظّلم،يقول:إنّ المعنى يبغون على المسلمين مثلا،فافهم(11:98)

رشيد رضا :أي إذا هم يفاجئون النّاس في الأرض الّتي يهبطون إليها بالبغي عليهم،و هو الظّلم و العدوان و الإفساد،يمعنون في ذلك و يصرّون عليه.

و أصل البغي:طلب ما زاد على القصد و الاعتدال، إلى الإفراط المفضي إلى الفساد و الاختلال،من بغى الجرح،إذا زاد حتّى ترامى إلى الفساد.

و منه قولهم:بغت السّماء،إذا تجاوزت في المطر الحدّ المحتاج إليه للزّرع و الشجر و إمداد الينابيع.و بغت المرأة، إذا تجاوزت في بضعها الحقّ الخاصّ بالزّوج إلى الفجور، و الأصل فيه أن يكون كما وصفه(بغير الحقّ)فتكون الصّفة كاشفة للواقع،للتّذكير بقبحه و سوء حال أهله.

و قد يكون«البغي»و هو تجاوز حدّ الاعتدال بحقّ إذا كان عقابا على مثله أو ما هو شرّ منه،كما يقع في الحروب و قتال البغاة من اضطرار أهل الحقّ و المعتدى عليهم،إلى تجاوز الحدود في أثناء الدّفاع عن أنفسهم.

و قد قال تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ الشّورى:39،إلى قوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ الشّورى:42،و قال في بيان أصول الجرائم:

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف:33،إلخ.

(11:342)

الطّباطبائيّ: أصل البغي هو الطّلب.و يكثر

ص: 295

استعماله في مورد الظّلم،لكونه طلبا لحقّ الغير بالتّعدّي عليه،و يقيّد حينئذ (بِغَيْرِ الْحَقِّ) .و لو كان بمعنى الظّلم محضا،لكان القيد زائدا.

و الجملة من تتمّة الآية السّابقة،و المجموع أعني قوله: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ إلى قوله:

بِغَيْرِ الْحَقِّ يونس:22-23 بمنزلة الشّاهد و المثال بالنّسبة إلى عموم قوله قبله: وَ إِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ يونس:21،إلى آخر الآية،أو لخصوص قوله: قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً يونس:21.

و على أيّ حال فقوله: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ يونس:23 إلخ،ممّا يتوقّف عليه تمام الغرض من الكلام في الآية السّابقة،و إن لم يكن من كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فافهم ذلك.[إلى أن قال:]

و النّكتة في هذا الالتفات هي نظير النّكتة الّتي قدّمنا ذكرها في قوله تعالى،في أوّل الكلام: إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ يونس:21،فكأنّه سبحانه يفاجئهم بالاطّلاع عليهم أثناء ما يخاطبهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هم يحسبون أنّ ربّهم غائب عنهم،غافل عن نيّاتهم و مقاصدهم في أعمالهم،فيشرف عليهم و يمثّل بذلك كونه معهم في جميع أحوالهم و إحاطته بهم،و يقول لهم:

أنا أقرب إليكم و إلى أعمالكم منكم،فما تعملونه من عمل تريدون به أن تبتغوا علينا و تمكروا بنا إنّما توجد بتقديرنا و تجري بأيدينا،فكيف يمكنكم أن تبغوا بها علينا؟بل هي بغي منكم على أنفسكم،فإنّها تبعدكم منّا و تكتب آثامها في صحائف أعمالكم.

فبغيكم على أنفسكم و هو متاع الحياة الدّنيا تتمتّعون به أيّاما قلائل،ثمّ إلينا مرجعكم فنخبركم، و نوضح لكم هناك حقائق أعمالكم.(10:36)

4- خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً. الكهف:108

الطّبريّ: يقول:لا يريدون عنها تحوّلا.(16:38)

الطّوسيّ: أي لا يطلبون عنها التّحوّل و الانتقال إلى مكان غيرها.(7:99)

مثله الطّبرسيّ(3:498)،و القرطبيّ(11:68)، و البروسويّ(5:306)،و الآلوسيّ(16:51)، و الطّباطبائيّ(13:401).

5- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

الشّورى:42

مقاتل: عملهم بالمعاصي.(الماورديّ 5:208)

الطّبريّ: يقول:و يتجاوزون في أرض اللّه الحدّ الّذي أباح لهم ربّهم،إلى ما لم يأذن لهم فيه،فيفسدون فيها بغير الحقّ.(25:40)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه بغيهم في النّفوس و الأموال،و هو قول الأكثرين.

الثّاني:عملهم بالمعاصي،قاله مقاتل.

الثّالث:هو ما يرجوه كفّار قريش أن يكون بمكّة غير الإسلام دينا،قاله أبو مالك.(5:208)

الزّمخشريّ: يتكبّرون فيها،و يعلون و يفسدون.

(3:473)

ص: 296

مثله أبو حيّان(7:523)،و نحوه البروسويّ(8:

336)،و الآلوسيّ(25:48).

ابن عطيّة: أي الّذين يضعون الأشياء غير مواضعها،من القتل و أخذ المال و الأذى باليد و باللّسان.

و البغي بغير الحقّ،و هو نوع من أنواع الظّلم،خصّه بالذّكر تنبيها على شدّته،و سوء حال صاحبه.(5:40)

القرطبيّ: [بعد أن ذكر الأوجه الثّلاثة الّتي ذكرها الماورديّ أضاف:]

و على هذا الحدّ قال ابن زيد:إنّ هذا كلّه منسوخ بالجهاد،و إنّ هذا للمشركين خاصّة.

و قول قتادة:إنّه عامّ.و كذا يدلّ ظاهر الكلام،و قد بيّنّاه و الحمد للّه.(16:42)

يبغونها

1- اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ. الأعراف:45

ابن عبّاس: معناه يصلّون لغير اللّه،و يعظّمون ما لم يعظّمه اللّه.(الطّبرسيّ 2:422)

الطّبريّ: حاولوا سبيل اللّه،و هو دينه،أن يغيّروه و يبدّلوه عمّا جعله اللّه له من استقامته.(8:187)

الطّوسيّ: معنى(يبغونها)يطلبون لها العوج بالشّبهة الّتي يلبسون بها،و يوهمون أنّها تقدح فيها، و أنّها معوجة عن الحقّ بتناقضها.(4:439)

مثله الطّبرسيّ.(2:422)

2- اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ. هود:19

السّدّيّ: يبغون محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم هلاكا.

(الماورديّ 2:464)

الطّبريّ: يقول:و يلتمسون سبيل اللّه،و هو الإسلام الّذي دعا النّاس إليه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،يقول:زيغا و ميلا عن الاستقامة.(12:22)

القمّيّ: يعني يصدّون عن طريق اللّه و هي الإمامة (و يبغونها عوجا)يعني حرّفوها إلى غيرها.[و هذا تأويل](1:325)

الرّمّانيّ: أن يتأوّلوا القرآن تأويلا باطلا.

(الماورديّ 2:464)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:يعني يؤمنون بملّة غير الإسلام دينا،قاله أبو مالك.

[الثّاني و الثّالث عن السّدّيّ و الرّمّانيّ و قد مرّا]

(2:464)

الطّوسيّ: معناه أنّهم يطلبون لسبيل اللّه عدولا عنه.

و البغية:طلبة أمر من الأمور،تقول:بغاه يبغيه بغية،مثل طلبه يطلبه طلبة.(5:531)

ابن عطيّة: معناه يطلبون لها كما تقول:بغيتك خيرا أو شرّا،أي طلبت لك.(3:160)

الطّبرسيّ: أي و يطلبون لسبيل اللّه زيغا عن الاستقامة،و عدولا عن الصّواب.

و قيل:إنّ بغيهم العوج:هي زيادتهم و نقصانهم في الكتاب،لتتغيّر الأدلّة،و لا يستقيم صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كما

ص: 297

كان يفعلها اليهود.

و قيل:هي إيرادهم الشّبه،و كتمانهم المراد، و تحريفهم التّأويل.(3:151)

الفخر الرّازيّ: يعني أنّهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر و الضّلال،فقد أضافوا إليه المنع من الدّين الحقّ،و إلقاء الشّبهات،و تعويج الدّلائل المستقيمة، لا يقال في العاصي:يبغي عوجا،و إنّما يقال ذلك فيمن يعرف كيفيّة الاستقامة،و كيفيّة العوج،بسبب إلقاء الشّبهات،و تقرير الضّلالات.(17:204)

البروسويّ: «السّبيل»مؤنّث سماعيّ،فلذلك أنّث ضمير(يبغونها)يقال:بغيت الشّيء:طلبته،و بغيتك خيرا أو شرّا،أي طلبت لك،أي و يصفونها بالانحراف عن الحقّ و الصّواب،فيكون من قبيل إطلاق اسم السّبب على المسبّب.

قال في«الإرشاد»:و هذا شامل لتكذيبهم بالقرآن، و قولهم:إنّه ليس من عند اللّه.(4:112)

الآلوسيّ: أي يطلبون لها انحرافا،و المراد أنّهم يصفونها بذلك،و هي أبعد شيء عنه.و إطلاق الطّلب على الوصف مجاز،من إطلاق السّبب على المسبّب.

و يجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف،أي يبغون أهلها أن ينحرفوا عنها و يرتدّوا.

و قيل:المعنى يطلبونها على عوج.و نصب(عوجا) على أنّه مفعول به،و قيل:على أنّه حال،و يؤوّل بمعوّجين.(12:31)

3- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. إبراهيم:3

ابن عبّاس: يرجون بمكّة غير الإسلام دينا.

(الماورديّ 3:121)

السّدّيّ: يقصدون بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم هلاكا.

(الماورديّ 3:121)

أبو عبيدة :يلتمسون،و يحتالون لها عوجا.

(1:335)

الطّبريّ: يقول:و يلتمسون سبيل اللّه،و هي دينه الّذي ابتعث به رسوله.(13:180)

الماورديّ: فيه وجهان:[و هما قول ابن عبّاس و السّدّيّ السّابقين و أضاف:]

و يحتمل وجها ثالثا:أنّ معناه يلتمسون الدّنيا من غير وجهها،لأنّ نعمة اللّه لا تستمدّ إلاّ بطاعته دون معصيته.(3:121)

الطّوسيّ: أي و يطلبون الطّريق عوجا،أي عدولا عن استقامته.

و البغية:طلب المقاصد لموضع الحاجة،يقال:بغاه يبغيه بغية،و ابتغى ابتغاء.(6:272)

نحوه الطّبرسيّ.(3:303)

الميبديّ: أي يلتمسون لها زيغا و عيبا.و قيل:

يطلبون غير سبيل القصد،و صراط اللّه هو طريق القصد.و قيل:ينتظرون لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم هلاكا.

و(عوجا)منصوب على الحال،مصدر موضوع في موضع الحال،تقول:بغيت الشّيء:طلبته و أبغيته،أي أعنته.(5:225)

ص: 298

الزّمخشريّ: و يطلبون لسبيل اللّه زيغا و اعوجاجا، و أن يدلّوا النّاس على أنّها سبيل ناكبة عن الحقّ،غير مستوية.و الأصل:و يبغون لها،فحذف الجارّ و أوصل الفعل.(2:366)

ابن عطيّة: يحتمل ثلاثة أوجه من التّأويل:

أظهرها أن يريد:و يطلبونها في حالة عوج منهم، و لا يراعى إن كانوا بزعمهم على طريق نظر و بسبيل اجتهاد و اتّباع الأحسن.

فقد وصف اللّه تعالى حالهم تلك بالعوج،و كأنّه قال:و يصدّون عن سبيل اللّه الّتي هي بالحقيقة سبيله، و يطلبونها على عوج في النّظر.

و التّأويل الثّاني:أن يكون المعنى:و يطلبون لها عوجا يظهر فيها،أي يسعون على الشّريعة بأقوالهم و أفعالهم،ف(عوجا)مفعول.

و التّأويل الثّالث:أن تكون اللّفظة من المعنى،على معنى:و يبغون عليها أو فيها عوجا،ثمّ حذف الجارّ،و في هذا بعض القلق.(3:322)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الإضلال على مرتبتين:

المرتبة الأولى:أنّه يسعى في صدّ الغير،و منعه من الوصول إلى المنهج القويم،و الصّراط المستقيم.

و المرتبة الثّانية:أن يسعى في إلقاء الشّكوك و الشّبهات في المذهب الحقّ،و يحاول تقبيح صفته بكلّ ما يقدر عليه من الحيل.و هذا هو النّهاية في الضّلال و الإضلال،و إليه الإشارة بقوله: وَ يَبْغُونَها عِوَجاً.

(19:78)

القاسميّ: أي يصفونها بالانحراف عن الحقّ و الصّواب،أو يبغون أهلها أن يعوجّوا بالرّدّة،أو يبغون لها اعوجاجا،أي يطلبون أن يروا فيها عوجا قادحا، على الحذف و الإيصال.(10:3706)

المراغيّ: أي و يطلبون لها الزّيغ و العوج،و هي أبعد ما تكون من ذلك.فيقولون لمن يريدون صدّهم و إضلالهم عن سبيل اللّه و دينه:إنّ ذلك الدّين ناء عن الصّراط المستقيم،و زائغ عن الحقّ و اليقين.

و إنّك لتسمع كثيرا من الملحدين يقول:إنّ القوانين الإسلاميّة في الحدود و الجنايات شديدة غاية الشّدّة، و إنّها تصلح للأمم العربيّة في البادية،لا للأمم الّتي أخذت قسطا عظيما من الحضارة: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً الكهف:5.

فتلك شريعة دانت لها أمّة غيّرت وجه البسيطة، و ملكت ناصية العالم ردحا من الزّمان،و كانت مضرب الأمثال في العدل و ترك الجور،و ثلّت عروش الأكاسرة و القياصرة،و امتلكت بلادهم،و أزالت عزّهم و سلطانهم.

إلى أن غيّر أهلها معالمها،فأركسهم اللّه بما كسبوا، فبدّل عزّهم ذلاّ،و سعادتهم شقاء،و تلك سنّة اللّه،أنّ الأرض يرثها عباده الصّالحون لاستعمارها.

ثمّ حكم عليهم بما يستحقّون فقال: أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي فهم باختيارهم لأنفسهم حبّ العاجلة،و صدّهم عن الدّين،و ابتغائهم له الزّيغ و العوج،في ضلال بعيد عن الحقّ،لا يرجى لهم فلاح.

و أنّى لهم ذلك و قد كبّوا على وجوههم،و زيّن لهم الفساد و الغيّ،فيرون حسنا ما ليس بالحسن،و قبيحا

ص: 299

ما ليس بالقبيح.(13:125)

الطّباطبائيّ: قوله: وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً مفاده أنّهم يكفّون أنفسهم عن الاستنان بسنّة اللّه و التّديّن بدينه،أو يصدّون و يصرفون النّاس عن الإيمان باللّه و اليوم و الآخر و التّشرّع بشريعته،عنادا منهم للحقّ،و يطلبون سنّة اللّه عوجا و منحرفة بالاستنان بغيرها،من سنّة اجتماعيّة أيّا ما كانت،ثمّ سجّل عليهم الضّلال بقوله سبحانه:

أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.

و يظهر بما تقدّم فساد قول بعضهم:إنّ المراد بقوله:

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً يبغون لها عوجا،أي يطلبون لها زيغا و اعوجاجا حتّى يعيبوها به،و يصدّوا النّاس عنها بسببه.

و قول بعضهم:المعنى يطلبون أن يروا فيها عوجا يكون قادحا،فيقدحوا فيها به.

و قول بعضهم:المعنى يطلبون لأهلها أن يعوجوا و ينحرفوا بالرّدّ،فهو المراد بطلبهم الدّين منحرفا، و انحرافه فساد ما عند المؤمنين من معارفه،و فساد هذه الأقوال ظاهر.(12:14)

يبغونكم

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ. التّوبة:47

مجاهد :يبطّئونكم.(الطّبريّ 10:145)

الضّحّاك: أي يطلبون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم،و تهويل أمر العدوّ عليكم،و إلقاء الرّعب في قلوبكم.(الآلوسيّ 10:112)

الطّبريّ: معنى(يبغونكم الفتنة):يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم،بتثبيطهم إيّاكم عنه،يقال منه:بغيته الشّرّ،و بغيته الخير أبغيه بغاء،إذا التمسته له،بمعنى بغيت له،و كذلك عكمتك و حلبتك، بمعنى:حلبت لك و عكمت لك.

و إذا أرادوا أعنتك على التماسه و طلبه،قالوا:أبغيتك كذا،و أحلبتك،و أعكمتك،أي أعنتك عليه.(10:145)

الزّمخشريّ: يحاولون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم،و يفسدوا نيّاتكم في مغزاكم.

(2:194)

الطّباطبائيّ: البغي هو الطّلب،فمعنى(يبغونكم الفتنة)أي يطلبون لكم أو فيكم الفتنة،على ما قيل.

(9:290)

تبغ

وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. القصص:77

الطّبريّ: يقول:و لا تلتمس ما حرّم اللّه عليك من البغي على قومك.(20:113)

نحوه الفخر الرّازيّ.(25:16)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

ص: 300

أحدهما:لا تعمل فيها بالمعاصي،الثّاني:لا تقطع (1).

(4:267)

الطّوسيّ: أي لا تطلب الفساد بمنع ما يجب عليك من الحقوق،و إنفاق الأموال في المعاصي.(8:178)

نحوه الطّبرسيّ.(4:266)

أبو حيّان: أي ما أنت عليه من البغي و الظّلم.

(7:133)

نحوه الآلوسيّ.(20:113)

ابن كثير :أي لا تكن همّتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض،و تسيء إلى خلق اللّه.(5:298)

الطّباطبائيّ: أي لا تطلب الفساد في الأرض، بالاستعانة بما آتاك اللّه من مال،و ما اكتسبت به من جاه و حشمة،إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين،لبناء الخلقة على الصّلاح و الإصلاح.(16:77)

تبغونها

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ.

آل عمران:99

الطّبريّ: يعني تبغون لها عوجا،و الهاء و الألف اللّتان في قوله:(تبغونها)عائدتان على«السّبيل»و أنّثها لتأنيث«السّبيل».

و معنى قوله:تبغون لها عوجا،من قول الشّاعر:

بغاك و ما تبغيه حتّى وجدته

كأنّك قد واعدته أمس موعدا

يعني طلبك و ما تطلبه،يقال:ابغني كذا:يراد ابتغه لي،فإذا أرادوا:أعنّي على طلبه،و ابتغه معي،قالوا:

أبغني بفتح الألف.(4:22)

نحوه الزّجّاج.(1:447)

الطّوسيّ: الكناية راجعة إلى«السّبيل»و معناه تطلبون لها عوجا،يعني عدولا عن طريق الحقّ،و هو الضّلال،كأنّه قال:تبغونها ضلالا.(2:540)

الزّمخشريّ: تطلبون لها اعوجاجا و ميلا عن القصد و الاستقامة.

فإن قلت:كيف تبغونها عوجا و هو محال؟

قلت:فيه معنيان:

أحدهما:أنّكم تلبسون على النّاس حتّى توهموهم أنّ فيها عوجا،بقولكم:إنّ شريعة موسى لا تنسخ، و بتغييركم صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن وجهها،و نحو ذلك.

و الثّاني:أنّكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحقّ و ابتغاء ما لا يتأتّى لكم من وجوه العوج،فيما هو أقوم من كلّ مستقيم.(1:449)

ابن عطيّة: الضّمير في(تبغونها)عائد على «السّبيل»و معنى«تبغون)على ما فسّر الزّجّاج و الطّبريّ و غيرهما:تطلبون،فالمعنى تطلبون لها العوج،أي الاعوجاج و الانفساد.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ(تبغون)هنا،من البغي الّذي هو التّعدّي، أي تبغون عليها.(1:481)

ص: 301


1- كلمة مطموسة بالأصول،و لعلّ المقصود لا تقطع الطّريق.

ما ليس بالقبيح.(13:125)

الطّباطبائيّ: قوله: وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً مفاده أنّهم يكفّون أنفسهم عن الاستنان بسنّة اللّه و التّديّن بدينه،أو يصدّون و يصرفون النّاس عن الإيمان باللّه و اليوم و الآخر و التّشرّع بشريعته،عنادا منهم للحقّ،و يطلبون سنّة اللّه عوجا و منحرفة بالاستنان بغيرها،من سنّة اجتماعيّة أيّا ما كانت،ثمّ سجّل عليهم الضّلال بقوله سبحانه:

أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.

و يظهر بما تقدّم فساد قول بعضهم:إنّ المراد بقوله:

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً يبغون لها عوجا،أي يطلبون لها زيغا و اعوجاجا حتّى يعيبوها به،و يصدّوا النّاس عنها بسببه.

و قول بعضهم:المعنى يطلبون أن يروا فيها عوجا يكون قادحا،فيقدحوا فيها به.

و قول بعضهم:المعنى يطلبون لأهلها أن يعوجوا و ينحرفوا بالرّدّ،فهو المراد بطلبهم الدّين منحرفا، و انحرافه فساد ما عند المؤمنين من معارفه،و فساد هذه الأقوال ظاهر.(12:14)

يبغونكم

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ. التّوبة:47

مجاهد :يبطّئونكم.(الطّبريّ 10:145)

الضّحّاك: أي يطلبون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم،و تهويل أمر العدوّ عليكم،و إلقاء الرّعب في قلوبكم.(الآلوسيّ 10:112)

الطّبريّ: معنى(يبغونكم الفتنة):يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم،بتثبيطهم إيّاكم عنه،يقال منه:بغيته الشّرّ،و بغيته الخير أبغيه بغاء،إذا التمسته له،بمعنى بغيت له،و كذلك عكمتك و حلبتك، بمعنى:حلبت لك و عكمت لك.

و إذا أرادوا أعنتك على التماسه و طلبه،قالوا:أبغيتك كذا،و أحلبتك،و أعكمتك،أي أعنتك عليه.(10:145)

الزّمخشريّ: يحاولون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم،و يفسدوا نيّاتكم في مغزاكم.

(2:194)

الطّباطبائيّ: البغي هو الطّلب،فمعنى(يبغونكم الفتنة)أي يطلبون لكم أو فيكم الفتنة،على ما قيل.

(9:290)

تبغ

وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. القصص:77

الطّبريّ: يقول:و لا تلتمس ما حرّم اللّه عليك من البغي على قومك.(20:113)

نحوه الفخر الرّازيّ.(25:16)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

ص: 302

أحدهما:لا تعمل فيها بالمعاصي،الثّاني:لا تقطع (1).

(4:267)

الطّوسيّ: أي لا تطلب الفساد بمنع ما يجب عليك من الحقوق،و إنفاق الأموال في المعاصي.(8:178)

نحوه الطّبرسيّ.(4:266)

أبو حيّان: أي ما أنت عليه من البغي و الظّلم.

(7:133)

نحوه الآلوسيّ.(20:113)

ابن كثير :أي لا تكن همّتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض،و تسيء إلى خلق اللّه.(5:298)

الطّباطبائيّ: أي لا تطلب الفساد في الأرض، بالاستعانة بما آتاك اللّه من مال،و ما اكتسبت به من جاه و حشمة،إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين،لبناء الخلقة على الصّلاح و الإصلاح.(16:77)

تبغونها

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ.

آل عمران:99

الطّبريّ: يعني تبغون لها عوجا،و الهاء و الألف اللّتان في قوله:(تبغونها)عائدتان على«السّبيل»و أنّثها لتأنيث«السّبيل».

و معنى قوله:تبغون لها عوجا،من قول الشّاعر:

بغاك و ما تبغيه حتّى وجدته

كأنّك قد واعدته أمس موعدا

يعني طلبك و ما تطلبه،يقال:ابغني كذا:يراد ابتغه لي،فإذا أرادوا:أعنيّ على طلبه،و ابتغه معي،قالوا:

أبغني بفتح الألف.(4:22)

نحوه الزّجّاج.(1:447)

الطّوسيّ: الكناية راجعة إلى«السّبيل»و معناه تطلبون لها عوجا،يعني عدولا عن طريق الحقّ،و هو الضّلال،كأنّه قال:تبغونها ضلالا.(2:540)

الزّمخشريّ: تطلبون لها اعوجاجا و ميلا عن القصد و الاستقامة.

فإن قلت:كيف تبغونها عوجا و هو محال؟

قلت:فيه معنيان:

أحدهما:أنّكم تلبسون على النّاس حتّى توهموهم أنّ فيها عوجا،بقولكم:إنّ شريعة موسى لا تنسخ، و بتغييركم صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن وجهها،و نحو ذلك.

و الثّاني:أنّكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحقّ و ابتغاء ما لا يتأتّى لكم من وجوه العوج،فيما هو أقوم من كلّ مستقيم.(1:449)

ابن عطيّة: الضّمير في(تبغونها)عائد على «السّبيل»و معنى«تبغون)على ما فسّر الزّجّاج و الطّبريّ و غيرهما:تطلبون،فالمعنى تطلبون لها العوج،أي الاعوجاج و الانفساد.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ(تبغون)هنا،من البغي الّذي هو التّعدّي، أي تبغون عليها.(1:481)

ص: 303


1- كلمة مطموسة بالأصول،و لعلّ المقصود لا تقطع الطّريق.
تبغوا

...فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً. النّساء:34

ابن عبّاس: إذا أطاعتك فلا تتجنّ عليها العلل.

(الطّبريّ 5:69)

ابن عيينة: لا تكلّفوهنّ الحبّ.(الطّبرسيّ 2:44)

الطّبريّ: لا تلتمسوا،و لا تطلبوا،من قول القائل:

بغيت الضّالّة،إذا التمسها.[ثمّ استشهد بشعر](5:69)

نحوه الطّوسيّ.(3:191)

الزّجّاج: فإن أطعن فيما يلتمس منهنّ فلا يبغي عليهنّ سبيلا،أي لا يطلب عليهنّ طريق عنت.

(2:48)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:لا تطلبوا لهنّ الأذى.

و الثّاني:هو أن يقول لها:لست تحبّينني و أنت تعصيني،فيصيّرها على ذلك و إن كانت مطيعة.

(1:483)

الميبديّ: لا تكلّفها من الحبّ لك ما لا تطيق.

(2:494)

الزّمخشريّ: فأزيلوا عنهنّ التّعرّض بالأذى و التّوبيخ و التّجنّي،و توبوا عليهنّ،و اجعلوا ما كان منهنّ كأن لم يكن بعد رجوعهنّ إلى الطّاعة و الانقياد و ترك النّشوز.(1:525)

الطّبرسيّ: لا تطلبوا عليهنّ عللا باطلا.(2:44)

الفخر الرّازيّ: أي لا تطلبوا عليهنّ الضّرب و الهجران،طريقا على سبيل التّعنّت و الإيذاء.(10:91)

القرطبيّ: أي لا تجنوا عليهنّ بقول أو فعل.و هذا نهي عن ظلمهنّ بعد تقرير الفضل عليهنّ،و التّمكين من أدبهنّ.

و قيل:المعنى لا تكلّفوهنّ الحبّ لكم،فإنّه ليس إليهنّ.(5:173)

أبو حيّان: معنى(فلا تبغوا)فلا تطلبوا عليهنّ سبيلا من السّبل الثّلاثة المباحة،و هي:الوعظ و الهجر و الضّرب.

و قال سفيان: معناه لا تكلّفوهنّ ما ليس في قدرتهنّ من الميل و المحبّة،فإنّ ذلك إلى اللّه.

و قيل:يحتمل أن يكون(تبغوا)من«البغي»و هو الظّلم،و المعنى فلا تبغوا عليهنّ من طريق من الطّرق.

(3:242)

أبو السّعود: بالتّوبيخ و الأذيّة،أي فأزيلوا عنهنّ التّعرّض،و اجعلوا ما كان منهنّ كأن لم يكن،فإنّ التّائب من الذّنب،كمن لا ذنب له.(2:133)

مثله البروسويّ.(2:202)

الآلوسيّ: أي فلا تطلبوا سبيلا و طريقا إلى التّعدّي عليهنّ،أو لا تظلموهنّ بطريق من الطّرق بالتّوبيخ اللّسانيّ و الأذى الفعليّ و غيره،و اجعلوا ما كان منهنّ كأن لم يكن.

فالبغي إمّا بمعنى الطّلب،و(سبيلا)مفعوله،و الجارّ متعلّق به،أو صفة النّكرة قدّم عليها.و إمّا بمعنى الظّلم، و(سبيلا)منصوب بنزع الخافض.(5:26)

الطّباطبائيّ: أي لا تتّخذوا عليهنّ علّة تعتلّون بها في إيذائهنّ،مع إطاعتهنّ لكم.

ص: 304

ثمّ علّل هذا النّهي بقوله: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً و هو إيذان لهم أنّ مقام ربّهم عليّ كبير،فلا يغرّنّهم ما يجدونه من القوّة و الشّدّة في أنفسهم،فيظلموهنّ بالاستعلاء و الاستكبار عليهنّ.(4:345)

ابغى

قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ.

الأنعام:164

الطّبريّ: أسوى اللّه أطلب سيّدا يسودني؟(8:113)

الطّوسيّ: أغير اللّه اتّخذ ربّا معبودا؟

فالكلام خرج مخرج الاستفهام،و المراد به الإنكار، لأنّه لا جواب لصاحبه إلاّ بما هو قبيح،لأنّ تقديره:

أ يجوز أن أطلب الضّرّ و النّفع بعبادتي من هو مربوب مثلي؟!(4:363)

القشيريّ: كيف أوثر عليه بدلا،و إنّي لا أجد عن حكمه حولا؟و كيف أقول بغير أو ضدّ أو شريك؟أو أقول بدونه معبود أو مقصود؟

و إن لاحظت يمنة ما شاهدت إلاّ ملكه،و إن طالعت يسرة ما عاينت إلاّ ملكه،بل إنّي إن نظرت يمنة شهدت يمنه،و إن نظرت يسرة وجدت نحوي يسره.

(2:211)

الزّمخشريّ: جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم،و الهمزة للإنكار،أي منكر أن أبغي ربّا غيره.

(2:64)

ابن عطيّة: معناه أطلب،فكأنّه قال:أ فيحسن عندكم أن أطلب إلها غير اللّه الّذي هو ربّ كلّ شيء؟.(2:370)

الطّبرسيّ: و تقديره:أ يجوز أن أطلب غير اللّه ربّا، و أطلب الفوز بعبادته،و هو مربوب مثلي،و أترك عبادة من خلقني و ربّاني،و هو مالك كلّ شيء و خالقه و مدبّره و ليس بمربوب،أم هذا قبيح في العقول،و هو لازم لكم على عبادتكم الأوثان؟(2:392)

الفخر الرّازيّ: قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا مع أنّ هؤلاء الّذين اتّخذوا ربّا غير اللّه تعالى أقرّوا بأنّ اللّه خالق تلك الأشياء،و هل يدخل في العقل جعل المربوب شريكا للرّبّ،و جعل العبد شريكا للمولى،و جعل المخلوق شريكا للخالق؟

و لمّا كان الأمر كذلك،ثبت بهذا الدّليل أنّ اتّخاذ ربّ غير اللّه تعالى قول فاسد،و دين باطل.

و الوجه الثّاني في تقرير هذا الكلام:أنّ الموجود،إمّا واجب لذاته،و إمّا ممكن لذاته.و ثبت أنّ الواجب لذاته واحد،فثبت أنّ ما سواه ممكن لذاته،و ثبت أنّ الممكن لذاته لا يوجد إلاّ بإيجاد الواجب لذاته،و إذا كان الأمر كذلك كان تعالى ربّا لكلّ شيء.

و إذا ثبت هذا،فنقول:صريح العقل يشهد بأنّه لا يجوز جعل المربوب شريكا للرّبّ،و جعل المخلوق شريكا للخالق،فهذا هو المراد من قوله: قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ. (14:12)

النّيسابوريّ: كيف أطلب غير اللّه و هو حبيبي، و المحبّ لا يطلب إلاّ الحبيب،و إذا هو ربّ كلّ شيء فيكون ما له لي،و إن طلبت غيره دونه،يكون ذلك الغير عليّ لا لي،كما قال: وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها لأنّ النّفس أمّارة بالسّوء،و السّوء عليها،لا لها.

ص: 305

النّيسابوريّ: كيف أطلب غير اللّه و هو حبيبي، و المحبّ لا يطلب إلاّ الحبيب،و إذا هو ربّ كلّ شيء فيكون ما له لي،و إن طلبت غيره دونه،يكون ذلك الغير عليّ لا لي،كما قال: وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها لأنّ النّفس أمّارة بالسّوء،و السّوء عليها،لا لها.

(8:66)

أبو حيّان: و الهمزة للاستفهام،و معناه الإنكار و التّوبيخ،و هو ردّ عليهم إذ دعوه إلى آلهتهم،و المعنى أنّه كيف يجتمع لي دعوة غير اللّه ربّا،و غيره مربوب له.

(4:263)

البروسويّ: أطلب حال كونه ربّا آخر،فأشركه في عبادته،و هو ربّ كلّ شيء.(3:130)

الآلوسيّ: إنكار لبغية غيره تعالى ربّا،لا لبغية الرّبّ،و لهذا قدّم المفعول،و ليس التّقديم للاختصاص؛ إذ المقصود أغير اللّه أطلب ربّا و أجعله شريكا له؟و على تقدير الاختصاص لا يكون إشراكا للغير بل توحيد.

و قال بعض المحقّقين: لا يبعد أن يقال:التّقديم للاختصاص.و ذكر في ردّ دعوته إلى«الغير»ردّ الاختصاص،تنبيها على أنّ إشراك الغير بغية غير اللّه تعالى؛إذ لا بغية له سبحانه إلاّ بتوحيده عزّ و جلّ.و ما في النّظم الكريم أبلغ من:أغير اللّه أعبد و نحوه،كما لا يخفى.

(8:71)

القاسميّ: قل:أغير اللّه أبغي ربّا فأشركه في عبادته؟و هو جواب عن دعائهم له عليه الصّلاة و السّلام إلى عبادة آلهتهم،و في إيثار نفي البغية و الطّلب، على نفي العبادة،أبلغيّة لا تخفى وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ حال في موضع العلّة للإنكار،و الدّليل له،أي و كلّ ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للرّبوبيّة،فلا أكون عبدا لعبده.(6:2593)

الخطيب: أمر من اللّه سبحانه للنّبيّ أن ينكر على المشركين ما هم فيه من ضلال و شرك باللّه،و أنّهم إذا ابتغوا غير اللّه ربّا،فلن يبتغي هو غير اللّه ربّا،فاللّه هو ربّ كلّ شيء.و اتّخاذ غيره إلها،هو شرود عن الحقّ الّذي استقام عليه الوجود كلّه.(4:357)

محمود صافي: و جملة(ابغى)في محلّ نصب مقول القول.(8:351)

ابغيكم

قالَ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَ هُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. الأعراف:140

الطّبريّ: أ سوى اللّه ألتمسكم إلها،و أجعل لكم معبودا تعبدونه.(9:46)

الزّجّاج: أي أغير اللّه أطلب لكم إلها.(2:372)

نحوه القرطبيّ.(7:274)

الطّوسيّ: أ أطلب غير اللّه لكم إلها؟قاله على وجه الإنكار عليهم،و إن كان بلفظ الاستفهام.

و«بغى»يتعدّى إلى مفعولين،و«طلب»يتعدّى إلى مفعول واحد،لأنّ معنى بغى:أعطى؛بغاه الخير:أعطاه الخير.و ليس كذلك«طلب»لأنّه غير مضمّن بالمطلوب.

و قد يجوز أن يكون بمعنى:أبغي لكم.(4:562)

الزّمخشريّ: أغير المستحقّ للعبادة أطلب لكم معبودا؟و هو فعل بكم ما فعل دون غيره من الاختصاص بالنّعمة الّتي لم يعطها أحدا غيركم،لتختصّوه بالعبادة و لا تشركوا به غيره.

و معنى الهمزة الإنكار و التّعجّب من طلبتهم-مع كونهم مغمورين في نعمة اللّه-عبادة غير اللّه.(2:110)

ص: 306

الطّبرسيّ: أي ألتمس و أطلب غير اللّه لكم؟ فحذف حرف الجرّ،فوصل الفعل كقوله: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ الأعراف:155،أي من قومه.(2:472)

ابن الجوزيّ: أي أطلب لكم،و هذا استفهام إنكار.(3:254)

البروسويّ: أي أنزلكم منزلا غير الوصول و الوصال.(3:226)

نبغى

...قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا... يوسف:65

قتادة :ما نبغي وراء هذا،إنّ بضاعتنا ردّت إلينا، و قد أوفى لنا الكيل.(الطّبريّ 13:11)

الطّبريّ: يعني أنّهم قالوا لأبيهم:ما ذا نبغي،هذه بضاعتنا ردّت إلينا؟تطييبا منهم لنفسه،بما صنع بهم في ردّ بضاعتهم إليه.

و إذا وجّه الكلام إلى هذا المعنى كانت(ما)استفهاما في موضع نصب بقوله:(نبغى).(13:11)

الزّجّاج: أي ما نريد،و(ما)في موضع نصب،المعنى أيّ شيء نريد و قد ردّت علينا بضاعتنا؟

و يجوز أن يكون(ما)نفيا،كأنّهم قالوا:ما نبغي شيئا.(3:118)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه على وجه الاستفهام،بمعنى ما نبغي بعد هذا الّذي قد عاملنا به؟قاله قتادة.

الثّاني:معناه ما نبغي بالكذب فيما أخبرناك به عن الملك،حكاه ابن عيسى.(3:57)

نحوه الطّوسيّ.(6:164)

البغويّ: أيّ شيء نطلب بالكلام؟فهذا هو العيان من الإحسان و الإكرام أوفى لنا الكيل و ردّ علينا الثّمن، أرادوا تطييب نفس أبيهم.(2:502)

الميبديّ: «ما»في هذا الموضع لها معنيان:

أحدهما:بمعنى الاستفهام،أي ما ذا نطلب و ما نريد، و هل فوق هذا من مزيد؟

ثانيهما:بمعنى النّفي،أي لا نطلب منك شيئا لثمن الغلّة بل نشتري بما ردّ علينا.و قيل:(ما نبغى)أي ما نكذب فيما نخبرك به عن صاحب مصر.(5:102)

نحوه القرطبيّ.(9:224)

الزّمخشريّ: (ما نَبْغِي) للنّفي،أي ما نبغي في القول، و ما نتزيّد فيما وصفنا لك من إحسان الملك و إكرامه.

و كانوا قالوا له:إنّا قدمنا على خير رجل أنزلنا و أكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته.

أو ما نبتغي شيئا وراء ما فعل بنا من الإحسان.

أو على الاستفهام،بمعنى أيّ شيء نطلب وراء هذا؟

و في قراءة ابن مسعود (ما تبغى) بالتّاء على مخاطبة يعقوب،معناه:أيّ شيء تطلب وراء هذا من الإحسان أو من الشّاهد على صدقنا؟

قلنا:معناه ما نريد منك بضاعة أخرى.(2:331)

ابن عطيّة: و قوله:(ما نبغى)يحتمل أن تكون(ما) استفهاما،قاله قتادة.و(نبغى)من البغية،أي ما نطلب بعد هذه التّكرمة؟هذا ما لنا ردّ إلينا مع ميرتنا.

ص: 307

قال الزّجّاج: و يحتمل أن تكون(ما)نافية،أي ما بقي لنا ما نطلب.

و يحتمل أيضا أن تكون نافية،و(نبغى)من البغي، أي ما تعدّينا فكذّبنا على هذا الملك،و لا في وصف إجماله و إكرامه،هذه البضاعة مردودة.

و قرأ أبو حيوة (ما تبغي) بالتّاء،على مخاطبة يعقوب، و هي بمعنى ما تريد و ما تطلب؟(3:260)

الطّبرسيّ: أي ما نطلب في منع أخينا عنه.

(3:248)

الفخر الرّازيّ: قوله:(ما نبغى)ففي كلمة(ما) قولان:

القول الأوّل:أنّها للنّفي،و على هذا التّقدير ففيه وجوه:

الأوّل:أنّهم كانوا قد وصفوا يوسف بالكرم و اللّطف،و قالوا:إنّا قدمنا على رجل في غاية الكرم أنزلنا و أكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب لما فعل ذلك،فقولهم:(ما نبغى)أي بهذا الوصف الّذي ذكرناه كذبا،و لا ذكر شيء لم يكن.

الثّاني:أنّه بلغ في الإكرام إلى غاية ما وراءها شيء آخر،فإنّه بعد أن بالغ في إكرامنا أمر ببضاعتنا فردّت إلينا.

الثّالث:المعنى أنّه ردّ بضاعتنا إلينا،فنحن لا نبغي منك عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى،فإنّ هذه الّتي معنا كافية لنا.

القول الثّاني:أنّ كلمة(ما)هاهنا للاستفهام، و المعنى:لمّا رأوا أنّه ردّ إليهم بضاعتهم قالوا:ما نبغي بعد هذا،أي أعطانا الطّعام،ثمّ ردّ علينا ثمن الطّعام على أحسن الوجوه،فأيّ شيء نبغي وراء ذلك؟

و اعلم أنّا إذا حملنا(ما)على الاستفهام،صار التّقدير:أيّ شيء نبغي فوق هذا الإكرام؛إنّ الرّجل ردّ دراهمنا إلينا،فإذا ذهبنا إليه نمير أهلنا،و نحفظ أخانا، و نزداد كيل بعير بسبب حضور أخينا.

و أمّا إذا حملنا كلمة(ما)على النّفي كان المعنى:

لا نبغي شيئا آخر هذه بضاعتنا ردّت إلينا،فهي كافية لثمن الطّعام في الذّهاب الثّاني،ثمّ نفعل كذا و كذا.

(18:170)

نحوه النّيسابوريّ.(13:23)

الشّربينيّ: أي أيّ شيء نبغي،أي نريد؟

جميع القرّاء أثبتوا الياء وقفا و وصلا،لثباتها في الرّسم،فكأنّه قال لهم:ما الخبر؟فقالوا بيانا لذلك و تأكيدا للسّؤال في استصحاب أخيهم.(2:121)

أبو السّعود: إذا فسّر«البغي»بالطّلب،ف(ما)إمّا استفهاميّة منصوبة به،فالمعنى ما ذا نبتغي وراء ما وصفنا لك من إحسان الملك إلينا،و كرمه الدّاعي إلى امتثال أمره،و المراجعة إليه في الحوائج و قد كانوا أخبروه بذلك،و قالوا له:إنّا قدمنا على خير رجل،أنزلنا و أكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته.[إلى أن قال:]

أو أيّ مطلب نطلب من مهمّاتنا،و الجملة الواقعة بعده توضيح و بيان لما يشعر به الإنكار،من كونهم فائزين ببعض المطالب،أو متمكّنين من تحصيله، فكأنّهم قالوا:بضاعتنا حاضرة فنستظهر بها و نمير أهلنا

ص: 308

و نحفظ أخانا،فما يصيبه شيء من المكاره،و نزداد بسببه غير ما نكتاله لأنفسنا كيل بعير،فأيّ شيء نبتغي وراء هذا المباغي.

و قرئ (ما تبغي) على خطاب يعقوب عليه السّلام،أي أيّ شيء تبغي وراء هذه المباغي المشتملة على سلامة أخينا،وسعة ذات أيدينا،أو وراء ما فعل بنا الملك من الإحسان،داعيا إلى التّوجّه إليه،و الجملة الاستئنافيّة موضّحة لذلك.

أو أيّ شيء تبغي شاهدا على صدقنا فيما وصفنا لك من إحسانه،و الجملة المذكورة عبارة عن الشّاهد المدلول عليه بفحوى الإنكار.

و إمّا نافية،فالمعنى ما نبغي شيئا غير ما رأينا من إحسان الملك في وجوب المراجعة إليه،أو ما نبغي غير هذه المباغي.

و قيل:ما نطلب منك بضاعة أخرى،و الجملة المستأنفة تعليل له.

و أمّا إذا فسّر«البغي»بمجاوزة الحدّ،ف(ما)نافية فقط،و المعنى ما نبغي في القول و ما نتزيّد فيما وصفنا من إحسان الملك إلينا،و كرمه الموجب لما ذكر،و الجملة المستأنفة لبيان ما ادّعوا من عدم البغي.(3:410)

نحوه الآلوسيّ.(13:12)

القاسميّ: أي ما ذا نبتغي وراء ذلك؟هل من زيادة؟أي لا مزيد على ما فعل،لأنّه أكرمنا،و أحسن مثوانا،بإنزالنا عنده،و ردّ الثّمن علينا،و القصد إلى استنزاله عن رأيه.

أو لا نبغي في القول،و لا نكذب فيما حكينا لك،من إحسانه الدّاعي إلى امتثال أمره.أو ما نبغي،و ما ننطق إلاّ بالصّواب فيما نشير به عليك،من تجهيزنا مع أخينا.

و قرئ على الخطاب،أي أيّ شيء تطلب وراء هذا من الدّليل على صدقنا؟(9:3564)

الطّباطبائيّ: استفهام،أي لمّا فتحوا متاعهم و وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم،و كان ذلك دليلا على إكرام العزيز لهم،و أنّه غير قاصد بهم سوء.و قد سلّم إليهم الطّعام و ردّ إليهم الثّمن،فكان ذهابهم إلى مصر للامتياز خير سفر نفعا و درّا.

راجعوا أباهم،و قالوا:يا أبانا ما الّذي نطلب من سفرنا إلى مصر وراء هذا؟فقد أوفى لنا الكيل و ردّ إلينا ما بذلناه من البضاعة ثمنا.(11:215)

عبد الكريم الخطيب :أي ما ذا نريد؟هذه بضاعتنا ردّت إلينا،فما ذا نفعل بها؟و كيف نصبر على ما نحن عليه من حاجة إلى الطّعام؟إنّها بضاعة قد أعددناها لنشتري بها طعاما،و ها هي ذي لا تزال في أيدينا،و إنّه لا سبيل إلى الانتفاع بها،إلاّ إذا عدنا بها إلى مصر مرّة أخرى،و جلبنا بها الطّعام الّذي نريد.

(7:16)

نبغ

قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً.

الكهف:64

الطّبريّ: (ما كُنّا نَبْغِ) :الّذي كنّا نلتمس و نطلب، لأنّ موسى كان قيل له:صاحبك الّذي تريده،حيث تنسى الحوت.(15:275)

ص: 309

1Lالزّجّاج: الأكثر في الوقف(نبغ)على اتباع المصحف،و بعد(نبغ)آية.

و يجوز،و هو أحسن في العربيّة(ذلك ما كنّا نبغ)في الوقف،أمّا الوصل فالأحسن فيه(نبغى)بإثبات الياء.

و هذا مذهب أبي عمرو،و هو أقوى في العربيّة.

و معنى قول موسى عليه السّلام:(ذلك ما كنّا نبغى)أي ما كنّا نريد،لأنّه وعد بالخضر في ذلك المكان الّذي تتسرّب فيه السّمكة.(3:300)

الماورديّ: أي نطلب؛و ذلك أنّه قيل لموسى:إنّك تلقى الخضر في موضع تنسى فيه متاعك،فعلم أنّ الخضر،بموضع الحوت.(3:324)

الميبديّ: أي نطلب و نريد من العلامة.(5:717)

نحوه الطّبرسيّ.(3:481)

الزّمخشريّ: أي ذلك الّذي كنّا نطلب،لأنّه أمارة الظّفر بالطّلبة،من لقاء الخضر عليه السّلام.

قرئ (نبغ) بغير ياء في الوصل،و إثباتها أحسن، و هي قراءة أبي عمرو.أمّا الوقف فالأكثر فيه طرح الياء،اتباعا لخطّ المصحف.(2:492)

ابن الجوزيّ: أي ذلك الّذي كنّا من العلامة الدّالّة على مطلوبنا.قرأ ابن كثير (نبغى) بياء في الوصل و الوقف.و قرأ نافع،و أبو عمرو،و الكسائيّ بياء في الوصل.و قرأ ابن عامر،و عاصم،و حمزة،بحذف الياء في الحالين.(5:167)

نحوه أبو حيّان(6:147)،و الآلوسيّ(15:319)

الفخر الرّازيّ: أي قال موسى:ذلك الّذي كنّا نطلبه،لأنّه أمارة الظّفر بالمطلوب،و هو لقاء الخضر.

و قوله:(نبغ)أصله«نبغي»فحذفت الياء طلبا للتّخفيف،لدلالة الكسرة عليه،و كان القياس أن لا يحذف،لأنّهم إنّما يحذفون الياء في الأسماء و هذا فعل.

إلاّ أنّه قد يجوز على ضعف القياس حذفها،لأنّها تحذف مع السّاكن الّذي يكون بعدها،كقولك:ما نبغي اليوم؟فلمّا حذفت مع السّاكن،حذفت أيضا مع غير السّاكن.(21:147)

الشّربينيّ: أي نريد من هذا الأمر المغيب عنّا،فإنّ اللّه تعالى جعله موعدا في لقاء الخضر.[ثمّ ذكر القراءات نحو ما تقدّم عن ابن الجوزيّ](2:391)

أبو السّعود: و قرئ بإثبات الياء،و الضّمير العائد إلى الموصول محذوف،أصله:نبغيه،أي نطلبه،لكونه أمارة للفوز بالمرام.(4:203)

مثله البروسويّ.(5:267)

عبد الكريم الخطيب :أي ذلك هو المقصد الّذي كنّا نقصده،و الموضع الّذي نبحث عنه.(8:680)

باغ

إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. البقرة:173

ابن عبّاس: (غير باغ)في الميتة في الأكل، (و لا عاد)بأكلها.

مثله الحسن.(أبو حيّان 1:489)

سعيد بن جبير: هو الّذي يقطع الطّريق،فليس له رخصة إذا جاع أن يأكل الميتة،و إذا عطش أن

ص: 310

يشرب الخمر.(الطّبريّ 2:87)

الباغي:العادي الّذي يقطع الطّريق،فلا رخصة له و لا كرامة.(الطّبريّ 2:87)

شهر بن حوشب: (غير باغ)أي مجاوز القدر الّذي يحلّ له(و لا عاد)أي لا يقصده فيما لا يحلّ له.

(أبو حيّان 1:489)

مجاهد :(غير باغ)على الأئمّة(و لا عاد)قاطع السّبيل.(الطّبريّ 2:87)

غير قاطع السّبيل،و لا مفارق الأئمّة،و لا خارج في معصية اللّه،فله الرّخصة.(الطّبريّ 2:87)

(غير باغ)اللّذّة،(و لا عاد)سدّ الجوعة.

مثله الحسن و قتادة.(الطّبرسيّ 1:257)

(غير باغ)على إمام المسلمين،(و لا عاد)طريق المحقّين.

مثله سعيد بن جبير.و هو المرويّ عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام.(الطّبرسيّ 1:257)

عكرمة :(غير باغ)يبتغيه،(و لا عاد)يتعدّى على ما يمسك نفسه.(الطّبريّ 2:87)

الحسن :غير باغ فيها،و لا معتد فيها بأكلها،و هو غنيّ عنها.(الطّبريّ 2:87)

قتادة :(غير باغ)في أكله،(و لا عاد)أن يتعدّى حلالا إلى حرام،و هو يجد عنه مندوحة.

(الطّبريّ 2:87)

السّدّيّ: أمّا باغ فيبغي فيه شهوته،و أمّا العادي فيتعدّى في أكله،يأكل حتّى يشبع،و لكن يأكل منه قدر ما يمسك به نفسه،حتّى يبلغ به حاجته.(الطّبريّ 2:88)

2Lالرّبيع: من غير أن يبتغي حراما و يتعدّاه،أ لا ترى أنّه يقول: فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ المؤمنون:7.(الطّبريّ 2:87)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الباغي:الّذي يخرج على الإمام،و العادي:الّذي يقطع الطّريق،لا تحلّ لهما الميتة.

(الكاشانيّ 1:193)

الباغي:الظّالم،و العادي:الغاصب.

(الكاشانيّ 1:194)

الباغي:باغي الصّيد،و العادي:السّارق،ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا هي حرام عليهما،ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.(الكاشانيّ 1:194)

ابن زيد :أن يأكل ذلك بغيا و تعدّيا عن الحلال إلى الحرام،و يترك الحلال و هو عنده،و يتعدّى بأكل هذا الحرام هذا التّعدّي،ينكر أن يكونا مختلفين،و يقول:هذا و هذا واحد.(الطّبريّ 2:88)

الإمام الجواد عليه السّلام: و في حديث:قال عبد العظيم، قلت له:يا ابن رسول اللّه،ما معنى قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ؟

فقال:العادي:السّارق،و الباغي:الّذي يبغي الصّيد بطرا و لهوا،لا ليعود به على عياله.ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا،هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام عليهما في حال الاختيار،و ليس لهما أن يقصّرا في صوم و لا صلاة في سفر.(الكاشانيّ 1:194)

الطّبريّ: قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ: إنّ أهل التّأويل في تأويله مختلفون،فقال بعضهم:يعني بقوله:

غَيْرَ باغٍ: غير خارج على الأئمّة بسيفه،باغيا عليهم

ص: 311

بغير جور،و لا عاديا عليهم بحرب و عدوان،فمفسد عليهم السّبيل.

و قال آخرون: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ: غير باغ الحرام في أكله،و لا معتد الّذي أبيح له منه.

و قال آخرون: تأويل ذلك فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ في أكله شهوة وَ لا عادٍ فوق ما لا بدّ له منه.

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ بأكله ما حرّم عليه من أكله (و لا عاد)في أكله،و له عن ترك أكله بوجود غيره ممّا أحلّه اللّه له مندوحة و غنى؛و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره لم يرخّص لأحد في قتل نفسه بحال.

و إذ كان ذلك كذلك،فلا شكّ أنّ الخارج على الإمام و القاطع الطّريق-و إن كانا قد أتيا ما حرّم اللّه عليهما،من خروج هذا على من خرج عليه،و سعي هذا بالإفساد في الأرض-فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا ممّا حرّم اللّه عليهما،ما كان حرّم اللّه عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك من قتل أنفسهما،بل ذلك من فعلهما و إن لم يؤدّهما إلى محارم اللّه عليهما تحريما،فغير مرخّص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما.

فإذ كان ذلك كذلك،فالواجب على قطّاع الطّريق، و البغاة على الأئمّة العادلة،الأوبة إلى طاعة اللّه، و الرّجوع إلى ما ألزمهما اللّه الرّجوع إليه،و التّوبة من معاصي اللّه،لا قتل أنفسهما بالمجاعة،فيزدادان إلى إثمهما إثما،و إلى خلافهما أمر اللّه خلافا.

و أمّا الّذي وجّه تأويل ذلك إلى أنّه(غير باغ)في أكلة شهوة،فأكل ذلك شهوة لا لدفع الضّرورة المخوف منها الهلاك،ممّا قد دخل فيما حرّمه اللّه عليه،فهو بمعنى ما قلنا في تأويله،و إن كان للفظه مخالفا.(2:86-88)

الزّجّاج: في تفسيرها ثلاثة أوجه:

قال بعضهم: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ أي فمن اضطرّ جائعا(غير باغ):غير آكلها تلذّذا،(و لا عاد):

و لا مجاوز ما يدفع عن نفسه الجوع،فلا إثم عليه.

و قالوا:(غير باغ)غير مجاوز قدر حاجته،و غير مقصّر عمّا يقيم به حياته.

و قالوا أيضا:معنى(غير باغ)على إمام،و غير متعدّ على أمّته.

و معنى البغي في اللّه:قصد الفساد،يقال:بغى الجرح يبغي بغيا،إذا ترامى إلى فساد.(1:243)

الطّوسيّ: قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قيل في معناه ثلاثة أقوال:

[الأوّل و الثّاني:و هما قولا الحسن و الزّجّاج،و قد تقدّما،و بعد نقل القول الثّالث و هو قول مجاهد و غيره قال:]

قال الرّمّانيّ: و هذا القول لا يسوغ،لأنّه تعالى لم يبح لأحد قتل نفسه،بل حظر عليه ذلك،و التّعريض للقتل قتل في حكم الدّين،و لأنّ الرّخصة إنّما كانت لأجل المجاعة المتلفة،لا لأجل الخروج في طاعة،و فعل إباحة.

و هذا الّذي ذكره غير صحيح،لأنّ من بغى على إمام عادل فأدّى ذلك إلى تلفه،فهو المعرّض نفسه للقتل،كما لو قتل في المعركة،فإنّه المهلك لها،فلا يجوز لذلك استباحة ما حرّم اللّه،كما لا يجوز له أن يستبقي نفسه

ص: 312

بقتل غيره من المسلمين.

و ما قاله:من أنّ الرّخصة لمكان المجاعة،لا يسلم إطلاقه،بل يقال:إنّما ذلك للمجاعة الّتي لم يكن هو المعرّض نفسه لها،فأمّا إذا عرّض نفسه لها،فلا يجوز له استباحة المحرّم،كما قلنا في قتل نفس الغير،ليدفع عن نفسه القتل.(2:86)

نحوه الطّبرسيّ.(1:257)

الزّمخشريّ: (غير باغ)على مضطرّ آخر بالاستئثار عليه،(و لا عاد)سدّ الجوعة.(1:329)

ابن عطيّة: (غير باغ)في موضع نصب على الحال،و المعنى فيما قال قتادة و الرّبيع و ابن زيد و عكرمة و غيرهم:غير قاصد فساد و تعدّ،بأن يجد عن هذه المحرّمات مندوحة و يأكلها.و هؤلاء يجيزون الأكل منها في كلّ سفر مع الضّرورة.

و قال مجاهد و ابن جبير و غيرهما: المعنى غير باغ على المسلمين و عاد عليهم،فيدخل في الباغي و العادي:

قطّاع السّبل،و الخارج على السّلطان،و المسافر في قطع الرّحم،و الغارة على المسلمين،و ما شاكله؛و لغير هؤلاء هي الرّخصة.

و قال السّدّيّ: (غير باغ)أي غير متزيّد على إمساك رمقه و إبقاء قوّته،فيجيء أكله شهوة.

(1:240)

الفخر الرّازيّ: لأهل التّأويل في قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ قولان:

أحدهما:أن يكون قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ مختصّا بالأكل،و الثّاني:أن يكون عامّا في الأكل و غيره.

أمّا على القول الأوّل ففيه وجوه:

الأوّل:(غير باغ)و ذلك بأن يجد حلالا تكرهه النّفس،فعدل إلى أكل الحرام اللّذيذ،(و لا عاد)أي متجاوز قدر الرّخصة.

الثّاني:(غير باغ)للذّة،أي طالب لها،(و لا عاد) متجاوز سدّ الجوعة،عن الحسن،و قتادة،و الرّبيع، و مجاهد و ابن زيد.

الثّالث:(غير باغ)على مضطرّ آخر بالاستيلاء عليه،(و لا عاد)في سدّ الجوعة.

القول الثّاني:أن يكون المعنى(غير باغ)على إمام المسلمين في السّفر من البغي،(و لا عاد)بالمعصية،أي مجاوز طريقة المحقّين.(5:13)

القرطبيّ: (غير)نصب على الحال،و قيل:على الاستثناء.و إذا رأيت(غير)يصلح في موضعها«في»فهي حال،و إذا صلح موضعها«إلاّ»فهي استثناء،فقس عليه.و«باغ»أصله:باغي،ثقلت الضّمّة على الياء فسكّنت و التّنوين ساكن،فحذفت الياء،و الكسرة تدلّ عليها.[إلى أن قال:]

و قال مجاهد و ابن جبير و غيرهما: المعنى(غير باغ) على المسلمين(و لا عاد)عليهم،فيدخل في الباغي و العادي:قطّاع الطّريق،و الخارج على السّلطان، و المسافر في قطع الرّحم،و الغارة على المسلمين، و ما شاكله.

و هذا صحيح،فإنّ أصل«البغي»في اللّغة:قصد الفساد،يقال:بغت المرأة تبغي بغاء،إذا فجرت،قال اللّه تعالى: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ النّور:33.

ص: 313

و ربّما استعمل«البغي»في طلب غير الفساد، و العرب تقول:خرج الرّجل في بغاء إبل له،أي في طلبها.(2:231)

النّيسابوريّ: و للأئمّة في الآية قولان:

أحدهما:و إليه ذهب أبو حنيفة:تخصيص البغي و العدوان بالأكل،و على هذا فالمعنى(غير باغ)بأن يجد حلالا تكرهه النّفس،فعدل إلى أكل الحرام للذّته، (و لا عاد)أي متجاوز قدر الرّخصة.أو(غير باغ)أي طلب للذّة،(و لا عاد)متجاوز سدّ الجوعة.

عن الحسن و قتادة و الرّبيع و مجاهد و ابن زيد: أو (غير باغ)على مضطرّ آخر بالاستئثار عليه،(و لا عاد) في سدّ الجوعة.

و الثّاني:و إليه ذهب الشّافعيّ و الإماميّة:(غير باغ) على إمام المسلمين،(و لا عاد)بالمعصية طريق المحقّين.

و يتفرّع على الاختلاف أنّ العاصي بسفره هل يترخّص أم لا؟

فعند أبي حنيفة:يترخّص،لأنّه مضطرّ،و غير باغ و لا عاد في الأكل.

و عند الشّافعيّ: لا يترخّص،لأنّه موصوف بالعدوان،و تؤيّده الآية الأخرى فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ المائدة:3.

و أيضا غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ حالان من الاضطرار، فلا بدّ أن يكون وصف الاضطرار باقيا في الحالين.

و ليس كذلك،لأنّه حال الأكل لا يبقى وصف الاضطرار.

و أيضا الإنسان نفور بطبعه عن تناول الميتة و الدّم، فلا حاجة إلى نهيه عن التّعدّي في الأكل.

و أيضا إنّه نفى ماهيّة البغي و العدوان،و إنّما تنتفي عند انتفاء جميع أفرادها،و يتحقّق حينئذ نفي العدوان في السّفر،كما هو مقصودنا.

و أمّا تخصيص البغي ب«الأكل»كما ذهبتم إليه، فترجيح من غير دليل.(2:73)

أبو حيّان: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و الظّاهر من هذه الأقوال،على ما يفهم من ظاهر الآية:أنّه لا إثم في تناول شيء من المحرّمات للمضطرّ الّذي ليس بباغ و لا عاد.

و إنّ قوله: إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ الأنعام:119، لا بدّ فيه من التّقييد المذكور هنا،و في قوله: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ المائدة:3،لأنّ آية الأنعام فيها حوالة على هاتين الآيتين،لأنّه قال: قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. و تفصيل المحرّم هو في هاتين الآيتين،و الاضطرار فيهما مقيّد،فتعيّن أن يكون مقيّدا في الآية الّتي أحيلت على غيرها.

و الظّاهر في البغي و العدوان أنّ ذلك من قبل المعاصي،لأنّهما متى أطلقتا تبادر الذّهن إلى ذلك.و في جواز مقدار ما يأكل من الميتة و في التّزوّد منها،و في شرب الخمر عند الضّرورة،قياسا على هذه المحرّمات.

و في أكل ابن آدم خلاف مذكور في كتب الفقه، قالوا:و إن وجد ميتة و خنزيرا أكل الميتة،قالوا:لأنّها أبيحت له في حال الاضطرار،و الخنزير لا يحلّ بحال.

و ليس كما قالوا:لأنّ قوله:(فمن اضطرّ)جاء بعد ذكر تحريم الميتة و الدّم و لحم الخنزير،فالمعنى فمن اضطرّ إلى أكل شيء من هذه المحرّمات،فرتبتها في الإباحة

ص: 314

للأكل منها متساوية،فليس شيء منها أولى من الآخر بالإباحة،و المضطرّ مخيّر فيما يأكل منها؛فقولهم:إنّ الخنزير لا يحلّ بحال،ليس بصحيح.

و ذكر بعض المفسّرين:أنّهم أجمعوا على أنّ من سافر لغزو أو حجّ أو تجارة،و كان مع ذلك باغيا في أخذ مال،أو عاديا في ترك صلاة أو زكاة،لم يكن ما هو عليه من البغي و العدوان مانعا من استباحة الميتة للضّرورة.

و أنّهم أجمعوا أيضا على جواز التّرخيص للباغي أو العادي الحاضر؛و في نقل هذين الإجماعين نظر.

(1:489)

الشّربينيّ: و قال سهل بن عبد اللّه:(غير باغ):

مفارق للجماعة،(و لا عاد):مبتدع مخالف للسّنّة.فلم يرخّص للمبتدع في تناول المحرّم عند الضّرورة.

(1:113)

البروسويّ: (غير باغ)على مضطرّ آخر،بأن حصل ذلك المضطرّ الآخر من الميتة مثلا قدر ما يسدّ به جوعته،فأخذه منه و تفرّد بأكله،و هلك الآخر جوعا.

و هذا حرام،لأنّ موت الآخر جوعا ليس أولى من موته جوعا.(1:277)

الآلوسيّ: (غير باغ)بالاستتار على مضطرّ آخر، بأن ينفرد بتناوله فيهلك الآخر،(و لا عاد)أي متجاوز ما يسدّ الرّمق و الجوع،و هو ظاهر في تحريم الشّبع،و هو مذهب الأكثرين.

فعن الإمام أبي حنيفة و الشّافعيّ رضي اللّه عنهما:

لا يأكل المضطرّ من الميتة إلاّ قدر ما يمسك رمقه،لأنّ الإباحة للاضطرار،و قد اندفع به.

و قال عبد اللّه بن الحسن العبريّ: يأكل منها قدر ما يسدّ جوعته.

و خالف في ذلك الإمام مالك،فقال:يأكل منها حتّى يشبع و يتزوّد،فإن وجد غنى عنها طرحها.

و نقل عن الشّافعيّ: أنّ المراد(غير باغ)على الوالي، (و لا عاد)بقطع الطّريق.و جعل من ذلك:السّفر في معصيته،فالعاصي في سفره لا يباح له الأكل من هذه المحرّمات،و هو المرويّ عن الإمام أحمد أيضا.

و هو خلاف مذهبنا،و يحتاج حكم الرّخصة على هذا إلى التّقييد،بأن لا يكون زائدا على قدر الضّرورة من خارج.(2:42)

رشيد رضا :فسّر«الجلال»كلمة(باغ):بالخارج على المسلمين،و(عاد):بالمعتدي عليهم بقطع الطّريق، قال:و يلحق بهم كلّ عاص بسفره كالآبق و المكّاس، و عليه الشّافعيّ.

قال الأستاذ الإمام:«و لا خلاف بين المسلمين في أنّ العاصي كغيره يحرم عليه إلقاء نفسه في التّهلكة،و يجب عليه توقّي الضّرر،و يجب علينا دفعه عنه إن استطعنا، فكيف لا تتناوله إباحة الرّخص.

ثمّ إنّ المناسب للسّياق أن تحدّد الضّرورة الّتي تجيز أكل المحرّم،و تفسير الباغي و العادي بما ذكرنا هو المحدّد لها،و هو موافق للّغة،كقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف:(ما نبغى)،و في الحديث الصّحيح«يا باغي الخير هلمّ»،و في التّنزيل: وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ الكهف:

28،أي لا تتجاوزهم إلى غيرهم.

فالكلام في تحديد الضّرورة،و تمام بيان حكم ما يحلّ

ص: 315

و يحرم من الأكل،لا في السّياسة و عقوبة الخارجين على الدّولة،و المؤذين للأمّة.و إنّما كان هذا التّحديد لازما لئلاّ يتبع النّاس أهواءهم في تفسير الاضطرار إذا هو و كلّ إليهم بلا حدّ و لا قيد.

فيزعم هذا أنّه مضطرّ و ليس بمضطرّ،و يذهب ذلك بشهوته إلى ما وراء حدّ الضّرورة،فعلم من قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ كيف تقدّر الضّرورة بقدرها.و الأحكام عامّة يخاطب بها كلّ مكلّف،لا يصحّ استثناء أحد إلاّ بنصّ صريح من الشّارع.

و يذكر بعض المفسّرين في هذا المقام مسائل خلافيّة في«الميتة»كحلّ الانتفاع بجلدها و غير ذلك ممّا ليس بأكل.و قد قلنا:إنّنا لا نتعرّض في بيان القرآن إلى المسائل الخلافيّة الّتي لا تدلّ عليها عبارته؛إذ يجب أن يبقى دائما فوق كلّ خلاف».

هذا ملخّص ما قاله الأستاذ الإمام في الدّرس، و اقتصرت عليه في الطّبعة الأولى و قرأه هو فيها.و أقول الآن إنّه رحمه اللّه كانت خطّته الغالبة فيه ترك ذكر المسائل الخلافيّة الّتي لا يدلّ عليها القرآن،و هذا غير الخلاف في مدلول عباراته كما هنا،و ربّما يكون ذكر الخلاف وسيلة إلى بيان كونه فوق كلّ خلاف.(2:99)

المراغيّ: أي فمن ألجئ إلى أكل شيء ممّا حرّم اللّه، بأن لم يجد غيره،و خاف على نفسه الهلاك إن لم يأكل منه،و لم يكن راغبا فيه لذاته،و لم يتجاوز قدر الحاجة، فلا إثم عليه.

لأنّ الإلقاء بنفسه إلى التّهلكة بالموت جوعا أشدّ ضررا من أكل الميتة أو الدّم،بل الضّرر في ترك الأكل محقّق،و هو في فعله مظنون،كما أنّ من أكل ممّا أهلّ به لغير اللّه مضطرّا،لم يقصد إجازة عمل الوثنيّة و لا استحسانه.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن رشيد رضا]

(2:49)

الطّباطبائيّ: أي غير ظالم و لا متجاوز حدّه، و هما حالان عاملهما الاضطرار،فيكون المعنى فمن اضطرّ إلى أكل شيء ممّا ذكر من المنهيّات اضطرارا في حال عدم بغيه و عدم عدوه،فلا ذنب له في الأكل.و أمّا لو اضطرّ في حال البغي و العدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار، فلا يجوز له ذلك.(1:426)

عبد الكريم الخطيب :في قوله تعالى: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ ضبط للقدر الّذي يقف عنده المضطرّ،حين يدعوه الاضطرار إلى تناول شيء من هذه المحرّمات، فلا يفتعل الاضطرار،و لا يركب الأمور الّتي يعلم أنّها ستدخله مداخل الاضطرار،و هو قادر على ركوب غيرها.

فإذا دخل منطقة الاضطرار من غير بغي،فلا ينال من هذه المحرّمات إلاّ القدر الّذي يمسك عليه حياته، و لا يلقي به في التّهلكة من غير عدوان و مجاوزة الحدّ، الّذي يحفظ النّفس من التّلف.(1:190)

محمود صافي: (باغ):اسم فاعل،من بغى يبغي،باب«ضرب»وزنه«فاع»و فيه إعلال بالحذف، حيث حذفت الياء لمناسبة التّنوين،لأنّه منقوص، و أصله:الباغي.(1:345)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(باغ)في الآية(145)من سورة الأنعام،و الآية(115)من سورة النّحل.

ص: 316

ابتغاء

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ. البقرة:207

راجع«ش ري -يشرى».

بغيّا

قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا. مريم:20

السّدّيّ: (بغيّا):زانية.(الطّبريّ 16:62)

الفرّاء: البغيّ:الفاجرة.(2:164)

الطّبريّ: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ من ولد آدم بنكاح حلال،(و لم اك)إذ لم يمسسني منهم أحد على وجه الحلال (بغيّا)بغيت،ففعلت ذلك من الوجه الحرام،فحملته من زنى.(16:62)

الزّجّاج: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ أي لم يمسسني بشر على جهة تزويج، وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا أي و لا قربت على غير حدّ التّزويج.(3:323)

الطّوسيّ: و البغيّ:الّتي تطلب الزّنى،لأنّ معنى تبغيه:تطلبه.(7:115)

البغويّ: (بغيّا)فاجرة،تريد أنّ الولد إنّما يكون من نكاح أو سفاح،و لم يكن هاهنا واحد منهما.(4:196)

الزّمخشريّ: و البغيّ:الفاجرة الّتي تبغي الرّجال، و هي«فعول»عند المبرّد«بغوي»،فأدغمت الواو في الياء.

و قال ابن جنّيّ في كتاب«التّمام»: هي«فعيل»و لو كانت«فعولا»لقيل:بغوّ،كما قيل:فلان نهوّ عن المنكر.

(2:505)

ابن عطيّة: و البغيّ:المجاهرة المنبهرة في الزّنى،فهي طالبة له،بغوي على وزن«فعول»كبتول و قتول.و لو كانت«فعيلا»لقوي أن يلحقها هاء التّأنيث،فيقال:

بغيّة.(4:9)

الطّبرسيّ: أي و لم أكن زانية.و إنّما قالت ذلك، لأنّ الولد في العادة يكون من إحدى هاتين الجهتين، و المعنى إنّي لست بذات زوج.و غير ذات الزّوج لا تلد إلاّ عن فجور،و لست فاجرة.و إنّما يقال للفاجرة:بغيّ، بمعنى أنّها تبغي الزّنى،أي تطلبه.(3:508)

ابن الجوزيّ: و البغيّ:الفاجرة الزّانية.قال ابن الأنباريّ:و إنّما لم يقل:«بغيّة»لأنّه وصف يغلب على النّساء،فقلّما تقول العرب:رجل بغيّ،فيجرى مجرى حائض،و عاقر.

و قال غيره: إنّما لم يقل:«بغيّة»لأنّه مصروف عن وجهه،فهو«فعيل»بمعنى فاعل.

و معنى الآية:ليس لي زوج،و لست بزانية،و إنّما يكون الولد من هاتين الجهتين.(5:217)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:قولها: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يدخل تحته قولها: وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا فلما ذا أعادتها،و ممّا يؤكّد هذا السّؤال أنّ في سورة آل عمران قالت: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ آل عمران:47،فلم تذكر البغاء؟

و الجواب من وجوه:

ص: 317

أحدها:أنّها جعلت«المسّ»عبارة عن النّكاح الحلال،لأنّه كناية عنه لقوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ البقرة:237،و«الزّنى»ليس كذلك إنّما يقال:فجر بها أو ما أشبه ذلك،و لا يليق به رعاية الكنايات.

و ثانيها:أنّ إعادتها لتعظيم حالها،كقوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة:238، و قوله: وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ البقرة:

98،فكذا هاهنا أنّ من لم تعرف من النّساء بزوج فأغلظ أحوالها إذا أتت بولد أن تكون زانية.فأفرد ذكر البغاء بعد دخوله في الكلام الأوّل،لأنّه أعظم ما في بابه.

(21:199)

نحوه الشّربينيّ.(2:419)

القرطبيّ: أي زانية،و ذكرت هذا تأكيدا،لأنّ قولها: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يشمل الحلال و الحرام.

و قيل:ما استبعدت من قدرة اللّه تعالى شيئا،و لكن أرادت كيف يكون هذا الولد؟من قبل الزّوج في المستقبل أم يخلقه اللّه ابتداء؟.(11:91)

النّيسابوريّ: البغيّ هي الفاجرة الّتي تبغي الرّجال.[ثمّ نقل قول المبرّد المتقدّم في كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

خصّصت بعد ما عمّمت لزيادة الاعتبار بهذا الخزي، تبرئة لساحتها عن الفحشاء.(16:47)

أبو حيّان:[قال نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة و أضاف:]

و قيل:و لمّا كان هذا اللّفظ خاصّا بالمؤنّث لم يحتج الى علامة التّأنيث،فصار كحائض و طالق،و إنّما يقال للرّجل:باغ.و قيل:بغيّ«فعيل»بمعنى«مفعول»كعين كحيل.أي مبغيّة بطلبها أمثالها،قال: رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ مريم:21،الكلام عليه كالكلام السّابق في قصّة زكريّا.(6:181)

البروسويّ: لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ بعد هذا بالزّنى أو بالنّكاح،لأنّي محرّرة،محرّم عليّ الزّوج.(5:323)

الآلوسيّ: أي و لم أكن زانية،و الجملة عطف على (لم يمسسنى)داخل معه في حكم الحاليّة،مفصح عن كون المساس عبارة عن المباشرة بالحلال،و هو كناية عن ذلك،كما في قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ البقرة:

237، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ النّساء:43،و نحوه كما قيل:

دخلتم بهنّ،و بنى عليها.[إلى أن قال:] وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا تخصيص بعد التّعميم،لزيادة الاعتناء بتنزيه ساحتها عن الفحشاء،و لذا آثرت«كان»في النّفي الثّاني.فإنّ في ذلك إيذانا بأنّ انتفاء الفجور لازم لها.

و كأنّها عليها السّلام من فرط تعجّبها و غاية استبعادها لم تلتفت إلى الوصف في قول الملك عليه السّلام لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا النّافي كلّ ريبة و تهمة،و نبذته وراء ظهرها و أتت بالموصوف وحده،و أخذت في تقرير نفيه على أبلغ وجه،أي ما أبعد وجود هذا الموصوف مع هذه الموانع،بله الوصف،و هذا قريب من الأسلوب الحكيم.

[ثمّ نقل رأي المبرّد و ابن جنّيّ كما تقدّم في كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و ردّ بأنّه لا يقاس على الشّاذّ،و قد نصّوا على شذوذ «نهوّ»لمخالفته قاعدة اجتماع الواو و الياء،و سبق إحداهما

ص: 318

بالسّكون.

و اختار أنّه«فعيل»و هو على ما قال أبو البقاء بمعنى «فاعل»،و كان القياس أن تلحقه هاء التّأنيث،لأنّه حينئذ ليس ممّا يستوي فيه المذكّر و المؤنّث ك«فعول».

و وجّه عدم اللّحوق،بأنّه للمبالغة الّتي فيه حمل على «فعول»فلم تلحقه الهاء.

قال بعضهم:هو من باب النّسب كطالق،و مثله يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.

و قيل:ترك تأنيثه لاختصاصه في الاستعمال بالمؤنّث،و يقال للرّجل:باغ.

و قيل:«فعيل»بمعنى«مفعول»ك«عين كحيل»؛ و على هذا معنى بغيّ يبغيها الرّجال للفجور بها،و على القول بأنّه بمعنى«فاعل»فاجرة تبغي الرّجال.

و أيّا ما كان فهو للشّيوع في الزّانية،صار حقيقة صريحة فيه،فلا يرد أنّ اعتبار المبالغة فيه لا يناسب المقام،لأنّ نفي الأبلغ لا يستلزم نفي أصل الفعل، و لا يحتاج إلى الجواب بالتزام أنّ ذلك من باب النّسب،أو بأنّ المراد نفي القيد و المقيّد معا،أو المبالغة في النّفي لا نفي المبالغة.(16:77)

بغيا

1- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ...

البقرة:90 أبو العالية :(بغيا)يعني حسدا، أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ و هم اليهود،كفروا بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 1:415)

السّدّيّ: بغوا على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و حسدوه،و قالوا:

إنّما كانت الرّسل من بني إسرائيل،فما بال هذا من بني إسماعيل،فحسدوه أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده.(الطّبريّ 1:415)

نحوه الطّبرسيّ.(1:160)

الطّبريّ: يعني به:تعدّيا و حسدا.(1:415)

مثله الطّوسيّ.(1:348)

الزّجّاج: معناه أنّهم كفروا بغيا و عداوة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّهم لم يشكّوا في نبوّته صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّما حسدوه على ما أعطاه اللّه من الفضل.المعنى:كفروا بغيا،لأن نزّل اللّه الفضل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و نصب(بغيا)مصدرا مفعولا له،كما تقول:فعلت ذلك حذر الشّرّ،أي لحذر الشّرّ،كأنّك قلت:حذرت حذرا.(1:173)

الماورديّ: يعني حسدا،هكذا قال قتادة و السّدّيّ،و أبو العالية،و هم اليهود.و البغي شدّة الطّلب للتّطاول،و أصله:الطّلب،و لذلك سمّيت الزّانية:بغيّا، لأنّها تطلب الزّنى.(1:158)

الميبديّ: و معنى البغي الحسد،يقال ذلك إذا كان حقدا،و إذا ظهر فهو بغي.(1:274)

الزّمخشريّ: حسدا،و طلبا لما ليس لهم،و هو علّة (اشتروا).(1:296)

ابن عطيّة: (بغيا)مفعول من أجله،و قيل:نصب على المصدر.(1:178)

ص: 319

الفخر الرّازيّ: أشار بذلك إلى غرضهم بالكفر،كما يقال:يعادي فلان فلانا حسدا،تنبيها بذلك على غرضه.و لو لا هذا القول،لجوّزنا أن يكفروا جهلا لا بغيا.

(3:184)

أبو حيّان: حسدا،و قيل:معناه ظلما.

و انتصابه على أنّه مفعول من أجله،و ظاهره أنّ العامل فيه(يكفروا)أي كفرهم لأجل البغي.

قال الزّمخشريّ: هو علّة(اشتروا)فعلى قوله يكون العامل فيه(اشتروا).

و قيل:هو نصب على المصدر لا مفعول من أجله، و التّقدير:بغوا بغيا،و حذف الفعل لدلالة الكلام عليه.

(1:305)

أبو السّعود: حسدا و طلبا لما ليس لهم،و هو علّة ل(ان يكفروا)حتما،دون(اشتروا)لما قيل من الفصل بما هو أجنبيّ بالنّسبة إليه،و إن لم يكن أجنبيّا بالنّسبة إلى فعل الذّمّ و فاعله.

و لأنّ«البغي»ممّا لا تعلّق له بعنوان البيع قطعا، لا سيّما و هو معلّل بما سيأتي من تنزيل اللّه تعالى من فضله على من يشاؤه،و إنّما الّذي بينه و بينه علاقة هو كفرهم، بما أنزل اللّه.

و المعنى:بئس شيئا باعوا به أنفسهم،كفرهم المعلّل بالبغي الكائن،لأجل أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ الّذي هو الحيّ.(1:163)

البروسويّ: علّة لأن يكفروا،أي حسدا و طلبا لما ليس لهم،كما أنّ الحاسد يطلب ما ليس له لنفسه،ممّا للمحسود من جاه أو منزلة،أو خصلة حميدة،و الباغي هو الظّالم الّذي يفعل ذلك عن حسده.(1:180)

الآلوسيّ: و المراد به هنا،بمعونة المقام:طلب ما ليس لهم،فيؤول إلى الحسد،و إلى ذلك ذهب قتادة و أبو العالية و السّدّيّ.

و قيل:الظّلم،و انتصابه على أنّه مفعول له ل(يكفروا)،فيفيد أنّ كفرهم كان لمجرّد العناد الّذي هو نتيجة الحسد لا للجهل،و هو أبلغ في الذّمّ،لأنّ الجاهل قد يعذر.

و ذهب الزّمخشريّ إلى أنّه علّة(اشتروا)و ردّ بأنّه يستلزم الفصل بالأجنبيّ و هو المخصوص بالذّمّ،و هو و إن لم يكن أجنبيّا بالنّسبة إلى فعل الذّمّ و فاعله،لكن لا خفاء في أنّه أجنبيّ بالنّسبة إلى الفعل الّذي وصف به تمييز الفاعل.

و القول:بأنّ المعنى على ذمّ ما باعوا به أنفسهم حسدا و هو الكفر،لا على ذمّ ما باعوا به أنفسهم و هو الكفر حسدا،تحكّم.

نعم قد يقال:إنّما يلزم الفصل بأجنبيّ إذا كان المخصوص مبتدأ خبره(بئسما)،أمّا لو كان خبر مبتدإ محذوف-و هو المختار-فلا،لأنّ الجملة حينئذ جواب للسّؤال عن فاعل(بئس)،فيكون الفصل بين المعلول و علّته بما هو بيان للمعلول،و لا امتناع فيه.

و جعله بعضهم علّة ل(اشتروا)محذوفا فرارا من الفصل،و منهم من أعربه حالا و مفعولا مطلقا لمقدّر،أي بغوا بغيا.

و(ان ينزّل)إمّا مفعول من أجله للبغي،أي حسدا لأجل تنزيل اللّه،و إمّا على إسقاط الخافض المتعلّق

ص: 320

بالبغي،أي حسدا على(ان ينزّل).

و القول:بأنّه في موضع خفض،على أنّه بدل اشتمال من(ما)في قوله: بِما أَنْزَلَ اللّهُ بعيد جدّا،و ربّما يقرب منه ما قيل:إنّه في موضع المفعول الثّاني.

و البغي بمعنى طلب الشّخص ما ليس له،يتعدّى إليه بنفسه تارة،و باللاّم أخرى،و المفعول الأوّل هاهنا -أعني محمّدا عليه الصّلاة و السّلام-محذوف لتعيّنه، و للدّلالة على أنّ الحسد مذموم في نفسه كائنا ما كان المحسود،كما لا يخفى.(1:322)

المراغيّ: أي إنّهم كفروا لمحض العناد الّذي هو نتيجة الحسد،و كراهة أن ينزّل اللّه الوحي من فضله على من يختاره من عباده.و لا بغي أقبح من بغي من يريد الحجر على اللّه،فلا يرضى أن يجعل الوحي في آل إسماعيل،كما جعله من قبل في آل إسحاق.

(1:168)

الطّباطبائيّ: (بئسما اشتروا)بيان لسبب كفرهم بعد العلم،و أنّ السّبب الوحيد في ذلك،هو البغي و الحسد،فقوله:بغيا مفعول مطلق نوعيّ،و قوله:(ان ينزّل اللّه)متعلّق به.(1:222)

محمود صافيّ: (بغيا)مصدر سماعيّ لفعل بغى يبغي،باب«ضرب»وزنه«فعل»بفتح فسكون،و ثمّة مصادر أخرى للفعل هي:«بغاء»بضمّ الباء و«بغي» بضمّ الباء و«بغية»بضمّ الباء و كسرها.(1:196)

2- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ... وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ. البقرة:213

الرّبيع: بغيا على الدّنيا و طلب ملكها و زخرفها و زينتها،أيّهم يكون له الملك و المهابة في النّاس،فبغى بعضهم على بعض،و ضرب بعضهم رقاب بعض.

(الطّبريّ 2:338)

الطّبريّ: [بعد ذكر المعنى اللّغويّ-و قد مضى في النّصوص اللّغويّة-قال:]

فمعنى قوله جلّ ثناؤه: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ من ذلك، يقول:لم يكن اختلاف هؤلاء المختلفين من اليهود من بني إسرائيل في كتابي الّذي أنزلته مع نبيّ عن جهل منهم به، بل كان اختلافهم فيه،و خلاف حكمه من بعد ما ثبتت حجّته عليهم بغيا بينهم،طلب الرّئاسة من بعضهم على بعض،و استذلالا من بعضهم لبعض.(2:337)

الزّجّاج: نصب(بغيا)على معنى مفعول له،المعنى لم يوقعوا الاختلاف إلاّ للبغي،لأنّهم عالمون حقيقة أمره في كتبهم.(1:284)

الزّمخشريّ: حسدا بينهم و ظلما،لحرصهم على الدّنيا،و قلّة إنصاف منهم.(1:355)

الطّبرسيّ: أي ظلما و حسدا،و طلبا للرّئاسة.

(1:307)

الفخر الرّازيّ: المعنى أنّ الدّلائل إمّا سمعيّة و إمّا عقليّة.أمّا السّمعيّة فقد حصلت بإيتاء الكتاب،و أمّا العقليّة فقد حصلت بالبيّنات المتقدّمة على إيتاء الكتاب،فعند ذلك قد تمّت البيّنات،و لم يبق في العدول عذر و لا علّة.فلو حصل الإعراض و العدول لم يكن

ص: 321

ذلك إلاّ بحسب الحسد و البغي و الحرص على طلب الدّنيا،و نظير هذه الآية قوله تعالى: وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:4.

(6:17)

أبو حيّان: بيّن أنّ ذلك الاختلاف الّذي كان لا ينبغي أن يكون،ليس لموجب و لا داع إلاّ مجرّد البغي و الظّلم و التّعدّي.و انتصاب(بغيا)على أنّه مفعول من أجله،و(بينهم)في موضع الصّفة له،فتعلّق بمحذوف، أي كائنا بينهم.و أبعد من قال:إنّه مصدر في موضع الحال،أي باغين.

و المعنى أنّ الحامل على الاختلاف هو«البغي» و سبب هذا البغي حسدهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على النّبوّة،أو كتمهم صفته الّتي في التّوراة،أو طلبهم الدّنيا و الرّئاسة، فيها أقوال:فالأوّلان يختصّان بمن يحضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل الكتاب و غيرهم،و الثّالث يكون لسائر الأمم المختلفين.

و إنزال الكتب كان بعد وجود الاختلاف الأوّل، و لذلك قال: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ البقرة:213،و الاختلاف الثّاني المعنيّ به ازدياد الاختلاف،أو ديمومة الاختلاف إذا فسّرنا(اوتوه) بأوتوا الكتاب،فهذا الاختلاف يكون بعد إيتاء الكتاب،و قيل:بجحود ما فيه،و قيل:بتحريفه.

و في قوله:(بغيا)إشارة إلى حصر العلّة،فيبطل قول من قال:إنّ الاختلاف بعد إنزال الكتاب كان ليزل به الاختلاف الّذي كان قبله،و في قوله:(البيّنات)دلالة على أنّ الدّلائل العقليّة المركّبة في الطّباع السّليمة، و الدّلائل السّمعيّة الّتي جاءت في الكتاب،قد حصلا، و لا عذر في العدول و الإعراض عن الحقّ.لكن عارض هذا الدّليل القطعيّ ما ركب فيهم من البغي و الحسد و الحرص على الاستيثار بالدّنيا.

و (إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ) استثناء مفرّغ،و هو فاعل ب(اختلف)،و مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ متعلّق ب(اختلف)، و(بغيا)منصوب ب(اختلف)،هذا قول بعضهم،قال:

و لا يمنع إلاّ من ذلك،كما تقول:ما قام زيد إلاّ يوم الجمعة، انتهى كلامه.

و هذا فيه نظر،و ذلك أنّ المعنى على الاستثناء، و المفرّغ في الفاعل و في المجرور و في المفعول من أجله؛إذ المعنى و ما اختلف فيه إلاّ الّذين اوتوه إلاّ من بعد ما جاءتهم البيّنات إلاّ بغيا بينهم،فكلّ واحد من الثّلاثة محصور.

و إذا كان كذلك فقد صارت أداة الاستفهام مستثنى بها شيئان دون الأوّل من غير عطف،و هو لا يجوز،و إنّما جاز مع العطف،لأنّ حرف العطف ينوى بعدها(إلاّ) فصارت كالملفوظ بها،فإن جاء ما يوهم ذلك جعل على إضمار عامل.(2:137)

البروسويّ: ما كان الاختلاف إلاّ للبغي و التّهالك على الدّنيا و للحسد و الظّلم،كما فعل قابيل بهابيل و ما قتله لإشكال الحقّ عليه بل حسدا منه على أخيه، و هكذا في كلّ عصر.و هذا فعل الرّؤساء،ثمّ العامّة اتّباعا لهم،و فعلهم مضاف إليهم.(1:330)

الآلوسيّ: (بغيا بينهم)متعلّق بما تعلّق به(من).

و البغي:الظّلم أو الحسد،و(بينهم)متعلّق بمحذوف صفة

ص: 322

(بغيا).و فيه إشارة-على ما أرى-إلى أنّ هذا البغي قد باض و فرّخ عندهم،فهو يحوم عليهم و يدور بينهم، لا طمع له في غيرهم،و لا ملجأ له سواهم.و فيه إيذان بتمكّنهم في ذلك،و بلوغهم الغاية القصوى فيه،و هو فائدة التّوصيف بالظّرف.

و قيل:أشار بذلك إلى أنّ البغي أمر مشترك بينهم، و أنّ كلّهم سفل،و منشأ ذلك مزيد حرصهم في الدّنيا، و تكالبهم عليها.(2:102)

3- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ...

آل عمران:19

الزّجّاج: و نصب(بغيا)بقوله:(اختلفوا)،و المعنى اختلفوا بغيا،أي للبغي.لم يختلفوا لأنّهم رأوا البصيرة و البرهان.

قال الأخفش: المعنى و ما اختلف الّذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلاّ من بعد ما جاءهم العلم،و الّذي هو الأجود أن يكون(بغيا)منصوبا بما دلّ عليه (و ما اختلف)،فيكون المعنى اختلفوا بغيا بينهم.

(1:387)

الماورديّ: في قوله تعالى: بَغْياً بَيْنَهُمْ وجهان:أحدهما:طلبهم الرّئاسة،و الثّاني:عدولهم عن طريق الحقّ.(1:380)

الزّمخشريّ: أي ما كان ذلك الاختلاف،و تظاهر هؤلاء بمذهب و هؤلاء بمذهب إلاّ حسدا بينهم،و طلبا منهم للرّئاسة و حظوظ الدّنيا،و استتباع كلّ فريق ناسا يطئون أعقابهم،لا بشبهة في الإسلام.(1:419)

نحوه أبو السّعود(1:349)،و البروسويّ(2:13).

الفخر الرّازيّ: في انتصاب قوله:(بغيا)وجهان:

الأوّل:قول الأخفش:إنّه انتصب على أنّه مفعول له،أي للبغي،كقولك:جئتك طلب الخير و منع الشّرّ.

و الثّاني:قول الزّجّاج:إنّه انتصب على المصدر من طريق المعنى،فإنّ قوله: وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قائم مقام قوله:و ما بغى الّذين أوتوا الكتاب، فجعل(بغيا)مصدرا.و الفرق بين المفعول له و بين المصدر:أنّ المفعول له غرض للفعل،و أمّا المصدر فهو المفعول المطلق الّذي أحدثه الفاعل.

قال الأخفش: قوله:(بغيا بينهم)من صلة قوله:

(اختلف)،و المعنى:و ما اختلفوا بغيا بينهم إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم (1).

و قال غيره: المعنى و ما اختلفوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم إلاّ للبغي بينهم،فيكون هذا إخبارا عن أنّهم إنّما اختلفوا للبغي.

و قال القفّال: و هذا أجود من الأوّل،لأنّ الأوّل يوهم أنّهم اختلفوا بسبب ما جاءهم من العلم،و الثّاني:

يفيد أنّهم إنّما اختلفوا لأجل الحسد و البغي.(7:224)

الآلوسيّ: زيادة تشنيع،و الاسم المنصوب مفعول له لما دلّ عليه(ما)،و(إلاّ)من ثبوت الاختلاف بعد مجيء العلم،كما تقول:ما ضربت إلاّ ابني تأديبا،فلا دلالة للكلام على حصر الباعث،و ادّعاء بعضهم،أي أنّ الباعث لهم على الاختلاف هو البغي و الحسد لا الشّبهةا.

ص: 323


1- كذا،و الظّاهر زيادة(بغيا بينهم)هنا.

و خفاء الأمر.

و لعلّ انفهام ذلك من المقام،أو من الكلام بناء على جواز تعدّد الاستثناء المفرّغ،أي ما اختلفوا في وقت لغرض إلاّ بعد العلم لغرض البغي،كما تقول:ما ضرب إلاّ زيد عمرا،أي ما ضرب أحد أحدا إلاّ زيد عمرا.

(3:107)

4- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً... يونس:90

الطّوسيّ: البغي:طلب الاستعلاء بغير حقّ، و الباغي مذموم،لقوله تعالى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9.

بَغْياً وَ عَدْواً نصب على المصدر،و المراد بغيا على موسى و قومه،و اعتداء عليهم.(5:490)

الميبديّ: أي باغيا عاديا،يعني مستكبرا ظالما.

(4:331)

الطّبرسيّ: بَغْياً وَ عَدْواً مفعول له،و قيل:إنّهما مصدران في موضع الحال،أي في حال البغي و العدوان، أي ليبغوا عليهم و يظلموهم.(3:131)

الخازن :أي ظلما و عدوانا،و قيل:البغي:طلب الاستعلاء بغير حقّ،و العدو:الظّلم،و قيل:بغيا في القول،و عدوا في الفعل.(3:168)

بغيهم

وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ. الأنعام:146

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:ببغيهم على موسى عليه السّلام فيما اقترحوه، و على ما خالفوه.

و الثّاني:ببغيهم على أنفسهم في الحلال الّذي حرّموه.(2:184)

الميبديّ: يعني عقوبة لقتلهم الأنبياء،و يصدّهم عن سبيل اللّه كثيرا،و بأكلهم الرّبا،و استحلال أموال النّاس بالباطل،فهذا البغي.(3:513)

الزّمخشريّ: بسبب ظلمهم.(2:58)

ابن عطيّة: يقتضي أنّ هذا التّحريم إنّما كان عقوبة لهم على ذنوبهم و بغيهم،و استعصائهم على الأنبياء.

(2:358)

الطّبرسيّ: المعنى حرّمنا ذلك عليهم عقوبة لهم، بقتلهم الأنبياء،و أخذهم الرّبا،و استحلالهم أموال النّاس بالباطل،فهذا بغيهم،و هو كقوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:

160.

و قيل:(بغيهم):ظلمهم على أنفسهم في ارتكاب المحظورات.

و قيل:إنّ ملوك بني إسرائيل كانوا يمنعون فقراءهم من أكل لحوم الطّير و الشّحوم،فحرّم اللّه ذلك ببغيهم على فقراءهم.(2:379)

نحوه ابن الجوزيّ(3:144)،و الفخر الرّازيّ(13:

224).

ص: 324

1Lأبو حيّان: و البغي هنا:الظّلم،و قال الحسن:الكفر.

[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و الفخر الرّازيّ](4:245)

بغيكم

...يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا... يونس:23

الطّبريّ: يا أيّها النّاس إنّما اعتداؤكم الّذي تعتدونه على أنفسكم،و إيّاها تظلمون،و هذا الّذي أنتم فيه متاع الحياة الدّنيا،يقول:ذلك بلاغ تبلغون به في عاجل دنياكم.

و على هذا التّأويل«البغي»يكون مرفوعا بالعائد من ذكره،في قوله: عَلى أَنْفُسِكُمْ، و يكون قوله:

مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا مرفوعا على معنى:ذلك متاع الحياة الدّنيا،كما قال: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ الأحقاف:35،بمعنى هذا بلاغ.

و قد يحتمل أن يكون معنى ذلك:إنّما بغيكم في الحياة الدّنيا على أنفسكم،لأنّكم بكفركم تكسبونها غضب اللّه،متاع الحياة الدّنيا،كأنّه قال:إنّما بغيكم متاع الحياة الدّنيا،فيكون«البغي»مرفوعا ب«المتاع»،و(على انفسكم)من صلة البغي.

و برفع«المتاع»قرأت القرّاء،سوى عبد اللّه بن أبي إسحاق،فإنّه نصبه،بمعنى إنّما بغيكم على أنفسكم متاعا في الحياة الدّنيا،فجعل«البغي»مرفوعا بقوله: عَلى أَنْفُسِكُمْ، و«المتاع»منصوبا على الحال.(11:101)

الزّجّاج: و معنى بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أي عملكم بالظّلم عليكم يرجع،كما قال جلّ و عزّ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها فصّلت:46.

(3:14)

القشيريّ: معناه نمتّعكم أيّاما قلائل،ثمّ تلقون غبّ ذلك،و تبدءون تقاسون عذابا طويلا.(3:88)

الميبديّ: أي وبال بغيكم عليكم.[ثمّ ذكر مثل الزّجّاج](4:274)

الفخر الرّازيّ: أي لا يتهيّأ لكم بغي بعضكم على بعض إلاّ أيّاما قليلة،و هي مدّة حياتكم مع قصرها، و سرعة انقضائها.(17:72)

القرطبيّ: أي وباله عائد عليكم.(8:326)

أبو السّعود: [له كلام و بحث مستوفى راجع«م ت ع» مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ](3:228)

ابتغى

فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.

المؤمنون:7

ابن عبّاس: فسمّى الزّاني من العادين.

(الطّبريّ 18:4)

ابن زيد :الّذين يتعدّون الحلال إلى الحرام.

(الطّبريّ 18:4)

أبو عبد الرّحمن: من زنى فهو عاد.

(الطّبريّ 18:4)

الطّبريّ: فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته و ملك يمينه فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. (18:4)

نحوه الطّوسيّ.(7:350)

الزّجّاج: أي فمن طلب ما بعد ذلك، فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. (4:7)

ص: 325

الزّجّاج: أي فمن طلب ما بعد ذلك، فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. (4:7)

القمّيّ: من جاوز ذلك: فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.

(3:394)

القشيريّ: أي من جاوز قصد إيثار الحقوق، و جنح إلى جانب استيفاء الحظوظ،فقد تعدّى محلّ الأكابر،و خالف طريقتهم.(4:240)

البغويّ: أي التمس و طلب سوى الأزواج و الولائد المملوكة فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. (3:360)

مثله الميبديّ(6:417)،و الطّبرسيّ(4:99).

الزّمخشريّ: فمن أحدث ابتغاء وراء هذا الحدّ مع فسحته و اتّساعه،و هو إباحة أربع من الحرائر،و من الإماء ما شئت،فأولئك هم الكاملون في العدوان، المتناهون فيه.(3:26)

القرطبيّ: فسمّي من نكح ما لا يحلّ عاديا،و أوجب عليه الحدّ لعدوانه،و اللاّئط عاد قرآنا و لغة،بدليل قوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ الشّعراء:166.

(12:106)

الطّباطبائيّ: تفريع على ما تقدّم من الاستثناء و المستثنى منه،أي إذا كان مقتضى الإيمان حفظ الفروج مطلقا إلاّ عن طائفتين من النّساء،هما الأزواج و ما ملكت أيمانهم،فمن طلب وراء ذلك،أي مسّ غير الطّائفتين،فأولئك هم المتجاوزون عن الحدّ الّذي حدّه اللّه تعالى لهم.(15:10)

ابتغيت

تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ اِبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ... الأحزاب:51

ابن عبّاس: يعني بذلك النّساء اللاّتي أحلّ اللّه له، من بنات العمّ و العمّة،و الخال و الخالة.

(الطّبريّ 22:27)

قتادة :جميعا،هذه في نسائه إن شاء أتى من شاء منهنّ،و لا جناح عليه.(الطّبريّ 22:27)

ابن زيد :و من ابتغى أصابه،و من عزل لم يصبه.

(الطّبريّ 22:27)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معنى ذلك و من نكحت من نسائك فجامعت،ممّن لم تنكح فعزلته عن الجماع،فلا جناح عليك.

و قال آخرون: معنى ذلك و من استبدلت ممّن أرجيت،فخلّيت سبيله،من نسائك أو ممّن مات منهنّ، ممّن أحللت لك،فلا جناح عليك.

و أولى التّأويلين بالصّواب في ذلك،تأويل من قال:

معنى ذلك:و من ابتغيت إصابته من نسائك مِمَّنْ عَزَلْتَ عن ذلك منهنّ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ لدلالة قوله: ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ على صحّة ذلك.

لأنّه لا معنى لأن تقرّ أعينهنّ إذا هو صلّى اللّه عليه و سلّم استبدل بالميتة أو المطلّقة منهنّ،إلاّ أن يعني بذلك:ذلك أدنى أن تقرّ أعين المنكوحة منهنّ،و ذلك ممّا يدلّ عليه ظاهر التّنزيل بعيد.(22:27)

الزّجّاج: أي إن أردت ممّن عزلت أن تؤوي إليك، فلا جناح عليك.(4:233)

البغويّ: أي طلبت و أردت أن تؤوي إليك امرأة

ص: 326

ممّن عزلتهنّ عن القسم.(3:653)

مثله الميبديّ.(8:71)

ابن عطيّة: و قوله عزّ و جلّ: وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ يحتمل معاني:

أحدها:أن تكون(من)للتّبعيض،أي من أرادته و طلبته نفسه،ممّن قد كنت عزلته فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في ردّه إلى نفسك،و إيوائه إليه بعد عزلته.

و وجه ثان:و هو أن يكون مقوّيا و مؤكّدا،لقوله:

تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فيقول بعد: وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فذلك سواء.

(4:393)

الطّبرسيّ: أي إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممّن عزلتهنّ عن ذلك و تضمّها إليك،فلا سبيل عليك بلوم و لا عتب،و لا إثم عليك في ابتغائها.

أباح اللّه سبحانه له ترك القسم في النّساء،حتّى يؤخّر من يشاء عن وقت نوبتها،و يطأ من يشاء في غير وقت نوبتها.و له أن يعزل من يشاء،و له أن يردّ المعزولة إن شاء،فضّله اللّه تعالى بذلك على جميع الخلق.

(4:367)

الفخر الرّازيّ: يعني إذا طلبت من كنت تركتها فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في شيء من ذلك.

و من قال:بأنّ القسم كان واجبا،مع أنّه ضعيف بالنّسبة إلى المفهوم من الآية،قال:المراد تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، أي تؤخّرهنّ إذا شئت،إذ لا يجب القسم في الأوّل،و للزّوج أن لا ينام عند أحد منهنّ،و إن ابتغيت ممّن عزلت فَلا جُناحَ عَلَيْكَ فابدأ بمن شئت،و تمّم الدّور،و الأوّل أقوى.(25:221)

نحوه النّيسابوريّ.(22:24)

أبو حيّان: وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ أي و من طلبتها من المعزولات و من المفردات(فلا جناح عليك) في ردّها و إيوائها إليك.

و يجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله،أي و من ابتغيت ممّن عزلت و من لم تعزل (1)عزلت سواء(لا جناح عليك)،كما تقول:من لقيك ممّن لم يلقك جميعهم لك شاكر،تريد من لقيك و من لم يلقك.

و في هذا الوجه حذف المعطوف،و غرابة في الدّلالة على هذا المعنى بهذا التّركيب،و الرّاجح القول الأوّل.

(7:243)

المراغيّ: أي و من دعوت إلى فراشك،و طلبت صحبتها،ممّن عزلت عن نفسك بالطّلاق،فلا ضيق عليك في ذلك.

و الخلاصة:إنّه لا ضير عليه إذا أراد إرجاع من طلّقها من قبل.(22:24)

الطّباطبائيّ: الابتغاء هو الطّلب،أي و من طلبتها من اللاّتي عزلتها و لم تقبلها،فلا إثم عليك و لا لوم،أي يجوز لك أن تضمّ إليك من عزلتها و رددتها من النّساء اللاّتي وهبن أنفسهنّ لك،بعد العزل و الرّدّ.

(16:336)ت!

ص: 327


1- و في الأصل:عزلت!
يبتغ

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.

آل عمران:85

الطّبريّ: و من يطلب دينا غير دين الإسلام ليدين به،فلن يقبل اللّه منه.(3:339)

القشيريّ: من سلك غير الخمود تحت جريان حكمه سبيلا،زلّت قدمه في وهدة من المغاليط،لا مدى لقعرها.

و يقال:من توسّل إليه بشيء دون الاعتصام به، فخسرانه أكثر من ربحه.

و يقال:من لم يقن عن شهود الكلّ،لم يصل إلى من به الكلّ.

و يقال:من لم يمش تحت راية المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم،المعظّم في قدره،المعلّى في وصفه،لم يقبل منه شيء و لا ذرّة.

(1:268)

تبتغى

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ... التّحريم:1

الطّوسيّ: معناه إنّك تطلب رضاء أزواجك في تحريم ما أحلّه اللّه لك.(10:45)

نحوه القرطبيّ.(18:184)

الزّمخشريّ: (تبتغى)إمّا تفسير ل(تحرّم)أو حال أو استئناف.و كان هذا زلّة منه،لأنّه ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ اللّه،لأنّ اللّه عزّ و جلّ إنّما أحلّ ما أحلّ لحكمة أو مصلحة عرفها في إحلاله،فإذا حرّم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة.(4:125)

ابن عطيّة: و قوله:(تبتغى)جملة في موضع الحال، من الضّمير الّذي في(تحرّم).(5:330)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:42)

الآلوسيّ: حال من فاعل(تحرّم).و اختاره أبو حيّان،فيكون هو محلّ العتاب على ما قيل.

و كأنّ وجهه أنّ الكلام الّذي فيه قيد المقصود فيه القيد إثباتا أو نفيا،أو يكون التّقييد على نحو«أضعافا مضاعفة».على أنّ التّحريم في نفسه محلّ عتب،و الباعث عليه كذلك،كما في«الكشف»،أو استئناف نحويّ أو بيانيّ،و هو الأولى.

و وجهه أنّ الاستفهام ليس على الحقيقة بل هو معاتبة،على أنّ التّحريم لم يكن عن باعث مرضيّ،فاتّجه أن يسأل ما ينكر منه،و قد فعله غيري من الأنبياء عليهما السّلام؛ أ لا ترى إلى قوله تعالى: إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ آل عمران:93؟فقيل: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ و مثلك أجلّ من (1)أن تطلب مرضاتهنّ بمثل ذلك.

و جوّز أن يكون تفسيرا ل(تحرّم)بجعل ابتغاء مرضاتهنّ عين التّحريم،مبالغة في كونه سببا له،و فيه من تفخيم الأمر ما فيه.(28:147)

الطّباطبائيّ: أي تطلب بالتّحريم رضاهنّ،بدل من(تحرّم)إلخ،أو حال من فاعله.و الجملة قرينة على أنّ العتاب بالحقيقة متوجّه إليهنّ،و يؤيّده قوله خطابا

ص: 328


1- هذا هو الظّاهر،و في الأصل:من أجل.

لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:

4،مع قوله فيه: وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (19:330)

تبتغوا

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ.

البقرة:198

ابن عبّاس: و هو لا حرج عليكم في الشّراء و البيع قبل الإحرام و بعده.(الطّبريّ 2:282)

كان متجر النّاس في الجاهليّة عكاظ و ذو المجاز،فلمّا جاء الإسلام كأنّهم كرهوا ذلك،حتّى أنزل اللّه جلّ ثناؤه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ.

(الطّبريّ 2:283)

كان النّاس إذا أحرموا لم يتبايعوا حتّى يقضوا حجّهم،فأحلّه اللّه لهم.(الطّبريّ 2:284)

ابن عمر: جاء رجل إلى عبد اللّه بن عمر،فقال:

يا أبا عبد الرّحمن إنّا قوم بكريّ،فيزعمون أنّه ليس لنا حجّ؟قال:

أ لستم تحرمون كما يحرمون،و تطوفون كما يطوفون، و ترمون كما يرمون؟قال:بلى،قال:فأنت حاجّ.جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فسأله عمّا سألت عنه،فنزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ.

(الطّبريّ 2:285)

سعيد بن جبير: كان بعض الحاجّ يسمّون:الدّاجّ، فكانوا ينزلون في الشّقّ الأيسر من منى،و كان الحاجّ ينزلون عند مسجد منى،فكانوا لا يتّجرون،حتّى نزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فحجّوا.(الطّبريّ 2:284)

مجاهد :كانوا يحجّون و لا يتّجرون،فأنزل اللّه لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ.

(الطّبريّ 2:282)

التّجارة في الدّنيا،و الأجر في الآخرة.

(الطّبريّ 2:283)

التّجارة أحلّت لهم في المواسم،فكانوا لا يبيعون أو يبتاعون في الجاهليّة بعرفة.(الطّبريّ 2:283)

الإمام الباقر عليه السّلام: لا جناح عليكم أن تطلبوا المغفرة من ربّكم.(الطّبرسيّ 1:295)

قتادة :كان هذا الحيّ من العرب لا يعرّجون على كسير و لا ضالّة ليلة النّفر،و كانوا يسمّونها ليلة الصّدر، و لا يطلبون فيها تجارة و لا بيعا؛فأحلّ اللّه عزّ و جلّ ذلك كلّه للمؤمنين،أن يعرّجوا على حوائجهم،و يبتغوا من فضل ربّهم.(الطّبريّ 2:283)

مثله الرّبيع بن أنس.(الطّبريّ 2:284)

الطّبريّ: يعني أن تلتمسوا فضلا من عند ربّكم، يقال منه:ابتغيت فضلا من اللّه،و من فضل اللّه،أبتغيه ابتغاء،إذا طلبته و التمسته.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ معنى ابتغاء الفضل من اللّه:التماس رزق اللّه بالتّجارة،و إنّ هذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يرون أن يتّجروا إذا أحرموا،يلتمسون البرّ بذلك،فأعلمهم جلّ ثناؤه أن لا برّ في ذلك،و أنّ لهم التماس فضله بالبيع و الشّراء.(2:282)

القشيريّ: الإشارة فيه أنّ ما تبتغي من فضل اللّه ممّا يعينك على قضاء حقّه،و يكون فيه نصيب

ص: 329

للمسلمين أو قوّة للدّين،فهو محمود،و ما تطلبه لاستيفاء حظّك،أو لما فيه نصيب لنفسك،فهو معلول.

(1:178)

الطّبرسيّ: قيل:كان في الحجّ أجراء و مكارون، و كان النّاس يقولون:إنّه لا حجّ لهم،فبيّن سبحانه أنّه لا إثم على الحاجّ في أن يكون أجيرا لغيره أو مكاريا.

(1:295)

ابن الجوزيّ: الابتغاء:الالتماس و الفضل،هاهنا:

التماس الرّزق بالتّجارة و الكسب.(1:212)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:في الآية حذف،و التّقدير:ليس عليكم جناح في أن تبتغوا فضلا،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:اعلم أنّ الشّبهة كانت حاصلة في حرمة التّجارة في الحجّ من وجوه:

أحدها:أنّه تعالى منع عن الجدال فيما قبل هذه الآية؛ و التّجارة كثيرة الإفضاء إلى المنازعة،بسبب المنازعة في قلّة القيمة و كثرتها،فوجب أن تكون التّجارة محرّمة وقت الحجّ.

و ثانيها:أنّ التّجارة كانت محرّمة وقت الحجّ في دين أهل الجاهليّة،فظاهر ذلك شيء مستحسن،لأنّ المشتغل بالحجّ مشتغل بخدمة اللّه تعالى،فوجب أن لا يتلطّخ هذا العمل منه بالأطماع الدّنيويّة.

و ثالثها:أنّ المسلمين لمّا علموا أنّه صار كثير من المباحات محرّمة عليهم في وقت الحجّ،كاللّبس و الطّيب و الاصطياد و المباشرة مع الأهل،غلب على ظنّهم أنّ الحجّ لمّا صار سببا لحرمة اللّبس-مع مساس الحاجة إليه-فبأن يصير سببا لحرمة التّجارة،مع قلّة الحاجة إليها،كان أولى.

و رابعها:عند الاشتغال بالصّلاة يحرم الاشتغال بسائر الطّاعات،فضلا عن المباحات،فوجب أن يكون الأمر كذلك في الحجّ،فهذه الوجوه تصلح أن تصير شبهة في تحريم الاشتغال بالتّجارة عند الاشتغال بالحجّ،فلهذا السّبب بيّن اللّه تعالى هاهنا أنّ التّجارة جائزة غير محرّمة،فإذا عرفت هذا،فنقول:

المفسّرون ذكروا في تفسير قوله: أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وجهين:

الأوّل:أنّ المراد هو التّجارة،و نظيره قوله تعالى:

وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ المزّمّل:20،و قوله: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ القصص:73،ثمّ الّذي يدلّ على صحّة هذا التّفسير وجهان:

الأوّل:ما روى عطاء عن ابن مسعود و ابن الزّبير أنّهما قرءا(ان تبتغوا فضلا من ربّكم في مواسم الحجّ).

و الثّاني:الرّوايات المذكورة في سبب النّزول:

فالرّواية الأولى:قال ابن عبّاس:كان ناس من العرب يحترزون من التّجارة في أيّام الحجّ،و إذا دخل العشر بالغوا في ترك البيع و الشّراء بالكلّيّة،و كانوا يسمّون التّاجر في الحجّ:الدّاجّ،و يقولون:هؤلاء الدّاجّ، و ليسوا بالحاجّ-و معنى الدّاج:المكتسب الملتقط،و هو مشتقّ من الدّجاجة-و بالغوا في الاحتراز عن الأعمال، إلى أن امتنعوا عن إغاثة الملهوف،و إغاثة الضّعيف و إطعام الجائع،فأزال اللّه تعالى هذا الوهم،و بيّن أنّه

ص: 330

لا جناح في التّجارة.ثمّ إنّه لمّا كان ما قبل هذه الآية في أحكام الحجّ و ما بعدها أيضا في الحجّ،و هو قوله: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ البقرة:198،دلّ ذلك على أنّ هذا الحكم واقع في زمان الحجّ،فلهذا السّبب استغنى عن ذكره.

[ثمّ ذكر قول ابن عمر،و ابن عبّاس و مجاهد-و قد تقدّم-ثلاث روايات]

إذا ثبت صحّة هذا القول،فنقول:أكثر الذّاهبين إلى هذا القول حملوا الآية على التّجارة في أيّام الحجّ.و أمّا أبو مسلم فإنّه حمل الآية على ما بعد الحجّ،قال:

و التّقدير:فاتّقون في كلّ أفعال الحجّ،ثمّ بعد ذلك لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ، و نظيره قوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ الجمعة:10.

و اعلم أنّ هذا القول ضعيف من وجوه:

أحدها:الفاء في قوله: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ البقرة:198،يدلّ على أنّ هذه الإفاضة حصلت بعد انتفاء الفضل،و ذلك يدلّ على وقوع التّجارة في زمان الحجّ.

و ثانيها:أنّ حمل الآية على موضع الشّبهة أولى من حملها لا على موضع الشّبهة،و معلوم أنّ محلّ الشّبهة هو التّجارة في زمن الحجّ،فأمّا بعد الفراغ من الحجّ فكلّ أحد يعلم حلّ التّجارة.

أمّا ما ذكره أبو مسلم من قياس الحجّ على الصّلاة، فجوابه:أنّ الصّلاة أعمالها متّصلة،فلا يصحّ في أثنائها التّشاغل بغيرها.و أمّا أعمال الحجّ فهي متفرّقة بعضها عن بعض،ففي خلالها يبقى المرء على الحكم الأوّل؛ حيث لم يكن حاجّا.لا يقال:بل حكم الحجّ باق في كلّ تلك الأوقات،بدليل أنّ حرمة التّطيّب و اللّبس و أمثالها باقية،لأنّا نقول:هذا قياس في مقابلة النّصّ،فيكون ساقطا.

القول الثّالث:أنّ المراد بقوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ هو أن يبتغي الإنسان حال كونه حاجّا أعمالا أخرى تكون موجبة لاستحقاق فضل اللّه و رحمته،مثل إعانة الضّعيف،و إغاثة الملهوف،و إطعام الجائع،و هذا القول منسوب إلى أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهم السّلام.و اعترض القاضي عليه بأنّ هذا واجب أو مندوب،و لا يقال في مثله:لا جناح عليكم فيه،و إنّما يذكر هذا اللّفظ في المباحات.

و الجواب:لا نسلّم أنّ هذا اللّفظ لا يذكر إلاّ في المباحات،و الدّليل عليه قوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ النّساء:101،و القصر بالاتّفاق من المندوبات،و أيضا فأهل الجاهليّة كانوا يعتقدون أنّ ضمّ سائر الطّاعات إلى الحجّ يوقع خللا في الحجّ و نقصا فيه،فبيّن اللّه تعالى أنّ الأمر ليس كذلك، بقوله: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ.

المسألة الثّالثة:اتّفقوا على أنّ التّجارة إذا أوقعت نقصانا في الطّاعة لم تكن مباحة،أمّا إن لم توقع نقصانا البتّة فيها فهي من المباحات الّتي الأولى تركها،لقوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5.و الإخلاص أن لا يكون له حامل على الفعل سوى كونه عبادة،و قال عليه السّلام حكاية عن اللّه تعالى:«أنا

ص: 331

أغنى الأغنياء عن الشّرك،من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته و شركه».و الحاصل أنّ الإذن في هذه التّجارة جار مجرى الرّخص.(5:187)

القرطبيّ: (ان تبتغوا)في موضع نصب خبر(ليس) أي في أن تبتغوا.و على قول الخليل و الكسائيّ أنّها في موضع خفض.

و لمّا أمر تعالى بتنزيه الحجّ عن الرّفث و الفسوق و الجدال،رخّص في التّجارة،المعنى لا جناح عليكم في أن تبتغوا فضل اللّه،و ابتغاء الفضل ورد في القرآن بمعنى التّجارة،قال اللّه تعالى: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ الجمعة:10.

و الدّليل على صحّة هذا ما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس قال:كانت عكاظ و مجنّة و ذو المجاز أسواقا في الجاهليّة،فتأثّموا أن يتّجروا في المواسم،فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ. (2:413)

أبو حيّان: قال مجاهد:كان بعض العرب لا ينحرون مذ يحرمون،فنزلت في إباحة ذلك.

و روي عن ابن عمر: أنّها نزلت فيمن يكري في الحجّ و أنّ حجّه تامّ.

و قرأ ابن مسعود و ابن عبّاس و ابن الزّبير: (فضلا من ربّكم في مواسم الحجّ)و الأولى جعل هذا تفسيرا، لأنّه مخالف لسواد المصحف الّذي أجمعت عليه الأمّة.

و قد انعقد الإجماع على جواز التّجارة،و الاكتساب بالكلّ و الاتّجار إذا أتى بالحجّ على وجهه،إلاّ ما نقل شاذّا عن سعيد بن جبير و أنّه سأله أعرابيّ:أن أكري إبلي و أنا أريد الحجّ،أ فيجزيني؟قال:لا،و لا كرامة.و هذا مخالف لظاهر الكتاب و الإجماع،فلا يعوّل عليه.[ثمّ ذكر مناسبة الآية لما قبلها كما تقدّم عن الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و يؤيّد ذلك[الوجه الثّالث في كلام الفخر الرّازيّ] قراءة من قرأ (في مواسم الحجّ ).

و حمل أبو مسلم الآية على أنّه فيما بعد الحجّ،و نظيره فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ الجمعة:10،فقاس الحجّ على الصّلاة.

و ضعّف قوله بدخول«الفاء»في(فاذا قضيت)و هذا فصل بعد ابتغاء الفضل،فدلّ على أنّ ما قبل الإفاضة وقع في زمان الحجّ،و لأنّ محلّ شبهة الامتناع هو التّجارة في زمان الحجّ لا بعد الفراغ منه،لأنّ كلّ أحد يعلم حلّ التّجارة إذ ذاك،فحمله على محلّ الشّبهة أولى.

و لأنّ قياس الحجّ على الصّلاة قياس فاسد،لاتّصال أعمال الصّلاة بعضها ببعض،و افتراق أعمال الحجّ بعضها من بعض،ففي خلالها يبقى الحجّ على الحكم الأوّل؛حيث لم يكن حاجّا.لا يقال:حكم الحجّ مستحبّ عليه في تلك الأوقات،بدليل حرمة الطّيب و اللّبس و نحوهما،لأنّه قياس في مقابلة النّصّ،فهو ساقط.

و نسب للياء فزان«الفضل»هنا،هو ما يعمل الإنسان ممّا يرجو به فضل اللّه و رحمته،من إعانة ضعيف و إغاثة ملهوف و إطعام جائع.

و اعترضه القاضي بأنّ هذه الأشياء واجبة أو مندوب إليها،فلا يقال فيها:(لا جناح عليكم)إنّما يقال في المباحات.و التّجارة إن أوقعت نقصا في الطّاعة لم تكن مباحة،و إن لم توقع نقصا فالأولى تركها،فهي إذا جارية

ص: 332

مجرى الرّخص.(2:94)

سيّد قطب :قد نزلت إباحة البيع و الشّراء و الكراء في الحجّ.و سمّاها القرآن:ابتغاء من فضل اللّه:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ.

ليشعر من يزاولها أنّه يبتغي من فضل اللّه،حين يتّجر، و حين يعمل بأجر،و حين يطلب أسباب الرّزق،إنّه لا يرزق نفسه بعمله،إنّما هو يطلب من فضل اللّه،فيعطيه اللّه.

فأحرى ألاّ ينسى هذه الحقيقة،و هي أنّه يبتغي من فضل اللّه،و أنّه ينال من هذا الفضل،حين يكسب، و حين يقبض،و حين يحصل على رزقه،من وراء الأسباب الّتي يتّخذها للارتزاق.

و متى استقرّ هذا الإحساس في قلبه،و هو يبتغي الرّزق،فهو إذن في حالة عبادة للّه،لا تتنافى مع عبادة الحجّ،في الاتّجاه إلى اللّه.

و متى ضمن الإسلام هذه المشاعر في قلب المؤمن، أطلقه يعمل و ينشط كما يشاء،و كلّ حركة منه عبادة في هذا المقام.(1:198)

الطّباطبائيّ: هو نظير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ إلى أن قال: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ الجمعة:

10،فبدّل(البيع)ب«الابتغاء من فضل اللّه»فهو هو، و لذلك فسّرت السّنّة«الابتغاء من الفضل»في هذه الآية:من البيع؛فدلّت الآية على إباحة البيع أثناء الحجّ.

(2:79)

ابتغى

أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً... الأنعام:114

الكلبيّ: يعني أطلب ربّا أعبد.(الميبديّ 3:463)

الطّبريّ: أي قل:فليس لي أن أتعدّى حكمه و أتجاوزه،لأنّه لا حكم أعدل منه،و لا قائل أصدق منه.

(8:8)

مثله المراغيّ.(8:9)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:معناه هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم اللّه حتّى أعدل عنه؟

و الثّاني:هل يجوز لأحد أن يحكم مع اللّه حتّى أحتكم إليه؟(2:159)

الطّوسيّ: أي أطلب سوى اللّه حاكما،و نصب (أ فغير اللّه)بفعل مقدّر يفسّره(ابتغى)،تقديره:أ أبتغي غير اللّه حكما.(4:264)

نحوه الطّبرسيّ.(2:353)

القشيريّ: قل لهم:أ ترون أنّي بعد ظهور البيان و وضوح البرهان أذر اليقين،و أوثر التّخمين،و أفارق الحقّ،و أقارن الحظّ؟إنّ هذا محال من الظّنّ.

(2:191)

الميبديّ: أي قل لأهل مكّة:أ يجدر بأحد أن يرجع عن حكم اللّه،و لا يستحسنه،و لا يرضى به؟أم تعلمون أحدا يحكم بالسّويّة كما يحكم اللّه،كي نرجع إليه فيما شجر بيني و بينكم؟(3:463)

أبو حيّان:هذا استفهام معناه النّفي،أي لا أبتغي حكما غير اللّه.(4:209)

ص: 333

1Lأبو السّعود: كلام مستأنف وارد على إرادة القول، و الهمزة للإنكار،و الفاء للعطف على مقدّر يقتضيه الكلام،أي قل لهم:أ أميل إلى زخارف الشّياطين، فأبتغي حكما غير اللّه،يحكم بيننا و يفصل المحقّ منّا من المبطل؟

و قيل:إنّ مشركي قريش قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

اجعل بيننا و بينك حكما من أحبار اليهود أو من أساقفة النّصارى،ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك،فنزلت.

و إسناد الابتغاء المنكر إلى نفسه صلّى اللّه عليه و سلّم لا إلى المشركين،كما في قوله تعالى: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ آل عمران:83،مع أنّهم الباغون لإظهار كمال النّصفة، أو لمراعاة قولهم:اجعل بيننا و بينك حكما.

و(غير)إمّا مفعول(ابتغى)،و(حكما)حال منه، و إمّا بالعكس.و أيّا ما كان فتقديمه على الفعل الّذي هو المعطوف بالفاء حقيقة،كما أشير إليه،للإيذان بأنّ مدار الإنكار هو ابتغاء غيره تعالى حكما،لا مطلق الابتغاء.

(2:434)

مثله الآلوسيّ(8:7)،و نحوه البروسويّ.(3:90)

الطّباطبائيّ: تفريع على ما تقدّم من البصائر الّتي جاءت من قبله تعالى،و قد ذكر قبل ذلك في القرآن أنّه كتاب أنزله مبارك،مصدّق الّذي بين يديه من التّوراة و الإنجيل.

و المعنى أ فغير اللّه من سائر من تدعون من الآلهة أو من ينتمي إليهم أطلب حكما،يتّبع حكمه؟و هو الّذي أنزل عليكم هذا الكتاب و هو القرآن،مفصّلا متميّزا بعض معارفه من بعض،غير مختلط بعض أحكامه ببعض،و لا يستحقّ الحكم إلاّ من هو على هذه الصّفة، فالآية كقوله تعالى: وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ المؤمن:20.(7:327)

محمود صافيّ: جملة(ابتغى)محلّ نصب معطوفة على جملة مقدّرة،هي مقول القول لقول محذوف،أي قل لهم:أ أميل إلى زخارف الشّياطين،فأبتغي حكما؟

(8:260)

نبتغى

وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ.

القصص:55

قتادة :لا يجارون أهل الجهل و الباطل في باطلهم، أتاهم من أمر اللّه ما وقذهم عن ذلك.

(الطّبريّ 20:91)

لا نجازي الجاهلين.(الماورديّ 4:259)

الكلبيّ: لا نبتغي دين الجاهلين و لا نحبّه.

(الطّبرسيّ 4:259)

مقاتل: لا نتّبع الجاهلين.(الماورديّ 4:259)

لا نريد أن نكون من أهل الجهل و السّفه.

(الطّبرسيّ 4:259)

الطّبريّ: لا نريد محاورة أهل الجهل و مسابّتهم.

(20:91)

الطّوسيّ: أي لا نطلبهم و لا نجازيهم على لغوهم.

(8:162)

ص: 334

الميبديّ: يعني لا نبتغي جواب الجاهلين و جهلهم.

(7:325)

الزّمخشريّ: لا نريد مخالطتهم و صحبتهم.

(3:185)

مثله أبو السّعود.(5:129)

ابن عطيّة: معناه:لا نطلبهم للجدال و المراجعة و المسابّة.(4:292)

مثله القرطبيّ.(13:299)

الطّبرسيّ: أي لا نطلب مجالستهم و معاونتهم،و إنّما نبتغي الحكماء و العلماء.(4:258)

الفخر الرّازيّ: و المراد لا نجازيهم بالباطل على باطلهم.قال قوم:نسخ ذلك بالأمر بالقتال،و هو بعيد، لأنّ ترك المسافهة مندوب و إن كان القتال واجبا.

(24:263)

الشّربينيّ: لا نكلّف أنفسنا أن نطلب الجاهلين، أي لا نريد شيئا من أموالهم و أقوالهم،أو غير ذلك من خلالهم.[ثمّ ذكر مثل الفخر الرّازيّ](3:107)

الطّباطبائيّ: أي لا نطلبهم بمعاشرة و مجالسة.

و فيه تأكيد لما تقدّمه،و هو حكاية عن لسان حالهم؛إذ لو تلفّظوا به لكان من مقابلة السّيّئ بالسّيّئ.

(16:55)

ينبغى

1- وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. مريم:92

الطّبريّ: و ما يصلح للّه أن يتّخذ ولدا،لأنّه ليس كالخلق الّذين تغلبهم الشّهوات،و تضطرّهم اللّذّات إلى جماع الإناث،و لا ولد يحدث إلاّ من أنثى،و اللّه يتعالى عن أن يكون كخلقه.(16:131)

الطّوسيّ: لا ينبغي له أن يتّخذ ولدا،و لا يصلح له.

(7:153)

القشيريّ: أنّى بالولد و هو واحد؟و أنّى بالولادة و لا جنس له وجوبا و لا جوازا؟(4:212)

الزّمخشريّ: انبغى:مطاوع بغى،إذا طلب،أي ما يتأتّى له اتّخاذ الولد،و ما ينطلب لو طلب مثلا،لأنّه محال،غير داخل تحت الصّحّة.

أمّا الولادة المعروفة فلا مقال في استحالتها،و أمّا التّبنّي فلا يكون إلاّ فيما هو من جنس المتبنّي،و ليس للقديم سبحانه جنس،تعالى عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا.(2:526)

نحوه الكاشانيّ(3:296)،و البروسويّ(5:375)

الطّبرسيّ: أي ما يصلح للرّحمن و لا يليق به اتّخاذ الولد و ليس من صفته ذلك،لأنّ إثبات الولد له يقتضي حدوثه و خروجه من صفة الإلهيّة،و اتّخاذ الولد يدلّ على الحاجة،تعالى عن ذلك و تقدّس.(3:532)

ابن الجوزيّ: أي ما يصلح له،و لا يليق به اتّخاذ الولد،لأنّ الولد يقتضي مجانسة،و كلّ متّخذ ولدا يتّخذه من جنسه،و اللّه تعالى منزّه عن أن يجانس شيئا،أو يجانسه؛فمحال في حقّه اتّخاذ الولد.(5:265)

أبو حيّان: [قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و(ينبغى)ليس من الأفعال الّتي لا تتصرّف،بل سمع لها الماضي،قالوا:انبغى و قد عدّها ابن مالك في

ص: 335

«التّسهيل»من الأفعال الّتي لا تتصرّف،و هو غلط.

(6:219)

الآلوسيّ: و جملة(ما ينبغى)حال من فاعل (دعوا)،و قيل:من فاعل(قالوا)،(و ينبغى)مضارع (انبغى)مطاوع«بغى»بمعنى طلب.

و قد سمع ماضيه،فهو فعل متصرّف في الجملة.

و عدّه ابن مالك في«التّسهيل»من الأفعال الّتي لا تتصرّف،و غلّطه في ذلك أبو حيّان،و يمكن أن يقال:

مراده أنّه لا يتصرّف تامّا.و(ان يتّخذ)في تأويل مصدر فاعله،و المراد لا يليق به سبحانه اتّخاذ الولد و لا يتطلّب له عزّ و جلّ لاستحالة ذلك في نفسه،لاقتضائه الجزئيّة أو المجانسة و استحالة كلّ ظاهرة.و وضع الرّحمن موضع الضّمير للإشعار بعلّة الحكم بالتّنبيه على أنّ كلّ ما سواه تعالى إمّا نعمة أو منعم عليه،و أين ذلك ممّن هو مبدأ النّعم و موالي أصولها و فروعها؟(16:142)

2- لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. يس:40

ابن عبّاس: إذا اجتمعا في السّماء كان أحدهما بين يدي الآخر،فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر.

(الطّبريّ 23:8)

مجاهد :لا يشبه ضوؤها ضوء الآخر،لا ينبغي لها ذلك.(الطّبريّ 23:7)

الضّحّاك: و هذا في ضوء القمر و ضوء الشّمس،إذا طلعت الشّمس لم يكن للقمر ضوء،و إذا طلع القمر بضوئه،لم يكن للشّمس ضوء.(الطّبريّ 23:8)

الحسن:إنّها لا يجتمعان في السّماء ليلة الهلال خاصّة.(الماورديّ 5:18)

قتادة :و لكلّ حدّ و علم لا يعدوه،و لا يقصر دونه.

إذا جاء سلطان هذا،ذهب سلطان هذا،و إذا جاء سلطان هذا،ذهب سلطان هذا.(الطّبريّ 23:8)

يحيى بن سلاّم: إنّه لا تدرك الشّمس القمر ليلة البدر خاصّة،لأنّه يبادر بالمغيب قبل طلوعها.

(الماورديّ 5:18)

الطّبريّ: لا الشّمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها،بضوئه،فتكون الأوقات كلّها نهارا، لا ليل فيها.(23:7)

الزّجّاج: المعنى لا يذهب أحدهما بمعنى الآخر.

(4:288)

الطّوسيّ: حتّى يكون نقصان ضوئها كنقصان القمر.

و قيل معناه: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره.(8:459)

الميبديّ: أي يسهل لها،بغيت الشّيء فانبغى لي، أي استسهلته فتسهّل لي،و طلبته فتيسّر لي.

يقول عزّ و جلّ: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ لاختلاف مكانيهما،فإنّ القمر في السّماء الدّنيا، و الشّمس في السّماء الرّابعة.(8:227)

الزّمخشريّ: المعنى:إنّ اللّه تعالى قسّم لكلّ واحد من اللّيل و النّهار و آيتيهما قسما من الزّمان،و ضرب له حدّا معلوما،و دبّر أمرهما على التّعاقب.فلا ينبغي للشّمس،أي لا يتسهّل لها و لا يصحّ و لا يستقيم،لوقوع

ص: 336

التّدبير على المعاقبة،و إن جعل لكلّ واحد من النّيّرين سلطان على حياله.(3:323)

الطّبرسيّ: في سرعة سيره،لأنّ الشّمس أبطأ سيرا من القمر،فإنّها تقطع منازلها في سنة،و القمر يقطعها في شهر،و اللّه سبحانه يجريهما إجراء التّدوير باين بين فلكيهما و مجاريهما،فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر،ما داما على هذه الصّفة.(4:425)

ابن الجوزيّ: [بعد نقل قول قتادة قال:]

فيكون وجه الحكمة في ذلك أنّه لو اتّصل الضّوء، لم يعرف اللّيل.(7:20)

أبو حيّان: (يَنْبَغِي لَها) مستعملة فيما لا يمكن خلافه،أي لم يجعل لها قدرة على ذلك،و هذا الإدراك المنبغي هو ما قال الزّمخشريّ.[ثمّ ذكر قوله كما تقدّم]

(7:337)

البروسويّ: (لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي) هو أبلغ من:

لا ينبغي للشّمس،كما أنّ:أنت لا تكذب،بتقديم المسند إليه آكد من:لا تكذب أنت،لاشتمال الأوّل على تكرّر الإسناد.(7:401)

الآلوسيّ: أي يتسخّر و يتسهّل،كما في قولك:

النّار ينبغي أن تحرق الثّوب،أو يحسن و يليق،أي حكمة،كما في قولك:الملك ينبغي أن يكرم العالم،و اختار غير واحد المعنى الأوّل.

و أصل(ينبغى)مطاوع«بغى»بمعنى طلب.

و ما طاوع و قبل الفعل،فقد تسخّر و تسهّل.و النّفي راجع في الحقيقة إلى(ينبغى)،فكأنّه قيل:لا يتسهّل للشّمس و لا يتسخّر.(23:20)

الطّباطبائيّ: لفظة(ينبغى)تدلّ على التّرجّح، و نفي ترجّح الإدراك من الشّمس نفي وقوعه منها.

و المراد به أنّ التّدبير ليس ممّا يجري يوما و يقف آخر،بل هو تدبير دائم غير مختلّ و لا منقوص،حتّى ينقضي الأجل المضروب منه تعالى لذلك.

فالمعنى أنّ الشّمس و القمر ملازمان لما خطّ لهما من المسير،فلا تدرك القمر حتّى يختلّ بذلك التّدبير المعمول بهما،و لا اللّيل سابق النّهار،و هما متعاقبان في التّدبير، فيتقدّم اللّيل النّهار،فيجتمع ليلتان ثمّ نهاران،بل يتعاقبان.(17:90)

3- وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ... يس:69

راجع«ش ع ر -الشّعر»

4- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ. ص:35

عطاء: يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في باقي عمري،و تعطيه غيري كما استلبته في ما مضى من عمري.(البغويّ 4:72)

نحوه الطّوسيّ.(8:563)

قتادة :ملكا لا أسلبه كما سلبته.

(الطّبريّ 23:159)

مقاتل بن حيّان: كان لسليمان ملكا،و إنّما أراد بقوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي: تسخير الرّياح و الطّير و الشّياطين،ليكون ذلك بعد المغفرة آية في

ص: 337

ملكه،يعلم بها النّاس أنّ اللّه قد رضي عنه.

(الميبديّ 8:352)

الفرّاء: يريد سخرة الرّيح و الشّياطين.(2:405)

أبو عبيدة :معنى(لا ينبغى)لا يكون.

(الطّوسيّ 8:563)

مثله الطّبريّ(23:159)،و الميبديّ(8:352)، و ابن كيسان(البغويّ 4:72).

الطّبريّ: لا يسلبنيه أحد كما سلبنيه قبل هذه الشّيطان.

و كان بعض أهل العربيّة يوجّه معنى قوله:

لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إلى أن لا يكون لأحد من بعدي.[ثمّ استشهد بشعر](23:159)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:ليكون ذلك معجزا له،يعلم به الرّضا، و يستدلّ به على قبول التّوبة.

الثّاني:ليقوى به على من عصاه من الجنّ،فسخّرت له الرّيح حينئذ.

الثّالث:لا ينبغي لأحد من بعدي في حياتي أن ينزعه منّي،كالجسد الّذي جلس على كرسيّه،قاله الحسن.

(5:98)

القشيريّ: أي ملكا لا يسلبه أحد منّي بعد هذا،كما سلب منّي في هذه المرّة.

و قيل:أراد انفراده به،ليكون معجزة له على قومه.

و قيل:أراد أنّه لا ينبغي لأحد من بعدي أن يسأل الملك،بل يجب أن يكل أمره إلى اللّه في اختياره له.

و يقال:لم يقصد الأنبياء،و لكن قال:لا ينبغي من بعدي لأحد من الملوك.

و إنّما سأل الملك لسياسة النّاس،و إنصاف بعضهم من بعض،و القيام بحقّ اللّه،و لم يسأله لأجل ميله إلى الدّنيا،و هو كقول يوسف: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يوسف:55.

و يقال:لم يطلب الملك الظّاهر،و إنّما أراد به أن يملك نفسه،فإنّ الملك-على الحقيقة-من يملك نفسه،و من ملك نفسه لم يتّبع هواه.

و يقال:أراد به كمال حاله في شهود ربّه،حتّى لا يرى معه غيره.

و يقال:سأل القناعة الّتي لا يبقى معها الاختيار.

و يقال:علم أنّ سرّ نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم ألاّ يلاحظ الدّنيا و لا ملكها،فقال: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي لا لأنّه بخل به على نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم،و لكن لعلمه أنّه لا ينظر إلى ذلك.

(5:256)

البغويّ: قيل:سأل ذلك ليكون آية لنبوّته، و دلالة على رسالته،و معجزة.

و قيل:سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته؛ حيث أجاب اللّه دعاءه،و ردّ إليه ملكه،و زاده فيه.

(4:72)

الزّمخشريّ: لا يتسهّل و لا يكون،و معنى(من بعدى)دوني.

فإن قلت:أ ما يشبه الحسد و الحرص على الاستبدال بالنّعمة أن يستعطي اللّه ما لا يعطيه غيره؟

قلت:كان سليمان عليه السّلام ناشئا في بيت الملك و النّبوّة، و وارثا لهما،فأراد أن يطلب من ربّه معجزة،فطلب على

ص: 338

حسب إلفه ملكا زائدا على المماليك،زيادة خارقة للعادة،بالغة حدّ الإعجاز،ليكون ذلك دليلا على نبوّته، قاهرا للمبعوث إليهم،و أن يكون معجزة حتّى يخرق العادات،فذلك معنى قوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي.

و قيل:كان ملكا عظيما،فخاف أن يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود اللّه فيه،كما قالت الملائكة:

أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ البقرة:30.

و قيل:ملكا لا أسلبه،و لا يقوم غيري فيه مقامي، كما سلبته مرّة،و أقيم مقامي غيري.

و يجوز أن يقال:علم اللّه فيما اختصّه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدّين،و علم أنّه لا يضطلع بأعبائه غيره،و أوجبت الحكمة استيهابه،فأمره أن يستوهبه إيّاه فاستوهبه بأمر من اللّه،على الصّفة الّتي علم اللّه أنّه لا يضبطه عليها إلاّ هو وحده دون سائر عباده.

أو أراد أن يقول:ملكا عظيما،فقال: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، و لم يقصد بذلك إلاّ عظم الملك وسعته،كما تقول:لفلان ما ليس لأحد من الفضل و المال،و ربّما كان للنّاس أمثال ذلك،و لكنّك تريد تعظيم ما عنده.(3:375)

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون في معنى قوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فقال جمهور النّاس:

أراد أن يفرده بين البشر لتكون خاصّة له و كرامة،و هذا هو الظّاهر من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في خبر العفريت الّذي عرض له في صلاته فأخذه،و أراد أن يوثقه بسرية من سواري المسجد،قال:ثمّ ذكرت قول أخي سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فأرسلته.

و قال قتادة و عطاء بن أبي رباح: إنّما أراد سليمان:

لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي مدّة حياتي،أي لا أسلبه، و يصير إلى أحد كما صار إلى الجنّيّ.

و سليمان عليه السّلام مقطوع بأنّه إنّما قصد بذلك قصدا برّا جائزا،لأنّ للإنسان أن يرغب من فضل اللّه فيما لا يناله أحد،لا سيّما بحسب المكانة و النّبوءة،و انظر أنّ قوله عليه السّلام:

(ينبغى)إنّما هي لفظة محتملة ليست بقطع في أنّه لا يعطي اللّه نحو ذلك الملك لأحد،و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لو ربط الجنّيّ لم يكن ذلك نقصا لما أوتيه سليمان،و لكن لمّا كان فيه بعض الشّبه تركه،جريا منه عليه السّلام على اختياره أبدا أيسر الأمرين، و أقربهما إلى التّواضع.(4:505)

الطّبرسيّ: يسأل عن هذا،فيقال:إنّ هذا القول من سليمان يقتضي الضّنّ و المنافسة،لأنّه لم يرض بأن يسأل الملك،حتّى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه.

و أجيب عنه بأجوبة:

أحدها:أنّ الأنبياء لا يسألون إلاّ ما يؤذن لهم في مسألته،و جائز أن يكون اللّه تعالى أعلم سليمان أنّه إن سأل ملكا لا يكون لغيره،كان أصلح له في الدّين، و أعلمه أنّه لا صلاح لغيره في ذلك.و لو أنّ أحدنا صرّح في دعائه بهذا الشّرط حتّى يقول:اللّهمّ اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أنّ ذلك أصلح لي،لكان ذلك منه حسنا جائزا.و لا ينسب في ذلك إلى شحّ و ضنّ،

ص: 339

و اختاره الجبّائيّ.

و ثانيها:أنّه يجوز أن يكون التمس من اللّه تعالى آية لنبوّته،يبين بها من غيره،و أراد:لا ينبغي لأحد غيري ممّن أنا مبعوث إليه،و لم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النّبيّين،كما يقال:أنا لا أطيع أحدا بعدك،أي لا أطيع أحدا سواك.

و ثالثها:ما قاله المرتضى قدّس اللّه روحه:أنّه يجوز أن يكون إنّما سأل ملك الآخرة و ثواب الجنّة،و يكون معنى قوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي لا يستحقّه بعد وصولي إليه أحد،من حيث لا يصلح أن يعمل ما يستحقّ به ذلك،لانقطاع التّكليف.

و رابعها:أنّه التمس معجزة تختصّ به،كما أنّ موسى يختصّ بالعصا و اليد البيضاء،و اختصّ صالح بالنّاقة، و محمّد صلّى اللّه عليه و آله بالمعراج و القرآن.[ثمّ ذكر قول النّبيّ،كما تقدّم في كلام ابن عطيّة](4:476)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:قوله عليه السّلام: مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي مشعر بالحسد؟

و الجواب عنه:أنّ القائلين بأنّ الشّيطان استولى على مملكته،قالوا:معنى قوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي هو أن يعطيه اللّه ملكا لا تقدر الشّياطين أن يقوموا مقامه البتّة،فأمّا المنكرون لذلك فقد أجابوا عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ الملك هو القدرة،فكان المراد أقدرني على أشياء لا يقدر عليها غيري البتّة،ليصير اقتداري عليها معجزة تدلّ على صحّة نبوّتي و رسالتي.

و الدّليل على صحّة هذا الكلام أنّه تعالى قال عقيبه:

فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ص:36.

فكون الرّيح جاريا بأمره قدرة عجيبة و ملك عجيب،و لا شكّ أنّه معجزة دالّة على نبوّته،فكان قوله:

هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي هو هذا المعنى، لأنّ شرط المعجزة أن لا يقدر غيره على معارضتها، فقوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي يعني لا يقدر أحد على معارضته.

و الوجه الثّاني في الجواب:أنّه عليه السّلام لمّا مرض ثمّ عاد إلى الصّحّة،عرف أنّ خيرات الدّنيا صائرة إلى الغير بإرث أو بسبب آخر،فسأل ربّه ملكا لا يمكن أن ينتقل منه إلى غيره؛و ذلك الّذي سأله بقوله: مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أي ملكا لا يمكن أن ينتقل عنّي إلى غيري.

الوجه الثّالث:في الجواب:أنّ الاحتراز عن طيّبات الدّنيا مع القدرة عليها،أشقّ من الاحتراز عنها حال عدم القدرة عليها،فكأنّه قال:يا إلهي أعطني مملكة فائقة على مماليك البشر بالكلّيّة،حتّى أحترز عنها مع القدرة عليها،ليصير ثوابي أكمل و أفضل.

الوجه الرّابع:من النّاس من يقول:إنّ الاحتراز عن لذّات الدّنيا عسر صعب،لأنّ هذه اللّذّات حاضرة، و سعادات الآخرة نسيئة،و النّقد يصعب بيعه بالنّسيئة، فقال سليمان:اعطني يا ربّ مملكة تكون أعظم الممالك الممكنة للبشر،حتّى أنّي أبقى مع تلك القدرة الكاملة في غاية الاحتراز عنها،ليظهر للخلق أنّ حصول الدّنيا لا يمنع من خدمة المولى.

ص: 340

الوجه الخامس:أنّ من لم يقدر على الدّنيا يبقى ملتفت القلب إليها،فيظنّ أنّ فيها سعادات عظيمة و خيرات نافعة،فقال سليمان:يا ربّ العزّة أعطني أعظم المماليك حتّى يقف النّاس على كمال حالها،فحينئذ يظهر للعقل أنّه ليس فيها فائدة،و حينئذ يعرض القلب عنها و لا يلتفت إليها،و اشتغل بالعبوديّة ساكن النّفس،غير مشغول القلب بعلائق الدّنيا.(26:209)

النّيسابوريّ: [قال نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قال أهل البيان:لم يقصد بذلك إلى عظم الملك وسعته،كما تقول:لفلان ما ليس لأحد من الفضل و المال،و ربّما كان للنّاس أمثال ذلك.و الأقوى هو الأوّل،بدليل قوله عقيبه: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ... وَ الشَّياطِينَ ص:36،37،و لا ريب أنّ هذا معجزة و ملك عجيب،دالّ على نبوّته.(23:93)

أبو السّعود: لا يتسهّل له و لا يكون،ليكون معجزة لي مناسبة لحالي،فإنّه عليه الصّلاة و السّلام لمّا نشأ في بيت الملك و النّبوّة و ورثهما معا،استدعى من ربّه معجزة جامعة لحكمهما،أولا ينبغي لأحد أن يسلبه منّي بعد هذه السّلبة.

أو لا يصحّ لأحد من بعدي لعظمته،كقولك:لفلان ما ليس لأحد من الفضل و المال،على إرادة وصف الملك بالعظمة،لا أن لا يعطى أحد مثله،فيكون منافسة.

و قيل:كان ملكا عظيما،فخاف أن يعطى مثله أحد، فلا يحافظ على حدود اللّه تعالى.(5:363)

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»قوله:

قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي الآية،تشير إلى معان مختلفة:

منها:أنّه لمّا أراد طلب الملك الّذي هو رفعة الدّرجة بني الأمر في ذلك على التّواضع الموجب للرّفعة،و هو قوله: رَبِّ اغْفِرْ لِي.

و منها:أنّه قدّم طلب المغفرة على طلب الملك،لأنّه لو كان طلب الملك زلّة في حقّ الأنبياء كانت مسبوقة بالمغفرة لا يطالب بها.

و منها:أنّ الملك مهما يكن في يد مغفور له منظور بنظر العناية،ما يصدر منه تصرّف في الملك إلاّ مقرونا بالعدل و النّصفة،و هو محفوظ من آفات الملك و تبعاته.

و منها:قوله: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أي يكون ذلك موهوبا له،بحيث لا ينزعه منه، و يؤتيه من يشاء،كما هي السّنّة الإلهيّة جارية فيه.

و منها:قوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أي لا يطلبه أحد غيري،لئلاّ يقع في فتنة الملك،على مقتضى قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى العلق:6،7،فإنّ الملك جالب للفتنة،كما كان جالبا لها إلى سليمان بقوله: وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ ص:34.

و منها:قوله:(لا ينبغى لاحد غيرى)أي لا يكون هذا الملك ملتمس أحد منك غيري،للتّمتّع و الانتفاع به،و هو بمعزل عن قصدي و نيّتي في طلب هذا،فإنّ لي في طلب هذا الملك نيّة لنفسي،و نيّة لقلبي،و نيّة لروحي،و نيّة للممالك بأسرها،و نيّة للرّعايا.

(8:35)

الآلوسيّ: أي لا يصحّ لأحد غيري لعظمته، ف«بعد»هنا نظير ما في قوله تعالى: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ الجاثية:23،أي غير اللّه تعالى،و هو أعمّ من أن

ص: 341

يكون الغير في عصره.(23:200)

الطّباطبائيّ: و ربّما استشكل في قوله: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أنّ فيه ضنّا و بخلا،فإنّ فيه اشتراط أن لا يؤتى مثل ما أوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره.

و يدفعه أنّ فيه سؤال ملك يختصّ به لا سؤال أن يمنع غيره عن مثل ما أتاه و يحرمه،ففرق بين أن يسأل ملكا اختصاصيّا و أن يسأل الاختصاص بملك أوتيه.

(17:205)

مكارم الشّيرازيّ: هنا يطرح سؤالان:

1-هل يستشفّ البخل من طلب سليمان عليه السّلام؟

ذكر المفسّرون أجوبة كثيرة على هذا السّؤال، الكثير منها لا يتطابق مع ظاهر الآيات،و الجواب الّذي يبدو أكثر تناسبا و منطقيّا من بقيّة التّفاسير،هو أنّ سليمان طلب من الباري عزّ و جلّ أن يهب له ملكا مع معجزات خاصّة،كي يتميّز ملكه عن بقيّة الممالك.

لأنّنا نعرف أنّ لكلّ نبيّ معجزة خاصّة به، فموسى عليه السّلام معجزته العصا و اليد البيضاء،و إبراهيم عليه السّلام معجزته برد النّار الّتي ألقي فيها و انطفاؤها،و معجزة صالح عليه السّلام النّاقة الخاصّة به،و معجزة نبيّنا الأكرم محمّد صلّى اللّه عليه و آله هو القرآن المجيد.و سليمان كان ملكه مقترنا بالمعجزات الإلهيّة،كتسخير الرّياح و الشّياطين له،مع مميّزات أخرى.

و هذا الأمر لا يعدّ عيبا أو نقصا بالنّسبة للأنبياء الّذين يطلبون من اللّه أن يؤيّدهم بمعجزة خاصّة،كي يبرهنوا للنّاس على صدق نبوّتهم،و لهذا فلا يوجد أيّ مانع في أن يطلب الآخرون ملكا أوسع و أكبر من ملك سليمان،و لكن لا تتوفّر فيه الخصائص الّتي أعطيت لسليمان.

و الدّليل على هذا الكلام الآيات التّالية،و الّتي هي -في الحقيقة-تعكس استجابة الباري عزّ و جلّ لطلب سليمان،و تتحدّث عن تسخير الرّياح و الشّياطين لسليمان،و كما هو معروف،فإنّ هذا الأمر هو من خصائص ملك سليمان.

و من هنا يتّضح جواب السّؤال الثّاني الّذي يقول -وقفا لعقائدنا نحن المسلمون-:فإنّ ملك المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه سيكون ملكا عاليا،و بالنّتيجة سيكون أوسع من ملك سليمان،لأنّ ملك المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه مع سعته و خصائصه الّتي تميّزه عن بقيّة الممالك، فإنّه يبقى من حيث الخصائص مختلفا عن ملك سليمان، و ملك سليمان يبقى خاصّا به.

و خلاصة الأمر أنّ الحديث لم يختصّ بزيادة و نقصان و توسعة ملكه و طلب الاختصاص به،و إنّما اختصّ الحديث بكمال النّبوّة،و الّذي يتمّ بوجود معجزات خصوصيّة،لتميّزه عن نبوّة الأنبياء الآخرين،و سليمان كان طلبه منحصرا في هذا المجال.

و لقد ورد في بعض الرّوايات المنقولة عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام،في ردّه على سؤال يقول:

إنّ دعوة سليمان فيها بخل؛إذ جاء في الحديث:أنّ أحد المقرّبين عن الإمام الكاظم عليه السّلام و هو عليّ بن يقطين سأل الإمام عليه السّلام قائلا:أ يجوز أن يكون نبيّ اللّه عزّ و جلّ بخيلا؟ فقال:«لا».

ص: 342

فقلت له:فقول سليمان عليه السّلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ما وجهه و معناه؟

فقال:«الملك ملكان:ملك مأخوذ بالغلبة و الجور و إجبار النّاس،و ملك مأخوذ من قبل اللّه تعالى كملك آل إبراهيم و ملك طالوت و ذي القرنين،فقال سليمان عليه السّلام: هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أن يقول إنّه مأخوذ بالغلبة و الجور و اجبار النّاس،فسخّر اللّه عزّ و جلّ له الرّيح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، و جعل غدوّها شهرا و رواحها شهرا،و سخّر اللّه عزّ و جلّ له الشّياطين كلّ بنّاء و غوّاص،و علّم منطق الطّير و مكّن في الأرض،فعلم النّاس في وقته و بعده أنّ ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل،و المالكين بالغلبة و الجور.

قال:فقلت له:فقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«رحم اللّه أخي سليمان بن داود ما كان أبخله»!

فقال:«لقوله عليه السّلام وجهان:أحدهما:«ما كان أبخله» بعرضه و سوء القول فيه،و الوجه الآخر يقول:«ما كان أبخله»إن كان أراد ما كان يذهب إليه الجهّال.

(14:461)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير«البغي»على أربعة وجوه:

فوجه منها:البغي،يعني الظّلم،فذلك قوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف:33،يعني الظّلم.و قال:

وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ النّحل:90، يعني الظّلم.

و قال: وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ الشّورى:

39،يعني الظّلم.

الوجه الثّاني:البغي،يعني المعصية،فذلك قوله:

فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ يعني يعصون فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا يونس:23،يعني ضرّها عليكم،يعني معصيتكم على أنفسكم.

الوجه الثّالث:البغي:الحسد،فذلك قوله:

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً البقرة:90،يعني حسدا.و قال: وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الشّورى:14،يعني حسدا فيما بينهم.

و الوجه الرّابع:البغي:الزّنى،فذلك قوله:

وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا مريم:28،يعني زانية،كقوله:

وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً النّور:33،يعني الزّنى.(317)

نحوه هارون الأعور(357)،و الدّامغانيّ(165)، و حبيش تفليسي(48).

الحيريّ: البغي على ستّة أوجه:

أحدها:السّرقة،نحو قوله في البقرة الآية:173، و الأنعام الآية:146،و النّحل الآية:115: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ و هو قاطع الطّريق.

و الثّاني:الحسد،كقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ البقرة:213،نظيرها في آل عمران الآية 19،و عسق الآية:14،و الجاثية الآية:17.

ص: 343

و الثّالث:الظّلم،كقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ الأعراف:33 الآية.

و الرّابع:التّطاول كقوله: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا يونس:23،و قوله:

فَبَغى عَلَيْهِمْ القصص:76.

و الخامس:الطّلب،كقوله: قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا الكهف:64.

و السّادس:الطّغيان،كقوله: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ الشّورى:27.(140)

الفيروزآباديّ: قد ورد في القرآن لفظ«البغي» على خمسة أوجه.[ذكر مثل مقاتل و أضاف:]

الخامس:بمعنى الطلب وَ يَبْغُونَها عِوَجاً الأعراف:45،أي يطلبون لها اعوجاجا يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ المزّمّل:20،و لها نظائر.

(بصائر ذوي التّمييز 2:262)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البغي،و هو شدّة الطّلب، يقال:بغى الرّجل حاجته أو ضالّته يبغيها بغاء و بغية و بغاية،فهي بغيّة.و بغيت له الشّيء:طلبته له،و أبغيته الشّيء:أعنته على طلبه.و استبغيت القوم فبغوا لي و بغوني،أي طلبوا لي،و في الحديث«انطلقوا بغيانا»،أي ناشدين و طالبين.

ثمّ قيل لمن تجاوز الحدّ في الطّلب حتّى انتهى إلى فساد أو ظلم:إنّه باغ،يقال:بغى الرّجل على صاحبه بغيا،أي ظلمه،و في حديث عمّار:«تقتله الفئة الباغية»، أي الظّالمة.

و منه انتقل إلى من بغى على إمام المسلمين،فيقال لهم:البغاة،و لهم أحكام في الفقه الإسلاميّ.

و منه التّجاوز في الشّهوة،يقال:بغت المرأة تبغي بغاء:زنت،و هي بغيّ،و الجمع بغايا.ثمّ أطلق لفظ البغايا على الإماء،لغلبة البغاء عليهنّ في الجاهليّة،إذ كانوا يتاجرون بهنّ في البغاء،يقال:قامت البغايا على رءوسهم،أي الإماء.

ثمّ توسّع إلى كلّ شدّة تجاوز الحدّ و إن لم يكن طلبا، و منه حديث ابن عمر«قال لرجل:أنا أبغضك،قال:

لم؟قال:لأنّك تبغي في أذانك»قال ابن الأثير:أراد التّطريب فيه و التّمديد،من تجاوز الحدّ.

و يقال أيضا:دفعنا بغي السّماء خلفنا،أي شدّتها و معظم مطرها.

و منه أيضا:بغى الجرح يبغي بغى،أي ترامى إلى فساد.

و منه:بغى عليهم،أي ترفّع عليهم،و علا و جاوز الحدّ،قيل:و منه بغيت على أخيك بغيا،أي حسدته.

2-و زعم اللّحيانيّ أنّ الأصل في البغي:الحسد، و قال الجوهريّ:«كلّ مجاوزة في الحدّ و إفراط على المقدار الّذي هو حدّ الشّيء فهو بغي»،و ذهب ابن فارس إلى أنّ لهذه المادّة أصلين:الطّلب و التّجاوز.

و لكنّ ما زعمه اللّحيانيّ تفريع من الفرع،و هو التّجاوز،و أصله:شدّة الطّلب،كما قال به الجوهريّ و أبو هلال العسكريّ و الرّاغب الأصفهانيّ و غيرهم،لأنّ

ص: 344

الإمعان و الإفراط في الشّيء يعني تجاوز القصد،كبغي المرأة،لتجاوزها إلى ما ليس لها،و بغي السّماء،لتجاوزها في المطر حدّ ما ينتفع به،و بغي المتكبّر،لتجاوز منزلته إلى ما لا ينبغي له،و كذلك بغي الجرح،لتجاوزه إلى مضاعفات خطيرة كالقيح و المدّة و الصّديد،و بغي الحاسد،لتجاوزه في طلب زوال نعمة غيره،و هلمّ جرّا.

3-و بين(ب غ ي)و(ب و غ)و(ب ي غ)اشتقاق أكبر،يقال:أباغ فلان على فلان،أي بغى،و إنّك لعالم ألاّ تباغ،أي لا تحسد.و حكى بعض الأعراب:من هذا المبيّغ عليه؟أي لا يحسد.

و قد أورد بعض المتقدّمين(ب و غ)و(ب ي غ) هنا،و تبعه ابن سيدة و الزّمخشريّ،و شبّههما الأزهريّ بأنّهما مقلوبان من(ب غ ي)،و الصّواب ما ذهبنا إليه، أي الاشتقاق الأكبر.

الاستعمال القرآنيّ

و فيها أربعة محاور:

المحور الأوّل:التّجاوز(24)مرّة:مجرّدا،في(22) آية:فعلا ماضيا(5)مرّات:معلوما(4)مرّات،و مجهولا مرّة،و مضارعا(5)مرّات،و مصدرا(11)مرّة،و اسم فاعل(3)مرّات:

1- إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ القصص:76

2- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ص:22

3- وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ... الحجرات:9

4- وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

الشّورى:27

5- ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ الحجّ:60

6- فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يونس:23

7- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

الشّورى:42

8- وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ... ص:24

9- بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:20

10- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... الأعراف:33

11- إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النّحل:90

ص: 345

12- وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ

الشّورى:39

13- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ...

البقرة:90

14- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً... يونس:90

15- وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ البقرة:213

16- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ

آل عمران:19

17- وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الشّورى:14

18- وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الجاثية:17

19- ...ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ

الأنعام:146

20- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ البقرة:173

21- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:145

22- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ النّحل:115

يلاحظ أنّ«البغي»في هذه الآيات كلّها لا تتجاوز معنى التّجاوز و الفساد عن قصد و طلب،إلاّ أنّها ليست على وتيرة واحدة،بل هي على أقسام:

1-ما جاءت متعدّية بلفظة«على»:(1)و(2)و(3) «في المرّة الأولى»و(5)و(6)و(8)«في المرّة الثّانية».

و لا ريب أنّ«البغي»فيها جاء بمعنى التّجاوز و التّعدّي، ففي(1)اعتداء قارون على قوم موسى،و في(2)اعتداء أحد الخصمين على الآخر،و في(3)اعتداء إحدى الطّائفتين على الأخرى،و قد جاء«البغي»فيها مرّتين:

بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى، فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي، فحذف(على)من الثّانية للعلم به،فكلاهما بمعنى التّجاوز.و في(5):(ثمّ بغى عليه)،أي وقع موقع التّجاوز،و في(6): إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ، و في صدرها: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

و سنبيّن لاحقا أنّ هذا السّياق أشبه بمعنى«الفساد»، فمعنى إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ -بقرينة الصّدر- إنّما فسادكم على أنفسكم؛إذ(بغيكم)مبتدأ،و(على انفسكم)خبر له،و ليس متعلّقا به-كما ذكره الطّبرسيّ (5:187)بأنّه أحد الوجهين لها-حتّى يكون بمعنى التّجاوز،فهذه الآية مثل(3)في كون إحدى اللّفظتين فيهما تفسير للأخرى،و لكنّها عكس(3)،لأنّ الّتي خلت فيها من(على)تفسّر الّتي جاءت مع(على) و تصرفها عن معنى التّجاوز إلى معنى الفساد.و في(8)

ص: 346

اعتداء بعض الخلطاء على بعض.

2-ما جاءت بدون(على)بقيد(فى الارض):(4) و(6)و(7)،ففي(4): وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، و في(6)و(7): يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

و الظّاهر أنّ«البغي في الأرض»في هذه الآيات جاء بمعنى الفساد في الأرض المذكور في آيات كثيرة،مثل:

اَلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ الشّعراء:

152، وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ القصص:77.

إلاّ أنّ الطّبرسيّ جمع فيهما بين الفساد و الظّلم و التّجاوز،فقال في(4): لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ «أي لبطروا النّعمة،و تنافسوا و تغالبوا،و ظلموا في الأرض، و تغلّب بعضهم على بعض»(5:30).و قال في(6):

يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ «أي يعملون فيها بالمعاصي و الفساد،و يشتغلون بالظّلم على الأنبياء»(3:

101).و عندنا أنّ الفساد في الأرض وحده يشمل جميع ألوان الفساد،و منها الظّلم و التّجاوز و المعاصي.

و هاهنا نكات و ملاحظات:

الأولى:أنّ في اثنتين من هذه الثّلاث جاء«البغي في الأرض»بعد ذكر النّعمة،ففي(4): وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، و في(6): فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ، فكأنّهما تشعران بأنّ الفساد في الأرض بعد النّعمة كفران بها،و خلاف ما يتوقّع من الشّكر و الصّلاح،و هو قبيح جدّا.

الثّانية:جاء في(6)و(7): يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، و مثلهما الآية(10).و الظّاهر أنّ قيد (بِغَيْرِ اَلْحَقِّ) توضيحيّ و تسجيل لقبح البغي في الأرض، و لا سيّما إذا وقع بعد النّعمة.

الثّالثة:جاء في(7): إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فجاء «البغي في الأرض بغير الحقّ»عطفا على يَظْلِمُونَ النّاسَ كتفسير و بيان لها،و هذا يدلّ على أنّ الفساد في الأرض بغير الحقّ لا يخلو من ظلم،كيف و أنّ الظّلم هو الاعتداء على النّاس بغير حقّ.

3-ما جاءت بدون(على)و لا(فى الارض)،مثل (9): بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. و واضح أنّ البغي هنا تجاوز أحد البحرين للآخر و اختلاطهما،و البغي فيها خال من الظّلم و الفساد قطعا،كما أنّه خال عن القصد و الطّلب،إلاّ أنّه استعارة من صاحب الإرادة،كأنّ أحد البحرين يعتدي على الآخر و يتجاوز حدّه عن قصد.

و مثل(12): وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ و البغي فيها بمعنى التّجاوز و الظّلم،لقوله:

(هم ينتصرون)،أي إذا أصابهم تجاوز و ظلم من غيرهم ينتصرون.و قال الطّبرسيّ(5:33):«ينتصرون ممّن بغى عليهم من غير أن يعتدوا»«أو يتناصرون،ينصر بعضهم بعضا».فالبغي فيها بمعنى الاعتداء على الغير، ظلما بغير حقّ.

و أمّا البغي في(19): ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ، فجاء ذيل قوله تعالى: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ، أي بقتلهم الأنبياء و أخذهم الرّبا

ص: 347

و استحلالهم أموال النّاس بالباطل،جزيناهم و حرّمنا عليهم ما حرّمنا.فالبغي هنا بمعنى التّجاوز و الظّلم،مثل قوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160،أو ظلمهم أنفسهم بارتكاب المحرّمات.و قد ذكر الطّبرسيّ كلا الوجهين(2:138).

و أمّا البغي في(10)فجاء مع الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم،و في(11)مع الفحشاء و المنكر.

و سياقهما واحد سوى فارق واحد،و هو أنّه جاء في (10): وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، و في(11):(و البغى) بدون(بغير الحقّ)،و الأوّل يفسّر الثّاني،فمعناه فيهما التّجاوز و الظّلم.

و هناك فرق آخر،و هو أنّ المنكر في(11)جاء مكان الإثم في(10)،لاحظ«أ ث م».

و فيهما فرق ثالث أيضا،و ذلك أنّ النّهي عن الفحشاء و المنكر و البغي في(11)فقط جاء عديلا لقوله:

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، و العدل و الإحسان ضدّ البغي،فيساعدان على تفسير (البغي)هنا بالتّجاوز و الظّلم.

4-ما جاء فيها(بغيا)مصدرا منصوبا:(13)إلى (18)،و هي نوعان:

الأوّل:ما لم يتلوه(بين):(13)و(14)،ففي(13) أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ و في(14) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً.

و قد قال الطّبرسيّ-(1:160)-في الأولى،و في شأن اليهود:«بغيا:نصب بأنّه مفعول له،و موضع(ان) الثّانية نصب على حذف حرف الجرّ،يعني بغيا لأن ينزّل اللّه،و قال-(1:160)-في معناه:«بغيا،أي حسدا على محمّد صلّى اللّه عليه و آله؛إذ كان من ولد إسماعيل،و كانت الرّسل قبل من ولد بني إسرائيل.و قيل:طلبا لشيء ليس لهم،ثمّ فسّر ذلك بقوله: أَنْ يُنَزِّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، و هو الوحي و النّبوّة».

فالبغي هنا إمّا بمعنى الحسد،و هو أحد معانيه كما تقدّم في الأصول اللّغويّة،أو بمعنى الطّلب،و الأوّل أقرب إلى السّياق.

و قال الطّبرسيّ-(3:131)-في الثّانية:«بغيا و عدوا مفعول له،و قيل:إنّهما مصدران في موضع الحال، أي في حال البغي و العدوان».و قال في معناها:«أي ليبغوا عليهم و يظلموهم».

و عليه فالبغي عنده بمعنى التّجاوز لا غير.و لقائل أن يقول:إنّما تبعهم فرعون و جنوده حسدا لهم،حيث رأوا أنّهم عبروا البحر،ثمّ عدوانا عليهم،فالحسد له محلّ هنا أيضا.

الثّاني:ما تلاه(بين):(15)إلى(18)،و البغي في هذه الآيات الأربع جاء بعد بيان اختلاف الأمم من أهل الكتاب في كتابهم بسياق واحد: مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ أو (الْبَيِّناتُ) بَغْياً بَيْنَهُمْ فما هو معنى بَغْياً بَيْنَهُمْ

و للجواب عن ذلك نبدأ أوّلا بنصوص الطّبرسيّ في هذه الآيات:

فقال-(1:306)-في(15)حول إعرابه:«نصب على أنّه مفعول له،أي لم يوقع الاختلاف إلاّ للبغي، و يجوز أن يكون مصدرا وقع موقع الحال».و قال في

ص: 348

معناه:«أي ظلما و حسدا و طلبا للرّئاسة».

و قال-(1:420)-في(16):«بغيا نصب على وجهين:أحدهما:على أنّه مفعول له،و المعنى و ما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ للبغي بينهم،مثل:حذر الشّرّ و نحو ذلك.و قيل:إنّه منصوب بما دلّ عليه (و ما اختلف)،كأنّه لمّا قيل:و ما اختلف الّذين أوتوا الكتاب،دلّ على«و ما بغى الّذين أوتوا الكتاب»، فحمل بغيا عليه».و قال-(1:421)-في معناه:«أي حسدا،و تقديره:و ما اختلف الّذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلاّ من بعد ما جاءهم العلم».

و قال-(5:25)-في(17):«أي فعلوا ذلك للظّلم و الحسد و العداوة و الحرص على طلب الدّنيا».

و قال-(5:75)-في(18):«أي طلبا للرّئاسة و أنفة من الإذعان للحقّ.و قيل:بغيا على محمّد صلّى اللّه عليه و آله في جحود ما في كتابهم من نبوّته و صفته».

فنصب(بغيا)عنده إمّا مفعولا لأجله،أو حالا،أي باغين،أو مفعول مطلق لفعل مقدّر مفهوم من(اختلفوا)، أي بغوا بغيا،و معناه ظلما و حسدا و طلبا للرّئاسة و حرصا على طلب الدّنيا.و قد مرّ بنا أنّ الظّلم و الحسد من معاني البغي،أمّا المعاني الأخرى فهي لازمة لهما بقرينة(بينهم).

و أمّا المفسّرون غير الطّبرسيّ فقد جاء في نصوصهم التّفسيريّة الوجوه الثّلاثة في نصبه متفرّقة،و قد أنكر أبو حيّان كونه حالا،لأنّه لا يدلّ على كونه سببا، و المقصود حسب السّياق حصر السّبب في البغي دون الجهل بالكتاب أو عذر آخر.و ينشأ من هذا الخلاف الخلاف في أنّ«بغيا»هل موضعه مقدّم،أي ما اختلفوا بغيا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم،أو مؤخّر،أي ما اختلفوا إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا؟فالثّاني يفيد الحصر -و هو المطلوب-دون الأوّل.

أمّا معناه فكلّهم على أنّه بصدد بيان كيفيّة البغي بينهم؛قال أبو حيّان:«ما ركب فيهم من البغي و الحسد و الحرص على الاستئثار بالدّنيا».

و قال الآلوسيّ: «و فيه إشارة-على ما أرى-إلى أنّ هذا البغي قد باض و فرّخ عندهم،فهو يحوم عليهم و يدور بينهم،لا طمع له في غيرهم،و لا ملجأ له سواهم...و قيل:أشار بذلك إلى أنّ البغي أمر مشترك بينهم و أنّ كلّهم سفل،و منشأ ذلك مزيد حرصهم في الدّنيا و تكالبهم عليها».

و قال أبو السّعود:«أي حسدا كائنا منهم و طلبا للرّئاسة و طلبا لما ليس لهم».

و قال الطّبريّ: «طلبا للرّئاسة في بعضهم على بعض،و استذلالا من بعضهم لبعض».

و قال الماورديّ: «طلبهم للرّئاسة،أو عدولهم عن طريق الحقّ».

و قال الزّمخشريّ: «و ليس ذلك الاختلاف و تظاهر هؤلاء بمذهب و هؤلاء بمذهب إلاّ حسدا منهم،و طلبا للرّئاسة و لحظوظ الدّنيا،و استتباع كلّ فريق ما شاء».

و قد أطال الأستاذ عبده البحث فيه حول(15)في المنار(2:285)فلاحظ،ففيه الكفاية.

و الّذي يظهر لنا أنّ البغي عند بعض هؤلاء بمعنى الحسد،و عند بعضهم بمعنى الطّلب الّذي نشأ من الحسد.

ص: 349

و على كلّ حال فعندنا أنّ (بَغْياً بَيْنَهُمْ) تعبير قرآنيّ خاصّ بموارد الخلاف بين الّذين أوتوا الكتاب فيه، لا لشيء سوى طلبهم علوّ بعضهم على بعض،دون الوصول إلى الحقّ إلاّ قليلا من الاختلاف بين المجتهدين العدول و المصلحين الخلّص.

5-جاء اسم الفاعل من«البغي»بسياق واحد في ثلاث آيات:«20-22»(بعد تحريم الميتة و الدّم و لحم الخنزير،كاستثناء منها بلفظ واحد: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ، بتفاوت كثير بينهما صدرا و ذيلا،لا دخل له في معنى(باغ)،فقد اختلفوا فيها على قولين رئيسيّين، و في كلّ منهما أقوال و وجوه:

الأوّل:أن يكون غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ وصفا للأكل خاصّا به،أي لا يكون المضطرّ باغيا و عاديا في أكله المحرّم،قاله ابن عبّاس و غيره،باختلاف في معناهما مثل:غير باغ على مضطرّ آخر بأن يأخذ منه ما اضطرّ إليه و لا عاد سدّ الجوع،غير باغ اللّذّة و لا عاد سدّ الجوع،غير باغ بأكله ما حرّم عليه و لا عاد في أكله و له مندوحة في غيره،غير باغ في الإفراط و لا عاد في التّفسير،غير باغ على حلال تكرهه النّفس إلى أكل الحرام اللّذيذ،و لا متجاوز قدر الرّخصة بأن يملأ بطنه منه،غير باغ في أكله فوق حاجته و لا عاد بأن يجد من هذه المحرّمات مندوحة،و نحو ذلك.

و مرجعها إلى أنّ المضطرّ يجب أن لا يتجاوز ما يسدّ جوعه،و صرّح بعضه بأنّ معنى اللّفظين واحد.

و قال المراغيّ: «ذكرهما لئلاّ يتّبع النّاس أهواءهم في تفسير الاضطرار إذا أوكل إليه تحديده،فيزعم هذا أنّه مضطرّ و ليس بمضطرّ،و يذهب ذلك بشهواته إلى ما وراء حدّ الضّرورات».

و من هؤلاء من قال:«من غير أن يبتغي حراما و يتعدّاه»،أو«غير باغ يبتغيه و لا عاد يتعدّى على ما يمسك نفسه».فجعل(باغ)بمعنى الطّلب.و منهم من خصّ الاستثناء بأكل الميتة،و منهم من عمّمه بكلّ المحرّمات المذكورة في الآية.

الثّاني:أن يكون وصفا للمضطرّ يحدّد حالته،مع اختلافهم في تفسير(باغ)و(عاد)،أي غير باغ على الأئمّة،و لا عاد:قاطع السّبيل.الباغي:الظّالم،و العادي:

الغاصب.الباغي:باغي الصّيد بطرا و لهوا لا ليعود به على عياله،و العادي:السّارق.الباغي:السّارق،و العادي:

قاطع السّبيل.الباغي:الظّالم،و العادي:المتجاوز حدّه.

الباغي:مفارق الجماعة،و العادي:مخالف للسّنّة،فلم يرخّص للمبتدع في تناول المحرّم عند الضّرورة،و نحو ذلك.

و يظهر من هؤلاء أنّهم أرادوا أنّه لا يحلّ للباغي و العادي في سفره أكل الحرام و لو اضطرّ إليه،و لهذا قالوا:

ليس لهما قصر الصّلاة و الصّوم.أمّا من فسّرهما بالمخالف للسّنّة و المبتدع،فالظّاهر منه أنّه لا يحلّ له في جميع الأحوال و لا يختصّ بسفره هذا،و لم أر من تعرّض لهذا.

ثمّ أنكر جماعة منهم هذا القول بحجّة أنّه يستلزم أن يهلك الباغي و العادي نفسه و لا يأكل من المحرّم لسدّ جوعه،و هذا لا يجوز،و من هؤلاء الرّمّانيّ،و الطّبرسيّ و الإمام عبده.و أجاب عنه الطّبرسيّ بأنّه ببغيه عرّض نفسه للهلاك،فلا بأس،لاحظ النّصوص.

ص: 350

و عندنا أنّ الوجه الأوّل أقرب إلى السّياق،لأنّ (غير باغ و لا عاد)جاء في سورة مدنيّة و هي البقرة(20) و في سورتين مكّيّتين:الأنعام و النّحل(21)و(22)، و لم يكن في مكّة خروج على الأئمّة،و هذا من الأحكام المكّيّة،كرّر في الوحي المدنيّ تأكيدا بنفس السّياق.

المحور الثّاني:الطّلب(62)مرّة في(60)آية:مجرّدا (14)مرّة و مزيدا من الافتعال:(48)مرّة بصيغ مختلفة:

1- قُلْ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ...

الأنعام:164

2- قالَ أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَ هُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ الأعراف:140

3- ...فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً النّساء:34

4- قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً الكهف:64

5- وَ لَمّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا...

يوسف:65

6- أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ

آل عمران:83

7- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50

8- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَ فِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ التّوبة:47

9- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ آل عمران:99

10- وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ

الأعراف:86

11- اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ الأعراف:45

12- اَلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ هود:19

13- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إبراهيم:3

14- وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

القصص:77

15 و 16- فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ المؤمنون:7،و المعارج:31

17- لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ التّوبة 48

18- قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لاَبْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً الإسراء:42

19- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ... الأحزاب:51

ص: 351

20- أَ فَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً الأنعام:114

21- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ... البقرة:198

22- وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ...

النّساء:24

23- وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ النّحل:14

24- وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً الإسراء:12

25- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً الإسراء:66

26- وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

القصص:73

27- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الرّوم:46

28- وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فاطر:12

29- اَللّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

الجاثية:12

30- ...وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ... النّساء:94

31- وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ... الأنعام:35

32- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّحريم:1

33- وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ القصص:55

34- وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ آل عمران:85

35- اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً

النّساء:139

36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً... المائدة:2

37- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً الإسراء:57

38- وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً النّور:33

ص: 352

39- تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً الفتح:29

40- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً...

الحشر:8

41- عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ...

المزّمّل:20

42- وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً الإسراء:110

43- وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا القصص:77

44- فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ... البقرة:187

45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

المائدة:35

46- إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللّهِ الرِّزْقَ... العنكبوت:17

47- فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الجمعة:10

48- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ البقرة:207

49- وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ... البقرة:265

50- وَ ما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللّهِ

البقرة:272

51- فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ آل عمران:7

52- وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ النّساء:104

53- وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً النّساء:114

54- وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ الرّعد:17

55- وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ...

الرّعد:22

56- وَ إِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً الإسراء:28

57- وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللّهِ الحديد:27

58- إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ... الممتحنة:1

59- إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى الليل:20

60- وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ الرّوم:23

يلاحظ أوّلا:أنّه تقدّم في النّصوص عن الخطّابيّ أنّ أكثر ما يقال:«البغي»في طلب الشّرّ،و أقلّه في طلب الخير.و عن أبي هلال أنّ«البغي»شدّة الطّلب لما ليس بحقّ،هذا رأيهما بحسب اللّغة.

أمّا في القرآن فجاء عكس ذلك،فمن هذا المعنى-

ص: 353

أي الطّلب-جاء(62)مرّة،منها(23)مرّة ذمّا فقط:

(10)مرّات منها من الابتغاء و الباقي من البغي،و هي:

(1)إلى(3)و(6)إلى(18)و(20)و(30)الى(35) و(51)مرّتين.و الباقي(38)مرّة جاءت مدحا أو ترخيصا،منها(36)مرّة من الابتغاء؛فالبغي ذمّا أكثر منه مدحا،و الابتغاء مدحا أكثر منه ذمّا.

ثانيا:أمّا المدح فجاء في ابتغاء مرضاة اللّه ثلاث مرّات:(48)و(49)و(53)،و فضل اللّه(14)مرّة:

(23)و(24)إلى(30)و(36)و(39)إلى(41)و(47) و(60)،و وجه اللّه ثلاث مرّات:(50)و(55)و(59)، و رحمة اللّه مرّة واحدة:(56)،و رضوان اللّه مرّة واحدة:

(57)،و الوسيلة مرّتين:(37)و(45)،و الرّزق مرّة واحدة:(46)،و الدّار الآخرة مرّتين:(14)و(43) و ابتغاء القوم مرّة:(52).

و جاء التّرخيص في ابتغاء الحلية مرّة واحدة:

(54)،و الكتاب للعتق مرّة:(38)،و السّبيل بين الجهر و الإخفات في الصّلاة مرّة:(42)،و ما كتب اللّه من الولد مرّة:(44)،و الأزواج مرّة:(22)،و العزل مرّة:(19).

أمّا الذّمّ فجاء في ابتغاء الفتنة ثلاث مرّات:(8) و(17)و(51)،و الفساد في الأرض مرّة واحدة:(14)، و عرض الدّنيا مرّة:(30)،و مرضاة أزواجك مرّة:

(32)،و غير دين الإسلام مرّة:(34)،و العزّة عند الكافرين مرّة:(35)،و السّبيل إلى ذي العرش مرّة:

(18)،و نفقا في الأرض مرّة:(31)،و سبيل اللّه عوجا (5)مرّات:(9)إلى(13).

و قد جاء هذا السّياق مع الصّدّ عن سبيل اللّه دائما، ففي(9): يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً. و السّرّ فيه أنّ الّذين يريدون الصّدّ عن سبيل اللّه يتوسّلون بجعلها عوجا حتّى يختلط الأمر على المؤمنين.و هؤلاء الصّادّون متفرّقون بين أهل الكتاب و المشركين و المنافقين.و وصفهم القرآن بأنّهم في ضلال بعيد،أو بالآخرة هم كافرون،أو أنّهم مفسدون،أو أنّهم يستحبّون الحياة الدّنيا،و هو العمدة في إفسادهم و إضلالهم،فلا بدّ أن ينتبه المؤمنون لأساليبهم في تعويج السّبيل.

رابعا:بالتّأمّل في الآيات جميعا-سواء ما جاءت ذمّا أم مدحا-يستشفّ منها شدّة الطّلب،و لا سيّما في صيغ الابتغاء،فلاحظ.

خامسا:جاءت هذه الآيات بين السّور المكّيّة و المدنيّة بنسبة و هي متقاربة.

المحور الثّالث:البغاء،ثلاث مرّات:

1- وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً النّور:33

2- قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا مريم:20

3- يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا مريم:28

يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا جاءت منفيّة ذمّا،فالأولى في هذه الأمّة،و الثّانية و الثّالثة في بني إسرائيل،و هي شاهد على حرمة الزّنى في الدّيانتين،بل في جميع الملل، و لا نعرف أمّة تستحسن البغاء.و الآية(1)تدلّ على أنّ بغاء الإماء كان سائغا عند العرب،فكانوا يكرهون

ص: 354

إماءهم على البغاء،و قد نهى عنه القرآن في سورة النّور المدنيّة الّتي انفردت بلفظ(البغاء).

ثانيا:الآيتان(2)و(3)خاصّتان بمريم أمّ عيسى خلال إنجابه بلا أب،و كانت غرضا للتّهمة و عرضة لها، و لكنّ هذه الحادثة غير الطّبيعيّة-و هي وضع ولد من غير أب-صارت آية طهارتهما و قد استهما.و قد ساقها القرآن في سورة مريم-و هي مكّيّة-بأسلوب بديع لا تضاهيه الأناجيل،لاحظ«مريم»و انفردت هذه السّورة بكلمة«بغيّ»وصفا للمرأة مرّتين،فتنفي البغي عن مريم و أمّها،إذ نفت عنها ذلك بلسانها وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا، و عن أمّها بلسان قومها وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا.

ثالثا:نبّهت مريم بقولها: وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا أنّ هذا الولد إذ ولد بهذا الطّريق سوف يكون مظنّة البغاء و سببا لاتّهامي بين النّاس بما أنا بريئة منه،فأنا نقيّة الجيب، مبرّأة من العيب،و هو البغاء.

و كأنّ قولها لمّا أجاءها المخاض إلى جذع النّخلة:

يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا، كان منبعثا من الخوف من هذا الاتّهام،و كان كما توجّسته.و لكنّ اللّه نزّهها عنه أوّلا بما ناداها ابنها من تحتها،تسكينا لروعها و تخفيضا لجأشها،و ثانيا بقوله في جواب القوم: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ....

رابعا:قولهم لها: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فيه آفاق من عدم توقّع البغاء منها،بحسب شرف الأسرة و سمّوا النّسب،فهي أخت هارون،و قد كان أخاها لأبيها على قول،أو هو أخو موسى،و كان قدّيسا في بني إسرائيل،و نبيّا و وزيرا لموسى عليه السّلام،فهذا من قبيل إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ الشّعراء:161،و مثله كثير في القرآن،و ما كان أبوها امرأ سوء و ما كانت أمّها بغيّا،فهي بعيدة عن البغاء بمراحل و أشواط.

و دلّت هذه الآية على أنّ البغاء-و مثله سائر الرّذائل-يورث من الوالدين،و يكتسب من أعضاء الأسرة،كما تدلّ على أنّه لا بدّ للمسلم أن يحتفظ بحسن سمعته و سمعة والديه و أسرته،فلا يلوّث بالبغاء نفسه و إيّاهم.

خامسا:افتتح اللّه سورة مريم بقصّة زكريّا و يحيى ليمهّد أرضيّة مناسبة لولادة عيسى من غير أب،خلافا للعادة،فبيّن تعالى ولادة يحيى و قد بلغ أبوه زكريّا من الكبر عتيّا،و اشتعل رأسه شيبا،و كانت أمّه عاقرا.و لقد استبعد زكريّا ذلك لمّا بشّره اللّه بغلام يولد منهما؛حيث قال: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا مريم:8،فأجابه اللّه: قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً مريم:9.

ثمّ تلاها بقصّة مريم: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ مريم:16،و قد تشابهت القصّتان في كون ولادة يحيى لزكريّا و عيسى لمريم خلاف العادة الطّبيعيّة،فاستبعد ذلك كلّ من زكريّا و مريم،و قد أجابهما اللّه بسياق واحد: قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ مريم:21.

سادسا:و من أجل ذلك سمّيت السّورة-رغم بدئها بزكريّا و يحيى-بسورة مريم دونهما و هما نبيّان،لأنّ قصّتها هي الغاية و المحور في هذه السّورة.و هي فريدة في

ص: 355

القرآن بكونها باسمها من بين النّساء إزاء السّور الّتي سمّيت بأسماء الأنبياء،مثل:آل عمران و بني إسرائيل و إبراهيم و نوح و يونس و هود و يوسف و لقمان-على ما قيل بأنّه أصبح نبيّا في آخر حياته-و محمّد.و قد فضّلت على ابنها عيسى،فلم تسمّ السّورة باسمه،كما عبّر عنه باسم أمّه(عيسى ابن مريم).

على أنّ القرآن نبّه في آل عمران:(39)على أنّ زكريّا-و كان يكفل مريم،حيث رأى منها ما رأى من فضل اللّه عليها-تمنّى الولد: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ آل عمران:38،فقصّة زكريّا تالية لقصّة مريم نفسها في آل عمران،و مقدّمة لقصّتها مع ابنها عيسى في«مريم».

المحور الرّابع:(ينبغي)ستّ مرّات:

1- وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً مريم:92

2- قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ... الفرقان:18

3- وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ* وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ

الشّعراء:210-212

4- لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس:40

5- وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ يس:69

6- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ص:35

يلاحظ أوّلا:أنّ كلّ هذه الآيات مكّيّة،و لم يأت (ينبغى)في آية مدنيّة،فهل معنى ذلك أنّه كان شائعا في كلام أهل مكّة دون أهل المدينة؟أو أنّ مواردها تناسب مكّة،و هي ما يرتبط باللّه و صفاته(1)،أو بالنّبيّ و نبوّته (3)و(5)،أو بنظام الخلق(4)،أو بقصص الأنبياء(6)، و كلّها جاءت في المكّيّات؟

ثانيا:جاء(لا ينبغى)في الجميع في سياق النّفي،كما هو في اللّغة و في المخاطبات.و هي أقسام:

قسم يشعر بالاستحالة إمّا عقلا كما في(1)،لأنّ اللّه لا يجانس شيئا،فيستحيل الإيلاد منه بالولادة الحقيقيّة و بالتّبنّي،لأنّه يشعر بالحاجة،و يكون من جنس المتبنّى، و ليس للقديم جنس،قاله الزّمخشريّ و غيره.و كما في (3)،فإنّه يستحيل على الشّياطين أن ينزّلوا القرآن لا من عند أنفسهم،و لا منا قبل اللّه،و قد أشار القرآن إليهما وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ الشّعراء:211،212،فالأوّل تعليل للأوّل،و الثّاني تعليل للثّاني.

و إمّا وقوعا كما في(4)،لأنّ نظام الأفلاك يوجب تعاقب الشّمس و القمر،و تبعيّة القمر للشّمس حركة وضوء،و عدم اجتماع ضوئهما،لاحظ النّصوص.

و قسم يشعر بالتّكليف العقليّ كما في(2)،فإنّ اتّخاذ الأولياء من غير اللّه محرّم عقلا،أو التّكليف السّمعيّ كما في(5)،فإنّ النّبيّ كان ممنوعا من إنشاء الشّعر،لئلاّ يتوهّم النّاس أنّه شاعر و أنّ القرآن شعر.

و قسم ثالث حكاية تمنّي النّبيّ سليمان(6).

ثالثا:في هذه الآيات تعليل للحكم فيه،فذكر (الرّحمن)في(1)تعليل للحكم بالوصف،مثل:

ص: 356

اَلرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ، أي أنّ الرّحمن الواسع الرّحمة بما لا يتناهى،و الفيّاض المطلق لا يقاس بالبشر،فإنّه لم يلد و لم يولد،و لم يكن له كفوا أحد.

و ذكر(سبحانك)في(2)تعليل لطيف لعدم اتّخاذ غير اللّه أولياء.

و ذكر وَ ما يَسْتَطِيعُونَ* إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ في(3)-كما تقدّم-تعليل لعدم تنزيل الشّياطين القرآن.

و ذكر وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ في(4)تعليل لعدم إدراك الشّمس القمر،و عدم سبق اللّيل النّهار.و فيها إشارة إلى حركة الشّمسين بنظام،و كذلك تعاقب اللّيل و النّهار،و أنّهما تابعان و ناشئان من حركة الشّمس و القمر حسب الفصول الأربعة.

و في وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ إشارة إلى موالاة اللّيل لنهار قبله لا بعده كما هو المرتكز في أذهان النّاس و فيه لفّ غير مرتّب حيث قدّم اللّيل على النّهار و فيما قبله قدّمت الشّمس على القمر و القمر آية اللّيل، و الشّمس آية النّهار.

و ذكر إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ في(5)تعليل لعدم جواز إنشاء الشّعر للنّبيّ،لأنّه سبيل الرّيب في القرآن.

و ذكر رَبِّ اغْفِرْ لِي صدرا،و إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ذيلا في(6)،اعتذار من سليمان و تعليل له بتمنّيه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.و المناسبة بين وَ هَبْ لِي و إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ظاهرة.

رابعا:اختلفوا في معنى قول إخوة يوسف لأبيهم-لمّا وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم: يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا يوسف:65-على وجوه،و قد جمعها أبو السّعود بما حاصله:أنّ البغي إمّا بمعنى الطّلب،أو بمعنى التّجاوز.

و إذا كان بمعنى الطّلب ف(ما)إمّا استفهاميّة،أي ما ذا نبتغي وراء هذا من إحسان الملك،فإنّه أوفى لنا الكيل، و ردّ علينا بضاعتنا الّتي كانت ثمنا له؟أو أيّ مطلب نطلب من مهمّاتنا؟أو أيّ شيء تبغي شاهدا على صدقنا فيما وصفناه لك؟أو ما نطلب في منع أخينا عنه؟قاله الطّبرسيّ.أو أيّ شيء نطلب بالكلام؟فهذا هو العيان، أوفى لنا الكيل و ردّ علينا الثّمن،قاله البغويّ.

و إمّا نافية،أي لا نبغي و لا تتجاوز في القول إلى غير ما رأينا من إحسان الملك.أو ما نطلب منك بضاعة أخرى،و نحوهما.

و أمّا إذا كان بمعنى التّجاوز ف(ما)نافية فقط،أي ما نبغي و لا نتجاوز في القول،و ما نبالغ فيما وصفنا لك من إحسان الملك إلينا.و هذه وجوه لا بأس بها،و لكلّ منها وجه،إلاّ أنّ المتأمّل فيما قبلها ربّما يرجّح أحدها.

فنقول:إنّ يوسف أوفى لهم الكيل،و قال لهم:

اِئْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ يوسف:59،و أنذرهم بأنّهم إن لم يأتوا به فلا كيل لهم عنده،و ردّ بضاعتهم إليهم زيادة في الإحسان و تذكرة لما طلب منهم من إتيانهم بأخيهم إلى الملك.و قد أخبروا أباهم لمّا رجعوا إليه بهذا الإنذار أنّهم لو لم يأتوا بأخيهم إليه لمنعوا من الكيل،و هذا وفاء بما وعدوا أعوان الملك سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَ إِنّا لَفاعِلُونَ يوسف:61.

ص: 357

ثمّ لمّا وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم أكّدوا الأمر لأبيهم بإرسال أخيهم بأنّهم سوف يميرون أهلهم، و يحفظون أخاهم و يزدادون كيل بعير،أي وفاؤهم بوعدهم الملك في الإتيان بأخيهم إليه،سوف يستميح المزيد من إحسان الملك و يجوز رضاه.هذا خلاصة ما جرى بينهم و بين الملك،و ما أخبروا به أباهم تطييبا لنفسه،و جلبا لعواطفه لإرسال ابنه معهم.

و المناسب لهذا الجوّ أنّهم أرادوا بقولهم:(لا نبغى) أنّهم لم يتجاوزوا الحدّ فيما وصفوا به الملك،و ما وعدهم من مزيد الإحسان إليهم لو أتوه بأخيهم،فإنّه قد ردّ بضاعتهم إليهم مع ما له من إيفاء الكيل من قبل،فكأنّهم أرادوا إقامة شاهد آخر على حسن ظنّهم بالملك،و أنّه سوف يفي بما وعد،و بذلك نمير أهلنا،و نحفظ أخانا، و نزداد كيل بعير إضافة إلى ذلك الكيل القليل الّذي أقرّه الملك.فهذا السّياق يقوّي الوجه الثّاني،أي التّجاوز، و اللّه أعلم.

ص: 358

ب ق ر

اشارة

3 ألفاظ،9 مرّات:4 مكّيّة،5 مدنيّة

في 3 سور:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

البقر 3:2-1 بقرات 2:2

بقرة 4:-4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البقر:جماعة البقرة،و البقير و الباقر، كقولك:الحمير و الضّئين و الجامل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الباقر:جمع البقر مع راعيها،كذلك الجامل،جمع الجمل مع راعيها.

و البقر:شقّ البطن.[ثمّ استشهد بشعر]

و البقيرة:شبه قميص تلبسه نساء الهند،ضيّق إلى السّرّة.

و التّبقّر:التّفتّح و التّوسّع،من:بقرت البطن.و نهي عن التّبقّر في المال.

و المتبقّر:اللاّعب بالبقّيرى،و هي لعبة يلعب بها.

و بقروا حولهم،أي حفروا،و يقال:كم بقرتم لغسيلكم،أي كم حفرتم.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:158)

اللّيث: البقّار:تراب يجمعونه بأيديهم،ثمّ يجعلونه قمزا قمزا.و القمز كأنّها صوامع،و هي البقّيرى.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:136)

الضّبّيّ: البقرة:المرأة.(ابن فارس 1:279)

أبو عمرو الشّيبانيّ: بقر الرّجل يبقر بقرا و بقرا، و هو أن يحسر،فلا يكاد يبصر.(الأزهريّ 9:136)

البيقرة:كثرة المال و المتاع.(الأزهريّ 9:137)

ثعلب :يقال:خرق الرّجل،و بعل و بحر،و بقر،إذا نزل به أمر فبقي متحيّرا.(الخطّابيّ 1:265)

قطرب: جمع البقرة:باقر و باقور و بقر.

(القرطبيّ 1:451)

أبو عبيدة :بيقر الرّجل في العدو،إذا اعتمد فيه.

و بيقر الدّار،إذ نزلها و اتّخذها منزلا.

ص: 359

و بيقر في ماله،إذا أفسده.(الأزهريّ 9:137)

يقال للذّكر أيضا:بقرة،كما يقال للدّيك:دجاجة.

(ابن فارس 1:278)

الأصمعيّ: روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«نهى عن التّبقّر في الأهل و المال،يريد الكثرة و السّعة.

و أصل التّبقّر:التّوسّع و التّفتّح،و منه قيل:بقرت بطنه،إنّما هو شققته و فتحته.(الأزهريّ 9:136)

البقيرة:أن يؤخذ برد فيشقّ،ثمّ تلقيه المرأة في عنقها من غير كمّين و لا جيب.(الأزهريّ 9:136)

رأيت فلان (1)بقرا و بقيرا و باقورة و باقرا و بواقر، كلّه جمع البقر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:

137)

بيقر الرّجل،إذا هاجر من أرض إلى أرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بيقر،إذا أعيا.(الأزهريّ 9:137)

مثله ابن السّكّيت.(487)

بيقر الفرس،إذا خام بيده،كما يصفن برجله.

(الأزهريّ 9:138)

بقّر القوم ما حولهم،أي حفروا و اتّخذوا الرّكايا.

و بقّر الصّبيان يبقّرون،إذا لعبوا البقّيرى.

(الأزهريّ 9:136)

يقال:رأيت لبني فلان بقرا و بقيرا و باقرا و باقورة، و أبقور مثل أمعوز.[ثمّ استشهد بشعر]

و البقير:لا واحد له،و هو جمع،مثل الضّئين و الشّويّ.

و يقال:بقر الرّجل،إذا نظر إلى بقر كثير مفاجأة، فذهب عقله.(ابن فارس 1:278)

تبقّر فلان في ماله،أي أفسده.و إليه يذهب في حديثه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى عن التّبقّر في الأهل و المال».

يقال:ناقة بقير:للّتي يبقر بطنها عن ولدها.و فتنة باقرة كداء البطن.(ابن فارس 1:279)

الباقر:جمع باقرة،يجمع بقر على باقورة.

(القرطبيّ 1:451)

البقّار:موضع،و البقّار:صاحب البقر،و البقّار:

الّذي يبقر بطن النّاقة و غيرها،أي يشقّه«فعّال»من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 3:499)

ذو بقر:مكان،و ذو بقر:ترس معمول من جلود البقر.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 3:499)

أبو عبيد: في حديث أبي موسى،حين أقبلت الفتنة بعد مقتل عثمان،فقال:«إنّ هذه الفتنة باقرة كداء البطن، لا يدرى أنّى يؤتى له».

إنّما أراد أنّها مفسدة للدّين مفرّقة بين النّاس، و مشتّتة أمورهم.(1:236)

ابن الأعرابيّ: بيقر،إذا تحيّر.و بيقر:خرج من بلد إلى بلد.و بيقر،إذا شكّ.و بيقر،إذا حرص على جمع المال و الحشم.و منه التّبقّر-الّذي جاء في الخبر-و هو الحرص على جمع المال و منعه.و بيقر،إذا مات.

البيقرة:الفساد.

و بيقر الرّجل في ماله،إذا أسرع فيه.

(الأزهريّ 9:137)ّ.

ص: 360


1- كذا،و الظّاهر لفلان،أو لبني فلان،كما حكاه ابن فارس عن الأصمعيّ.

بيقر:ساق نفسه.(ابن فارس 1:280)

في حديث له[النّبيّ]:فجاءت المرأة فإذا البيت مبقور،أي منتثر عتبته و عكمه الّذي فيه طعامه،و كلّ ما فيه.(ابن منظور 4:74)

بعل و بقر و بحر،بمعنى واحد.(الخطّابيّ 3:37)

و قيل:بيقر،إذا أتى العراق.و بيقر:أعيا.و بيقر،إذا كثر عياله،و عجز عن النّفقة عليهم.و بيقر في معنى:

هتك أيضا.و بيقر:خرج إلى موضع لا يدرى أين هو.

و عليه بقرة من العيال،إذا كثروا عليه.و منه الحديث:«نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن التّبقّر في الأهل و المال».

كأنّه كره جمع ذلك مخافة أن لا تؤدّى من المال حقوقه،و أن لا يقوم بحقوق أهله إذا كثروا.(487)

و ناقة بقير،إذا شقّ بطنها عن ولدها.

(إصلاح المنطق:343)

أبو حاتم: للمهر إذا خرج من بطن أمّه و هو في السّلى و الماسكة،فيقع بالأرض جسده:هو بقير،و ضدّه السّليل.(ابن فارس 1:279)

شمر: في حديث ابن عبّاس،في شأن الهدهد:

«فبقر الأرض»معنى بقر:نظر موضع الماء،فرأى الماء تحت الأرض.(الهرويّ 1:194)

أصل البيقرة:الفساد.(الصّغانيّ 2:424)

المبرّد: و قوله:«أضاء سراج دونه بقر»يعني نساء،و العرب تكنّي عن المرأة بالبقرة و النّعجة.قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً ص:23.

(1:166)

يقال:بقرة،للذّكر و الأنثى،و دجاجة لهما.فإذا قلت:ثور أو ديك بيّنت الذّكر،و استغنيت عن تقديم التّذكير.(2:99)

ابن دريد :البقر:معروفة،من الأهليّ و الوحشيّ.

و جمع البقر:باقر،و بقير،و بيقور.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

بقر الرّجل،إذا فزع فلم يبرح.و بقرت البطن أبقره بقرا،إذا شققته،فهو بقير و مبقور.

و البقيرة:خرقة يجعل لها جيب،يلبسها الصّبيان، فكأنّها قد بقرت،أي شقّت.

و تبقّر الرّجل في المال،إذا اتّسع فيه،مثل تبحّر.

و لعب الصّبيان البقّيرى،و هي لعبة يبقّرون الأرض و يجعلون فيها خبيئا،و هو التّبقير،و لاعبها المبقّر.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيقر:موضع،الياء فيه زائدة،و هو مأخوذ من البقر،أي الشّقّ.

و البيقران:نبت،ذكره أبو مالك،لا أدري ما صحّته.

و ذكر بعض أهل اللّغة أنّه كان يقال فيما مضى:بيقر الرّجل،إذا خرج من الشّام إلى العراق.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيقر الرّجل،إذا عدا منكّسا رأسه خاضعا.[ثمّ استشهد بشعر](1:270)

البيقر:عدو يطأطئ الرّجل فيه رأسه.(3:323)

و بيقور:موضع،و تسمّى جماعة البقر:بيقورا و باقورا.(3:388)

و مبيقر:يلعب البقّيرى،و هي لعبة لهم.

و يقال:بيقر فلان،إذا خرج من الشّام إلى

ص: 361

العراق.(3:448)

يقال:جاء فلان بالصّقّارى و البقّارى.و جاء بالصّقر و البقر،إذا جاء بالكذب.(3:452)

المبقر و المسرد،واحد.(3:480)

يقال:خرق بالشّيء،و بعل به،و ذهب به،و بقر به، و ذئب به؛كلّه واحد،إذا تحيّر.(2:331)

الأزهريّ: قال أبو عدنان عن أبي نباته:المبقّر:

الّذي يخطّ في الأرض دائرة قدر حافر الفرس،و تدعى تلك الدّائرة البقرة.[إلى أن قال:]

و كان يقال لمحمّد بن عليّ بن الحسين:الباقر،لأنّه بقر العلم،و عرف أصله،و استنبط فرعه.

و أصل البقر:الشّقّ و الفتح،أظنّه مأخوذا من:بقر الهدهد لسليمان من تحت الأرض.و يقال له:الباقر، و القناقن،و العرّاف.[و بعد نقل قول أبي عمرو قال:]

قوله:«بقرا»بسكون القاف.و قال:القياس بقرا على«فعلا»،لأنّه لازم غير واقع.

و يقال:جاء فلان يجرّ بقرة،أي عيالا.(9:135)

الصّاحب:البقر:جماع البقرة،و البقير و الباقر، و كذلك البقّار،و جمعه:بواقر.

و بقر الرّجل،إذا رأى بقر الوحش.

و كلب بقر:و هو الّذي يتحيّر إذا رأى البقر.

و البقر:شقّ البطن،من قولهم:ابقرها عن جنينها.

و الباقورة و الأبقور:البقر.

و بقّروا ما حولهم،أي حفروا،و يقولون:كم بقّرتم لفسيلكم (1)؟

و البقر:أن تمتلئ العين من الماء،و تبقى ناظرة إلى صاحبتها،بقرت تبقر بقرا.

و بيقر الرّجل في ماله،أي أفسده.و بيقر في العدو:

اعتمد فيه.و بيقر الدّار:نزلها.و بيقر الرّجل:هلك.

و كذلك إذا هاجر من أرض إلى أرض،و إذا أقام.و كذلك إذا أعيا،و إذا أسرع في مشيه.

و يوم بيقر:شديد.

و الأبيقر:الّذي لا خير فيه و لا شرّ.

و البيقر:الحائك.

و الباقر:عرق في المآقي.

و جاءنا بالصّقّارى و البقّارى،أي بالكذب، و حدّثتك الصّقر و البقر.

و البقر:أن يقول الرّجل في الرّجل كلاما يحيك،أي يؤثّر فيه.

و يقال للرّجل الباحث عن الأمر:باقر.

و فتنة باقرة كداء البطن،يعني الماء الأصفر.

و غنم مبقورة،أي مسلّخة.

و على فلان بقرة من عيال،أي جماعة.و إنّه لفي بقرة من النّاس،أي في ناس كثير من الفتيان.

و التّبقّر:اتّخاذ العيال،و هو أيضا التّوسّع و التّفتّح، و نهي عن التّبقّر في المال.

و المبقرة:الطّريق.

و البيقران:نبت.

و البقّار:الحدّاد.

و عصا بقّاريّة:لبعض العصيّ،و لا يدرى إلى ما نسبت.م.

ص: 362


1- لقد ورد عند الخليل و غيره:لغسيلكم.

و بقير الجزور:ولدها الّذي بقرت عنه.

و هو يجرّ بقرة من عيال،أي يسوق عيالا كثيرا.

و البقّار:موضع نسبت إليه جنّة البقّار.(5:411)

الجوهريّ: البقر:اسم جنس،و البقرة:تقع على الذّكر و الأنثى،و إنّما دخلته الهاء على أنّه واحد من جنس،و الجمع:البقرات.

و الباقر:جماعة البقر مع رعاتها.

و البيقور:البقر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أهل اليمن يسمّون البقرة باقورة.و كتب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، في كتاب«الصّدقة»لأهل اليمن:«في كلّ ثلاثين باقورة بقرة».

و البقّار:اسم واد.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقرت الشّيء بقرا:فتحته و وسّعته،و منه قولهم:

ابقرها عن جنينها،أي شقّ بطنها عن ولدها.

و التّبقّر:التّوسع في العلم و المال.

و يقال:فتنة باقرة كداء البطن،و هو الماء الأصفر.

و البقير و البقيرة:الإتب،و هو قميص لا كمّي له، تلبسه النّساء.

و ناقة بقير،إذا شقّ بطنها عن ولدها.

و البقير أيضا:جماعة البقر.

و البقّيرى مثال السّمّيهى:لعبة للصّبيان،و هي كومة من تراب،و حولها خطوط.و قد بقّروا،أي لعبوا ذلك.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بقر الرّجل بالكسر يبقر بقرا،أي حسر و أعيا، و بيقر مثله.

و يقال:بقر الكلب و بيقر،إذا رأى البقر فتحيّر.كما يقال:غزل،إذ رأى الغزال فلهي.

و بيقر الرّجل:أقام بالحضر،و ترك قومه بالبادية.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البيقرة:إسراع يطأطئ الرّجل فيه رأسه.[ثمّ استشهد بشعر](2:594)

ابن فارس: الباء و القاف و الرّاء أصلان-و ربّما جمع ناس بينهما و زعموا أنّه أصل واحد-و ذلك البقر.

و الأصل الثّاني:التّوسّع في الشّيء،و فتح الشّيء.

و يقال:بقر الرّجل،إذا نظر إلى بقر كثير مفاجأة، فذهب عقله.

و ممّا حمل على هذا الباب قولهم في العيال:البقرة.

يقال:جاء فلان يسوق بقرة،أي عيالا كثيرا.

و قال يونس:البقرة:المرأة.

و أمّا الأصل الثّاني:فالتّبقّر:التّوسّع و التّفتّح،من بقرت البطن.

و المهر البقير:الّذي تموت أمّه قبل النّتاج،فيبقر بطنها فيستخرج.

و من هذا الباب قولهم:بقّروا ما حولهم،أي حفروا، يقال:كم بقّرتم لغسيلكم؟

و البقّيرى:لعبة لهم،يدقدقون دارات مثل مواقع الحوافر.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا الأصل الثّاني.

و من جمع بينهما ذهب إلى أنّ«البقر»سمّيت،لأنّها تبقر الأرض،و ليس ذلك بشيء.

و ممّا شذّ عن الباب قولهم:بيقر،إذا هاجر من أرض إلى أرض.و يقال:بيقر،إذا تعرّض للهلكة.[ثمّ

ص: 363

استشهد بشعر]

و يقال:بيقر،أي أتى أرض العراق.و يقال أيضا:

بيقر،إذا عدا منكّسا رأسه ضعفا.[ثمّ استشهد بشعر]

و إلى بعض ما مضى يرجع البقّار،و هو موضع.

و بقر:اسم كثيب.[ثمّ استشهد بشعر](1:277)

الثّعالبيّ: فإذا انقطع[البعير]من الإعياء،قيل:

بقر و بلح.(234)

ابن سيدة :البقرة:من الأهليّ و الوحشيّ تكون للمذكّر و المؤنّث،و الجمع:بقر،و جمع البقر:أبقر،كزمن و أزمن.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا باقر،و بقير،و بيقور،و باقور،و باقورة:فأسماء الجمع.

و رجل بقّار:صاحب بقر.

و عيون البقر:ضرب من العنب.

و بقر:رأى بقر الوحش فذهب عقله،فرحا بهنّ.

و بقر بقرا و بقرا،و هو أن يحسر فلا يكاد يبصر.

و بقر الشّيء يبقره بقرا،فهو مبقور و بقير:شقّه.

و ناقة بقير:يبقر بطنها عن ولدها،أي يشقّ.و قد تبقّر،و ابتقر،و انبقر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البقير:برد يشقّ فيلبس بلا كمّين و لا جيب، و قيل:هو الإتب.

و البقير:المهر يولد في ماسكة أو سلى،لأنّه يشقّ عنه.

و البقر:العيال.

و عليه بقرة من عيال و مال،أي جماعة.

و تبقّر فيها،و تبيقر:توسّع.

و بيقر الرّجل:هاجر.

و بيقر:خرج إلى حيث لا يدري.و بيقر:نزل الحضر و أقام هنالك.

خصّ بعضهم به العرق.

و بيقر:أعيا.و بيقر:هلك.و بيقر:مشى مشية المنكّس.[ثمّ استشهد بشعر]

البقّيرى:لعبة للصّبيان،و هي كومة من تراب و حولها خطوط.

و بقّر الصّبيان:لعبوا البقّيرى،يأتون إلى موضع قد خبئ لهم فيه شيء،فيضربون بأيديهم بلا حفر،يطلبونه.

و البقّار:تراب يجمع قمزا قمزا،و يلعب به، جعلوه اسما كالقذاف.

و البقّار:موضع.

و البيقران:نبت،قال ابن دريد:و لا أدري ما صحّته.

و بيقور:موضع.و ذو بقر:موضع.

و جاء بالشّقارى،و البقّارى،أي الدّاهية.

(6:395)

البقر:بقر الرّجل يبقر بقرا و بقرا:فزع فلم يبرح.

(الإفصاح 1:170)

البقر:بقر الشّيء يبقره بقرا:شقّه و وسّع شقّه.و بقر البطن يبقر بقرا.و انبقر:انشقّ،و تبقّر:تشقّق.

و البقير:الحامل يشقّ بطنها عن ولدها.

(الإفصاح 1:538)

البقر:معروف،و هو اسم جنس يشمل البقر و الجاموس.

ص: 364

و البقرة:تطلق على الذّكر و الأنثى،و التّاء فيها للواحدة،و الجمع:بقرات،و بقر،و بقّار،و أبقور، و بواقر.

و البقّار:صاحبه.(الإفصاح 2:796)

عيون البقر:جنس من العنب،أسود ليس بالحالك، عظام الحبّ مدحرج،يزبب،و ليس بصادق الحلاوة.

(الإفصاح 2:1129)

الماورديّ: و البقرة:اسم للأنثى،و الثّور للذّكر، مثل ناقة و جمل،و امرأة و رجل،فيكون تأنيثه بغير لفظه.

اسم البقرة مأخوذ من«الشّقّ»من قولهم:بقر بطنه، إذا شقّه،لأنّها تشقّ الأرض في الحرث.(1:137)

مثله الطّوسيّ.(1:294)

الطّوسيّ: أهل الحجاز يؤنّثون«البقر»فيقولون:

هذه بقر،و كذلك النّخل.

و كلّ جمع كان واحده بالهاء و جمعه بطرح الهاء، فإنّهم يؤنّثون ذلك.و ربّما ذكّروا ذلك،قال اللّه تعالى:

كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقّة:7،بالتّأنيث.و في موضع آخر: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ القمر:20، و الأغلب عليهم التّأنيث.

و أهل نجد يذكّرون،و ربّما أنّثوا.و التّذكير الغالب.

و البقر،و الباقر،و الجامل،و الجمال،بمعنى واحد.

(1:298)

الرّاغب: البقر،واحدته:بقرة،قال اللّه تعالى: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:70،و قال: بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ البقرة:68، بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها البقرة:69.

و يقال في جمعه:باقر،كحامل،و بقير،كحكيم.

و قيل:بيقور.و قيل للذّكر:ثور،و ذلك نحو جمل و ناقة، و رجل و امرأة.

و اشتقّ من لفظه لفظ لفعله،فقيل:بقر الأرض،أي شقّ.و لمّا كان شقّه واسعا استعمل في كلّ شقّ واسع، يقال:بقرت بطنه،إذا شققته شقّا واسعا.

و سمّي محمّد بن عليّ رضي اللّه عنه:باقرا،لتوسّعه في دقائق العلوم،و بقره بواطنها.

و بيقر الرّجل في المال و في غيره:اتّسع فيه.و بيقر في سفره،إذا شقّ أرضا إلى أرض متوسّعا في سيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقّر الصّبيان،إذا لعبوا البقّيرى،و ذلك إذا بقّروا حولهم حفائر.

و البيقران:نبت.قيل:إنّه يشقّ الأرض لخروجه، و يشقّه بعروقه.(56)

الزّمخشريّ: نهي عن التّبقّر في الأهل و المال.

التّبقّر«تفعّل»من:بقر بطنه،إذا شقّه و فتحه،فوضع موضع التّفرّق و التّبدّد.

و المعنى النّهي عن أن يكون في أهل الرّجل و ماله تفرّق في بلاد شتّى،فيؤدّي ذلك إلى توزّع قلبه.

و هذا التّفسير معنى قول ابن مسعود رضي اللّه عنه فكيف بمال براذان و مال بكذا.(الفائق 1:123)

بقر بطنه،و تبقّر في العلم و المال:توسّع،و هو باقر و باقرة:بقر عن العلوم و فتّش عنها.و تبقّر بالكلام:

تفتّق به.و فتنة باقرة.

ص: 365

و من المجاز:جاء فلان يجرّ بقرة.و على فلان بقرة من عيال،و كرش من عيال.

و فلان في بقرة من النّاس،و المراد الكثرة و الاجتماع، كما يقال:لفلان قنطار من ذهب،و هو ملء مسك البقرة.

لمّا استكثروا ما يسع جلد البقرة ضربوها مثلا في الكثرة.

(أساس البلاغة:27)

الطّبرسيّ: البقرة:اسم للمؤنّث من هذا الجنس، و اسم الذّكر منه:الثّور.و هذا يخالف صيغة المذكّر منه صيغة الأنثى،كالجمل و النّاقة،و الرّجل و المرأة،و الجدي و العناق.

و أصل البقر:الشّقّ،يقال:بقرت بطنه،أي شققته.

و سمّي البقر بقرا،لأنّ من شأنه شقّ الأرض بالكراب.

(1:131)

المدينيّ: في الحديث:«فأمر ببقرة من نحاس فأحميت».

الّذي يقع لي في معناه أنّه لا يريد به شيئا مصوغا على صورة البقرة،و لكنّه لعلّه كانت قدرا كبيرة واسعة، فسمّيت بها؛مأخوذا من«التّبقّر»و هو التّوسّع.أو كان شيئا يسع بقرة تامّة بتوابلها،فسمّيت بذلك.

(1:179)

ابن الأثير: في حديث أبي موسى:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«سيأتي على النّاس فتنة باقرة،تدع الحليم حيران»أي واسعة عظيمة.

و في حديث حذيفة:«فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا»أي يفتحونها و يوسّعونها.

و منه حديث الإفك:«فبقرت لها الحديث»أي فتحته و كشفته.

و حديث أمّ سليم:«إن دنا منّي أحد من المشركين بقرت بطنه».

و في حديث هدهد سليمان عليه السّلام:«فبقر الأرض»أي نظر موضع الماء،فرآه تحت الأرض.[ثمّ ذكر قول المدينيّ و قال:]

و في كتاب«الصّدقة»لأهل اليمن:«في ثلاثين باقورة بقرة»الباقورة بلغة اليمن:البقر،هكذا قال الجوهريّ رحمه اللّه،فيكون قد جعل المميّز جمعا.(1:144)

الصّغانيّ: البقرة:دارة قدر،حافر الفرس.

و الباقر:الأسد.[ثمّ استشهد بشعر]

و البقّار:لعبة.

و بقر فلان في بني فلان،إذا علم أمرهم.

و جاء فلان يجرّ بقرة،أي عيالا

و عين البقر:عين بعكّاء.

و عيون البقر:نوع من العنب،أسود كبار الحبّ، مدحرج،ليس بصادق الحلاوة.

و بيقر الرّجل،إذا حرص على جمع المال و منعه.

و بيقر،إذا مات.

و قال شمر:أصل البيقرة:الفساد.

و البيقرة:كثرة المتاع و المال.

و بيقر الدّار،إذا نزلها.و بيقر الفرس،إذا خام بيده، كما يصفن برجله.خام بيده،إذا قلبها و وقاها الأرض.

و بيقر:موضع.[ثمّ ذكر قول ابن دريد]

البقّار:الحدّاد.

و عصا بقّاريّة:لبعض العصيّ.

ص: 366

و المبقرة:الطّريق.

و البيقر:الحائك.

و الأبيقر:الّذي لا خير فيه،و لا شرّ.

و الباقر:عرق في المآقي.

و حدّثتك الصّقر و البقر،أي الكذب،و كذلك الصّقّارى و البقّارى.

و بقر:موضع قرب خفّان.و قرون بقر:في ديار بني عامر.(2:424)

القرطبيّ: البقرة:اسم للأنثى،و الثّور:اسم للذّكر،مثل ناقة و جمل،و امرأة و رجل.و قيل:البقرة:

واحد البقر،الأنثى و الذّكر سواء.

و أصله من قولك:بقر بطنه،أي شقّه،فالبقرة تشقّ الأرض بالحرث،و تثيره.

و منه«الباقر»لأبي جعفر محمّد بن عليّ زين العابدين،لأنّه بقر العلم،و عرف أصله،أي شقّه.

و البقيرة:ثوب يشقّ،فتلقيه المرأة في عنقها،من غير كمّين.(1:445)

الفيّوميّ: [قال نحو الجوهريّ و أضاف:]

و بقرت الشّيء بقرا،من باب قتل:شققته،و بقرته:

فتحته،و هو باقر علم.

و تبقّر في العلم و المال:مثل توسّع،وزنا و معنى.

(1:57)

الدّميريّ: البقر الأهليّ:اسم جنس،يقع على الذّكر و الأنثى.و إنّما دخلته الهاء للوحدة،و الجمع:

بقرات،قال اللّه تعالى: سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يوسف:

43.

قال المبرّد: إذا أردت التّمييز قلت:هذا بقرة للذّكر و هذه بقرة للأنثى.كما تقول:هذا بطّة للذّكر و هذه بطّة للأنثى.

و البقير و البقران و الباقر:جماعة البقر مع رعاتها.

و البيقور:الجماعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أهل اليمن يسمّون البقرة باقورة.كتب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم كتاب«الصّدقة»:«في كلّ ثلاثين باقورة بقرة».

و اشتقّ هذا الاسم من«بقر»إذا شقّ،لأنّها تشقّ الأرض بالحراثة.

و في الحديث:«أنّه عليه الصّلاة و السّلام ذكر فتنة كوجوه البقر»أي يشبه بعضها بعضا،ذهبوا إلى قوله تعالى: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:70.[ثمّ ذكر روايات أخر]

و البقر:حيوان شديد القوّة،كثير المنفعة،خلقه اللّه ذلولا.و لم يخلق له سلاحا شديدا كما للسّباع،لأنّه في رعاية الإنسان.فالإنسان يدفع عنه ضرر عدوّه،فلو كان له سلاح لصعب على الإنسان ضبطه.و البقر الأجمّ يعلم أنّ سلاحه في رأسه،فيستعمله في محلّ القرن،كما يرى في العجاجيل.قيل:نبات قرونها تنطح برءوسها تفعل ذلك طبعا.

و هي أجناس،فمنها:الجواميس،و هي أكثرها ألبانا،و أعظمها أجساما.

قال الجاحظ:الجواميس ضأن البقر،و هذا يقتضي أنّها أطيب و أفضل من العراب،حتّى أنّها تكون مقدّمة عليها في الأضحية،كما يقدّم الضّأن فيها على المعز.

و قال الزّمخشريّ: في«ربيع الأبرار»:أشراف

ص: 367

السّباع ثلاثة:الأسد،و النّمر،و الببر.و أشراف البهائم ثلاثة:الفيل،و الكركدن،و الجاموس.

و منها:العراب،و هي جرد ملس الألوان.

و منها:نوع آخر يقال له:الدّربانة،بدال مهملة ثمّ راء ثمّ باء موحّدة ثمّ نون،و هي الّتي تنقل عليها الأحمال،و ربّما كانت لها أسنمة.

و البقر ينزو ذكورها على إناثها إذا تمّ لها سنة من عمرها في الغالب،و هي كثيرة المنيّ.و كلّ الحيوان إناثه أرقّ صوتا من ذكوره إلاّ البقر،فإنّ الأنثى أفخم و أجهر.

و هي تقلق إذا ضربها الذّكر،و تلتوي تحته لا سيّما إذا أخطأ المجرى،لصلابة ذكره.و هي إذا اشتاقت للذّكر نفرت و أتعبت الرّعاة.

و بأرض مصر بقر يقال لها:بقر الخيس،طوال الرّقاب،قرونها كالأهلّة،و هي كثيرة اللّبن.

و قال المسعوديّ: رأيت بالرّي بقرا تبرك كما تبرك الإبل،و تثور بحملها كما تثور،و ليس لجنس البقر ثنايا عليا،فهي تقطع الحشيش بالسّفلى.[إلى أن قال:]

البقر الوحشيّ،هذا النّوع أربعة أصناف:المها، و الأيّل،و اليحمور،و الثّيتل،و كلّها تشرب الماء في الصّيف إذا وجدته،و إذا عدمته صبرت عنه،و قنعت باستنشاق الرّيح.و في هذا الوصف يشاركها الذّئب و الثّعلب و ابن آوى و الحمر الوحشيّة و الغزلان و الأرانب.

فأمّا«الأيّل»فتقدّم ذكره (1)،و«اليحمور»سيأتي إن شاء اللّه تعالى في باب«الياء»آخر الحروف.

و الكلام الآن في«المها»،فمن طبعه الشّبق و الشّهوة.

فلذلك إذا حملت الأنثى هربت من الذّكر،خوفا من عبثه بها و هي حامل.و لفرط شهوته يركب الذّكر ذكرا آخر.

و إذا ركب واحد منها شمّ الباقي منه رائحة الماء،فيثبن عليه.

و قرون البقر الوحشيّ مصمّتة بخلاف قرون سائر الحيوانات،فإنّها مجوّفة.و البقر الوحشيّ أشبه شيء بالمعز الأهليّة،و قرونها صلاب جدّا،تمنع بها عن نفسها و أولادها كلاب الصّيد و السّباع الّتي تطيف بها.

(1:208)

نحوه الطّريحيّ.(3:227)

الفيروزآباديّ: البقرة:للمذكّر و المؤنّث معروف، جمعه:بقر،و بقرات،و بقر بضمّتين،و بقّار،و أبقور، و بواقر.

و أمّا باقر و بقير و بيقور و باقور و باقورة،فأسماء للجمع.

و البقّار:صاحبه،و واد،و موضع برمل عالج كثير الجنّ،و لعبة،و الحدّاد.

و قنّة البقّار:واد آخر لبني أسد.

و عصا بقّاريّة:شديدة.

و بقر الكلب كفرح:رأى البقر فتحيّر فرحا.

و الرّجل بقرا و بقرا:حسر،فلا يكاد يبصر،و أعيا.

و بقره كمنعه:شقّه و وسّعه.و الهدهد الأرض:نظر موضع الماء فرآه.و في بني فلان:عرف أمرهم، و فتّشهم.

و البقير:المشقوق كالمبقور.و برد يشقّ فيلبس0)

ص: 368


1- راجع حياة الحيوان الكبرى.(150)

بلا كمّين كالبقيرة.و المهر يولد في ماسكة أو سلى.

و تبيقر:توسّع كتبقّر.

و بيقر:هلك،و فسد،و مشى كالمتكبّر،و أعيا، و شكّ في الشّيء،و مات،و الدّار:نزلها،و نزل إلى الحضر،و أقام،و ترك قومه بالبادية،و خرج إلى حيث لا يدرى،و أسرع مطأطئا رأسه،و حرص بجمع المال و منعه،و الفرس:خام بيده،و خرج من الشّام إلى العراق،و هاجر من أرض إلى أرض.

و البقّيرى كسمّيهى:لعبة.

و بقّر تبقيرا:لعبها.

و البيقران:نبت.

و البقّارى بالضّمّ و الشّدّ و فتح الرّاء:الكذب و الدّاهية،كالبقر كصرد.

و البيقر:الحائك.

و الأبيقر:الّذي لا خير فيه.

و المبقرة:الطّريق.

و عين البقر:بعكّا.

و عيون البقر:ضرب من العنب،أسود كبير مدحرج،غير صادق الحلاة،و بفلسطين يطلق على ضرب من الإجّاص.

و البقرة:طائر يكون أبرق أو أطحل أو أبيض، جمعه:بقر و بقر.

و فتنة باقرة:صادعة للألفة،شاقّة للعصا.

و جاء بالصقر و البقر و الصقّارى و البقّارى:

بالكذب.

و البيقرة:كثرة المال و المتاع.(1:389)

مجمع اللّغة: البقر:اسم جنس،واحدته:بقرة، و تجمع بقرة على بقرات.

و هي الحيوان المعروف المستأنس،ذو الأظلاف المشقوقة،لونه إلى الصّفرة غالبا،و يستخدم في الحرث، و يتّخذ للّبن و اللّحم.(1:117)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:76)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو«الشّقّ».و من هذا المعنى يؤخذ مفهوم:

الفتح و التّوسّع.

و أمّا«البقر»فالظّاهر أنّ أصل هذه الكلمة هو «الوصفيّة»فهو صفة مشبّهة-كحسن-بمعنى الباقر،ثمّ جعل اسما بمناسبة امتيازه من بين الحيوانات بهذه الصّفة،فإنّ آلة الدّفاع و الحرب له هو قرنه،و به يشقّ طرفه شقّا،و ليس له ناب و لا منقار و مخلب.(1:295)

النّصوص التّفسيريّة

بقرة

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً... *قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ... *قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ* قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ... البقرة:67-71

ص: 369

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً... *قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ... *قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ* قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ... البقرة:67-71

الإمام الرّضا عليه السّلام: إنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له،ثمّ أخذه فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل،ثمّ جاء يطلب بدمه.فقالوا لموسى عليه السّلام:إنّ سبط آل فلان قتلوا فلانا فأخبرنا من قتله؟

قال:ائتوني ببقرة: قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67،و لو أنّهم عمدوا إلى أيّ بقرة أجزأتهم،و لكن شدّدوا،فشدّد اللّه عليهم.

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ البقرة:68،يعني لا صغيرة و لا كبيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ و لو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم و لكن شدّدوا،فشدّد اللّه عليهم.

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ البقرة:

69،و لو أنّهم عمدوا إلى بقرة لأجزأتهم و لكن شدّدوا، فشدّد اللّه عليهم.

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا... *قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ البقرة:70،71، فطلبوها،فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل،فقال:

لا أبيعها إلاّ بملاء مسكها ذهبا.

فجاءوا إلى موسى عليه السّلام،فقالوا له ذلك،فقال:

اشتروها،فاشتروها و جاءوا بها.فأمر بذبحها،ثمّ أمر أن يضرب الميّت بذنبها.فلمّا فعلوا ذلك حيي المقتول، و قال:يا رسول اللّه:إنّ ابن عمّي قتلني دون من يدّعى عليه قتلي،فعلموا بذلك قاتله.

فقال لرسول اللّه موسى عليه السّلام بعض أصحابه:إنّ هذه البقرة لها نبأ،فقال:و ما هو؟فقال:إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه و أنّه اشترى بيعا،فجاء إلى أبيه و الأقاليد تحت رأسه،فكره أن يوقظه،فترك ذلك البيع.

فاستيقظ أبوه،فأخبره،فقال له:احسنت،خذ هذه البقرة،فهو لك عوضا لما فاتك،قال:فقال له رسول اللّه موسى عليه السّلام:انظروا إلى البرّ ما يبلغ بأهله.

(العروسيّ 1:87)

الطّبريّ: إنّ البقر جماع بقرة.

و قد قرأ بعضهم: (انّ الباقر) ،و ذلك و إن كان في الكلام جائزا،لمجيئه في كلام العرب و أشعارها.[ثمّ استشهد بشعر]

فغير جائزة القراءة به،لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجّة،بنقل من لا يجوز عليه،فيما نقلوه مجمعين عليه الخطأ،و السّهو و الكذب.(1:350)

الطّوسيّ: قد استدلّ أصحابنا بهذه الآيات على جواز تأخير البيان،عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة.

فإن قالوا:إنّ اللّه أمرهم بذبح بقرة هذه الصّفات كلّها لها،و لم يبيّن ذلك في أوّل الخطاب حتّى سألوا عنه و راجعوا فيه،فبيّن حينئذ المراد لهم شيئا بعد شيء؛و هذا يدلّ على جواز تأخير البيان.

فإن قيل:و لم زعمتم أنّ الصّفات المذكورة في البقرة الأولى الّتي أمروا بذبحها،و ما الّذي تنكرون أنّهم أمروا بذبح البقرة أيّ بقرة كانت،فلمّا راجعوا تغيّرت المصلحة،فأمروا بذبح بقرة أخرى هي لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ فلمّا راجعوا تغيّرت المصلحة،فأمروا بذبح بقرة صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها فلمّا راجعوا تغيّرت المصلحة فأمروا بذبح بقرة لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها و إنّما يصحّ لكم لو كانت الصّفات المذكورة كلّها مرادة في البقرة الأولى؟

ص: 370

فإن قيل:و لم زعمتم أنّ الصّفات المذكورة في البقرة الأولى الّتي أمروا بذبحها،و ما الّذي تنكرون أنّهم أمروا بذبح البقرة أيّ بقرة كانت،فلمّا راجعوا تغيّرت المصلحة،فأمروا بذبح بقرة أخرى هي لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ فلمّا راجعوا تغيّرت المصلحة،فأمروا بذبح بقرة صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها فلمّا راجعوا تغيّرت المصلحة فأمروا بذبح بقرة لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها و إنّما يصحّ لكم لو كانت الصّفات المذكورة كلّها مرادة في البقرة الأولى؟

قلنا:هذا باطل،لأنّ الكناية في قوله: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ، لا يجوز أن تكون كناية إلاّ عن البقرة الّتي تقدّم ذكرها و أمروا بذبحها،لأنّه لم يجر في الكلام ما يجوز أن تكون هذه الكناية عنه إلاّ البقرة، و يجري ذلك مجرى أن يقول واحد لغلامه:أعطني تفّاحة،فيقول الغلام:ما هي؟بيّنها،فلا يصرف واحد من العقلاء هذه الكناية إلاّ إلى التّفّاحة المأمور بإعطائه إيّاها.

ثمّ يقال بعد ذلك: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ و قد علمنا أنّ الهاء في قوله:(انّه يقول)كناية عنه تعالى، لأنّه لم يتقدّم ما يجوز أن يكون كناية عنه إلاّ اسمه تعالى.

و كذا يجب أن يكون قوله:(انّها)كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها و إلاّ فما الفرق بين الأمرين؟و كذلك الكلام في الكناية الثّانية و الثّالثة سواء.

و لا خلاف بين المفسّرين:أنّ الكناية في الآية من أوّلها إلى آخرها:كناية عن البقرة المأمور بها في الأوّل.

و قالت المعتزلة:إنّها كناية عن البقرة الّتي تعلّق التّكليف المستقبل بها.

و لا خلاف بين المفسّرين:أنّ جميع الصّفات المذكورات للبقرة أعوز اجتماعها للقوم حتّى توصّلوا إلى اجتماع بقرة لها هذه الصّفات كلّها،بملء جلدها ذهبا، و روي أكثر من ذلك.و لو كان الأمر على ما قاله المخالف لوجب أن لا يعتبروا فيما يبتاعونه إلاّ الصّفات الأخيرة دون ما تقدّمها،و تلغي الصّفات المتقدّمة و إجماعهم على أنّ الصّفات كلّها معتبرة،دليل على أنّ اللّه تعالى أخّر البيان.

فإن قيل:لم عنّفوا على تأخيرهم امتثال الأمر الأوّل مع أنّ المراد بالأمر الأوّل تأخّر؟و لم قال: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ؟

قلنا:ما عنّفوا بتأخير امتثال الأمر الأوّل،و ليس في الظّاهر ما يدلّ عليه بل كان البيان يأتي شيئا بعد شيء، كما طلبوه من غير تعنيف.فلا قول يدلّ على أنّهم بذلك عصاة.فأمّا قوله في آخر القصّة: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ، فإنّما يدلّ على أنّهم كادوا يفرّطون في آخر القصّة،و عند تكامل البيان.و لا يدلّ على أنّهم فرّطوا في أوّل القصّة.

و يقوّي ذلك قوله تعالى بعد جمع الأوصاف: اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي جئت به على جهة التّفصيل.و إن كان جاءهم بالحقّ مجملا.(1:302)

ابن عطيّة: البقر:جمع بقرة،و تجمع أيضا على «باقر»و به قرأ ابن يعمر،و عكرمة.و تجمع على:بقير و بيقور،و لم يقرأ بهما فيما علمت.(1:163)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا هو النّوع الثّاني من التّشديدات.[ذكر قصّة ذبح البقرة نحو ما ذكره العروسيّ عن الإمام الرّضا عليه السّلام و أضاف:]ثمّ هاهنا مسائل:

المسألة الأولى:أنّ الإيلام و الذّبح حسن،و إلاّ لما أمر اللّه به،ثمّ عندنا وجه الحسن فيه أنّه تعالى مالك

ص: 371

الملك،فلا اعتراض لأحد عليه.و عند المعتزلة إنّما يحسن لأجل الأعواض.

المسألة الثّانية:أنّه تعالى أمر بذبح بقرة من بقر الدّنيا،و هذا هو الواجب المخيّر؛فدلّ ذلك على صحّة قولنا بالواجب المخيّر.

المسألة الثّالثة:القائلون بالعموم اتّفقوا على أنّ قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً معناه اذبحوا أيّ بقرة شئتم،فهذه الصّيغة تفيد هذا العموم.

و قال منكرو العموم:إنّ هذا لا يدلّ على العموم، و احتجّوا عليه بوجوه:

الأوّل:أنّ المفهوم من قول القائل:اذبح بقرة،يمكن تقسيمه إلى قسمين؛فإنّه يصحّ أن يقال:اذبح بقرة معيّنة من شأنها كيت و كيت،و يصحّ أيضا أن يقال:اذبح بقرة أيّ بقرة شئت.

فإذن المفهوم من قولك:«اذبح»معنى مشترك بين هذين القسمين،و المشترك بين القسمين لا يستلزم واحدا منهما؛فإذن قوله:اذبحوا بقرة،لا يستلزم معناه معنى قوله:اذبحوا بقرة أيّ بقرة شئتم.

فثبت أنّه لا يفيد العموم،لأنّه لو أفاد العموم لكان قوله:اذبحوا بقرة أيّ بقرة شئتم،تكريرا،و لكان قوله:

اذبحوا بقرة معيّنة نقضا.و لمّا لم يكن كذلك،علمنا فساد هذا القول.

الثّاني:أنّ قوله تعالى: تَذْبَحُوا بَقَرَةً كالنّقيض لقولنا:لا تذبحوا بقرة،و قولنا:لا تذبحوا بقرة،يفيد النّفي العامّ،فوجب أن يكون قولنا:اذبحوا بقرة،يرفع عموم النّفي.و يكفي في ارتفاع عموم النّفي،خصوص الثّبوت على وجه واحد.

فإذن قوله:اذبحوا بقرة،يفيد الأمر بذبح بقرة واحدة فقط.أمّا الإطلاق في ذبح أيّ بقرة شاءوا،فذلك لا حاجة إليه في ارتفاع ذلك النّفي،فوجب أن لا يكون مستفادا من اللّفظ.

الثّالث:أنّ قوله تعالى:(بقرة)لفظة مفردة منكّرة، و المفرد المنكّر إنّما يفيد فردا معيّنا في نفسه،غير معيّن بحسب القول الدّالّ عليه.و لا يجوز أن يفيد فردا أيّ فرد كان،بدليل أنّه إذا قال:رأيت رجلا،فإنّه لا يفيد إلاّ ما ذكرناه،فإذا ثبت أنّه في الخبر كذلك،وجب أن يكون في الأمر كذلك.

و احتجّ القائلون بالعموم بأنّه لو ذبح أيّ بقرة كانت فإنّه يخرج عن العهدة،فوجب أن يفيد العموم.

و الجواب:أنّ هذا مصادرة على المطلوب الأوّل، فإنّ هذا إنّما يثبت لو ثبت أنّ قوله:اذبح بقرة،معناه اذبح أيّ بقرة شئت.و هذا هو عين المتنازع فيه،فهذا هو الكلام في هذه المسألة.

إذا عرفت هذا فنقول:اختلف النّاس في أنّ قوله تعالى: تَذْبَحُوا بَقَرَةً هل هو أمر بذبح بقرة معيّنة مبيّنة،أو هو أمر بذبح بقرة أيّ بقرة كانت.

فالّذين يجوّزون تأخير البيان عن وقت الخطاب، قالوا:إنّه كان أمرا بذبح بقرة معيّنة،و لكنّها ما كانت مبيّنة.

و قال المانعون منه:هو و إن كان أمرا بذبح أيّ بقرة كانت،إلاّ أنّ القوم لمّا سألوا تغيّر التّكليف عند ذلك؛ و ذلك لأنّ التّكليف الأوّل كان كافيا لو أطاعوا،و كان

ص: 372

التّخيير في جنس البقر إذ ذاك هو الصّلاح.فلمّا عصوا و لم يمتثلوا و راجعوا بالمسألة،لم يمتنع تغيّر المصلحة، و ذلك معلوم في المشاهد،لأنّ المدبّر لولده قد يأمره بالسّهل اختيارا،فإذا امتنع الولد منه فقد يرى المصلحة في أن يأمره بالصّعب،فكذا هاهنا:

و احتجّ الفريق الأوّل بوجوه:

الأوّل:قوله تعالى: اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ و(ما لونها)و قول اللّه تعالى: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ منصرف إلى ما أمروا بذبحه من قبل.و هذه الكنايات تدلّ على أنّ المأمور به ما كان ذبح بقرة أيّ بقرة كانت،بل كان المأمور به ذبح بقرة معيّنة.

الثّاني:أنّ الصّفات المذكورة في الجواب عن السّؤال الثّاني إمّا أن يقال:إنّها صفات البقرة الّتي أمروا بذبحها أوّلا،أو صفات بقرة وجبت عليهم عند ذلك السّؤال، و انتسخ ما كان واجبا عليهم قبل ذلك.

و الأوّل هو المطلوب،و الثّاني يقتضي أن يقع الاكتفاء بالصّفات المذكورة آخرا،و أن لا يجب حصول الصّفات المذكورة قبل ذلك.و لمّا أجمع المسلمون على أنّ تلك الصّفات بأسرها كانت معتبرة،علمنا فساد هذا القسم.

فإن قيل:أمّا الكنايات فلا نسلّم عودها إلى البقرة، فلم لا يجوز أن يقال:إنّها كنايات عن القصّة و الشّأن، و هذه طريقة مشهورة عند العرب؟

قلنا:هذا باطل لوجوه:

أحدها:أنّ هذه الكنايات لو كانت عائدة إلى القصّة و الشّأن،لبقي ما بعد هذه الكنايات غير مفيد،لأنّه لا فائدة في قوله:(بقرة صفراء)بل لا بدّ من إضمار شيء آخر،و ذلك خلاف الأصل.أمّا إذا جعلنا الكنايات عائدة إلى المأمور به أوّلا،لم يلزم هذا المحذور.

و ثانيها:أنّ الحكم برجوع الكناية إلى القصّة و الشّأن،خلاف الأصل،لأنّ الكناية يجب عودها إلى شيء جرى ذكره،و القصّة و الشّأن لم يجر ذكرهما، فلا يجوز عود الكناية إليهما.لكنّا خالفنا هذا الدّليل للضّرورة في بعض المواضع،فبقي ما عداه على الأصل.

و ثالثها:أنّ الضّمير في قوله:(ما لونها)و(ما هى) لا شكّ أنّه عائد إلى البقرة المأمور بها،فوجب أن يكون الضّمير في قوله: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ عائدا إلى تلك البقرة،و إلاّ لم يكن الجواب مطابقا للسّؤال.

الثّالث:أنّهم لو كانوا سائلين معاندين لم يكن في مقدار ما أمرهم به موسى ما يزيل الاحتمال،لأنّ مقدار ما ذكره موسى أن تكون بقرة صفراء متوسّطة في السّنّ كاملة في القوّة،و هذا القدر موضع للاحتمالات الكثيرة، فلمّا سكتوا هاهنا و اكتفوا به،علمنا أنّهم ما كانوا معاندين.

و احتجّ الفريق الثّاني بوجوه:

أحدها:أنّ قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً معناه يأمركم أن تذبحوا بقرة أيّ بقرة كانت، و ذلك يقتضي العموم،و ذلك يقتضي أن يكون اعتبار الصّفة بعد ذلك تكليفا جديدا.

و ثانيها:لو كان المراد ذبح بقرة معيّنة لما استحقّوا التّعنيف على طلب البيان،بل كانوا يستحقّون المدح

ص: 373

عليه،فلمّا عنّفهم اللّه تعالى في قوله: فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ، و في قوله: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ علمنا تقصيرهم في الإتيان بما أمروا به أوّلا،و ذلك إنّما يكون لو كان المأمور به أوّلا ذبح بقرة معيّنة.

الثّالث:ما روي عن ابن عبّاس أنّه قال:لو ذبحوا أيّة بقرة أرادوا،لأجزأت منهم،لكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللّه عليهم.

و رابعها:أنّ الوقت الّذي فيه أمروا بذبح البقرة كانوا محتاجين إلى ذبحها،فلو كان المأمور به ذبح بقرة معيّنة- مع أنّ اللّه تعالى ما بيّنها-لكان ذلك تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة،و إنّه غير جائز.

و الجواب:عن الأوّل ما بيّنّا في أوّل المسألة،أنّ قوله:

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً لا يدلّ على أنّ المأمور به ذبح بقرة أيّ بقرة كانت.

و عن الثّاني:أنّ قوله تعالى: وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ ليس فيه دلالة على أنّهم فرّطوا في أوّل القصّة،و أنّهم كادوا يفرّطون بعد استكمال البيان،بل اللّفظ محتمل لكلّ واحد منهما.فنحمله على الأخير،و هو أنّهم لمّا وقفوا على تمام البيان توقّفوا عند ذلك و ما كادوا يفعلونه.

و عن الثّالث:أنّ هذه الرّواية عن ابن عبّاس من باب الآحاد،و بتقدير الصّحّة،فلا تصلح أن تكون معارضة لكتاب اللّه تعالى.

و عن الرّابع:أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة إنّما يلزم أن لو دلّ الأمر على الفور،و ذلك عندنا ممنوع.

و اعلم أنّا إذا فرّعنا على القول،بأنّ المأمور به بقرة أيّ بقرة كانت،فلا بدّ و أن نقول:التّكاليف مغايرة، فكلّفوا في الأوّل أيّ بقرة كانت،و ثانيا أن تكون لا فارضا و لا بكرا بل عوانا،فلمّا لم يفعلوا ذلك كلّفوا أن تكون(صفراء)،فلمّا لم يفعلوا ذلك كلّفوا أن تكون مع ذلك لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ.

ثمّ اختلف القائلون بهذا المذهب:منهم من قال:في التّكليف الواقع أخيرا يجب أن يكون مستوفيا لكلّ صفة تقدّمت،حتّى تكون البقرة مع الصّفة الأخيرة لا فارض و لا بكر و صفراء فاقع.

و منهم من يقول:إنّما يجب كونها بالصّفة الأخيرة فقط.و هذا أشبه بظاهر الكلام إذا كان تكليفا بعد تكليف،و إن كان الأوّل أشبه بالرّوايات،و بطريقة التّشديد عليهم عند تردّد الامتثال.

و إذا ثبت أنّ البيان لا يتأخّر فلا بدّ من كونه تكليفا بعد تكليف،و ذلك يدلّ على أنّ الأسهل قد ينسخ بالأشقّ،و يدلّ على جواز النّسخ قبل الفعل،و لكنّه لا يدلّ على جواز النّسخ قبل وقت الفعل،و يدلّ على وقوع النّسخ في شرع موسى عليه السّلام.

و له أيضا تعلّق بمسألة أنّ الزّيادة على النّسخ هل هو نسخ أم لا؟و يدلّ على حسن وقوع التّكليف ثانيا لمن عصى و لم يفعل ما كلّف أوّلا.(3:114)

القرطبيّ: و ذكّر(البقر)لأنّه بمعنى الجمع،و لذلك قال: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا فذكّره للفظ تذكير البقر.

[إلى أن قال:]

و قيل:إنّما قالوا: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا لأنّ وجوه البقر تتشابه،و منه حديث حذيفة بن اليمان عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ذكر«فتنا كقطع اللّيل تأتي كوجوه البقر»

ص: 374

يريد أنّها يشبه بعضها بعضا،و وجوه البقر تتشابه، و لذلك قالت بنو إسرائيل: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا.

(1:451)

البيضاويّ: قوله: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا اعتذار عنه أي إنّ البقر الموصوف بالتّعوين و الصّفرة كثير،فاشتبه علينا.(1:62)

الآلوسيّ: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا تعليل لقوله تعالى:(ادع)كما في قوله تعالى: صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ التّوبة:103،و هو اعتذار لتكرير السّؤال،أي إنّ البقر الموصوف بما ذكر كثير،فاشتبه علينا.و التّشابه مشهور في البقر.و في الحديث:«فتن كوجوه البقر»أي يشبه بعضها بعضا.

و البقر اسم جنس جمعيّ،يفرق بينه و بين واحده بالتّاء،و مثله يجوز تذكيره و تأنيثه ك نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ القمر:20، وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ ق:10،و جمعه:أباقر، و يقال فيه:بيقور،و جمعه:بواقر.(1:289)

رشيد رضا :هذه القصّة ممّا أراد اللّه تعالى أن يقصّه علينا من أخبار بني إسرائيل،في قسوتهم و فسوقهم للاعتبار بها.

و من وجوه الاعتبار أنّ التّنطّع في الدّين و الإحفاء في السّؤال،ممّا يقتضي التّشديد في الأحكام،فمن شدّد شدّد عليه،و لذلك نهى اللّه تعالى هذه الأمّة عن كثرة السّؤال بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْها وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ المائدة:101،102، و في الحديث الصّحيح:«و يكره لكن قيل و قال، و إضاعة المال،و كثرة السّؤال».

و قد امتثل سلفنا الأمر فلم يشدّدوا على أنفسهم، فكان الدّين عندهم فطريّا ساذجا و حنيفيّا سمحا.و لكن من خلفنا من عمد إلى ما عفا اللّه عنه فاستخرج له أحكاما استنبطها باجتهاده،و أكثروا منها حتّى صار الدّين حملا ثقيلا على الأمّة،فسئمته و ملّت،و ألقته و تخلّت.

قال الأستاذ الإمام: «جاءت هذه الآيات على أسلوب القرآن الخاصّ الّذي لم يسبق إليه و لم يلحق فيه،فهو في هذه القصص لم يلتزم ترتيب المؤرّخين و لا طريقة الكتّاب،في تنسيق الكلام و ترتيبه على حسب الوقائع،حتّى في القصّة الواحدة.و إنّما ينسق الكلام فيه بأسلوب يأخذ بمجامع القلوب،و يحرّك الفكر إلى النّظر تحريكا،و يهزّ النّفس للاعتبار هزّا.

و قد راعى في قصص بني إسرائيل أنواع المنن الّتي منحهم اللّه تعالى إيّاها،و ضروب الكفران و الفسوق الّتي قابلوها بها.و ما كان في أثر كلّ ذلك من تأديبهم بالعقوبات،و ابتلائهم بالحسنات و السّيّئات.و كيف كانوا يحدثون في أثر كلّ عقوبة توبة،و يحدث لهم في أثر كلّ توبة نعمة،ثمّ يعودون إلى بطرهم،و ينقلبون إلى كفرهم.

كان في الآيات السّابقة يذكر النّعمة فالمخالفة فالعقوبة فالتّوبة فالرّحمة،كالتّفضيل على العالمين،و أخذ الميثاق،و الإنجاء من آل فرعون،و ما كان في أثر ذلك على ما أشرنا الآن و أجملنا،و أوضحنا من قبل و فصّلنا.

و في هذه القصّة اختلف النّسق فذكر المخالفة بعد،في

ص: 375

قوله: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:72،ثمّ المنّة في الخلاص منها،في قوله: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها البقرة:73،و قدّم على ذلك ذكر وسيلة الخلاص،و هي ذبح البقرة بما يعجب السّامع،و يشوّقه إلى معرفة ما وراءها-حيث لم يسبق في الكلام عهد لسبب أمر موسى لقومه،أن يذبحوا بقرة،فالمفاجأة بحكاية ما كان من ذلك الأمر،و الجدال الّذي وقع فيه، يثير الشّوق في الأنفس إلى معرفة السّبب،فتتوجّه الفكرة بأجمعها إلى تلقّيه-إذ الحكمة في أمر اللّه أمّة من الأمم بذبح بقرة خفيّة،و جديرة بأن يعجب منها السّامع و يحرص على طلبها.لا سيّما إذا لم يعتد فهم الأساليب الأخّاذة بالنّفوس الهازّة للقلوب»

و أقول:قد جرى على هذا الأسلوب كتاب القصص المخترعة و الأساطير الّتي يسمّونها«الرّوايات»في هذا العصر.

يقول أهل الشّبهات في القرآن:إنّ بني إسرائيل لا يعرفون هذه القصّة؛إذ لا وجود لها في التّوراة،فمن أين جاء بها القرآن؟

و نقول:إنّ القرآن جاء بها من عند اللّه الّذي يقول في بني إسرائيل المتأخّرين:إنّهم نسوا حظّا ممّا ذكّروا به و أنّهم لم يؤتوا إلاّ نصيبا من الكتاب على أنّ هذا الحكم منصوص في التّوراة،و هو أنّه إذا قتل قتيل لم يعرف قاتله،فالواجب أن تذبح بقرة غير ذلول في واد دائم السّيلان،و يغسل جميع شيوخ المدينة القريبة من المقتل أيديهم على العجلة الّتي كسر عنقها في الوادي،ثمّ يقولون:إنّ أيدينا لم تسفك هذا الدّم،اغفر لشعبك إسرائيل.و يتمّون دعوات يبرأ بها من يدخل في هذا العمل من دم القتيل،و من لم يفعل يتبيّن أنّه القاتل، و يراد بذلك حقن الدّماء.

فيحتمل أن يكون هذا الحكم هو من بقايا تلك القصّة،أو كانت هي السّبب فيه.و ما هذه بالقصّة الوحيدة الّتي صحّحها القرآن،و لا هذا الحكم بالحكم الأوّل الّذي حرّفوه أو أضاعوه،و أظهره اللّه تعالى.قال الأستاذ:«و قد قلت لكم غير مرّة إنّه يجب الاحتراس في قصص بني إسرائيل و غيرهم من الأنبياء،و عدم الثّقة بما زاد على القرآن من أقوال المؤرّخين و المفسّرين، فالمشتغلون بتحرير التّاريخ و العلم اليوم يقولون معنا:إنّه لا يوثق بشيء من تاريخ تلك الأزمنة الّتي يسمّونها أزمنة الظّلمات،إلاّ بعد التّحرّي و البحث و استخراج الآثار.فنحن نعذر المفسّرين الّذين حشوا كتب التّفسير بالقصص الّتي لا يوثق بها لحسن قصدهم.و لكنّنا لا نعوّل على ذلك بل ننهي عنه،و نقف عند نصوص القرآن لا نتعدّاها،و إنّما نوضّحها بما يوافقها إذا صحّت روايته»

و أقول:إنّ ما أشار إليه الأستاذ من«حكم التّوراة» المتعلّق بقتل البقرة،هو في أوّل الفصل الحادي و العشرين من سفر تثنية الاشتراع،و نصّه:

1-إذا وجد قتيل في الأرض الّتي يعطيك الرّبّ إلهك لتمتلكها واقعا في الحقل،لا يعلم من قتله.

2-يخرج شيوخك و قضاتك و يقيسون إلى المدن الّتي حول القتيل.

3-فالمدينة القربى من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها،لم تجرّ بالنّير.

ص: 376

4-و ينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السّيلان،لم يحرث فيه و لم يزرع،و يكسرون عنق العجلة في الوادي.

5-ثمّ يتقدّم الكهنة بني لاوي،لأنّه إيّاهم اختار الأب إلهك ليخدموه و يباركوا باسم الرّبّ،و حسب قولهم:تكون كلّ خصومة و كلّ ضربة.

6-و يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي.

7-و يصرخون و يقولون:أيدينا لم تسفك هذا الدّم و أعيننا لم تبصر.

8-اغفر لشعبك إسرائيل الّذي فديت يا ربّ، و لا تجعل دم بريء في وسط شعبك إسرائيل،فيغفر لهم الدّم»

فعلم من هذا أنّ الأمر بذبح البقرة كان لفصل النّزاع في واقعة قتل.و يروون في قصّته روايات،منها:أنّ القاتل كان أخ المقتول،قتله لأجل الإرث،و أنّه اتّهم أهل الحيّ بالدّم،و طالبهم به.و منها:أنّه كان ابن أخيه، و غير ذلك ممّا لا حاجة إليه.

و كانوا طلبوا من موسى الفصل في المسألة و بيان القاتل،و لمّا أمرهم بذبح البقرة،استغربوه لما فيه من المباينة لما يطلبون،و البعد بينه و بين ما يريدون،فذلك قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً البقرة:67.

(1:345)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة:67،هذه قصّة بقرة بني إسرائيل،و بها سمّيت السّورة سورة البقرة.

و الأمر في بيان القرآن لهذه القصّة عجيب،فإنّ القصّة فصل بعضها عن بعض،حيث قال تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ... ثمّ قال: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:72،ثمّ إنّه أخرج فصل منها من وسطها و قدّم أوّلا،و وضع صدر القصّة و ذيلها ثانيا،ثمّ إنّ الكلام كان مع بني إسرائيل في الآيات السّابقة بنحو الخطاب،فانتقل بالالتفات إلى الغيبة،حيث قال: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ... ثمّ التفت إلى الخطاب ثانيا بقوله:

وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها.

أمّا الالتفات في قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ففيه صرف الخطاب عن بني إسرائيل،و توجيهه إلى النّبيّ في شطر من القصّة، و هو أمر ذبح البقرة و توصيفها،ليكون كالمقدّمة الموضحة للخطاب الّذي سيخاطب به بنو إسرائيل، بقوله: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ* فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ البقرة:72، 73،الآيتان في سلك الخطابات السّابقة.

فهذه الآيات الخمس من قوله: وَ إِذْ قالَ مُوسى إلى قوله: وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71،كالمعترضة في الكلام،تبيّن معنى الخطاب التّالي،مع ما فيها من الدّلالة على سوء أدبهم و إيذائهم لرسولهم؛برميه بفضول القول و لغو الكلام،مع ما فيه من تعنّتهم و تشديدهم، و إصرارهم في الاستيضاح و الاستفهام،المستلزم لنسبة الإبهام إلى الأوامر الإلهيّة و بيانات الأنبياء،مع ما في

ص: 377

كلامهم من شوب الإهانة و الاستخفاف الظّاهر بمقام الرّبوبيّة.

فانظر إلى قول موسى عليه السّلام لهم: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً و قولهم: اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ البقرة:68،و قولهم ثانيا: اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها البقرة:69،و قولهم ثالثا: اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:70،فأتوا في الجميع بلفظ(ربّك)من غير أن يقولوا:ربّنا،ثمّ كرّروا قولهم:(ما هى)و قالوا: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا فادّعوا التّشابه بعد البيان،و لم يقولوا:إنّ البقرة تشابهت علينا، بل قالوا:إنّ البقر تشابه علينا.كأنّهم يدّعون أنّ جنس البقر متشابه.و لا يؤثّر هذا الأثر إلاّ بعض أفراد هذا النّوع.و هذا المقدار من البيان لا يجزي في تعيين الفرد المطلوب و تشخيصه،مع أنّ التّأثير للّه عزّ اسمه لا للبقرة.

و قد أمرهم أن يذبحوا بقرة،فأطلق القول و لم يقيّده بقيد،و كان لهم أن يأخذوا بإطلاقه.

ثمّ انظر إلى قولهم:لنبيّهم: أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً البقرة:67،المتضمّن لرميه عليه السّلام بالجهالة و اللّغو،حتّى نفاه عن نفسه بقوله: أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، و قولهم أخيرا بعد تمام البيان الإلهيّ: اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ البقرة:71،الدّالّ على نفي الحقّ عن البيانات السّابقة،المستلزم لنسبة الباطل إلى طرز البيان الإلهيّ،و التّبليغ النّبويّ.

و بالجملة فتقديم هذا الشّطر من القصّة لإبانة الأمر في الخطاب التّالي-كما ذكر-مضافا إلى نكتة أخرى، و هي أنّ قصّة البقرة غير مذكورة في التّوراة الموجودة عند اليهود اليوم،فكان من الحريّ أن لا يخاطبوا بهذه القصّة أصلا أو يخاطبوا به بعد بيان ما لعبت به أيديهم من التّحريف،فأعرض عن خطابهم أوّلا بتوجيه الخطاب إلى النّبيّ،ثمّ بعد تثبيت الأصل،عاد إلى ما جرى عليه الكلام من خطابهم المتسلسل.نعم في هذا المورد من التّوراة حكم لا يخلو من دلالة ما على وقوع القصّة، و هاك عبارة التّوراة.[و قد ذكرها كما في«المنار» و أضاف:]

إذا عرفت هذا على طوله،علمت أنّ بيان هذه القصّة على هذا النّحو ليس من قبيل فصل القصّة،بل القصّة مبيّنة على نحو الإجمال،في الخطاب الّذي في قوله:

وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً... و شطر من القصّة مأتيّة بها ببيان تفصيليّ،في صورة قصّة أخرى،لنكتة دعت إليه.

(1:199)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البقرة»الحيوان المعروف، و جمعها:بقر و بقرات و بقر و بقّار و أبقور و بواقر،و جمع بقر هو بقير و باقور و باقورة و بيقور،و راعيها باقر.

و سمّي شقّ البطن بقرا حملا على شقّ البقرة الأرض للزّراعة،يقال:بقر بطنه يبقره بقرا،أي شقّه بالمبقر، و هو المسرد.و ناقة بقير،أي الّتي يبقر بطنها عن ولدها، و البقّار:من يبقر بطن النّاقة و غيرها،و صاحب البقر أيضا.

و بقروا حولهم:حفروا،يقال:كم بقرتم لغسيلكم، أي كم حفرتم،و كذا بقّر القوم حولهم.

ص: 378

و البقّيرى:لعبة للصّبيان،يجمعون فيها ترابا بأيديهم ثمّ يجعلونه كوما،يقال:بقّر الصّبيان،أي لعبوا البقّيرى،و المتبقّر:اللاّعب بها.

و البقيرة:برد يشقّ،فتلقيه المرأة في عنقها من غير كمّين و لا جيب.و ذو بقر:ترس معمول من جلود البقر.

و بقر الرّجل:نظر إلى بقر كثيرة مفاجأة،فذهب عقله،و مثله بيقر.

ثمّ توسّع فيه فأطلق مجازا على التّوسّع و التّفتّح، و منه:التّبقّر في المال،من بقر البطن،و البيقرة:كثرة المال و المتاع و العيال،يقال:جاء فلان يجرّ بقرة،أي عيالا، و البقرة:المرأة،و الجمع:بقر،يقال:أضاء سراج دونه بقر،أي نساء.و بيقر الرّجل:حرص على جمع المال و الحشم،و تبقّر فلان في ماله،أي أفسده.

و منه:بقر العلم،أي شقّه،و التّبقّر فيه:التّوسّع.

و كان يقال للإمام محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام:الباقر، لأنّه بقر العلم و تبقّر فيه،فعرف أصله و استنبط فرعه.

2-و ممّا يحمل على هذا الأصل«البيقرة»أي الهجرة و الضّرب في الأرض،يقال:بيقر الرّجل،فهو قطع للمسافات و توسّع في الآفاق.و بيقر أيضا:أتى العراق، أو خرج من الشّام إلى العراق،و بيقر الرّجل:أقام بالحضر،و ترك قومه بالبادية.

و بيقر الرّجل في العدو،أي اعتمد فيه،و بيقر أيضا:

عدا منكّسا رأسه خاضعا،و كلّ ذلك تشبيه بعدو البقر.

3-و توسّع فيه أكثر حتّى أطلق على معان تدلّ على الشّدّة،كقولهم:يوم بيقر،أي شديد،و فتنة باقرة كداء البطن،و بيقر الرّجل:مات،و ساق نفسه،و شكّ.و بقر:

حسر بصره فلا يكاد يبصر.

4-جاء في دائرة المعارف الإسلاميّة(4:29):

«البقّارة:قبائل عربيّة في السّودان الشّرقيّ،و نعني بها البدو أو شبه البدو من العرب،أو المستعربين الّذين يرعون الماشية في السّودان الشّرقيّ،و قد سمّوا بهذا الاسم تمييزا لهم عن الأبّالة،أي قبائل العرب الّتي تعيش في هذه البلاد و ترعى الإبل».

لا ريب أنّ«البقّارة»و«الأبّالة»لفظان مولّدان في هذا المعنى،و لم نرهما في سائر المظانّ الأخرى،فلم يؤثر عن العرب أنّهم استعملوا بقّارة جمعا لبقّار،و أبّالة جمعا لأبّال،لأنّ التّاء تكون في المفرد غالبا كبقرة و بقر،أمّا العكس-أي كون التّاء في الجمع-فهو نادر،مثل:كمء:

للواحد و كمأة للجمع.و الصّواب أن يقال:رعاة البقر و رعاة الإبل.

و قد شاعت في كلام المولّدين خلال الآونة الأخيرة ألفاظ على وزن«فعّالة»جمعا للفظ«فعّال»للمهن و الأعمال،مثل:سقّاية،جمع سقّاء،و هو من يحمل المال إلى المنازل.

الاستعمال القرآنيّ

لم يأت من هذه المادّة في القرآن سوى البقر جنسا:

3 مرّات و البقرة واحدة:4 مرّات و الجمع بقرات مرّتين:

1- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا البقرة:70

2- وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ الأنعام:144

ص: 379

3- وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما الأنعام:146

4- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة:67

5- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:68

6- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ البقرة:69

7- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ البقرة:71

8- وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ يوسف:43

9- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ يوسف:46

يلاحظ أوّلا:أنّ(البقر)في الآيات الثّلاث الأولى اسم جنس جمعيّ،و هو يفصح عن مغزى خاصّ،فحينما قال لهم موسى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً في (4)،توقّفوا في الانصياع لأمره،لأنّ جنس البقرة قد أبهم عليهم لتنكيره؛إذ لفظ البقرة-كما قال أبو عبيدة- يقال للذّكر و الأنثى،كما يقال للدّيك:دجاجة،فلذا قالوا: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا، أي أشكل علينا جنسه و استبهم،و مذكّره و مؤنّثه سواء عندهم.

و كذا في(2)،أي أنشأ اللّه من جنس البقر اثنين:

الذّكر و الأنثى،و في(3):و من جنس البقر-سواء ذكورها أم إناثها-حرّم شحومهما على بني إسرائيل.

و لا يستقيم جمع آخر غير الجنس في هذا المعنى،إلاّ إذا أريد به معنى غيره.

ثانيا:جاء لفظ(بقرات)في الآيتين الأخيرتين جمعا مؤنّثا سالما للإغراق في اكتمال خلقتها،فكأنّه قال:بقرات سالمات من العيب،سمان متان.و لكنّه اكتفى في(سبع عجاف)بذكر الصّفة دون الموصوف،فلم يقل:سبع بقرات عجاف،لازدرائه إيّاها بلفظ(عجاف)فضلا عن حالها،أي الشّراهة و النّهم،فلا يليق بجمعها جمع سلامة.

ثالثا:أنّ عبارة قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا سبقت عبارة قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ في الآيات(5) إلى(7)،و جرى هذا الحوار بين موسى و قومه حينما بلّغهم أمر اللّه بذبح بقرة في الآية(4)،فراجعوه في ماهيّتها أوّلا بقولهم:(ما هى)؟قال: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ، أي متوسّطة في العمر.

و راجعوه في لونها ثانيا:(ما لونها)؟قال:(صفراء فاقع لونها).

ثمّ راجعوه آخرا في ماهيّتها مرة أخرى:(ما هى)؟ قال: لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها، أي صعبة الانقياد لحراثة الأرض و سقيها،بريئة من العيوب.

رابعا:جميع الآيات المتقدّمة سوى(2)تتعلّق ببني إسرائيل و أنبيائهم،و قد اختصّت بهم،لأنّهم كانوا رعاة بقر،كما كان العرب رعاة إبل،و هي تكثر في بلاد الشّام و مصر و سائر البلاد الخصبة.

خامسا:وردت قصّة بقرة بني إسرائيل في التّوراة بشكل مسهب،إذ جاء في الإصحاح(19)من سفر العدد:«كلّم بني إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء

ص: 380

صحيحة لا عيب فيها،و لم يعل عليه نير...».

كما جاء في سفر التّثنية(21:1-9):«إذا وجد قتيل-في الأرض الّتي يعطيك الرّبّ إلهك لتمتلكها-واقعا في الحقل لا يعلم من قتله،يخرج شيوخك و قضاتك و يقيسون إلى المدن الّتي حول القتيل،فالمدينة القريبة من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها،لم تجرّ بالنّير...».

و بذلك يندفع قول أهل الشّبهات:إنّ بني إسرائيل لا يعرفون هذه القصّة؛إذ لا وجود لها في التّوراة،فمن أين جاء بها القرآن؟لاحظ المنار في النّصوص.

سادسا:كما وردت قصّة البقرات السّمان و العجاف أيضا في منام ملك مصر في سفر التّكوين(41:17-21):

«فقال فرعون ليوسف:إنّي كنت في حلمي واقفا على شاطئ النّهر،و إذا سبع بقرات طالعة من النّهر،سمينة اللّحم و حسنة الصّورة،فارتعت في روضة.و إذا سبع بقرات أخرى طالعة وراءها مهزولة و قبيحة الصّورة جدّا و رقيقة اللّحم،لم أنظر في كلّ أرض مصر مثلها في القباحة،فأكلت البقرات الرّقيقة و القبيحة البقرات السّبع الأولى السّمينة...»

سابعا:جاءت«الأنعام»في سورة الأنعام(6 مرّات) و بها سمّيت،و منها:الضّأن و المعز،و الإبل و البقر،كما قال تعالى: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ... وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ...

الأنعام:143،144،فالضّأن و المعز مماثلان،و كذلك الإبل و البقر مماثلان،لاحظ موادّها.

ص: 381

ص: 382

ب ق ع

اشارة

البقعة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البقع:لون يخالف بعضه بعضا،مثل الغراب الأسود في صدره بياض؛غراب أبقع،و كلب أبقع.

و البقعة:قطعة من أرض على غير هيئة الّتي على جنبها.كلّ واحدة منها:بقعة،و جمعها:بقاع و بقع.

و البقيع:موضع من الأرض،فيه أروم شجر،من ضروب شتّى،و به سمّي بقيع الغرقد بالمدينة.

و الغرقد:شجر كان ينبت هناك،فبقي الاسم ملازما للموضع،و ذهب الشّجر.

و الباقعة:الدّاهية من الرّجال.و بقعتهم باقعة من البواقع،أي داهية من الدّواهي.

و في الحديث:«يوشك أن يعمل عليكم بقعان أهل الشّام»يريد خدمهم لبياضهم.و شبّههم بالشّيء الأبقع الّذي فيه بياض،يعني بذلك:الرّوم و السّودان.

(1:184)

الكسائيّ: إذا تغيّر اللّون من حزن يصيب صاحبه أو فزع،قيل:ابتقع.(ابن فارس 1:283)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقال:عليه خرء بقاع،و هو العرق يصيب الإنسان،فيبيضّ على جلده شبه لمع.

(الأزهريّ 1:285)

و في حديث القبائل:«أنّ عليّا[عليه السّلام]قال لأبي بكر:لقد عثرت من الأعرابيّ على باقعة».

و في خبر آخر:«ففاتحته فإذا هو باقعة».

الباقعة:طائر حذر،إذا شرب الماء نظر يمنة و يسرة.

(الهرويّ 1:197)

الفرّاء: و يقال:أين بقّع بالتّشديد،مثل بقع بالتّخفيف.(الصّغانيّ 4:218)

ص: 383

أبو عبيدة: الأبقع من الخيل:الّذي يكون في جسده بقع متفرّقة،مخالفة للونه.(ابن فارس 1:281)

أبو زيد: [بعد معنى البقعة]هي البقعة أيضا،بفتح الباء.(ابن فارس 1:281)

كلّ جوّ من الأرض و ناحية:بقيع.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:282)

يقال:أصابه خرء بقاع،و بقاع يا فتى و بقاع، مصروف و غير مصروف.و هو أن يصيبه غبار و عرق، فتبقى لمع منه على جسده.و أرادوا ببقاع:أرضا بعينها.

و يقال:تشاتما و تقاذفا بما أبقى ابن بقيع.و ابن بقيع:

الكلب،و ما أبقى من الجيفة.(الأزهريّ 1:285)

اللّحيانيّ: أرض بقعة:فيها بقع من الجراد.

(الأزهريّ 1:285)

يقال:ابتقع لونه،و امتقع لونه،و انتقع لونه،بمعنى واحد.(الأزهريّ 1:286)

أبو عبيد: في حديث أبي هريرة[السّابق في كلام الخليل :]

قوله:«بقعان»أراد البياض،لأنّ الخدم بالشّام إنّما هم الرّوم و الصّقالبة،فسمّاهم«بقعان»للبياض؛و لهذا قيل للغراب:أبقع،إذا كان فيه بياض.و هو أخبث ما يكون من الغربان،فصار مثلا لكلّ خبيث.

(2:286)

يقال:ما أدري أين سكع (1)و بقع،أي أين ذهب.

(الأزهريّ 1:285)

نحوه ابن الأعرابيّ.(ابن فارس 1:283)

ابن الأعرابيّ: يقال للأبرص:الأبقع، و الأسلع...و الجميع:بقع.(الأزهريّ 1:286)

البقعاء من الأرض:المعزاء،ذات الحصى و الحجارة.(ابن فارس 1:281)

مثله ابن سيدة.(1:148)

سنة بقعاء،أي مجدبة.(ابن فارس 1:282)

و قالوا:«يجري بقيع و يذمّ»و الأعرف بليق،يقال هذا للرّجل يعينك بقليل ما يقدر عليه،و هو على ذلك يذمّ.(ابن منظور 8:19)

ابن السّكّيت: و يقال:عام أرمل،في قلّة المطر.

و عام أبقع،أي يقع فيه المطر في مواضع.و أخرج، و أشهب.كلّ هذا دون الخصب.(29)

و حكي عن بعضهم:جلسنا في بقعة طيّبة،و أقمت برهة من الدّهر.و الكلام بقعة و برهة.

(إصلاح المنطق:114)

بقع فلان بكلام سوء،أي رمي به.

(ابن فارس 1:282)

ابن قتيبة :[في حديث أبي هريرة السّابق:]

«البقعان»:الّذين فيهم سواد و بياض.

لا يقال لمن كان أبيض من غير سواد يخالطه:أبقع، فكيف يجعل الرّوم بقعانا،و هم بيض خلص؟

و أرى أنّ أبا هريرة أراد أنّ العرب تنكح إماء الرّوم، فيستعمل عليكم أولادها،و هم بين سواد العرب و بياض الرّوم،أخذوا من سواد الآباء و بياض الأمّهات.

(الهرويّ 1:196)

الدّينوريّ: و في الأرض بقع من نبت،أي نبذ.3)

ص: 384


1- ذكره ابن الأعرابيّ«سقع».ابن فارس(1:283)

(ابن سيدة 1:148)

البقعاء من الأرضين:الّتي يصيب بعضها المطر لم لم يصب البعض.(ابن فارس 1:281)

نحوه ابن سيدة.(الإفصاح 2:1059)

ابن دريد :و البقع:سواد و بياض،في ألوان الكلاب و غيرها.

و البقيع:موضع.

و البقعة من الأرض:القطعة منها،و الجمع:بقاع، و مثل من أمثالهم:«يدال من البقاع كما يدال من الرّجال».

و رجل باقعة،إذا كان داهيا.و هاربة البقعاء:بطن من العرب،و هم إخوة بني ذبيان.

و بقعاء:موضع،معرفة لا تدخلها الألف و اللاّم.

(1:313)

و جارية قبعة و بقعة،و هي الّتي تظهر وجهها ثمّ تخفيه.(3:431)

و خرء بقاع:و هو أثر السّبخ على البدن إذا اغتسل بالماء الملح.(3:471)

و يقال:أرض جردة و أرض بقعة،فالجردة:الّتي لا شيء فيها.و البقعة:الّتي فيها بقع الجراد و بقع نبت.

(3:473)

ابن الأنباريّ: في قولهم:فلان باقعة،معناه حذر، محتال،حاذق.(ابن منظور 8:19)

الأزهريّ: انبقع فلان انبقاعا،إذا ذهب مسرعا وعدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للضّبع:باقع.و يقال للغراب:أبقع،و جمعه:

بقعان،لاختلاط لونه.

و إذا انتضح الماء على بدن المستسقي من ركيّة ينزع منها بالعلق فابتلّت مواضع من جسده،قيل:قد بقّع، و منه قيل للسّقاة:بقع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الباقعة:الرّجل الدّاهية،يقال:ما فلان إلاّ باقعة من البواقع،لحلوله بقاع الأرض و كثرة تنقيبه في البلاد، و معرفته بها،فشبّه الرّجل البصير بالأمور به.و دخلت الهاء في نعت الرّجل مبالغة في صفته،كما قالوا:رجل داهية،و علاّمة،و نسّابة.(1:285)

الصّاحب: [قال نحو ما تقدّم عن الخليل و أضاف:]

و عام أبقع:ليس فيه مطر.و فلان حسن البقعة عند الأمير،أي المنزلة.و لا يدرى أين بقع في الأرض،أي ذهب بقوعا.

و بقعت الأرض منه:خلت.

و البقعة:الرّجل ذو الكلام الكثير في غير طريقته.

و بقّع له:حلف له على شيء.و لم أبقع بكذا،أي لم أكتف به.(1:195)

الجوهريّ: البقعة من الأرض:واحدة البقاع.

و الباقعة:الدّاهية،تقول منه:بقع الرّجل إذا رمي بكلام قبيح أو ببهتان.

و قولهم:ما أدري أين بقع؟أي ذهب،كأنّه قال:إلى أيّ بقعة من بقاع الأرض ذهب.

و الغراب الأبقع:الّذي فيه سواد و بياض.

و البقع بالتّحريك في الطّير و الكلاب،بمنزلة البلق في الدّوابّ.[إلى أن قال:]

و سنة بقعاء،أي مجدبة،و يقال فيها:خصب

ص: 385

و جدب.(3:1187)

ابن فارس: الباء و القاف و العين أصل واحد، ترجع إليه فروعها كلّها،و إن كان في بعضها بعد فالجنس واحد،و هو مخالفة الألوان بعضها بعضا و ذلك مثل الغراب الأبقع،و هو الأسود،في صدره بياض.

و يقال:غراب أبقع،و كلب أبقع.

و قال بعضهم للحجّاج في خيل ابن الأشعث:رأيت قوما بقعا.قال:ما البقع؟قال:رقّعوا ثيابهم من سوء الحال.[ثمّ ذكر قول الدّينوريّ و قال:]

و كذلك مبقّعة.

يقال:أرض بقعة،إذا كان فيها بقع من نبت،و قيل:

هي الجردة الّتي لا شيء فيها،و الأوّل أصحّ.و في المثل:

«نجّى حمارا بالبقيع سمنه».

و الباقعة:الدّاهية.

يقال:بقعتهم باقعة،أي داهية؛و ذلك أنّه أمر يلصق حتّى يذهب أثره.

قال ابن السّكّيت:«يقال:بقع فلان بكلام سوء،أي رمي»،و هو في الأصل الّذي ذكرناه.

فأمّا قولهم:ابتقع لونه،فيجوز أن يكون من هذا، و يجوز أن يكون من باب الإبدال،لأنّهم يقولون:امتقع لونه.

و يقال:بقع في الأرض بقوعا،إذا خفي،فذهب أثره.

قال بعض الأعراب:البقعة من الرّجال:ذو الكلام الكثير،الذّاهب في غير مذهبه،و هو الّذي يرمي بالكلام لم يعلم له أوّل و لا آخر.

قال بعضهم:بقع الرّجل،إذا حلف له حلفا.

و عام أبقع و أربد،إذا لم يكن فيه مطر.(1:281)

الهرويّ: و يقال:بقعة،و بقعة.

فمن قال:«بقعة»،قال في جمعه:بقع،مثل:تحفة و تحف،و نطفة و نطف.

و من قال:«بقعة»،قال في جمعه:بقاع،مثل:قصعة و قصاع،و تلعة و تلاع.(1:196)

ابن سيدة :البقع،و البقعة:تخالف اللّون.

و غراب أبقع:في صدره بياض،و كلب أبقع.[إلى أن قال:]

البقعاء:الّتي اختلط بياضها و سوادها،فلا يدرى أيّهما أكثر.

و غراب أبقع:يخالط سواده بياض،و هو أخبثها، و به يضرب المثل لكلّ خبيث.

و الأبقع:السّراب لتلوّنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقّع المطر في مواضع من الأرض:لم يشملها.

و عام أبقع:بقّع فيه المطر.

و أرض بقعة:نبتها متقطّع.

و بقع بقبيح:فحش عليه.[إلى أن قال:]

و ما أدري أين بقع؟أي ذهب،لا يستعمل إلاّ في الجحد.(1:250)

البقعة و البقعة و البقع:بياض يخالطه لون آخر،أي فيه موضع بياض و موضع غيره.

و قيل:البقعة من اللّون:القطعة،تخالف ما حولها.

بقع الجلد يبقع بقعا:خالط لونه لون آخر فهو أبقع.

ص: 386

و بقّعه:جعله ذا بقع فتبقّع،و هو مبقّع.

(الإفصاح 2:1335)

الزّمخشريّ: نادى اللّه تعالى موسى عليه السّلام في البقعة المباركة،و نزلوا في بقاع طيّبة.

و في الثّوب بقع لم يصبها الصّبغ.

و بقّع الصّبّاغ الثّوب،إذا لم يبهم الصّبغ،فبقيت فيه لمع.و بقّع السّاقي ثوبه،إذا انتضح عليه الماء فابتلّت منه بقع،و قد تبقّعت ثيابه.و غراب أبقع:فيه بقع من سواد و بياض.

و كلاب بقع و هو من بقع الكلاب،و منه ابتقع لونه.

و من المجاز:سنة بقعاء،و عام أبقع:لعام الجدب.

و تشاتما فتقاذفا بما أبقى ابن بقيع و هو الكلب، و ما أبقاه هو بقايا الجيف،أي قذف كلّ واحد صاحبه بالقاذورات.

و هو باقعة من البواقع:للكيّس الدّاهي من الرّجال، شبّه بالطّائر الّذي يرد البقع-و هي المستنقعات-دون المشارع خوف القنّاص.

و فلان حسن البقعة عند الأمير،أي المكان و المنزلة.(أساس البلاغة:27

المدينيّ: في حديث أبي هريرة:«أنّه رأى رجلا مبقّع الرّجلين و قد توضّأ».

البقع:اختلاف اللّونين،يريد مواضع في الرّجل لم يصبها الماء-و منه غراب أبقع-أي كانت في رجله مواضع خالف لونها لون سائرها الّذي غسل.

و منه حديث عائشة في غسل المنيّ من الثّوب:«إنّي لأرى بقع الغسل في ثوبه»تعني المواضع الّتي غسلتها.

في الحديث ذكر«بقيع الغرقد».

قيل:البقيع:المكان المتّسع.و قيل:لا يسمّى بقيعا إلاّ و فيه شجر،أو أصوله لاختلاف لوني الأرض و الشّجر.و هذا البقيع،و كان ذا شجر،فذهب شجره و بقي اسمه.و لهذا يقال:بقيع الغرقد،و هو جنس من الشّجر.(1:179)

ابن برّيّ: الباقع:الضّربان.(ابن منظور 8:18)

ابن الأثير: في حديث أبي موسى«فأمر لنا بذود (1)بقع الذّرى»أي بيض الأسنمة،جمع:أبقع.

و قيل:الأبقع:ما خالط بياضه لون آخر.

و منه الحديث:«أنّه أمر بقتل خمس من الدّوابّ، و عدّ منها الغراب الأبقع».

[ثمّ ذكر حديث أبي بكر المتقدّم في كلام أبي عمرو الشّيبانيّ و قال:]

[الباقعة:الدّاهية]و منه الحديث:«ففاتحته فإذا هو باقعة»أي ذكيّ عارف،لا يفوته شيء و لا يدهى.

(1:145)

الصّغانيّ: الباقع:الضّبع.

و البقعة،بالفتح:المكان يستنقع فيه الماء.

و الباقعة:الطّائر الّذي لا يرد المشارع،و إنّما يشرب من البقعة،خوفا من أن يحتال عليه فيصطاد.

و ابتقع لونه،أي تغيّر.و ابتقع مثل انتقع بالنّون.

بقع بالشّيء:اكتفى به.(4:217)

الفيّوميّ: البقعة من الأرض:القطعة منها،و تضمّ الباء في الأكثر،فتجمع على«بقع»مثل غرفة و غرف.ل.

ص: 387


1- إبل.

و تفتح فتجمع على«بقاع»مثل كلبة و كلاب.

و البقيع:المكان المتّسع،و يقال:الموضع الّذي فيه شجر.و«بقيع الغرقد»بمدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كان ذا شجر و زال،و بقي الاسم،و هو الآن مقبرة.

و بالمدينة أيضا موضع يقال له:بقيع الزّبير.

و بقع الغراب و غيره بقعا،من باب تعب:اختلف لونه فهو أبقع،و جمعه:بقعان بالكسر،غلب فيه الاسميّة و لو اعتبرت الوصفيّة لقيل:بقع،مثل أحمر و حمر.(57)

الفيروزآباديّ: البقع محرّكة:في الطّير و الكلاب كالبلق في الدّوابّ.

و بقع كفرح:بلق،و به:اكتفى،و الأرض منه:

خلت،و المستقي:انتضح بالماء على بدنه فابتلّت مواضع منه،و منه قيل للسّقاة:البقع،بالضّمّ.

و ما أدري أين بقع:ذهب كبقّع.و كعني:رمي بكلام قبيح.

و الباقعة:الرّجل الدّاهية،و الذّكيّ العارف لا يفوته شيء و لا يدهى.و الطّائر لا يرد المشارب خوف أن يصاد،و إنّما يشرب من البقعة،و هي المكان يستنقع فيه الماء.و بالضّمّ و يفتح:القطعة من الأرض على غير هيئة الّتي إلى جنبها،الجمع كجبال.

و أرض بقعة كفرحة:فيها بقع من الجراد.

و بقعان الشّام بالضّمّ:خدمهم و عبيدهم،لبياضهم و حمرتهم،أو لأنّهم من الرّوم و من السّودان.

و البقيع:الموضع فيه أروم الشّجر من ضروب شتّى.

و بقيع الغرقد،لأنّه كان منبته.

و أصابه خرء بقاع كقطام و يصرف،أي غبار و عرق فبقي لمع من ذلك على جسده..

و ابن بقيع كزبير:الكلب.

يقال:تقاذفا بما أبقى ابن بقيع،أي بالجيفة لأنّ الكلب يبقيها.

و ابتقع لونه بالضّمّ:امتقع.

و ابتقع كانصرف:ذهب مسرعا.

و الأبيقع:العام القليل المطر،و البقعاء:السّنة المجدبة أو فيها خصب و جدب.

و قول الحجّاج:رأيت قوما بقعا بالضّمّ،أي عليهم ثياب مرقّعة.(3:6)

الطّريحيّ: و في الحديث:«إذا مات المؤمن بكت عليه بقاع الأرض الّتي كان يعبد اللّه عليها»و يحتمل الحقيقة و المجاز.(4:301)

محمود شيت: يقال في أوامر التّصويب:يمين البقعة الخضراء بثلاث درجات،و يقال في أوامر الرّمي:

السّاعة الخامسة من البقعة الجرداء،شجرة منفردة.

(1:95)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّخالف في اللّون،أو في الكيفيّة الظّاهرة،كالحيوان الأبقع و الأرض البقعاء.

و أمّا البقعة فهي«فعلة»بمعنى ما يبقّع به كاللّقمة بمعنى ما يلقم،فهي موضع يختلف به عدّة قطعات من الأرض، و البقيع مثلها.(1:296)

ص: 388

النّصوص التّفسيريّة

البقعة المباركة

فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ... القصص:30

الإمام الصّادق عليه السّلام: شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ الّذي ذكره اللّه في القرآن هو الفرات،و اَلْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ هي كربلاء.[و لا ريب أنّه تأويل]

(العروسيّ 4:127)

الطّبريّ: قوله: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ من صلة الشّاطئ.(20:71)

الزّجّاج: سمّيت مباركة،لأنّ اللّه كلّم موسى فيها، و بعثه نبيّا.و يقال:بقعة و بقعة-بالضّمّ و الفتح-و قد قرئ بهما جميعا.(4:143)

نحوه القرطبيّ(13:283)،و الطّوسيّ(8:146)، و البغويّ(3:533)

ابن عطيّة: و بركة البقعة هي ما خصّت به من آيات اللّه تعالى و أنواره،و تكليمه لموسى عليه السّلام.و النّاس على ضمّ الباء من«بقعة»،و قرأ بفتحها أبو الأشهب.

(4:287)

الطّبرسيّ: و هي البقعة الّتي قال اللّه تعالى فيها لموسى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً طه:12،و إنّما كانت مباركة لأنّها معدن الوحي و الرّسالة،و كلام اللّه تعالى.

و قيل:مباركة لكثرة الأشجار و الأثمار و الخير و النّعم بها.

و الأوّل أصحّ؛إذ من الشّجرة إنّما سمع موسى النّداء.

و الكلام من الشّجرة،لأنّ اللّه تعالى فعل الكلام فيها و جعل الشّجرة محلّ الكلام،لأنّ الكلام عرض يحتاج إلى محلّ،و علم موسى بالمعجز أنّ ذلك كلامه تعالى.

و هذه أعلى منازل الأنبياء،أعني أن يسمعوا كلام اللّه من غير واسطة و مبلّغ.

و كان كلامه سبحانه: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ القصص:30،أي أنّ المكلّم لك هو اللّه مالك العالمين،و خالق الخلائق أجمعين،تعالى و تقدّس عن أن يحلّ في محلّ أو يكون في مكان،لأنّه ليس بعرض و لا جسم.(4:251)

الفخر الرّازيّ: إنّما وصف(البقعة)بكونها مباركة، لأنّه حصل فيها ابتداء الرّسالة،و تكليم اللّه تعالى إيّاه.

(24:244)

نحوه البروسويّ.(6:401)

البيضاويّ: فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ متّصل ب(الشّاطئ)أو صلة ل(نودي).(2:192)

مثله أبو السّعود.(5:122)

أبو حيّان: قرأ الأشهب العقيليّ و مسلمة (فى البقعة) بفتح الباء.و وصفت(البقعة)بالبركة لما خصّت به من آيات اللّه و أنواره و تكليمه لموسى عليه السّلام،أو لما حوت من الأرزاق و الثّمار الطّيّبة.

و يتعلّق(في البقعة)ب(نودى)،أو تكون في موضع الحال من(شاطئ).(7:116)

نحوه الآلوسيّ.(20:73)

الطّباطبائيّ: و اَلْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ: قطعة

ص: 389

خاصّة من الشّاطئ الأيمن في الوادي،كانت فيه الشّجرة الّتي نودي منها.و مباركتها لتشرّفها بالتّقريب و التّكليم الإلهيّ.

و قد أمر بخلع نعليه فيها لتقدّسها،كما قال تعالى في القصّة من سورة طه:12 فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً. (16:32)

و هناك مباحث أخرى راجع«ش ج ر».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البقعة»و هي قطعة من الأرض على غير هيئة الّتي على جنبها،جمعها:بقع و بقاع.و منه:البقيع من الأرض،و هو موضع فيه أروم شجر،و به سمّي بقيع الغرقد بالمدينة.

و أرض بقعة:فيها بقع من جراد،أو نبتها متقطّع، و أرض بقعاء:معزاء،أي ذات حجارة و حصى.

و البقعة:مكان يستنقع فيه الماء.

2-ثمّ استعمل هذا المعنى في الألوان،يقال:بقع الجلد بقعا،أي خالط لونه لونا آخر،فهو أبقع و البشرة بقعاء.

و غراب أبقع:غراب أسود في صدره بياض،و الأبقع من الخيل و الكلاب:الّذي يكون في جسده بقع متفرّقة مخالفة للونه،و البقع فيها بمنزلة البلق في الدّوابّ.

و الأبقع:الأبرص،لاختلاف لون بشرته،و هو السّراب أيضا لتلوّنه.

و ابتقع الرّجل:تغيّر لونه من حزن أو فزع أصابه، و في الحديث:«يعمل عليكم بقعان أهل الشّام»،يريد خدمهم لبياضهم.و عليه خرء بقاع،أي أثر السّبخ على البدن إذا غسل بالماء الملح،أو العرق يصيب الإنسان فيبيّض على جلده شبه لمع.

3-و توسّع فيه فقالوا:بقع المستقي،إذا انتضح الماء على بدنه،فابتلّت مواضع منه،و منه قيل للمسقاة:

البقع.و عام أبقع:يقع المطر خلاله في مواضع،و سنة بقعاء،فيها خصب و جدب.و جارية بقعة:الّتي تظهر وجهها ثمّ تخفيه،و الباقعة:طائر حذر إذا شرب الماء نظر يمنة و يسرة.و الباقعة:الدّاهية من الرّجال،يقال:

بقعتهم باقعة من البواقع،أي داهية من الدّواهي.و بقع بكلام سوء،أي رمي به.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة في القرآن«البقعة»فقط، ضمن قصّة موسى،إذ رأى نارا تنبعث من الشّجرة.

و المراد بها-كما جاء في النّصوص-القطعة من الأرض الواقعة في الجانب الأيمن من الوادي عند جبل طور،و قد وصف القرآن هذه القصّة في أربع سور مكّيّة خمس مرّات:

1- فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ القصص:30

2- فَلَمّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى* إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى* إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي طه:11-14

3- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً* اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى

ص: 390

3- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً* اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى

النّازعات:15-17

4- وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا مريم:52

5- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى طه:80

يلاحظ أوّلا:أنّ النّداء في الأربع الأولى جاء مرّتين بلفظ المجهول(نودى)في(1)و(2)مع النّداء(يا موسى)، و مرّتين بلفظ المعلوم،مرّة جمعا للمتكلّم(و ناديناه)في (4)،و مرّة فعلا غائبا(اذ ناديه ربّه)في(3).و جاء في (5)(و واعدناكم)بدل النّداء،و هذا حكاية لقصّة بني إسرائيل،فجاء فيها(واعدناكم).

أمّا الأربع الأولى فحكاية القصّة كما وقعت لموسى، فجاء فيها«النّداء»،و هو ركن في القصّة،لأنّه ابتداء كلام اللّه لموسى،و كلّها تشعر بالاهتمام و الأهميّة،فالفعل المجهول في(1)و(2)فيه إبهام للفاعل تعظيما و تفخيما،و(ناديه)في(3)نسبة النّداء إلى ربّه،فيه تجليل و أيّ تجليل؛إذ المنادى هو ربّه الّذي خلقه و ربّاه حتّى نال شرف الرّسالة.و(ناديناه)في(4)نسبة الفعل إليه جمعا مسوق للتّعظيم دائما،مثل: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الفتح:1.

و من أجل ذلك خصّ اللّه موسى بالتّكليم من بين الأنبياء بقوله: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164، كما خصّ عيسى بتأييده بروح القدس: وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ البقرة:87 و 253.و(واعدناكم)أيضا تعميم لوعد موسى إلى بني إسرائيل،و جعل«النّداء»وعدا لهم ينبئ عن الاهتمام به،فكأنّ هذا النّداء كان مصدرا لكلّ ما آتاه اللّه بني إسرائيل من المواهب.

ثانيا:مصدر النّداء في(2)و(3): بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، و في(4)و(5): جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ، و في (1): شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فهذه الآية تفسّر و تبيّن غيرها بأنّ النّداء جاء من الشّجرة الواقعة في بقعة مباركة من الشّاطئ الأيمن للوادي،و كانت في الجانب الأيمن من الطّور كما في (4)و(5).

فلفظ(الايمن)في(4)و(5)وصف للجانب لا للطّور،و في(1)وصف للشّاطئ لا للوادي،و الشّاطئ هو الجانب،و طوى اسم للوادي،أو هو الطّيّ بمعنى المكرّر،فلاحظ«ط و ي».

ثالثا:صار حديث مؤانسة موسى النّار في الشّجرة في الأدب و كذا في العرفان الإسلاميّ مثارا ساميا للمفاهيم الصّوفيّة؛بحيث لو جمعت منثورها و منظومها في اللّغة العربيّة و غيرها من اللّغات الإسلاميّة لضمّت مجلّدات في معرفة اللّه تعالى لا توجد عند غير المسلمين،كما بعث المتكلّمين على الخوض في مباحث كلاميّة مغلقة.

رابعا:جاءت لفظة(البقعة)معرّفة باللاّم إشارة إلى علوّ هذا المقام و انفرادها من بين البقاع،موصوفة ب(المباركة).و من المعلوم أنّ المراد بها البركة المعنويّة، و هي الّتي وصف بها الوادي في(2)و(3)بلفظ(الواد المقدّس طوى)،فالمباركة هي القدسيّة.

و لا وجه لما قيل فيها:من كثرة الثّمار و زيادة

ص: 391

الخصب،أخذا من قوله تعالى: اَلَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ الإسراء:1،في وصف المسجد الأقصى،و البقعة المباركة في أرض سيناء،حيث جبل«طوى».على أنّ المباركة في وصف المسجد ظاهرة في البركة المعنويّة أيضا دون زيادة الثّمار،راجع مجمع البيان(6:250)،و لاحظ (موسى)و(الطّور)و(ب ر ك)و(ط و ي)و(ق د س) و غيرها من الموادّ.

خامسا:من أجل ذلك انفردت(البقعة)بالذّكر،فلم تتكرّر في القرآن،لانحصارها بتلك القطعة من الأرض الّتي تجلّى فيها الرّبّ لموسى،مرّة واحدة و لم تتكرّر لغيره،و لا له مرّة أخرى.

سادسا:و كأنّ مجيئها في المكّيّات عند بدء الوحي و التّشريع استيناس للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تعويد له للوحي الإلهيّ و الاتّصال المباشر باللّه ربّ العالمين.

ص: 392

ب ق ل

اشارة

بقلها

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البقل:ما ليس بشجر دقّ و لا جلّ.و فرق ما بين البقل و دقّ الشّجر:أنّ البقل إذا رعي لم يبق له ساق،و الشّجر تبقى له سوق و إن دقّت.

و ابتقل القوم،إذا رعوا البقل.و الإبل تبتقل و تتبقّل،أي تأكل البقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الباقل:ما يخرج في أعراض الشّجر،إذا ما دنت أيّام الرّبيع و جرى فيها الماء،فرأيت في أعراضه شبه أعين الجراد قبل أن يستبين ورقه،فذلك الباقل،و قد أبقل الشّجر.و يقال عند ذلك:صار الشّجر بقلة واحدة.

و أبقلت الأرض فهي مبقلة،أي أنبتت البقل.

و المبقلة:ذات البقل.

و الباقلّى:اسم سواديّ،و هو الفول،و حبّه الجرجر.

و يقال للأمرد إذا خرج وجهه:قد بقل وجهه.

و باقل:اسم رجل يوصف بالعيّ،و بلغ من عيّه أنّه اشترى ظبيا،فقيل له:بكم اشتريت؟فأخرج أصابع يديه و لسانه،أي أحد عشر درهما،فأفلت الظّبي و ذهب.(5:169)

الضّبّيّ: تقول العرب:فطر ناب البعير،و شقأ نابه، و شقّ نابه،و بقل و بزغ و صبأ،بمعنى واحد.

(ابن دريد 3:460)

أبو عمرو الشّيبانيّ: بقل الحمار،إذا أكل البقل يبقل..و لا يسمّى الخلى بقلا إلاّ إذا كان رطبا.

(ابن فارس 1:275)

الفرّاء: أرض بقلة و بقيلة،أي كثيرة البقل.

(ابن فارس 1:275)

أبو زيد: يقال للرّمث أوّل ما ينبت:باقل،و ذلك إذا ضربه المطر حتّى ترى في أفنانه مثل رءوس النّمل،و هو خير ما يكون،ثمّ يكون حانطا،ثمّ وارسا.فإذا جاز ذلك فسد،و انتهت عنه الإبل.

ص: 393

فأمّا باقل فرجل به المثل في العيّ.

(ابن فارس 1:275)

الأصمعيّ: بقل المكان و أبقل.فأمّا بقل وجه الغلام،فبغير ألف.(ابن دريد 3:438)

يقال للرّمث أوّل ما يبدو ورقه قبل أن يخرج:قد أقمل،فإذا زاد على ذلك قيل:قد أدبى،فإذا ظهرت خضرته قيل:قد بقل.(القاليّ 2:34)

أبقل المكان فهو باقل من نبات البقل،و أورس الشّجر فهو وارس،إذا أورق،و هو بالألف.

(الأزهريّ 9:172)

ابن الأعرابيّ: البوقالة:الطّرجهارة (1).

(الأزهريّ 9:172)

أبو عبيد: الباقلّى،إذا شدّدت اللاّم قصرت،و إذا خفّفت مددت،فقلت:الباقلاء.(الأزهريّ 9:172)

ابن السّكّيت: يقولون:قد أبقل الرّمث،إذا مطر فظهر أوّل نبته فهو باقل،و لا يقولون:مبقل.

(إصلاح المنطق:363)

يقال:قد بقل وجهه يبقل بقولا،إذا خرج شعر وجهه.و قد بقل ناب البعير بقولا،إذا طلع.

(إصلاح المنطق:275)

أرض مبقلة:كثيرة البقل.(إصلاح المنطق:367)

الأمويّ: من أمثالهم في باب التّشبيه«إنّه لأعيا من باقل»و هو رجل من ربيعة،و كان عييّا فدما.

(الأزهريّ 9:172)

الدّينوريّ: ما كان منه ينبت في بزره و لا ينبت في أرومة ثابتة فاسمه:البقل.(ابن سيدة 6:434)

الباقلى بالتّخفيف و القصر.و قال الأحمر:واحدة الباقلاء:باقلاء،فإذا كان ذلك فالواحد و الجميع فيه سواء.و أرى الأحمر حكى مثل ذلك في:الباقلّي.

(ابن سيدة 6:436)

كراع النّمل:و البوقال بضمّ الباء:ضرب من الكيزان.(ابن سيدة 6:436)

ابن دريد :البقل:العشب،و ما ينبت الرّبيع.

بقلت الأرض و أبقلت:لغتان فصيحتان،إذا أنبتت البقل.

و بقل وجه الغلام و بقّل،إذا ابتدأ فيه الشّعر.

و المثل السّائر«لا تنبت البقلة إلاّ الحقلة».و الحقلة:

القراح الطّيّب الطّين.(1:320)

البقل:جنس،يندرج فيه النّبات الرّطب،ممّا يأكله النّاس و البهائم،و منه الباقلاء.(أبو حيّان 1:219)

الصّاحب:البقل:ما ليس بشجر.

و ابتقل القوم:رعوا بقلا.و الإبل تبتقل و تتبقّل،إذا سمنت من رعي البقل.[ثمّ قال نحو الخليل و أضاف:]

و أبقل المكان فهو باقل،و لا يقال:مبقل.

و يقولون لبقل الرّبيع:البقلة.

و بلد بقل و مبقل،و أرض بقيلة.

و بقل نابه يبقل بقولا،إذا شقأ.

و باقل:اسم رجل عييّ،و في المثل:«أعيا من باقل» و له حديث مشهور.

و الباقول:كوز لا عروة له،و جمعه:بواقيل.[ثمّ استشهد بشعر](5:433)ا.

ص: 394


1- هي شبه كأس يشرب فيها.

ابن جنّيّ: مكان مبقل،هو القياس،و باقل أكثر في السّماع،و الأوّل مسموع أيضا.(ابن سيدة 6:435)

الجوهريّ: البقل معروف،الواحدة:بقلة.و البقلة أيضا:الرّجلة،و هي البقلة الحمقاء.

و المبقلة:موضع البقل.

و يقال:كلّ نبات اخضرّت له الأرض فهو بقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقل وجه الغلام،يبقل بقولا:خرجت لحيته.

و لا تقل:بقّل بالتّشديد.

و أبقل الرّمث،و ذلك إذا أدبى و ظهرت خضرة ورقه،فهو باقل،و لم يقولوا:مبقل.كما قالوا:أورس فهو وارس،و لم يقولوا:مورس.و هو من النّوادر.

و أبقلت الأرض:خرج بقلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابتقل الحمار،أي رعى البقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبقّل مثله.[ثمّ استشهد بشعر](4:1636)

ابن فارس: الباء و القاف و اللاّم أصل واحد،و هو من النّبات،و إليه ترجع فروع الباب كلّه.

قال الخليل :البقل من النّبات:ما ليس بشجر دقّ و لا جلّ.و فرق ما بين البقل و دقّ الشّجر بغلظ العود و جلّته.فإنّ الأمطار و الرّياح لا تكسر عيدانها،تراها قائمة أكل ما أكل و بقي ما بقي.[و بعد نقل قول الخليل و الفرّاء و الشّيبانيّ قال:]

قال بعضهم: أبقل المكان ذو الرّمث،ثمّ يقولون:

باقل.و لا نعلمهم يقولون:بقل المكان،يجرونها مجرى أعشب البلد،فهو عاشب،و أورس الرّمث،فهو وارس.

قال أبو زياد:البقل:اسم لكلّ ما ينبت أوّلا،و منه قيل لوجه الغلام أوّل ما ينبت:قد بقل يبقل بقولا و بقلا.

و بقل ناب البعير،أي طلع.(ابن فارس 1:274)

أبو سهل الهرويّ: و«الرّجلة»بالكسر:مطمئنّ من الأرض،و بقلة أيضا يقال لها:الحمقاء.و إنّما سمّيت حمقاء،لأنّها تنبت في كلّ موضع،و قيل:لأنّها تنبت في مسيل الماء.(التّلويح في شرح الفصيح:66)

نحوه ابن سيدة.(الإفصاح 1:431)

ابن سيدة :بقل الشّيء:ظهر.

و البقل من النّبات:ما ليس بشجر دقّ و لا جلّ.

و حقيقة رسمه:أنّه ما لم تبق له أرومة على الشّتاء بعد ما يرعى.

و قيل:كلّ نابتة في أوّل ما تنبت فهو البقل،واحدته:

بقلة.و في المثل:«لا تنبت البقلة إلاّ الحقلة»،الحقلة:

القراح الطّيّبة من الأرض.

و بقلت الأرض،و أبقلت:انبتت البقل.

و بقل الرّمث يبقل بقلا،و بقولا،و أبقل فهو باقل، على غير قياس:كلاهما في أوّل ما ينبت،قبل أن يخضرّ.

و أرض بقيلة،و بقلة:مبقلة،الأخيرة على النّسب أي ذات بقل.و نظيره رجل نهر،أي يأتي الأمور نهارا.

و أبقل الشّجر:خرج في أعراضه مثل أظفار الطّير و أعين الجراد،قبل أن يستبين ورقه،فيقال حينئذ:صار بقلة واحدة.و اسم ذلك الشّيء:الباقل.و بقل النّبت يبقل بقولا،و أبقل:طلع،و أبقله اللّه.

و بقل وجه الغلام يبقل بقلا،و أبقل،و بقّل:خرج شعره،و كره بعضهم التّشديد.

و أبقله اللّه:أخرجه،و هو على المثل،بما تقدّم.

ص: 395

و بقل ناب البعير يبقل بقولا:طلع،على المثل أيضا.

و البقلة:بقل الرّبيع.

و أرض بقلة،و بقيلة،و مبقلة و مبقلة و بقّالة،و على مثاله:مزرعة و مزرعة و زرّاعة.

و ابتقلت الماشية،و تبقّلت:رعت البقل.و قيل:

تبقّلها:سمنها من البقل.

و تبقّل القوم،و ابتقلوا،و أبقلوا:تبقّلت ماشيتهم.

و خرج يتبقّل،أي يطلب البقل.

و بقلة الضّبّ:نبت.قال أبو حنيفة:ذكرها أبو نصر، و لم يفسّرها.

و الباقلّى،و الباقلاء:الفول،واحدته:باقلاّة و باقلاءة.(6:434)

نبات عشبيّ يغتذي به الإنسان دون معالجة.

و أحرار البقول:ما يؤكل من البقول غير مطبوخ.

(الإفصاح 1:429)

و بقلت البقل:قطّعته.(الإفصاح 2:1074)

الرّاغب: قوله تعالى: بَقْلِها وَ قِثّائِها البقرة:

61،البقل:ما لا ينبت أصله و فرعه في الشّتاء.

و قد اشتقّ من لفظه لفظ الفعل،فقيل:بقل،أي نبت.و بقل وجه الصّبيّ تشبيها به،و كذا بقل ناب البعير،قاله ابن السّكّيت.

و أبقل المكان:صار ذا بقل،فهو مبقل.و بقلت البقل:جززته،و المبقلة:موضعه.(56)

الزّمخشريّ: أبقلت الأرض،إذا اخضرّت بالنّبات،و بلد باقل و بقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبقّلت الإبل و ابتقلت.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقّلها راعيها.

و أبقل الشّجر:خرج وقت الرّبيع في أعراضه شبه أعناق الجراد،و يقال حينئذ:صار الشّجر بقلة واحدة.

و فلان لا يعرف البواقيل من الشّواقيل.فالباقول:

الكوب،و الشّاقول.[ثمّ ذكر معنى الشّاقول و قال:]

و من المجاز:بقل وجه الغلام،و بقّل.و بقل ناب البعير:نجم.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:27)

الطّبرسيّ: و البقل:ما ينبته الرّبيع،يقال:بقلت الأرض و أبقلت-لغتان فصيحتان-إذا أنبتت البقل.

فالبقل:كلّ نبات ليس له ساق.(1:122)

ابن برّيّ: [قال الجوهريّ:أبقل الرّمث،إذا أدبى و ظهرت خضرة ورقه،فهو باقل و لم يقولوا:مبقل]و قد جاء مبقل[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 11:61)

ابن الأثير: في صفة مكّة:«و أبقل حمضها»أبقل المكان،إذا خرج بقله فهو باقل.و لا يقال:مبقل،كما قالوا:أورس الشّجر فهو وارس،و لم يقولوا:مورس، و هو من النّوادر.(1:147)

عبد اللّطيف البغداديّ: البقل:هو العشب، و ما ينبت الرّبيع ممّا يأكله النّاس و الأنعام،و ليس هو شيئا منها بعينه.(ذيل فصيح ثعلب:5)

الفيّوميّ: البقل:كلّ نبات اخضرّت به الأرض، قاله ابن فارس.

و أبقلت الأرض:أنبتت البقل فهي مبقلة،على القياس.و جاء أيضا بقلة و بقيلة.

و أبقل الموضع من البقل فهو باقل،على غير قياس.

و أبقل القوم:وجدوا بقلا.

ص: 396

و الباقلا وزنه«فاعلا»يشدّد فيقصر،و يخفّف فيمدّ،الواحدة:باقلاة بالوجهين.(1:58)

الفيروزآباديّ: بقل:ظهر،و الأرض:أنبتت، و الرّمث:اخضرّ،كأبقل فيهما،فهو باقل.

و الأرض بقيلة و بقلة و مبقلة.

و وجه الغلام:خرج شعره،كأبقل و بقّل،و أبقله اللّه تعالى.

و لبعيره:جمع البقل.

و البقل:ما نبت في بزره لا في أرومة ثابتة.

و تبقّل:خرج يطلبه،و البقلة واحدته.و بالضّمّ:

بقل الرّبيع.

و الأرض بقلة و بقيلة و بقالة و مبقلة،و بضمّ القاف.

و ابتقلت الماشية و تبقّلت:رعت البقل،و القوم:

رعت ماشيتهم البقل،كأبقلوا.

و بقلة الضّبّ:نبت.

و الباقلّى و يخفّف،و الباقلاء مخفّفة ممدودة:الفول الواحدة بهاء،أو الواحد و الجميع سواء.و أكله يولّد الرّياح و الأحلام الرّديئة و السّدر (1)و الهمّ و أخلاطا غليظة و ينفع للسّعال و تخصيب البدن،و يحفظ الصّحّة إذا أصلح و أخضره بالزّنجبيل للباءة غاية.

و الباقلّى القبطيّ: نبات حبّه أصغر من الفول.

و البقلة اليمانيّة،و بقلة الضّبّ،و بقلة الرّماة،و بقلة الرّمل أو البراري،و البقلة الحامضة،و البقلة الأترجيّة:

حشائش.

و بقلة الأنصار:الكرنب،و بقلة الخطاطيف:العروق الصّفر.

و البقلة المباركة:الهندباء أو الرّجلة،و كذا البقلة اللّيّنة،و كذا بقلة الحمقاء.

و بقلة الملك:الشّاهترج،و البقلة الباردة:اللّبلاب، و البقلة الذّهبيّة:القطف.

و بقول الأوجاع:نبت مختبر في إزالة الأوجاع من البطن.

و البوقال بالضّمّ:كوز بلا عروة.

و باقل:رجل اشترى ظبيا بأحد عشر درهما، فسئل عن شرائه،ففتح كفّيه و أخرج لسانه،يشير إلى ثمنه،فانفلت.فضرب به المثل في العيّ.

و بقّل تبقيلا:ساس.و البقّال.لبيّاع الأطعمة، عامّيّة،و الصّحيح البدّال.(3:346)

الطّريحيّ: البقل:هو ما أنبتته الأرض من الخضر، كالنّعناع و الكرّاث و الكرفس،و نحوها.

و كلّ نبات اخضرّ له الأرض:بقل،و منه البقّال، و هو الّذي يبيع البقول.

و في الحديث:«لا زكاة في الخضر و البقول».

و البقلة الحمقاء:سيّدة البقل،و هي الرّجلة، و استحمقت،لأنّها تنبت في المسيل.

و الباقلاء:معروفة،و الواحدة:باقلاءة.

و في الحديث:«أكل الباقلا يمخخ السّاقين»أي يصيّر فيهما المخّ.(5:323)

رشيد رضا :[قال نحو الخليل و أضاف:]

و أرادوا من البقل:ما يطعمه الإنسان من أطايب الخضر كالكرفس و النّعناع،و نحوهما،ممّا يغرىع.

ص: 397


1- التّحيّر و عدم المبالاة بما يصنع.

بالقضم،و يعين على الهضم.(1:331)

محمّد إسماعيل إبراهيم: البقل:كلّ نبات اخضرّت به الأرض،أو نبات عشبيّ يغتذي الإنسان به أو بجزء منه،دون تحويله صناعيّا بوساطة النّار،مثل الكرّاث و البقدونس و الفجل.(76)

العدنانيّ: يقول المعجم الوسيط:إنّ البقل هو نبات عشبيّ يغتذي الإنسان به،أو بجزء منه،دون تحويله صناعيّا.

و الصّواب هو أنّ البقل هو ما يأكله النّاس و البهائم، قال تعالى: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها البقرة:

61.

و يقول معجم ألفاظ القرآن الكريم:إنّ البقل هو كلّ ما اخضرّت به الأرض.

و ممّن ذكر أيضا أنّ البقل هو ما يأكله النّاس و البهائم:

الخليل بن أحمد الفراهيديّ،و أبو حنيفة الدّينوريّ، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الجواليقيّ،و ابن الجوزيّ في«تقويم اللّسان»،و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و كليّات أبي البقاء،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.[ثمّ استشهد بشعر]

أمّا جمع البقل فهو:بقول.

البدّال لا البقّال.

و يسمّون بائع العدس و الجبن و سائر المأكولات بقّالا،و هو في الحقيقة بدّال.

أمّا البقّال فهو بائع البقول،أي الخضر،و يسمّى الخضّار،راجع«أخطاء شائعة زراعيّة»للأمير مصطفى الشّهابيّ(صفحة 10 و 11).

و البقل هو ما نبت في بزره،لا في أرومة ثابتة، واحدته:بقلة،و الجمع:بقول و أبقال.

أمّا قولهم:باع الزّرع و هو بقل،فيعني أنّه أخضر لم يدرك.راجع الآية(61)من سورة البقرة،في صدر هذه المادّة.

و يقول ابن السّمعانيّ و المتن:البقّال هو من يبيع اليابس من الفاكهة.

و ممّن أطلق اسم«البدّال»على بائع الأطعمة المحفوظة و القطانيّ و السّكّر و الصّابون و نحوها:أبو حاتم السّجستانيّ،و أبو الهيثم،و الأزهريّ،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و تذكرة عليّ،و الوسيط.

و ممّن ذكر أنّ العامّة تطلق على هذا البائع اسم بقّال:

أبو الهيثم،و التّهذيب،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و الوسيط.

و وردت كلمة«البدّال»في مادّتي«بدل»و«بقل»في كلّ من القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و المتن.(70)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:الظّهور بطريق النّبت،لا مطلق الظّهور،ثمّ شبّه خروج الشّعر و النّاب بالنّبت.

فالبقل قوامها و حقيقتها:الظّهور و النّبت،فما كان المنظور منه و المقصود هو جهة ظهوره و نباته فقط:فهو البقل،كالخضراوات.(1:299)

ص: 398

النّصوص التّفسيريّة

بقلها

فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها... البقرة:61

الطّبريّ: و البقل و القثّاء و العدس و البصل،هو ما قد عرفه النّاس بينهم،من نبات الأرض و حبّها.

(1:310)

مثله ابن كثير.(1:176)

الزّمخشريّ: و البقل:ما أنبتته الأرض من الخضر، و المراد به أطايب البقول الّتي يأكلها النّاس،كالنّعناع، و الكرفس،و الكرّاث و أشباهها.(1:284)

مثله البيضاويّ(1:59)،و أبو السّعود(1:140)، و الشّربينيّ(1:64)،و المراغيّ(1:130).و نحوه أبو حيّان(1:219)،و الحجازيّ(1:35).

ابن عطيّة: (من بقلها)لبيان الجنس،و(بقلها)بدل بإعادة الحرف.و البقل:كلّ ما تنبته الأرض من النّجم.

(1:153)

ابن الجوزيّ: و البقل هاهنا:اسم جنس، و عنوانه:البقول.

و قرأت على شيخنا أبي منصور اللّغويّ،قال:

تذهب العامّة إلى أنّ البقل:ما يأكله النّاس خاصّة،دون البهائم من النّبات النّاجم الّذي لا يحتاج في أكله إلى طبخ.

و ليس كذلك،إنّما البقل:العشب،و ما ينبت الرّبيع، ممّا يأكله النّاس و البهائم.(1:88)

القرطبيّ: (من بقلها)بدل من«ما»بإعادة الحرف.

و البقل:معروف،و هو كلّ نبات ليس له ساق.

و الشّجر:ما له ساق.(1:424)

البروسويّ: (من بقلها)(من)بيانيّة واقعة موقع الحال من الضّمير،أي ممّا تنبته كائنا من بقلها.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ](1:150)

الآلوسيّ: و البقل:جنس،يندرج فيه النّبات الرّطب،ممّا يأكله النّاس و الأنعام،و المراد به هنا أطاييب البقول الّتي يأكلها النّاس.(1:274)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البقل»،و هو العشب، و ما تنبت الأرض في الرّبيع،ممّا يأكله النّاس و ترعاه البهائم.يقال:أبقلت الأرض،أي خرج بقلها،فهي بقلة و بقيلة و بقّالة و مبقلة و مبقلة،و المكان مبقل و باقل.

و بقل النّبت يبقل بقولا و أبقل أيضا،أي طلع، و أبقله اللّه:أخرجه.و البقلة:الرّجلة،و هي البقلة الحمقاء،و بقلة الضّبّ:نبت،و البقلة:بقل الرّبيع، و الباقلاء و الباقلّى:الفول.

و أبقل الشّجر:خرج في أعراضه مثل أظفار الطّير و أعين الجراد،قبل أن يستبين ورقه،و هو باقل،يقال:

صار الشّجر بقلة واحدة.

و ابتقلت الإبل و الماشية و تبقّلت:رعت البقل، و تبقّلت الماشية:سمنت من أكل البقل،و ابتقل الحمار:

رعى البقل.

و أبقل القوم و ابتقلوا و تبقّلوا:رعوا البقل،و خرج

ص: 399

فلان يتبقّل،أي يطلب البقل.

و قالوا على التّشبيه:بقل وجه الغلام يبقل بقلا و بقولا،و كذا أبقل و بقّل:خرج شعره،و بقل ناب البعير يبقل بقولا:طلع.

و باقل:اسم علم،و هو رجل من ربيعة يضرب به المثل في العيّ و الغباء،يقال:«إنّه لأعيا من باقل».

2-و البوقال:كوز لا عروة له،و هو لفظ عربيّ على وزن«فوعال»،و يقال أيضا:باقول،على وزن «فاعول»،فالألف و الواو فيهما زائدتان.و هو من هذا الباب.و لعلّ علّة تسميته خروج البقل من جوانبه و إبقال الأرض حوله؛لأنّه رطب دائما.

الاستعمال القرآنيّ

1-إنّ البقل-كغيره من البقول-جاء مرّة واحدة في القرآن،لاحظ«ب ص ل»،و هي الّتي طلبها بنو إسرائيل من موسى بأن يدعو اللّه ليخرجها لهم من الأرض.و الظّاهر أنّهم كانوا يستلذّون بأكله في مصر، فاشتهوها في التّيه.

و هذا يدلّ على أنّهم كانوا بعد ما رأوا من المعجزات و الآيات الّتي وقعت على يد موسى عليه السّلام لا يزالون نهمين شرهين في الأكل،مهتمّين به جعلهم عبّاد بطن.كما طلبوا من موسى أن يجعل لهم أصناما يعبدونها،فهم كانوا متدنّين في مطعمهم و في معبودهم،و سافلين في معيشتهم و في عقيدتهم.

2-و هل ذكرها بهذا النّظم فيه نكتة؟لا نرى فيه ذلك،سوى أنّهم بدءوا بالأشهى عندهم فالأشهى، و قدّموا البقل لاشتماله على كثير من النّباتات،و ثنّوا بالقثّاء لأنّه مثل البقل،يؤكل من غير طبخ.أمّا الثّلاثة الباقية فتحتاج إلى الطّبخ عادة،و لا سيّما العدس.

3-قد تقدّم في«ب ص ل»الجناس بينه و بين العدس صوتا و وزنا،و نزيد هنا أنّ حرف القاف في(بقلها) و(قثّائها)ظاهرة مشتركة بينهما،كما أنّ حرف الفاء في (فومها)،و حرف السّين و الصّاد في(عدسها)و(بصلها) بارزة يركّز في تلفّظها.كما أنّ الآية تبدأ بالأخفّ تلفّظا (بقلها)،و تثنّي بالأشدّ تلفّظا(قثّائها)،ثمّ ترجع إلى الخفيف(فومها)،و تختم بمتحرّكين متجانسين(عدسها) و(بقلها)،و فيها تناسب لفظيّ،و نظم صوتيّ.

ص: 400

ب ق ي

اشارة

10 ألفاظ،21 مرّة:17 مكّيّة،4 مدنيّة

في 16 سورة:14 مكّيّة،2 مدنيّتان

بقي 1:-1 الباقيات 2:2

يبقى 1:-1 أبقى 7:6-1

باق 1:1 بقيّة 3:2-1

الباقين 2:2 أبقى 1:1

باقية 2:2 تبقي 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :تقول العرب:نشدتك اللّه و البقيا،و هي:

البقيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقي الشّيء يبقى بقاء،و هو ضدّ الفناء،يقال:

ما بقيت منهم باقية،و لا وقاهم من اللّه واقية.

و بقى يبقى:لغة،و كلّ ياء مكسورة[ما قبلها،كما يأتي]في الفعل يجعلونها ألفا،نحو:بقى و رضى و فنى.

و استبقيت فلانا،إذا أوجبت عليه قتلا و عفوت عنه.و استبقيت فلانا،في معنى:عفوت عن زلله، و استبقيت مودّته.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا أعطيت شيئا و حبست بعضه قلت:استبقيت بعضه.

و فلان يبقيني(1) ببصره،إذا كان ينظر إليه و يرصده.[ثمّ استشهد بشعر]

و بات فلان يبقي(2) البرق،أي ينظر إليه من أين يلمع.[ثمّ استشهد بشعر](5:230)

اللّيث:الباقي:حاصل الخراج و نحوه.

(الأزهريّ 9:348)

الكسائيّ: البقوى و البقيا،هي الإبقاء،مثل الرّعوى و الرّعيا من الإرعاء على الشّيء،و هو الإبقاء عليه.(الأزهريّ 9:347)

الأحمر:في حديث معاذ بن جبل:«بقينا رسول

ص: 401


1- الظّاهر:يبقيني،و يبقي،بفتح الياء،كما ذكره الصّاحب(6:54)و غيره من أصحاب اللّغة.
2- الظّاهر:يبقيني،و يبقي،بفتح الياء،كما ذكره الصّاحب(6:54)و غيره من أصحاب اللّغة.

اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في أشهر رمضان حتّى خشينا فوت الفلاح»بقينا، أي انتظرنا و تبصّرنا،يقال منه:بقيت الرّجل أبقيه بقيا.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهري 9:349)

الأصمعيّ: المبقيات من الخيل:الّتي تبقي بعض جريها تدّخره.(الأزهريّ 9:348)

تقول العرب:ابقه بقيتك مالك و بقوتك مالك، أي احفظه حفظك مالك.تقولون:ابقه أيضا بكسر الألف.و من قال:بقوتك مالك،قال:ابقه بقاوتك مالك.(ابن دريد 3:465)

اللّحيانيّ: بقيته و بقوته:نظرت إليه.

(الأزهريّ 9:349)

و بقوت الشّيء:انتظرته؛لغة في بقيت،و الياء أعلى.

(ابن منظور 14:82)

ابن السّكّيت: بقيت فلانا أبقيه،إذا رعيته، و انتظرته.(ابن فارس 1:277)

ابن دريد :بقوى و بقوى و بقيا،واحد.(3:409)

و البقاء ممدود،و البقيا و البقوى،من قولهم:لأبقيا لك علينا،أي لا عليك إبقاء.و قد سمّت العرب:بقيّة.

(3:210)

الأزهريّ: العرب تقول للعدوّ إذا غلب:البقيّة،أي أبقوا علينا و لا تستأصلونا.[ثمّ استشهد بشعر]

البقيّة:اسم من الإبقاء،كأنّه أراد-و اللّه أعلم- فلو لا كان من القرون قوم أولو إبقاء على أنفسهم لتمسّكهم بالدّين المرضيّ.(9:347)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و بقوت فلانا بعيني و بقيته،أي رمقته.

و أبقيت على فلان،بمعنى اشفقت عليه.و البقيا:

الشّفقة،و كذلك البقية.

و طيّئ تقول للباقية:باقات.

و في المثل في الحثّ على الجود:لا ينفعك من زاد تبقّ، أي استبقاء.

و ناقة مبقية:للّتي لا تستفرغ غزرا.(6:54)

الجوهريّ: بقي الشّيء يبقى بقاء،و كذلك بقي الرّجل زمانا طويلا،أي عاش،و أبقاه اللّه.و بقي من الشّيء بقيّة.

و الباقية،توضع موضع المصدر،قال اللّه تعالى:

فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ الحاقّة:8،أي بقاء.

و أبقيت على فلان،إذا أرعيت عليه و رحمته.

يقال:«لا أبقى اللّه عليك إن أبقيت عليّ»و الاسم منه:البقيا،و كذلك البقوى،بفتح الباء.

و بقيته أبقيه،أي نظرت إليه و ترقّبته.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و بقّيته بالتّشديد،و أبقيته،و تبقّيته،كلّه بمعنى.

و استبقيت من الشّيء،أي تركت بعضه.

و استبقاه:استحياه.

و طيّئ تقول:بقا،و بقت،مكان بقي و بقيت، و كذلك أخواتها من المعتلّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:2283)

نحوه الرّازيّ.(74)

ابن فارس: الباء و القاف و الياء أصل واحد،و هو الدّوام.

قال الخليل :يقال بقي الشّيء يبقى بقاء،و هو ضدّ

ص: 402

الفناء،قال:و لغة طيّئ بقى يبقى،و كذلك لغتهم في كلّ مكسور ما قبلها،يجعلونها ألفا،نحو بقى و رضى.

و إنّما فعلوا ذلك لأنّهم يكرهون اجتماع الكسرة و الياء،فيفتحون ما قبل الياء،فتنقلب الياء ألفا، و يقولون في جارية:جاراة،و في بانية:باناة،و في ناصية:ناصاة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقول العرب:هو يبقي الشّيء ببصره،إذا كان ينظر إليه و يرصده.[ثمّ استشهد بشعر]

بات فلان يبقي البرق،إذا صار ينظر إليه أين يلمع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال ابق لي الأذان،أي ارقبه لي.[ثمّ استشهد بشعر]

و من ذلك حديث معاذ رضي اللّه عنه:«بقينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»يريد انتظرناه.و هذا يرجع إلى الأصل الأوّل، لأنّ الانتظار بعض الثّبات و الدّوام.(1:276)

أبو هلال :الفرق بين الخلود و البقاء:أنّ الخلود استمرار البقاء من وقت مبتدإ.و البقاء يكون وقتين فصاعدا.

و أصل الخلود:اللّزوم،و منه:أخلد إلى الأرض، و أخلد إلى قوله،أي لزم معنى ما أتى به.فالخلود:اللّزوم المستمرّ،و لهذا يستعمل في الصّخور و ما يجري مجراه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال عليّ بن عيسى: الخلود مضمر بمعنى في كذا، و لهذا يقال:خلّده في الحبس و في الديوان.و من أجله قيل للأثافيّ:خوالد،فإذا زالت لم تكن خوالد.

و يقال:للّه تعالى:دائم الوجود،و لا يقال:خالد الوجود.

الفرق بين الباقي و القديم و المتقدّم:

أنّ الباقي هو الموجود لا عن حدوث،في حال وصفه بذلك.

و القديم ما لم يزل كائنا موجودا،على ما ذكرنا،و أنت تقول:سأبقي هذا المتاع لنفسي،و لا تقول:سأقدمه.

و استبقيت الشّيء،و لا تقول:استقدمته.

و قال قوم:القديم في اللّغة:مبالغة في الوصف بالتّقدّم في الوجود و كلّما تقدّم وجوده،حتّى سمّي قديما، فذلك حقيقة فيه.

و قال من يردّ ذلك:لو كان القدم يستفاد،لجاز أن تقول لما علمته سيبقى طويلا:إنّه سيقدم،كما تقول:إنّه سيبقى.و في بطلان ذلك دلالة على أنّه في المحدث توسّع.

و المتقدّم:خلاف المتأخّر.و التّقدّم:حصول الشّيء قدّام الشّيء،و منه:القدوم،لتقدّمها في العمل،و قيل:

لمضيّها في العمل لا تنثني،فتوبع لها في الصّفة كالمتقدّم في الأمر.

و منه:القدم،لأنّك تتقدّم بها في المكان في المشي.

و السّابقة في الخير و الشّرّ قدم،و في القرآن: قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ يونس:2.

و قوادم الرّيش:العشر المتقدّمات.

و يقال:قدم العهد و قدم البلى،أي طال.و كلّ ما يقدم فهو قديم و قدم،و في الحديث:«حتّى يضع الجبّار فيها قدمه»أي في النّار،يريد من سلف في علمه أنّه عاص،و يجوز أن يكون من سلف بعصيانه.

ص: 403

و القديم-على الحقيقة-هو الّذي لا أوّل لحدوثه.

(95)

الهرويّ: في الحديث:«تبقّه و توقّه»أي استبق النّفس و لا تعرّضها للهلاك.و توقّه،أي تحرّز من الآفات،قال اللّه تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:71.

(1:200)

ابن سيدة :البقاء:ضدّ الفناء،بقي بقاء و بقى بقيا، الأخيرة لغة.لحارث بن كعب.

و أبقاه و بقّاه و تبقّاه و استبقاه،و الاسم:البقوى و البقيا.و أرى ثعلبا قد حكى:البقوى،بالواو و ضمّ الباء.

إن قيل:لم قلبت العرب لام«فعلى»-إذا كانت اسما و كان لامها ياء-واوا حتّى قالوا:البقوى،و ما أشبه ذلك،نحو:التّقوى،و العوّى؟

فالجواب:أنّهم إنّما فعلوا ذلك في«فعلى»لأنّهم قد قلبوا لام«الفعلى»-إذا كانت اسما،و كانت لامها واوا- ياء،طلبا للخفّة،و ذلك نحو:الدّنيا و العليا و القصيا.

و هي من:دنوت و علوت و قصوت.

فلمّا قلبوا الواو ياء في هذا و في غيره-ممّا يطول تعداده-عوّضوا الواو من غلبة الياء عليها في أكثر المواضع،بأن قلبوها في نحو:البقوى و الثّنوى واوا، ليكون ذلك ضربا من التّعويض و من التّكافؤ بينهما.

و البقيّة:كالبقوى،و البقيّة،أيضا:ما بقي من الشّيء.

و المبقيات:الأماكن الّتي تبقى ما فيها من مناقع الماء و لا تشربه.[ثمّ استشهد بشعر]

و استبقى الرّجل،و أبقى عليه:وجب عليه قتل فعفا عنه.

و أبقيت ما بيني و بينهم:لم أبالغ في إفساده،و الاسم:

البقيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البقيا:الإبقاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و بقاه بقيا:انتظره و رصده.و قيل:هو نظرك إليه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بقيّة اللّه:انتظار ثوابه،و به فسّر أبو عليّ قوله تعالى: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هود:

86،لأنّه إنّما ينتظر ثوابه من آمن به.و بقيّة:اسم.

(6:511)

الطّوسيّ: يقال:بقي بقاء،و أبقاه إبقاء،و استبقاه استبقاء،و تبقّاه تبقّيا،و تباقى تباقيا،و باقاه مباقاة،و منه بقايا الخراج.و أصل الباب البقاء:خلاف الفناء.

(2:293)

الرّاغب: البقاء:ثبات الشّيء على حاله الأولى، و هو يضادّ الفناء.و قد بقي يبقى بقاء،و قيل:بقى في الماضي موضع بقي.

و الباقي ضربان:باق بنفسه لا إلى مدّة،و هو الباري تعالى،و لا يصحّ عليه الفناء.و باق بغيره و هو ما عداه، و يصحّ عليه الفناء.

و الباقي باللّه ضربان:باق بشخصه إلى أن شاء اللّه أن يفنيه،كبقاء الأجرام السّماويّة.و باق بنوعه و جنسه دون شخصه و جزئه،كالإنسان و الحيوان.

و كذا في الآخرة باق بشخصه كأهل الجنّة،فإنّهم يبقون على التّأبيد لا إلى مدّة،كما قال عزّ و جلّ:

خالِدِينَ فِيها.

ص: 404

و الآخر بنوعه و جنسه،كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ أثمار أهل الجنّة يقطفها أهلها و يأكلوها،ثمّ تخلف مكانها مثلها»و لكون ما في الآخرة دائما،قال عزّ و جلّ:

وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى القصص:60.(57)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:220)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«تبقّه و توقّه»التّبقّي بمعنى الاستبقاء،كالتّقصّي بمعنى الاستقصاء.و في أمثالهم:

«لا ينفعك من زاد تبقّي».[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى الأمر باستبقاء النّفس،و ألاّ يلقى بها إلى التّهلكة،و التّحرّز من المتالف.و الهاء ملحقة للسّكت.

(الفائق 1:122)

معاذ رضي اللّه عنه«بقينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذات ليلة في صلاة العشاء حتّى ظننّا أنّه قد صلّى و نام،ثمّ خرج إلينا فذكر فضل تأخير صلاة العشاء»أي انتظرنا،و الاسم منه«البقوى»قلبت الياء فيها واوا،و كذلك كلّ«فعلى» إذا كانت اسما كالتّقوى و الرّعوى و الشّروى.

و إذا كانت صفة لم تقلب ياؤها كقولهم:امرأة صديا و خزيا.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:124)

ما بقيت منهم باقية،و لا وقتهم من اللّه واقية.

و ما لفلان مبقى،أي بقاء.و أين للإنسان المبقى؟و أين للنّاس المباقي؟و عليهم بواقي الخراج.

و أبقى عليه بقيا و بقيّة،و هم مباق على قومهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما لي عليه بقيا و بقيّة،و ما لي عليه رعوى و لا بقوى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون:أنشدك اللّه و البقيا أي أسألك باللّه أن تبقي عليّ.و بقينا رسول اللّه:انتظرناه.و أبق المؤذّن:انتظره.

و من المجاز:ركبوا المبقيات و جنّبوا المنقيات،و هي الخيل الّتي لا يخرجن ما عندهنّ من الجري فهنّ أحرى أن لا يلعبن.[ثمّ استشهد بشعر]

و ناقة مبقية:لا تعطي الدّرّ كلّه.قال النّضر:هي الّتي لا تستفرغ غزرا،تحلب نصف العلبة،ليست بصاحبة إتراع المحلب.فإذا نضبت الإبل و بكأت كانت على حالها ذات بقيّة.(أساس البلاغة:27)

الطّبرسيّ: و الباقي،هو الموجود المستمرّ وجوده، و قيل:الموجود عن وجود من غير فصل.و ضدّه الفاني، و هو المعدوم بعد الوجود.

و البقيّة:ما بقي من الشّيء،بعد ذهابه،و هو الاسم من الإبقاء،في فلان بقيّة،أي فضل ممّا يمدح به و خير، كأنّه قيل:بقيّة خير،من الخير الماضي.(3:200)

و اختلف المتكلّمون في«الباقي»فقال البلخيّ: إنّه يبقى.بمعنى هو بقاء.و قال الأكثرون:لا يحتاج إلى معنى به يبقى،و البقاء هو استمرار الوجود.(3:383)

و الإبقاء:ترك شيء ممّا أخذ.(5:386)

ابن الأثير: في اسماء اللّه تعالى«الباقي»هو الّذي لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال،إلى آخر ينتهي إليه،و يعبّر عنه بأنّه أبديّ الوجود.

و منه حديث ابن عبّاس و صلاة اللّيل:«فبقيت كيف يصلّي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم»و في رواية:«كراهة أن يرى أنّي كنت أبقيه»أي أنظره و أرصده.

و في حديث النّجاشيّ و الهجرة:«و كان أبقى الرّجلين فينا»أي أكثر إبقاء على قومه.و يروى بالتّاء من التّقى.

ص: 405

و في حديث الدّعاء:«لا تبقي على من يضرع إليها» يعني النّار،يقال أبقيت عليه أبقى إبقاء،إذا رحمته و أشفقت عليه،و الاسم:البقيا.(1:147)

الفيّوميّ: [قال نحو ما تقدّم عن اللّغويّين و أضاف:]

و بقي من الدّين كذا:فضل و تأخّر،و تبقّى مثله، و الاسم:البقيّة،و جمعها:بقايا و بقيّات،مثل عطيّة و عطايا و عطيّات.(1:58)

الفيروزآباديّ: بقي يبقى بقاء،و بقى بقيا:ضدّ فني،و أبقاه و بقّاه و تبقّاه و استبقاه.و الاسم:البقوى كدعوى و يضمّ،و البقيا بالضّمّ،و البقيّة.و قد توضع الباقية موضع المصدر.

و بقيّة اللّه خير،أي طاعة اللّه و انتظار ثوابه،أو الحالة الباقية لكم من الخير،أو ما أبقى لكم من الحلال.

و الباقيات الصّالحات:كلّ عمل صالح،أو سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،أو الصّلوات الخمس.

و مبقيات الخيل:الّتي يبقى جريها بعد انقطاع جري الخيل.

و استبقاه:استحياه،و من الشّيء ترك بعضه.

و بقيّة و بقاء:اسمان.

و أبقيت ما بيننا:لم أبالغ في إفساده،و الاسم:البقيّة، أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ هود:116،أي إبقاء أو فهم.

و بقاه بقيا:رصده،أو نظر إليه،واويّة يائيّة.

(4:306)

الطّريحيّ: و البقيّة:الرّحمة،و منه حديث وصفهم عليهم السّلام:«أنتم بقيّة اللّه في عباده»أي رحمة اللّه الّتي منّ اللّه بها على عباده.و جمع البقيّة:بقايا و بقيّات،مثل عطيّة و عطايا و عطيّات.[إلى أن قال:]

و في حديث ملك الموت لبني آدم:«إنّ لنا فيكم بقيّة»يريد ما يبقى من الشّيء و يفضل.

«و لأربع بقين من كذا»أي بقيت منه،و كذا«خلون» أي خلون منه.

و في الحديث:«ما من نبيّ و لا وصيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام حتّى يرفع بروحه و عظمه و لحمه إلى السّماء»،و فيه تأويل.(1:57)

محمّد إسماعيل إبراهيم:بقي بقاء:ثبت و دام، و بقي من الشّيء:فضل.

و أبقى الشّيء:تركه على حاله،و أبقى على الشّيء:

حفظه،و أبقى على فلان:رحمه و أشفق عليه.

و الباقي:الثّابت بعد غيره،مؤنّثه:باقية،و هي البقيّة،و الجمع:باقيات.

و البقيّة:ما تبقّى من الشّيء،و الأبقى:الأدوم.

(1:77)

العدنانيّ: بقي،بقى،بقا.

و يخطّئون من يقول:بقى معي عشرون دينارا، و يقولون:إنّ الصّواب هو:بقي معي كذا،اعتمادا على قوله تعالى: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا البقرة:278،و اعتمادا على ما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الأساس، و الوسيط.

و الحقيقة هي أنّنا يجوز لنا أن نستعمل الفعلين المنقوص و المقصور كليهما،لأنّ المقصور«بقى»هو لغة

ص: 406

طيّئ،الّتي تجعل بقي و رضي و فني و أشباهها:بقى و رضى و فنى.و يذكر المصباح أنّهم في:هدي زيد و بني البيت يقولون:هدا زيد و بنا البيت.

أمّا فعل المنقوص فهو:بقي يبقى بقيا،و المقصور:بقى يبقى بقيا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال السّامرّائيّ: و يبدو أنّ الشّعراء التزموا بهذه اللّغة«بقى»كلّما اضطرّهم وزن الشّعر إلى ذلك،و إن لم يكونوا من طيّئ.

أمّا الّذين أجازوا استعمال الفعلين:بقي و بقى كليهما، فهم:الجامع للكرمانيّ،و التّهذيب،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و قد اختلفوا في كتابة الفعل«بقى»،فبعضهم كتبه بالألف المقصورة«بقى»التّهذيب،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان، و القاموس،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و بعضهم كتبه بالألف الملساء الّتي يسمّيها بعضهم صحيحة«بقا»:الصّحاح،و المختار،و المصباح،و التّاج.

و قد أجاز المدّ كتابتها بالألف المقصورة و الملساء كلتيهما،و يرى أنّ كتابتها بالمقصورة«بقى»أعلى.

و أرى أن نكتفي بالفعل المنقوص«بقي»في نثرنا، و أن لا نستعمل المقصور«بقى»في شعرنا إلاّ إذا فرض الوزن علينا ذلك.

«تبقّى عندي مال،تبقّيت عندي مالا».

و يخطّئون من يقول:تبقّى عندي مال و تبقّيت عندي مالا،و يقولون إنّ الصّواب هو:بقي عندي مال و أبقيت عندي مالا،و لكن:

أ-أجاز لنا المصباح أن نستعمل الفعل«تبقّى»لازما حين قال:تبقّى من الدّية كذا.

ب-و أجاز لنا استعمال الفعل«تبقّى»متعدّيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين قال:«تبقّه و توقّه»أي استبق النّفس و لا تعرّضها للهلاك،و تحرّز من الآفات،أمّا الهاء في الفعلين فهي للسّكت.

و ممّن استعمل الفعل«تبقّى»متعدّيا أيضا:الصّحاح و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و قولي في إحدى قصائدي:

إن تبقّيت يا زماني سهما

لم يضرّج بدمع قلبي فهاته

ج-و أجاز لنا استعمال الفعل«تبقّى»لازما و متعدّيا:

المدّ،و الوسيط.(71)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو ما يقابل«الفناء»و يدلّ عليه تقابله به في كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الرّحمن:26،27.

و قريب من الفناء معنى«النّفاد»كما في: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96، وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى القصص:60.

كلّ ما كان محدوديّته أشدّ و حدوده أكثر؛فالبقاء و الثّبات فيه أضعف،و الفناء و النّفاد و الزّوال إليه أسرع.

فعالم المادّة في جميع مراتبها و طبقاتها و أنواعها، أصلا و فرعا،جوهرا و عرضا،قولا و فعلا و فكرا،

ص: 407

و ما يتعلّق بها،كلّها في معرض الفناء ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ

فكلّ ما كان الحدّ فيه أقلّ،فالقوّة و الشّدّة و الدّوام فيه أقوى،إلى أن ينتهي إلى من ليس له حدّ،و لا ضعف و لا حاجة بوجه من الوجوه،و هو الأزليّ الأبديّ،الحيّ القيّوم،القادر العالم.

فكأنّ اللّه المتعال أبديّ حقّ،فكذلك كلّ ما يتعلّق به و يرجع إليه،من ذات أو عمل أو قول أو علم. وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ الرّحمن:27، وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى الأعلى:17، وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا الشّورى:36.

و عالم الآخرة يقابل عالم الدّنيا،فاللّطف و الرّقّة فيه أكثر،و الحدود و الكثافة فيه أقلّ،فهو أقوى و أبقى.

فكذلك كلّ ما يتعلّق بهذا العالم وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى طه:127.

ثمّ إنّ مفهوم البقاء إن اعتبر بنفسه،فيعبّر بكلمة:

الباقي و البقيّة، بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ هود:86،أي الباقي عند اللّه و للّه،و ما يدّخر عنده من الثّواب و الجزاء و الفضل ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96، وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ الكهف:46، أي ما يبقى من الأعمال الصّالحة.

و إن اعتبر بالنّسبة إلى الغير،فيعبّر بكلمة«أبقى» وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى القصص:60،فإنّ هذا الكلام من السّحرة في جواب قول فرعون وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى طه:71.

و هكذا وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى طه:131،فإنّه في مقابل وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً طه:131،و هكذا في سائر الموارد.

و أمّا التّعبير بكلمة«يبقى» وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الرّحمن:27،للإشارة إلى تجدّد البقاء و استدامته،في جميع مراحل فناء الموجودات كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26.

و أمّا الفرق بين البقاء و الدّوام و الثّبات:أنّ البقاء هو الثّبات على حالة سابقة،و كونها مستصحبة.و يعتبر في مفهوم«الثّبات»التّحقّق في نفس الأمر،و يقابله الزّوال.

و يعتبر في«الدّوام»الامتداد،من حيث هو،من دون نظر إلى الحالة السّابقة و ثباتها،أو إلى تحقّق الموضوع.

(1:300)

النّصوص التّفسيريّة

بقى

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. البقرة:278

السّدّيّ: من فضل كان في الجاهليّة.

(الطّبريّ 3:107)

مثله الطّبريّ.(3:106)

الطّبرسيّ: [في شأن نزولها روايات فلاحظ.]

(1:262)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن في الآية المتقدّمة أنّ من انتهى عن الرّبا فله ما سلف،فقد كان يجوز أن يظنّ أنّه لا فرق بين المقبوض منه و بين الباقي في

ص: 408

ذمّة القوم،فقال تعالى في هذه الآية: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا و بيّن به أنّ ذلك إذا كان عليهم و لم يقبض، فالزّيادة تحرم،و ليس لهم أن يأخذوا إلاّ رءوس أموالهم.

و إنّما شدّد تعالى في ذلك،لأنّ من انتظر مدّة طويلة في حلول الأجل،ثمّ حضر الوقت و ظنّ نفسه على أنّ تلك الزّيادة قد حصلت له،فيحتاج في منعه عنه إلى تشديد عظيم،فقال:(اتّقوا اللّه)،و اتّقاؤه ما نهي عنه.

وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا يعني إن كنتم قد قبضتم شيئا فيعفو عنه،و إن تقبضوه أو لم تقبضوا بعضه،فذلك الّذي لم تقبضوه كلاّ كان أو بعضا،فإنّه محرّم قبضه.

و اعلم أنّ هذه الآية أصل كبير في أحكام الكفّار إذا أسلموا؛و ذلك لأنّ ما مضى في وقت الكفر فإنّه يبقى و لا ينقص و لا يفسخ،و ما لا يوجد منه شيء في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام،فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم و لا يجوز في الإسلام فهو عفو و لا يتعقّب، و إن كان النّكاح وقع على محرّم فقبضته المرأة فقد مضى.

و إن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون المهر المسمّى، هذا مذهب الشّافعيّ.(7:105)

ابن كثير :أي اتركوا ما لكم على النّاس من الزّيادة على رءوس الأموال،بعد هذا الإنذار.(1:586)

باق

ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ... النّحل:96

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته،و من أحبّ آخرته أضرّ بدنياه،فآثروا ما يبقى على ما يفنى.(الشّربينيّ 2:260)

الطّبريّ: ما عندكم أيّها النّاس ممّا تتملّكونه في الدّنيا و إن كثر فنافد فان،و ما عند اللّه لمن أوفى بعهده و أطاعه من الخيرات باق غير فان.فلما عنده فاعملوا، و على الباقي الّذي لا يفنى فاحرصوا.(14:169)

الطّبرسيّ: بيّن سبحانه بهذا أنّ العلّة الّتي لأجلها كان الثّواب خيرا من متاع الدّنيا،هو أنّ الثّواب الّذي عند اللّه يبقى،و الّذي عندكم من نعيم الدّنيا يفنى.

(3:384)

نحوه القرطبيّ.(10:173)

الفخر الرّازيّ: فيه بحثان:

البحث الأوّل:الحسّ شاهد بأنّ خيرات الدّنيا منقطعة،و العقل دلّ على أنّ خيرات الآخرة باقية، و الباقي خير من المنقطع.

و الدّليل عليه أنّ هذا المنقطع إمّا أن يقال:إنّه كان خيرا عاليا شريفا،أو كان خيرا دنيّا خسيسا.

فإن قلنا:إنّه كان خيرا عاليا شريفا،فالعلم بأنّه سينقطع يجعله منغّصا حال حصوله،و أمّا حال حصول ذلك الانقطاع فإنّها تعظم الحسرة و الحزن،و كون تلك النّعمة العالية الشّريفة كذلك ينغّص فيها و يقلّل مرتبتها و تفتر الرّغبة فيها.

و أمّا إن قلنا:إنّ تلك النّعمة المنقطعة كانت من الخيرات الخسيسة،فهمنا من الظّاهر أنّ ذلك الخير الدّائم وجب أن يكون أفضل من ذلك الخير المنقطع؛فثبت بهذا أنّ قوله تعالى: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ برهان قاطع على أنّ خيرات الآخرة أفضل من خيرات

ص: 409

الدّنيا.

البحث الثّاني:أنّ قوله: وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ يدلّ على أنّ نعيم أهل الجنّة باق لا ينقطع.و قال جهم بن صفوان:إنّه منقطع،و الآية حجّة عليه.(20:111)

ابن كثير :أي ثوابه لكم في الجنّة باق لا انقطاع و لا نفاد له،فإنّه دائم،لا يحول و لا يزول.(4:223)

نحوه القاسميّ.(10:3855)

الشّربينيّ: قرأ ابن كثير(باقي)في الوقف بالياء، و الباقون بغير ياء،و أمّا في الوصل فالجميع بالتّنوين.

(2:260)

البروسويّ: لا نفاد له،و هو حجّة على الجهميّة، لأنّهم يقولون:بأنّ نعيم الجنّة يتناهى و ينقطع.(5:76)

شبّر: لا ينقطع،و هو بيان للعلّة الّتي لأجلها كان الثّواب خيرا من متاع الدّنيا.(3:445)

الآلوسيّ: لا نفاد له،أمّا الأخرويّة فظاهر،و أمّا الدّنيويّة فحيث كانت موصولة بالأخرويّة و مستتبعة لها، فقد انتظمت في سلك الباقيات الصّالحات.

و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنّ المراد ب(ما عند اللّه)في الموضعين:الثّواب الأخرويّ،و اختاره بعض الأئمّة.و في إيثار الاسم على صيغة المضارع من الدّلالة على الدّوام ما لا يخفى.و ردّ بالآية على جهم بن صفوان،حيث زعم:أنّ نعيم الجنّة منقطع.(14:225)

الطّباطبائيّ: في مقام التّعليل،لقوله في الآية السّابقة: إِنَّما عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ النّحل:95.

و قد وجّهه بأنّ الّذي عندكم أي في الحياة الدّنيا -الّتي هي حياة مادّيّة قائمة على أساس التّبدّل و التّحوّل:

منعوتة بنعت الحركة و التّغيّر-زائل نافد،و ما عند اللّه سبحانه-ممّا يعد المتّقين منكم-باق لا يزول،و لا يفنى، و الباقي خير من النّافد،بصريح حكم العقل.

و اعلم أنّ قوله: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ على ما في لفظه من الإطلاق،قاعدة كلّيّة غير منقوضة باستثناء،تحتها جزئيّات كثيرة من المعارف الحقيقيّة.

(12:339)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ طبيعة الحياة في هذا العالم المادّيّ هي الفناء و الهلاك،فأقوى الأبنية و أكثر الحكومات دواما و أشدّ البشر قدرة لا يعدون أن يصيروا في نهاية أمرهم إلى الضّعف فالفناء،و كلّ شيء معرض للتّلف بلا استثناء في هذا الأمر.

أمّا لو تمكّنت الكائنات من أن توجد لها ارتباطا على نحو ما مع الذّات الإلهيّة المقدّسة،و تبقى تعمل لأجلها و في سبيلها،فإنّها و الحال هذه ستصطبغ بصبغة الخلود،لأنّ ذات اللّه المقدّسة أبديّة و أزليّة و المرتبط بها يحصل على صبغة الأبديّة.

فالأعمال الصّالحة أبديّة«الشّهداء لهم حياة أبديّة» و الأنبياء و العلماء المخلصون و المجاهدون في سبيل اللّه يبقى ذكرهم خالدا في ذاكرة التّاريخ،لأنّهم يحملون الصّبغة الإلهيّة.

و لهذا،تذكّرنا الآيات أعلاه و تدعونا لأن ننجي ذخائر وجودنا من الفناء،و نودعها في صندوق لا تطاله يد الزّمان و لا تفنيه اللّيالي و الأيّام.

فهلمّوا لبذل الطّاقات في سبيل اللّه و في خدمة خلق اللّه،و كسب رضا الباري،لتصبح من مصاديق(عند اللّه)

ص: 410

و لتكون باقية بمقتضى ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ عن ثلاث:صدقة جارية،و علم ينتفع به،و ولد صالح يدعو له».

و عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«شتّان ما بين عملين:عمل تذهب لذّته و تبقى تبعته،و عمل تذهب مئونته و يبقى أجره».(8:282)

الباقين

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ. الشّعراء:120

الطّبريّ: من قومه الّذين كذّبوه.و ردّوا عليه النّصيحة.(19:92)

نحوه البغويّ(3:474)،و الخازن(5:101) و البيضاويّ(2:163)،و النّسفيّ(3:191)،و الآلوسيّ (19:109)،و الطّباطبائيّ(15:298).

الطّوسيّ: من الكفّار بعد ذلك،و أهلكهم.(8:43)

الطّبرسيّ: أي الخارجين عن السّفينة،الكافرين به.(4:196)

الشّربينيّ: أي من بقي على الأرض و لم يركب معه في السّفينة،على قوّتهم و كثرتهم.(3:24)

البروسويّ: من قومه ممّن لم يركب السّفينة.و فيه تنبيه على أنّ نوحا كان مبعوثا إلى من على وجه الأرض، و لذا قال في قصّته(الباقين)،و في قصّة موسى ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ الشّعراء:66.(6:293)

باقية

فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ. الحاقّة:8

الفرّاء:من بقاء،و يقال:هل ترى منهم باقيا؟و كلّ ذلك في العربيّة جائز حسن.(3:180)

أبو عبيدة :من بقيّة،و مجازها مجاز الطّاغية مصدر،و قلّما ما جاء المصدر في تقدير«فاعل»إلاّ أربعة أحرف،و كذلك جاءت مصادر في«مفعول»أيضا في حروف،منها:أقبل ميسوره،ودع معسوره و معقوله.

(2:267)

ابن قتيبة :أي أثر،و يقال:هل ترى لهم من بقاء؟

(غريب القرآن:483)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فهل ترى يا محمّد لعاد قوم هود من بقاء؟

و قيل:عنى بذلك فهل ترى منهم باقيا؟و كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريّين يقول معنى ذلك:فهل ترى لهم من بقيّة؟و يقول:مجازها مجاز الطّاغية مصدر.(29:52)

ابن الأنباريّ: هي هاء مبالغة كعلاّمة و نسّابة، و المعنى من باق،معناه من فئة باقية.(ابن عطيّة 5:357)

الطّوسيّ: أي من نفس باقية.و قيل:معناه فهل ترى لهم من بقاء؟فالباقية بمعنى المصدر،مثل العافية و الطّاغية،و معناه فهل ترى لهم من بقيّة؟(10:96)

نحوه الزّمخشريّ(4:150)،و الطّبرسيّ(5:344)، و أبو السّعود(61:294).

الرّاغب: أي جماعة باقية،أو فعلة لهم باقية.

و قيل:معناه بقيّة،و قد جاء من المصادر ما هو على

ص: 411

«فاعل»و ما هو على بناء«مفعول»و الأوّل أصحّ.(57)

البغويّ: أي من نفس باقية،يعني لم يبق منهم أحد.(6:145)

نحوه الخازن.(7:119)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:في الباقية ثلاثة أوجه:أحدها:أنّها البقيّة،و ثانيها:المراد من نفس باقية،و ثالثها:المراد الباقية بالبقاء،كالطّاغية بمعنى الطّغيان.

المسألة الثّانية:ذهب قوم إلى أنّ المراد أنّه لم يبق من نسل أولئك القوم أحد.و استدلّ بهذه الآية على قوله.

قال ابن جريج:كانوا سبع ليال و ثمانية أيّام أحياء، في عقاب اللّه من الرّيح.فلمّا أمسوا في اليوم الثّامن ماتوا، فاحتملتهم الرّيح فألقتهم في البحر،فذاك هو قوله:

فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ، و قوله: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ الأحقاف:25.(30:105)

نحوه القرطبيّ(18:261)،و أبو حيّان(8:321).

ابن كثير :أي هل تحسّ منهم من أحد من بقاياهم، أو ممّن ينتسب إليهم؟بل بادوا عن آخرهم،و لم يجعل اللّه لهم خلفا.(7:100)

البروسويّ: الباقية:اسم كالبقيّة لا وصف،و التّاء للنقل الاسميّة،و من زائدة،و(باقية)مفعول(ترى)أي ما ترى منهم بقيّة،من صغارهم و كبارهم و ذكورهم و إناثهم،غير المؤمنين.

و يجوز أن يكون صفة موصوف محذوف،بمعنى نفس باقية،أو مصدرا بمعنى البقاء،كالكاذبة و الطّاغية.

و البقاء:ثبات الشّيء على الحالة الأولى،و هو يضادّ الفناء.[ثمّ استشهد بشعر]

فعلى العاقل أن يجتهد حتّى يبقى في الدّنيا بالعمر الثّاني،كما دلّ عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل عليه السّلام: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84،على أنّ الحياة الباقية الحقيقيّة هي ما حصلت بالتّجلّي الإلهيّ و الفيض المآلي الكلّيّ،نسأل اللّه سبحانه أن يفيض علينا سجال فيضه وجوده،بحرمة أسمائه و صفاته،و وجوب وجوده.(10:134)

نحوه الآلوسيّ.(29:42)

الطّباطبائيّ: أي من نفس باقية،و الجملة كناية عن استيعاب الهلاك لهم جميعا.

و قيل:الباقية:مصدر،بمعنى البقاء،و قد أريد به البقيّة،و ما قدّمناه من المعنى أقرب.(19:393)

المراغيّ: لم يبق منهم و لا من نسلهم أحد،و جاء في آية أخرى فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ الأحقاف:25.(29:52)

الباقيات

1- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً. الكهف:46

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:سبحان اللّه،و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،من الباقيات الصّالحات.

نحوه ابن عبّاس،و الحسن،و قتادة.

(الطّبريّ 15:255)

و نحوه ابن المسيّب،و ابن عمر،و عطاء(الطّبريّ 15:254)،و ابن كعب القرظيّ(ابن الجوزيّ 5:149).

ص: 412

إن عجزتم عن اللّيل أن تكابدوه و عن العدوّ أن تجاهدوه فلا تضجروا عن قول:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،فإنّهنّ من الباقيات الصّالحات فقولوها.(العروسيّ 3:264)

مثله ابن عبّاس،و مجاهد،و عطاء،و عكرمة، و الضّحّاك.(ابن الجوزيّ 5:149)

و بهذا المعنى جاءت روايات أخرى فلاحظ، العروسيّ(3:265)

الإمام عليّ عليه السّلام:الحرث حرثان:فحرث الدّنيا المال و البنون،و حرث الآخرة الباقيات الصّالحات،و قد يجمعهنّ اللّه تعالى لأقوام.(القرطبيّ 10:414)

ابن عبّاس: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ: الصّلوات الخمس.

مثله النّخعيّ،و أبو ميسرة،و سعيد بن جبير.

(الطّبريّ 15:253)

مثله ابن مسعود و مسروق(ابن الجوزيّ 5:149)، و نحوه شرحبيل(الطّبريّ 15:254)،و ابن قتيبة (268).و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام (العروسيّ 3:264)

وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ هي ذكر اللّه قول:لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و سبحان اللّه و الحمد للّه و تبارك اللّه، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،و استغفر اللّه،و صلّى اللّه على رسول اللّه،و الصّيام و الصّلاة و الحجّ،و الصّدقة و العتق و الجهاد و الصّلة،و جميع أعمال الحسنات،و هنّ الباقيات الصّالحات الّتي تبقى لأهلها في الجنّة ما دامت السّماوات و الأرض.(الطّبريّ 15:256)

وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ: الكلام الطّيّب.

(الطّبريّ 15:256)

هي الطّاعات للّه تعالى،و جميع الحسنات،لأنّ ثوابها يبقى أبدا.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 3:473)

نحوه ابن زيد.(ابن الجوزيّ 5:150)

كلّ عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة.

(ابن عطيّة 3:520)

أبو سعيد الخدريّ: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

استكثروا من الباقيات الصّالحات،قيل:و ما هي يا رسول اللّه؟قال:الملّة،قيل:و ما هي يا رسول اللّه؟ قال:التّكبير و التّهليل و التّسبيح و الحمد،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.(الطّبريّ 15:255)

الحسن :[سئل عن الباقيات الصّالحات فقال:]

النّيّات و الهمّات،لأنّ بها تقبل الأعمال و ترفع.

(الميبديّ 5:696)

قتادة :كلّ شيء من طاعة اللّه فهو من الباقيات الصّالحات.(الدّرّ المنثور 4:226)

كلّ ما أريد به وجه اللّه.(الزّمخشريّ 2:487)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ من الباقيات الصّالحات القيام باللّيل لصلاة اللّيل.(العروسيّ 3:244)

و في كتاب ابن عقدة أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال للحصين ابن عبد الرّحمن:يا حصين لا تستصغر مودّتنا،فإنّها من الباقيات الصّالحات،قال:يا ابن رسول اللّه ما أستصغرها و لكن أحمد اللّه عليها.(الطّبرسيّ 3:474)

الطّبريّ: يقول:و ما يعمل سلمان و خبّاب و صهيب

ص: 413

من طاعة اللّه و دعائهم ربّهم بالغداة و العشيّ يريدون وجهه،الباقي لهم من الأعمال الصّالحة بعد فناء الحياة الدّنيا،خير يا محمّد عند ربّك ثوابا،من المال و البنين، الّتي يفتخر هؤلاء المشركون بها،الّتي تفنى فلا تبقى لأهلها.

و اختلف أهل التّأويل في المعنيّ ب اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ اختلافهم في المعنيّ بالدّعاء الّذي وصف جلّ ثناؤه به الّذين نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن طردهم، و أمره بالصّبر معهم،فقال بعضهم:هي الصّلوات الخمس.

[ثمّ ذكر الأقوال و أضاف:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول:هنّ جميع أعمال الخير،كالّذي روي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس،لأنّ ذلك كلّه من الصّالحات الّتي تبقى لصاحبها في الآخرة،و عليها يجازى و يثاب.و أنّ اللّه عزّ ذكره لم يخصّص من قوله: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً بعضا دون بعض في كتاب،و لا بخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن ظنّ ظانّ أنّ ذلك مخصوص بالخبر الّذي رويناه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّ ذلك بخلاف ما ظنّ؛ و ذلك أنّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما ورد بأنّ قول:

سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،هنّ من الباقيات الصّالحات،و لم يقل:هنّ جميع الباقيات الصّالحات،و لا كلّ الباقيات الصّالحات.و جائز أن تكون هذه الباقيات صالحات،و غيرها من أعمال البرّ أيضا باقيات صالحات.(15:253)

الطّوسيّ: يعني الطّاعات للّه تعالى،لأنّه يبقى ثوابها أبدا،فهي خير من نفع منقطع لا عاقبة له، و الباقيات يفرح بها و يدوم خيرها،و هي صالحات بدعاء الحكيم إليها،و أمره بها.

و روي في أخبارنا أنّ من الباقيات الصّالحات و الأمور الثّابتات:القيام باللّيل لصلاة اللّيل.(7:52)

القشيريّ: و هي الأعمال الّتي بشواهد الإخلاص و الصّدق.

و يقال:الباقيات الصّالحات:ما كان خالصا للّه تعالى،غير مشوب بطمع،و لا مصحوب بغرض.

و يقال:الباقيات الصّالحات:ما يلوح في السّرائر من تحلية العبد بالنّعوت و يفوح نشره في سماء الملكوت.

و يقال:هي الّتي سبقت من الغيب لهم بالقربة و شريف الزّلفة.

و يقال:هي ضياء شموس التّوحيد المستكنّ في السّرائر،ممّا لا يتعرّض لكسوف الحجبة.(4:70)

الرّاغب: أي ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال.

و قد فسّر بأنّها الصّلوات الخمس،و قيل:هي سبحان اللّه و الحمد للّه.

و الصّحيح أنّها كلّ عبادة يقصد بها وجه اللّه تعالى، و على هذا قوله: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ هود:86.

(57)

نحوه البيضاويّ.(2:15)

الميبديّ: قيل:كلمة الشّهادة للّه و البراءة من الشّرك،لقوله: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ الزّخرف:28.(5:695)

ص: 414

الزّمخشريّ: أعمال الخير الّتي تبقى ثمرتها للإنسان و تفنى عنه كلّ ما تطمح إليه نفسه من حظوظ الدّنيا.

و قيل:هي الصّلوات الخمس،و قيل:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر.(2:486)

نحوه أبو السّعود.(4:193)

ابن عطيّة: [اكتفى بنقل بعض الرّوايات و الأقوال المتقدّمة](3:520)

نحوه أبو حيّان.(6:133)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ الباقيات الصّالحات هنّ البنات الصّالحات،و الأولى حملها على العموم،فيدخل فيها جميع الطّاعات و الخيرات.

و إنّما سمّيت الطّاعات:صالحات،لأنّها أصلح الأعمال للمكلّف،من حيث أمر بها و وعد الثّواب عليها، و توعّد بالعقاب على تركها.(3:474)

الفخر الرّازيّ: و المفسّرون ذكروا في اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ أقوالا،قيل:إنّها قولنا:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر.

و للشّيخ الغزاليّ رحمه اللّه في تفسير هذه الكلمات وجه لطيف،فقال:روي أنّ من قال:سبحان اللّه،حصل له من الثّواب عشر مرّات،فإذا قال:و الحمد للّه،صارت عشرين،و إذا قال:و لا إله إلاّ اللّه،صارت ثلاثين،فإذا قال:و اللّه أكبر،صارت أربعين.

قال:و تحقيق القول فيه:أنّ أعظم مراتب الثّواب هو الاستغراق في معرفة اللّه و في محبّته،فإذا قال:سبحان اللّه،فقد عرف كونه سبحانه منزّها عن كلّ ما لا ينبغي، فحصول هذا العرفان سعادة عظيمة و بهجة كاملة.

فإذا قال مع ذلك:و الحمد للّه،فقد أقرّ بأنّ الحقّ سبحانه مع كونه منزّها عن كلّ ما لا ينبغي،فهو المبدأ لإفادة كلّ ما ينبغي و لإفاضة كلّ خير و كمال،فقد تضاعفت درجات المعرفة،فلا جرم قلنا تضاعف الثّواب.

فإذا قال مع ذلك:و لا إله إلاّ اللّه،فقد أقرّ بأنّ الّذي تنزّه عن كلّ ما لا ينبغي فهو المبدأ لكلّ ما ينبغي،و ليس في الوجود موجود هكذا إلاّ الواحد،فقد صارت مراتب المعرفة ثلاثة،فلا جرم صارت درجات الثّواب ثلاثة.

فإذا قال:و اللّه أكبر،معناه أنّه أكبر و أعظم من أن يصل العقل إلى كنه كبريائه و جلاله،فقد صارت مراتب المعرفة أربعة،لا جرم صارت درجات الثّواب أربعة.

و القول الثّاني:أنّ اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ هي الصّلوات الخمس.

و القول الثّالث:أنّها الطّيّب من القول،كما قال تعالى: وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ الحجّ:24.

و القول الرّابع:أنّ كلّ عمل و قول دعاك إلى الاشتغال بمعرفة اللّه و بمحبّته و خدمته فهو الباقيات الصّالحات،و كلّ عمل و قول دعاك إلى الاشتغال بأحوال الخلق،فهو خارج عن ذلك؛و ذلك أنّ كلّ ما سوى الحقّ سبحانه فهو فان لذاته هالك لذاته،فكان الاشتغال به و الالتفات إليه عملا باطلا،و سعيا ضائعا.

أمّا الحقّ لذاته فهو الباقي لا يقبل الزّوال،لا جرم كان الاشتغال بمعرفة اللّه و محبّته و طاعته،هو الّذي يبقى بقاء لا يزول و لا يفنى.(21:131)

القرطبيّ: عن ابن عبّاس:أنّها كلّ عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة،و قاله ابن زيد،و رجّحه

ص: 415

الطّبريّ،و هو الصّحيح إن شاء اللّه،لأنّ كلّ ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا.

و قال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.[إلى أن قال:]

و قال عبيد بن عمير: هنّ البنات،يدلّ عليه أوائل الآية،قال اللّه تعالى اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ثمّ قال: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ، يعني البنات الصّالحات هنّ عند اللّه لآبائهنّ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً في الآخرة،لمن أحسن إليهنّ،يدلّ عليه ما روته عائشة،قالت:دخلت عليّ امرأة مسكينة...الحديث،و قد ذكرناه في سورة النّحل في قوله:

يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ النّحل:59. (1)

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال: لقد رأيت رجلا من أمّتي أمر به إلى النّار فتعلّق به بناته،و جعلن يصرخن و يقلن:ربّ إنّه كان يحسن إلينا في الدّنيا،فرحمه اللّه بهنّ.(10:414)

البروسويّ: (الباقيات):اسم لأعمال الخير لا وصف،و لذا لم يذكر الموصوف،أي أعمال الخير الّتي تبقى ثمراتها أبد الآباد،من الصّلاة و الصّوم و أعمال الحجّ، و سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و نحو ذلك من الكلم الطّيّب.(5:251)

شبّر: اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ أعمال الخيرات و جملة الطّاعات،و يعمّ ما فسّر به من الصّلوات الخمس، و مودّة أهل البيت عليهم السّلام.(4:81)

الآلوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و ادّعى الخفاجيّ أنّ كلّ ما ذكر في تفسيرها غير العامّ ذكر على طريق التّمثيل،و يبعد ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«و هنّ الباقيات»المفيد للحصر بعد التّنصيص،على ما لا عموم فيه،فتأمّل.

و أيّاما كان ف(الباقيات)صفة لمقدّر كالكلمات أو الأعمال،و إسناد(الباقيات)إلى ذلك مجاز،أي الباقي ثمرتها و ثوابها بقرينة ما بعد،فهي صفة جرت على غير ما هي له بحسب الأصل،أو هناك مقدّر مرفوع بالوصف، مضاف إلى ضمير الموصوف استتر الضّمير المجرور و ارتفع بعد حذفه.

و كذا تدخل أعمال فقراء المؤمنين الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ،يريدون وجهه دخولا أوّليّا،فإنّ لهم من كلّ نوع من أنواع الخيرات الحظّ الأوفر.

و الكلام متضمّن للتّنويه بشأنهم،و حطّ قدر شانئهم،فكأنّه قيل:ما افتخر به أولئك الكفرة من المال و البنين سريع الزّوال،لا ينبغي أن يفتخر به،و ما جاء به أولئك المؤمنون(خير).(15:287)

الطّباطبائيّ: المراد ب(الباقيات الصّالحات):

الأعمال الصّالحة،فإنّ أعمال الإنسان محفوظة له عند اللّه بنصّ القرآن فهي باقية،و إذا كانت صالحة فهي باقيات صالحات،و هي عند اللّه(خير ثوابا)لأنّ اللّه يجازي الإنسان الجائي بها خير الجزاء،(و خير املا)لأنّ ما يؤمل بها من رحمة اللّه و كرامته ميسور للإنسان،فهي أصدق أملا من زينات الدّنيا و زخارفها،الّتي لا تفي للإنسان في أكثر ما تعدّ،و الآمال المتعلّقة بها كاذبة على الأغلب،).

ص: 416


1- راجع:الجامع لأحكام القرآن(10:117).

و ما صدق منها غارّ خدوع.

و قد ورد من طرق الشّيعة و أهل السّنّة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و من طرق الشّيعة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام عدّة من الرّوايات:أنّ اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ التّسبيحات الأربع:«سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر».و في أخرى:أنّها الصّلاة،و في أخرى:مودّة أهل البيت،و هي جميعا من قبيل الجري و الانطباق على المصداق.(13:319)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى:

وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً إشارة أخرى إلى ما هو خير من الأموال و الأولاد،ممّا يمكن أن يحصّله الإنسان في هذه الحياة الدّنيا،و تلك هي اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ الّتي هي الإيمان باللّه،الّذي هو رأس الأعمال الصّالحة،الّتي أمر اللّه بها من عبادات،و معاملات و أخلاق،فهذا هو الّذي يبقى للإنسان،و يجده حاضرا يوم القيامة.أمّا ما سواه فهو سراب و قبض الرّيح،لا يجد الإنسان منه شيئا يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:88،89.

و وصف(الباقيات)ب(الصّالحات)هو عزل لها عن باقيات غير صالحات،و هي المنكرات الّتي عليها أهل الضّلال و الكفر؛إذ هي باقية لهم يجدونها يوم القيامة، و يجدون منها الحسرة و النّدامة.(8:627)

مكارم الشّيرازيّ: بالرّغم من أنّ بعض المفسّرين أرادوا حصر مفهوم اَلْباقِياتُ الصّالِحاتُ في دائرة خاصّة مثل الصّلوات الخمس أو ذكر:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و أمثال هذه الأمور،إلاّ أنّ الواضح أنّ هذا التّعبير هو من السّعة بحيث يشمل كلّ فكرة و قول و عمل صالح تدوم و تبقى آثاره و بركاته بين الأفراد و المجتمعات.

فإذا رأينا في بعض الرّوايات أنّ الباقيات الصّالحات تفسّر بصلاة اللّيل أو مودّة أهل البيت عليهم السّلام،فإنّ الغرض من ذلك هو بيان المصداق الواضح،و ليس تحديد المفهوم،خاصّة و إنّ بعض هذه الرّوايات استخدمت فيها كلمة(من)الّتي تدلّ على التّبعيض.

فمثلا في رواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال:

«لا تستصغر مودّتنا فإنّها من الباقيات الصّالحات».

و في حديث آخر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نقرأ قوله:

«لا تتركوا التّسبيحات الأربع فإنّها من الباقيات الصّالحات».

إنّ نفس الأموال أو الأبناء الّذين يكونون في بعض الأحيان موقع فتنة و اختبار،إذا كانت في مسير اللّه تبارك و تعالى فإنّها ستكون مثل الباقيات الصّالحات، لأنّ الذّات الإلهيّة ذات أبديّة،و أيّ شيء يعود إليها و يسير نحوها سيبقى خالدا.(9:253)

ابقى

1- ..وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى. طه:71

ابن كعب القرظيّ: معناه أبقى عقابا إن عصي، و ثوابا إن أطيع.

مثله ابن إسحاق.(الطّوسيّ 7:190)

الطّبريّ: يقول:و لتعلمنّ أيّها السّحرة أيّنا أشدّ

ص: 417

عذابا لكم و أدوم،أنا أو موسى.(16:189)

نحوه الطّبرسيّ(4:21)،و أبو السّعود(4:295).

البروسويّ: (ابقى):أدوم،و موسى لم يكن في شيء من التّعذيب،إلاّ أنّ فرعون ظنّ السّحرة خافوا من قبل موسى على أنفسهم حين رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم و عصيّهم،فقال ما قال.(5:406)

الآلوسيّ: و اشتقاق(ابقى)من«البقاء»بمعنى الدّوام.و قيل:لا يبعد-و اللّه تعالى أعلم-أن يكون من البقاء،بمعنى العطاء،فإنّ اللّعين كان يعطي لمن يرضاه العطايا،فيكون للآية شبه بقول نمرود: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ و هو في غاية البعد عند من له ذوق سليم.

ثمّ لا يخفى أنّ اللّعين في غاية الوقاحة و نهاية الجلادة؛ حيث أوعد و هدّد و أبرق و أرعد،مع قرب عهده بما شاهد من انقلاب العصا حيّة،و ما لها من الآثار الهائلة، حتّى أنّها قصدت ابتلاع قبّته،فاستغاث بموسى عليه السّلام، و لا يبعد نحو ذلك من فاجر طاغ مثله.(16:232)

المراغيّ: أي و لتعلمنّ أنا أو موسى أشدّ عذابا و أبقى.و في ذلك إيماء إلى اقتداره و قهره،و بيان ما ألفه، و ضري به من تعذيب النّاس بأنواع العذاب،كما فيه تحقير لشأن موسى و استضعاف له،مع السّخريّة منه.

(16:131)

2- إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى. طه:73

ابن عطيّة: ردّ على قوله: أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى طه:71.(4:53)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:89)،و النّسفيّ(3:60)، و أبو حيّان(6:262).

الطّبرسيّ: أي و اللّه خير لنا منك،و ثوابه أبقى لنا من ثوابك.

و قيل:معناه و اللّه خير ثوابا للمؤمنين،و أبقى عقابا للعاصين منك.و هذا جواب لقوله: وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى طه:71.(4:21)

نحوه القرطبيّ.(11:226)

أبو السّعود:أي جزاء،ثوابا كان أو عذابا،أو خير ثوابا و أبقى عذابا.(4:296)

مثله الآلوسيّ.(16:233)

البروسويّ: أي جزاء،ثوابا كان أو عقابا،أو خير لنا منك ثوابا إن أطعناه،و أدوم عذابا منك إن عصيناه.

و في«التّأويلات النّجميّة»:(و اللّه خير)في إيصال الخير و دفع الشّرّ منك،(و ابقى)خيره من خيرك، و عذابه من عذابك.(5:407)

الطّباطبائيّ: و ذيل الآية وَ اللّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى من تمام البيان،و بمنزلة التّعليل لصدرها،كأنّه قيل:و إنّما آثرنا غفرانه على إحسانك،لأنّه خير و أبقى،أي خير من كلّ خير،و أبقى من كلّ باق لمكان الإطلاق،فلا يؤثّر عليه شيء.

و في هذا الذّيل نوع مقابلة،لما فى ذيل كلام فرعون:

وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى

(14:182)

المراغيّ: أي و اللّه خير منك جزاء و أدوم ثوابا ممّا كنت دعوتنا إليه،و منّيتنا به.(16:132)

ص: 418

3- وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ، وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى. طه:127

الطّبريّ: يقول:و أدوم منها،لأنّه إلى غير أمد و لا نهاية.(16:230)

الطّوسيّ: لأنّه دائم،و عذاب القبر و عذاب الدّنيا يزول.و هذا يقوّي قول من قال:إنّ قوله: مَعِيشَةً ضَنْكاً طه:124،أراد به عذاب القبر.(7:221)

نحوه الطّبرسيّ.(4:35)

ابن عطيّة: (اشدّ و ابقى)من كلّ ما يقع عليه الظّنّ و التّخيّل،فكأنّه ذكر نوعا من عذاب الآخرة،ثمّ أخبر أنّ عذاب الآخرة أشدّ و أبقى.(4:68)

الفخر الرّازيّ: أمّا الأشدّ فلعظمه،و أمّا الأبقى فلأنّه غير منقطع.(22:132)

نحوه الشّربينيّ.(2:491)

القرطبيّ: أي أدوم و أثبت،لأنّه لا ينقطع و لا ينقضي.(11:259)

نحوه البروسويّ.(5:442)

الآلوسيّ: أي أكثر بقاء منه أو أشدّ و أبقى من ذلك و من عذاب القبر أو منهما و من الحشر على العمى.

(16:279)

الطّباطبائيّ: أي من عذاب الدّنيا،و ذلك لكونه محيطا بباطن الإنسان كظاهره،و لكونه دائما لا يزول.

(14:232)

4- وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ. القصص:60

الطّبريّ: يقول:و أبقى لأهله،لأنّه لا نفاد له...و تؤثرون الدّائم الّذي لا نفاد له من النّعيم على الفاني الّذي لا بقاء له.(20:96)

الطّوسيّ: من هذه النّعم،لأنّها باقية،و هذه فانية.

(8:166)

نحوه الطّبرسيّ.(4:261)

البغويّ: إنّ الباقي خير من الفاني.(3:540)

الزّمخشريّ: وَ ما عِنْدَ اللّهِ و هو ثوابه(خير)في نفسه من ذلك،(و ابقى)لأنّ بقاءه دائم سرمد.

(3:187)

الفخر الرّازيّ: و أمّا أنّها أبقى،فلأنّها دائمة غير منقطعة،و منافع الدّنيا منقطعة.و متى قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدما،فكيف و نصيب كلّ أحد بالقياس إلى منافع الدّنيا كلّها كالذّرّة بالقياس إلى البحر.

فظهر من هذا أنّ منافع الدّنيا لا نسبة لها إلى منافع الآخرة البتّة،فكان من الجهل العظيم ترك منافع الآخرة لاستبقاء منافع الدّنيا.(25:6)

نحوه الشّربينيّ.(3:111)

القرطبيّ: أي أفضل و أدوم،يريد الدّار الآخرة، و هي الجنّة.(13:302)

البيضاويّ: لأنّه أبديّ.(2:198)

مثله أبو السّعود(5:131)،و البروسويّ(6:

419)،و شبّر(5:34)،و نحوه الآلوسيّ(20:99).

الطّباطبائيّ: و المعنى أنّ جميع النّعم الدّنيويّة الّتي أعطاكم اللّه إيّاها متاع و زينة زيّنت بها هذه الحياة الدّنيا الّتي هي أقرب الحياتين منكم،و هي بائدة فانية،

ص: 419

و ما عند اللّه من ثوابه في الدّار الآخرة المترتّب على اتّباع الهدى و الإيمان بآيات اللّه خير و أبقى.فينبغي أن تؤثروه على متاع الدّنيا و زينتها،أ فلا تعقلون؟!(16:62)

بقيّة

1- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى...

البقرة:248

ابن عبّاس: رضاض الألواح.(الطّبريّ 2:613)

مثله عكرمة.(الطّبريّ 2:614)

عصا موسى و رضاض الألواح.(الطّبريّ 2:614)

كان موسى حين ألقى الألواح،تكسّرت و رفع منها، فجعل الباقي في ذلك التّابوت.(الطّبريّ 2:615)

عكرمة :التّوراة و رضاض الألواح و العصا.

(الطّبريّ 2:614)

أبو صالح:كان فيه عصا موسى و عصا هارون و لوحان من التّوراة و المنّ.(الطّبريّ 2:614)

الضّحّاك: يعني بالبقيّة:القتال في سبيل اللّه، و بذلك قاتلوا مع طالوت،و بذلك أمروا.

(الطّبريّ 2:615)

وهب بن منبّه:كان فيه(التّابوت)عصا موسى و السّكينة.(الطّبريّ 2:615)

الحسن :كان فيه التّوراة و شيء من ثياب موسى.

(الطّوسيّ 2:293)

العوفيّ: عصا موسى و عصا هارون و رضاض الألواح.(الطّبريّ 2:614)

الإمام الباقر عليه السّلام:رضاض الألواح فيها العلم و الحكمة.العلم جاء من السّماء فكتب في الألواح و جعل في التّابوت.(العيّاشيّ 1:133)

قتادة :فكان في التّابوت عصا موسى و رضاض الألواح،فيما ذكر لنا.

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 2:614)

الرّبيع: عصا موسى و أمور من التّوراة.

(الطّبريّ 2:614)

عطاء: إنّها العلم و التّوراة.(الماورديّ 1:316)

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 2:615)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ذرّيّة الأنبياء.

(العيّاشيّ 1:133)

مقاتل: رضاض الألواح و طست من ذهب و عصا موسى و عمامته.(أبو حيّان 2:262)

الثّوريّ: منهم من يقول:«البقيّة»قفيز من منّ و رضاض الألواح،و منهم من يقول:العصا و النّعلان.

(الطّبريّ 2:615)

الإمام الكاظم عليه السّلام: سعة التّابوت:ثلاثة أذرع في ذراعين،و فيه عصا موسى و السّكينة.(شبّر 1:252)

الإمام الرّضا عليه السّلام: كان فيه ألواح موسى الّتي تكسّرت،و الطّست الّذي يغسل فيه قلوب الأنبياء.

(شبّر 1:252)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بقوله:(و بقيّة)الشّيء الباقي من قول القائل:قد بقي من هذا الأمر بقيّة،و هي «فعيلة»منه،نظير السّكينة من سكن.

[ثمّ نقل بعض أقوال المتقدّمة و قال:]

ص: 420

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن التّابوت الّذي جعله آية لصدق قول نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأمّته إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً البقرة:247،أنّ فيه سكينة منه و بقيّة ممّا تركه آل موسى و آل هارون.

و جائز أن تكون تلك البقيّة:العصا و كسر الألواح و التّوراة أو بعضها و النّعلين،و الثّياب و الجهاد في سبيل اللّه.و جائز أن يكون بعض ذلك.

و ذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج، و لا اللّغة،و لا يدرك علم ذلك إلاّ بخبر يوجب عنه العلم، و لا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصّفة الّتي وصفنا، و إذ كان كذلك،فغير جائز فيه تصويب قول و تضعيف آخر غيره؛إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول.

(2:613)

الزّجّاج: قيل في تفسيره:البقيّة:رضاض الألواح، و أنّ التّوراة فيه و كتاب آخر مع التّوراة و عصا موسى، فهذا ما روي ممّا فيه.

و الظّاهر:أنّ فيه بقيّة،جائز أن يكون بقيّة من شيء من علامات الأنبياء،و جائز أن يكون البقيّة من العلم، و جائز أن يتضمّنها جميعا.(1:329)

الطّوسيّ: قال ابن عبّاس و قتادة و السّدّيّ:إنّها عصا موسى و رضاض الألواح،و هو المرويّ عن أبي جعفر[عليه السّلام].و قال أبو جعفر:(التّابوت)هو الّذي وضعت أمّ موسى فيه موسى حين ألقته في اليمّ.

و أقوى هذه الأقوال أن يحمل على أنّه كان فيه ما يسكنون إليه.و يجوز أن يكون ذلك عصا موسى و الرّضاض،و غير ذلك ممّا اختلفوا فيه،بعد أن يكون فيه ما تسكن النّفس إليه،لأنّه تعالى بيّن أنّ فيه سكينة، و هي«فعيلة»من السّكون،و لا يقطع بشيء من ذلك إلاّ بدليل يوجب العلم.(2:293)

البغويّ: كان فيه لوحان من التّوراة،و رضاض الألواح الّتي تكسّرت،و كان فيه عصا موسى و نعلاه و عمامة هارون و عصاه،و قفيز من المنّ الّذي كان ينزل على بني إسرائيل.(1:334)

نحوه الخازن(1:216)،و الشّربينيّ(1:163)، و البروسويّ(1:386).

الزّمخشريّ: هي رضاض الألواح و عصا موسى و ثيابه و شيء من التّوراة،و كان رفعه اللّه تعالى بعد موسى عليه السّلام،فنزلت به الملائكة تحمله و هم ينظرون إليه، فكان ذلك آية لاصطفاء اللّه طالوت.(1:380)

ابن عطيّة: [بعد نقل قول عكرمة أضاف:]

و معنى هذا ما روي من أنّ موسى عليه السّلام لمّا جاء قومه بالألواح،فوجدهم قد عبدوا العجل،ألقى الألواح غضبا فتكسّرت،فنزع منها ما بقي صحيحا،و أخذ رضاض ما تكسّر،فجعل في التّابوت.

[ثمّ ذكر قول الضّحّاك و قال:]

أي الأمر بذلك في التّابوت؛إمّا أنّه مكتوب فيه، و إمّا أنّ نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك.(1:334)

الفخر الرّازيّ: احتجّ القائلون بأنّه حصل في التّابوت شيء بوجهين.

الأوّل:أنّه قوله:(فيه سكينة)يدلّ على كون (التّابوت)ظرفا للسّكينة.

ص: 421

و الثّاني:و هو أنّه عطف عليه قوله: وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى فكما أنّ التّابوت كان ظرفا للبقيّة، وجب أن يكون ظرفا للسّكينة.

و الجواب عن الأوّل:أنّ كلمة(فى)كما تكون للظّرفيّة فقد تكون للسّببيّة.قال عليه الصّلاة و السّلام:

«في النّفس المؤمنة مائة من الإبل،و قال:في خمس من الإبل شاة»أي بسببه،فقوله في هذه الآية:(فيه سكينة) أي بسببه تحصل السّكينة.

و الجواب عن الثّاني:لا يبعد أن يكون المراد:بقيّة ممّا ترك آل موسى و آل هارون من الدّين و الشريعة، و المعنى أنّ سبب هذا التّابوت ينتظم أمر ما بقي من دينهما و شريعتهما.

و أمّا القائلون بأنّ المراد ب«البقيّة»:شيء كان موضوعا في التّابوت،فقالوا:البقيّة:هي رضاض الألواح و عصا موسى و ثيابه و شيء من التّوراة،و قفيز من المنّ الّذي كان ينزل عليهم.(6:190)

النّيسابوريّ: أمّا«البقيّة»فبمعنى الباقية،يقال:

بقي من الشّيء بقيّة،و المراد بالسّكينة و البقيّة،إمّا أن يكون شيئا حاصلا في التّابوت أولا،الثّاني قول الأصمّ.

و على هذا فمعناه أنّه متى جاءهم التّابوت من السّماء و شاهدوا تلك الحالة،اطمأنّت نفوسهم و أقرّوا له بالملك،و انتظم أمر ما بقي من دين موسى و هارون و من شريعتهما،فهذا كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«في النّفس المؤمنة مائة من الإبل»أي بسببها.

و على الأوّل أقوال:فعن أبي مسلم:كان في التّابوت بشارات من كتب اللّه المنزلة على موسى و هارون،و من بعدهما من الأنبياء عليهم السّلام،بأنّ اللّه تعالى ينصر طالوت و جنوده،فيزول خوف العدوّ عنهم.(2:313)

أبو حيّان: قيل:لوحان من التّوراة و ثياب موسى و هارون و عصواهما،و كلمة:اللّه لا إله إلاّ اللّه الحكيم الكريم،و سبحان اللّه ربّ السّماوات السّبع و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.[نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

يحتمل أن يكون مجموع ما ذكر في التّابوت،فأخبر كلّ قائل عن بعض ما فيه،و انحصر بهذه الأقوال ما في التّابوت من البقيّة.(2:262)

شبّر:من الألواح،و سائر آيات الأنبياء.(1:252)

الآلوسيّ: هي رضاض الألواح و ثياب موسى و عمامة هارون،و طست من ذهب كانت تغسل به قلوب الأنبياء،و كلمة الفرج:لا إله إلاّ اللّه الحكيم الكريم،و سبحان اللّه ربّ السّماوات السّبع و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.(2:169)

المراغيّ: أي و قال لهم نبيّهم:إنّ من علامة عناية اللّه بطالوت عود التّابوت إليكم،و فيه ما تطمئنّ به قلوبكم،و قد كان له عندهم شأن دينيّ خاصّ،و فيه بقيّة من رضاضة الألواح:فتاتها و عصا موسى و ثيابه و شيء من التّوراة،و أشياء توارثها العلماء من اتباع موسى و هارون.(2:221)

2- بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. هود:86

ابن عبّاس: يعني ما أبقى اللّه لكم من الحلال بعد

ص: 422

إيفاء الكيل و الوزن خير ممّا تأخذونه بالتّطفيف.

(البغويّ 2:462)

معناه رزق اللّه.(ابن عطيّة 3:198)

نحوه الثّوريّ.(الطّبرسيّ 3:187)

سعيد بن جبير: معناه إبقاء اللّه النّعيم عليكم خير لكم ممّا يحصل من النّفع بالتّطفيف.

(الطّبرسيّ 3:187)

مجاهد :طاعة اللّه خير لكم.(الطّبريّ 12:100)

مثله الحسن(الطّوسيّ 6:48)،و الزّجّاج(3:72).

الإمام الباقر عليه السّلام:[حديث طويل يذكر فيه القائم عليه السّلام يقول فيه:]

فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة،و اجتمع إليه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا،فأوّل ما ينطق به هذه الآية بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثمّ يقول:أنا بقيّة اللّه و حجّته و خليفته عليكم،فلا يسلّم إليه مسلّم إلاّ قال:السّلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه.

(العروسيّ 2:392)

و في معناها رواية أخرى فلاحظ

قتادة :حظّكم من ربّكم خير لكم.

(الطّبريّ 12:101)

مثله الحسن.(القرطبيّ 9:86)

ذخيرة اللّه.(أبو حيّان 5:252)

الرّبيع: وصيّة اللّه.(القرطبيّ 9:86)

مقاتل: ثواب اللّه في الآخرة.(أبو حيّان 5:252)

ابن جريج: المعنى إبقاء اللّه تعالى النّعيم عليكم خير لكم ممّا يحصل من النّقص بالتّطفيف.(الآلوسيّ 12:116)

ابن زيد: رحمة اللّه.(القرطبيّ 9:86)

الفرّاء: يقول:ما أبقى لكم من الحلال خير لكم، و يقال:بقيّة اللّه خير لكم،أي مراقبة اللّه خير لكم.

(2:25)

الطّبريّ: ما أبقاه اللّه لكم بعد أن توفوا النّاس حقوقهم بالمكيال و الميزان بالقسط فأحلّه لكم،خير لكم من الّذي يبقى لكم،ببخسكم النّاس من حقوقهم بالمكيال و الميزان، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يقول:إن كنتم مصدّقين بوعد اللّه و وعيده و حلاله و حرامه.[إلى أن قال:]

و إنّما اخترت في تأويل ذلك القول الّذي اخترته، لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما تقدّم إليهم بالنّهي عن بخس النّاس أشياءهم في المكيال و الميزان،و إلى ترك التّطفيف في الكيل،و البخس في الميزان،دعاهم شعيب،فتعقيب ذلك بالخبر عمّا لهم من الحظّ في الوفاء في الدّنيا و الآخرة أولى.

مع أنّ قوله:(بقيّت)إنّما هي مصدر من قول القائل:

بقيت بقيّة من كذا،فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلاّ إلى بقيّة اللّه الّتي أبقاها لكم ممّا لكم بعد وفائكم النّاس حقوقهم،خير لكم من بقيّتكم من الحرام،الّذي يبقى لكم من ظلمكم النّاس،ببخسكم إيّاهم في الكيل و الوزن.(12:100)

الطّوسيّ: البقيّة:تركة الشّيء من شيء قد مضى، و المعنى:بقيّة اللّه من نعمه.و قيل:(بقيّت اللّه)طاعة اللّه، في قول الحسن و مجاهد،لأنّه يبقى ثوابها أبدا.

و كانت هذه البقيّة خيرا من تعجيلهم النّفع بالبخس

ص: 423

في المكيال و الميزان،و إنّما شرط أنّه خير بالإيمان في قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ و هو خير على كلّ حال، لأنّهم إن كانوا مؤمنين باللّه عرفوا صحّته.

و وجه آخر أنّ المراد: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فهو ثابت.(6:48)

الزّمخشريّ: ما يبقى لكم من الحلال بعد التّنزّه عمّا هو حرام عليكم.

فإن قلت:بقيّة اللّه خير للكفرة،لأنّهم يسلمون معها من تبعة البخس و التّطفيف،فلم شرط الإيمان؟

قلت:لظهور فائدتها مع الإيمان من حصول الثّواب مع النّجاة من العقاب،و خفاء فائدتها مع فقده لانغماس صاحبها في غمرات الكفر.و في ذلك استعظام للإيمان، و تنبيه على جلالة شأنه.

و يجوز أن يراد:إن كنتم مصدّقين لي فيما أقول لكم و أنصح به إيّاكم،و يجوز أن يراد:ما يبقى لكم من عند اللّه من الطّاعات خير لكم،كقوله: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ الكهف:46.

و إضافة«البقيّة»إلى(اللّه)من حيث إنّها رزقه الّذي يجوز أن يضاف إليه،و أمّا الحرام فلا يضاف إلى اللّه و لا يسمّى رزقا،و إذا أريد بها الطّاعة فكما تقول:طاعة اللّه.

و قرئ (تقيّة اللّه) بالتّاء،و هي تقواه و مراقبته الّتي تصرف عن المعاصي و القبائح.(2:285)

ابن عطيّة: قال ابن عبّاس:معناه الّذي يبقي اللّه لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل و الوزن خير لكم ممّا تستكثرون أنتم به على غير وجهه.

و هذا تفسير يليق بلفظ الآية.و قال مجاهد:معناه طاعة اللّه،و قال ابن عبّاس أيضا:معناه رزق اللّه.

و هذا كلّه لا يعطيه لفظ الآية،و إنّما المعنى عندي:

إبقاء اللّه عليكم إن أطعتم.

و قرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة بتخفيف الياء،و هي لغة.

و قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شرط في أن تكون «البقيّة»خيرا لهم.و أمّا مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال،و جواب هذا الشّرط متقدّم.(3:199)

الفخر الرّازيّ: قرئ (تقيّة اللّه) و هي تقواه و مراقبته الّتي تصرف عن المعاصي.

ثمّ نقول:المعنى ما أبقى اللّه لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل و الوزن خير من البخس و التّطفيف،يعني المال الحلال الّذي يبقى لكم خير من تلك الزّيادة الحاصلة بطريق البخس و التّطفيف.[و بعد نقل بعض الأقوال قال:]

أقول:المراد من هذه«البقيّة»إمّا المال الّذي يبقي عليه في الدّنيا،و إمّا ثواب اللّه،و إمّا كونه تعالى راضيا عنه.

و الكلّ خير من قدر التّطفيف،أمّا المال الباقي،فلأنّ النّاس إذا عرفوا إنسانا بالصّدق و الأمانة و البعد عن الخيانة،اعتمدوا عليه،و رجعوا في كلّ المعاملات إليه، فيفتح عليه باب الرّزق،و إذا عرفوه بالخيانة و المكر انصرفوا عنه،و لم يخالطوه البتّة،فتضيق أبواب الرّزق عليه.

و أمّا إن حملنا هذه«البقيّة»على الثّواب فالأمر

ص: 424

ظاهر،لأنّ كلّ الدّنيا تفنى و تنقرض،و ثواب اللّه باق.

و أمّا إن حملناه على حصول رضا اللّه تعالى،فالأمر فيه ظاهر،فثبت بهذا البرهان أنّ بقيّة اللّه خير.

(18:42)

البيضاويّ: ما أبقاه اللّه لكم من الحلال بعد التّنزّه عمّا حرّم عليكم.(1:477)

مثله النّسفيّ(2:200)،و نحوه أبو السّعود(3:

341).

النّيسابوريّ: [نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

قالت المعتزلة:في إضافة«البقيّة»إلى(اللّه)دليل على أنّ الحرام لا يسمّى:رزق اللّه.(12:54)

الخازن :قيل: بَقِيَّتُ اللّهِ يعني ما أبقاه لكم من الثّواب في الآخرة خير لكم ممّا يحصل لكم في الدّنيا من المال الحرام.(3:202)

البروسويّ: أي ما أبقاه اللّه لكم من الحلال بعد ترك الحرام،فهي«فعيلة»بمعنى«المفعول»،و إضافتها للتّشريف.(4:172)

شبّر: ما أبقاه لكم من الحلال بعد إيفاء الحقّ أو طاعته.(3:240)

الآلوسيّ: [و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و زعم ابن عطيّة أنّ كلّ هذا لا يعطيه لفظ الآية،و إنّما معناه الإبقاء،و هو مأخوذ ممّا روي عن ابن جريج أنّه قال:المعنى إبقاء اللّه تعالى النّعيم عليكم خير لكم ممّا يحصل من النّقص بالتّطفيف.

و أيّا ما كان،فجواب الشّرط محذوف يدلّ عليه ما قبله،على ما ذهب إليه جمهور البصريّين،و هو الصّحيح.

و قرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة(بقية) بتخفيف الياء،قال ابن عطيّة:و هي لغة.

قال أبو حيّان: إنّ حقّ وصف فعل اللاّزم أن يكون على وزن«فاعل»نحو شجيت المرأة،فهي شجية،فإذا شددت الياء كان على وزن«فعيل»للمبالغة.

(12:116)

الطّباطبائيّ: «البقيّة»بمعنى الباقي،و المراد به الرّبح الحاصل للبائع،و هو الّذي يبقى له بعد تمام المعاملة،فيضعه في سبيل حوائجه؛و ذلك أنّ المبادلة و إن لم يوضع بالقصد الأوّل على أساس الاسترباح،و إنّما كان الواحد منهم يقتني شيئا من متاع الحياة،فإذا كان يزيد على ما يحتاج إليه،بدّل الزّائد المستغنى عنه،من متاع آخر يحتاج إليه،و لا يملكه.

ثمّ أخذت نفس التّجارة و تبديل الأمتعة من الأثمان حرفة يكتسب بها المال و يقتنى بها الثّروة.فأخذ الواحد منهم متاعا من نوع واحد أو أنواع شتّى،و عرضه على أرباب الحاجة للمبادلة،و أضاف إلى رأس ماله فيه شيئا من الرّبح،بإزاء عمله في الجمع و العرض،و رضي بذلك النّاس المشترون،لما فيه من تسهيل أمر المبادلة عليهم.

فللتّاجر في تجارته ربح مشروع يرتضيه المجتمع بحسب فطرتهم،يقوّم معيشته،و يحوّل إليه ثروة يقتنيها، و يقيم بها صلب حياته.

فالمراد:أنّ الرّبح الّذي هو بقيّة إلهيّة،هداكم اللّه إليه من طريق فطرتكم،هو خير لكم من المال الّذي تقتنونه من طريق التّطفيف،و نقص المكيال و الميزان إن كنتم

ص: 425

مؤمنين،فإنّ المؤمن إنّما ينتفع من المال بالمشروع الّذي ساقه اللّه إليه من طريق حلّه،و أمّا غير ذلك ممّا لا يرتضيه اللّه و لا يرتضيه النّاس بحسب فطرتهم، فلا خير له فيه،و لا حاجة له إليه.(10:364)

مكارم الشّيرازيّ: التّعبير ب بَقِيَّتُ اللّهِ إمّا لأنّ الرّبح الحلال القليل بسبب أنّه بأمر اللّه فهو«بقيّة اللّه»و إمّا لأنّ الحصول على الرّزق الحلال باعث على دوام نعم اللّه و بقاء البركات...و إمّا لأنّه يشير إلى الجزاء و الثّواب المعنويّ الّذي يبقى إلى الأبد.فإنّ الدّنيا فانية و ما فيها لا محالة فان،و تشير الآية(46)من سورة الكهف: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً إلى هذا المضمون أيضا.و التّعبير بقوله:

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إشارة إلى أنّ هذه الواقعيّة لا يعرفها إلاّ المؤمنون باللّه و حكمته و فلسفة أوامره.

و نقرأ في روايات متعدّدة في تفسير بَقِيَّتُ اللّهِ أنّ المراد بها وجود المهديّ عجّل اللّه فرجه أو بعض الأئمّة الآخرين،و من هذه الرّوايات ما نقل عن الإمام الباقر عليه السّلام في كتاب إكمال الدّين«أوّل ما ينطق به القائم عليه السّلام حين يخرج هذه الآية بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثمّ يقول:أنا بقيّة اللّه و حجّته و خليفته عليكم،فلا يسلّم عليه مسلّم إلاّ قال:السّلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه».

و قد قلنا مرارا:إنّ آيات القرآن بالرّغم من نزولها في موارد خاصّة،إلاّ أنّها تحمل مفاهيم جامعة و كلّيّة، بحيث يمكن أن تكون أكثر مصداقا في العصور و القرون التّالية و تنطبق على مجال أوسع أيضا.

صحيح أنّ المخاطبين في الآية المتقدّمة هم قوم شعيب،و المراد من بَقِيَّتُ اللّهِ هو الرّبح و رأس المال الحلال أو الثّواب الإلهيّ،إلاّ أنّ كلّ موجود نافع باق من قبل اللّه للبشريّة،و يكون أساس سعادتها و خيرها يعدّ بَقِيَّتُ اللّهِ أيضا.

فجميع أنبياء اللّه و رسله المكرمين هم بَقِيَّتُ اللّهِ و جميع القادة الحقّ الّذين يبقون بعد الجهاد المرير في وجه الأعداء فوجودهم في الأمّة يعدّ بَقِيَّتُ اللّهِ و كذلك الجنود المقاتلون إذا عادوا إلى ذويهم من ميدان القتال بعد انتصارهم على الأعداء فهم«بقيّة اللّه»و من هنا فإنّ «المهديّ الموعود»عليه السّلام آخر إمام و أعظم قائد ثوريّ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أجلى مصاديق بَقِيَّتُ اللّهِ و هو أجدر من سواه بهذا اللّقب،خاصّة أنّه الوحيد الّذي بقي بعد الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام.(7:35)

3- فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ... هود:116

ابن عبّاس: أولو دين.(ابن الجوزيّ 4:170)

أبو عبيدة :مجازه:فهلاّ كان من القرون الّذين من قبلكم ذوو بقيّة،أي يبقون.(1:300)

الطّبريّ: يقول:ذوو بقيّة من الفهم و العقل، يعتبرون مواعظ اللّه،و يتدبّرون حججه،فيعرفون ما لهم في الإيمان باللّه،و عليهم في الكفر به.(12:138)

الزّجّاج: معناه أولو تمييز،و يجوز أن يكون معناه أولو طاعة.و معنى«البقيّة»إذا قلت:فلان في بقيّة،معناه فيه فضل فيما يمدح به.(3:83)

ص: 426

الطّوسيّ: أي كان يجب أن يكون منهم قوم باقون في الأرض،ينهون عن الفساد في الأرض،مع إنعام اللّه عليهم بكمال العقل و القدرة،و بعثة الرّسل إليهم و إقامة الحجج.

و(اولو بقيّة)هم الباقون،فعجّب اللّه نبيّه كيف لم يكن منهم بقيّة في الأرض،يأمرون فيها بالمعروف و ينهون فيها عن المنكر،و كيف اجتمعوا على الكفر حتّى استأصلهم اللّه بالعذاب و العقوبات،لكفرهم باللّه و معاصيهم له.(6:81)

البغويّ: أي أولو تمييز،و قيل:أولو طاعة.و قيل:

أولو خير.يقال:فلان ذو بقيّة إذا كان فيه خير.معناه فهلاّ كان من القرون من قبلكم من فيه خير ينهى عن الفساد في الأرض.

و قيل:معناه أولو بقيّة من خير،يقال:فلان على بقيّة من الخير،إذا كان على خصلة محمودة.(2:471)

الميبديّ: البقيّة:الباقي من الشّيء،أي من بقيت له بقيّة من الرّأي و العقل و التّمييز و البصيرة،فيعرف الحقّ من الباطل و الصّواب من الخطأ.

و قيل:(اولو بقيّة):أصحاب جماعة تبقّى من نسلهم.

و المعنى:لو كان منه من هذه صفته لما نزل بهم العذاب.(4:454)

الزّمخشريّ: أولو فضل و خير.و سمّي الفضل و الجودة بقيّة لأنّ الرّجل يستبقي ممّا يخرجه أجوده و أفضله،و يقال:فلان من بقيّة القوم،أي من أخيارهم، و به فسّر بيت الحماسة:

*إن تذنبوا ثمّ يأتيني بقيّتكم*

و منه قولهم:«في الزّوايا خبايا و في الرّجال بقايا».

و يجوز أن تكون«البقيّة»بمعنى البقوى كالتّقيّة بمعنى التّقوى،أي فهلاّ كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم، و صيانة لها من سخط اللّه و عقابه.

و قرئ (اولو بقية) بوزن«لقية»من بقى يبقيه،إذا راقبه و انتظره«و منه بقينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».

و البقيّة:المرّة من مصدره.

و المعنى:فلو لا كان منهم أولو مراقبة و خشية من انتقام اللّه،كأنّهم ينتظرون إيقاعه بهم لإشفاقهم.

(2:297)

مثله الفخر الرّازيّ(18:75)،نحوه البيضاويّ(1:

484)،و النّسفيّ(2:208)،و النّيسابوريّ(12:71)، و أبو حيّان(5:271)،و أبو السّعود(3:358)، و البروسويّ(4:200).

ابن عطيّة: هنا يراد بها النّظر و العقل و الحزم و الثّبوت في الدّين،و إنّما قيل:بقيّة لأنّ الشّرائع و الدّول و نحوها قوّتها في أوّلها ثمّ لا تزال تضعف،فمن ثبت في وقت الضّعف،فهو بقيّة الصّدر الأوّل.

و قرأت فرقة: (بقية) بتخفيف الياء،و هو ردّ «فعيلة»إلى«فعلة».

و قرأ أبو جعفر و شيبة (بقية) بضمّ الباء و سكون القاف،على وزن«فعلة».(3:214)

القرطبيّ: أي أصحاب طاعة و دين و عقل و بصر.

(9:113)

الشّربينيّ: أي أصحاب رأي و خير و فضل.(2:84)

ص: 427

نحوه شبّر.(3:253)

القاسميّ: «البقيّة»إمّا بمعنى الباقية،و التّأنيث لمعنى الخصلة أو القطعة،أو بقيّة من الرّأي و العقل.

أو بمعنى الفضيلة،و التّاء للنّقل إلى الاسميّة، كالذّبيحة.

و أطلق على الفضل«بقيّة»استعارة من البقيّة الّتي يصطفيها المرء لنفسه،و يدّخرها ممّا ينفقه،فإنّه يفعل ذلك بأنفسها،و لذا قيل:«في الزّوايا خبايا،و في الرّجال بقايا»،و فلان من بقيّة القوم،أي من خيارهم.

(9:3496)

الطّباطبائيّ: أي قوم باقون ينهون عن الفساد.

(11:59)

ابقى

وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى. النّجم:51

الطّبريّ: و لم يبق اللّه ثمود،فيتركها على طغيانها و تمرّدها على ربّها مقيمة،و لكنّه عاقبها بكفرها و عتوّها،فأهلكها.

و اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء البصرة و الكوفيّين (و ثمودا فما ابقى) بالإجراء اتّباعا للمصحف؛إذ كانت الألف مثبتة فيه.و قرأه بعض عامّة الكوفيّين بترك الإجراء،و ذكر أنّه في مصحف عبد اللّه بغير ألف.

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،لصحّتهما في الإعراب و المعنى.(27:78)

ابن عطيّة: قوله:(فما ابقى)ظاهره:فما أبقى عليهم.و تأوّل ذلك بعضهم:فما أبقى منهم عينا تطرف.

و قد قال ذلك الحجّاج حين سمع قول من يقول:إنّ ثقيفا من ثمود،فأنكر ذلك و قال:إنّ اللّه تعالى قال:

وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى و هؤلاء يقولون:بقي منهم باقية.(5:208)

الفخر الرّازيّ: يعني و أهلك ثمود.و قوله:(فما ابقى)عائد على عاد و ثمود،أي فما أبقى عليهم.

و من المفسّرين من قال:فما أبقاهم،أي فما أبقى منهم أحدا.و يؤيّد هذا قوله تعالى: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ الحاقّة:8.(29:23)

نحوه النّيسابوريّ.(27:43)

أبو حيّان:الظّاهر أنّ متعلّق(ابقى)يرجع إلى عاد و ثمود معا،أي فما أبقى عليهم،أي أخذهم بذنوبهم.

و قيل:(فما ابقى)أي فما أبقى منهم عينا تطرف.

(8:169)

البروسويّ: أي أحدا من الفريقين،و يجوز أن يكون المعنى:فما أبقى عليهما.فالإبقاء على هذا المعنى:

التّرحّم،و هو بالفارسيّة«بخشودن»و إنّما لم يترحّم عليهم لكونهم من أهل الغضب،و رحمة اللّه لأهل اللّطف دون القهر.

و فيه إشارة إلى التّربية،فأوّلا باللّطف،و ثانيا بالعتاب،و ثالثا بالعقاب،فإن لم يحصل التّنبّه فبالإزالة و الإهلاك،و هكذا عادة اللّه في خلقه،فليتنبّه العباد، و ليحافظوا على المراتب في تربية عبيدهم و إمائهم و خدمهم مطلقا.(9:257)

ص: 428

الطّباطبائيّ: و هم قوم صالح النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أهلك اللّه الكفّار منهم عن آخرهم،و هو المراد من قوله:(فما ابقى) و إلاّ فهو سبحانه نجّى المؤمنين منهم من الهلاك،كما قال:

وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ فصّلت:18.

(19:50)

تبقى

لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ. المدّثّر:28

ابن عبّاس: إنّها لا تبقي من الدّم و اللّحم و العظم شيئا،فإذا أعيدوا خلقا جديدا فلا تذر أن تعاود إحراقهم بأشدّ ممّا كانت،و هكذا أبدا.

(الفخر الرّازيّ 30:202)

مرثد:لا تبقي منهم شيئا أن تأكلهم،فإذا خلقوا لها لا تذرهم حتّى تأخذهم فتأكلهم.(الطّبريّ 29:158)

مجاهد :لا تميت و لا تحيي.(الطّبريّ 29:158)

أي لا تبقي لهم لحما إلاّ أكلته،و لا تذرهم إذا أعيدوا خلقا جديدا.(الطّبرسيّ 5:388)

الضّحّاك: إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئا،و إذا أعيدوا لم تذرهم حتّى تفنيهم،و لكلّ شيء ملالة و فترة إلاّ جهنّم.(البغويّ 6:177)

الطّبريّ: (لا تبقى)من فيها حيّا(و لا تذر)من فيها ميّتا،و لكنّها تحرقهم كلّما جدّد خلقهم.(29:158)

السّدّيّ: لا تبقي لهم لحما و لا تذر لهم عظما.

(البغويّ 6:177)

الجبّائيّ: لا تبقي شيئا إلاّ أحرقته،و لا تذر أي لا تبقي عليهم بل يبلغ مجهودهم في أنواع العذاب.

(الطّبرسيّ 5:388)

الطّوسيّ: [قيل]:لا تبقي أحدا من أهلها إلاّ تناولته و لا تذره من العذاب.

و الإبقاء:ترك شيء ممّا أخذ،يقال:أبقى شيئا يبقيه إبقاء،و أبقاه اللّه،أي أطال مدّته،و الباقي هو المستمرّ الوجود.(10:180)

الزّمخشريّ: لا تبقي فيها شيئا إلاّ أهلكته،و إذا هلك لم تذره هالكا حتّى يعاد.

أو لا تبقي على شيء و لا تدعه من الهلاك،بل كلّ ما يطرح فيها هالك لا محالة.(4:183)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا،فمنهم من قال:هما لفظان مترادفان،معناهما واحد،و الغرض من التّكرير التّأكيد و المبالغة،كما يقال:صدّ عنّي و أعرض عنّي.

و منهم من قال:لا بدّ من الفرق،ثمّ ذكروا وجوها:

أحدها:[قول ابن عبّاس و قد سبق]

و ثانيها:لا تبقي من المستحقّين للعذاب إلاّ عذّبتهم، ثمّ لا تذر من أبدان أولئك المعذّبين شيئا إلاّ أحرقته.

و ثالثها:لا تبقي من أبدان المعذّبين شيئا،ثمّ إنّ تلك النّيران لا تذر من قوّتها و شدّتها شيئا،إلاّ و تستعمل تلك القوّة و الشّدّة في تعذيبهم.(30:202)

نحوه القرطبيّ.(19:77)

البيضاويّ: بيان لذلك،أو حال من(سقر)، و العامل فيها معنى التّعظيم،و المعنى لا تبقي على شيء يلقى فيها،و لا تدعه حتّى تهلكه.(2:518)

نحوه الشّربينيّ.(4:432)

ص: 429

أبو حيّان:أي لا تبقي على من ألقي فيها،و لا تذر غاية العذاب إلاّ أوصلته إليه.(8:375)

البروسويّ: بيان لوصفها و حالها،و إنجاز للوعد الضّمنيّ الّذي يلوح به و ما أَدْراكَ ما سَقَرُ المدّثّر:

27،أي لا تبقي شيئا يلقى فيها إلاّ أهلكته بالإحراق، و إذا هلك لم تذره هالكا حتّى يعاد خلقا جديدا و تهلكه إهلاكا ثانيا،و هكذا كما قال تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56.

و(لا تبقى)على شيء،أي لا تترحّم عليه و لا تدعه من الهلاك بل كلّ ما يطرح فيها هالك لا محالة،لأنّها خلقت من غضب الجبّار.

و قيل:لا تبقي حيّا و لا تذر ميّتا،كقوله تعالى: ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:13.(10:231)

الآلوسيّ: بيان لوصفها و حالها،فالجملة مفسّرة أو مستأنفة،من غير حاجة إلى جعلها خبر مبتدإ محذوف.

و قيل:حال من(سقر)و العامل فيها معنى التّعظيم، أي أعظم سقر و أهول أمرها حال كونها لا تبقي إلخ، و ليس بذاك،أي لا تبقي شيئا يلقى فيها إلاّ أهلكته،و إذا هلك لم تذره هالكا حتّى يعاد.(29:125)

الطّباطبائيّ: قضيّة إطلاق النّفي أن يكون المراد أنّها لا تبقي شيئا ممّن نالته إلاّ أحرقته،و لا تدع أحدا ممّن ألقي فيها إلاّ نالته،بخلاف نار الدّنيا الّتي ربّما تركت بعض ما ألقي فيها،و لم تحرقه،و إذا نالت إنسانا مثلا نالت جسمه و صفاته الجسميّة و لم تنل شيئا من روحه و صفاته الرّوحيّة.

و أمّا(سقر)فلا تدع أحدا ممّن ألقي فيها إلاّ نالته،قال تعالى: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى المعارج:17،و إذا نالته لم تبق منه شيئا من روح أو جسم إلاّ أحرقته،قال تعالى: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ* اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ الهمزة:6-7.

و يمكن أن يراد أنّها لا تبقيهم أحياء و لا تتركهم يموتون،فيكون في معنى قوله تعالى: اَلَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى* ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى الأعلى:12،13.

و قيل:المعنى لا تبقي شيئا يلقى فيها إلاّ أهلكته،و إذا هلك لم تذره هالكا حتّى يعاد فيعذّب ثانيا.

و قيل:المراد أنّها لا تبقي لهم لحما و لا تذر عظما، و قيل:غير ذلك.(20:88)

المراغيّ: أي لا تبقي لهم لحما و لا تذر عظما،فإذا أعيد أهلها خلقا جديدا فلا تذرهم بل تعيد إحراقهم كرّة أخرى،و هكذا دواليك،كما جاء في الآية الأخرى:

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ النّساء:56.(29:134)

عبد الكريم الخطيب :إنّه وصف(سقر) بأفعالها،و ما تترك من آثار.أمّا ذلّتها فلا يمكن تصوّرها.

و من صفاتها،أنّها لا تبقي شيئا إلاّ التهمته و جعلته وقودا لها،كما لا تذر أحدا من أهل الضّلال إلاّ ضمّته إليها و أذاقته بأسها،لا تدع منه ظاهرا أو باطنا إلاّ ذاق عذابها.(15:1294)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر مثل كلام الطّباطبائيّ و أضاف:]

و قيل:إنّ المعنى لا يموتون فيها و لا يحيون أي يبقون

ص: 430

بين الموت و الحياة،كما جاء في الآية(13)من سورة الأعلى لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى. (19:154)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: البقيّة على وجهين:

أحدهما:الثّواب،كقوله: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ هود:86.

و الثّاني:القليل،كقوله: فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ هود:116.(148)

الدّامغانيّ: «البقيّة»على خمسة أوجه:الثّواب، الصّلوات الخمس،الباقي من المذاهب،الدّوام،القلّة.

فوجه منها:البقيّة:الثّواب،قوله: بَقِيَّتُ اللّهِ أي ثواب اللّه خَيْرٌ لَكُمْ هود:86.

و الوجه الثّاني:البقيّة:الصّلوات الخمس،قوله تعالى: وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ الكهف:46،يعني الصّلوات الخمس،و[كذا في]مريم:76.

و الوجه الثّالث:البقيّة هو الباقي من المذاهب،كقوله تعالى: وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:

248،و كقوله: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً الزّخرف:28.

و الوجه الرّابع:البقاء:الدّوام،قوله تعالى:

ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96،يعني دائم،كقوله تعالى: وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى الشّورى:

36،أي أدوم،و نحوه كثير.

و الوجه الخامس:البقيّة،القلّة،قوله تعالى: فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ هود:116، يعني القليل.(148)

الفيروزآباديّ: و قد وردت على وجوه:

الأوّل:بمعنى المال الحلال بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هود:86.

الثّاني:الباقية،بمعنى الصّلاة وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ الكهف:46،أي الصّلوات الخمس.

الثّالث:بمعنى ميراث الأموات وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ البقرة:248.

الرّابع:بمعنى قلّة القوم و التّبع فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ هود:116، فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ الحاقّة:8.(2:220)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البقاء ضدّ الفناء،يقال:

بقي الشّيء يبقى بقاء،و أبقاه اللّه و بقّاه و تبقّاه و استبقاه.

و منه:«الباقي»من أسماء اللّه الحسنى؛إذ هو دائم لا يفنى، و الباقي أيضا:حاصل الخراج و نحوه.و تقول العرب:

ما بقيت منهم باقية،و لا وقاهم اللّه من واقية،و الاسم البقيا و البقيا،أي البقيّة،يقال:نشدتك اللّه و البقيا،و هم يقولون للعدوّ إذا غلب:البقيّة،أي أبقوا علينا و لا تستأصلونا.

و أبقيت على فلان:أرعيت عليه و رحمته، و استبقيت الرّجل و أبقيت عليه أيضا:وجب عليه قتل فعفوت عنه،و استبقيت من الشّيء:تركت بعضه.

و المبقيات من الخيل:الّتي يبقى بعض جريها تدّخره، و المبقيات من الأماكن:الّتي تبقي ما فيها من منافع الماء و لا تشربه.

ص: 431

2-و نرى معنى النّظر و التّرقّب في قولهم:بقاه بعينه بقاوة،أي نظر إليه و ترقّبه،من«ب ق و»كما قال به ابن سيدة،إلاّ أنّه جعله لغة في«بقي»اليائيّ،و ما ذهب إليه ليس بمرضيّ عندنا،لأنّ لغة الياء مشتقّة من قول طيّئ:

بقى يبقى بقيا،أي دام،فهم ينزعون إلى هذا النّحو في كلّ فعل معتلّ الآخر،مثل:فنى يفنى،و رضى يرضى، فقاس ابن سيدة و من حذا حذوه لغة طيّئ بمثل:غشي يغشى الواويّ،و هو وهم،لأنّ قولهم:بقى يبقى،لغة في بقي يبقى.

أمّا البقوى-بمعنى البقيا-فهو إمّا مقيس بلغة طيّئ أيضا،و إمّا جاء مضاهيا لألفاظ لامها ياء فقلبت واوا، مثل:التّقوى.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة(21)لفظا،اثنان منها من باب«الإفعال»و الباقي من المجرّد بصيغ مختلفة،فعلا و صفة:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:278

2- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ الرّحمن:25،26

3- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى طه:71

4- إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى طه:73

5- وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ،وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى طه:127

6- وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى

طه:131

7- وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ

القصص:60

8- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الشّورى:36

9- وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى الأعلى:17

10- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

النّحل:96

11- ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ الشّعراء:120

12- وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ* وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الصّافّات:77،78

13- وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

الزّخرف:28

14- فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ* وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ الحاقّة:8،9

15- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً

الكهف:46

ص: 432

16- وَ يَزِيدُ اللّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا مريم:76

17- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:248

18- بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ هود:86

19- فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ

هود:116

20- وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى* وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى النّجم:50،51

21- وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ

المدّثّر:27،28

يلاحظ أوّلا:أنّ سبعا من هذه الآيات«وصف للّه» بنحو من الأنحاء،و هي(2)و(4)و(6)و(7)و(8) و(10)و(18).فجاء في(2): وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ، و في(4): وَ اللّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى، و في(6): وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى، و في(7)و(8): وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى، و في(10): وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ، و في(18):

بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ.

و جاء مع«الخير»في ثمان منها بلفظ خَيْرٌ وَ أَبْقى أو نحوه:(4)و(6)و(7)و(8)،و(9)و(15)و(16) و(18)و في الأخيرة: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ فالخير و البقاء يلازمان اللّه تعالى.

و جاءت سبع منها ل«العذاب»،و هي(3)و(5) و(11)و(14)و(19)و(20)و(21)،و واحدة-و هي (9)-وصف للآخرة وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى، و سياقها سياق بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ، و هي مقابلة لقوله:

وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى في(5).و خمس منها مدح،و هي:(12)و(13)،و(15)و(16)و(17).

ثانيا:جاءت لفظة(ابقى)«فعلا للتّفضيل»سبع مرّات:(3)إلى(9)مبالغة في البقاء،اثنتين منها ذمّا، و هي(3)و(5)،و الباقي مدحا و وصفا للّه،و مرّة-و هي (20)-فعلا ماضيا من باب«الإفعال»،و سنتحدّث عنه.

ثالثا:جاء«باق»مرّة في(10)مدحا و(الباقين) مرّتين:مرّة-و هي(11)-للعذاب،و مرّة-و هي(12)- للمدح،و كذلك جاءت(باقية)مرّتين،مرّة-و هي (13)-مدحا،و مرّة-و هي(14)-ذمّا،و جاءت (الباقيات)مرّتين أيضا مع الصّالحات في(15)و(16)، و كلاهما مدح.و جاءت(بقيّة)ثلاث مرّات،مرّتين مدحا(17)و(18)،إحداهما بقيّت اللّه»و واحدة تكليفا،و هي(19).و بذلك أصبحت«الباقيات الصّالحات»رمزا قرآنيّا خالدا للخيرات و المبرّات من ناحية العباد،و«بقيّة اللّه»تعبيرا صادقا قرآنيّا عن موهبة خاصّة للرّبّ المتعال.

رابعا:جاء من باب«الإفعال»مرّتين ماضيا و مضارعا في(20)و(21)،و كلاهما عقاب،و الأولى:

وصف للّه،و الثّانية:وصف للنّار.

خامسا:يبدو أنّ رقم السّبعة و الاثنين غالب فيها،

ص: 433

و قد غلب فيها المدح على الذّمّ،فلاحظ،و هذا هو المناسب بعنصر البقاء و هو الخير.

ص: 434

ب ك ر

اشارة

4 ألفاظ،12 مرّة:6 مكّيّة،6 مدنيّة

في 11 سورة:5 مكيّة،6 مدنيّة

بكر 1:-1 بكرة 7:4-3

أبكارا 2:1-1 الإبكار 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :البكر من الإبل:ما لم يبزل بعد،و الأنثى بكرة،فإذا بزلا جميعا فجمل و ناقة.

و البكرة و البكرة:لغتان،الّتي يسقى عليها،و هي خشبة مستديرة في وسطها محزّ للحبل،و في جوفها محور تدور عليه.

و القعو:الخشبة الّتي تعلّق عليها البكرة.

و البكرات:الحلق الّتي في حلية السّيف،كأنّها فتوخ النّساء.

و البكر:الّتي لم تمسّ من النّساء بعد.

و البكر:أوّل ولد الرّجل،غلاما كان أو جارية.

و يقال:«أشدّ النّاس بكر ابن بكرين».و الثّني:ما يكون بعد البكر،يقال:ما هذا الأمر منك بكرا و لا ثنيا،أي ما هو بأوّل و لا ثان.

و البكر من كلّ شيء:أوّله:و بقرة بكر،أي فتيّة لم تحمل.

و ابتكر الرّجل المرأة:أي أخذ فضّتها.

و بكّر في حاجته:و بكر و أبكر،واحد.

و بنو بكر:إخوة بني ثعلب بن وائل.و بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة،و إذا نسب إليهما قالوا:بكريّ.

و البكر:جمع البكرة و هي الغداة.و التّبكير و البكور و الابتكار:المضيّ في ذلك الوقت.و الإبكار:السّيرورة فيه،و الإبكار:مصدر للبكرة،كالإصباح للصّبح.

و باكرت الشّيء:أي بكرت له.

و الباكور:المبكّر في الإدراك من كلّ شيء،و الأنثى:

باكورة.و غيث باكور و هو المبكّر في أوّل الوسميّ،و هو السّاري في آخر اللّيل و أوّل النّهار،و جمعه:بكر.[ثمّ

ص: 435

استشهد بشعر]

و أتيته باكرا،فمن جعل الباكر نعتا قال للأنثى:

باكرة،جاءته باكرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و عسل أبكار،يعسّله أبكار النّحل،أي أفتاؤها، و يقال:بل الأبكار من الجواري تلينه.(5:364)

نحوه الصّاحب.(6:258)

سيبويه :من العرب من يقول:أتيتك بكرة،نكرة منوّن،و هو يريد يومه أو في غده،و في التّنزيل: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا مريم:62.(ابن سيدة 7:17)

الكسائيّ: هذا بكر أبويه،و هو أوّل ولد يولد لهما، و كذلك الجارية بغير هاء،و الجميع منهما:أبكار،و بكرة ولد أبويه:أكبرهم.(الأزهريّ 10:224)

أبو البيداء: ابتكرت الحامل،إذا ولدت بكرها، و أثنت في الثّاني،و ثلّثت في الثّالث،و ربّعت و خمّست و عشّرت.

و قال بعضهم:أسبعت و أعشرت و أثمنت،في الثّامن و السّابع و العاشر.(الأزهريّ 10:227)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قول المنذريّ عن أبي طالب أنّه قال:في قولهم:«جاءوا على بكرة أبيهم»،معناه جاءوا بأجمعهم.(الأزهريّ 10:223)

الفرّاء: أبكر السّحاب و بكر و بكّر،و بكرت الشّجرة و أبكرت و بكّرت تبكّر تبكيرا و بكرت بكورا، و هي بكورا،إذا عجّلت بالإثمار و الينع.و إذا كانت عادتها ذاك،فهي مبكار.و جمع بكور:بكر.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:288)

أبو عبيدة :قولهم:«جاءوا على بكرة أبيهم»معناه جاءوا بعضهم في إثر بعض،و ليس هناك بكرة.

(الأزهريّ 10:223)

و جمعه[البكر]بكار،و أدنى العدد ثلاثة أبكر.

(ابن فارس 1:288)

البكر من الإبل بمنزلة الفتيّ من النّاس،و البكرة بمنزلة الفتاة،و القلوص بمنزلة الجارية،و البعير بمنزلة الإنسان،و الجمل بمنزلة الرّجل،و النّاقة بمنزلة المرأة.

و يجمع في القلّة على أبكر،و قد صغّره الرّاجز و جمعه بالياء و النّون،فقال:

قد شربت إلاّ الدّهيدهينا قليّصات و أبيكرينا

(الجوهريّ 2:595)

أبو زيد: قالوا:باكرت الرّجل مباكرة،و ضاحيته مضاحاة من الضّحاء،و غاديته مغاداة من الغدوّ،إذا أتيته بكرة و ضحوة،و لم يقولوا في العشيّ شيئا.(195)

أبكرت الورد إبكارا،و أبكرت الغداء إبكارا، و بكرت على الحاجة بكورا،و غدوت عليها غدوّا،مثل البكور،و أبكرت الرّجل على صاحبه إبكارا حتّى بكر إليه بكورا.(الأزهريّ 10:227)

بكر بكورا،و غدا غدوّا:هذان من أوّل النّهار.

(الفيّوميّ 1:59)

الأصمعيّ: قولهم:«جاءوا على بكرة أبيهم،يعني جاءوا على طريقة واحدة.(الأزهريّ 10:223)

إذا كان أوّل ولد ولدته النّاقة،فهي بكر.

(الأزهريّ 10:223)

نار بكر:لم تقتبس من نار،و حاجة بكر:طلبت حديثا.(الأزهريّ 10:226)

ص: 436

إذا كانت النّخلة تدرك في أوّل النّخل،فهي البكور، و هنّ البكر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:226)

نحوه الثّعالبيّ.(302)

إن كانت البكرة على ركيّة متوح،فهي بكرة،و إن كانت على ركيّة حرور،فهي محالة.(الطّريحيّ 3:229)

أبو عبيد: إذا ولدت المرأة واحدا،فهي بكر أيضا.

(ابن فارس 1:289)

ابن الأعرابيّ: البكر:ابن المخاض،و ابن اللّبون، و الحقّ،و الجذع،فإذا أثنى فهو جمل و هو جلّة،و هو بعير حتّى يبزل.و ليس بعد البازل سنّ يسمّى،و لا قبل الثّنيّ سنّ يسمّى.(الأزهريّ 10:222)

البكيرة:تصغير البكرة،و هي جماعة النّاس.

يقال:جاءوا على بكرتهم،و على بكرة أمّهم،أي بأجمعهم،و ليس ثمّ بكرة،و إنّما هو مثل.

(الأزهريّ 10:223)

البكارة:للذّكور خاصّة،و البكار للإناث بغير هاء.

(ابن سيدة 7:21)

ابن السّكّيت: يقال:أتيته غدوة،بغير إجراء، و هو ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشّمس،و البكرة نحوها.و إنّي لأتيته في البكرة،و بكرا،و أتاني غدوة بكرا.(424)

و ماء بكر،و غور،و ربض،إذا جفّ من الغدير.

و البكر:الفتيّ من الإبل،و جمعه:أبكار.و البكر:

الجارية الّتي لم تفتضّ،و جمعها:أبكار.و البكر أيضا:

النّاقة الّتي حملت بطنا واحدا،و بكرها:ولدها.

(إصلاح المنطق:23)

مثله ابن أبي اليمان.(350)

و رجل بكر في حاجته و بكر،و رجل نكر و نكر، و مكان عطش و عطش،أي قليل الماء.

(إصلاح المنطق:99)

أبو حاتم: يقال:ناقة بكر:للّتي لم يقربها فحل، و يقال:بكر:للّتي وضعت أوّل بطن،و البكر أيضا:الولد الأوّل.(الأضداد:138)

بكرت،أي عجلت،و لم يرد بكور الغدوّ.و منه:

باكورة الرّطب و الفاكهة:للشّيء المتعجّل منه،و تقول:

أنا أبكّر العشيّة فآتيك،أي أعجّل ذلك و أسرعه،و لم يرد الغدوّ،أ لا تراه يقول:بعد وهن،أي بعد نومة.

(أبو زيد:2)

مثله القاليّ.(2:283)

الباكورة من كلّ فاكهة:ما عجّل الإخراج،و الجمع:

البواكير و الباكورات،و نخلة باكورة و باكور و بكور، و الجمع:بكر،مثل رسول و رسل.(الفيّوميّ 1:59)

أبو الهيثم: العرب تسمّي الّتي ولدت بطنا واحدا:

بكرا،بولدها الّذي تبتكر به.

و يقال لها أيضا:بكر،ما لم تلد،و نحو ذلك.

(الأزهريّ 10:223)

أبو سعيد البغداديّ: في قوله:«من بكر و ابتكر إلى الجمعة»تفسيره عندنا:من بكر إلى الجمعة قبل الأذان،و إن لم يأتها باكرا،فقد بكّر.و أمّا ابتكارها فأن تدرك أوّل وقتها،و أصله من ابتكار الجارية،و هو أخذ عذرتها.(الأزهريّ 10:226)

المبرّد: و البكر:الصّغيرة.(1:116)

ص: 437

الزّجّاج: و«الإبكار»يقال فيه:أبكر الرّجل يبكر إبكارا،و بكّر إبكارا،و بكّر يبكّر تبكيرا،و بكر يبكر في كلّ شيء:يتقدّم فيه،و قول النّاس فيما تقدّم من الثّمار:

«قد هرف»خطأ،إنّما هي كلمة تبطئة،إنّما تقول العرب في مثل ذلك:قد بكّر،و يسمّى ما يكون منه:الباكورة.

(1:409)

ابن دريد :و البكر جمع:بكور،و هي النّخلة الّتي تعجّل ثمرتها.(1:197)

و البكر:الفتيّ من الإبل،و الأنثى:بكرة،و الجمع:

بكرات و بكار و بكارة.و جارية بكر من جوار أبكار.

و بكّر الرّجل في حاجته تبكيرا،و أبكر إبكارا، و بكر بكورا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الباكورة:النّخلة المعجّلة،و كذلك سائر الشّجر.

و يجمع البكر من الإبل في أدنى العدد:أبكرا و بكرانا.

و البكرة:المحالة الصّغيرة،و به سمّي أبو بكرة،لأنّه انخرط عن بكرة من سور الطّائف،فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكنّى أبا بكرة.

و قد سمّت العرب:بكرا و مبكّرا و بكيرا.و في العرب أحياء ينسبون إلى بكر:بكر بن وائل،و بكر بن سعد بن ضبّة،و غيرهما.(1:273)

الهمذانيّ: و أبكروا و بكروا،إذا ارتحلوا بكرة.

(288)

ابن الأنباريّ: و في الحديث:«من بكّر و ابتكر»، و الّذي نذهب إليه في تكرير هاتين اللّفظتين:أنّ المراد منه المبالغة و الزّيادة في التّوكيد،لأنّ العرب إذا بالغت، اشتقّت من اللّفظة الأولى لفظة على غير بنائها،ثمّ أتبعوها إعرابها،فيقولون:جادّ مجدّ،و ليل لائل،و شعر شاعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«بكّروا بالصّلاة في يوم الغيم،فإنّه من ترك العصر حبط عمله»معناه:تقدّموا فيها و قدّموها في أوّل وقتها.و التّبكير:هو التّقدّم في أوّل الوقت،و إن لم يكن أوّل النّهار.(الهرويّ 1:201)

الأزهريّ: و البكور و التّبكير:الخروج في ذلك الوقت.و الإبكار:الدّخول في ذلك الوقت،و يقال:

باكرت الشّيء،إذا بكّرت له.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«لا يزال النّاس بخير ما بكّروا بصلاة المغرب»معناه:ما صلّوها في أوّل وقتها.

و في حديث آخر:«من بكّر يوم الجمعة و ابتكر فله كذا»فمعنى بكّر:خرج إلى المسجد باكرا،و معنى ابتكر:

أدرك أوّل الخطبة.[إلى أن قال:]

و في نوادر الأعراب:ابتكرت المرأة ولدا،إذا كان أوّل ولدها ذكرا،و اثتنت،إذا جاءت بولد ثني، و اثتلثت:ولدها الثّالث،و ابتكرت أنا و اثتنيت و اثتلثت.

(10:225-227)

الخطّابيّ: في حديث الجمعة أنّه قال:«من بكر و ابتكر،و اغتسل»فقد قيل:إنّه أراد به بكور الوقت، و قيل:أراد إدراك باكورة الخطبة،و هي أوّلها.

و أخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباريّ أنّه قال:

أراد تقديم الصّدقة،من قوله:«باكروا بالصّدقة،فإنّ البلاء لا يتخطّاها».(1:330)

ابن جنّيّ: عندي أنّ«قولهم:جاءوا على بكرة أبيهم»بمعنى جاءوا بأجمعهم،هو من قولهم:بكرت في

ص: 438

كذا،أي تقدّمت فيه،و معناه:جاءوا على أوّليّتهم،أي لم يبق منهم أحد،بل جاءوا من أوّلهم إلى آخرهم.

(ابن منظور 4:80)

أصل«ب ك ر»إنّما هو التّقدّم أيّ وقت كان من ليل أو نهار.(ابن منظور 4:77)

الجوهريّ: البكر:العذراء،و الجمع:أبكار، و المصدر:البكارة بالفتح.

و البكر:المرأة الّتي ولدت بطنا واحدا،و بكرها:

ولدها،و الذّكر و الأنثى فيه سواء.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك البكر من الإبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و البكر:الفتيّ من الإبل،و الأنثى:بكرة،و الجمع:

بكار مثل فرخ و فراخ،و بكارة أيضا مثل فحل و فحالة.

و بكر:أبو قبيلة،و هو بكر بن وائل بن قاسط.فإذا نسبت إلى أبي بكر،قلت:بكريّ،تحذف منه الاسم الأوّل،و كذلك في كلّ كنية.

و بكرة البئر:ما يستقى عليها،و جمعها:بكر بالتّحريك،و هو من شواذّ الجمع،لأنّ«فعلة»لا تجمع على«فعل»،إلاّ أحرفا مثل حلقة و حلق،و حمأة و حمإ، و بكرة و بكر،و بكرات أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جاءوا على بكرة أبيهم:للجماعة إذا جاءوا معا،و لم يتخلّف منهم أحد،و ليس هناك بكرة في الحقيقة.

و تقول:أتيته بكرة بالضّمّ،أي باكرا.فإن أردت به بكرة يوم بعينه،قلت:أتيته بكرة غير مصروف،و هي من الظّروف الّتي لا تتمكّن.

و سير على فرسك بكرة و بكرا،كما تقول:سحرا.

و قد بكرت أبكر بكورا،و بكّرت تبكيرا،و أبكرت و ابتكرت،و باكرت كلّه بمعنى،و لا يقال:بكر و لا بكر، إذا بكّر.

و أبكر الرّجل:وردت إبله بكرة.

و كلّ من بادر إلى الشّيء فقد أبكر إليه و بكّر،أيّ وقت كان.يقال:بكّروا بصلاة المغرب،أي صلّوها عند سقوط القرص.

و قوله تعالى: بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ آل عمران:

41،و هو فعل يدلّ على الوقت؛و هو البكرة،كما قال:

بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ النّور:36،جعل الغدوّ و هو مصدر يدلّ على الغداة.

و رجل بكر في حاجته و بكر،مثل حذر و حذر،أي صاحب بكور.

و الباكورة:أوّل الفاكهة.

و قد ابتكرت الشّيء،إذا استوليت على باكورته.

[إلى أن قال:]

و ضربة بكر بالكسر،أي قاطعة لا تثنّى.

و في الحديث:«كانت ضربات عليّ رضي اللّه عنه أبكارا،إذا اعتلى قدّ،و إذا اعترض قطّ».(2:595)

ابن فارس: الباء و الكاف و الرّاء أصل واحد، يرجع إليه فرعان هما منه.

فالأوّل:أوّل الشّيء و بدؤه،و الثّاني:مشتقّ منه، و الثّالث:تشبيه.

فالأوّل:البكرة و هي الغداة،و الجمع:البكر.

و التّبكير و البكور و الابتكار:المضيّ في ذلك الوقت.

و الإبكار:البكرة،كما أنّ الإصباح اسم الصّبح.

ص: 439

و باكرت الشّيء،إذا بكرت عليه.

يقال:رجل بكر:صاحب بكور،كما يقال:حذر.

و يقال:بكّرت الأمطار تبكيرا،و بكرت بكورا،إذا تقدّمت.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و قال:]

و التّمرة باكورة،و يقال:هي البكيرة و البكائر.

و يقال:أرض مبكار،إذا كانت تنبت في أوّل نبات الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا الأصل الأوّل،و ما بعده مشتقّ منه.فمنه:البكر من الإبل،ما لم يبزل بعد؛و ذلك لأنّه في فتاء سنّه و أوّل عمره،فهذا المعنى الّذي يجمع بينه و بين الّذي قبله.فإذا بزل فهو جمل،و البكرة الأنثى،فإذا بزلت فهي ناقة.

قال أبو عبيدة:و جمعه:بكار،و أدنى العدد ثلاثة أبكر،و منه المثل:«صدقني سنّ بكره»و أصله أنّ رجلا ساوم آخر ببكر أراد شراءه،و سأل البائع عن سنّه، فأخبره بغير الصّدق،فقال:بكر،و كان هرما،ففرّه المشتري،فقال:«صدقني سنّ بكره».

قال التّميميّ: يسمّى البعير بكرا من لدن يركب إلى أن يربع،و الأنثى:بكرة،و القعود:البكر.

قال:و يقول العرب:«أروى من بكر هبنّقة»،و هو الّذي كان يحمّق؛و كان بكره يصدر عن الماء مع الصّادر و قد روي،ثمّ يرد مع الوارد قبل أن يصل إلى الكلأ.

[إلى أن قال:]

و بقرة بكر:فتيّة لم تحمل،و البكر من كلّ أمر:أوّله.

و يقول:ما هذا الأمر ببكير و لا ثنيّ،على معنى ما هو بأوّل و لا ثان.[ثمّ استشهد بشعر]

و البكر:الكرم الّذي حمل أوّل مرّة[ثمّ استشهد بشعر]

قال الخليل :عسل أبكار تعسّله أبكار النّحل،أي أفتاؤها،و يقال:بل الأبكار من الجواري،يلينه.فهذا الأصل الثّاني،و ليس بالبعيد من قياس الأوّل.

و أمّا الثّالث:فالبكرة:الّتي يستقى عليها.و لو قال قائل:إنّها أعيرت اسم البكرة من النّوق كان مذهبا، و البكرة معروفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثمّ حلقات في حلية السّيف تسمّى بكرات،و كلّ ذلك أصله واحد.(1:287)

أبو هلال :الفرق بين البكرة و الغداة،و المساء و العشاء،و العشيّ و الأصيل:أنّ الغداة اسم لوقت، و البكرة«فعلة»من:بكر يبكر بكورا،أ لا ترى أنّه يقال:

صلاة الغداة،و صلاة الظّهر و العصر،فتضاف إلى الوقت،و لا يقال:صلاة البكرة،و إنّما يقال:جاء في بكرة،كما تقول:جاء في غدوة،و كلاهما فعل مثل النّقلة،ثمّ كثر استعمال«البكرة»حتّى جرت على الوقت.

و إذا فاء الفيء سمّي عشيّة،ثمّ أصيل بعد ذلك؛ و يقال:أتيته عشيّة أمس،و سآتيه العشيّة؛ليومك الّذي أنت فيه،و سآتيه عشيّ غد بغير هاء،و سآتيه بالعشيّ و الغداة،أي كلّ عشيّ و كلّ غداة.

و الطّفل:وقت غروب الشّمس،و العشاء:بعد ذلك.و إذا كان بعيد العصر،فهو المساء.و يقال للرّجل عند العصر إذا كان يبادر حاجة:قد أمسيت،و ذلك على المبالغة.(225)

الهرويّ: قوله: (وَ لا بِكْرٌ) البقرة:68،البكر:الّتي لم تنتج،يقال:حاجة بكر:للّتي لم يكن قبلها مثلها.

و سحابة بكر:لم تمطر قطّ.

ص: 440

و قوله: بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ، يقال:أبكر يبكر، و بكّر يبكّر،و بكر يبكر،و ابتكر،بمعنى واحد.

و في الحديث:«من بكّر و ابتكر»قوله:«بكّر»يعني إلى الصّلاة،فأتاها لأوّل وقتها.و كلّ من أسرع إلى شيء فقد بكّر إليه.يقال:بكّروا بصلاة المغرب،أي صلّوها عند سقوط القرص،و هو في الحديث:«لا تزال أمّتي على سنّتي ما بكّروا بصلاة المغرب».

و قوله:«و ابتكر»أراد أدرك أوّل الخطبة،و أوّلها:

بكورتها،كما يقال:ابتكر الرّجل،إذا أكل باكورة الفواكه.و ابتكار الجارية:أخذ عذرتها.

و في الحديث:«لا تعلّموا أبكار أولادكم كتب النّصارى»،يعني أحداثكم.

و بكر الرّجل:أوّل ولده.(1:201)

الثّعالبيّ: الباكورة:أوّل الفاكهة.

البكر:أوّل الولد.(54)

امرأة بكر:لم تفترع.(90)

إذا كانت بخاتم ربّها،فهي بكر،و عذراء.(168)

ساعات النّهار:الشّروق،ثمّ البكور،ثمّ الغدوّ،ثمّ الضّحى.(315)

أبو سهل الهرويّ: تقول:امرأة بكر:للعذراء الّتي لم تفتضّ.و مولود بكر،إذا كان أوّل ولد أبويه،و أمّه بكر،و أبوه بكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البكر بالفتح:الفتيّ من الإبل،و هو الشّابّ أوّل ما يحمل عليه،و الأنثى:بكرة.(التّلويح:55)

ابن سيدة :البكرة:الغدوة.

و البكر:البكرة،و قال سيبويه:لا يستعمل إلاّ ظرفا.

و الإبكار:اسم البكرة:كالإصباح،هذا قول أهل اللّغة.و عندي:أنّه مصدر أبكر.

و بكر على الشّيء و إليه،و فيه يبكر بكورا و بكّر، و ابتكر،و أبكر،و باكره:أتاه بكرة.

و رجل بكر و بكر:صاحب بكور،قويّ على ذلك، كلاهما على النّسب،إذ لا فعل له ثلاثيّا بسيطا.

و بكر الرّجل:بكّر.

و حكى اللّحيانيّ عن الكسائيّ: جيرانك باكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبكر الورد و الغداء:عاجلهما.

و بكّره على أصحابه:و أبكره عليهم:جعله يبكر عليهم.

و بكر:عجل.

و بكّر،و تبكّر،و أبكر:تقدّم.

و المبكر،و الباكور،جميعا من المطر:ما جاء في أوّل الوسميّ.

و الباكور من كلّ شيء:المعجّل المجيء و الإدراك و الأنثى:باكورة.

و باكورة الثّمرة:منه.

و أنا آتيك العشيّة فأبكّر،أي أعجّل ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و البكيرة،و الباكورة،و البكور من النّخل:الّتي تدرك في أوّل النّخل.

و جمع البكور:بكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض مبكار:سريعة الإنبات.

و سحابة مبكار،و بكور:مدلاج من آخر اللّيل.

ص: 441

[ثمّ استشهد بشعر]

و بكر كلّ شيء:أوّله.

و كلّ فعلة لم يتقدّمها مثلها:بكر.

و هذا بكر أبويه،أي أوّل ولد ولد لهما.

و كذلك:الجارية بغير هاء.

و جمعهما جميعا:أبكار.

و قد يكون البكر من الأولاد في غير النّاس، كقولهم:بكر الحيّة.

و قالوا:أشدّ النّاس بكر بكرين.[ثمّ استشهد بشعر]

و البكر من النّساء:الّتي لم يقربها رجل.

و من الرّجال:الّذي لم يقرب امرأة.و الجمع:أبكار.

و امرأة بكر:حملت بطنا واحدا.

و البكر:النّاقة الّتي ولدت بطنا واحدا.

و الجمع:أبكار.[ثمّ استشهد بشعر]

و بكرها،أيضا:ولدها.و الجمع:أبكار،و بكار.

و بقرة بكر:لم تحمل.

و قيل:هي الفتيّة،و في التّنزيل: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ البقرة:68.

و كذلك عسل أبكار:و هو الّذي عملته أبكار النّحل.

و سحابة بكر:غزيرة،بمنزلة البكر من النّساء قال ثعلب:لأنّ دمها أكثر من دم الثّيّب.

و ربّما قيل:سحاب بكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البكر:الفتيّ من الإبل.

و قيل:هو الثّنيّ منها إلى أن يجذع.

و قيل:هو ابن المخاض إلى أن يثني.

و قيل:هو ابن اللّبون و الحقّ و الجذع.

و قيل:هو ما لم يبزل.

و قيل:البكر:ولد النّاقة فلم يحدّ و لا وقّت.

و قيل:البكر بمنزلة الفتى،و البكرة بمنزلة الفتاة.

و قد قيل في الأنثى،أيضا:بكر،بلا هاء.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و أصحّ الرّوايتين:بكر،بالكسر.

و الجمع القليل من كلّ ذلك:أبكر.

و الجمع الكثير:بكران و بكار و بكارة.و الأنثى:

بكرة.

و الجمع:بكار،بغير هاء،كعبلة و عبال.

و البكرة،و البكرة:خشبة مستديرة في وسطها محزّ و في جوفها محور تدور عليه.

و قيل:هي المحالة السّريعة.

و البكرات:أيضا:الحلق الّتي في حلية السّيف شبيهة بفتخ النّساء.

و جاءوا على بكرة أبيهم،إذا جاءوا على آخرهم.

و قيل:على طريقة واحدة.

و قيل:بعضهم على أثر بعض،و ليس ثمّ بكرة،و إنّما أراد التّمثّل.

و بكر:اسم،و حكى سيبويه في جمعه.أبكر.

و بكير،و بكّار،و مبكّر:أسماء.

و بنو بكر:حيّ منهم.[ثمّ استشهد بشعر](7:17)

البكر:أوّل ولد الأبوين،للذّكر و الأنثى،الجمع:

أبكار.و ابتكرت المرأة:ولدت ذكرا في الأوّل.(الإفصاح 1:7)

البكارة:غشاء في جهاز العذراء،جارية بكر:

ص: 442

لم تتزوّج.(الإفصاح 1:91)

أوّل فروق النّحل:بكرها،و هو خير فروقها حين تفرّق،ثمّ ما يفرّق بعد البكر فهو الثّني و الثّلث،و أكثر من ذلك.(الإفصاح 2:902)

البكرة:الغدوة،و هي أوّل النّهار إلى طلوع الشّمس،و اسمها الإبكار.

بكر يبكر بكورا و أبكر و بكّر و باكر:خرج في أوّل النّهار قبل طلوع الشّمس.

و بكر على الحاجة و إليها و فيها،و أبكر و ابتكر:

بادر،و كلّ من بادر إلى الشّيء فقد أبكر إليه،في أيّ وقت كان.

و رجل بكر،إذا كان صاحب بكور قويّا عليه،أي يعمل في البكور.

و بكرته على أصحابه و أبكرته:جعلته يبكر عليهم.

و يقال:أبكرت الورد و الغداء.(الإفصاح 2:922)

البكور و المبكار:النّخلة يدرك حملها في أوّل النّخل، و هنّ البكر،و هي البكيرة.و الجمع:البكائر.و قد بكرت تبكر بكورا و أبكرت و بكّرت.

و الباكور:أوّل ما يرى من الرّطب،و الباكورة:أوّل الفاكهة.(الإفصاح 2:1140)

البكر من الشّجر:الّتي حملت أوّل حملها،الجمع:

أبكار.

و المبكار:الّتي عادتها التّبكير في الإثمار.بكرت الشّجرة تبكر بكورا و بكّرت و أبكرت:بادرت في الحمل و أسرعت.و الثّمرة:باكورة.(الإفصاح 2:1179)

الطّوسيّ: و الإبكار:من حين طلوع الفجر إلى وقت الضّحى،و أصله:التّعجيل بالشّيء،يقال:أبكر إبكارا و بكر يبكر بكورا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال في كلّ شيء تقدّم:بكر،و منه الباكورة:أوّل ما يجيء من الفاكهة.(2:455)

نحوه الطّبرسيّ.(1:440)

و البكر:الّتي لم يفتضّها الرّجل،و لم تفتضّ،و هي على خلقتها الأولى من حال الإنشاء،و أصله الأوّل، و منه:بكرة أوّل النّهار.

و الابتكار:عمل الشّيء أوّلا.

و البكر من الإبل:الفتيّ في أوّل أمره و حداثة سنّة.

(9:497)

نحوه الطّبرسيّ.(5:218)

الرّاغب: أصل الكلمة هي البكرة،الّتي هي أوّل النّهار،فاشتقّ من لفظه لفظ الفعل،فقيل:بكر فلان بكورا،إذا خرج بكرة.و البكور:المبالغ في البكور.و بكّر في حاجة و ابتكر و باكر مباكرة.

و تصوّر منها معنى التّعجيل،لتقدّمها على سائر أوقات النّهار،فقيل لكلّ متعجّل في أمر:بكر.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمّي أوّل الولد بكرا،و كذلك أبواه في ولادته إيّاه، تعظيما له،نحو بيت اللّه،و قيل:أشار إلى ثوابه،و ما أعدّ لصالحي عباده ممّا لا يلحقه الفناء،و هو المشار إليه بقوله تعالى: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64.

[ثمّ استشهد بشعر]

فبكر في قوله تعالى: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ هي الّتي لم تلد،و سمّيت الّتي لم تفتضّ بكرا اعتبارا بالثّيّب،

ص: 443

لتقدّمها عليها فيما يراد له النّساء.

و جمع البكر:أبكار.قال تعالى: إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً الواقعة:35،36.

و البكرة:المحالة الصّغيرة،لتصوّر السّرعة فيها.

(57)

الزّمخشريّ: «عليّ عليه السّلام كانت ضرباته مبتكرات لا عونا».

الضّربة المبتكرة:هي الّتي ضربت مرّة واحدة،و لم تعاود لشدّتها و إتيانها على نفس المضروب،شبّهت بالجارية المبتكرة،و هي المفتضّة،لأنّها الّتي بني عليها مرّة واحدة.

الحجّاج كتب إلى عامل له بفارس:ابعث إليّ بعسل أبكار،من عسل خلاّر (1)من الدّستفشار،الّذي لم تمسّه النّار».

أراد أبكار النّحل،و هي أفتاؤها،لأنّ العسل إذا كان منها كان أطيب.و قيل:أراد أنّ أبكار الجواري يلينه.

و الأوّل أصحّ،لأنّه قد روي:«ابعث إليّ بعسل من عسل خلاّر من النّحل الأبكار».(الفائق 1:125)

بكر المسافر و أبكر و بكّر و ابتكر و تبكّر:خرج في البكرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و باكره:بكر إليه.و تقول:المباكرة مباركة،و أتيته باكرا و بكرة و بكرا.

و من المجاز:بكّر بالصّلاة،إذا صلاّها في أوّل وقتها.

و في الحديث:«لا يزال النّاس بخير ما بكّروا بصلاة المغرب»،و بكّر إلى صلاة الجمعة:خرج إليها في أوّل وقتها.

و ابتكر الشّيء:أخذ أوّله.و ابتكر الفاكهة:أكل باكورتها،و هي أوّل ما يدرك منها.و ابتكر الجارية:

افتضّها.و ابتكر الخطبة:سمع أوّلها.

و نخلة باكر و بكور:تبكّر بحملها.و غيث باكر و بكور:وقع في أوّل الوسميّ.و سحابة مدلاج بكور.[ثمّ استشهد بشعر]

و ضربة بكر:لا تثنّى.و كانت ضربات عليّ أبكارا.

و أشدّ النّاس بكر ابن بكرين.و ما هذا الأمر منك ببكر و لا ثني،أي بأوّل و لا ثان.و كرم بكر:حمل أوّل حمله، و كروم أبكار.و حاجة بكر،و هي أوّل حاجة رفعت.

[ثمّ استشهد بشعر]

و نار بكر:لم تقتبس من نار.و عسل أبكار:عملته أبكار النّحل،و قيل:الجواري الأبكار يلينه.

و جاءوا على بكرة أبيهم،أي جميعا.و الأصل حديث الدّهيم.(أساس البلاغة:28)

الطّبرسيّ: و البكر:الصّغيرة الّتي لم تحمل،و البكر من بني آدم و من البهائم:ما لم يفتحله الفحل،و البكر من كلّ شيء:أوّله،و البكر:الّتي ولدت واحدا،و بكرها أوّل أولادها.[ثمّ استشهد بشعر]

و ضربة بكر،أي قاطعة لا تنثني،و حدّث ابن عائشة عن أبيه عن جدّه قال:«كانت ضربات عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أبكارا،كان إذا اعتلى قدّ،و إذا اعترض قطّ».

و البكر-بفتح الباء-الفتيّ من الإبل.(1:131)

المدينيّ: في الحديث:«جاءت هوازن على بكرةل.

ص: 444


1- موضع بفارس يجلب منه العسل.

أبيهم»،هذه الكلمة للعرب،يريدون بها الكثرة و الوفور في العدد.

في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«كانت ضرباته مبتكرات لا عونا».

قال ابن الأنباريّ: يريد أنّ ضربته كانت بكرا يقتل بواحدة منها،و لا يحتاج أن يعيد الضّربة ثانيا،و ضربة بكر:قاطعة لا تثنّى.

و قيل:أبكار الأمور:صغارها،و عونها:كبارها، و العون:جمع عوان.

في حديث الجمعة:«من بكّر و ابتكر»،قيل:معنى بكّر:أدرك باكورة الخطبة،و هي أوّلها،و معنى ابتكر:

قدم في أوّل الوقت.

و قال ابن الأنباريّ: معنى بكّر:تصدّق قبل خروجه،يتأوّل في ذلك ما روي في الحديث:«باكروا بالصّدقة فإنّ البلاء لا يتخطّاها».

في الحديث:«استسلف من رجل بكرا».

قيل:البكر من الإبل بمنزلة الغلام من الذّكور، و القلوص بمنزلة الجارية من الإناث.(1:181)

ابن الأثير: في حديث المتعة:«كأنّها بكرة عيطاء»،أي شابّة طويلة العنق في اعتدال.

و منه حديث طهفة:«و سقط الأملوج من البكارة»، البكارة بالكسر:جمع البكر بالفتح،يريد أنّ السّمن الّذي قد علا بكارة الإبل بما رعت من هذا الشّجر قد سقط عنها،فسمّاه باسم المرعى؛إذ كان سببا له.

و في الحديث:«جاءت هوازن على بكرة أبيها»هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة و توفّر العدد،و أنّهم جاءوا جميعا لم يتخلّف منهم أحد،و ليس هناك بكرة في الحقيقة،و هي الّتي يستقى عليها الماء،فاستعيرت في هذا الموضع.(1:149)

الفيّوميّ: بكر إلى الشّيء بكورا،من باب«قعد» أسرع،أيّ وقت كان.[ثمّ استشهد بشعر]

و بكّر تبكيرا مثله،و أبكر إبكارا:فعل ذلك بكرة، قاله ابن فارس.

و البكرة:من الغداة،جمعها:بكر،مثل غرفة و غرف،و أبكار:جمع الجمع،مثل رطب و أرطاب.و إذا أريد بكرة يوم بعينه،منعت الصّرف للتّأنيث و العلميّة.

و حكى الصّغانيّ: أنّ أبكر يستعمل متعدّيا،فيقال:

أبكرته.

و قال ابن جنّيّ: الأبنية الثّلاثة بمعنى الإسراع،أيّ وقت كان،و باكرته بمعنى بكرت إليه،و أتاني بكرة و باكرا،بمعنى.و بكر بكرا:كان صاحب بكور،و بكّر بالصّلاة:صلاّها لأوّل وقتها.

و ابتكرت الشّيء:أخذت أوّله،و عليه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«من بكّر و ابتكر»،أي من أسرع قبل الأذان،و سمع أوّل الخطبة.

و باكورة الفاكهة:أوّل ما يدرك منها.

و ابتكرت الفاكهة:أكلت باكورتها.

و البكر:خلاف الثّيّب،رجلا كان أو امرأة،و هو الّذي لم يتزوّج،و عليه قوله:«البكر بالبكر جلد مائة، و تغريب عام»،و المعنى زنى البكر بالبكر فيه جلد مائة، أو حدّه جلد مائة.و الجمع:أبكار،مثل حمل و أحمال.

و البكارة بالفتح:عذرة المرأة.

ص: 445

و مولود بكر،إذا كان أوّل ولد لأبويه.

و البكر بالفتح:الفتيّ من الإبل،و به كنّي،و منه أبو بكر،و الجمع:أبكر.و البكرة:الأنثى،و الجمع:بكار، مثل كلبة و كلاب،و قد يقال:بكارة مثل حجارة.

و البكرة:الّتي يستقى عليها،بفتح الكاف فتجمع على:بكر،مثل قصبة و قصب،فتسكّن فتجمع على بكرات،مثل سجدة و سجدات.(1:58)

الفيروزآباديّ: البكرة بالضّمّ:الغدوة،كالبكرة محرّكة،و اسمها الإبكار.

و بالفتح:خشبة مستديرة في وسطها محزّ يستقى عليها،أو المحالة السّريعة،و يحرّك،جمعه:بكر و بكرات.

و الجماعة،و الفتيّة من الإبل،جمعه:بكار.

و بكر عليه و إليه و فيه بكورا.و بكّر و ابتكر و أبكر و باكره:أتاه بكرة.

و كلّ من بادر إلى شيء:فقد أبكر إليه،في أيّ وقت كان.

و بكر و بكر:قويّ على البكور.

و بكّره على أصحابه تبكيرا و أبكره:جعله يبكّر عليهم.و بكّر و أبكر و تبكّر:تقدّم.و كفرح:عجل.

و الباكور:المطر في أوّل الوسميّ،كالمبكر و البكور.

و المعجّل الإدراك من كلّ شيء.

و بهاء:الأنثى،و الثّمرة،و النّخل الّتي تدرك أوّلا، كالبكيرة و المبكار و البكور.جمعه:بكر.

و أرض مبكار:سريعة الإنبات.

و البكر بالكسر:العذراء،جمعه:أبكار،و المصدر:

البكارة،بالفتح.و المرأة و النّاقة،إذا ولدتا بطنا واحدا.

و أوّل كلّ شيء،و كلّ فعلة لم يتقدّمها مثلها.و بقرة لم تحمل أو الفتيّة،و السّحابة الغزيرة و أوّل ولد الأبوين، و الكرم حمل أوّل مرّة.

و الضّربة البكر:القاطعة القاتلة.

و بالضّمّ و بالفتح:ولد النّاقة أو الفتيّ منها،أو الثّنيّ إلى أن يجذع،أو ابن المخاض إلى أن يثني،أو ابن اللّبون،أو الّذي لم يبزل،جمعه:أبكر و بكران،و بكارة بالفتح و الكسر.

و البكرات:الحلق في حلية السّيف.

و بكّر تبكيرا:أتى الصّلاة لأوّل وقتها.

و ابتكر:أدرك أوّل الخطبة،و أكل باكورة الفاكهة، و المرأة:ولدت ذكرا في الأوّل.

و أبكر:وردت إبله بكرة.(1:390)

الطّريحيّ: [ذكر بعض أقوال السّابقين و قال:]

و البكر بالفتح:الفتيّ من الإبل،و الأنثى:بكرة، و الجمع:بكار،مثل فرخ و فراخ،و قد يجمع في القلّة على:أبكر.

و في حديث عليّ عليه السّلام في أصحابه: «كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة و الثّياب المتداعية».

قال الفاضل ميثم: و البكار العمدة:الّتي انشدخ باطن أسنمتها لثقل الحمل،و تسمّى العمدة لذلك.و وجه شبه مداراتهم بمداراتها،قوّة المداراة و كثرتها،و خصّ البكار جمع:بكرة،لأنّها أشدّ تضجّرا بالحمل عند ذلك الدّاء.و أشار إلى وجه شبهها بمداراة الثّياب المتتابعة في التّمزّق،بقوله:كلّما حيصت من جانب تهتّكت من آخر».و حيصت:خيطت و جمعت،أي كلّما أصلح حال

ص: 446

بعضهم و جمعهم للحرب،فسد بعض آخر عليه و تفرّق عنه.

و في الحديث:«عليه بكارة»بالفتح،و هي النّاقة إذا ولدت.

و بكرة البئر:الخشبة الّتي يستقى عليها.[إلى أن قال:]

و في حديث عليّ عليه السّلام في وصف المفتي:«بكر فاستكثر»،أي ذهب بكرة،يعني أخذ في طلب العلم أوّل شيء،فاستكثر منه.

و من بادر إلى الشّيء،فقد أبكر إليه،أي أسرع.

(3:229)

مجمع اللّغة :بكر إلى الشّيء بكورا،من باب «دخل»:أتى إليه بكرة،أي أوّل النّهار،أو أسرع إليه أيّ وقت كان،و مثله بكّر تبكيرا و أبكر إبكارا.

و الإبكار:إمّا اسم للبكرة،بمعنى أوّل النّهار،و إمّا مصدر أبكر،و مجيء الإبكار بمعنى البكرة كمجيء الغدوّ -و هو مصدر-دالاّ على الغداة،في قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ النّور:36.

و البكر من النّساء:العذراء،خلاف الثّيّب،و جمعها:

أبكار.(1:118)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:277)

العدنانيّ: و يسمّون عذرة الفتاة:بكارة، و الصّواب هي البكارة،كما قال الصّحاح،و المغرب، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

البكرة،البكرة:

الأسطوانة المصنوعة من الخشب و نحوه،و الّتي تلفّ عليها الحبال،يخطّئون من يسمّيها:بكرة،و يقولون:إنّ الصّواب هو البكرة،لأنّ الصّحاح،و ابن مكّيّ الصّقلّيّ في تثقيف اللّسان،و ابن الجوزيّ في تقويم اللّسان، و النّهاية،و المختار،اكتفت بذكر البكرة،و لأنّ محمّدا الزّبيديّ،و الصّقلّيّ،و ابن الجوزيّ حذّروا من استعمال «البكرة».

أجاز لنا استعمال:البكرة و البكرة كلتيهما كلّ من:

اللّيث بن سعد،و التّهذيب،و معجم مقاييس اللّغة، و المحكم،و الصّاغانيّ،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و تجمع البكرة على:بكر،و هو من شواذّ الجمع،لأنّ «فعلة»لا تجمع على«فعل»،إلاّ أحرفا«كلمات»،مثل:

حلقة و حلق،و حمأة و حمإ،و بكرة و بكر،كما يقول كثير من المعاجم.

أمّا البكرة فتجمع على:بكرات.و البكرة أعلى من البكرة.

البكر:

يخطّئون من يسمّي المرأة بعد أن يدخل بها الرّجل:

بكرا،و يقولون:إنّ البكر هي المرأة قبل أن يدخل بها الرّجل،نقلها الأزهريّ عن اللّيث بن سعد،و تسمّى:

ثيّبا بعد أن يدخل بها الرّجل،نقلها الأزهريّ عن الحرّانيّ،عن ابن السّكّيت.

و يخطّئون أيضا من يسمّي الرّجل الّذي لم يتزوّج:

ص: 447

بكرا،و يرون أنّ الصّواب هو:عزب،و عازب، و عزيب،و أعزب،و معزابة.راجع معجم الأخطاء الشّائعة للمؤلّف.

و هم مخطئون في الحالين؛إذ:

1-جاء في الأضداد لابن الأنباريّ،يقال:امرأة بكر،قبل أن يدخل بها الرّجل،و يقال لها:بكر بعد أن يدخل بها،و يقال للولد الأوّل:بكر،و لأبيه:بكر، و لأمّه:بكر.و روى أبو عبيد عن الكسائيّ:هذا بكر أبويه،و هذه بكر أبويها:أوّل ولد يولد لهما.

2-و جاء في المغرب و المصباح:و البكر:خلاف الثّيّب،رجلا كان أو امرأة،و هو الّذي لم يتزوّج.

3-و قال المتن:البكر:

أ-العذراء لم تفتضّ،و المصدر:البكارة.

ب-الرّجل لم يقرب امرأة بعد.

ج-أوّل ولد أبويه،جارية كان أو غلاما.

د-الّتي تلد بطنا واحدا،امرأة كانت أو ناقة، و الجمع:أبكار و بكار.

ه-البكر من كلّ شيء:أوّله«مجاز»،و الجمع:

أبكار.

4-و قال الوسيط:البكر:

أ-العذراء.

ب-الرّجل لم يتزوّج.

5-و روى التّضادّ عن أبي الطّيّب اللّغويّ أنّه قال:

البكر من النّساء:الّتي لم تفتضّ،و البكر:الّتي ولدت أوّل بطن،و هو ما قاله معجم مقاييس اللّغة أيضا.

و مع ذلك:

أ-لا أنصح باستعمال كلمة«بكر»إلاّ للعذراء،لأنّ هذا هو المعنى المعروف،و لا حاجة بنا إلى استعمال المعنى الثّاني.

ب-الّذي ذكره الوسيط،و في الحديث:«عليكم بالأبكار،فإنّهنّ أعذب أفواها،و أنتق أرحاما»أي أكثر أولادا.«راجع مادّة الأضداد في هذا المعجم».

ابتكر الشّيء:اخترعه،ابتدعه.

و يخطّئون من يقول:ابتكر الأستاذ طريقة في التّربية،بمعنى ابتدأها و اخترعها و ابتدعها،لأنّ من معاني ابتكر:

أ-تكلّف الخروج أوّل النّهار قبل طلوع الشّمس.

ب-ابتكرت المرأة:ولدت ولدا ذكرا أوّل ما ولدت.

ج-ابتكر الفاكهة و نحوها:أخذ باكورتها:أوّل ثمرها النّاضج.

د-ابتكر الخطبة:أدركها و سمعها من أوّلها«مجاز».

و لكن:

أ-جاء في المعاجم:ابتكر الشّيء:أخذ أوّله،و ابتكر الفاكهة:أكل باكورتها.و يمكن بالاتّساع استعمال «الابتكار»في الابتداع للشّيء،من الابتكار للشّيء، بمعنى:أخذ أوّله.

ب-و جاء في خطبة مقامات الحريريّ:«و الرّسائل المبتكرة»،فقال الشّريشيّ في«الشّرح»:المبتكرة:الّتي لم يسبق إليها.و قال شارح النّسخة الّتي لديّ:المبتكرة:

المخترعة،من قولهم:هذه باكورة الثّمرة،أي أوّل ما جاء منها.

ج-و قال المتن:ابتكر الشّيء:جاء به و لم يكن من

ص: 448

قبل«مجاز».

د-و جاء في الوسيط:ابتكر الشّيء:ابتدعه غير مسبوق إليه،«محدثة».

فهذه كلّها تجيز لنا استعمال الفعل المتعدّي«ابتكر» بمعنى اخترع أو ابتدع.و لو دعمناها بموافقة اتّحاد الجامع اللّغويّة العلميّة العربيّة على استعمالها،لزدنا هذا المعنى رسوخا،و أزلنا عنه القليل من الشّكّ الّذي كان يحوم حوله.(71)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من كلمات القوم و استعمالاتهم،أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الكون في المرحلة الأولى من برنامج أو جريان أمر،سواء كان هذا الجريان منتسبا إلى إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو زمان أو غيرها.

فالبكر كالملح:صفة مشبّهة،و هو من ثبت له هذا المفهوم،يقال:امرأة بكر،إبل بكر،و شجرة بكر:و زمان بكر،و الباكر«فاعل»و هو من قام به هذا المفهوم.

و البكر:بالفتح،كصعب:صفة أيضا،و غلب استعماله في الحيوان،كما أنّ بكرا غالب استعماله في الإنسان.

و البكرة،بالضّمّ،«فعلة»كاللّقمة،بمعنى ما يفعل به، و من هذا المعنى أوّل الوقت من اليوم،و هو الغداة.

و البكور و الإبكار:مصدران مجرّدا و مزيدا فيه، و النّظر في البكور إلى جهة نفس الفعل،و في الإبكار إلى جهة صدوره من الفاعل.و لعلّ إطلاق«البكرة»على الّتي يستقى عليها،باعتبار وقوعها في أوّل مرحلة من الاستقاء،أو لكونها واقعة في رأس الحفيرة و البئر.

و يدلّ على هذا الأصل ورود هذه المادّة في مقابل الفارض و الثيّب و العشيّ و الأصيل،فإنّ الفارض:

قريب من مفهوم المسنّ و القديم.و الثيّب:من تفارق زوجها،و ترجع إلى بيتها السّابق.و العشيّ:أواخر النّهار إلى أن تنقضي ساعات من اللّيل.و الأصيل:قريب من معنى العشيّ.

و هذه المعاني كما ترى تقابل مفهوم المرحلة الأولى من أمر.[ثمّ أيّد هذا المعنى بالآيات الشّريفة و قال:]

فظهر أنّ تفسير البكرة بأوّل الصّبح،و الإبكار بالبكرة،و البكر بالمرأة الّتي كانت باكرة عرفا في مقابل الثّيّب؛غير وجيه.(1:303)

النّصوص التّفسيريّة

بكر

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. البقرة:68

ابن عبّاس: لا كبيرة هرمة و لا صغيرة لم يلحقها الفحل.

مثله مجاهد،و السّدّيّ،و عكرمة،و الضّحّاك، و وهب بن منبّه،و العوفيّ،و الحسن،و قتادة،و عطاء، و أبو العالية.(ابن كثير 1:193)

نحوه الطّبرسيّ.(1:135)

مجاهد :فارض:الكبيرة،بكر:الصّغيرة.(1:79)

نحوه أبو عبيدة.(1:43)

ص: 449

السّدّيّ: و الفارض:هي الهرمة الّتي لا تلد، و البكر:الّتي لم تلد إلاّ ولدا واحدا.(120)

مثله ابن قتيبة.(ابن عطيّة 1:162)

الضّبّيّ: الفارض:أنّها المسنّة،و البكر:أنّها الشّابّة،و هي من النّساء:الّتي لم توطأ،و من الإبل:الّتي وضعت بطنا واحدا.(الفخر الرّازيّ 3:119)

الفرّاء: الفارض:قد فرضت،و بعضهم:قد فرضت،و أمّا البكر فلم نسمع فيها بفعل.و البكر يكسر أوّلها،إذا كانت بكرا من النّساء.و البكر مفتوح أوّله:من بكارة الإبل.(1:45)

ابن قتيبة :أي و لا صغيرة لم تلد.(53)

الطّبريّ: و البكر من إناث البهائم و بني آدم:ما لم يفتحله الفحل،و هي مكسورة الباء،لم يسمع منه فعل، و لا يفعل.و أمّا البكر بفتح الباء،فهو الفتيّ من الإبل، و إنّما عنى جلّ ثناؤه بقوله:(و لا بكر):و لا صغيرة لم تلد.

(1:342)

نحوه الماورديّ(1:139)،و الطّوسيّ(1:295)، و القرطبيّ(1:449).

القفّال: البكر:يدلّ على الأوّل،و منه:الباكورة لأوّل الثّمر،و منه:بكرة النّهار.و يقال:بكرت عليهما البارحة،إذا جاء في أوّل اللّيل،و كأنّ الأظهر أنّها هي الّتي لم تلد،لأنّ المعروف من اسم البكر من الإناث في بني آدم:ما لم ينزّ عليها الفحل.(الفخر الرّازيّ 3:119)

الباقلاّنيّ: أمّا البكر فقيل:إنّها الصّغيرة،و قيل:

ما لم تلد،و قيل:إنّها الّتي ولدت مرّة واحدة.

(الفخر الرّازيّ 3:119)

الزّمخشريّ: البكر:الفتيّة.(1:287)

ابن عطيّة: و البكر من البقر:الّتي لم تلد من الصّغر،و البكر من النّساء:الّتي لم يمسّها الرّجل،و البكر من الأولاد:الأوّل،و من الحاجات:الأولى.(1:162)

البيضاويّ: لا مسنّة و لا فتيّة،يقال:فرضت البقرة فروضا من الفرض،و هو القطع؛كأنّها فرضت سنّها،و تركيب البكر للأوّليّة.

و منه:البكرة و الباكورة.(1:62)

النّيسابوريّ: و البكر:الفتيّة،و كأنّ الأظهر أنّها الّتي لم تلد،كما في الإنسان.(1:342)

أبو حيّان: [ذكر مثل ابن عطيّة و أضاف:]

و البكر:بفتح الباء:الفتيّ من الإبل،و الأنثى:بكرة.

و أصله من التّقدّم في الزّمان،و منه:البكرة و الباكورة.

(1:248)

مثله الآلوسيّ.1:287)

البروسويّ: أي فتيّة صغيرة،و لم يؤنّث البكر و الفارض،لأنّهما كالحائض في الاختصاص بالأنثى.

(1:159)

رشيد رضا :لم تلد بالمرّة،و المراد بها:الّتي لم تلد كثيرا.(1:349)

مجمع اللّغة :أي لا مسنّة و لا فتيّة.و البكر من النّساء:العذراء،خلاف الثّيّب،و جمعها:أبكار.

(1:119)

ابكارا

1- فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. الواقعة:36

ص: 450

ابن عبّاس: لا يأتيها إلاّ وجدها بكرا.

(الماورديّ 5:455)

مثله الميبديّ(9:449)،و الطّبرسيّ(5:219)، و النّسفيّ(4:216)،و الطّباطبائيّ(19:124).

الضّحّاك: أبكارا:عذارى.(الطّوسيّ 9:497)

الطّبريّ: فصيّرناهنّ أبكارا عذارى بعد إذ كنّ [عجائز].(27:185)

الزّجّاج: لم يطمثن.(5:112)

مثله القاسميّ.(16:5653)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:عذارى بعد أن كنّ غير عذارى،قاله يعقوب بن مجاهد.

الثّاني:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

و يحتمل ثالثا:أبكارا من الزّوجات،و هنّ الأوائل، لأنّهنّ في النّفوس أحلى،و الميل إليهنّ أقوى.[ثمّ استشهد بشعر](5:455)

ابن عطيّة: قيل:معناه دائمات البكارة،متى عاود الواطئ وجدها بكرا.(5:245)

الطّريحيّ: هي بفتح الهمزة:جمع بكر،و هي العذراء من النّساء الّتي لم تمسّ،مثل حمل و أحمال، و سمّيت البكر بكرا اعتبارا بالثّيّب،لتقدّمها عليها فيما يزاوله النّساء.(3:229)

البروسويّ: أي عذارى،جمع بكر،و المصدر:

البكارة بالفتح.

و قال سعدي المفتي: إن أريد بالإنشاء معنى الإبداء، فالجعل بمعنى الخلق،و قوله:أبكارا حال.و إن أريد به الإعادة،فهو بمعنى التّصيير،و أبكارا مفعوله الثّاني.

قال بعضهم:دلّ قوله: فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً على أنّ المراد ب(هنّ)نساء الدّنيا،لأنّ المخلوقة ابتداء معلوم أنّها بكر،و هنّ أفضل و أحسن من حور الجنّة،لأنّهنّ عملن الصّالحات في الدّنيا،بخلاف الحور.(9:326)

الآلوسيّ: و«الجعل»إمّا بمعنى التّصيير،(و ابكارا) مفعول ثان،و بمعنى الخلق،(و ابكارا)حال أو مفعول ثان.و الكلام من قبيل ضيّق فم الرّكيّة.و في الحديث:

إنّ أهل الجنّة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا.

(27:142)

المصطفويّ: أي في صورة من كنّ في حداثة السّنّ و الشّباب،و في صفة من لم يتزوّج،و هي على المرحلة الأولى من العيشة.(1:304)

2- عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً. التّحريم:5

الطّبريّ: هنّ اللّواتي لم يجامعن و لم يفترعن.

(28:165)

الماورديّ: البكر:هي العذراء،سمّيت بكرا لأنّها على أوّل حالتها الّتي خلقت بها.(6:42)

مثله القرطبيّ.(18:198)

و نحوه الطّوسيّ.(10:49)

الكرمانيّ: ذكر الجميع بغير واو،ثمّ ختم بالواو، فقال:(و ابكارا)،لأنّه استحال العطف على ثيّبات، فعطفها على أوّل الكلام.و يحسن الوقف على ثيّبات،لما

ص: 451

استحال عطف(ابكارا)عليها.و قول من قال:إنّها واو الثّمانية،بعيد.(193)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم أخليت الصّفات كلّها عن العاطف و وسّط بين الثيّبات و الأبكار؟

قلت:لأنّهما صفتان متنافيتان،لا يجتمعن فيهما اجتماعهنّ في سائر الصّفات،فلم يكن بدّ من الواو.

(4:128)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:45)،و البيضاويّ(2:

487)،و النّسفيّ(4:271)،و النّيسابوريّ(28:81).

أبو حيّان: أمّا الثّيّوبة و البكارة فلا يجتمعان،فلذلك عطف أحدهما على الآخر،و لو لم يأت بالواو لاختلّ المعنى.و ذكر الجنسين،لأنّ في أزواجه صلّى اللّه عليه و سلّم من تزوّجها بكرا.(8:292)

البروسويّ: سمّيت العذراء بالبكر،لأنّها على أوّل حالتها الّتي طلعت عليها.[ثمّ ذكر قول الرّاغب الّذي مرّ في اللّغة،و قال:]

وسّط بينهما العاطف دون غيرهما لتنافيهما،و عدم اجتماعهما في ذات واحدة،بخلاف سائر الصّفات،فكأنّه قيل:أزواجا خيرا منكنّ،متّصفات بهذه الصّفات المذكورة المحمودة،كائنات بعضها ثيّبات تعريضا لغير عائشة،و بعضها أبكارا تعريضا لها،فإنّه عليه السّلام تزوّجها وحدها بكرا،و هو الوجه في إيراد الواو الواصلة دون «أو»الفاصلة،لأنّها توهم أنّ الكلّ ثيّبات،أو كلّها أبكار.

قال السّهيليّ رحمه اللّه: ذكر بعض أهل العلم أنّ في هذا إشارة إلى مريم البتول و هي البكر،و إلى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون،و أنّ اللّه سيزوّجه عليه السّلام إيّاهما في الجنّة،كما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما.

(10:56)

الآلوسيّ: [ذكر مثل البروسويّ و أضاف:]

و في«الانتصاف»لابن المنير:ذكر لي الشّيخ ابن الحاجب:أنّ القاضي الفاضل عبد الرّحيم البيسانيّ الكاتب،كان يعتقد أنّ«الواو»في الآية هي الواو الّتي سمّاها بعض ضعفة النّحاة واو الثّمانية،لأنّها ذكرت مع الصّفة الثّامنة.و كان الفاضل يتبجّح باستخراجها زائدة على المواضع الثّلاثة المشهورة قبله:أحدها: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ التّوبة:112،إلى قوله سبحانه: وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ. و الثّاني في قوله تعالى: وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ الكهف:22.و الثّالث في قوله تعالى: وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:73.

إلى أن ذكر ذلك يوما بحضرة أبي الجود النّحويّ المقرئ،فبيّن له أنّه واهم في عدّها من ذلك القبيل، و أحال على المعنى الّذي ذكره الزّمخشريّ من دعاء الضّرورة إلى الاتيان بها هاهنا،لامتناع اجتماع الصّفتين في موصوف واحد،و واو الثّمانية إن ثبتت،فإنّما ترد بحيث لا حاجة إليها إلاّ الإشعار بتمام نهاية العدد الّذي هو السّبعة،فأنصفه الفاضل و استحسن ذلك منه،و قال:

أرشدتنا يا أبا الجود.

و ذكر الجنسان لأنّ في أزواجه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم من تزوّجها ثيّبا،و فيهنّ من تزوّجها بكرا،و جاء أنّه عليه الصّلاة و السّلام لم يتزوّج بكرا إلاّ عائشة، و كانت تفتخر بذلك على صواحباتها،و ردّت عليها الزّهراء-على أبيها و عليها الصّلاة و السّلام-بتعليم النّبيّ

ص: 452

صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم إيّاها حين افتخرت على أمّها خديجة رضي اللّه تعالى عنها،بقولها:إنّ أمّي تزوّج بها رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم و هو بكر،لم يره أحد من النّساء غيرها،و لا كذلك أنتنّ،فسكتت.

(28:156)

بكرة

1- ..وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا. مريم:62

ابن عبّاس: في مقادير اللّيل و النّهار.

(النّحّاس 4:343)

يؤتون به في الآخرة على مقدار ما كانوا يؤتون به في الدّنيا.(الدّرّ المنثور 4:278)

مجاهد :ليس بكرة و لا عشيّ،و لكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدّنيا.(الطّبريّ 16:102)

نحوه الفرّاء.(2:170)

الحسن :كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء و العشاء،فذكر اللّه لهم ذلك.

(ابن الجوزيّ 5:247)

البكور يرد على العشيّ،و العشيّ يرد على البكور، ليس فيها ليل.(ابن كثير 4:472)

قال رجل:يا رسول اللّه هل في الجنّة من ليل؟

قال:و ما هيّجك على هذا؟

قال:سمعت اللّه يذكر في الكتاب وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا فقلت:اللّيل من البكرة و العشيّ.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:ليس هناك ليل،و إنّما هو ضوء و نور،يرد الغدوّ على الرّواح،و الرّواح على الغدوّ، و تأتيهم طرف الهدايا من اللّه،لمواقيت الصّلوات الّتي كانوا يصلّون فيها في الدّنيا،و تسلّم عليهم الملائكة.

(الدّرّ المنثور 4:278)

كانوا يعدّون النّعيم أن يتغذّى الرّجل ثمّ يتعشّى، قال اللّه لأهل الجنّة: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا.

(الدّرّ المنثور 4:278)

قتادة :كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء و العشاء عجب له،فأخبرهم اللّه أنّ لهم في الجنّة بكرة و عشيّا،قدر ذلك الغداء و العشاء.(الطّبريّ 16:102)

فيها ساعتان بكرة و عشيّ،فإنّ ذلك لهم،ليس ثمّ ليل و إنّما هو ضوء و نور.(الطّبريّ 16:102)

كانت العرب في زمانها من وجد غداء و عشاء معا فذلك هو النّاعم،فنزلت.

مثله يحيى بن أبي كثير.(القرطبيّ 11:127)

ابن جريج: معناه مقدار البكرة و مقدار العشيّ من أيّام الدّنيا.(الماورديّ 3:381)

مالك بن أنس: طعام المؤمنين في اليوم مرّتان، و تلا قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا.

ثمّ قال:و عوّض اللّه عزّ و جلّ المؤمنين في الصّيام السّحور بدلا من الغداء،ليقووا به على عبادة ربّهم.

(القرطبيّ 11:127)

زهير بن محمّد: ليس في الجنّة ليل،هم في نور أبدا،و لهم مقدار اللّيل و النّهار،يعرفون مقدار اللّيل بإرخاء الحجب و إغلاق الأبواب،و يعرفون مقدار النّهار

ص: 453

برفع الحجب و فتح الأبواب.(الطّبريّ 16:102)

مثله السّيوطيّ.(الدّرّ المنثور 4:278)

الطّبريّ: يقول:و لهم طعامهم و ما يشتهون من المطاعم و المشارب في قدر وقت البكرة،و وقت العشيّ من نهار أيّام الدّنيا.

و إنّما يعني أنّ الّذي بين غدائهم و عشائهم في الجنّة، قدر ما بين غداء أحدنا في الدّنيا و عشائه،و كذلك ما بين العشاء و الغداء؛و ذلك لأنّه لا ليل في الجنّة و لا نهار، و ذلك كقوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فصّلت:9، و خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ الأعراف:

54.(16:102)

القمّيّ: ذلك في جنّات الدّنيا قبل القيامة،و الدّليل على ذلك قوله: بُكْرَةً وَ عَشِيًّا. فالبكرة و العشيّ لا تكون في الآخرة في جنّات الخلد،و إنّما يكون الغدوّ و العشيّ في جنّات الدّنيا الّتي تنتقل إليها أرواح المؤمنين، و تطلع فيها الشّمس و القمر.(2:52)

النّحّاس: و معنى هذا:أنّ الجنّة ليست فيها غداة و لا عشيّة،و لكنّ المعنى في مقادير هذه الأوقات.

(4:343)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ العرب إذا أصابت الغداء و العشاء نعمت فأخبرهم اللّه أنّ لهم في الجنّة غداء و عشاء،و إن لم يكن في الجنّة ليل و لا نهار.

الثّاني:[قول ابن جريج،ثمّ ذكر قول زهير بن محمّد المتقدّم و قال:]

و يحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذّاتهم، و العشيّ بعد فراغهم من لذّاتهم،لانّه يتخلّلها فترات انتقال من حال إلى حال.(3:381)

الطّوسيّ: قيل:معناه في مقدار اليوم من أيّام الدّنيا،فذكر«الغداة و العشيّ»ليدلّ على المقدار،لأنّه ليس في الجنّة ليل،و لا نهار.

و قيل:إنّما ذكر ذلك،لأنّ أسلم الأكلات أكلة الغداة و العشيّ،فهو أسلم من الأكل دائما،أيّ وقت وجده،أو تكون أكلته واحدة.(7:138)

الميبديّ: أي في الأوقات الّتي لو كانت أيّاما و ليالي معتادة،لكان ذلك بكرة و عشيّا،كقوله تعالى:

خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ هود:7، و لم يكن هناك أيّام و لا زمان،لكن بمعنى أنّه خلقها في مدّة،لو كانت مدّة وقت و زمان،لكان ذلك ستّة أيّام.

و قيل:ليس في الجنّة ليل،هم في نور أبدا،و إنّما يعرفون مقدار اللّيل بإرخاء الحجب،و مقدار النّهار برفع الحجب.

و قيل:تخدمهم باللّيل الجواري،و بالنّهار الغلمان، فذاك آية اللّيل و النّهار.

و قيل:معناه الدّوام،و ذكر طرفي النّهار و أراد به كلّه،كقوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ الشّعراء:

28،و يريد به الدّنيا كلّها،يدلّ على هذا قوله: أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها... الرّعد:35،و بهذا المعنى قوله: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا المؤمن:46.(6:70)

الزّمخشريّ: من النّاس من يأكل الوجبة،و منهم من يأكل متى وجد،و هي عادة المنهومين.و منهم من يتغذّى و يتعشّى،و هي العادة الوسطى المحمودة.

ص: 454

و لا يكون ثمّ ليل و لا نهار و لكن على التّقدير،و لأنّ المتنعّم عند العرب من وجد غداء و عشاء.

و قيل:أراد دوام الرّزق و دروره،كما تقول:أنا عند فلان صباحا و مساء و بكرة و عشيّا،تريد الدّيمومة، و لا تقصد الوقتين المعلومين.(2:515)

نحوه أبو حيّان(6:202)،و الآلوسيّ(16:112).

ابن عطيّة: يريد في التّقدير،أن يأتيهم طعامهم مرّتين في مقدار اليوم و اللّيلة من الزّمن،و يروى أنّ أهل الجنّة تنسدّ لهم الأبواب بقدر اللّيل في الدّنيا،فهم يعرفون البكرة عند انفتاحها،و العشيّ عند انسدادها.(4:23)

الطّبرسيّ: قال المفسّرون:ليس في الجنّة شمس و لا قمر،فيكون لهم بكرة و عشيّا،و المراد أنّهم يؤتون برزقهم على ما يعرفونه من مقدار الغداء و العشاء.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين](3:521)

مثله ابن الجوزيّ.(5:247)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالان:

السّؤال الأوّل:أنّ المقصود من هذه الآيات وصف الجنّة بأحوال مستعظمة،و وصول الرزق إليهم بكرة و عشيّا ليس من الأمور المستعظمة؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:قال الحسن:أراد اللّه تعالى أن يرغّب كلّ قوم بما أحبّوه في الدّنيا،و لذلك ذكر أساور من الذّهب و الفضّة و لبس الحرير الّتي كانت عادة العجم،و الأرائك الّتي هي الحجال المضروبة على الأسرّة،و كانت من عادة أشراف العرب في اليمن،و لا شيء كان أحبّ إلى العرب من الغداء و العشاء،فوعدهم بذلك.[و ذكر مثل قول الزّمخشريّ]

السّؤال الثّاني:قال تعالى: لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً الدّهر:13،و قال عليه السّلام:«لا صباح عند ربّك و لا مساء»،و البكرة و العشيّ لا يوجدان إلاّ عند وجود الصّباح و المساء؟

و الجواب:المراد أنّهم يأكلون عند مقدار الغداة و العشيّ،إلاّ أنّه ليس في الجنّة غدوة و عشيّ؛إذ لا ليل فيها.و يحتمل ما قيل:إنّه تعالى جعل لقدر اليوم علامة، يعرفون بها مقادير الغداة و العشيّ.و يحتمل أن يكون المراد لهم رزقهم متى شاءوا،كما جرت العادة في الغداة و العشيّ.(21:237)

نحوه النّيسابوريّ.(16:69)

القرطبيّ: أي في قدر هذين الوقتين؛إذ لا بكرة ثمّ و لا عشيّا،كقوله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ سبأ:12،أي قدر شهر.

و قيل:عرّفهم اعتدال أحوال أهل الجنّة،و كان أهنأ النّعمة عند العرب،التّمكين من المطعم و المشرب بكرة و عشيّا.

و قيل:أي رزقهم فيها غير منقطع،كما قال:

لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ الواقعة:33،و هو كما تقول:

أنا أصبح و أمسي في ذكرك،أي ذكري.

[ثمّ ذكر نحو احتمال الماورديّ،و قول مالك بن أنس و أضاف:]

و قيل:إنّما ذكر ذلك لأنّ صفة الغداء و هيئته غير صفة العشاء و هيئته،و هذا لا يعرفه إلاّ الملوك.و كذلك يكون في الجنّة رزق الغداء غير رزق العشاء،تتلوّن

ص: 455

عليهم النّعم ليزدادوا تنعّما و غبطة.[ثمّ ذكر أقوال السّابقين المتقدّمة](11:126)

النّسفيّ: أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النّهار من الدّنيا،إذ لا ليل و لا نهار ثمّ،لأنّهم في النّور أبدا،و إنّما يعرفون مقدار النّهار برفع الحجب،و مقدار اللّيل بإرخائها،و الرّزق بالبكرة و العشيّ أفضل العيش عند العرب،فوصف اللّه جنّته بذلك.

و قيل:أراد دوام الرّزق.[و ذكر نحو قول الزّمخشريّ](3:40)

ابن كثير :أي في مثل وقت البكرات و وقت العشيّات لا أنّ هناك ليلا و نهارا،و لكنّهم في أوقات تتعاقب،يعرفون مضيّها بأضواء و أنوار.(4:471)

البروسويّ: [نقل أقوال السّابقين ثمّ قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها من رؤية اللّه تعالى بُكْرَةً وَ عَشِيًّا، كما جاء في الخبر:

«و أكرمهم على اللّه من ينظر إلى وجهه غدوة و عشيّا.

(5:345)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ إتيان الرّزق(بكرة و عشيّا)كناية عن تواليه من غير انقطاع.(14:79)

مجمع اللّغة :و البكرة بضمّ الباء:الغدوة أوّل النّهار،و قد قوبلت في الكتاب الكريم بالعشيّ في موضعين،و قوبلت بالأصيل في أربعة مواضع،و ذكرت منفردة غير مقابلة بشيء في موضع واحد.(1:119)

2- فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفرقان:5

3- وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الأحزاب:42

4- وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفتح:9

5- وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الدّهر:25

و لقد تقدّمت نصوص هذه الآيات في«أ ص ل» فلاحظ.

6- وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ. القمر:38

الفرّاء: العرب تجري غدوة و بكرة و لا تجريهما.

و أكثر الكلام في غدوة ترك الإجراء،و أكثره في بكرة أن تجرى.

قال:سمعت بعضهم يقول:أتيته بكرة باكرا،فمن لم يجرها جعلها معرفة،لأنّها اسم تكون أبدا في وقت واحد،بمنزلة أمس و غد،و أكثر ما تجري العرب«غدوة» إذا قرنت«بعشيّة»فيقولون:إنّي لآتيك غدوة و عشيّة، و بعضهم غدوة و عشيّة.و منهم من لا يجري«عشيّة» لكثرة ما صحبت«غدوة».(3:109)

الطّوسيّ: نصبه على الظّرف،فإذا أردت بكرة يومك لم تصرفه.و إذا أردت بكرة من البكرات صرفته، و مثله غدوة و غدوات.(9:457)

نحوه الطّبرسيّ.(5:192)

الميبديّ: أي جاءهم العذاب وقت الصّبح،بكرة من الأيّام.(9:394)

الزّمخشريّ: أوّل النّهار و باكره،لقوله:مشرقين و مصبحين.و قرأ زيد بن عليّ رضي اللّه عنهما (بكرة) غير منصرفة،تقول:أتيته بكرة و غدوة،بالتّنوين،إذا أردت التّنكير،و بغيره إذا عرّفت و قصدت بكرة نهارك و غدوته.(4:40)

نحوه أبو حيّان.(8:182)

ص: 456

الفخر الرّازيّ: (صبّحهم)فيه دلالة على الصّبح، فما معنى(بكرة)؟

نقول:فائدته تبيين انطراقه فيه،فقوله:(بكرة) يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّها منصوبة على أنّها ظرف،و مثله نقول في قوله تعالى: أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً الإسراء:1.

و فيه بحث،و هو أنّ الزّمخشريّ قال:ما الفائدة في قوله:(ليلا)؟

و قال جوابا:في التّنكير دلالة على أنّه كان في بعض اللّيل،و تمسّك بقراءة من قرأ (من الّيل) و هو غير ظاهر، و الأظهر فيه أن يقال:بأنّ الوقت المبهم يذكر لبيان أنّ تعيين الوقت ليس بمقصود المتكلّم،و أنّه لا يريد بيانه، كما يقول:خرجنا في بعض الأوقات،مع أنّ الخروج لا بدّ من أن يكون في بعض الأوقات،فإنّه لا يريد بيان الوقت المعيّن.

و لو قال:خرجنا،فربّما يقول السّامع:متى خرجتم؟ فإذا قال:في بعض الأوقات،أشار إلى أنّ غرضه بيان الخروج لا تعيين وقته،فكذلك قوله تعالى: صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً أي بكرة من البكر،و أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً أي ليلا من اللّيالي فلا أبيّنه،فإنّ المقصود نفس الإسراء.

و لو قال:أسرى بعبده من المسجد الحرام،لكان للسّامع أن يقول:أيّما ليلة؟فإذا قال:ليلة من اللّيالي قطع سؤاله،و صار كأنّه قال:لا أبيّنه،و إن كان القائل ممّن يجوز عليه الجهل،فإنّه يقول:لا أعلم الوقت،فهذا أقرب،فإذا علمت هذا في(أسرى ليلا)فاعلم مثله في صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً.

و يحتمل أن يقال على هذا الوجه:(صبّحهم)بمعنى قال لهم:عموا صباحا استهزاء بهم،كما قال: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:34،فكأنّه قال:جاءهم العذاب بكرة كالمصبح،و الأوّل أصحّ.

و يحتمل في قوله تعالى: صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً على قولنا:إنّها منصوبة على الظّرف،ما لا يحتمله قوله تعالى:

أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً الإسراء:1،و هو أنّ(صبّحهم) معناه أتاهم وقت الصّبح،لكن التّصبيح يطلق على الإتيان في أزمنة كثيرة،من أوّل الصّبح إلى ما بعد الإسفار،فإذا قال:(بكرة)أفاد أنّه كان أوّل جزء منه، و ما أخّر إلى الإسفار.

و هذا أوجه و أليق،لأنّ اللّه تعالى أوعدهم به وقت الصّبح،بقوله: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ هود:81،و كان من الواجب بحكم الإخبار تحقّقه،بمجيء العذاب في أوّل الصّبح،و مجرّد قوله:(صبّحهم)ما كان يفيد ذلك،و هذا أقوى،لأنّك تقول:صبيحة أمس بكرة،و اليوم بكرة، فيأتي فيه ما ذكرنا من أنّ المراد بكرة من البكر.

الوجه الثّاني:أنّها منصوبة على المصدر،من باب ضربته سوطا ضربا.فإنّ المنصوب في«ضربته ضربا» على المصدر،و قد يكون غير المصدر،كما في:ضربته سوطا،لا يقال:ضربته سوطا بين أحد أنواع الضّرب، لأنّ الضّرب قد يكون بسوط و قد يكون بغيره.و أمّا (بكرة)فلا يبيّن ذلك،لأنّا نقول:قد بيّنّا أنّ بكرة بين ذلك،لأنّ الصّبح قد يكون بالإتيان وقت الإسفار،و قد يكون بالإتيان بالإبكار.

فإن قيل:مثله يمكن أن يقال في أَسْرى بِعَبْدِهِ

ص: 457

لَيْلاً ،قلنا:نعم.

فإن قيل:ليس هناك بيان نوع من أنواع الإسراء.

نقول:هو كقول القائل:ضربته شيئا،فإنّ«شيئا» لا بدّ منه في كلّ ضرب،و يصحّ ذلك على أنّه نصب على المصدر،و فائدته ما ذكرنا من بيان عدم تعلّق الغرض بأنواعه،و كأنّ القائل يقول:إنّي لا أبيّن ما ضربته به، و لا أحتاج إلى بيانه،لعدم تعلّق المقصود به،ليقطع سؤال السّائل بما ذا ضربه:بسوط أو بعصا،فكذلك القول في أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً يقطع سؤال السّائل عن الإسراء، لأنّ الإسراء:هو السّير أوّل اللّيل،و السّرى:هو السّير آخر اللّيل،أو غير ذلك.(29:62)

نحوه النّيسابوريّ.(27:55)

القرطبيّ: و(بكرة)هنا نكرة،فلذلك صرفت.

(17:144)

البيضاويّ: و قرئ(بكرة)غير مصروفة،على أنّ المراد بها أوّل نهار معيّن.(2:438)

الشّربينيّ: أي في أوّل نهار العذاب.و انصرف (بكرة)لأنّه نكرة.و لو قصد به وقت بعينه،امتنع الصّرف للتّأنيث و التّعريف.(4:152)

الآلوسيّ: أوّل النّهار و هي أخصّ من الصّباح، فليس في ذكرها بعده زيادة،و كان ذلك أوّل شروق الشّمس.و قرأ زيد بن عليّ (بكرة) غير مصروفة.

للعلميّة و التّأنيث،على أنّ المراد بها أوّل نهار مخصوص.(27:91)

الابكار

1- ..وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ.

آل عمران:41

مجاهد :(الابكار):أوّل الفجر،و(العشىّ):ميل الشّمس حتّى تغيب.(الطّبريّ 3:262)

أبو عبيدة :مصدر من قال:أبكر يبكر،و أكثرها بكّر يبكّر و باكر.(1:93)

الطّبريّ: (الإبكار)مصدر من قول القائل:أبكر فلان في حاجة،فهو يبكر إبكارا؛و ذلك إذا خرج فيها من بين مطلع الفجر إلى وقت الضّحى،فذلك إبكار.

يقال فيه:أبكر فلان.و بكر يبكر بكورا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال من ذلك:بكر النّخل يبكر بكورا،و أبكر يبكر إبكارا،و الباكور من الفواكه:أوّلها إدراكا.

(3:262)

الماورديّ: (الابكار):من حين طلوع الفجر إلى وقت الضّحى،و أصله:التّعجيل،لأنّه تعجيل الضّياء.

(1:391)

نحوه الطّوسيّ(2:455)،و القرطبيّ(4:82)، و النّسفيّ(1:157)،و الكاشانيّ(1:311)،و البروسويّ (2:31)،و المراغيّ(3:147).

البغويّ: و(الابكار):ما بين صلاة الفجر إلى الضّحى.(1:438)

الزّمخشريّ: من طلوع الفجر إلى وقت الضّحى، و قرئ (و الابكار) بفتح الهمزة:جمع بكر،كسحر و أسحار،يقال:أتيته بكرا بفتحتين.(1:429)

ص: 458

نحوه البيضاويّ(1:160)،و أبو السّعود(1:366)

ابن عطيّة: (الابكار)مصدر أبكر الرّجل،إذا بادر أمره من لدن طلوع الشّمس،و تتمادى البكرة شيئا بعد طلوع الشّمس،يقال:أبكر الرّجل و بكّر.[ثمّ استشهد بشعر](1:432)

ابن الجوزيّ: ما بين طلوع الفجر إلى وقت الضّحى.[ثمّ استشهد بشعر](1:386)

الفخر الرّازيّ: (الابكار)فهو مصدر أبكر يبكر، إذا خرج للأمر من أوّل النّهار،و مثله بكر و ابتكر و بكّر، و منه الباكورة:لأوّل الثّمرة،هذا هو أصل اللّغة،ثمّ سمّي ما بين طلوع الفجر إلى الضّحى إبكارا،كما سمّي إصباحا.(8:44)

مثله النّيسابوريّ.(3:186)

أبو حيّان: و الظّاهر أنّه أمر بتسبيح اللّه في هذين الوقتين:أوّل الفجر،و وقت ميل الشّمس للغروب،قاله مجاهد.

و قال غيره:يحتمل أن يكون أراد(بالعشىّ)اللّيل، و ب(الابكار)النّهار،فعبّر بجزء كلّ واحد منهما عن جملته،و هو مجاز حسن.و مفعول(و سبّح)محذوف للعلم به،لأنّ قبله وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً أي و سبّح ربّك.

و الباء في(بالعشىّ)ظرفيّة،أي في العشيّ.

و قرئ شاذّا (و الابكار) بفتح الهمزة:و هو جمع «بكر»بفتح الياء و الكاف،تقول:أتيتك بكرا،و هو ممّا يلتزم فيه الظّرفيّة،إذا كان من يوم معيّن،و نظيره سحر و أسحار،و جبل و أجبال.

و هذه القراءة مناسبة ل«العشيّ»على قول من جعله جمع:عشيّة؛إذ يكون فيها تقابل من حيث الجمعيّة، و كذلك هي مناسبة إذا كان(العشىّ)مفردا و كانت الألف و اللاّم فيه للعموم،كقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:2،و«أهلك النّاس الدّينار الصّفر».

و أمّا على قراءة الجمهور (وَ الْإِبْكارِ) بكسر الهمزة، فهو مصدر،فيكون قد قابل(العشىّ)الّذي هو وقت بالمصدر،فيحتاج إلى حذف،أي بالعشيّ و وقت الإبكار.

و الظّاهر في بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ أنّ الألف و اللاّم فيهما للعموم،و لا يراد به عشيّ تلك الثّلاثة الأيّام، و لا وقت الإبكار فيها.(2:453)

الآلوسيّ: أي وقته،و هو من الفجر إلى الضّحى، و إنّما قدّر المضاف،لأنّ(الابكار)بكسر الهمزة مصدر لا وقت،فلا تحسن المقابلة،كذا قيل.

و هو مبنيّ على أنّ(العشىّ)جمع عشيّة:الوقت المخصوص،و إليه ذهب أبو البقاء.و الّذي ذهب إليه المعظم أنّه مصدر أيضا على«فعيل»لا جمع.و إليه يشير كلام الجوهريّ،فافهم.

و قرئ (و الابكار) بفتح الهمزة،فهو حينئذ:جمع بكر،كسحر لفظا و معنى،و هو نادر الاستعمال.

(3:152)

رشيد رضا :و(الابكار)من الصّباح إلى الضّحى.

(3:299)

الطّباطبائيّ: (و الابكار):صدر النّهار و الطّرف المقدّم منه،و الأصل في معناه الاستعجال.(3:179)

ص: 459

2- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ. المؤمن:55

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:قال اللّه جلّ جلاله يا ابن آدم،اذكرني بعد الغداة ساعة،و بعد العصر ساعة،أكفك ما أهمّك.

(الطّبرسيّ 4:528)

ابن عبّاس: يريد الصّلوات الخمس.

(الطّبرسيّ 4:528)

مجاهد :من طلوع الفجر الثّاني إلى طلوع الشّمس.

(الطّبرسيّ 4:528)

الحسن :هي صلاة مكّة قبل أن تفرض الصّلوات الخمس:ركعتان غدوة،و ركعتان عشيّة.

(الماورديّ 5:161)

قتادة :أريد صلاة الغداة و صلاة العصر.

(الآلوسيّ 24:77)

الطّبريّ: و صلّ بالشّكر منك لربّك(بالعشىّ):

و ذلك من زوال الشّمس إلى اللّيل،و(الابكار):و ذلك من طلوع الفجر الثّاني إلى طلوع الشّمس.

و قد وجّه قوم(الابكار):إلى أنّه من طلوع الشّمس إلى ارتفاع الضّحى،و خروج وقت الضّحى،و المعروف عند العرب القول الأوّل.

و اختلف أهل العربيّة في وجه عطف(الابكار)، و الباء غير حسن دخولها فيه على(العشىّ)،و الباء تحسن فيه،فقال بعض نحوييّ البصرة:معنى ذلك و سبّح بحمد ربّك بالعشيّ و في الإبكار.و قال:قد يقال:بالدّار زيد،يراد في الدّار زيد.

و قال غيره: إنّما قيل ذلك كذلك،لأنّ معنى الكلام صلّ بالحمد بهذين الوقتين،و في هذين الوقتين، فإدخال«الباء»و«في»واحد فيهما.(24:76)

الطّوسيّ: أي صباحا و مساء.[ثمّ ذكر مثل قول مجاهد](9:87)

الميبديّ: يعني صلاة العصر و صلاة الفجر.

(8:482)

مثله الزّمخشريّ.(3:432)

ابن عطيّة: و الإبكار و البكر بمعنى واحد.و حكي عن قوم أنّه من طلوع الشّمس إلى ارتفاع الضّحى.

(4:564)

النّيسابوريّ: و(العشىّ و الابكار)صلاتا العصر و الفجر،أو المراد الدّوام.(24:49)

البروسويّ: فالمقصود من ذكر(العشىّ و الابكار) الدّلالة على المداومة عليهما في جميع الأوقات،بناء على أنّ(الابكار):عبارة عن أوّل النّهار إلى نصفه، (و العشىّ):عبارة عن نصف النّهار إلى أوّل النّهار من اليوم الثّاني،فيدخل فيهما كلّ الأوقات.(8:196)

نحوه الآلوسيّ.(24:77)

الطّباطبائيّ: أي نزّهه سبحانه مصاحبا لحمده على جميل آلائه،مستمرّا متواليا بتوالي الأيّام،أو في كلّ صباح و مساء،و كونه(بالعشىّ و الابكار)على المعنى الأوّل من قبيل الكناية.

و قيل:المراد به صلاتا الصّبح و العصر،و الآية مدنيّة.

و فيه:أنّ المسلّم من الرّوايات و منها أخبار المعراج أنّ الصّلوات الخمس فرضت جميعا بمكّة قبل الهجرة،فلو كان المراد به الفريضتين كان ذلك بمكّة،قبل فرض بقيّة

ص: 460

الصّلوات الخمس.(17:341)

المصطفويّ: أي بسبب الورود في ابتداء النّهار للشّروع في المعيشة.و قدّم(العشىّ)فإنّ ورود ظلمة اللّيل يوجب ترك الاشتغالات الدّنيويّة،و في هذه السّاعات فراغة كاملة للحمد و التسبيح و التوجّه إلى اللّه المتعال،و لا يخفى أنّ ورود اللّيل أيضا من أعظم النّعم الإلهيّة،حتّى تحصل الاستراحة،و يرتفع التّعب و الضّعف.

و مثلها في الإشارة إلى مورد الاقتضاء للتّسبيح و الحمد: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ آل عمران:41،فإنّ تقديم(العشىّ)من جهة وجود الاقتضاء فيها للتّسبيح و الحمد كثيرا،بسبب حصول الفراغة.(1:304)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البكر،أي أوّل ولد الرّجل،ذكرا كان أو أنثى،يقال:أشدّ النّاس بكر ابن بكرين،و هذا بكر أبويه،و هذه بكر أبويها،و الجمع:

أبكار.و ابتكرت الحامل:ولدت بكرها،و ابتكرت المرأة ولدا:كان أوّل ولدها ذكرا.

و البكر من النّساء:الّتي لم يقربها رجل،و البكر من الرّجال:الّذي لم يقرب امرأة بعد،و كذا يقال للفتيّ و الفتيّة من الإبل،و هو بكرة و هي بكة أيضا للإبل خاصّة.

و البكر:المرأة الّتي ولدت بطنا واحدا،و كذلك البكر من الإبل،و البكر:ما لم تلد،يقال:بقرة بكر،أي فتيّة لم تحمل.

و البكر:الكرم الّذي حمل أوّل حمله،و السّحابة الغزيرة،و النّار الّتي لم تقتبس من نار،و عسل أبكار:

تعسّله أبكار النّحل،أي أفتاؤها و صغارها.

و منه:البكرة و البكرة،و هي خشبة مستديرة في وسطها محزّ للحبل،و في جوفها محور تدور عليه، و الجمع:بكر و بكرات،و هذا مستعار من البكرة في الإبل،أي الفتيّة.و البكرات:الحلقات الّتي في حلية السّيف،كأنّها فتوخ النّساء و خلاخلها.

2-ثمّ استعمل البكر في أوّل كلّ شيء،و في كلّ فعلة لم يتقدّمها مثلها،يقال:حاجة بكر،أي طلبت حديثا، و ضربة بكر:قاطعة لا تثنّى،و في الحديث:«كانت ضربات عليّ عليه السّلام أبكارا»،أي كانت بكرا يقتل بواحدة.و بكّر الرّجل و تبكّر و أبكر:تقدّم،يقال:جاءوا على بكرة أبيهم،من قولهم:بكرت في كذا،أي تقدّمت فيه،أي جاءوا على أوّليّتهم.

و البكيرة و الباكورة و البكور من النّخل:الّتي تدرك في أوّل النّخل،و الجمع:البكر.و باكورة الرّطب و الفاكهة:الشّيء المتعجّل منه،و الجمع:بواكير و باكورات،يقال:ابتكر الرّجل،أي أكل باكورة الفاكهة.و بكرت الشّجرة بكورا و أبكرت:عجّلت بالإثمار و الينع،و إذا كانت عادتها ذلك فهي مبكار.

و غيث باكور و مبكر:المبكّر في أوّل الوسميّ.

3-و البكرة:الغدوة وزنا و معنى،أي أوّل النّهار، و الجمع:بكر و أبكار،يقال:بكر يبكر بكورا،و بكّر تبكيرا،و أبكر إبكارا،و ابتكر ابتكارا،أي خرج في

ص: 461

الغداة،فهو بكر و بكر،و إذا كان قويّا على البكور فهو بكير.

و باكرت الرّجل مباكرة:أتيته بكرة،و باكرت الشّيء:بكّرت له.و بكرت على الشّيء و إليه أبكر بكورا:أتيته بكرة.و أبكرت الرّجل على صاحبه إبكارا و بكّرته تبكيرا:جعلته يبكر عليهم.و أبكر الرّجل:

وردت إبله بكرة،و أبكر:دخل في الغداة.

ثمّ توسّع فيه و أطلق على المبادرة إلى الشّيء في أيّ وقت،يقال:بكّروا بصلاة المغرب،أي صلّوها عند سقوط القرص،و في الحديث:«من بكّر يوم الجمعة و ابتكر فله كذا و كذا،أي أسرع و خرج إلى المسجد باكرا،و أتى الصّلاة في أوّل وقتها،و ابتكر:أدرك الخطبة من أوّلها.

و أرض مبكار:سريعة الإنبات،و بكر السّحاب و بكّر و أبكر،و سحابة مبكار و بكور:مدلاج من آخر اللّيل.

4-و البكرة و الغدوة واحد كما تقدّم،إلاّ أنّ أحدهما يسبق الآخر،فقد قدّم الثّعالبيّ«البكور»على«الغدوّ» في ساعات النّهار،و قدّم ابن سيدة«الغدوة»على «البكور».و الأصحّ ما ذهب إليه الثّعالبيّ،لأنّ«البكور» موضوع للسّبق و العجلة و التّقدّم،فحريّ به أن يبتدأ به النّهار بعد شروق الشّمس،و وقته على هذا القول عند الشّروق،فهو يقابل«الأصيل»في آخر النّهار،فكما أنّ«البكور»عند شروق الشّمس،فإنّ«الأصيل»عند غروبها.

الاستعمال القرآنيّ

و جاءت فيها 12 آية:

1- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا مريم:11

2- لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا مريم:62

3- وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الأحزاب:42

4- لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفتح:9

5- وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الدّهر:25

6- وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفرقان:5

7- وَ لَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ القمر:38

8- قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ آل عمران:41

9- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ المؤمن:55

10- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ البقرة:68

11- إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً

الواقعة:35،36

12- عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً التّحريم:5

ص: 462

يلاحظ أوّلا:أنّ(بكرة و عشيّا)جاء في(1)و(2)، و(بكرة و اصيلا)في(3)إلى(6)،و(العشىّ و الابكار)في (8)و(9).و المراد بها جميعا صباحا و مساء،حسب ظاهر اللّفظ،أو جميع أوقات اللّيل و النّهار حسب السّياق.و اختلاف التّعبير فيها من أجل رعاية الرّويّ، لاحظ«أ ص ل».

و قد جاء(غدوة»مكان(بكرة)في اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا المؤمن:46،لاحظ قول أبي هلال في الفرق بين هذه الألفاظ.

ثانيا:أنّ(بكرة و عشيّا)في(1)هما الصّباح و المساء في الدّنيا،و في(2)هما في الجنّة،و قد طرح ما حولها سؤال:هل في الجنّة ليل؟

و أجيب عنه بأنّه لا ليل فيها،بل يأتيهم رزقهم على مقدار الأوقات الّتي كانوا يؤتون به.أو يشتهونه في الدّنيا،أو أنّ هناك ضوء و نورا بدل اللّيل و النّهار،أو يأتيهم رزقهم في أوقات الصّلوات الّتي كانوا يصلّونها في الدّنيا،و لك أن تحملها على الدّوام و التّوالي،أي يأتيهم رزقهم دائما و متواليا،كما قيل في«سبحوه بكرة و عشيا،»أي في جميع الأوقات.و قد استظهروا منه بناء على الأوّل أنّ طعام المؤمن ينبغي أن يكون في أوّل النّهار و آخره،كطعام أهل الجنّة.

ثالثا:جاء الإبكار في(8)و(9)مقابل العشيّ،و هو مصدر من:أبكر،أي دخل وقت الفجر،و هو أوّل النّهار.و أريد به هنا وقت الفجر،كما أريد بالغدوة- و هي مصدر أيضا-وقت الغداة.كما جاء«بكرة»مقابل «أصيل»و«عشيّ»في(1)إلى(6)،و هذه تعابير قرآنيّة شاعت في اللّغة و الأدب.

رابعا:جاء(بكر)في(10)مقابل(فارض)،أي الصّغيرة الّتي في أوّل نشأتها،و الكبيرة الّتي فرضت سنّها.و لم يؤنّث البكر و الفارض،لأنّهما كالحائض في الاختصاص بالأنثى.

خامسا:جاء(أبكار)في(11)و(12)جمع بكر، و هي صفة النّساء اللاّتي لم ينكحن،مقابل(الثّيّبات) اللاّتي أنكحن.

سادسا:جاءت(ثيّبات)و(ابكارا)مع«الواو» دون ما تقدّمها من الصّفات،و اختلفوا في وجه العطف حيث أشكل عند بعضهم عطف(ابكارا)على(ثيّبات) للزومه اتّصاف من تقدّمهما بهما معا و هو محال،فتكلّف أنّ(ابكارا)عطف على أوّل الكلام!!

و الحقّ أنّه عطف على(ثيّبات)و«الواو»للتّصنيف لا للجمع أي أنّهنّ من كلا الصّنفين،تعريضا بكلا الصّنفين من نسائه.

سابعا:لوحظ في جميع هذه الصّيغ معنى أصل اللّغة بعد التّوسعة-و هو الأوّل-بنحو من الأنحاء.كما لوحظ التّشابه في الأرقام فجاءت اثنين اثنين غالبا،فلاحظ.

ص: 463

ص: 464

ب ك ك

اشارة

بكّة

لفظ واحد،مرّة واحدة مدنيّة في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البكّ:دقّ العنق.و سمّيت مكّة بكّة،لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا في الطّواف،أي يدفع بعضهم بعضا بالازدحام.و يقال:بل سمّيت،لأنّها كانت تبكّ أعناق الجبابرة،إذا ألحدوا فيها بظلم.(5:285)

نحوه الزّجّاج(1:445)،و ابن كثير(2:75).

أبو عمرو الشّيبانيّ: بكّ الشّيء،أي فسخه، و منه أخذت بكّة،لأنّها كانت تبكّ أعناق الجبابرة،إذا ألحدوا فيها.

و يقال:بل سمّيت بكّة،لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا في الطّرق.

و بكّ الرّجل،إذا افتقر.و بكّ إذا خشن بدنه شجاعة.

و يقال للجارية السّمينة:بكباكة،و كبكابة، و كواكة،و كوكاءة،و مرمارة و رجراجة.

(الأزهريّ 9:464)

قطرب: تقول العرب:بككت عنقه أبكّه بكّا،إذا وضعت منه،و رددت نخوته.(الفخر الرّازيّ 8:157)

الفرّاء: يقال للرّشاء الغليظ:الأبكّ.

(ابن فارس 1:187)

أبو عبيدة :أحمق باكّ تاكّ،و بائك تائك،و هو الّذي لا يدري ما خطؤه من صوابه.(الأزهريّ 9:464)

أبو زيد:يقول إذا ضاق الشّريب و ساء خلقه، و غضب عند الحوض:فدعه يبكّ إبله بكّة،أي يقبلها الحوض،و يصرفها إليه.(128)

ابن الأعرابيّ: البكك:الأحداث الأشدّاء.

و البكك:الحمير النّشيطة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 9:464)

تباكّت الإبل،إذا ازدحمت على الماء فشربت.

(ابن فارس 1:187)

ابن السّكّيت: بكّة:ما بين جبلي مكّة،لأنّ النّاس

ص: 465

يبكّ بعضهم بعضا في الطّواف،أي يزحم.

(ابن سيدة 6:671)

ابن قتيبة :بكّة و مكّة شيء واحد،و الباء تبدل من الميم كثيرا.(الهرويّ 1:202)

ابن دريد :بكّ الشّيء يبكّه بكّا،إذا خرقه أو فرّقه.

و البكّ:الازدحام،و كأنّه من الأضداد عندهم،من قولهم:تباكّ القوم،إذا ازدحموا و ركب بعضهم بعضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمّيت مكّة بكّة،لازدحام النّاس بها.(1:36)

بكّة:اسم لمكّة لتباكّ النّاس بها،أي لازدحامهم.

(1:328)

الأزهريّ: الأبكّ:موضع نسبت الحمر إليه.

يقال:فلان أبكّ بني فلان،إذا كان عسيفا لهم يسعى في أمورهم.

و بكّ الرّجل المرأة،إذا جهدها في الجماع.(4649)

الصّاحب:[قال نحو الخليل و أضاف:]

و قيل:هي«فعلة»من بككت الرّجل،إذا رددته و وضعت منه.

و المبكّة و البكّة:موضع الطّواف،و بكّة:ما بين الجبلين أيضا.

و الأبكّ:الّذي يبكّ المواشي و غيرها و يرعاها، و جمعه:بكّ.

و الأبكّ:الأجذم،و جمعه:بكّان،و قد بككت يا فلان تبكّ.

و بكّها بحملها:أثقلها.

و بكّ المرأة في الجماع بكّا:نكحها.

و بكّ الرّجل الدّابّة:جهدها في السّير.

و البكّاك:النّيّاك.

و قيل:أحمق باكّ و بائك،و هو الّذي يتكلّم بما لا يدري.(6:151)

الخطّابيّ: تباكّ النّاس عليه،أي ازدحموا و تدافعوا.

و يقال:إنّما سمّيت بكّة،لأنّ النّاس يتباكّون فيها،أي يتدافعون،و يقال في هذا المعنى:ابتكّت عليه الجماعة، أي ازدحمت.(2:428)

الجوهريّ: بكّ فلان يبكّ بكّة،أي زحم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تباكّ القوم،أي ازدحموا.

و بكّ عنقه،أي دقّها.

و بكّة:اسم بطن مكّة،سمّيت بذلك لازدحام النّاس.و يقال:سمّيت لأنّها كانت تبكّ أعناق الجبابرة.

(4:1575)

ابن فارس: الباء و الكاف في المضاعف أصل يجمع التّزاحم و المغالبة.[ثمّ ذكر قول الخليل و أضاف:]

و قال الحسن:أي يتباكّون فيها من كلّ وجه.

و رجل أبكّ:شديد غلاّب،و جمعه:بكّ.و يقال:

بكّه،إذا غلبه.

و الأبكّ في قول الأصمعيّ:الشّجر المجتمع.[ثمّ استشهد بشعر](1:186)

الهرويّ: يقال:بكّة:مكان البيت،و مكّة:سائر البلد.

ص: 466

و في الحديث:«فتباكّ النّاس عليه»أي ازدحموا.

(1:202)

ابن سيدة :بكّ الشّيء يبكّه بكّا:خرقه أو فرّقه.

و بكّ الرّجل صاحبه يبكّه بكّا:زاحمه أو رحمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء تراكب:فقد تباكّ.

و تباكّ القوم:تزاحموا.

و بكّ الرّجل يبكّه بكّا:ردّ نخوته و وضعه.

و بكّ عنقه يبكّها بكّا:دقّها.

و الأبكّ:العام الشّديد،لأنّه يبكّ الضّعفاء و المقلّين.

و الأبكّ:الحمر الّتي يبكّ بعضها بعضا،و نظيره قولهم:

«الأعمّ»في الجماعة،«و الأمرّ»لمصارين الفرث.

و الأبكّ:موضع نسبت الحمر إليه.(6:670)

الطّوسيّ: و أصل«بكّة»من البكّ،و هو الزّحم، تقول:بكّه يبكّه بكّا،إذا زحمه،و تباكّ النّاس بالموضع، إذا ازدحموا.

فبكّة:مزدحم النّاس للطّواف،و هو ما حول الكعبة من داخل المسجد الحرام؛و منه البكّ:دقّ العنق،لأنّ فكّه بشدّة زحمة،فقيل:سمّيت بكّة،لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة،إذا ألحدوا فيها بظلم لم يمهلوا.(2:535)

مثله الطّبرسيّ.(1:477)

الزّمخشريّ: تباكّت الإبل على الحوض:تزاحمت، و تقول:تباكّوا فتداكّوا.

و سمّيت بكّة،لأنّها كانت تبكّ أعناق الجبابرة،إذا ألحدوا فيها بظلم لم يناظروا،أي لم ينتظر بهم.

و تقول:أحمق باكّ:من هو في الحقّ شاكّ.

(أساس البلاغة:28)

مجاهد رحمه اللّه تعالى:من أسماء مكّة«بكّة».و هي أمّ رحم،و هي أمّ القرى،و هي كوثى،و هي الباسّة، و روي النّاسّة.[ثمّ شرح هذه الكلمات فلاحظ]

(الفائق 1:126)

نحوه ابن الأثير.(1:150)

الفيّوميّ: مكّة شرّفها اللّه تعالى،و قيل فيها:

(بكّة)على البدل،و قيل بالباء:البيت،و بالميم:ما حوله.

و قيل بالباء:بطن مكّة.(577)

الفيروزآباديّ: بكّه:خرقه و فرّقه و فسخه.

و فلانا:زاحمه أو رحمه ضدّ.و ردّ نخوته،و وضعه و فسخه.

و عنقه:دقّها.و منه:بكّة لمكّة،أو لما بين جبليها،أو للمطاف لدقّها أعناق الجبابرة،أو لازدحام النّاس بها.

و الرّجل:افتقر،و خشن بدنه شجاعة.

و المرأة:جهدها جماعا.

و تباكّ:تراكم،و القوم:ازدحموا.

و الأبكّ:العام الشّديد،و الّذي يبكّ الحمر و المواشي و غيرها،و العسيف،يسعى في أمور أهله،و موضع و الأجذم،جمعه:بكّان.

و أحمق باكّ تاكّ:لا يدري صوابه من خطئه.

و البكك بضمّتين:الأحداث الأشدّاء،و الحمر النّشيطة.(3:305)

السّيوطيّ: بكّة:اسم لمكّة،فقيل:الباء بدل من الميم،و مأخذه من تمكّكت العظم.

ص: 467

و قيل:الباء أصل،و مأخذه من«البكّ»لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة،أي تكسرهم فيذلّون لها،و يخضعون.

و قيل:من التّباكّ و هو الازدحام،لازدحام النّاس فيها في الطّواف.(4:85)

الطّريحيّ: قيل:بكّة:موضع البيت،و مكّة:سائر البلد.

و قيل:هما اسمان للبلد،و الباء و الميم يتقاربان.

و روي سمّيت بكّة:لبكاء النّاس حولها و فيها.

(5:259)

المصطفويّ: لا يبعد أن نقول:إنّ«بكّة»اسم للبلد الحرام،بمناسبة وقوعها فيما بين الجبال و الصّخور، و على أراضي صلبة الّتي تبكّ من يمرّ عليها.

و بين«بكّة و مكّة»اشتقاق أكبر،و تعيين الأصيل منهما غير وجيه،و هكذا القول:بأنّ«بكّة»عبارة عن البيت،أو عن المسجد،أو محلّ الطّواف،و يدلّ عليه قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً آل عمران:96،فإنّ كون البيت في البيت،أو في محلّ الطّواف،أو في مسجد ذلك اليوم،لا معنى له.

و لعلّ اختيار كلمة«بكّة»دون«مكّة»في ذلك المورد بمناسبة مفهومه،فإنّ وضع بيت لاستفادة النّاس و استفاضتهم في مكان غير سهلة،تبكّ من يسكن فيها و يمرّ عليها،من أعظم النّعم الإلهيّة.

و أمّا اختيار حرف«الباء»دون«في»(ببكّة)،فإنّ «بكّة»ليست ظرفا للبيت؛بحيث يستقرّ البيت في داخلها،كقولنا:زيد في البيت،بل بينهما ربط مخصوص، و«الباء»تدلّ على ذلك الرّبط.(1:305)

النّصوص التّفسيريّة

ببكّة

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ. آل عمران:96

ابن عبّاس: مكّة:من الفجّ إلى التّنعيم،و بكّة:من البيت إلى البطحاء.

مثله سعيد بن جبير،و عطاء،و حمّاد بن سلمة.

(ابن كثير 2:75)

ابن الزّبير:إنّما سمّيت(بكّة)لأنّهم يأتونها حجّاجا.(الطّبريّ 4:9)

سمّيت(بكّة)لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة،أي تدقّها.

(البغويّ 1:472)

نحوه ابن العربيّ.(1:284)

سعيد بن جبير: مكّة:الحرم كلّه،و بكّة:مزدحم النّاس حيث يتباكّون،و هو المسجد و ما حول البيت.

مثله الزّهريّ.(ابن عطيّة 1:474)

سمّيت مكّة بكّة،لأنّهم يتباكّون فيها،أي يزدحمون في الطّواف.

مثله مجاهد،و قتادة،و هو المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام.(الفخر الرّازيّ 8:156)

نحوه الحسن(ابن فارس 1:186)،و هو المرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام.(الكاشانيّ 1:330).

إنّ اللّه بكّ به النّاس جميعا،فيصلّي النّساء أمام الرّجال،و لا يفعل ذلك ببلد غيرها.

مثله مجاهد،و عكرمة،و قتادة،و عمرو بن شعيب،

ص: 468

و مقاتل بن حيّان.(ابن كثير 2:75)

النّخعيّ: (بكّة):البيت و المسجد.

مثله الزّهريّ.(ابن كثير 2:75)

(بكّة):موضع البيت،و ما سوى ذلك مكّة.

مثله أبو مالك،و أبو صالح،و العوفيّ،و مقاتل بن حيّان.(ابن كثير 2:75)

مكّة:موضع البيت،و بكّة:موضع القرية.

(ياقوت الحمويّ 1:475)

مجاهد :(بكّة)هي مكّة،و العرب تبدل الباء ميما مثل سبد رأسه و سمده.

مثله الضّحّاك.(الطّبرسيّ 1:477)

نحوه المؤرّج.(القرطبيّ 4:138)

عكرمة :البيت و ما حوله:بكّة،و ما وراء ذلك:

مكّة.(ابن كثير 2:75)

الإمام الباقر عليه السّلام: بكّة هو المسجد،و مكّة:الحرم كلّه،تدخل فيه البيوت.

مثله الزّهريّ،و ضمرة بن ربيعة.(الطّوسيّ 2:535)

إنّما سمّيت مكّة(بكّة)لأنّه يبكّ بها الرّجال و النّساء، و المرأة تصلّي بين يديك،و عن يمينك و عن شمالك،و عن يسارك و معك،و لا بأس بذلك،لأنّه إنّما يكره في سائر البلدان.(الكاشانيّ 1:330)

قتادة :يبكّ النّاس بعضهم بعضا،الرّجال و النّساء يصلّي بعضهم بين يدي بعض،لا يصلح ذلك إلاّ بمكّة، كأنّها سمّيت ببكّة و هي الزّحمة.(الزّمخشريّ 1:446)

زيد بن أسلم:بكّة:الكعبة و المسجد،و مكّة:

ذو طوى،و هو بطن مكّة الّذي ذكره اللّه في القرآن في سورة الفتح:24،و قيل:(بكّة):لتباكّ النّاس بأقدامهم قدّام الكعبة.(ياقوت الحمويّ 1:475)

الكلبيّ: سمّيت[بكّة]مكّة لأنّها بين جبلين، بمنزلة المكّوك.(ياقوت الحمويّ 1:475)

الإمام الصّادق عليه السّلام:سمّيت مكّة(بكّة)،لبكاء النّاس حولها و فيها.(الكاشانيّ 1:330)

موضع البيت:بكّة،و القرية:مكّة.

(الكاشانيّ 1:330)

نحوه مالك بن أنس.(الماورديّ 1:41)

مكّة:جملة القرية،و بكّة:موضع الحجر الّذي يبكّ النّاس بعضهم بعضا.(العيّاشيّ 1:187)

الفرّاء: و إنّما سمّيت(بكّة)لازدحام النّاس بها، يقال:بكّ النّاس بعضهم بعضا،إذا ازدحموا.(1:227)

أبو عبيدة :هي اسم لبطن مكّة،و ذلك لأنّهم يتباكّون فيها و يزدحمون.(1:97)

اليزيديّ: قال بعض المفسّرين:إنّ موضع الطّواف:بكّة،لأنّه يبكّ بعض النّاس بعضا و هو الازدحام،و اسم القرية:مكّة.و يقال:بكّة مأخوذ من بككت الرّجل،أي وضعت منه و رددت نخوته،و كأنّها تضع من نخوة المتجبّرين.[ثمّ استشهد بشعر](108)

ابن قتيبة :بكّة و مكّة شيء واحد،و الباء تبدل من الميم،يقال:سمد رأسه و سبده،إذا استأصله.و شرّ لازم و لازب.

و يقال:بكّة:موضع المسجد،و مكّة:البلد حوله.

(107)

نحوه البغويّ.(1:472)

ص: 469

الطّبريّ: فإنّه يعني:للبيت الّذي بمزدحم النّاس لطوافهم في حجّهم و عمرهم.

و أصل البكّ:الزّحم،يقال منه:بكّ فلان فلانا،إذا زحمه و صدمه،فهو يبكّه بكّا،و هم يتباكّون فيه،يعني به يتزاحمون و يتصادمون فيه،فكان بكّة«فعلة»من بكّ فلان فلانا:زحمه،سمّيت البقعة بفعل المزدحمين بها.

فإذا كانت(بكّة)ما وصفنا،و كان موضع ازدحام النّاس حول البيت،و كان لا طواف يجوز خارج المسجد، كان معلوما بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخل المسجد،و أنّ ما كان خارج المسجد ف(مكّة)لا(بكّة)، لأنّه لا معنى خارجه يوجب على النّاس التّباكّ فيه.

و إذ كان ذلك كذلك،كان ما بيّنّا بذلك فساد قول من قال:بكّة:اسم لبطن مكّة،و مكّة:اسم للحرم.(4:9)

الزّجّاج: قيل:إنّ(بكّة):موضع البيت،و سائر ما حوله:مكّة.و الإجماع أنّ بكّة و مكّة:الموضع الّذي يحجّ النّاس إليه،و هي البلدة،قال اللّه عزّ و جلّ:

بِبَطْنِ مَكَّةَ الفتح:24،و قال: لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً آل عمران:96.(1:445)

الجصّاص :قيل:إنّ البكّ:الزّحم،من قولك:بكّه يبكّه بكّا،إذا زاحمه،و تباكّ النّاس بالموضع،إذا ازدحموا؛فيجوز أن يسمّى بها البيت،لازدحام النّاس فيه للتّبرّك بالصّلاة.و يجوز أن يسمّى به ما حول البيت من المسجد؛لازدحام النّاس فيه للطّواف.(2:26)

الرّاغب: (بكّة)هي مكّة،عن مجاهد،و جعله نحو سبد رأسه و سمده،و ضربة لازب و لازم،في كون الباء بدلا من الميم،قال عزّ و جلّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً.

و قيل:بطن مكّة،و قيل:هي اسم المسجد،و قيل:

هي البيت،و قيل:هي حيث الطّواف.

و سمّي بذلك من التّباكّ،أي الازدحام،لأنّ النّاس يزدحمون فيه للطّواف،و قيل:سمّيت مكّة(بكّة)لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة،إذا ألحدوا فيها بظلم.(57)

نحوه ابن كثير(2:75)،و رشيد رضا(4:7).

الميبديّ: قوله: لَلَّذِي بِبَكَّةَ قالوا:بكّة:اسم المسجد،و مكّة:اسم الحرم.و قالوا:بكّة:البيت، و مكّة:كلّ القرية.و لمّا فتحت قريش البيت لتعويض أثاثه،رأت حجرا عظيما أسود،مكتوب عليه بالخطّ الأبيض«بكّة بكّة»،و لهذا سمّوا البيت ب(بكّة)،و قالوا:

مكّة و بكّة شيء واحد،ك«لازم،لازب».

و أصل مكّة من الامتكاك،يقال:مكّ الفصيل ضرع أمّه و امتكّه،إذا امتصّه،فكأنّه يجمع أهل الآفاق و يؤلّفهم.(2:214)

الزّمخشريّ: لَلَّذِي بِبَكَّةَ: للبيت الّذي ببكّة، و هي علم للبلد الحرام.

و مكّة و بكّة لغتان فيه،نحو قولهم:النّبيط و النّميط:

في اسم موضع بالدّهناء،و نحوه من الاعتقاب أمر راتب و راتم،و حمّى مغمطة و مغبطة.

و قيل:مكّة:البلد،و بكّة:موضع المسجد،و قيل:

اشتقاقها من بكّة إذا زحمه،لازدحام النّاس فيها.

(1:446)

نحوه البيضاويّ(1:172)،و النّسفيّ(1:170)، و الخازن(1:321)،و الفاضل المقداد(1:258)،

ص: 470

و البروسويّ(2:66).

ابن عطيّة: [نقل أقوال السّابقين ثمّ قال:]

و قال قوم:بكّة:ما بين الجبلين،و مكّة:الحرم كلّه.

(1:474)

أبو البركات: (ببكّة)صلة(الّذى)و تقديره استقرّ ببكّة،و فيه ضمير يعود إلى الموصول.(1:212)

الفخر الرّازيّ: لا شكّ أنّ المراد من(بكة)هو مكّة.

ثمّ اختلفوا،فمنهم من قال:بكّة و مكّة اسمان لمسمّى واحد،فإنّ الباء و الميم حرفان متقاربان في المخرج،فيقام كلّ واحد منهما مقام الآخر،فيقال:هذه ضربة لازم و ضربة لازب،و يقال:هذا دائم و دائب،و يقال:راتب و راتم،و يقال:سمد رأسه،و سبده.

و في اشتقاق(بكّة)وجهان:

الأوّل:أنّه من البكّ:الّذي هو عبارة عن دفع البعض بعضا،يقال:بكّه يبكّه بكّا،إذا دفعه و زحمه.

و تباكّ القوم،إذا ازدحموا.

و الوجه الثّاني:سمّيت(بكّة)لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة،لا يريدها جبّار بسوء إلاّ اندقّت عنقه.[ثمّ ذكر وجه اشتقاق مكّة إلى أن قال:]

و من النّاس من فرّق بين مكّة و بكّة،فقال بعضهم:

إنّ بكّة:اسم للمسجد خاصّة،و أمّا مكّة:فهو اسم لكلّ البلد،قالوا:و الدّليل عليه أنّ اشتقاق بكّة من الازدحام و المدافعة.و هذا إنّما يحصل في المسجد عند الطّواف،لا في سائر المواضع.

و قال الأكثرون: مكّة:اسم للمسجد و المطاف، و بكّة:اسم البلد،و الدّليل عليه أنّ قوله تعالى: لَلَّذِي بِبَكَّةَ يدلّ على أنّ البيت حاصل في بكّة و مظروف في بكّة،فلو كان(بكّة)اسما للبيت،لبطل كون(بكّة)ظرفا للبيت.أمّا إذا جعلنا(بكّة)اسما للبلد،استقام هذا الكلام.(8:156)

نحوه النّيسابوريّ(4:11)،و أبو السّعود(2:5).

ياقوت الحمويّ: (بكّة)هي مكّة:بيت اللّه الحرام،أبدلت الميم باء،و قيل:(بكّة):بطن مكّة.

و قيل:موضع البيت المسجد،و مكّة:ما وراءه.و قيل:

البيت:مكّة،و ما ولاه:بكّة.(1:475)

السّيوطيّ: (بكّة):اسم لمكّة،الباء بدل من الميم.

و قيل:الباء أصل،و مأخذه من«البكّ»لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة،أي تكسرهم،فيذلّون لها و يخضعون.[ثمّ ذكر بعض أقوال السّابقين](4:85)

نحوه الصّابونيّ(1:406)،و مكارم الشّيرازيّ(2:

456)

الآلوسيّ: (بكّة):لغة في مكّة عند الأكثرين، و الباء و الميم تعقب إحداهما الأخرى كثيرا،و منه:نميط و نبيط،و لازم و لازب،و راتب و راتم.

و قيل:هما متغايران،فبكّة:موضع المسجد،و مكّة:

البلد بأسرها،و أصلها من«البكّ»بمعنى الزّحم،يقال:

بكّه يبكّه بكّا،إذا زحمه.

و تباكّ النّاس،إذا ازدحموا،و كأنّها إنّما سمّيت بذلك لازدحام الحجيج فيها.

و قيل:بمعنى الدّقّ،و سمّيت بذلك لدقّ أعناق الجبابرة،إذا أرادوها بسوء،و إذلالهم فيها،و لذا تراهم في الطّواف كآحاد النّاس،و لو أمكنهم اللّه تعالى من

ص: 471

تخلية المطاف لفعلوا.

و قيل:إنّها مأخوذة من بكأت النّاقة أو الشّاة،إذا قلّ لبنها،و كأنّها إنّما سمّيت بذلك لقلّة مائها و خصبها.

قيل:و من هنا سمّيت البلد مكّة أيضا،أخذا لها من:

امتكّ الفصيل ما في الضّرع،إذا امتصّه و لم يبق فيه من اللّبن شيئا.

و قيل:هي من:مكّه اللّه تعالى،إذا استقصاه بالهلاك.

(4:4)

نحوه القاسميّ.(4:894)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(بكّة):أرض البيت، سمّيت بكّة،لازدحام النّاس فيها.و ربّما قيل:إنّ(بكّة) هي مكّة،و إنّه من تبديل الميم باء،كما في قولهم:لازم و لازب،و راتم و راتب،و نحو ذلك.و قيل:هو اسم للحرم،و قيل:المسجد،و قيل:المطاف.(3:350)

محمّد إسماعيل إبراهيم:بكّة:من أعلام القرآن.

(بكّة):هي مكّة في قول أكثر العلماء،على أنّ الباء و الميم متبادلان،مثل:لازب و لازم،و يذهب بعض العلماء إلى أنّ المقصود ب(بكّة):الكعبة و المسجد،و أنّ مكّة:اسم البلد الحرام.

فإذا أخذنا بالرّأي الأوّل،فإنّ مكّة كانت في أوّل أمرها واديا يعرف باسم ذي طوى،و أطلق عليها القرآن بأمّ القرى،و البلد الأمين.

و أوّل من سكنها العمالقة و قبيلة جرهم،جاء إليها خليل الرّحمن إبراهيم عليه السّلام مع زوجته هاجر،حيث أنجب ولده إسماعيل،ثمّ تركها بها،و فجّر اللّه عين زمزم إكراما لإسماعيل،فاجتمع النّاس حولها.

و قد رجع إبراهيم مرّتين إلى مكّة لزيارة ولده و أمّه، و في المرّة الثّانية أمره اللّه تعالى أن يرفع هو و ابنه قواعد البيت،كما حدّث القرآن.

و أوّل من ولي أمر البيت عمرو بن لحيّ من قبيلة خزاعة،و كان سيّدا مطاعا مسموع الكلمة بين العرب، و هو أوّل من غيّر دين إبراهيم؛و ذلك أنّه لمّا خرج إلى الشّام رأى قوما يعبدون الأصنام فأعجبته،فأعطوه بعضا منها،فلمّا رجع إلى مكّة نصبها على الكعبة،فغلبت على العرب عبادتها،و عملوا أصناما أخرى وضعوها حول الكعبة و فوقها،و عبدوها من دون اللّه،و صارت مكّة بلدة مقدّسة.

و شاءت إرادة اللّه أن يجعل مولد نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بها في عام الفيل،و عاش فيها ثلاثا و خمسين سنة من حياته، و قد نزل عليه الوحي بها و هو في سنّ الأربعين،و قضى ثلاث عشرة سنة في مكّة،يدعو قومه للإسلام،فلم تستجب له إلاّ قلّة من المؤمنين المخلصين.

و حاربه أهل مكّة،و آذوه كثيرا،فأوحى إليه ربّه الهجرة من مكّة إلى المدينة؛حيث انتشر منها نور الإسلام ساطعا في جميع أنحاء الجزيرة العربيّة،ثمّ خرج منها لهداية النّاس في المعمورة كافّة،و قد فتحت مكّة في السّنة الثّامنة،و تحطّمت بفتحها الأصنام.

و في السّنة الأخيرة من حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،زار مكّة ليحجّ حجّة الوداع،و يعلّم المسلمين مناسك الحجّ كلّها، و صارت الكعبة من يومها مثابة للنّاس و أمنا.(1:77)

ص: 472

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:دقّ العنق خاصّة،إمعانا في حطّ قدر أحد و كبح عظمته،ثمّ سرى هذا المعنى في كلّ تدافع أو تزاحم بين النّاس و الدّوابّ،يقال:بككت عنقه أبكّه بكّا:دققته ضعة منه،و ردّا لنخوته.و بكّ الشّيء:فسخه و خرقه،و بكّ فلان يبكّ بكّة:زحم، و بكّ صاحبه:زاحمه،و بكّ المرأة:جهدها في الجماع، و بكّ الدّابّة:جهدها في السّير.و بكّ الرّجل:افتقر،و بكّ أيضا:خشن بدنه شجاعة،و تباكّ القوم:ازدحموا و ركب بعضهم بعضا،و تباكّت الإبل:ازدحمت على الماء فشربت.

و يقال أيضا:أحمق باكّ تاكّ،و بائك تائك،و هو الّذي يتكلّم بما لا يدري،أو الّذي لا يدري ما خطؤه و صوابه.و فلان أبكّ بني فلان،إذا كان عسيفا لهم، يسعى في أمورهم.و الأبكّ أيضا:من يبكّ المواشي و غيرها و يرعاها،و كذا الحمر الّتي يبكّ بعضها بعضا، و الشّجر المجتمع،و الرّشاء الغليظ،و العام الشّديد،لأنّه يبكّ الضّعفاء و المقلّين.

2-و ليس البكبكة-أي الازدحام-من هذه المادّة، فهي«فعللة»من(ب ك ب ك)،إلاّ أنّ بينهما اشتقاقا أكبر،يقال منه:بكبك القوم،و قد تبكبكوا،و بكبك الشّيء:طرح بعضه على بعض ككبكبة،و جمع بكباك:

كثير،و رجل بكباك:غليظ أو قصير،و يقال للجارية السّمينة:بكباكة.

3-أمّا«بكّة»فقيل:هي«فعلة»من:بككت الرّجل،إذا رددته و وضعت منه،و سمّيت«بكّة»لأنّها كانت تبكّ أعناق الجبابرة،إذا ألحدوا فيها بظلم،أو لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا في الطّواف أو في الطّرق،أي يدفع بعضهم بعضا بالازدحام،أو يتباكّون فيها من كلّ وجه.

و قيل:هي اسم آخر لبلد مكّة،و الباء مبدلة من الميم،فأصلها من«م ك ك».

و من ذهب إلى القول الأوّل جعل«بكّة»غير مكّة، فقيل:هي ما بين جبلي مكّة،و قيل:موضع الطّواف كالمكّة،و قيل:اسم بطن مكّة،و قيل:ما حول الكعبة من داخل المسجد الحرام،و قيل:بكّة:موضع البيت، و مكّة:سائر البلد.و يردّه ظاهر القرآن الدّالّ على أنّ البيت الحرام يقع في«بكّة»،فهي المدينة و الوادي معا، و ليس موضع البيت خاصّة.و قيل:غير ذلك.

4-و نحن نرجّح القول الثّاني،لأنّنا لم نعثر في منظوم العرب و منثورهم قبل الإسلام على ما يؤيّد القول الأوّل.

ثمّ إنّ إبدال الميم باء أوسع ما أثر عن العرب في هذا المضمار،فهم يقولون في ذلك:صئب من الماء و صئم،أي امتلأ و روي،و عقمة و عقبة،و هو ضرب من الوشيّ، و يقولون:مهلا و بهلا في معنى واحد.

و يبدو أنّ هذا الإبدال لم يقتصر على قبيلة دون أخرى،بل انتهجته العرب قاطبة،أمّا عكس ذلك،أي إبدال الباء ميما،فنراه مختصّا بأهل اليمن،كما أفاد به ابن دريد في الجمهرة(2:186)،و صاحب اللّسان في (ك ح م).

الاستعمال القرآنيّ

ورد لفظ بكّة مرّة واحدة في القرآن:

ص: 473

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ آل عمران:96

يلاحظ أوّلا:أنّ«بكّة»كمكّة استعملت مرّة واحدة في القرآن،و هو قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ الفتح:24،و كذا أغلب أسماء أعلام المواضع و المدن،و هي:بابل و بدر و الجوديّ و حنين و سيناء و سينين و المشعر و الصّفا و عرفات و المسجد الأقصى و المروة و يثرب،إضافة إلى بكّة و مكّة.أمّا سائر أعلام مواضع القرآن فقد جاءت أكثر من مرّة،و هي:طوى و الكعبة و الكهف و مدين و المدينة و مصر.

ثانيا:أنّ«بكّة»كمكّة أيضا وردت في سورة مدنيّة، و كذا أغلب أسماء المواضع،و هي:بابل و بدر و حنين و المشعر و الصّفا و عرفات و الكعبة و المروة و يثرب،رغم أنّ المشاعر في مكّة.

و جاءت مدين في خمس سور مكّيّة و في سورتين مدنيّتين،و طوى في سورتين مكّيّتين،و المدينة في ثلاث سور مدنيّة،و مصر في ثلاث سور مكّيّة.و وردت سائر المواضع في سور مكّيّة فقط،و هي:الجوديّ و سيناء و سينين و الأقصى و الكهف لاحظ هذه الموادّ.

ثالثا:و لكن أسماء أعلام الأشخاص استعملت خلاف أسماء أعلام المواضع في القرآن؛إذ أغلبها ما جاء أكثر من مرّة واحدة،و أنّ ما جاء مرّة واحدة هو مكّيّ، إلاّ خمسة ألفاظ؛حيث وردت في ثلاث سور مدنيّة، و هذا العدد يمثّل ربع المجموع تقريبا،و هو يساوي ما جاء من ألفاظ أعلام المواضع في السّور المكّيّة.

رابعا:إنّ البحث حول«البيت»و كونه أوّل ما وضع للنّاس كمعبد أو كقبلة،و أنّه مبارك و هدى للعالمين، لبحث طويل،نحيله إلى«ب ي ت»،فلاحظ.

ص: 474

ب ك م

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات:3 مكّيّة،3 مدنيّة

في 5 سور:3 مكّيّة،2 مدنيّة

أبكم 1:1 البكم 1:-1

بكم 3:1-2 بكما 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الأبكم:الأخرس الّذي لا يتكلّم.و إذا امتنع الرّجل من الكلام جهلا أو تعمّدا فقد بكم عنه، و قد يقال للّذي لا يفصح:إنّه لأبكم.

و الأبكم في التّفسير،هو الّذي ولد أخرس.

(5:387)

أبو زيد: رجل أبكم،و هو العيّ المفحم،و قد بكم بكما و بكامة.[و قال في موضع آخر:]

الأبكم:الأقطع اللّسان،و هو العييّ بالجواب،الّذي لا يحسن وجه الكلام.(الأزهريّ 10:295)

ابن الأعرابيّ: الأبكم:الّذي لا يعقل الجواب.

(الأزهريّ 10:295)

الّذي لا يسمع و لا يبصر.(النّيسابوريّ 14:100)

أبو حاتم: البكم:آفة تحصل في اللّسان،تمنع من الكلام.(أبو حيّان 1:75)

ثعلب :البكم:أن يولد الإنسان لا ينطق و لا يسمع و لا يبصر.(ابن سيدة 7:72)

ابن دريد :البكم:الخرس،رجل أبكم من قوم بكم،و الأنثى:بكماء.

و قال قوم: لا يسمّى أبكم حتّى يجتمع فيه الخرس و البله.و قد قالوا:بكيم،في معنى:أبكم،و جمعوه:أبكاما و هو أحد ما جاء على«فعيل»فجمع على«أفعال»،و هي قليلة.(1:326)

الأزهريّ: بين الأخرس و الأبكم فرق في كلام العرب؛فالأخرس:الّذي خلق و لا نطق له كالبهيمة العجماء،و الأبكم:الّذي للسانه نطق و هو لا يعقل الجواب،و لا يحسن وجه الكلام.

ص: 475

جمع الأبكم:بكم و بكمان،و جمع الأصمّ:صمّ و صمّان.(10:296)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و بكم عن الكلام:امتنع منه تعمّدا.و يقولون:تبكّم عليه الكلام،أي أرتج عليه.(6:286)

الجوهريّ: رجل أبكم و بكيم،أي أخرس بيّن الخرس.[ثمّ استشهد بشعر](5:1874)

ابن فارس: الباء و الكاف و الميم أصل واحد قليل،و هو الخرس.(1:284)

الطّوسيّ: أصل البكم:الخرس،و قيل:هو الّذي يولد أخرس.(1:89)

و الأبكم:من كان في لسانه آفة تمنعه من الكلام، و قيل:إنّه يولد كذلك.و الخرس قد يكون لعرض يتجدّد.(2:80)

الرّاغب: قال عزّ و جلّ: صُمٌّ بُكْمٌ البقرة:18، جمع أبكم،و هو الّذي يولد أخرس.فكلّ أبكم أخرس و ليس كلّ أخرس أبكم،قال تعالى: وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ النّحل:76.

و يقال:بكم (1)عن الكلام،إذا ضعف عنه لضعف عقله،فصار كالأبكم.(58)

ابن سيدة :البكم:الخرس مع عيّ و بله.و قيل:

هو الخرس ما كان.

و البكيم:الأبكم،و الجمع:أبكام.

و بكم:انقطع عن الكلام جهلا أو تعمّدا.(7:72)

البكم:الخرس.بكم يبكم بكما و بكامة:عجز عن الكلام خلقة،فهو أبكم و بكيم،و الجمع:بكم و بكمان.

و قيل:الأبكم:الّذي له نطق مع عيّ و بله.أو أن يولد و لا ينطق و لا يسمع و لا يبصر.

و تبكّم عليه الكلام:استغلق.(الإفصاح 1:212)

الزّمخشريّ: تكلّم فلان فتبكّم عليه،إذا أرتج عليه.(أساس البلاغة:28)

الطّبرسيّ: أصل البكم:الاعتقال في اللّسان،و هو آفة تمنع من الكلام.(1:55)

ابن الأثير: في حديث الإيمان:«الصّمّ البكم»،هم جمع الأبكم،و هو الّذي خلق أخرس لا يتكلّم،و أراد بهم الرّعاع و الجهّال،لأنّهم لا ينتفعون بالسّمع و لا بالنّطق كبير منفعة،فكأنّهم قد سلبوهما.

و منه الحديث:«ستكون فتنة صمّاء بكماء عمياء» أراد أنّها لا تسمع و لا تبصر و لا تنطق،فهي لذهاب حواسّها لا تدرك شيئا،و لا تقلع و لا ترتفع.

و قيل:شبّهها لاختلاطها،و قتل البريء فيها و السّقيم بالأصمّ الأخرس الأعمى الّذي لا يهتدي إلى شيء،فهو يخبط خبط عشواء.(1:150)

الرّازيّ: رجل أبكم و بكيم،أي أخرس بيّن البكم، و بابه«طرب».(1:75)

الفيّوميّ: بكم يبكم من باب«تعب»فهو أبكم، أي أخرس.

و قيل:الأخرس:الّذي خلق و لا نطق له،و الأبكم:

الّذي له نطق و لا يعقل الجواب،و الجمع:بكم.(1:59)

نحوه مجمع اللّغة.(1:119)م.

ص: 476


1- كذا،و الظّاهر:«بكم»إذ لم يذكر اللّغويّون سوى:بكم و بكم.

الفيروزآباديّ: البكم محرّكة:الخرس كالبكامة، أو مع عيّ و بله،أو أن يولد و لا ينطق و لا يسمع و لا يبصر.

بكم كفرح فهو أبكم و بكيم،الجمع:بكمان و بكم.

و بكم ككرم:امتنع عن الكلام تعمّدا،و انقطع عن النّكاح جهلا أو عمدا.

و تبكّم عليه الكلام:أرتج.(4:82)

العدنانيّ: بكم و بكمان و أبكام.

و يخطّئون من يجمع الأبكم على بكمان،يقولون:إنّ الصّواب هو:بكم،لأنّ القياس هو أن نجمع أفعل فعلاء على«فعل»،و مؤنّث الأبكم هو البكماء.

و لكن:

شذّت كلمة«أبكم»فجمعت على:

1-بكم:جاء في الآية(97)من سورة الإسراء:

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا.

و ممّن ذكر«البكم»أيضا:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الأزهريّ،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

2-و بكمان،الأزهريّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و قد ذكر الوسيط أنّها جمع«بكيم»،و الحقيقة هي أنّ البكم و البكمان هما جمع الأبكم.

أمّا«البكيم»الّذي يحمل معنى الأبكم،فجمعه:

3-أبكام:ابن دريد،و معجم مقاييس اللّغة، مستدرك التّاج،و المدّ،و ذيل أقرب الموارد.

أمّا المتن،فقال إنّ الجمع:أبكام،هو جمع الجمع.

و ممّن ذكر أنّ معنى البكيم كالأبكم:الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و المختار،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.[ثمّ استشهد بشعر]

و أهمل«النّهاية»ذكر البكيم،و اكتفى بذكر الأبكم.

أمّا فعله فهو:

أ-بكم يبكم بكما.

ب-بكم يبكم بكامة:انقطع عن الكلام جهلا،أو تعمّدا فهو:بكيم.(73)

المصطفويّ: [راجع النّصوص التّفسيريّة]

النّصوص التّفسيريّة

ابكم

وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ.... النّحل:76

الزّجّاج: المطبق الّذي لا يسمع و لا يبصر و لا يعقل.

(3:213)

ابن فارس: و كلّ ما في القرآن من«البكم» فالخرس عن الكلام بالإيمان إلاّ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97،و أَحَدُهُما أَبْكَمُ النّحل:76،فالمراد به عدم القدرة على الكلام مطلقا.(الإتقان 2:156)

الطّوسيّ: الّذي يولد أخرس لا يفهم و لا يفهم.

و قيل:إنّه ضرب المثل للوثن مع انهماكهم على

ص: 477

عبادته،و هو بهذه الصّفة.

و قيل:الأبكم هو الّذي لا يمكنه أن يتكلّم.

(6:410)

نحوه الطّبرسيّ(3:374)،و الزّمخشريّ(2:

421)،و البيضاويّ(1:564)،و الكاشانيّ(3:147)، و أبو السّعود(4:80)،و عزّة دروزة(6:85).

النّيسابوريّ: أَحَدُهُما أَبْكَمُ هو النّفس الحيوانيّة الّتي لا تقدر على شيء من العلم و العقل و الإيمان،و هو ثقل على مولى الرّوح المسمّى بالنّفس النّاطقة لا يَأْتِ بِخَيْرٍ لأنّها أمّارة بالسّوء.

(14:104)

الخازن :هو الّذي ولد أخرس،فكلّ أبكم أخرس و ليس كلّ أخرس أبكم.و الأبكم:الّذي لا يفهم و لا يفهم.(4:87)

نحوه الشّربينيّ.(2:251)

البروسويّ: و هو من ولد أخرس،و لا بدّ أن يكون أصمّ.(5:60)

الآلوسيّ: [الّذى]لا استعداد فيه للنّطق،و هو مثل المشرك.(14:210)

المراغيّ: البكم:الخرس،و هو إمّا ناشئ من صمم خلقيّ و إمّا لسبب عارض،و لا علّة في أذنيه،فهو يسمع لكن لسانه معتقل لا يطيق الكلام.

فكلّ من ولد غير سميع فهو أبكم،لأنّ الكلام بعد السّماع،و لا سماع له،و ليس كلّ أبكم يكون أصمّ صمما طبيعيّا،فإنّ بعض البكم لا يكونون صمّا.(14:113)

الطّباطبائيّ: و قوله: أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ أي محروم من أن يفهم الكلام و يفهم غيره بالكلام،لكونه أبكم لا يسمع و لا ينطق،فهو فاقد لجميع الفعليّات و المزايا الّتي يكتسبها الإنسان،من طريق السّمع الّذي هو أوسع الحواسّ نطاقا.

به يتمكّن الإنسان من العلم بأخبار من مضى و ما غاب عن البصر من الحوادث،و ما في ضمائر النّاس، و يعلم العلوم و الصّناعات.

و به يتمكّن من إلقاء ما يدركه من المعاني الجليلة و الدّقيقة إلى غيره،و لا يقوى الأبكم على درك شيء منها إلاّ النّزر اليسير،ممّا يساعد عليه البصر بإعانة من الإشارة.

فقوله: لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مخصّص عمومه بالأبكم،أي لا يقدر على شيء ممّا يقدر عليه غير الأبكم،و هو جملة ما يحرمه الأبكم من تلقّي المعلومات و إلقائها.(12:301)

لاحظ بقيّة النّصوص في«م ث ل»

بكم

1- صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ. البقرة:18

ابن مسعود:هم الخرس.

نحوه ابن عبّاس.(الطّبريّ 1:146)

ابن عبّاس: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عن الخير.

(الطّبريّ 1:146)

يقول:لا يسمعون الهدى،و لا يبصرونه، و لا يعقلونه.(الطّبريّ 1:146)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في رسالة طويلة إلى

ص: 478

أصحابه]

«...فانّ زلق اللّسان فيما يكره اللّه و فيما ينهى عنه مرداة (1)للعبد عند اللّه،و مقت من اللّه و صمّ و عمى و بكم،يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة فيصيروا كما قال اللّه:

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ يعني لا ينطقون، و لا يؤذن لهم فيعتذرون.(العروسيّ 1:36)

الطّبريّ: و إذ كان تأويل قول اللّه جلّ ثناؤه:

ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:17،هو ما وصفنا من أنّ ذلك خبر من اللّه جلّ ثناؤه،عمّا هو فاعل بالمنافقين في الآخرة،عند هتك أستارهم،و إظهاره فضائح أسرارهم،و سلبه ضياء أنوارهم،من تركهم في ظلم أهوال يوم القيامة يتردّدون،و في حنادسها لا يبصرون،فبيّن أنّ قوله جلّ ثناؤه: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ من المؤخّر الّذي معناه التّقديم.

و أنّ معنى الكلام: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ* مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ* أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ البقرة:16-19.

و إذ كان ذلك معنى الكلام،فمعلوم أنّ قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ يأتيه الرّفع من وجهين،و النّصب من وجهين:

فأمّا أحد وجهي الرّفع،فعلى الاستئناف لما فيه من الذّمّ،و قد تفعل العرب ذلك في المدح و الذّمّ،فتنصب و ترفع،و إن كان خبرا عن معرفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الوجه الآخر على نيّة التّكرير من(اولئك)، فيكون المعنى حينئذ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ أولئك صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

و أمّا أحد وجهي النّصب،فأن يكون قطعا ممّا في (مهتدين)،من ذكر(اولئك)لأنّ الّذي فيه من ذكرهم معرفة،و«صمّ»نكرة.

و الآخر أن يكون قطعا من(الّذين)،لأنّ«الّذين) معرفة و«الصّمّ»نكرة،و قد يجوز النّصب فيه أيضا على وجه الذّمّ،فيكون ذلك وجها من النّصب ثالثا.

فأمّا على تأويل ما روينا عن ابن عبّاس من غير وجه رواية عليّ بن أبي طلحة عنه (2)،فإنّه لا يجوز فيه الرّفع،إلاّ من وجه واحد،و هو الاستئناف.

و أمّا النّصب فقد يجوز فيه من وجهين:أحدهما الذّمّ،و الآخر القطع من الهاء و الميم اللّتين في(تركهم)، أو من ذكرهم في(لا يبصرون).

و قد بيّنّا القول الّذي هو أولى بالصّواب في تأويل ذلك،و القراءة الّتي هي قراءة الرّفع،دون النّصب،لأنّه ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين.و إذا قرئ نصبا كانت قراءة مخالفة رسم مصاحفهم.

و هذا خبر من اللّه جلّ ثناؤه عن المنافقين،أنّهم باشترائهم الضّلالة بالهدى،لم يكونوا للهدى و الحقّ مهتدين،بل هم(صمّ)عنهما فلا يسمعونهما،لغلبةس.

ص: 479


1- أي هلاك للعبد.
2- و هو القول الأوّل لابن عبّاس.

خذلان اللّه عليهم،(بكم)عن القيل بهما،فلا ينطقون بهما.-و البكم:الخرس،و هو جمع أبكم-(عمى)عن أن يبصروهما،فيعقلوهما،لأنّ اللّه قد طبع على قلوبهم بنفاقهم،فلا يهتدون.(1:146)

الزّجّاج: رفع على خبر الابتداء،كأنّه قيل:هؤلاء الّذين قصّتهم هذه القصّة صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

و يجوز في الكلام:صمّا بكما عميا،على:و تركهم صمّا بكما عميا،و لكن المصحف لا يخالف بقراءة لا تروى،و الرّفع أيضا أقوى في المعنى،و أجزل في اللّفظ.

فمعنى(بكم)أنّه بمنزلة من ولد أخرس.و يقال:

الأبكم المسلوب الفؤاد،و صمّ و بكم واحدهم:أصمّ و أبكم،و يجوز أن يقع جمع أصمّ:صمّان،و كذلك «أفعل»كلّه يجوز فيه«فعلان»نحو أسود،و سودان.

و معنى سود و سودان واحد،كذلك صمّ و صمّان و عرج و عرجان و بكم و بكمان.(1:93)

القمّيّ: و البكم:الّذي يولد من أمّه أبكم.

(1:34)

الأزهريّ: قال اللّه في صفة الكفّار: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، و كانوا يسمعون و ينطقون و يبصرون،و لكنّهم كانوا لا يعون ما أنزل اللّه و لا يتكلّمون بما أمروا به،فهم بمنزلة الصّمّ البكم العمي.(10:296)

عبد الجبّار:مسألة:قالوا:و قد قال تعالى في وصفهم[المنافقين] صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، و ذلك يدلّ على أنّهم ممنوعون من الإيمان،و إلاّ لم يكن لذلك معنى.

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره يقتضي أنّ المنافقين كانوا بهذه الصّفات أو الكفّار،و معلوم من حالهم أنّهم كانوا بخلافه،و لا شيء أدلّ على فساد المتعلّق بالظّاهر من أن يعلم بالعيان خلافه،لأنّ ذلك يوجب ضرورة صرفه إلى خلاف ظاهره.

و المراد بذلك:أنّهم لمّا لم ينتفعوا بهذه الحواسّ و الآلات فيما خلقت له،و أنعم عليهم بها لأجله،صاروا كأنّهم قد سلبوها،و هذا يكثر في اللّغة أن يقول الواحد و قد بيّن لغيره الشّيء و بالغ فيه:إنّه أصمّ أعمى،و قد طبع على قلبه،و ربّما تجاوزوا ذلك إلى أن قالوا:إنّه ميّت لا يعقل و لا يفهم،و قد قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ النّمل:80،في هذا المعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما شبّهوه بالحمار و البهيمة،لذهابه عن فهم ما أورد عليه.و كلّ ذلك يبيّن صحّة ما قلناه.

ثمّ يقال للقوم:إنّه تعالى وصفهم بذلك على طريقة الذّمّ،و لو كان ذلك حقيقة لما صحّ أن يذمّهم،و قد قال عزّ و جلّ: فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ فنسب ترك الرّجوع إليهم؛و ذلك لا يصحّ لو كان قد منعهم.

(متشابه القرآن 1:58)

القشيريّ: (صمّ)عن سماع دواعي الحقّ بآذان قلوبهم،(بكم)عن مناجاة الحقّ بألسنة أسرارهم، (عمى)عن شهود جريان المقادير بعيون بصائرهم،فهم لا يرجعون عن تماديهم في تهتّكهم،و لا يرتدعون عن انهماكهم في ضلالتهم.

و يقال:(صمّ)عن السّماع بالحقّ،(بكم)عن النّطق بالحقّ،و(عمى)عن مطالعة الخلق بالحقّ.لم يسبق لهم

ص: 480

الحكم بالإقلاع،و لم تساعدهم القسمة بالارتداع.

(1:78)

ابن الشّجريّ: بالغ اللّه سبحانه في ذمّهم [المنافقين]بعدولهم عن الحقّ في قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ و لو كانوا بهذه الأوصاف على الحقيقة لم يكلّفوا فرضا،لأنّ الصّمم:ذهاب السّمع،و البكم هو الخرس.

و إنّما أراد بأنّهم(صمّ)عن استماع الحقّ،(بكم)عن التّكلّم به،(عمى)عن النّظر إلى قائله،فهذا على تشبيههم بمن لحقته آفات في سمعه و لسانه و بصره.[ثمّ استشهد بشعر](1:64)

نحوه الفخر الرّازيّ.(2:76)

الطّبرسيّ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ رفع على خبر مبتدإ محذوف،أي هؤلاء الّذين قصّتهم هذه صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ. (1:56)

المدينيّ: البكم:الخرس،واحدها:أبكم.و قيل:

هم المسلوبو الأفئدة،و الأبكم:الأخرس،مع ضعف العقل.(1:183)

أبو حيّان: [نقل قول أبي حاتم ثمّ قال:]

و قيل:[البكم]الّذي يولد أخرس.

و قيل:الّذي لا يفهم الكلام،و لا يهتدي إلى الصّواب؛فيكون إذ ذاك داء في الفؤاد لا في اللّسان.

(1:75)

قرأ الجمهور (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) بالرّفع،و هو على إضمار مبتدإ،تقديره:هم صمّ،و هي أخبار متباينة في اللّفظ و الدّلالة و الوضعيّة،لكنّها في موضع خبر واحد؛ إذ يؤول معناها كلّها إلى عدم قبولهم الحقّ،و هم سمعاء الآذان فصح الألسن بصراء الأعين،لكنّهم لم يصيخوا إلى الحقّ و لا نطقت به ألسنتهم،و لا تلمّحوا أنوار الهداية، وصفوا بما وصفوا من الصّمم و البكم و العمى.

و قد سمع عن العرب لهذا نظائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا من التّشبيه البليغ عند المحقّقين،و ليس من باب الاستعارة،لأنّ المستعار له مذكور و هم المنافقون.

و الاستعارة إنّما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له، و يجعل الكلام خلوا عنه،صالحا لأن يراد به المنقول عنه و المنقول إليه،لو لا دلالة الحال أو فحوى الكلام.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإخبار عنهم بالصّمم و البكم و العمى هو كما ذكرناه من باب المجاز؛و ذلك لعدم قبولهم الحقّ.

و قيل:وصفهم اللّه بذلك،لأنّهم كانوا يتعاطون التّصامم و التّباكم و التّعامي،من غير أن يكونوا متّصفين بشيء من ذلك،فنبّه على سوء اعتمادهم و فساد اعتقادهم.

و العرب إذا سمعت ما لا تحبّ أو رأت ما لا يعجب طرحوا ذلك،كأنّهم ما سمعوه و لا رأوه،قال تعالى:

كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً لقمان:7، وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ فصّلت:5.

قيل:و يجوز أن يكون أريد بذلك المبالغة في ذمّهم، و أنّهم من الجهل و البلادة أسوأ حالا من البهائم و أشبه حالا من الجمادات الّتي لا تسمع و لا تتكلّم و لا تبصر.

فمن عدم هذه المدارك الثّلاثة كان من الذّمّ في الرّتبة القصوى،و لذلك لمّا أراد إبراهيم على نبيّنا و عليه السّلام المبالغة في ذمّ آلهة أبيه،قال: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً مريم:42.

ص: 481

فمن عدم هذه المدارك الثّلاثة كان من الذّمّ في الرّتبة القصوى،و لذلك لمّا أراد إبراهيم على نبيّنا و عليه السّلام المبالغة في ذمّ آلهة أبيه،قال: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً مريم:42.

و هذه الجملة خبريّة،و لا ضرورة تدعو إلى اعتقاد أنّه خبر أريد به الدّعاء،و إن كان قد قاله بعض المفسّرين،قال:دعاء اللّه عليهم بالصّمم و البكم و العمى جزاء لهم على تعاطيهم ذلك،فحقّق اللّه فيهم ما يتعاطونه من ذلك،و كأنّه يشير إلى ما يقع في الآخرة من قوله:

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97.

و قرأ عبد اللّه بن مسعود و حفصة أمّ المؤمنين: (صمّا بكما عميا) بالنّصب،و ذكروا في نصبه وجوها:

أحدها:أن يكون مفعولا ثانيا ل(ترك)و يكون(فى ظلمات)متعلّقا ب(تركهم)،أو في موضع الحال، و(لا يبصرون)حال.

الثّاني:أن يكون منصوبا على الحال من المفعول في (تركهم)على أن تكون لا تتعدّى إلى مفعولين،أو تكون تعدّت إليهما و قد أخذتهما.

الثّالث:أن يكون منصوبا بفعل محذوف،تقديره:

أعني.

الرّابع:أن يكون منصوبا على الحال من الضّمير في (يبصرون)و في ذلك نظر.

الخامس:أن يكون منصوبا على الذّمّ(صمّا بكما).[ثمّ استشهد بشعر]

و في الوجوه الأربعة السّابقة لا يتعيّن أن تكون الأوصاف الثّلاثة من أوصاف المنافقين،إذ هي متعلّقة في العمل بما قبلها،و ما قبلها الظّاهر أنّه من أوصاف المستوقدين إلاّ أنّ جعل الكلام في حال المستوقد قد تمّ عند قوله: فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ، و كان الضّمير في (نورهم)يعود على المنافقين،فإذ ذاك تكون الأوصاف الثّلاثة لهم.

و أمّا في الوجه الخامس فيظهر أنّها من أوصاف المنافقين،لأنّها حالة الرّفع من أوصافهم،أ لا ترى أنّ التّقدير:هم صمّ،أي المنافقون،فكذلك في النّصب.

و نصّ بعض المفسّرين على ضعف النّصب على الذمّ،و لم يبيّن جهة الضّعف،و وجهه أنّ النّصب على الذّمّ إنّما يكون حيث يذكر الاسم السّابق،فتعدل عن المطابقة في الإعراب إلى القطع،و هاهنا لم يتقدّم اسم سابق تكون هذه الأوصاف موافقة له في الإعراب فتقطع،فمن أجل هذا ضعف النّصب على الذمّ.(1:81)

نحوه الآلوسيّ.(1:161)

ابن القيّم: البكم:جمع أبكم،و هو الّذي لا ينطق.

و البكم نوعان:بكم القلب و بكم اللّسان،كما أنّ النّطق نطقان:نطق القلب و نطق اللّسان.و أشدّهما بكم القلب،كما أنّ عماه و صممه أشدّ من عمى العين و صمم الأذن.فوصفهم اللّه سبحانه بأنّهم لا يفقهون الحقّ، و لا تنطق به ألسنتهم.

و العلم يدخل من ثلاثة أبواب:من سمعه،و بصره، و قلبه.و قد سدّت عليهم هذه الأبواب الثّلاثة،فسدّ السّمع بالصّمم،و البصر بالعمى،و القلب بالبكم.

و نظيره قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الأعراف:179،و قد جمع اللّه سبحانه بين الثّلاثة في قوله: وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ الأحقاف:26.

ص: 482

و نظيره قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الأعراف:179،و قد جمع اللّه سبحانه بين الثّلاثة في قوله: وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ الأحقاف:26.

فإذا أراد سبحانه هداية عبد فتح قلبه و سمعه و بصره،و إذا أراد ضلاله أصمّه و أعماه و أبكمه،و باللّه التّوفيق.(126)

ابن كثير :لا يتكلّمون بما ينفعهم.(1:93)

الشّربينيّ: خرس عن الخير،فلا يقولونه.

و الخرس في الأصل:عدم القدرة على النّطق.(1:28)

البروسويّ: بُكْمٌ: خرس عن الحقّ لا يقولونه لما أبطنوا خلاف ما أظهروا،فكأنّهم لم ينطقوا،و هو آفة في اللّسان لا يتمكّن بها أن يعتمد مواضع الحروف.

(1:67)

رشيد رضا :أي إنّهم فقدوا منفعة السّمع الّذي يؤدّي إلى النّفس ما يلقيه المرشدون إليها من الحجج القاطعة،و الدّلائل النّاصعة،فلا يصيخون إلى وعظ واعظ،و لا يصغون لتنبيه منبّه،«فما أضيع البرهان عند المقلّد».

بل لا يسمعون و إن أصاخوا،و لا يفقهون إن سمعوا، فكأنّهم صمّ لم يسمعوا،و فقدوا منفعة الاسترشاد بالقول و طلب الحكمة من معاهدها،فلا يسألون بيانا، و لا يطلبون برهانا،و فقدوا خير منافع الأبصار،و هو نظر الاستفادة و الاعتبار،فلا يرون ما يحلّ بهم من الفتن فينزجروا،و لا يبصرون ما تتقلّب به أحوال الأمم فيعتبروا.(1:172)

نحوه المراغيّ.(1:59)

2- صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ. البقرة:171

ابن عبّاس: (صمّ)عن الحقّ،(بكم)عن الحقّ، (عمى)عن الهدى،أي يتصاممون و يتباكمون و يتعامون عن الحقّ و الهدى.(23)

أي(صمّ)عن استماع الحجّة،(بكم)عن التّكلّم بها، (عمى)عن الإبصار لها.

مثله قتادة،و السّدّيّ.(الطّوسيّ 2:80)

قتادة :(بكم)عن الحقّ،فلا ينطقون به.

نحوه السّدّيّ(الطّبريّ 2:83)،و الخازن(1:119).

الفرّاء: و قوله:(صمّ بكم...)رفع،و هو وجه الكلام،لأنّه مستأنف خبر،يدلّ عليه قوله: فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ كما تقول في الكلام:هو أصمّ فلا يسمع،و هو أخرس فلا يتكلّم.

و لو نصب على الشّتم مثل الحروف في أوّل سورة البقرة في قراءة عبد اللّه: (و تركهم فى ظلمات لا يبصرون*صمّا بكما عميا) لجاز.(1:100)

الطّبريّ: (بكم)يعني خرس عن قيل الحقّ و الصّواب و الإقرار بما أمرهم اللّه أن يقرّوا به،و تبيين ما أمرهم اللّه تعالى ذكره أن يبيّنوه من أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم للنّاس،فلا ينطقون به و لا يقولونه و لا يبيّنونه للنّاس.

و أمّا الرّفع في قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فإنّه أتاه من قبل الابتداء و الاستئناف،يدلّ على ذلك قوله: فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ كما يقال في الكلام:هو أصمّ لا يسمع،و هو أبكم لا يتكلّم.(2:83)

البغويّ: بكم عن الخير،لا يقولونه.(1:199)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى لمّا شبّههم بالبهائم زاد في

ص: 483

تبكيتهم،فقال: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ لأنّهم صاروا بمنزلة الصّمّ في أنّ الّذي سمعوه،كأنّهم لم يسمعوه،و بمنزلة البكم في أن لا يستجيبوا لما دعوا إليه،و بمنزلة العمي من حيث إنّهم أعرضوا عن الدّلائل،فصاروا كأنّهم لم يشاهدوها.(5:9)

نحوه النّيسابوريّ.(2:66)

طه الدّرّة: يجوز أن تكون هذه الأسماء أخبارا متعدّدة لمبتدإ محذوف،و أن تكون أخبارا لمبتدءات محذوفة،و الجملة الاسميّة الواحدة،أو الجمل المتعدّدة في محلّ نصب حال من واو الجماعة في الآية السّابقة، و الرّابط الضّمير فقط،هذا و الاستئناف ممكن فلا يكون لها محلّ من الإعراب.(1:45)

3- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ...

الأنعام:39

ابن عبّاس: يتباكمون عن الحقّ و الهدى.(109)

قتادة :(صمّ و بكم):هذا مثل للكافر (1)أصمّ أبكم لا يبصر هدى،و لا ينتفع به،صمّ عن الحقّ في الظّلمات، لا يستطيع منها خروجا له،متسكّع فيها.

(الطّبريّ 7:190)

الإمام الباقر عليه السّلام: (صمّ)عن الهدى،(و بكم) لا يتكلّمون بخير.(العروسيّ 1:716)

أبو عبيدة :مثل للكفّار،لأنّهم لا يسمعون الحقّ و الدّين و هم قد يسمعون غيره،(و بكم)لا يقولونه، و هم ليسوا بخرس.(1:191)

الفارسيّ: يجوز أن يكون المعنى صُمٌّ وَ بُكْمٌ في الآخرة،فيكون حقيقة دون مجاز اللّغة.

(القرطبيّ 6:422)

الطّوسيّ: قوله: صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يراد أنّ هؤلاء الكفّار الّذين كذّبوا بآيات اللّه صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ في الآخرة على الحقيقة عقوبة لهم على كفرهم،لأنّه ذكرهم عند ذكر الحشر.

و الثّاني:أن يكون عنى أنّهم صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ في الدّنيا.

فمتى أريد الأوّل كان ذلك حقيقة،لأنّه تعالى لا يمتنع أن يجعلهم صمّا بكما في الظّلمات،يضلّهم بذلك عن الجنّة و عن الصّراط الّذي يسلكه المؤمنون إليها، و يصيّرهم إلى النّار.

و إن أريد به الوجه الثّاني فإنّه يكون مجازا و توسّعا.

و إنّما شبّههم بالصّمّ و البكم الّذين في الظّلمات،لأنّ المكذّبين بآيات اللّه لا يهتدون إلى شيء ممّا ناله المؤمنون من منافع الدّين،و لا يصلون إلى ذلك،كما أنّ الصّمّ البكم الّذين في الظّلمات لا يهتدون إلى شيء من منافع الدّنيا،و لا يصلون إليها،فتشبيههم من هذا الوجه بالصّمّ البكم.(4:139)

البغويّ: لا يسمعون الخير و لا يتكلّمون به.

(2:123)

الزّمخشريّ: (صمّ)لا يسمعون كلام المنبّه،(بكم) لا ينطقون بالحقّ،خابطون في ظلمات الكفر،فهمر.

ص: 484


1- و في الأصل:الكافر.

غافلون عن تأمّل ذلك و التّفكّر فيه.(2:17)

الفخر الرّازيّ: [فيه مباحث راجع«ض ل ل»].

العكبريّ: قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا مبتدأ، و(صمّ)و(بكم)الخبر،مثل حلو حامض؛و الواو لا تمنع ذلك.

و يجوز أن يكون(صمّ)خبر مبتدإ محذوف،تقديره:

بعضهم صمّ،و بعضهم بكم.(1:494)

النّيسابوريّ: [التّأويل](بكم)ألسنة أحوالهم عن إجابة دعوة الحقّ في ظلمات صفات البشريّة و الأخلاق الذّميمة.(7:111)

الخازن :(صمّ)يعني عن سماع الحقّ،(و بكم)يعني عن النّطق به،و المعنى أنّهم في حال كفرهم و تكذيبهم كمن لا يسمع و لا يتكلّم،و لهذا شبّه الكفّار بالموتى،لأنّ الميّت لا يسمع و لا يتكلّم.(2:109)

أبو السّعود: (و بكم):لا يقدرون على أن ينطقوا بالحقّ،و لذلك لا يستجيبون دعوتك بها.(4:380)

مثله البروسويّ.(3:28)

الآلوسيّ: وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الواو للاستئناف و ما بعدها مبتدأ خبره صُمٌّ وَ بُكْمٌ.

و جوّز أن يكون هذا خبر مبتدإ محذوف،أي بعضهم (صمّ)و بعضهم(بكم)،و الجملة خبر المبتدإ،و الأوّل أولى.

و هو من التّشبيه البليغ على القول الأصحّ في أمثاله، أي أنّهم كالصّمّ و كالبكم،فلا يسمعون الآيات سماعا تتأثّر منه نفوسهم،و لا يقدرون على أن ينطقوا بالحقّ، و لذلك لا يستجيبون،و يقولون في الآيات ما يقولون.

و قوله سبحانه: فِي الظُّلُماتِ إمّا خبر بعد خبر للموصول،على أنّه واقع موضع(عمى)،كما في قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ البقرة:18،و وجه ترك العطف فيه دون ما تقدّمه الإيماء إلى أنّه وحده كاف في الذّمّ و الإعراض عن الحقّ،و اختير العطف فيما تقدّم للتّلازم،و قد يترك رعاية لنكتة أخرى.

و إمّا متعلّق بمحذوف وقع حالا من المستكنّ في الخبر،كأنّه قيل:ضالّون خابطين أو كائنين في الظّلمات.

و رجّحت الحاليّة بأنّها أبلغ،إذ يفهم حينئذ أنّ صممهم و بكمهم مقيّد بحال كونهم في ظلمات الكفر أو الجهل و أخويه حتّى لو أخرجوا منها لسمعوا و نطقوا، و عليها لا يحتاج إلى بيان وجه ترك العطف.(7:147)

رشيد رضا :(و بكم):لا ينطقون بما عرفوا من الحقّ و لا يقرّون بما يدعوهم إليه الرّسول،متسكّعون،أو حال كونهم متسكّعين خابطين في تلك الظّلمات الهالكة...

و من نكت البلاغة في الآية أنّ قوله تعالى: صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ في معنى قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ البقرة:18 و 171،فلما ذا سردت الصّفات الثّلاث في البقرة مفصولة،و وصلت كلّها بالعطف في آية:

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:97،و عطفت الثّانية على الأولى هنا دون قوله: فِي الظُّلُماتِ الّذي هو في معنى الثّالثة؟

لم أر لأحد كلاما في الفرق بين هذه الآيات و لكن ذكر في«روح المعاني»أنّ العطف بين«الصّمّ و البكم» لتلازمهما،و تركه فيما بعدهما للإيماء إلى أنّه كاف للإعراض عن الحقّ.

ص: 485

و الّذي يظهر لنا في المقابلة أنّ ترك العطف في آيتي البقرة،لبيان أنّ هذه الصّفات لاصقة بالموصوفين بها مجتمعة في آن واحد.و الأولى منهما في المختوم على قلوبهم الميئوس من إيمانهم من المنافقين و غيرهم.و الثّانية في المقلّدين الجامدين.

و كلّ منهما لا يستمع لدعوة الحقّ عند تلاوة القرآن و غيره،و لا يسأل الرّسول و لا غيره من المؤمنين عمّا يحوك في قلبه و يجول في ذهنه من الكفر و الشّكّ، و لا ينطق بما عساه يعرف من الحقّ،و لا يستدلّ بآيات اللّه المرئيّة في نفسه و لا في الآفاق،فكأنّه أصمّ أبكم أعمى في آن واحد.

و أمّا الآية الّتي نفسّرها فهي في مشركي مكّة،و لم يكونوا كلّهم من المختوم على قلوبهم الميئوس من إيمانهم، و لا من المقلّدين الجامدين الّذين لا ينظرون في شيء من الآيات الإلهيّة المنزلة و المكوّنة،بل كان منهم الجامد على التّقليد و الإعراض عن سماع القرآن حتّى كأنّه أصمّ وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً لقمان:7.

و منهم من يسمع و يعلم أنّها الحقّ،و لكنّه لا ينطق بما يعلم عنادا،فهذان فريقان منفصلان عطف أحدهما على الآخر لبيان هذا الانفصال.(7:402-404)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا...

إلى آخر الآية،يريد تعالى أنّ المكذّبين لآياته محرومون من نعمة السّمع و التّكلّم و البصر،لكونهم في ظلمات لا يعمل فيها البصر،فهم لصممهم لا يقدرون على أن يسمعوا الكلام الحقّ،و أن يستجيبوا له،و لبكمهم لا يستطيعون أن يتكلّموا بالقول الحقّ و يشهدوا بالتّوحيد و الرّسالة،و لإحاطة الظّلمات بهم لا يسعهم أن يبصروا طريق الحقّ فيتّخذوه طريقا.[إلى أن قال:]

و قد تقدّم البحث عن حقيقة معنى ما يصفهم اللّه تعالى به من الصّمم و البكم و العمى و ما يشابه ذلك من الصّفات،و قد عني في الآية بنكتة أخرى،و هي ما يفيده الوصل و الفصل في قوله: صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ حيث ذكر«الصّمم»و هو من أوصافهم،ثمّ ذكر«البكم» و عطفه عليه و هو صفة ثانية،ثمّ ذكر كونهم«في الظّلمات»و لم يعطفها و هي صفة ثالثة.

و بالجملة وصل بعض الصّفات و فصل بعضها،و قد أتى في مثل الآية بحسب المعنى بالفصل،أعني قوله في المنافقين: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ البقرة:18،و في آية أخرى يماثلها بالعطف و هي قوله في الكفّار: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ البقرة:7.

و لعلّ النّكتة في الآية الّتي نحن فيها،أعني قوله:

صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ، الإشارة إلى كون من هم صمّ غير الّذين هم بكم،فالصّمّ هم الجهلاء المقلّدون الّذين يتّبعون كبراءهم فلا يدع لهم ذلك سمعا يسمعون به الدّعوة الحقّة،و البكم هم العظماء المتبوعون الّذين لهم علم بصحّة الدّعوة إلى التّوحيد و بطلان الشّرك،غير أنّهم لعنادهم و بغيهم بكم لا تنطلق ألسنتهم إلى الاعتراف بكلمة الحقّ و الشّهادة بها،و الطّائفتان جميعا تشتركان في أنّهما واقعتان في ظلمة لا يتبصّر فيها إلى الحقّ،و لا يسع غيرهما أن يبصرهما بشيء من

ص: 486

الإشارات،لمكان وقوعهما في الظّلمات،فلا تنجح فيها الإشارة.

و يؤيّد ذلك أنّ الكلام المسرود في الآيات يعمّ الطّائفتين جميعا،كما يشير إليه قوله تعالى في الآيات السّابقة: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ الأنعام:

26،و كذا قوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الأنعام:

37.

هذا في الآية الّتي نحن فيها،و أمّا آية المنافقين صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فالعناية فيها باجتماع جميع هذه الصّفات فيهم في زمان واحد،لانقطاعهم عن رحمة اللّه من كلّ جهة،و أمّا آية الكفّار: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ، فقد تعلّقت العناية فيها بكون ختم السّمع من غير جنس ختم القلوب كما حكاه عنهم في قوله: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،و ربّما وجّهت الآية بغير ذلك من الوجوه.

(7:83)

البكم

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. الأنفال:22

الزّجّاج: يعني به هؤلاء الّذين يسمعون و يفهمون، فيكونون في ترك القبول بمنزلة من لم يسمع و لم يعقل.

(2:409)

ابن عطيّة: قوله: اَلصُّمُّ الْبُكْمُ عبارة عمّا في قلوبهم،و قلّة انشراح صدورهم،و إدراك عقولهم، فلذلك وصفهم بالصّمّ و البكم و سلب العقل.(2:513)

النّيسابوريّ: (البكم)عن كلام الحقّ،و الكلام مع الحقّ؛و الأصمّ لا بدّ أن يكون أبكم فلذلك خصّا بالذّكر.(9:146)

أبو السّعود: الّذين لا ينطقون به وصفوا بالصّمم و البكم،لأنّ ما خلق له الأذن و اللّسان سماع الحقّ و النّطق به،و حيث لم يوجد فيهم شيء من ذلك،صاروا كأنّهم فاقدون للجارحتين رأسا.

و تقديم(الصّمّ)على(البكم)لما أنّ صممهم متقدّم على بكمهم،فإنّ السّكوت عن النّطق بالحقّ من فروع عدم سماعهم له،كما أنّ النّطق به من فروع سماعه.

(3:89)

نحوه الآلوسيّ.(9:188)

و فيه مباحث راجع«ش رر».

بكما

...وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا... الإسراء:97

فيه مباحث راجع«ح ش ر».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البكم،و هو الخرس،يقال:

بكم يبكم بكما و بكامة،و هو أبكم و بكيم،أي أخرس لا ينطق و لا يسمع خلقة،و جمع الأبكم:بكم و بكمان، و الأنثى:بكماء،و جمع البكيم:أبكام.

و استعمل البكم بمعنى العيّ و الامتناع من الكلام

ص: 487

تجوّزا،يقال:بكم عن الكلام يبكم بكامة،أي انقطع عنه جهلا أو تعمّدا فهو أبكم،و تبكّم عليه الكلام:ارتجّ عليه و استغلق،و في الحديث:«ستكون فتنة صمّاء بكماء عمياء»،أي لا تنطق.و منه أيضا:«الصّمّ البكم»:جمع أبكم،و المراد بهم هنا-كما أفاد به ابن الأثير-الرّعاع و الجهّال،لأنّهم لا ينتفعون بالسّمع و لا بالنّطق كبير منفعة،فكأنّهم قد سلبوهما.

2-و زعم بعض أنّ الأصل في«البكم»هو النّطق مع العيّ و البله،و ليس كذلك،و إنّما هو استعمال مجازيّ، و الأصل فيه«الخرس»كما ذكرنا؛إذ البكم يشعر السّامع بحكاية الأصوات الّتي يصدرها الأخرس،فكأنّه صوت يختصّ به.

و إنّ ما يدعم رأينا هذا انفراد حروف هذه المادّة بهذا المعنى فقط،أمّا سائر تقاليبها فهي مهملة.و ممّا يبعث على العجب و الاستغراب مجيء سائر الموادّ الّتي تعني العيّ على هذا الغرار،أي عديمة التّقاليب،و هي:العيّ و الفهاهة و الدّدان و الكلالة و الفدامة و الإفهام،و هذا من نوادر اللّغة و طرائفها.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة ستّ آيات:

1- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ النّحل:76

2- صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ البقرة:18

3- وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ

البقرة:171)

4- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ الأنفال:22

5- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام:39

6- وَ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً الإسراء:97

يلاحظ أوّلا:أنّ«أبكم»جاء مفردا مرّة واحدة في (1)،و جمعا خمس مرّات في(2)إلى(6)،و استعمل المفرد حقيقة،و الجمع مجازا و استعارة دائما؛إذ الأبكم في (1)الّذي لا يتكلّم و لا يقدر على شيء من الكلام و العمل النّاشئ من الكلام،و يقابله الّذي يأمر بالعدل و هو على صراط مستقيم،و لك أن تجعله استعارة، بقرينة وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

أمّا الجمع فأريد به في سائر الآيات الّذين لا يعقلون،فلا يفهمون الحقّ و لا يقرّون به.و ما أصدق قول ابن فارس:«كلّ ما في القرآن من البكم فالخرس عن الكلام بالإيمان إلاّ عميا و بكما و صمّا»،أي أنّ البكم في القرآن هو التّحاشي عن الاعتراف بالحقّ.

و أمّا قول ابن القيّم:«و البكم نوعان:«بكم القلب و بكم اللّسان،كما أنّ النّطق نطقان:نطق القلب و نطق

ص: 488

اللّسان»،فلا يعني أنّ البكم حقيقة في معناه،و هو بكم القلب،و ليس مجازا،بل عنى تنويع البكم معنى و استعمالا،سواء كان حقيقة أو مجازا.

و قد أوّل(2)السّيّد رشيد رضا بقوله:«أي أنّهم فقدوا منفعة السّمع الّذي يؤدّي إلى النّفس ما يلاقيه المرشدون إليها...».و حملها بعضهم على المبالغة في ذمّهم،و أنّهم من الجهل و البلاغة أسوء حالا من البهائم، و أشبه حالا بالجمادات الّتي لا تسمع و لا تتكلّم و لا تبصر.

و لا يخفى أنّ كلّها استعارة و تشبيه للمعقول بالمحسوس،و يدلّ عليه قوله تعالى في(3): فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ، و في(4): اَلَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ.

و يؤيّد ذلك الفخر الرّازيّ في(3):«إنّه تعالى لمّا شبّههم بالبهائم» كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً البقرة:171،زاد في تبكيتهم فقال: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، لأنّهم صاروا بمنزلة الصّمّ في أن الّذي سمعوا كأنّهم لا يسمعوا،و بمنزلة البكم في أن لا يستجيبوا لما دعوا إليه،و بمنزلة العمي من حيث إنّهم أعرضوا عن الدّلائل كأنّهم لا يشاهدونها».

ثانيا:جاء«بكم»وصفا للمنافقين في(2)،و وصفا للكفّار في الباقي،فالكفّار و المنافقون يشتركون في كونهم جميعا«بكم»،و كذلك(صمّ)و(عمى).و هذه كلّها صفات قلبيّة،فالمنافقون شاركوا الكفّار في أوصافهم القلبيّة،و خالفوهم في الأعمال العباديّة،فيظهرون عمل المؤمنين،و يبطنون صفات الكافرين،و هذه هي حقيقة النّفاق.

ثالثا:جاء«البكم»مع(الصّمّ)و(العمى)متوسّطا بينهما،مرفوعا من دون واو العطف مرّتين في(2)و(3):

(صمّ بكم عمى).و جاء(البكم)مرّة بينهما في(6)، منصوبا و معطوفا بالواو،مع تقديم(عميا)و تأخير (صمّا):(عميا و بكما و صمّا).و جاء(البكم)مع (الصّمّ)فقط مرّتين:مرّة معطوفا بالواو في(5)،و أخرى من دون عطف في(4)،و جاءت الثّلاثة نكرة في الجميع إلاّ في(4)فمعرفة«الصّمّ،البكم»فهل في هذه الفروق تفنّن لفظيّ أو تفاوت معنويّ؟

1-الجواب:فيها تفاوت معنويّ كما يأتي:

أمّا عن العطف و عدمه فقد قال السّيّد رشيد رضا:

«إنّ ترك العطف في آيتي البقرة-(2)و(3)-لبيان أنّ هذه الصّفات لاصقة بالموصوفين بها،مجتمعة في آن واحد.و الأولى منهما-(2)-في المختوم على قلوبهم الميئوس من إيمانهم من المنافقين و غيرهم.و الثّانية في المقلّدين الجامدين...»،إلى أن قال:«و كأنّه أصمّ أبكم أعمى في آن واحد.

و أمّا الآية الّتي نتناول تفسيرها-أي(5)-فهي في مشركي مكّة،و لم يكونوا كلّهم من المختوم على قلوبهم الميئوس من إيمانهم،و لا من المقلّدين الجامدين الّذين لا ينظرون في شيء من الآيات الإلهيّة المنزّهة و المكوّنة، بل كان منهم الجامدون على التّقليد و الإعراض عن السّماع...»ثمّ استشهد بآيات،إلى أن قال:«فهذان فريقان منفصلان عطف أحدهما على الآخر لبيان هذا الانفصال».

و تبعه الطّباطبائيّ فقال:«لعلّ النّكتة فيها-أي(5)- الإشارة إلى كون من هم صمّ غير الّذين هم بكم،فالصّمّ

ص: 489

هم الجهلاء المقلّدون الّذين يتّبعون كبراءهم،فلا يدع لهم ذلك سمعا يسمعون به الدّعوة الحقّة،و البكم هم العظماء المتبوعون الّذين لهم علم بصحّة الدّعوة إلى التّوحيد و بطلان الشّرك،غير أنّهم لعنادهم و بغيهم بكم لا تنطق ألسنتهم إلى الاعتراف بكلمة الحقّ و الشّهادة بها.و الطّائفتان جميعا تشتركان في أنّهما واقعتان في ظلمة لا تبصر فيها إلى الحقّ...»،إلى أن قال:

«و أمّا آية المنافقين-أي(2)-فالعناية فيها باجتماع جميع هذه الصّفات فيهم في زمان واحد،لانقطاعهم عن رحمة اللّه من كلّ جهة»،ثمّ بحث حول آية الكفّار خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ، فلاحظ.

و نقول لهذين الإمامين:إنّ الآية(3)جاءت أيضا في شأن المشركين بلا عطف بين الصّفات الثّلاث،إلاّ إنّها مدنيّة،فهل كان فرق بين المشركين في مكّة و في المدينة؟

2-و أمّا وجه النّصب في(6)و الرّفع في غيرها أنّها جاءت في(6)حالا لهم حين يحشرون،و في الباقي خبرا عنهم حين يعيشون في الحياة الدّنيا،فسياق الكلام فيهما أوجب الرّفع و النّصب لا لشيء سواه.

و قد قرئت آية المنافقين(2)بالنّصب أيضا(صمّا بكما عميا)،و حكى أبو حيّان فيها خمسة وجوه،فلاحظ.

3-و أمّا وجه تقديم(الصّمّ)على(البكم)،و تقديم (البكم)على(العمي)في(2)و(3)،و كذا في(4)و(5) من دون(العمي)،فقال الآلوسيّ في(2):«قدّم(الصّمم) لأنّه إذا كان خلقيّا يستلزم(البكم)،و أخّر(العمى)لأنّه كما قيل:شامل لعمى القلب الحاصل من طرق المبصرات و الحواسّ الظّاهرة،و هو بهذا المعنى متأخّر،لأنّه معقول صرف،و لو توسّط حلّ بين العصا و لحائها،و لو قدّم لأوهم تعلّقه ب(لا يبصرون).أو التّرتيب على وفق حال الممثّل له،لأنّه يسمع أوّلا دعوة الحقّ،ثمّ يجيب و يعترف،ثمّ يتأمّل و يتبصّر....».

و نقول:يأتي هذا البحث في نظير قوله تعالى:

وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً الأحقاف:26، لاحظ«ب ص ر».و قد تقدّم هناك أنّ السّمع عند الأطفال أرهف من البصر فيبدأ عمله قبل البصر، و العقل متأخّر عن الحواسّ،لأنّه فعل القلب.و كذا يقال في(صمّ بكم عمى)،فالإنسان يسمع كلاما ثمّ ينطق به ثمّ يبصر مصداقه،فقد جرى الكلام في هذه الآيات حسب ما يقع عادة.

و أمّا(عميا و بكما و صمّا)في(6)،حيث قدّم العمي و أخّر الصّمّ،فالوجه فيها-و اللّه أعلم-أنّها متفرّدة من بين الآيات بحال الكفّار في الآخرة،و هي دار الجزاء وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا، فانعكس التّرتيب كما قلّبوا على وجوههم، حيث بدأ العقاب بالعمى الّذي كان ختم أعمالهم في الدّنيا،و ثنّي بالبكم،و أخّر الصّمم الّذي كان قد بدءوا به في الدّنيا،و البكم متوسّط بينهما في الدّنيا و الآخرة.

و من أجل ذلك جاءت الثّلاثة حالا،و كذلك معطوفة تجسيما و تأكيدا،أي أنّهم محشورون يوم القيامة على وجوههم حال كونهم:عميا و بكما و صمّا.

و الظّاهر أنّها صفات محسوسة بإزاء تلك الصّفات القلبيّة،فهي فيها حقيقة و في غيرها استعارة،أي جزاء

ص: 490

الّذين جعلوا قلوبهم في الدّنيا بسوء أعمالهم صمّا بكما عميا أن يحشروا في الآخرة عمي الأبصار و بكم الألسن و صمّ السّمع،تصديقا لقوله تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى الإسراء:72.

4-و أمّا وجه الاكتفاء في(4)و(5)بالصّمّ البكم من دون العمي،فقد قيل:إنّ(الظّلمات)في(5)سدّت مسدّ«العمى»و قامت مقامه،لأنّ(الظّلمات)تمنع من الإبصار،كما قال تعالى: وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:17.و معلوم أنّ المراد ب(الظّلمات) كالعمى ظلمات القلب،فهؤلاء قلوبهم مظلمة في قبال المؤمنين الّذين في قلوبهم نور الإيمان.

و أمّا الآية رقم(4)فقد سدّ فيها اَلَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ مسدّ العمى،فالجهل هو الظّلمات،كما أنّ العقل نور،و الظّلمات أنواع شتّى،و النّور نوع واحد،كما قال تعالى: اَللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ البقرة:257، لاحظ«ظ ل م»و«ن و ر».

5-و أمّا وجه التّعريف في(4)و التّنكير في غيرها، فهو أنّ(الصّمّ البكم في(4)خبر(انّ شرّ الدّوابّ عند اللّه)و سياقها المبالغة و الحصر و في مثله يؤتى بالخبر معرّفا نظير«زيد العالم»أي إنّ شرّ الدّوابّ عند اللّه هم هؤلاء الصّم البكم المعروفون و المعلمون بذلك بين الأنام.

أمّا سائر الآيات فليس سياقها كذلك،فالتّنكير فيها طبيعيّ و لا سيّما فيها وقعت حالا على أنّ في التّنكير أيضا إيهاما لنوع من التّكثير و التّكبير في هذه الصّفات فلا يعلم مداها إلاّ اللّه.

رابعا:جاء ذيل(2)في شأن المنافقين فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ، و ذيل(3)في شأن الكفّار فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ، و الثّاني واقع موضعه،لأنّها نتيجة تلك الصّفات المستعارة من المحسوس للمعقول،فمن كان أعمى القلب و أبكم و أصمّ عن الحقّ فهو لا يعقل.و أمّا فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ في(2)فلأنّه جاء عقيب آيات النّفاق،و المنافقون آمنوا ثمّ انحرفوا إلى النّفاق،و هم الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:17،فهم كانوا في طريق الهدى ثمّ انحرفوا،فالمطلوب منهم أن يرجعوا إلى ما بدءوا به،و لكنّهم لا يرجعون،لهيمنة الصّمّ و البكم و العمى عليهم.

خامسا:جاءت هذه الصّفات الثّلاث في(6)ملصقة بالإضلال و الهداية وَ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ. و كذلك(الصّمّ و البكم)في(5): مَنْ يَشَأِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، كقرينة على تلك الاستعارة؛ حيث إنّ الهداية و الإضلال واقعان في القلب دون الحواسّ،مع فارق بين الآيتين من جهتين:

1-قدّمت هذه الصّفات على الهداية و الإضلال في (5)لأنّها جاءت في شأن المكذّبين في الدّنيا،فهم حيث اتّصفوا بهذه الصّفات من عند أنفسهم و بسوء أعمالهم، عاقبهم اللّه بالإضلال،و صاروا مصداقا لقوله: مَنْ يَشَأِ اللّهُ يُضْلِلْهُ. و تأخّرت عنهما في(6)لأنّها-كما

ص: 491

تقدّم-وصفهم في الآخرة،و هي نتيجة إضلالهم في الدّنيا،فكلّ من التّقديم و التّأخير وقع في محلّه.

2-قد قدّم«الإضلال»على«الهداية»في(5)و أخّر عنها في(6)بنفس السّبب،فالمكذّبون هم الّذين اتّصفوا بهذه الصّفات،فجلبوا الضّلالة إليهم،فقدّم«الإضلال» على«الهداية»عقابا لهم،خلاف ما يترغّب من اللّه.

و لكنّهما جاءتا في(6)حسب ما يترغّب،لأنّ اللّه هو الهادي بالذّات.و«الإضلال»عقاب جاء من قبل العباد و في نفس الوقت:فكلّ من الآيتين يعطي قانونا إلهيّا، و هو أنّ اللّه يهدي من يشاء،و يضلّ من يشاء،لكنّه لا يضلّ إلاّ من ضلّ نفسه بنفسه،ف«الهداية»كلّها من اللّه نعمة،و«الإضلال»منه عقاب ليس غير،لاحظ«ه د ي»و«ض ل ل».

ص: 492

ب ك ي

اشارة

6 ألفاظ،7 مرّات:5 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 6 سور:5 مكّيّة،1 مدنيّة

بكت 1:1 بكيّا 1:-1

تبكون 1:1 و ليبكوا 1:-1

يبكون 2:2 ابكى 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البكاء ممدود و مقصور،بكى يبكي.

و باكيته فبكيته،أي كنت أبكى منه.(5:417)

أبو زيد: بكيت الميّت و بكّيته كلاهما،إذا بكيت عليه،و أبكيته،إذا صنعت به ما يحمله على البكاء.

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 10:404)

اللّحيانيّ: التّبكاء:البكاء.(ابن سيدة 7:116)

ابن الأعرابيّ: التّبكاء بالفتح:كثرة البكاء.

(ابن سيدة 7:116)

ابن السّكّيت: باب الدّمع.يقال:دمعت عينه تدمع دمعا،و ذرفت تذرف ذرفا و ذريفا،و بكت تبكي بكاء و بكى.(624)

المبرّد: و البكاء يمدّ و يقصر،فمن مدّ،فإنّما جعله كسائر الأصوات،و لا يكون المصدر في معنى الصّوت مضموم الأوّل إلاّ ممدودا،لأنّه يكون على«فعال»،و قلّما يكون المصدر على«فعل»،و قد جاء في حروف نحو:

الهدى و السّرى و ما أشبهه،و هو يسير.

فأمّا الممدود فنحو:العواء و الدّعاء و الرّغاء و الثّغاء، فكذلك البكاء،و نظيره من الصّحيح الصّراخ و النّباح.

و من قصر فإنّما جعل البكاء كالحزن.[ثمّ استشهد بشعر](1:129)

[و في حديث]«كان الفزاريّ بكيّا»يقول:غير قادر على الكلام،و أصل ذلك في الحلب،يقال:ناقة بكيّ، و هي ضدّ الغزيرة،أي قليلة اللّبن،و دهين و صمرد في معنى،يقال:بكأت الشّاة و النّاقة،و بكؤت.[ثمّ

ص: 493

استشهد بشعر](2:67)

ابن دريد :بكى يبكي بكاء،و البكاء يمدّ و يقصر، فمن مدّه أخرجه مخرج الضّغاء و الرّغاء،و من قصره أخرجه مخرج الآفة و الضّنى و ما أشبهه.

و قال قوم من أهل اللّغة: بل هما لغتان فصيحتان.

(3:210)

الأزهريّ: قد بكى الرّجل يبكي فهو باك.و باكيت فلانا فبكيته،إذا كنت أكثر بكاء منه.(10:404)

الصّاحب: و باكيته فبكيته،أي كنت أبكى منه.

و المستبكي:المسترخي،و منه:بكت السّحابة،إذا استرخت عزاليها،و أصل البكاء منه.

و بكّيت الرّجل بالتّشديد،بمعنى بكيته،أي بكيت عليه،و أبكيته،صنعت به ما يبكيه.(6:343)

الخطّابيّ: بكت السّماء،و بكت السّحاب،إذا جاءت بالمطر.(1:672)

الجوهريّ: البكاء يمدّ و يقصر،فإذا مددت أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء،و إذا قصرت أردت الدّموع و خروجها.[ثمّ استشهد بشعر]

و بكيته و بكيت عليه بمعنى.

و باكيته فبكيته،إذا كنت أبكى منه.

و استبكيته و أبكيته بمعنى.

و تباكى:تكلّف البكاء.

و البكيّ: الكثير البكاء،على«فعيل».

و البكيّ على«فعول»:جمع باك،مثل جالس و جلوس،إلاّ أنّهم قلبوا الواو ياء.(6:2284)

نحوه الفيّوميّ.(1:95)

ابن فارس: الباء و الكاف و الواو و الهمزة أصلان:

أحدهما:البكاء،و الآخر:نقصان الشّيء و قلّته.

فالأوّل:بكى يبكي بكاء.[إلى أن قال:]

و الأصل الآخر:قولهم للنّاقة القليلة اللّبن:هي بكيئة،و بكؤت تبكؤ بكاءة ممدودة.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:285)

الثّعالبيّ: في الأشياء الّتي تختلف أسماؤها و أوصافها باختلاف أحوالها،لا يقال:عويل،إلاّ إذا كان معه رفع صوت،و إلاّ فهو بكاء.(51)

ابن سيدة :بكى بكاء،و بكى،قال الخليل من قصره ذهب به إلى معنى الحزن،و من مدّه ذهب به إلى معنى الصّوت.فلم يبال الخليل باختلاف الحركة الّتي بين باء البكى و بين حاء الحزن؛لأنّ ذلك الخطر يسير.و هذا هو الّذي جرّأ سيبويه على أن قال:و قالوا النّضر كما قالوا الحسن،غير أنّ هذا مسكّن الأوسط.إلاّ أنّ سيبويه زاد على الخليل؛لأنّ الخليل مثّل حركة بحركة و إن اختلفتا،و سيبويه مثّل ساكن الأوسط بمتحرّك الأوسط،و لا محالة أن الحركة أشبه بالحركة و إن اختلفتا من السّاكن بالمتحرّك،فقصّر سيبويه عن الخليل،و حقّ له ذلك؛إذ الخليل فاقد للنّظير و عادم للمثيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل باك،و الجمع:بكاة و بكيّ.

و أبكى الرّجل:صنع به ما يبكيه.

و بكّاه على الفقيد:هيّجه للبكاء عليه و دعاه إليه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بكاه بكاء،و بكّاه،كلاهما:بكى عليه و رثاه.[ثمّ

ص: 494

استشهد بشعر](7:115)

البكاء:الصّوت المعبّر به عن الحزن.

و البكى:الحزن،و قيل:الدّموع و خروجها،بكى يبكي بكاء.

و بكى:دمعت عيناه حزنا.و بكى الرّجل،و بكّاه:

بكى عليه،و رثاه.و أبكاه:صنع به ما يبكيه.و التّباكي:

تكلّف البكاء.(الإفصاح 1:655)

الطّوسيّ: و البكاء:جريان الدّموع على الخدّ،عن غمّ في القلب،و إنّما يبكي الإنسان عن فرح يمازجه تذكّر حزن،فكأنّه عن رقّة في القلب يغلب عليها الغمّ.

(9:436)

الرّاغب: بكى يبكي بكا و بكاء،فالبكاء بالمدّ:

سيلان الدّمع عن حزن و عويل،يقال:إذا كان الصّوت أغلب كالرّغاء و الثّغاء،و سائر هذه الأبنية الموضوعة للصّوت.و بالقصر يقال:إذا كان الحزن أغلب.

و جمع الباكي:باكون و بكيّ،قال اللّه تعالى: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58.

و أصل بكيّ«فعول»كقولهم:ساجد و سجود، و راكع و ركوع،و قاعد و قعود،لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو:جاث و جثيّ،و عات و عتيّ.

و بكى يقال:في الحزن،و إسالة الدّمع معا.و يقال:

في كلّ واحد منهما منفردا عن الآخر.(58)

الزّمخشريّ: بكى على الميّت،و بكاه،و بكى له، و بكّى عليه و بكّاه،و فعلت به ما أبكاه و بكّاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و استبكيته فبكى،و باكيته فبكيته:كنت أبكى منه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«لكنّ حمزة لا بواكي له»،و هو من البكّائين.

و من المجاز:بكت السّحابة في أرضهم فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ الدّخان:29.

(أساس البلاغة:28)

الطّبرسيّ: البكاء:حال تقبّض،يظهر عن غمّ في الوجه،مع جري الدّموع على الخدّ.(3:55)

المدينيّ: في الحديث:«فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا»،أي تكلّفوا ذلك،و اجتهدوا فيه.

و بكت السّحابة:استرخت عزاليها،و يمكن أن يكون البكاء منه.

و المستبكي:المسترخي.و بكيته مخفّف و مشدّد،أي بكيت عليه.(1:183)

الفيروزآباديّ: بكى يبكي بكاء و بكى فهو باك.

الجمع:بكاة و بكيّ.

و التّبكاء،و يكسر:البكاء أو كثرته.

و أبكاه:فعل به ما يوجب بكاء،و بكّاه على الميّت تبكية:هيّجه للبكاء.

و بكاه بكاء و بكّاه:بكى عليه و رثاه.

و بكى:غنّى،ضدّ.

و البكى:نبات،الواحدة:بكاة،و ذكر في الهمز.

و البكيّ كرضيّ: الكثير البكاء،و التّباكي:تكلّفه.

و البكّاء ككتّان:جبل بمكّة.(4:306)

الطّريحيّ: و في حديث عليّ للحسن عليهما السّلام:«و ابك على خطيئتك».

ص: 495

قال بعض أهل التّحقيق:و هذا لا يستقيم على ظاهره على قواعد الإماميّة القائلين بالعصمة،و قد ورد مثله كثيرا في الأدعية المرويّة عن أئمّتنا عليهم السّلام.[إلى أن قال:]

و أحسن ما تضمحلّ به الشّبهة،ما أفاده الفاضل الجليل بهاء الدّين عليّ بن عيسى الأربليّ،في كتاب «كشف الغمّة»،قال:

إنّ الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام تكون أوقاتهم مستغرقة بذكر اللّه تعالى،و قلوبهم مشغولة،و خواطرهم متعلّقة بالملإ الأعلى،و هم أبدا في المراقبة،كما قال عليه السّلام:«اعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تره فإنّه يراك».

فهم أبدا متوجّهون إليه،و مقبلون بكلّيّتهم عليه، فمتى انحطّوا عن تلك المرتبة العليّة و المنزلة الرّفيعة،إلى الاشتغال بالمأكل و المشرب،و التّفرّغ إلى النّكاح، و غيره من المباحات،عدّوه ذنبا و اعتقدوه خطيئة، فاستغفروا منه.(1:58)

مجمع اللّغة :بكى كرمى،يبكي بكاء بالمدّ، و بكى بالقصر:سال دمعه فهو باك.و جمع التّكثير منه:

بكيّ،كقاعد و قعود،و عات و عتيّ.

و أبكاه،معدّى بالهمزة:جعله يبكي.

و قد يكنّى بالبكاء عن الحزن و الألم،كما يكنّى بالضّحك عن السّرور.(1:120)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الضّحك،و اختلاف معاني الصّيغ على مقتضى هيئاتها المجرّدة و المزيد فيها.

و أمّا معنى النّقصان و القلّة،فهو غير مربوط بهذه المادّة،بل هو مدلول مادّة البكوء بهمز اللاّم،كما في كتب اللّغة.

ثمّ إنّ البكاء و الضّحك يختلف مفهومهما باختلاف الموارد:ففي الإنسان لا يحتاج إلى البيان،و في سائر الموجودات على ما هو مقتضى سرورها و حزنها، و انبساطها و تأثّرها،أي الحالة الّتي توجد بعد هذه البسطة و القبضة.(1:308)

النّصوص التّفسيريّة

بكت

فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ. الدّخان:29

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا، ألا لا غربة على المؤمن،ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلاّ بكت عليه السّماء و الأرض».ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ، ثمّ قال:إنّهما لا يبكيان على الكافر.(الطّبريّ 25:125)

ما من عبد إلاّ له في السّماء بابان:باب يخرج منه رزقه،و باب يدخل فيه عمله،فإذا مات فقداه و بكيا عليه،و تلا: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ.

(الميبديّ 9:100)

إنّ المؤمن يبكي عليه من الأرض مصلاّه،و موضع عبادته،و من السّماء مصعد عمله.(الميبديّ 9:100)

الإمام عليّ عليه السّلام:بكاؤهما:حمرة أطرافهما.

(القرطبيّ 16:141)

ص: 496

مثله عطاء،و السّدّيّ،و التّرمذيّ.

(القرطبيّ 16:141)

مرّ عليه رجل عدوّ للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ، ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليهما السّلام،فقال:لكنّ هذا لتبكينّ عليه السّماء و الأرض.

و قال:و ما بكت السّماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريّا،و على الحسين بن عليّ.(البحرانيّ 4:161)

نحوه الامام الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 5:65)

النّخعيّ عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرّحبة و هو يتلو هذه الآية: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ، إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليهما السّلام من بعض أبواب المسجد،فقال له:أمّا هذا سيقتل،و تبكي عليه السّماء و الأرض.

(البحرانيّ 4:161)

النّخعيّ قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام فجلس في المسجد،و اجتمع أصحابه حوله،فجاء الحسين صلوات اللّه عليه حتّى قام بين يديه،فوضع يده على رأسه، فقال:يا بنيّ إنّ اللّه عيّر أقواما بالقرآن،فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ، و أيم اللّه لتقتلنّ من بعدي،ثمّ تبكيك السّماء و الأرض.

[و بهذا المعنى روايات أخرى](البحرانيّ 4:161)

ابن عبّاس: أتى ابن عبّاس رجل،فقال:يا ابن عبّاس أ رأيت قول اللّه تبارك و تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ، فهل تبكي السّماء و الأرض على أحد؟

قال:نعم،إنّه ليس أحد من الخلائق إلاّ له باب في السّماء،منه ينزل رزقه،و فيه يصعد عمله،فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السّماء الّذي كان يصعد فيه عمله، و ينزل منه رزقه،بكى عليه،و إذا فقد مصلاّه من الأرض الّتي كان يصلّي فيها،و يذكر اللّه فيها،بكت عليه.و إنّ قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة،و لم يكن يصعد إلى السّماء منهم خير،فلم تبك عليهم السّماء و الأرض.(الطّبريّ 25:125)

إذا قبض اللّه نبيّا من الأنبياء بكت عليه السّماء و الأرض أربعين سنة،و إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السّماء و الأرض طول الدّهر.

و تصديق ذلك:أنّ يوم قتله قطرت السّماء ماء،و أنّ هذه الحمرة الّتي ترى في السّماء ظهرت يوم قتل الحسين، و لم تر قبله أبدا،و أنّ يوم قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدّنيا إلاّ وجد تحته دم.(البحرانيّ 4:162)

أنّهم لم يبك عليهم ما يبكي على المؤمن إذا مات:

مصلاّه و مصعد عمله.(الطّوسيّ 9:233)

سعيد بن جبير: إنّ بقاع الأرض الّتي كان يصعد عمله منها إلى السّماء تبكي عليه بعد موته،يعني المؤمن.

(الطّبريّ 25:125)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 25:125)

مجاهد :تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا.

(الطّبريّ 25:125)

الضّحّاك: لا تبكي السّماء و الأرض على الكافر، و تبكي على المؤمن الصّالح:معالمه من الأرض،و مقرّ

ص: 497

عمله من السّماء.(الطّبريّ 25:126)

الحسن :فما بكى عليهم-حين أهلكهم اللّه-أهل السّماء و أهل الأرض،لأنّهم مسخوط عليهم،مغضوب عليهم،بإنزال الخزي بهم.(الطّوسيّ 9:233)

فما بكى عليهم الملائكة و المؤمنون،بل كانوا بهلاكهم مسرورين.(الزّمخشريّ 3:504)

ابن سيرين: أخبرونا أنّ الحمرة الّتي تكون مع الشّفق،لم تكن حتّى قتل الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما.(القرطبيّ 16:141)

نحوه الشّافعيّ.(البحرانيّ 4:162)

السّدّيّ: لمّا قتل الحسين بن عليّ رضوان اللّه عليهما،بكت السّماء عليه،و بكاؤها حمرتها.

(الطّبريّ 25:124)

الثّوريّ: كان يقال:هذه الحمرة الّتي تكون في السّماء بكاء السّماء على المؤمن.(الآلوسيّ 25:124)

الإمام المهديّ عليه السّلام:[في حديث:]ذبح يحيى كما ذبح الحسين،و لم تبك السّماء و الأرض إلاّ عليهما.

(العروسيّ 4:628)

الطّبريّ: فما بكت على هؤلاء الّذين غرّقهم اللّه في البحر-و هم فرعون و قومه-السّماء و الأرض.

(25:124)

الزّجّاج: لأنّهم ماتوا كفّارا،و المؤمنون إذا ماتوا تبكي عليهم السّماء و الأرض،فتبكي على المؤمن[من] الأرض مصلاّه،أي مكان مصلاّه،و من السّماء مكان مصعد عمله و منزل رزقه.

و جاء في التّفسير أنّ الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحا.(4:426)

نحوه الميبديّ.(9:99)

الشّريف الرضيّ: هذا استعارة.و قد قيل في معناها أقوال:

أحدها:أنّ البكاء هاهنا بمعنى الحزن،فكأنّه تعالى قال:فلم تحزن عليهم السّماء و الأرض بعد هلاكهم و انقطاع آثارهم.و إنّما عبّر سبحانه عن الحزن بالبكاء، لأنّ البكاء يصدر عن الحزن في أكثر الأحوال،و من عادة العرب أن يصفوا الدّار إذا ظعن عنها سكّانها، و فارقها قطّانها:بأنّها باكية عليهم،و متوجّعة لهم،على طريق المجاز و الاتّساع،بمعنى ظهور علامات الخشوع و الوحشة عليها،و انقطاع أسباب النّعمة و الأنسة عنها.

و وجه آخر:و هو أن يكون المعنى:لو كانت السّماوات و الأرض من الجنس الّذي يصحّ منه البكاء لم تبكيا عليهم،و لم تتوجّعا لهم؛إذ كان اللّه سبحانه عليهم ساخطا،و لهم ماقتا.

و وجه آخر:قيل معنى ذلك:ما بكى عليهم من السّماوات و الأرض ما يبكي على المؤمن عند وفاته،من مواضع صلاته و مصاعد أعماله،على ما ورد الخبر به.

و في ذلك وجهان آخران،يخرج بهما الكلام عن طريق الاستعارة:

فأحدهما:أن يكون المعنى:فما بكى عليهم أهل السّماء و الأرض،و نظائر ذلك في القرآن كثيرة.

و الآخر:أن يكون المعنى:أنّه لم ينتصر أحد لهم،و لم يطلب طالب بثأرهم.

و مضى في أشعار العرب:

ص: 498

*بكينا فلانا بأطراف الرّماح*

و بمضارب الصّفاح،أي طلبنا دمه،و أدركنا ثأره.

(تلخيص البيان:181)

الماورديّ: و في بكاء السّماء و الأرض ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه كالمعروف من بكاء الحيوان،و يشبه أن يكون قول مجاهد.

الثّاني:أنّه حمرة أطرافها،قاله عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،و عطاء.

و حكى جرير عن يزيد بن أبي زياد،قال:لمّا قتل الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما،احمرّ له آفاق السّماء أربعة أشهر،و احمرارها بكاؤها.

الثّالث:أنّها أمارة تظهر منها،تدلّ على حزن و أسف.[ثمّ استشهد بشعر](5:253)

الطّوسيّ: قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول الحسن الّذي تقدّم]

الثّاني:إنّ التّقدير:إنّ السّماء و الأرض لو كانتا ممّن يبكي على أحد إذا هلك لما بكتا على هؤلاء،لأنّهم ممّن أهلكهم اللّه بالاستحقاق،و أنزل عليهم رجزا بما كانوا يكفرون.و العرب تقول إذا أرادت أن تعظّم موت إنسان:أظلمت الشّمس و كسف القمر لفقده،و بكت السّماء و الأرض،و إنّما يريدون المبالغة.

الثّالث:[قول ابن عبّاس الّذي مرّ آنفا](9:233)

الرّاغب: قيل:إنّ ذلك على الحقيقة،و ذلك قول من يجعل لهما حياة و علما.

و قيل:ذلك على المجاز،و تقديره:فما بكت عليهم أهل السّماء.(58)

الزّمخشريّ: فيه تهكّم بهم،و بحالهم المنافية لحال من يعظم فقده،فيقال فيه:بكت عليه السّماء و الأرض.

(3:504)

ابن عطية: نفت هذه الآية أن تكون السّماء و الأرض بكت على قوم فرعون،فاقتضى أنّ للسّماء و الأرض بكاء.

و اختلف المتأوّلون في معنى ذلك،فقال عليّ بن أبي طالب و ابن عبّاس و مجاهد و ابن جبير:إنّ الرّجل المؤمن إذا مات بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحا،و بكى عليه من السّماء موضع صعود عمله.

قالوا:فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله،فهذا معنى الآية.

و قال السّدّيّ و عطاء: بكاء السّماء:حمرة أطرافها.

و قالوا:إنّ السّماء احمرّت يوم قتل الحسين بن عليّ، و كان ذلك بكاء عليه،و هذا هو معنى الآية.

و المعنى الجيّد في الآية:أنّها استعارة باهية فصيحة، تتضمّن تحقير أمرهم،و أنّهم لم يتغيّر عن هلاكهم شيء، و هذا نحو قوله تعالى: وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ إبراهيم:46،على قراءة من قرأ (لتزول) بكسر اللاّم و نصب الفعل و جعل«إن»نافية،و مثل هذا المعنى قول النّبيّ عليه السّلام:«لا ينتطح فيها عنزان»فإنّه يتضمّن التّحقير، لكن هذه الألفاظ هي بحسب ما قيلت فيه،و هو قتل المرأة الكافرة الّتي كانت تؤذي النّبيّ عليه السّلام،و عظم قصّة فرعون و قومه يجيء بحسبها جمال الوصف و بهاء العبارة، في قوله: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ، و من نحو هذا أن يعكس قول جرير الكامل:

ص: 499

لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة و الجبال الخشّع

فيقال في التّحقير:مات فلان فما خشعت الجبال، و نحو هذا.(5:73)

الطّبرسيّ: اختلف في معناه على وجوه:

أحدها:[هو قول الحسن الّذي تقدّم]

و ثانيها:أنّه سبحانه أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر،فإنّ العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت:بكاه السّماء و الأرض،و أظلم لفقده الشّمس و القمر.

و ثالثها:أن يكون ذلك كناية عن أنّه لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يرفع منهما إلى السّماء.(5:65)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

الأوّل:قال الواحديّ في«البسيط»:[ثمّ ذكر الرّواية الثّانية المتقدّمة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:]

و ذلك لأنّهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا فتبكي عليهم،و لم يصعد لهم إلى السّماء كلام طيّب،و لا عمل صالح فتبكي عليهم،و هذا قول أكثر المفسّرين.

القول الثّاني:التّقدير:فما بكت عليهم أهل السّماء و أهل الأرض،فحذف المضاف.و المعنى:ما بكت عليهم الملائكة و لا المؤمنون،بل كانوا بهلاكهم مسرورين.

و القول الثّالث:أنّ عادة النّاس جرت بأن يقولوا في هلاك الرّجل العظيم الشّأن،إنّه أظلمت له الدّنيا و كسفت الشّمس و القمر لأجله،و بكت الرّيح و السّماء و الأرض،و يريدون المبالغة في تعظيم تلك المصيبة، لا نفس هذا الكذب.[إلى أن قال:]

و فيه ما يشبه السّخريّة بهم،يعني أنّهم كانوا يستعظمون أنفسهم،و كانوا يعتقدون في أنفسهم أنّهم لو ماتوا لبكت عليهم السّماء و الأرض.فما كانوا في هذا الحدّ،بل كانوا دون ذلك،و هذا إنّما يذكر على سبيل التّهكّم.(27:246)

القرطبيّ: كانت العرب تقول عند موت السّيّد منهم:بكت له السّماء و الأرض،أي عمّت مصيبته الأشياء حتّى بكته السّماء و الأرض و الرّيح و البرق، و بكته اللّيالي الشّاتيات.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذلك على سبيل التّمثيل و التّخييل،مبالغة في وجوب الجزع و البكاء عليه.

و المعنى:أنّهم هلكوا فلم تعظم مصيبتهم،و لم يوجد لهم فقد.

و قيل:في الكلام إضمار،أي ما بكى عليهم أهل السّماء و الأرض من الملائكة،كقوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،بل سرّوا بهلاكهم.و قال سليمان القاضي:مطرنا يوم قتل الحسين.[إلى أن قال:]

و قد تقدّم في«سبحان»عن قرّة بن خالد،قال:

ما بكت السّماء على أحد إلاّ على يحيى بن زكريّا و الحسين ابن عليّ،و حمرتها:بكاؤها.

و قال محمّد بن عليّ التّرمذيّ: البكاء:إدرار الشّيء، فإذا أدرّت العين بمائها قيل:بكت،و إذا أدرّت السّماء بحمرتها قيل:بكت،و إذا أدرّت الأرض بغبرتها قيل:

بكت،لأنّ المؤمن نور و معه نور اللّه،فالأرض مضيئة بنوره،و إن غاب عن عينيك،فإن فقدت نور المؤمن

ص: 500

اغبرّت فدرّت باغبرارها،لأنّها كانت غبراء بخطايا أهل الشّرك،و إنّما صارت مضيئة بنور المؤمن،فإذا قبض المؤمن منها درّت بغبرتها.

و قال أنس: لمّا كان اليوم الّذي دخل فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة أضاء كلّ شيء،فلمّا كان اليوم الّذي قبض فيه، أظلم كلّ شيء،و إنّا لفي دفنه ما نفضنا الأيدي منه حتّى أنكرنا قلوبنا.

و أمّا بكاء السّماء فحمرتها،كما قال الحسن.

و قال نصر بن عاصم: إنّ أوّل الآيات حمرة تظهر، و إنّما ذلك لدنوّ السّاعة،فتدرّ بالبكاء لخلائها من أنوار المؤمنين.و قيل:بكاؤها أمارة تظهر منها،تدلّ على أسف و حزن.

قلت:و القول الأوّل أظهر؛إذ لا استحالة في ذلك.

و إذا كانت السّماوات و الأرض تسبّح و تسمع و تتكلّم -كما بيّنّاه في«سبحان و مريم و حم و فصّلت»-فكذلك تبكي،مع ما جاء من الخبر في ذلك.(16:139)

أبو حيّان: استعارة لتحقير أمرهم،و أنّه لم يتغيّر عن هلاكهم شيء.و يقال في التّعظيم:بكت عليه السّماء و الأرض،و بكته الرّيح،و أظلمت له الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال في التّحقير:مات فلان فما خشعت الجبال.

و نسبة هذه الأشياء لما لا يعقل و لا يصير ذلك منه حقيقة عبارة عن تأثّر النّاس له،أو عن عدمه.

(8:36)

أبو السّعود: مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم، و الاعتداد بوجودهم،فيه تهكّم بهم و بحالهم،المنافية لحال من يعظم فقده،فيقال له:بكت عليه السّماء و الأرض.(5:54)

البروسويّ: مجاز مرسل عن عدم الاكتراث بهلاكهم و الاعتداد بوجودهم،لأنّ سبب البكاء على شيء هو المبالاة بوجوده،يعني أنّه استعارة تمثيليّة بعد الاستعارة المكنيّة في السّماء و الأرض؛بأن شبّهتا بمن يصحّ منه الاكتراث على سبيل الكناية.و أسند البكاء إليهما على سبيل التّخييل.

كانت العرب إذا مات فيهم من له خطر و قدر عظيم، يقولون:بكت عليه السّماء و الأرض،يعني أنّ المصيبة بموته عمّت الخلق،فبكى له الكلّ حتّى الأرض و السّماء.

فإذا قالوا:ما بكت عليه السّماء و الأرض،يعنون به ما ظهر بعده ما يظهر بعد ذوي الأقدار و الشّرف.ففيه تهكّم بالكفّار،و بحالهم المنافية لحال من يعظم فقده، فيقال له:بكت عليه السّماء و الأرض.

و قال بعضهم:هو على حقيقته.[ثمّ ذكر الرّواية الثّانية المتقدّمة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال:]

و روي:إذا مات كافر استراح منه السّماء و الأرض و البلاد و العباد،فلا تبكي عليه أرض و لا سماء.

و في الحديث:«تضرّعوا و ابكوا»فإنّ السّماوات و الأرض و الشّمس و القمر و النّجوم يبكون من خشية اللّه.بكاؤها كبكاء الإنسان و الحيوان،فإنّه ممكن قدرة، كما في«الكواشي».

و قد ثبت أنّ كلّ شيء يسبّح للّه تعالى على الحقيقة، كما هو عند محقّقي الصّوفيّة،فمن الجائز أن يبكي و يضحك بما يناسب لعالمه.(8:413)

ص: 501

نحوه الآلوسيّ.(25:124)

الطّباطبائيّ: بكاء السّماء و الأرض على شيء فائت:كناية تخييليّة عن تأثّرهما عن فوته و فقده،فعدم بكائهما عليهم بعد إهلاكهم:كناية عن هوان أمرهم على اللّه،و عدم تأثير هلاكهم في شيء من أجزاء الكون.

(18:141)

عبد الكريم الخطيب :أي لقد أهلكهم اللّه، و أخذهم بعذابه،فلم يأس عليهم أحد،و لم تبكهم عين، و لم يحزن من أجلهم قلب.بل ذهبوا كما يذهب الوباء، يتنفّس بعده النّاس أنفاس العافية و الرّجاء.

فليس لهؤلاء الهلكى أولياء في السّماء،و لا في الأرض،فهم أعداء اللّه،و أعداء ملائكته،و أعداء رسله،و أعداء الإنسانيّة كلّها.(13:200)

المصطفويّ: أي ما تغيّرت حالهما،و لم يوجد تغيير و لا اختلاف في نظم العالم،و في حركات السّماء و الأرض.(1:309)

يبكون

وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ. يوسف:16

الطّوسيّ: البكاء:جريان الدّمع من العين عند حال الحزن،فكانوا يعلمون أنّ أباهم يحزن،لما جاءوا من خبر يوسف،فبكوا مع بكائه عليه،و في حال خبره لما تصوّروا تلك الحال.

و قيل:إنّهم أظهروا البكاء ليوهموا أنّهم صادقون فيما قالوه.(6:110)

نحوه الطّبرسيّ.(3:217)

السّيوطيّ: قاعدة في الخطاب بالاسم و الخطاب بالفعل.الاسم يدلّ على الثّبوت و الاستمرار،و الفعل يدلّ على التّجدّد و الحدوث،و لا يحسن وضع أحدهما موضع الآخر،نحو: وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ؛ إذ المراد أن يفيد صورة ما هم عليه وقت المجيء،و أنّهم آخذون في البكاء يجدّدونه شيئا بعد شيء،و هو المسمّى حكاية الحال الماضية،و هذا هو سرّ الإعراض عن اسم الفاعل و المفعول.(2:377)

الشّربينيّ: البكاء:جريان الدّمع من العين.

و الآية تدلّ على أنّه لا يدلّ على الصّدق،لاحتمال التّصنّع.(2:95)

الآلوسيّ: أي متباكين،أي مظهرين البكاء بتكلّف،لأنّه لم يكن عن حزن لكنّه يشبهه،و كثيرا ما يفعل بعض الكذّابين كذلك.

أخرج ابن المنذر عن الشّعبيّ قال:جاءت امرأة إلى شريح تخاصم في شيء،فجعلت تبكي،فقالوا:يا أبا أميّة أ ما تراها تبكي؟فقال:قد جاء إخوة يوسف أباهم عشاء يبكون.

و قال الأعمش: لا يصدّق باك بعد إخوة يوسف.

(12:199)

القاسميّ: بيان لمكرهم بأبيهم،بطريق الاعتذار الموهم موته،القاطع عنه متمنّاه،لتنقطع محبّته عنه،و لو بعد حين،فيرجع إليهم بالحبّ الكلّيّ.

و قدموا(عشاء)لكونه وقت الظّلمة المانعة من احتشامه في الاعتذار الكذب،و من تفرّسه من وجوههم الكذب،و أوهموا ببكائهم و تفجّعهم عليه إفراط محبّتهم

ص: 502

له،المانعة من الجرأة عليه.(9:3518)

الطّباطبائيّ: إنّما كانوا يبكون ليلبسوا الأمر على أبيهم،فيصدّقهم فيما يقولون،و لا يكذّبهم.(11:101)

عبد الكريم الخطيب :و تلك أوّل أمارة من أمارات الكذب الّذي جاءوا به:إنّهم جاءوا ملفّقين في ظلام اللّيل،خوفا من أن يفضحهم ضوء النّهار،و يمزّق هذا القناع الزّائف،المموّه بتلك الدّموع الكاذبة،الّتي بلّلوا بها خدودهم.[إلى أن قال:]

ثمّ كان البكاء فضيحة أخرى لهم،إنّه تباك و ليس بكاء،إنّه أصوات ليس فيها حرقة الكبد،و زفرة الصّدر الكليم،و الأذن قادرة على أن تميّز التّباكي من البكاء، و تفرّق بينهما.

و قد عرف يعقوب هذه القصّة الملفّقة من أوّل لقاء ببنيه،و لأوّل كلمة سمعها منهم.(6:1245)

المصطفويّ: إنّهم متوجّهون إلى أنوار الحقيقة و الآيات الإلهيّة،و تجلّي الجلال و العظمة،ثمّ يشاهدون فقر أنفسهم و ضعفهم و قصورهم،و الحجب الّتي فيهم.

(1:309)

يبكوا

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. التّوبة:82

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:في الآخرة،لأنّه يوم مقداره خمسون ألف سنة،و هم فيه يبكون،فصار بكاؤهم كثيرا،و هذا قول الرّبيع بن خثيم.

الثّاني:في النّار على التّأبيد،لأنّهم إذا مسّهم العذاب بكوا من ألمه،و هذا قول السّدّيّ.

و يحتمل أن يريد بالضّحك:السّرور،و بالبكاء:

الغمّ.(2:387)

الرّاغب: إشارة إلى الفرح و التّرح،و إن لم تكن مع الضّحك قهقهة،و لا مع البكاء إسالة دمع.(58)

ابن عطيّة: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً إشارة إلى مدّة العمر في الدّنيا،و قوله: وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً إشارة إلى تأييد الخلود في النّار،فجاء بلفظ الأمر،و معناه الخبر عن حالهم.

و يحتمل أن يكون صفة حالهم،أي هم لما هم عليه من الخطر مع اللّه،و سوء الحال،بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا،و بكاؤهم من أجل ذلك كثيرا،و هذا يقتضي أن يكون وقت الضّحك و البكاء في الدّنيا،على نحو قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لأمّته:«لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، و لضحكتم قليلا».(3:66)

الطّبرسيّ: هذا تهديد لهم في صورة الأمر،أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدّنيا قليلا،لأنّ ذلك يفنى و إن دام إلى الموت،و لأنّ الضّحك في الدّنيا قليل،لكثرة أحزانها و همومها،(و ليبكوا)كثيرا في الآخرة،لأنّ ذلك يوم مقداره خمسين ألف سنة،و هم فيه يبكون،فصار بكاؤهم كثيرا.(3:56)

نحوه القرطبيّ.(8:216)

الفخر الرّازيّ: هذا و إن ورد بصيغة الأمر إلاّ أنّ معناه الإخبار،بأنّه ستحصل هذه الحالة،و الدّليل عليه قوله بعد ذلك: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

ص: 503

و معنى الآية أنّهم و إن فرحوا و ضحكوا في كلّ عمرهم،فهذا قليل،لأنّ الدّنيا بأسرها قليلة،و أمّا حزنهم و بكاؤهم في الآخرة فكثير،لأنّه عقاب دائم لا ينقطع،و المنقطع بالنّسبة إلى الدّائم قليل،فلهذا المعنى قال: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً. (16:150)

نحوه الخازن.(3:106)

القرطبيّ: (و ليبكوا كثيرا)في جهنّم.و قيل:هو أمر بمعنى الخبر،أي إنّهم سيضحكون قليلا،و يبكون كثيرا.(8:216)

أبو السّعود: إخبار عن عاجل أمرهم و آجله،من الضّحك القليل و البكاء الطّويل،المؤدّي إليه أعمالهم السّيئة الّتي من جملتها ما ذكر من الفرح.و الفاء لسببيّة ما سبق،للإخبار بما ذكر من الضّحك و البكاء لا لنفسهما؛ إذ لا يتصوّر السّببيّة في الأوّل أصلا.و(قليلا)و(كثيرا) منصوبان على المصدريّة أو الظّرفيّة،أي ضحكا قليلا و بكاء كثيرا،أو زمانا قليلا و زمانا كثيرا.

و إخراجه في صورة الأمر للدّلالة على تحتّم وقوع المخبر به،فإنّ أمر الآمر المطاع ممّا لا يكاد يتخلّف عنه المأمور به،خلا أنّ المقصود إفادته في الأوّل،هو وصف القلّة فقط،و في الثّاني وصف الكثرة مع الموصوف.

يروى أنّ أهل النّفاق يبكون في النّار عمر الدّنيا لا يرقأ لهم دمع،و لا يكتحلون بنوم.

و يجوز أن يكون«الضّحك»كناية عن الفرح و«البكاء»عن الغمّ،و أن تكون القلّة عبارة عن العدم، و الكثرة عن الدّوام.(3:175)

البروسويّ: و هذا لفظ أمر و معناه خبر،أي يضحكون قليلا و يبكون دائما.[ثمّ نقل كلام أبي السّعود و قال:]

و في الحديث:«يرسل اللّه البكاء على أهل النّار، فيبكون حتّى تنقطع الدّموع،ثمّ يبكون الدّم حتّى ترى وجوههم كهيئة الأخدود».

و يجوز أن يكون«الضّحك»كناية عن الفرح و«البكاء»عن الغمّ،و أن تكون«القلّة»عبارة عن العدم و«الكثرة»عن الدّوام،فيكون وقت الضّحك و البكاء في الآخرة.

و يجوز أن يكون وقتهما في الدّنيا،أي هم لما هم عليه من الخطر مع رسول اللّه و سوء الحال،بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا،و بكاؤهم من أجل ذلك كثيرا.

[إلى أن قال:]

قال ابن عمر رضي اللّه عنهما: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ذات يوم،فإذا قوم يتحدّثون و يضحكون،فوقف و سلّم عليهم،فقال:«أكثروا ذكر هادم اللّذّات»،قلنا:

و ما هادم اللّذّات؟قال:«الموت».(3:476)

الآلوسيّ: [قال نحو ما تقدّم عن أبي السّعود و أضاف:]

كذا قرّره الشّهاب.

ثمّ قال:فإن قلت:الوجوب لا يقتضي الوجود،و قد قالوا:إنّه يعبّر عن الأمر بالخبر للمبالغة لاقتضائه تحقّق المأمور،فالخبر آكد،و قد مرّ مثله،فما باله عكس؟!

قلت:لا منافاة بينهما-كما قيل-لأنّ لكلّ مقام مقالا،و النّكت لا تتزاحم،فإذا عبّر عن الأمر بالخبر، لإفادة أنّ المأمور لشدّة امتثاله كأنّه وقع منه ذلك،

ص: 504

و تحقّق قبل الأمر،كان أبلغ.و إذا عبّر عن الخبر بالأمر، لإفادة لزومه و وجوبه كأنّه مأمور به،أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى.

و قيل:الأمر هنا تكوينيّ،كما في قوله تعالى: إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،و لا يخفى ما فيه.(10:152)

الطّباطبائيّ: تفريع على تخلّفهم عن الجهاد بالأموال و الأنفس،و فرحهم بالقعود عن هذه الفريضة الإلهيّة الفطريّة،الّتي لا سعادة للإنسان في حياته دونها.

و قوله: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ و الباء للمقابلة أو السّببيّة،دليل على أنّ المراد بالضّحك القليل:هو الّذي في الدّنيا فرحا بالتّخلّف و القعود،و نحو ذلك، و بالبكاء الكثير:ما كان في الآخرة في نار جهنّم الّتي هي أشدّ حرّا،فإنّ الّذي فرّع عليه الضّحك و البكاء هو ما في الآية السّابقة،و هو فرحهم بالتّخلّف،و خروجهم من حرّ الهواء إلى حرّ نار جهنّم.

فالمعنى:فمن الواجب بالنّظر إلى ما عملوه و اكتسبوه أن يضحكوا و يفرحوا قليلا في الدّنيا،و أن يبكوا و يحزنوا كثيرا في الآخرة.

فالأمر بالضّحك و البكاء للدّلالة على إيجاب السّبب،و هو ما كسبوه من الأعمال لذلك.

و أمّا حمل الأمر في قوله:(فليضحكوا)و قوله:

(و ليبكوا)على الأمر المولويّ،لينتج تكليفا من التّكاليف الشّرعيّة،فلا يناسبه قوله: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

و يمكن أن يكون المراد:الأمر بالضّحك القليل و البكاء الكثير معا ما هو في الدّنيا،جزاء لسابق أعمالهم، فإنّها هدتهم إلى راحة وهميّة في أيّام قلائل،و هي أيّام قعودهم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ إلى هوان و ذلّه عند اللّه و رسوله و المؤمنين،ما داموا أحياء في الدّنيا،ثمّ إلى شديد حرّ النّار في الآخرة بعد موتهم.(9:359)

عبد الكريم الخطيب :هو وعيد لهؤلاء المنافقين،الّذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه، و قالوا:لا تنفروا في الحرّ.

إنّهم لن يهنأهم هذا الفرح،و لن يطول مقامهم في ظلّ هذه العافية الّتي هم فيها،فما هي إلاّ أيّامهم الباقية لهم في هذه الدّنيا،ثمّ إذا هم في العذاب الأليم الدّائم، لا يفتر عنهم،و هم فيه مبلسون.(5:857)

المصطفويّ: إنّ الإنسان مقيّد و محدود في عالم المادّة،و لازم له أن يعمل بوظائفه الإنسانيّة و الإلهيّة، و يسلك إلى اللّه المتعال،و لا يتلوّن و لا يتلوّث،و لا يغترّ بالحياة الدّنيا و زينتها و مشتهياتها،و هذا المعنى لا يبقي بسطا.(1:309)

ابكى

وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى. النّجم:43

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: بكى آدم على الجنّة أربعين عاما، فقال له جبريل:يا آدم ما يبكيك؟إنّ اللّه بعثني إليك معزّيا،فضحك آدم،فذلك قول اللّه: هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى، فضحك آدم و ضحكت ذرّيّته،و بكى آدم و بكت ذرّيّته.(الدّرّ المنثور 6:130)

مجاهد :أضحك أهل الجنّة،و أبكى أهل النّار في النّار.

ص: 505

مثله الكلبيّ.(الميبديّ 9:369)

الضّحّاك: أضحك الأرض بالنّبات،و أبكى السّماء بالمطر.(الميبديّ 9:369)

الحسن :إنّ اللّه سبحانه هو الخالق للضّحك و البكاء.(الطّبرسيّ 5:182)

عطاء:أي فعل سبب الضّحك و البكاء من السّرور و الحزن،كما يقال:أضحكني فلان و أبكاني.

مثله الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 5:182)

التّستريّ: أضحك المطيع بالرّحمة،و أبكى العاصي بالسّخطة.(الميبديّ 9:370)

الطّبريّ: و أنّ ربّك هو أضحك أهل الجنّة في الجنّة، بدخولهم إيّاها،و أبكى أهل النّار في النّار،بدخولهموها، و أضحك من شاء من أهل الدّنيا،و أبكى من أراد أن يبكيه منهم.(27:74)

التّرمذيّ: أضحك المؤمن في الآخرة،و أبكاه في الدّنيا.(القرطبيّ 17:117)

عبد الجبّار: و أمّا تعلّقهم في المخلوق بقوله:

وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى في أنّه تعالى يخلق الضّحك و البكاء،و أنّ ذلك حكم سائر الأفعال،فبعيد؛و ذلك أنّ ظاهره إنّما يقتضي أنّه أضحك و أبكى،و لم يذكر متى فعل ذلك و فيه (1).و ليس في الكلام ما يوجب ذلك العموم فيحمل عليه،لأنّ هذا القول يصحّ إذا كان ما فعله من الضّحك أقلّ ما يقع الاسم عليه،فهو كقولنا:فلان ضرب،في أنّه لا يقتضي العموم.

و بعد،فلو ثبت أنّه أضحك و أبكى،لم يوجب ذلك في أفعال العباد ما قالوه،لأنّ البكاء الّذي هو إرسال الدّمعة من فعله تعالى،و الضّحك الّذي هو التّفتّح؛قد يجوز أن يكون من فعله،و لا ينافي إضافة الأمرين إليه، ما نقوله:من أنّ العبد فاعل في الحقيقة.

و بعد،فإنّ ذلك يوجب أن يوصف تعالى من كلّ فعل فعله عندهم بمثل ذلك،فيقال:إنّه تعالى جهّل و فسّق و قتل،إلى سائر الأسماء المشتقّة،و لا يرتكب القوم ذلك.

فالمراد بالآية:أنّه تعالى فعل السّبب الّذي عنده وقع منهم ذلك،و أراد ب«الضّحك»ما قالوه من السّرور، و ب«البكاء»خلافه.

و قد قيل:إنّ المراد بذلك العقاب و الثّواب.

(متشابه القرآن 2:633)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:قضى أسباب الضّحك و البكاء.

الثّاني:أنّه أراد بالضّحك:السّرور،و بالبكاء:

الحزن.

الثّالث:أنّه خلق قوّتي الضّحك و البكاء،فإنّ اللّه ميّز الإنسان بالضّحك و البكاء من بين سائر الحيوان، فليس في سائر الحيوان من يضحك و يبكي غير الإنسان.

و قيل:إنّ القرد وحده يضحك و لا يبكي،و إن الإبل وحدها تبكي و لا تضحك.

و يحتمل وجها رابعا:أن يريد بالضّحك و البكاء:

النّعم و النّقم.(5:404)

الطّوسيّ: قيل:(اضحك)بأن فعل سبب ذلك من السّرور و الحزن،كما يقال:أضحكني فلان و أبكاني،إذان.

ص: 506


1- جاء في الهامش:لعلّ الصّواب:فيمن.

كان سبب ذلك بما يقع عنده ضحكي و بكائي.

فعلى هذا الضّحك و البكاء من فعل الإنسان،و قد قال اللّه تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً التّوبة:82،و لو لم يكن من فعلنا لما حسن ذلك.

و قال تعالى: أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ النّجم:59،60،و قال:

فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ المطفّفين:

34،فنسب الضّحك إليهم.[ثمّ نقل قول الحسن و أضاف:]

و الضّحك:تفتّح أسرار الوجه عن سرور و عجب في القلب،فإذا هجم على الإنسان منه ما لا يمكنه دفعه، فهو من فعل اللّه الّذي(اضحك و ابكى).

و البكاء:جريان الدّموع على الخدّ،عن غمّ في القلب،و إنّما يبكي الإنسان عن فرح يمازجه تذكّر حزن، فكأنّه عن رقّة في القلب،يغلب عليها الغمّ.(9:436)

الميبديّ: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى فهذا يدلّ على أنّ كلّ ما يعمله الإنسان فبقضائه و خلقه،حتّى الضّحك و البكاء.

و قيل:معناه أفرح و أحزن،لأنّ الفرح يجلب الضّحك،و الحزن يجلب البكاء.

و سئل طاهر المقدسيّ: أ تضحك الملائكة؟فقال:

ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنّم.

و قيل لعمر:هل كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يضحكون؟قال:نعم و اللّه،و الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرّواسي.

و قال ذو النّون في قوله: أَضْحَكَ وَ أَبْكى أي أضحك قلوب العارفين بشمس معرفته،و أبكى قلوب العاصين بظلمة معصيته.

و قيل:أضحك المؤمن في الآخرة،و أبكاه في الدّنيا.

و أضحك الكافر في الدّنيا،و أبكاه في الآخرة.

(9:369)

الزّمخشريّ: خلق قوّتي الضّحك و البكاء.

(4:34)

مثله أبو السّعود.(6:161)

الطّبرسيّ: [قال نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:معنى الآية أضحك الأشجار بالأنوار،و أبكى السّحاب بالأمطار.(5:182)

الفخر الرّازيّ: أَضْحَكَ وَ أَبْكى لا مفعول لهما في هذا الموضع،لأنّهما مسوقتان لقدرة اللّه،لا لبيان المقدور،فلا حاجة إلى المفعول،يقول القائل:فلان بيده الأخذ و العطاء يعطي و يمنع،و لا يريد ممنوعا و معطى.

اختار هذين الوصفين للذّكر و الأنثى،لأنّهما أمران لا يعلّلان،فلا يقدر أحد من الطّبيعيّين أن يبدي في اختصاص الإنسان بالضّحك و البكاء وجها و سببا.و إذا لم يعلّل بأمر و لا بدّ له من موجد،فهو اللّه تعالى.بخلاف الصحّة و السّقم،فإنّهم يقولون:سببهما اختلال المزاج، و خروجه عن الاعتدال.و يدلّك على هذا أنّهم إذا ذكروا في الضّحك أمرا له الضّحك،قالوا:قوّة التّعجّب، و هو في غاية البطلان،لأنّ الإنسان ربّما يبهت عند رؤية الأمور العجيبة و لا يضحك.

و قيل:قوّة الفرح،و ليس كذلك،لأنّ الإنسان يفرح كثيرا و لا يضحك،و الحزين الّذي عند غاية الحزن

ص: 507

يضحكه المضحك،و كذلك الأمر في البكاء،و إن قيل لأكثرهم علما بالأمور الّتي يدّعيها الطّبيعيّون:إنّ خروج الدّمع من العين عند أمور مخصوصة لما ذا؟لا يقدر على تعليل صحيح،و عند الخواصّ كالّتي في المغناطيس و غيرها ينقطع الطّبيعيّ،كما أنّ عند أوضاع الكواكب ينقطع هو و المهندس الّذي لا يفوّض أمره إلى قدرة اللّه تعالى،و إرادته.(29:18)

القرطبيّ: قيل:أضحك من شاء في الدّنيا بأن سرّه،و أبكى من شاء بأن غمّه.[ثمّ ذكر مثل قول الطّبرسيّ و أضاف:]

و قال بسّام بن عبد اللّه:أضحك اللّه أسنانهم،و أبكى قلوبهم.[ثمّ ذكر الوجه الثّالث الّذي أورده الماورديّ]

(17:117)

أبو حيّان: الظّاهر:حقيقة الضّحك و البكاء.

و قيل:كنّي بالضّحك عن السّرور،و بالبكاء عن الحزن.

و قيل:أحيا بالإيمان،و أبكى بالكفر.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و فيه دسيسة الاعتزال؛إذ أفعال العباد من الضّحك و البكاء و غيرهما مخلوقة للعبد عندهم،لا للّه تعالى، فلذلك قال:خلق قوّتي الضّحك و البكاء.(8:168)

البروسويّ: الضّحك:انبساط الوجه،و تكشّر الأسنان من سرور النفس،و لظهور الأسنان عنده سمّيت مقدّمات الأسنان:الضّواحك.[ثمّ ذكر قول الرّاغب في القسم اللّغويّ و أضاف:]

و المعنى:هو خلق قوّتي الضّحك و البكاء في الإنسان،منهما ينبعث الضّحك و البكاء،و الإنسان لا يعلم ما تلك القوّة.

أو هما كنايتان عن السّرور و الحزن،كأنّه قيل:

أفرح و أحزن،لأنّ الفرح يجلب الضّحك،و الحزن يجلب البكاء،أو عمّا يسرّ و يحزن،و هو الأعمال الصّالحة و الأعمال الطّالحة.

أو أضحك في الدّنيا أهل النّعمة و أبكى أهل الشّدّة و المصيبة،أو أضحك في الجنّة أهلها و أبكى في النّار أهلها،أو أضحك الأرض بالنّبات و أبكى السّماء بالمطر، أو الأشجار بالأنوار و السّحاب بالأمطار،أو القراطيس بالأرقام و الأقلام بالمداد.

أو أضحك القرد و أبكى البعير،أو أضحك بالوعد و أبكى بالوعيد،أو أضحك المطيع بالرّضى و أبكى العاصي بالسّخط،أو أضحك قلوب العارفين بالحكمة و أبكى عيونهم بالحزن و الحرقة،أو أضحك قلوب أوليائه بأنوار معرفته و أبكى قلوب أعدائه بظلمات سخطه.

أو أضحك المستأنسين بنرجس مودّته و ياسمين قربته و طيب شمال جماله،و أبكى المشتاقين بظهور عظمته و جلاله،أو أضحك بالإقبال على الحقّ و أبكى بالإدبار عنه،أو أضحك الأسنان و أبكى الجنان،أو بالعكس.[ثمّ استشهد بأشعار]

أو أضحك بتجلّيه اللّطفيّ الجماليّ القلب المنوّر بنور اللّطف و الجمال،و أبكى بتجلّيه القهريّ الجلاليّ النّفس المظلمة بظلمة القهر و الجلال،أو أضحك بتجلّيه الجلاليّ النّفس على القلب عند استيلاء ظلمة النّفس على القلب،و أبكى بتجلّيه الجماليّ القلب على النّفس عند

ص: 508

غلبة أنوار القلب على النّفس،و في الآية دلالة على أنّ كلّ ما يعمله الإنسان فبقضائه و خلقه،حتّى الضّحك و البكاء.(9:253)

الآلوسيّ: خلق فعلي الضّحك و البكاء،و قال الزّمخشريّ:خلق قوّتي الضّحك و البكاء،و فيه دسيسة اعتزال.

و قال الطّيّبيّ: المراد خلق السّرور و الحزن،أو ما يسرّ و يحزن من الأعمال الصّالحة و الطّالحة،و لذا قرن بقوله تعالى: وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا النّجم:44، و عليه فهو مجاز.

و لا يخفى أنّ الحقيقة أيضا تناسب الإماتة و الإحياء لا سيّما و الموت يعقبه البكاء غالبا،و الإحياء عند الولاد الضّحك.و ما أحسن قوله:

ولدتك أمّك يا ابن آدم باكيا

و النّاس حولك يضحكون سرورا

فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا

في يوم موتك ضاحكا مسرورا

[ثمّ ذكر قول مجاهد و الكلبيّ و الضّحّاك و قال:]

و تقديم الضّمير و تكرير الإسناد للحصر،أي أنّه تعالى فعل ذلك،لا غيره سبحانه.(27:68)

الطّباطبائيّ: أنّه تعالى هو أوجد الضّحك في الضّاحك،و أوجد البكاء في الباكي،لا غيره تعالى.

و لا منافاة بين انتهاء الضّحك و البكاء في وجودهما إلى اللّه سبحانه،و بين انتسابهما إلى الإنسان و تلبّسه بهما، لأنّ نسبة الفعل إلى الإنسان بقيامه به،و نسبة الفعل إليه تعالى بالإيجاد،و كم بينهما من فرق.

و لا أنّ تعلّق الإرادة الإلهيّة بضحك الإنسان مثلا يوجب بطلان إرادة الإنسان للضّحك،و سقوطها عن التّأثير،لأنّ الإرادة الإلهيّة لم تتعلّق بمطلق الضّحك كيفما كان،و إنّما تعلّقت بالضّحك الإراديّ الاختياريّ،من حيث إنّه صادر عن إرادة الإنسان و اختياره.

فإرادة الإنسان سبب لضحكه،في طول إرادة اللّه سبحانه،لا في عرضها،حتّى تتزاحما و لا تجتمعا معا، فنضطرّ إلى القول:بأنّ أفعال الإنسان الاختياريّة مخلوقة للّه،و لا صنع للإنسان فيها،كما يقوله الجبريّ.أو أنّها مخلوقة للإنسان،و لا صنع للّه سبحانه فيها،كما يقوله المعتزليّ.

و ممّا تقدّم يظهر فساد قول بعضهم:إنّ معنى الآية أنّه خلق قوّتي الضّحك و البكاء،و قول آخرين:إنّ المعنى أنّه خلق السّرور و الحزن،و قول آخرين:إنّ المعنى أنّه أضحك الأرض بالنّبات و أبكى السّماء بالمطر، و قول آخرين:إنّ المعنى أنّه أضحك أهل الجنّة و أبكى أهل النّار.(19:48)

بكيّا

إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا.

مريم:58

الإمام السّجّاد عليه السّلام: نحن عنينا بها إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا خشية من اللّه و إخباتا له.[و هذا تأويل](الكاشانيّ 3:286)

الطّبريّ: يقول:خرّوا سجّدا و هم باكون.

و البكيّ: جمع باك،كما العتيّ:جمع عات،و الجثيّ:

ص: 509

جمع جاث،فجمع و هو«فاعل»على«فعول»كما يجمع القاعد قعودا و الجالس جلوسا،و كان القياس أن يكون:

و بكوّا و عتوّا،و لكن كرهت الواو بعد الضّمّة،فقلبت ياء،كما قيل:في جمع دلو:أدل،و في جمع البهو:أبه، و أصل ذلك«أفعل»أدلو و أبهو،فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد الضمّة استثقالا.

و في ذلك لغتان مستفيضتان،قد قرأ بكلّ واحدة علماء من القرّاء بالقرآن(بكيّا)و عتوّا بالضّمّ،و(بكيّا) و عتيّا بالكسر،و قد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه.

قرأ عمر بن الخطّاب سورة مريم،فسجد و قال:هذا السّجود،فأين البكيّ:يريد:فأين البكاء.(16:98)

الزّجّاج: قد بيّن اللّه سبحانه أنّ الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات اللّه عزّ و جلّ سجدوا و بكوا،من خشية اللّه.

و(بكيّا):جمع باك،مثل شاهد و شهود و قاعد و قعود،و(سجّدا)حال مقدّرة المعنى:خرّوا مقدّرين السّجود،لأنّ الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا، و(سجّدا)منصوب على الحال.

و من قال:(بكيّا)هاهنا مصدر فقد أخطأ،لأنّ (سجّدا)جمع ساجد،و(بكيّا)عطف عليه،و يقال:بكى بكاء و بكيّا.(3:335)

القيسيّ: انتصبا جميعا على الحال،و تكون(بكيّا):

جمع باك.و قيل:(بكيّا)نصب على المصدر،و ليس بجمع باك،تقديره:خرّوا سجّدا و بكوا بكيّا.

و أصله في الوجهين:«بكويا»على«فعول»،ثمّ أدغمت الواو في الياء،و كسر ما قبلها،ليصحّ سكون الياء،و لأنّه أخفّ.

و قد كسر الكسائيّ و غيره من القرّاء الياء،ليتبع الكسر الكسر،و ليكون أخفّ على اللّسان،مثل «عتيّا».(2:59)

نحوه أبو البركات.(2:128)

الماورديّ: أي(سجّدا)للّه،و(بكيّا):جمع باك، ليكون السّجود رغبة و البكاء رهبة.

و قد روي في الحديث:فهذا السّجود فأين البكاء؟ يعني هذه الرّغبة فأين الرّهبة؟لأنّ الطّاعة لا تخلص إلاّ بالرّغبة و الرّهبة.(3:378)

الطّوسيّ: أي سجدوا له تعالى و بكوا،و بكيّ:

جمع باك،و نصبهما على الحال،و تقديره:خرّوا ساجدين باكين،و بكيّ«فعول»و يجوز أن يكون جمع باك على «فعول»،و يجوز أن يكون مصدرا بمعنى البكاء.

(7:135)

الزّمخشريّ: البكيّ:جمع باك،كالسّجود و القعود في جمع ساجد و قاعد.[ثمّ ذكر روايات في فضيلة البكاء و السّجدة عند قراءة الآية](2:514)

ابن عطيّة: قرأ عمر بن الخطّاب و الجمهور (بُكِيًّا) قالت فرقة:هو جمع باك كما يجمع جاث و عاث على عثيّ و جثيّ،و قالت فرقة:هو مصدر بمعنى البكاء،التّقدير:

و بكوا«بكيّا».

و احتجّ الطّبريّ و مكيّ لهذا القول بأنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه روي أنّه قرأ سورة مريم فسجد، ثمّ قال:«هذا السّجود فأين البكيّ»يعني البكاء.

و احتجاجهم بهذا فاسد،لأنّه يحتمل أن يريد عمر

ص: 510

رضي اللّه عنه:«فأين الباكون»،فلا حجّة فيه لهذا.و هذا الّذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قرأ ابن مسعود و يحيى و الأعمش (و بكيّا) بكسر الباء،و هو مصدر على هذه القراءة،لا يحتمل غير ذلك.

(4:22)

الطّبرسيّ: أي باكين متضرّعين إليه.بيّن اللّه سبحانه إنّهم مع جلالة قدرهم كانوا يبكون عند ذكر آيات اللّه،و هؤلاء العصاة ساهون لاهون مع إحاطة السّيّئات بهم.(3:519)

القرطبيّ: وصفهم بالخشوع للّه و البكاء.و قد مضى في«سبحان» (1).(11:120)

أبو حيّان: و البكيّ:جمع باك،كشاهد و شهود، و لا يحفظ فيه جمعه المقيس،و هو«فعله»كرام و رماة، و القياس يقتضيه.

و قرأ الجمهور (بُكِيًّا) بضمّ الباء،و عبد اللّه و يحيى و الأعمش و حمزة و الكسائيّ بكسرها،اتّباعا لحركة الكاف كعصيّ و دليّ،و الّذي يظهر أنّه جمع لمناسبة الجمع قبله.

و قيل:و يجوز أن يكون مصدر البكاء بمعنى بكاء و أصله:بكوّ،و كجلس جلوسا.

و قال ابن عطيّة: (و بكيّا)بكسر الباء،و هو مصدر، لا يحتمل غير ذلك.انتهى.

و قوله ليس بسديد،لأنّ إتباع حركة الكاف لا تعيّن المصدريّة،أ لا تراهم قرءوا (جِثِيًّا) بكسر الجيم:جمع جاث،و قالوا:عصيّ،فأتبعوا.(6:200)

البروسويّ: باكين:جمع باك،و أصله:بكويا، و المعنى أنّ الأنبياء قبلكم مع ما لهم من علوّ الرّتبة،في شرف النّسب و كمال النّفس،و الزّلفى من اللّه تعالى،كانوا يسجدون و يبكون لسماع آيات اللّه،فكونوا مثلهم.

قال في«التّأويلات النّجميّة»:(خرّوا)بقلوبهم على عتبة العبوديّة(سجّدا)بالتّسليم للأحكام الأزليّة، (و بكيّا)بكاء السّمع بذوبان الوجود،على نار الشّوق و المحبّة،انتهى.(5:343)

الآلوسيّ: (سجّدا):جمع ساجد،و كذا(بكيّا):

جمع باك،كشاهد و شهود،و أصله(بكوي)اجتمعت الواو و الياء،و سبقت إحداهما بالسّكون،فقلبت الواو ياء،و أدغمت الياء في الياء،و حرّكت الكاف بالكسر لمناسبة الياء.و جمعه المقيس«بكاة»كرام و رماة،إلاّ أنّه لم يسمع على ما في«البحر»،و هو مخالف لما في «القاموس»و غيره.

و جوّز بعضهم أن يكون مصدر«بكيّ»ك«جلوسا» مصدر جلس،و هو خلاف الظّاهر.[إلى أن قال:]

و زعم ابن عطيّة أنّ ذلك متعيّن في قراءة عبد اللّه و يحيى و الأعمش و حمزة و الكسائيّ (بكيّا) بكسر أوّله.

و ليس كما زعم،لأنّ ذلك إتباع،و ظاهر أنّه لا يعيّن المصدريّة،و نصب الاسمين على الحاليّة من ضمير (خرّوا)،أي ساجدين و باكين.و الأوّل حال مقدّرة،كما قال الزّجّاج.(16:108)

المصطفويّ: السّجّد:جمع ساجد،و البكيّ على «فعول»جمع باك،و الجملة خبر للّذين في صدر الآية.

و يحتمل أن يكون الخرور(سجّدا و بكيّا)كناية عن1.

ص: 511


1- راجع القرطبيّ 10:341.

كمال الخضوع و الخشوع،فإنّ السّجدة ممثّل لكمال الخضوع،و البكاء لكمال الخشوع.

و الأنسب على هذا أن يكون المراد بالآيات و تلاوتها ذكر مطلق ما يحكي شأنا من شئونه تعالى.

(14:77)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البكى و البكاء،مقصورا و ممدودا،و هو سيلان الدّمع مع الصّوت أو الحزن، فذهب الخليل إلى أنّ البكى:الحزن،و البكاء:الصّوت، يقال:بكى الرّجل يبكي بكاء و بكى فهو باك،و الجمع:

بكاة و بكيّ،و البكيّ:الكثير البكاء.

و بكيت الميّت و بكيت عليه،و أبكيت الرّجل و استبكيته:صنعت به ما يحمله على البكاء،و باكيته فبكيته:كنت أكثر منه بكاء،و تباكى:تكلّف البكاء،و في الحديث:«فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا».

و من المجاز:بكت السّماء و بكت السّحاب،أي جادتا بالمطر،و قد جوّز المدينيّ أن يكون هذا أصلا برأسه و البكاء مشتقّ منه،و هذا بعيد.

2-أمّا قولهم:ناقة بكيّ و بكيّة،أي قليلة اللّبن، و رجل بكيّ،أي قليل الكلام،فهو من«ب ك أ»؛إذ أصله«بكيء»و«بكيئة»،فسهّلوا الهمزة،مثل:بذيء و بذ،و بارئ و باري،و جاء الفعل«بكى»مقصورا في سائر اللّغات السّاميّة أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

و فيها سبع آيات:

1- فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ الدّخان:29

2- أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ النّجم:59،60

3- وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ يوسف:16

4- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً

الإسراء:109

5- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:82

6- وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى* وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا النّجم:43

7- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58

يلاحظ أوّلا:أنّ ثلاثا منها(2)و(5)و(6)جاء فيها الضّحك مع البكاء،فيبدو أنّهما متناقضان،و هما كذلك لو كانا بمعنى الفرح و الحزن،كما في هذه الآيات.أمّا لو جاءا بمعناهما اللّغويّ فلهما حالة ثالثة،ليس فيها بكاء و لا ضحك،و هي حالة السّكون و عدم الإحساس المفرط،فكلا البكاء و الضّحك ناشئ من إحساس شديد و تعجّب،كما قال في(2):(تعجبون و تضحكون).

ثانيا:أنّ البكاء في(3)و(4)و كذا في(7)حقيقة، و في(1)مجاز،فإنّ نسبة البكاء إلى السّماء و الأرض

ص: 512

استعارة،و قد وجّهها الشّريف الرّضيّ بوجوه،فلاحظ.

ثمّ أضاف إليها وجهين آخرين،يخرج بهما الكلام من طريق الاستعارة حسب تعبيره،و إن لم يخرج من طريق المجاز:

أحدهما:فما بكى عليهم أهل السّماء و الأرض،و هو مجاز بالحذف.و ثانيها:أنّه لم ينتصر أحد لهم،و لم يطلب طالب بثأرهم،كما قالت العرب:بكينا فلانا بأطراف الرّماح،أي طلبنا دمه،و أدركنا ثأره،و هذا كناية.

و لا ننسى تلك الرّوايات الكثيرة الّتي تحكي أنّ السّماء و الأرض تبكيان على المؤمن بنحو من الأنحاء، لأنّ لهما شعورا و تسبيحا.و حينئذ فالبكاء بمعنى الحزن دون إراقة الدّمع،و علامته-كما جاء فيها-الحمرة في آفاق السّماء،و اللّه أعلم.

ثالثا:بكاء إخوة يوسف في(3)عند أبيهم كذب، و تظاهر منهم بحزنهم على ذهاب يوسف من أيديهم، و بكاء المؤمنين حين يستمعون القرآن في(4)و(7) اعتراف منهم بأنّه حقّ و خضوع منهم للّه تعالى،و قد قورن فيهما ب يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ و خَرُّوا سُجَّداً، و هذا يشعر بنهاية الخضوع،و قد ذكر(سجّدا)في(7) و قدّر في(4)،و انعكس الأمر في(الاذقان)،فذكر في(4) و قدّر في(7)،و هذا نوع من البديع.

فالمراد في الآيتين يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً كما جاء في سورة الإسراء:107، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً.

رابعا:قال الآلوسيّ في هذه الآية:«و الظّاهر أنّ هنا (خرورا)و(سجودا)على الحقيقة،و قيل:لا شيء من ذلك،و إنّما المقصود أنّهم ينقادون لما سمعوا و يخضعون له كمال الانقياد و الخضوع،فأخرج الكلام على سبيل الإشارة التّمثيليّة».ثمّ بحث حول الخرور و الأذقان، لاحظ«خ ر ر»و«ذ ق ن».

خامسا:أنّ(سجّدا و بكيّا)في(7)حالان ل(خرّوا)، و«بكيّ»على وزن«فعول»،و هو جمع باك،مثل:

جالس و جلوس،و ساجد و سجود،و«السّجّد»جمع آخر لساجد،مثل:ركّع جمع راكع.

سادسا:هناك نوعان من المحسّنات المعنويّة في آيتين،منها:(5)و(6)،و هما المقابلة و الطّباق:

1- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً؛ حيث أتى بالضّحك و القلّة المتوافقين،ثمّ بالبكاء و الكثرة المقابلين لهما،و هذا يسمّى المقابلة بين اثنين اثنين،و هي من أقسام الطّباق.«لاحظ المطوّل».

2- وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى* وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا. و هذا طباق بين اثنين اثنين متضادّين،أو قل:

طباقان متواليان.

ص: 513

ص: 514

ب ل د

اشارة

5 ألفاظ،19 مرّة:17 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 15 سورة:13 مكّيّة،2 مدنيّتان

بلد 3:3 البلد 5:5

بلدة 5:5 البلاد 5:4-1

بلدا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البلد:كلّ موضع مستحيز من الأرض، عامر أو غير عامر،خال أو مسكون.و الطّائفة منه:

بلدة،و الجميع:البلاد.

و البلد:اسم يقع على الكور.

و البلد:المقبرة،و يقال:هو نفس القبر،و ربّما عني بالبلد:التّراب.

و بيضة البلد:بيضة تتركها النّعامة في قيّ (1)من البلاد،و يقال:هو أذلّ من بيضة البلد.

و قوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ البلد:1،يعني مكّة نفسها.

و بلدة النّحر الثّغرة:و ما حواليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البلدة:موضع لا نجوم فيه،بين النّعائم و سعد الذّابح،ليس فيه كواكب عظام تكون علما،و هي من منازل القمر،و هي من آخر البروج،سمّيت بلدة و هي من برج القوس،خالية إلاّ من كواكب صغار.

و البلدة:بلجة ما بين الحاجبين.

و البلادة:نقيض النّفاذ و المضاء في الأمر.

و رجل بليد،إذا لم يكن ذكيّا،و فرس بليد،إذا تأخّر عن الخيل السّوابق،و قد بلد بلادة.

و التّبلّد:نقيض التّجلّد،و هو من الاستكانة و الخضوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و بلّد الرّجل،أي نكّس،و ضعف في العمل و غيره،

ص: 515


1- أي بعد.

حتّى في الجود.[ثمّ استشهد بشعر]

و المبالدة:كالمبالطة بالسّيوف و العصيّ،إذا اجتلدوا بها على الأرض،و يقال:اشتقّ من بلاد الأرض.

و بلّدوا بها:لزموها،فقاتلوا على الأرض.

و رجل بالد،في القياس:مقيم ببلده.

و الأبلاد:آثار الوشم في اليد،و به شبه ما بقي من آثار الدّار.[ثمّ استشهد بشعر](8:42)

خلف الأحمر:المتبلّد:الّذي يتردّد متحيّرا.

(الأزهريّ 14:128)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الأبلد من الرّجال:الّذي ليس بمقرون،و هي البلدة و البلدة.

(الأزهريّ 14:128)

المبلود:هو المعتوه.(ابن سيدة 9:344)

أبو زيد:بلدت بالمكان أبلد بلودا،و أبدت به آبد أبودا،أي أقمت به.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:129)

نحوه ابن السّكّيت.(446)

أبلد الرّجل:إذا كانت دابّته بليدة.

(الجوهريّ 2:449)

أبو عبيد: البلد:الأثر بالجسد،و جمعه:أبلاد.

(الأزهريّ 14:129)

ابن السّكّيت: و به حبارات و أبلاد،و به ندوب، و به علوب،و واحد الحبارات:حبار،و واحد الأبلاد:

بلد.(108)

ثعلب :و بلد الشّيء:عنصره.(ابن منظور 3:94)

الزّجّاج:و أبلد القوم:صارت إبلهم بليدة.

(فعلت و أفعلت:45)

ابن دريد :و البلد معروف،و البلاد:جمع بلد و بلدة أيضا.

و بلدة النّحر:وسطه،و ربّما سمّيت البلجة:بلدة، و البلدة:منزل من منازل القمر.

و تبلّد الرّجل من هذا،إذا لحقته حيرة،فضرب بيده على بلدة نحره.

و البلد:الأثر في البدن و غيره،و الجمع:أبلاد.

و رجل بليد بيّن البلادة:ضدّ النّحرير،و كان الأصمعيّ يقول:النّحرير ليس من كلام العرب،هي كلمة مولّدة.

و رجل أبلد:غليظ الخلق،و أبلد الرّجل إبلادا:مثل تبلّد سواء.(1:247)

يقال:أبد و آباد:مثل بلد و أبلاد،و الأبلاد:الآثار.

(3:461)

نحوه القاليّ.(1:98)

الأزهريّ: [قيل]:البلدة:راحة الكفّ.

و قيل للمتحيّر:متبلّد،لأنّه شبّه بالّذي يتحيّر في فلاة من الأرض،لا يهتدي فيها،و هي البلدة،و كلّ بلد واسع:بلدة.[إلى أن قال:]

حوض مبلد:ترك و لم يستعمل فتداعى،قد أبلد إبلادا.(14:128)

الفارسيّ: تبلّد الصّبح كتبلّج،و تبلّدت الرّوضة:

نوّرت.(ابن منظور 3:95)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

ص: 516

و الحرباء:ابن بلدته؛للزومه الأرض،و العالم كذلك.

و البلد:الأثر،و جمعه:أبلاد.

و البلدة:بلدة النّحر و هي الثّغرة و ما حواليها،و تبلّد الرّجل:ضرب بلدته،و بلد فهو مبلود،و موضع بين النّعائم و سعد الذّابح،و بلجة ما بين العينين،و الرّاحة و ما بين الحاجبين.

و موضع السّجود من الرّجل.

و البلدة:الكركرة،و الأبلد:الصّدر المستوي البلدة.

و البليد:الّذي يضرب بإحدى بلدتيه على الأخرى.

و يقولون:«إن لم تفعل كذا فهي بلدة ما بيني و بينك»، أي قطيعة ما بيننا.

و البلادة:نقيض النّفاذ و المضاء،و فيه بلد شديد و بلدة،أي بلادة.

و المبلّد:الّذي لا يعينك بمعروفه.

و رجل أبلد:غليظ الخلق،و الّذي ليس بأقرن.

و عرفت ذاك في بلدة وجهه،أي في صورته و هيئته.

و المبلد:الحوض القديم الخرب،و البالد:شبه الدّارس.

و بلّدت الجبال،إذا تقاصرت بالأرض.

و أبلد الجرح إبلادا،إذا استوى للبرء.

و أبلد الرّجل بلادا،إذا أقام.(9:313)

الجوهريّ: بلد بالمكان:أقام به،فهو بالد.

و البلدة و البلد:واحد البلاد و البلدان.

و البلادة:ضدّ الذّكاء،و قد بلد بالضّمّ فهو بليد.

و تبلّد:تكلّف البلادة،و تبلّد،أي تردّد متحيّرا.

و بلّد تبليدا:ضرب بنفسه الأرض.

و أبلد:لصق بالأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و البلدة:الأرض،يقال:هذه بلدتنا،كما يقال:

بحرتنا.

و البلدة:من منازل القمر،و هي ستّة أنجم من القوس،تنزلها الشّمس في أقصر يوم من السّنة.

و البلدة:الصّدر،يقال:فلان واسع البلدة،أي واسع الصّدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البلدة و البلدة:نقاوة ما بين الحاجبين،يقال:رجل أبلد،أي أبلج بيّن البلد،و هو الّذي ليس بمقرون.

و الأبلد:الرّجل العظيم الخلق.

و البلندى:العريض.

و المبلنديّ من الجمال:الصّلب الشّديد.(2:449)

ابن فارس: الباء و اللاّم و الدّالّ أصل واحد، تتقارب فروعه عند النّظر في قياسه،و الأصل:الصّدر، و يقال:وضعت النّاقة بلدتها بالأرض،إذا بركت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تبلّد الرّجل،إذا وضع يده على صدره،عند تحيّره في الأمر.

و الأبلد:الّذي ليس بمقرون الحاجبين،يقال لما بين حاجبيه:بلدة،و هو من هذا الأصل،لأنّ ذلك يشبه الأرض البلدة.

و البلدة:النّجم،يقولون:بلدة الأسد،أي صدره.

و البلد:صدر القرى.فأمّا قول ابن الرّقاع:

*من بعد ما شمل البلى أبلادها*

فهو من هذا.و قالوا:بل البلد:الأثر،و جمعه:أبلاد.

ص: 517

و القول الأوّل أقيس.

و يقال:بلّد الرّجل بالأرض،إذا لزق بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أبلد الرّجل إبلادا،مثل تبلّد سواء.

(1:298)

ابن سيدة :البلدة،و البلد:كلّ قطعة مستحيزة، عامرة كانت أو غامرة،و الجمع:بلاد و بلدان.

قال بعضهم:البلد:جنس المكان،كالعراق و الشّأم.

و البلدة:الجزء المخصّص منه،كالبصرة و دمشق.

و البلد:مكّة تفخيما لها،كالنّجم للثّريّا،و العود للمندل.

و البلدة و البلد:التّراب.

و البلد:ما لم يحفر من الأرض و لم يوقد فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بيضة البلد:الّذي لا نظير له،في المدح و الذّمّ.

و بيضة البلد:التّومة تتركها النّعامة في الأدحيّ أو القيّ من الأرض،و يقال لها:البلديّة،و ذات البلد.و في المثل:«أذلّ من بيضة البلد».

و البلد:المقبرة.و قيل:هو نفس القبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البلد:الدّار يمانيّة.قال سيبويه:هذه الدّار نعمت البلد،فأنّث حيث كان الدّار.[ثمّ استشهد بشعر]

و بلد بالمكان يبلد بلودا:اتّخذه بلدا و لزمه.

و أبلده إيّاه:ألزمه.

و المبالدة:المبالطة بالسّيوف و العصيّ.

و بلدوا و بلّدوا:لزموا الأرض يقاتلون عليها.

و البلدة:ثغرة النّحر و ما حولها،و قيل:وسطها، و قيل:هي الفلكة الثّالثة من فلك زور الفرس،و هي ستّة،و قيل:هو رحا الزّور.و قيل:هو الصّدر من الخفّ و الحافر.[ثمّ استشهد بشعر]

و بلدة الفرس:منقطع الفهدتين من أسافلهما إلى عضديه.[ثمّ استشهد بشعر]

و لقيته ببلدة اصمت،و هي القفر الّتي لا أحد بها.

و البلدة و البلدة:ما بين الحاجبين.

و البلدة:فوق البلجة،و قيل:قدر البلجة.و قيل:

البلدة،و البلدة:أن يكون الحاجبان غير مقرونين.

و رجل أبلد:و قد بلد بلدا.

و البلدة:راحة الكفّ.

و البلدة:من منازل القمر،بين النعائم و سعد الذّابح، خلاء إلاّ من كواكب صغار.

و قيل:لا نجوم فيها البتّة.

و البلد:الأثر،و الجمع أبلاد.

و بلد جلده:صارت فيه أبلاد.

و البلدة و البلدة،و البلادة:ضدّ النّفاذ.

و التّبلّد:نقيض التّجلّد،بلد بلادة فهو بليد.

و أبلد،و تبلّد:لحقته حيرة.

و المبلود:المتحيّر،لا فعل له،و قال الشّيبانيّ:هو المعتوه.و قال الأصمعيّ:هو المنقطع به،و كلّ هذا راجع إلى الحيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بلّد الرّجل:إذا لم يتّجه لشيء.

و التّبلّد:التّلهّف.[ثمّ استشهد بشعر]

و البليد من الإبل:الّذي لا ينشّطه تحريك.

ص: 518

و أبلد الرّجل:صارت دوابّه بليدة.

و بلّد السّحاب:لم يمطر.

و بلّد الإنسان:لم يجد.

و بلّد الفرس:لم يسبق.

و رجل أبلد:غليظ الخلق.

و البلندى،و المبلندي:الضّخم العريض من النّاس و الإبل،و قيل:الغليظ الشّديد.

و المبلندي:الكثير لحم الجنبين.

و بلد:اسم موضع.[ثمّ استشهد بشعر](9:342)

الرّاغب: البلد:المكان المختطّ المحدود،المتأنّس باجتماع قطّانه،و إقامتهم فيه،و جمعه:بلاد و بلدان (1).

[إلى أن قال:]

و سمّيت المفازة بلدا،لكونها موطن الوحشيّات، و المقبرة:بلدا،لكونها موطنا للأموات.

و البلدة:منزل من منازل القمر.

و البلدة:البلجة ما بين الحاجبين،تشبيها بالبلد لتحدّده،و سمّيت الكركرة بلدة لذلك،و ربّما استعير ذلك لصدر الإنسان.

و لاعتبار الأثر قيل:بجلده بلد،أي أثر،و جمعه:

أبلاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبلد الرّجل:صار ذا بلد،نحو أنجد و أتهم.

و بلد:لزم البلد.و لمّا كان اللاّزم لموطنه كثيرا ما يتحيّر،إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحيّر:بلد في أمره،و أبلد و تبلّد.[ثمّ استشهد بشعر]

و لكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن،قيل:

رجل أبلد:عبارة عن العظيم الخلق.(59)

الزّمخشريّ: وضعت النّاقة بلدتها،و هي صدرها، إذا بركت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تجلّد فلان ثمّ تبلّد.و أبلد من ثور.و بلّد بعد نشاطه،إذا فتر و نكس.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو أذلّ من بيضة البلد،و أعزّ من بيضة البلد.

و من المجاز:إن لم تفعل كذا فهي بلدة بيني و بينك، يريد القطيعة،أي أباعدك حتّى تفصل بيننا بلدة من البلاد.

و يقال للمتلهّف:تبلّد و ضرب بلدته على بلدته، أي صفحة راحته على صدره.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبلّدت الجبال:تقاصرت في رأي العين من ظلمة اللّيل.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:29)

المدينيّ: و البلد من الأرض:ما كان مأوى للحيوان،و إن لم يكن فيه بناء.

و منه الحديث:«أعوذ باللّه من ساكني البلد»،يعني الجنّ؛و ذلك أنّهم سكّان الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إنّما سمّي البرّ بلدا للأثر،لأنّ البرّ يؤثّر فيه الوطء،و لا يؤثّر في البحر.

و قيل:سمّيت البلاد،لأنّها صدور القرى،كما أنّ البلدة:الصّدر.

و منه:البليد،سمّي به إذا تبلّد،أي وضع يده على صدره متحيّرا،و قيل:من ضربة إحدى بلدتيه على الأخرى،أي راحتيه.(1:185)

ابن الأثير: و في حديث العبّاس:«فهي لهم تالدة بالدة»،يعني الخلافة لأولاده،يقال للشّيء الدّائم!!

ص: 519


1- في الأصل:البلدان!!

الّذي لا يزول:تالد بالد.فالتّالد:القديم،و البالد:إتباع له.

و فيه«بليد»هو بضمّ الباء و فتح اللاّم:قرية لآل عليّ،بواد قريب من ينبع.(1:151)

الفيّوميّ: البلد:يذكّر و يؤنّث،و الجمع:بلدان.

و البلدة:البلد،و جمعها:بلاد،مثل كلبة و كلاب.

و بلد الرّجل يبلد،من باب«ضرب»:أقام بالبلد فهو بالد.

و بلد:قرية بقرب الموصل،على نحو ستّة فراسخ من جهة الشّمال،على دجلة،و تسمّى بلد الحطب،و ينسب إليها بعض أصحابنا.

و يطلق البلد و البلدة على كلّ موضع من الأرض، عامرا كان أو خلاء،و في التّنزيل: إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فاطر:9،أي إلى أرض ليس بها نبات و لا مرعى، فيخرج ذلك بالمطر فترعاه أنعامهم.فأطلق الموت على عدم النّبات و المرعى،و أطلق الحياة على وجودهما.

و بلد الرّجل بالضّمّ بلادة فهو بليد،أي غير ذكيّ و لا فطن.(1:60)

نحوه الطّريحيّ.(3:16)

الفيروزآباديّ: البلد و البلدة:مكّة،شرّفها اللّه تعالى.و كلّ قطعة من الأرض مستحيزة،عامرة أو غامرة،و التّراب.

و البلد:القبر،و المقبرة،و الدّار،و الأثر،و أدحيّ النّعام،و مدينة بالجزيرة،و بفارس،و بلدة ببغداد،و جبل بحمى ضريّة.الجمع:أبلاد.

و الصّدر،و راحة اليد،و منزل للقمر،و هنة من رصاص مدحرجة،يقيس بها الملاّح الماء،و الأرض، و نقاوة ما بين الحاجبين كالبلدة بالضّمّ،بلد كفرح.

و عنصر الشّيء،و ما لم يحفر من الأرض،و لم يوقد فيه،و ثغرة النّحر و ما حولها أو وسطها،و جنس المكان كالعراق و الشّام.

و البلدة:الجزء المخصّص كالبصرة و دمشق،و رقعة من السّماء لا كوكب بها،بين النّعائم و سعد الذّابح ينزلها القمر،و ربّما عدل فنزل بالقلادة؛و هي ستّة كواكب مستديرة تشبه القوس.

و بلد بالمكان بلودا:أقام و لزمه،أو اتّخذه بلدا، و أبلده إيّاه:ألزمه.

و المبالدة:المبالطة بالسّيوف و العصيّ،و بلدوا كفرحوا و خرجوا:لزموا الأرض يقاتلون عليها.

و التّبلّد:ضدّ التّجلّد.

بلد ككرم و فرح،فهو بليد و أبلد،و التّصفيق، و التّحيّر،و التّلهّف،و السّقوط إلى الأرض،و التّسلّط على بلد الغير،و النّزول ببلد ما به أحد،و تقليب الكفّين.

و المبلود:المعتوه.

و بلّد تبليدا:لم يتّجه لشيء،و بخل و لم يجد، و ضرب بنفسه الأرض،و السّحابة لم تمطر،و الفرس لم يسبق.

و الأبلد:العظيم الخلق.

و البلندى:العريض.

و المبلندي:الجمل الصّلب،و الكثير اللّحم.

و البليد:لا ينشّطه تحريك،و أبلدوا:صارت دوابّهم كذلك،و لصقوا بالأرض.

ص: 520

و المبلد،كمحسن:الحوض القديم.

و بلدة الوجه،بالضّمّ:هيئته.

و بلدود كقربوس:موضع بنواحي المدينة.

و البلد،بالضّمّ:حصاة القسم،من ذهب أو فضّة أو رصاص.(1:288)

مجمع اللّغة :البلد و البلدة:كلّ موضع من الأرض،عامرا كان أو خلاء،و الجمع:بلاد و بلدان.

و لم يرد في القرآن إلاّ الجمع:بلاد.

و جاء البلد و البلدة في مواضع من القرآن مرادا بهما:

مكّة.(1:120)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:78)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو قطعة محدودة من الأرض مطلقا،عامرة أو غيرها.و إطلاقه على المدينة باعتبار أنّها قطعة محدودة عامرة مسكونة،و الصّيغ المشتقّة منها انتزاعيّ.

فقولهم بلد بالكسر،بمعنى لصق بالأرض و لزمها، و هذا باعتبار الكسرة.

و قولهم:بلد بالضّمّ،فهو بليد.

ينتزع من مفهوم البلد،فيطلق على من انحطّ فكره و تنزّل مقامه-في مقابل الفطنة و الذّكاء-فكأنّه صار كالأرض المدحوّة السّاقطة الدّانية.

و أمّا التّبلّد بمعنى التّحيّر،فإنّ المتحيّر ينخفض و يضع رأسه،فكأنّه يقرب من اللّصوق بالأرض،و هذا قريب من قولهم:بلد،أي لزق بالأرض.

و أمّا وسط الحاجبين،فهو موضع محدود بالحاجبين، فكأنّه بلدهما.

و أمّا الصّدر،فهو بلد للحيوان و الإنسان في بدنه، و فيه يستقرّ الأفكار،و يجتمع ما به ينشرح و يتنوّر و يعمر القلب الّذي في الصّدر.

و يدلّ على هذا الأصل:الإطلاق في الآيات الكريمة هذه.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و أمّا إطلاق البلد على المدينة،فباعتبار كونه مصداقا من مصاديقه الخاصّة،و هذه الخصوصيّة لا بدّ في تعيينها من قرينة.[إلى أن قال:]

فإذا لم تكن قرينة مقاليّة أو مقاميّة،فيحمل على الإطلاق.(1:311)

النّصوص التّفسيريّة

بلد

1- ..حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ...

الأعراف:57

الطّوسيّ: أي إلى بلد.

و البلد الميّت:هو الّذي اندرست مشاربه،و تعفّت مزارعه.(4:461)

نحوه المراغيّ.(8:182)

البغويّ: أي إلى بلد ميّت محتاج إلى الماء،و قيل:

معناه لإحياء بلد ميّت،لا نبات فيه.(2:200)

الميبديّ: أي إلى بلد ليس فيه نبات،و قيل:لبلد ميّت،أي يابس.(3:637)

ص: 521

الزّمخشريّ: لأجل بلد ليس فيه حيا (1)و لسقيه.

(2:84)

الطّبرسيّ: أي إلى بلد ميّت،و موت البلد:تعفّي مزارعه،و دروس مشاربه،لا نبات فيه و لا زرع.

(2:431)

الفخر الرّازيّ: أمّا اللاّم في قوله: سُقْناهُ لِبَلَدٍ ففيه قولان:

قال بعضهم:هذه اللاّم بمعنى«إلى»يقال:هديته للدّين،و إلى الدّين.

و قال آخرون:هذه اللاّم بمعنى من أجل،و التّقدير:

سقناه لأجل بلد ميّت،ليس فيه حيا يسقيه.

(14:142)

أبو حيّان: و اللاّم في(لبلد)عندي لام التّبليغ، كقولك:قلت لك.و قال الزّمخشريّ:لأجل بلد،فجعل اللاّم لام العلّة.

و لا يظهر فرق بين قولك:سقت لك مالا و سقت لأجلك مالا،فإنّ الأوّل معناه أوصلته لك و أبلغتكه، و الثّاني لا يلزم منه وصوله إليه،بل قد يكون الّذي وصل له المال غير الّذي علّل به السّوق،أ لا ترى إلى صحّة قول القائل:لاجل زيد سقت لك مالك.

و وصف البلد بالموت استعارة حسنة،لجدبه و عدم نباته،كأنّه من حيث عدم الانتفاع به كالجسد الّذي لا روح فيه،و لمّا كان ذلك موضع قرب رحمة اللّه و إظهار إحسانه،ذكر أخصّ الأرض و هو البلد،حيث مجتمع النّاس و مكان استقرارهم.

و لمّا كان في سورة«يس»المقصد إظهار الآيات العظيمة الدّالّة على البعث،جاء التّركيب باللّفظ العامّ، و هو قوله: وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ يس:33، وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ يس:37، وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ يس:41.(4:317)

شبّر: لا نبات فيه و لا زرع.(2:374)

الآلوسيّ: أي لأجله و منفعته،أو لإحيائه،أو لسقيه.(8:146)

رشيد رضا :أي أرض لا نبات فيها،فإنّما حياة الأرض بالنّبات الحيّ فيها،«فاللاّم»بمعنى«إلى»كما في آية فاطر وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ فاطر:9.

و في التّنزيل: إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ، أي إلى أرض ليس فيها نبات و لا مرعى،فنخرج ذلك بالمطر،فترعاه أنعامهم،فأطلق الموت على عدم النّبات و المرعى، و أطلق الحياة على وجودهما.

أقول:و غلب عرف النّاس بعد ذلك في تخصيص البلد:بالمكان الآهل بالسّكّان في المباني.(8:467)

2- وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ. النّحل:7

ابن عبّاس: المراد مكّة.

مثله عكرمة و الرّبيع.(ابن عطيّة 3:380)

يريد من مكّة إلى المدينة،أو إلى اليمن أو إلى الشّام أو إلى مصر.(الفخر الرّازيّ 19:228)ر.

ص: 522


1- أي المطر.

الماورديّ: في«البلد»قولان:

أحدهما:أنّه مكّة،لأنّها من بلاد الفلوات.

الثّاني:أنّه محمول على العموم:في كلّ بلد مسلكه على الظّهر.(3:180)

الميبديّ: هي المدينة،و قيل:مكّة،و قيل:مصر، و قيل:هو على العموم.(5:356)

ابن عطيّة: أيّ بلد توجّهتم،بحسب اختلاف أغراض النّاس.و قال عكرمة و ابن عبّاس و الرّبيع بن أنس:المراد مكّة،و في الآية على هذا حضّ على الحجّ.

(3:380)

الطّبرسيّ: إلى بلد بعيدة،لا يمكنكم أن تبلغوه من دون الأعمال،إلاّ بكلفة و مشقّة.(3:350)

ابن الجوزيّ: و في قوله تعالى:(الى بلد)قولان:

أحدهما:أنّه عامّ في كلّ بلد يقصده المسافر،و هو قول الأكثرين.

و الثّاني:أنّ المراد به مكّة،قاله عكرمة،و الأوّل أصحّ.

و المعنى:أنّها تحملكم إلى كلّ بلد لو تكلّفتم أنتم بلوغه،لم تبلغوه إلاّ بشقّ الأنفس.(4:430)

الواحديّ: [بعد نقل قول ابن عبّاس قال:]

هذا قوله،و المراد كلّ بلد لو تكلّفتم بلوغه على غير إبل،لشقّ عليكم.

و خصّ ابن عبّاس هذه البلاد،لأنّ متاجر أهل مكّة كانت إلى هذه البلاد.(19:228)

نحوه الخازن.(4:66)

أبو حيّان:[و بعد نقل قول ابن عبّاس و عكرمة و الرّبيع قال:]

و قيل:مدينة الرّسول،و قيل:مصر.

و ينبغي حمل هذه الأقوال على التّمثيل لا على المراد؛إذ المنّة لا تختصّ بالحمل إليها.(5:476)

البروسويّ: إلى بلد بعيد أيّا ما كان،فيدخل فيه إخراج أهل مكّة متاجرهم إلى اليمن و مصر و الشّام.

(5:8)

الآلوسيّ: [و بعد نقل قول ابن عبّاس و عكرمة و الرّبيع قال:]

و كأنّهم نظروا إلى أنّ أثقالهم و أحمالهم عند القفول من متاجرهم أكثر،و حاجتهم إلى الحمولة أمسّ.

و الظّاهر أنّه عامّ لكلّ بلد سحيق،و إلى ذلك ذهب أبو حيّان،و جعل ما ورد من التّعيين كالمذكور،و كالّذي نقله عن بعضهم من أنّها مدينة الرّسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،محمولا على التّمثيل،لا على أنّ المراد ذلك المعيّن دون غيره.(14:100)

البلد

1- وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً. الأعراف:58

ابن عبّاس: فهذا مثل ضربه اللّه للمؤمن،يقول:

هو طيّب،و عمله طيّب،كما البلد الطّيّب ثمره طيّب،ثمّ ضرب مثل الكافر كالبلدة السّبخة المالحة،الّتي لا تخرج منها البركة.فالكافر هو الخبيث،و عمله خبيث.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 8:212)

مثال لروح المؤمن يرجع إلى جسده سهلا طيّبا،كما

ص: 523

خرج إذا مات،و لروح الكافر لا يرجع إلاّ بالنّكد،كما خرج إذا مات.

مثله قتادة.(أبو حيّان 4:318)

مجاهد :كلّ ذلك من أرض السّباخ و غيرها،مثل آدم و ذرّيّته فيهم:طيّب و خبيث.(الطّبريّ 8:212)

(الطّيّب)ينفعه المطر فينبت، وَ الَّذِي خَبُثَ:

السّباخ،لا ينفعه المطر،لا يخرج نباته إلاّ نكدا،هذا مثل ضربه به اللّه،لآدم و ذرّيّته كلّهم:إنّما خلقوا من نفس واحدة،فمنهم من آمن باللّه و كتابه فطاب،و منهم من كفر باللّه و كتابه فخبث.(الدّرّ المنثور 3:93)

الحسن :أي التّربة الطّيّبة،و الخبيث:الّذي في تربته حجارة أو شوك.(القرطبيّ 7:231)

هذا مثل للقلوب،فقلب يقبل الوعظ و الذّكرى، و قلب فاسق ينبو عن ذلك.(القرطبيّ 7:231)

قتادة :هذا مثل المؤمن سمع كتاب اللّه:فوعاه، و أخذ به،و عمل به،و انتفع به،كمثل هذه الأرض أصابها الغيث،فأنبتت و أمرعت.

وَ الَّذِي خَبُثَ: هذا مثل الكافر:لم يعقل القرآن و لم يعمه (1)،و لم يأخذ به،و لم ينتفع،فهو كمثل الأرض الخبيثة أصابها الغيث،فلم تنبت شيئا،و لم تمرع.

(الدّرّ المنثور 3:93)

مثل للمؤمن يعمل محتسبا متطوّعا،و المنافق غير محتسب.(القرطبيّ 7:231)

السّدّيّ: مثال للقلوب لمّا نزل القرآن كنزول المطر على الأرض،فقلب المؤمن كالأرض الطّيّبة يقبل الماء، و انتفع بما يخرج،و قلب الكافر كالسّبخة،لا ينتفع بما يقبل من الماء.(أبو حيّان 4:319)

هذا مثل ضربه للقلوب،يقول:ينزل الماء فيخرج البلد الطّيّب نباته بإذن اللّه، وَ الَّذِي خَبُثَ هي السّبخة لا يخرج نباتها إلاّ نكدا،فكذلك القلوب.

لمّا نزل القرآن بقلب المؤمن آمن به،و ثبت الإيمان في قلبه.و قلب الكافر لمّا دخله القرآن،لم يتعلّق منه بشيء ينفعه،و لم يثبت فيه من الإيمان شيء،إلاّ ما لا ينفعه،كما لم يخرج هذا البلد إلاّ ما لم ينفع من النّبات.

(الدّرّ المنثور 3:93)

الطّبريّ: و البلد الطّيّبة تربته،العذبة مشاربه، يخرج نباته-إذا أنزل اللّه الغيث،و أرسل عليه الحياة بإذنه-طيّبا ثمره في حينه و وقته.(8:211)

النّحّاس: معناه التّشبيه،شبّه تعالى السّريع الفهم بالبلد الطّيّب،و البليد بالّذي خبث.(القرطبيّ 7:231)

الطّوسيّ: هذا مثل،ضربه اللّه للمؤمنين،فشبّه المؤمن-و ما يفعله من الطّاعات و الأفعال،و الانتفاع بما أمره اللّه و نهاه عنه-بالأرض العذبة التّربة الّتي تخرج الثّمرة الطّيّبة،بما ينزله اللّه عليها من الماء العذب.

و الكافر-و ما يفعله من الكفر و المعاصي-بالأرض السّبخة الملحة الّتي لا ينتفع بنزول المطر عليها،فينزع عنها البركة.

و وجه ضرب المثل بالأرض الطّيّبة و الأرض الخبيثة،مع أنّهما من فعل اللّه،و كلاهما حكمة و صواب، و الطّاعات و المعاصي أحدهما بأمر اللّه،و الآخر بخلاف أمره:هو أنّ اللّه تعالى لمّا جعل المنفعة بأحدهما و المضرّةه.

ص: 524


1- كذا،و لعلّه:لم يعمّه:أي لم يستوعبه.

بالآخر مثّل بذلك الانتفاع بالعمل الصّالح،و الاستضرار بالمعاصي و القبائح.(4:463)

الزّمخشريّ: هذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ و التّنبيه من المكلّفين،و لمن لا يؤثّر فيه شيء من ذلك.

و هذا التّمثيل واقع على أثر ذكر المطر،و إنزاله بالبلد الميّت،و إخراج الثّمرات به على طريق الاستطراد.(2:84)

الفخر الرّازيّ: في هذه الآية قولان:

الأوّل:و هو المشهور،أنّ هذا مثل ضربه اللّه تعالى للمؤمن و الكافر:بالأرض الخيّرة و الأرض السّبخة، و شبّه نزول القرآن بنزول المطر،فشبّه المؤمن بالأرض الخيّرة الّتي نزل عليها المطر،فيحصل فيها أنواع الأزهار و الثّمار.و أمّا الأرض السّبخة،فهي و إن نزل المطر عليها،لم يحصل فيها من النّبات إلاّ النّزر القليل.

فكذلك الرّوح الطّاهرة النّقيّة عن شوائب الجهل و الأخلاق الذّميمة،إذا اتّصل به نور القرآن ظهرت فيه أنواع من الطّاعات و المعارف و الأخلاق الحميدة.

و الرّوح الخبيثة الكدرة و إن اتّصل به نور القرآن،لم يظهر فيه من المعارف و الأخلاق الحميدة إلاّ القليل.

الثّاني:أنّه ليس المراد من الآية تمثيل المؤمن و الكافر،و إنّما المراد أنّ الأرض السّبخة يقلّ نفعها و ثمرتها،و مع ذلك فإنّ صاحبها لا يهمل أمرها،بل يتعب نفسه في إصلاحها،طمعا منه في تحصيل ما يليق بها من المنفعة،فمن طلب هذا النّفع اليسير بالمشقّة العظيمة، فلأن يطلب النّفع العظيم،الموعود به في الدّار الآخرة، بالمشقّة الّتي لا بدّ من تحمّلها في أداء الطّاعات،كان ذلك أولى.

هذه الآية دالّة على أنّ السّعيد لا ينقلب شقيّا، و بالعكس؛و ذلك لأنّها دلّت على أنّ الأرواح قسمان:

منها ما تكون في أصل جوهرها طاهرة نقيّة، مستعدّة لأن تعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به.

و منها ما تكون في أصل جوهرها غليظة كدرة، بطيئة القبول للمعارف الحقيقيّة و الأخلاق الفاضلة،كما أنّ الأراضي منها ما تكون سبخة فاسدة،و كما أنّه لا يمكن أن يتولّد في الأراضي السّبخة تلك الأزهار و الثّمار الّتي تتولّد في الأرض الخيّرة،فكذلك لا يمكن أن يظهر في النّفس البليدة و الكدرة الغليظة من المعارف اليقينيّة و الأخلاق الفاضلة،مثل ما يظهر في النّفس الطّاهرة الصّافية.

و ممّا يقوّي هذا الكلام أنّا نرى النّفوس مختلفة في هذه الصّفات،فبعضها مجبولة على حبّ عالم الصّفاء و الإلهيّات،منصرفة عن اللّذّات الجسمانيّة،كما قال تعالى: وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ المائدة:83.

و منها قاسية شديدة القسوة و النّفرة عن قبول هذه المعاني،كما قال: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.

و منها ما تكون شديدة الميل إلى قضاء الشّهوة، متباعدة عن أحوال الغضب.

و منها ما تكون شديدة الميل إلى إمضاء الغضب، و تكون متباعدة عن أعمال الشّهوة.

بل نقول:من النّفوس ما تكون عظيمة الرّغبة في

ص: 525

المال دون الجاه،و منهم من يكون بالعكس.

و الرّاغبون في طلب المال؛منهم من يكون عظيم الرّغبة في العقار،و تفضل رغبته في النّقود،و منهم من تعظم رغبته في تحصيل النّقود،و لا يرغب في الضّياع و العقار،و إذا تأمّلت في هذا النّوع من الاعتبار تيقّنت أنّ أحوال النّفوس مختلفة في هذه الأحوال اختلافا جوهريّا ذاتيّا،لا يمكن إزالته و لا تبديله.

و إذا كان كذلك امتنع من النّفس الغليظة الجاهلة المائلة بالطّبع إلى أفعال الفجور،أن تصير نفسا مشرقة بالمعارف الإلهيّة و الأخلاق الفاضلة.

و لمّا ثبت هذا كان تكليف هذه النّفس بتلك المعارف اليقينيّة و الأخلاق الفاضلة جاريا مجرى تكليف ما لا يطاق،فثبت بهذا البيان:أنّ السّعيد من سعد في بطن أمّه،و الشّقيّ من شقي في بطن أمّه،و أنّ النّفس الطّاهرة يخرج نباتها من المعارف اليقينيّة و الأخلاق الفاضلة بإذن ربّها،و النّفس الخبيثة لا يخرج نباتها إلاّ نكدا،قليل الفائدة و الخير،كثير الفضول و الشّرّ.(14:144)

نحوه النّيسابوريّ.(8:149)

أبو حيّان: الطّيّب الجيّد التّرب الكريم الأرض.

و الّذي خبث المكان السّبخ الّذي لا ينبت ما ينتفع به و هو الرّديء من الأرض و لما قال فاخرجنا به من كلّ الثّمرات تمّم هذا المعنى بكيفيّة ما يخرج من النّبات من الأرض الكريمة و الأرض السّبخة و تلك عادة اللّه في إنبات الأرضين و في الكلام حال محذوفة أي يخرج نباته وافيا حسنا و حذفت لفهم المعنى و لدلالة و البلد الطّيّب عليها و لمقابلتها بقوله:(الاّ نكدا)و لدلالة(باذن ربّه) لأنّ ما أذن اللّه في إخراجه لا يكون إلاّ على أحسن حال و(باذن ربّه)في موضع الحال و خصّ خروج نبات الطّيّب بقوله:(باذن ربّه)على سبيل المدح له و التّشريف و نسبة الإسناد الشّريفة الطّيّبة إليه تعالى و إن كان كلا النّباتين يخرج بإذنه تعالى و معنى:(باذن ربّه)بتيسيره و حذف من الجملة الثّانية الموصوف أيضا و التّقدير:و البلد الّذي خبث لدلالة و البلد الطّيّب عليه فكلّ من الجملتين فيه حذف و غاير بين الموصولين فصاحة و تفنّنا ففي الأولى قال:(الطّيّب)و في الثّانية قال: اَلَّذِي خَبُثَ و كان إبراز الصّلة هنا فعلا بخلاف الأوّل لتعادل اللّفظ يكون ذلك كلمتين،الكلمتين في قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ و الطّيّب و الخبيث متقابلان في القرآن كثيرا قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ المائدة:100، وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الأعراف:157، أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ و لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ البقرة:267،إلى غير ذلك و الفاعل في لا يَخْرُجُ عائد على اَلَّذِي خَبُثَ و قد قلنا:إنّه صفة لموصوف محذوف و البلد لا يخرج فيكون على حذف مضاف إمّا من الأوّل أي و نبات الّذي خبث أو من الثّاني أي لا يخرج نباته فلمّا حذف استكنّ الضّمير الّذي كان مجرورا لأنّه فاعل،و قيل:هاتان الجملتان قصد بهما التّمثيل.

[و حكى قول ابن عبّاس و قتادة و السّدّيّ و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و الأظهر ما قدّمناه من أنّ المقصود:التّعريف بعبادة (1)اللّه تعالى في إخراج النّبات في الأرض الطّيّبةه.

ص: 526


1- كذا،و الظّاهر:بعباد اللّه.

و الأرض الخبيثة،دون قصد إلى التّمثيل بشيء ممّا ذكروا.

(4:318)

سيّد قطب :و القلب الطّيّب يشبّه في القرآن الكريم و في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالأرض الطّيّبة و بالتّربة الطّيّبة،و القلب الخبيث يشبّه بالأرض الخبيثة و بالتّربة الخبيثة،فكلاهما-القلب و التّربة-منبت زرع،و مأتى ثمر.

القلب ينبت نوايا و مشاعر،و انفعالات و استجابات،و اتّجاهات و عزائم،و أعمالا بعد ذلك، و آثارا في واقع الحياة.و الأرض تنبت زرعا و ثمرا،مختلفا أكله و ألوانه،و مذاقاته و أنواعه.(3:1300)

عزّة دروزة :و الآية بسبيل التّمثيل لذوي النّفوس الطّيّبة و النّفوس الخبيثة،فكما أنّ الأرض تتفاوت خصبا و جدبا،و طيبة و خبثا،و لا يكفي أن ينزل المطر بها الّذي ليس إلاّ وسيلة،فإنّ النّفوس تتفاوت طيبة و خبثا،و خيرا و شرّا.

و رسل اللّه هي وسائل دعوة،فالصّالحون الطّيّبون يستجيبون لدعوة اللّه و يسارعون في الخير،و القيام بواجباتهم بيسر و رضاء و طيب نفس،كالأرض الطّيّبة الّتي لا تلبث أن تنتفع بالمطر،فتخرج نباتها طيّبا و بيسر، فيظفرون برحمة اللّه و يشكرون.

أمّا الخبيثون الأشرار فإنّهم يعاندون و يكابرون، و يتزمّتون في كلّ شيء،و لا يصدرون إلاّ عن نفس أمّارة بالسّوء،لأنّ نوازع الخير و الحقّ و الواجب فيهم ضعيفة، كالأرض الخبيثة الضّعيفة التّربة،الرّديئة التّركيب الّتي لا تنتفع بالمطر،و لا يخرج منها إلاّ الرّديء الضّعيف، القليل النّفع و الغناء من النّبات،و لا يظفرون برحمة اللّه و لا بثقة النّاس.(2:137)

عبد الكريم الخطيب :و هكذا النّاس،يصوبهم الغيث الإلهيّ من آياته و كلماته بين يدي الرّسل،فيكون منهم ما يكون من الأرض الجديب يصوبها المطر، فبعضها طيّب كريم،يقبل الماء و يتفاعل معه،فيخرج الثّمر الطّيّب و العطر الزّكيّ،و بعضها لا يخرج شيئا،أو ينبت الحسك و الشّوك و المرار.(4:417)

2- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً...

إبراهيم:35

الطّبريّ: يعني الحرم.(13:228)

مثله البغويّ.(4:38)

الزّجّاج: يعني مكّة.(3:164)

مثله الطّوسيّ(6:298)،و الشّربينيّ(2:183)، و شبّر(3:363).

الزّمخشريّ: يعني البلد الحرام،زاده اللّه أمنا، و كفاه كلّ باغ و ظالم.(2:379)

الطّبرسيّ: يعني مكّة و ما حولها من الحرم.و إنّما قال هناك: بَلَداً آمِناً البقرة:126،و قال هنا: هَذَا الْبَلَدَ آمِناً معرّفا،لأنّ النّكرة إذا تكرّرت و أعيدت صارت معرفة،و مثله في التّنزيل: فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ... النّور:35.

(3:318)

عبد الكريم الخطيب :لما ذا ذكر إبراهيم البلد

ص: 527

الحرام مرّة منكّرا هكذا بَلَداً آمِناً البقرة:126،و مرّة معرّفا(البلد آمنا)؟

و الجواب على هذا-و اللّه أعلم-هو أنّه قد كان لإبراهيم عليه السّلام-كما يحدّث التّاريخ-أكثر من رحلة إلى البيت الحرام:الرّحلة الأولى حين هاجر بإسماعيل و أمّه، و أنزلهما هذا المنزل،و أقام هو و إسماعيل قواعد البيت الحرام،و في هذا الوقت لم يكن البلد الحرام قد ظهر إلى جوار البيت الحرام،و إنّما كان شيئا مطويّا في عالم الغيب لم يولد بعد،و لهذا كان دعاء إبراهيم له: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً البقرة:126،أي اجعل هذا المكان بلدا آمنا.

ثمّ بعد زمن عاد إبراهيم إلى هذا المكان مرّة أخرى، فوجد حول البيت الحرام قبائل،قد نزلت على ماء زمزم مع إسماعيل،و منها قبيلة جرهم الّتي أصهر إليها إسماعيل و تزوّج منها،و لهذا كانت دعوته الثّانية لهذا البلد في مواجهة بلد قائم فعلا،فأشار إليه إبراهيم إشارة إلى شخص قائم أمام عينيه: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً. (7:190)

و لهذه الآية بحث مستوفى راجع«أ م ن،آمنا»

3- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ.

البلد:1،2

ابن عبّاس: يعني مكّة.

مثله مجاهد،و قتادة،و عطاء،و ابن زيد.

(الطّبريّ 30:193)

و مثله ابن عطيّة(5:483)،و ابن الجوزيّ(9:

127)،و القاسميّ(17:6159).

مجاهد :الحرم كلّه.(الماورديّ 6:274)

الإسكافيّ: للسّائل أن يسأل عن تكرير(البلد) و جعله فاصلة بين الآيتين،و هل ذلك ممّا يرتضى في البلاغة،و يعدّ من جملة الفصاحة؟

و الجواب أن يقال:إذا عني بالثّاني غير المقصود بالأوّل،من وصف يوجب له حكما غير حكم الأوّل، كان من مختار الكلام.فالبلد الأوّل قصد به وصف لم يحصل في الثّاني و هو مكّة،لأنّ معنى أقسم بالبلد المحرّم؛الّذي جبلت على تعظيمه قلوب العرب،فلا يحلّ فيه لأحد ما أحلّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

فقوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ أي محلّ،أحلّ لك منه ما حرّم على غيرك،فصار المعنى:أقسم بالبلد المحرّم،تعظيما له،و هو مع أنّه محرّم على غيرك،محلّ لك،إكراما لمنزلتك،فالبلد في الأوّل محرّم،و في الثّاني محلّل.

و كان النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام أحلّ له قتل من رأى قتله،حين أذن في قتال المشركين،فأمر بقتل ابن خطل صبرا،و هو متعلّق بأستار الكعبة،و لم يحلّ لأحد قبله،و لا يحلّ لأحد بعده ما أحلّ له.

و إذا كان كذلك صار الثّاني معنيّا به غير ما عني بالأوّل،فكأنّه ذكر وصفا غير وصفه المتقدّم،فجمع فوائد من تعظيم البلد و تعظيم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،حين أبيح له ما حظر منه على سواء،و قيل:أحلّت له ساعة من نهار، و لم تحلّ لغيره.(531)

الكرمانيّ: و ممّا ذكر في هذه السّورة على الخصوص أنّ التّقدير: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ و هو حرام

ص: 528

وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ و هو حلال،لأنّه أحلّت له مكّة حتّى قتل فيها من شاء و قاتل،فلمّا اختلف معناه صار كأنّه غير الأوّل،و دخل في القسم الّذي يختلف معناه و يتّفق لفظه.(206)

ابن العربيّ: بِهذَا الْبَلَدِ: مكّة،باتّفاق من الأمّة،و ذلك أنّ السّورة مكّيّة،و قد أشار له ربّه بهذا.

و ذكر له البلد بالألف و اللاّم،فاقتضى ذلك ضرورة التّعريف المعهود،و فيه قولان:

أحدهما:أنّه مكّة،و الثّاني:أنّه الحرم كلّه،و هو الصّحيح،لأنّ البلد بحريمه،كما أنّ الدّار بحريمها،فحريم الدّار:ما أحاط بجدرانها و اتّصل بحدودها.و حريم بابها:

ما كان للمدخل و المخرج.(4:1937)

القرطبيّ: و(البلد):هي مكّة،أجمعوا عليه،أي أقسم بالبلد الحرام الّذي أنت فيه،لكرامتك عليّ،و حبّي لك.

و قال الواسطيّ: أي نحلف لك بهذا البلد الّذي شرّفته بمكانك فيه حيّا،و بركتك ميّتا،يعني المدينة.

و الأوّل أصحّ،لأنّ السّورة نزلت بمكّة باتّفاق.

(20:60)

و أكثر المفسّرين اتّفقوا على أنّ المراد ب(البلد)في هذين الآيتين مكّة المكرّمة،زادها اللّه شرفا.

بلدا

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً...

البقرة:126

الإسكافيّ: للسّائل أن يسأل فيقول:لم كان في هذه السّورة(بلدا)نكرة،و في سورة إبراهيم(35) معرفة؟

و الجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما:أن يقال:الدّعوة الأولى وقعت و لم يكن المكان قد جعل بلدا،فكأنّه قال:اجعل هذا الوادي بلدا آمنا،لأنّ اللّه تعالى حكى عنه أنّه قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ إبراهيم:37،بعد قوله:اجعل هذا الوادي بلدا.

و وجه الكلام فيه تنكير الّذي هو مفعول ثان، و(هذا)مفعول أوّل.و الدّعوة الثّانية وقعت و قد جعل بلدا،فكأنّه قال:اجعل هذا المكان الّذي صيّرته كما أردت،و مصرّته كما سألت،ذا أمن على من آوى إليه.

فيكون(البلد)على هذا عطف بيان،على مذهب سيبويه،و صفة على مذهب أبي العبّاس المبرّد،و(آمنا) مفعولا ثانيا،فعرّف حين عرّف بالبلديّة،و نكّر حيث كان مكانا من الأمكنة غير مشهور بالتّمييز عنها، بخصوصيّة من عمارة و سكنى النّاس.

و الجواب الثّاني:أن تكون الدّعوتان واقعتين بعد ما صار المكان بلدا،و إنّما طلب من اللّه أن يجعله آمنا.

و القائل يقول:اجعل ولدك هذا ولدا أديبا،و هو ليس يأمره بأن يجعله ولدا،لأنّ ذلك ليس إليه،و إنّما يأمره بتأديبه،فكأنّه قال:اجعله بهذه الصّفة.

و هذا كما يقول:كن رجلا موصوفا بالسّخاء،و ليس يأمره أن يكون رجلا،و إنّما يأمره بما جعله وصفا له من السّخاء،فذكر الموصوف و أتبعه الصّفة،و هو كما تقول:

ص: 529

كان اليوم حارّا،فتجعل«يوما»خبر كان،و«حارّا» صفة له،و لم تقصد أن تخبر عن اليوم بأنّه كان يوما، لأنّه يصير خبرا غير مفيد،و إنّما القصد أن تخبر عن اليوم بالحرّ،فكان الأصل أن تقول:كان اليوم حارّا، و أعدت لفظ«يوم»لتجمع بين الصّفة و الموصوف، فكأنّك قلت:كان هذا اليوم من الأيّام الحارّة.

و كذلك تقول:كانت اللّيلة ليلة باردة،فتنصب «ليلة»على أنّها خبر كان،و حكم الخبر أن يتمّ به الكلام،و لو قلت:كانت اللّيلة ليلة،لم يكن الكلام تامّا، لأنّ القصد إلى الصّفة دون الموصوف،فكذلك قوله:

رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً، يجوز أن يكون المراد اجعل هذا البلد بلدا آمنا،فتدعو له بالأمن بعد ما قد صار بلدا، على ما مثّلنا،و يكون مثل قوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً، و تكون الدّعوة واحدة،قد أخبر اللّه عنها في الموضعين.

فأمّا قول من يقول:جعل الأوّل نكرة،فلمّا أعيد ذكرها أعيد بلفظ المعرفة،كما تقول:رأيت رجلا فأكرمت الرّجل،فليس بشيء،و ليس ما ذكره مثلا لهذا،و لا هذا المكان مكانه.(29)

الكرمانيّ: رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً، و في إبراهيم:

35، هَذَا الْبَلَدَ آمِناً، لأنّ(هذا)هنا إشارة إلى المذكور في قوله: بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ إبراهيم:37، قبل بناء الكعبة،و في إبراهيم إشارة إلى البلد بعد بناء الكعبة،فيكون(بلدا)في هذه السّورة المفعول الثّاني، و(آمنا)نعته،و(البلد)في إبراهيم المفعول الأوّل،و(آمنا) المفعول الثّاني.

و قيل:لأنّ النّكرة إذا تكرّرت صارت معرفة.

و قيل:تقديره في البقرة:و هذا البلد آمنا،فحذف اكتفاء بالإشارة،فتكون الآيتان سواء.(32)

بلدة

1- لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا...

الفرقان:49

راجع«م و ت-ميتا»في نفس هذه الآية.

2- ..كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ. سبأ:15

مجاهد :هي صنعاء.(القرطبيّ 14:284)

أبو البركات: (بلدة)مرفوع،لأنّه خبر مبتدإ محذوف،و تقديره:هذه بلدة طيّبة.(2:278)

راجع كلّ البحث في«ط ي ب-طيّبة»في نفس هذه الآية.

3- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ...

النّمل:91

ابن عبّاس: يعني مكّة.(الطّوسيّ 8:125)

مثله قتادة(الطّبريّ 20:24)،و القرطبيّ(13:

246)،و أبو حيّان(7:102)،و عزّة دروزة(3:174). أبو العالية :منى.(الماورديّ 4:231)

مثله الثّوريّ.(الآلوسيّ 20:38)

الزّمخشريّ: و(البلدة):مكّة،حرسها اللّه تعالى، اختصّها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها،لأنّها

ص: 530

أحبّ بلاده إليه،و أكرمها عليه،و أعظمها عنده.(3:163)

نحوه الفخر الرّازيّ.(24:222)

النّيسابوريّ: و هي القلب،و الرّبّ،هو اللّه،كما أنّ ربّ بلدة القالب هو النّفس الأمّارة،و أنّه تعالى حرّم بلدة القلب على الشّيطان.(20:22)

البروسويّ: و المراد ب(البلدة)هنا:مكّة المعظّمة، و تخصيصها بالإضافة تشريف لها و تعظيم لشأنها،مثل:

ناقة اللّه،و بيت اللّه،و رجب شهر اللّه.

قال في«التّكملة»:خصّ(البلدة)بالذّكر و هي مكّة، و إن كان ربّ البلاد كلّها،ليعرف المشركون نعمته عليهم،أنّ الّذي ينبغي لهم أن يعبدوه،هو الّذي حرّم بلدتهم.(6:377)

نحوه الآلوسيّ.(20:38)

الطّباطبائيّ: و المشار إليها بهذه الإشارة مكّة المشرّفة،و في الكلام تشريفها من وجهين:إضافة الرّبّ إليها،و توصيفها بالحرمة؛حيث قال: رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها.

و فيه تعريض لهم؛حيث كفروا بهذه النّعمة:نعمة حرمة بلدتهم،و لم يشكروا اللّه بعبادته،بل عدلوا إلى عبادة الأصنام.(15:403)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: البلد على خمسة أوجه:

أحدها:مكّة،كقوله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً إبراهيم:36،نظيرها: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ البلد:1.

و الثّاني:سباء،كقوله: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ سبأ:15.

و الثّالث:الأرض،كقوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.

و الرّابع:السّبخة،كقوله: سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ الأعراف:57،يعني السّبخة.

و الخامس:الدّنيا،كقوله: اَلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ الفجر:8.(139)

نحوه الدّامغانيّ.(138)

الفيروزآباديّ: قد ورد في القرآن على خمسة أوجه:[ذكر نحو الحيريّ ثمّ أضاف وجهين آخرين]

الرّابع:كناية عن جملة المدن لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ آل عمران:196.

الخامس:بمعنى الأرض الّتي بها نبات وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ الأعراف:58،و قيل:

هو كناية عن النّفوس الطّاهرة، وَ الَّذِي خَبُثَ عن النّفوس الخبيثة.(بصائر ذوي التّمييز 2:272)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البلد،أي الأرض المحاطة بحدّ أو حاجز،و الجمع:بلاد و بلدان،و يعمّ كلّ نوع و جنس منها،كالعراق و الشّام،و البلدة:نوع خاصّ منه،كالبصرة من العراق،و دمشق من الشّام،يقال:

بلدت بالمكان أبلد بلودا فأنا بالد،أي أقمت به.و أبلد الرّجل بلادا:أقام،يقال:هذه بلدتنا،أي أرضنا،و في

ص: 531

الحديث:«أعوذ بك من ساكن البلد».

ثمّ أطلق البلد توسّعا على الدّار،يقال:هذه الدّار نعمت البلد،و على أثرها أو كلّ أثر،و الجمع:أبلاد، و المبلد:حوض ترك و لم يستعمل فتداعى،و قد أبلد إبلادا،و الإبلاد:آثار الوشم في اليد،شبّه به ما بقي من الآثار.

و قيل للتّراب:بلد،للمجاورة،و لأدحيّ النّعام أيضا،أي موضع بيضه و تفريخه،و بيضة البلد:بيضة تتركها النّعامة في الأدحيّ أو في الأرض المستوية،و في المثل:«أذلّ من بيضة البلد»،أي أذلّ من بيضة النّعامة الّتي تتركها.

و قالوا على التّشبيه لثغرة النّحر و ما حولها:البلدة، و لموضع في السّماء لا نجوم فيه،بين النّعائم و سعد الذّابح.

و البلدة:بلجة ما بين الحاجبين،تشبيها بالبلدة،أي الأرض الواسعة،و الأبلد من الرّجال:الّذي ليس بمقرون،يقال:عرفت ذلك في بلدة وجهه،أي صورته و هيئته.

و من المجاز:بلد الرّجل بلادة فهو بليد،و فيه بلد، و أبلد إبلادا،و تبلّد:تكلّف البلادة.و تبلّد أيضا:تردّد متحيّرا،فضرب بيده على بلدة نحره كالمتحيّر في فلاة من الأرض.و بلّد:نكس،و ضعف في العمل و غيره حتّى في الجود،و تبلّد:استكان و خضع.

و منه:فرس بليد:أي تأخّر عن الخيل السّوابق، و قد بلد بلادة،و أبلد الرّجل:كانت دابّته بليدة،و أبلد القوم:صارت إبلهم بليدة.

2-و قولهم:بلّد الرّجل بالأرض-أي لزق بها- مقلوب لبد بالمكان لبودا،إذا أقام به و لزق.

و أمّا المبالدة بالسّيوف و العصيّ في قولهم:بلدوا و بلّدوا،أي لزموا الأرض يقاتلون عليها،فهو من «ب ل ط»،يقال:بالطناهم،أي نازلناهم بالأرض، و هي البلاط،و أبلط الرّجل:لزق بالأرض.فبين «ل ب د»و«ب ل ط»اشتقاق أكبر.

3-و ذكر«آرثر جفري»أنّ«نولدكه»يرى البلد المستعمل في اللّغات السّاميّة بمعنى المكان الّذي يسكنه الإنسان،قد أخذ من اللّفظ اللاّتينيّ«پلتيوم»الّذي يعادل اللّفظ اليونانيّ«پلتيون»،و وافقه في هذا الرأي كلّ من«فرانكل»و«فولرس».

و يذهب«جفري»إلى أنّ العرب أخذوا هذا اللّفظ من الرّوم،أثناء احتلالهم شمال الجزيرة العربيّة.

و نحن لا نستبعد هذا الرّأي،إلاّ أنّ«جفري»خصّ استعمال هذا اللّفظ بالعربيّة دون سواها من اللّغات السّاميّة،فخالف«نولدكه»الّذي قال:بأنّه مستعمل في أخوات العربيّة أيضا.و قد جاء في اللّغة السّريانيّة بلفظ يشبه العربيّة،و إن صحّ ما اعتقده«نولدكه»فإنّه دخل العربيّة بواسطة السّريانيّة،كما هو الحال في سائر المفردات اليونانيّة و اللاّتينيّة الدّخيلة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة بلد و بلدة نكرة و معرفة،و البلاد معرفة،و البلاد معرفة في(19)آية:

1- وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الأعراف:57

ص: 532

1- وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الأعراف:57

2- وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ فاطر:9

3- وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ النّحل:7

4- وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ الأعراف:58

5- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35

6- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ البقرة:126

7 و 8- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ البلد:1،2

9- وَ طُورِ سِينِينَ* وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ

التّين:2،3

10- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ

آل عمران:196

11- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ المؤمن:4

12- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ق:36

13- إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* اَلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ الفجر:7،8

14- وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ* وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ* اَلَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ

الفجر:9-11

15- ...وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً* لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً

الفرقان:48،49

16- وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ الزّخرف:11

17- وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ* رِزْقاً لِلْعِبادِ وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ق:10،11

18- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ سبأ:15

19- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

النّمل:91

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت في القرآن من هذه المادّة سوى(بلد)و(البلد)و(البلاد)و(بلدة)و(البلدة).

أمّا(بلد)فجاء(4)مرّات:(1)و(2)و(3)و(6)، و قد وصف في(1)و(2)ب(ميّت)،و المراد به-كما جاء في النّصوص-الأرض الّتي لا زرع و لا خضرة فيها، فيحييها السّحاب،أي الماء النّازل منه.و معلوم أنّ إطلاق الموت و الإحياء هنا استعارة،أي أنّ الأرض قبل نزول الماء كالميّت،و بعده تصير كالحيّ.

ص: 533

و سياق الآيتين صدرا و ذيلا واحد،فصدرهما إرسال الرّياح الّتي تثير سحابا،و ذيلها تشبيه النّشور و إحياء الموتى يوم الحشر بذلك.

و أمّا(3)فاختصّت بحمل الأثقال بالأنعام إلى بلد لا يبلغ إليه إلاّ بشقّ الأنفس،و سنتحدّث عن(6).

ثانيا:و جاء(البلد)(5)مرّات:(4)و(5)و(7) و(8)و(9)،و وصف في(4)ب«الطّيّب»و«الخبيث»، و المراد بهما الأرض الخصبة و الأرض السّبخة.و هذا تمثيل للنّفوس الطّيّبة و الخبيثة،فهداية اللّه إذا جاءتها تواجهها النّفوس الطّيّبة بالقبول فتنمو و تزكو،و أمّا النّفوس الخبيثة فتزداد ضلالة،و به صرّح في قوله:

وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:

124،لاحظ النّصوص.

و إطلاقهما هنا استعارة أيضا،لأنّ الطّيّب و الخبيث وصفان للإنسان المحسن و الممسك،و الصّالح و الطّالح، فشبّه البلد بهما.و أريد ب(البلد):الجنس،فاللاّم لتعريف الجنس،و أمّا في الخمس الباقية فأريد ب(البلد):مكّة المكرّمة،زادها اللّه شرفا،ابتداء بدعاء إبراهيم باني البيت في(5)و(6)،و انتهاء بعصر النّبيّ عليه السّلام في(7) و(8)و(9)،و اللاّم فيها للعهد.

و فيها أمور تلفت النّظر:

1-جاء(البلد)في الجميع مشارا إليه بلفظ(هذا)، فإبراهيم يشير أمام اللّه إلى تلك البقعة مرّتين،و اللّه يشير إليها للنّبيّ عليه السّلام ثلاث مرّات،و هذا إن دلّ على شيء فيدلّ على الاهتمام بتلك البقعة المباركة،بتوجيه النّفوس إليها باسم الإشارة،لكي تتركّز فيها القلوب،و تتّجه نحوها الوجوه.

2-دعا إبراهيم عليه السّلام ربّه بأن يجعل هذا البلد آمنا، فالأمن خاصّ له حتّى للطّيور و السّباع و الجناة،و لكلّ من التجأ به،فهو بلد حرام على الإطلاق،و قد زاد إبراهيم دعاءه في(5)بأن يجنّبه اللّه و بنيه عبادة الأصنام، و فيه ينطوي سرّ هذا الأمن العامّ،و في(6)بأن يرزق أهله من الثّمرات،و فيه ينطوي الأمن المادّيّ.فالأوّل دعاء للعلوّ المعنويّ،و الثّاني دعاء للعلوّ المادّيّ،إلاّ أنّه خصّها بالّذين آمنوا،و وعد الكافرين عذاب النّار،فهذا يحمل العلوّ المعنويّ أيضا.

3-جاء في(5): هَذَا الْبَلَدَ آمِناً، و في(6): هذا بَلَداً آمِناً، و قد وجّهها الطّبريّ بأنّ النّكرة إذا كرّرت صارت معرفة،و مثله في التّنزيل فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ... النّور:35،و لا يعلم مراده بهذا الكلام بالضّبط،فلو أراد أنّ القرآن جاء به أوّلا نكرة ثمّ معرفة،فهذا لا ينطبق على الآيتين،لأنّهما في«إبراهيم»- و هي مكّيّة-معرفة،و في«البقرة»-و هي مدنيّة-نكرة، أي جاء معرفة أوّلا ثمّ نكرة،هذا مع أنّ القضيّة واحدة لم تتكرّر،و الآيتان تحكيانها بوجهين.

و قال غيره:إنّ إبراهيم زار مكّة مرّتين:مرّة قبل أن تصير عامرة،فحين ذاك أشار إلى الأرض و قال:

اِجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً، و مرّة بعد أن صارت عامرة، فقال: اِجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً. و جاء الثّاني في البقرة

ص: 534

و الأوّل في إبراهيم،و لا عبرة بزمان نزولهما و مكانه،بل بحالة البلد عند الدّعاء.

و هناك وجه آخر يبدو أنّه أقلّ تكلّفا،و هو حذف شيء من الآيتين،فحذف«بلدا»في إبراهيم،و«البلد» في البقرة،و تقديرهما جميعا:«ربّ اجعل هذا البلد بلدا آمنا».

4-جاء في(9): وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، فوصف البلد ب(الامين)تصديق لدعاء إبراهيم في الآيتين،و هذا و أمثاله يقوّي العلاقة بين إبراهيم و نبيّنا محمّد و بين شريعتيهما،فإبراهيم دعا اللّه أن يجعل هذا البلد بلدا آمنا،و القرآن يصدّقه،و يقرّ بأنّ هذا البلد صار بدعاء إبراهيم آمنا.

إلاّ أنّه عبّر عنه نقلا عن إبراهيم في(5)باسم الفاعل«آمن»و نقلا عن اللّه في(9)ب«الأمين»،و هو هنا بمعنى اسم المفعول،أي المأمون،فهو أيضا تصديق لدعاء إبراهيم؛حيث صار بدعائه مأمونا،أو هو بمعنى ذي الأمن-و هو الأقرب-و هو نفس«آمن»،لأنّه بمعنى ذي الأمن أيضا،و يصدّقه قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً آل عمران:97،لاحظ«أ م ن».

و عليه فالتّفاوت بينهما نشأ من قبل الرّويّ في سورة التّين،كما جاء فيها(سينين)بدل«سيناء»لنفس السّبب.

5-جاء القسم فيها ب وَ طُورِ سِينِينَ* وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ، و المناسبة بينهما ظاهرة،ففي طور سيناء نزل الوحي على موسى أوّل مرّة،و في مكّة على نبيّنا محمّد، فهذا توثيق للعلاقة بين موسى و محمّد،كتوثيق العلاقة في (5)و(6)بين إبراهيم و محمّد عليهما السّلام.

6-قالوا في وجه تكرار(البلد)في(7 و 8)-و هو لفظ واحد بمعنى واحد،و تكراره يخلّ بالبلاغة-إنّهما موصوفان بوصفين مختلفين،فالمراد بالأوّل:البلد المحرّم، و بالثّاني:البلد المحلّل،للنّبيّ خاصّة،لقوله: وَ أَنْتَ حِلٌّ، و المراد به أنّه محرّم على النّاس و حلّ لك تشريفا لك،قاله الإسكافيّ.

و يردّ بأنّه لا شاهد له على ذلك،لأنّ(البلد)في الأوّل لم يوصف بالمحرّم،و ليس المراد ب وَ أَنْتَ حِلٌّ أنّه حلّ لك،بل معناه و أنت مقيم و متوطّن فيه.قال الطّبرسيّ:«أي و أنت يا محمّد مقيم به و هو محلّك،و هذا تنبيه على شرف البلد بشرف من حلّ به،من الرّسول الدّاعي إلى توحيده،و إخلاص عبادته،و بيان أنّ تعظيمه له،و قسمه به لأجله صلّى اللّه عليه و آله،و لكونه حالاّ فيه، كما سمّيت المدينة:طيّبة،لأنّها طابت به حيّا و ميّتا».

ثمّ حكى الوجه الأوّل نقلا عن ابن عبّاس و تلامذته مجاهد و قتادة و عطاء،و قال:«هذا وعد من اللّه أن يحلّ له مكّة،يقاتل فيها و يفتحها على يده...و قد فعل سبحانه ذلك،فدخلها غلبة و كرها...»إلى أن قال:

و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «أنّ قريشا كانت تعظّم البلد،و تستحلّ محمّدا فيه،فقال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ.. .»،إلى أن قال:

«فاستحلّوا من رسول اللّه ما لم يستحلّوا من غيره»مجمع البيان(5:493).

و الوجه عندنا-كما سبق-أنّ التّكرار للاهتمام بشأن البلد،فأشار إليه إشارة قريبة ب(هذا)خمس مرّات،منها مرّتين في آيتي البلد،هذا بالإضافة إلى رعاية الرّويّ

ص: 535

فيها.

ثالثا:و جاء البلاد(5)مرّات أيضا في(10)إلى (14)،و كلّها ذمّ،و قد كانت آيات(البلد)-و كذلك «البلدة»كما يأتي-كلّها مدح أريد بها الأرض الّتي أحياها اللّه بماء السّماء،أو مكّة المكرّمة.

و هذه نكتة وقفنا عليها خلال النّظر إلى آيات هذه المادّة مجتمعة،و كم لها من نظير في هذا المعجم.فثلاث منها-و هي(10)إلى(12)-حول تقلّب الّذين كفروا و تنقيبهم في البلاد،فينبغي أن لا يغرّنّ النّبيّ و المسلمين تقلّبهم في البلاد،فقد أهلك اللّه قبلهم من هو أشدّ منهم بطشا.و آيتان-و هي(13)و(14)-جاءتا في شأن قوم عاد و قوم فرعون،فهما خاصّتان،و تلك عامّة،و كلّها تقريع للكفّار بكفرهم.

رابعا:و جاءت(البلدة)(5)مرّات مدحا،ثلاث منها-و هي(15)إلى(17)-في البلدة الميّتة الّتي أحياها اللّه بماء السّماء،و واحدة في الأرض الطّيّبة،مثل(البلد) تماما،و واحدة في مكّة المكرّمة.

خامسا:و هناك تشابه في المحتوى بين آيات(البلد) و(البلدة)مدحا،و كذلك بين آيات(البلاد)ذمّا،و هي أيضا مماثلة في الأرقام،فكلّها جاءت(5)مرّات، و المفرد و الجمع فيها مدحا و ذمّا،مثل الحزب و الأحزاب،فقد جاءت الأحزاب في القرآن في سياق الذمّ دائما،و جاء الحزب في سياق المدح،لاحظ«ح ز ب»

ص: 536

ب ل س

اشارة

لفظان،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

يبلس 1:1 مبلسون 3:3

مبلسين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :المبلس:الكئيب،الحزين،المتندّم.

و البلسان:شجر،حبّه يجعل في الدّواء،و لحبّه دهن يتنافس فيه.(7:262)

الفرّاء: المبلس:اليائس،و الّذي انقطع رجاؤه، و لذلك قيل للّذي يسكت عند انقطاع حجّته،و لا يكون عنده جواب:قد أبلس.[ثمّ استشهد بشعر](1:335)

المبلاس:المحكمة.(الصّغانيّ 3:327)

أبو عبيدة :و ممّا دخل في كلام العرب من كلام فارس:المسح،تسمّيه البلاس بالباء المشبعة،و جمعه:

بلس.

نحوه الضّبّيّ.(الأزهريّ 12:442)

اللّحيانيّ: ما ذقت علوسا و لا بلوسا،أي ما أكلت شيئا.(الأزهريّ 12:442)

ابن الأعرابيّ: البلس،بضمّ الباء و اللاّم:العدس، و هو البلس.

و البلس:ثمر التّين،إذا أدرك،الواحدة:بلسة.

(الأزهريّ 12:441)

البندينجيّ: و البلّس:اليائس،قال اللّه جلّ و عزّ:

وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ الرّوم:12 و لذلك سمّي اللّعين إبليس،لأنّه مبلس من رحمة اللّه.

(464)

ثعلب :أبلس الرّجل:قطع به.(ابن سيدة 8:512)

ابن دريد :بلس:في معنى أجل،فيقال في معكوسه:بسل،أي أجل،أي هو كما تقول.

و البلس:جمع بلاس،و هو فارسيّ معرّب،و هي

ص: 537

المسوح،و قد تكلّمت به العرب قديما،و أهل المدينة يتكلّمون به إلى اليوم.

و البلس:حبّ يشبه العدس،أو العدس بعينه،يمكن أن تكون النّون فيه زائدة،لغة لأهل الشّام،و قيل:

البلس أيضا.

و أبلس الرّجل إبلاسا فهو مبلس،إذا يئس.

(1:288)

نفطويه: الإبلاس:الحيرة،و اليأس،و منه:سمّي إبليس،لأنّه أبلس عن رحمة اللّه،أي يئس منها و تحيّر.

(الهرويّ 1:205)

نحوه ابن سيدة.(الإفصاح 1:176)

ابن الأنباريّ: الإبلاس معناه في اللّغة:القنوط، و قطع الرّجاء من رحمة اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

أبلس الرّجل،إذا انقطع،فلم تكن له حجّة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:442)

الأزهريّ: يقال لبائعه[المسح]:البلاّس.

(12:442)

و جاء في حديث:«من أحبّ أن يرقّ قلبه فليدمن أكل البلس»،و هو التّين،إن كانت الرّواية بفتح الباء و اللاّم،و إن كانت الرّواية«البلس»،فهو العدس.و في حديث عطاء:«البلسن»،و هو العدس.(12:442)

الصّاحب: المبلس:الحزين،الكئيب،المتندّم.

و سمّي إبليس،لأنّه أبلس عن الخير،أي أويس منه.

و المبلس أيضا:البائس.

و البلس في شعر ابن أحمر،هو المبلس السّاكت على ما في نفسه.[إلى أن قال:]

و البلاس:الجوالق الواسع الفم،و جمعه:بلس.

(8:328)

الخطّابيّ: و في حديث النّبيّ:«و أبلسوا حتّى ما أوضحوا بضاحكة»،و قوله:أبلسوا:معناه سكتوا.

و المبلس:السّاكت من الحزن.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:466)

الجوهريّ: أبلس من رحمة اللّه،أي يئس،و منه سمّي إبليس،و كان اسمه عزازيل.

و الإبلاس أيضا:الانكسار و الحزن،يقال:أبلس فلان،إذا سكت غمّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبلست النّاقة،إذا لم ترغ من شدّة الضّبعة؛فهي مبلاس.

و البلس،بالتّحريك:شيء يشبه التّين،يكثر باليمن.

و أهل المدينة يسمّون المسح:بلاسا،و هو فارسيّ معرّب.

و من دعائهم:أرانيك اللّه على البلس بالضّمّ،و هي غرائر كبار من مسوح،يجعل فيها التّين،و يشهّر عليها من ينكّل به،و ينادى عليه.(3:909)

نحوه الرّازيّ.(77)

ابن فارس: الباء و اللاّم و السّين أصل واحد، و ما بعده فلا معوّل عليه.فالأصل:اليأس،يقال:أبلس، إذا يئس،قال اللّه تعالى: إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ المؤمنون:77،قالوا:و من ذلك:اشتقّ اسم إبليس، كأنّه يئس من رحمة اللّه.

و من هذا الباب:أبلس الرّجل:سكت،و منه:

أبلست النّاقة،و هي مبلاس،إذا لم ترغ من شدّة الضّبعة.

[ثمّ استشهد بشعر](1:299)

ص: 538

ابن سيدة: أبلس:سكت.و أبلس،يئس و ندم، و في التّنزيل يوم يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ الرّوم:12.

البلاس:المسح،و الجمع:بلس.

و البلس:التّين.و البلسان:شجر لحبّه دهن.

(8:512)

نحوه الفيّوميّ.(1:60)

الإبلاس:السّكوت لحيرة،أو انقطاع حجّة،قال تعالى: وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ الرّوم:

12.(الإفصاح 1:240)

البلس:العدس المأكول.(الإفصاح 1:434)

البلسان:شجر صغار كشجر الحنّاء،لا ينبت إلاّ ب«عين شمس»:ظاهر القاهرة،يتنافس في دهنها.

(الإفصاح 2:1122)

البلس:ثمر كالتّين،و التّين نفسه إذا أدرك.

و قيل:البلس:الثّمر،و الشّجر،التّين.

(الإفصاح 2:1157)

الطّوسيّ: و الإبلاس:اليأس من الرّحمة،من شدّة الحيرة،يقال:أبلس فلان،إذا تحيّر عند انقطاع الحجّة.

(9:216)

الرّاغب: الإبلاس:الحزن المعترض من شدّة البأس،يقال:أبلس،و منه:اشتقّ إبليس فيما قيل.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و لمّا كان المبلس كثيرا ما يلزم السّكوت،و ينسى ما يعنيه،قيل:أبلس فلان،إذا سكت،و إذا انقطعت حجّته.

و أبلست النّاقة فهي مبلاس،إذا لم ترغ من شدّة الضّبعة،و أمّا البلاس للمسح ففارسيّ معرّب.(60)

الزّمخشريّ: ناقة مبلاس:لا ترغو من شدّة الضّبعة،و قد أبلست،و منه:أبلس فلان فهو مبلس،إذا سكت من يأس، وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ الزّخرف:75.

و تقول:حبّ البلس أنساني حبّ البلسان،و هو التّين.(أساس البلاغة:29)

البلس،هو التّين.و روي:البلس و البلسن،و هما العدس.و قيل:حبّ يشبهه،و النّون في البلسن مزيدة، مثلها في:خلبن و رعشن،من الخلابة و الرّعشة.

(الفائق 1:128)

الطّبرسيّ: و المبلس:الشّديد الحسرة.[ثمّ استشهد بشعر](4:300)

الإبلاس:اليأس من الخير،و قيل:هو التّحيّر عند لزوم الحجّة.[ثمّ استشهد بشعر](4:298)

المدينيّ: في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:

«بعث اللّه تعالى الطّير على أصحاب الفيل كالبلسان».

البلسان:شجر كثير الورق،ينبت بمصر،له دهن، و قال عبّاد بن موسى:أظنّها الزّرازير،يعني تلك الطّيور.

و في حديث المتكبّرين:«أنّهم في سجن في النّار، يقال له:بولس»،كذا أملاه الإمام أبو القاسم بضمّ الباء، و يجوز كسر لامه و فتحها،و لعلّه من«الإبلاس»إن كان عربيّا.

و في الحديث:«فأبلسوا»:أي سكتوا،و إنّما قيل للبائس:مبلس،لأنّ نفسه لا تحدّثه بالرّجاء.(1:185)

ابن الأثير: و منه الحديث:«أ لم تر الجنّ و إبلاسها»، أي تحيّرها و دهشها.

ص: 539

و فيه:«من أحبّ أن يرقّ قلبه فليدم أكل البلس»، هو بفتح الباء و اللاّم:التّين.و قيل:هو شيء باليمن يشبه التّين.و قيل:هو العدس،و هو عن ابن الأعرابيّ مضموم الباء و اللاّم.

و منه حديث ابن جريج،قال:«سألت عطاء عن صدقة الحبّ،فقال:فيه كلّه الصّدقة،فذكر الذّرّة و الدّخن و البلس و الجلجلان».

و قد يقال فيه:البلسن،بزيادة النّون.(1:152)

الصّغانيّ: بلاس مثل سحاب:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر الجوهريّ«البلسن»في حرف النّون، و الصّواب إيراده في هذا الموضع،و النّون فيه زائدة، مثلها في:خلبن و رعشن،من الخلابة و الرّعشة،و قد ذكرهما في موضعيهما على الصّحّة.

و البلاّس،بالفتح و التّشديد:بائع المسوح.

البلس،المبلس:السّاكت على ما في نفسه.

و بلاس-المذكور في المتن-هو بدمشق،و بلاس أيضا:بلد بين واسط و البصرة.

و بلس:جبل أحمر في بلاد محارب،و بلنسية:كورة بالأندلس.(3:327)

القرطبيّ: المبلس:الباهت الحزين،الآيس من الخير الّذي لا يحير جوابا،لشدّة ما نزل به من سوء الحال.[ثمّ استشهد بشعر](6:426)

الفيروزآباديّ: البلس،محرّكة:من لا خير عنده، أو عنده إبلاس،و شرّ،و ثمر كالتّين،و التّين نفسه.

و بضمّتين:جبل أحمر ببلاد محارب،و العدس المأكول كالبلسن.

و ككتف:المبلس السّاكت على ما في نفسه، و كسحاب:المسح.جمعه:بلس،و بائعه:بلاّس، و موضع بدمشق،و بلدة بين واسط و البصرة،و بهاء:

قرية ببجيلة.

و البلسان:شجر صغار كشجر الحنّاء،لا ينبت إلاّ ب«عين شمس»ظاهر القاهرة،يتنافس في دهنها.

و المبلاس:النّاقة المحكمة الضّبعة.

و أبلس:يئس و تحيّر،منه:إبليس،أو هو أعجميّ.

و النّاقة:لم ترغ من شدّة الضّبعة.

و ما ذقت علوسا و لا بلوسا:شيئا.

و بولس،بضمّ الباء و فتح اللاّم:سجن بجهنّم، أعاذنا اللّه تعالى منها.

و بالس كصاحب:بلدة بشطّ الفرات.

بلبيس كغرنيق،و قد يفتح أوّله:بلدة بمصر.

(2:208)

مجمع اللّغة :أبلس يبلس إبلاسا،يأتي لمعان متقاربة متلازمة،منها:حزن و تحيّر،و يئس،و سكت غمّا،و انقطع في حجّته.

و اسم الفاعل منه:مبلس،و جمعه:مبلسون.

(1:121)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:78)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الإبلاس«إفعال»، بمعنى اليأس الشّديد،إذا كان من سوء عمله،و أوجب حزنا و ابتلاء شديدا،مع الخفض و الفقر الشّديد، و اليأس أعمّ من أن يكون بسوء العمل من قبل نفسه،

ص: 540

و الإفلاس أعمّ من أن يلازم اليأس،و الإبسال-كما مرّ- هو التّسليم للهلاكة و الابتلاء،و ليس فيه قيد اليأس.

ثمّ إنّ الإبلاس لم يستعمل له فعل مجرّد بمعناه.و لمّا كان«أفعل»يدلّ على نسبة المادّة إلى«الفاعل»على وجه الصّدور،بمعنى أنّ النّظر فيه إلى جهة القيام و الصّدور،فيستفاد من هذه الهيئة الاختيار و إرادة العمل،سواء كان لازما أو متعدّيا.

فمعنى أبلس:من قام به اليأس و صدر منه،و هذا بخلاف يئس،فإنّه بمعنى:من ثبت و تحقّق له القنوط.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فظهر أنّ«الإبلاس»مرتبة شديدة و كاملة من اليأس،و لا يخفى أنّ اليأس من أشدّ العذاب يوم القيامة، و لا عذاب أشدّ منه،و من كان في حالة اليأس الشّديد لا يدرك عذاب النّار و أهوالها،و يتعقّبه الأسف و الحسرة قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها الأنعام:31.

(1:313)

النّصوص التّفسيريّة

يبلس

وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ. الرّوم:12

ابن عبّاس: ييأس المجرمون.(ابن كثير 5:351)

مجاهد :يكتب.(الطّبريّ 21:26)

يفتضح المجرمون.(ابن كثير 5:351)

قتادة :أي في النّار.(الطّبريّ 21:26)

ييأس المشركون من كلّ خير.

مثله الكلبيّ.(البغويّ 3:572)

ابن زيد :المبلس:الّذي قد نزل به الشّرّ،إذا أبلس الرّجل:فقد نزل به بلاء.(الطّبريّ 21:26)

الفرّاء: ييأسون من كلّ خير،و ينقطع كلامهم و حججهم.

و قرأ أبو عبد الرحمن السّلميّ: (يبلس المجرمون) بفتح اللاّم،و الأولى أجود.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:322)

الطّبريّ: يقول:ييأس الّذين أشركوا باللّه، و اكتسبوا في الدّنيا مساوئ الأعمال من كلّ شرّ، و يكتئبون و يتندّمون.[ثمّ استشهد بشعر]

(الطّبريّ 21:26)

الزّجّاج: أعلم اللّه عزّ و جلّ أنّهم في القيامة ينقطعون في الحجّة،انقطاع يائسين من رحمة اللّه.

(4:179)

الطّوسيّ: قيل:معناه ييئسون،و قيل:يتحيّرون، و قيل:تنقطع حججهم.فالإبلاس:التّحيّر عند لزوم الحجّة،فالمجرم يبلس يوم القيامة،لأنّه تظهر جلائل آيات الآخرة،الّتي تقع عندها على الضّرورة،فيتحيّر أعظم الحيرة.[ثمّ استشهد بشعر](8:235)

نحوه الطّبرسيّ.(4:298)

الميبديّ: ييأس المشركون من جميع الخيرات، و من شفاعة الشّافعين،و قيل:ينقطع كلامهم و حجّتهم، و يفتضحون.(7:432)

نحوه الخازن(5:169)،و البروسويّ(7:12)

الزّمخشريّ: الإبلاس،أي يبقى بائسا،ساكتا

ص: 541

متحيّرا.[إلى أن قال:]

و قرئ: (يبلس) بفتح اللاّم من:أبلسه،إذا أسكته.

(3:216)

نحوه البيضاويّ(2:217)،و الشّربينيّ(3:159)، و أبو السّعود(5:167)،و النّسفيّ(3:267)

ابن عطيّة: و الإبلاس:الكون في شرّ،مع اليأس من الخير في ذلك الشرّ بعينه،فإبلاسهم هو في عذاب اللّه تعالى.

و قرأ عامّة القرّاء بكسر اللاّم،و قرأ أبو عبد الرّحمن و أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب-رضي اللّه عنه- بفتحها.

و أبلس الرّبع،إذا بلي،و كأنّه يئس من العمارة.[ثمّ استشهد بشعر](4:331)

نحوه القرطبيّ.(14:10)

الفخر الرّازيّ: في ذلك اليوم يتبيّن إفلاسهم، و يتحقّق إبلاسهم.

و الإبلاس:يأس مع حيرة،يعني يوم تقوم السّاعة يكون للمجرم يأس محيّر،و هذا لأنّ الطّمع إذا انقطع باليأس؛فإذا كان المرجوّ أمرا غير ضروريّ يستريح الطّامع من الانتظار،و إن كان ضروريّا بالإبقاء له،نراه ينفطر فؤاده أشدّ انفطار،و مثل هذا اليأس هو الإبلاس.

و لنبيّن حال المجرم و إبلاسه بمثال؛و هو أن نقول:مثله مثل من يكون في بستان،و حواليه الملاعب و الملاهي، ولديه ما يفتخر به و يباهى،فيخبره صادق بمجيء عدوّ، لا يردّه رادّ،و لا يصدّه صادّ،إذا جاءه لا يبلعه ريقا، و لا يترك له إلى الخلاص طريقا،فيتحتّم عليه الاشتغال بسلوك طريق الخلاص.

فيقول له طفل أو مجنون:إنّ هذه الشّجرة الّتي أنت تحتها لها من الخواصّ:دفع الأعادي عمّن يكون تحتها، فيقبل ذلك الغافل على استيفائه ملاذة،معتمدا على الشّجرة بقول ذلك الصّبيّ.فيجيئه العدوّ و يحيط به، فأوّل ما يريه من الأهوال قلع تلك الشّجرة،فيبقى متحيّرا آيسا،مفتقرا.

فكذلك المجرم في دار الدّنيا أقبل على استيفاء اللّذّات،و أخبره النّبيّ الصّادق:بأنّ اللّه يجزيه،و يأتيه عذاب يخزيه،فقال له الشّيطان و النّفس الأمّارة بالسّوء:

إنّ هذه الاخشاب الّتي هي الأوثان دافعة عنك كلّ بأس،و شافعة لك عند خمود الحواسّ.

فاشتغل بما هو فيه،و استمرّ على غيّه،حتّى إذا جاءته الطّامّة الكبرى،فأوّل ما أرته إلقاء الأصنام في النّار،فلا يجد إلى الخلاص من طريق،و يحقّ عليه عذاب الحريق،فييأس حينئذ أيّ إياس،و يبلس أشدّ إبلاس، و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَ كانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ الرّوم:13،يعني يكفرون بهم ذلك اليوم.(25:101)

أبو حيّان: و الجمهور(يبلس)بكسر اللاّم،و عليّ و السّلميّ بفتحها،من:أبلسه،إذا أسكته،و الجمهور:و لم يكن بالياء،و خارجة و الأريس كلاهما عن نافع، و ابن سنان عن أبي جعفر،و الأنطاكيّ عن شيبة بتاء التّأنيث.(7:165)

الآلوسيّ: قرأ عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه و السّلميّ:

(يبلس) بفتح اللاّم،و خرّج على أنّ الفعل من أبلسه،إذا

ص: 542

أسكته،و ظاهره أنّه يكون متعدّيا.

و قد أنكره أبو البقاء و السّمين و غيرهما حتّى تكلّفوا،و قالوا:أصله:يبلس إبلاس المجرمين،على إقامة المصدر مقام«الفاعل»ثمّ حذفه و إقامة المضاف إليه مقامه.و تعقّبه الخفاجيّ عليه الرّحمة،فقال:لا يخفى عدم صحّته،لأنّ إبلاس المجرمين مصدر مضاف لفاعله، و فاعله هو فاعل الفعل بعينه،فكيف يكون نائب الفاعل!فتأمّل.

و أنت تعلم أنّه متى صحت القراءة لا تسمع دعوى:

عدم سماع استعمال أبلس متعدّيا.(21:25)

مجمع اللّغة :أي يسكتون واجمين،سكوت يأس و انقطاع و تحيّر.(1:121)

الطّباطبائيّ: ذكر حال المجرمين بعد قيام السّاعة، و هي ساعة الرّجوع إليه تعالى للحساب و الجزاء.

و الإبلاس:اليأس من اللّه،و فيه كلّ الشّقاء.

(16:159)

المراغيّ: أي و يوم تجيء السّاعة الّتي فيها يفصل اللّه بين خلقه،بعد نشرهم من قبورهم،و حشرهم إلى موقف الحساب،يسكت الّذين أشركوا باللّه،و اجترحوا في الدّنيا مساوئ الأعمال؛إذ لا يجدون حجّة يدفعون بها عن أنفسهم،ما يحلّ بهم من النّكال و الوبال.(21:33)

مكارم الشّيرازيّ: و«يبلس»مأخوذ من مادّة «إبلاس»و هي في الأصل تعني الغمّ و الحزن الّذي يكون على أثر اليأس و القنوط.

و بديهيّ أنّه إذا يئس الإنسان من شيء غير ضروريّ فهذا المأيوس منه غير مهمّ،لكن الحزن و الغمّ يكشف في هذه الموارد عن أمور ضروريّة مأيوس منها، لذلك يرى بعض المفسّرين أنّ«الضّرورة»جزء من «الإبلاس»و إنّما سمّي«إبليس»بهذا الاسم فلأنّه أبلس من رحمة اللّه و صار آيسا منها.

و على كلّ حال فيحقّ للمجرمين أن ييأسوا و يبلسوا في ذلك اليوم؛إذ ليس لديهم إيمان و عمل صالح فيشفع لهم في عرصات المحشر،و لا صديق حميم،و لا مجال للرّجوع إلى الدّنيا و تدارك ما مضى!.(12:441)

مبلسون

1- فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. الأنعام:44

ابن عبّاس: أنّه الآيس من رحمة اللّه عزّ و جلّ.

(ابن الجوزيّ 2:39)

نحوه الجبّانيّ.(الطّوسيّ 4:147)

الآيس من كلّ خير.(ابن الجوزيّ 2:39)

متحيّرون.(أبو حيّان 4:131)

مجاهد :فإذا هم مهلكون.(الطّبريّ 7:194)

الإبلاس:السّكوت مع اكتئاب.(الطّوسيّ 4:147)

الإبلاس:الفضيحة.(ابن الجوزيّ 2:40)

الحسن :مكتئبون.(أبو حيّان 4:131)

السّدّيّ: فإذا هم مهلكون،متغيّر حالهم.

(الطّبريّ 7:194)

ابن زيد :المبلس:الّذي قد نزل به الشرّ الّذي لا يدفعه،و المبلس:أشدّ من

ص: 543

المستكين.(الطّبريّ 7:195)

قطرب: خاشعون.

مثله ابن كيسان.(أبو حيّان 4:131)

الفرّاء: المنقطع الحجّة.(الطّوسيّ 4:147)

أبو عبيدة :المبلس:الحزين الدّائم.[ثمّ استشهد بشعر](1:192)

إنّه الحزين النّادم.(ابن الجوزيّ 2:40)

الطّبريّ: أمّا قوله: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، فإنّه هالكون،منقطعة حججهم،نادمون على ما سلف منهم، من تكذيبهم رسلهم.

و أصل الإبلاس في كلام العرب عند بعضهم:الحزن على الشّيء،و النّدم عليه.و عند بعضهم:انقطاع الحجّة، و السّكوت عند انقطاع الحجّة.و عند بعضهم:الخشوع.

و قالوا:هو المخذول المتروك.[ثمّ استشهد بشعر]

و تأوّله الآخرون:بمعنى الخشوع،و ترك أهله إيّاه مقيما بمكانه،و الآخرون:بمعنى الحزن و النّدم،يقال منه:أبلس الرّجل إبلاسا،و منه قيل لإبليس:إبليس.

(7:195)

نحوه رشيد رضا.(7:414)

الزّجّاج: المبلس:الشّديد الحسرة،و اليائس الحزين.(2:249)

المبلس:السّاكت،المتحيّر.(ابن الجوزيّ 2:40)

البلخيّ: أذلّة،خاضعون.(الطّبرسيّ 2:302)

البغويّ: آيسون من كلّ خير،و أصل الإبلاس:

الإطراق من الحزن و النّدم.(2:124)

مثله الخازن(2:11)،و النّسفيّ(2:12).

الزّمخشريّ: واجمون،متحسّرون،آيسون.

(2:19)

نحوه مجمع اللّغة.(1:121)

ابن عطيّة: و المبلس:الحزين الباهت،اليائس من الخير،الحزين الّذي لا يحير جوابا،لشدّة ما نزل به من سوء الحال.(2:292)

الطّبرسيّ: أي آيسون من النّجاة و الرّحمة،عن ابن عبّاس،و قيل:أذلّة خاضعون،عن البلخيّ،و قيل:

متحيّرون،منقطعو الحجّة،و المعاني متقاربة.(2:302)

الفخر الرّازيّ: أي آيسون من كلّ خير.[ثمّ ذكر قول الفرّاء المتقدّم في النّصوص اللّغويّة،و قول الزّجّاج]

(12:226)

البيضاويّ: متحسّرون،آيسون.(1:310)

نحوه الكاشانيّ(2:120)،و شبّر(2:258)

أبو حيّان: أي باهتون بائسون،لا يخبرون جوابا.

[إلى أن قال:]أي ففي ذلك المكان هم(مبلسون)،أي مكان إقامتهم و ذلك الزّمان هم(مبلسون).

و أصل الإبلاس:الإطراق،لحلول نقمة،أو زوال نعمة.(4:131)

أبو السّعود: متحسّرون غاية الحسرة،آيسون من كلّ خير،واجمون.و في الجملة الاسميّة دلالة على استقرارهم على تلك الحالة الفظيعة.(2:383)

نحوه البروسويّ.(3:30)

الآلوسيّ: عن السّدّيّ،الإبلاس:تغيّر الوجه، و منه:سمّي إبليس،لأنّ اللّه تعالى نكّس وجهه و غيّره.

[إلى أن قال:]

ص: 544

و(اذا)هي الفجائيّة،و هي ظرف مكان،كما نصّ عليه أبو البقاء.و عن جماعة أنّها ظرف زمان،و مذهب الكوفيّين أنّها حرف،و على القولين الأوّلين النّاصب لها خبر المبتدإ،أي أبلسوا في مكان إقامتهم،أو في زمانها.

(7:152)

الطّباطبائيّ: و مبلسون من:أبلس إبلاسا.[ثمّ ذكر كلام الرّاغب و أضاف:]

و على هذا،المناسب لقوله: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أي خامدون،منقطعو الحجّة.

و معنى الآية:أنّهم لمّا نسوا ما ذكّروا به أو أعرضوا عنه،آتيناهم من كلّ نعمة استدراجا،حتّى إذا تمّت لهم النّعم،و فرحوا بما أوتوا منها أخذناهم فجأة،فانخمدت أنفاسهم،و لا حجّة لهم،لاستحقاقهم ذلك.(7:92)

المراغيّ: أي يائسون من النّجاة.(7:125)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(مبلسون)في سورة الزّخرف:75.

2- حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. المؤمنون:77

الطّبريّ: يقول:إذا هؤلاء المشركون فيما فتحنا عليهم من العذاب حزنى،نادمون على ما سلف منهم،في تكذيبهم بآيات اللّه،في حين لا ينفعهم النّدم و الحزن.

(18:46)

الزّمخشريّ: و الإبلاس:اليأس من كلّ خير، و قيل:السّكوت مع التّحيّر.(3:38)

نحوه الطّبرسيّ(4:114)،و الفخر الرّازيّ(23:

114)،و القرطبيّ(12:143)

البيضاويّ: متحيّرون،آيسون من كلّ خير، حتّى جاءك أعتاهم يستعطفك.(2:112)

مثله الكاشانيّ(3:406)،و شبّر(4:287).

النّسفيّ: [قال نحو البيضاويّ و أضاف:]

أو محنّاهم بكلّ محنة من القتل و الجوع،فما رؤي فيهم لين مقادة،و هم كذلك حتّى إذا عذّبوا بنار جهنّم، فحينئذ يبلسون،كقوله: وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ. (3:125)

أبو حيّان:و المبلس:الآيس من الشّرّ الّذي ناله.

و قرأ السّلميّ: (مبلسون) بفتح اللاّم.(6:416)

ابن كثير :أي حتّى إذا جاءهم أمر اللّه،و جاءتهم السّاعة بغتة،فأخذهم من عذاب اللّه ما لم يكونوا يحتسبون،فعند ذلك أبلسوا من كلّ خير،و أيسوا من كلّ راحة،و انقطعت آمالهم و رجاؤهم.(5:32)

أبو السّعود: [قال نحو النّسفيّ و أضاف:]

و أمّا ما أظهره أبو سفيان فليس من الاستكانة له تعالى،و التّضرّع إليه تعالى في شيء،و إنّما هو نوع خنوع إلى أن يتمّ غرضه،فحاله كما قيل:إذا جاع ضغا،و إذا شبع طغا.و أكثرهم مستمرّون على ذلك إلى أن يروا عذاب الآخرة،فحينئذ يبلسون.

و قيل:المراد بالباب:الجوع،فإنّه أشدّ و أعمّ من القتل و الأسر.

و المعنى:أخذناهم أوّلا بما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم و أسرهم،فما وجد منهم تضرّع و استكانة،حتّى فتحنا عليهم باب الجوع الّذي هو أطمّ

ص: 545

و أتمّ،فأبلسوا السّاعة،و خضعت رقابهم،و جاءك أعتاهم و أشدّهم شكيمة في العناد يستعطفك،و الوجه هو الأوّل.(4:428)

نحوه البروسويّ(6:98)،و الآلوسيّ(18:56).

الطّباطبائيّ: أي هم على حالهم هذه،لا ينفع فيهم رحمة و لا عذاب،حتّى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد و هو الموت،بما يستتبعه من عذاب الآخرة-على ما يعطيه سياق الآيات و خاصّة الآيات الآتية- فيفاجئوهم الإبلاس،و اليأس من كلّ خير.(15:50)

المراغيّ: أي حتّى إذا جاءهم أمر اللّه،و جاءتهم السّاعة بغتة،و أخذهم من العذاب ما لم يكونوا يحتسبون،أيسوا من كلّ خير،و انقطعت آمالهم،و خاب رجاؤهم.(18:44)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في المادّة:الإبلاس،أي اليأس،يقال:

أبلس الرّجل إبلاسا فهو مبلس،و أبلس:سكت و انقطعت حجّته،و لم يحر جوابا،و أبلس:حزن و ندم.

و منه أيضا:أبلست النّاقة،إذا لم ترغ من شدّة الضّبعة، أي الشّهوة و اشتهاء الفحل،فهي مبلاس.

2-و ما سوى ذلك ممّا ألحق بهذه المادّة فليس بعربيّ،و منه:البلسان،و هو شجر ينبت بمصر،و حبّه ذو دهن يتنافس فيه،لفوائده الطّبّيّة.و ذكر صاحب «القاموس المقدّس»:أنّ رهبان«أريحا»يظنّون أنّ الزّقّوم هو البلسان:الّذي ينبت في«جلعاد»من أرض فلسطين.

و قيل:البلسان لفظ يونانيّ أصله«بلسامون»،أو فارسيّ أصله«پلت».

و البلاس:المسح بلغة أهل المدينة،و هو كساء من شعر،أو وعاء من صوف أو شعر،أو غيرهما،يجعل فيه التّين،و بائعه:بلاّس،و جمعه:بلس،و من دعائهم:

«أرانيك اللّه على البلس»إذ كان يشهّر عليها من ينكّل به،و ينادى عليه.

و«البلاس»فارسيّ،أصله«پلاس»،و معناه بالفارسيّة:قماش خشن،أو قطعة بالية منه تنسج من الصّوف أو القطن،تفرش على الأرض.

3-و قد ورد لفظان من هذه المادّة في اللّغة العبريّة، و هما:بلاس»بمعنى الحفظ و المنع و اللّجام،و هو يضارع الإبلاس-أي السّكوت و انقطاع الحجّة-في العربيّة،إلاّ أنّه لم يستعمل فيها فعل مجرّد.و اللّفظ الآخر:

«بالسس»،أي بلسان.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«الإبلاس»من باب«الإفعال»(5)مرّات:مرّة فعلا،و أربع مرّات اسم فاعل:

1- وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ

الرّوم:12

2- فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ الأنعام:44

3- حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ المؤمنون:77

ص: 546

4- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ الزّخرف:74،75

5- وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ الرّوم:49

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت في القرآن من هذه المادّة سوى باب«الإفعال»مجاراة للّغة،و هو وصف ذمّ دائما، فوردت واحدة منها-و هي(5)-في شأن الّذين كانوا آيسين محزونين من قبل أن ينزل عليهم الماء من السّماء، فإذا نزل فإذا هم يستبشرون.و جاءت سائر الآيات بشأن النّاس حين نزول العذاب عليهم مرّتين في الدّنيا:

(2)و(3)،و مرّتين يوم القيامة:(1)و(4)،فاستوى حالهم في الدّنيا و الآخرة.

ثانيا:هناك تشابه-كما يبدو لأوّل وهلة-بين سياق (2)و(3)في لفظ(فتحنا عليهم)مع اختلاف المغزى، ففي(2): فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، أي فتحنا عليهم أبواب النّعمة من كلّ لون، ففرحوا فأخذناهم بالعذاب بغتة.و في(3): فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ، من دون ذكر النّعمة فيها.

نعم جاء قبلها: وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَ كَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ* وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ المؤمنون:75،76، و مآلهما مع اختلاف السّياق واحد،و هو وجود الطّغيان عقيب النّعمة،فيتعقّبها العذاب.

ثالثا:المعذّبون يوم القيامة في(1)و(4)وصفوا ب(المجرمين)،و الإجرام أشدّ من العصيان،و قد وعد المجرمون في آيات كثيرة بألوان من العذاب،فالمجرم لا ينجو من عذاب النّار،كما قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:

74،لاحظ«ج ر م».

رابعا:ما أشبه حال المبلسين بحال إبليس الّذي لا يصدر عنه سوى الشّرّ!و لهذا قيل باشتقاقه منها،و هو خطأ،لاحظ«إبليس».

ص: 547

ص: 548

ب ل ع

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بلع الماء يبلع بلعا،أي شرب.و ابتلع الطّعام،أي لم يمضغه.

و البلعة من قامة البكرة:سمّها و ثقبها،و يجمع على بلع.

و البالوعة و البلّوعة:بئر يضيّق رأسها لماء المطر.

و المبلع:موضع الابتلاع من الحلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و البلعة و الزّردة:الإنسان الأكول.و رجل متبلّع، إذا كان أكولا.

و سعد بلع:نجم يجعلونه معرفة.

و رجل بلع،أي كأنّه يبتلع الكلام.[ثمّ استشهد بشعر](2:151)

الكسائيّ: بلعت الطّعام أبلعه بلعا،و سرطته سرطا،إذا ابتلعته.(الأزهريّ 2:411)

الفرّاء:امرأة بلعة:تبلع كلّ شيء.

(الصّغانيّ 4:219)

أبو زيد: يقال للإنسان أوّل ما يظهر فيه الشّيب:قد بلّع فيه الشّيب تبليعا.(الأزهريّ 2:412)

ابن الأعرابيّ: البولع:الكثير الأكل.

(الأزهريّ 2:412)

بلع الشّيء بلعا و ابتلعه و تبلّعه،و سرطه سرطا:

جرعه.

تبلّع فيه الشّيب:كبلّع،فهما لغتان.

(ابن منظور 8:20)

ابن دريد :بلعت الشّيء أبلعه بلعا و ابتلعته ابتلاعا،و سعد بلع:نجم من نجوم السّماء.و بنو بلع:بطين من قضاعة.و البلّوعة:حفرة في الأرض تبتلع الماء.

و رجل بلع:كثير الأكل،و كذلك امرأة بلعة.

و بلعاء بن قيس الكنانيّ: اسم رجل من سادات

ص: 549

العرب.(1:315)

و يقولون:نعم البلوع هذا،يعنون الشّراب.و كلّ شراب فهو بلوع.(3:469)

الأزهريّ: و سعد بلع:نجمان معترضان خفيّان ما بينهما قريب،يقال:إنّه سمّي بلع،لأنّه كأنّه لقرب صاحبه منه يكاد يبلعه،يعني الكوكب الّذي معه.

رجل بلع و مبلع و بلعة،إذا كان كثير الأكل.

(2:412)

الصّاحب: [قال نحو الخليل و أضاف:]

و سعد بلع:نجمان،و ذاك لأنّ أحدهما كأنّه بلع الآخر،و قيل:بل لأنّه طلع حين قيل للأرض: اِبْلَعِي ماءَكِ هود:44.

و رجل بلع:كأنّه يبتلع الكلام.

و بلّع فيه الشّيب:ظهر.

و البلعلع:طائر طويل العنق،من طير الماء،و كأنّه من البلع.

و قدر بلوع:واسعة.

و المبلعة:الرّكيّة المطويّة من القعر إلى الشّفة.

و يقال للبالوعة:بلاّعة و بلّوعة.(2:54)

الجوهريّ: بلعت الشّيء بالكسر و ابتلعته بمعنى، و أبلعته غيري.[إلى أن قال:]

و البالوعة:ثقب في وسط الدّار،و كذلك البلّوعة، و الجمع:البلاليع..(3:1188)

ابن فارس: الباء و اللاّم و العين أصل واحد،و هو ازدراد الشّيء،تقول:بلعت الشّيء أبلعه.و البالوع من هذا،لأنّه يبلع الماء.و سعد بلع:نجم.

و البلع:السّم في قامة البكرة.و القياس واحد،لأنّه يبلع الخشبة الّتي تسلكه.فأمّا قولهم:بلّع الشّيب في رأسه،فقريب القياس من هذا،لأنّه إذا شمل رأسه فكأنّه قد بلعه.(1:301)

الهرويّ: يقال:بلعت الشّيء أبلعه،يقال:ما بلعت اليوم بلاع.(1:206)

ابن سيدة :و في المثل:«لا يصلح رفيقا من لم يتبلّع ريقا».

و البلعة من الشّراب:كالجرعة.

و البلوع:الشّراب.

و بلع الطّعام و ابتلعه:لم يمضغه.

و المبلع و البلعم و البلعوم،كلّه:مجرى الطّعام،و إن شئت قلت:إنّ البلع و البلعوم رباعيّ.[إلى أن قال:]

و بلّع فيه الشّيب:بدا،و قيل:كثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبلّع فيه الشّيب:كبلّع.و الغين فيهما جميعا لغة، عن ابن الأعرابيّ.

و بلع:اسم موضع.[ثمّ استشهد بشعر](2:173)

بلع الطّعام يبلعه بلعا و ابتلعه و تبلّعه:جرعه،و ذلك إذا لم يمضغه.و أبلعته إيّاه:جعلته يبلعه.و رجل بلع و بلعة:أكول.و البلعة:المرّة كالجرعة.(الإفصاح 1:439)

البالوعة و البلاّعة و البلّوعة:بئر يحفر،ضيّق الرّأس،يجري فيها ماء المطر و نحوه.الجمع:بواليع، و بلاليع.و المبلعة:الرّكيّة المطويّة من القعر إلى الشّفة.

(الإفصاح 1:554)

سعد بلع: نجمان مستويان في المجرى،نحو من سعد

ص: 550

الذّابح،أحدهما خفيّ جدّا،و الآخر مضيء يسمّى بالعا، كأنّه بلع الآخر.(الإفصاح 2:909)

الرّاغب: قال عزّ و جلّ: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ هود:44،من قولهم:بلعت الشّيء و ابتلعته،و منه البلّوعة.و سعد بلع:نجم،و بلّع الشّيب في رأسه:أوّل ما يظهر.(60)

الزّمخشريّ: و هو واسع المبلع و البلعوم،و أعوذ باللّه من قلّة المطاعم و سعة البلاعم.و فلان مبلع مبلع:

للأكول.و بلّع الشّيب في رأسه:ظهر و ارتفع.

و من المجاز:أبلعني ريقي،أي أمهلني حتّى أقول أو أفعل.و قلت لبعض شيوخي:أبلعني ريقي،فقال:قد أبلعتك الرّافدين.و قدر بلوع:كبيرة،تبلع ما يلقى فيها.

[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:29)

الصّغانيّ: المبلع،بالفتح:الحلق.و قيل:هو موضع الابتلاع من الحلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بلع و بلعة،مثال صرد و همزة.و مبلع،إذا كان كثير الأكل.

و رجل بلع:كناية يبتلع الكلام.

و بلع،مثال زفر:بلد،و قيل:جبل.(4:219)

الفيّوميّ: بلعت الطّعام بلعا،من باب«تعب» و الماء و الرّيق بلعا،ساكن اللاّم.و بلعته بلعا،من باب «نفع»:لغة،و ابتلعته.

و البلعوم:مجرى الطّعام في الحلق؛و هو المريء، مشتقّ من البلع،فالميم زائدة،و البلعم،مقصور منه، لغة.و البالوعة:ثقب ينزل فيه الماء،و البلّوعة بتشديد اللاّم،لغة فيها.(1:60)

الفيروزآباديّ: بلعه كسمعه:ابتلعه.

و سعد بلع كزفر معرفة:منزل للقمر،طلع لمّا قال اللّه تعالى: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ هود:44،و هما نجمان مستويان في المجرى أحدهما خفيّ،و الآخر مضيء يسمّى بالعا،كأنّه بلع الآخر،و طلوعه لليلة تبقى من كانون الآخر،و سقوطه لليلة تمضي من آب.

و البلع كصرد من البكرة:سمّها و ثقبها،الواحدة بهاء و بلا لام:بلد،أو جبل.و بنو بلع:بطين من قضاعة، و كصرد و همزة و منبر و جوهر:الرّجل الأكول، و كمقعد:الحلق.

و البلعلع بالضّمّ:طائر مائيّ طويل العنق.

و قدر بلوع كصبور:واسعة.

و البالوعة و البلاّعة و البلّوعة مشدّدتين:بئر يحفر، ضيّق الرّأس،يجري فيها ماء المطر و نحوه،جمعه:بواليع و بلاليع.

و بلعاء:من رجالات العرب.

و أبلعته:مكّنته من بلعه،و أبلعني ريقي:أمهلني مقدار ما أبلعه.

و المبلعة كمكرمة:الرّكيّة المطويّة من القعر إلى الشّفة.

و بلّع الشّيب فيه تبليعا:ظهر أوّلا.(3:7)

الطّريحيّ: في حديث الرّكوع«بلّع بأطراف أصابعك عين الرّكبة».قال بعض شرّاح الحديث:تقرأ باللاّم المشدّدة و العين المهملة من«البلع»أي اجعل أطراف أصابعك بالعة لعين الرّكبة.(4:302)

محمّد إسماعيل إبراهيم:بلع ريقه،أو طعامه،

ص: 551

أو شرابه:أنزله من حلقومه إلى جوفه.(1:79)

العدنانيّ: البلّوعة،البالوعة،البلاّعة، البلّيعة.

و يظنّون أنّ البلّوعة:الثّقب المعدّ لتصريف الماء؛ هي كلمة عامّيّة،و لكنّها فصيحة:ابن درستويه، و الصّحاح و هامش معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن و محمّد عليّ النّجّار،و الوسيط.

و مثلها البالوعة:أدب الكاتب،و ابن درستويه، و التّهذيب،و الصّحاح،و هامش معجم مقاييس اللّغة، و البطليوسيّ،و ابن الجوزيّ في تقويم اللّسان،و المختار و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و البلاّعة كالبلّوعة و البالوعة:أدب الكاتب،و ابن درستويه،و التّهذيب و هامش معجم مقاييس اللّغة، و البطليوسيّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ينفرد معجم مقاييس اللّغة بذكر:البالوع.و يزيد التّاج،و المدّ،و المتن اسما رابعا هو:البلّيعة.و يقول اللّسان:إنّ البالوعة هي لغة أهل البصرة.

و تجمع البلّوعة،و البلاّعة،و البالوعة على:بواليع و بلاليع.أمّا البلّيعة،فجمعها:بلّيعات.

سعد بلع:هو أحد منازل القمر من سعود النّجوم، و هي عشرة،أربعة منها من منازل القمر،و تسمّيه العامّة:سعد بلع،و الصّواب:سعد بلع،كما قال:اللّيث ابن سعد،و حمزة الأصفهانيّ في كتابه«التّنبيه على حدوث التّصحيف»و ابن القوطيّة،و الأزهريّ، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

أمّا البلع من النّاس:فهو الأكول.

البلعوم أو البلعم أو المبلع

و يسمّون مجرى الطّعام و الشّراب في الحلق:بلعوما، و الصّواب هو:البلعوم أو البلعم:الصّحاح،و النّهاية، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و المبلع،هو البلعوم أيضا:اللّسان،و القاموس و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و لم يذكر الأساس سوى:البلعوم و المبلع.

و اكتفى دوزيّ بذكر:البلعوم.

و يسمّى البلعوم:المريء أيضا.و جمع البلعوم:

بلاعيم،و البلعم:بلاعم،و المبلع:مبالع.(74)

النّصوص التّفسيريّة

ابلعى

وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي...

هود:44

وهب بن منبّه:بالحبشيّة،ازدريه.

(السّيوطيّ 2:129)

الإمام الصّادق عليه السّلام:نزلت بلغة الهند:اشربي.

ص: 552

(العروسيّ 2:365)

يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ حبشيّة.

(العروسيّ 2:365)

الطّبريّ: أي تشرّبي،من قول القائل:بلع فلان كذا يبلعه،أو بلعه يبلعه،إذا ازدرده.(12:46)

الهرويّ: أي انشقّي.(1:206)

الشّريف الرّضيّ: و في هذا الكلام فائدة أخرى لطيفة،و هو أنّ قوله سبحانه: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، أبلغ من قوله:«يا أرض اذهبي بمائك»،لأنّ في الابتلاع دليلا على إذهاب الماء بسرعة،أ لا ترى أنّ قولك لغيرك:ابلع هذا الطّعام،أبلغ من قولك له:كل هذا الطّعام،إذا أردت منه إيصاله إلى جوفه بسرعة.

و كذلك الكلام في قوله سبحانه: وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي لأنّ لفظ الإقلاع هاهنا أبلغ من لفظ الإنجاء، لأنّ في الإقلاع أيضا معنى الإسراع بإزالة السّحاب،كما قلنا في الابتلاع.و ذلك أدلّ على نفاذ القدرة،و طواعية الأمور،من غير وقفة و لا لبثة.

هذا إلى ما في المزاوجة بين اللّفظين من البلاغة العجيبة،و الفصاحة الشّريفة؛إذ يقول سبحانه:

يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي، و مثل هذا في القرآن أكثر من أن يشار إليه.(تلخيص البيان:162)

الطّوسيّ: إخبار منه عن إذهاب الماء عن وجه الأرض في أوجز مدّة،فجرى ذلك مجرى أن قال لها:

ابلعي فبلعت.

و البلع في اللّغة:انتزاع الشّيء من الحلق إلى الجوف،فكانت الأرض تبلع الماء هكذا،حتّى صار في بطنها الغراء (1)،يقال:بلعت و بلعت بفتح اللاّم و كسرها.

(5:563)

الميبديّ: أي تشرّبيه و تنشّفيه.(4:391)

الزّمخشريّ: و البلع:عبارة عن النّشف.(2:271)

نحوه النّسفيّ.(2:189)

الطّبرسيّ: أي قال اللّه سبحانه للأرض:انشفي ماءك الّذي نبعت به العيون،و اشربي ماءك حتّى لا يبقى على وجهك شيء منه.و هذا إخبار عن ذهاب الماء عن وجه الأرض بأوجز مدّة،فجرى مجرى أن قيل لها:

ابلعي فبلعت.(3:165)

القرطبيّ: قال ابن العربيّ:التقى الماءان على أمر قد قدّر،ما كان في الأرض و ما نزل من السّماء،فأمر اللّه ما نزل من السّماء بالإقلاع،فلم تمتصّ الأرض منه قطرة، و أمر الأرض بابتلاع ما خرج منها فقط؛و ذلك قوله تعالى: وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ الْماءُ.

و قيل:ميّز اللّه بين الماءين،فما كان من ماء الأرض أمرها فبلعته،و صار ماء السّماء بحارا.(9:41)

النّيسابوريّ: استعار لغور الماء في الأرض «البلع»الّذي هو إعمال القوّة الجاذبة في الطّعوم،للشّبه بين الغور و البلع؛و هو الذّهاب إلى مقرّ خفيّ،و جعل قرينة الاستعارة نسبة«الفعل»إلى«المفعول».

و في جعل الماء مكان الغذاء أيضا استعارة،لأنّه شبّه الماء بالغذاء،لتقوّي الأرض بالماء في الإنبات المزروع،ب.

ص: 553


1- ما يلصق به الورق و الجلد و الخشب.

و الأشجار تقوّي الآكل بالطّعام.و جعل قرينة الاستعارة لفظة(ابلعى)،لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء،ثمّ أمر الجماد على سبيل الاستعارة للشّبه المقدّم ذكره.

و خاطب في الأمر دون أن يقول:«ليبلع»،ترشيحا لاستعارة النّداء؛إذ كونه مخاطبا من صفات الحيّ،كما أنّ كونه منادى من صفاته.(12:30)

أبو السّعود: أي انشفي،استعير له من ازدراد الحيوان ما يأكله،للدّلالة على أنّ ذلك ليس كالنّشف المعتاد التّدريجيّ.(3:317)

البروسويّ: أي انشفي،فإنّ البلع حقيقة:إدخال الطّعام في الحلق بعمل الجاذبة،فهو استعارة لغور الماء في الأرض،و وجه الشّبه:الذّهاب إلى مقرّ خفيّ،يقال:

نشف الثّوب العرق بكسر الشّين،أي شربه.و فيه دلالة على أنّه ليس كالنّشف المعتاد التّدريجيّ.(4:134)

الآلوسيّ: و في«الكشّاف»جعل البلع مستعارا لنشف الأرض الماء،و هو أولى،فإنّ النّشف دالّ على جذب من أجزاء الأرض لما عليها،كالبلع بالنّسبة إلى الحيوان،و لأنّ النّشف فعل الأرض،و الغور فعل الماء، مع الطّباق بين الفعلين تعدّيا.

ثمّ استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية،تشبيها له بالغذاء لتقوى الأرض بالماء في الإنبات للزّروع، و الأشجار تقوّي الآكل بالطّعام،و جعل قرينة الاستعارة لفظة(ابلعى)،لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء.

و لا يخفى عليك أنّه إذا اعتبر مذهب السّلف في الاستعارة يكون(ابلعى)استعارة تصريحيّة،و مع ذلك يكون بحسب اللّفظ قرينة للاستعارة بالكناية في الماء، على حدّ ما قالوا:في يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ البقرة:27.

و أمّا إذا اعتبر مذهبه،فينبغي أن يكون البلع باقيا على حقيقته،كالإنبات في أنبت الرّبيع البقل،و هو بعيد، أو يجعل مستعارا لأمر متوهّم،كما في«نطقت الحال»، فيلزمه القول:بالاستعارة التّبعيّة،كما هو المشهور.

ثمّ إنّه تعالى أمر على سبيل الاستعارة للتّشبيه الثّاني،و خاطب في الأمر ترشيحا لاستعارة النّداء.

و الحاصل أنّ في لفظ(ابلعى)باعتبار جوهره استعارة لغور الماء،و باعتبار صورته،أعني كونه صورة أمر،استعارة أخرى لتكوين المراد،و باعتبار كونه أمر خطاب،ترشيح للاستعارة المكنيّة الّتي في المنادى،فإنّ قرينتها النّداء،و ما زاد على قرينة المكنيّة يكون ترشيحا لها.و أمّا جعل النّداء استعارة تصريحيّة تبعيّة،حتّى يكون خطاب الآمر ترشيحا لها،فقد عرفت ما فيه.

(12:64)

و اختير لفظ(ابلعى)على«ابتلعي»لكونه أخصر، و أوفر تجانسا ب«اقلعى»،لأنّ همزة الوصل إن اعتبرت تساويا في عدد الحروف،و إلاّ تقاربا فيه بخلاف «ابتلعي».(12:65)

الطّباطبائيّ: البلع:إجراء الشّيء في الحلق إلى الجوف.(10:230)

المصطفويّ: وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أي اجذبي إليك.

و الفرق بين الجذب،و البلع،و الجرع،و السّرط،

ص: 554

و الزّرد:أنّ الجذب مدّك الشّيء إليك،و هو أعمّ من أنّ الجذب إلى جانبك أو إلى الدّاخل،يقال:إنّه جذب الرّطوبة إليه،و جذب الحبل إليه.

و الجرع:شربك على قلّة قلّة.

و السّرط و الزّرد:بينهما اشتقاق أكبر،أي البلع بالتّدريج،كما في الأكل.و البلع؛هو ازدراد في مرتبة واحدة و دفعة.

و بهذا يظهر السّرّ في انتخاب كلمة(ابلعى)في هذا المورد.(1:315)

و قد تقدّم مطالب مفيدة لهذه الكلمة في كلمة الأرض من هذه الآية فراجع

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البلع،أي جذب الطّعام و الشّراب إلى المريء،يقال:بلع الماء يبلع بلعا،أي شربه دفعة،و بلع الطّعام بلعا:ازدرده دون مضغ،و أبلعه غيره،و ابتلعه و تبلّعه:جرعه.و رجل بلع و بلعة و مبلع و متبلّع و بولع:كثير الأكل،و امرأة بلعة:تبلع كلّ شيء.

و المبلع:موضع الابتلاع من الحلق،و البلوع:الشّراب، يقال:نعم البلوع هذا.

و منه أيضا:البلعوم،أي المريء،و الميم فيها زائدة، كما قال الجوهريّ و أغلب اللّغويّين،خلافا لقول الآخرين إنّه رباعيّ.و هو البلعم أيضا،يقال:بلعم اللّقمة،أي أكلها،و البلعمة:الابتلاع،و البلعم:الأكول الشّديد البلع للطّعام.

ثمّ توسّع فيه،و أطلق على الحفرة في الأرض تبتلع الماء:بلّوعة و بلاّعة،و الجمع:بلاليع.و المبلعة:الرّكيّة المطويّة من القعر إلى الفوهة.و البلع و البلعة:الثّقب في قائمة البكرة،لأنّه يبلع الخشبة الّتي تسلكه.

و من المجاز قولهم للإنسان أوّل ما يظهر فيه الشّيب:

قد بلّع فيه الشّيب تبليعا،و تبلّع فيه تبلّعا،لأنّه إذا شمل رأسه فكأنّما قد بلعه.و رجل بلع:كأنّه يبتلع الكلام.

و سعد بلع:نجمان متقاربان،كأنّ أحدهما يكاد يبلع صاحبه لقربه منه.

2-و قد جاء عين الفعل«بلع»في سائر اللّغات السّاميّة مفتوحا،مجاراة للقياس في العربيّة؛إذ ما كان عينه أو لامه حرف حلق أن يكون مفتوح العين في الماضي و المضارع غالبا،يقال في السّريانيّة:بلع،و في الآراميّة:بلع،و في العبريّة:بالع.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة آية واحدة:

وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي

هود:44

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت مرّة واحدة في القرآن، و كأنّها جاءت مجاراة لرويّ(اقلعى)،و لولاه لما جاءت، و قد سبق في النّصوص أنّها لفظ هنديّ أو حبشيّ.

و ليس أصلها كذلك؛إذ ترجع إلى مادّة من الموادّ العربيّة دون ريب،لاحظ الأصول اللّغويّة.

ثانيا:في هذه الآية ألوان من الطّرائف البلاغيّة:

1-السّجع بين(ابلعى)و(اقلعى)كما مرّ و سيأتي.

2-البلع غير الأكل و الشّرب،فإنّه جذب الطّعام

ص: 555

و اجتلابه إلى الحلق بسرعة.قال الشّريف الرّضيّ:«إنّ قوله: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أبلغ من قوله:«يا أرض اذهبي بمائك»،لأنّ في الابتلاع دليلا على إذهاب الماء بسرعة»،إلى أن قال:«و كذلك الكلام في يا سَماءُ أَقْلِعِي، لأنّ في الإقلاع أيضا معنى الإسراع بإنزاله السّحاب،كما قلنا في الابتلاع،و ذلك أدلّ على نفاذ القدرة و طوعية الأمور من غير وقفة و لا لبثة.هذا إلى ما في المزاوجة بين اللّفظين من البلاغة العجيبة و الفصاحة الشّريفة...و مثل هذا في القرآن أكثر من أن يشار إليه».

3-هناك اتّفاق بينهم في أنّ(ابلعى)استعارة،إلاّ أنّهم اختلفوا في بيانها على وجوه:

منها:أنّ البلع حقيقة في إدخال الطّعام-دون الشّراب-في الحلق بعمل الجاذبة،و استعير لغور الماء في الأرض تشبيها بجذب الطّعام في الحلق،كما يقال:«نشف الثّوب العرق»،أي شربه و جذبه،تشبيها بشرب الحيوان الماء نشفا.

و منها:أنّه استعارة لنشف الأرض الماء دون خوضه فيها،فإنّ النّشف فعل الأرض،و الغور فعل الماء،و هو غير مراد مع وجود الطّباق بين الفعلين خارجا.

ثمّ هناك استعارة أخرى،و هي استعارة الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء،لتقوّي الأرض بالماء في الإنبات للزّرع و الأشجار كما يتقوّى الآكل بالطّعام.

و جعلت قرينة الاستعارة لفظة(ابلعى)،لكونها موضوعة لأكل الطّعام دون شرب الماء.و هو على مذهب السّلف استعارة تصريحيّة،و استعارة بالكناية معا،كما قالوا:في يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ البقرة:27.

أمّا على مذهب السّكّاكيّ فالبلع باق على حقيقته، كالإنبات في«أنبت الرّبيع البقل»،و هو بعيد،أو يجعل مستعارا لأمر متوهّم،كما في«نطقت الحال»،فتكون استعارة تبعيّة.ثمّ إنّ في نداء الأرض و السّماء بقوله:

يا أَرْضُ ابْلَعِي و وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي، ترشيحا لتشبيه جذب الماء ببلع الطّعام.

فلفظ(ابلعى)باعتبار جوهره استعارة لغور الماء، و باعتبار صورته،أعني كونه صورة أمر،استعارة أخرى لتكوين المراد،باعتبار كونه أمر خطاب ترشيح للاستعارة المكنيّة الّتي في المنادى،فإنّ قرينتها النّداء، و ما زاد عليها يكون ترشيحا.

أمّا جعل النّداء استعارة تصريحيّة تبعيّة حتّى يكون خطاب الآمر ترشيحا لها فلا يصحّ،لاحظ المدخل«بحث مصطلحات البلاغة و البديع».

4-توجيه الخطاب إلى الأرض و السّماء،إمّا حقيقة كما في آيات كثيرة،لكونهما ذواتي شعور و نطق أمام اللّه، كما قال: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ الإسراء:44،و إمّا تشبيه و استعارة،كما قالوا في آية الأمانة،و لها نظير في القرآن.

5-اختير لفظ(ابلعى)بدل«ابتلعي»،لكونه أخصر و أوفر تجانسا مع(اقلعى)،مع أنّ«البلع»فعل إراديّ،و«الابتلاع»انفعال ينشأ غالبا قسرا لا قصدا، مثل«كسرت الكوز فانكسر»،و لا يؤدّي المطلوب هنا، و سوف يخلّ بتلك الاستعارة اللّطيفة الّتي مضى بيانها.

6-في سياق آيات قصّة الطّوفان عشرات من النّكات البلاغيّة،جعلت أنموذجا للبلاغة القرآنيّة،و قد

ص: 556

تحدّثنا حولها في المعجم في مواضعها،و منها الأرض فلاحظ.

7-هذه إشارة إلى ذهاب ماء الأرض بسرعة في زمان محدود،فلم يبق فيها حتّى ينجذب إليها تدريجيّا عبر الزّمان،بل زال أثر الطّوفان بسرعة.قال الطّوسيّ:

«إخبار منه عن إذهاب الماء عن وجه الأرض في أوجز مدّة،فجرى ذلك مجرى أن قال لها:(ابلعى)فبلعت».

8-استفاد بعضهم من قوله:(ماءك)بإضافة الماء إلى الأرض،أنّ المراد به ماء الأرض الّذي نبع من عيون الأرض،قال القرطبيّ:«قيل:ميّز اللّه بين الماءين،فما كان من ماء الأرض أمرها فبلعته،و صار ماء السّماء بحارا».

و الّذي ينطق به القرآن أنّ ماء الأرض فار من التّنّور دون العيون،قال تعالى: حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ هود:40،و أمّا ماء السّماء في قوله:

وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي، حيث دلّ على أنّ ماء السّماء سال و توتّر لمّا حدث الطّوفان.فلم يأمر السّماء بأن تبلع ماءها،بل بقي على الأرض،فصار من مائها،فقوله تعالى للأرض: اِبْلَعِي ماءَكِ أريد به ما فار من التّنّور و ما سال من السّماء جميعا،فابتلعتهما الأرض بقدرة اللّه.

و أمّا ماء العيون فبقي كما كان ينبع منها شيئا فشيئا،كما جرت به العادة و برز في الطّبيعة.

و أمّا البحار فكانت قبل الطّوفان حيث جرت فيها سفينة نوح و بقيت بعده،و لم يلمّح القرآن إلى أنّها ازدخرت بعد الطّوفان ممّا بقي من ماء السّماء.فالطّوفان في القرآن ابتداء و انتهاء كان آية من اللّه و إعجازا منه، و لم يكن حدثا طبيعيّا حتّى نفكّر من أين جاء الماء و إلى أين ذهب؟

ص: 557

ص: 558

ب ل غ

اشارة

34 لفظا،77 مرّة:42 مكّيّة،35 مدنيّة

في 37 سورة:25 مكّيّة،12 مدنيّة

بلغ 10:4-6 بالغه 1:-1

بلغني 1:-1 بالغوه 1:1

بلغا 1:1 بالغيه 2:1-1

بلغوا 2:1-1 بالغة 3:3

بلغت 3:2-1 البالغة 1:1

بلغن 4:-4 بليغا 1:-1

بلغت 1:1 مبلغهم 1:1

بلغت 1:1 بلاغ 2:1-1

بلغنا 1:1 البلاغ 10:4-6

يبلغ 6:1-5 بلاغا 2:2

يبلغنّ 1:1 ابلغوا 1:1

يبلغا 1:1 ابلغتكم 3:3

يبلغوا 1:1 ابلغه 1:-1

تبلغ 1:1 بلّغت 1:-1

لتبلغوا 4:3-1 يبلّغون 1:-1

ابلغ 2:2 ابلّغكم 3:3

بالغ 2:-2 بلّغ 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :رجل بلغ:بليغ،و قد بلغ بلاغة.و بلغ الشّيء يبلغ بلوغا،و أبلغته إبلاغا.و بلّغته تبليغا؛في الرّسالة و نحوها.

و في كذا بلاغ و تبليغ،أي كفاية.

و شيء بالغ،أي جيّد.

و المبالغة:أن تبلغ من العمل جهدك.

قال الضّرير: سمعت أبا عمرو يقول:البلغ:ما يبلغك من الخبر الّذي لا يعجبك القول:اللّهمّ سمع لا بلغ،أي اللّهمّ نسمع بمثل هذا،فلا تنزله بنا.(4:421)

الكسائيّ: إذا سمع الرّجل الخبر لا يعجبه قال:

ص: 559

اللّهمّ سمع لا بلغ،و سمع لا بلغ،و سمعا لا بلغا.

(الجوهريّ 4:1316)

الشّافعيّ: جارية بالغ،بغير هاء.

(الأزهريّ 8:140)

الفرّاء: يقال:اللّهمّ سمع لا بلغ،و سمع لا بلغ،معناه يسمع به و لا يتمّ.(الجوهريّ 4:1316)

أبو عبيدة :البلغ:البليغ بفتح الباء.

(القاليّ 2:220)

أبو زيد: البلغ:الّذي لا يسقط في كلامه كثيرا.

(القاليّ 2:220)

أبو عبيد: في قول عائشة لعليّ:قد بلغت منّا البلغين،إنّه مثل قولهم:لقيت منه البرحين،و الأقورين و الأمرين،و معناها كلّها:الدّواهي.(الأزهريّ 8:140)

ابن الأعرابيّ: و بلغ به البلغين-بكسر الباء و فتح اللاّم و تخفيفها-إذا استقصى في شتمه و آذاه.

(ابن سيدة 5:536)

يقال:بلغ و بلغ.(القاليّ 2:220)

ابن السّكّيت: و يقال:تبلّغ به مرضه،إذا اشتدّ به.

(113)

و يقال:عمل به العملين،و بلغ به البلغين.(695)

الدّينوريّ: و التّبلغة:سير يدرج على السّية -حيث انتهى طرف الوتر-ثلاث مرار أو أربعا،لكي يثبت الوتر.(ابن سيدة 5:537)

و تبالغ الدّباغ في الجلد:انتهى فيه.

و بلغت النّخلة،و غيرها من الشّجر:حان إدراك ثمرها.(ابن سيدة 5:535)

ابن أبي اليمان:و التّبلّغ:مصدر تبلّغت بالشّيء اليسير.(571)

كراع النّمل:البلغن:النّمّام.

(ابن سيدة 5:536)

الزّجّاج: و يقال:بلغت المكان،و بلغت في المنطق.

و أبلغت إلى فلان،إذا فعلت به ما يبلغ منه في المكروه.

(فعلت و أفعلت:5)

القاليّ: البلاغة:أن تظهر المعنى صحيحا،و اللّفظ فصيحا.(2:167)

و يقولون:أحمق بلغ مبلغ.[ثمّ نقل قول أبي عبيدة و أضاف:]

و قال غيره:البلغ و البلغ:الّذي يبلغ ما يريد من قول أو فعل.(2:220)

السّيرافيّ: البلغن:البلاغة.(ابن سيدة 5:536)

الأزهريّ: [ذكر كلام اللّيث الّذي يشبه ما جاء به الخليل،و أضاف:]

و قال غيره: البلغة من القوت:ما يتبلّغ به و لا فضل فيه،و العرب تقول للخبر يبلغ أحدهم و لا يحقّقونه،و هو يسوءهم:سمع لا بلغ،أي نسمعه و لا يبلغنا،و يجوز:سمعا لا بلغا.

و يقال:بلغ الغلام و الجارية،إذا أدركا،و هما بالغان.

و قال الشّافعيّ في كتاب النّكاح:جارية بالغ،بغير هاء.

هكذا رواه لنا عبد الملك بن الرّبيع عنه،قلت:

و الشّافعيّ فصيح،و قوله حجّة في اللّغة،و قد سمعت غير واحد من فصحاء الأعراب يقول:جارية بالغ،و هو

ص: 560

كقولهم:امرأة عاشق و لحية ناصل.و إن قال قائل:

جارية بالغة،لم يكن خطأ،لأنّه الأصل.

روي عن عائشة أنّها قالت لأمير المؤمنين عليّ رضي اللّه عنه يوم الجمل:«قد بلغت منّا البلغين»،معناها أنّ الحرب قد جهدتها،و بلغت منها كلّ مبلغ.

و يقال:بلّغت القوم الحديث بلاغا؛اسم يقوم مقام التّبليغ.

و في الحديث:«كلّ رافعة رفعت عنّا من البلاغ فلتبلّغ عنّا»أراد من المبلّغين،و يقال:أبلغته و بلّغته، بمعنى واحد.

و يقال:بلغ فلان،إذا جهد،و بلغت نكيثته.

(8:140)

الصّاحب:[قال نحو الخليل و أبي زيد ثمّ أضاف:]

و التّبلغة:الحبل الّذي يوصل به الرّشاء إلى الكرب، و تجمع تبالغ.

و البالغاء:الأكارع.(5:88)

الجوهريّ: بلغت المكان بلوغا:وصلت إليه، و كذلك إذا شارفت عليه،و منه قوله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ البقرة:234،أي قاربنه.

و بلغ الغلام:أدرك.

و الإبلاغ:الإيصال،و كذلك التّبليغ.و الاسم منه:

البلاغ،و البلاغ أيضا:الكفاية.[ثمّ استشهد بشعر]

و بلّغت الرّسالة.

و بلّغ الفارس،إذا مدّ يده بعنان فرسه،ليزيد في جريه.

و شيء بالغ:أي جيّد،و قد بلغ في الجودة مبلغا.

و يقال:أمر اللّه بلغ بالفتح،أي بالغ من قوله تعالى:

إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ الطّلاق:3.

و قولهم:أحمق بلغ بالكسر،أي هو مع حماقته يبلغ ما يريده،يقال:بلغ ملغ.

و البلاغة:الفصاحة.و بلغ الرّجل بالضّمّ،أي صار بليغا.

و البلاغات،كالوشايات.

و البلغين:الدّاهية.

و بالغ فلان في أمري،إذا لم يقصّر فيه.

و البلغة:ما يتبلّغ به من العيش.

و تبلّغ بكذا،أي اكتفى به.و تبلّغت به العلّة،أي اشتدّت.

و البالغاء:الأكارع،في لغة أهل المدينة.

(4:1316)

ابن فارس: الباء و اللاّم و الغين أصل واحد،و هو الوصول إلى الشّيء.تقول:بلغت المكان،إذا وصلت إليه.و قد تسمّى المشارفة:بلوغا بحقّ المقاربة،قال اللّه تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطّلاق:2.

و من هذا الباب قولهم:هو أحمق بلغ و بلغ»،أي إنّه مع حماقته يبلغ ما يريده.و البلغة ما يتبلّغ به من عيش؛ كأنّه يراد أنّه يبلغ رتبة المكثر إذا رضي و قنع.

و كذلك البلاغة:الّتي يمدح بها الفصيح اللّسان،لأنّه يبلغ بها ما يريده،و لي في هذا بلاغ،أي كفاية.

و قولهم:بلّغ الفارس،يراد به أنّه يمدّ يده بعنان فرسه،ليزيد في عدوه.

ص: 561

و قولهم:تبلّغت العلّة بفلان،إذا اشتدّت،فلأنّه تناهيها به،و بلوغها الغاية.(1:301)

أبو هلال :الفرق بين الإبلاغ و الأداء:أنّ الأداء:

إيصال الشّيء على ما يجب فيه،و منه أداء الدّين،«فلان حسن الأداء»لما يسمع،و«حسن الأداء»للقراءة.

و الإبلاغ:إيصال ما فيه بيان للأفهام،و منه البلاغة، و هي إيصال المعنى إلى النّفس،في أحسن صورة.

الفرق بين الإبلاغ و الإيصال:أنّ الإبلاغ:أشدّ اقتضاء للمنتهى إليه من الإيصال،لأنّه يقتضي بلوغ فهمه و عقله،كالبلاغة الّتي تصل إلى القلب.

و قيل:الإبلاغ:اختصار الشّيء على جهة الانتهاء، و منه قوله تعالى: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ التّوبة:6.

(50)

الهرويّ: و البلاغة؛هي البيان الكافي.و البلاغ:

اسم يقوم مقام الإبلاغ و التّبليغ.

و بلغ الرّجل يبلغ بلاغة فهو بليغ،إذا كان يبلغ بلسانه كنه ما في ضميره.

و في الحديث:«كلّ رافعة رفعت علينا من البلاغ فلتبلّغ عنّا»،أراد من المبالغين في التّبليغ يقال:بالغ يبالغ مبالغة و بلاغا،إذا اجتهد في الأمر،و يقال:أبلغته، و بلّغته.

و إن كانت الرّواية من البلاغ بالفتح،فله وجهان:

أحدهما:أنّ البلاغ ما بلّغ من القرآن و السّنن.

و الوجه الآخر:من ذوي البلاغ،أي الّذين بلّغونا،أي من ذوي التّبليغ،فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقيّ،كما تقول:أعطيته عطاء.(1:206)

ابن سيدة:بلغ الشّيء يبلغ بلوغا:وصل و انتهى.

و أبلغه هو،و بلّغه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبلّغ بالشّيء:وصل به إلى مراده.و بلغ مبلغ فلان،و مبلغته.

و البلاغ:ما بلغك.

و في التّنزيل: إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَ رِسالاتِهِ الجنّ:

23،أي لا أجد منجى إلاّ أن أبلغ ما أرسلت به.

و بلغ الغلام:احتلم،كأنّه بلغ وقت الكتاب عليه و التّكليف،و كذلك:بلغت الجارية.

و بلغ النّبت:انتهى.

و أمر بالغ و بلغ:قد بلغ أين أريد به.[ثمّ استشهد بشعر]

و جيش بلغ،كذلك.

«و سمع لا بلغ،و سمع لا بلغ»،و قد ينصب كلّ ذلك، و ذلك إذا سمعت أمرا منكرا،أي يسمع به و لا يبلغ.

و أحمق بلغ و بلغ،أي صدى حماقته يبلغ ما يريده، و قيل:بالغ في الحمق،و أتبعوا فقالوا:بلغ ملغ.

و قيل:يمين بالغة:مؤكّدة.

و المبالغة:أن تبلغ من الأمر جهدك.

و أمر بالغ:جيّد.

و رجل بليغ،و بلغ و بلغ:حسن الكلام فصيحه، يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه،و الجمع:بلغاء.و قد بلغ بلاغة.

و قول بليغ:بالغ،و قد بلغ.

و تبلّغ به مرضه:اشتدّ.و بلّغ الشّيب في رأسه:ظهر أوّل ما يظهر،و قد تقدّمت بالعين.

ص: 562

و زعم البصريّون أنّ ابن الأعرابيّ صحّف في «نوادره»فقال مكان بلّع:بلّغ الشّيب،فلمّا قيل له:إنّه تصحيف،قال:بلّع و بلّغ.

قال أبو بكر الصّوليّ: و قرئ يوما على أبي العبّاس ثعلب،و أنا حاضر هذا،فقال:الّذي أكتب:بلّغ،كذا قال:«بالغين»معجمة.

و البالغاء:الأكارع،و هي بالفارسيّة«پايها».[و بعد نقل كلام أبي حنيفة قال:]

و جعل التّبلغة اسما،كالتّودية و التّنهية،ليس بمصدر،فتفهّمه.(5:535)

البلوغ:بلغ المكان يبلغه بلوغا:وصل إليه،أو شارف عليه.و تبلّغ المنزل:تكلّف إليه البلوغ حتّى بلغ، و أبلغه المنزل و إلى المنزل:أوصله إليه.

(الإفصاح 1:277)

البلغة:ما يتبلّغ به من العيش،تبلّغ بكذا:اكتفى به.

(الإفصاح 1:425)

الطّوسيّ: يقال:بلغ يبلغ بلوغا،و أبلغه إبلاغا، و بلّغه تبليغا،و بالغ مبالغة،و تبالغ تبالغا،و تبلّغ تبلّغا، بلغ الرّجل بلاغة،إذا صار بليغا.و البلغة:القوت.

و أصل الباب:البلوغ،و هو الانتهاء،فمنه البلاغة، لأنّها تبلغ بالمعنى إلى القلب.(2:158)

الرّاغب: البلوغ و البلاغ:الانتهاء إلى أقصى المقصد و المنتهى،مكانا كان أو زمانا،أو أمرا من الأمور المقدّرة،و ربّما يعبّر به عن المشارفة عليه و إن لم ينته إليه.

فمن الانتهاء:بلغ أشدّه،و بلغ أربعين سنة،و قوله عزّ و جلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ البقرة:234، ما هُمْ بِبالِغِيهِ المؤمن:56، فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ الصّافّات:102، لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ المؤمن:36، أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ القلم:39،أي منتهية في التّوكيد.

و البلاغ:التّبليغ،نحو قوله عزّ و جلّ: هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ إبراهيم:52،و قوله عزّ و جلّ: بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ الأحقاف:35، وَ ما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يس:17، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ الرّعد:40.

و البلاغ:الكفاية،نحو قوله عزّ و جلّ: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ الأنبياء:106،و قوله عزّ و جلّ:

وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ المائدة:67،أي إن لم تبلّغ هذا أو شيئا ممّا حمّلت،تكن في حكم من لم يبلّغ شيئا من رسالته،و ذلك أنّ حكم الأنبياء و تكليفاتهم أشدّ،و ليس حكمهم كحكم سائر النّاس الّذين يتجافى عنهم،إذا خلطوا عملا صالحا و آخر سيّئا.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطّلاق:2،فللمشارفة،فإنّها إذا انتهت إلى أقصى الأجل،لا يصحّ للزّوج مراجعتها و إمساكها.

و يقال:بلّغته الخبر و أبلغته مثله،و بلّغته أكثر.قال تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي الأعراف:62،و قال:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ المائدة:

67،و قال عزّ و جلّ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ هود:57،و قال تعالى: بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ آل عمران:40.و في موضع: وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا مريم:8،و ذلك نحو:أدركني

ص: 563

الجهد،و أدركت الجهد،و لا يصحّ:بلغني المكان و أدركني.

و البلاغة تقال على وجهين:

أحدهما:أن يكون بذاته بليغا،و ذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف:صوابا في موضوع لغته،و طبقا للمعنى المقصود به،و صدقا في نفسه،و متى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة.

و الثّاني:أن يكون بليغا باعتبار القائل و المقول له، و هو أن يقصد القائل أمرا فيرده على وجه حقيق أن يقبله المقول له،و قوله تعالى: وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً النّساء:63،يصحّ حمله على المعنيين.

و قول من قال:معناه قل لهم:إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم،و قول من قال:خوّفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللّفظ.

و البلغة:ما يتبلّغ به من العيش.(60)

الزّمخشريّ: أبلغه سلامي و بلّغه،و بلغت ببلاغ اللّه:بتبليغه.[ثمّ استشهد بشعر]

و بلغ في العالم المبالغ،و بلغ الصّبيّ،و بلغ اللّه به فهو مبلوغ به،و بلغ منّي ما قلت،و بلغ منه البلغين.

و أبلغت إلى فلان:فعلت به ما بلغ به الأذى و المكروه البليغ،و اللّهمّ سمعا لا بلغا،و تبالغ فيه المرض و الهمّ،إذا تناهى،و تبلّغ بالقليل:اكتفى به،و ما هي إلاّ بلغة أتبلّغ بها،و تبلّغت به العلّة:اشتدّت.

و بلغ الرّجل بلاغة،فهو بليغ،و هذا قول بليغ، و تبالغ في كلامه:تعاطى البلاغة و ليس من أهلها،و ما هو ببليغ و لكن يتبالغ.

و بلّغ الفارس:مدّ يده بعنان فرسه،ليزيد في عدوه.

و وصل رشاءه بتبلغة،و هو حبيل يوصل به حتّى يبلغ الماء،و هو الدّرك،و لا بدّ لأرشيتكم من تبالغ.

(أساس البلاغة:29)

عائشة قالت لعليّ رضي اللّه عنه يوم الجمل:«قد بلغت منّا البلغين»،قيل:هي الدّواهي،كقولهم:

البرحين.

و التّحقيق فيهما أن يقال:كأنّه قيل:خطيب بلغ، أي بليغ،و أمر برح،أي مبرّح،كقولهم:لحم زيم، و مكان سوى،و دينا قيما،ثمّ جمعا جمع السّلامة،إيذانا بأنّ الخطوب في شدّة نكايتها بمنزلة العقلاء الّذين لهم قصد و تعمّد.

و في إعراب نحو هذا طريقان:

أحدهما:أن يجري الإعراب على النّون و يقرّ ما قبلها ياء.

و الثّاني:أن يفتح النّون أبدا،و يعرب ما قبلها، فيقال:هذه البلغون،و لقيت البلغين،و أعوذ باللّه من البلغين،قالت ذلك حين جهدتها الحرب.

(الفائق 1:130)

المدينيّ: في الحديث:«ليكن بلاغ أحدكم من الدّنيا زاد الرّاكب»،أي حياة أحدكم.(1:186)

ابن الأثير: في حديث الاستسقاء:«و اجعل ما أنزلت لنا قوّة و بلاغا إلى حين»،البلاغ:ما يتبلّغ و يتوصّل به إلى الشّيء المطلوب.

و منه الحديث:«كلّ رافعة رفعت عنّا من البلاغ فلتبلّغ عنّا».يروى بفتح الباء و كسرها،فالفتح له وجهان:

ص: 564

أحدهما:أنّه ما بلّغ من القرآن و السّنن،و الآخر:من ذوي البلاغ،أي الّذين بلّغونا،يعني ذوي التّبليغ،فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقيّ،كما تقول:أعطيته عطاء.

و أمّا الكسر فقال الهرويّ:أراه من المبالغين في التّبليغ،يقال:بالغ يبالغ مبالغة و بلاغا،إذا اجتهد في الأمر،و المعنى في الحديث:كلّ جماعة أو نفس تبلغ عنّا و تذيع ما نقوله؛فلتبلّغ و لتحك.[ثمّ ذكر حديث عائشة و قولها لعليّ عليه السّلام كما ذكره الزّمخشريّ](1:152)

الصّغانيّ: و يقال:بلغ فلان،أي جهد.[ثمّ استشهد بشعر]

و خطيب بلغ،مثال عنب:بليغ،كقولهم:أمر برح، أي مبرّح.و لحم زيم،و مكان سوى،و قوله تعالى:

دِيناً قِيَماً الأنعام:161.

و في إعراب البلغين-توقد ذكر معناها الجوهريّ- طريقان[ذكرهما بنحو ما جاء عند الزّمخشريّ، و أضاف:]التّبلغة:الحبل الّذي يوصل به الرّشاء إلى الكرب.

و حمقاء بلغة:تأنيث قولهم:أحمق بلغ.(4:40)

الفيّوميّ: بلغ الصّبيّ بلوغا،من باب«قعد»:

احتلم و أدرك،و الأصل:بلغ الحلم.

و قال ابن القطّاع: بلغ بلاغا فهو بالغ،و الجارية بالغ أيضا،بغير هاء.

قال ابن الأنباريّ: قالوا:جارية بالغ،فاستغنوا بذكر الموصوف،و بتأنيثه عن تأنيث صفته،كما يقال:امرأة حائض.

قال الأزهريّ: و كان الشّافعيّ يقول:جارية بالغ، و سمعت العرب تقوله،و قالوا:امرأة عاشق.

و هذا التّعليل و التّمثيل يفهم أنّه لو لم يذكر الموصوف وجب التّأنيث،دفعا للّبس،نحو:مررت ببالغة،و ربّما أنّث مع ذكر الموصوف،لأنّه الأصل،قال ابن القوطيّة:بلغ بلاغا فهو بالغ،و الجارية بالغة.

و بلغ الكتاب بلاغا و بلوغا:وصل،و بلغت الثّمار:

أدركت،و نضجت.

و قولهم:«لزم ذلك بالغا ما بلغ»منصوب عن الحال، أي مترقّيا إلى أعلى نهاياته،من قولهم:بلغت المنزل،إذا وصلته،و قوله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ البقرة:

234،أي فإذا شارفن انقضاء العدّة،و في موضع فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ البقرة:232،أي انقضى أجلهنّ.

و بالغت في كذا:بذلت الجهد في تتبّعه،و البلغة:

ما يتبلّغ به من العيش و لا يفضل،يقال:تبلّغ به،إذا اكتفى به و تجزّأ.و في هذا بلاغ و بلغة و تبلّغ،أي كفاية.

و أبلغه السّلام و بلّغه بالألف و التّشديد:أوصله، و بلغ بالضّمّ بلاغة فهو بليغ،إذا كان فصيحا طلق اللّسان.(1:61)

الفيروزآباديّ: بلغ المكان بلوغا:وصل إليه أو شارف عليه،و الغلام:أدرك.

و ثناء أبلغ:مبالغ فيه.

و شيء بالغ:جيّد،و قد بلغ مبلغا.

و جارية بالغ و بالغة:مدركة.

و بلغ الرّجل كعني:جهد.

و التّبلغة:حبل يوصل به الرّشاء إلى الكرب،جمعه:

ص: 565

تبالغ.

و أحمق بلغ و يكسر و بلغة،أي مع حماقته يبلغ ما يريد،أو نهاية في الحمق.

و اللّهمّ سمع لا بلغ،و سمعا لا بلغا،و يكسران،أي نسمع به و لا يتمّ،أو يقوله من سمع خبرا لا يعجبه.

و أمر اللّه بلغ،أي بالغ نافذ يبلغ أين أريد به، و جيش بلغ كذلك.

و رجل بلغ ملغ بكسرهما:خبيث.

و البلغ و يكسر و كعنب و سكارى و حبارى:البليغ الفصيح،يبلغ بعبارته كنه ضميره.

بلغ ككرم،و البلاغ كسحاب:الكفاية،و الاسم من الإبلاغ و التّبليغ؛و هما الإيصال.

و في الحديث:«كلّ رافعة رفعت علينا من البلاغ» أي ما بلغ من القرآن و السّنن،أو المعنى من ذوي البلاغ، أي التّبليغ.أقام الاسم مقام المصدر،و يروى بالكسر، أي من المبالغين في التّبليغ،من:بالغ مبالغة و بلاغا،إذا اجتهد و لم يقصّر.

و البالغاء:الأكارع،معرّب«پايها».

و البلاغات:الوشايات.

و البلغة بالضّمّ:ما يتبلّغ به من العيش.

و البلغين في قول عائشة رضي اللّه تعالى عنها لعليّ رضي اللّه تعالى عنه:«بلغت منّا البلغين»و يضمّ أوّله:

الدّاهية.[و ذكر إعرابه كما جاء عند الزّمخشريّ و أضاف:]

و بلّغ الفارس تبليغا:مدّ يده بعنان فرسه،ليزيد في جريه،و تبلّغ بكذا:اكتفى به،و المنزل:تكلّف إليه البلوغ حتى بلغ،و به العلّة:اشتدّت.

و بالغ في أمري:لم يقصّر.(3:106)

الطّريحيّ: و في حديث عيسى عليه السّلام:«رح من الدّنيا ببلغة»،أي بكفاية.

و في الحديث:«لا تطلبوا من الدّنيا أكثر من البلاغ»، هو ما كفى و بلغ مدّة الحياة.

و في دعاء الاستسقاء«و اجعل ما أنزلت لنا قوّة و بلاغا إلى حين»أي نتوصّل به إلى حين و زمان.

و بالغ في الأمر يبالغ مبالغة و بلاغا،إذا اجتهد فيه و لم يقصّر.[إلى أن قال:]

و البلوغ و البلاغ:الانتهاء إلى أقصى الحقيقة،و منه البلاغة.

و الأصل فيه أن يجمع الكلام ثلاثة أوصاف:صوابا في موضوع اللّغة،و طبقا للمعنى المراد منه،و صدقا في نفسه.

و بلغ الرّجل بالضّمّ،أي صار بليغا،و البليغ:من يبلغ بلسانه كنه ما في ضميره.

و البلغة بالضّمّ:الكفاية،و هو ما يكتفى به في العيش،و منه الحديث في الدّنيا:«فإنّها دار بلغة و منزل قلعة»أي دار عمل يتبلّغ فيها من صالح الأعمال و يتزوّد،«و منزل قلعة»أي يتحوّل عنها من دار إلى دار أخرى.

و تبلّغ بكذا:اكتفى به.و تبلّغت به العلّة:اشتدّت.

(5:8)

مجمع اللّغة :1-بلغ الشّيء يبلغه بلوغا،من باب «قعد»:وصل إليه،زمانا كان هذا الشّيء أو مكانا أو

ص: 566

غيرهما،حسّيّا أو معنويّا،فهو بالغ و هي بالغة و هم بالغون.و قد جاء من لفظ(بلغ)في القرآن كلمتان،يراد بهما شارف و قارب الوصول،و ستذكران في موضعهما، و ما عدا ذلك معناه:وصل إليه.

2-و جاء اسم الفاعل مفردا و جمعا من:بلغ الشّيء، بمعنى وصل إليه.

3-و يقال:حجّة بالغة و حكمة بالغة و يمين بالغة،أي واصلة إلى نهايتها من القوّة.

4-و قول بليغ،أي واصل منتهاه من القوّة،أو هو من:بلغ ككرم بلاغة فهو بليغ،بمعنى كان أو صار فصيحا.

5-و يقال:بلّغته الخبر تبليغا و أبلغته،بمعنى أوصلته إليه.و كلّ ما جاء في القرآن معدّى بالهمز أو التّضعيف فهو بهذا المعنى.

6-البلاغ كسحاب جاء في القرآن بمعنيين:أحدهما:

الإيصال،فيكون اسما،بمعنى الإبلاغ و التّبليغ.و الثّاني:

الكفاية.

7-مبلغ الشّيء:حدّه و نهايته الّتي يصل إليها.

(1:122)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:79)

العدنانيّ: بلّغت فلانا الإنذار،أو أبلغته إيّاه.

و يقولون:تبلّغ فلان الإنذار أو القرار،و الصّواب هو:بلّغ فلان الإنذار أو القرار،أو بلّغته إيّاهما،أو أبلغهما فلان،أو أبلغته،إيّاهما.

قال تعالى في الآية(67)من سورة المائدة: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ و ذكر الفعل«بلّغ» معدّى لمفعولين مرّتين أخريين في القرآن الكريم.

و جاء في الآية(79)من سورة الأعراف: فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي و ذكر الفعل«ابلغ»معدّى لمفعولين مرّتين أخريين في آي الذّكر الحكيم.

و ممّن ذكر أيضا أنّ الفعلين(بلّغ و ابلغ)يعدّيان لمفعولين:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الأزهريّ، و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

و قد عثر محيط المحيط و أقرب الموارد حين جعلا الفعلين يكتفيان بمفعول به واحد:بلّغ الإنذار إليه،و أبلغ الإنذار:أوصله.

أمّا الفعل«تبلّغ»فمن معانيه:

1-تبلّغ بالقليل:اكتفى به.

2-تبلّغت به العلّة:اشتدّت.

3-تبلّغ الشّيء:تكلّف البلوغ إليه حتّى بلغه.

(75)

محمود شيت: البلاغ الحربيّ:البلاغ الّذي يصدره القائد عن سير القتال،و يذاع بأجهزة الإعلام.

(1:96)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ حقيقة معنى هذه المادّة:هو الوصول إلى الحدّ الأعلى و المرتبة المنتهى، و هذا هو الفرق بينها و بين مادّة الوصول،فلا يقال:

وصلت الثّمار،و لا وصل الصّبيّ،و لا وصل أشدّه.

و بهذا يظهر اللّطف في اختيار هذه المادّة في جميع موارد استعمالاتها،فإنّ هذا«القيد»منظور و محفوظ في كلّ واحد منها.[ثمّ ذكر الآيات](1:317)

ص: 567

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

1- ...وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ... الأنعام:19

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من بلغه أنّه أدعو إلى أن«لا إله إلاّ اللّه» فقد بلغه.(الطّبرسيّ 2:282)

ابن عبّاس: و من بلغه هذا القرآن فهو له نذير.

(الطّبريّ 7:163)

مثله السّدّيّ(الطّبريّ 7:163)،و نحوه مقاتل (القرطبيّ 6:399).

سعيد بن جبير: من بلغه القرآن فكأنّما رأى محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم.(الزّمخشريّ 2:10)

مثله ابن كعب القرظيّ.(الطّبريّ 7:163)

مجاهد :من أسلم من العجم و غيرهم.

(الطّبريّ 7:163)

حيث ما يأتي القرآن فهو داع و نذير.

(الطّبرسيّ 2:282)

الإمام الباقر عليه السّلام: من بلغ أن يكون إماما من ذرّيّة الأوصياء فهو ينذر بالقرآن،كما أنذر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(العيّاشيّ 2:93)

نحوه الإمام الصّادق عليه السّلام.(العروسيّ 1:707)

عليّ عليه السّلام ممّن بلّغ.(العيّاشيّ 2:93)

يعني الأئمّة من بعده،و هم ينذرون به النّاس.[و كلّها تأويل](العيّاشيّ 1:356)

ابن كعب القرظيّ: من بلغه القرآن،فقد أبلغه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 7:163)

قتادة :ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقول:«يا أيّها النّاس بلّغوا و لو آية من كتاب اللّه،فإنّه من بلغه آية من كتاب اللّه فقد بلغه أمر اللّه،أخذه أو تركه».

(الطّبريّ 7:162)

ابن زيد :يقول:من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره، و قرأ: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الأعراف:158،قال:فمن بلغه القرآن فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نذيره.(الطّبريّ 7:163)

نحوه الطّوسيّ(4:100)،و الطّبرسيّ(2:282).

الطّبريّ: عن حسن بن صالح،قال:سألت ليثا:

هل بقي أحد لم تبلغه الدّعوة؟

قال:كان مجاهد يقول:حيثما يأتي القرآن فهو داع، و هو نذير،ثمّ قرأ: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ الأنعام:19.

فمعنى هذا الكلام:لأنذركم بالقرآن أيّها المشركون، و أنذر من بلغه القرآن من النّاس كلّهم،ف(من)في موضع نصب بوقوع«أنذر»عليه،و بلغ في صلته.و أسقطت الهاء العائدة على(من)في قوله:(بلغ)،لاستعمال العرب ذلك في صلات:«من،ما،و الّذي».

(7:162،163)

الزّمخشريّ: (و من بلغ)عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكّة،أي لأنذركم به،و أنذر كلّ من بلغه القرآن من العرب و العجم،و قيل:من الثّقلين، و قيل:من بلغه إلى يوم القيامة.(2:10)

ابن عطيّة: معناه على قول الجمهور:بلاغ القرآن أي لأنذركم و أنذر من بلغه،ففي(بلغ)ضمير محذوف لأنّه في صلة(من)،فحذف لطول الكلام.

ص: 568

و قالت فرقة: (و من بلغ)الحكم،ففي(بلغ)على هذا التّأويل ضمير مقدّر راجع إلى(من).

و روي في معنى التّأويل الأوّل أحاديث:منها أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«يا أيّها النّاس بلّغوا عنّي و لو آية،فإنّه من بلّغ آية من كتاب اللّه تعالى فقد بلغه أمر اللّه تعالى،أخذه أو تركه»،و نحو هذا من الأحاديث كقوله:«من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره».(2:276)

الفخر الرّازيّ: فالمراد أنّه تعالى أوحى إليّ هذا القرآن لأنذركم به،و هو خطاب لأهل مكّة.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و عن سعيد بن جبير: من بلغه القرآن فكأنّما رأى محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم.و على هذا التّفسير فيحصل في الآية حذف، و التّقدير:و أوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به،و من بلغه هذا القرآن،إلاّ أنّ هذا العائد محذوف لدلالة الكلام عليه،كما يقال:الّذي رأيت زيد،و الّذي ضربت عمرو.

و في تفسير قوله:(و من بلغ)قول آخر،و هو أن يكون قوله:(و من بلغ)،أي و من احتلم و بلغ حدّ التّكليف،و عند هذا لا يحتاج إلى إضمار العائد،إلاّ أنّ الجمهور على القول الأوّل.(12:178)

نحوه النّيسابوريّ.(7:82)

القرطبيّ: أي و من بلغه القرآن،فحذف«الهاء» لطول الكلام.

و قيل:و من بلغ الحلم،و دلّ بهذا على أنّ من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب و لا متعبّد.

و تبليغ القرآن و السّنّة مأمور بهما،كما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتبليغهما،فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ المائدة:67.

و في صحيح البخاريّ عن عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«بلّغوا عنّي...و لو آية».الحديث(6:399)

البيضاويّ: (و من بلغ)عطف على ضمير المخاطبين،أي لأنذركم به يا أهل مكّة،و سائر من بلغه من الأسود و الأحمر،أو من الثّقلين،أو لأنذركم به أيّها الموجودون و من بلغه إلى يوم القيامة.

و فيه دليل على أنّ أحكام القرآن تعمّ الموجودين وقت نزوله و من بعدهم،و أنّه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه.

(1:305)

نحوه البروسويّ(3:17)،و شبّر(2:244).

الآلوسيّ: [قال نحو البيضاويّ و أضاف:]

و أخرج أبو نعيم و غيره عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من بلغه القرآن فكأنّما شافهته»،و استدلّ بالآية على أنّ أحكام القرآن تعمّ الموجودين يوم نزوله و من سيوجد بعد،إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها.

و اختلف في ذلك هو بطريق العبارة في الكلّ أو بالإجماع في غير الموجودين و في غير المكلّفين،فذهب الحنابلة إلى الأوّل،و الحنفيّة إلى الثّاني،و تحقيقه في الأصول.و على أنّ من لم يبلغه القرآن غير مؤاخذ بترك الأحكام الشّرعيّة.

و يؤيّده ما أخرجه أبو الشّيخ عن أبيّ بن كعب قال:

«أتى رسول اللّه بأسارى،فقال لهم:هل دعيتم إلى الإسلام؟فقالوا:لا،فخلّى سبيلهم،ثمّ قرأ: (وَ أُوحِيَ إِلَيَّ) الآية،و هو مبنيّ على القول بالمفهوم،كما ذهب إليه

ص: 569

الشّافعيّة.

و اعترض بأنّه لا دلالة للآية على ذلك بوجه من الوجوه،لأنّ مفهومها انتفاء الإنذار بالقرآن عمّن لم يبلغه،و ذلك ليس عين انتفاء المؤاخذة و هو ظاهر، و لا مستلزما له،خصوصا عند القائلين بالحسن و القبح العقليّين،إلاّ أن يلاحظ قوله تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.

فيه:أنّ عدم استلزام انتفاء الإنذار بالقرآن لانتفاء المؤاخذة ممنوع،و الحسن و القبح العقليّان قد طوى بساط ردّهما.

و جوّز أن يكون(من)عطفا على«الفاعل»المستتر في(انذركم)للفصل بالمفعول،أي لأنذركم أنا بالقرآن، و ينذركم به من بلغه القرآن أيضا،و روى الطّبرسيّ ما يقتضيه عن العيّاشي،عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما،و لا يخفى أنّه خلاف المنساق إلى الذّهن.(7:119)

رشيد رضا :و قوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ، نصّ على عموم بعثة خاتم الرّسل عليه أفضل الصّلاة و السّلام،أي لأنذركم به يا أهل مكّة،أو يا معشر قريش،أو العرب و جميع من بلغه و وصلت إليه دعوته من العرب أو العجم،أو المعنى لأنذركم به أيّها المعاصرون لي و جميع من بلغه إلى يوم القيامة.[ثمّ ذكر دليل البيضاويّ عليه و أضاف:]

يعني أنّ العبرة في دعوة الإسلام بالقرآن،فمن لم يبلغه القرآن لا يصدق عليه أنّه بلغته الدّعوة،و حينئذ لا يكون مخاطبا بهذا الدّين.

و مفهومه أنّ الحجّة لا تقوم بتبليغ دعوة الإسلام بالقواعد الكلاميّة،و الدّلائل النّظريّة الّتي بني عليها ذلك العلم،و لكنّا نرى المسلمين قد تركوا دعوة القرآن و تبليغه بعد السّلف الصّالح،و ترك العلم به و بما بيّنه من السّنّة إلى تقليد المتكلّمين و الفقهاء،و القرآن حجّة عليهم و إن جعلوا أنفسهم غير أهل للحجّة.

و ممّا روي عن مفسّري السّلف في الآية من الأحاديث و الآثار،ما أخرجه ابن مردويه و أبو نعيم و الخطيب عن ابن عبّاس،قال:«من بلغه القرآن فكأنّما شافهته به»ثمّ قرأ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ.

و يؤيّد الرّواية أنّ القرآن لمّا كان متواترا بلفظه و معناه،كان من بلغه بعده صلّى اللّه عليه و سلّم كمن سمعه منه،و إن كثرت الوسائط،لأنّه هو الّذي بلّغه بلا زيادة و لا نقصان.

و ليس للأحاديث-المرويّ كثيرها بالمعنى-هذه المزيّة، فهي موضع اجتهاد.

و أخرج ابن أبي شيبة و ابن الضّريس و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشّيخ عن محمّد بن كعب القرظيّ في الآية،قال:من بلغه القرآن فكأنّما رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و في لفظ:من بلغه القرآن حتّى يفهمه و يعقله كان كمن عاين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و كلّمه.

[ثمّ ذكر رواية أبي الشّيخ الّتي ذكرها الآلوسيّ]

(7:341)

عزّة دروزة :و جملة(و من بلغ)تتضمّن عموم الدّعوة المحمّديّة و خلودها،و شمولها لكلّ ظرف و مكان و جنس،كما هو المتبادر.(4:151)

ص: 570

الطّباطبائيّ: أنّه خطاب لمشركي مكّة أو لقريش،أو للعرب عامّة،إلاّ أنّ«التّقابل»بين ضمير الخطاب و بين(من بلغ).و المراد ب(من بلغ)،هو من لم يشافهه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالدّعوة،في زمن حياته أو بعده، يدلّ على أنّ المراد بالمخاطبين في قوله:(لانذركم به)هم الّذين شافههم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالدّعوة،ممّن تقدّم دعاؤه على نزول الآية،أو قارنه،أو تأخّر عنه.

فقوله: وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ، يدلّ على عموم رسالته عليه السّلام بالقرآن لكلّ من سمعه منه،أو سمعه من غيره إلى يوم القيامة،و إن شئت فقل:تدلّ الآية على كون القرآن الكريم حجّة من اللّه، و كتابا له ينطق بالحقّ على أهل الدّنيا،من لدن نزوله إلى يوم القيامة.(7:39)

2- فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى... الصّافّات:102

ابن عبّاس: هو الاحتلام.(القرطبيّ 15:99)

مجاهد :لمّا شبّ حتّى أدرك سعيه،سعى إبراهيم في العمل.(الطّبريّ 23:77)

قتادة :أي لمّا مشى مع أبيه.(الطّبريّ 23:77)

الفرّاء: يقول:أطاق أن يعينه على عمله و سعيه.

(2:389)

أبو عبيدة :أي أدرك ما أن يسعى على أهله أدرك و أعانه.(2:171)

ابن قتيبة :أي بلغ أن ينصرف معه،و يعينه.

(373)

الزّجّاج: أي أدرك معه العمل،يقال:إنّه قد بلغ في ذلك الوقت ثلاث عشرة سنة.(4:310)

الفخر الرّازيّ: و معناه فلمّا أدرك و بلغ حدّ الّذي يقدر فيه على السّعي،و قوله:(معه)في موضع الحال، و التّقدير كائنا معه.

و الفائدة في اعتبار هذا المعنى أنّ الأب أرفق النّاس بالولد،و غيره ربّما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله، لأنّه لم تستحكم قوّته،قال بعضهم:كان في ذلك الوقت ابن ثلاث عشرة سنة.

و المقصود من هذا الكلام أنّ اللّه تعالى لمّا وعده في الآية الأولى بكون ذلك الغلام حليما،بيّن في هذه الآية ما يدلّ على كمال حلمه؛و ذلك لأنّه كان به من كمال الحلم و فسحة الصّدر،ما قوّاه على احتمال تلك البليّة العظيمة،و الإتيان بذلك الجواب الحسن.(26:152)

نحوه البيضاويّ.(2:297)

أبو حيّان: و اشتملت البشارة على ذكوريّة المولود، و بلوغه سنّ الحلم،و وصفه بالحلم،و أيّ حلم أعظم من قوله،و قد عرض عليه أبوه الذّبح: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ الصّافّات:102.(7:369)

المراغيّ: أي فلمّا بلغ السّنّ الّتي تساعده على أن يسعى معه في أعماله و حاجات المعيشة.[إلى أن قال:]

اعلم أنّه بعد أن قال سبحانه فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101،أتبعه بما يدلّ على حصول ما بشّر به،و بلوغه سنّ المراهقة بقوله: فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ؛ إذ هو لا يقدر على الكدّ و العمل إلاّ بعد بلوغ هذه السّنّ،ثمّ أتبعه بقصّ الرّؤيا عليه،و إطاعته في تنفيذ

ص: 571

ما أمر به،و صبره عليه.

و لمّا حان موعد التّنفيذ كبّه على وجهه للذّبح، فأوحى إليه ربّه أنّه فداه بذبح عظيم،ثمّ بشّره بإسحاق نبيّا من الصّالحين،و بارك عليه و على إسحاق،و أنّه سيكون من ذرّيّتهما من هو محسن فاعل للخيرات، و منهم من هو ظالم لنفسه مجترح للسّيّئات.

أي فلمّا كبر و ترعرع و صار يذهب مع أبيه، و يسعى في أشغاله و قضاء حوائجه،قال له:يا بنيّ إنّي رأيت في المنام أنّي أذبحك،فما رأيك؟و قد قصّ عليه ذلك،ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء اللّه،فيثبّت قدمه إن جزع،و ليوطّن نفسه على الذّبح،و يكتسب المثوبة بالانقياد لأمر اللّه.(23:73)

الطّباطبائيّ: و المراد ببلوغ السّعي:بلوغه من العمر مبلغا يسعى فيه لحوائج الحياة عادة،و هو سنّ الرّهاق،و المعنى فلمّا راهق الغلام قال له:(يا بنيّ)إلخ.

(17:152)

3- ..حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ... الأحقاف:15

راجع«ش دد»

بلغوا

وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ... النّساء:6

ابن عبّاس: عند الحلم.

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 4:252)

مجاهد :حتّى إذا احتلموا.(الطّبريّ 4:252)

الجصّاص :[لاحظ كلامه في«ب ل و»]

الطّوسيّ: معناه حتّى يبلغوا الحدّ الّذي يقدرون على مجامعة النّساء و ينزل،و ليس المراد الاحتلام،لأنّ في النّاس من لا يحتلم،أو يتأخّر احتلامه،و هو قول أكثر المفسّرين:مجاهد و السّدّيّ و ابن عبّاس و ابن زيد.

و منهم من قال:إذا كمل عقله،و أونس منه الرّشد، سلّم إليه ماله،و هو الأقوى،و منهم من قال:لا يسلّم إليه حتّى يكمل له خمس عشرة سنة،و إن كان عاقلا، لأنّ هذا حكم شرعيّ،و بكمال العقل تلزمه المعارف لا غير.

و قال أصحابنا:حدّ البلوغ:إمّا بلوغ النّكاح،أو الإنبات في العانة،أو كمال خمس عشرة سنة.

(3:116)

نحوه الرّاونديّ.(2:311)

البغويّ: و البلوغ يكون بأحد أشياء أربعة:اثنان يشترك فيهما الرّجال و النّساء،و اثنان مختصّان بالنّساء:

أحدهما السّنّ،و الثّاني الاحتلام.

أمّا السّنّ:فإن استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه،غلاما كان أو جارية[لما روي]عن ابن عمر رضي اللّه عنهما،قال:عرضت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عام أحد و أنا ابن أربع عشرة سنة فردّني،ثمّ عرضت عليه عام الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني.

قال نافع: فحدّث بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز، فقال:هذا فرق ما بين المقاتلة و الذّرّيّة،و كتب أن

ص: 572

يفرض لابن خمس عشرة سنة في المقاتلة،و من لم يبلغها في الذّرّيّة،و هذا قول أكثر أهل العلم.

و قال أبو حنيفة:بلوغ الجارية باستكمال سبع عشرة،و بلوغ الغلام باستكمال ثماني عشرة سنة.

و أمّا الاحتلام،فنعني به نزول المنيّ،سواء كان بالاحتلام أو بالجماع أو غيرهما،فإذا وجدت ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيّهما كان،حكم ببلوغه،لقوله تعالى: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا النّور:59،و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمعاذ في الجزية حين بعثه إلى اليمن:«خذ من كلّ حالم دينارا».

و أمّا الإنبات،و هو نبات الشّعر الخشن حول الفرج، فهو بلوغ في أولاد المشركين،لما روي عن عطيّة القرظيّ قال:كنت من سبي قريظة،فكانوا ينظرون:فمن أنبت الشّعر قتل،و من لم ينبت لم يقتل،فكنت ممّن لم ينبت.

و هل يكون ذلك بلوغا في أولاد المسلمين؟

فيه قولان:

أحدهما:يكون بلوغا كما في أولاد الكفّار،و الثّاني:

لا يكون بلوغا،لأنّه يمكن الوقوف على مواليد المسلمين بالرّجوع إلى آبائهم.

و في الكفّار لا يوقف على مواليدهم،و لا يقبل قول آبائهم فيه لكفرهم،فجعل الإنبات الّذي هو أمارة البلوغ بلوغا في حقّهم.

أمّا ما يختصّ بالنّساء:فالحيض و الحمل،فإذا حاضت المرأة بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغها، و كذلك إذا ولدت يحكم ببلوغها قبل الوضع بستّة أشهر، لأنّها أقلّ مدّة الحمل.

و أمّا الرّشد،فهو أن يكون مصلحا في دينه و ماله.

و الصّلاح في الدّين،هو أن يكون مجتنبا عن الفواحش و المعاصي الّتي تسقط العدالة.و الصّلاح في المال،هو أن لا يكون مبذّرا.و التّبذير،هو أن ينفق ماله فيما لا يكون فيه محمدة دنيويّة،و لا مثوبة أخرويّة،أو لا يحسن التّصرّف فيها،فيغبن في البيوع.

فإذا بلغ الصّبيّ و هو مفسد في دينه و غير مصلح لماله دام الحجر عليه،و لا يدفع إليه المال،و لا ينفذ تصرّفه.

و عند أبي حنيفة إذا كان مصلحا لماله زال الحجر عنه و إن كان مفسدا في دينه.و إذا كان مفسدا لماله قال:

لا يدفع إليه المال حتّى يبلغ خمسا و عشرين سنة،غير أنّ تصرّفه يكون نافذا قبله.و القرآن حجّة لمن استدام الحجر عليه،لأنّ اللّه تعالى قال: حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً. (1:401)

نحوه الفخر الرّازيّ.(9:188)

الزّمخشريّ: و بلوغ النّكاح:أن يحتلم،لأنّه يصلح للنّكاح عنده،و لطلب ما هو مقصود به؛و هو التّوالد و التّناسل.(1:500)

ابن العربيّ: يعني القدرة على الوطء،و ذلك في الذّكور بالاحتلام،فإن عدم فالسّنّ؛و ذلك خمس عشرة سنة في رواية،و ثماني عشرة في أخرى.[ثمّ ذكر رواية ابن عمر المتقدّمة و قال:]

قال علماؤنا:إنّما كان نظرا إلى إطاقة القتال لا إلى الاحتلام،فإن لم يكن هذا دليلا فكلّ عدد من السّنين يذكر فإنّه دعوى.

و السّنّ الّتي اعتبرها النّبيّ عليه السّلام أولى من سنّ

ص: 573

لم يعتبرها،و لا قام في الشّرع دليل عليها.

و كذلك اعتبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الإنبات في بني قريظة،فمن عذيري (1)ممّن يترك أمرين اعتبرهما النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيتأوّله، و يعتبر ما لم يعتبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لفظا و لا جعل له في الشّريعة نظرا.

و أمّا الإناث:فلا بدّ في شرط اختيارهنّ من وجود نفس الوطء عند علمائنا،و حينئذ يقع الابتلاء في الرّشد.

و قال الشّافعيّ و أبو حنيفة:وجه اختيار الرّشد في الذّكور و الإناث واحد،و هو البلوغ إلى القدرة على النّكاح،و الحكمة في الفرق بينهما حسبما رآه مالك،قد قرّرناها في مسائل الخلاف.

نكتته:أنّ الذّكر بتصرّفه و ملاقاته للنّاس من أوّل نشأته إلى بلوغه يحصل به الاختبار،و يكمل عقله بالبلوغ،فيحصل له الغرض.

و أمّا المرأة:فبكونها محجوبة لا تعاني الأمور، و لا تخالط،و لا تبرز لأجل حياء البكارة،وقف فيها على وجود النّكاح،فيه تفهم المقاصد كلّها.

قال مالك:إذا احتلم الغلام ذهب حيث شاء،إلاّ أن يخاف عليه فيقصر حتّى يؤمن أمره،و لأبيه تجديد الحجر عليه إن رأى خللا منه.

و أمّا الأنثى:فلا بدّ بعد دخول زوجها من مضيّ مدّة من الزّمان عليها،تمارس فيها الأحوال،و ليس في تحديده المدّة دليل.و ذكر علماؤنا في تحديده أقوالا عديدة،فراجع.(1:321)

الرّاونديّ: اعلم أنّ الصّبيّ محجور عليه ما لم يبلغ.

و البلوغ يكون بأحد خمسة أشياء:خروج المنيّ، و الحيض،و الحمل،و الإنبات،و السّنّ.فاثنان منهما ينفرد بهما الأناث؛و هما الحيض و الحمل،و الثّلاثة الأخر يشترك فيها الرّجال و النّساء.

و الحمل ليس ببلوغ حقيقة،و إنّما هو علم على البلوغ،لأنّ اللّه أجرى العادة أنّ المرأة لا تحبل حتّى يتقدّم حيض.و الحمل لا يمكن إلاّ بعد أن ترى المرأة المنيّ،لأنّ اللّه أخبر أنّ الولد مخلوق من ماء الرّجل و ماء المرأة، لقوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:7،و أراد من صلب الرّجل و ترائب المرأة، و لقوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ الدّهر:2،أي أخلاط.

و الإنبات دليل على البلوغ،و الاعتبار بإنبات العانة على وجه الخشونة الّتي تحتاج إلى الحلق،دون ما كان مثل الزّغب.

فأمّا السّنّ:فحدّه خمس عشرة سنة في الذّكور، و تسع سنين إلى عشر في الإناث.

و قد ذكرنا أنّ الصّبيّ لا يدفع إليه ماله حتّى يبلغ، فإذا بلغ و أونس منه الرّشد يسلّم إليه ماله.و إيناس الرّشد منه مجموع أمرين:أن يكون مصلحا لماله،عدلا في دينه،و متى كان غير رشيد لا يفكّ حجره و إن بلغ و صار شيخا.

و وقت الاختبار يجب أن يكون قبل البلوغ،لقوله تعالى: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا، فإذا بلغ الصّبيّ؛فإمّا أن يسلّم إليه ماله،أو يحجر.و كيفيّة اختباره مذكورة في كتب الفقه،من أرادها فليطلبهاه.

ص: 574


1- أي من يعذرني في أمره إذا جازيته على صنعه.

منها.(2:72)

القرطبيّ: أي الحلم،لقوله تعالى: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا النّور:59،أي البلوغ،و حال النّكاح.و البلوغ يكون بخمسة أشياء:

ثلاثة يشترك فيها الرّجال و النّساء،و اثنان يختصّان بالنّساء؛و هما الحيض و الحبل.

فأمّا الحيض و الحبل:فلم يختلف العلماء في أنّه بلوغ،و أنّ الفرائض و الأحكام تجب بهما.و اختلفوا في الثّلاث.

فأمّا الإنبات و السّنّ:فقال الأوزاعيّ و الشّافعيّ و ابن حنبل:خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم،و هو قول ابن وهب و أصبغ و عبد الملك بن الماجشون و عمر ابن عبد العزيز و جماعة من أهل المدينة،و اختاره ابن العربيّ.و تجب الحدود و الفرائض عندهم على من بلغ هذا السّنّ.

قال أصبغ بن الفرج:و الّذي نقول به:إنّ حدّ البلوغ الّذي تلزم به الفرائض و الحدود خمس عشرة سنة، و ذلك أحبّ ما فيه إليّ و أحسنه عندي،لأنّه الحدّ الّذي يسهم فيه في الجهاد،و لمن حضر القتال،و احتجّ بحديث ابن عمر[المتقدّم].

قال أبو عمرو بن عبد البرّ:هذا فيمن عرف مولده، و أمّا من جهل مولده و عدّة سنّه أو جحده،فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، أنّه كتب إلى أمراء الأجناد:ألاّ تضربوا الجزية إلاّ على من جرت عليه المواسي.و قال عثمان في غلام سرق:

انظروا إن كان قد اخضرّ مئزره فاقطعوه.و قال عطيّة القرظيّ: عرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بني قريظة،فكلّ من أنبت منهم قتله بحكم سعد بن معاذ،و من لم ينبت منهم استحياه،فكنت فيمن لم ينبت،فتركني.و قال مالك و أبو حنيفة و غيرهما:لا يحكم لمن لم يحتلم حتّى يبلغ، ما لم يبلغه أحد إلاّ احتلم،و ذلك سبع عشرة سنة، فيكون عليه حينئذ الحدّ،إذا أتى ما يجب عليه الحدّ.

و قال مالك مرّة:بلوغه بأن يغلظ صوته،و تنشقّ أرنبته.

و عن أبي حنيفة رواية أخرى:تسع عشرة سنة،و هي الأشهر.و قال في الجارية:بلوغها لسبع عشرة سنة، و عليها النّظر.و روى اللّؤلؤيّ عنه:ثماني عشرة سنة.

و قال داود:لا يبلغ بالسّنّ ما لم يحتلم؛و لو بلغ أربعين سنة.

فأمّا الإنبات:فمنهم من قال:يستدلّ به على البلوغ، روي عن ابن القاسم و سالم،و قاله مالك مرّة،و الشّافعيّ في أحد قوليه،و به قال أحمد و إسحاق و أبو ثور.

و قيل:هو بلوغ إلاّ أنّه يحكم به في الكفّار،فيقتل من أنبت،و يجعل من لم ينبت في الذّراريّ،قاله الشّافعيّ في القول الآخر،لحديث عطيّة القرظيّ.

و لا اعتبار بالخضرة و الزّغب،و إنّما يترتّب الحكم على الشّعر.و قال ابن القاسم:سمعت مالكا يقول:العمل عندي على حديث عمر بن الخطّاب:لو جرت عليه المواسي لحددته.قال أصبغ:قال لي ابن القاسم:الحدّ إلاّ باجتماع الإنبات و البلوغ.

و قال أبو حنيفة:لا يثبت بالإنبات حكم،و ليس هو ببلوغ،و لا دلالة على البلوغ.

و قال الزّهريّ و عطاء:لا حدّ على من لم يحتلم،و هو قول الشّافعيّ،و مال إليه مالك مرّة،و قال به بعض

ص: 575

أصحابه،و ظاهره عدم اعتبار الإنبات و السّنّ.

[ثمّ ذكر قول ابن العربيّ في السّنّ الّتي اعتبرها النّبيّ و الإنبات في بني قريظة،و أضاف:]

قلت:هذا قوله هنا،و قال في سورة الأنفال:

عكسه،إذ لم يعرّج على حديث ابن عمر هناك،و تأوّله كما تأوّله علماؤنا،و أنّ موجبه الفرق بين من يطيق القتال و يسهم له؛و هو ابن خمس عشرة سنة،و من لا يطيقه فلا يسهم له،فيجعل في العيال،و هو الّذي فهمه عمر بن عبد العزيز من الحديث،و اللّه أعلم.(5:35)

البيضاويّ: حتّى إذا بلغوا حدّ البلوغ بأن يحتلم، أو يستكمل خمس عشرة سنة عندنا،لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«إذا استكمل الولد خمس عشرة سنة كتب ما له و ما عليه،و أقيمت عليه الحدود»،و ثماني عشرة عند أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى.و بلوغ النّكاح كناية عن البلوغ،لأنّه يصلح للنّكاح عنده.(1:204)

النّيسابوريّ: [قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و مناط الاحتلام:خروج المنيّ،و يدخل وقت إمكانه باستكمال تسع سنين قمريّة،أو يبلغ خمس عشرة سنة تامّة قمريّة عند الشّافعيّ،و ثماني عشرة عند أبي حنيفة، و هذان مشتركان بين الغلام و الجارية.

و لها أمارتان أخريان:الحيض أو الحبل.و لطفل الكفّار أمارة زائدة،هي إنبات الشّعر الخشن على العانة.

(4:179)

نحوه ابن كثير(2:203)،و الآلوسيّ(4:204)، و رشيد رضا(4:387)،و القاسميّ(5:137)

فاضل المقداد: إنّه أشار إلى غاية الحجر بقوله:

حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ و هو حال البلوغ أي أوان يصلح له أن ينكح؛بأن يحتلم،أو يبلغ خمس عشرة سنة عندنا،و عند الشّافعيّة،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له و عليه،و أقيمت عليه الحدود».و عند أبي حنيفة ثمانية عشر سنة.هذا في الذّكور و الخنثى.

و أمّا الأنثى :فعندنا تسع سنين،و قال الشّافعيّ:

كالذّكر،و قال أبو حنيفة:سبع عشرة سنة،و قال صاحباه:كالذّكر،و قال مالك كما حكي عنه:البلوغ أن يغلظ الصّوت،أو ينشقّ الغضروف؛و هو رأس الأنف، قال:و أمّا السّنّ فلا تعلّق له بالبلوغ.

و قال داود:الحكم بالبلوغ:بالسّنّ،و رواية ابن عمر[الّتي مرّت]تدلّ على قولنا.

و هل يحصل البلوغ بالإنبات؟قال أصحابنا:نعم مطلقا،و قال أبو حنيفة:لا مطلقا،و قال الشّافعيّ:هو دلالة في حقّ المشركين،و أمّا المسلمين ففيه قولان، و قضيّة سعد بن معاذ و أمره:بأن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو من المقاتلة،و من لم ينبت فهو من الذّراريّ،فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقال:«لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبع أرقعة»يصدّق ما قلناه،و هو عامّ.

(2:103)

الطّباطبائيّ: و المراد من بلوغ النّكاح بلوغ أوانه ففيه مجاز عقليّ.[إلى أن قال:]

و قوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ إلخ،تفريع على قوله:

(و ابتلوا)،و المعنى:و امتحنوهم،فإن آنستم منهم الرّشد فادفعوا إليهم أموالهم،و الكلام يؤذن بأنّ بلوغ النّكاح

ص: 576

بمنزلة المقتضي لدفع المال إلى اليتيم،و استقلاله بالتّصرّف في مال نفسه،و الرّشد شرط لنفوذ التّصرّف.

و قد فصل الإسلام النّظر في أمر البلوغ من الإنسان، فاكتفى في أمر العبادات و أمثال الحدود و الدّيات بمجرّد السّنّ الشّرعيّ الّذي هو سنّ النّكاح،و اشترط في نفوذ التّصرّفات الماليّة و الأقارير و نحوها-ممّا تفصيل بيانه في الفقه-مع بلوغ النّكاح الرّشد؛و ذلك من لطائف سلوكه في مرحلة التّشريع.

فإنّ إهمال أمر الرّشد و إلغاءه في التّصرّفات الماليّة و نحوها،ممّا يختلّ به نظام الحياة الاجتماعيّة في قبيل الأيتام،و يكون نفوذ تصرّفاتهم و أقاريرهم مفضيا إلى غرور الأفراد الفاسدة إيّاهم،و إخراج جميع وسائل الحياة من أيديهم،بأدنى وسيلة،بالكلمات المزيّفة و المواعيد الكاذبة،و المعاملات الغرريّة إلى ذلك،فالرّشد لا محيص من اشترطه في هذا النّوع من الأمور.

و أمّا أمثال العبادات فعدم الحاجة فيها إلى الاشتراط ظاهر،و كذا أمثال الحدود و الدّيات،فإن أدرك قبح هذه الجنايات و المعاصي،و فهم وجوب الكفّ عنها،لا يحتاج فيه إلى الرّشد،بل الإنسان يقوى على تفهّم ذلك قبله،و لا يختلف حاله في ذلك قبل الرّشد و بعده.(4:172)

بلغت

1- ..وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا. الأحزاب:10

عكرمة :إنّ القلوب لو تحرّكت و زالت خرجت نفسه،و لكن إنّما هو الفزع،فالكلام على المبالغة.

(الآلوسيّ 21:157)

قتادة :أي شخصت القلوب من مكانها،فلو أنّه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت.

(الطّبرسيّ 4:339)

الفرّاء: ذكر أنّ الرّجل منهم كانت تنتفخ رئته، حتّى ترفع قلبه إلى حنجرته من الفزع.(2:336)

إنّهم جبنوا و جزع أكثرهم،و سبيل الجبان إذا اشتدّ خوفه أن ينتفخ سحره،و السّحر:الرّئة،فإذا انتفخت الرّئة،رفعت القلوب إلى الحنجرة.(الطّبرسيّ 4:340)

الطّبريّ: يقول:نبت القلوب عن أماكنها من الرّعب و الخوف،فبلغت إلى الحناجر.(21:131)

الطّوسيّ: أي نأت عن أماكنها من الخوف.و قيل:

قال المسلمون:يا رسول اللّه بلغت القلوب الحناجر،فهل من شيء نقوله؟قال:نعم،قولوا:«اللّهمّ استر عورتنا و آمن روعتنا»،فضرب اللّه وجوه أعدائه بريح الصّبا، فهزمهم اللّه بها.(8:320)

نحوه الطّبرسيّ.(4:340)

الزّمخشريّ: قالوا:إذا انتفخت الرّئة من شدّة الفزع أو الغضب أو الغمّ الشّديد ربت،و ارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة،و من ثمّة قيل للجبان:

انتفخ سحره.

و يجوز أن يكون ذلك مثلا في اضطراب القلوب و وجيبها،و إن لم تبلغ الحناجر حقيقة.(3:253)

نحوه أبو السّعود.(5:214)

ص: 577

الفخر الرّازيّ: كناية عن غاية الشّدّة،و ذلك لأنّ القلب عند الغضب يندفع و عند الخوف يجتمع،فيتقلّص و يلتصق بالحنجرة،و قد يفضي إلى أن يسدّ مجرى النّفس،فلا يقدر المرء أن يتنفّس،و يموت من الخوف، و مثله قوله تعالى:حتّى إذا بلغت الرّوح الحلقوم.

(25:198)

القرطبيّ: [نقل قول عكرمة و قتادة و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و الأظهر أنّه أراد اضطراب القلب و ضربانه،أي كأنّه لشدّة اضطرابه بلغ الحنجرة.(14:145)

أبو حيّان: فالبلوغ ليس حقيقة،و قيل:القلب عند الغضب يندفع،و عند الخوف يجتمع فيتقلّص بالحنجرة، و قيل:يفضي إلى أن يسدّ مخرج النّفس،فلا يقدر المرء أن يتنفّس،و يموت خوفا،و مثله إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ المؤمن:18،و قيل:إذا انتفخت الرّئة من شدّة الفزع...[و ذكر مثل الزّمخشريّ إلى قوله:«انتفخ سحره»](7:216)

نحوه الآلوسيّ.(21:157)

البروسويّ: و قال بعضهم:كادت تبلغ،فإنّ القلب إذا بلغ الحنجرة مات الإنسان،فعلى هذا يكون الكلام تمثيلا لاضطراب القلوب من شدّة الخوف،و إن لم تبلغ الحناجر حقيقة.

و اعلم أنّهم وقعوا في الخوف من وجهين:

الأوّل:خافوا على أنفسهم من الأحزاب،لأنّ الأحزاب كانوا أضعافهم.

و الثّاني:خافوا على ذراريهم في المدينة،بسبب أن نقض بنو قريظة العهد كما سبق،و قد قاسوا شدائد البرد و الجوع،كما قال بعض الصّحابة:لبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق زادا،و ربط عليه السّلام الحجر على بطنه من الجوع،و هو لا ينافي قوله:«إنّى لست مثلكم إنّي أبيت عند ربّي يطعمني ربّي و يسقيني»،فإنّه قد يحصل الابتلاء في بعض الأحيان تعظيما للثّواب.

و أوّل بعض العارفين حديث ربط الحجر،بأن لم يكن من الجوع في الحقيقة بل من كمال لطافته،لئلاّ يصعد إلى الملكوت،و يستقرّ في عالم الإرشاد.فمن كانت الدّنيا رشحة من فيض ديمه،و قطرة من زواخر بحار نعمه، لا يحتاج إليها،و لكنّ الصّبر عند الحاجة مع الوجدان من خواصّ من عصم بعصمة الرّحمن.(7:148)

بلغن

1- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ... البقرة:231

الماورديّ: أي قاربن انقضاء عددهنّ،كما يقول المسافر:بلغت بلد كذا،إذا قاربه.(1:296)

الطّوسيّ: معناه انقضى عدّتهنّ بالأقراء أو الأشهر أو الوضع.و المعنى:إذا بلغن قرب انقضاء عدّتهنّ،لأنّ بعد انقضاء العدّة ليس له إمساكها.(2:250)

البغويّ: الآية نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار،طلّق امرأته حتّى قاربت انقضاء عدّتها، ثمّ راجعها،ثمّ طلّقها،يقصد بذلك مضارّتها.

قوله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أي أشرفن على أن تبين بانقضاء العدّة،و لم يرد حقيقة انقضاء العدّة،لأنّ

ص: 578

العدّة إذا انقضت لم يكن للزّوج إمساكها.فالبلوغ هاهنا بلوغ مقاربة،و في قوله تعالى بعد هذا: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ حقيقة انقضاء العدّة.

و البلوغ يتناول المعنيين،يقال:بلغت المدينة،إذا قربت منها،و إذا دخلتها.(1:310)

نحوه أبو حيّان.(2:207)

الميبديّ: أي قاربن بلوغ أجلهنّ،و أشرفن على أن يبنّ بانقضاء العدّة.(1:622)

نحوه الصّابونيّ.(1:320)

الزّمخشريّ: أي آخر عدّتهنّ و شارفن منتهاها.

[إلى أن قال:]

و يتّسع في البلوغ أيضا،فيقال:بلغ البلد،إذا شارفه و داناه،و يقال:قد وصلت و لم يصل،و إنّما شارف، و لأنّه قد علم أنّ الإمساك بعد تقضّي الأجل لا وجه له، لأنّها بعد تقضّيه غير زوجة له،و في غير عدّة منه، فلا سبيل له عليها.(1:368)

نحوه البيضاويّ.(1:122)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:إنّه تعالى أثبت عند بلوغ الأجل حقّ المراجعة،و بلوغ الأجل عبارة عن انقضاء العدّة،و عند انقضاء العدّة لا يثبت حقّ المراجعة.

و الجواب من وجهين:

أحدهما:المراد ببلوغ الأجل:مشارفة البلوغ، لا نفس البلوغ،و بالجملة فهذا من باب المجاز الّذي يطلق فيه اسم الكلّ على الأكثر،و هو كقول الرّجل إذا قارب البلد:قد بلغنا.

الثّاني:أنّ الأجل اسم للزّمان،فنحمله على الزّمان الّذي هو آخر زمان يمكن إيقاع الرّجعة فيه؛بحيث إذا فات لا يبقى بعده مكنة الرّجعة،و على هذا التّأويل فلا حاجة بنا إلى المجاز.(6:117)

نحوه الخازن.(1:195)

القرطبيّ: معنى(بلغن)قاربن،بإجماع من العلماء، و لأنّ المعنى يضطرّ إلى ذلك،لأنّه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك،و هو في الآية الّتي بعدها بمعنى التّناهي،لأنّ المعنى يقتضي ذلك،فهو حقيقة في الثّانية، مجاز في الأولى.(3:155)

شبّر: الأجل:يقال للمدّة و لمنتهاها،و البلوغ:

للوصول إلى الشّيء،و للدّنوّ منه.فإن حمل الأجل على المعنى الأوّل فالبلوغ على أصله،و إن حمل على الثّاني، فالبلوغ على الاتّساع:الدّنوّ،ليترتّب عليه.(1:233)

الآلوسيّ: و البلوغ في الأصل:الوصول،و قد يقال:للدّنوّ منه و هو المراد في الآية،و هو إمّا من مجاز المشارفة،أو الاستعارة،تشبيها للمتقارب الوقوع بالواقع،ليصحّ أن يرتّب عليه.(2:142)

رشيد رضا :و معنى«بلغن اجلهن»قاربن إتمام العدّة.قال القرطبيّ:هذا إجماع،لم يفهم أحد من الآية غيره،و هو مبنيّ على قاعدتها«ما قارب الشّيء يعطي حكمه تجوّزا»قرينته:العرف،يقول المسافر:بلغنا البلد أو وصلنا إليه،إذا دنا منه و شارفه.(2:396)

المراغيّ: و إنّما فسّرنا بلوغ الأجل بقرب إتمام العدّة،لأنّ الأجل إذ انقضى حقيقة لم يكن للزّوج حقّ إمساكها بالمعروف؛إذ هي غير زوجة له،و في غير عدّة منه.(2:178)

ص: 579

الطّباطبائيّ: المراد ببلوغ الأجل:الإشراف على انقضاء العدّة،فإنّ البلوغ كما يستعمل في الوصول إلى الغاية،كذلك يستعمل في الاقتراب منها.(2:236)

2- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ...

البقرة:232

ابن عبّاس: فانقضت عدّتهنّ،و أردن أن يرجعن إلى أزواجهنّ الأول،بمهر و نكاح جديد.(32)

نحوه البغويّ(1:312)،و الزّمخشريّ(1:369)، و البيضاويّ(1:122)،و الآلوسيّ(2:144).

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ محمول في هذه الآية على انقضاء العدّة.قال الشّافعيّ:

دلّ سياق الكلامين على افتراق البلوغين.

و معنى هذا الكلام أنّه تعالى قال في الآية السّابقة:

فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ البقرة:231، و لو كانت عدّتها قد انقضت لما قال: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ لأنّ إمساكها بعد انقضاء العدّة لا يجوز،و لما قال: أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ البقرة:231،لأنّها بعد انقضاء العدّة تكون مسرّحة،فلا حاجة إلى تسريحها.

و أمّا هذه الآية الّتي نحن فيها،فاللّه تعالى نهى عن عضلهنّ عن التّزوّج بالأزواج،و هذا النّهي إنّما يحسن في الوقت الّذي يمكنها أن تتزوّج فيه بالأزواج؛و ذلك إنّما يكون بعد انقضاء العدّة،فهذا هو المراد من قول الشّافعيّ:«دلّ سياق الكلامين على افتراق البلوغين».

(6:122)

الخازن :نزلت في معقل بن يسار المزنيّ،عضل أخته جميلة،و كانت تحت أبي القداح عاصم بن عديّ فطلّقها.[ثمّ ذكر القصّة و أضاف:]

و قيل:إنّ جابر بن عبد اللّه كانت له ابنة عمّ،فطلّقها زوجها تطليقة،فلمّا انقضت عدّتها أراد أن يرتجعها،فأبى جابر و قال:طلّقت ابنة عمّنا،ثمّ تريد أن تنكحها الثّانية، و كانت المرأة تريد زوجها قد رضيته،فنزلت هذه الآية.

(1:196)

فاضل المقداد: البلوغ هنا هو الوصول إلى الشّيء تامّا،و الأجل هو المدّة كلّها،فقد دلّ سياق الكلامين على افتراق البلوغين.(2:282)

القرطبيّ: و في هذه الآية دليل على أنّ للأولياء منعهنّ من التّبرّج،و التّشوّف للزّوج في زمان العدّة.

و فيها ردّ على إسحاق في قوله:إنّ المطلّقة إذا طعنت في الحيضة الثّالثة بانت،و انقطعت رجعة الزّوج الأوّل إلاّ أنّه لا يحلّ لها أن تتزوّج حتّى تغتسل.

و عن شريك: أنّ لزوجها الرّجعة ما لم تغتسل و لو بعد عشرين سنة،قال اللّه تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ البقرة:234.

و بلوغ الأجل هنا:انقضاء العدّة بدخولها في الدّم من الحيضة الثّالثة،و لم يذكر غسلا،فإذا انقضت عدّتها حلّت للأزواج،و لا جناح عليها فيما فعلت من ذلك.

و الحديث عن ابن عبّاس لو صحّ يحتمل أن يكون منه على الاستحباب،و اللّه أعلم.(3:187)

البروسويّ: أي استوفين عدّتهنّ،فالبلوغ هنا

ص: 580

عبارة عن حقيقة الانتهاء،لأنّ المذكور بعده النّكاح، و لا يكون ذلك إلاّ بعد انقضاء العدّة.(1:361)

القاسميّ: أي انقضت عدّتهنّ.و قد دلّ سياق الكلامين على اختلاف البلوغين؛إذ الأوّل دلّ على المشارفة للأمر بالإمساك،و هذا يدلّ على الحقيقة للنّهي عن العضل.(3:608)

الطّباطبائيّ: و المراد بقوله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ انقضاء العدّة،و لو لم تنقض لم يكن لأحد من الأولياء و غيرهم أن يمنع ذلك،و بعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك،على أنّ قوله تعالى: أَنْ يَنْكِحْنَ، دون أن يقال:يرجعن و نحوه،ينافي ذلك.(2:238)

مكارم الشّيرازيّ: في الآية السّابقة«بلوغ الأجل»يعني بلوغ أواخر أيّام العدّة،و لكن في هذه الآية المقصود هو انقضاء آخر يوم من العدّة،بقرينة الزّواج المجرّد،فالغاية في الآية السّابقة جزء من المغيّا-كما في المصطلح-و في هذه الآية خارجة عن المغيّا.(1152)

3- ..فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

البقرة:234

ابن عبّاس: فإذا انقضت عدّتهنّ.(33)

مثله الطّوسيّ(2:265)،و البغويّ(1:317)، و الزّمخشريّ(1:372)،و النّسفيّ(1:119).

أبو حيّان:بلوغ أجلهنّ هو انقضاء المدّة المضروبة في التّربّص.(2:225)

المراغيّ: أي فإذا أتممن عدّتهنّ،و انتهت مدّة التّربّص و الانتظار.(2:192)

4- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ...

الطّلاق:2

الضّحّاك: يقول:إذا انقضت عدّتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثّالثة،أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض، يقول:فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدّة بإمساك بمعروف.(الطّبريّ 28:136)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فإذا بلغ المطلّقات اللّواتي هنّ في عدّة أجلهنّ؛و ذلك حين قرب انقضاء عددهنّ.(28:136)

القمّيّ: يعني إذا انقضت عدّتها:إمّا أن يراجعها، و إمّا أن يفارقها.يطلّقها و يمتّعها على الموسع قدره،و على المقتر قدره.(2:374)

الماورديّ: يعني قاربن انقضاء عدّتهنّ.(6:30)

مثله الطّبرسيّ(5:306)،و شبّر(6:232)،و نحوه البغويّ(5:106)،و الخازن(7:91)،و القاسميّ(16:

5836).

الزّمخشريّ: و هو آخر العدّة و شارفنه فأنتم بالخيار،إن شئتم فالرّجعة و الإمساك بالمعروف و الإحسان،و إن شئتم فترك الرّجعة و المفارقة،و اتّقاء الضّرار،و هو أن يراجعها في آخر عدّتها،ثمّ يطلّقها تطويلا للعدّة عليها،و تعذيبا لها.(4:119)

مثله النّسفيّ(4:265)،و نحوه البيضاويّ(2:

ص: 581

482)،و نحوه النّيسابوريّ(28:71)،و أبو حيّان(8:

282)،و الشّربينيّ(4:313)،و الكاشانيّ(5:187)، و الآلوسيّ(28:134)

الفخر الرّازيّ: أي قاربن انقضاء أجل العدّة، لا انقضاء أجلهنّ،و المراد بلوغ الأجل هنا:مقاربة البلوغ.(30:33)

نحوه القرطبيّ(18:157)،و السّيوطيّ(3:127).

البروسويّ: أي شارفن آخر عدّتهنّ،و هي مضيّ ثلاث حيض،و لو لم تغتسل من الحيضة الثّالثة،و ذلك لأنّه لا يمكن الرّجعة بعد بلوغهنّ آخر العدّة،فحمل البلوغ على المشارفة.(10:30)

المراغيّ: أي فإذا قاربت العدّة على الانتهاء،فإن شئتم فأمسكوهنّ و راجعوهنّ مع الإحسان في الصّحبة و حسن العشرة،و أداء الحقوق من النّفقة و الكسوة.

و إن صمّمتم على المفارقة فلتكن بالمعروف،و على وجه لا عنف فيه و لا مشاكسة،مع إيفاء مالهنّ من حقوق لديكم كمؤخّر صداق،و إعطاء متعة حسنة،تذكّركنّ بفضلها،و يتحدّث النّاس بحسن أحدوثتها،و يكون فيها جبر لخاطرهنّ،لما لحقهنّ من ضرر بالفراق،و ليكون فيها بعض السّلوة لهنّ عمّا فقدنه من العشير و الأنيس.

(28:139)

الطّباطبائيّ: المراد من بلوغهنّ أجلهنّ:اقترابهنّ من آخر زمان العدّة و إشرافهنّ عليه.(19:313)

مكارم الشّيرازيّ: المراد ببلوغ الأجل«الوصول إلى نهاية المدّة»و ليس المقصود أن تنتهي العدّة تماما، و إنّما أن تشرف على الانتهاء،فإنّ الرّجوع بعد نهاية العدّة غير جائز إلاّ أن يكون إبقاؤهنّ عن طريق صيغة عقد جديد،و لكن هذا المعنى بعيد جدّا عن سياق و مفهوم الآية.(18:377)

بلغت

قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً. الكهف:76

ابن عبّاس: أي قد أعذرت فيما بيني و بينك،و قد أخبرتني:أنّي لا أستطيع معك صبرا.(الطّبرسيّ 3:486)

نحوه الماورديّ.(3:330)

ابن عطيّة: أي قد أعذرت إليّ،و بلغت إلى العذر من قبلي.(3:532)

الطّبرسيّ: و هذا إقرار من موسى عليه السّلام بأنّ الخضر قد قدّم إليه ما يوجب العذر عنده،فلا يلزمه ما أنكره و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تلا هذه الآية،فقال:استحيى نبيّ اللّه موسى،و لو صبر لرأى ألفا من العجائب.(3:486)

البيضاويّ: قد وجدت عذرا من قبلي لمّا خالفتك ثلاث مرّات.(2:21)

مثله أبو السّعود(4:206)،و البروسويّ(5:

280)،و المراغيّ(16:3).

الآلوسيّ: أي وجدت عذرا من قبلي،و قال النّوويّ:معناه قد بلغت إلى الغاية الّتي تعذر بسببها في فراقي؛حيث خالفتك مرّة بعد مرّة.(16:2)

يبلغنّ

وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً. الإسراء:23

ص: 582

وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً. الإسراء:23

الفرّاء: و قوله: إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ (1)فإنّه ثنّى،لأنّ الوالدين قد ذكرا قبله،فصار الفعل على عددهما،ثمّ قال: أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما على الائتناف، كقوله: ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا المائدة:71،ثمّ استأنف فقال: كَثِيرٌ مِنْهُمْ المائدة:71،و كذلك قوله:

لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الأنبياء:3،ثمّ استأنف فقال: اَلَّذِينَ ظَلَمُوا الأنبياء:3.

و قد قرأها ناس كثير إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ، جعلت(يبلغنّ)فعلا ل(احدهما)،فكرّرت عليه كلاهما.

(2:120)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما، فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة،و بعض قرّاء الكوفيّين(امّا يبلغنّ)على التّوحيد،على توجيه ذلك إلى(احدهما)، لأنّ(احدهما)واحد،فوحّدوا(يبلغنّ)لتوحيده، و جعلوا قوله:(او كلاهما)معطوفا على الأحد.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين (امّا يبلغانّ) على التّثنية و كسر النّون و تشديدها،و قالوا:قد ذكر الوالدان قبل،و قوله:(يبلغانّ)خبر عنهما بعد ما قدّم أسماءهما.

قالوا:و الفعل إذا جاء بعد الاسم،كان الكلام أن يكون فيه دليل على أنّه خبر عن اثنين أو جماعة،قالوا:

و الدّليل على أنّه خبر عن اثنين في الفعل المستقبل الألف و النّون.

قالوا:و قوله: أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما كلام مستأنف، كما قيل: فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ المائدة:71،و كقوله: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الأنبياء:3،ثمّ ابتدأ فقال: اَلَّذِينَ ظَلَمُوا الأنبياء:3.

و أولى القراءتين بالصّواب عندي في ذلك قراءة من قرأه (إِمّا يَبْلُغَنَّ) على التّوحيد،على أنّه خبر عن (احدهما)،لأنّ الخبر عن الأمر بالإحسان في الوالدين قد تناهى عند قوله: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، ثمّ ابتدأ قوله: إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما.

(15:63)

نحوه البغويّ(3:126)،و ابن الجوزيّ(5:23).

الزّجّاج: ترفع(احدهما)ب(يبلغنّ)،و(كلاهما) عطف عليه،و يقرأ: يبلغانّ عندك الكبر) ،و يكون (احدهما او كلاهما)بدل من الألف.(3:234)

الزّمخشريّ: (امّا)هي«إن»الشّرطيّة زيدت عليها«ما»تأكيدا لها،و لذلك دخلت النّون المؤكّدة في الفعل،و لو أفردت«إن»لم يصحّ دخولها،لا تقول:إن تكرمنّ زيدا يكرمك،و لكن إمّا تكرمنّه.

و(احدهما)فاعل(يبلغنّ)،و هو فيمن قرأ «يبلغانّ» بدل من ألف الضّمير الرّاجع إلى الوالدين،و(كلاهما) عطف على(احدهما)فاعلا و بدلا.

فإن قلت:لو قيل:«إمّا يبلغانّ كلاهما»كان «كلاهما»توكيدا لا بدلا،فما لك زعمت أنّه بدل؟

قلت:لأنّه معطوف على ما لا يصحّ أن يكون توكيدا للاثنين،فانتظم في حكمه،فوجب أن يكون مثله.ف.

ص: 583


1- هي قراءة حمزة و الكسائيّ و خلف.

فإن قلت:ما ضرّك لو جعلته توكيدا،مع كون المعطوف عليه بدلا و عطفت التّوكيد على البدل.

قلت:لو أريد توكيد التّثنية لقيل:(كلاهما) فحسب،فلمّا قيل:(احدهما او كلاهما)علم أنّ التّوكيد غير مراد،فكان بدلا مثل الأوّل.(2:444)

نحوه النّيسابوريّ.(15:26)

ابن عطيّة: و(امّا)شرطيّة،و قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و عاصم و ابن عامر (يَبْلُغَنَّ) ،و روي عن ابن ذكوان «يبلغن» بتخفيف النّون،و قرأ حمزة و الكسائيّ «يبلغانّ» و هي قراءة أبي عبد الرّحمن و يحيى و طلحة و الأعمش و الجحدريّ،و هي النّون الثّقيلة دخلت مؤكّدة و ليست بنون تثنية.

فعلى القراءتين الأوليين يكون قوله:(احدهما) فاعلا،و قوله:(او كلاهما)معطوفا عليه،و على هذه القراءة الثّانية يكون قوله:(احدهما)بدلا من الضّمير في (يبلغانّ) ،و هو بدل مقسّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون(احدهما)فاعلا،و قوله:(او كلاهما)عطف عليه،و يكون ذلك على لغة من قال:

«أكلوني البراغيث».و قد ذكر هذا في هذه الآية بعض النّحويّين.و سيبويه لا يرى لهذه اللّغة مدخلا في القرآن.

(3:448)

الطّبرسيّ: قال أبو عليّ:قوله:(امّا يبلغنّ)يرتفع (احدهما)به،و قوله:(كلاهما)معطوف عليه،و الذّكر الّذي عاد من قوله:(احدهما)يغني عن إثبات علامة الضّمير في«يبلغانّ»،فلا وجه لقول من قال:إنّ الوجه إثبات الألف،لتقدّم ذكر الوالدين،عني به الفرّاء.و إنّما الوجه في ذلك أنّه على الشّيء الّذي يذكر على وجه التّوكيد،و لو لم يذكر لم يقع بترك ذكره إخلال نحو قوله:

أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحل:21،فقوله: غَيْرُ أَحْياءٍ توكيد،لأنّ قوله:(اموات)يدلّ عليه فيكون الألف مجرّدة لمعنى التّثنية،و لا حظّ للاسميّة فيها،يرتفع (احدهما او كلاهما)بالفعل.و قال الزّجّاج:يكون (احدهما)أو(كلاهما)بدلا من الألف في«يبلغانّ».

(3:408)

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى:لفظة(امّا)لفظة مركّبة من لفظتين:«إن»و«ما»أمّا كلمة«إن»فهي للشّرط،و أمّا كلمة«ما»فهي أيضا للشّرط،كقوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ البقرة:106،فلمّا جمع بين هاتين الكلمتين أفاد التّأكيد في معنى الاشتراط،إلاّ أنّ علامة الجزم لم تظهر مع نون التّأكيد،لأنّ الفعل يبنى مع نون التّأكيد.

و أقول:لقائل أن يقول:إنّ نون التّأكيد إنّما يليق بالموضع الّذي يكون اللاّئق به تأكيد ذلك الحكم المذكور،و تقريره و إثباته على أقوى الوجوه.إلاّ أنّ هذا المعنى لا يليق بهذا الموضع،لأنّ قول القائل:الشّيء إمّا كذا و إمّا كذا،فالمطلوب منه ترديد الحكم بين ذينك الشّيئين المذكورين.و هذا الموضع لا يليق به التّقرير و التّأكيد،فكيف يليق الجمع بين كلمة(امّا)و بين نون التّأكيد؟

و جوابه:أنّ المراد أنّ هذا الحكم المتقرّر المتأكّد إمّا أن يقع،و إمّا أن لا يقع،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:قرأ الأكثرون: إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ

ص: 584

اَلْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما، و على هذا التّقرير فقوله:

(يبلغنّ)فعل،و فاعله هو قوله:(احدهما)،و قوله:(او كلاهما)عطف عليه،كقولك:ضرب زيد أو عمرو،و لو أسند قوله:(يبلغنّ)إلى قوله:(كلاهما)جاز،لتقدّم الفعل،تقول:قال رجل،و قال رجلان،و قالت الرّجال.

[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ](2:188)

نحوه البيضاويّ(1:581)،و النّسفيّ(2:311).

أبو حيّان: [بعد أن ذكر قول الزّمخشريّ في(امّا) الشّرطيّة،أضاف:]

و هذا الّذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه،لأنّ مذهبه أنّه يجوز أن يجمع بين(إمّا)و نون التّوكيد،و أن تأتي ب«إن»وحدها و نون التّوكيد،و أن تأتي ب(امّا)وحدها دون نون التّوكيد.و قال سيبويه في هذه المسألة:و إن شئت لم تقحم النّون،كما أنّك إن شئت لم تجئ ب«ما»يعني مع النّون و عدمها.

و قرئ (يَبْلُغَنَّ) بنون التّوكيد و(عند)متعلّق به، و(احدهما)فاعل ب(يبلغنّ)،و(او كلاهما)معطوف على (أحد).

و قرئ (يبلغانّ) فالألف للتّثنية،و النّون مشدّدة بعد ألف الاثنين،و(احدهما)بدل من الضّمير،و(او كلاهما) فاعل بفعل محذوف تقديره:أو يبلغ كلاهما،و الفاء في (فلا)جواب الشّرط.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و ابن عطيّة الّذي علّق على كلامه فقال:]

و يلزم من قوله أن يكون(كلاهما)معطوفا على (احدهما)و هو بدل،و المعطوف على البدل بدل،و البدل مشكل،لأنّه يلزم منه أن يكون المعطوف عليه بدلا، و إذا جعلت(احدهما)بدلا من الضّمير،فلا يكون إلاّ بدل بعض من كلّ.و إذا عطفت عليه(كلاهما)فلا جائز أن يكون بدل بعض من كلّ،لأنّ(كلاهما)مرادف للضّمير من حيث التّثنية،فلا يكون بدل بعض من كلّ، و لا جائز أن يكون بدل كلّ من كلّ،لأنّ المستفاد من الضّمير التّثنية،و هو المستفاد من(كلاهما)،فلم يفد البدل زيادة على المبدل منه.

و أمّا قول ابن عطيّة:و هو بدل مقسّم.[ثمّ استشهد بشعر]

فليس من بدل التّقسيم،لأنّ شرط ذلك العطف بالواو،و أيضا فالبدل المقسم لا يصدق المبدل فيه على أحد قسميه،و(كلاهما)يصدق عليه الضّمير و هو المبدل منه،فليس من البدل المقسّم،و قد ذكرنا تخريجه على إضمار فعل،فتكون(كلاهما)فاعلا بذلك الفعل.

(6:24)

نحوه أبو السّعود(4:122)،و البروسويّ.(5:147)

الآلوسيّ: (امّا)مركّبة من«إن»الشّرطيّة و«ما» المزيدة لتأكيدها.

قال الزّمخشريّ: و لذا صحّ لحوق النّون المؤكّدة للفعل،و لو أفردت«إن»لم يصحّ لحوقها.و اختلف في لحاقها بعد الزّيادة،فقال أبو إسحاق بوجوبه،و عن سيبويه القول بعدم الوجوب.[ثمّ استشهد بشعر]

و(احدهما)فاعل للفعل،و تأخيره عن الظّرف و المفعول لئلاّ يطول الكلام به و بما عطف عليه، و(كلاهما)معطوف عليه.

و قرأ حمزة و الكسائيّ (امّا يبلغانّ) ف(احدهما)على

ص: 585

ما في«الكشّاف»بدل من ألف الضّمير لا فاعل،و الألف علامة التّثنية على لغة«أكلوني البراغيث»فإنّه ردّ بأنّ ذلك مشروط بأن يسند الفعل للمثنّى نحو:قاما أخواك، أو لمفرّق بالعطف بالواو خاصّة-على خلاف فيه-نحو:

قاما زيد و عمرو،و«ما»هنا ليس كذلك.

و استشكلت البدليّة بأنّ(احدهما)على ذلك بدل بعض من كلّ،لا كلّ من كلّ،لأنّه ليس عينه،و(كلاهما) معطوف عليه،فيكون بدل كلّ من كلّ،لكنّه خال عن الفائدة،على أنّ عطف بدل الكلّ على غيره ممّا لم نجده؟

و أجيب بأنّا نسلّم أنّه لم يفد البدل زيادة على المبدل منه،لكنّه لا يضرّ،لأنّه شأن التّأكيد،و لو سلّم أنّه لا بدّ من ذلك،ففيه فائدة،لأنّه بدل مقسم كما قاله ابن عطيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تعقّب بأنّه ليس من البدل المذكور،لأنّه شرطه العطف بالواو،و أن لا يصدق المبدل منه على أحد قسميه،و هنا قد صدق على أحدهما.و بالجملة هذا الوجه لا يخلو عن القيل و القال.

و عن أبي عليّ الفارسيّ أنّ(احدهما)بدل من ضمير التّثنية،و(كلاهما)تأكيد للضّمير.و تعقّب بأنّ التّأكيد لا يعطف على البدل كما لا يعطف على غيره،و بأنّ (احدهما)لا يصلح تأكيدا للمثنّى و لا غيره،فكذا ما عطف عليه،و بأنّ بين إبدال بدل البعض منه و توكيده تدافعا،لأنّ التّأكيد يدفع إرادة البعض منه.

و من هنا قال في«الدّرّ المصون»:لا بدّ من إصلاحه، بأن يجعل(احدهما)بدل بعض من كلّ،و يضمر بعده فعل رافع لضمير تثنية،و(كلاهما)توكيد له،و التّقدير:

أو يبلغان كلاهما و هو من عطف الجمل حينئذ،لكن فيه حذف المؤكّد و إبقاء تأكيده،و قد منعه بعض النّحاة، و فيه كلام في مفصّلات العربيّة.

و لعلّ المختار إضمار فعل لم يتّصل به ضمير التّثنية، و جعل(كلاهما)فاعلا له،فإنّه سالم عمّا سمعت في غيره، و لذا اختاره في«البحر».(15:55)

يبلغا

...وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ... الكهف:82

ابن عبّاس: أن يحتلما.(251)

الطّبريّ: يقول:فأراد ربّك أن يدركا و يبلغا قوّتهما و شدّتهما،و يستخرجا حينئذ كنزهما المكنوز تحت الجدار الّذي أقمته.(16:7)

الطّوسيّ: كما لهما من الاحتلام و قوّة العقل.

(7:82)

البغويّ: أي يبلغا و يعقلا،و قيل:أن يدركا شدّتهما و قوّتهما،و قيل:ثماني عشرة سنة.(3:211)

نحوه الخازن.(4:184)

الطّبرسيّ: أي ينتهيا إلى الوقت الّذي يعرفان فيه نفع أنفسهما،و حفظ مالهما،و هو أن يكبرا و يعقلا.

(3:488)

البروسويّ: و بلوغ الأشدّ:بالإدراك،و قيل:أن يؤنس منه الرّشد مع أن يكون بالغا؛و آخره ثلاث و ثلاثون سنة أو ثماني عشرة.(5:287)

ص: 586

يبلغوا

...وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ...

النّور:58

مجاهد :لم يحتلموا من أحراركم.

(الطّبريّ 18:162)

مثله الطّبريّ.(18:162)

الجصّاص :قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ يدلّ على بطلان قول من جعل حدّ البلوغ خمس عشرة سنة،إذا لم يحتلم قبل ذلك،لأنّ اللّه تعالى لم يفرّق بين من بلغها و بين من قصر عنها،بعد أن لا يكون قد بلغ الحلم.

و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من جهات كثيرة:«رفع القلم عن ثلاثة:عن النّائم حتّى يستيقظ،و عن المجنون حتّى يفيق،و عن الصّبيّ حتّى يحتلم»،و لم يفرّق بين من بلغ خمس عشرة سنة و بين من لم يبلغها.

و أمّا حديث ابن عمر أنّه عرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يوم أحد و له أربع عشرة سنة فلم يجز،و عرض عليه يوم الخندق و له خمس عشرة سنة فأجازه فإنّه مضطرب، لأنّ الخندق كان في سنة خمس،و أحد في سنة ثلاث، فكيف يكون بينهما سنة.

ثمّ مع ذلك فإنّ الإجازة في القتال لا تعلّق لها بالبلوغ،لأنّه قد يردّ البالغ لضعفه،و يجاز غير البالغ لقوّته على القتال،و طاقته لحمل السّلاح،كما أجاز رافع بن خديج،و ردّ سمرة بن جندب.فلمّا قيل له:إنّه يصرعه،أمرهما فتصارعا،فصرعه سمرة فأجازه،و لم يسأله عن سنّه.

و أيضا فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يسأل ابن عمر عن مبلغ سنّه في الأوّل و لا في الثّاني،و إنّما اعتبر حاله في قوّته و ضعفه، فاعتبار السّنّ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أجازه في وقت و ردّه في وقت،ساقط.

و قد اتّفق الفقهاء على أنّ الاحتلام بلوغ،و اختلفوا إذا بلغ خمس عشرة سنة و لم يحتلم،فقال أبو حنيفة:

لا يكون الغلام بالغا حتّى يبلغ ثماني عشرة سنة و يستكملها.و في الجارية سبع عشرة سنة.

و قال أبو يوسف و محمّد و الشّافعيّ: في الغلام و الجارية خمس عشرة سنة،و ذهبوا فيه إلى حديث ابن عمر،و قد بيّنّا أنّه لا دلالة فيه على أنّها حدّ البلوغ.

و يدلّ عليه أنّه لم يسأله عن الاحتلام و لا عن السّنّ.

و لمّا ثبت بما وصفنا أنّ الخمس عشرة ليس ببلوغ، و ظاهر قوله: وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ينفي أيضا أن تكون الخمس عشرة بلوغا على الحدّ الّذي بيّنّا، صار طريق إثبات حدّ البلوغ بعد ذلك الاجتهاد،لأنّه حدّ بين الصّغر و الكبر اللّذين قد عرفنا طريقهما،و هو واسطة بينهما فكان طريقه الاجتهاد،و ليس يتوجّه على القائل بما وصفنا سؤال،كالمجتهد في تقويم المستهلكات و أروش الجنايات الّتي لا توقيف في مقاديرها،و مهور الأمثال و نحوها.

فإن قيل:فلا بدّ من أن يكون اعتباره لهذا المقدار دون غيره،لضرب من التّرجيح على غيره،يوجب تغليب ذلك في رأيه دون ما عداه من المقادير.

قيل له:قد علمنا أنّ العادة في البلوغ خمس عشرة

ص: 587

سنة،و كلّ ما كان طريقه العادات فقد تجوز الزّيادة فيه و النّقصان منه،و قد وجدنا من بلغ في اثنتي عشرة سنة، و قد بيّنّا أنّ الزّيادة على المعتاد من الخمس عشرة جائزة كالنّقصان عنه.

فجعل أبو حنيفة الزّيادة على المعتاد كالنّقصان عنه و هي ثلاث سنين،كما أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا جعل المعتاد من حيض النّساء ستّا أو سبعا بقوله ل«حمنة بنت جحش»:

«تحيضين في علم اللّه ستّا أو سبعا كما تحيض النّساء في كلّ شهر»اقتضى ذلك أن يكون العادة ستّا و نصفا،لأنّه جعل السّابع مشكوكا فيه بقوله:«ستّا أو سبعا».

ثمّ قد ثبت عندنا أنّ النّقصان عن المعتاد ثلاث و نصف،لأنّ أقلّ الحيض عندنا ثلاث و أكثره عشرة، فكانت الزّيادة على المعتاد بإزاء النّقصان منه،وجب أن يكون كذلك اعتبار الزّيادة على المعتاد فيما وصفنا.

و قد حكي عن أبي حنيفة تسع عشرة سنة للغلام، و هو محمول على استكمال ثماني عشرة و الدّخول في التّاسع عشرة.

و اختلف في«الإنبات»هل يكون بلوغا؟

فلم يجعله أصحابنا بلوغا،و الشّافعيّ يجعله بلوغا، و ظاهر قوله: وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ، ينفي أن يكون«الإنبات»بلوغا إذا لم يحتلم،كما نفي كون خمس عشرة بلوغا،و كذلك قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«و عن الصّبيّ حتّى يحتلم»،و هذا خبر منقول من طريق الاستفاضة،قد استعمله السّلف و الخلف في رفع حكم القلم:عن المجنون و النّائم و الصّبيّ.

و احتجّ من جعله بلوغا بحديث عبد الملك بن عمير عن عطيّة القرظيّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أمر بقتل من أنبت من بني قريظة،و استحيا من لم ينبت،قال:فنظروا إليّ فلم أكن أنبت فاستبقاني.

و هذا حديث لا يجوز إثبات الشّرع بمثله؛إذ كان عطيّة هذا مجهولا لا يعرف إلاّ من هذا الخبر،لا سيّما مع اعتراضه على الآية،و الخبر في نفي البلوغ إلاّ بالاحتلام، و مع ذلك فهو مختلف الألفاظ،ففي بعضها أنّه أمر بقتل من جرت عليه المواسي،و في بعضها من اخضرّ إزاره، و معلوم أنّه لا يبلغ هذه الحال إلاّ و قد تقدّم بلوغه، و لا يكون قد جرت عليه المواسي إلاّ و هو رجل كبير، فجعل الإنبات و جري المواسي عليه كناية عن بلوغ القدر الّذي ذكرنا في السّنّ؛و هي ثماني عشرة و أكثر.

و روي عن عقبة بن عامر و أبي بصرة الغفاريّ أنّهما قسما في الغنيمة لمن أنبت،و هذا لا دلالة فيه على أنّهما رأيا الإنبات بلوغا،لأنّ القسمة جائزة للصّبيان على وجه الرّضخ،و قد روي عن قوم من السّلف شيء في اعتبار طول الإنسان،لم يأخذ به أحد من الفقهاء.

و روى محمّد بن سيرين عن أنس قال:أتي أبو بكر بغلام قد سرق،فأمر فشبر فنقص أنملة،فخلّى عنه.

و روى قتادة عن خلاّس عن عليّ،قال:إذا بلغ الغلام خمسة أشبار فقد وقعت عليه الحدود،و يقتصّ له و يقتصّ منه،و إذا استعانه رجل بغير إذن أهله لم يبلغ خمسة أشبار فهو ضامن.

و روى ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنّ ابن الزّبير أتي بوصيف لعمر بن أبيّ قد سرق فقطعه،ثمّ حدّث أنّ عمر كتب إليه في غلام من أهل العراق،فكتب إليه أن

ص: 588

اشبره،فشبره فنقص أنملة فسمّي نميلة،و هذه أقاويل شاذّة بأسانيد ضعيفة،تبعد أن تكون من أقاويل السّلف،إذ الطّول و القصر لا يدلاّن على بلوغ و لا نفيه، لأنّه قد يكون قصيرا و له عشرون سنة،و قد يكون طويلا و لا يبلغ خمس عشرة سنة و لم يحتلم.و قوله:

وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ يدلّ على أنّ من يبلغ و قد عقل يؤمر بفعل الشّرائع،و ينهى عن ارتكاب القبائح،و إن لم يكن من أهل التّكليف على جهة التّعليم، كما أمرهم اللّه تعالى بالاستئذان في هذه الأوقات.

و قد روي عن عبد الملك بن الرّبيع بن سبرة الجهنيّ عن أبيه عن جدّه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إذا بلغ الغلام سبع سنين فمروه بالصّلاة،و إذا بلغ عشرا فاضربوه عليها.و روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«مروا صبيانكم بالصّلاة إذا بلغوا سبعا،و اضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا،و فرّقوا بينهم في المضاجع».

و عن ابن مسعود قال: «حافظوا على أبنائكم في الصّلاة».و روى نافع عن ابن عمر قال:«يعلّم الصّبيّ الصّلاة إذا عرف يمينه من شماله».

و روى حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمّد عن أبيه،قال:«كان عليّ بن الحسين يأمر الصّبيان أن يصلّوا الظّهر و العصر جميعا و المغرب و العشاء جميعا،فيقال له:

يصلّون الصّلاة لغير وقتها،فيقول:هذا خير من أن يتناهوا عنها.و روى هشام بن عروة«أنّه كان يأمر بنيه بالصّلاة إذا عقلوها،و بالصّوم إذا أطاقوه».

و روى أبو إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود،قال:«إذا بلغ الصّبيّ عشر سنين كتبت له الحسنات،و لا تكتب عليه السّيّئات حتّى يحتلم».

إنّما يؤمر بذلك على وجه التّعليم و ليعتاده و يتمرّن عليه،فيكون أسهل عليه بعد البلوغ،و أقلّ نفورا منه.

و كذلك يجنب شرب الخمر و أكل لحم الخنزير،و ينهى عن سائر المحظورات،لأنّه لو لم يؤمر بذلك في الصّغر و خلّي و سائر شهواته و ما يؤثره و يختاره،يصعب عليه بعد البلوغ الإقلاع عنه،و قال اللّه تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً التّحريم:6،روي في التّفسير«أدّبوهم و علّموهم».و كما ينهى عن اعتقاد الكفر و الشّرك و إظهاره و إن لم يكن مكلّفا،كذلك حكم الشّرائع، و قوله تعالى: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ النّور:

59،يعني أنّ الأطفال إذا بلغوا الحلم فعليهم الاستيذان في سائر الأوقات،كما استأذن الّذين من قبلهم،و هم المذكورون في قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها النّور:27،و فيه دلالة على أنّ الاحتلام بلوغ.(3:331)

نحوه الفخر الرّازيّ.(24:29)

البيضاويّ: و الصّبيان الّذين لم يبلغوا من الأحرار، فعبّر عن البلوغ بالاحتلام،لأنّه أقوى دلائله.

(2:134)

نحوه البروسويّ.(6:175)

الآلوسيّ: و إن كان في الظّاهر للمملوكين و الصّبيان،لكنّه في الحقيقة للمخاطبين،فكأنّهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان،و بهذا ينحلّ ما قيل:

كيف يأمر اللّه عزّ و جلّ من لم يبلغ الحلم بالاستئذان و هو

ص: 589

تكليف،و لا تكليف قبل البلوغ؟

و حاصله أنّ اللّه تعالى لم يأمره حقيقة،و إنّما أمر سبحانه الكبير أن يأمره بذلك،كما أمره أن يأمره بالصّلاة.فقد روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«مروا أولادكم بالصّلاة و هم أبناء سبع سنين،و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر سنين»،و أمره بما ذكر و نحوه من باب التّأديب و التّعليم،و لا إشكال فيه.

و قيل:الأمر للبالغين من المذكورين على الحقيقة و لغيرهم على وجه التّأديب،و قيل:هو للجميع على الحقيقة،و التّكليف يعتمد التّمييز،و لا يتوقّف على البلوغ،فالمراد ب اَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ المميّزون من الصّغار،و هو كما ترى.

و اختلف في هذا الأمر،فذهب بعض إلى أنّه للوجوب،و ذهب الجمهور إلى أنّه للنّدب،و على القولين هو محكم على الصّحيح،و سيأتي تمام الكلام في ذلك.

و الجمهور على عموم اَلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّور:58،في العبيد و الإماء الكبار و الصّغار،و عن ابن عمر و مجاهد أنّه خاصّ بالذّكور،كما هو ظاهر الصّيغة، و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما.

و قال السّلميّ: إنّه خاصّ بالإناث،و هو قول غريب لا يعوّل عليه.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما: تخصيصه بالصّغار،و هو خلاف الظّاهر جدّا،و المراد اَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ الصّبيان ذكورا و إناثا،على ما يقتضيه ما مرّ في سابقه عن الجمهور،و خصّ بالمراهقين منهم و منكم،لتخصيصهم بالأحرار،و يشعر به المقابلة أيضا.

و في«البحر»هو عامّ في الأطفال،عبيدا كانوا أو أحرارا،و كنّي عن القصور عن درجة البلوغ بما ذكر،لأنّ الاحتلام أقوى دلائله،و قد اتّفق الفقهاء على أنّه إذا احتلم الصّبيّ فقد بلغ.

و اختلفوا فيما إذا بلغ خمس عشرة سنة و لم يحتلم.

فقال أبو حنيفة في المشهور: لا يكون بالغا حتّى يتمّ له ثماني عشرة سنة،و كذا الجارية إذا لم تحتلم،أو لم تحض،أو لم تحبل،لا تكون بالغة عنده حتّى يتمّ لها سبع عشرة سنة،و دليله قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ الأنعام:

152.

و أشدّ الصّبيّ-كما روي عن ابن عبّاس و تبعه القتيبيّ-ثماني عشرة سنة،و هو أقلّ ما قيل فيه،فيبنى الحكم عليه للتّيقّن به،غير أنّ الإناث نشؤهنّ و إدراكهنّ أسرع،فنقص في حقّهنّ سنة،لاشتمالها على الفصول الأربعة الّتي يوافق واحد منها المزاج لا محالة.

و قال صاحباه و الشّافعيّ و أحمد: إذا بلغ الغلام و الجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا،و هو رواية عن الإمام رضي اللّه تعالى عنه أيضا،و عليه الفتوى.

و لهم:أنّ العادة الفاشية أن لا يتأخّر البلوغ فيهما عن هذه المدّة،و قيّدت العادة بالفاشية،لأنّه قد يبلغ الغلام في اثنتي عشرة سنة،و قد تبلغ الجارية في تسع سنين.

[ثمّ أدام بالكلام في حدّ البلوغ و أماراته بنحو ما تقدّم عن الجصّاص](18:210)

ص: 590

تبلغ

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً. الإسراء:37

لاحظ«ط و ل»

لتبلغوا

وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ. المؤمن:80

ابن عبّاس: لكي تطلبوا.(399)

الطّبريّ: يقول:(و لتبلغوا)بالحمولة على بعضها، و ذلك الإبل،حاجة في صدوركم لم تكونوا بالغيها لو لا هي،إلاّ بشقّ أنفسكم،كما قال جلّ ثناؤه: تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ النّحل:7.(24:87)

الطّوسيّ: أن تركبوها،و تبلغوا المواضع الّتي تقصدونها لحوائجكم.(9:99)

مثله الطّبرسيّ.(4:354)

بالغ

1- ..وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ...

المائدة:95

ابن عبّاس: يبلغ به الكعبة.(101)

إذا أتي مكّة ذبحه و تصدّق به.(الطّبرسيّ 2:245)

الإمام الصّادق عليه السّلام:من وجب عليه هدي في إحرامه،فله أن ينحره حيث شاء،إلاّ فداء الصّيد،فإنّ اللّه تعالى يقول: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ.

(العروسيّ 1:676)

من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم،فإن كان حاجّا نحر هديه الّذي يجب عليه بمنى،و إن كان معتمرا نحر بمكّة قبالة الكعبة.(العروسيّ 1:677)

في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء،فعليه أن ينحره إن كان في الحجّ بمنى،حيث ينحر النّاس،فإن كان في عمرة نحره بمكّة،و إن شاء تركه إلى أن يقدم و يشتريه،فإنّه يجزي عنه.(العروسيّ 1:677)

الطّبريّ: و قوله: بالِغَ الْكَعْبَةِ من نعت الهدي و صفته،و إنّما جاز أن ينعت و هو مضاف إلى معرفة،لأنّه في معنى النّكرة؛و ذلك أنّ معنى قوله: بالِغَ الْكَعْبَةِ:

يبلغ الكعبة،فهو و إن كان مضافا فمعناه التّنوين،لأنّه بمعنى الاستقبال،و هو نظير قوله: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا الأحقاف:24،فوصف بقوله:(ممطرنا):

عارضا لأنّ في(ممطرنا)معنى التّنوين،لأنّ تأويله الاستقبال،فمعناه:هذا عارض يمطرنا،فكذلك ذلك في قوله: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ. (7:50)

الزّجّاج: منصوب على الحال،المعنى يحكمان به مقدّرا أن يهدى،و(بالغ الكعبة)لفظه لفظ معرفة و معناه النّكرة،المعنى بالغا الكعبة،إلاّ أنّ التّنوين حذف استخفافا.(2:208)

الجصّاص :(بالغ الكعبة)صفة للهدي،و بلوغه الكعبة ذبحه في الحرم،لا خلاف في ذلك.و هذا يدلّ على أنّ الحرم كلّه بمنزلة الكعبة في الحرمة،و أنّه لا يجوز بيع

ص: 591

رباعها،لأنّه عبّر بالكعبة عن الحرم،و هو كما روي عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الحرم كلّه مسجد»، و كذلك قوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ التّوبة:28،المراد به الحرم كلّه و معالم الحجّ،لأنّهم منعوا بهذه الآية من الحجّ.(2:474)

الطّوسيّ: قوله:(بالغ الكعبة)فهو و إن كان مضافا إلى المعرفة فالنّيّة فيه الانفصال،كما تقول:هذا ضارب زيد،فيمن حذف النّون و لم يكن قد فعل،فإنّه يكون نكرة.(4:28)

الزّمخشريّ: و وصف(هديا)ب(بالغ الكعبة)،لأنّ إضافته غير حقيقيّة،و معنى بلوغه الكعبة:أن يذبح بالحرم.(1:645)

نحوه شبّر.(2:214)

ابن عطيّة: يقتضي هذا اللّفظ أن يشخص بهذا الهدي حتّى يبلغ،و ذكرت(الكعبة)لأنّها أمّ الحرم و رأس الحرمة،و الحرم كلّه منحر لهذا الهدي،فما وقف به بعرفة من هذا الجزاء فينحر بمنى،و ما لم يوقف به فينحر بمكّة و في سائر بقاع الحرم،بشرط أن يدخل من الحلّ، لا بدّ أن يجمع فيه بين حلّ و حرم حتّى يكون بالغا الكعبة.

و(بالغ)نكرة في الحقيقة،لم تزل الإضافة عنه الشّياع،فتقديره:بالغا الكعبة،حذف تنوينه تخفيفا.

(2:239)

ابن العربيّ: المعنى:إذا حكما بالمثل يفعل به ما يفعل بالهدي،يقلّده و يشعره،و يرسله إلى مكّة، و ينحره بها،و يتصدّق به فيها؛لقوله تعالى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ. و لا خلاف في أنّ الهدي لا بدّ له من الحرم، و اختلف هل يفتقر إلى حلّ معه؟

فقال مالك:لا بدّ له من ذلك،يبتاع بالحلّ،و يقلّد و يشعر،و يدفع إلى الحرم.

و قال الشّافعيّ: لا يحتاج إلى الحلّ.و حقيقة قوله تعالى:(بالغ الكعبة)يقتضي أن يهدي من مكان يبلغ منه إلى الكعبة،و لم يرد الكعبة بعينها،فإنّ الهدي لا يبلغها؛إذ هي في المسجد،و إنّما أراد الحرم،و لهذا قال الشّافعيّ:إنّ الصّغير من الهدي يجب في الصّغير من الصّيد،لأنّه يبتاعه في الحرم،و يهديه فيه.(2:676)

الطّبرسيّ: و قال الزّجّاج:و(بالغ الكعبة)لفظه لفظ معرفة.و معناه النّكرة،أي بالغا الكعبة،و حذف التّنوين استخفافا.

و أقول:يعني بذلك أنّ هذه الإضافة لفظيّة غير محضة،فيكون في تقدير الانفصال.و المضاف إليه و إن كان مجرورا في اللّفظ فهو منصوب في المعنى،لكن لمّا حذف التّنوين من الأوّل طلبا للخفّة،انجرّ الثّاني في اللّفظ.(2:243)

نحوه ابن الجوزيّ.(2:425)

الفخر الرّازيّ: قوله:(بالغ الكعبة)صفة لقوله:

(هديا)لأنّ إضافته غير حقيقيّة،تقديره:بالغا الكعبة، لكن التّنوين قد حذف استخفافا،و مثله(عارض ممطرنا)الأحقاف:24.[إلى أن قال:]

معنى بلوغه الكعبة:أن يذبح بالحرم،فإن دفع مثل الصّيد المقتول إلى الفقراء حيّا لم يجز،بل يجب عليه ذبحه في الحرم.

و إذا ذبحه في الحرم قال الشّافعيّ رحمه اللّه:يجب

ص: 592

عليه أن يتصدّق به في الحرم أيضا.و قال أبو حنيفة:له أن يتصدّق به حيث شاء،و سلّم الشّافعيّ أنّ له أن يصوم حيث شاء،لأنّه لا منفعة فيه لمساكين الحرم.

حجّة الشّافعيّ: أنّ نفس الذّبح إيلام،فلا يجوز أن يكون قربة،بل القربة هي إيصال اللّحم إلى الفقراء، فقوله: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ يوجب إيصال تلك الهدية إلى أهل الحرم و الكعبة.

و حجّة أبي حنيفة:أنّها لمّا وصلت إلى الكعبة فقد صارت هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ، فوجب أن يخرج عن العهدة.(12:94)

نحوه القرطبيّ(6:314)،و البيضاويّ(1:292)، و النّسفيّ(1:303)،و الخازن(2:77).

ابن كثير :أي واصلا إلى الكعبة،و المراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك،و يفرّق لحمه على مساكين الحرم،و هذا أمر متّفق عليه في هذه الصّورة.(2:65)

فاضل المقداد: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ قيل:

معناه يذبح الهدي في الحرم،و أمّا الصّدقة به ففي الحرم أيضا عند الشّافعيّ،و عند أبي حنيفة حيث يشاء.

و أمّا أصحابنا فقالوا:إن كان في إحرام العمرة ذبح في الحرم بفناء الكعبة في الحزورة،و تصدّق به هناك.و إن كان في إحرام الحجّ،ذبح بمنى و تصدّق به فيها.

(1:325)

رشيد رضا :فمعناه أنّ ذلك الجزاء الواجب على قاتل الصّيد،يجب أن يكون هديا يصل إلى الكعبة، و يذبح هنالك،أي في جوارها.(7:110)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(1:778)

عبد الكريم الخطيب: أي مساقا إلى الكعبة.

(4:40)

2- وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً. الطّلاق:3

ابن عبّاس: ماض أمره و قضاؤه في الشّدّة و الرّخاء،و يقال:نافذ أمره و تدبيره.(475)

مسروق: إنّ اللّه قاض أمره فيمن توكّل عليه و فيمن لم يتوكّل عليه،إلاّ أنّ من توكّل يكفّر عنه سيّئاته،و يعظم له أجرا.(الماورديّ 6:31)

نحوه الطّبريّ.(28:139)

الفرّاء: القرّاء جميعا على التّنوين،و لو قرئت:

(بالِغُ أَمْرِهِ) على الإضافة لكان صوابا،و لو قرئ: (بالغ امره) بالرّفع لجاز.(3:163)

الزّجّاج: و تقرأ (بالِغُ أَمْرِهِ) أي إنّ اللّه بالغ ما يريد.

و قرئت (انّ اللّه بالغ امره) على رفع الأمر ببالغ،أي إنّ اللّه يبلغ أمره و ينفذ.(5:184)

الطّوسيّ: قرأ حفص عن عاصم و نافع (بالِغُ أَمْرِهِ) على الإضافة.الباقون(بالغ)منوّن،(امره)منصوب، و قد بيّنّا نظائر ذلك فيما مضى.

و قيل:إنّه إذا نوّن معناه أنّه تعالى بالغ مراده،و إذا أضيف فمعناه أنّ أمره تعالى يبلغ،فيكون إضافة إلى الفاعل.(10:28)

نحوه البغويّ(5:110)،و الميبديّ(10:143)، و أبو البركات(2:444)،و الخازن(7:92).

ص: 593

الزّمخشريّ: أي يبلغ ما يريد،لا يفوته مراد، و لا يعجزه مطلوب.و قرئ (بالِغُ أَمْرِهِ) بالإضافة، (بالِغُ أَمْرِهِ) بالرّفع،أي نافذ أمره،و قرأ المفضّل«بالغا امره» على أنّ قوله: قَدْ جَعَلَ اللّهُ خبر إنّ،و بالغا حال.

(4:120)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:34)،و البيضاويّ(2:

483)،و النّسفيّ(4:265)،و النّيسابوريّ(28:73)، و الآلوسيّ(28:136).

ابن عطيّة: بيان و حضّ على التّوكّل،أي لا بدّ من نفوذ أمر اللّه،توكّلت أيّها المرء أو لم تتوكّل،قاله مسروق.فإن توكّلت كفاك،و تعجّلت الرّاحة و البركة، و إن لم تتوكّل وكّلك إلى عجزك و تسخّطك،و أمره في الوجهين نافذ.

و قرأ داود بن هند و رويت عن أبي عمرو (بالغ امره) برفع الأمر و حذف مفعول،تقدير:بالغ أمره ما شاء.و قرأ جمهور السّبعة: (بالغ امره) بنصب الأمر.

و قرأ حفص و المفضّل عن عاصم: (بالِغُ أَمْرِهِ) على الإضافة،و ترك التّنوين في(بالغ)،و رويت عن أبي عمرو،و الأعمش،و هي قراءة طلحة بن مصرّف.

(5:324)

الطّبرسيّ: [نقل القراءات كما تقدّم و أضاف:]

أي يبلغ ما أراد من قضاياه و تدابيره على ما أراد، و لا يقدر أحد على منعه عمّا يريده،و قيل:معناه إنّه منفذ أمره فيمن يتوكّل عليه و فيمن لم يتوكّل عليه.(5:306)

أبو حيّان:[نقل القراءات و أضاف:]

و المفضّل أيضا«بالغا»بالنّصب«أمره»بالرّفع، فخرّجه الزّمخشريّ على أنّ«بالغا»حال،و خبر(إنّ)هو قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ اللّهُ.

و يجوز أن تخرّج هذه القراءة على قول من ينصب ب(أنّ)الجزءين،كقوله:

إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت و لتكن

خطاك خفافا إن حرّاسنا أسدا

و من رفع«أمره»فمفعول«بالغ»محذوف تقديره:

بالغ أمره ما شاء.(8:283)

ابن كثير :أي منفذ قضاياه و أحكامه في خلقه،بما يريده و يشاؤه.(7:39)

نحو الصّابونيّ.(2:589)

أبو السّعود: بالإضافة،أي منفذ أمره.[ثمّ نقل القراءات كما تقدّم](6:261)

نحوه البروسويّ(10:34)،و المراغيّ(28:142).

القاسميّ: أي تامّ و كامل أمره و حكمه و شرعه،لما فيه من الحكم و الرّحمة.

و قرئ بالإضافة،أي يبلغ ما أراد من أمره،فمن تيقّن ذلك فوّض أمره إليه.(16:5839)

ببالغه

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ. الرّعد:14

راجع«ب س ط»

ص: 594

بالغيه

1- وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. النّحل:7

عكرمة :لو كلّفتموه لم تبلغوه إلاّ بشقّ الأنفس.

(الطّبريّ 14:80)

الطّوسيّ: و البلوغ:المصير إلى حدّ من الحدود.

(6:362)

الميبديّ: لا تسيرون إليه إلاّ بمشقّة شديدة، فكيف كنتم تقدرون على ثقل أمتعتكم!(5:356)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ كأنّهم كانوا زمانا يتحمّلون المشاقّ في بلوغه حتّى حملت الإبل أثقالهم؟

قلت:معناه و تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه، في التّقدير لو لم تخلق الإبل إلاّ بجهد أنفسكم،لا أنّهم لم يكونوا بالغيه في الحقيقة.

فإن قلت:كيف طابق قوله: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ قوله: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ، و هلاّ قيل:لم تكونوا حامليها إليه؟

قلت:طباقه من حيث إنّ معناه:و تحمل أثقالكم إلى بلد بعيد،قد علمتم أنّكم لا تبلغونه بأنفسكم إلاّ بجهد و مشقّة،فضلا عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم.

و يجوز أن يكون المعنى:لم تكونوا بالغيه بها إلاّ بشقّ الأنفس.(2:401)

الطّبرسيّ: أي و تحمل الإبل و بعض البقر أحمالكم الثّقيلة،إلى بلد بعيدة لا يمكنكم أن تبلغوه من دون الأحمال إلاّ بكلفة و مشقّة تلحق أنفسكم،فكيف تبلغونه مع الأحمال،لو لا أنّ اللّه تعالى سخّر هذه الأنعام لكم، حتّى حملت أثقالكم إلى أين شئتم.(3:350)

القرطبيّ: أي لم تكونوا بالغيه إلاّ بنقص من القوّة و ذهاب شقّ منها،أي لم تكونوا إلاّ بنصف قوى أنفسكم و ذهاب النّصف الآخر.(10:72)

البيضاويّ: إن لم تكن الأنعام و لم تخلق،فضلا عن أن تحملوها على ظهوركم إليه.(1:549)

أبو حيّان: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ صفة للبلد، و يحتمل أن يكون التّقدير بها،و ذلك تنبيه على بعد البلد،و أنّه مع الاستعانة بها بحمل الأثقال لا يصلون إليه إلاّ بالمشقّة،أو يكون التّقدير:لم تكونوا بالغيه بأنفسكم دونها إلاّ بالمشقّة عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم.

(5:476)

أبو السّعود: واصلين إليه بأنفسكم،مجرّدين عن الأثقال لو لا الإبل.(4:42)

نحوه البروسويّ(5:8)،و الآلوسيّ(14:100)، و عزّة دروزة(6:56).

2- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. المؤمن:56

ابن عبّاس: ببالغي ما في صدورهم من الكبر، و ما يريدون من رجوع الملك إليهم عند خروج الدّجّال.

(397)

مجاهد :ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر،لأنّ اللّه مذلّهم.(الشّربينيّ 3:489)

ص: 595

الفرّاء: يريد تكبّروا أن يؤمنوا بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، ما هم ببالغي ذلك:بنائلي ما أرادوا.(3:10)

الطّبريّ: يقول:الّذي حسدوك عليه أمر ليسوا بمدركيه و لا نائليه،لأنّ ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء، و ليس بالأمر الّذي يدرك بالأمانيّة.

و قد قيل:إنّ معناه إن في صدورهم إلاّ عظمة،ما هم ببالغي تلك العظمة،لأنّ اللّه مذلّهم.(24:76)

الزّجّاج: أي ما هم ببالغي إرادتهم فيه،و إرادتهم دفع آيات اللّه عزّ و جلّ.و دلّ على هذا المعنى يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ لأنّ الكبر هم قد أوقعوه فليس يلبس هذا ببالغي الكبر.

و جاء في التّفسير أنّه يعني به اليهود،و إنّ الكبر الّذي ليس هم ببالغيه:توقّع أمر الدّجّال،فتكبّروا متربّصين يتوقّعون خروج الدّجّال،فأعلم اللّه أنّ هذه الفرقة الّتي تجادل لا تبلغ خروج الدّجّال.و يدلّ على قول من قال هذا قول اللّه عزّ و جلّ يعقب هذا: فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ. (4:377)

الطّوسيّ: لأنّ اللّه يرفع بها من يشاء،و قيل:معنى (الاّ كبر)ما هم ببالغي مقتضاه و لا نالوه،لأنّ الكبر إنّما يعمله صاحبه لمقتضى أن يعظم حاله،و هؤلاء يصير حالهم إلى الإذلال و التّحقير بكفرهم،فلا يبلغون ما في صدورهم من مقتضى كبرهم.(9:88)

الزّمخشريّ: أي ببالغي موجب الكبر و مقتضيه، و هو متعلّق إرادتهم من الرّئاسة أو النّبوّة أو دفع الآيات.

و قيل:المجادلون هم اليهود،و كانوا يقولون:يخرج صاحبنا المسيح بن داود،يريدون الدّجّال،و يبلغ سلطانه البرّ و البحر و تسير معه الأنهار،و هو آية من آيات اللّه،فيرجع إلينا الملك،فسمّى اللّه تمنّيهم ذلك كبرا،و نفى أن يبلغوا متمنّاهم.(3:432)

نحوه أبو السّعود.(5:424)

ابن عطيّة: و هنا حذف مضاف،تقديره:ببالغي إرادتهم فيه،و في هذا النّفي الّذي تضمّن أنّهم لا يبلغون أملا تأنيس لمحمّد عليه السّلام.(4:565)

الطّبرسيّ: ما هم ببالغي مقتضى تلك العظمة،لأنّ اللّه تعالى مذلّهم.

و قيل:معناه كبر بحسدك على النّبوّة الّتي أكرمك اللّه بها ما هم ببالغيه،لأنّ اللّه تعالى يرفع بشرف النّبوّة من يشاء.

و قيل:ما هم ببالغي وقت خروج الدّجّال.

(4:529)

نحوه الخازن.(6:82)

الفخر الرّازيّ: يعني أنّهم يريدون أن لا يكونوا تحت يدك،و لا يصلون إلى هذا المراد،بل لا بدّ و أن يصيروا تحت أمرك و نهيك.(27:79)

أبو حيّان:أي ببالغي موجب الكبر و مقتضيه من رئاستهم و تقدّمهم،و في ذلك إشارة إلى أنّهم لا يرأسون، و لا يحصل لهم ما يؤمّلونه.(7:471)

الآلوسيّ: ما هُمْ بِبالِغِيهِ صفة ل(كبر)أي ما هم ببالغي موجب الكبر و مقتضيه،و هو متعلّق إرادتهم من دفع الآيات أو من الرّئاسة أو النّبوّة.

و قال الزّجّاج:المعنى ما يحملهم على تكذيبك إلاّ ما في صدورهم من الكبر عليك،و ما هم ببالغي مقتضى

ص: 596

ذلك الكبر،لأنّ اللّه تعالى أذلّهم.

و قيل:الجملة مستأنفة،و ضمير(بالغيه)لدفع الآيات المفهوم من المجادلة،و ما تقدّم أظهر.

(24:78)

الطّباطبائيّ: و قوله: ما هُمْ بِبالِغِيهِ الضّمير ل(كبر)باعتبار مسبّبه،فإنّ الكبر سبب للجدال، و الجدال يراد به إبطال الحقّ،و محق الدّعوة الحقّة.

و المعنى:ما هم ببالغي مرادهم و بغيتهم من الجدال الّذي يأتون به لكبرهم.(17:342)

عبد الكريم الخطيب :فالضّمير في(بالغيه)يعود إلى الكبر،بمعنى أنّهم لن يبلغوا ما ينطوي عليه هذا الكبر من أمانيّ و آمال.(12:1252)

بليغا

أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً. النّساء:63

ابن عبّاس: تقدّم إليهم تقدّما وثيقا في الوعيد:إن فعلتم كذا أفعل بكم كذا.(73)

الحسن :القول البليغ الّذي أمر به في الآية أن يقول:إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم،فهذا يبلغ من نفوسهم كلّ مبلغ.(الطّوسيّ 3:242)

الجبّائيّ: خوّفهم بمكاره تنزل بهم في أنفسهم إن عادوا لمثل ما فعلوه.و يجوز أن يكون المراد زجرهم عمّا هم عليه بأبلغ الزّجر.(الطّوسيّ 3:242)

الطّوسيّ: و في الآية دلالة على فضل البلاغة، و أنّها أحد أقسام الحكمة،لما فيها من بلوغ المعنى الّذي يحتاج إلى التّفسير باللّفظ الوجيز،مع حسن التّرتيب.

(3:242)

مثله الطّبرسيّ.(2:67)

الزّمخشريّ: بالغ في وعظهم بالتّخفيف و الإنذار.

فإن قلت:بم تعلّق قوله:(فى انفسهم)؟

قلت:بقوله(بليغا)،أي قل لهم:قولا بليغا في أنفسهم،مؤثّرا في قلوبهم،يغتمّون به اغتماما، و يستشعرون منه الخوف استشعارا،و هو التّوعّد بالقتل و الاستئصال إن نجم منهم النّفاق و أطلق قرنه.و أخبرهم أنّ ما في نفوسهم من الدّغل و النّفاق معلوم عند اللّه،و أنّه لا فرق بينكم و بين المشركين،و ما هذه المكافّة إلاّ لإظهاركم الإيمان،و إسراركم الكفر و إضماره،فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلاّ السّيف.

أو يتعلّق بقوله:(قل لهم)أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة،و قلوبهم المطويّة على النّفاق(قولا بليغا)،و أنّ اللّه يعلم ما في قلوبكم لا يخفى عليه،فلا يغني عنكم إبطانه فأصلحوا أنفسكم و طهّروا قلوبكم، و داووها من مرض النّفاق،و إلاّ أنزل اللّه بكم ما نزل بالمجاهرين بالشّرك من انتقامه،و شرّا من ذلك،و أغلظ.

أو(قل لهم فى انفسهم)-خاليا بهم ليس معهم غيرهم،مسارّا لهم بالنّصيحة،لأنّهم في السّرّ أنجع،و في الإمحاض أدخل-(قولا بليغا)يبلغ منهم،و يؤثّر فيهم.

(1:537)

نحوه أبو السّعود(2:157)،و البروسويّ(2:231).

ابن عطيّة: و القول البليغ اختلف فيه،فقيل:هو الزّجر و الرّدع و الكفّ بالبلاغة من القول،و قيل:هو

ص: 597

التّوعّد بالقتل إن استداموا حالة النّفاق،قاله الحسن، و هذا أبلغ ما يكون في نفوسهم،و البلاغة:مأخوذة من بلوغ المراد بالقول.(2:73)

الفخر الرّازيّ: في الآية قولان:

أحدهما:أنّ المراد بالوعظ:التّخويف بعقاب الآخرة و المراد بالقول البليغ:التّخويف بعقاب الدّنيا،و هو أن يقول لهم:إنّ ما في قلوبكم من النّفاق و الكيد معلوم عند اللّه،و لا فرق بينكم و بين سائر الكفّار،و إنّما رفع اللّه السّيف عنكم لأنّكم أظهرتم الإيمان،فإن واظبتم على هذه الأفعال القبيحة ظهر للكلّ بقاؤكم على الكفر، و حينئذ يلزمكم السّيف.

الثّاني:أن القول البليغ صفة للوعظ،فأمر تعالى بالوعظ،ثمّ أمر أن يكون ذلك الوعظ بالقول البليغ،و هو أن يكون كلاما بليغا طويلا،حسن الألفاظ حسن المعاني،مشتملا على التّرغيب و التّرهيب،و الإحذار و الإنذار،و الثّواب و العقاب.فإنّ الكلام إذا كان هكذا عظم وقعه في القلب،و إذا كان مختصرا ركيك اللّفظ قليل المعنى لم يؤثّر البتّة في القلب.(10:159)

البيضاويّ: يبلغ منهم،و يؤثّر فيهم.أمره بالتّجافي عن ذنوبهم،و النّصح لهم،و المبالغة فيه بالتّرغيب و التّرهيب؛و ذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام.

و تعليق الظّرف ب(بليغا)على معنى بليغا في أنفسهم مؤثّرا فيها،ضعيف،لأنّ معمول الصّفة لا يتقدّم على الموصوف،و القول البليغ في الأصل هو الّذي يطابق مدلوله المقصود به.(1:227)

النّسفيّ: البلاغة:أن يبلغ بلسانه كنه ما في جنانه، و(انفسهم)يتعلّق ب(قل لهم)أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة و قلوبهم المطويّة على النّفاق:(قولا بليغا) يبلغ منهم،و يؤثّر فيهم.(1:233)

النّيسابوريّ: قيل:القول البليغ يتعلّق بالوعظ، و هو أن يكون كلاما حسنا:وجيز المباني،غزير المعاني، يدخل الأذن بلا إذن،مشتملا على التّرغيب و التّرهيب، و الإعذار و الإنذار.(5:73)

الخازن :يعني بليغا،يؤثّر في قلوبهم،موقعه هو التّخويف باللّه عزّ و جلّ.

و قيل:هو أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا من النّفاق.

و قيل:هو أن يقول:إن أظهرتم ما في قلوبكم من النّفاق قتلتم،لأنّ هذا القول يبلغ في نفوسهم كلّ مبلغ.

و قيل:معناه فأعرض عنهم في الملأ،و قل لهم في أنفسهم إذا خلوت بهم:(قولا بليغا)أي أغلظ لهم في القول،خاليا بهم ليس معهم غيرهم،مسارّا لهم بالنّصيحة،لأنّها في السّرّ أنجع.

و قيل:هذا الإعراض منسوخ بآية القتال.

و قد تكلّم العلماء في حدّ البلاغة،فقال بعضهم:

البلاغة:إيصال المعنى إلى الفهم في أحسن صورة من اللّفظ،و قيل:البلاغة:حسن العبارة مع صحّة المعنى، و قيل:البلاغة:سرعة الإيجاز مع الإفهام،و حسن التّصرّف من غير إضجار.و قيل:أحسن الكلام ما قلّت ألفاظه،و كثرت معانيه.و قيل:خير الكلام ما شوّق أوّله إلى سماع آخره،و قيل:لا يستحقّ الكلام اسم البلاغة

ص: 598

إلاّ إذا طابق لفظه معناه و معناه لفظه،و لم يكن لفظه إلى السّمع أسبق من معناه إلى القلب.

و قيل:المراد بالقول البليغ في الآية:أن يكون حسن الألفاظ حسن المعاني،مشتملا على التّرغيب و التّرهيب، و الإعذار و الإنذار،و الوعد و الوعيد بالثّواب و العقاب، فإنّ الكلام إذا كان كذلك عظم وقعه في القلوب،و أثّر في النّفوس.(1:462)

نحوه الشّربينيّ.(1:313)

أبو حيّان: و معنى(بليغا)أي مؤثّرا فيهم،أو قل لهم في معنى أنفسهم النّجسة المنطوية على النّفاق:(قولا) يبلغ منهم ما يزجرهم عن العود إلى ما فعلوا.[و نقل كلام الزّمخشريّ و تعلّق قوله:(فى انفسهم)ب(بليغا)ثمّ قال:]

و تعليقه(فى انفسهم)بقوله:(بليغا)لا يجوز على مذهب البصريّين،لأنّ معمول الصّفة لا يتقدّم عندهم على الموصوف،لو قلت:هذا رجل ضارب زيدا،لم يجز أن تقول:هذا زيدا رجل ضارب،لأنّ حقّ المعمول ألاّ يحلّ إلاّ في موضع يحلّ فيه العامل،و معلوم أنّ النّعت لا يتقدّم على المنعوت لأنّه تابع،و التّابع في ذلك بمذهب الكوفيّين.

و أمّا ما ذكره الزّمخشريّ بعد ذلك من الكلام المسهب فهو من نوع الخطابة،و تحميل لفظ القرآن ما لا يحتمله،و تقويل اللّه تعالى ما لم يقله،و تلك عادته في تفسيره:و هو تكثير الألفاظ،و نسبة أشياء إلى اللّه تعالى لم يقلها اللّه تعالى،و لا دلّ عليها اللّفظ دلالة واضحة.

و التّفسير في الحقيقة إنّما هو شرح اللّفظ المستغلق عند السّامع بما هو واضح عنده،ممّا يرادفه أو يقاربه،أو له دلالة عليه بإحدى طرق الدّلالات.و حكي عن مجاهد أنّ قوله:(فى انفسهم)متعلّق بقوله:(مصيبة)،و هو مؤخّر بمعنى التّقديم.

و هذا ينزه مجاهد أن يقوله،فإنّه في غاية الفساد.

(3:281)

نحوه الآلوسيّ.(5:69)

المراغيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في الآية شهادة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالقدرة على بليغ الكلام،و تفويض أمر الوعظ و القول البليغ إليه،لأنّ لكلّ مقام مقالا،و الكلام يختلف تأثيره باختلاف أفهام المخاطبين،كما أنّ فيها شهادة له بالحكمة،و وضع الكلام في مواضعه،و هذا نحو ما وصف اللّه به نبيّه داود وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ص:20.

قال القاضي عيّاض في كتابه«الشّفاء»في وصف بلاغته صلّى اللّه عليه و سلّم.

أمّا فصاحة اللّسان و بلاغة القول:فقد كان صلّى اللّه عليه و سلّم من ذلك بالمحلّ الأرفع،و الموضع الّذي لا يجهل،قد أوتي جوامع الكلم،و خصّ ببدائع الحكم،و علم ألسنة العرب،يخاطب كلّ أمّة بلسانها،و يحاورها بلغتها،حتّى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موضع عن شرح كلامه و تفسير قوله.و ليس كلامه مع قريش و الأنصار و أهل الحجاز و نجد،ككلامه مع ذي المعشار الهمدانيّ، و طهفة النّهديّ،و الأشعث بن قيس،و وائل بن حجر الكنديّ،و غيرهم من أقيال حضرموت و ملوك اليمن.

(5:79)

الطّباطبائيّ: أي(قولا)يبلغ في أنفسهم ما تريد

ص: 599

أن يقفوا عليه و يفقهوه من مفاسد هذا الصّنيع،و أنّه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط اللّه تعالى.(4:404)

مبلغهم

ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى. النّجم:30

ابن عبّاس: هذا غاية علمهم و عقلهم و رأيهم؛إذ قالوا:إنّ الملائكة و الأصنام بنات اللّه،و إنّ الآخرة لا تكون.(447)

ابن زيد :يقول:ليس لهم علم إلاّ الّذي هم فيه من الكفر برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و مكايدتهم لما جاء من عند اللّه و هؤلاء أهل الشّرك.(الطّبريّ 27:63)

الفرّاء: صغّر بهم،يقول:ذلك قدر عقولهم و مبلغ علمهم؛حين آثروا الدّنيا على الآخرة،و يقال:ذلك مبلغهم من العلم أن جعلوا الملائكة و الأصنام بنات اللّه.

(3:100)

نحوه البغويّ.(4:310)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا الّذي يقوله هؤلاء الّذين لا يؤمنون بالآخرة في الملائكة؛من تسميتهم إيّاها تسمية الأنثى: مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ يقول:ليس لهم علم إلاّ هذا الكفر باللّه،و الشّرك به على وجه الظّنّ، بغير يقين علم.(27:63)

الزّجّاج: إنّما يعلمون ما يحتاجون إليه في معاشهم، فقد نبذوا أمر الآخرة وراء ظهورهم.(5:74)

مثله الميبديّ.(9:364)

الطّوسيّ: و معناه أنّ علمهم انتهى إلى نفع الدّنيا دون نفع الآخرة،و هو صغير حقير في نفع الآخرة، فطلبوا هذا و تركوا ذلك،جهلا به.(9:431)

الزّمخشريّ: و قوله تعالى: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ اعتراض،أو فأعرض عنه و لا تقابله،إنّ ربّك هو أعلم بالضّالّ و المهتدي،و هو مجازيهما بما يستحقّان من الجزاء.(4:32)

ابن عطيّة: معناه هنا انتهى تحصيلهم من المعلومات؛و ذلك أنّ المعلومات منها ما هي معقولات نافعة في الآخرة،و منها ما هي أمور فانية و أشخاص بادية،كالفلاحة و كثير من الصّنائع،و طلب الرّئاسة على النّاس بالمخرقة،فكلّها معلومات و لها علم،و مبلغ الكفرة إنّما هو في هذه الدّنياويّات.(5:203)

الفخر الرّازيّ: و كان موضع بلوغه من العلم أنّه قطع الكلام معه و أعرض عنه،و عليه سؤال و هو:أنّ اللّه تعالى بيّن أنّ غايتهم ذلك لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286،و المجنون الّذي لا علم له، و الصّبيّ لا يؤمر بما فوق احتماله،فكيف يعاقبهم اللّه؟

نقول:ذكر قبل ذلك أنّهم تولّوا عن ذكر اللّه،فكأنّ عدم علمهم لعدم قبولهم العلم،و إنّما قدّر اللّه تولّيهم ليضاف الجهل إلى ذلك فيحقّق العقاب.قال الزّمخشريّ:

(ذلك مبلغهم من العلم)كلام معترض بين كلامين، و المتّصل قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ النّجم:29،30،و على ما ذكرنا المقصود لا يتمّ إلاّ به،و يكون كأنّه تعالى قال:أعرض عنهم فإنّ ذلك غايتهم،و لا يوجد وراء ما ظهر منهم شيء،و كأنّ قوله:

ص: 600

عَنْ مَنْ تَوَلّى إشارة إلى قطع عذرهم بسبب الجهل، فإنّ الجهل كان بالتّولّي،و إيثار العاجل.

(29:2)

القرطبيّ: أي إنّما يبصرون أمر دنياهم،و يجهلون أمر دينهم.(17:105)

البيضاويّ: لا يتجاوزه علمهم،و الجملة اعتراض مقرّر،لقصور هممهم بالدّنيا.(2:431)

ابن كثير :أي طلب الدّنيا و السّعي لها هو غاية ما وصلوا إليه.و قد روى الإمام أحمد عن أمّ المؤمنين عائشة قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«الدّنيا دار من لا دار له،و مال من لا مال له،و لها يجمع من لا عقل له» و في الدّعاء المأثور:«اللّهمّ لا تجعل الدّنيا أكبر همّنا، و لا مبلغ علمنا».(6:457)

الشّربينيّ: أي نهاية بلوغهم و موضع بلوغهم، و الحاصل لهم،و تهكّم بهم بقوله تعالى:(من العلم)،أي غايتهم من العلم أنّهم آثروا الدّنيا على الآخرة،و الجملة اعتراض مقرّر لقصور همّتهم على الدّنيا.(4:131)

نحوه شبّر.(6:108)

أبو السّعود: لا يكادون يجاوزونه إلى غيره حتّى تجديهم الدّعوة و الإرشاد،و جمع الضّمير في(مبلغهم) باعتبار معنى(من)كما أنّ إفراده فيما سبق باعتبار لفظها.

و المراد بالعلم:مطلق الإدراك المنتظم للظّنّ الفاسد، و الجملة اعتراض مقرّر لمضمون ما قبلها؛من قصر الإرادة على الحياة الدّنيا.(5:158)

نحوه البروسويّ(9:239)،و الآلوسيّ(27:60)

القاسميّ: يعني أمر الدّنيا منتهى علمهم،لا علم لهم فوقه.و من كان هذا أقصى معارفه فما على داعيه إلاّ الصّفح عنه،و الصّبر على جهله.

و(مبلغ)اسم مكان مجازا،كأنّه محلّ وقف فيه علمهم ادّعاء،كما حقّقه الشّهاب.و الجملة اعتراض مقرّر لمضمون ما قبلها؛من قصر الإرادة على الحياة الدّنيا،ثمّ علّل الأمر بالإعراض بقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى أي و لا بدّ أن يعاملهم بموجب علمه فيهم،فيجزي كلاّ بما يقتضيه عمله،و تقديم العلم بمن ضلّ،لأنّهم المقصودون من الخطاب،و السّياق فيهم.(15:5579)

الطّباطبائيّ: الإشارة بذلك إلى أمر الدّنيا و هو معلوم من الآية السّابقة،و كونه مبلغ علمهم من قبيل الاستعارة،كأنّ العلم يسير إلى المعلوم و ينتهي إليه، و علمهم انتهى في مسيره إلى الدّنيا و بلغها،و وقف عندها و لم يتجاوزها.

و لازم ذلك أن تكون الدّنيا متعلّق إرادتهم و طلبهم، و موطن همّهم،و غاية آمالهم،لا يطمئنّون إلى غيرها، و لا يقبلون إلاّ عليها.(19:41)

بلاغ

1- هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ. إبراهيم:52

ابن عبّاس: أبلغهم عن اللّه،و يقال:بيان لهم بالأمر و النّهي،و الوعد و الوعيد،و الحلال و الحرام.(216)

هو إشارة إلى القرآن.

مثله الحسن و ابن زيد.(الطّبرسيّ 3:325)

ص: 601

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا القرآن بلاغ للنّاس،أبلغ اللّه به إليهم،في الحجّة عليهم،و أعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه و عبره.(13:258)

الطّوسيّ: قال ابن زيد و غيره من المفسّرين،هو إشارة إلى القرآن،ففيه بلاغ للنّاس،لأنّ فيه البيان عن الإنذار و التّخويف،و فيه البيان عمّا يوجب الإخلاص بما ذكر من الإنعام الّذي لا يقدر عليه إلاّ اللّه.(6:311)

البغويّ: أي تبليغ و عظة.(3:49)

مثله الخازن.(4:45)

الميبديّ: أبلغ اللّه به إليهم في الحجّة عليهم.

و قيل:البلاغ:الكفاية،من قوله: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً الأنبياء:106،أي هو كاف في إنذار النّاس.(5:280)

ابن عطيّة: الآية إشارة إلى القرآن و الوعيد الّذي يتضمّنه،و وصفه بالمصدر في قوله:(بلاغ)،و المعنى هذا بلاغ للنّاس،و هو(لينذروا به).(3:348)

الطّبرسيّ: هو إشارة إلى القرآن،عن ابن عبّاس و الحسن و ابن زيد و غيرهم،أي هذا القرآن عظة للنّاس بالغة كافية.

و قيل:هو إشارة إلى ما تقدّم ذكره،أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبّره من النّاس،و الأوّل هو الصّحيح.

(3:325)

أبو البركات: في تقديره وجهان:

أحدهما:أن يكون تقديره:هذا بلاغ للنّاس و للإنذار،لأنّ(أن)المقدّرة بعد اللاّم مع(ينذروا)في تأويل المصدر،و هو الإنذار.

و الثّاني:أن يكون تقديره:هذا بلاغ للنّاس،و أنزل (لينذروا به).(2:62)

الفخر الرّازيّ: أي هذا التّذكير و الموعظة بلاغ للنّاس،أي كفاية في الموعظة،ثمّ اختلفوا،فقيل:إنّ قوله:(هذا)إشارة إلى كلّ القرآن،و قيل:بل إشارة إلى كلّ هذه السّورة،و قيل:بل إشارة إلى المذكور من قوله:

(و لا تحسبنّ)إلى قوله: سَرِيعُ الْحِسابِ إبراهيم:51.

و أمّا قوله: (لِيُنْذَرُوا بِهِ) فهو معطوف على محذوف، أي لينتصحوا (وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ) أي بهذا البلاغ.(19:149)

نحوه البيضاويّ.(1:536)

الشّربينيّ: أي كان غاية الكفاية في الإيصال.

(2:192)

أبو السّعود: كفاية في العظة و التّذكير من غير حاجة إلى ما انطوى عليه السّورة الكريمة،أو كلّ القرآن المجيد من فنون العظات و القوارع.(3:505)

نحوه البروسويّ.(4:437)

الآلوسيّ: أي ما ذكر من قوله سبحانه: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً إبراهيم:42،إلى هنا،و جوّز أن يكون الإشارة إلى القرآن،و هو المرويّ عن ابن زيد،أو إلى السّورة.و التّذكير باعتبار الخبر و هو(بلاغ)،و الكلام على الأوّل أبلغ.[ثمّ ذكر نحو كلام أبي السّعود و أضاف:]

و أصل البلاغ:مصدر بمعنى التّبليغ،و بهذا فسّره الرّاغب في الآية،و ذكر مجيئه بمعنى الكفاية في آية أخرى.(13:258)

الطّباطبائيّ: البلاغ:بمعنى التّبليغ على ما ذكره الرّاغب،أو بمعنى الكفاية على ما ذكره غيره.

و الآية خاتمة السّورة،فالأنسب أن تكون الإشارة

ص: 602

بهذا إلى ما أورد في السّورة من البيان،لا إلى مجموع القرآن كما ذكره بعضهم،و لا إلى ما ذكر من قوله تعالى:

وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إبراهيم:

42،إلى آخر السّورة،كما ذكره آخرون.(12:90)

2- ..لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ. الأحقاف:35

ابن عبّاس: بلغة و أجل.(426)

الحسن :إنّ هذا القرآن بلاغ.(الماورديّ 5:289)

الطّبريّ: و قوله:(بلاغ)فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون معناه لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار، ذلك لبث بلاغ،بمعنى ذلك بلاغ لهم في الدّنيا إلى أجلهم، ثمّ حذفت«ذلك لبث»،و هي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها.

و الآخر:أن يكون معناه هذا القرآن،و التّذكير بلاغ لهم و كفاية،إن فكّروا و اعتبروا فتذكّروا.(26:38)

الزّجّاج: الرّفع على معنى ذلك بلاغ،و النّصب في العربيّة جيّد بالغ،إلاّ أنّه يخالف المصحف،و«بلاغا» على معنى يبلغون بلاغا،كما قال: كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ النّساء:24،منصوب على معنى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ النّساء:23،تأويله:كتب اللّه ذلك كتابا.

(4:448)

الرّمّانيّ: إنّ ذلك اللّبث(بلاغ).(الماورديّ 5:289)

القيسيّ: رفع على إضمار مبتدإ،أي ذلك بلاغ.

و لو نصب في الكلام على المصدر أو على النّعت ل(ساعة)لجاز.(2:304)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

[الأوّل و الثّاني قول الرّمّانيّ و الحسن و قد تقدّما]

الثّالث:أنّ هذا الّذي وصفه اللّه(بلاغ)و هو حلول ما وعده،إمّا من الهلاك في الدّنيا،أو العذاب في الآخرة، على ما تقدّم من الوجهين.(5:289)

نحوه الطّوسيّ.(9:287)

البغويّ: أي هذا القرآن و ما فيه من البيان بلاغ من اللّه إليكم،و البلاغ بمعنى التّبليغ.(4:208)

نحوه الخازن.(6:144)

الميبديّ: [ذكر نحو قول البغويّ و أضاف:]

و قيل:هذا بلاغ،أي الإيمان بالرّسالة بلاغ،يعني إذا بلّغت فقد فعلت ما وجب عليك.و قيل:(بلاغ)واقع موقع بلّغ،أي بلّغ الرّسالة.(9:168)

نحوه الطّبرسيّ.(5:95)

الزّمخشريّ: أي هذا الّذي وعظتم به كفاية في الموعظة،أو هذا تبليغ من الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، فهل يهلك إلاّ الخارجون عن الاتّعاظ به و العمل بموجبه.

و يدلّ على معنى التّبليغ قراءة من قرأ (بلغ فهل يهلك) .

و قرئ(بلاغا)أي بلغوا بلاغا.(3:528)

نحوه النّسفيّ(4:148)،و الشّربينيّ(4:21)، و أبو السّعود(6:81)،و البروسويّ(8:495)،و شبّر (6:20).

ابن عطيّة: و قرأ جمهور القرّاء و النّاس(بلاغ)، و ذلك يحتمل معاني:

أحدها:أن يكون خبر ابتداء،المعنى:هذا(بلاغ)، و تكون الإشارة بهذا إلى القرآن و الشّرع،أي هذا إنذار

ص: 603

و تبليغ.و إمّا إلى المدّة الّتي تكون كساعة،كأنّه قال:

لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً كانت بلاغهم،و هذا كما تقول:

متاع قليل و نحوه من المعنى.

و الثّاني:أن يكون ابتداء،و الخبر محذوف.

و الثّالث:ما قاله أبو مجلز،فإنّه كان يقف على قوله:

(و لا تستعجل)،و يقول:(بلاغ)ابتداء،و خبره متقدّم في قوله:(لهم)،و قدح النّاس في هذا القول بكثرة الحائل.

و قرأ الحسن بن أبي الحسن و عيسى(بلاغا)،و هي قراءة تحتمل المعنيين اللّذين في قراءة الرّفع،و ليس يدخلها قول أبي مجلز،و نصبها بفعل مضمر.

و قرأ أبو مجلز و أبو سراج الهذليّ(بلّغ)على الأمر.

و قرأ الحسن بن أبي الحسن«بلاغ»بالخفض نعتا ل(نهار).

(5:108)

نحوه أبو حيّان(8:69)،و الآلوسيّ(26:35).

أبو البركات: و(بلاغ)مرفوع،لأنّه خبر مبتدإ محذوف،و تقديره:هذا(بلاغ).فحذف المبتدأ للعلم به، و يجوز فيه النّصب لوجهين:أحدهما:على أنّه مصدر.

و الثّاني:على الوصف ل(ساعة)و اللّه أعلم.(2:373)

ابن الجوزيّ: و في معنى وصف القرآن بالبلاغ قولان:

أحدهما:أنّ البلاغ بمعنى التّبليغ.و الثّاني:أنّ معناه الكفاية،فيكون المعنى:ما أخبرناهم به لهم فيه كفاية و غنى.[ثمّ ذكر قول الطّبريّ و أضاف:]

و قرأ أبو العالية و أبو عمران(بلّغ)بكسر اللاّم و تشديدها،و سكون الغين من غير ألف.(7:394)

القرطبيّ: أي هذا القرآن(بلاغ)،قاله الحسن.

ف(بلاغ)رفع على إضمار مبتدإ،دليله قوله تعالى: هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا إبراهيم:52،و قوله: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ الأنبياء:106.

و البلاغ بمعنى التّبليغ،و قيل:أي إنّ ذلك اللّبث (بلاغ)،قاله ابن عيسى،فيوقف على هذا على(بلاغ) و على(نهار).

و ذكر أبو حاتم أنّ بعضهم وقف على(و لا تستعجل)، ثمّ ابتدأ(لهم)على معنى لهم بلاغ.

قال ابن الأنباريّ: و هذا خطأ،لأنّك قد فصلت بين البلاغ و بين اللاّم،و هي رافعة بشيء ليس منهما.و يجوز في العربيّة:بلاغا و بلاغ؛النّصب على معنى إلاّ ساعة بلاغا،على المصدر أو على النّعت للسّاعة.و الخفض على معنى من نهار بلاغ.

و بالنّصب قرأ عيسى بن عمر و الحسن.و روي عن بعض القرّاء(بلّغ)على الأمر،فعلى هذه القراءة يكون الوقف على(من نهار)،ثمّ يبتدئ(بلّغ).(16:222)

عزّة دروزة :و لقد ذكر بعض المفسّرين أنّ تعبير (بلاغ)قد قصد به تقرير كون القرآن أو الإنذار الّذي احتواه هو بلاغ للسّامعين،أو ما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتبليغه.

و ما حملناه عليه و أوّلناه به قد قال به مفسّرون آخرون،و التّعبير و روح الآية يتحمّلان المدلولين، و نرجو أن يكون المعنى الّذي رجّحناه مع مفسّرين آخرين هو الصّواب،إن شاء اللّه.(5:288)

الطّباطبائيّ: أي هذا القرآن بما فيه من البيان تبليغ من اللّه من طريق النّبوّة،فهل يهلك بهذا الّذي بلّغه اللّه من الإهلاك إلاّ القوم الفاسقون،الخارجون عن زيّ

ص: 604

العبوديّة.(18:218)

البلاغ

1- ..فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ. آل عمران:20

ابن عبّاس: التّبليغ عن اللّه.(44)

الطّبريّ: فإنّما أنت رسول مبلّغ،و ليس عليك غير إبلاغ الرّسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي،و أداء ما كلّفتك من طاعتي.(3:215)

الزّجّاج: أي ليس عليك هداهم،إنّما عليك إقامة البرهان لهم،فإذا بلّغت فقد أدّيت ما عليك.(1:390)

الطّوسيّ: و معناه عليك البلاغ فقط،دون أن لا يتولّوا،لأنّه ليس عليك ألاّ يتولّوا.(2:421)

البغويّ: أي تبليغ الرّسالة،و ليس عليك الهداية.

(1:422)

ابن عطيّة: ذكر بعض النّاس أنّها آية موادعة، و أنّها ممّا نسخته آية السّيف.

و هذا يحتاج أن يقترن به معرفة تاريخ نزولها.و أمّا على ظاهر نزول هذه الآية في وقت وفد نجران،فإنّما المعنى فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ بما فيه قتال و غيره، و(البلاغ)مصدر«بلغ»بتخفيف عين الفعل.(1:414)

الطّبرسيّ: معناه فإنّما عليك أن تبلّغ و تقيم الحجّة، و ليس عليك أن لا يتولّوا.(1:422)

الفخر الرّازيّ: و الغرض منه تسلية الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و تعريفه أنّ الّذي عليه ليس إلاّ إبلاغ الأدلّة و إظهار الحجّة،فإذا بلّغ ما جاء به فقد أدّى ما عليه،و ليس عليه قبولهم.(7:228)

القرطبيّ: و(البلاغ)مصدر«بلغ»بتخفيف عين الفعل،أي إنّما عليك أن تبلّغ.و قيل:إنّه ممّا نسخ بالجهاد.

[ثمّ ذكر كلام ابن عطيّة](4:46)

الخازن :يعني تبليغ الرّسالة،و ليس عليك هدايتهم.و اختلف علماء النّاسخ و المنسوخ في الآية، فذهب طائفة إلى أنّها محكمة،و المراد بها تسلية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه كان يحرص على إيمانهم و يتألّم لتركهم الإجابة.و ذهب طائفة إلى أنّها منسوخة بآية السّيف، لأنّ المراد بها الاقتصار على التّبليغ،و هذا منسوخ بآية السّيف.(1:279)

أبو حيّان: أي هم لا يضرّونك بتولّيهم،و ما عليك أنت إلاّ تنبيههم بما تبلّغه إليهم:من طلب إسلامهم، و انتظامهم في عبادة اللّه وحده.

و قيل:إنّها آية موادعة منسوخة بآية السّيف، و لا يحتاج إلى معرفة تاريخ النّزول.

و إذا نظرت إلى سبب نزول هذه الآيات و هو وفود وفد نجران،فيكون المعنى:فإنّما عليك البلاغ بقتال و غيره.(2:413)

أبو السّعود: قائم مقام الجواب،أي لم يضرّوك شيئا؛إذ ما عليك إلاّ البلاغ،و قد فعلت على أبلغ وجه.

و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا قرأ هذه الآية على أهل الكتاب،قالوا:أسلمنا،فقال عليه السّلام لليهود:أ تشهدون أنّ عيسى كلمة اللّه و عبده و رسوله؟فقالوا:معاذ اللّه.

و قال عليه الصّلاة و السّلام للنّصارى: أ تشهدون أنّ عيسى عبد اللّه و رسوله؟فقالوا:معاذ اللّه أن يكون

ص: 605

عيسى عبدا؛و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ تَوَلَّوْا... وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ. (1:349)

نحوه البروسويّ(2:14)،و الآلوسيّ(3:109)

الطّباطبائيّ: و في قوله تعالى: وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ دلالة:

أوّلا:على النّهي عن المراء و الإلحاح في المحاجّة،فإنّ المحاجّة مع من ينكر الضّروريّ لا تكون إلاّ مراء و لجاجا في البحث.

و ثانيا:على أنّ الحكم في حقّ النّاس،و الأمر مطلقا إلى اللّه سبحانه،و ليس للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أنّه رسول مبلّغ لا حاكم مسيطر،كما قال تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128،و قال تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ الغاشية:23.

و ثالثا:على تهديد أهل الكتاب و المشركين،فإنّ ختم الكلام بقوله:(و اللّه بصير)،بعد قوله: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ لا يخلو من ذلك.و يدلّ على ذلك ما وقع من التّهديد في نظير الآية،و هو قوله تعالى: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ إلى أن قال: وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ البقرة:136، 137،تذكّر الآية أنّ أهل الكتاب إن تولّوا عن الإسلام فهم مصرّون على الخلاف،ثمّ يهدّدهم بما يسلّي به النّبيّ و يطيب نفسه.

فالآية أعني قوله: وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ كناية عن الأمر بتخلية ما بينهم و بين ربّهم،و إرجاع أمرهم إليه،و هو بصير بعباده،يحكم فيهم بما تقتضيه حالهم،و يسأله لسان استعدادهم.

و من هنا يظهر أنّ ما ذكره بعض المفسّرين:أنّ في الآية دليلا على حرّيّة الاعتقاد في أمر الدّين،و أن لا إكراه فيه،ليس بوجيه،فإنّ الآية كما عرفت مسوقة لغير ذلك.(3:123)

2- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

المائدة:92

ابن عبّاس: التّبليغ عن اللّه.(101)

الطّبريّ: يقول:فاعلموا أنّه ليس على من أرسلناه إليكم بالنّذارة،غير إبلاغكم الرّسالة الّتي أرسل بها إليكم،مبيّنة لكم بيانا يوضّح لكم سبيل الحقّ، و الطّريق الّذي أمرتم أن تسلكوه.

و أمّا العقاب على التّولية،و الانتقام بالمعصية،فعلى المرسل إليه دون الرّسل.و هذا من اللّه تعالى وعيد لمن تولّى عن أمره و نهيه،يقول لهم تعالى ذكره:فإن تولّيتم عن أمري و نهيي فتوقّعوا عقابي،و احذروا سخطي.

(7:35)

الطّوسيّ: معناه الوعيد و التّهديد،كأنّه قال:

فاعلموا أنّكم قد استحققتم العقاب،لتولّيكم عمّا أدّى رسولنا من البلاغ المبين،يعني الأداء الظّاهر الواضح، فوضع كلام موضع كلام للإيجاز،و لو كان على صيغته من غير هذا التّقدير لم يصحّ،لأنّ عليهم أن يعلموا ذلك، تولّوا أو لم يتولّوا.(4:21)

مثله الطّبرسيّ.(2:240)

ص: 606

الفخر الرّازيّ: و هذا تهديد عظيم و وعيد شديد في حقّ من خالف في هذا التّكليف،و أعرض فيه عن حكم اللّه و بيانه،يعني أنّكم إن تولّيتم فالحجّة قد قامت عليكم،و الرّسول قد خرج عن عهدة التّبليغ و الإعذار و الإنذار،فأمّا ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التّكليف و أعرض عنه،فذاك إلى اللّه تعالى.

و لا شكّ أنّه تهديد شديد.(12:82)

نحوه الخازن(2:74)،و البروسويّ(2:436).

أبو حيّان: أي فإن أعرضتم فليس على الرّسول إلاّ أن يبلّغ أحكام اللّه،و ليس عليه خلق الطّاعة فيكم، و لا يلحقه من تولّيكم شيء بل ذلك لاحق بكم،و في هذا الوعيد البالغ ما لا خفاء به؛إذ تضمّن أنّ عقابكم إنّما يتولاّه المرسل لا الرّسول،و ما كلّف الرّسول من أمركم غير تبليغكم.

و وصف(البلاغ)ب(المبين)،إمّا لأنّه بيّن في نفسه واضح جليّ،و إمّا لأنّه مبيّن لكم أحكام اللّه تعالى و تكاليفه؛بحيث لا يعتريها شبهة،بل هي واضحة نيّرة جليّة.(4:15)

أبو السّعود: [قال نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و أمّا ما قيل:من أنّ المعنى فاعلموا أنّكم لم تضرّوا بتولّيكم الرّسول،لأنّه ما كلّف إلاّ البلاغ المبين بالآيات، و قد فعل.و إنّما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عمّا كلّفتموه،فلا يساعده المقام؛إذ لا يتوهّم منهم ادّعاء أنّهم بتولّيهم يضرّونه عليه الصّلاة و السّلام،حتّى يردّ عليهم بأنّهم لا يضرّونه،و إنّما يضرّون أنفسهم.(2:317)

نحوه الآلوسيّ.(7:17)

رشيد رضا: أي فإن تولّيتم و أعرضتم عن الطّاعة،فاعلموا أنّما على رسولنا أن يبيّن لكم ديننا و شرعنا،و قد بلّغه و أبانه،و قرن حكمه بأحكامه، و علينا نحن الحساب و العقاب،و سترونه في إبانه،كما قال: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ الرّعد:40، و إنّما الحساب لأجل الجزاء.(7:65)

3- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ. المائدة:99

الطّوسيّ: و البلاغ:وصول المعنى إلى غيره،و هو هاهنا وصول الإنذار إلى نفوس المكلّفين.و أصل البلاغ:

البلوغ.[إلى أن قال:]

و في هذا بلاغ،أي كفاية،لأنّه يبلغ مقدار الحاجة.

(4:36)

نحوه الطّبرسيّ.(2:248)

الزّمخشريّ: تشديد في إيجاب القيام بما أمر به، و أنّ الرّسول قد فرغ ممّا وجب عليه من التّبليغ،و قامت عليكم الحجّة،و لزمتكم الطّاعة،فلا عذر لكم في التّفريط.(1:647)

ابن عطيّة: إخبار للمؤمنين،فلا يتصوّر أن يقال:

هي آية موادعة منسوخة بآيات القتال،بل هذه حال من آمن و شهد شهادة الحقّ،فإنّه إذ قد عصم من الرّسول ماله و دمه،فليس على الرّسول في جهته أكثر من التّبليغ،و اللّه تعالى بعد ذلك يعلم ما ينطوي عليه صدره،و هو المجازي بحسب ذلك ثوابا أو عقابا.

و(البلاغ)مصدر من بلغ يبلغ.و الآية معناها الوعيد

ص: 607

للمؤمنين إن انحرفوا،و لم يمتثلوا ما بلّغ إليهم.

(2:244)

الفخر الرّازيّ: يعني أنّه كان مكلّفا بالتّبليغ،فلمّا بلّغ خرج عن العهدة،و بقي الأمر من جانبكم،و أنا عالم بما تبدون و بما تكتمون.فإن خالفتم فاعلموا أنّ اللّه شديد العقاب،و إن أطعتم فاعلموا أنّ اللّه غفور رحيم.

(12:103)

القرطبيّ: أي ليس له الهداية و التّوفيق و لا الثّواب،و إنّما عليه البلاغ.و في هذا ردّ على القدريّة.

[ثمّ قال نحو الطّوسيّ](6:327)

أبو حيّان: لمّا تقدّم التّرغيب و التّرهيب،أخبر تعالى أنّه كلّف رسوله بالتّبليغ،و هو توصيل الأحكام إلى أمّته،و هذا فيه تشديد على إيجاب القيام بما أمر به تعالى،و أنّ الرّسول قد فرغ ممّا وجب عليه من التّبليغ، و قامت عليه الحجّة و لزمتكم الطّاعة،فلا عذر لكم في التّفريط.[ثمّ نقل كلام ابن عطيّة و أضاف:]

و قيل:يجوز أن يكون[بلاغ]اسم جنس و المعنى ما على كلّ من أرسل إلاّ البلاغ.و البلاغ و البلوغ مصدران ل«بلغ»و إذا كان مصدرا ل«بلغ»فبلاغ الشّرائع مستلزم لتبليغ من أرسل بها،فعبّر باللاّزم عن الملزوم.و يحتمل أن يكون مصدرا ل«بلّغ»المشدّد على حذف الزّوائد، فمعنى البلاغ:التّبليغ.(4:27)

نحوه البروسويّ.(2:446)

المراغيّ: أي ليس على رسولنا الّذي أرسلناه إليكم-بالإنذار بالعقاب بين يدي عذاب شديد، و الإعذار إليكم بما يقطع حججكم-إلاّ أن يؤدّي الرّسالة،ثمّ إلينا الثّواب على الطّاعة،و علينا العقاب على المعصية،و لا يخفى علينا المطيع لأوامرنا،و العاصي التّارك للعمل بها؛إذ لا يغيب عنّا شيء من ضمائر الصّدور، و ظواهر أعمال النّفوس،فخليق بكم أن تتّقوني و لا تعصوا أمري.

و في هذا وعيد شديد،و تهديد لمن يخالف أوامر اللّه و يعصيه،كما أنّ فيه إبطالا لما عليه أهل الشّرك و الضّلال،من الخوف من معبوداتهم الباطلة،و التماس الخلاص و النّجاة من العذاب بشفاعتها.

و الخلاصة:إنّ الرّسول ليس عليه إلاّ البلاغ لدين اللّه و شرعه،و بعدئذ يكون المبلّغون هم المسئولين عند اللّه،و اللّه الّذي يعلم ما يبدون و ما يكتمون من العقائد و الأقوال و الأفعال،و هو الّذي يجازيهم بحسب علمه المحيط بكلّ ذرّة في الأرض و السّماوات،و يكون جزاؤه حقّا و عدلا،و يزيد بعد ذلك من إحسانه عليه و فضله، فاطلبوا سعادتكم من أنفسكم و خافوا منها عليها.

(7:37)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: ...فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ... الرّعد:40.

و قوله تعالى: ...إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ النّور:54.

بلاغا

1- إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ. الأنبياء:106

ابن عبّاس: لكفاية،و يقال:عظة بالأمر و النّهي.

(276)

ابن جريج:يقولون:في هذه السّورة(لبلاغا).

ص: 608

(الطّبريّ 17:106)

ابن زيد :إنّ في هذا لمنفعة و علما لقوم عابدين، ذاك البلاغ.(الطّبريّ 17:106)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ في هذا القرآن الّذي أنزلناه على نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،(لبلاغا)لمن عبد اللّه،بما فيه من الفرائض الّتي فرضها اللّه إلى رضوانه،و إدراك الطّلبة عنده.(17:105)

الطّوسيّ: يعني القرآن(لبلاغا)،أي لما يبلغ إلى البغية من أخذ به و عمل عليه.و البلوغ:الوصول، و البلاغ:سبب الوصول إلى الحقّ،ففي البرهان بلاغ، و القرآن دليل و برهان.

و قيل:معناه إنّه يبلغ رضوان اللّه و محبّته و جزيل ثوابه لِقَوْمٍ عابِدِينَ للّه،مخلصين له.(7:285)

نحوه الطّبرسيّ.(4:67)

البغويّ: وصولا إلى البغية،أي من اتّبع القرآن و عمل به وصل إلى ما يرجوه من الثّواب و قيل:بلاغا، أي كفاية.يقال:هذا الشّيء بلاغ و بلغة،أي كفاية.

و القرآن زاد الجنّة،كبلاغ المسافر.(3:320)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:230)،و الشّربينيّ(2:

533).

الميبديّ: [قال مثل البغويّ و أضاف:]

و قيل:إنّ في هذا؛أي في توريثنا الجنّة الصّالحين (لبلاغا)،و كفاية في المجازاة.(6:318)

الزّمخشريّ: و البلاغ:الكفاية،و ما تبلغ به البغية.

(2:586)

نحوه البيضاويّ(2:83)،و أبو السّعود(4:361)، و شبّر(4:220)،و القاسميّ(11:4313)

النّيسابوريّ: لكفاية.

و البلاغ:ما يبلغ به المرء مطلوبه من الوسائط و الوسائل،و لا مطلوب أجلّ من سعادة الدّارين،فكلّ من كان وسيلة إلى نيل هذا المطلوب على الوجه الأتمّ الأكمل،كان وجوده رحمة من اللّه للطّالب المتحيّر، و ما ذاك إلاّ خاتم النّبيّين.(17:69)

الطّباطبائي: البلاغ:هو الكفاية،و أيضا:ما به بلوغ البغية،و أيضا نفس البلوغ.و معنى الآية مستقيم على كلّ من المعاني الثّلاثة،و الإشارة بهذا إلى ما بيّن في السّورة من المعارف.

و المعنى أنّ فيما بيّنّاه في السّورة:أنّ الرّبّ واحد لا ربّ غيره،يجب أن يعبد من طريق النّبوّة،و يستعدّ بذلك ليوم الحساب،و أنّ جزاء المؤمنين كذا و كذا، و جزاء الكافرين كيت و كيت،كفاية لقوم عابدين إن أخذوه و عملوا به،كفاهم و بلغوا بذلك بغيتهم.

(14:331)

الطّنطاويّ: أي إنّ ما في هذه السّورة:من نظام الدّول،و قيام الدّولة،و حفظ النّاس،و التّسلّط على ألطف الأشياء كالهواء،و على أصلبها كالحديد،و على الجمع بين حرب الأعداء و الاستغراق في ذكر اللّه، و الشّجاعة و الإقدام،و تسخير العمّال في المباني العظيمة، و استخراج ما في البحار من الحليّ،و غير ذلك.يقول اللّه:

إنّ في ذلك المذكور(لبلاغا)أي كفاية لقوم جامعين بين العلم و العمل،فإنّ العلم شجر و العمل ثمر،هذا معنى الآية.

ص: 609

و هو ترتيب عجيب،لم يذكر اللّه هذه الآية إلاّ بعد ما أتمّ الأمر،و بيّن نظام الدّول و الأعمال،ثمّ بيّن من هم الّذين يصلحون لعمارة الأرض،ثمّ أتبعه بما يفيد أنّ علوم هذه السّورة السّياسيّة و النّظاميّة كفاية لمن جمعوا بين العلم و العمل.

فتعجّب أيّها الذّكيّ!و اللّه سائلك عن كتابه،و عن أمّتك،و عن أهل بلدتك،فاصدع بما تؤمر في هذا القرآن مع الحكمة،و أعرض عن الجاهلين،و لتعلم أنّ اللّه سينصرك كما نصر الأنبياء المذكورين،فلا تنم عن إبلاغ معاني هذا القرآن لا تغفل و اللّه يحاسبك على علمك كما يحاسبك على قدرتك الجسميّة،فإنّي موقن أنّ الأمّة الإسلاميّة متى ذاعت هذه الآراء فيها،و هي مقصود كتابها،قامت كلّها قومة رجل واحد إلى نظام أممها،ثمّ قامت بتربية الأمم،و الأمم اليوم في ضلال.

(10:244)

2- قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً* إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَ رِسالاتِهِ وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً.

الجنّ:22،23

ابن عبّاس: يقول:لا ينجّيني إلاّ التّبليغ عن اللّه و رسالاته.(489)

الحسن :ففيه الجوار و الأمن و النّجاة.

(البغويّ 5:163)

قتادة :فذلك الّذي أملك(بلاغا)من اللّه و رسالاته.

(الطّبريّ 29:121)

مقاتل:ذلك الّذي يجيرني من عذاب اللّه؛يعني التّبليغ.(البغويّ 5:163)

الفرّاء: يكون استثناء من قوله: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً الجنّ:21،إلاّ أنّ أبلّغكم ما أرسلت به.

و فيها وجه آخر:قل:إنّي لن يجيرني من اللّه أحد إن لم أبلّغ رسالته،فيكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء،كقولك للرّجل:إلاّ قياما فقعودا،و إلاّ عطاء فردّا جميلا،أي ألا تفعل إلاّ عطاء فردّا جميلا،فتكون«لا» منفصلة من«إن»و هو وجه حسن.و العرب تقول:إن لا مال اليوم فلا مال أبدا،يجعلون«لا»على وجه التّبرئة، و يرفعون أيضا على ذلك المعنى،و من نصب بالنّون فعلى إضمار فعل.[ثمّ استشهد بشعر](3:195)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم قل لمشركي العرب:إنّي لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَ رِسالاتِهِ، يقول:إلاّ أن أبلّغكم من اللّه ما أمرني بتبليغكم إيّاه،و إلاّ رسالاته الّتي أرسلني بها إليكم،فأمّا الرّشد و الخذلان فبيد اللّه،هو مالكه دون سائر خلقه،يهدي من يشاء و يخذل من أراد.[ثمّ قال نحو الفرّاء](29:120)

نحوه الطّوسيّ.(10:157)

الزّجّاج: نصب(الاّ بلاغا)على البدل من قوله:

(ملتحدا).المعنى:و لن أجد من دونه منجى(الاّ بلاغا)، أي لا ينجيني إلاّ أن أبلّغ عن اللّه ما أرسلت به.

(5:237)

الزّمخشريّ: استثناء منه،أي لا أملك إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ، و قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي جملة معترضة، اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه،و بيان عجزه،على معنى:أنّ اللّه إن أراد به سوء-من مرض أو موت أو غيرهما-لم يصحّ أن يجيره منه أحد،أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه.

ص: 610

الزّمخشريّ: استثناء منه،أي لا أملك إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ، و قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي جملة معترضة، اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه،و بيان عجزه،على معنى:أنّ اللّه إن أراد به سوء-من مرض أو موت أو غيرهما-لم يصحّ أن يجيره منه أحد،أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه.

و قيل:(بلاغا)بدل من(ملتحدا)،أي لن أجد من دونه منجى إلاّ أن أبلّغ عنه ما أرسلني به.و قيل:(الاّ) هي«أن لا»،و معناه:إن لا أبلّغ بلاغا،كقولك:إن لا قياما فقعودا،(و رسالاته)عطف على(بلاغا)،كأنّه قيل:

لا أملك لكم إلاّ التّبليغ و الرّسالات.

و المعنى:إلاّ أن أبلّغ عن اللّه،فأقول:قال اللّه:كذا ناسبا لقوله إليه،و أن أبلّغ رسالاته الّتي أرسلني بها،من غير زيادة و لا نقصان.

فإن قلت:ألاّ يقال:بلّغ عنه،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«بلّغوا عنّي بلّغوا عنّي»؟

قلت:(من)ليست بصلة للتّبليغ،إنّما هي بمنزلة (من)في قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ التّوبة:1،بمعنى بلاغا كائنا من اللّه.(4:171)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:165)،و البيضاويّ(2:

511)،و النّيسابوريّ(29:71)،و أبو حيّان(8:354)، و أبو السّعود(6:317)

ابن عطيّة: اختلف النّاس في تأويل قوله:(الاّ بلاغا).فقال الحسن:ما معناه أنّه استثناء منقطع، و المعنى:لن يجيرني من اللّه أحد إلاّ بلاغا،فإنّي إن بلّغت رحمني بذلك.و الإجارة للبلاغ مستعارة؛إذ هو سبب إجارة اللّه تعالى و رحمته.

و قال بعض النّحاة على هذا المعنى:هو استثناء متّصل،و المعنى لن أجد ملتحدا إلاّ بلاغا،أي شيئا أميل إليه و أعتصم به،إلاّ أن أبلّغ و أطيع،فيجيرني اللّه.و قال قتادة:التّقدير لا أملك إلاّ بلاغا إليكم،فأمّا الإيمان أو الكفر فلا أملكه.

و قال بعض المتأوّلين:(الاّ)بتقدير الانفصال، و«إن»شرط،و«لا»نافية،كأنّه يقول:و لن أجد ملتحدا إن لم أبلّغ من اللّه رسالته.(5:384)

نحوه القرطبيّ.(19:26)

الطّبرسيّ: أي تبليغا من اللّه آياته.و قيل:معناه لا أملك لكم ضرّا و لا رشدا،فما عليّ إلاّ البلاغ عن اللّه، فكأنّه قال:لا أملك شيئا سوى تبليغ وحي اللّه بتوفيقه و عونه،عن قتادة.

و قيل:إنّ قوله:(الاّ بلاغا)يحتمل معنيين:

أحدهما:إلاّ ما بلغني من اللّه،أي لا يجيرني شيء إلاّ ما أتاني من اللّه،فلا فرق بين أن يقول:بلغني كتابه،و أن يقول:أتاني كتابه.

و الثّاني:إلاّ تبليغ ما أنزل إليّ،فأمّا القبول و الإيمان فليس إليّ،و إنّما ذلك إليكم،عن أبي مسلم.

و قيل:إنّه عطف(رسالاته)على«البلاغ»،فوجب أن يكون غيره،فالأولى أن يكون أراد ب«البلاغ»ما بلّغه من توحيد اللّه و عدله و ما يجوز عليه و ما لا يجوز،و أراد ب«الرّسالة»ما أرسل لأجله من بيان الشّرائع.

(5:373)

البروسويّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قال سعدي المفتي:لعلّ المراد من(بلاغا من اللّه)

ص: 611

ما هو ما يأخذه منه تعالى بلا واسطة،و من(رسالاته) ما هو بها،انتهى.(10:200)

الآلوسيّ: إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ استثناء من مفعول (لا املك)،كما يشير إليه كلام قتادة،و ما بينهما اعتراض مؤكّد لنفي الاستطاعة،فلا اعتراض بكثرة الفصل المبعدة لذلك.فإن كان المعنى لا أملك أن أضرّكم و لا أنفعكم كان استثناء متّصلا،كأنّه قيل:لا أملك شيئا إلاّ بلاغا.و إن كان المعنى لا أملك أن أقسركم على الغيّ و الرّشد،كان منقطعا،أو من باب«لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم»كما في«الكشف».

و ظاهر كلام بعض الأجلّة أنّه إمّا استثناء متّصل من (رشدا)فإنّ الإبلاغ إرشاد و نفع،و الاستثناء من المعطوف دون المعطوف عليه جائز.و إمّا استثناء منقطع من(ملتحدا).

قال الرّازيّ: لأنّ البلاغ من اللّه تعالى لا يكون داخلا تحت قوله سبحانه: مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، لأنّه لا يكون من دون اللّه سبحانه،بل منه جلّ و علا و بإعانته و توفيقه.[ثمّ ذكر قول الحسن و قد تقدّم في قول ابن عطيّة]

و قيل:هو على هذا المعنى استثناء متّصل،و المعنى:

لن أجد شيئا أميل إليه و أعتصم به،إلاّ أن أبلّغ و أطيع فيجيرني،فيجوز نصبه على الاستثناء من(ملتحدا)،أو على البدل و هو الوجه،لأنّ قبله نفيا،و على البدل خرّجه الزّجّاج.انتهى.و الأظهر ما تقدّم.

و قيل:إنّ(الاّ)مركّبة من«إن»الشّرطيّة و«لا» النّافية،و المعنى إن لا أبلّغ بلاغا،و ما قبله دليل الجواب، فهو كقولك:إلاّ قياما فقعودا،و ظاهره أنّ المصدر سدّ مسدّ الشّرط كمعمول كان،و لهم في حذف جملة الشّرط مع بقاء الأداة كلام،و الظّاهر أنّ اطّراد حذفه مشروط ببقاء«لا».[ثمّ استشهد بشعر]

ما لم يسدّ مسدّه شيء من معمول أو مفسّر، ك وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ التّوبة:6، و«النّاس مجزيّون بأعمالهم؛إن خيرا فخير»و هذا الوجه خلاف المتبادر كما لا يخفى.

و قوله تعالى:(و رسالاته)عطف على(بلاغا)، و(من اللّه)متعلّق بمحذوف وقع صفة له،أي(بلاغا) كائنا من اللّه و ليس بصلة له،لأنّه يستعمل ب«عن»كما في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«بلّغوا عنّي و لو آية».

و المعنى على ما علمت أوّلا في الاستثناء:لا أملك لكم إلاّ تبليغا كائنا منه تعالى و رسالاته الّتي أرسلني عزّ و جلّ بها.

و في«الكشف»:في الكلام إضمار،أي بلاغ رسالاته، و أصل الكلام لإبلاغ رسالات اللّه،فعدل إلى المنزل ليدلّ على التّبلغين مبالغة،و إنّ كلاّ من المعنيين-أعني كونه من اللّه تعالى،و كونه بلاغ رسالاته-يقتضي التّشمّر لذلك،انتهى.

و في عبارة«الكشّاف»رمز ما إليه،لكن قيل عليه:

لا ينبغي تقدير المضاف فيه،أعني«بلاغ»،فإنّه يكون العطف حينئذ من عطف الشّيء على نفسه،إلاّ أن يوجّه بأنّ البلاغ من اللّه تعالى فيما أخذه عنه سبحانه بغير واسطة،و البلاغ للرّسالات فيما هو بها،و هو بعيد غاية البعد،فافهم.

ص: 612

و استظهر أبو حيّان عطفه على الاسم الجليل،فقال:

الظّاهر عطف رسالاته على اللّه،أي إلاّ أن أبلّغ عن اللّه و عن رسالاته،و ظاهره جعل«من»بمعنى«عن»،و قد تقدّم منه أنّها لابتداء الغاية.(29:94)

الطّباطبائيّ: استثناء من قوله:(ملتحدا)،و قوله:

(من اللّه)متعلّق بمقدّر،أي كائنا من اللّه،و ليس متعلّقا بقوله:(بلاغا)،لأنّه يتعدّى ب«عن»لا ب«من»،و لذا قال بعض من جعله متعلّقا ب(بلاغا):إنّ«من»بمعنى «عن»،و المعنى على أيّ حال«إلاّ تبليغ»ما هو تعالى عليه من الأسماء و الصّفات.(20:52)

مكارم الشّيرازيّ: قيل في تفسير هذه الآية:إنّ المعنى قل لن يجيرني من اللّه أحد إلاّ تبليغا كائنا منه و من رسالاته،أي إلاّ أن أمتثل ما أمرني به من التّبليغ منه تعالى.

و أمّا عن الفرق بين«البلاغ»و«الرّسالات»فقد قيل:إنّ البلاغ يخصّ أصول الدّين،و الرّسالات تخصّ بيان فروع الدّين.

و قيل:المراد من البلاغ بلاغ الأوامر الإلهيّة، و الرّسالات بمعنى تنفيذ تلك الأوامر،و لكن الملاحظ أنّ الاثنين يرجعان إلى معنى واحد،بقرينة الآيات القرآنيّة المتعدّدة،كقوله تعالى في الآية(62)من سورة الأعراف:

أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي و غيرها من الآيات.

(19:93)

ابلغه

وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ. .

التّوبة:6

مجاهد :إنسان يأتيك فيسمع ما تقول،و يسمع ما أنزل عليك،فهو آمن حتّى يأتيك فيسمع كلام اللّه، و حتّى يبلغ مأمنه حيث جاء.(الطّبريّ 10:80)

ابن زيد :إن لم يوافقه ما تقول عليه و تحدّثه، فأبلغه،و ليس هذا بمنسوخ.(الطّبريّ 10:80)

الطّبريّ: يقول:ثمّ ردّه بعد سماعه كلام اللّه،إن هو أبى أن يسلم،و لم يتّعظ بما تلوته عليه من كلام اللّه، فيؤمّن إلى مأمنه.يقول:إلى حيث يأمن منك و ممّن في طاعتك،حتّى يلحق بداره و قومه من المشركين.

و اختلف في حكم هذه الآية،هل هو منسوخ أو هو غير منسوخ؟فقال بعضهم:هو غير منسوخ.و قال آخرون:هو منسوخ.(10:80)

القمّيّ: اقرأ عليه و عرّفه،لا تتعرّض له حتّى يرجع إلى مأمنه.(1:283)

الماورديّ: يعني إن أقام على الشّرك،و انقضت مدّة الأمان.(2:341)

الطّوسيّ: فالإبلاغ:التّصيير إلى منتهى الحدّ، و الإبلاغ و الأداء نظائر.

و في الآية دلالة على بطلان قول من قال:المعارف ضروريّة،لأنّها لو كانت كذلك لما كان لطلب ما هو عالم به معنى.(5:209)

الطّبرسيّ: معناه فإن دخل في الإسلام نال خير الدّارين،و إن لم يدخل في الإسلام فلا تقتله،فتكون قد غدرت به،و لكن أوصله إلى ديار قومه الّتي يأمن فيها

ص: 613

على نفسه و ماله.(3:8)

الفخر الرّازيّ: معناه أوصله إلى ديار قومه الّتي يأمنون فيها على أنفسهم و أموالهم،ثمّ بعد ذلك يجوز قتالهم و قتلهم.(15:229)

المراغيّ: أي اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، إلاّ من طلب منكم الأمان،ليعلم ما أنزل اللّه و أمر به من دعوة الإسلام،فإنّ بعض المشركين لم تبلغهم الدّعوة بلاغا مقنعا،و لم يسمعوا شيئا من القرآن،أو لم يسمعوا منه ما تقوم به الحجّة عليهم،فأعرضوا و عادوا الدّاعي و قاتلوه،لأنّه جاء بتفنيد ما هم عليه من الشّرك، و تسفيه ما كان عليه آباؤهم منه.(10:59)

عزّة دروزة :أبلغه:أوصله،أو يسّر له الوصول.

(12:81)

بلّغ

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. المائدة:67

عائشة: من حدّثك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كتم شيئا من الوحي فقد كذب،ثمّ قرأت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ. (الطّبريّ 6:308)

الإمام الحسين عليه السّلام: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم و هو راكب،و خرج عليّ عليه السّلام و هو يمشي،فقال:

يا أبا الحسن إمّا أن تركب،و إمّا أن تنصرف،فإنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن تركب إذا ركبت،و تمشي إذا مشيت، و تجلس إذا جلست،إلاّ أن يكون حدّ من حدود اللّه لا بدّ لك من القيام،و ما أكرمني اللّه بكرامة إلاّ و أكرمك بمثلها، خصّني اللّه بالنّبوّة و الرّسالة،و جعلك وليّي في ذلك، تقوم في حدوده و في أصعب أموره.

و الّذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا،ما آمن بي من أنكرك، و لا أقرّ بي من جحدك،و لا آمن بي من كفر بك،و إنّ فضلك لمن فضلي،و إنّ فضلي لفضل اللّه،و هو قول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يونس:58.

يعني فضل اللّه:نبوّة نبيّكم،و رحمته:ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فَبِذلِكَ قال:بالنّبوّة و الولاية، فَلْيَفْرَحُوا يعني الشّيعة، هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني مخالفيهم من الأهل و المال و الولد في دار الدّنيا.

و اللّه يا عليّ ما خلقت إلاّ ليعبد ربّك،و ليعرّف بك معالم الدّين،و يصلح بك دارس السّبيل،و لقد ضلّ من ضلّ عنك،و لن يهتدي إلى اللّه عزّ و جلّ من لم يهتد إليك و إلى ولايتك،و هو قول ربّي عزّ و جلّ: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى طه:82،يعني إلى ولايتك.

و لقد أمرني ربّي تبارك و تعالى؛أن أفترض من حقّك ما أفترضه من حقّي،و إنّ حقّك لمفروض على من آمن بي،و لولاك لم يعرف حزب اللّه،و بك يعرف عدوّ اللّه، و من لم يلقه بولايتك لم يلقه بشيء،و لقد أنزل اللّه عزّ و جلّ إليّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، يعني في ولايتك يا عليّ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

و لو لم أبلّغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي،و من

ص: 614

لقي اللّه عزّ و جلّ بغير ولايتك فقد حبط عمله،وعد ينجز لي،و ما أقول إلاّ قول ربّي تبارك و تعالى،و إنّ الّذي أقول لمن اللّه عزّ و جلّ،أنزله فيك.(البحرانيّ 3:446)

ابن عبّاس: يعني إن كتمت آية ممّا أنزل عليك من ربّك،لم تبلّغ رسالتي.(الطّبريّ 6:307)

نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،أمر اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يبلّغ فيه،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ عليه السّلام،فقال:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه».(البحرانيّ 3:451)

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،تهديد و بعد و بعيد:لأمضينّ أمر اللّه،فإن يتّهموني و يكذّبوني فهو أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدّنيا و الآخرة،قال:و سلّم جبرئيل على عليّ بإمرة المؤمنين،فقال عليّ عليه السّلام:

يا رسول اللّه،أسمع الكلام،و لا أحسّ الرّؤية،فقال:

يا عليّ هذا جبرئيل،أتاني من قبل ربّي بتصديق ما وعدتم.

ثمّ أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا فرجلا من أصحابه حتّى سلّموا عليه بإمرة المؤمنين،ثمّ قال:يا بلال ناد في النّاس:أن لا يبقى غدا أحد إلاّ خرج إلى غدير خمّ،فلمّا كان من الغد خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بجماعة أصحابه، فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:

يا أيّها النّاس،إنّ اللّه تبارك و تعالى أرسلني إليكم برسالة،و إنّي ضقت به ذرعا مخافة أن يتّهموني و يكذّبوني،حتّى أنزل اللّه عليّ وعيدا بعد وعيد،فكان تكذيبكم إيّاي أيسر عليّ من عقوبة اللّه إيّاي.

[و فيه و في غيره أحاديث مستفيضة في نزول الآية بشأن الغدير عن طريق الفريقين لاحظ المطوّلات و منها كتاب القيّم«الغدير»و ستأتي جملة منها في كلام الطّبرسيّ و غيره](العروسيّ 1:654)

سعيد بن جبير: لمّا نزلت يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا تحرسوني، إنّ ربّي قد عصمني».(الطّبريّ 6:307)

مجاهد :لمّا نزلت بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قال[النّبيّ]:إنّما أنا واحد كيف أصنع؟تجتمع عليّ النّاس،فنزلت وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

(الطّبريّ 6:307)

الحسن :بعث النّبيّ برسالة ضاق بها ذرعا،و كان يهاب قريشا،فأزال اللّه بهذه الآية تلك الهيبة.

(الطّبرسيّ 2:223)

قتادة :أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه سيكفيه النّاس و يعصمه منهم،و أمره بالبلاغ.ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قيل له:لو احتجبت،فقال:«و اللّه لأبدينّ عقبي للنّاس ما صاحبتهم».(الطّبريّ 6:307)

الطّبريّ: و هذا أمر من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،بإبلاغ هؤلاء اليهود و النّصارى من أهل الكتابين-الّذين قصّ اللّه تعالى قصصهم في هذه السّورة،و ذكر فيها معايبهم،و خبث أديانهم و اجتراءهم على ربّهم و توثّبهم على أنبيائهم،و تبديلهم كتابه،و تحريفهم إيّاه،و رداءة مطاعمهم و مآكلهم- و سائر المشركين غيرهم،ما أنزل عليه فيهم:من معايبهم و الإزراء عليهم و التّقصير بهم و التّهجين لهم،

ص: 615

و ما أمرهم به و نهاهم عنه،و ألاّ يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبه في نفسه مكروه،ما قام فيهم بأمر اللّه، و لا جزعا من كثرة عددهم،و قلّة عدد من معه،و أن لا يتّقي أحدا في ذات اللّه.

فإنّ اللّه تعالى كافيه كلّ أحد من خلقه،و دافع عنه مكروه كلّ من يتّقى مكروهه،و أعلمه تعالى ذكره أنّه إن قصّر عن إبلاغ شيء ممّا أنزل إليه إليهم،فهو في تركه تبليغ ذلك،و إن قلّ ما لم يبلّغ منه،فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذّنب بمنزلته لو لم يبلّغ من تنزيله شيئا.

(6:307)

الماورديّ: أوجب اللّه تعالى بهذه الآية على رسوله تبليغ ما أنزل عليه من كتابه،سواء كان حكما أو حدّا أو قصاصا.فأمّا تبليغ غيره من الوحي فتخصيص وجوبه بما يتعلّق بالأحكام دون غيرها.

ثمّ قال تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، يعني إن كتمت آية ممّا أنزل عليك فما بلّغت رسالته،لأنّه يكون غير ممتثل لجميع الأمر.

و يحتمل وجهين آخرين:

أحدهما:أن يكون معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربّك فيما وعدك من النّصر،فإن لم تفعل فما بلّغت حقّ رسالته فيما كلّفك من الأمر،لأنّ استشعار النّصر يبعث على امتثال الأمر.

و الثّاني:أن يكون معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، بلاغا يوجب الانقياد إليه بالجهاد عليه،و إن لم تفعل ما يقود إليه من الجهاد عليه،فما بلّغت ما عليك من حقّ الرّسالة إليك.(2:53)

الطّوسيّ: قال محمّد بن كعب القرظيّ،و غيره:إنّ أعرابيّا همّ بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسقط السّيف من يده، و جعل يضرب برأسه شجرة حتّى انتثر دماغه.

الثّاني:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يهاب قريشا،فأزال اللّه عزّ و جلّ بالآية تلك الهيبة.و قيل:كان للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حرّاس بين أصحابه،فلمّا نزلت الآية قال:ألحقوا بملاحقكم،فإنّ اللّه عصمني من النّاس.

الثّالث:قالت عائشة:إنّ المراد بذلك إزالة التّوهّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتم شيئا من الوحي للتّقيّة.

الرّابع:قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام إنّ اللّه تعالى:

لمّا أوحى إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يستخلف عليّا،كان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه.

و الآية فيها خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و إيجاب عليه تبليغ ما أنزل إليه من ربّه،و تهديد له إن لم يفعل،و إنّه يجري مجرى أن لم يفعل و لم يبلّغ رسالته.

فإن قيل:كيف يجوز ذلك؟و لا يجوز أن يقول:إن لم تبلّغ رسالته فما بلّغتها،لأنّ ذلك معلوم لا فائدة فيه؟

قلنا:قال ابن عبّاس:معناه إن كتمت آية ممّا أنزل إليك فما بلّغت رسالته،و المعنى أنّ جريمته كجريمته لو لم يبلّغ شيئا ممّا أنزل إليه؛في أنّه يستحقّ به العقوبة من ربّه.(3:588)

الزّمخشريّ: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ: جميع ما أنزل إليك،و أيّ شيء أنزل إليك،غير مراقب في تبليغه أحدا،و لا خائف أن ينالك مكروه، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ:

و إن لم تبلّغ جميعه كما أمرتك، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ

ص: 616

-و قرئ (رسالاته) -فلم تبلّغ إذا ما كلّفت من أداء الرّسالات،و لم تؤدّ منها شيئا قطّ.

و ذلك أنّ بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض،و إن لم تؤدّ بعضها فكأنّك أغفلت أداءها جميعا،كما أنّ من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلّها،لإدلاء كلّ منها بما يدليه غيرها،و كونها كذلك في حكم شيء واحد، و الشّيء الواحد لا يكون مبلّغا غير مبلّغ،مؤمنا به غير مؤمن به.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: إن كتمت آية لم تبلّغ رسالاتي.و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثني اللّه برسالاته فضقت بها ذرعا،فأوحى اللّه إليّ:إن لم تبلّغ رسالاتي عذّبتك،و ضمن لي العصمة فقويت».فإن قلت:وقوع قوله:(فما بلّغت رسالاته)جزاء للشّرط، ما وجه صحّته؟

قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أنّه إذا لم يمتثل أمر اللّه في تبليغ الرّسالات، و كتمها كلّها كأنّه لم يبعث رسولا،كان أمرا شنيعا لا خفاء بشناعته،فقيل:إن لم تبلّغ منها أدنى شيء،و إن كان كلمة واحدة،فأنت كمن ركب الأمر الشّنيع الّذي هو كتمان كلّها،كما عظّم قتل النّفس بقوله: فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32.

و الثّاني:أن يراد فإن لم تفعل،فلك ما يوجبه كتمان الوحي كلّه من العقاب،فوضع السّبب موضع المسبّب، و يعضده قوله عليه الصّلاة و السّلام:«فأوحى اللّه إليّ إن لم تبلّغ رسالاتي عذّبتك».(1:630)

نحوه أبو السّعود.(2:298)

ابن عطيّة: هذه الآية أمر من اللّه و رسوله بالتّبليغ على الاستيفاء و الكمال،لأنّه قد كان بلّغ،فإنّما أمر في هذه الآية بأن لا يتوقّف عن شيء مخافة أحد.

و ذلك أنّ رسالته صلّى اللّه عليه و سلّم تضمّنت الطّعن على أنواع الكفرة،و بيان فساد حالهم،فكان يلقى منهم عنتا،و ربّما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية،فقال اللّه له: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي كاملا متمّما،ثمّ توعّده تعالى بقوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، أي إنّك إن تركت شيئا فكأنّما قد تركت الكلّ،و صار ما بلّغت غير معتدّ به،فقوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، معناه و إن لم تستوف.[ثمّ استشهد بشعر](2:217)

الطّبرسيّ: أي أوصل إليهم ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

أكثر المفسّرون فيه الأقاويل،فقيل:إنّ اللّه تعالى بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله برسالة ضاق بها ذرعا،و كان يهاب قريشا،فأزال اللّه بهذه الآية تلك الهيبة.

و قيل:يريد به إزالة التّوهّم:من أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتم شيئا من الوحي للتّقيّة،عن عائشة.و قيل:غير ذلك.

و روى العيّاشيّ في تفسيره بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس و جابر بن عبد اللّه قالا:أمر اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله أن ينصب عليّا عليه السّلام للنّاس فيخبرهم بولايته،فتخوّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقولوا:حابى ابن عمّه،و أن يطعنوا في ذلك عليه،فأوحى اللّه إليه هذه الآية،فقام بولايته يوم غدير خمّ،و هذا الخبر بعينه قد حدّثناه السّيّد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكانيّ،باسناد عن[ابن]أبي

ص: 617

عمير في كتاب«شواهد التّنزيل لقواعد التّفصيل و التّأويل».

و فيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى حيّان بن عليّ العلويّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس،قال:نزلت هذه الآية في علي عليه السّلام،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيده،فقال:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه».

و قد أورد هذا الخبر بعينه أبو إسحاق أحمد بن محمّد ابن إبراهيم الثّعلبيّ في تفسيره،بإسناده مرفوعا إلى ابن عبّاس،قال:نزلت هذه الآية في عليّ عليه السّلام،أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يبلّغ فيه،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ عليه السّلام،فقال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه».

و قد اشتهرت الرّوايات عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام:أنّ اللّه أوحى إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يستخلف عليّا عليه السّلام،فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،تشجيعا له على القيام بما أمره اللّه بأدائه.

و المعنى إن تركت تبليغ ما أنزل إليك و كتمته،كنت كأنّك لم تبلّغ شيئا من رسالات ربّك في استحقاق العقوبة.و قال ابن عبّاس:معناه إن كتمت آية ممّا أنزل إليك فما بلّغت رسالته،أي لم تكن ممتثلا بجميع الأمر.(2:223)

ابو الفتوح :جاء جبرئيل النّبيّ مخاطبا:يا منجزا أنجز،و يا رسولا بلّغ.قال:و ما أبلّغ؟قال:ما أنزل إليك من ربّك ليلة المعراج في قوله: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى النّجم:10.

جاء في تفسير أهل البيت ما أَوْحى في عليّ ليلة المعراج،و كان ما أوحى ليلة المعراج مجملا،و يوم الغدير مفصّلا،و تأخير البيان عن وقت الخطاب سائغ، و تأخيره عن وقت الحاجة ليس سائغا.ففي تلك اللّيلة أجملت القول كي أشدّ في ذلك الموطن قلبك،و أقوّي عزمك،و حينما يحين الأوان أفصّل القول.

وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، و إن لم تنجز ذلك،فحينئذ ما أدّيت ما نيطت عليك من الرّسالة.

(2:195)

ابن شهرآشوب: ذكر أبو عبيدة و النّقّاش و سفيان ابن عيينة و الواحديّ و ابن جريج و الثّوريّ و عطاء و ابن عبّاس و الكلبيّ و أبو صالح و المرزبانيّ و إبراهيم الثّقفيّ و ابن عقدة و غيرهم،في روايات متّفقات المعاني،أنّها نزلت في أمير المؤمنين،و قد رواه أكثر النّاقلين منهم:

أحمد بن حنبل و ابن بطّة و أبو بكر بن مالك و أبو سعيد الخرگوشيّ و أبو المظفّر السّمعانيّ و أبو بكر الباقلانيّ،ممّا يطول بذكره الكتاب.

و يؤيّده إجماع أهل البيت عليهم السّلام،فقوله صلّى اللّه عليه و آله عند ذلك يوم غدير خمّ،و قد جمع الأمّة أسماع الخطاب:

أ لست أولى منكم بأنفسكم،فقالوا:اللّهمّ بلى،فقال لهم:

-على النّسق من غير فصل-:فمن كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله.[ثمّ استشهد بشعر]

فأوجب له من فرض الطّاعة و الولاية ما كان عليهم،ممّا قدّرهم به من ذلك فلم يناكروه.(2:130)

ص: 618

التّبليغ من النّبيّ موقوف على المصلحة،تقديمه و تأخيره،و ليس فيها أنّه يجوز تأخير التّبليغ أو لا يجوز.(2:149)

ليس يجوز أن يؤمر بأن يبلّغ إلاّ بما هو حجّة في نفسه و يجب العمل به،و هذا لا يدلّ على أنّ الخبر الواحد بهذه الصّفة حتّى يصحّ الإبلاغ به.(2:154)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، أمر الرّسول بأن لا ينظر إلى قلّة المقتصدين و كثرة الفاسقين،و لا يخشى مكروههم، فقال:(بلّغ)،أي و اصبر على تبليغ ما أنزلته إليك من كشف أسرارهم و فضائح أفعالهم،فإنّ اللّه يعصمك من كيدهم،و يصونك من مكرهم.

و روى الحسن عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:«إنّ اللّه بعثني برسالته فضقت بها ذرعا،و عرفت أنّ النّاس يكذّبوني، و اليهود و النّصارى و قريش يخوّفوني،فلمّا أنزل اللّه هذه الآية زال الخوف بالكلّيّة».

و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان أيّام إقامته بمكّة يجاهر ببعض القرآن،و يخفي بعضه إشفاقا على نفسه من تسرّع المشركين إليه و إلى أصحابه،فلمّا أعزّ اللّه الإسلام و أيّده بالمؤمنين،قال له: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، أي لا تراقب أحدا،و لا تترك شيئا ممّا أنزل إليك خوفا من أن ينالك مكروه.[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:إنّ قوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، معناه فإن لم تبلّغ رسالته فما بلّغ رسالته،فأيّ فائدة في هذا الكلام؟

أجاب جمهور المفسّرين بأنّ المراد:إنّك إن لم تبلّغ واحدا منها،كنت كمن لم يبلّغ شيئا منها.

و هذا الجواب عندي ضعيف،لأنّ من أتى بالبعض و ترك البعض لو قيل:إنّه ترك الكلّ لكان كذبا،و لو قيل أيضا:إنّ مقدار الجرم في ترك البعض،مثل مقدار الجرم في ترك الكلّ،فهو أيضا محال ممتنع،فسقط هذا الجواب.

و الأصحّ عندي أن يقال:إنّ هذا خرج على قانون قوله:

*أنا أبو النّجم و شعري شعري*

و معناه أنّ شعري قد بلغ في الكمال و الفصاحة إلى حيث متى قيل فيه:إنّه شعري،فقد انتهى مدحه إلى الغاية الّتي لا يمكن أن يزاد عليها،فهذا الكلام يفيد المبالغة التّامّة من هذا الوجه.

فكذا هاهنا،فإن لم تبلّغ رسالته فما بلّغت رسالته، يعني أنّه لا يمكن أن يوصف ترك التّبليغ بتهديد أعظم من أنّه ترك التّبليغ،فكان ذلك تنبيها على غاية التّهديد و الوعيد،و اللّه أعلم.

المسألة الثّالثة:ذكر المفسّرون في سبب نزول الآية وجوها:

الأوّل:أنّها نزلت في قصّة الرّجم و القصاص،على ما تقدّم في قصّة اليهود.

الثّاني:نزلت في عيب اليهود و استهزائهم بالدّين، و النّبيّ سكت عنهم،فنزلت هذه الآية.

الثّالث:لمّا نزلت آية التّخيير،و هو قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الأحزاب:28،فلم يعرضها عليهنّ خوفا من اختيارهنّ الدّنيا،فنزلت.

الرّابع:نزلت في أمر زيد و زينب بنت جحش.قالت عائشة رضي اللّه عنها:من زعم أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم كتم شيئا

ص: 619

من الوحي فقد أعظم الفرية على اللّه،و اللّه تعالى يقول:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ، و لو كتم رسول اللّه شيئا من الوحي لكتم قوله: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ الأحزاب:37.

الخامس:نزلت في الجهاد،فإنّ المنافقين كانوا يكرهونه،فكان يمسك أحيانا عن حثّهم على الجهاد.

السّادس:لمّا نزل قوله تعالى: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:108،سكت الرّسول عن عيب آلهتهم،فنزلت هذه الآية،و قال:(بلّغ)يعني معايب آلهتهم و لا تخفها عنهم،و اللّه يعصمك منهم.

السّابع:نزلت في حقوق المسلمين؛و ذلك لأنّه قال في حجّة الوداع لمّا بيّن الشّرائع و المناسك:«هل بلّغت»، قالوا:نعم،قال عليه الصّلاة و السّلام:«اللّهمّ فاشهد».

الثّامن:روي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم نزل تحت شجرة في بعض أسفاره،و علّق سيفه عليها،فأتاه أعرابيّ و هو نائم فأخذ سيفه و اخترطه،و قال:يا محمّد،من يمنعك منّي؟فقال:

«اللّه»،فرعدت يد الأعرابيّ،و سقط السّيف من يده، و ضرب برأسه الشّجرة حتّى انتثر دماغه،فأنزل اللّه هذه الآية،و بيّن أنّه يعصمه من النّاس.

التّاسع:كان يهاب قريشا و اليهود و النّصارى، فأزال اللّه عن قلبه تلك الهيبة بهذه الآية.

العاشر:نزلت الآية في فضل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و لمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده،و قال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه»،فلقيه عمر فقال:هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة،و هو قول ابن عبّاس و البراء بن عازب و محمّد بن عليّ.

و اعلم أنّ هذه الرّوايات و إن كثرت،إلاّ أنّ الأولى حمله على أنّه تعالى آمنه من مكر اليهود و النّصارى، و أمره بإظهار التّبليغ من غير مبالاة منه بهم؛و ذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير و ما بعدها بكثير،لمّا كان كلاما مع اليهود و النّصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين،على وجه تكون أجنبيّة عمّا قبلها و ما بعدها.

(12:48)

القرطبيّ: قيل:معناه أظهر التّبليغ،لأنّه كان في أوّل الإسلام يخفيه خوفا من المشركين،ثمّ أمر بإظهاره في هذه الآية،و أعلمه اللّه أنّه يعصمه من النّاس.

(6:242)

النّيسابوريّ: ثمّ أمر رسوله بأن لا ينظر إلى قلّة المقتصدين و كثرة المعاندين،و لا يتخوّف مكروههم، فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ.

عن أبي سعيد الخدريّ أنّ هذه الآية نزلت في فضل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،و كرّم اللّه وجهه يوم غدير خمّ،فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بيده،و قال:«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه.فلقيه عمر و قال:هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة»،و هو قول ابن عبّاس و البراء بن عازب و محمّد بن عليّ.[ثمّ نقل أقوالا أخرى في شأن نزولها نحو الفخر الرّازيّ إلى أن قال:]

و معنى قوله: ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ: جميع ما أنزل إليك، و أيّ شيء أنزل إليك، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ما أمرتك به كما

ص: 620

أمرتك به، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ. من قرأ على الوحدة فلأنّ القرآن كلّه رسالة واحدة،أو لأنّ الرّسالة اسم المصدر،فيقع على الواحد و على الجمع.و من جمع فلأنّ كلّ آية أو حكم:رسالة.

فإن قيل:معنى قوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، إن لم تبلّغ رسالته فما بلّغت رسالته،فما وجه صحّته؟[ثمّ أجاب بما نقلناه عن الزّمخشريّ فلاحظ]

(6:129)

أبو حيّان:[نقل كلام الفخر الرّازيّ المتقدّم في المسألة الثّانية و أورد عليه بأنّ]

ما ضعّف به جواب الجمهور لا يضعّف به،لأنّه قال:

فإن قيل:إنّه ترك الكلّ كان كاذبا،و لم يقولوا ذلك،إنّما قالوا:إنّ بعضها ليس أولى بالأداء من بعض،فإذا لم تؤدّ بعضها فكأنّك أغفلت أداءها جميعا-كما أنّ من لم يؤمن ببعضها كان كمن لا يؤمن بكلّها-لأداء (1)كلّ منها بما يدلي به غيرها،و كونها لذلك في حكم شيء واحد، و الشّيء الواحد لا يكون مبلّغا غير مبلّغ،مؤمنا به غير مؤمن،فصار ذلك التّبليغ للبعض غير معتدّ به.

و أمّا ما ذكر:من مقدار الجرم في ترك البعض،مثل الجرم في ترك الكلّ،محال ممتنع.فلا استحالة فيه،و للّه تعالى أن يرتّب على الذّنب اليسير العذاب العظيم،و له تعالى أن يعفو عن الذّنب العظيم،و يؤاخذ بالذّنب الحقير،لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.

و قد ظهر ذلك في ترتيب العقوبات في الأحكام الشّرعيّة،رتّب على من أخذ شيئا بالاختفاء و التّستّر:

قطع اليد،مع ردّ ما أخذه أو قيمته.و رتّب على من أخذ شيئا بالقهر و الغلبة و الغصب:ردّ ذلك الشّيء أو قيمته إن فقد،دون قطع اليد.[ثمّ حكى قول الفخر الرّازيّ في تخريجه مخرج«أنا أبو النّجم و شعري شعري»]

(3:529)

ابن كثير :جاء رجل إلى ابن عبّاس،فقال له:إنّ ناسا يأتونا،فيخبرونا أنّ عندكم شيئا لم يبده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للنّاس!فقال ابن عبّاس:أ لم تعلم أنّ اللّه تعالى قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، و اللّه ما ورّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سوداء في بيضاء،و هذا إسناد جيّد.

و هكذا في صحيح البخاريّ من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد اللّه السّوائيّ،قال:قلت لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه:هل عندكم شيء من الوحي ممّا ليس في القرآن؟

فقال:لا و الّذي فلق الحبّة و برأ النّسمة،إلاّ فهما يعطيه اللّه رجلا في القرآن،و ما في هذه الصّحيفة.

قلت:و ما في هذه الصّحيفة؟قال:العقل،و فكاك الأسير،و أن لا يقتل مسلم بكافر.

و قال البخاريّ: قال الزّهريّ:من اللّه الرّسالة، و على الرّسول البلاغ،و علينا التّسليم،و قد شهدت له أمّته بإبلاغ الرّسالة،و أداء الأمانة،و استنطقهم بذلك في أعظم المحافل؛في خطبته يوم حجّة الوداع،و قد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا،كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللّه:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال في خطبته يومئذ:«أيّها النّاس،إنّكم مسئولون عنّي،فماء.

ص: 621


1- كذا،و الظّاهر:الإدلاء،أو:لادّاء.

أنتم قائلون؟قالوا:نشهد أنّك قد بلّغت و أدّيت و نصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السّماء و ينكسها إليهم، و يقول:«اللّهمّ هل بلّغت»؟

قال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نمير،حدّثنا فضيل، يعني ابن غزوان،عن عكرمة عن ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حجّة الوداع:«يا أيّها النّاس،أيّ يوم هذا؟قالوا:يوم حرام.قال:«أيّ بلد هذا»؟قالوا:بلد حرام.قال:«فأيّ شهر هذا»؟قالوا:شهر حرام.قال:

«فإنّ أموالكم و دماءكم و أعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا،في بلدكم هذا،في شهركم هذا».ثمّ أعادها مرارا،ثمّ رفع إصبعه إلى السّماء،فقال:«اللّهمّ هل بلّغت»؟مرارا.

قال:يقول ابن عبّاس:و اللّه لوصيّة إلى ربّه عزّ و جلّ،ثمّ قال:«ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب،لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض».

و قد روى البخاريّ عن عليّ بن المدينيّ،عن يحيى ابن سعيد،عن فضيل بن غزوان به نحوه.(2:609)

الآلوسيّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ إلى الثّقلين كافّة، و هو نداء تشريف،لأنّ الرّسالة منّة اللّه تعالى العظمى و كرامته الكبرى،و في هذا العنوان إيذان أيضا بما يوجب الإتيان بما أمر به صلّى اللّه عليه و سلّم من تبليغ ما أوحي إليه.

بَلِّغْ، أي أوصل الخلق، ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، أي جميع ما أنزل كائنا ما كان، مِنْ رَبِّكَ، أي مالك أمرك و مبلغك إلى كمالك اللاّئق بك،و فيه عدة ضمنيّة بحفظه عليه الصّلاة و السّلام و كلاءته،أي بلّغه غير مراقب في ذلك أحدا،و لا خائف أن ينالك مكروه أبدا. وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، أي ما أمرت به من تبليغ الجميع، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، أي فما أدّيت شيئا من رسالته،لما أنّ بعضها ليس أولى بالأداء من بعض،فإذا لم تؤدّ بعضها فكأنّك أغفلت أداءها جميعا،كما أنّ من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلّها،لإدلاء كلّ منها بما يدليه غيرها، و كونها لذلك في حكم شيء واحد،و الشّيء الواحد لا يكون مبلّغا غير مبلّغ،مؤمنا به غير مؤمن به،و لأنّ كتمان بعضها يضيّع ما أدّي منها،كترك بعض أركان الصّلاة،فإنّ غرض الدّعوة ينتقض به.

و اعترض القول بنفي أولويّة بعضها من بعض بالأداء، بأنّ الأولويّة ثابتة باعتبار الوجوب قطعا و ظنّا،و جلاء و خفاء،أصلا و فرعا.

و أجاب في«الكشف»بأنّه نفي الأولويّة نظرا إلى أصل الوجوب،و أيضا إنّ ذلك راجع إلى المبلّغ،و الكلام في التّبليغ و هو غير مختلف الوجوب،لأنّه شيء واحد نظرا إلى ذاته،ثمّ كتمان البعض يدلّ على أنّه لم ينظر إلى أنّه مأمور بالتّبليغ،بل إلى ما في المبلّغ من المصلحة، فكأنّه لم يمتثل هذا الأمر أصلا فلم يبلّغ،و إن أعلم النّاس لم ينفعه،لأنّه مخبر إذ ذاك لا مبلّغ.

و نوقش في التّعليل الثّاني بأنّ الصّلاة اعتبرها الشّارع أمرا واحدا،بخلاف التّبليغ،و هي مناقشة غير واردة،لأنّه تعالى ألزمه عليه الصّلاة و السّلام تبليغ الجميع،فقد جعلها كالصّلاة بلا ريب.

و ممّا ذكرنا في تفسير الشّرطيّة يعلم أن لا اتّحاد بين الشّرط و الجزاء،و من ادّعاه بناء على أنّ المآل إن لم تبلّغ الرّسالة لم تبلّغ الرّسالة،جعله نظير

ص: 622

*أنا أبو النّجم و شعري شعري*

حيث جعل فيه الخبر عين المبتدإ،بلا مزيد في اللّفظ،و أراد-و شعري شعري-المشهور بلاغته و المستفيض فصاحته،و لكنّه أخبر بالسّكوت عن هذه الصّفات الّتي بها تحصل الفائدة،أنّها من لوازم شعره في أفهام النّاس السّامعين،لاشتهاره بها،و أنّه غنيّ عن ذكرها،لشهرتها و ذياعها.و كذلك كما قال ابن المنير:

أريد في الآية-لأنّ عدم تبليغ الرّسالة أمر معلوم عند النّاس،مستقرّ في الأفهام-أنّه عظيم شنيع ينعى على مرتكبه،أ لا ترى أنّ عدم نشر العلم من العالم أمر فظيع؟ فكيف كتمان الرّسالة من الرّسول؟!فاستغني عن ذكر الزّيادات الّتي يتفاوت بها الشّرط و الجزاء للصوقها بالجزاء في الأفهام،و أنّ كلّ من سمع عدم تبليغ الرّسالة فهم ما وراءه من الوعيد و التّهديد،و حسن هذا الأسلوب في الكتاب العزيز بذكر الشّرط عامّا،حيث قال سبحانه: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، و لم يقل:و إن لم تبلّغ الرّسالة فما بلّغت الرّسالة،ليتغايرا لفظا و إن اتّحدا معنى، و هذا أحسن رونقا،و أظهر طلاوة من تكرار اللّفظ الواحد في الشّرط و الجزاء،و هذه الذّروة انحطّ عنها أبو النّجم بذكر المبتدإ بلفظ الخبر،و حقّ له أن تتضاءل فصاحته عند فصاحة المعجز،فلا معاب عليه في ذلك.

و قيل:إنّ المراد فإن لم تفعل فلك ما يوجبه كتمان الوحي كلّه،فوضع السّبب موضع المسبّب،و يعضده ما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه،و أخرجه أبو الشّيخ، و ابن حبّان في تفسيره من مرسل الحسن:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«بعثني اللّه تعالى بالرّسالة،فضقت بها ذرعا،فأوحى اللّه تعالى إن لم تبلّغ رسالاتي عذّبتك، و ضمن لي العصمة فقويت».

و قيل:إنّ المراد ان تركت تبليغ ما أنزل إليك،حكم عليك بأنّك لم تبلّغ أصلا،و قيل:-وليته ما قيل-المراد بما أنزل،القرآن،و بما في الجواب،بقيّة المعجزات،و قيل:

غير ذلك.و استدلّ بالآية على أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكتم شيئا من الوحي،و نسب إلى الشّيعة أنّهم يزعمون أنّه عليه الصّلاة و السّلام كتم البعض تقيّة.[و لم يثبت عنهم بهذا الإطلاق]

و عن بعض الصّوفيّة أنّ المراد تبليغ ما يتعلّق به مصالح العباد من الأحكام،و قصد بإنزاله اطّلاعهم عليه، و أمّا ما خصّ به من الغيب،و لم يتعلّق به مصالح أمّته فله، بل عليه كتمانه،و روى السّلميّ،عن جعفر رضي اللّه تعالى عنه في قوله تعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى النّجم:10،قال:أوحى بلا واسطة فيما بينه و بينه سرّا إلى قلبه،و لا يعلم به أحد سواه إلاّ في العقبى، حين يعطيه الشّفاعة لأمّته،و قال الواسطيّ:ألقى إلى عبده ما ألقى،و لم يظهر ما الّذي أوحى،لأنّه خصّه سبحانه به صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما كان مخصوصا به عليه الصّلاة و السّلام كان مستورا،و ما بعثه اللّه تعالى به إلى الخلق كان ظاهرا،قال الطّيّبيّ:و إلى هذا ينظر معنى ما روينا في صحيح البخاريّ عن سعيد المقبريّ عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه،قال:حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وعاءين:

فأمّا أحدهما فبثثته،و أمّا الآخر فلو بثثته قطع منّي هذا البلعوم-أراد عنقه-و أصل معناه:مجرى الطّعام،و بذلك

ص: 623

فسّره البخاريّ،و يسمّون ذلك علم الأسرار الإلهيّة و علم الحقيقة،و إلى ذلك أشار رئيس العارفين عليّ زين العابدين حيث قال:

إنّي لأكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا

و قد تقدّم في هذا أبو حسن

إلى الحسين،و أوصى قبله الحسنا

فربّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي:أنت ممّن يعبد الوثنا

و لاستحلّ رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

و من ذلك علم وحدة الجود،و قد نصّوا على أنّه طور ما وراء طور العقل،و قالوا:إنّه ممّا تعلمه الرّوح بدون واسطة العقل،و من هنا قالوا بالعلم الباطن،على معنى أنّه باطن بالنّسبة إلى أرباب الأفكار،و ذوي العقول المنغمسين في أوحال العوائق و العلائق،لا المتجرّدين العارجين إلى حضائر القدس،و رياض الأنوار.

و قد ذكر الشّيخ عبد الوهّاب الشّعرانيّ روّح اللّه تعالى روحه في كتابه«الدّرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة»ما نصّه:و أمّا زبدة علم التّصوّف الّذي وضع القوم فيه رسائلهم،فهو نتيجة العمل بالكتاب و السّنّة، فمن عمل بما علم تكلّم كما تكلّموا،و صار جميع ما قالوه بعض ما عنده،لأنّه كلّما ترقّى العبد في باب الأدب مع اللّه تعالى دقّ كلامه على الأفهام،حتّى قال بعضهم لشيخه:

إنّ كلام أخي فلان يدقّ على فهمي،فقال:لأنّ لك قميصين،و له قميص واحد،فهو أعلى مرتبة منك،و هذا هو الّذي دعا الفقهاء و نحوهم من أهل الحجاب إلى تسمية علم الصّوفيّة بعلم الباطن،و ليس ذلك بباطن؛إذ الباطن إنّما هو علم اللّه تعالى،و أمّا جميع ما علمه الخلق على اختلاف طبقاتهم،فهو من علم الظّاهر،لأنّه ظهر للخلق،فاعلم ذلك،انتهى.

و قد فهم بعضهم كون المراد تبليغ الأحكام، و ما يتعلّق بها من المصالح،دون ما يشمل علم الأسرار، من قوله سبحانه:«ما انزلنا اليك»دون ما تعرّفنا به إليك،و ذكر أنّ علم الأسرار لم يكن منزلا بالوحي،بل بطريق الإلهام و المكاشفة،و قيل:يفهم ذلك من لفظ الرّسالة،فإنّ الرّسالة:ما يرسل إلى الغير،و قد أطال بعض الصّوفيّة-قدّس اللّه تعالى أسرارهم-الكلام في هذا المقام.

و التّحقيق عندي:أنّ جميع ما عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من الأسرار الإلهيّة،و غيرها من الأحكام الشّرعيّة قد اشتمل عليه القرآن المنزل.فقد قال سبحانه: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّحل:89،و قال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:38، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم فيما أخرجه التّرمذيّ و غيره:«ستكون فتن، قيل:و ما المخرج منها؟قال:كتاب اللّه تعالى،فيه نبأ ما قبلكم،و خبر ما بعدكم،و حكم ما فيكم».

و أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال:أنزل في هذا القرآن كلّ علم،و بيّن لنا فيه كلّ شيء،و لكن علمنا يقصر عمّا بيّن لنا في القرآن.و قال الشّافعيّ رضي اللّه تعالى عنه:جميع ما حكم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 624

فهو ممّا فهمه من القرآن،و يؤيّد ذلك ما رواه الطّبرانيّ في «الأوسط»من حديث عائشة رضي اللّه تعالى عنها، قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّي لا أحلّ إلاّ ما أحلّ اللّه تعالى في كتابه،و لا أحرّم إلاّ ما حرّم اللّه تعالى في كتابه».

و قال المرسيّ: جمع القرآن علوم الأوّلين و الآخرين،بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلاّ المتكلّم به، ثمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خلا ما استأثر به سبحانه،ثمّ ورث عنه معظم ذلك سادات الصّحابة رضي اللّه تعالى عنهم، و أعلامهم مثل الخلفاء الأربعة،و مثل ابن مسعود و ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،حتّى قال:لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب اللّه تعالى،ثمّ ورث عنهم التّابعون بإحسان،ثمّ تقاصرت الهمم،و فترت العزائم، و تضاءل أهل العلم،و ضعفوا عن حمل ما حمله الصّحابة و التّابعون من علومه و سائر فنونه،فنوّعوا علومه، و قامت كلّ طائفة بفنّ من فنونه.

و قال بعضهم:ما من شيء إلاّ يمكن استخراجه من القرآن لمن فهّمه اللّه تعالى،حتّى أنّ البعض استنبط عمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثلاثا و ستّين سنة،من قوله سبحانه في سورة المنافقين: وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها المنافقين:11،فإنّها رأس ثلاث و ستّين سورة،و عقّبها ب«التّغابن»ليظهر التّغابن في فقده،بنفس ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و هذا ممّا لا يكاد ينتطح فيه كبشان،فإذا ثبت أنّ جميع ذلك في القرآن كان تبليغ القرآن تبليغا له،غاية ما في الباب أنّ التّوقيف على تفصيل ذلك سرّا سرّا و حكما حكما،لم يثبت بصريح العبارة لكلّ أحد،و كم من سرّ و حكم نبّهت عليهما الإشارة،و لم تبيّنهما العبارة.

و من زعم أنّ هناك أسرارا خارجة عن كتاب اللّه تعالى تلقّاها الصّوفيّة من ربّهم،بأيّ وجه كان،فقد أعظم الفرية و جاء بالضّلال ابن السّبهلل (1)بلا مرية.

و قول بعضهم:أخذتم علمكم ميّتا عن ميّت،و نحن أخذناه عن الحيّ الّذي لا يموت،لا يدلّ على ذلك الزّعم، لجواز أن يكون ذلك الأخذ من القرآن بواسطة فهم قدسيّ،أعطاه اللّه تعالى لذلك الآخذ،و يؤيّد هذا ما صحّ عن أبي جحيفة.[الّتي رويت قبلا عند ابن كثير]

و يفهم منه كما قال القسطلانيّ:جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن منقولا عن المفسّرين،إذا وافق أصول الشّريعة،و ما عند الصّوفيّة-على ما أقول- كلّه من هذا القبيل،إلاّ أنّ بعض كلماتهم مخالف ظاهرها لما جاءت به الشّريعة الغرّاء،لكنّها مبنيّة على اصطلاحات فيما بينهم،إذا علم المراد منها يرتفع الغبار، و كونهم ملامين على تلك الاصطلاحات،لقول عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،كما في صحيح البخاريّ:«حدّثوا النّاس بما يعرفون،أ تحبّون أن يكذّب اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم»أو غير ملامين لوجود داع لهم إلى ذلك،على ما يقتضيه حسن الظّنّ بهم،بحث آخر لسنا بصدده.

و قريب من خبر أبي جحيفة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عنترة،قال:كنت عند ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما فجاءه رجل،فقال:إنّ ناسا يأتونا،فيخبرونا أنّ عندكم شيئا لم يبده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للنّاس،فقال:«أ لم تعلم أنّ اللّه تعالى قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ؟ و اللّه ما ورّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سوداء فيل.

ص: 625


1- في القاموس:الضّلال بن البهلل:الباطل.

بيضاء»و حمل-وعاء أبي هريرة رضي اللّه عنه الّذي لم يبثّه على علم الأسرار-غير متعيّن،لجواز أن يكون المراد منه إخبار الفتن،و أشراط السّاعة،و ما أخبر به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من فساد الدّين على أيدي أغيلمة من سفهاء قريش،و قد كان أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه يقول:لو شئت أن أسمّيهم بأسمائهم لفعلت،أو المراد الأحاديث الّتي فيها تعيين أسماء أمراء الجور و أحوالهم و ذمّهم،و قد كان رضي اللّه تعالى عنه يكنّي عن بعض ذلك،و لا يصرّح خوفا على نفسه منهم،بقوله:أعوذ باللّه سبحانه من رأس السّتّين،و إمارة الصّبيان،يشير إلى خلافة يزيد الطّريد لعنه اللّه تعالى،على رغم أنف أوليائه،لأنّها كانت سنة ستّين من الهجرة،و استجاب اللّه تعالى دعاء أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه،فمات قبلها بسنة.

و أيضا قال القسطلانيّ: لو كان كذلك لما وسع أبي هريرة كتمانه،مع ما أخرج عنه البخاريّ أنّه قال:إنّ النّاس يقولون:أكثر أبو هريرة الحديث،و لو لا آيتان في كتاب اللّه تعالى ما حدّثت حديثا،ثمّ يتلو إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى البقرة:159، إلى قوله تعالى اَلرَّحِيمُ البقرة:160،إلى آخر ما قال، فإنّ ما تلاه دالّ على ذمّ كتمان العلم،لا سيّما العلم الّذي يسمّونه علم الأسرار؛فإنّ الكثير منهم يدّعي أنّه لبّ ثمرة العلم،و أيضا إنّ أبا هريرة نفى بثّ ذلك الوعاء على العموم من غير تخصيص،فكيف يستدلّ به لذلك، و أبو هريرة لم يكشف مستوره فيما أعلم؟فمن أين علم أنّ الّذي علمه هو هذا؟!و من ادّعى فعليه البيان،و دونه قطع الأعناق.

فالاستدلال بالخبر لطريق القوم فيه ما فيه،و مثله ما روي عن زين العابدين رضي اللّه تعالى عنه:نعم، للقوم متمسّك غير هذا مبيّن في موضعه،لكن لا يسلّم لأحد كائنا من كان،أنّ ما هم عليه ممّا خلا عنه كتاب اللّه تعالى الجليل،أو أنّه أمر وراء الشّريعة،و من برهن على ذلك بزعمه فقد ضلّ ضلالا بعيدا.

فقد قال الشّعرانيّ قدّس سرّه في«الأجوبة المرضيّة عن الفقهاء و الصّوفيّة»:سمعت سيّدي عليّا المرصفيّ يقول:لا يكمل الرّجل في مقام المعرفة و العلم حتّى يرى الحقيقة مؤيّدة للشّريعة،و أنّ التّصوّف ليس بأمر زائد على السّنّة المحمّديّة،و إنّما هو عينها.

و سمعت سيّدي عليّا الخواصّ يقول مرارا:من ظنّ أنّ الحقيقة تخالف الشّريعة أو عكسه فقد جهل،لأنّه ليس عند المحقّقين شريعة تخالف حقيقة أبدا،حتّى قالوا:

شريعة بلا حقيقة عاطلة،و حقيقة بلا شريعة باطلة، خلاف ما عليه القاصرون من الفقهاء و الفقراء،و قد يستند من زعم المخالفة بين الحقيقة و الشّريعة إلى قصّة الخضر مع موسى عليهما السّلام.

و ممّا نقلنا عن القسطلانيّ في خبر أبي جحيفة يعلم الجواب عمّا قيل في الاعتراض على الصّوفيّة:من أنّ ما عندهم إن كان موافقا للكتاب و السّنّة فهما بين أيدينا، و إن كان مخالفا لهما فهو ردّ عليهم،و ما بعد الحقّ إلاّ الضّلال،و الجواب باختيار الشّقّ الأوّل،و كون الكتاب و السّنّة بين أيدينا،لا يستدعي عدم إمكان استنباط شيء منهما بعد،و لا يقتضي انحصار ما فيهما فيما علمه

ص: 626

العلماء قبل،فيجوز أن يعطي اللّه تعالى لبعض خواصّ عباده فهما،يدرك به منهما ما لم يقف عليه أحد من المفسّرين و الفقهاء المجتهدين في الدّين،و كم ترك الأوّل للآخر؛و حيث سلّم للأئمّة الأربعة مثلا اجتهادهم و استنباطهم من الآيات و الأحاديث،مع مخالفة بعضهم بعضا؛فما المانع عن أن يسلّم للقوم ما فتح لهم من معاني كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إن خالف ما عليه بعض الأئمّة، لكن لم يخالف ما انعقد عليه الإجماع الصّريح من الأمّة المعصومة،و أرى التّفرقة بين الفريقين،مع ثبوت علم كلّ في القبول و الرّدّ تحكّما بحتا،كما لا يخفى على المنصف.

و زعمت الشّيعة أنّ المراد ب«ما انزل اليك»خلافة عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،فقد رووا بأسانيدهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنهما،أنّ اللّه تعالى أوحى إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يستخلف عليّا كرّم اللّه تعالى وجهه،فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية تشجيعا له عليه الصّلاة و السّلام بما أمره بأدائه.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما قال:نزلت هذه الآية في عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،حيث أمر سبحانه أن يخبر النّاس بولايته،فتخوّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقولوا:حابى ابن عمّه،و أن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى اللّه تعالى إليه هذه الآية،فقام بولايته يوم غدير خمّ،و أخذ بيده فقال عليه الصّلاة و السّلام:«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه».

و أخرج الجلال السّيوطيّ في«الدّرّ المنثور»عن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر،راوين عن أبي سعيد الخدريّ قال:نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه تعالى وجهه، و أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال:كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إنّ عليّا وليّ المؤمنين، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، و خبر الغدير عمدة أدلّتهم على خلافة الأخير كرّم اللّه تعالى وجهه.

و قد زادوا فيه إتماما لغرضهم زيادات منكرة، و وضعوا في خلاله كلمات مزوّرة،و نظموا في ذلك الأشعار،و طعنوا على الصّحابة رضي اللّه تعالى عنهم، بزعمهم أنّهم خالفوا نصّ النّبيّ المختار صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال إسماعيل بن محمّد الحميريّ-عامله اللّه تعالى بعدله-من قصيدة طويلة.[فذكرها ثمّ أطال البحث حول حادثة الغدير إلى أن قال:]

و ممّا يبعد دعوى الشّيعة من أنّ الآية نزلت في خصوص خلافة عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،و أنّ الموصول فيها خاصّ،قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ، فإنّ النّاس فيه و إن كان عامّا إلاّ أنّ المراد بهم الكفّار، و يهديك إليه إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ المائدة:

67،فإنّه موضع التّعليل لعصمته عليه الصّلاة و السّلام، و فيه إقامة الظّاهر مقام المضمر،أي لأنّ اللّه تعالى لا يهديهم إلى أمنيّتهم فيك،و متى كان المراد بهم الكفّار بعد إرادة الخلافة.

بل لو قيل:لم تصحّ لم يبعد،لأنّ التّخوّف الّذي تزعمه الشّيعة منه صلّى اللّه عليه و سلّم-و حاشاه في تبليغ أمر الخلافة-

ص: 627

إنّما هو من الصّحابة رضي اللّه تعالى عنهم،حيث إنّ فيهم -معاذ اللّه تعالى-من يطمع فيها لنفسه،و متى رأى حرمانه منها لم يبعد منه قصد الإضرار برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و التزام العقول-و العياذ باللّه عزّ و جلّ-بكفر من عرضوا بنسبة الطّمع في الخلافة إليه،ممّا يلزمه محاذير كلّيّة أهونها تفسيق الأمير كرّم اللّه تعالى وجهه؛و هو هو،أو نسبة الجبن إليه؛و هو أسد اللّه تعالى الغالب،أو الحكم عليه بالتّقيّة،و هو الّذي لا تأخذه في اللّه تعالى لومة لائم، و لا يخشى إلاّ اللّه سبحانه،أو نسبة فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، بل الأمر الإلهيّ إلى العبث،و الكلّ كما ترى.لا يقال:إنّ عندنا أمرين يدلاّن على أنّ المراد بالموصول الخلافة:

أحدهما:أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان مأمورا بأبلغ عبارة بتبليغ الأحكام الشّرعيّة الّتي يؤمر بها،حيث قال سبحانه مخاطبا له عليه الصّلاة و السّلام: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الحجر:94،فلو لم يكن المراد هنا فرد هو أعمّ الأفراد و أعظمها شأنا،و ليس ذلك إلاّ الخلافة؛إذ بها ينتظم أمر الدّين و الدّنيا،لخلا الكلام عن الفائدة.

و ثانيهما:أنّ ابن إسحاق ذكر في سيرته أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خطب النّاس في حجّة الوداع خطبته الّتي بيّن فيها ما بيّن.[فذكر الخطبة إلى أن قال:]

فإنّ هذه الرّواية ظاهرة في أنّ الخطبة كانت يوم عرفة يوم الحجّ الأكبر،كما في رواية يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه ابن الزّبير،و يوم الغدير كان اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة،بعد أن فرغ صلّى اللّه عليه و سلّم من شأن المناسك، و توجّه إلى المدينة المنوّرة،و حينئذ يكون المأمور بتبليغه أمرا آخر غير ما بلّغه صلّى اللّه عليه و سلّم قبل،و شهد النّاس على تبليغه، و أشهد اللّه تعالى على ذلك،و ليس هذا إلاّ الخلافة الكبرى و الإمامة العظمى،فكأنّه سبحانه يقول:يا أيّها الرّسول بلّغ كون عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،خليفتك، و قائما مقامك بعدك، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

و ان قال لك النّاس حين قلت:اللّهمّ هل بلّغت؟:

اللّهمّ نعم،لأنّا نقول:(ان)الشّرطيّة في الأمر الأوّل -بعد غمض العين عمّا فيه-ممنوعة،لجواز أن يراد بالموصول في الآيتين الأحكام الشّرعيّة،المتعلّقة بمصالح العباد في معاشهم و معادهم،و لا يلزم الخلوّ عن الفائدة؛ إذ كم آية تكرّرت في القرآن،و أمر و نهي ذكر مرارا للتّأكيد و التّقرير،على أنّ بعضهم ذكر أنّ فائدة الأمر هنا إزالة توهّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ترك،أو يترك تبليغ شيء من الوحي تقيّة.

و يرد على الأمر الثّاني أمران:

الأوّل:أنّ كون يوم الغدير بعد يوم عرفة مسلّم، لكن لا نسلّم أنّ الآية نزلت فيه،ليكون المأمور بتبليغه أمرا آخر،بل الّذي يقتضيه ظاهر الخطبة،و قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيها:«اللّهمّ هل بلّغت»،أنّ الآية نزلت قبل يومي الغدير و عرفة،و ما ورد في غير ما أثر-من أنّ سورة المائدة نزلت بين مكّة و المدينة في حجّة الوداع- لا يصلح دليلا للبعديّة و لا للقبليّة،إذ ليس فيه ذكر الإياب و لا الذّهاب،و غير ذلك ممّا يطول ذكره.و قد ذكره أهل السّير فيما يرشد إلى أنّ النّزول كان في الذّهاب.

و الثّاني:أنّا لو سلّمنا كون النّزول يوم الغدير، فلا نسلّم أنّ المأمور بتبليغه أمر آخر،و غاية ما يلزم

ص: 628

حينئذ لزوم التّكرار،و قد علمت فائدته و كثرة وقوعه، سلّمنا أنّ المأمور بتبليغه أمر آخر،لكنّا لا نسلّم أنّه ليس إلاّ الخلافة،و كم قد بلّغ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد ذلك غير ذلك من الآيات المنزلة عليه،عليه الصّلاة و السّلام.

و الّذي يفهم من بعض الرّوايات أنّ هذه الآية قبل حجّة الوداع؛فقد أخرج ابن مردويه،و الضّياء في «مختاره»عن ابن عبّاس قال:سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أيّ آية أنزلت من السّماء أشدّ عليك؟فقال:«كنت بمنى أيّام موسم،و اجتمع مشركوا العرب و أفناء النّاس في الموسم،فأنزل عليّ جبريل عليه السّلام،فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ الآية،قال:فقمت عند العقبة،فناديت:

يا أيّها النّاس من ينصرني على أن أبلّغ رسالات ربّي و لكم الجنّة،أيّها النّاس قولوا:لا إله إلاّ اللّه،و أنا رسول اللّه إليكم،تفلحوا و تنجحوا و لكم الجنّة،قال عليه الصّلاة و السّلام:فما بقي رجل و لا امرأة و لا أمة و لا صبيّ إلاّ يرمون عليّ بالتّراب و الحجارة،و يقولون:كذّاب صابئ،فعرض عليّ عارض فقال:يا محمّد،إن كنت رسول اللّه فقد آن لك أن تدعو عليهم،كما دعا نوح على قومه بالهلاك،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون،و انصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك، فجاء العبّاس عمّه فأنقذه منهم و طردهم عنه».(6:188)

رشيد رضا :تقدّم أنّ نداء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بلقب الرّسول لم يرد إلاّ في موضعين من هذه السّورة،و هذا ثانيهما، و كلاهما جاءا في سياق الكلام في دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام،و محاجّتهم في الدّين.

و قد اختلف مفسّرو السّلف في وقت نزول هذه الآية،فروى ابن مردويه و الضّياء في«المختارة»عن ابن عبّاس و أبو الشّيخ عن الحسن،و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشّيخ عن مجاهد،ما يدلّ على أنّها نزلت في أوائل الإسلام،و بدء العهد بالتّبليغ العامّ، و كأنّها على هذا القول وضعت في آخر سورة مدنيّة، للتّذكير بأوّل العهد بالدّعوة في آخر العهد بها.

و روى ابن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدريّ: أنّها نزلت يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب.

و روت الشّيعة عن الإمام محمّد الباقر:أنّ المراد بما «أنزل إليه من ربّه»النّصّ،على خلافة عليّ بعده، و أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخاف أن يشقّ ذلك على بعض أصحابه، فشجّعه اللّه تعالى بهذه الآية.و في رواية عن ابن عبّاس أنّ اللّه أمره أن يخبر النّاس بولاية عليّ،فتخوّف أن يقولوا:حابى ابن عمّه،و أن يطعنوا في ذلك عليه.فلمّا نزلت الآية عليه في غدير خمّ أخذ بيد عليّ،و قال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه؛اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه».و لهم في ذلك روايات و أقوال في التّفسير مختلفة.

و منها ما ذكره الثّعلبيّ في تفسيره أنّ هذا القول من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في موالاة عليّ شاع و طار في البلاد،فبلغ الحارث بن النّعمان الفهريّ،فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على ناقته، و كان بالأبطح،فنزل و عقل ناقته،و قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو في ملاء من أصحابه:يا محمّد،أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّك رسول اللّه؛فقبلنا منك-ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام و قال-ثمّ لم ترض بهذا حتّى

ص: 629

مددت بضبعي ابن عمّك،و فضّلته علينا،و قلت:«من كنت مولاه فعليّ مولاه»،فهذا منك أم من اللّه؟فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،هو أمر اللّه،فولّى الحارث يريد راحلته،و هو يقول: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32،فما وصل إليها حتّى رماه اللّه بحجر، فسقط على هامته و خرج من دبره،و أنزل اللّه تعالى:

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ المعارج:1-2 إلخ،و هذه الرّواية موضوعة.و سورة المعارج هذه مكّيّة، و ما حكاه اللّه من قول بعض كفّار قريش: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، كان تذكيرا بقول قالوه قبل الهجرة،و هذا التّذكير في سورة الأنفال،و قد نزلت بعد غزوة بدر،قبل نزول المائدة ببضع سنين،و ظاهر الرّواية إنّ الحارث بن النّعمان هذا كان مسلما فارتدّ،و لم يعرف في الصّحابة،و الأبطح بمكّة،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يرجع من غدير خمّ إلى مكّة؛بل نزل فيه منصرفه من حجّة الوداع إلى المدينة.

أمّا حديث:«من كنت مولاه فعليّ مولاه»فقد رواه أحمد في مسنده من حديث البراء و بريدة و التّرمذيّ و النّسائيّ و الضّياء في«المختارة»،من حديث زيد بن أرقم و ابن ماجة عن البراء،و حسّنه بعضهم و صحّحه الذّهبيّ بهذا اللّفظ،و وثّق أيضا سند من زاد فيه«اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه»إلخ؛و في رواية أنّه خطب النّاس فذكر أصول الدّين،و وصّى بأهل بيته، فقال:«إنّي قد تركت فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فانظروا كيف تخلفوني فيهما،فإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض،اللّه مولاي،و أنا وليّ كلّ مؤمن»،ثمّ أخذ بيد عليّ،و قال:«الحديث»،و رواه غير من ذكر بأسانيد ضعيفة،و منها أنّ عمر لقيه،فقال له:

هنيئا لك أصبحت و أمسيت مولى كلّ مؤمن و مؤمنة.

و ذكروا أنّ سببه تبرئة عليّ ممّا كان قاله فيه بعض من كان معه في اليمن و استمالتهم إليه،ذلك أنّ عليّا كرّم اللّه تعالى وجهه كان قد وجّهه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في سريّة إلى اليمن،فقاتل من قاتل،و أسلم على يديه من أسلم،ثمّ إنّه تعجّل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليدرك معه الحجّ،و استخلف على جنده رجلا من أصحابه،فكسا ذلك الرّجل كلّ واحد منهم حلّة من البزّ الّذي كان مع عليّ،فلمّا دنا جيشه خرج إليهم فوجد عليهم الحلل،فأنكر ذلك و انتزعها منهم.فأظهر الجيش شكواه من ذلك.و روي أيضا عن بريدة الأسلميّ،أنّه كان مع عليّ في غزوة اليمن،و أنّه رأى منه جفوة،فشكاه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ بعض المؤمنين يشكو عليّا بغير حقّ؛إذ لم يفعل إلاّ ما يرضي الحقّ،خطب النّاس في غدير خمّ، و أظهر رضاه عن عليّ و ولايته له،و ما ينبغي للمؤمنين من موالاته.و غدير خمّ مكان بين الحرمين،قريب من «رابغ»على بعد ميلين من الجحفة.قالوا:و قد نزله النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و خطب النّاس فيه في اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة،و قد اتّخذته الشّيعة عيدا على عهد بني بويه في حدود الأربعمائة.

و يقول أهل السّنّة:إنّ الحديث لا يدلّ على ولاية السّلطة الّتي هي الإمامة أو الخلافة،و لم يستعمل هذا اللّفظ في القرآن بهذا المعنى،بل المراد بالولاية فيه ولاية

ص: 630

النّصرة و المودّة،الّتي قال اللّه فيها في كلّ من المؤمنين و الكافرين: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ المائدة:51، و معناه من كنت ناصرا و مواليا له فعليّ ناصره و مواليه، أو من والاني و نصرني فليوال عليّا و ينصره.و حاصل معناه أنّه يقفو أثر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فينصر من ينصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و على من ينصر النّبيّ أن ينصره،و هذه مزيّة عظيمة، و قد نصر كرّم اللّه وجهه أبا بكر و عمر و عثمان و والاهم.

فالحديث ليس حجّة على من والاهم مثله،بل حجّة له على من يبغضهم و يتبرّأ منهم.و إنّما يصحّ أن يكون حجّة على من والى معاوية و نصره عليه،فهو لا يدلّ على الإمامة،بل يدلّ على نصره إماما و مأموما.و لو دلّ على الإمامة عند الخطاب لكان إماما مع وجود النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و الشّيعة لا تقول بذلك.

و للفريقين أقوال في ذلك لا نحبّ استقصاءها و التّرجيح بينها،لأنّها من الجدل الّذي فرّق بين المسلمين،و أوقع بينهم العداوة و البغضاء،و ما دامت عصبيّة المذاهب غالبة على الجماهير،فلا رجاء في تحرّيهم الحقّ في مسائل الخلاف،و لا في تجنّبهم ما يترتّب على الخلاف من التّفرّق و العداء.و لو زالت تلك العصبيّة و نبذها الجمهور لما ضرّ المسلمين حينئذ ثبوت هذا القول أو ذاك،لأنّهم لا ينظرون فيه حينئذ إلاّ بمرآة الإنصاف و الاعتبار،فيحمدون المحقّين،و يستغفرون للمخطئين رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ الحشر:10.

ثمّ إنّا نجزم بأنّ مسألة الإمامة لو كان فيها نصّ من القرآن أو الحديث،لتواتر و استفاض،و لم يقع فيها ما وقع من الخلاف،و لتصدّى عليّ للقيام بأمر المسلمين يوم وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فخطبهم و ذكّرهم بالنّصّ،و بيّن لهم ما يحسن بيانه في ذلك الوقت.و كان هو الواجب عليه لو كان يعتقد أنّه الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأمر من اللّه و رسوله،و لكنّه لم يقل ذلك،و لا احتجّ بالآية هو، و لا أحد من آل بيته،و أنصاره الّذين يفضّلونه على غيره،لا يوم السّقيفة،و لا يوم الشّورى بعد عمر، و لا قبل ذلك،و لا بعده في زمنه،و هو هو الّذي كان لا تأخذه في اللّه لومة لائم،و لم يعرف التّقيّة في قول و لا عمل؛و إنّما وجدت هذه المسائل،و وضعت لها الرّوايات،و استنبطت الدّلائل،بعد تكوّن الفرق، و عصبيّة المذاهب.و الوصيّة بالخلافة لا مناسبة لها في سياق محاجّة أهل الكتاب،فهي ممّا لا ترضاه بلاغة القرآن،بل لو أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم النّصّ على خليفته من بعده، و تبليغ ذلك للنّاس،لقاله في خطبته في حجّة الوداع، و هي الّتي استشهد النّاس فيها على تبليغه فشهدوا، و أشهد اللّه على ذلك.

دع سياق الآية و ما قبلها و ما بعدها،فإنّها هي نفسها لا تقبل؛أن يكون المراد بالتّبليغ فيها تبليغ النّاس إمارة عليّ،فإنّ جملة وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ الشّرطيّة،الّتي بعد جملة(بلّغ)الأمريّة،و جملة الأمر بالعصمة،و جملة التّذييل التّعليليّ بنفي هداية الكافرين،لا يناسب شيء منها تبليغ النّاس مسألة الإمارة،فتأمّل الآية في ذاتها بعين البصيرة لا بعين التّقليد.

و أمّا الحديث فنهتدي به:نوالي عليّا المرتضى،

ص: 631

و نوالي من والاهم،و نعادي من عاداهم،و نعدّ ذلك كموالاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و نؤمن بأنّ عترته صلّى اللّه عليه و آله لا تجتمع على مفارقة الكتاب الّذي أنزله اللّه عليه،و أنّ الكتاب و العترة خليفتا الرّسول،فقد صحّ الحديث بذلك في غير قصّة الغدير؛فإذا أجمعوا على أمر قبلناه و اتّبعناه، و إذا تنازعوا في أمر رددناه إلى اللّه و الرّسول.

و أمّا المتبادر من الآية فالظّاهر أنّه الأمر بالتّبليغ العامّ في أوّل الإسلام،كما رواه أهل التّفسير المأثور،و لولاه لاحتمل أن يكون المراد به تبليغ أهل الكتاب ما بعد هذه الآية،كأنّه قال:بلّغ ما أنزل إليك في شأن أهل الكتاب،و اذكر لهم ما يكون فصل الخطاب، فإن سألت عن ذلك فهاك الجواب: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ المائدة:68،إلخ ما سيأتي.و إذا صحّ حديث ابن عبّاس الّذي رواه ابن مردويه و الضّياء لا يبقى للاحتمال مجال.

[و قد مرّ الحديث كاملا]

قال تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، أي و إن لم تفعل ما أمرت به من التّبليغ العامّ،لما أنزل إليك كلّه،و هو ما عليه الجمهور،أو الخاصّ بأهل الكتاب-على ما سبق من الاحتمال-بأن كتمته و لو مؤقّتا،خوفا من الأذى بالقول أو الفعل،أو بهما جميعا، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، أي فحسبك جرما أنّك ما بلّغت الرّسالة،و لا قمت بما بعثت لأجله،و هو تبليغ النّاس ما أنزل إليهم من ربّهم، إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ الشّورى:48.

و ذهب الجمهور إلى أنّ معناه:و إن لم تبلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك؛بأن كتمت بعضه،فكأنّك لم تبلّغ منه شيئا قطّ،لأنّ كتمان البعض ككتمان الجميع،فهو من قبيل قوله تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً المائدة:32، و يقوّيه قراءة نافع و ابن عامر و ابن أبي بكر (رسالاته) بالجمع.

فمعنى هذه القراءة إفادة استغراق النّفي لكلّ مسألة من مسائل الوحي الّذي كلّف الرّسول تبليغه،لكن في الحكم لا في الواقع،فكأنّه قال:و إن لم تفعل كنت كأنّك ما بلّغت شيئا ما من مسائل الرّسالة،لأنّها لا تتجزّأ.

و قد ضعّف هذا الوجه الإمام الرّازيّ و إن كان رأي الجمهور،لأنّه يقتضي إنّ ترك تبليغ بعض المسائل ترك لتبليغ كلّ مسألة بالفعل،و ذلك خلاف الواقع،أو في الحكم،و لا يصحّ أن يجعل تارك صلاة واحدة كتارك جميع الصّلوات.و إنّما المعنى على التّشبيه من بعض الوجوه،و لا يعارض ما لا يتجزّأ في الحكم كالإيمان و الكفر،بما يتجزّأ كالعبادات و المعاصي.

و ترك التّبليغ لو جاز وقوعه كفر،و لهذا المعنى نظير يؤيّده،و هو حكم اللّه بأنّ من كذّب بعض الرّسل كان كمن كذّبهم كلّهم،و ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً* أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا النّساء:150،151،بل ورد ما يؤيّد الوجه الآخر أيضا،و هو تشبيه قاتل النّفس الواحدة بقاتل النّاس جميعا،و تقدّمت الآية في ذلك.و أمّا معنى قراءة الآخرين: (رسالته) بالإفراد،فهو نفي القيام بمنصب

ص: 632

الرّسالة.

و قد جاء في القرآن ذكر تبليغ الرّسالات بالجمع،في قوله تعالى من سورة الأحزاب بعد قصّة زيد و زينب:

اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ الأحزاب:39،هكذا قرأ الجماعة كلّهم (رسالات)بالجمع،و إنّما قرئ بالإفراد في الشّواذّ،و جاء في مواضع أخرى من سورة الأعراف و غيرها.

و الاستشهاد بآية الأحزاب أنسب في هذا المقام، لأنّ ما نزل في قصّة زيد و زينب هو أشدّ ما نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم متعلّقا بشخصه الكريم،و هو قوله تعالى: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الأحزاب:37،حتّى روي عن عائشة و أنس رضي اللّه عنهما أنهما قالا:لو كتم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من القرآن شيئا لكتم هذه الآية.

فإن قيل:إنّ اللّه تعالى قد عصم الرّسل عليهم السّلام من كتمان شيء ممّا أمرهم بتبليغه،و لو لا ذلك لبطلت حكمة الرّسالة بعدم ثقة النّاس بالتّبليغ،فما حكمة التّصريح مع هذا بالأمر بالتّبليغ،و تأكيده بجعل كتمان بعضه ككتمانه كلّه؟

قلت:حكمته بالنّسبة إلى الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم إعلام اللّه تعالى إيّاه بأنّ التّبليغ حتم لا تخيير فيه،و لا يجوز كتمانه و لو مؤقّتا بتأخير شيء منه عن وقته على سبيل الاجتهاد؛إذ كان يجوز لو لا هذا النّصّ:أن يكون من اجتهاد الرّسول تأخير بعض الوحي إلى أن يقوى استعداد النّاس لقبوله،و لا يحملهم سماعه على ردّه، و إيذاء الرّسول لأجله.

و حكمته بالنّسبة إلى النّاس أن يعرفوا هذه الحقيقة بالنّصّ،فلا يعذروا إذا اختلفوا فيها باختلاف الرّأي و الفهم.

أمّا الأوّل فيؤيّده تأخير الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم الإذن لمولاه زيد بن حارثة بتطليق زينب،مع علمه بأنّ اللّه تعالى ما قضى بتزويجها له،و هو يعلم أنّ طباعهما لا تتّفق،و أنّه لا بدّ أن يضطرّ إلى طلاقها،إلاّ ليتزوّجها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد الطّلاق،و يبطل بذلك جريمة التّبنّي،و ما يترتّب عليها من الباطل.و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يخشى أن يقول النّاس:تزوّج مطلّقة ابنه،لأنّه تبنّى زيدا قبل البعثة.

و لمّا لم يؤقّت اللّه تعالى وقتا لتطليق زيد لزينب و لتزوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بها،وافق اجتهاد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم طبعه البشريّ،و العمل بظاهر الشّريعة من كراهة الطّلاق، فكان بناء على هذا يقول لزيد كلّما شكا إليه عشرة زينب: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ، و يخفي في نفسه ما يعلمه من أنّه لا بدّ من طلاق زيد لها،و تزوّجه هو بها،و لكنّه كان يحبّ تأخير ذلك.

فلو كان في تبليغ الوحي هوادة لجاز في بعض مسائل الوحي مثل هذا التّأخير بالاجتهاد.و لأجل هذا الشّبه و التّناسب بين تنفيذ ما أراد اللّه إبطال التّبنّي،و لوازمه بزواج الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بزينب بعد تطليق زيد لها،و بين مسألة تبليغ الوحي و كونه لا يجوز تأخيره،خشية من قول النّاس أو فعلهم،لأجل هذا بيّن اللّه تعالى عقب هذه المسألة من سورة الأحزاب سنّته في عدم الحرج على الرّسل،و في تبليغهم رسالات اللّه،و كونهم يخشونه

ص: 633

و لا يخشون أحدا سواه،راجع آية 38 و 39 منها.

و أمّا الثّاني:و هو ما ذكرنا من حكمة ذلك بالنّسبة إلى النّاس،فيؤيّده ما نقل إلينا من الأقوال و الآراء في جواز كتمان بعض الوحي-غير القرآن-أو العلم النّبويّ غير الوحي،عن كلّ النّاس أو عن جمهورهم،و تأويل هذه الآية و ما ثبت في معناها تأويلا يتّفق مع آرائهم؛فكيف لو لم ترد هذه الآية في المسألة.

و من هذا الباب ما ثبت في الصّحيحين و السّنن من سؤال بعض النّاس عليّا المرتضى:هل خصّهم الرّسول بشيء من الوحي أو علم الدّين؟يعني أهل البيت،و قد ورد في ذلك روايات متعدّدة بألفاظ مختلفة.منها قول أبي جحيفة لعليّ.[و قد مرّ]

و من البديهيّ أنّ الاستثناء في كلام الإمام عليّ منقطع،لأنّ الفهم في القرآن ليس من الوحي،و كذا ما في الصّحيفة،و هو العقل أي دية القتل،و فكاك الأسير إلخ (1).

و قال بعض العلماء:أنّ سبب سؤال عليّ عن ذلك، أنّ بعض غلاة الشّيعة كانوا يتحدّثون أو يبثّون في النّاس:

أنّ عند عليّ و آل بيته من الوحي ما خصّهم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دون النّاس،و يروى عن بعضهم:جواز الكتمان على سبيل التّقيّة.

و من النّاس من قال:إنّ ما يوحيه اللّه للرّسل أنواع:

منها ما هو خاصّ بهم لا يأذنهم بتبليغه لأحد،و منه ما يأمرهم بتبليغه لجميع النّاس،و منه ما يخصّ به من يراهم أهلا له من الأفراد.

و من هنا أخذ من يقولون:إنّ علم الأنبياء قسمان:

ظاهر و باطن؛فالظّاهر عامّ،و الباطن خاصّ.و لبعض المتصوّفة و الباطنيّة سبح طويل في بحر هذه الأوهام.

فأمّا الباطنيّة فأئمّتهم في مذاهبهم زنادقة،تعمّدوا هدم الإسلام بالشّبهات و التّأويلات المشكّكات.

و أمّا المتصوّفة فقد راج على بعضهم بعض تلك الشّبهات و التّأويلات،لضعفهم في علم الكتاب و السّنّة، فاستمسكوا بالأحاديث الموضوعة،و أخذوا بظواهر بعض الأحاديث و الآثار الصّحيحة،كقول أبي هريرة المرويّ في صحيح البخاريّ:حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وعائين،فأمّا أحدهما فبثثته،و أمّا الآخر فلو بثثته قطع منّي هذا البلعوم-يشير إلى عنقه،لأنّه إذا ذبح ينقطع بلعومه؛و هو مجرى الطّعام-فجهلة المتصوّفة يزعمون أنّ ما عندهم من علم الحقيقة،هو من قبيل ما في الوعاء الآخر من وعائي أبي هريرة،و بعضهم يظنّ أنّ لشيوخهم سندا في تلقّي علم الباطن،ينتهي إلى بعض الصّحابة،أو أئمّة أهل البيت عليهم الرّضوان.

و الّذي عليه المحقّقون أنّ أبا هريرة يعني بما كتم من الحديث أحاديث الفتن،و ما يكون من الفساد في الدّين و الدّنيا على أيدي أغيلمة من سفهاء قريش،و هم بنو أميّة.و قد روي عنه أنّه دعا اللّه تعالى أن ينقذه من سنة ستّين،و إمارة الصّبيان.و قد مات سنة سبع و خمسين، و قيل:سنة تسع و خمسين؛و في سنة ستّين ولي يزيد بن معاوية؛فعلم أنّ أبا هريرة كان يستعيذ باللّه من إمارته؛ و قد أعاذه اللّه تعالى فلم ير أيّامها السّود.و روي عنه أنّهشر

ص: 634


1- بيّنّا روايات هذا الحديث و معانيها في الجزء الخامس من مجلّد«المنار»السّابع عشر

كان يقول في أغيلمة قريش،الّذين يفسدون على المسلمين أمر دينهم،كما ورد في الحديث:لو شئت أن أسمّيهم بأسمائهم لفعلت،فهذا دليل على أنّه سمع كحذيفة ابن اليمان أخبار الفتن،و أمراء الجور من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و كان يكتمها عند وقوعها،خوفا من انتقام أولئك الأمراء المستبدّين المفسدين.

و أمّا كتمان شيء من أمر الدّين فهو محرّم بالإجماع و بنصوص الكتاب و السّنّة،فكيف يكتمه؟و قد روى البخاريّ و غيره عنه أنّه قال:إنّ النّاس يقولون:أكثر أبو هريرة الحديث،و لو لا آيتان في كتاب اللّه تعالى ما حدّثت حديثا،ثمّ يتلو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى -إلى قوله تعالى - اَلرَّحِيمُ البقرة:159،160،و قوله: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ آل عمران:187،و روى عنه أبو داود و التّرمذيّ و ابن ماجة و ابن حبّان في صحيحه حديث «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»و روي عن غيره،و له طرق حسنة و صحيحة، و الوعيد في بعض ألفاظه على الكتمان مطلقا.

و الحقّ الّذي لا مرية فيه:أنّ الرّسول بلّغ جميع ما أنزله اللّه إليه من القرآن و بيّنه،و لم يخصّ أحدا بشيء من علم الدّين،و أنّه لا يمتاز أحد في علم الدّين على أحد إلاّ بفهم القرآن،و هو على نوعين:

نوع كسبيّ يتوسّل إليه بعلم السّنّة،و آثار علماء الصّحابة و التّابعين،و علماء الأمصار في الصّدر الأوّل، و مفردات اللّغة العربيّة و أساليبها،و كذا بعلوم الكون و شئون البشر،و سنن اللّه في الخلق،فإنّ هذه العلوم المكتسبة من نقليّة و عقليّة هي الّتي يستعان بها على فهم القرآن.

و نوع وهبيّ و هو الّذي أشار إليه الإمام عليّ المرتضى بالفهم الّذي يؤتيه اللّه عبدا في القرآن،و هو ما به يفضّل أهل العلم الكسبيّ بعضهم بعضا،و من لا حظّ له من علم العربيّة و السّنن و الآثار،لا حظّ له من هذا العلم الوهبيّ،لأنّ الكسبيّ هو الأصل الّذي يثمر العلم الوهبيّ.

و قد ذكر القسطلانيّ في شرح البخاريّ أنّ قول عليّ يدلّ على جواز استخراج العلم بفهمه من القرآن،ما لم يكن منقولا عن المفسّرين.

و قد اشترط العلماء لكلّ فهم جديد في القرآن شرطين:أحدهما:أن يوافق مدلولات اللّغة العربيّة، و ثانيهما:أن لا يخالف أصول الدّين القطعيّة.

فسقطت بذلك ضلالات الباطنيّة،و أهل الوحدة من غلاة الصّوفيّة،و أشباههم،من الّذين يعبثون بكتاب اللّه بأهوائهم،كالدّجّال عبيد اللّه الّذي صنّف في هذه الأيّام تصانيف باللّغة التّركيّة،حرّف فيها القرآن أبعد تحريف؛ بحيث لا ينطبق على اللّغة العربيّة،و لا على أصول الإسلام و لا فروعه.منها كتاب«قوم جديد»و كتاب «صوك جواب»،أي الجواب الأخير.و الظّاهر أنّ الغرض من هذه الكتب تنفير التّرك من الإسلام، و تحويلهم عنه.

و قد بيّنّا غير مرّة أنّ القرآن هو أصل الدّين،و أنّ السّنّة بيان له و استنباط منه،و ذكرنا بعض الشّواهد على هذا في«التّفسير»و في«المنار»ثمّ رأينا النّقل في ذلك عن

ص: 635

الإمام الشّافعيّ،فقد قال:جميع ما حكم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فهو ممّا فهمه من القرآن.ذكره السّيّد الآلوسيّ في«روح المعاني».و من أجدر من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالفهم الوهبيّ من القرآن،و قد اختصّه اللّه بإنزاله إليه و ببيانه للنّاس؟ و تقدّم إيضاح هذا البحث في تفسير اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ المائدة:3،في أوائل هذه السّورة.

و قد روي عن أكابر الصّوفيّة ما لم يرو عن غيرهم في إثبات كون القرآن ينبوع علوم الدّين،بل صرّح بعضهم بكونه ينبوع جميع العلوم و الحقائق الكونيّة كلّها.

(6:463)

المراغيّ: أي يا أيّها الرّسول بلّغ إلى الخلق جميع ما أنزل إليك من ربّك،مالك أمرك و مبلغك إلى كمالك، و لا تخش في ذلك أحدا،و لا تخف أن ينالك من ذلك مكروه.

ثمّ أكّد ما سلف بقوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، أي و إن لم تفعل ما أمرت به من التّبليغ لما أنزل إليك،بأن كتمته و لو إلى حين،خوفا من الأذى بالقول أو بالفعل،فحسبك جرما أنّك ما بلّغت الرّسالة،و لا قمت بما بعثت لأجله،و هو تبليغ النّاس ما أنزل إليهم من ربّهم، كما قال تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ الشّورى:48.

و الحكمة في التّصريح بالأمر بالتّبليغ و تأكيده،بجعل كتمان بعضه ككتمان كلّه،مع العلم بأنّ الرّسل صلوات اللّه عليهم معصومون من كتمان شيء ممّا أمرهم اللّه بتبليغه، و إلاّ بطلت حكمة الرّسالة بعدم ثقة النّاس بالتّبليغ.

الحكمة في ذلك بالنّظر إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إعلامه بأنّ التّبليغ حتم،لا يجوز كتمانه على أيّ حال،بتأخير شيء عن وقته على سبيل الاجتهاد،و لو لا هذا النّصّ لكان للرّسول أن يجتهد بتأخير بعض الوحي إلى أن يقوى استعداد النّاس لقبوله،و لا يحملهم سماعه على ردّه، و إيذاء الرّسول لأجله.

و الحكمة بالنّسبة إلى النّاس أن يعرفوا هذه الحقيقة بالنّصّ،فلا يعذروا إذا اختلفوا فيها باختلاف الرّأي و الفهم.

و من هذا تعلم أنّ ما نقل من الأقوال و الآراء من جواز كتمان بعض الوحي،غير القرآن عن كلّ النّاس أو عن جمهورهم،لا يتّفق مع الدّليل في شيء،و لا يعوّل على ما رووه من الأخبار الضّعيفة و الأحاديث الموضوعة في هذا الباب.

و الحقّ الّذي لا شبهة فيه،أنّ الرّسول بلّغ جميع ما أنزل إليه من القرآن و بيّنه،و لم يخصّ أحدا بشيء من علم الدّين،و أنّه لا امتياز لأحد عن أحد في علم الدّين، إلاّ بفهم القرآن فهما يتوسّل إليه بعلم السّنّة،و آثار علماء الصّحابة و التّابعين،و علماء الأمصار في الصّدر الأوّل، و بمعرفة مفردات اللّغة العربيّة و أساليبها،و معرفة علوم الكون و شئون البشر و سنن اللّه في الخلق.

روى ابن مردويه عن ابن عبّاس قال:سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.[و قد تقدّم تمام الرّواية في كلام الآلوسيّ، و سيأتي ردّها في كلام الطّباطبائيّ](6:158)

سيّد قطب :[بعد بحث طويل عن دور أهل الكتاب و لا سيّما اليهود في مواجهة هذا الدّين قال:]

يبدو من السّياق-قبل هذا النّداء و بعده-أنّ المقصود به مباشرة هو مواجهة أهل الكتاب بحقيقة ما هم

ص: 636

عليه،و بحقيقة صفتهم الّتي يستحقّونها بما هم عليه، و مواجهتهم بأنّهم ليسوا على شيء:ليسوا على شيء من الدّين،و لا العقيدة و لا الإيمان:ذلك أنّهم لا يقيمون التّوراة و الإنجيل،و ما أنزل إليهم من ربّهم،و من ثمّ فلا شيء ممّا يدعونه لأنفسهم من أنّهم أهل كتاب، و أصحاب عقيدة و أتباع دين: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ المائدة:68.

و حينما كلّف الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يواجههم بأنّهم ليسوا على شيء من الدّين و العقيدة و الإيمان،بل ليسوا على شيء أصلا يرتكن عليه!حينما كلّف الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بمواجهتهم هذه المواجهة الحاسمة الفاصلة،كانوا يتلون كتبهم؛و كانوا يتّخذون لأنفسهم صفة اليهوديّة أو النّصرانيّة؛و كانوا يقولون:إنّهم مؤمنون،و لكن التّبليغ الّذي كلّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يواجههم به،لم يعترف لهم بشيء أصلا ممّا كانوا يزعمون لأنفسهم،لأنّ«الدّين» ليس كلمات تقال باللّسان،و ليس كتبا تقرأ و ترتّل، و ليس صفة تورث و تدّعى.

إنّما الدّين منهج حياة،منهج يشمل العقيدة المستسرّة في الضّمير،و العبادة الممثّلة في الشّعائر، و العبادة الّتي تتمثّل في إقامة نظام الحياة كلّها على أساس هذا المنهج.و لمّا لم يكن أهل الكتاب يقيمون الدّين على قواعده هذه،فقد كلّف الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يواجههم بأنّهم ليسوا على دين؛و ليسوا على شيء أصلا من هذا القبيل!

و إقامة التّوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربّهم، مقتضاها الأوّل الدّخول في دين اللّه الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فقد أخذ اللّه الميثاق:أن يؤمنوا بكلّ رسول و يعزّروه و ينصروه.و صفة محمّد و قومه عندهم في التّوراة،و عندهم في الإنجيل،كما أخبر اللّه و هو أصدق القائلين،فهم لا يقيمون التّوراة و الإنجيل،و ما أنزل إليهم من ربّهم،سواء كان المقصود بقوله: وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ المائدة:66،هو القرآن؛كما يقول بعض المفسّرين،أو هو الكتب الأخرى الّتي أنزلت لهم كزبور داود.

نقول:إنّهم لا يقيمون التّوراة و الإنجيل،و ما أنزل إليهم من ربّهم،إلاّ أن يدخلوا في الدّين الجديد،الّذي يصدّق ما بين يديهم و يهيمن عليه.فهم ليسوا على شيء بشهادة اللّه سبحانه حتّى يدخلوا في الدّين الأخير.

و الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم قد كلّف أن يواجههم بهذا القرار الإلهيّ في شأنهم،و أن يبلّغهم حقيقة صفتهم و موقفهم،و إلاّ فما بلّغ رسالة ربّه،و يا له من تهديد!

و كان اللّه سبحانه يعلم أنّ مواجهتهم بهذه الحقيقة الحاسمة،و بهذه الكلمة الفاصلة،ستؤدّي إلى أن تزيد كثيرا منهم طغيانا و كفرا،و عنادا و لجاجا.و لكن هذا لم يمنع من أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يواجههم بها،و ألاّ يأسى على ما يصيبهم من الكفر و الطّغيان و الضّلال و الشّرود بسبب مواجهتهم بها،لأنّ حكمته سبحانه تقتضي أن يصدع بكلمة الحقّ،و أن تترتّب عليها آثارها في نفوس الخلق،فيهتدي من يهتدي عن بيّنة،و يضلّ من يضلّ عن بيّنة،و يهلك من هلك عن بيّنة،و يحيا من حيّ عن بيّنة: وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ المائدة:68.

ص: 637

و كان اللّه سبحانه يرسم للدّاعية بهذه التّوجيهات منهج الدّعوة و يطلعه على حكمة اللّه في هذا المنهج، و يسلّي قلبه عمّا يصيب الّذين لا يهتدون،إذا هاجتهم كلمة الحقّ فازدادوا طغيانا و كفرا،فهم يستحقّون هذا المصير البائس،لأنّ قلوبهم لا تطيق كلمة الحقّ،و لا خير في أعماقها و لا صدق.فمن حكمة اللّه أن تواجه بكلمة الحقّ،ليظهر ما كمن فيها و ما بطن،و لتجهر بالطّغيان و الكفر،و لتستحقّ جزاء الطّغاة و الكافرين!

(3:938)

الطّباطبائيّ: معنى الآية في نفسها ظاهر،فإنّها تتضمّن أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بالتّبليغ في صورة التّهديد، و وعده صلّى اللّه عليه و آله بالعصمة من النّاس،غير أنّ التّدبّر في الآية من حيث وقوعها موقعها الّذي وقعت فيه،و قد حفّفتها الآيات المتعرّضة لحال أهل الكتاب،و ذمّهم و توبيخهم بما كانوا يتعاورونه من أقسام التّعدّي إلى محارم اللّه، و الكفر بآياته.و قد اتّصلت بها من جانبيها الآيتان، أعني قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المائدة:66،و قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ المائدة:68.

ثمّ الإمعان في التّدبّر في نفس الآية،و ارتباط الجمل المنضودة فيها،يزيد الإنسان عجبا على عجب؟

فلو كانت الآية متّصلة بما قبلها و ما بعدها في سياق واحد في أمر أهل الكتاب،لكان محصّلها أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أشدّ الأمر؛بتبليغ ما أنزله اللّه سبحانه في أمر أهل الكتاب،و تعيّن بحسب السّياق أنّ المراد بما أنزل إليه من ربّه هو ما يأمره بتبليغه في قوله: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ المائدة:68.

و سياق الآية يأباه،فإنّ قوله: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ، يدلّ على أنّ هذا الحكم المنزل المأمور بتبليغه أمر مهمّ،فيه مخافة الخطر على نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أو على دين اللّه تعالى من حيث نجاح تبليغه،و لم يكن من شأن اليهود و لا النّصارى في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يتوجّه إليه من ناحيتهم خطر،يسوّغ له صلّى اللّه عليه و آله أن يمسك عن التّبليغ،أو يؤخّره إليه إلى حين،فيبلّغ الأمر إلى حيث يحتاج إلى أن يعده اللّه بالعصمة منهم،إن بلّغ ما أمر به فيهم،حتّى في أوائل هجرته صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة،و عنده حدّة اليهود و شدّتهم،حتّى انتهى إلى وقائع خيبر و غيرها.

على أنّ الآية لا تتضمّن أمرا شديدا،و لا قولا حادّا، و قد تقدّم عليه تبليغ ما هو أشدّ و أحدّ و أمرّ من ذلك على اليهود،و قد أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتبليغ ما هو أشدّ من ذلك كتبليغ التّوحيد و نفي الوثنيّة إلى كفّار قريش و مشركي العرب،و هم أغلظ جانبا و أشدّ بطشا و أسفك للدّماء، و أفتك من اليهود و سائر أهل الكتاب،و لم يهدّده اللّه في أمر تبليغهم،و لا آمنه بالعصمة منهم.

على أنّ الآيات المتعرّضة لحال أهل الكتاب-معظم أجزاء سورة المائدة-فهي نازلة فيها قطعا،و اليهود كانت عند نزول هذه السّورة قد كسرت سورتهم،و خمدت نيرانهم،و شملتهم السّخطة و اللّعنة،كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه،فلا معنى لخوف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منهم

ص: 638

في دين اللّه،و قد دخلوا يومئذ في السّلم في حظيرة الإسلام،و قبلوا هم و النّصارى الجزية،و لا معنى لتقريره تعالى له خوفه منهم،و اضطرابه في تبليغ أمر اللّه إليهم، و هو أمر قد بلّغ إليهم ما هو أعظم منه،و قد وقف قبل هذا الموقف فيما هو أهول منه و أوحش.

فلا ينبغي الارتياب في أنّ الآية لا تشارك الآيات السّابقة عليها و اللاّحقة لها في سياقها،و لا تتّصل بها في سردها،و إنّما هي آية مفردة نزلت وحدها.

و الآية تكشف عن أمر قد أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إمّا مجموع الدّين أو بعض أجزائه،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخاف النّاس من تبليغه،و يؤخّره إلى حين يناسبه،و لو لا مخافته و إمساكه لم يحتج إلى تهديده،بقوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، كما وقع في آيات أوّل البعثة الخالية عن التّهديد،كقوله تعالى: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى آخر سورة العلق.و قوله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ المدّثّر:1،2،و قوله: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ فصّلت:6،إلى غير ذلك.

فهو صلّى اللّه عليه و آله كان يخافهم،و لم يكن مخافته من نفسه في جنب اللّه سبحانه،فهو أجلّ من أن يستنكف عن تفدية نفسه،أو يبخل في شيء من أمر اللّه بمهجته،فهذا شيء تكذّبه سيرته الشّريفة و مظاهر حياته،على أنّ اللّه شهد في رسله على خلاف ذلك،كما قال تعالى: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللّهُ لَهُ سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً* اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً الأحزاب:38،39،و قد قال تعالى في أمثال هذه الفروض: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:175،و قد مدح اللّه سبحانه طائفة من عباده،بأنّهم لم يخشوا النّاس في عين أنّ النّاس خوّفوهم،فقال: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران:173.

و ليس من الجائز أن يقال:إنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يخاف على نفسه أن يقتلوه،فيبطل بذلك أثر الدّعوة،و ينقطع دابرها،فكان يعوقه إلى حين ليس فيه هذه المفسدة، فإنّ اللّه سبحانه يقول له صلّى اللّه عليه و آله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128،لم يكن اللّه سبحانه يعجزه لو قتلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أن يحيي دعوته بأيّ وسيلة من الوسائل شاء،و بأيّ سبب أراد.

نعم،من الممكن أن يقدّر لمعنى قوله: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ، أن يكون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخاف النّاس في أمر تبليغه،أن يتّهموه بما يفسد به الدّعوة فسادا، لا تنجح معه أبدا،فقد كان أمثال هذا الرّأي و الاجتهاد جائزا له مأذونا فيه،من دون أن يرجع معنى الخوف إلى نفسه بشيء.

و من هنا يظهر أنّ الآية لم تنزل في بدء البعثة،كما يراه بعض المفسّرين؛إذ لا معنى حينئذ لقوله تعالى:

وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ، إلاّ أن يكون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يماطل في إنجاز التّبليغ،خوفا من النّاس على نفسه أن يقتلوه فيحرم الحياة،أو أن يقتلوه و يذهب التّبليغ باطلا لا أثر له،فإنّ ذلك كلّه لا سبيل إلى احتماله.

ص: 639

على أنّ المراد بما أنزل إليه من ربّه لو كان أصل الدّين،أو مجموعه في الآية،عاد معنى قوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ إلى نحو قولنا:يا أيّها الرّسول بلّغ الدّين،و إن لم تبلّغ الدّين فما بلّغت الدّين.

و أمّا جعله من قبيل قول أبي النّجم:

*أنا أبو النّجم و شعري شعري*

كما ذكره بعضهم،أنّ معنى الآية:و إن لم تبلّغ الرّسالة فقد لزمك شناعة القصور في التّبليغ،و الإهمال في المسارعة إلى ائتمار ما أمرك به اللّه سبحانه،و أكّده عليك.

كما أنّ معنى قول أبي النّجم:إنّي أبو النّجم،و شعري شعري المعروف بالبلاغة،المشهور بالبراعة.

فإنّ ذلك فاسد،لأنّ هذه الصّناعة الكلاميّة إنّما تصحّ في موارد العامّ و الخاصّ،و المطلق و المقيّد،و نظائر ذلك.فيفاد بهذا السّياق اتّحادهما،كقول أبي النّجم:

شعري شعري،أي لا ينبغي أن يتوهّم على متوهّم أنّ قريحتي كلّت،أو أنّ الحوادث أعيتني أن أقول من الشّعر ما كنت أقوله،فشعري الّذي أقوله اليوم هو شعري الّذي كنت أقواله بالأمس.

و أمّا قوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فليس يجري فيه مثل هذه العناية،فإنّ الرّسالة الّتي هي مجموع أو أصله،على تقدير نزول الآية في أوّل البعثة، أمر واحد غير مختلف،و لا متغيّر حتّى يصحّ أن يقال:إن لم تبلّغ هذه الرّسالة فما بلّغت تلك الرّسالة،أو لم تبلّغ أصل الرّسالة،فإنّ المفروض أنّه أصل الرّسالة الّتي هي مجموع المعارف الدّينيّة.

فقد تبيّن أنّ الآية بسياقها لا تصلح أن تكون نازلة في بدء البعثة،و يكون المراد فيها بما أنزل إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله:مجموع الدّين أو أصله،و يتبيّن بذلك أنّها لا تصلح أن تكون نازلة في خصوص تبليغ مجموع الدّين أو أصله؛في أيّ وقت آخر غير بدء البعثة،فإنّ الإشكال إنّما ينشأ من جهة لزوم اللّغو في قوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ كما مرّ.

على أنّ قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، لا يلائم النّزول في أيّ وقت آخر غير بدء البعثة؛ على تقدير إرادة الرّسالة بمجموع الدّين أو أصله،و هو ظاهر.

على أنّ محذور دلالة قوله: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يخاف النّاس في تبليغه على حاله.

فظهر أن ليس هذا الأمر الّذي أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أكّدت الآية تبليغه:هو مجموع الدّين أو أصله على جميع تقاديره المفروضة،فلنضع أنّه بعض الدّين، و المعنى:بلّغ الحكم الّذي أنزل إليك من ربّك،و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته«إلخ»،و لازم هذا التّقدير أن يكون المراد بالرّسالة مجموع ما حمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الدّين و رسالته،و إلاّ فالمحذور السّابق،و هو لزوم اللّغو في الكلام على حاله؛إذ لو كان المراد بقوله:(رسالته) الرّسالة الخاصّة بهذا الحكم،كان المعنى:بلّغ هذا الحكم، و إن لم تبلّغه فما بلّغته،و هو لغو ظاهر.

فالمراد أن بلّغ هذا الحكم،و ان لم تبلّغه فما بلّغت أصل رسالته أو مجموعها،و هو معنى صحيح معقول، و حينئذ يرد الكلام نظير المورد الّذي أورده قول أبي

ص: 640

النّجم:«أنا أبو النّجم و شعري شعري».

و أمّا كون هذا الحكم بحيث لو لم يبلّغ فكأنّما لم تبلّغ الرّسالة،فإنّما ذلك لكون المعارف و الأحكام الدّينيّة مرتبطة بعضها ببعض؛بحيث لو أخلّ بأمر واحد منها أخلّ بجميعها،و خاصّة في التّبليغ لكمال الارتباط.و هذا التّقدير و إن كان في نفسه ممّا لا بأس به،لكن ذيل الآية و هو قوله: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ، لا يلائمه،فإنّ هذا الذّيل يكشف عن أنّ قوما كافرين من النّاس همّوا بمخالفة هذا الحكم النّازل،أو كان المترقّب من حالهم أنّهم سيخالفونه مخالفة شديدة،و يتّخذون أيّ تدبير يستطيعونه لإبطال هذه الدّعوة،و تركه سدى لا يؤثّر أثرا،و لا ينفع شيئا، و قد وعد اللّه رسوله أن يعصمه منهم،و يبطل مكرهم، و لا يهديهم في كيدهم.

و لا يستقيم هذا المعنى مع أيّ حكم نازل فرض، فإنّ المعارف و الأحكام الدّينيّة في الإسلام ليست جميعا في درجة واحدة،ففيها الّتي هي عمود الدّين،و فيها الدّعاء عند رؤية الهلال،و فيها زنى المحصن،و فيها النّظر إلى الأجنبيّة،و لا يصحّ فرض هذه المخافة من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الوعد بالعصمة من اللّه،مع كلّ حكم حكم منها كيفما كان،بل في بعض الأحكام.

فليس استلزام عدم تبليغ هذا الحكم لعدم تبليغ غيره من الأحكام إلاّ لمكان أهمّيّته،و وقوعه من الأحكام في موقع لو أهمل أمره؛كان ذلك في الحقيقة إهمالا لأمر سائر الأحكام،و صيرورتها كالجسد العادم للرّوح الّتي بها الحياة الباقية و الحسّ و الحركة،و تكون الآية حينئذ كاشفة عن أنّ اللّه سبحانه كان قد أمر رسوله صلّى اللّه عليه و آله بحكم يتمّ به أمر الدّين،و يستوي به على عريشة القرار.

و كان من المترقّب أن يخالفه النّاس،و يقلّبوا الأمر على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بحيث تنهدم أركان ما بناه من بنيان الدّين،و تتلاشى أجزاؤه،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يتفرّس ذلك،و يخافهم على دعوته،فيؤخّر تبليغه إلى حين بعد حين،ليجد له ظرفا صالحا و جوّا آمنا،عسى أن تنجح فيه دعوته،و لا يخيب مسعاه،فأمره اللّه تعالى بتبليغ عاجل،و بيّن له أهمّيّة الحكم،و وعده أن يعصمه من النّاس،و لا يهديهم في كيدهم،و لا يدعهم يقلّبوا له أمر الدّعوة.

و إنّما يتصوّر تقليب أمر الدّعوة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و إبطال عمله بعد انتشار الدّعوة الإسلاميّة،لا من جانب المشركين و وثنيّة العرب أو غيرهم،كأن تكون الآية نازلة في مكّة قبل الهجرة،و تكون مخافة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من النّاس من جهة افترائهم عليه،و اتّهامهم إيّاه في أمره،كما حكاه اللّه سبحانه من قولهم: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ الدّخان:

14،و قولهم: شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30،و قولهم: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ الذّاريات:

52،و قولهم: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً الإسراء:47،و قولهم: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ المدّثّر:

24،و قولهم: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفرقان:5،و قولهم: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ النّحل:103،و قولهم: أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ص:6،إلى غير ذلك

ص: 641

من أقاويلهم فيه صلّى اللّه عليه و آله.

فهذه كلّها ليست ممّا يوجب وهن قاعدة الدّين، و إنّما تدلّ-إذا دلّت-على اضطراب القوم في أمرهم، و عدم استقامتهم فيه،على أنّ هذه الافتراءات و المرامي لا تختصّ بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى يضطرب عند تفرّسها و يخاف وقوعها،فسائر الأنبياء و الرّسل يشاركونه في الابتلاء بهذه البلايا و المحن،و مواجهة هذه المكاره من جملة أممهم،كما حكاه اللّه تعالى عن نوح،و من بعده من الأنبياء المذكورين في القرآن.

بل إن كان شيء و لا بدّ فإنّما يتصوّر بعد الهجرة، و استقرار أمر الدّين،في المجتمع الإسلاميّ،و المسلمون كالمعجون الخليط من:صلحاء مؤمنين،و قوم منافقين أولي قوّة لا يستهان بأمرهم،و آخرين في قلوبهم مرض و هم سمّاعون كما نصّ عليه الكتاب العزيز.و هؤلاء كانوا يعاملون مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-في عين أنّهم آمنوا به واقعا أو ظاهرا-معاملة الملوك،و مع دين اللّه معاملة القوانين الوضعيّة القوميّة،كما يشعر بذلك طوائف من آيات الكتاب،قد تقدّم تفسير بعضها في الأجزاء السّابقة من هذا الكتاب.

فكان من الممكن أن يكون تبليغ بعض الأحكام ممّا يوقع في الوهم انتفاع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتشريعه و إجرائه، يستوجب أن يقع في قلوبهم أنّه ملك في صورة النّبوّة، و قانون ملكيّ في هيئة الدّين،كما ربّما وجد بعض شواهد ذلك في مطاوي كلمات بعضهم.

و هذه شبهة لو كانت وقعت هي أو ما يماثلها في قلوبهم،ألقت إلى الدّين من الفساد و الضّيعة ما لا يدفعه أيّ قوّة دافعة،و لا يصلحه أيّ تدبير مصلح،فليس هذا الحكم النّازل المأمور بتبليغه إلاّ حكما فيه توهّم انتفاع للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و اختصاص له بمزيّة من المزايا الحيويّة، لا يشاركه فيها غيره من سائر المسلمين،نظير ما في قصّة زيد و تعدّد الأزواج،و الاختصاص بخمس الغنائم، و نظائر ذلك.

غير أنّ الخصائص إذا كانت ممّا لا تمسّ فيه عامّة المسلمين،لم يكن من طبعها إثارة الشّبهة في القلوب، فإنّ الازدواج بزوجة المدعوّ ابنا-مثلا-لم يكن يختصّ به،و الازدواج بأكثر من أربع نسوة،لو كان تجويزه لنفسه عن هوى بغير إذن اللّه سبحانه،لم يكن يمنعه أن يجوّز مثل ذلك لسائر المسلمين،و سيرته في إيثار المسلمين على نفسه؛في ما كان يأخذه للّه و لنفسه من الأموال،و نظائر هذه الأمور لا تدع ريبا لمرتاب، و لا يشتبه أمرها لمشتبه،دون أن تزول الشّبهة.

فقد ظهر من جميع ما تقدّم أنّ الآية تكشف عن حكم نازل فيه شوب انتفاع للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اختصاصه بمزيّة حيويّة مطلوبة لغيره أيضا،يوجب تبليغه و العمل به حرمان النّاس عنه،فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخاف إظهاره، فأمره اللّه بتبليغه و شدّد فيه،و وعده العصمة من النّاس، و عدم هدايتهم في كيدهم إن كادوا فيه.

و هذا يؤيّد ما وردت به النّصوص من طرق الفريقين:أنّ الآية نزلت في أمر ولاية عليّ عليه السّلام و أنّ اللّه أمر بتبليغها،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخاف أن يتّهموه في ابن عمّه،و يؤخّر تبليغها وقتا إلى وقت حتّى نزلت الآية، فبلّغها بغدير خمّ،و قال فيه:من كنت مولاه فهذا عليّ

ص: 642

مولاه.

و كون ولاية أمر الأمّة ممّا لا غنى للدّين عنه ظاهر لا ستر عليه،و كيف يسوغ لمتوهّم أن يتوهّم أنّ الدّين الّذي يقرّر بسعته لعامّة البشر-في عامّة الأعصار و الأقطار-جميع ما يتعلّق بالمعارف الأصليّة،و الأصول الخلقيّة،و الأحكام الفرعيّة العامّة لجميع حركات الإنسان و سكناته،فرادى و مجتمعين،على خلاف جميع القوانين العامّة،لا يحتاج إلى حافظ يحفظه حقّ الحفظ؟ أو أنّ الأمّة الإسلاميّة و المجتمع الدّيني مستثنى من بين جميع المجتمعات الإنسانيّة،مستغنية عن وال يتولّى أمرها،و مدبّر يدبّرها،و مجر يجريها؟

و بأيّ عذر يمكن أن يعتذر إلى الباحث عن سيرة النّبيّ الاجتماعيّة؟حيث يرى أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا خرج إلى غزوة،خلّف مكانه رجلا يدير رحى المجتمع،و قد خلّف عليّا مكانه على المدينة عند مسيره إلى تبوك،فقال:

يا رسول اللّه،أ تخلفني على النّساء و الصّبيان؟فقال صلّى اللّه عليه و آله:

أ ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى،إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟

و كان صلّى اللّه عليه و آله ينصب الولاة الحكّام في ما بيد المسلمين من البلاد:كمكّة و الطّائف و اليمن و غيرها،و يؤمّر رجالا على السّرايا و الجيوش الّتي يبعثها إلى الأطراف،و أيّ فرق بين زمان حياته و ما بعد مماته،دون أنّ الحاجة إلى ذلك بعد غيبته بالموت أشدّ،و الضّرورة إليه أمسّ ثمّ أمسّ.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، خاطبه صلّى اللّه عليه و آله بالرّسالة،لكونها أنسب الصّفات إلى ما تتضمّنه الآية من الأمر بالتّبليغ لحكم اللّه النّازل، فهو كالبرهان على وجوب التّبليغ الّذي تظهره الآية، و تقرعه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فإنّ الرّسول لا شأن له إلاّ تبليغ ما حمل من الرّسالة،فتحمّل الرّسالة يفرض عليه القيام بالتّبليغ.

و لم يصرّح باسم هذا الّذي أنزل إليه من ربّه،بل عبّر عنه بالنّعت،و أنّه شيء أنزل إليه،إشعارا بتعظيمه، و دلالة على أنّه أمر ليس فيه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صنع، و لا له من أمره شيء،ليكون كبرهان آخر على عدم خيرة منه صلّى اللّه عليه و آله في كتمانه و تأخير تبليغه،و يكون له عذرا في إظهاره على النّاس،و تلويحا إلى أنّه صلّى اللّه عليه و آله مصيب في ما تفرّسه منهم،و تخوّف عليه،و إيماء إلى أنّه ممّا يجب أن يظهر من ناحيته صلّى اللّه عليه و آله و بلسانه و بيانه.

قوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ المراد بقوله:(رسالته)-و قرئ (رسالاته) كما تقدّم-:مجموع رسالات اللّه سبحانه الّتي حملها رسوله صلّى اللّه عليه و آله،و قد تقدّم أنّ الكلام يفيد أهمّيّة هذا الحكم المرموز إليه،و أنّ له من المكانة ما لو لم يبلّغه،كان كأن لم يبلّغ شيئا من الرّسالات الّتي حملها.

فالكلام موضوع في صورة التّهديد،و حقيقته بيان أهمّيّة الحكم،و أنّه بحيث لو لم يصل إلى النّاس،و لم يراع حقّه،كان كأن لم يراع حقّ شيء من أجزاء الدّين، فقوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ جملة شرطيّة، سيقت لبيان أهمّيّة الشّرط وجودا و عدما،لترتّب الجزاء الأهمّ عليه وجودا و عدما.

و ليست شرطيّة مسوقة على طبع الشّرطيّات

ص: 643

الدّائرة عندنا،فإنّا نستعمل(ان)الشّرطيّة طبعا فيما نجهل تحقّق الجزاء للجهل بتحقّق الشّرط،و حاشا ساحة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أن يقدّر القرآن في حقّه احتمال:أن يبلّغ الحكم النّازل عليه من ربّه،و أن لا يبلّغ،و قد قال تعالى:

اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ الأنعام:124.

فالجملة،أعني قوله: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ إلخ،إنّما تفيد التّهديد بظاهرها،و تفيد إعلامه عليه السّلام و إعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمّيّة،و أنّ الرّسول معذور في تبليغه.

«بحث روائيّ»

في تفسير العيّاشيّ عن أبي صالح[إلى آخر ما رواه الطّبرسيّ عن العيّاشيّ].

و فيه عن حنّان بن سدير،عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:لمّا نزل جبرئيل على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع بإعلان أمر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إلى آخر الآية،قال:فمكث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا حتّى أتى الجحفة،فلم يأخذ بيده فرقا من النّاس.

فلمّا نزل الجحفة يوم غدير في مكان يقال له:

«مهيعة»،فنادى:الصّلاة جامعة،فاجتمع النّاس،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من أولى بكم من أنفسكم؟فجهروا فقالوا:

اللّه و رسوله،ثمّ قال لهم الثّانية،فقالوا:اللّه و رسوله،ثمّ قال لهم الثّالثة،فقالوا:اللّه و رسوله.

فأخذ بيد عليّ عليه السّلام فقال:من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله،فإنّه منّي و أنا منه،و هو منّي بمنزلة هارون من موسى،إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

و فيه عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا أنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.

قال:فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ عليه السّلام،فقال:يا أيّها النّاس إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان من قبلي إلاّ و قد عمّر،ثمّ دعاه فأجابه،و أوشك أن أدعى فأجيب، و أنا مسئول،و أنتم مسئولون،فما أنتم قائلون؟قالوا:

نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت،و أدّيت ما عليك،فجزاك اللّه أفضل ما جزى المرسلين،فقال:اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال:يا معشر المسلمين ليبلغ الشّاهد الغائب، أوصي من آمن بي و صدّقني بولاية عليّ،ألا إنّ ولاية عليّ ولايتي،عهدا عهده إليّ ربّي،و أمرني أن أبلّغكموه، ثمّ قال:هل سمعتم؟-ثلاث مرّات يقولها-فقال قائل:قد سمعنا يا رسول اللّه.

و في«البصائر»بإسناده عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، قال:

هي الولاية.

أقول:و روى نزول الآية في أمر الولاية و قصّة الغدير معه الكلينيّ في«الكافي»بإسناده،عن أبي الجارود،عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل.

و روى هذا المعنى الصّدوق في«المعاني»بإسناده عن محمّد بن الفيض بن المختار عن أبيه،عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل.و رواه العيّاشيّ أيضا،عن أبي الجارود في

ص: 644

حديث طويل،و بإسناده عن عمرو بن يزيد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مختصرا.

و عن تفسير الثّعلبيّ قال:قال جعفر بن محمّد:معنى قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، في فضل عليّ،فلمّا نزلت هذه أخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ، فقال:من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و عنه بإسناده عن الكلبيّ عن أبي صالح،عن ابن عبّاس في هذه الآية قال:نزلت في عليّ بن أبي طالب، أمر اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يبلّغ فيه،فأخذ بيد عليّ فقال:من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه.

و في تفسير«البرهان»عن إبراهيم الثّقفيّ،بإسناده عن الخدريّ و بريدة الأسلميّ و محمّد بن عليّ:نزلت يوم الغدير في عليّ.

و من تفسير الثّعلبيّ في معنى الآية،قال:قال أبو جعفر محمّد بن عليّ:معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في عليّ.

و في تفسير«المنار»عن تفسير الثّعلبيّ:أنّ هذا القول من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في موالاة عليّ شاع و طار في البلاد.

[ثمّ ذكر الرّواية كما تقدّم في كلام رشيد رضا و أضاف:]

أقول:قال في«المنار»بعد نقل هذا الحديث ما لفظه:

و هذه الرّواية موضوعة،و سورة المعارج هذه مكّيّة، و ما حكاه اللّه من قول بعض كفّار قريش: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ كان تذكيرا بقول قالوه قبل الهجرة،و هذا التّذكير في سورة الأنفال،و قد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين،و ظاهر الرّواية أنّ الحارث بن النّعمان هذا كان مسلما فارتدّ،و لم يعرف في الصّحابة،و الأبطح بمكّة و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يرجع من غدير خمّ إلى مكّة،بل نزل فيه منصرفه من حجّة الوداع إلى المدينة،انتهى.

و أنت ترى ما في كلامه من التّحكّم.أمّا قوله:«إنّ الرّواية موضوعة،و سورة المعارج هذه مكّيّة»فيعوّل في ذلك على ما في بعض الرّوايات عن ابن عبّاس و ابن الزّبير:أنّ سورة المعارج نزلت بمكّة،و ليت شعري ما هو المرجّح لهذه الرّواية على تلك الرّواية،و الجميع آحاد؟ سلّمنا أنّ سورة المعارج مكّيّة،كما ربّما تؤيّده مضامين معظم آياته،فما هو الدّليل على أنّ جميع آياتها مكّيّة؟ فلتكن السّورة مكّيّة،و الآيتان خاصّة غير مكّيّتين،كما أنّ سورتنا هذه-أعني سورة المائدة-مدنيّة نازلة في آخر عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قد وضعت فيها الآية المبحوث عنها أعني قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ الآية،و هو كعدّة من المفسّرين مصرّون على أنّها نزلت بمكّة في أوّل البعثة،فإذا جاز وضع آية مكّيّة؛ آية: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ في سورة مدنيّة «المائدة»،فليجز وضع آية مدنيّة،آية: سَأَلَ سائِلٌ في سورة مكّيّة«سورة المعارج».

و أمّا قوله:«و ما حكاه اللّه من قول بعض كفّار قريش»إلى آخره،فهو في التّحكّم كسابقه.فهب إنّ سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين،فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التّأليف بعض الآيات النّازلة بعدها فيها،كما وضعت آيات الرّبا و آية وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ البقرة:281،و هي آخر ما نزل

ص: 645

على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عندهم في سورة البقرة،النّازلة في أوائل الهجرة،و قد نزلت قبلها ببضع سنين.

ثمّ قوله:«إنّ آية وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ الأنفال:32،تذكير لما قالوه قبل الهجرة»،تحكّم آخر من غير حجّة،لو لم يكن سياق الآية حجّة على خلافه،فإنّ العارف بأساليب الكلام،لا يكاد يرتاب في أنّ هذا،أعني قوله: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32،لاشتماله على قوله: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، بما فيه من اسم الإشارة و ضمير الفصل و(الحقّ)المحلّى باللاّم،و قوله:(من عندك)ليس كلام وثنيّ مشرك،يستهزئ بالحقّ و يسخر منه،و إنّما هو كلام من أذعن بمقام الرّبوبيّة،و يرى أنّ الأمور الحقّة تتعيّن من لدنه،و أنّ الشّرائع مثلا تنزّل من عنده،ثمّ إنّه يتوقّف في أمر منسوب إلى اللّه تعالى،يدّعي مدّع أنّه الحقّ لا غيره،و هو لا يتحمّل ذلك و يتحرّج منه،فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.

و أمّا قوله:«و ظاهر الرّواية أنّ الحارث بن النّعمان هذا كان مسلما فارتدّ،و لم يعرف في الصّحابة»،تحكّم آخر.فهل يسع أحدا أن يدّعي أنّهم ضبطوا أسماء كلّ من رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و آمن به،أو آمن به فارتدّ؟و إن يكن شيء من ذلك فليكن هذا الخبر من ذلك القبيل.

و أمّا قوله:«و الأبطح بمكّة و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يرجع من غدير خمّ إلى مكّة»،فهو يشهد على أنّه أخذ لفظ الأبطح اسما للمكان الخاصّ بمكّة،و لم يحمله على معناه العامّ،و هو كلّ مكان ذي رمل،و لا دليل على ما حمله عليه،بل الدّليل على خلافه،و هو القصّة المسرودة في الرّواية و غيرها،و ربّما استفيد من مثل قوله:

نجوت و قد بلّ المراديّ سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

أنّ مكّة و ما والاها كانت تسمّى الأباطح.

على أنّ الرّواية بعينها رواها غير الثّعلبيّ،و ليس فيه ذكر من الأبطح،و هي ما يأتي من رواية«المجمع»من طريق الجمهور و غيرها.

و بعد هذا كلّه فالرّواية من الآحاد،و ليست من المتواترات،و لا ممّا قامت على صحّتها قرينة قطعيّة، و قد عرفت من أبحاثنا المتقدّمة،أنّا لا نعوّل على الآحاد في غير الأحكام الفرعيّة،على طبق الميزان العامّ العقلائيّ الّذي عليه بناء الإنسان في حياته،و إنّما المراد بالبحث الآنف بيان فساد ما استظهر به من الوجوه الّتي استنتج منها أنّها موضوعة.

و في«المجمع»: أخبرنا السّيّد أبو الحمد قال:حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ،قال:أخبرنا أبو عبد اللّه الشّيرازيّ،قال:أخبرنا أبو بكر الجرجانيّ،قال:أخبرنا أبو أحمد البصريّ،قال:حدّثنا محمّد بن سهل،قال:

حدّثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار،قال:حدّثنا محمّد ابن أيّوب الواسطيّ،قال:حدّثنا سفيان بن عيينة،عن جعفر بن محمّد الصّادق عن آبائه عليه السّلام قال:لمّا نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا يوم غدير خمّ،قال:من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه،فقال:فطار ذلك في البلاد،فقدم على النّبيّ النّعمان بن الحارث الفهريّ،فقال:أمرتنا من اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّك رسول اللّه،و أمرتنا بالجهاد

ص: 646

و بالحجّ و بالصّوم و الصّلاة و الزّكاة فقبلناها،ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام،فقلت:من كنت مولاه فعليّ مولاه،فهذا شيء منك أو أمر من اللّه تعالى؟فقال:بلى و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو،إنّ هذا من اللّه.

فولّى النّعمان بن الحارث و هو يقول: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله،فأنزل اللّه:

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ المعارج:1.

أقول:و هذا المعنى مرويّ في«الكافي»أيضا.

و عن كتاب«نزول القرآن»للحافظ أبي نعيم، يرفعه إلى عليّ بن عامر،عن أبي الحجاف عن الأعمش، عن عطيّة قال:نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في عليّ بن أبي طالب يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، و قد قال اللّه تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.

و عن«الفصول المهمّة»للمالكيّ قال:روى الإمام أبو الحسن الواحديّ في كتابه المسمّى ب«أسباب النّزول» رفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ،رضي اللّه عنه،قال:

نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب.

أقول:و رواه في«فتح القدير»عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر،عن أبي سعيد الخدريّ، و كذلك في«الدّرّ المنثور».

و قوله:«بغدير خمّ»هو بضمّ الخاء المعجمة و تشديد الميم مع التّنوين:اسم لغيطة؛على ثلاثة أميال من الجحفة،عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيطة، هكذا ذكره الشّيخ محيي الدّين النّوويّ.

و في«فتح القدير» (1)أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود،قال:كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك إنّ عليّا مولى المؤمنين، و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته،و اللّه يعصمك من النّاس».

أقول:و هذه نبذة من الأخبار الدّالّة على نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إلخ،في حقّ عليّ عليه السّلام يوم غدير خمّ،و أمّا حديث الغدير،أعني قوله صلّى اللّه عليه و آله:«من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فهو حديث متواتر منقول من طرق الشّيعة و أهل السّنّة، بما يزيد على مائة طريق.[ثمّ ذكر جملة منها فلاحظ]

(6:42)

محمّد جواد مغنيّة: يدلّ ظاهر الآية على أنّ هناك أمرا هامّا نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قد أمره اللّه بتبليغه إلى النّاس،فضاق النّبيّ به ذرعا،لأنّه ثقيل على أنفسهم،فتريّث يتحيّن الظّروف و المناسبات،تجنّبا للاصطدام مع المنحرفين،و لكنّ اللّه سبحانه حثّه على التّبليغ حالاّ،و دون أن يحسب حسابا لأيّ اعتبار،و اللّه سبحانه يتولّى حمايته،و عصمته من كلّ مكروه.

و تسأل:إنّ قوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، لا يفيد شيئا يحسن السّكوت عليه،حيث جعل جواب الشّرط عين فعله تماما،مثل قول القائل:

إن لم تفعل فما فعلت،و إن لم تبلّغ فما بلّغت،فما هو الوجه؟

الجواب:إنّ قوله تعالى: فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، يشعر بأنّ هذا الأمر الّذي تريّث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تبليغه6.

ص: 647


1- 2:76.

خوفا من النّاس،قد بلغ من الأهمّيّة حدّا،يوازي تبليغه تبليغ الرّسالة كلّها؛بحيث إذا ترك تبليغه فكأنّما ترك تبليغ جميع الأحكام،تماما كما تقول لمن كان قد أحسن إليك:إذ لم تفعل هذا فما أنت بمحسن إليّ إطلاقا،و عليه يكون المعنى:إن لم تبلّغ هذا الأمر،فكأنّك لم تؤدّ شيئا من رسالتي،و جازيتك جزاء من كتم جميع أحكامها.

سؤال ثان:ما هو هذا الأمر الّذي بلغ من العظمة هذا المبلغ،حتّى أناط اللّه تبليغ الرّسالة جميعا بتبليغه،و جعل الرّسول يتوقّف أو يتريّث في تبليغه،و هو الحريص على أن يصدع بأمر اللّه مهما كانت النّتائج؟

الجواب:بعد أن اتّفق المفسّرون الشّيعة منهم و السّنّة على تفسير الآية بالمعنى الّذي ذكرناه،بعد أن اتّفقوا على هذا،اختلفوا في تعيين هذا الأمر الّذي تريّث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تبليغه،و الّذي لم يذكره اللّه صراحة.

قال الشّيعة:إنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب،و أنّ هذا الأمر الهامّ هو ولايته على النّاس،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تريّث في التّبليغ لا خوفا على نفسه،كلاّ فلقد جابه صناديد قريش بما هو أعظم،فسفّه أحلامهم، و سبّ آلهتهم،و عاب أمواتهم،و هم الأشدّاء الأقوياء و أهل العصبيّة الجاهليّة،أقدم النّبيّ على هذا و لم يخش فيه لومة لائم،يوم لا حول للإسلام و لا طول،فكيف يخشى من تبليغ حكم من الأحكام،بعد أن أصبح في حصن حصين من جيش الإسلام و مناعته؟

و إنّما خاف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا نصّ على عليّ بالخلافة،أن يتّهم بالمحاباة و التّحيّز لصهره و ابن عمّه،و أن يتّخذ المنافقون و الكافرون من هذا النّصّ مادّة للدّعاية ضدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و التّشكيك في نبوّته و عصمته،و بديهة أنّ مثل هذه الدّعاية يتقبّلها البسطاء و السّذّج.

هذا ملخّص ما قاله الشّيعة،و استدلّوا عليه بأحاديث رواها السّنّة في ذلك،و نقل بعضها الرّازيّ و صاحب تفسير«المنار».

أمّا السّنّة:فقد اختلفوا فيما بينهم،فمن قائل:إنّ النّبيّ سكت عن بعض الأحكام الّتي تتعلّق باليهود،و من قائل:إنّ الحكم الّذي سكت النّبيّ عنه يتّصل بقصّة زيد و زينب بنت جحش،و قال جماعة من السّنّة:إنّ الآية نزلت في فضل عليّ بن أبي طالب،لا في خلافته،و نقل هذا القول الرّازيّ و صاحب تفسير«المنار».

قال الرّازيّ: «العاشر،أي القول العاشر:نزلت الآية في فضل عليّ بن أبي طالب،و لمّا نزلت هذه الآية أخذ النّبيّ بيد عليّ،و قال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه،و عاد من عاداه»،فلقيه عمر فقال:

هنيئا لك يا ابن أبي طالب،أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة،و هو قول ابن عبّاس و البراء بن عازب و محمّد بن عليّ.[ثمّ نقل كلام صاحب«المنار»المتقدّم]

(3:96)

عزّة دروزة :عبارة الآية واضحة،و فيها أمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بوجوب تبليغ ما أنزله اللّه إليه،و إيذان له بأنّ أيّ تقصير أو إهمال في ذلك يجعله غير مبلّغ لرسالة اللّه، و عليه أن لا يخشى في ذلك أحدا،فإنّ اللّه حاميه و عاصمه من النّاس.و الكافرون الّذين يمكن أن يأتيه أذى أو صدّ منهم،لن يوفّقهم اللّه،و لن يهديهم فيما يريدون و يقصدون.

ص: 648

و لقد تعدّدت الرّوايات في سبب و مناسبة نزول هذه الآية،و المقصود منها.فقال الطّبريّ:إنّها في صدد اليهود و النّصارى الّذين ذكروا في الآيات السّابقة،حيث أمره اللّه أن يستمرّ في تبليغهم ما أنزل اللّه،و لا يبالي بمواقفهم المناوئة.

و روي مع ذلك عن مجاهد أنّ الشّطر الأوّل نزل لحدته،فلمّا نزل قال:إنّما أنا واحد كيف أصنع؟فتجتمع عليّ النّاس؟فنزل الشّطر الثّاني،و إلى هذا فقد روي عن ابن جريج أنّ المقصود بها تطمينه من قريش الّذين كان يهابهم.[ثمّ ذكر بعضا من الرّوايات و الأقوال المتقدّمة و قال:]

و النّفس لا تطمئنّ إلى معظم هذه الرّوايات و الأقوال،الّتي يقتضي بعضها أن تكون الآية نزلت متفرّقة،في مناسبات مختلفة.و يقتضي بعضها أن تكون نزلت في مكّة،و التّكلّف و التّلفيق ظاهران فيها.

و إذا كان بعض الآيات المكّيّة احتوى إشارة إلى ما كان يعتري النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من أسى و ضيق بتكذيب النّاس و مناوأتهم له،فهذه الحالة لم تعد قائمة في العهد المدنيّ الّذي قويت فيه الدّعوة،و كثر المسلمون،و تبدّل حالهم من الضّعف إلى القوّة،و لم ترو رواية ما بأنّ الآية مكّيّة.

و هذا فضلا عن أنّ ما أشارت إليه الآيات المكّيّة من أسى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ضيقه،لم يكن خوفا من النّاس،يحمله على عدم تبليغ ما أنزل إليه،و لقد أنزل اللّه عليه في مكّة آيات كثيرة،فيها إنذارات قارعة،و حملات قاصمة، و نعوت لاذعة،فكان يتلوها علنا دون ما خوف من زعماء قريش و أغنيائهم الأقوياء،و جماهير النّاس الّذين رضخوا لتحريضهم،و وقفوا من الدّعوة موقف الانقباض،فالقول:إنّ الآية نزلت في أوّل التّبليغ،لأنّه ضاق ذرعا بمن كان يكذّبه من النّاس،لا يصحّ تاريخا و لا موضوعا.

و مسألة قضيّة اليهود في الزّنى و الرّجم،و مسألة نكاح زينب بنت جحش،ليس لهما محلّ في هذا المقام.

[ثمّ تهجّم على الشّيعة بعنف-و هم جماعة كبيرة من المسلمين ملتزمون تماما بالإسلام و قد تجاوز عددهم خمس المسلمين أي هم أضعاف عدد نفوس بعض المذاهب السّنّيّة-و قال فيهم ما لا يحتمل البحث العلميّ،و لم يقتد بغيره من أعلام السّنّة الّذين حكينا آرائهم تفصيلا و لا سيّما السيّد رشيد رضا،إلى أن قال:]

و لا يجوز لمؤمن عاقل أن يخالجه شكّ؛في أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لو وصّى بالخلافة من بعده لعبد حبشيّ-و ليس لعليّ بن أبى طالب الهاشميّ القرشيّ الصّحابيّ الجليل،و المجاهد العظيم،و العالم الواسع العلم-لنفّذ أصحابه وصيّته، و بخاصّة كبارهم؛و بالأخص أبا بكر و عمر،لأنّ المسألة ليست في ذلك الوقت مسألة حكم و سياسة،و إنّما هي مسألة دين و إيمان.

و كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مستغرقين في دين اللّه و رسوله،و رسالته و أوامره و سنّته.و القرآن يأمرهم بأن يأخذوا ما آتاهم الرّسول،و ينتهوا عمّا نهاهم عنه، و يقول لهم:من أطاع الرّسول فقد أطاع اللّه.و قد سجّل اللّه في القرآن رضاءه عنهم و رضاءهم عنه،فلا يصحّ في عقل عاقل و إيمان مؤمن أن ينحرفوا عن أمر اللّه و رسوله.

[ثمّ حكى قصّة تجهيز النّبيّ عليه السّلام جيش أسامة قبل

ص: 649

موته و وقوف أبي بكر أمام الصّحابة الّذين اقترحوا عليه الإمساك عن إرساله فأرسله تنفيذا لوصيّة النّبيّ ثمّ قال:]

و لو كانت الوصيّة صحيحة لما كان من المحتمل قطّ أن يتراجع عليّ بن أبي طالب عنها،لأنّها كما قلنا مسألة دينيّة،و أنّ التّراجع عنها ارتداد،لا يمكن أن يرتكس فيه و لحارب دونها،و لوجد من المسلمين من ينضمّ إليه في الحرب،و هو بعد أقوى عصبيّة من أبي بكر و من عمر رضي اللّه عنهم أجمعين.و الرّوايات متواترة من طرق متعدّدة:أنّ عليّا بايع أبا بكر و تعاون معه،و ثمّ بايع عمر و تعاون معه،ثمّ بايع عثمان و تعاون معه.

و ما سبق الآية و ما لحقها يسوّغان الجزم؛بأنّها جزء من موضوع السّياق المتّصل بالنّهي عن موالاة أهل الكتاب و لومهم،لأنّهم لم يقيموا التّوراة و الإنجيل، و ما أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و هذا يجعل قول الطّبريّ الّذي أوردناه في أوّل البحث هو الحقّ و الصّواب،دون سائر الرّوايات و الأقوال.و قد استهدفت بثّ القوّة و الثّبات و الطّمأنينة في قلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

هذا و إنّه ليتبادر لنا في الآية تأييد آخر أقوى لما ذكرناه في سياق تفسير الآيتين(15،16)من هذه السّورة،من احتمال صحّة روايات إرسال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم رسلا و كتبا إلى ملوك و أمراء البلاد المتآخمة،و دعوتهم إلى الإسلام،و ذلك باحتوائها أمرا مؤكّدا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتبليغ رسالته لأهل الكتاب،دون أن يخشى شيئا و تطمينا بأنّ اللّه تعالى حاميه و عاصمه؛حيث يمكن أن يتناسب هذا الأسلوب،مع فكرة و نتائج إرسال الرّسل و الكتب إلى أولئك الملوك و الأمراء و دعوتهم،و اللّه تعالى أعلم.

و لقد ورد في فصل التّفسير في مساند البخاريّ و مسلم و التّرمذيّ حديثان في سياق تفسير هذه الآية، رأينا أن نوردهما بدورنا على هامش تفسيرها.أحدهما:

رواه البخاريّ و مسلم و التّرمذيّ عن عائشة،قالت:

«من حدّثك أنّ محمّدا كتم شيئا ما أنزل عليه فقد كذب، و اللّه يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

ثانيهما:رواه التّرمذيّ عن عائشة أيضا،قالت:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحرس حتّى نزلت وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ، فأخرج النّبيّ رأسه من القبّة،فقال لهم:يا أيّها النّاس انصرفوا فقد عصمني اللّه.

و في الحديث الأوّل توضيح و توكيد لمعنى جوهريّ و أصليّ في العصمة النّبويّة،بحيث يجب على كلّ مسلم أن يؤمن بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد بلّغ كلّ ما أنزل إليه من ربّه.

و في الحديث الثّاني صورة رائعة لعمق إيمان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بربّه و بما ينزله عليه.

و لقد روى مسلم و أبو داود عن جابر بن عبد اللّه:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خطب خطبة طويلة في حجّة الوداع الّتي مات بعدها بنحو ثمانين ليلة،فقال فيما قال:«قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا:كتاب اللّه و سنّة نبيّه،و أنتم تسألون عنّي،فما أنتم قائلون؟قالوا:نشهد أنّك قد بلّغت و أدّيت و نصحت،فقال؛بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء،و ينكتها إلى النّاس:اللّهمّ اشهد،ثلاث مرّات».

حيث ينطوي في هذا كذلك عمق إيمان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و مسئوليّته عنها تجاه اللّه عزّ و جلّ،و حرصه على استشهاد جمهور المسلمين في موقف حافل جامع؛على

ص: 650

أنّه قد بلّغ رسالة ربّه.(11:148)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ لهذه الآية نفسا خاصّا، حيث يميّزها عمّا قبلها و عمّا بعدها من آيات،إنّها تتوجّه بالخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وحده،و تبيّن له واجبه، فهي تبدأ بمخاطبة الرّسول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، و تأمره بكلّ جلاء و وضوح أن بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (1).

ثمّ لكي يكون التّوكيد أشدّ و أقوى تحذّره،و تقول:

وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

ثمّ تطمئن الآية الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و كأنّ أمرا يقلقه، و تطلب منه أن يهدّئ من روعه،و أن لا يخشى النّاس، فيقول له: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ.

و في ختام الآية إنذار و تهديد بمعاقبة الّذين ينكرون هذه الرّسالة الخاصّة،و يكفرون بها عنادا،فتقول: إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.

أسلوب هذه الآية،و لحنها الخاصّ،و تكرّر توكيداتها،و كذلك ابتداؤها بمخاطبة الرّسول يا أَيُّهَا الرَّسُولُ الّتي لم ترد في القرآن الكريم سوى مرّتين، و تهديده بأنّ عدم تبليغ هذه الرّسالة الخاصّة إنّما هو تقصير،و هذا لم يرد إلاّ في هذه الآية وحدها.كلّ ذلك دليل على أنّ الكلام يدور حول أمر مهمّ جدّا؛بحيث إنّ عدم تبليغه يعتبر عدم تبليغ للرّسالة كلّها.

لقد كان لهذا الأمر معارضون أشدّاء،إلى درجة أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله كان قلقا،لخشيته من أنّ تلك المعارضة قد تثير بعض المشاكل بوجه الإسلام و المسلمين،و لهذا يطمئنه اللّه تعالى من هذه النّاحية.

هنا يتبادر إلى الذّهن السّؤال التّالي-مع الأخذ بنظر الاعتبار تاريخ نزول هذه الآية،و هو قطعا في أواخر حياة الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله-:ترى ما هذا الموضوع المهمّ الّذي يأمر اللّه رسوله مؤكّدا أن يبلّغه للنّاس؟

هل هو ممّا يخصّ التّوحيد و الشّرك و تحطيم الأصنام،و هو ما تمّ حلّه للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و للمسلمين قبل ذلك بسنوات؟

أم هو ممّا يتعلّق بالأحكام و القوانين الإسلاميّة،مع أنّ أهمّها كان قد سبق نزوله حتّى ذلك الوقت؟

أم هو ممّا يتناول الوقوف بوجه أهل الكتاب من اليهود و النّصارى،مع أنّنا نعرف أنّ هذا لم يعد مشكلة، بعد الانتهاء من حوادث بني النّظير و بني قريظة و بني قينقاع،و خيبر و فدك و نجران؟

أم كان أمرا من الأمور الّتي لها صلة بشأن المنافقين، مع أنّ هؤلاء قد طردوا من المجتمع الإسلاميّ بعد فتح مكّة،و امتداد نفوذ المسلمين و سيطرتهم على أرجاء الجزيرة العربيّة كافّة،فتحطّمت قوّتهم،و لم يبق عندهم إلاّ ما كانوا يخفونه مقهورين؟

فما هذه المسألة المهمّة يا ترى،الّتي برزت في الشّهور الأخيرة من حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؛بحيث تنزل هذه الآية،و فيها كلّ ذلك التّوكيد؟!

ليس ثمّة شكّ أنّ قلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن لخوف على شخصه و حياته،و إنّما كان لما يحتمله من مخالفات المنافقين،و قيامهم بوضع العراقيل في طريق المسلمين.».

ص: 651


1- عبارة«بلّغ»كما يقول الرّاغب في«المفردات»أكثر توكيدا من«أبلغ».

هل هناك مسألة تستطيع أن تحمل كلّ هذه الصّفات غير مسألة استخلاف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تعيين مصير مستقبل الإسلام؟!

سوف نرجع إلى مختلف الرّوايات الواردة في الكثير من كتب السّنّة و الشّيعة بشأن هذه الآية،لكي نتبيّن إن كانت تنفعنا في إثبات الاحتمال الّذي أوردناه آنفا،ثمّ نتناول بالبحث الاعتراضات و الانتقادات الّتي أوردها بعض المفسّرين من السّنّة حول هذا التّفسير.

نزول آية التّبليغ:على الرّغم من أنّ الأحكام المتسرّعة،و التّعصّبات المذهبيّة قد حالت-مع الأسف- دون وضع الحقائق الخاصّة بهذه الآية في متناول جميع المسلمين،بغير تغطية أو تمويه،إلاّ أنّ هناك مختلف الكتب الّتي كتبها علماء من أهل السّنّة في التّفسير و الحديث و التّاريخ،أوردوا فيها روايات كثيرة تقول جميعها بصراحة:إنّ الآية المذكورة قد نزلت في عليّ عليه السّلام.

هذه الرّوايات ذكرها الكثيرون من الصّحابة، منهم:زيد بن أرقم و أبو سعيد الخدريّ و ابن عبّاس و جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ و أبو هريرة و البراء بن عازب و حذيفة و عامر بن ليلى بن ضمرة و ابن مسعود، و قالوا:إنّها نزلت في عليّ عليه السّلام و بشأن يوم الغدير.

بعض هذه الأحاديث نقل بطريق واحد مثل رواية زيد بن أرقم.و بعضها نقل بأحد عشر طريقا،مثل رواية أبي سعيد الخدريّ،و رواية ابن عبّاس.و بعضها نقل بثلاثة طرق،مثل رواية البراء بن عازب.

أمّا العلماء الّذين أوردوا هذه الرّوايات في كتبهم فهم كثيرون،من بينهم:الحافظ أبو نعيم الأصفهانيّ في كتابه«ما نزل من القرآن في عليّ»،نقلا عن«الخصائص» الصّفحة 29،و أبو الحسن الواحديّ النّيسابوريّ في «أسباب النّزول»الصّفحة 150،و الحافظ أبو سعيد السجستانيّ في كتابه«الولاية»نقلا عن كتاب «الطّرائف»،و ابن عساكر الشّافعيّ انظر«الدّرّ المنثور» المجلّد 3 من الصّفحة 298،و الفخر الرّازيّ في«التّفسير الكبير»المجلّد 3 الصّفحة 636،و أبو إسحاق الحموينيّ في «فرائد السّمطين»،و ابن الصّبّاغ المالكيّ في«الفصول المهمّة»الصّفحة 27،و جلال الدّين السّيوطيّ في«الدّرّ المنثور»المجلّد 3 الصّفحة 298،و القاضي الشّوكانيّ في «فتح القدير»المجلّد 3 الصّفحة 57،و شهاب الدّين الآلوسيّ الشّافعيّ في«روح المعاني»المجلّد 6 الصّفحة 172،و الشّيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ في«ينابيع المودّة»الصّفحة 120،و بدر الدّين الحنفيّ في«عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ»المجلّد 8 الصّفحة 584،و الشّيخ محمّد عبده المصريّ في تفسير«المنار» المجلّد 6 الصّفحة 463،و الحافظ ابن مردويه المتوفّى سنة «416»عن السّيوطيّ في«الدّرّ المنثور».

و جماعة كثيرون غيرهم أشاروا إلى سبب نزول هذه الآية.

و نحن لا نعني-طبعا-أنّ العلماء و المفسّرين الّذين مرّ ذكرهم قد قبلوا نزول الآية في عليّ عليه السّلام،بل نقصد أنّهم ذكروا فقط الرّوايات الخاصّة بذلك في كتبهم، و لكنّهم بعد أن نقلوا تلك الرّوايات المعروفة،امتنعوا عن قبولها،إمّا خوفا من الظّروف الّتي كانت تحيط بهم،و إمّا

ص: 652

لأنّ التّسرّع في الحكم وقف حائلا دون إصدار حكم سليم في أمثال هذه الأمور،بل لقد سعوا قدر إمكانهم أن يعتمّوا الرّؤية الصّحيحة لها،و يظهروها بمظهر عدم الأهمّيّة.

فهذا الرّازيّ مثلا،و هو المعروف بتعصّبه المذهبيّ في مسائل خاصّة،أدرج سبب نزول هذه الآية كاحتمال عاشر،بعد إيراده تسعة احتمالات أخرى كلّها واهية و ضعيفة،و لا قيمة لها.

و ليس هذا بمستغرب من الرّازيّ،فهذا شأنه في كلّ المواضيع،لكنّنا نتعجّب من كتّاب مثقّفين أمثال سيّد قطب في تفسيره«في ظلال القرآن»،و محمّد رشيد رضا في تفسيره«المنار»،من الّذين أهملوا كلّيّا الإشارة إلى سبب نزول هذه الآية،المذكور في أمّهات المصادر الإسلاميّة،أو ضعّفوا أهمّيّته،بحيث أصبح بتصويرهم لا يستلفت نظرا.

أ كانت الظّروف المحيطة بهؤلاء لا تسمح لهم بذكر الحقيقة؟أم أنّ حجب التّعصّب أكثف من أن تخترقها أشعّة التّنوير؟لا ندري!!

و هناك آخرون اعتبروا نزول الآية في عليّ عليه السّلام أمرا مسلّما به،و لكنّهم تردّدوا في الإقرار بأنّها تدلّ على الولاية و الخلافة،و سنردّ إن شاء اللّه على إشكالات هؤلاء.

على كلّ حال،إنّ الرّوايات المنقولة في كتب أهل السّنّة المعروفة-دع عنك كتب الشّيعة-في هذا الموضوع،من الكثرة بحيث لا يمكن إنكارها أو تجاوزها بسهولة.

لسنا ندري لما ذا يكتفى في أسباب نزول سائر الآيات بحديث واحد أو حديثين اثنين فقط،و لا تكون كلّ هذه الرّوايات الواردة بشأن هذه الآية كافية؟!أ في هذه الآية من الخصوصيّة ما ليس في الآيات الأخرى؟ ترى هل هناك دليل منطقيّ يسوّغ كلّ هذا التّصلّب؟

ثمّة موضوع آخر لا بدّ من الإشارة إليه،هو أنّ الرّوايات الّتي ذكرناها فيما سبق،تتعلّق كلّها بنزول هذه الآية في عليّ عليه السّلام،أي الرّوايات الخاصّة بسبب نزول هذه الآية فقط،أمّا الرّوايات الواردة عن حادثة غدير خمّ،و خطبة الرّسول الكريم صلّى اللّه عليه و آله،و إعلانه وصاية عليّ عليه السّلام و ولايته،فإنّها أكثر بكثير من تلك.

حتّى أنّ العلاّمة الأمينيّ ينقل في كتابه«الغدير» حديث الغدير،عن 110 من صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع أسنادها،و عن 84 من التّابعين،و عن 360 من العلماء و الأدباء المسلمين المعروفين،بما لا يدع مجالا للشّكّ في أنّ حديث الغدير واحد من أوثق الأحاديث المتواترة، و لئن شكّ أحد في تواتر هذه الرّوايات،فإنّه لا يمكنه أن يقبل أيّ حديث متواتر آخر.

و لمّا كانت دراسة كلّ هذه الرّوايات الخاصّة بشأن نزول هذه الآية،و كذلك البحث في الرّوايات الخاصّة بحادث الغدير،يتطلّب تأليف كتاب ضخم يخرجنا عن طريقتنا في التّفسير،فإنّنا نكتفي بهذا القدر،و نحيل طالب الاستزادة حول هذا الموضوع إلى الكتب التّالية:

«الدّرّ المنثور»للسّيوطيّ،و«الغدير»للعلاّمة الأمينيّ، و«إحقاق الحقّ»للقاضي نور الدّين الشّوشتريّ، و«المراجعات»للسّيّد عبد الحسين شرف الدّين،

ص: 653

و«دلائل الصّدق»للشّيخ محمّد حسن المظفّر.[إلى أن قال:]

و قد يقال أحيانا:إنّ الآيات السّابقة و اللاّحقة على هذه الآية تخصّ أهل الكتاب و مخالفاتهم،و هذا ما يقول به صاحب تفسير«المنار»في المجلّد 6 صفحة 466، و يصرّ على ذلك،و لكن لا ضير في ذلك كما قلنا في تفسير الآية نفسها،لأنّ اختلاف لحن الآية يختلف عن مواضيع الآيات الّتي قبلها و بعدها.و ثانيا سبق أن قلنا مرارا أنّ القرآن ليس كتابا أكاديميّا،يلتزم في مواضيعه أسلوب التّبويب و التّقسيم إلى فصول و فقرات معيّنة،بل إنّ آياته نزلت بحسب الحاجات و الحوادث و الوقائع المختلفة الطّارئة.لذلك نلاحظ أنّ القرآن في الوقت الّذي يتكلّم عن إحدى الغزوات،ينتقل إلى ذكر حكم من الأحكام الفرعيّة مثلا،و في الوقت الّذي يتحدّث عن اليهود و النّصارى،يخاطب المسلمين و يذكّرهم بأحد القوانين الإسلاميّة السّابقة.

من العجيب أنّ بعض الباحثين يصرّون على القول:

بأنّ هذه الآية قد نزلت في أوائل البعثة،مع أنّ سورة المائدة نزلت في أواخر عمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.فإذا قالوا:

إنّ هذه الآية وحدها نزلت في مكّة في أوائل البعثة،ثمّ أدخلت في هذه السّورة للتّناسب،نقول:إنّ هذا على عكس ما تبحثون عنه تماما،لأنّنا نعرف أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أوائل البعثة،لم يصطدم باليهود و لا بالنّصارى.و عليه فإنّ ارتباط هذه الآية ينقطع بما قبلها و ما بعدها من آيات،تأمّل بدقّة.(4:77)

ابلّغكم

أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنْصَحُ لَكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. الأعراف:62

الطّوسيّ: قرأ أبو عمرو وحده «أبلغكم» مخفّفة اللاّم،الباقون بتشديدها.

و«بلغ»فعل يتعدّى إلى مفعول واحد،تقول:بلغني خبركم،و بلغت أرضكم،فإذا نقلته تعدّى إلى مفعولين، و النّقل يكون تارة بالهمزة،و أخرى بتضعيف العين،و قد ورد بهما التّنزيل،قال اللّه تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ هود:57،فنقل بالهمزة،و قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ المائدة:67،فنقل بتضعيف العين؛فعلى هذين الوجهين اختلفوا في القراءة.

و في الآية حكاية عن قول نوح عليه السّلام لقومه،إنّه قال لهم بعد ما أنكر عليهم إنّه ليس به ضلالة،و أنّه رسول من عند اللّه،و أنّه بلّغهم ما حمّله اللّه من رسالات ربّه.

(4:468)

نحوه البغويّ(2:202)،و ابن عطيّة(2:415)، و البيضاويّ(1:354)،و أبو حيّان(4:321).

الطّبرسيّ: أي أؤدّي إليكم ما حمّلني ربّي من الرّسالات.(2:434)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:المسألة الأولى:[ذكر اختلاف القراءة نحو الطّوسيّ ثمّ قال:]

المسألة الثّانية:الفرق بين تبليغ الرّسالة و بين النّصيحة:هو أنّ تبليغ الرّسالة معناه أن يعرّفهم أنواع تكاليف اللّه،و أقسام أوامره و نواهيه.و أمّا النّصيحة؛فهو أنّه يرغّبه في الطّاعة،و يحذّره عن المعصية،و يسعى في

ص: 654

تقرير ذلك التّرغيب و التّرهيب لأبلغ (1)وجوه.

(14:151)

نحوه الشّربينيّ(1:484)،و البروسويّ(3:183).

القرطبيّ: بالتّشديد من«التّبليغ»،و بالتّخفيف من«الإبلاغ».و قيل:هما بمعنى واحد لغتان،مثل كرّمه و أكرمه.(7:234)

رشيد رضا :قرأ أبو عمرو «أبلغكم» بالتّخفيف من «الإبلاغ»،و الباقون بالتّشديد المفيد-من التّبليغ- للتّدريج و التّكرار المناسب لجمع الرّسالة،باعتبار متعلّقها و موضوعها؛و هو متعدّد،منه:العقائد،و أهمّها التّوحيد المطلق الّذي بدأ به،و يتلوه الإيمان باليوم الآخر و بالوحي و الرّسالة،و بالملائكة و الجنّة و النّار و غير ذلك،و منه:الآداب و الحكم و المواعظ،و الأحكام العمليّة من عبادات و معاملات.و لو آمنوا به و أطاعوه لما كان لهم بدّ من كلّ ذلك.(8:492)

نحوه المراغيّ.(8:190)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:التّبلغة،و هو حبل يوصل به حبل الدّلو حتّى يبلغ الماء،و سير يدرج على سية القوس لتثبيت الوتر،و الجمع:تبالغ،و منه:بلّغ الفارس،إذا مدّ يده بعنان فرسه ليزيد في جريه،و تبلّغ بالشّيء:وصل إلى مراده.

ثمّ استعمل في كلّ وصول و إدراك،و منه:البلاغ، و هو ما يتبلّغ به،و يتوصّل إلى الشّيء المطلوب و ما يكتفى به،يقال:في هذا الأمر بلاغ،أي كفاية،و في حديث الاستسقاء:«و اجعل ما أنزلت لنا قوّة و بلاغا إلى حين».

و البلغة من القوت:ما يتبلّغ به من العيش،يقال:تبلّغت بالشّيء اليسير تبلّغا.

و منه:البلوغ،و هو الانتهاء و الاستقصاء،يقال:بلغ النّبت،أي انتهى،و تبالغ الدّباغ في الجلد:انتهى فيه، و منه المثل:«بلغ به البلغين»،أي استقصى في شتمه و أذاه.و تبلّغ به مرضه:اشتدّ به،و بلغ فلان:جهد، و بالغ فلان في الأمر مبالغة و بلاغا:اجتهد فيه،و يمين بالغة:مؤكّدة،و أبلغت إلى فلان:فعلت به ما يبلغ منه في المكروه.

و البلوغ:الإدراك و الوصول،يقال:بلغت النّخلة و الشّجرة:حان إدراك ثمرها،و منه:بلغ الغلام و الجارية:

أدركا،و هما بالغان.و بلغ الشّيء يبلغ بلوغا،و بلغت المكان بلوغا،أي وصلت إليه،و كذلك إذا شارفت عليه.و أبلغت الشّيء إبلاغا و بلّغته،يقال:بلّغت القوم الرّسالة و الحديث بلاغا،و في الحديث:«كلّ رافعة رفعت عنّا من البلاغ فلتبلّغ عنّا».و البلغ:ما يبلغك من الخبر الّذي لا يعجبك،يقال:اللّهمّ سمع و لا بلغ،أي يسمع به و لا يتمّ.

و منه:البلاغة،أي صحّة المنطق و جودته،يقال:

بلغ الرّجل يبلغ بلاغة فهو بليغ و بلغ.و البلغ:الّذي يبلغ ما يريد من قول أو فعل،يقال:أمر اللّه بلغ،أي بالغ.

و البلغ:الّذي يسقط في كلامه كثيرا،يقال:أحمق بلغ ملغ،أي هو مع حماقته يبلغ ما يريده.

2-و قولهم:بلّغ الشّيب في رأسه،أي ظهر أوّل

ص: 655


1- كذا،و الظاهر:بأبلغ.

ما يظهر،هو من«ب ل ع»،يقال:بلّع فيه الشّيب تبليعا:

بدا و ظهر،و قيل:كثر.و أغلب الظّنّ أنّه تصحيف ما ذكر.

و البالغاء:الأكارع.[جمع كراع:ساق الأنعام]في لغة أهل المدينة،و زعم أبو عبيد أنّه معرّب اللّفظ الفارسيّ«پايها»أي الأرجل.و تعقّبه الزّبيديّ قائلا:

و هذا التّعريب غريب،فتأمّل.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة(68)آية:

1- وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ... الأنعام:19

2- أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنْصَحُ لَكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ الأعراف:62

3- أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ

الأعراف:68

4- قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ الأحقاف:23

5- اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً

الأحزاب:39

6- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ المائدة:67

7- فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ

الأعراف:79

8- فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ

الأعراف:93

9- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ هود:57

10- لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:28

11- هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ

إبراهيم:52

12- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ

الأحقاف:35

13- إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ

الأنبياء:106

14- قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً* إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَ رِسالاتِهِ وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً

الجنّ:22،23

15- فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ آل عمران:20

16- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ المائدة:99

ص: 656

17- وَ إِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ الرّعد:40

18- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ... الشّورى:48

19- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ

المائدة:92

20- قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ النّور:54

21- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ التّغابن:12

22- كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ النّحل:35

23- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ

النّحل:82

24- وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ العنكبوت:18

25- قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ* وَ ما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يس:16،17

26- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف:22

27- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ القصص:14

28- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ... الأحقاف:15

29- ...وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ...

الحجّ:5

30- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ المؤمن:67

31- وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ الأنعام:152

32- وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً

الإسراء:34

33- وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ... الكهف:82

34- وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ... النّساء:6

35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ... النّور:58

36- فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ

ص: 657

36- فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ

الصّافّات:102

37- حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً الكهف:86

38- حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً الكهف:90

39- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60

40- وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ المؤمن:36

41- قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ آل عمران:40

42- قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً الكهف:76

43- إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا الأحزاب:10

44- وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ* فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ الواقعة:82،83

45- كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ القيمة:26

46- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ...

البقرة:231

47- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ... الطّلاق:2

48- وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ البقرة:232

49- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... البقرة:234

50- وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ البقرة:235

51- وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا...

الأنعام:128

52- وَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ سبأ:45

53- وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً الإسراء:37

54- وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ المؤمن:80

55- وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ... البقرة:196

56- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ... الفتح:25

57- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ...

ص: 658

المائدة:95

58- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ

الرّعد:14

59- وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ التّوبة:6

60- وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطّلاق:3

61- فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ الأعراف:135

62- وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ النّحل:7

63- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ المؤمن:56

64- قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ الأنعام:149

65- حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:5

66- أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ القلم:39

67- أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً

النّساء:63

68- ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى النّجم:30

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه القائمة من الآيات حسب الموضوع قسمان:قسم خاصّ بتبليغ الرّسالة:(1)إلى (25)،و قسم يشمل بلوغ شيء أو إبلاغه إلى مكان أو زمان أو غيرهما و هي باقي الآيات.فالبحث هنا يدور حول محورين:

المحور الأوّل:فيه أربع صيغ مجرّدة و مزيدة:

الأولى:بلغ:آية واحدة(1)،وردت في شأن القرآن،فجملة لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ من جملة الحجج على شمول دعوة القرآن لكلّ من بلغه إلى يوم القيامة،من جميع الأمم و الأقوام و الملل و النّحل.و أريد بها أنّ القرآن حجّة على كلّ من بلغه،و إلاّ فهذا الكتاب جاء للنّاس جميعا،إلاّ أنّه لا تقوم به الحجّة على من لم يبلغه.و هذا أمر يحكم به العقل،و ينبّه عليه الشّرع:

وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.

الثّانية:التّبليغ:(5)آيات بصيغ مختلفة(6)مرّات:

(2)إلى(6)،ثلاث منها-(2)و(3)و(4)-بصيغة (ابلّغكم)و واحدة-و هي(5)-بصيغة(يبلّغون)، و اثنتان بصيغتي الأمر و الماضي(بلّغ)و(بلّغت).

الثّالثة:الإبلاغ:(4)آيات:(7)إلى(10)،ثلاث منها بلفظ(ابلغتكم):(7)إلى(9)،و واحدة بلفظ (ابلغوا):(10)،و فيهما بحوث.

1-لا فرق بين الإبلاغ و التّبليغ إلاّ بالتّشدد و التّدرّج في الثّاني دون الأوّل وفاء بمعاني البابين و سياق الآيات لا يأبى ذلك،فإنّ تبليغ الرّسالات أمر مؤكّد يقع تدريجا

ص: 659

فعبّر عنه ب«التّبليغ»و قد يعتبر جملة واحدة فيعبّر عنه حينئذ ب«الإبلاغ»فلاحظ الآيات و سنتداولها بالبحث مرّة أخرى.

2-قد تعلّق التّبليغ و الإبلاغ في خمس منها-(2) و(3)و(5)و(8)و(10)-ب(رسالات)،مضافة إلى (ربّي)أو(ربّكم)أو إلى(اللّه)،و في اثنتين-(4)و(9)- ب(ما ارسلت به)،و اثنتين أخريين-(6)و(7)-ب(رسالة ربّى)و(رسالته)،و واحدة-و هي(6)-ب(ما انزل اليك)،و سنفردها بالبحث.

و لا نرى فرقا جوهريّا فيها،إلاّ أنّ(رسالات)جمعا جاءت في دعوة نوح و هود و شعيب في(2)و(3)و(8)، أو بيان رسالات الأنبياء على العموم في(5)و(10)، و هي دالّة على سعة رسالتهم و شمولها للعقيدة و الشّريعة و الخلق،و كلّ ما تحتاج إليه أممهم،و فيها نوع تعظيم و تفخيم لها.

أمّا«الرّسالة»و(ما ارسلت)فيخلو من ذلك،و كأنّ المقام فيها كان يقتضي تسهيل أمر الرّسالة،و عرضها على النّاس بصورة ميسّرة،حتى لا يشقّ عليهم قبولها و الإذعان لها.

و قد جاءت رسالة هود مرّتين:مرّة بلفظ(رسالات ربّى)في(3)،و مرّة بلفظ(ما ارسلت به)في(9)،و هي رسالة واحدة،إلاّ أنّ سياق حكايتها اقتضت ذلك، و مثل هذا كثير في قصص القرآن.كما جاءت(رسالة ربّى)في دعوة صالح أيضا في(7)،و كلاهما-أي(رسالة ربّى)مفردة في دعوة هود و صالح-وقعت عقيب تولّي القوم إقامة للحجّة عليهم،و سنتحدّث عن آيات التّولّي هذه.

3-أنّ التّبليغ و الإبلاغ في أربع منها-و هي(2) و(3)و(7)و(8)-مقرونان بالنّصح: أَنْصَحُ لَكُمْ، وَ أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ، نَصَحْتُ لَكُمْ، نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ. و هذا ينبئ عن تعاطف و لين في الخطاب،أمّا غيرها من الآيات ففيها لون من التّشديد،مثل: وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ في(4)، وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً في(5)، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ في(6)، وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ في(9)، وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً في(10).و قد جمع النّصح و التّشديد في(8):

وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ.

و هذا يدعم القول:بأنّ الدّعوة إلى الدّين ينبغي أن تكون أطوارا،فتارة بلسان النّصح،و أخرى بالإنذار و التّشديد،و ثالثة بهما جميعا حسب الظّروف و المتطلّبات.

4-وردت هذه الآيات بلسان نبيّ من الأنبياء، سوى(5)و(10)،فترسمان كرسالة للأنبياء عامّة من اللّه: اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ.

5-جاء البلاغ في ثلاث منها-و هي(7)و(8) و(9)-عقيب تولّي الرّسول عن قومه،أو تولّيهم عنه، و هذا بمنزلة إكمال الحجّة و قطع الخطاب و اليأس من إيمانهم.أمّا باقي الآيات ففيها البلاغ و التّبليغ للدّعوة ابتداء،و قبل حلول اليأس من إيمانهم.

6-قد علمنا أنّ تبليغ الرّسالة في القرآن جاء بصورة جملة اسميّة فيها(بلاغ)بأقسامه-كما يأتي-و جملة فعليّة

ص: 660

من باب التّفعيل و الإفعال:(ابلّغكم)و(ابلغتكم)،فهل فيهما تفاوت في المعنى؟أو هو تفنّن في أداء المعنى الواحد بصور مختلفة؟

و الجواب:أنّ الجملة الاسميّة-و هي أكثرها-تدلّ على الدّوام و الجزم و الحسم،كما أنّ عنصر الحصر في كثير من آياتها-و كذا الوصف«المبين»-يدعم ذلك.أمّا الفعليّة ففيها ما يدلّ على الدّوام بسياقها،مثل: اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ في(5).و جاء في غيرها بلفظ (ابلغتكم)،فدلّ على الماضي،و بلفظ(ابلّغكم)،فدلّ على المضارع،و فيه شيء من الدّوام.

هذا من ناحية،و من ناحية أخرى فالبلاغ مصدر كالتّبليغ،و التّبليغ و الإبلاغ سيّان عند الرّاغب.و ربّما يقال:إنّ التّبليغ فيه من التّشديد ما ليس في الإبلاغ، إضافة إلى أنّ«التّفعيل»يأتي للتّكثير و التّدريج، فالإبلاغ دفعيّ،و التّبليغ تدريجيّ،كالإنزال و التّنزيل.

إلاّ أنّ التّدريج هنا يفهم من الرّسالة نفسها،فإنّ طبيعتها تدريجيّة،فلا يبقى فرق بينهما.

بيد أنّه يطرح أيضا سؤال آخر:لما ذا جاء الماضي فيها من«الإبلاغ»،و المضارع من«التّبليغ»؟و لعلّ ذلك من أجل أنّ الماضي قد مضى كلّه،فلا معنى للتّدريج فيه، أمّا المستقبل فسيوجد تدريجيّا،و يستدعي التّشديد أيضا.نعم جاء في(6)ماضيا:(فما بلّغت)بعد(بلّغ)، و كلاهما من«التّبليغ»حفظا للسّياق،و تشديدا في محتواهما.

7-أنّ الآية(6): يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ... تنفرد ببحوث طويلة في شأن نزولها،و بيان ما أريد ب (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) .و قبل الحديث عنها ينبغي الالتفات إلى سياق الآية الدّالّ على عظم محتواها.

فأوّل ما فيها أنّها بدأت ب يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، و هذا الخطاب لم يرد في القرآن سوى مرّتين في سورة المائدة الّتي نزلت في حجّة الوداع بكاملها،و فيها آخر و أهمّ نداءات القرآن و وصاياه،و هي آخر ما نزل من القرآن على أشهر الأقوال،و يشهد بذلك بعض الرّوايات،منها ما عن أبي حمزة الثّماليّ قال سمعت أبا عبد اللّه الصّادق عليه السّلام يقول:نزلت المائدة كملا و نزل معها سبعون ألف ملك.

لاحظ«مجمع البيان 2:150».

و تؤيّدها أحكام الحجّ في صدرها و في خلالها،ثمّ سياق الآيات: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ...

فالنّداء ب يا أَيُّهَا الرَّسُولُ فيها بدل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ الّذي خوطب به النّبيّ(13)مرّة في المدنيّات، [لاحظ(أيّ)]فيه اهتمام بالغ بما خوطب به النّبيّ،و إشعار بأنّه بصفته رسول،فرض عليه إبلاغ هذين النّداءين:

أوّلهما: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَنْ يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ المائدة:41.فذكر فيها المنافقين و اليهود، و ختمها بقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. و هي من طوال الآيات.

ص: 661

أوّلهما: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَنْ يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ المائدة:41.فذكر فيها المنافقين و اليهود، و ختمها بقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. و هي من طوال الآيات.

و تتلوها آيات أخرى في شأن اليهود،تصفهم بأسوء الأوصاف و بعصيانهم حكم اللّه،و تحتّم على المؤمنين بأن لا يتّخذوا اليهود و النّصارى أولياء،و تدين الّذين في قلوبهم مرض بالمسارعة فيهم خوفا أن تصيبهم دائرة،و أنّهم بذلك كادوا أن يرتدّوا عن دينهم،و أنّ هؤلاء اليهود و النّصارى ليسوا أولياءهم،و إنّما وليّهم اللّه و رسوله و الّذين يقيمون الصّلاة،و يؤتون الزّكاة و هم راكعون.

ثمّ يرجع إلى التّحذير المؤكّد من اتّخاذ الّذين اتّخذوا دينهم هزوا و لعبا من أهل الكتاب أولياء،و هكذا يفنّد آراءهم،و يقبّح أعمالهم،مثل:أكلهم السّحت،و قولهم:

يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ المائدة:64،و أنّهم لا يقيمون التّوراة و الإنجيل.و قد تكرّر فيها قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، أو(الظّالمون)،أو (الفاسقون)المائدة:44،45،47،حتّى ينتهي إلى الآية الّتي نتحدّث عنها: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ.

ثمّ يستمرّ القرآن بإدانة اليهود و النّصارى بأشدّ ألوان الكفر و العصيان و عداوة المؤمنين إلى الآية(82) الّتي تقول: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى... ففرّقت بين الفئتين رعاية للإنصاف كما هو دأب القرآن،فتصف اليهود بأنّهم أشدّ النّاس عداوة للمؤمنين،و تضعهم و المشركين في كفّة واحدة،و تصف النّصارى بأنّهم أقرب النّاس مودّة للمؤمنين،و تستمرّ الآيات على هذا المنوال حتّى الآية(87).

و ينتهي بذلك هذا الفصل من الآيات في شأن أهل الكتاب،بدء ب يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ، و تكرارا له في بيان جازم حاسم في يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، مع ضمان عصمة النّبيّ من النّاس-و هي تكاد تكون ذروة هذا السّياق من الآيات و بمنزلة«بيت القصيد»-ثمّ التّصريح ب إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ المائدة:

67،و قد جاءت آيات أخرى أيضا في هذه السّورة قبل هذا الفصل و بعده في شأن أهل الكتاب.

و ثاني ما في الآية هو البحث عن ما أريد بها،و قد ذكروا فيها وجوها أنهاها الفخر الرّازيّ و غيره إلى عشرة،و لا شاهد لأكثرها،و ليست سوى احتمالات فلاحظ،و القابل للبحث منها اثنان:

الأوّل:ما اعتمد عليه أكثر المفسّرين من أهل السّنّة،أنّ سياقها سياق ما قبلها و ما بعدها في شأن أهل الكتاب الّذين واجهوا النّبيّ عليه السّلام جحدا و إنكارا بما لا نزيد عليه.و أيّد هؤلاء المفسّرون رأيهم بوحدة السّياق،و قد أصرّ عليه صاحب«المنار»و فنّد القول الثّاني،فلاحظ.

و قال سيّد قطب:«المقصود به مباشرة هو مواجهة أهل الكتاب بحقيقة ما هم عليه،و بحقيقة صفتهم الّتي يستحقّونها بما هم عليه،و مواجهتهم بأنّهم ليسوا على شيء من الدّين و لا العقيدة و لا الإيمان...حيث قال:

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ... المائدة:68-إلى أن قال-:و كان اللّه سبحانه و تعالى يعلم أنّ مواجهتهم

ص: 662

بهذه الحقيقة الحاسمة و بهذه الكلمة الفاصلة،ستؤدّي إلى أن تزيد كثيرا منهم طغيانا و كفرا و عنادا و لجاجا...و لكنّ هذا لم يمنع من أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يواجههم...»و هو يرى أنّ هذه الخطابات أشدّ ما واجه القرآن أهل الكتاب، فخاف على النّبيّ من كيدهم،فوعده بالعصمة منهم.

الثّاني:ما اعتمد عليه الإماميّة أنّها نزلت في شأن إمامة عليّ عليه السّلام،مستندين إلى روايات كثيرة من طرق الفريقين-و قد تقدّمت في النّصوص نبذة منهما-ثمّ إلى قوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، و لا شيء يعدل رسالة النّبيّ سوى الإمامة،لأنّها تكفل استمرار دعوة الإسلام مستقيمة مصونة من الانحراف.

و قد بالغ صاحب«الميزان»في إرساء أركان هذا الرّأي،و أجاب عن كلّ ما أورد عليه صاحب«المنار»، و هذه إحدى معارك الآراء بين هذين الإمامين، و ما أكثرها في«المنار»و«الميزان»!

و ممّا أصرّ عليه أنّ هذه الآية منفصلة عمّا قبلها و بعدها،نزلت يوم الغدير حسب الرّوايات الكثيرة الّتي رواها الفريقان،و نقل شعرا حولها.و في رأيي أنّ من لاحظ«الميزان و المنار»-و قد سبق نصّاهما-يكفيه عمّا سواهما.

و من أراد الاعتماد على سياق الآيات ففيها-إضافة إلى ما قالوا في قوله: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ -ألوان من ضمان عصمة النّبيّ من النّاس،مثل: وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً المائدة:42، فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44، كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64،كما تكرّر فيها:

ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ.

و الّذي يخطر بالبال أنّه لو لا الرّوايات لكان السّياق يعضد القول الأوّل،و مع ملاحظة الرّوايات فغاية ما يكاد يجمع بينها و بين السّياق،أنّ السّياق عامّ لما ذكر في شأن أهل الكتاب و لغيره،و جملة(ما انزل اليك) يعمّها.و الآية نزلت مرّتين:مرّة في سياق آيات أهل الكتاب،و مرّة يوم الغدير،تنبيها على أنّها تعمّ هذه الواقعة.

و عندنا أنّ مثله كثير في القرآن،تنزل الآية خلال سورة،فيفسّرها سياق السّورة،ثمّ تنزل منفردة في حادثة خاصّة تأويلا لها،و تطبيقا على مورد يخالف ما يقتضيه سياقها.و مثله يقال في جملة من آيات سورة المائدة،مثل: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ المائدة:3، و إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ المائدة:55،لاحظ (ك م ل)و(و ل ي).

و الحقّ أنّه لا ريب في علاقة هذه الآيات لمسألة الولاية بأيّ نحو كانت،اعتمادا على تضافر الرّوايات و على جملة: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.

بل نتجاوز الأمر و نقول:بدأت سورة المائدة لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فهي باعتبارها آخر السّور النّازلة تأكّدا لوفاء بما فيها من الأحكام الّتي لن يعتورها النّسخ و فيها المواثيق المحكمة بأن لا يتّخذ المؤمنون أولياء من أهل الكتاب و غيرهم سوى من كتب اللّه عليهم ولايتهم من أهل البيت فلو قلنا إنّ الآيات الرّاجعة إلى الولاية في هذه السّورة تعمّ الحذر من اليهود و النّصارى من ناحية و الالتزام بولاية

ص: 663

عليّ و الأئمّة عليهم السّلام من ناحية أخرى،لم يكن بعيدا و بذلك يلتئم سياق السّورة و الرّوايات المستفيضة.

الرّابعة:المصدر:بلاغ و البلاغ:(15)مرّة،و في ثمان منها مجرّدا من الوصف:(11)إلى(18)،و في سبع منها (البلاغ المبين):(19)إلى(25)،و فيها بحوث:

1-سياق الجميع-إلاّ أربع منها:(11)إلى(14)- حصر وظيفة الرّسول في البلاغ مقرونا في بعضها ب(المبين)،أي أنّ الرّسول إذا حقّق البلاغ فقد أدّى رسالته،و ليس عليه شيء بعد ذلك،و لا نقص في عمله،و لا عذر للنّاس في ردّه،سواء أقبلوا عليها أم تولّوا عنها،و يدعمها آيات تقول: فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً في(18)،أو وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ الأنعام:107،أو وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ الزّمر:41،و الشّورى:6،و مثلها كثير.

و أمّا الآيات الأربع و لا سيّما(11)فسياقها بيان مهمّة القرآن و أهدافه،فإنّه بلاغ للنّاس بهدف الإنذار،ثمّ ليعلم النّاس بأنّه إله واحد،ثمّ تذكير أولى الألباب.

و هي تعمّ النّاس جميعا،و تشكّل أصول دعوة الإسلام و أركان رسالة النّبيّ،و هي إبلاغ الدّعوة إتماما للحجّة، و قطعا للعذر،و بثّ نداء التّوحيد،و هو رأس الدّين و جوهره و شريان تعاليمه،و كذا المعاد.و هذان لعامّة النّاس.ثمّ تذكير أولي الألباب-و هم نخبة النّاس- بمعارفه السّامية،و مسالكه العالية،ليفقهوها فقها، و يسلكوا بها إلى اللّه وصالا،و هذا للخاصّة و العارفين من النّاس.

فهذه تمتاز بأنّها طعام روحيّ للعامّة و الخاصّة،كما أنّها منفردة بأنّها بلاغ من اللّه للنّاس،لا من الرّسول لأمّته،أو من الرّسل لأممهم.

2-جاء(بلاغ)في هذه الأربع نكرة و في الباقي معرفة،و السّرّ فيها أنّ كلّ هذه الآيات-و هي مكّيّة- إشارة إلى كلّ ما تقدّمها من تلك السّور من الخطابات، و كأنّها لفظ واحد،جاء في أوّل البيان أو آخره كعنوان له أو كفذلكة،فيكتب في أوّل الخطاب مثلا(بيان)،أو في آخره(هذا بيان)،فقد جاء(11)(هذا بلاغ)و في(12):

(بلاغ)بحذف المبتدإ،و في(13)(إنّ في هذا لبلاغا) و التّنكير في مثله للتّعظيم و التّفخيم و التّريّث في الكلام، ليذهب ذهن السّامع أو القارئ إلى كلّ مذهب ممكن.

و ليست هذه حصرا لمهمّة الرّسول كغيرها،بل هي إعلان بها.نعم في(14): إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَ رِسالاتِهِ، فظاهره الحصر،إلاّ أنّه استثناء منقطع و إضراب عمّا قبله و ليس حصرا،فلاحظ.

أمّا الباقي فكلّها-كما قلناه-حصر لمهمّة الرّسول بلفظ(إنّما)مثل: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، أو(ما) و(إلاّ)مثل: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ، أو(هل) و(إلاّ)مثل: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ. و سياق الكلام في مثله يقتضي التّعريف،ليكون أمرا معلوما مشخّصا،و لو جاء نكرة لأفاد هنا التّحقير بدل التّعظيم، أي ليس عليك إلاّ بلاغ ما،و هذا خلاف المطلوب.

3-جاء(البلاغ)في أربع منها معرفة مجرّدا من الوصف،و هي(15)إلى(18)،و في الباقي-و هي(19) إلى(25)-(البلاغ المبين)،فهل فيه نكتة؟

و الّذي يخطر بالبال أنّ هذه الأربع جاء فيها مكان

ص: 664

(المبين)ما يسدّ مسدّه،و هو وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ في (15)، وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ في(16)، وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ في(17)، فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً في(18).أمّا السّبع الباقية فثلاث منها-و هي (19)و(20)و(21)-جاء اَلْبَلاغُ الْمُبِينُ فيها عقيب الأمر بطاعة اللّه و طاعة الرّسول ثمّ التّولّي عنهما.

و معلوم أنّ المقام في مثلها يقتضي الاهتمام بالبلاغ أكثر، فجاء فيها فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ في(19)، فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ في(21)، وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ، في(20).فزيادة (فاعلموا)في(19)،و(رسولنا)مضافا إلى«نا»في(19) و(21)،و إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا في(20)،لمزيد الاهتمام بطاعة اللّه و رسوله،و لمزيد البتّ في حسم الغدر لدى النّاس.فالأمر بطاعة اللّه و الرّسول فيها اقتضت وصف «البلاغ»ب«المبين».

أمّا الأربع الباقية-و هي(22)إلى(25)-فهي خالية من تقديم إطاعة اللّه و إطاعة الرّسول،إلاّ أنّ ثلاثا منها-و هي(22)و(24)و(25)-جاءت في شأن الرّسل عامّة،فتحمل أصلا من أصول الأديان، فتستدعي«البلاغ المبين»،و واحدة-و هي(23)- خطاب للرّسول عليه السّلام:(عليك)،و توجيه الخطاب إليه أوجب التّفخيم في مهمّته،فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ، هذا جهد المقلّ،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

4-قال الرّاغب في إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ: «البلاغ:الكفاية».و نحن لا نرى فرقا بينها و بين غيرها،أو لعلّ«البلاغ»في ذاته معنى الكفاية، لأنّه إذا كان تامّا فسوف يكون كافيا،فلاحظ.

المحور الثّاني:البلوغ بمعنى الوصول(43)آية:(26) إلى(68)،و هذه كلّها مشتركة في معنى الوصول و الإيصال،و إنّما الاختلاف فيها في ناحية المفعول،أي ما يوصل إليه،و هو(15)قسما:

الأوّل:الأشدّ:و فيه(8)آيات:(26)إلى(33).

و فيه اختلاف واسع من حيث اللّفظ،هل هو مفرد أو جمع،و من حيث المعنى فهو حدّ الاحتلام و البلوغ،و هو أدناه،أو أربعون سنة،و هو أقصاه،لاحظ«ش دد»، و لاحظ النّصوص.

و الّذي يلفت النّظر أنّ ثلاثا من هذه الآيات-و هي (26)إلى(28)-وردت في شأن الأنبياء،مشيرا إلى أوان استعدادهم لتلقّي الوحي و النّبوّة،فالأولى(26)في يوسف،و الثّانية(27)في موسى،و فيها: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى. و الثّالثة لم يذكر قبله نبيّ،إلاّ أنّ الآية حدّدته بأربعين سنة،و هو وقت نزول الوحي على الأنبياء كما نصّ عليه الطّبرسيّ-(5:86)-و غيره.

و يؤيّده أنّ جملة رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ...

محكيّة عن سليمان أيضا في سورة النّمل(19).

أمّا الآيتان(29)و(30)فقد جاء فيهما ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ خلال مراحل خلقة الإنسان في الرّحم و بعد الولادة إلى أوان الشّيخوخة و الموت،فلا ينحصر بأربعين سنة،بل هو حال استكمال العقل و القوّة و تمام الخلق،و بذلك فسّره الطّبرسيّ(4:71)و(4:531)،

ص: 665

كما لا يحدّد بحدّ الاحتلام.

أمّا الآيات(31)إلى(33)الّتي تحدّد وقت أداء مال اليتيم إليه فالأشدّ فيها ينبغي تفسيرها بالرّشد العقليّ و الخبرة الاقتصاديّة تبعا للسّياق،و لا معنى لتحديده بالاحتلام أو أربعين سنة أو استواء الجسم و قوّته، و تؤيّده الآية(34)،و سنتحدّث عنها.

الثّاني:النّكاح:(34)،و هي أيضا من آيات أداء مال اليتيم،و قد حدّدته بأمرين:بلوغ النّكاح، و استئناس الرّشد منهم.و الرّشد هنا نفس ما تقدّم في معنى«الأشدّ»في الآيات(26)إلى(33).أمّا النّكاح فالمراد به على أقرب الوجوه الحدّ الّذي يعدّه لجماع النّساء،و هو الحلم.فإذا بلغ اليتيم الحلم،و استؤنس منه الرّشد يدفع إليه ماله،و لا يكفي أحدهما.

الثّالث:الحلم:(35)،و قد فسّروه بالاحتلام،و هو أحد علامات البلوغ.و قد اختلفوا في سنّ البلوغ في الرّجل و المرأة اختلافا كثيرا،لاحظ النّصوص.

الرّابع:السّعي:(36): فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ...، جاء في قصّة ذبح إبراهيم ولده،و هو إسماعيل في أصحّ القولين.و قد فسّروا السّعي بالسّنّ الّتي تساعده على أن يسعى مع أبيه في أعماله و حاجاته، و لا معنى لتفسيره بالحلم و غيره،لاحظ النّصوص.

الخامس:المكان:و لعلّه الأصل في هذه المادّة، و جاء منه في(37)حول قصّة ذي القرنين: حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ، و في(38): حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، و(39)في قصّة موسى و فتاه: حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، و(40)في قصّة فرعون و هامان:

لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ، و(55)و(56)و(57)في آيات الهدي في الحجّ: حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ، و(59)في آية استجارة أحد من المشركين:

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، و(62)في آية حمل الأثقال:

وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، و مثله في(54): وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، و يلحق بها الآية(53): وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً، فإنّ الجبال و إن تعتبر أمكنة،إلاّ أنّ المراد هنا ليس بلوغها مسافة،بل طولا و ارتفاعا.

السّادس:بلوغ الكبر:(41)،حكاية عن قول زكريّا عند تعجّبه من أن يكون له ولد: قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ.

السّابع:بلوغ العذر:(42)،في حديث موسى و مرشده(الخضر): قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً.

الثّامن:الأجل:و هو قسمان،أجل العدّة و أجل العمر.

1-أمّا أجل العدّة فعدّة الطّلاق و عدّة الوفاة،أمّا عدّة الطّلاق ففيها أربع آيات:(46)إلى(49).و قد جاء في(46)و(47): فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، و قد حملهما المفسّرون على إشراف بلوغ الأجل،لأنّهما لو حملتا على انقضاء الأجل فلا يبقى مجال للتّخيير بين إمساكهنّ أو فراقهنّ،بل المتعيّن هو الفراق إلاّ بعقد جديد،ففي هذا التّعبير مسامحة و تجوّز بعلاقة المشارفة،و هو من قبيل أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النّحل:1.

أمّا(47)،و(48)،فبلوغ الأجل فيهما حقيقة مع اختلاف المغزى،فالمراد ب(48):إذا بلغ أجلهنّ فليس

ص: 666

للأولياء و الأقرباء منعهنّ من أن ينكحن أزواجهنّ من جديد،بل لهنّ ذلك إذا تراضوا بينهم بالمعروف.و المراد ب(48)أنّ المرأة ما دامت في العدّة،سواء كانت عدّة الوفاة أم عدّة الطّلاق،فليس لأحد من الرّجال عقد النّكاح عليها حتّى تنقضي عدّتها،سوى التّعريض لها و الإيماء إليها،لاحظ الآية.

و أمّا عدّة الوفاة ففي(49)،و بلوغ الأجل فيها حقيقة أيضا: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، أي أنّهنّ أحرار في أن ينكحن بالمعروف أو يمسكن عن النّكاح.

2-أمّا أجل العمر ففي(30)،و فيها: وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى، و في(51)،و فيها: وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا، و قريب منها(61)،و فيها: فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ، و المراد أجل الموت ظاهرا،لاحظ«أ ج ل».

التّاسع:أمر اللّه:(60): إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، قال الطّبرسيّ في المجمع(5:306):«أي يبلغ ما أراد من قضاياه و تدابيره على ما أراد،و لا يقدر أحد منعه عمّا يريده،و قيل:معناه منفذ أمره».و على الثّاني فهو كناية، لأنّ النّفوذ لازم للبلوغ،و ليس عينه.

العاشر:القوّة و القدرة:(52): وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ، قال الطّبرسيّ:«أي و ما بلغ قومك يا محمّد معشار ما أعطينا من قبلهم من القوّة و كثرة المال و طول العمر».

الحادي عشر:بلوغ النّفس إلى الحناجر و الحلقوم و التّراقي كناية عن الموت في ثلاث آيات:(43)إلى (45): وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ في(43)،و الآية تجسّم حالة المؤمنين حين واجهوا جيش قريش في غزوة بدر،إذ كأنّهم كادوا أن يموتوا من شدّة الخوف.و فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ في (44)، كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ في(45).

و هذه جميعها من لوازم الموت،أو قل:إنّها كناية عن الموت،فإنّ القلوب لو أريد بها القلب حقيقة فهي لا تتحرّك من محلّها حتّى تبلغ الحناجر،و كذلك النّفس فهي لا تتحرّك دون سائر الأعضاء حتّى تبلغ الحلقوم أو التّراقي،بل أنّها استعارة لتشبيه حالة النّزع ببلوغ القلب و النّفس الحناجر و الحلقوم و التّراقي،و هي شائعة بين عامّة النّاس فيتخيّلونها حقيقة،و ربّما كان القرآن منشأها،لو لم يسبقه استعمال في اللّغة.

الثّاني عشر:بلوغ الكبر:(63): إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ، قال الطّبرسيّ(4:528):أي ليس في صدورهم(الكفّار)إلاّ عظمة و تكبّر على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و جبريّة،ما هم ببالغي مقتضى تلك العظمة، لأنّ اللّه تعالى مذلّهم.و قيل:معناه كبر يحسدك على النّبوّة الّتي أكرمك اللّه بها ما هُمْ بِبالِغِيهِ، لأنّ اللّه تعالى يرفع بشرف النّبوّة من يشاء...».

الثّالث عشر:بلوغ الماء إلى الفم:(58): إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ.

الرّابع عشر:جاء«البلوغ»بمعنى الكمال في ثلاث آيات:إمّا وصفا للحجّة: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ في (64)،أو للحكمة: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ في (65)،أو للأيمان: أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ في(66).

ص: 667

و«البالغة»فيها إمّا بحذف المتعلّق،أي بالغة إلى منتهاها، أو كناية عن الكمال-و هو الأقرب-إطلاقا للملزوم على اللاّزم،لأنّ الحكمة إذا بلغت ذروتها فهي كاملة،و كذلك الحجّة و نحوها.و مجيئها«بصيغة الفاعل»يزيدها كمالا و مبالغة و دواما كصفات اللّه تعالى،و هي عند الإمام عبده كلّها صيغ مبالغة.

الخامس عشر:جاء كلّ من«بليغ»و«مبلغ»مرّة واحدة: وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً في(67)،أي قولا بالغا في الإتقان منتهاه،فهو بحذف المتعلّق،أو «بليغ»بمعنى الكامل كالبالغ.و أمّا كونه بالمعنى المصطلح عند الأدباء فبعيد،نعم يجوز أن يكونوا قد أخذوا اصطلاح«البلاغة»من هذه الآية.قال الطّبرسيّ(2:

66):«بلغ الرّجل بالقول يبلغ بلاغة فهو بليغ،إذا كان يبلغ بعبارته كثيرا ممّا في قلبه»،«أي قل لهم:إن أظهرتم ما في قلوبكم من النّفاق قتلتم،فهذا هو القول البليغ، لأنّه يبلغ من نفوسهم كلّ مبلغ».

أمّا المبلغ ففي(68): ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أي منتهى علمهم،لأنّ«مبلغا»اسم مكان،و هو المكان الّذي ينتهي إليه البلوغ،و استعير هنا لمنتهى العلم،كأنّه مكان ينتهي إليه السّير،ثمّ شاع في كلّ شيء كالمال و الجاه و نحوهما.

و في الختام ينبغي التّنبيه على أمور:

1-معظم هذه الآيات الكثيرة الّتي بلغت(68)آية مكّيّة،سوى(14)آية مدنيّة،و جاء أكثرها في شأن الأحكام،كالعدّة و مال اليتيم و الجهاد،فلاحظ.

2-لم يأت في المحور الأوّل فعل مجرّد سوى واحد ماضيا:(و من بلغ)في(1)،و لم يأت في المحور الثّاني فعل مزيد سوى واحد أمرا: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ في(59)

3-معظم ما جاء منها بصيغة الفعل الماضي(18) مرّة،و المضارع(15)مرّة،ففاق الماضي المضارع بثلاث،و معنى هذا أنّ أكثرها قد مضى أوانها.و جاء منها اسم الفاعل(9)مرّات:(6)مرّات مذكّرا،و(3)مرّات مؤنّثا،أي نصف المذكّر.و جاء كلّ من الصّفة المشبّهة و اسم المكان مرّة واحدة كما ذكر.

4-و هذه كلّها موجبة،سوى(6)آيات من المحور الثّاني،فمنفيّة،و هي:(35 و 52 و 53 و 58 و 62 و 63،أمّا المحور الأوّل(البلاغ)فكلّها مثبتة سوى واحدة،و هي:

وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (6)،و لكنّها في الحقيقة إبرام للفعل المثبت قبله:(بلّغ)،و كذلك بعض المنفيّات في المحور الثّاني،فلاحظ.

و معنى هذا أنّ البلاغ-دائما و البلوغ غالبا-مثبت في القرآن كما يقتضيه جوهر المادّة،و فيه بشارة و تفؤّل عظيم.

5-و قد وردت مترادفات البلوغ كلّها في القرآن، و هي:

الإدراك:مثل: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يس:40

اللّحاق:مثل: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ آل عمران:170

الانتهاء:مثل: وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى النّجم:42

الوصول:مثل: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَ ما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ الأنعام:136

و لا شكّ أنّ بين هذه الألفاظ فروقا بيّنة،و كذا بين سائر المترادفات على الأصحّ،و سنتناولها في مواضعها بالبحث.

ص: 668

ب ل و-ب ل ي

اشارة

28 لفظا،60 مرّة:32 مكّيّة،28 مدنيّة

في 41 سورة:29 مكّيّة،12 مدنيّة

بلونا 1:-1 بلاء 5:3-2

بلوناهم 2:-2 البلاء 1:1

ليبلو:1-1 ليبلي 1:-1

يبلوكم 5:4-1 ابتلى 1:-1

ليبلونّكم 1:-1 ابتلاه 2:2

ليبلونى 1:1 ابتلي 1:-1

تبلو 1:1 ليبتلي 1:-1

نبلو 1:-1 ليبتليكم 1:-1

نبلوهم 1:-1 نبتليه 1:-1 لنبلوهم 1:1 ابتلوا 1:-1

نبلوكم 1:1 لمبتلين 1:1

لنبلونّكم 2:-2 مبتليكم 1:-1

تبلى 1:1 يبلى 1:1

لتبلونّ 1:-1 بلى 22:15-7

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بلي الشّيء يبلى بلى فهو بال،و البلاء لغة في البلى.[ثمّ استشهد بشعر]

و البليّة:الدّابّة الّتي كانت تشدّ في الجاهليّة على قبر صاحبها،رأسها في الوليّة حتّى تموت.[ثمّ استشهد بشعر]

بليّ: حيّ،و النّسبة إليه:بلويّ.

و ناقة بلو سفر،من مثل:نضو،و قد أبلاها السّفر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:النّاس بذي بليّ و ذي بليّ،أي متفرّقون.

و أمّا«بلى»فجواب استفهام،فيه حرف نفي، كقولك:أ لم تفعل كذا؟فتقول:بلى.

و بلي الإنسان و ابتلي،إذا امتحن.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 669

و البلاء:في الخير و الشّرّ،و اللّه يبلي العبد بلاء حسنا و بلاء سيّئا.

و أبليت فلانا عذرا،أي بيّنت فيما بيني و بينه ما لا لوم عليّ بعده.

و البلوى:هي البليّة،و البلوى:التّجربة؛بلوته أبلوه بلوا.(8:339)

سيبويه :ليس«بلى و نعم»اسمين،و«بل»مخفّف، حرف يعطف بها الحرف الثّاني على الأوّل،فيلزمه مثل إعرابه،و هو الإضراب عن الأوّل للثّاني،كقولك:

ما جاءني زيد بل عمرو،و ما رأيت زيدا بل عمرا، و جاءني أخوك بل أبوك،تعطف بها بعد النّفي و الإثبات جميعا.

و ربّما وضعوه موضع«ربّ»كقول الرّاجز:

*بل مهمه قطعت بعد مهمه*

يعني ربّ مهمه،كما يوضع الحرف موضع غيره اتّساعا.(ابن منظور 14:88)

الأحمر:يقال:نزلت بلاء على الكفّار،مثل قطام.

(الجوهريّ 6:2285)

أبو زيد:هم بذي بليّان أيضا،و ذلك إذا بعد بعضهم عن بعض،و كانوا طوائف مع غير إمام يجمعهم.

(ابن فارس 1:295)

الأصمعيّ: البلاء:يكون نعمة و منحة،و يكون نقمة و محنة.[ثمّ ذكر بعض الآيات](الأضداد:59)

بلاه يبلوه بلوا،إذا جرّبه.

و بلاه يبلوه بلوا،إذا ابتلاه اللّه ببلاء.

(الأزهريّ 15:390)

أبليت فلانا يمينا،إذا حلفت له بيمين،طيّبت بها نفسه.(المدينيّ 1:188)

نحوه أبو عبيد.(ابن فارس 1:294)

ابن الأعرابيّ: أبلى فلان،إذا اجتهد في صفة كرم أو حرب.(الأزهريّ 15:391)

يقال:بلّى عليه السّفر و بلاّه.(ابن فارس 1:293)

يبليك:يخبرك،يقال:ابتليته فأبلاني،أي استخبرته فأخبرني.(ابن فارس 1:294)

أبليته يمينا،و أصبرته يمينا،و أجلسته يمينا،إذا حملته عليها.(المدينيّ 1:188)

البليّ و البليّة و البلايا:الّتي قد أعيت و صارت نضوا هالكا.

يقال:فلان بذي بليّ و ذي بليّان،إذا كان ضائعا، بعيدا عن أهله.(ابن منظور 14:86،88)

ابن السّكّيت: يقال للرّاعي الحسن الرّعية:إنّه لبلو من أبلائها.(605)

و هو بلو سفر و بلي سفر:للّذي قد بلاّه السّفر.

(إصلاح المنطق:140)

و البليّة:النّاقة تعقل عند قبر صاحبها،فلا تعلف و لا تسقى حتّى تموت،هو شيء كان يفعله أهل الجاهليّة.

يقولون:يحشر صاحبها عليها.(إصلاح المنطق:352)

شمر: و في حديث حذيفة:«لتبتلنّ لها إماما...» يقول:لتختارنّ،و أصله:بلاه يبلوه.و ابتلاه،أي جرّ به.

(الأزهريّ 15:391)

ابن أبي اليمان :الإبلاء:الاختبار،يقال:بلوت

ص: 670

فلانا و ابتليته.(55)

الحربيّ: وقع فلان في ورطة و في بليّة و في هوّة،إذا وقع فيما يكره و يؤثمه.(2:362)

المبرّد: يقال:اللّه يبلوهم و يبتليهم و يختبرهم،في معنى،و تأويله:يمتحنهم،و هو العالم عزّ و جلّ بما يكون كعلمه بما كان،قال اللّه جلّ ثناؤه: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الملك:2.(1:208)

ابن دريد :رجل بلو سفر،و كذلك البعير، و الجميع:أبلاء،مثل نضو سفر و أنضاء،سواء.

(1:329)

ابن الأنباريّ: «البلاء»هو أن يقول:لا أبالي ما صنعت مبالاة و بلاء،و ليس هو من بلي الثّوب.

(ابن منظور 14:86)

الأزهريّ: يقال:اللّهمّ لا تبلنا إلاّ بالّتي هي أحسن.

و يقال:أبلاه اللّه يبليه إبلاء حسنا،إذا صنع به صنيعا جميلا.و البلاء:الاسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بلي الثّوب بلى و بلاء،و قال العجّاج:

*و الدّهر يبليه بلاء السّربال*

إذا فتحت الباء مددت،و إذا كسرت قصرت، و مثله:القرى و القراء،و الصّلى و الصّلاء.

و يقال:قامت مبلّيات فلان ينحن عليه،و هنّ النّساء اللّواتي يقمن حول راحلته فينحن،إذا مات أو قتل.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:أبلى ذلك اليوم بلاء حسنا،و مثله:بالى يبالي مبالاة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البلوى:اسم من بلاء اللّه.و يقال:اللّهمّ لا تبلنا إلاّ بالّتي هي أحسن،أي لا تمتحنّا،و الاسم:البلاء.

(15:390)

الصّاحب:[قال نحو الخليل و أضاف:]

و ابتلاه اللّه ابتلاء،و الاسم:البلوة و البلية و البلوى.

و نزلت عليهم بلاء على حذام.

و أبليت عن كذا،أي أخبرت عنه.

و أبليت عليه:حلفت عليه،و أبليته يمينا،و أبلى اللّه فلانا يمينا:حلف به.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابتلى الرّجل اليمين و أبلى:حلف،و قيل:ابتلى:

استحلف.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبلى فلان و بالى:اجتهد في وصف حرب و كرم و مسعاة.و هما يتباليان،أي يتباريان.

و المبالاة:المطاولة،بلّيت بفلان و بلّى بي فلان،إذا طاولك بشدّة.

يقولون:بلاك و اللّه،أي بلى و اللّه.

و هو بلي شرّ و سفر،بمعنى الواو.و بلو شرّ،أي سؤر شرّ و صاحبه.

و بلوت الشّيء:شممته،و البلوة:الرّائحة.

(10:353)

ابن جنّيّ: قولهم:أتى على ذي بليّان-غير مصروف،و هو علم-:البعد.(ابن منظور 14:87)

الجوهريّ: [قال نحو الخليل و غيره و أضاف:]

و البليّة و البلاء واحد،و الجمع:البلايا.صرفوا «فعائل»إلى«فعالى».[إلى أن قال:]

و التّبالي:الاختبار.

و قولهم:ما أباليه،أي ما أكترث له.

ص: 671

و إذا قالوا:لم أبل،حذفوا تخفيفا،لكثرة الاستعمال، كما حذفوا الياء من قولهم:لا أدر.

و كذلك يفعلون في المصدر،فيقولون:ما أباليه باله، و الأصل:بالية،مثل عافاه عافية،حذفوا الياء منها، بناء على قولهم:لم أبل،و ليس من باب الطّاعة و الجابة و الطّاقة.

و ناس من العرب يقولون:لم أبله،لا يزيدون على حذف الألف،كما حذفوا علبطا.[إلى أن قال:]

و بلى:جواب للتّحقيق،توجب ما يقال لك،لأنّها ترك للنّفي،و هي حرف لأنّها نقيضة«لا».(6:2285)

ابن فارس: الباء و اللاّم و الواو و الياء،أصلان:

أحدهما:إخلاق الشّيء،و الثّاني نوع من الاختبار، و يحمل عليه الإخبار أيضا.

فأمّا الأوّل فقال الخليل :بلي يبلى فهو بال.و البلى مصدره،و إذا فتح فهو البلاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و البليّة:الدّابّة الّتي كانت في الجاهليّة تشدّ عند قبر صاحبها،و تشدّ على رأسها وليّة،فلا تعلف و لا تسقى حتّى تموت.[ثمّ استشهد بشعر]

و منها ما يعقر عند القبر حتّى تموت.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال منه:بلّيت البليّة.

و أمّا الأصل الآخر،فقولهم:بلي الإنسان و ابتلي، و هذا من الامتحان و هو الاختبار.[ثمّ استشهد بشعر]

و يكون البلاء في الخير و الشّرّ.و اللّه تعالى يبلي العبد بلاء حسنا و بلاء سيّئا،و هو يرجع إلى هذا،لأنّ بذلك يختبر في صبره و شكره.

و ممّا يحمل على هذا الباب قولهم:أبليت فلانا عذرا، أي أعلمته و بيّنته فيما بيني و بينه،فلا لوم عليّ بعد.

ذكر ما شذّ عن هذين الأصلين:قال الخليل :تقول:

النّاس بذي بليّ و ذي بليّ،أي هم متفرّقون،و منه حديث خالد لمّا عزله عمر عن الشّام:«ذاك إذا كان النّاس بذي بليّ،و ذي بليّ».

و أمّا«بلى»فليست من الباب بوجه،و الأصل فيها «بل».(1:292)

أبو هلال :الفرق بين الابتلاء و الاختبار:أنّ «الابتلاء»لا يكون إلاّ بتحميل المكاره و المشاقّ، و«الاختبار»يكون بذلك و بفعل المحبوب،أ لا ترى أنّه يقال:اختبره بالإنعام عليه،و لا يقال:ابتلاه بذلك، و لا هو مبتلى بالنّعمة،كما قد يقال:إنّه مختبر بها.

و يجوز أن يقال:إنّ«الابتلاء»يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطّاعة و المعصية،و«الاختبار»يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك.

و الخبر:العلم الّذي يقع بكنه الشّيء و حقيقته، فالفرق بينهما بيّن.(178)

الفرق بين البلاء و النّقمة:أنّ«البلاء»يكون ضررا و يكون نفعا.و إذا أردت النّفع قلت:أبليته،و في القرآن:

وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً الأنفال:17.

و من الضرّ:بلوته،و أصله:أن تختبره بالمكروه، و تستخرج ما عنده من الصّبر به،و يكون ذلك ابتداء.

و«النّقمة»لا تكون إلاّ جزاء و عقوبة،و أصلها:شدّة الإنكار،تقول:نقمت عليه الأمر،إذا أنكرته عليه.

و قد تسمّى«النّقمة»بلاء،و«البلاء»لا يسمّى نقمة

ص: 672

إذا كان ابتداء.

و«البلاء»أيضا اسم للنّعمة،و في كلام الأحنف:

البلاء ثمّ الثّناء،أي النّعمة ثمّ الشّكر.(199)

الهرويّ: قال أبو الهيثم:البلاء يكون حسنا و يكون سيّئا.

و أصله:المحنة،و اللّه يبلو عبده بالصّنع الجميل، ليمتحن شكره،و يبلوه بالبلوى الّتي يكرهها،ليمتحن صبره،فقيل للحسن:بلاء،و للسّيّئ:بلاء.(1:209)

ابن سيدة :البلو:المهزول الّذي براه السّفر،و ناقة بلو سفر.

البلي:بعير و ناقة.و رجل بلي سفر،أي أبلاه السّفر و أعياه أشدّ الإعياء.(الإفصاح 2:733)

الطّوسيّ: البلاء و الإحسان و النّعمة،نظائر في اللّغة.(1:222)

الرّاغب: يقال:بلي الثّوب بلى و بلاء،أي خلق، و منه لمن قيل:سافر بلاه سفر،أي أبلاه السّفر.و بلوته:

اختبرته،كأنّي أخلقته من كثرة اختباري له.

و إذا قيل:ابتلى فلان كذا و أبلاه،فذلك يتضمّن أمرين:

أحدهما:تعرّف حاله،و الوقوف على ما يجهل من أمره.

و الثّاني:ظهور جودته و رداءته.و ربّما قصد به الأمران،و ربّما يقصد به أحدهما.

فإذا قيل في اللّه تعالى:بلا كذا أو أبلاه،فليس المراد منه إلاّ ظهور جودته و رداءته،دون التّعرّف لحاله، و الوقوف على ما يجهل من أمره؛إذ كان اللّه علاّم الغيوب.

و على هذا قوله عزّ و جلّ: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ البقرة:124.

و يقال:أبليت فلانا يمينا،إذا عرضت عليه اليمين، لتبلوه بها.

«بلى»ردّ للنّفي،نحو قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ البقرة:80، بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً البقرة:

81،أو جواب لاستفهام مقترن بنفي،نحو أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الأعراف:172.

و«نعم»يقال في الاستفهام المجرّد،نحو فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ الأعراف:44،و لا يقال هاهنا:بلى.

فإذا قيل:ما عندي شيء،فقلت:بلى،فهو ردّ لكلامه.و إذا قلت:نعم،فإقرار منك.[ثمّ ذكر الآيات]

(61)

الزّمخشريّ: بلوته فكان خير مبلوّ.و تقول:اللّهمّ لا تبلنا إلاّ بالّذي هو أحسن.و قد بلي بكذا و ابتلي به.

و بلي فلان:أصابته بليّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصابته بلوى.و نزلت بلاء على الكفّار.

و في الحديث:«أعوذ باللّه من جهد البلاء إلاّ بلاء فيه علاء»أي علوّ منزلة عند اللّه.

و هما يتباريان و يتباليان،أي يتخابران،و منه قولهم:لا أباليه،أي لا أخابره،لقلّة اكتراثي له.و هو أفصح من لا أبالي به.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو قلب لا أباوله من البال،أي لا أخطره ببالي،و لا ألقي إليه بالا؛و لذلك قالوا:لا أباليه بالة، و قيل:أصلها:بالية.

ص: 673

و ناقة بلو سفر:قد بلاها السّفر أو أبلاها.

و قولهم:أبليته عذرا،إذا بيّنته له بيانا لا لوم عليك بعده.حقيقته:جعلته باليا لعذري،أي خابرا له عالما بكنهه.و كذلك:أبليته يمينا.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:أبلى في الحرب بلاء حسنا،إذا أظهر بأسه حتّى بلاه النّاس و خبروه و كان له يوم كذا بلاء.

و أبلى اللّه العبد بلاء حسنا أو سيّئا،و اللّه يبلي و يولي،كما تقول:عرّفك اللّه بركاته.

و ابتليت الأمر:تعرّفته.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:بلوت الشّيء:شممته.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:30)

ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:سئل عن الوضوء من اللّبن،فقال:«ما أباليه بالة،اسمح يسمح لك»،أي مبالاة،و أصلها:بالية،كعافية.(الفائق 1:129)

في الحديث:«إذا ذهب الخيار و بقيت خشارة كخشارة الشّعير،لا يبالي بهم اللّه بالة».

هي من كلّ شيء رديّه و نفايته،و قيل:هو من الشّعير ما لا لبّ له.(الفائق 1:372)

الطّبرسيّ: البلاء:الاختبار و الامتحان،و أصله:

إظهار باطن الحال.و منه البلاء:النّعمة،لأنّه يظهر به باطن حال المنعم عليه في الشّكر أو الكفر.

و البلى:الخلوقة،لظهور تقادم العهد فيه.

(2:243)

المدينيّ: في الحديث:«إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن فارقني،فقال عمر لأمّ سلمة:باللّه منهم أنا؟قالت:لا،و لن أبلي أحدا بعدك».

و قال إبراهيم الحربيّ: [بعد قول الأصمعيّ السّابق:

أبليت فلانا يمينا]فيه وجه حسن،أي لن أخبر أحدا بعدك.قال:و سمعت ابن الأعرابيّ يقول:أبلي بمعنى أخبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث برّ الوالدين:«أبل اللّه تعالى عذرا في برّهما».

قيل:أبلى بمعنى أعطى،و أبلاه:أحسن إليه.يعني أحسن فيما بينك و بين اللّه تعالى ببرّك إيّاهما.

في حديث الأحنف:«نعي له حسكة الحنظليّ،فما ألقى له بالا»أي ما استمع إليه،و ما اكترث به.

و منه الحديث:«لا يبالي اللّه تعالى بهم بالة»أي لا يرفع لهم قدرا و لا يقيم لهم وزنا.

يقال:ما باليت به مبالاة و بالية و بالة،و قيل:هو اسم من بالى يبالي،حذفت ياؤه بناء على قولهم:لم أبل به.فأمّا قولهم:«لا أصبتك ببالّة فهو بالتّثقيل،أي بخير.

و يقال:ما ألقي لقولك بالا،أي ما أبالي به.و قيل قولهم:ما باليته و ما باليت به،هو كالمقلوب من المباولة، مأخوذ من«البال»،أي لم أجره ببالي،و أصل البال:

الحال.

في الحديث:«من أبلي فذكر فقد شكر».

الإبلاء:الإنعام،يقال:أبليت الرّجل و أبليت عنده، أي بلاء حسنا.(1:188)

ابن برّيّ: قال الجوهريّ:فإذا قالوا:لم أبل،حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال

لم يحذف الألف من قولهم:لم أبل تخفيفا،و إنّما حذفت لالتقاء السّاكنين.(ابن منظور 14:87)

ص: 674

ابن الأثير:في حديث كتاب هرقل«فمشى قيصر إلى إيليا لمّا أبلاه اللّه تعالى».قال القتيبيّ:يقال:من الخير أبليته أبليه إبلاء،و من الشّرّ:بلوته أبلوه بلاء.

و المعروف أنّ الابتلاء يكون في الخير و الشّرّ معا، من غير فرق بين فعليهما،و منه قوله تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35،و إنّما مشى قيصر شكرا لاندفاع فارس عنه.

و منه حديث كعب بن مالك:«ما علمت أحدا أبلاه اللّه أحسن ممّا أبلاني».

و منه الحديث:«اللّهمّ لا تبلنا إلاّ بالّتي هي أحسن» أي لا تمتحنّا.

و فيه:«إنّما النّذر ما ابتلي به وجه اللّه تعالى»أي أريد به وجهه،و قصد به.

و في حديث سعد يوم بدر:«عسى أن يعطى هذا من لا يبلى بلائي»أي لا يعمل مثل عملي في الحرب،كأنّه يريد أفعل فعلا أختبر فيه،و يظهر به خيري و شرّي.

و منه الحديث:«هؤلاء في الجنّة و لا أبالي،و هؤلاء في النّار و لا أبالي»حكى الأزهريّ عن جماعة من العلماء أنّ معناه:لا أكره.

و في حديث خالد بن الوليد رضي اللّه عنه:«أما و ابن الخطّاب حيّ فلا،و لكن إذا كان النّاس بذي بليّ و ذي بلّى».و في رواية«بذي بليّان»أي إذا كانوا طوائف و فرقا من غير إمام.

و كلّ من بعد عنك حتّى لا تعرف موضعه فهو بذي بليّ،و هو من:بلّ في الأرض،إذا ذهب،أراد ضياع أمور النّاس بعده.(1:155)

الفيّوميّ: بلي الثّوب يبلى-من باب تعب-بلى بالكسر و القصر،و بلاء بالفتح و المدّ:خلق،فهو بال.

و بلي الميّت:أفنته الأرض.

و بلاه اللّه بخير أو شرّ يبلوه بلوا،و أبلاه بالألف، و ابتلاه ابتلاء،بمعنى امتحنه.و الاسم:بلاء،مثل سلام، و البلوى و البليّة مثله.

و«بلى»حرف إيجاب،فإذا قيل:ما قام زيد؟و قلت في الجواب:بلى فمعناه إثبات القيام،و إذا قيل:أ ليس كان كذا؟و قلت:بلى فمعناه التّقرير و الإثبات.

و لا تكون إلاّ بعد نفي،إمّا في أوّل الكلام كما تقدّم، و إمّا في أثنائه،كقوله تعالى: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى القيمة:3،4،و التّقدير:بلى نجمعها.

و قد يكون مع النّفي استفهام و قد لا يكون،كما تقدّم، فهو أبدا يرفع حكم النّفي،و يوجب نقيضه و هو الإثبات.

و قولهم:«لا أباليه و لا أبالي به»أي لا أهتمّ به، و لا أكترث له.و«لم أبال»و«لم أبل»للتّخفيف،كما حذفوا الياء من المصدر،فقالوا:«لا أباليه بالة»و الأصل:

بالية،مثل عافاه معافاة و عافية.

قالوا:[لا أبالي]و لا تستعمل إلاّ مع الجحد،و الأصل فيه قولهم:تبالى القوم،إذا تبادروا إلى الماء القليل فاستقوا،فمعنى لا أبالي:لا أبادر إهمالا له.

و قال أبو زيد:ما باليت به مبالاة،و الاسم:البلاء، وزان كتاب،و هو الهمّ الّذي تحدّث به نفسك.(1:62)

نحوه مجمع اللّغة(1:126)،و محمّد إسماعيل إبراهيم (1:80)

ص: 675

الفيروزآباديّ: بلي الثّوب كرضي يبلى بلى و بلاء،و أبلاه هو و بلاّه.

و فلان بلي أسفار و بلوها،أي بلاه الهمّ و السّفر و التّجارب.

و بلي شرّ و بلوه:قويّ عليه،مبتلى به.

و بلي و بلو،من أبلاء المال:قيّم عليه.

و هو بذي بلّى كحتّى و إلاّ،و رضيّ،و يكسر.

و بليان:محرّكة،و بكسرتين،مشدّدة الثّالث،إذا بعد عنك حتّى لا تعرف موضعه.

و البليّة:النّاقة،يموت ربّها فتشدّ عند قبره حتّى تموت.كانوا يقولون:صاحبها يحشر عليها،و قد بليت كعني.

و بليّ كرضيّ: قبيلة معروفة،و هو بلويّ.

و بليانة:بلدة بالمغرب.

و ابتليته:اختبرته،و الرّجل فأبلاني:استخبرته فأخبرني،و امتحنته و اختبرته،كبلوته بلوا و بلاء.

و الاسم:البلوى.

و البليّة و البلوة بالكسر،و البلاء:الغمّ،كأنّه يبلي الجسم،و التّكليف بلاء،لأنّه شاقّ على البدن،أو لأنّه اختبار.

و البلاء يكون منحة و يكون محنة.و نزلت بلاء كقطام،أي البلاء.

و أبلاه عذرا:أدّاه إليه فقبله،و الرّجل:أحلفه و حلف له،لازم و متعدّ.

و ابتلي:استحلف و استعرف.

و ما أباليه بالة و بلاء و بالا و مبالاة،أي ما أكترث.

و لم أبال،و لم أبل،و لم أبل بكسر اللاّم.

و الأبلاء:موضع،و كحبلى:موضع بالمدينة.

و«بلى»جواب استفهام،معقود بالجحد،توجب ما يقال لك.

و ابلولى العشب:طال و استمكنت منه الإبل.

و بذي بلّى كربّى،في اللاّم.(4:306)

الطّريحيّ: و في الحديث:«أعوذ بك من الذّنوب الّتي تنزل البلاء».و هي كما جاءت به الرّواية عن سيّد العابدين عليه السّلام:«ترك إغاثة الملهوف،و ترك معاونة المظلوم،و تضييع الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر».

و فيه:«الحمد للّه على ما أبلانا»أي أنعم علينا و تفضّل،من«الإبلاء»الّذي هو الإحسان و الإنعام.

و فيه:«الحمد للّه على ما أبلا و ابتلى»أي على ما أبلى من النّعم و ابتلى من النّقم.

يقال:أبلاه اللّه بلاء حسنا،أي بكثرة المال و الصّحّة و الشّباب؛و ابتلاه،أي بالمرض و الفقر و المشيب.

و فيه:«إنّما بعثتك لأبتليك و أبتلي بك»أي لأمتحنك هل تقوم بما أمرت به من تبليغ الرّسالة و الجهاد و الصّبر، و أبتلي بك قومك:من يتّبعك،و من يتخلّف عنك،و من ينافق معك.

و«ابتليت بهذا العلم»أي اختبرت به و امتحنت.

و فيه:«من لا يبالي ما قال و ما قيل فيه،فهو لغيّة،أو شرك شيطان»و فسّره (1)بمن تعرّض للنّاس يشتمهم، و هو يعلم أنّهم لا يتركونه.

و بلي الميّت،أفنته الأرض.و في حديث الصّادق عليه السّلام..

ص: 676


1- الظّاهر:و فسّر...

و قد سئل عن الميّت يبلى جسده؟قال:«نعم حتّى لا يبقى له لحم و لا عظم إلاّ طينته الّتي خلق منها،فإنّها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة،حتّى يخلق منها كما خلق منها أوّل مرّة».(1:61)

العدنانيّ: و يخطّئون من يستعمل الفعل«بلاه» بالخير،و يقولون:إنّه لا يستعمل إلاّ في الشّرّ.

و الحقيقة هي أنّ هذا الفعل يقال في الشّرّ و الخير كليهما.و قال تعالى في الآية(35)من سورة الأنبياء:

وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً.

و ذكر الفعل«بلا»و مشتقّاته مرارا في القرآن الكريم؛ حيث استعمل في الشّرّ أكثر من استعماله في الخير.

أمّا المعجمات فتقول:إنّ الفعل:بلاه يبلوه بلوا و بلاء،يستعمل في الشّرّ و الخير كليهما:معجم ألفاظ القرآن الكريم الّذي قال:إنّه يستعمل في النّعمة و النّقمة أيضا.

و قال عمر بن الخطّاب:«بلينا بالضّرّاء فصبرنا، و بلينا بالسّرّاء فلم نصبر».

و ممّن أجاز استعمال الفعل«بلاه»في الشّرّ و الخير:

التّهذيب،و الصّحاح الّذي استشهد ببيت زهير بن أبي سلمى في الخير:

جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بكم

و أبلاهما خير البلاء الّذي يبلو.

و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

أمّا:بلا السّفر فلانا و غيره فمعناه:أعياه أشدّ الإعياء.(77)

محمود شيت: أ-بلي الثّوب أو القميص أو غيرهما من التّجهيزات العسكريّة:أدركها البلى،و يجب تعويض العسكريّ بمثلها.

ب-البلاء-يوم البلاء-:يوم الحرب،عند البلاء:

عند الحرب.(1:98)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من تحقيق موارد استعمال هذه المادّة و لا سيّما في القرآن الكريم-الّذي هو الأصل و الحقيقة في لغة العرب،و لا كتاب أفصح منه- و كذلك من تحقيق المعاني المستعملة فيها،و من الجمع بينها:أنّ الأصل الواحد فيها:هو إيجاد التّحوّل،أي التّقليب و التّحويل.و هذا المعنى ينطبق بجميع مواردها و مصاديقها،من دون أن يتجوّز أو يتكلّف فيها.

و أمّا الامتحان و الاختبار و الابتلاء و التّجربة و التّبيين و الإعلام و التّعريف،فكلّ هذه معان مجازيّة و من لوازم الأصل،و آثاره بحسب الموارد.

و بهذا يندفع التّأويل و التّكلّف في تفسير مشتقّات هذه المادّة.[ثمّ ذكر الآيات مع تفسيرها و أضاف:]

و الفرق بين البلو و الإبلاء و المبالاة و الابتلاء:هو اختلاف مقتضيات صيغها،فإنّ في«الإبلاء»توجّه مخصوص إلى جهة صدور التّحويل من الفاعل،و نظر خاصّ إلى قيامه به وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:17.

و في«المبالاة»توجّه مخصوص إلى إطالة الفعل و إدامته:هو لا يبالي بهذا الأمر.

و في«الابتلاء»توجّه مخصوص إلى صدور الفعل

ص: 677

بالطّوع و الرّغبة و الإرادة الخاصّة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

ففي التّحويل في هذه الموارد نظر خاصّ،و توجّه مخصوص إلى صدور الفعل،و قد صدر التّحويل على جهة رغبة و اختيار و ميل خاصّ.

و الفرق بين البلو و التّحويل:أنّ«البلو»إيجاد تحوّل يلازم المضيقة و المحدوديّة،و لو بتوجّه تكليف أو حكم، بخلاف«التّحويل»فإنّه أعمّ من أن توجد حالة منبسطة أو منقبضة.

ثمّ إنّ التّحقيق في مفاهيم كلمات:بلي يبلى بل بلى، يقتضي أن تكون هذه الكلمات مأخوذة من«البلو»فإنّ إيجاد التّحوّل منظور في هذه الألفاظ بزيادة خصوصيّة في كلّ واحد منها،و كذلك«البال».

أمّا كلمة«بلي»-فهي بمناسبة الكسرة في العين- تدلّ على التّحوّل إلى جهة السّفل،فيقال:بلي الثّوب إذا خلق، هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120،لا يزول و لا يضعف.

و أمّا كلمة«بلى»فهي تدلّ على التّصديق و تحويل النّفي إلى الإثبات؛و ذلك بمناسبة الفتحة و الألف.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و أمّا كلمة«بل»فلمّا كانت مجرّدة عن حركة اللاّم و الألف في الآخر،فتدلّ على الإعراض فقط،و هو التّحوّل عن الحكم السّابق مطلقا اِتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ الأنبياء:26،إبطال للسّابق، و إضراب عنه.[ثمّ ذكر الآيات و أضاف:]

انتقال عن السّابق،و إثبات أنّهم ليسوا من المفلحين.(1:318)

النّصوص التّفسيريّة

بلونا-بلوناهم

1- إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ. القلم:17

الطّبريّ: أي بلونا مشركي قريش،يقول:امتحنّاهم فاختبرناهم،كما امتحنّا أصحاب البستان.(29:29)

نحوه الميبديّ.(10:192)

الطّوسيّ: أي اختبرناهم،كما بلونا أصحاب الجنّة بهلاك الثّمار الّتي كانت فيها،حين دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليهم،فقال:«اللّهمّ اشدد وطأتك على مضرّ،و اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف».

فالبلوى:المحنة بشدّة التّعبّد على ما يقتضيه الحال، في صحّة التّكليف.(10:79)

ابن عطيّة: في أنّهم امتحنهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و هداه، كما امتحن أولئك بفعل أبيهم و بأوامر شرعهم،فكما حلّ بأولئك العقاب في جنّتهم،كذلك يحلّ بهؤلاء في جميع دنياهم و في حياتهم.(5:349)

الطّبرسيّ: أي اختبرناهم بالجوع و القحط.

(5:336)

الفخر الرّازيّ: أي كلّفنا هؤلاء أن يشكروا على النّعم،كما كلّفنا أصحاب الجنّة ذات الثّمار،أن يشكروا، و يعطوا الفقراء حقوقهم.(30:87)

القرطبيّ: المعنى أعطيناهم أموالا ليشكروا لا ليبطروا،فلمّا بطروا و عادوا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم ابتليناهم بالجوع

ص: 678

و القحط،كما بلونا أهل الجنّة،المعروف خبرها عندهم.

(18:239)

نحوه البروسويّ(10:114)،و الآلوسيّ(29:29).

الطّباطبائيّ: إِنّا بَلَوْناهُمْ: أصبناهم بالبليّة، كَما بَلَوْنا: و أصبنا بالبليّة أصحاب الجنّة،و كانوا قوما من اليمن و جنّتهم فيها.(19:373)

2- وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

الأعراف:168

الطّبريّ: و اختبرناهم بالرّخاء في العيش، و الخفض في الدّنيا،و الدّعة و السّعة في الرّزق.

(9:104)

مثله الطّوسيّ(5:23)،و الطّبرسيّ(2:494).

الفخر الرّازيّ: أي عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات.(15:43)

مثله البروسويّ.(3:269)

ليبلوا

...وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ... محمّد:4

الطّبريّ: ليختبركم بهم.(26:43)

نحوه الطّوسيّ(9:292)،و القرطبيّ(16:230).

الطّبرسيّ: أي ليمتحن بعضكم ببعض.(5:98)

نحوه أبو حيّان(8:75)،و الآلوسيّ(26:43).

الفخر الرّازيّ: أي و لكن ليكلّفكم به،فيحصل لكم شرف باختياره إيّاكم لهذا الأمر.

فإن قيل:ما التّحقيق في قولنا:التّكليف ابتلاء و امتحان و اللّه يعلم السّرّ و أخفى و ما ذا يفهم من قوله:

وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ؟

نقول فيه وجوه:

الأوّل:أنّ المراد منه يفعل ذلك فعل المبتلين،أي كما يفعل المبتلي المختبر.

و منها أنّ اللّه تعالى يبلو ليظهر الأمر لغيره،إمّا للملائكة و إمّا للنّاس.

و التّحقيق:هو أنّ الابتلاء و الامتحان و الاختبار فعل يظهر بسببه أمر غير متعيّن عند العقلاء بالنّظر إليه، قصدا إلى ظهوره.

و قولنا:فعل يظهر بسببه أمر،ظاهر الدّخول في مفهوم الابتلاء،لأنّ ما لا يظهر بسببه شيء أصلا لا يسمّى ابتلاء.

أمّا قولنا:أمر غير متعيّن عند العقلاء؛و ذلك لأنّ من يضرب بسيفه على القثّاء و الخيار لا يقال:إنّه يمتحن، لأنّ الأمر الّذي يظهر منه متعيّن،و هو القطع و القدّ بقسمين.فإذ ضرب بسيفه سبعا يقال:يمتحن بسيفه ليدفعه عن نفسه،و قد يقدّه و قد لا يقدّه.

و أمّا قولنا:ليظهر منه ذلك،فلأنّ من يضرب سبعا بسيفه ليدفعه عن نفسه،لا يقال:إنّه ممتحن،لأنّ ضربه ليس لظهور أمر متعيّن.

إذا علم هذا،فنقول:اللّه تعالى إذا أمرنا بفعل يظهر بسببه أمر غير متعيّن،و هو إمّا الطّاعة أو المعصية في العقول ليظهر ذلك،يكون ممتحنا و إن كان عالما به، لكون عدم العلم مقارنا فينا لابتلائنا،فإذا ابتلينا-و عدم العلم فينا مستمرّ-أمرنا،و ليس من ضرورات الابتلاء.

ص: 679

فإن قيل:الابتلاء فائدته حصول العلم عند المبتلي، فإذا كان اللّه تعالى عالما فأيّة فائدة فيه؟

نقول:ليس هذا سؤالا يختصّ بالابتلاء،فإنّ قول القائل:لم ابتلى؟كقول القائل:لم عاقب الكافر و هو مستغن؟و لم خلق النّار محرقة و هو قادر على أن يخلقها بحيث تنفع و لا تضرّ؟و جوابه لا يسأل عمّا يفعل.

و نقول حينئذ ما قاله المتقدّمون:«إنّه لظهور الأمر المتعيّن،لا له».

و بعد هذا فنقول:المبتلي لا حاجة له إلى الأمر الّذي يظهر من الابتلاء،فإنّ الممتحن للسّيف فيما ذكرنا من الصّورة لا حاجة له إلى قطع ما يجرّب السّيف فيه حتّى أنّه لو كان محتاجا،كما ضربنا من مثال دفع السّبع بالسّيف،لا يقال:إنّه يمتحن،و قوله: لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ إشارة إلى عدم الحاجة،تقريرا لقوله تعالى:

ذلِكَ وَ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ. [إلى أن قال:]

و ثانيها:هو أنّه تعالى لمّا قال: لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ و المبتلى بالشّيء له على كلّ وجه من وجوه الأثر الظّاهر بالابتلاء حال من الأحوال،فإنّ السّيف الممتحن تزيد قيمته على تقدير أن يقطع،و تنقص على تقدير أن لا يقطع،فحال المبتلين ما ذا؟

فقال:إن قتل،فله أن لا يضلّ عمله،و يهدى و يكرم،و يدخل الجنّة.و أمّا إن قتل،فلا يخفى أمره عاجلا و آجلا.و ترك بيانه على تقدير كونه قاتلا لظهوره،و بين حاله على تقدير كونه مقتولا.

و ثالثها:هو أنّه تعالى لمّا قال: لِيَبْلُوَكُمْ و لا يبتلى الشّيء النّفيس بما يخاف منه هلاكه،فإنّ السّيف المهنّد -العضب الكبير القيمة-لا يجرّب بالشّيء الصّلب الّذي يخاف عليه من الانكسار.لكنّ الآدميّ مكرّم كرّمه اللّه و شرّفه و عظّمه،فلما ذا ابتلاه بالقتال،و هو يفضي إلى القتل و الهلاك إفضاء غير نادر،فكيف يحسن هذا الابتلاء؟

فنقول:القتل ليس بإهلاك،بالنّسبة إلى المؤمن، فإنّه يورث الحياة الأبديّة،فإذا ابتلاه بالقتال فهو على تقدير:أن يقتل مكرّما،و على تقدير:أن لا يقتل مكرّما، هذا إن قاتل.و إن لم يقاتل،فالموت لا بدّ منه،و قد فوّت على نفسه الأجر الكبير.(28:46)

الطّباطبائيّ: استدراك من مشيئة الانتصار،أي و لكن لم ينتصر منهم بل أمركم بقتالهم،ليمتحن بعضكم ببعض،فيمتحن المؤمنين بالكفّار بأمرهم بقتالهم،ليظهر المطيعون من العاصين،و يمتحن الكفّار بالمؤمنين،فيتميّز أهل الشّقاء منهم ممّن يوفّق للتّوبة من الباطل،و الرّجوع إلى الحقّ.

و قد ظهر بذلك أنّ قوله: لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ تعليل للحكم المذكورة في الآية.(18:226)

ليبلوكم

1- ...وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ... المائدة:48

ابن جريج: و لكنّه لم يشأ،لأنّه أراد اختبارهم و ابتلاءهم فيما آتاهم من الكتب و الشّرائع،فليس لهم إلاّ أن يجدّوا في امتثال الأوامر.(أبو حيّان 3:503)

الطّبريّ: فخالف بين شرائعكم ليختبركم،

ص: 680

فيعرف المطيع منكم من العاصي.(6:272)

مثله القرطبيّ(6:211)،و نحوه رشيد رضا(6:

419).

الطّوسيّ: معناه ليختبركم بما كلّفكم من العبادات، و هو عالم بما يؤول إليه أمركم،لأنّه عالم لنفسه.

(3:546)

مثله الطّبرسيّ.(2:203)

الزّمخشريّ: من الشّرائع المختلفة،هل تعملون بها مذعنين معتقدين أنّها مصالح قد اختلفت على حسب الأحوال و الأوقات،معترفين بأنّ اللّه لم يقصد باختلافها إلاّ ما اقتضته الحكمة؟أم تتّبعون الشّبه و تفرّطون في العمل؟(1:618)

أبو السّعود: متعلّق بمحذوف يستدعيه النّظام،أي و لكن لم يشأ ذلك،أي أن يجعلكم أمّة واحدة،بل شاء ما عليه السّنّة الإلهيّة الجارية فيما بين الأمم،ليعاملكم معاملة من يبتليكم.(2:281)

نحوه البروسويّ(2:400)،و الآلوسيّ(6:154).

أبو حيّان:أي و لكن لم يشأ ذلك،ليختبركم فيما آتاكم من الكتب.(3:503)

الطّباطبائيّ: ليست التّكاليف الإلهيّة و الأحكام المشرّعة إلاّ امتحانا إلهيّا للإنسان،في مختلف مواقف الحياة،و إن شئت فقل:إخراجا له من القوّة إلى الفعل، في جانبي السّعادة و الشّقاوة،و إن شئت فقل:تمييزا لحزب الرّحمن و عباده،من حزب الشّيطان.

فقد اختلف التّعبير عنه في الكتاب العزيز،و مآل الجميع إلى معنى واحد،قال تعالى جريا على مسلك الامتحان: وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ آل عمران:141 إلى آخر الآية،إلى غير ذلك من الآيات.(5:352)

2- ...لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ... الأنعام:165

الطّبريّ: ليختبركم فيما خوّلكم من فضله، و منحكم من رزقه.(8:114)

الطّوسيّ: معناه فعل بكم ذلك ليجزيكم فيما أعطاكم.و القديم تعالى لا يبتلي خلقه ليعلم ما لم يكن عالما به،لأنّه تعالى عالم بالأشياء قبل كونها.و إنّما قال ذلك،لأنّه يعامل معاملة الّذي يبلو،مظاهرة في العدل، و انتفاء من الظّلم.(4:365)

نحوه الطّبرسيّ.(2:393)

الميبديّ: أي ليبتليكم فيما أعطاكم،ليخبركم فيما رزقكم.(3:542)

الفخر الرّازيّ: و قد ذكرنا أنّ حقيقة الابتلاء و الامتحان على اللّه محال،إلاّ أنّ المراد هو التّكليف،و هو عمل لو صدر من الواحد منّا لكان ذلك شبيها بالابتلاء و الامتحان،فسمّي بهذا (1)الاسم،لأجل هذه المشابهة.

ثمّ إنّ هذا المكلّف إمّا أن يكون مقصّرا فيما كلّف به، و إمّا أن يكون موفّرا فيه.

فإن كان الأوّل كان نصيبه من التّخويف و التّرهيب، و هو قوله: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ و وصف العقاب بالسّرعة،لأنّ ما هو آت قريب.

و إن كان الثّاني،و هو أن يكون موفّرا في تلكا!

ص: 681


1- في الأصل:لهذا!

الطّاعات،كان نصيبه من التّشريف و التّرغيب،هو قوله: وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. (14:13)

القرطبيّ: (ليبلوكم)نصب بلام كي،و الابتلاء:

الاختبار،أي ليظهر منكم ما يكون غايته الثّواب و العقاب و لم يزل بعلمه غنيّا،فابتلى الموسر بالغنى و طلب منه الشّكر،و ابتلى المعسر بالفقر و طلب منه الصّبر،و يقال: لِيَبْلُوَكُمْ أي بعضكم ببعض،كما قال:

وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً الفرقان:20.

(7:158)

أبو السّعود: أي ليعاملكم معاملة من يبتليكم.

(2:470)

نحوه البروسويّ(3:132)،و الآلوسيّ(8:73)

3- لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. هود:7

الطّبريّ: ليختبركم.(12:5)

عبد الجبّار: قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً يدلّ على أنّه أراد أن يستدلّ بهذه الأمور، و البلوى هو التّكليف منه،و إن كان في ظاهره يوهم أنّ المبتلي يتعرّف و يستخبر ما لا يعرف،لكن ذلك يستحيل على اللّه تعالى.

و ليس فيه دلالة على أنّه الخالق لأفعالهم،بل يدلّ على خلافه،لأنّ الابتلاء و الامتحان و التّكليف لا يصحّ إلاّ مع القدرة و التّمكين من الأفعال على ما نقوله في هذا الباب.(1:374)

الطّوسيّ: معناه ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر مظاهرة في العدل،لئلاّ يتوهّم أنّه يجازي العباد بحسب ما في المعلوم،أنّه يكون منهم قبل أن يفعلوه.

(5:518)

مثله الطّبرسيّ(3:144)،نحوه الطّريحيّ(1:61).

الميبديّ: أي ليختبركم اختبار المعلّم لا اختبار المستعلم،يقول:خلقكم ليتعبّدكم فيظهر الأحسن منكم عملا،فيجازيه بقدره.(4:354)

الزّمخشريّ: (ليبلوكم)متعلّق ب(خلق)أي خلقهنّ لحكمة بالغة،و هي أن يجعلها مساكن لعباده، و ينعم عليهم فيها بفنون النّعم،و يكلّفهم الطّاعات و اجتناب المعاصي،فمن شكر و أطاع أثابه،و من كفر و عصى عاقبه.

و لمّا أشبه ذلك اختبار المختبر قال: لِيَبْلُوَكُمْ يريد ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون؟

فإن قلت:كيف جاز تعليق فعل البلوى؟

قلت:لما في الاختبار من معنى العلم،لأنّه طريق إليه،فهو ملابس له،كما تقول:انظر أيّهم أحسن وجها، و استمع أيّهم أحسن صوتا،لأنّ النّظر و الاستماع من طرق العلم.(2:259)

الفخر الرّازيّ: الابتلاء:إنّما يصحّ على الجاهل بعواقب الأمور،و ذلك عليه تعالى محال،فكيف يعقل حصول معنى الابتلاء في حقّه؟

و الجواب:أنّ هذا الكلام على سبيل الاستقصاء، ذكرناه في تفسير قوله تعالى في أوّل سورة البقرة.

و اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن أنّه خلق هذا العالم لأجل ابتلاء المكلّفين و امتحانهم،فهذا يوجب القطع بحصول الحشر و النّشر،لأنّ الابتلاء و الامتحان يوجب

ص: 682

تخصيص المحسن بالرّحمة و الثّواب،و تخصيص المسيء بالعقاب؛و ذلك لا يتمّ إلاّ مع الاعتراف بالمعاد و القيامة، فعند هذا خاطب محمّدا عليه الصّلاة و السّلام،و قال:

وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ هود:7،و معناه أنّهم ينكرون هذا الكلام،و يحكمون بفساد القول بالبعث.

(17:188)

القرطبيّ: أي خلق ذلك ليبتلي عباده بالاعتبار و الاستدلال،على كمال قدرته و على البعث.(9:9)

النّيسابوريّ: و أمّا قوله:(ليبلوكم)فالمعتزلة قالوا:اللاّم للتّعليل؛و ذلك أنّه خلق هذا العالم الكبير لأجل مصالح المكلّفين،و أن يعاملهم معاملة المختبر المبتلي لأحوالهم كيف يعملون،فيجازي كلّ فريق بما يستحقّه.

و الأشاعرة قالوا:إنّ أحكامه غير معلّلة بالمصالح، و معناه أنّه فعل فعلا لو كان يفعله من يجوز عليه رعاية المصالح لما فعله إلاّ لهذا الغرض.[و أضاف بمثل ما تقدّم عن الزّمخشريّ](12:9)

أبو حيّان:[بعد ذكر كلام الزّمخشريّ قال:]

و في قوله:«و من كفر و عصى،عاقبه»دسيسة الاعتزال.

و أمّا قوله:«و استمع أيّهم أحسن صوتا»فلا أعلم أحدا ذكر أنّ«استمع»تعلّق و إنّما ذكروا من غير أفعال القلوب«سل و انظر».و في جواز تعليق«رأى» البصريّة،خلاف.

و قيل:(ليبلوكم)متعلّق بفعل محذوف،تقديره:

أعلم بذلك ليبلوكم.و مقصد هذا التّأويل أنّ هذه المخلوقات لم تكن بسبب البشر.

و قيل:تقدير الفعل:و خلقكم ليبلوكم.

و قيل:في الكلام جمل محذوفة،التّقدير:و كان خلقه لهما لمنافع يعود عليكم نفعها،في الدّنيا دون الأخرى، و فعل ذلك(ليبلوكم).(5:205)

البروسويّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»الابتلاء على قسمين:

قسم للسّعداء،و هو بلاء حسن؛و ذلك أنّ السّعيد لا يجعل المكوّنات مطلبه و مقصده الأصليّ،بل يجعل ذلك حضرة المولى و الرّفيق الأعلى،و يجعل ما سوى المولى بإذن مولاه،و أمره و نهيه وسيلة إلى القربات و تحصيل الكمالات،فهو أحسن عملا.

و قسم للأشقياء،و هو بلاء سيّئ؛و ذلك أنّ الشّقيّ يجعل المكوّنات مطلبه و مقصده الأصليّ و يتقيّد بشهواتها و لذّاتها،و لم يتخلّص من نار الحرص عليها و الحسرة على فواتها،و يجعل ما أنعم اللّه عليه به من الطّاعات و العلوم الّتي هي ذريعة إلى الدّرجات و القربات،وسيلة إلى نيل مقاصده الفانية،و استيفاء شهواته النّفسانيّة،فهو أسوء عملا.(4:100)

الآلوسيّ: اللاّم للتّعليل مجازا،متعلّقة ب(خلق)أي خلق السّماوات و الأرض و ما فيهما من المخلوقات الّتي من جملتها أنتم،و رتّب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من مبادئ وجودكم،و أسباب معاشكم،و أودع في تضاعيفهما ما تستدلّون به من تعاجيب الصّنائع و العبر على مطالبكم الدّينيّة،ليعاملكم معاملة من يختبركم.

ص: 683

[ثمّ ذكر ما تقدّم عن أبي حيّان في متعلّق(ليبلوكم) و أضاف:]

و الابتلاء في الأصل:الاختبار،و الكلام خارج مخرج التّمثيل و الاستعارة،و لا يصحّ إرادة المعنى الحقيقيّ،لأنّه إنّما يكون لمن لا يعرف عواقب الأمور.

و قيل:إنّه مجاز مرسل عن العلم،للتّلازم بين العلم و الاختبار،و هو محوج إلى تكلّف أن يراد:ليظهر تعلّق علمه الأزليّ،و إلاّ فالعلم القديم الذّاتيّ ليس متفرّعا على غيره،و ما تقدّم لا تكلّف فيه،و هو مع بلاغته مصادف محزّه.(12:10)

محمّد عزّة دروزة: و ينطوي في الآية الأولى تقرير كون النّاس في جملة ما خلقه اللّه من مخلوقات،على ما تلهمه الفقرة الّتي جاء فيها لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. و قد هدفت هذه الفقرة إلى تقرير حكمة اللّه في خلق النّاس،و هي اختبارهم في أعمالهم،و إظهار من هو الأحسن عملا فيهم.

و ينطوي في هذا تقرير قابليّة النّاس للسّير الحرّ، و الإرادة الحرّة،و الاختبار بين الهدى و الضّلال و الخير و الشّرّ،ليكونوا قد استحقّوا جزاء اللّه العادل على اختيارهم.

و في هذا إيقاظ لضمير الإنسان،و جعله رقيبا على صاحبه،و حفزه إلى الهدى و الخير دون الضّلال و الشّرّ.

و قد تكرّر هذا أكثر من مرّة لما له من أثر و خطورة في أعمال البشر،و واقع حياتهم.(4:59)

الطّباطبائيّ: اللاّم للغاية،و البلاء:الامتحان و الاختبار،و قوله: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً بيان للاختبار و الامتحان في صورة الاستفهام.و المراد أنّه تعالى خلق السّماوات و الأرض على ما خلق لغاية امتحانكم،و تمييز المحسنين منكم من المسيئين.

و من المعلوم أنّ البلاء و الامتحان أمر مقصود لغيره، و هو تمييز الجيّد من الرّديء و الحسن من السّيء؛و كذلك الحسنة و السّيّئة إنّما يراد تميزهما،لأجل ما يترتّب عليهما من الجزاء؛و كذلك الجزاء إنّما يراد،لأجل ما فيه من انجاز الوعد الحقّ.

و لذلك نجده تعالى يذكر كلّ واحد من هذه الأمور المترتّبة غاية للخلقة،فقال في كون الابتلاء غاية للخلقة: إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف:7.

و قال في معنى التّمييز و التّمحيص: لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الأنفال:37.

و قال في خصوص الجزاء: وَ خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ الجاثية:22.

و قال في كون الإعادة لإنجاز الوعد: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ الأنبياء:

104،إلى غير ذلك من الآيات.

و قال في كون العبادة غرضا في خلق الثّقلين:

وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56.

و عدّ العمل الصّالح أو الإنسان المحسن غاية للخلقة، لا ينافي اشتمال الخلقة على غايات أخرى،بعد ما كان الإنسان أحد تلك الغايات حقيقة،لأنّ الوحدة و الاتّصال الحاكم على العالم يصحّح كون كلّ واحد من

ص: 684

أنواع الموجودات غاية للخلقة،بما أنّه محصول الارتباط نتيجة الازدواج العامّ بين أجزائه،فمن الجائز أن يخاطب كلّ نوع من أنواع الخليقة أنّه المطلوب المقصود من خلق السّماوات و الأرض،بما أنّها تؤدّي إليه.

على أنّ الإنسان أكمل و أتقن المخلوقات الجسمانيّة من السّماوات و الأرض و ما فيهما صنعا،و لئن نما في جانب العلم و العمل نماء حسنا كان أفضل ذاتا ممّا سواه، و أرفع مقاما،و أعلى درجة من غيره و إن كان بعض الخليقة كالسّماء أشدّ منه خلقا،كما ذكره اللّه تعالى.

و من المعلوم أنّ كمال الصّنع هو المقصود منه إذا اشتمل على ناقص،و لذا كنّا نعدّ مراحل وجود الإنسان المختلفة من المنويّة و الجنينيّة و الطّفوليّة و غيرها،مقدّمة لوجود الإنسان السّويّ الكامل،و هكذا.

و بهذا البيان يظهر أنّ أفضل أفراد الإنسان-إن كان فيهم من هو أفضل مطلقا-غاية لخلق السّماوات و الأرض،و لفظ الآية أيضا لا يخلو عن إشارة أو دلالة على ذلك،فإنّ قوله: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً يفيد أنّ القصد إلى تمييز من هو أحسن عملا من غيره،سواء كان ذلك الغير محسنا أو مسيئا.

فمن كان عمله أحسن من سائر الأفراد-سواء كانوا محسنين و أعمالهم دون عمله أو مسيئين-كان تمييزه منهم هو الغرض المقصود من الخلقة،و بذلك يستصحّ ما ورد في الحديث القدسيّ من خطابه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله:

«لولاك لما خلقت الأفلاك»فإنّه صلّى اللّه عليه و آله أفضل الخلق.

و في«المجمع»قال الجبّائيّ: و في الآية دلالة على أنّه كان قبل خلق السّماوات و الأرض و الملائكة،لأنّ خلق العرش على الماء لا وجه لحسنه إلاّ أن يكون فيه لطف لمكلّف،يمكنه الاستدلال به،فلا بدّ حينئذ من حيّ مكلّف.

و قال عليّ بن عيسى: لا يمتنع أن يكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلّفين،فلا يجب ما قاله الجبّائيّ،و هو الّذي اختاره المرتضى قدّس اللّه روحه،انتهى.

أقول:و ما ذكراه مبنيّ على ما ذهب إليه المعتزلة:أنّ أفعال اللّه سبحانه معلّلة بالأغراض و تابعة للمصالح و جهات الحسن،و لو كان ذلك بأن يخلق خلقا ليخبر بذلك المكلّفين فيعتبروا به و يؤمنوا له،فيتمّ بذلك مصلحة من مصالحهم.

و قد تقدّم في أبحاثنا السّابقة:أنّ اللّه سبحانه لا يحكم عليه و لا يؤثّر فيه غيره،سواء كان ذلك الغير مصلحة أو أيّ شيء آخر مفروض،و أنّ غيره-أيّ شيء فرض- مخلوق له مدبّر بأمره،إن كان أمرا ذا واقعيّة و وجود،إن الحكم إلاّ للّه،و اللّه خالق كلّ شيء.

فجهات الحسن و المصلحة،و هي الّتي تحكم علينا و تبعثنا نحو أفعالنا،أمور خارجة عن أفعالنا،مؤثّرة فينا، من جهة كوننا فاعلين،نروم بها إلى سعادة الحياة،و أمّا هو سبحانه فإنّه أجلّ من ذلك.

و ذلك أنّ جهات الحسن و المصلحة هذه إنّما هي قوانين عامّة،مأخوذة من نظام الكون،و الرّوابط الدّائرة بين أجزاء الخلقة،و من الضّروريّ أنّ الكون و ما فيه من النّظام الجاري فعله سبحانه،و من الممتنع جدّا أن يتقدّم المفهوم المنتزع على ما انتزع منه من الفعل ثمّ يتخطّاه، و لا يقنع حتّى يتقدّم على فاعله الموجد له.

ص: 685

و أمّا ما في الآية من تعليل خلق السّماوات و الأرض بقوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً و نظائره الكثيرة في القرآن،فإنّما هو و أمثاله من قبيل التّعليل بالفوائد المترتّبة و المصالح المتفرّعة.

و قد أخبر تعالى أنّ فعله لا يخلو من الحسن؛إذ قال:

اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ الم السّجدة:7،فهو سبحانه هو الخير لا شرّ فيه،و هو الحسن لا قبح عنده، و ما كان كذلك لم يصدر عنه شرّ،و لا قبيح البتّة.

و ليس مقتضى ما تقدّم أن يكون معنى الحسن هو ما صدر عنه تعالى،أو الّذي أمر به و إن استقبحه العقل، و معنى القبيح هو ما لا يصدر عنه أو الّذي نهى عنه و إن استحسنه العقل و استصوبه،فإنّ ذلك يأباه أمثال قوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ الأعراف:28.

(10:151)

4- اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... الملك:2

الفرّاء: لم يوقع البلوى على(أيّ)لأنّ فيما بين(أيّ) و بين البلوى إضمار فعل،كما تقول في الكلام:بلوتكم لأنظر أيّكم أطوع فكذلك فاعمل فيما تراه قبل،أي ممّا يحسن فيه إضمار النّظر،في قولك:اعلم أيّهم ذهب، و شبهه.

و كذلك قوله: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ القلم:

40،يريد سلهم،ثمّ انظر أيّهم يكفل بذلك.

و قد يصلح مكان«النّظر»القول في قولك:اعلم أيّهم ذهب،لأنّه يأتيهم،فيقول:أيّكم ذهب؟فهذا شأن هذا الباب،و قد فسّر في غير هذا الموضع.

و لو قلت:اضرب أيّهم ذهب،لكان نصبا،لأنّ «الضّرب»لا يحتمل أن يضمر فيه النّظر،كما احتمله العلم و السّؤال و البلوى.(3:169)

الزّجّاج: خلق اللّه الموت للبعث و الجزاء،و خلق الحياة للابتلاء؛فاللاّم في(ليبلوكم)تتعلّق بخلق الحياة، لا بخلق الموت.(القرطبيّ 18:207)

الطّبريّ: ليختبركم،فينظر أيّكم له أيّها النّاس أطوع،و إلى طلب رضاه أسرع.(29:1)

نحوه الميبديّ(10:171)،و الطّبرسيّ(5:322).

الزّمخشريّ: سمّي علم الواقع منهم باختيارهم «بلوى»و هي الخبرة،استعارة من فعل المختبر،و نحوه قوله تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ محمّد:31.

فإن قلت:من أين تعلّق قوله: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً بفعل البلوى؟.

قلت:من حيث إنّه تضمّن معنى العلم،فكأنّه قيل:

ليعلمكم أيّكم أحسن عملا.

و إذا قلت:علمته أزيد أحسن عملا أم هو؟كانت هذه الجملة واقعة موقع الثّاني من مفعوليه،كما تقول:

علمته هو أحسن عملا.(4:134)

الفخر الرّازيّ: الابتلاء:هو التّجربة و الامتحان حتّى يعلم أنّه هل يطيع أو يعصي،و ذلك في حقّ من وجب أن يكون عالما بجميع المعلومات أزلا و أبدا محال، إلاّ أنّا قد حقّقنا هذه المسألة في تأويل قوله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ البقرة:124.

ص: 686

و الحاصل أنّ الابتلاء من اللّه هو أن يعامل عبده معاملة تشبه الابتلاء على المختبر.

احتجّ القائلون بأنّه تعالى يفعل الفعل لغرض، بقوله:(ليبلوكم)قالوا:هذه اللاّم للغرض،و نظيره قوله تعالى: إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56.

و جوابه:أنّ الفعل في نفسه ليس بابتلاء إلاّ أنّه لمّا أشبه الابتلاء سمّي مجازا،فكذا هاهنا،فإنّه يشبه الغرض و إن لم يكن في نفسه غرضا،فذكر فيه حرف الغرض.

(30:55)

القرطبيّ: قيل:معنى(ليبلوكم)ليعاملكم معاملة المختبر،أي ليبلو العبد بموت من يعزّ عليه ليبيّن صبره، و بالحياة ليبيّن شكره.(18:207)

النّيسابوريّ: و معنى الغاية في قوله:(ليبلوكم) أنّه إذا علم أنّ وراء الموت حياة و حالة يستوي فيها الغنيّ و الفقير و المولى و العبد و لا ينفعه إلاّ ما قدّم من خير، صار ذلك داعيا إلى حسن العمل،و زاجرا عن ضدّه.

و كذا لو قيل:إنّ الموت حال كونه نطفة،و الحياة نفخ الرّوح في الجنين؛فإنّه إذا تفكّر في أمور نفسه،علم أنّ وراء هذه الحياة موتا ينقطع به تدارك ما فات،و أنّ الدّنيا مزرعة الآخرة.(29:6)

أبو حيّان: (ليبلوكم)متعلّق ب(خلق)و أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً مبتدأ و خبر.فقدّر الحوفيّ قبلها:فعلا، تكون الجملة في موضع معموله،و هو معلّق عنها، تقديره:فينظر؛و قدّر ابن عطيّة:فينظر أو فيعلم.

(8:297)

البروسويّ: اللاّم متعلّقة ب(خلق)،و ظاهرها يدلّ على أن أفعال اللّه معلّلة بمصالح العباد،و أنّه تعالى يفعل الفعل لغرض،كما ذهب إليه المعتزلة.

و عند أهل السّنّة:ليس هي على ظاهرها بل معناها أنّ اللّه تعالى فعل فعلا لو كان يفعله من يراعي المصالح لم يفعله إلاّ لتلك المصلحة و الغرض،فمثل هذه اللاّم لام العلّة عقلا و لام الحكمة و المصلحة شرعا.

و(ايّكم)مبتدأ،و(احسن)خبره،و(عملا)تمييز، و الجملة الاسميّة سادّة مسدّ المفعول الثّاني لفعل «البلوى»،عدّي إليه بلا واسطة،لتضمّنه معنى«العلم» باعتبار عاقبته،و إلاّ فهو لا يتعدّى بلا واسطة إلاّ إلى مفعول واحد.

فليس هو من قبيل التّعليق المشهور،الّذي يقتضي عدم إيراد المفعول أصلا-و قد ذكر المفعول الأوّل هنا، و هو(كم)مع اختصاصه بأفعال القلوب-و لا من التّضمين المصطلح،بل هو مستعار لمعنى العلم-البلوى:

الاختبار-و ليس هنا على حقيقته،لأنّه إنّما يتصوّر ممّن يخفى عليه عواقب الأمور.

فالابتلاء من اللّه:أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه في الغيب،و المعنى ليعاملكم معاملة من يختبركم.

(10:76)

الآلوسيّ: أي ليعاملكم معاملة من يختبركم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً أي أصوبه و أخلصه،فيجازيكم على مراتب متفاوتة،حسب تفاوت مراتب أعمالكم.

و أصل البلاء:الاختبار،و لأنّه يقتضي عدم العلم بما اختبره-و هو غير صحيح في حقّه عزّ و جلّ-حمل الكلام على ما ذكر،و يرجع ذلك إلى الاستعارة

ص: 687

التّمثيليّة،و اعتبار الاستعارة التّبعيّة فيه دونها،دون في البلاغة.(29:5)

الطّباطبائيّ: البلاء:الامتحان،و المراد أن خلقكم هذا النّوع من الخلق-و هو أنّكم تحيون ثمّ تموتون-خلق مقدّميّ امتحانيّ يمتاز به منكم من هو أحسن عملا من غيره.و من المعلوم أنّ الامتحان و التّمييز لا يكون إلاّ لأمر ما يستبقكم بعد ذلك،و هو جزاء كلّ بحسب عمله.

و في الكلام مع ذلك إشارة إلى أنّ المقصود بالذّات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء؛حيث ذكر حسن العمل،و امتياز من جاء بأحسنه،فالمحسنون عملا هم المقصودون بالخلقة،و غيرهم مقصودون لأجلهم.

(19:349)

ليبلونّكم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ... المائدة:94

أبو عبيدة :أي ليختبرنّكم و ليبتلينّكم.(1:175)

الطّبريّ: ليختبرنّكم اللّه بشيء من الصّيد،يعني ببعض الصّيد.و إنّما أخبرهم تعالى ذكره أنّه يبلوهم بشيء،لأنّه لم يبلهم بصيد البحر،و إنّما ابتلاهم بصيد البرّ،فالابتلاء ببعض لم يمتنع.(7:39)

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى للمؤمنين، و قسم منه أنّه يبلوهم بشيء من الصّيد،لأنّ اللاّم في قوله:(ليبلونّكم)لام القسم،و«الواو»مفتوحة لالتقاء السّاكنين في قول بعضهم،مثل«واو»اغزونّ.

و أمّا واو(ليبلونّكم)قال سيبويه:هي مبنيّة على الفتح،و قال الزّجّاج:فتحت«واو»(ليبلونّكم)لأنّها حرف الإعراب الّذي تتعاقب عليه الحركات.و ضمّت «واو»(لتبلونّ)لأنّها واو الجمع،فصحّ لالتقاء السّاكنين،نحو قوله: فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَ اخْشَوْنِ المائدة:44.

و معنى(ليبلونّكم)ليختبرنّ طاعتكم من معصيتكم بشيء من الصّيد،و أصله:إظهار باطن الحال،و منه البلاء للنّعمة،لأنّه يظهر به باطن حال المنعم عليه في الشّكر و الكفر.(4:23)

نحوه الفخر الرّازيّ.(12:85)

الطّبرسيّ: أي ليختبرنّ اللّه طاعتكم عن معصيتكم.(2:244)

القرطبيّ: أي ليختبرنّكم،و الابتلاء:الاختبار.

[إلى أن قال:]

اختلف العلماء من المخاطب بهذه الآية،على قولين:

أحدهما:أنّهم المحلّون،قاله مالك.

الثّاني:أنّهم المحرمون،قاله ابن عبّاس.و تعلّق بقوله تعالى:(ليبلونّكم)فإنّ تكليف الامتناع الّذي يتحقّق به الابتلاء هو مع الإحرام.

قال ابن العربيّ: و هذا لا يلزم،فإنّ التّكليف يتحقّق في المحلّ بما شرط له من أمور الصّيد،و ما شرع له من وصفه في كيفيّة الاصطياد.

و الصّحيح أنّ الخطاب في الآية لجميع النّاس محلّهم و محرمهم،لقوله تعالى: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ أي ليكلّفنّكم،و التّكليف كلّه ابتلاء و إن تفاضل في الكثرة و القلّة،و تباين في الضّعف و الشّدّة.(6:299)

ص: 688

نحوه أبو حيّان.(4:16)

البروسويّ: يقال:بلوته بلوا:جرّبته و اختبرته، و اللاّم جواب قسم محذوف،أي و اللّه ليعاملنّكم معاملة من يختبركم،ليتعرّف أحوالكم.(2:438)

نحوه الآلوسيّ(7:21)،و الطّباطبائيّ(6:138).

تبلوا

هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ... يونس:30

ابن عبّاس: معنى(تبلوا)تخبر.

(الطّوسيّ 5:425)

مجاهد :تختبر.(القرطبيّ 8:334)

السّدّيّ: أي تتبع.(القرطبيّ 8:334)

الكلبيّ: تعلم.(القرطبيّ 8:334)

ابن زيد :تعاين.(الطّوسيّ 5:425)

الفرّاء: تقرأ.(الطّوسيّ 5:425)

أبو عبيدة :أي تخبر،و تجد.و(تتلوا):تتبع.

(1:278)

نحوه الأخفش.(2:568)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ بالباء،بمعنى عند ذلك تختبر كلّ نفس بما قدّمت من خير أو شرّ،و كان ممّن يقرؤه و يتأوّله كذلك مجاهد.

و قرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة و بعض أهل الحجاز (تتلوا كلّ نفس ما اسلفت) بالتّاء.

و اختلف قارءو ذلك كذلك في تأويله،فقال بعضهم:معناه و تأويله:هناك تتبع كلّ ما قدّمت في الدّنيا لذلك اليوم.و قال آخرون:تبلو:تعاين.[إلى أن قال:]

و الصّواب من القول في ذلك،أن يقال:إنّهما قراءتان مشهورتان،قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمّة من القرّاء، و هما متقاربتا المعنى.

و ذلك أنّ من تبع في الآخرة ما أسلف من العمل في الدّنيا،هجم به على مورده،فيخبر هنالك ما أسلف من صالح أو سيّئ في الدّنيا،و إنّ من خبر من أسلف في الدّنيا من أعماله في الآخرة،فإنّما يخبر بعد مصيره إلى حيث أحلّه ما قدّم في الدّنيا من عمله،فهو في كلتا الحالتين متبع ما أسلف من عمله،مختبر له.فبأيّتهما قرأ القارئ كما وصفنا،فمصيب الصّواب في ذلك.(11:112)

نحوه أبو زرعة.(331)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصما(تتلوا) بالتّاء من التّلاوة،و الباقون بالباء،و معناه تخبر،من قوله: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:

168،أي اختبرناهم،و منه قولهم:البلاء ثمّ الثّناء،أي الاختبار للثّناء عليه ينبغي أن يكون قبل الثّناء،ليكون عن علم بما يوجبه.

و معنى اختبار النّفس ما أسلفت:إن قدّم خيرا أو شرّا جزي عليه،كما قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8، و غير ذلك.[ثمّ ذكر القراءتين نحو ما تقدّم عن الطّبريّ]

(5:424)

الميبديّ: تَبْلُوا أي تقاسي كلّ نفس جزاء ما عملت كقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزّلزال:7.

ص: 689

و على قراءة حمزة و الكسائيّ(تتلوا)أي تقرأ كلّ نفس صحيفتها.(4:286)

الزّمخشريّ: (تبلوا كلّ نفس)تختبر و تذوق، (ما اسلفت)من العمل،فتعرف كيف هو أ قبيح أم حسن؟ أ نافع أم ضارّ،أم مقبول أم مردود؟كما يختبر الرّجل الشّيء و يتعرّفه ليكتنه حاله،و منه قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

و عن عاصم: (نبلوا كلّ نفس)بالنّون و نصب(كلّ) أي نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل،فنعرف حالها بمعرفة حال عملها،إن كان حسنا فهي سعيدة،و إن كان سيّئا فهي شقيّة.

و المعنى:نفعل بها فعل الخابر،كقوله تعالى:

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الملك:2.

و يجوز أن يراد:نصيب بالبلاء و هو العذاب،كلّ نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشّرّ.(2:235)

الفخر الرّازيّ: و في قوله:(تبلوا)مباحث:[ذكر القراءات نحو ما تقدّم عن الطّبريّ و أضاف:]

و لقائل أن يقول:إنّ في ذلك الوقت تنكشف نتائج الأعمال و تظهر آثار الأفعال،فكيف يجوز تسمية حدوث العلم بالابتلاء؟و جوابه:أنّ الابتلاء سبب لحدوث العلم،و إطلاق اسم السّبب على المسبّب مجاز مشهور.(17:85)

نحوه البيضاويّ(1:446)،و أبو حيّان(5:153)

القرطبيّ: أي تذوق،و قيل:تسلّم،أي تسلم ما عليها من الحقوق إلى أربابها،بغير اختيارها.

(8:334)

الآلوسيّ: و قرأ حمزة و الكسائيّ(تتلوا)من التّلاوة؛بمعنى القراءة،و المراد قراءة صحف ما أسلفت، و قيل:إنّ ذلك كناية عن ظهور الأعمال.

و جوّز أن يكون من التّلوّ»على معنى أنّ العمل يتجسّم و يظهر،فيتبعه صاحبه حتّى يرد به الجنّة أو النّار،أو هو تمثيل.

و قرأ عاصم في رواية عنه(نبلوا)بالباء الموحّدة و النّون،و نصب(كلّ)على أنّ فاعل(نبلو)ضميره تعالى،و(كلّ)مفعوله،و(ما)بدل منه بدل اشتمال، و الكلام استعارة تمثيليّة،أي هنالك نعامل كلّ نفس معاملة من يبلوها و يتعرّف أحوالها من السّعادة و الشّقاوة،باختبار ما أسلفت من العمل.(11:109)

الطّباطبائيّ: البلاء:الاختبار،و الإشارة بقوله:

(هنالك)إلى الموقف الّذي ذكره بقوله: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ يونس:

28.

فذلك الموقف موقف تختبر و تمتحن كلّ نفس ما أسلفت و قدّمت من الأعمال،فتنكشف لها حقيقة أعمالها،و تشاهدها مشاهدة عيان،لا مجرّد الذّكر أو البيان.

و بمشاهدة الحقّ من كلّ شيء عيانا ينكشف أنّ المولى الحقّ هو اللّه سبحانه،و تسقط و تنهدم جميع الأوهام،و تضلّ جميع الدّعاوي الّتي يفتريها الإنسان، بأوهامه و أهوائه على الحقّ.

فهذه الافتراءات و الدّعاوي جميعا إنّما نشأت من حيث الرّوابط الّتي نضعها في هذه الدّنيا بين الأسباب

ص: 690

و المسبّبات،و الاستقلال و المولويّة الّتي نعطيها الأسباب، و لا إله إلاّ اللّه و لا مولى حقّا إلاّ هو سبحانه.

فإذا انجلت حقيقة الأمر،و انكشف غيم الوهم، و انهتك حجاب الدّعاوي،ظهر أنّ لا مولى حقّا إلاّ هو سبحانه،و بطل جميع الآلهة الّتي إنّما أثبتها الافتراء من الإنسان،و سقطت و حبطت جميع الأعمال إلاّ ما عبد به سبحانه عبادة حقّ.

فالفقرات الثّلاث من الآية،أعني قوله: تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ إلخ،و قوله: رُدُّوا إِلَى اللّهِ إلخ،و قوله: ضَلَّ عَنْهُمْ إلخ،كلّ منها تعيّن الأخريين على إفادة حقيقة معناها،و محصّل مفاد المجموع ظهور حقيقة الولاية الإلهيّة يومئذ ظهور عيان،و أنّ ليس لغيره تعالى إلاّ الفقر و المملوكيّة المحضة،فيبطل عند ذلك كلّ دعوى باطلة، و ينهدم بنيان الأوهام.

كما يشير إلى ذلك قوله: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ الكهف:44،و قوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:

16،و قوله: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19 و غير ذلك.(10:47)

لنبلوهم

إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. الكهف:7

ابن إسحاق :اختبارا لهم أيّهم أتبع لأمري، و أعمل بطاعتي.(الطّبريّ 15:196)

الميبديّ: أي لنأمرهم بالطّاعة،و ننهاهم عن المعصية.(5:643)

الطّبرسيّ: أي لنختبرهم و نمتحنهم،و المعنى لنعامل عبادنا معاملة المبتلي.و قيل:إنّ معنى الابتلاء:

الأمر و النّهي،لأنّ بهما يظهر المطيع من العاصي.

(3:450)

الفخر الرّازيّ: قوله: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ففيه مسائل:

المسألة الأولى:ذهب هشام بن الحكم إلى أنّه تعالى لا يعلم الحوادث إلاّ عند دخولها في الوجود (1)،فعلى هذا الابتلاء و الامتحان على اللّه جائز.

و احتجّ عليه بأنّه تعالى لو كان عالما بالجزئيّات قبل وقوعها لكان كلّ ما علم وقوعه واجب الوقوع،و كلّ ما علم عدمه ممتنع الوقوع،و إلاّ لزم انقلاب علمه جهلا، و ذلك محال،و المفضي إلى المحال محال.

ذلك و لو كان واجبا فالّذي علم وقوعه يجب كونه فاعلا له و لا قدرة له على التّرك،و الّذي علم عدمه يكون ممتنع الوقوع و لا قدرة له على الفعل؛و على هذا يلزم أن لا يكون اللّه قادرا على شيء أصلا بل يكون موجبا بالذّات،و أيضا فيلزم أن لا يكون للعبد قدرة لا على الفعل و لا على التّرك،لأنّ ما علم اللّه وقوعه امتنع من العبد تركه،و ما علم اللّه عدمه امتنع منه فعله.

فالقول بكونه تعالى عالما بالأشياء قبل وقوعها يقدح في الرّبوبيّة و في العبوديّة،و ذلك باطل؛فثبت أنّه تعالى إنّما يعلم الأشياء عند وقوعها.و على هذا التّقدير:

فالابتلاء و الامتحان و الاختبار جائز عليه،و عند هذا

ص: 691


1- لم يثبت هذا القول عن هشام.

قال:يجري قوله تعالى: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً على ظاهره.

و أمّا جمهور علماء الإسلام فقد استبعدوا هذا القول، و قالوا:إنّه تعالى من الأزل إلى الأبد عالم بجميع الجزئيّات،فالابتلاء و الامتحان محالان عليه،و أينما وردت هذه الألفاظ فالمراد أنّه تعالى يعاملهم معاملة،لو صدرت تلك المعاملة عن غيره،لكان ذلك على سبيل الابتلاء و الامتحان،و قد ذكرنا هذه المسألة مرارا كثيرة.

المسألة الثّانية:قال القاضي:معنى قوله: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً هو أنّه يبلوهم ليبصرهم أيّهم أطوع للّه و أشدّ استمرارا على خدمته،لأنّ من هذا حاله هو الّذي يفوز بالجنّة،فبيّن تعالى أنّه كلّف لأجل ذلك،لا لأجل أن يعصي،فدلّ ذلك على بطلان قول من يقول:

خلق بعضهم للنّار.

المسألة الثّالثة:اللاّم في قوله:(لنبلوهم)تدلّ ظاهرا على أنّ أفعال اللّه معلّلة بالأغراض عند المعتزلة، و أصحابنا قالوا:هذا محال،لأنّ التّعليل بالغرض إنّما يصحّ في حقّ من لا يمكنه تحصيل ذلك الغرض إلاّ بتلك الواسطة،و هذا يقتضي العجز،و هو على اللّه محال.

(21:80)

أبو حيّان: و اللاّم من(لنبلوهم)تتعلّق ب(جعلنا)، و الابتلاء:الاختبار،و هو متأوّل بالنّسبة إلى اللّه تعالى، و الضّمير في(لنبلوهم)إن كانت(ما)لمن يعقل فهو عائد عليها على المعنى،و أن لا يعود على ما يفهم من سياق الكلام،و هو سكّان الأرض المكلّفون.(6:98)

الآلوسيّ: و قد نصّ سبحانه على بعض المكلّفين بأنّهم زينة،في قوله تعالى: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:46،و من هنا يعلم ما في قول القاضي:الأولى أن لا يدخل المكلّف،لأنّ ما على الأرض ليس زينة لها بالحقيقة،و إنّما هو زينة لأهلها لغرض الابتلاء،فالّذي له الزّينة يكون خارجا عن الزّينة.

و نصب(زينة)على أنّه مفعول ثان«للجعل»إن حمل على معنى التّصيير،أو على أنّه حال أو مفعول-كما قال أبو البقاء،و أبو حيّان-إن حمل على معنى الإبداع.

و اللاّم الأولى إمّا متعلّقة به أو متعلّقة بمحذوف وقع صفة له،أي زينة كائنة لها.و اللاّم الثّانية متعلّقة ب(جعلنا)،و الكلام على هذا،و جعل (1)(زينة)مفعولا له،نحو:قمت إجلالا لك لتقابلني بمثل ذلك،و ضمير الجمع عائد على سكّان الأرض من المكلّفين،المفهوم من السّياق.

و جوّز أن يعود على(ما)على تقدير أن تكون للعقلاء،و الابتلاء في الأصل:الاختبار.و جوّز ذلك على اللّه سبحانه هشام بن الحكم بناء على جهله،و زعمه أنّه عزّ و جلّ لا يعلم الحوادث إلاّ بعد وجودها،لئلاّ يلزم نفي قدرته تعالى على الفعل أو التّرك.

و ردّه أهل السّنّة في محلّه،و قالوا:إنّه تعالى يعلم الكلّيّات و الجزئيّات في الأزل.و أوّلوا هذه الآية أنّ المراد:ليعاملهم معاملة من يختبرهم.(15:206)

الطّباطبائيّ: و لقد أتى في الآيتين ببيان عجيب، في حقيقة حياة الإنسان الأرضيّة،و هو أنّ النّفوس الإنسانيّة-و هي في أصل جوهرها علويّة شريفة-ا.

ص: 692


1- كذا.

ما كانت لتميل إلى الأرض و الحياة عليها،و قد قدّر اللّه أن يكون كمالها و سعادتها الخالدة،بالاعتقاد الحقّ و العمل الصّالح.

فاحتالت العناية الإلهيّة إلى توقيفها موقف الاعتقاد و العمل،و إيصالها إلى محكّ التّصفية و التّطهير،و إسكانها الأرض إلى أجل معلوم،بإلقاء التّعلّق و الارتباط بينها و بين ما على الأرض،من أمتعة الحياة،من مال و ولد و جاه،و تحبيبه إلى قلوبهم.

فكان ما على الأرض و هو جميل عندهم،محبوب في أنفسهم،زينة للأرض،و حلية تتحلّى بها،لكونه عليها؛ فتعلّقت نفوسهم على الأرض بسببه،و اطمأنّت إليها.

فإذا انقضى الأجل الّذي أجّله اللّه تعالى لمكثهم في الأرض،بتحقّق ما أراده من البلاء و الامتحان،سلب اللّه ما بينهم و بين ما على الأرض من التّعلّق و محا ما له من الجمال و الزّينة،و صار كالصّعيد الجرز الّذي لا نبت فيه و لا نضارة عليه،و نودي فيهم بالرّحيل،و هم فرادى كما خلقهم اللّه تعالى أوّل مرّة.

و هذه سنّة اللّه تعالى في خلق الإنسان،و إسكانه الأرض،و تزيينه ما عليها له،ليمتحنه بذلك،و يتميّز به أهل السّعادة من غيرهم،فيأتي سبحانه بالجيل بعد الجيل و الفرد بعد الفرد،فيزيّن له ما على وجه الأرض من أمتعة الحياة،ثمّ يخليه.

و اختياره ليختبرهم بذلك،ثمّ إذا تمّ الاختبار قطع ما بينه و بين زخارف الدّنيا المزيّنة،و نقله من دار العمل إلى دار الجزاء،قال تعالى: وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ -إلى أن قال- وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام 93،94.

فمحصّل معنى الآية:لا تتحرّج و لا تأسف عليهم إذا أعرضوا عن دعوتك بالإنذار و التّبشير،و اشتغلوا بالتّمتّع من أمتعة الحياة،فما هم بسابقين و لا معجزين، و إنّما حقيقة حياتهم هذه نوع تسخير إلهيّ،أسكنّاهم الأرض،ثم جعلنا ما على الأرض زينة،يفتتن النّاظر إليها،لتتعلّق به نفوسهم فنبلوهم أيّهم أحسن عملا.

و إنّا لجاعلون هذا الّذي زيّن لهم بعينه كالصّعيد الجرز الّذي ليس فيه نبت و لا شيء ممّا يرغب فيه النّفس،فاللّه سبحانه لم يشأ منهم الإيمان جميعا حتّى يكون مغلوبا بكفرهم بالكتاب و تماديهم في الضّلال، و تبخّع أنت نفسك على آثارهم أسفا.و إنّما أراد بهم الابتلاء و الامتحان،و هو سبحانه الغالب فيما شاء و أراد.

(13:240)

عبد الكريم الخطيب :و مناسبة هذه الآية لما قبلها،هو أنّه لمّا كان الّذي صرف المشركين عن الإيمان باللّه،و بالكتاب الّذي أنزل على رسوله،هو اشتغالهم بالحياة الدّنيا،و بالتّكاثر و التّفاخر بينهم،فقد جاءت هذه الآية لتكشف لهم عن دنياهم هذه الّتي صرفتهم عن النّظر في آخرتهم.

و أنّ هذا المتاع الّذي في هذه الدّنيا،إنّما جعله اللّه سبحانه و تعالى زينة لها،حتّى يكون للنّاس نظر إليها،

ص: 693

و اشتغال بها،و عمل جادّ نافع فيها،و في هذا ابتلاء لهم و امتحان لما يحصّلون منها.

فالّذين يأخذون حظّهم من الدّنيا و لا ينسون نصيبهم من الآخرة،هم الفائزون.و الّذين يجعلون الدّنيا همّهم دون التفات إلى الآخرة،هم الّذي خسروا أنفسهم،و باعوها بالثّمن البخس.

فهذه الدّنيا و ما عليها و من عليها كلّ هذا إلى زوال، و لا يبقى من ذلك إلاّ ما ادّخره المؤمنون المحسنون،من زاد طيّب في دنياهم،ليوم الحساب و الجزاء.(8:584)

لنبلونّكم

1- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ.

البقرة:155

الطّبريّ: و لنختبرنّكم.(2:41)

الطّوسيّ: و الابتلاء في الأصل:الطّلب لظهور ما عند القادر على الأمر من خير أو شرّ.و الابتلاء و الاختبار و الامتحان،بمعنى واحد.

و الابتلاء بهذه الأمور المذكورة في الآية بأمور مختلفة.[إلى أن قال:]

و وجه المصلحة في ذلك،هو ما في ذلك من الأمور المزعجة إلى الاستدلال و النّظر،في الأدلّة الدّالّة على النّبوّة،و ليعلم أيضا أنّه ليس فيما يصيب الإنسان من شدّة في الدّنيا ما يوجب نقصان منزلته،ففي ذلك ضروب العبرة.

فإن قيل:إذا كان اللّه قد فعل الابتلاء بهذه الأشياء، و المشركون أوقعوها بالمؤمنين،ففي ذلك إيجاب فعل من فاعلين.

قلنا:لا يجب ذلك،لأنّ الّذي يفعله اللّه تعالى غير الّذي يفعله المشركون،لأنّ علينا أن نرضى بما فعله اللّه، و نسخط ممّا فعله المشركون،و ليس يقدرون على شيء ممّا ذكر في الآية،و لكنّهم يقدرون على التّعريض له،بما هو محرّم عليهم،و قبيح منهم.

و فتحت«الواو»في(لنبلونّكم)لأمرين:

أحدهما:للعلّة الّتي فتحت الرّاء في(لننصرنّكم)، و هو أنّه بني على الفتحة،لأنّها أخفّ إذا استحقّ البناء على الحركة،كما استحقّ(يا)في النّداء حكم البناء على الحركة.

الثّاني:أنّه فتح لالتقاء السّاكنين؛إذ كان قبل معتلاّ لا يدخله الرّفع.

و الابتلاء بما ذكر لا بدّ أن يكون فيه لطف في الدّين، و عوض في مقابلته،و لا يحسن فعل ذلك لمجرّد العوض، على ما ذهب إليه قوم.

فإن قيل:الابتلاء بأمر القبلة و غيره من عبادات الشّرع،هل يجري مجرى الألم عند المصيبة؟

قلنا:لا،بلا خلاف هاهنا،فإنّه لا بدّ أن يكون فيه لطف في الدّين و إن كان فيه خلاف في الألم،لأنّ هذه طاعات يستحقّ بها الثّواب،و بالإخلال بها-إذا كانت واجبة-يستحقّ العقاب،فلا يجري مجرى الألم المحض.

و الصّبر واجب كوجوب العدل الّذي لا يجوز عليه الانقلاب في الشّرع؛إذ الصّبر حبس النّفس عن القبيح من الأمر،و قد بيّنّا فيما مضى ابتلاء اللّه تعالى العالم

ص: 694

بالعواقب.

فإنّ المراد بذلك أنّه يعامل معاملة المبتلي،لأنّ العدل لا يصحّ إلاّ على ذلك،لأنّه لو أخذهم بما يعلم أنّه يكون منهم،قبل أن يفعلوه،لكان ظلما و جورا،فبيّن اللّه بعد أنّه يعاملهم بالحقّ دون الظّلم.(2:37)

نحوه الطّبرسيّ.(1:237)

الزّمخشريّ: و لنصيبنّكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم،هل تصبرون و تثبتون على ما أنتم عليه من الطّاعة،و تسلمون لأمر اللّه و حكمه أم لا؟

(1:323)

نحوه النّيسابوريّ.(2:32)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ القفّال رحمه اللّه قال:هذا متعلّق بقوله: اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ البقرة:

153،أي استعينوا بالصّبر و الصّلاة فإنّا نبلوكم بالخوف و بكذا،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:فإن قيل:إنّه تعالى قال:

وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ البقرة:152،و الشّكر يوجب المزيد على ما قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ إبراهيم:7،فكيف أردفه بقوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى أخبر أنّ إكمال الشّرائع إتمام النّعمة،فكان ذلك موجبا للشّكر،ثمّ أخبر أنّ القيام بتلك الشّرائع لا يمكن إلاّ بتحمّل المحن،فلا جرم أمر فيها بالصّبر.

الثّاني:أنّه تعالى أنعم أوّلا فأمر بالشّكر،ثمّ ابتلى و أمر بالصّبر،لينال الرّجل درجة الشّاكرين و الصّابرين معا،فيكمل إيمانه،على ما قال عليه الصّلاة و السّلام:

«الإيمان نصفان:نصف صبر،و نصف شكر».

المسألة الثّانية:روي عن عطاء و الرّبيع بن أنس أنّ المراد بهذه المخاطبة أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد الهجرة.

المسألة الثّالثة:أمّا أنّ الابتلاء كيف يصحّ على اللّه تبارك و تعالى،فقد تقدّم في تفسير قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ البقرة:124.

و أمّا الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء،ففيها وجوه:

أحدها:ليوطّنوا أنفسهم على الصّبر عليها إذا وردت،فيكون ذلك أبعد لهم عن الجزع،و أسهل عليهم بعد الورود.

و ثانيها:أنّهم إذا علموا أنّه ستصل إليهم تلك المحن، اشتدّ خوفهم،فيصير ذلك الخوف تعجيلا للابتلاء، فيستحقّون به مزيد الثّواب.

و ثالثها:أنّ الكفّار إذا شاهدوا محمّدا و أصحابه مقيمين على دينهم مستقرّين عليه،مع ما كانوا عليه من نهاية الضّرّ و المحنة و الجوع،يعلمون أنّ القوم إنّما اختاروا هذا الدّين لقطعهم بصحّته،فيدعوهم ذلك إلى مزيد التّأمّل في دلائله..

و من المعلوم الظّاهر أنّ التّبّع إذا عرفوا أنّ المتبوع في أعظم المحن-بسبب المذهب الّذي ينصره-ثمّ رأوه مع ذلك مصرّا على ذلك المذهب،كان ذلك أدعى لهم إلى اتّباعه،ممّا إذا رأوه مرفّه الحال،لا كلفة عليه في ذلك المذهب.

ص: 695

و رابعها:أنّه تعالى أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه،فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه،فكان ذلك إخبارا عن الغيب،فكان معجزا.

و خامسها:أنّ من المنافقين من أظهر متابعة الرّسول،طمعا منه في المال وسعة الرّزق،فإذا اختبره تعالى بنزول هذه المحن،فعند ذلك يتميّز المنافق عن الموافق،لأنّ المنافق إذا سمع ذلك نفر منه و ترك دينه، فكان في هذا الاختبار هذه الفائدة.

و سادسها:أنّ إخلاص الإنسان حالة البلاء و رجوعه إلى باب اللّه تعالى،أكثر من إخلاصه حال إقبال الدّنيا عليه،فكانت الحكمة في هذا الابتلاء ذلك.

(4:168)

المسألة السّادسة:دلّت هذه الآية على أمور:

أحدها:أنّ هذه المحن لا يجب أن تكون عقوبات، لأنّه تعالى وعد بها المؤمنين من الرّسول و أصحابه.

ثانيها:أنّ هذه المحن إذا قارنها الصّبر أفادت درجة عالية في الدّين.

ثالثها:أنّ كلّ هذه المحن من اللّه تعالى خلاف قول الثّنويّة،الّذين ينسبون الأمراض و غيرها إلى شيء آخر،و خلاف قول المنجّمين الّذين ينسبونها إلى سعادة الكواكب و نحوستها.

رابعها:أنّها تدلّ على أنّ الغذاء لا يفيد الشّبع، و شرب الماء لا يفيد الرّيّ،بل كلّ ذلك يحصل بما أجرى اللّه العادة به عند هذه الأسباب،لأنّ قوله:(و لنبلونّكم) صريح في إضافة هذه الأمور إلى اللّه تعالى،و قول من قال:إنّه تعالى لمّا خلق أسبابها صحّ منه،هذا القول ضعيف،لأنّه مجاز،و العدول إلى المجاز لا يمكن إلاّ بعد تعذّر الحقيقة.(4:172)

القرطبيّ: هذه«الواو»مفتوحه عند سيبويه لالتقاء السّاكنين.و قال غيره:لمّا ضمّت إلى النّون الثّقيلة بني الفعل،فصار بمنزلة خمسة عشر.و البلاء يكون حسنا و يكون سيّئا،و أصله:المحنة.

و المعنى:لنمتحنّكم لنعلم المجاهد و الصّابر علم معاينة،حتّى يقع عليه الجزاء،كما تقدّم.

و قيل:إنّما ابتلوا بهذا ليكون آية لمن بعدهم،فيعلموا أنّهم إنّما صبروا على هذا حين وضح لهم الحقّ.

و قيل:أعلمهم بهذا،ليكونوا على يقين منه أنّه يصيبهم،فيوطّنوا أنفسهم عليه،فيكونوا أبعد لهم من الجزع،و فيه تعجيل ثواب اللّه تعالى على العزم،و توطين النّفس..(2:173)

الخازن :أي و لنختبرنّكم يا أمّة محمّد.و اللاّم جواب القسم،تقديره:و اللّه لنبلونّكم،و الابتلاء لإظهار الطّائع من العاصي،لا ليعلم شيئا لم يكن عالما به،فإنّه سبحانه و تعالى عالم بجميع الأشياء قبل كونها و حدوثها.

[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](1:109)

أبو حيّان: تقدّم أنّ الابتلاء هو الاختبار،ليعلم ما يكون من حال المختبر،و هذا مستحيل بالنّسبة إلى اللّه تعالى،و إنّما معناه هنا الإجابة.و الضّمير الّذي للخطاب، قيل:هو للصّحابة فقط،قاله عطاء.

خاطبهم بذلك بعد الهجرة،و أخبرهم بذلك قبل وقوعه:تطمينا لقلوبهم-لأنّه إذا تقدّم العلم بالواقع كان قد استعدّ له،بخلاف الأشياء الّتي تفاجئ،فإنّها أصعب

ص: 696

على النّفس-و زيادة ثواب و أجر على ما يحصل لهم من انتظار المصيبة،و إخبارا بمغيب يقع وفق ما أخبر،و تمييزا لمن أسلم مريدا وجه اللّه ممّن نافق،و ازدياد إخلاص في حال البلاء على إخلاصه في حال العافية،و حملا لمن لم يسلم على النّظر في دلائل الإسلام،إذا رأى هؤلاء المبتلين صابرين على دينهم،ثابتي الجأش فيه،مع ما ابتلوا به.

و قيل:هؤلاء أهل مكّة،خاطبهم بذلك إعلاما أنّه أجاب دعوة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيهم،و ليبقوا يتوقّعون المصيبة، فتضاعف عليهم المصيبات.

و قيل:هو خطاب للأمّة،و يكون آخر الزّمان.قال كعب:«يأتي على النّاس زمان لا تحمل النّخلة إلاّ ثمرة» فيكون هذا الإخبار تحذيرا،و موعظة على الرّكون إلى الدّنيا و زهرتها،و يكون إخبارا بالمغيبات.

و قيل:الخطاب لا يراد به معيّن بل هو عامّ،لا يتقيّد بزمان و لا بمخاطب خاصّ،فكأنّه قيل:و لنصيبنّ بكذا، فيكون في ذلك تحذير،و أنّه للصّحابة و غيرهم.

و هذه الآية لها تعلّق بقوله: اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ البقرة:153،و قبلها وَ اشْكُرُوا لِي و الشّكر يوجب زيادة النّعم.

و الابتلاء-بما ذكر-ينافيه ظاهرا،و توجيهه أنّ إتمام الشّرائع إتمام للنّعمة،و ذلك يوجب الشّكر،و القيام بتلك الشّرائع لا يمكن إلاّ بتحمّل المشاقّ،فأمر فيها بالصّبر،و أنّه أنعم عليه أوّلا فشكر،و ابتلي ثانيا فصبر، لينال درجتي الشّكر و الصّبر،فيكمل إيمانه.(1:449)

البروسويّ: اللاّم جواب قسم محذوف،أي و اللّه لنعاملنّكم معاملة المبتلى،هل تصبرون على البلاء و تستسلمون للقضاء،أو لا؟إذ البلاء معيار كالمحك يظهر به جوهر النّفس،و ذلك لنظهر لكم منكم المطيع من العاصي،لا لنعلم شيئا لم نكن عالمين به.(1:260)

الآلوسيّ: عطف على قوله تعالى:(و استعينوا)إلخ، عطف المضمون على المضمون.و الجامع أنّ مضمون الأولى طلب الصّبر،و مضمون الثّانية بيان مواطنه، و المراد:لنعاملنّكم معاملة المبتلى و المختبر.

ففي الكلام استعارة تمثيليّة،لأنّ الابتلاء حقيقة لتحصيل العلم،و هو محال من اللّطيف الخبير.و الخطاب عامّ لسائر المؤمنين،و قيل:للصّحابة فقط،و قيل:لأهل مكّة فقط.(2:22)

رشيد رضا :أي و لنمتحننّكم ببعض ضروب الخوف من الأعداء،و غيره من المصائب البشريّة، المعتادة في المعايش.

و أكّد هذا بصيغة القسم،لتوطين الأنفس عليه، فعلّمهم به أنّ مجرّد الانتساب إلى الإيمان،لا يقتضي سعة الرّزق و قوّة السّلطان و انتفاء المخاوف و الأحزان،بل يجري ذلك بسنن اللّه تعالى في الخلق،كما أنّ من سنن الخلق وقوع المصائب بأسبابها.(2:39)

الطّباطبائيّ: خمس آيات متّحدة السّياق، متّسقة الجمل،ملتئمة المعاني،يسوق أوّلها إلى آخرها، و يرجع آخرها إلى أوّلها.و هكذا يكشف عن كونها نازلة دفعة غير متفرّقة.

و سياقها ينادي بأنّها نزلت قبيل الأمر بالقتال و تشريع حكم الجهاد،ففيه ذكر من بلاء سيقبل على

ص: 697

المؤمنين،و مصيبة ستصيبهم،و لا كلّ بلاء و مصيبة،بل البلاء العموميّ الّذي ليس بعاديّ الوقوع مستمرّ الحدوث.

فإنّ نوع الإنسان كسائر الأنواع الموجودة في هذه النّشأة الطّبيعيّة،لا يخلو في أفراده من حوادث جزئيّة، يختلّ بها نظام الفرد في حياته الشّخصيّة:من موت و مرض و خوف و جوع و غمّ و حرمان،سنّة اللّه الّتي جرت في عباده و خلقه،فالدّار دار التّزاحم،و النّشأة نشأة التّبدّل و التّحوّل،و لن تجد لسنّة اللّه تحويلا و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا.

و البلاء الفرديّ و إن كان شاقّا على الشّخص المبتلى بذلك مكروها،لكن ليس مهولا مهيبا،تلك المهابة الّتي تتراءى بها البلايا و المحن العامّة.فإنّ الفرد يستمدّ في قوّة تعقّله و عزمه و ثبات نفسه من قوى سائر الأفراد.

و أمّا البلايا العامّة الشّاملة،فإنّها تسلب الشّعور العموميّ،و جملة الرّأي و الحزم و التّدبير من الهيئة المجتمعة،و يختلّ به نظام الحياة منهم،فيتضاعف الخوف و تتراكم الوحشة،و يضطرب عندها العقل و الشّعور، و تبطل العزيمة و الثّبات،فالبلاء العامّ و المحنة الشّاملة أشقّ و أمرّ،و هو الّذي تلوح له الآيات.

و لا كلّ بلاء عامّ كالوباء و القحط،بل بلاء عامّ قرّبتهم منها أنفسهم،فإنّهم أخذوا دين التّوحيد، و أجابوا دعوة الحقّ،و تخالفهم فيه الدّنيا،و خاصّة قومهم.و ما لهؤلاء همّ إلاّ إطفاء نور اللّه،و استيصال كلمة العدل،و إبطال دعوة الحقّ،و لا وسيلة تحسم مادّة النّزاع و تقطع الخلاف غير القتال،فسائر الوسائل كإقامة الحجّة و بثّ الفتنة،و إلقاء الوسوسة و الرّيبة و غيرها،صارت بعد عقيمة غير منتجة.

فالحجّة مع النّبيّ،و الوسوسة و الفتنة و الدّسيسة ما كانت تؤثّر أثرا تطمئنّ إليه أعداء الدّين،فلم يكن عندهم وسيلة إلاّ القتال،و الاستعانة به على سدّ سبيل الحقّ،و إطفاء نور الدّين اللاّمع المشرق،هذا من جانب الكفر.

و الأمر من جانب الدّين أوضح،فلم يكن إلى نشر كلمة التّوحيد،و بثّ دين الحقّ،و حكم العدل،و قطع دابر الباطل وسيلة إلاّ القتال،فإنّ التّجارب الممتدّ من لدن كان الإنسان نازلا في هذه الدّار يعطي أنّ الحقّ إنّما يؤثّر إذا أميط الباطل،و لن يماط إلاّ بضرب من إعمال القدرة و القوّة.

و بالجملة ففي الآيات تلويح إلى إقبال هذه المحنة، بذكر القتل في سبيل اللّه،و توصيفه بوصف لا يبقى فيه معه جهة مكروهة،و لا صفة سوء،و هو أنّه ليس بموت بل حياة،و أيّ حياة.

فالآيات تستنهض المؤمنين على القتال،و تخبرهم أنّ أمامهم بلاء و محنة لن تنالوا مدارج المعالي،و صلاة ربّهم و رحمته،و الاهتداء بهدايته إلاّ بالصّبر عليها، و تحمّل مشاقّها،و يعلمهم ما يستعينون به عليها،و هو الصّبر و الصّلاة.

أمّا الصّبر،فهو وحده الوقاية من الجزع،و اختلال أمر التّدبير.و أمّا الصّلاة،فهي توجّه إلى الرّبّ،و انقطاع إلى من بيده الأمر،و أنّ القوّة للّه جميعا.(1:343)

مكارم الشّيرازيّ: 1-لما ذا الاختبار الإلهيّ؟

ص: 698

في مجال الاختبار الإلهيّ تطرح بحوث كثيرة،و أوّل ما يتبادر للذّهن في هذا المجال،هو سبب هذا الاختبار، فنحن نختبر الأفراد لنفهم ما نجهله بشأنهم،فهل اللّه سبحانه و تعالى بحاجة إلى مثل هذا الاختبار لعباده،و هو العالم بكلّ الخفايا و الأسرار؟و هل هناك شيء خفي عنه حتّى يظهر له بهذا الامتحان؟

و الجواب:أنّ مفهوم الاختبار الإلهيّ يختلف عن الاختبار البشريّ.اختباراتنا البشريّة،هي كما ذكرت آنفا تستهدف رفع الإبهام و الجهل،و الاختبار الإلهيّ قصده«التّربية».

في أكثر من عشرين موضعا تحدّث القرآن عن الاختبار الإلهيّ،باعتباره سنّة كونيّة لا تنقض،من أجل تفجير الطّاقات الكامنة،و نقلها من القوّة إلى الفعل، و بالتّالي فالاختبار الإلهيّ من أجل تربية العباد،فكما أنّ الذّهب يتخلّص من شوائبه عند وضعه في التّيزاب، كذلك الإنسان يخلص و ينقى في خضّم الحوادث،و يصبح أكثر قدرة على مواجهة الصّعاب و التّحدّيات.

الاختبار الإلهيّ يشبه عمل زارع خبير،ينثر البذور الصّالحة في الأرض الصّالحة،كي تستفيد هذه البذور من مواهب الطّبيعة و تبدأ بالنّموّ،ثمّ تصارع هذه البذرة كلّ المشاكل و الصّعاب بالتّدريج،و تقاوم الحوادث المختلفة كالرّياح العاتية و البرد الشّديد و الحرّ اللاّفح،لتخرج بعد ذلك نبتة مزهرة أو شجرة مثمرة،تستطيع أن تواصل حياتها أمام الصّعاب.

و من أجل تصعيد معنويّات القوّات المسلّحة،يؤخذ الجنود إلى مناورات و حرب اصطناعيّة،يعانون فيها من مشاكل العطش و الجوع و الحرد و البرد،و الظّروف الصّعبة و الحواجز المنيعة،و هذا هو سرّ الاختبارات الإلهيّة.

يقول سبحانه في موضع آخر من كتابه العزيز:

وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ آل عمران:154.

و يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في بيان سبب الاختبارات الإلهيّة:«و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم،و لكن لتظهر الأفعال الّتي بها يستحقّ الثّواب و العقاب».

أي إنّ الصّفات الكامنة لا يمكن أن تكون وحدها معيارا للثّواب و العقاب،فلا بدّ أن تظهر من خلال أعمال الإنسان،و اللّه يختبر عباده ليتجلّى ما يضمرونه في أعمالهم،و لكي تنتقل قابليّاتهم من القوّة إلى الفعل، و بذلك يستحقّون الثّواب أو العقاب.

و لو لم يكن الاختبار الإلهيّ،لما تفجّرت هذه القابليّات،و لما أثمرت الكفاءات،و هذه هي فلسفة الاختبار الإلهيّ في منطق الإسلام.

2-الاختبار الإلهيّ عامّ:

نظام الحياة في الكون نظام تكامل و تربية،و كلّ الموجودات الحيّة تطوي مسيرة تكاملها،حتّى الأشجار تعبّر عن قابليّاتها الكامنة بالأثمار.من هنا فإنّ كلّ البشر،حتّى الأنبياء مشمولون بقانون الاختبار الإلهيّ، كي تنجلي قدراتهم.

الامتحانات تشمل الجميع و إن اختلفت شدّتها، يقول سبحانه: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا

ص: 699

آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2.

القرآن يعرض نماذج لاختبارات الأنبياء؛إذ يقول:

وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ البقرة:124،و يقول في موضع آخر بشأن اختبار سليمان: فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ النّمل:40.

3-طرق الاختبار:

ذكرت الآية أعلاه نماذج ممّا يختبر به الإنسان، كالخوف و الجوع و الأضرار الماليّة و الموت،لكن سبل الاختبار الإلهيّ لا تنحصر بما تقدّم،فذكر القرآن منها في مواضع أخرى:البنين،و الأنبياء،و أحكام اللّه،بل حتّى بعض ألوان الرّؤيا: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ الأنبياء:

35.

نعلم أنّ النّاس إزاء الاختبارات الإلهيّة على نوعين:

نوع فائز في الامتحان،و نوع خاسر.

فحيثما تسوء حالة«الخوف»مثلا،ترى جماعة يتراجعون كي لا يصيبهم سوء،فينفضون أيديهم من المسئوليّة،أو يلجئون إلى المداهنة أو التماس الأعذار، كقولهم الّذي يحكيه القرآن: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ المائدة:52.

و ثمّة جماعة تقف كالطّود الأشمّ أمام كلّ المخاوف، و تزداد توكّلا و إيمانا،و هؤلاء الّذي يقول عنهم القرآن:

اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران:173.

و هكذا موقف النّاس من ألوان الامتحانات الأخرى،و يعرض القرآن نماذج لموقف النّاجحين و الفاشلين في الاختبار الإلهيّ،سنتناولها في مواضعها.

4-عوامل النّجاح في الامتحان:

من المهمّ للإنسان المسلم التّوّاق إلى اجتياز الاختبار الإلهيّ بنجاح،أن يفهم سبل النّجاح في هذا الاختبار، و القرآن يعرض هذه السّبل في القسم الأخير من آية بحثنا،و في آيات أخرى:

1-أهمّ عامل للانتصار،أشارت إليه الآية بعبارة:

وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ البقرة:156،فالآية تبشّر بالنّجاح أولئك الصّابرين المقاومين،مؤكّدة أنّ الصّبر رمز الانتصار.

2-استشعار العبوديّة التّامّة للّه سبحانه،و الرّجوع إليه،يجعل كلّ المشاكل و الصّعاب عرضا عابرا و سحابة صيف،و هذا الاستشعار تضمّنته عبارة: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ «كلمة الاسترجاع»هذه خلاصة كلّ دروس التّوحيد،و الانقطاع إلى اللّه،و الاعتماد على ذاته المقدّسة،في كلّ شيء و في كلّ زمان.

و أولياء اللّه ينطلقون من هذا التّعليم القرآنيّ، فيسترجعون لدى المصائب كي لا تهزّهم الشّدائد،و كي يجتازوا مرحلة الاختبار بسلام في ظلّ الإيمان،بمالكيّة اللّه و الرّجوع إليه.

قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام في تفسير الاسترجاع:

«إنّ قولنا:(انّا للّه)إقرار على أنفسنا بالملك،و قولنا:(و انّا اليه راجعون)إقرار على أنفسنا بالهلك».

3-الاستمداد من قوّة الإيمان و الألطاف الإلهيّة، عامل مهمّ آخر في اجتياز الاختبار،دون اضطراب و قلق و فقدان للتّوازن،مثل هؤلاء السّائرين على طريق

ص: 700

اللّه بإيمان،ينالون الهداية الإلهيّة في اختيار الطّريق الصّحيح،يقول سبحانه: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت:69.

4-التّدقيق في تاريخ الأسلاف و إمعان النّظر في مواقفهم من الاختبارات الإلهيّة،عامل مؤثّر في إعداد الإنسان لاجتياز الامتحان الإلهيّ بنجاح.

لو عرف الإنسان بأنّ ما أصيب به ليس حالة شاذّة، و إنّما هو قانون عامّ شامل لكلّ الأفراد و الجماعات،لهان الخطب عليه،و لتفهّم الحالة بوعي،و لاجتاز المرحلة بمقاومة و ثبات،و لذلك يثبّت اللّه سبحانه على قلب نبيّه و المؤمنين،باستعراض تاريخ الماضين،و ما واجهه الأنبياء،و الفئات المؤمنة من محن و مصائب،خلال مراحل دعوتهم،يقول سبحانه: وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ الأنعام:10،و يقول: وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا الأنعام:34.

5-الالتفات إلى حقيقة علم اللّه سبحانه بكلّ مجريات الأمور،عامل آخر في التّثبيت،و زيادة المقاومة.

المتسابقون في ساحة اللّعب،يشعرون بالارتياح، حينما يعلمون أنّهم في معرض أنظار أصدقائهم من المتفرّجين،و يندفعون بقوّة أكثر في تحمّل الصّعاب.

إذا كان تأثير وجود الأصدقاء كذلك،فما بالك بتأثير استشعار رؤية اللّه لما يجري بالإنسان،و هو ساحة الجهاد و المحنة؟ما أعظم القوّة الّتي يمنحها هذا الاستشعار لمواصلة طريق الجهاد،و تحمّل مشاقّ المحنة!

حين واجه نوح أعظم المصائب و الضّغوط من قومه و هو يصنع الفلك،جاءه نداء التّثبيت الإلهيّ،ليقول له:

وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا هود:37.

و عبارة(باعيننا)كان لها-دون شكّ-وقع عظيم في نفس هذا النّبيّ الكريم،فاستقام و واصل عمله حتّى المرحلة النّهائيّة.

ورد عن سيّد الشّهداء الحسين بن عليّ عليه السّلام أنّه قال بعد أن تفاقم الخطب أمامه في كربلاء،و استشهد أصحابه و أهل بيته:«هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه».

6-الاختبار بالخير و الشّرّ:

الامتحان الإلهيّ لا يجري عن طريق الحوادث الصّعبة القاسية فحسب،بل قد يمتحن اللّه عبده بالخير و بوفور النّعمة،كما يقول سبحانه: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35،و يقول سبحانه على لسان نبيّه سليمان: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ النّمل:40.

و هنا ينبغي أن نشير إلى عدّة مسائل:

أوّلا:ليس من الضّروريّ أن يختبر جميع النّاس بجميع وسائل الاختبار،بل من الممكن أن يكون اختبار كلّ فئة بلون من الامتحان،يتناسب مع الوضع الفرديّ و الاجتماعيّ لتلك الفئة.و من الممكن أن يجتاز الإنسان بعض الامتحانات،بينما يفشل في امتحانات أخرى.

و قد يكون امتحان فرد من الأفراد موضع امتحان فرد آخر،كأن يكون موت ولد لإنسان موضع امتحان أصدقائه و أقاربه،ليرى مدى اتّخاذهم موقف المواساة من صاحبهم.

ص: 701

و أخيرا فالاختبار الإلهيّ-كما ذكرنا-شامل عامّ يدخل في نطاقه حتّى الأنبياء،بل إنّ اختبارهم بسبب ثقل مسئوليّتهم أشدّ بكثير من اختبار الآخرين.

القرآن الكريم يعرض صورا لاختبارات شديدة مرّ بها الأنبياء،و بعضهم مرّ بمراحل طويلة شاقّة،قبل وصوله إلى مقام الرّسالة،كي يكون على أتمّ الاستعداد، لتحمّل أعباء قيادة أمّته.

و بين أتباع مدرسة الأنبياء نماذج رائعة للصّابرين المحتسبين،كلّ واحد منهم قدوة على ساحة الامتحان الإلهيّ.(1:387)

2- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. محمّد:31

الطّبريّ: أخبر اللّه سبحانه المؤمنين أنّ الدّنيا دار بلاء،و أنّه مبتليهم فيها،و أمرهم بالصّبر.[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار بالنّون نَبْلُوَا و(نعلم)، (و نبلوا)على وجه الخبر من اللّه جلّ جلاله عن نفسه، سوى عاصم فإنّه قرأ جميع ذلك بالياء و النّون.هي القراءة عندنا لإجماع الحجّة من القرّاء عليها،و إن كان للأخرى وجه صحيح.(26:61)

نحوه الطّوسيّ(9:307)،و الميبديّ(9:196)، و الطّبرسيّ(5:107)،و القرطبيّ(16:253).

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:نختبر أسراركم،الثّاني:ما تستقبلونه من أفعالكم.(5:305)

الزّمخشريّ: و قرأ يعقوب(و نبلو)بسكون الواو على معنى:و نحن نبلو أخباركم.و قرئ (و ليبلونّكم) و(يعلم)و(يبلو)بالياء.(3:538)

البروسويّ: بالأمر بالقتال،و نحوه من التّكاليف الشّاقّة إعلاما لا استعلاما،أو نعاملكم معاملة المختبر، ليكون أبلغ في إظهار العذاب.[إلى أن قال:]

فيه إشارة إلى أنّ بلاء الأخبار كناية عن بلاء الأعمال.(8:521)

الآلوسيّ: فيظهر حسنها و قبيحها.و الكلام كناية عن بلاء أعمالهم،فإنّ الخبر حسنه و قبيحه على حسب المخبر عنه،فإذا تميّز الحسن عن الخبر القبيح،فقد تميّز المخبر عنه و هو العمل كذلك،و هذا أبلغ من نبلو أعمالكم، و الظّاهر عموم الأخبار.

و جوّز كون المراد بها إخبارهم عن إيمانهم، و موالاتهم للمؤمنين،على أنّ إضافتها للعهد،أي و نبلو أخبار إيمانكم و موالاتكم،فيظهر صدقها و كذبها.

(26:78)

تبلى

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ. الطّارق:9

الماورديّ: أي تظهر،و يحتمل ثانيا:أن تبتلي بظهور السّرائر في الآخرة بعد استتارها في الدّنيا.

(6:247)

الطّوسيّ: معناه تختبر بإظهارها و إظهار موجبها، لأنّ الابتلاء و الاختبار و الاعتبار كلّه إنّما هو بإظهار

ص: 702

موجب المعنى.(10:325)

ابن عطيّة: معناه:تختبر و تكشف بواطنها.

(5:466)

الطّبرسيّ: أي تختبر تلك السّرائر يوم القيامة

حتّى يظهر خيرها من شرّها،و مؤدّيها من مضيّعها.

(5:471)

الفخر الرّازيّ: أي تختبر،و في كيفيّة الابتلاء و الاختبار هاهنا أقوال:

الأوّل:ما ذكره القفّال،معنى الاختبار هاهنا:أنّ أعمال الإنسان يوم القيامة تعرض عليه،و ينظر أيضا في الصّحيفة الّتي كتبت الملائكة فيها تفاصيل أعمالهم،ليعلم أنّ المذكور هل هو مطابق للمكتوب؟

و لمّا كانت المحاسبة يوم القيامة واقعة على هذا الوجه،جاز أن يسمّى هذا المعنى ابتلاء.و هذه التّسمية غير بعيدة لعباده،لأنّها ابتلاء و امتحان،و إن كان عالما بتفاصيل ما عملوه،و ما لم يعملوه.

و الثّاني:أنّ الأفعال إنّما يستحقّ عليها الثّواب و العقاب لوجوهها،فربّ فعل يكون ظاهره حسنا و باطنه قبيحا،و ربّما كان بالعكس،فاختبارها ما يعتبر بين تلك الوجوه المتعارضة من المعارضة و التّرجيح، حتّى يظهر أنّ الوجه الرّاجح ما هو،و المرجوح ما هو.

قال أبو مسلم:«بلوت»يقع على إظهار الشّيء و يقع على امتحانه،كقوله: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31، و قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ البقرة:155.(31:132)

القرطبيّ: أي تمتحن و تختبر.و قيل:(تبلى السّرائر)أي تخرج مخبآتها و تظهر،و هو كلّ ما كان استسرّه الإنسان من خير أو شرّ،و أضمره من إيمان و كفر.(20:8)

النّيسابوريّ: أي يمتحن ما أسرّ في القلوب من العقائد و النّيّات،و ما أخفي من الأعمال الحسنة أو القبيحة.و حقيقة البلاء في حقّه تعالى ترجع إلى الكشف و الإظهار،كقوله: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31.

و يحتمل أن يعود«البلاء»إلى المكلّف،كقوله:

هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ يونس:30.

(30:70)

أبو حيّان: (تبلى)قيل:تختبر،و قيل:تعرّف و تتصفّح،و تميّز صالحها من فاسدها.(8:456)

نحوه أبو السّعود.(6:411)

البروسويّ: و الإبلاء هو الابتلاء و الاختبار.

و إطلاق الإبلاء على الكشف و التّمييز من قبيل إطلاق اسم السّبب على المسبّب،لأنّ الاختبار يكون للتّعريف و التّمييز،و ابتلاء اللّه عباده بالأمر و النّهي يكون لكشف ما علم منهم في الأزل.(10:399)

الآلوسيّ: [ذكر مثل ما تقدّم و أضاف:]

و أصل الابتلاء:الاختبار،و إطلاقه على ما ذكر إطلاق على اللاّزم.(30:99)

الطّباطبائيّ: و البلاء:الاختبار و التّعرّف و التّصفّح،فالمعنى يوم يختبر ما أخفاه الإنسان و أسرّه من العقائد و آثار الأعمال،خيرها و شرّها،فيميّز خيرها من شرّها،و يجزى الإنسان به.فالآية في معنى قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة:284.(20:260)

ص: 703

الطّباطبائيّ: و البلاء:الاختبار و التّعرّف و التّصفّح،فالمعنى يوم يختبر ما أخفاه الإنسان و أسرّه من العقائد و آثار الأعمال،خيرها و شرّها،فيميّز خيرها من شرّها،و يجزى الإنسان به.فالآية في معنى قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة:284.(20:260)

لتبلونّ

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ... آل عمران:186

ابن قتيبة :أي لتختبرنّ،و يقال:لتصابنّ، و المعنيان متقاربان.(117)

نحوه الطّبريّ.(4:200)

الجبّائيّ: سمّاه بلوى مجازا،لأنّ حقيقته لا تجوز عليه تعالى،لأنّها التّجربة في اللّغة.و يتعالى اللّه عن ذلك،لأنّه عالم بالأشياء قبل كونها،و إنّما فعله ليتميّز المحقّ منكم من غيره.(الطّوسيّ 3:72)

الزّجّاج: معناه لتختبرنّ،أي تقع عليكم المحن، فيعلم المؤمن من غيره.و هذه النّون دخلت مؤكّدة مع لام القسم،و ضمّت الواو لسكونها و سكون النّون.

و يقال للواحد من المذكّرين:لتبلينّ يا رجل،و للاثنين:

لتبليانّ يا رجلان،و لجماعة الرّجال:لتبلونّ.و تفتح الياء من لتبلينّ في قول سيبويه،لسكونها و سكون النّون.

و في قول غيره:تبنى على الفتح لضمّ النّون إليهما، كما يبنى ما قبل هاء التّأنيث،و يقال للمرأة:لتبلينّ يا امرأة،و للمرأتين:لتبليانّ يا امرأتان،و لجماعة النّساء:

لتبليانّ يا نسوة،زيدت الألف لاجتماع النّونات.

(1:495)

البلخيّ: معناه لتبلونّ بالعبادات في أنفسكم، كالصّلاة و الصّيام و غيرهما،و في أموالكم من الإنفاق في سبيل اللّه و الزّكوات،ليتميّز المطيع من العاصي.

(الطّوسيّ 3:72)

الطّوسيّ: معناه لتختبرنّ،أي توقع عليكم المحن، و تلحقكم الشّدائد في أنفسكم،و أموالكم،من قبل الكفّار،نحو ما نالهم من الشّدائد في أنفسهم يوم أحد، و نحو ما كان اللّه يفعل بهم من الفقر و شدّة العسر،و إنّما فعله ليصبروا.[إلى أن قال:]

و اللاّم لام القسم،و النّون دخلت مؤكّدة،و ضمّت الواو لسكونها،و سكون النّون.و لم تنصب لأنّها واو الجمع،فرقا بينها و بين واو الإعراب.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](3:72)

نحوه الطّبرسيّ.(1:551)

الزّمخشريّ: و البلاء في الأنفس:القتل و الأسر و الجراح،و ما يرد عليها من أنواع المخاوف و المصائب.

و في الأموال:الإنفاق في سبل الخير،و ما يقع فيها من الآفات.(1:486)

ابن عطيّة: هذا الخطاب للنّبيّ عليه السّلام و أمّته،و المعنى لتختبرنّ و لتمتحننّ في أموالكم بالمصائب و الأرزاء، و بالإنفاق في سبيل اللّه،و في سائر تكاليف الشّرع، و الابتلاء في الأنفس بالموت و الأمراض،و فقد الأحبّة بالموت.(1:550)

الرّاونديّ: معناه لتختبرنّ ما يفعل بكم من الفقر و شدّة العسر،و بما تؤمرون من الزّكوات،و الإنفاق في سبيل اللّه في أموالكم،كما تختبرون بالعبادات في أنفسكم،و إنّما فعله لتصبروا.فسمّاه«بلوى»مجازا، لأنّ حقيقته لا تجوز على اللّه.(2:29)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

الأولى:قال الواحديّ: اللاّم لام القسم،و النّون

ص: 704

دخلت مؤكّدة،و ضمّت الواو لسكونها و سكون النّون، و لم تكسر لالتقاء السّاكنين،لأنّها واو جمع،فحرّكت بما كان يجب لما قبلها من الضّمّ،و مثله اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ البقرة:16.

الثّانية:(لتبلونّ)لتختبرنّ،و معلوم أنّه لا يجوز في وصف اللّه تعالى الاختبار،لأنّه طلب المعرفة ليعرف الجيّد من الرّديء،و لكن معناه في وصف اللّه تعالى أنّه يعامل العبد معاملة المختبر.

الثّالثة:اختلفوا في معنى هذا الابتلاء،فقال بعضهم:

المراد ما ينالهم من الشّدّة و الفقر،و ما ينالهم من القتل و الجرح و الهزيمة من جهة الكفّار،و من حيث ألزموا الصّبر في الجهاد.و قال الحسن:المراد به التّكاليف الشّديدة المتعلّقة بالبدن و المال،و هي الصّلاة و الزّكاة و الجهاد.قال القاضي:و الظّاهر يحتمل كلّ واحد من الأمرين،فلا يمتنع حمله عليهما.(9:127).

القرطبيّ: [ذكر مثل ما تقدّم عن ابن عطيّة و أضاف:]

إن قيل:لم ثبتت الواو في(لتبلونّ)و حذفت من (و لتسمعنّ)؟

فالجواب:أنّ الواو في(لتبلونّ)قبلها فتحة فحرّكت لالتقاء السّاكنين،و خصّت بالضّمّة لأنّها واو الجمع،و لم يجز حذفها،لأنّها ليس قبلها ما يدلّ عليها،و حذفت من (و لتسمعنّ)لأنّ قبلها ما يدلّ عليها.و لا يجوز همز الواو في(لتبلونّ)لأنّ حركتها عارضة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّجّاج](4:303)

أبو حيّان:قيل:الابتلاء في الأموال هو ما أصيبوا به من نهب أموالهم و عددهم يوم أحد.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة](3:135)

أبو السّعود: شروع في تسلية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ممّن معه من المؤمنين،عمّا سيلقونه من جهة الكفرة من المكاره،إثر تسليتهم عمّا قد وقع منهم،ليوطّنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه،و يستعدّوا للقائه،و يقابلوه بحسن الصّبر و الثّبات،فإنّ هجوم الأوجال ممّا يزلزل أقدام الرّجال،و الاستعداد للكروب ممّا يهوّن الخطوب.

و أصل الابتلاء:الاختبار،أي تطلّب الخبرة بحال المختبر،بتعريضه لأمر يشقّ عليه غالبا ملابسته مفارقته،و ذلك إنّما يتصوّر حقيقة ممّا لا وقوف له على عواقب الأمور.

و أمّا من جهة العليم الخبير،فلا يكون إلاّ مجازا من تمكينه للعبد،من اختيار أحد الأمرين أو الأمور،قبل أن يرتّب عليه شيئا هو من مبادئه العاديّة،كما مرّ.

و الجملة جواب قسم محذوف،أي و اللّه لتبلونّ،أي لتعاملنّ معاملة المختبر،ليظهر ما عندكم من الثّبات على الحقّ و الأعمال الحسنة.

و فائدة التّوكيد إمّا تحقيق معنى الابتلاء تهوينا للخطب،و إمّا تحقيق وقوع المبتلى به،مبالغة في الحثّ على ما أريد منهم من التّهيّؤ و الاستعداد.(2:75)

الطّريحيّ: يريد توطين النّفس على الصّبر،كما جاءت به الرّواية عنهم.(1:60)

الآلوسيّ: جواب قسم محذوف،أي و اللّه لتختبرنّ، و المراد لتعاملنّ معاملة المختبر،ليظهر ما عندكم من الثّبات على الحقّ و الأفعال الحسنة.و لا يصحّ حمل الابتلاء على

ص: 705

حقيقته،لأنّه محال على علاّم الغيوب،كما مرّ.

و الخطاب للمؤمنين،أو لهم معه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّما أخبرهم سبحانه بما سيقع،ليوطّنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه،و يستعدّوا للقائه،و يقابلوه بحسن الصّبر و الثّبات،فإنّ هجوم البلاء ممّا يزيد في اللّأواء، و الاستعداد للكرب ممّا يهوّن الخطب.

و لتحقيق معنى الابتلاء لهذا التّهوين أتى بالتّأكيد، و قد يقال:أتى به لتحقيق وقوع المبتلى به،مبالغة في الحثّ على ما أريد منهم،من التّهيّؤ و الاستعداد.

و على أيّ وجه فالجملة مسوقة لتسلية أولياء اللّه تعالى عمّا سيلقونه من جهة أعدائه سبحانه،إثر تسليتهم عمّا وقع منهم.

و قيل:إنّما سيقت لبيان أنّ الدّنيا دار محنة و ابتلاء، و أنّها إنّما زويت عن المؤمنين ليصبروا فيؤجروا،إثر بيان أنّها مَتاعُ الْغُرُورِ آل عمران:185،و لعلّ الأوّل أولى كما لا يخفى.(4:147)

نحوه حسنين مخلوف.(1:135)

الطّباطبائيّ: الإبلاء:الاختبار،بعد ما ذكر سبحانه جريان البلاء و الإبلاء على المؤمنين،ثمّ ذكر قول اليهود،و هو ممّا من شأنه أن يوهن عزم المؤمنين، أخبرهم بأنّ هذا الإبلاء الإلهيّ و الأقاويل المؤذية من أهل الكتاب و المشركين،ستتكرّر على المؤمنين،و يكثر استقبالها إيّاهم،و قرعها سمعهم،فعليهم أن يصبروا و يتّقوا حتّى يعصمهم ربّهم من الزّلل و الفشل،و يكونوا أرباب عزم و إرادة.

و هذا إخبار قبل الوقوع،ليستعدّوا لذلك استعدادهم،و يوطّنوا عليه أنفسهم.(4:84)

بلاء

1- ..وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. البقرة:49

ابن عبّاس: نعمة.

مثله مجاهد،و السّدّيّ،و ابن جريج.

(الطّبريّ 1:274)

أبو عبيدة :أي ما ابتليتم من شدّة،و في موضع آخر:البلاء:الابتلاء،يقال:الثّناء بعد البلاء،أي الاختبار،من بلوته،و يقال:له عندي بلاء عظيم،أي نعمة و يد،و هذا من ابتليته خيرا.(1:40)

ابن قتيبة :أي في إنجاء اللّه إيّاكم من آل فرعون نعمة عظيمة.(48)

عبد الجبّار: قالوا:و قد قال عزّ و جلّ ما يدلّ على أنّ المعاصي من قبله،فقال تعالى: وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ البقرة:49،فذكر أنّ المعاصي المتقدّم ذكرها بلاء عظيم من ربّهم،فأضافها إلى نفسه.

و الجواب عن ذلك:أنّ المراد بقوله: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ أنّه إحسان عظيم منه،من حيث نجّاهم ممّن إذا تمكّنوا منهم عاملوهم بهذه المعاملة،و ذلك في الحقيقة مضاف إليه تعالى.

و الكلام في أنّ الأيادي و الإحسان تسمّى بلاء، ظاهر في اللّغة،فليس في الآية ما يدلّ على ما قالوه.

(1:91)

ص: 706

الماورديّ: و في قوله تعالى: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ تأويلان:

أحدهما:أنّ فيما كانوا يفعلونه بهم-من سوء العذاب،و ذبح الأبناء،و استحياء النّساء-شدّة و جهدا عظيما.

و الثّاني:أنّ في إنجائهم من آل فرعون-الّذين كانوا يفعلون ذلك بهم-نعمة من ربّهم عظيمة.

و أصل البلاء:الاختبار في الخير و الشرّ،كما قال عزّ و جلّ: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35، لأنّ الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشرّ،غير أنّ الأكثر في الشّرّ أن يقال:بلوته أبلوه بلاء،و في الخير:

أبليته أبليه إبلاء.(1:119)

الزّمخشريّ: البلاء:المحنة إن أشير ب(ذلكم)إلى صنيع فرعون،و النّعمة إن أشير به إلى الإنجاء.

(1:279)

نحوه البيضاويّ(1:55)،و الفخر الرّازيّ(3:70).

ابن عطيّة: (و فى ذلكم)إشارة إلى جملة الأمر؛إذ هو خبر،فهو كمفرد حاضر،و(بلاء)معناه امتحان و اختبار،و يكون«البلاء»في الخير و الشّرّ.

و قال قوم:الإشارة ب(ذلكم)إلى التّنجية من بني إسرائيل،فيكون«البلاء»على هذا في الخير،أي و في تنجيتكم نعمة من اللّه عليكم.

و قال جمهور النّاس: الإشارة إلى الذّبح و نحوه.

و«البلاء»هنا في الشّرّ،و المعنى و في الذّبح مكروه و امتحان.(1:141)

نحوه القرطبيّ.(1:387)

ابن شهرآشوب: قوله: وَ فِي ذلِكُمْ إشارة إلى المقدّم ذكره من إنجائه من المكروهات،و قالوا:إنّه معطوف على ما تقدّم من قوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ البقرة:47.

و البلاء مشترك بين الخير و الشرّ،قوله: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35، وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً الأنفال:17،و هو الاختبار،قوله:

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:168.

و مصدر بلي الثّوب يبلى،قال الرّاجز:

*المرء يبليه السّربال*

و يقال:قد أبلى فلان في الحرب.

و إذا وقعا على الأمرين لم يكن الخصم في ردّه إلى المحنة بأسعد منّا في ردّه إلى النّعمة،على أنّه في الإنعام أولى لقوله: وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ فبيّن أنّه أنجاهم من قتلهم الأبناء و استحيائهم النّساء،ثمّ قال: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ أي نعمة.

و لو كان كما زعموا،لم يكن ذلك امتنانا عليهم، و لكان موجبا لإسقاط اللاّئمة من فرعون،فيما كان يفعله.

(187)

الفخر الرّازيّ: قال القفّال:أصل الكلمة من الابتلاء،و هو الاختبار و الامتحان،قال تعالى:

وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35،و قال:

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:168.

و البلوى واقعة على النّوعين؛فيقال للنّعمة:بلاء، و للمحنة الشّديدة:بلاء.و الأكثر أن يقال في الخير:

إبلاء،و في الشّرّ:بلاء،و قد يدخل أحدهما على الآخر.

ص: 707

[ثمّ استشهد بشعر]

إذا عرفت هذا فنقول:البلاء هاهنا هو المحنة إن أشير بلفظ(ذلكم)إلى صنع فرعون،و النّعمة إن أشير به إلى الإنجاء.و حمله على النّعمة،أولى،لأنّها هي الّتي صدرت من الرّبّ تعالى،و لأنّ موضع الحجّة على اليهود إنعام اللّه تعالى على أسلافهم.(3:70)

نحوه النّيسابوريّ.(1:311)

الرّازيّ: قوله تعالى: وَ فِي ذلِكُمْ إن كان إشارة إلى الإنجاء فليس فيه بلاء بل هو محض نعمة،و إن كان إشارة إلى القتل و الأسر فإضافته إلى آل فرعون،بقوله تعالى: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أشدّ مناسبة لسياق الآية،و هو الامتنان،و لهذا قال:(يقتلون و يستحيون)فأضاف إليهم الفعلين.

قلنا:البلاء مشترك بين النّعمة و المحنة،لأنّه من الابتلاء و هو الاختبار،يقال:بلاه و ابتلاه،أي اختبره، و اللّه تعالى يختبر شكر عباده بالنّعمة،و يختبر صبرهم بالمحنة،يؤيّده قوله تعالى: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:168،و قوله تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35،فمعنى الآية و في ذلك الإنجاء نعمة عظيمة من ربّكم عليكم.

(مسائل الرّازيّ:98)

أبو حيّان: هو إشارة إلى ذبح الأبناء و استحياء النّساء،و هو المصدر الدّالّ عليه الفعل،نحو قوله تعالى:

وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الشّورى:

43،و هو أقرب مذكور،فيكون المراد بالبلاء:الشّدّة و المكروه.

و قيل:يعود إلى معنى الجملة من قوله:(يسومونكم) مع ما بعده،فيكون معنى«البلاء»كما تقدّم.

و قيل:يعود على النّتيجة و هو المصدر المفهوم من قوله:(نجّيناكم)فيكون«البلاء»هنا النّعمة،و يكون (ذلكم)قد أشير به إلى أبعد مذكور،و هو أضعف من القول الّذي قبله.و المتبادر إلى الذّهن و الأقرب في الذّكر،هو القول الأوّل.(1:194)

البروسويّ: وَ فِي ذلِكُمْ إشارة إلى ما ذكر من التّذبيح و الاستحياء،(بلاء)أي محنة و بليّة،و كون استحياء نسائهم،أي استبقائهنّ على الحياة محنة،مع أنّه عفو و ترك للعذاب،لما أنّ ذلك كان للاسترقاق و الاستعمال في الأعمال الشّاقّة،و لأنّ بقاء البنات ممّا يشقّ على الآباء،و لا سيّما بعد ذبح البنين.

و يجوز أن يشار ب(ذلكم)إلى الإنجاء من فرعون، و معنى«البلاء»حينئذ:النّعمة،لأنّ أصل البلاء:

الاختبار،و اللّه تعالى يختبر عباده تارة بالمنافع ليشكروا، فيكون ذلك الاختبار منحة،أي عطاء و نعمة،و أخرى بالمضارّ ليصبروا،فيكون محنة؛فلفظ«الاختبار» يستعمل في الخير و الشّرّ،قال تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ الأنبياء:35.(1:129)

نحوه أبو السّعود.(1:133)

الآلوسيّ: إشارة إلى التّذبيح و الاستحياء،أو إلى الإنجاء،و جمع الضّمير للمخاطبين،و يجوز أن يشار ب(ذلكم)إلى الجملة.

و أصل البلاء:الاختبار،و إذا نسب إليه تعالى يراد منه ما يجري مجراه مع العباد على المشهور؛و هو تارة

ص: 708

يكون بالمسارّ ليشكروا،و تارة بالمضارّ ليصبروا،و تارة بهما ليرغبوا و يرهبوا.

فإن حملت الإشارة على المعنى الأوّل،فالمراد بالبلاء:المحنة،و إن على الثّاني فالمراد به:النّعمة و إن على الثّالث فالمراد به:القدر بينهما،و يرجّح الأوّل التّبادر، و الثّاني أنّه في معرض الامتنان،و الثّالث لطف جمع التّرغيب و التّرهيب.(1:254)

المراغيّ: أي و في ذلكم العذاب و التّنجية منه امتحان عظيم من ربّكم.(1:114)

2- وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً. الأنفال:

17

ابن إسحاق :أي ليعرّف المؤمنين من نعمه عليهم، في إظهارهم على عدوّهم مع كثرة عددهم،و قلّة عددهم،ليعرفوا بذلك حقّه،و ليشكروا بذلك نعمته.

(الطّبريّ 9:206)

الطّبريّ: و لينعم على المؤمنين باللّه و رسوله بالظّفر بأعدائهم،و يغنّمهم ما معهم،و يثبت لهم أجور أعمالهم، و جهادهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذلك البلاء الحسن؛رمي اللّه هؤلاء المشركين،و يعني بالبلاء الحسن:النّعمة الحسنة الجميلة،و هي ما وصفت،و ما في معناه.

(9:206)

الطّوسيّ: معناه:لينعم عليهم نعمة حسنة.

و المعنى:و لينصرهم اللّه نصرا جميلا،و يختبرهم بالّتي هي أحسن.و معنى يبليهم هاهنا:يسدي إليهم.

و قيل للنّعمة:بلاء،و للمضرّة أيضا مثل ذلك،لأنّ أصله ما يظهر به الأمر من الشّكر أو الصّبر،و منه يبتلي، بمعنى يختبر و يمتحن.و سمّيت النّعمة بذلك لإظهار الشّكر و الضّرّ،و لإظهار الصّبر الّذي يجب به الأجر.

(5:111)

القشيريّ: البلاء:الاختبار،فيختبرهم مرّة بالنّعم،ليظهر شكرهم أو كفرانهم،و يختبرهم أخرى بالمحن،ليظهر صبرهم،أو ذكرهم أو نسيانهم.

البلاء الحسن:توفيق الشّكر في المنحة،و تحقيق الصّبر في المحنة،و كلّ ما يفعله الحقّ فهو حسن من الحقّ، لأنّ له أن يفعله،و هذه حقيقة الحسن،و هو ما للفاعل أن يفعله.

و يقال:حسن البلاء لأنّه منه و... (1)البلاء لأنّه فيه.

و يقال:البلاء الحسن:أن تشهد المبلي في عين البلاء.

و يقال:البلاء الحسن:ما لا دعوى لصاحبه إن كان نعمة،و لا شكوى إن كان محنة.

و يقال:البلاء الحسن:ما ليس فيه ضجر إن كان عسرا،و لا بطر إن كان يسرا.

و يقال:بلاء كلّ أحد على حسب حاله و مقامه، فأصفاهم ولاء أوفاهم بلاء،قال عليه السّلام:أشدّ النّاس بلاء الأنبياء،ثمّ الأولياء،ثمّ الأمثل فالأمثل.(2:305)

الزّمخشريّ: و ليعطيهم بَلاءً حَسَناً عطاء جميلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى:و للإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل،ة.

ص: 709


1- كذا في الأصل.و جاء في الهامش:مشتبهة.

و ما فعله إلاّ لذلك.(2:150)

ابن عطيّة: أي ليصيبهم ببلاء حسن.

فظاهر وصفه ب«الحسن»يقتضي أنّه أراد الغنيمة و الظّفر و العزّة.و قيل:أراد الشّهادة لمن استشهد يوم بدر،و هم أربعة عشر رجلا.(2:511)

الطّبرسيّ: و لينعم عليهم به نعمة حسنة،أي فعل ذلك إنعاما على المؤمنين.و الضّمير في(منه)راجع إلى «النّصر»أي من ذلك النّصر،و يجوز أن يكون راجعا إلى اللّه تعالى.

و إنّما يقال للنّعمة:بلاء،كما يقال للمضرّة:بلاء، لأنّ أصل البلاء:ما يظهر به الأمر من الشّكر و الصّبر، فيبتلي سبحانه عباده،أي يختبرهم بالنّعم،ليظهر شكرهم عليها،و بالمحن و الشّدائد،ليظهر عندها الصّبر الموجب للأجر.

و البلاء الحسن هاهنا،هو النّصر و الغنيمة و الأجر و المثوبة.(2:530)

الفخر الرّازيّ: و المراد من هذا البلاء:الإنعام،أي ينعم عليهم نعمة عظيمة،بالنّصرة و الغنيمة و الأجر و الثّواب.

قال القاضي: و لو لا أنّ المفسّرين اتّفقوا على حمل الابتلاء هاهنا على النّعمة،و إلاّ لكان يحتمل المحنة بالتّكليف فيما بعده من الجهاد،حتّى يقال:إنّ الّذي فعله تعالى يوم بدر،كان السّبب في حصول تكليف شاقّ عليهم،فيما بعد ذلك من الغزوات.(15:141)

نحوه البيضاويّ.(1:389)

أبو حيّان: و وصفه بحسن يدلّ على النّصر و العزّة، و البلاء الحسن قيل:بالنّصر و الغنيمة،و قيل:بالشّهادة لمن استشهد يوم بدر،و هم أربعة عشر رجلا.[و بعد نقل قول القاضي المتقدّم في قول الفخر قال:]

و سياق الكلام ينفي أن يراد بالبلاء:المحنة،لأنّه قال: وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً فعل ذلك، أي قتل الكفّار و رميهم،و نسبة ذلك إلى اللّه،و كان ذلك سبب هزيمتهم و النّصر عليهم،و جعلهم نهبة للمؤمنين، و هذا ليس محنة بل منحة.(4:478)

أبو السّعود: أي ليعطيهم من عنده تعالى بَلاءً حَسَناً أي عطاء جميلا،غير مشوب بمقاساة الشّدائد و المكاره.

فاللاّم إمّا متعلّقة بمحذوف متأخّر،فالواو اعتراضيّة،أي و للإحسان إليهم بالنّصر و الغنيمة فعل ما فعل،لا لشيء غير ذلك،ممّا لا يجديهم نفعا.

و إمّا ب(رمى)،فالواو للعطف على علّة محذوفة،أي و لكن اللّه رمى ليمحق الكافرين و(ليبلى)إلخ.(3:88)

البروسويّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

قال ابن الشّيخ:و الظّاهر أنّ(بلاء)اسم مصدر ليبلي،أي ليبليهم إبلاء حسنا.

و المتبادر من عبارة القاضي أنّه حمله على نفس الشّيء المبلوّ به،على طريق إطلاق المصدر على المفعول؛ حيث قال:و لينعم عليهم نعمة عظيمة.(3:326)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

و اختار بعضهم تفسيره بالإبلاء في الحرب،بدليل ما بعده،يقال:أبلى فلان بلاء حسنا،أي قاتل قتالا شديدا،و صبر صبرا عظيما.و سمّي به ذلك الفعل،لأنّه

ص: 710

ما يخبر به المرء،فتظهر جلادته و حسن أثره.(9:187)

رشيد رضا :بالنّصر و الغنيمة و حسن السّمعة.

و البلاء:الاختبار بالحسن أو بالسّيّئ،كما قال تعالى في بني إسرائيل: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:168.(9:623)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ ضمير(منه)راجع إلى اللّه تعالى،و الجملة لبيان الغاية،و هي معطوفة على مقدّر محذوف،و التّقدير:إنّما فعل اللّه ما فعل من قتلهم و رميهم لمصالح عظيمة عنده،و ليبلي المؤمنين و يمتحنهم بلاء و امتحانا حسنا،أو لينعم عليهم نعمة حسنة،و هو إفناء خصمهم و إعلاء كلمة التّوحيد بهم،و إغناؤهم بما غنموا من الغنائم.(9:39)

عبد الكريم الخطيب :و إذا كان اللّه سبحانه هو الّذي مكّن للمسلمين من عدوّهم،و منحهم هذا النّصر، فما ذلك إلاّ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً حيث أعطاهم أجر هذا العمل العظيم،الّذي هو في حقيقة الأمر لم يكن لهم يد فيه.

فلو جرت الأمور على ظاهرها لكانت الدّائرة عليهم،و لكان القتل و البلاء فيهم،فليذكروا هذا، و ليتزوّدوا منه بزاد الإيمان باللّه،و عقد العزم على الجهاد في سبيله وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الحجّ:40.

و في وصف البلاء بأنّه حسن،إشارة إلى الوجه الآخر من وجوه الابتلاء،و أنّه قد يكون غير حسن،كما يقول اللّه: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35.

فقد عافى اللّه المؤمنين من أن يبلوا بالقتل،و أن يمتحنوا بالأسر،فذلك ممّا يبتلي اللّه به المؤمنين و يجزيهم عليه.و لكن رحمة اللّه بالمؤمنين في هذا الموقف الّذي يلقون فيه الشّرك لأوّل مرّة،و ينتصرون فيه لأنفسهم،جعلت الابتلاء بالخير دون الشرّ،و بالعافية دون البلاء،فظفروا و انتصروا،و سلموا و غنموا، و رجعوا بالحسنيين جميعا:المغانم في الدّنيا،و الجنّة و نعيمها في الآخرة.(5:582)

3- وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ.

الدّخان:33

عبد الرحمن بن زيد:اختبار يتميّز به المؤمن من الكافر.

ابتلاهم بالرّخاء و الشّدّة.(القرطبيّ 16:143)

الحسن :نعمة ظاهرة.

مثله قتادة.(القرطبيّ 16:143)

قتادة :أنجاهم اللّه من عدوّهم،ثمّ أقطعهم البحر، و ظلّل عليهم الغمام،و أنزل عليهم المنّ و السّلوى.

(الطّبريّ 25:127)

ابن زيد :(بلاء مبين)لمن آمن بها و كفر بها،بلوى نبتليهم بها:نمحّصهم،بلوى اختبار نختبرهم بالخير و الشّرّ،نختبرهم لننظر فيما أتاهم من الآيات من يؤمن بها،و ينتفع بها،و يضيّعها.(الطّبريّ 25:127)

الفرّاء: يريد:نعم مبيّنة،منها:[ثمّ ذكر كلام قتادة و أضاف:]

و هو كما تقول للرّجل:إنّ بلائي عندك لحسن.و قد قيل فيهما:إنّ البلاء عذاب،و كلّ صواب.(3:42)

ص: 711

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في ذلك البلاء، فقال بعضهم:ابتلاهم بنعمه عندهم.

و قال آخرون:بل ابتلاهم بالرّخاء و الشّدّة.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه أخبر أنّه آتى بني إسرائيل من الآيات ما فيه ابتلاؤهم و اختبارهم؛و قد يكون الابتلاء و الاختبار بالرّخاء، و يكون بالشّدّة،و لم يضع لنا دليلا من خبر و لا عقل أنّه عنى بعض ذلك دون بعض،و قد كان اللّه اختبرهم بالمعنيين كليهما جميعا.و جائز أن يكون عنى اختباره إيّاهم بهما.

فإذا كان الأمر على ما وصفنا،فالصّواب من القول فيه أن نقول كما قال جلّ ثناؤه:إنّه اختبرهم.

(25:127)

الزّمخشريّ: نعمة ظاهرة،لأنّ اللّه تعالى يبلو بالنّعمة كما يبلو بالمصيبة،أو اختبار ظاهر لينظر كيف تعملون،كقوله تعالى: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ البقرة:49.(3:504)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:248)،و أبو السّعود(6:

52)،و الآلوسيّ(25:126).

البروسويّ: قال ابن الشّيخ:هو حقيقة في الاختبار،و قد يطلق على النّعمة و على المحنة مجازا،من حيث إنّ كلّ واحد منهما يكون سببا و طريقا للاختبار.

فإن قلت:إذا كانت الآيات المذكورة نعمة في أنفسها فما معنى قوله:(ما فيه بلاء)أي نعمة؟

قلت:كلمة(في)تجريديّة،فقد يكون نعمة في نعمة، كما يكون نعمة فوق نعمة،و محنة فوق محنة.(8:416)

الطّباطبائيّ: البلاء:الاختبار و الامتحان،أي و أعطينا بني إسرائيل من الآيات المعجزات ما فيه امتحان ظاهر،و لقد أوتوا من الآيات المعجزات ما لم يعهد في غيرهم من الأمم،و ابتلوا بذلك ابتلاء مبينا.

(18:141)

ابتلى

إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ...

البقرة:124

الطّبريّ: و إذ اختبر،يقال منه:ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء،و منه قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى النّساء:6،يعني به:اختبروهم،و كان اختبار اللّه تعالى ذكره إبراهيم اختبارا بفرائض فرضها عليه،و أمر أمره به؛و ذلك هو الكلمات الّتي أوحاهنّ إليه و كلّفه العمل بهنّ،امتحانا منه له و اختبارا.(1:524)

الطّوسيّ: و الابتلاء هو الاختبار،و هو مجاز هاهنا،لأنّ حقيقته الأمر من اللّه تعالى بخصال الإيمان، فسمّي ذلك اختبارا،لأنّ ما يستعمل بالأمر منّا في مثل ذلك على جهة الاختبار و الامتحان،فجرى تشبيها بما يستعمله أهل اللّغة عليه.

و قال ابن الاخشاذ:إنّما ذلك على أنّه جلّ ثناؤه يعامل العبد معاملة المختبر الّذي لا يعلم،لأنّه لو جازاهم بعلمه فيهم،كان ظالما لهم.(1:445)

الزّمخشريّ: اختبره بأوامر و نواه،و اختبار اللّه عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد الأمرين:ما يريد اللّه،و ما يشتهيه العبد،كأنّه يمتحنه ما يكون منه حتّى يجازيه،على حسب ذلك.(1:308)

ص: 712

الطّبرسيّ: أي اختبر،و هو مجاز.حقيقته أنّه أمر إبراهيم ربّه،و كلّفه،و سمّي ذلك اختبارا،لأنّ ما يستعمل الأمر منّا في ذلك يجري على جهة الاختبار و الامتحان، فأجرى على أمره اسم أمور العباد على طريق الاتّساع.

و أيضا فإنّ اللّه تعالى لمّا عامل عباده معاملة المبتلي المختبر-إذ لا يجازيهم على ما يعلمه منهم،أنّهم سيفعلونه قبل أن يقع ذلك الفعل منهم،كما لا يجازي المختبر للغير ما لم يقع الفعل منه-سمّي أمره ابتلاء.و حقيقة الابتلاء:

تشديد التّكليف.(1:200)

الفخر الرّازيّ: أنّه تعالى وصف تكليفه إيّاه ببلوى توسّعا،لأنّ مثل هذا يكون منّا على جهة البلوى و التّجربة و المحنة؛من حيث لا يعرف ما يكون ممّن يأمره.

فلمّا كثر ذلك في العرف بيننا،جاز أن يصف اللّه تعالى أمره و نهيه بذلك مجازا،لأنّه تعالى لا يجوز عليه الاختبار و الامتحان،لأنّه تعالى عالم بجميع المعلومات الّتي لا نهاية لها على سبيل التّفصيل،من الأزل إلى الأبد.

(4:37)

البيضاويّ: و الابتلاء في الأصل:التّكليف بالأمر الشّاقّ،من البلاء.لكنّه لمّا استلزم الاختبار بالنّسبة إلى من يجهل العواقب،ظنّ ترادفها.(1:80)

نحوه النّيسابوريّ.(1:434)

النّسفيّ: اختبره بأوامر و نواه.و الاختبار منّا لظهور ما لم نعلم،و من اللّه لإظهار ما قد علم.و عاقبة الابتلاء:ظهور الأمر الخفيّ في الشّاهد و الغائب جميعا، فلذا تجوز أضافته إلى اللّه تعالى.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و قرأ أبو حنيفة: (ابراهيم ربّه) برفع إبراهيم،و هي قراءة ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،أي دعاه بكلمات من الدّعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهنّ أم لا؟(1:73)

أبو حيّان: و الابتلاء:الاختبار،و معناه أنّه كلّفه بأوامر و نواه،و الباري تعالى عالم بما يكون منه،و قيل:

معناه أمر.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه دسيسة الاعتزال،و في«ريّ الظّمآن» الابتلاء:إظهار الفعل،و الاختبار:طلب الخبر،و هما متلازمان.(1:374)

أبو السّعود: و الابتلاء في الأصل:الاختبار،أي تطلّب الخبر بحال المختبر،بتعريضه لأمر يشقّ عليه غالبا فعله أو تركه؛و ذلك إنّما يتصوّر حقيقة ممّن لا وقوف له على عواقب الأمور.

و أمّا من العليم الخبير فلا يكون إلاّ مجازا عن تمكينه للعبد،من اختبار أحد الأمرين قبل أن يرتّب عليه شيئا، هو من مبادئه العاديّة،كمن يختبر عبده ليتعرّف حاله من الكياسة،فيأمره بما يليق بحاله من مصالحه.

(1:192)

نحوه البروسويّ.(1:221)

الآلوسيّ: و الابتلاء في الأصل:الاختبار-كما قدّمناه-و المراد به هنا التّكليف،أو المعاملة معاملة الاختبار مجازا؛إذ حقيقة الاختبار محالة عليه تعالى، لكونه عالم السّرّ و الخفيّات.(1:373)

الطّباطبائيّ: الابتلاء و البلاء بمعنى واحد،تقول:

ابتليته و بلوته بكذا،أي امتحنته و اختبرته،إذا قدّمت إليه أمرا،أو أوقعته في حدث فاختبرته بذلك،

ص: 713

و استظهرت ما عنده من الصّفات النّفسانيّة الكامنة عنده، كالإطاعة و الشّجاعة و السّخاء و العفّة و العلم و الوفاء أو مقابلاتها.

و لذلك لا يكون الابتلاء إلاّ بعمل،فإنّ الفعل هو الّذي يظهر به الصّفات الكامنة من الإنسان،دون القول الّذي يحتمل الصّدق و الكذب،قال تعالى: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ القلم:17،و قال تعالى:

إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ البقرة:249.(1:268)

ابتلاه

فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. الفجر:15

الطّبريّ: فأمّا الإنسان إذا ما امتحنه ربّه بالنّعم و الغنى.(30:181)

الطّوسيّ: أي اختبره،و الابتلاء هو إظهار ما في العبد من خير أو شرّ،من الشدّة و الرّخاء،و الغنى و الفقر،حسب ما تقتضيه المصلحة،فإن عمل بداعي العقل ظهر الخير،و إن عمل بداعي الطّبع ظهر الشّرّ.

و مثل الابتلاء:الامتحان و الاختبار.(1:345)

الكرمانيّ: قوله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ و بعده وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ لأنّ التّقدير في الثّاني أيضا:«و أمّا الإنسان»،فاكتفى بذكره في الأوّل.

و الفاء لازم بعده،لأنّ المعنى مهما يكن من شيء فالإنسان بهذه الصّفة،لكنّ الفاء أخّر،ليكون على لفظ الشّرط و الجزاء.(205)

الزّمخشريّ: إن قلت:فكيف توازن قوله: فَأَمَّا اَلْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ، و قوله: وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ و حقّ التّوازن أن يتقابل الواقعان بعد أمّا و أمّا، تقول:أمّا الإنسان فكفور،و أمّا الملك فشكور،أمّا إذا أحسنت إلى زيد،فهو محسن إليك،و أمّا إذا أسأت إليه فهو مسيء إليك؟

قلت:هما متوازنان من حيث إنّ التّقدير:و أمّا هو إذا ما ابتلاه ربّه؛و ذلك أنّ قوله: فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ خبر المبتدإ الّذي هو(الإنسان)،و دخول الفاء لما في(أمّا) من معنى الشّرط،و الظّرف المتوسّط بين المبتدإ و الخبر في تقدير التّأخير،كأنّه قيل:فأمّا الإنسان فقائل:ربّي أكرمن وقت الابتلاء،فوجب أن يكون،ف(يقول)الثّاني خبرا لمبتدإ واجب تقديره.

فإن قلت:كيف سمّي كلا الأمرين من بسط الرّزق، و تقديره:ابتلاء؟.

قلت:لأنّ كلّ واحد منهما اختبار للعبد،فإذا بسط له فقد اختبر حاله،أ يشكر أم يكفر؟و إذا قدر عليه فقد اختبر حاله أ يصبر أم يجزع؟فالحكمة فيهما واحدة، و نحوه قوله تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35.(4:251)

نحوه الفخر الرّازيّ.(31:171)

الطّبرسيّ: أي اختبره و امتحنه بالنّعمة.(5:487)

مثله القرطبيّ.(20:51)

أبو السّعود:أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى و اليسار،و الفاء في قوله تعالى: فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ تفسيريّة،فإنّ الإكرام و التّنعيم من الابتلاء.(6:426)

مثله البروسويّ(10:427)،و الآلوسيّ(30:125).

ص: 714

الطّباطبائيّ: أي امتحنه و اختبره،و العامل في الظّرف محذوف تقديره:كائنا إذا إلخ.

و قيل:العامل فيه(فيقول).[إلى أن قال:]

و يظهر من مجموع الآيتين،أوّلا:-حيث كرّر الابتلاء و أثبته في صورتي التّنعيم و الإمساك عنه-أنّ إيتاء النّعم و الإمساك عنه جميعا من الابتلاء و الامتحان الإلهيّ،كما قال: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً الأنبياء:35،لا كما يراه الإنسان.

و ثانيا:أنّ إيتاء النّعم بما أنّه فضل و رحمة إكرام،إن لم يبدّلها الإنسان نقما على نفسه.

و ثالثا:أنّ الآيتين معا تفيدان أنّ الإنسان يرى سعادته في الحياة،هي التّنعّم في الدّنيا بنعم اللّه تعالى، و هو الكرامة عنده،و الحرمان منه شقاء عنده،و الحال أنّ الكرامة هي في التّقرّب إليه تعالى بالإيمان و العمل الصّالح،سواء في ذلك الغنى و الفقر،و أيّ وجدان و فقدان فإنّما ذلك بلاء و امتحان.(20:282)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ هذا المال المسوق إلى الإنسان،و تلك النّعم الّتي ملأ اللّه بها يديه، هو ابتلاء و امتحان له من اللّه،يكشف به عن شكره أو كفره،و أنّ ذلك ليس لميزة امتاز بها على النّاس،فكما يبتلي اللّه أولياءه بالمال،يبتلي أعداءه به أيضا،فيعطي كلاّ من الأولياء و الأعداء ما يشاء.

أمّا الأولياء فيحمدون و يشكرون،و أمّا الأعداء فيزدادون كفرا و عنادا،و اللّه سبحانه و تعالى يقول:

وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ الأنبياء:

35.[إلى أن قال:]

فالامتحان بالفقر و الضّيق و الشّدّة،كالامتحان بالغنى و الثّراء و النّعم،فإذا كان الامتحان بالغنى يضع الإنسان أمام شهوات عارمة،و أهواء غالبة،تحتاج لقهرها إلى رصيد عظيم من العزم،و قوّة الإرادة،فإنّ الامتحان بالفقر و الشّدّة،يضع الإنسان أمام عدوّ يريد أن تزعزع إيمانه،و يغتال صبره،لحكم ربّه،و رضاه بما قضى اللّه فيه.(15:1556)

ابتلى

هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً.

الأحزاب:11

مجاهد :بالحصار.(أبو حيّان 7:217)

محّصوا.(الطّبريّ 21:132)

الضّحّاك: بالجوع.(أبو حيّان 7:217)

الطّبريّ: عند ذلك اختبر إيمان المؤمنين،و محّص القوم،و عرف المؤمن من المنافق.(21:132)

الطّوسيّ: أي اختبروا ليظهر بذلك حسن نيّاتهم، و صبرهم على ما أمرهم اللّه به،من جهاد أعدائه.

(8:321)

نحوه الطّبرسيّ.(4:347)

الميبديّ: العرب تكنّي بالمكان عن الزّمان و بالزّمان عن المكان،و التّأويل:ذاك حين ابتلي المؤمنون بالحصر و القتال،ليتبيّن المخلص من المنافق.

(8:23)

نحوه أبو السّعود(5:214)،و البروسويّ(7:148).

الفخر الرّازيّ: أي عند ذلك امتحن اللّه المؤمنين،

ص: 715

فتميّز الصّادق عن المنافق.

و الامتحان من اللّه ليس لاستبانة الأمر له بل لحكمة أخرى،و هي أنّ اللّه تعالى عالم بما هم عليه،لكنّه أراد إظهار الأمر لغيره من الملائكة و الأنبياء.

كما أنّ السّيّد إذا علم من عبده المخالفة،و عزم على معاقبته على مخالفته،و عنده غيره من العبيد و غيرهم، فيأمره بأمر عالما بأنّه يخالفه،فيبيّن الأمر عند الغير، فتقع المعاقبة على أحسن الوجوه؛حيث لا يقع لأحد أنّها بظلم،أو من قلّة حلم.(25:199)

القرطبيّ: و كان هذا الابتلاء بالخوف و القتال و الجوع و الحصر و النّزال.(14:146)

أبو حيّان: و(هنالك)ظرف مكان للبعيد،هذا أصله فيحمل عليه،أي في ذلك المكان الّذي وقع فيه الحصار و القتال ابتلي المؤمنون،و العامل فيه(ابتلى).

(7:217)

الآلوسيّ: أي اختبرهم اللّه تعالى.و الكلام من باب التّمثيل،و المراد عاملهم سبحانه و تعالى معاملة المختبر،فظهر المخلص من المنافق و الرّاسخ من المتزلزل.

و ابتلاؤهم على ما روي عن الضّحّاك:بالجوع، و على ما روي عن مجاهد:بشدّة الحصار،و على ما قيل:

بالصّبر على الإيمان.(21:158)

الطّباطبائيّ: (هنالك)إشارة بعيدة إلى زمان أو مكان،و المراد:الإشارة إلى زمان مجيء الجنود،و كان شديدا عليهم لغاية بعيدة.و الابتلاء:الامتحان.

و المعنى:في ذلك الزّمان الشّديد امتحن المؤمنون و اضطربوا خوفا اضطرابا شديدا.(16:285)

عبد الكريم الخطيب:الإشارة هنا إلى هذا الموقف الّذي واجه فيه المؤمنين الأحزاب،ففي هذا الموقف ابتلي المؤمنون،و امتحنوا،في إيمانهم باللّه،و كان الابتلاء شديدا،و الامتحان قاسيا،لا يصبر عليه، و لا يخلص منه-ناجيا بدينه،سليما في معتقده،معافى في إيمانه-إلاّ من اطمأنّ قلبه بالإيمان،و عرف ما للّه في عباده من ابتلاء، لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الأنفال:37.(11:663)

ليبتلى

وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. آل عمران:154

الطّبريّ: و ليختبر اللّه الّذي في صدوركم من الشّكّ،فيميّزكم بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم،من المؤمنين.

و قد دلّلنا فيما مضى على أنّ معاني نظائر قوله:

لِيَبْتَلِيَ اللّهُ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ آل عمران:140، و ما أشبه ذلك،و إن كان في ظاهر الكلام مضافا إلى اللّه الوصف به،فمراد به:أولياؤه و أهل طاعته.

و أنّ معنى ذلك:و ليختبر أولياء اللّه،و أهل طاعته، الّذي في صدوركم من الشّكّ و المرض،فيعرّفوكم من أهل الإخلاص و اليقين.(4:143)

الزّجّاج: أي يختبره بأعمالكم،لأنّه علمه غيبا فيعلمه شهادة،لأنّ المجازاة تقع على ما علم مشاهدة، أعني على ما وقع من عامليه،لا على ما هو معلوم منهم.

(1:480)

ص: 716

الطّوسيّ: و قوله: وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ يحتمل أمرين:

أحدهما:ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر لكم، مظاهرة في العدل عليكم.و إخراج مخرج كلام المختبر لهذه العلّة،لأنّه تعالى عالم بالأشياء قبل كونها،فلا يبتلي ليستفيد علما.

و الثّاني:ليبتلي أولياء اللّه ما في صدوركم.إلاّ أنّه أضيف الابتلاء إلى اللّه عزّ و جلّ،تفخيما لشأنه.

(3:24)

نحوه الطّبرسيّ.(1:523)

الزّمخشريّ: و ليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص،و يمحّص ما في قلوبهم من وساوس الشّيطان فعل ذلك،أو فعل ذلك لمصالح جمّة و للابتلاء و التّمحيص.(1:473)

الفخر الرّازيّ: إنّ القوم زعموا أنّ الخروج إلى تلك المقاتلة كان مفسدة،و لو كان الأمر إليهم لما خرجوا إليها،فقال تعالى:بل هذه المقاتلة مشتملة على نوعين من المصلحة:أن يتميّز الموافق من المنافق،و في المثل المشهور:«لا تكرهوا الفتن فإنّها حصاد المنافقين».

فإن قيل:لم ذكر الابتلاء و قد سبق ذكره في قوله:

ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ آل عمران:152؟

قلنا:لمّا طال الكلام أعاد ذكره،و قيل:الابتلاء الأوّل:هزيمة المؤمنين،و الثّاني:سائر الأحوال.

(9:49)

القرطبيّ: و الواو في قوله:(و ليبتلى)مقحمة، كقوله: وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ الأنعام:75،أي ليكون،و حذف الفعل الّذي مع لام كي،و التّقدير:

وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ:

فرض اللّه عليكم القتال و الحرب و لم ينصركم يوم أحد، ليختبر صبركم،و ليمحّص عنكم سيّئاتكم إن تبتم و أخلصتم.

و قيل:معنى(ليبتلى):ليعاملكم معاملة المختبر.

و قيل:ليقع منكم مشاهدة ما علمه غيبا.

و قيل:هو على حذف مضاف،و التّقدير:ليبتلي أولياء اللّه تعالى.(4:243)

النّيسابوريّ: خصّ الابتلاء بما في الصّدور، و التّمحيص بما في القلوب،إمّا لاختلاف العبارة،و إمّا لأنّ الابتلاء محلّه القلب الّذي في الصّدر،و التّمحيص مورده الهيئات و العقائد الّتي في القلب.(4:99)

أبو حيّان: [ذكر نحو القرطبيّ و أضاف:]

و«الواو»قيل:زائدة،و قيل:للعطف على علّة محذوفة،أي ليقضي اللّه أمره و ليبتلي.

و قال ابن بحر:عطف على(ليبتليكم)،لمّا طال الكلام أعاده ثمّ عطف عليه(ليمحّص).

و قيل:تتعلّق اللاّم بفعل متأخّر،التّقدير:و ليبتلي و ليمحّص فعل هذه الأمور الواقعة.و كان متعلّق الابتلاء ما انطوت عليه الصّدور،و هي القلوب،كما قال:

وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46.

(3:90)

أبو السّعود: أي ليعاملكم معاملة من يبتلي ما في صدوركم من الإخلاص و النّفاق،و يظهر ما فيها من السّرائر،و هو علّة لفعل مقدّر قبلها،معطوفة على علل

ص: 717

لها أخرى،مطويّة للإيذان بكثرتها،كأنّه قيل:فعل ما فعل لمصالح جمّة و ليبتلي إلخ.

و جعلها عللا ل(برز)يأباه الذّوق السّليم،فإنّ مقتضى المقام بيان حكمة ما وقع يومئذ من الشّدّة و الهول،لا بيان حكمة البروز المفروض،أو لفعل مقدّر بعدها،أي و للابتلاء المذكور فعل ما فعل،لا لعدم العناية بأمر المؤمنين،و نحو ذلك،و تقدير الفعل مقدّما خال من هذه المزيّة.(2:52)

نحوه البروسويّ.(2:113)

الآلوسيّ: [ذكر نحو أبي السّعود و أضاف:]

و العطف على هذا عند بعض المحقّقين على قوله تعالى: أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ و الفصل بينهما مغتفر،لأنّ الفاصل من متعلّقات المعطوف عليه لفظا أو معنى.

و قيل:إنّه لا حذف في الكلام،و إنّما هو معطوف على قوله تعالى: لِكَيْلا تَحْزَنُوا آل عمران:153،أي أثابكم بالغمّ لأمرين:عدم الحزن،و الابتلاء.

و استبعد بأنّ توسّط تلك الأمور محتاج إلى نكتة حينئذ،و هي غير ظاهرة،و أبعد منه،بل لا يكاد يقبل العطف على قوله تعالى:(ليبتليكم)أي صرفكم عنهم ليبتليكم و ليبتلي ما في صدوركم،و جعله بعضهم معطوفا على علّة محذوفة،و كلتا العلّتين(لبرز الّذين)،كأنّه قيل: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ آل عمران:154،لنفاذ القضاء،أو لمصالح جمّة، و للابتلاء.

و اعترض بأنّ الذّوق السّليم يأباه،فإنّ مقتضى المقام بيان حكمة ما وقع يومئذ من الشّدّة و الهول،لا بيان حكمة البروز المفروض.و إنّما جعل الخطاب للمؤمنين، لأنّهم المعتدّ بهم،و لأنّ إظهار حالهم مظهر لغيرهم.

و قيل:إنّه لهم و للمنافقين،أي ليبتلي ما في سرائرهم من الإخلاص و النّفاق.

و قيل:للمنافقين خاصّة،لأنّ سوق الآية لهم.(4:97)

عبد الكريم الخطيب :معطوف على مفهوم من قوله تعالى: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ أي لو لزمتم بيوتكم،و أصررتم على التزامها،لدعا قضاء اللّه-الّذي قضاه على هؤلاء الّذين قتلوا-أن يخرجوا إلى حيث التقوا بالعدوّ،و إلى حيث دارت المعركة،و سقط القتلى،فذلك أمر قضى اللّه به فيمن أراد قتله،و ليبتلي ما في قلوبكم أيّها المجدفون على اللّه من ضعف،و ليخرج ما في صدوركم من نفاق.

فلو لا هذه المحنة و ما كان فيها،لما ظهر ضعف إيمانكم،و لما استعان نفاقكم للمؤمنين.

و هذا بعض حكمة الابتلاء الّذي يبتلي اللّه به المؤمنين،فيما فرضه عليهم من جهاد الكافرين و المنافقين.(2:620)

ليبتليكم

...ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. آل عمران:152

الطّبريّ: ليختبركم،فيتميّز المنافق منكم من المخلص الصّادق،في إيمانه منكم.(4:131)

عبد الجبّار:و ربّما قيل:قد قال: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ و ذلك في يوم أحد،و هو كالدّلالة على

ص: 718

أنّه تعالى يفعل فيهم الأقدار و الصّرف.

و جوابنا:أنّه تعالى ذمّهم في قوله: حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ آل عمران:152،فأراد أنّه يوم بدر أراهم ما يحبّون لما لم يعصوا،و يوم أحد عصوا،و قد كان صلّى اللّه عليه و سلّم رتّب لهم في مجاهدة الكفّار ترتيبا خالفوه،فلمّا لم يثبتوا في المحاربة على ما رسمه لهم،لم يلطف لهم،لأجل المعصية بل شدّد التّكليف عليهم،فجاز أن يقول: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ و لذلك قال تعالى:(ليبتليكم)أي ليمنحكم بمصالحة العاقبة.(82)

الطّوسيّ: (ليبتليكم)بالمظاهرة في الإنعام عليكم، و التّخفيف عنكم.(3:20)

الميبديّ: (ليبتليكم)بما جعل من الدّبرة،فيتبيّن الصّابر من الجازع،و المخلص من المنافق.(2:310)

الزّمخشريّ: ليمتحن صبركم على المصائب، و ثباتكم على الإيمان عندها.(1:471)

مثله أبو حيّان.(3:79)

ابن عطيّة: معناه لينزل بكم ذلك البلاء من القتل و التّمحيص.(1:525)

الفخر الرّازيّ: و المراد أنّه تعالى لمّا صرفهم إلى ذلك المكان و تحصّنوا به،أمرهم هناك بالجهاد و الذّبّ عن بقيّة المسلمين،و لا شكّ أنّ الإقدام على الجهاد بعد الانهزام،و بعد أن شاهدوا في تلك المعركة قتل أقربائهم و أحبّائهم،هو من أعظم أنواع الابتلاء.(9:38)

الآلوسيّ: أي ليعاملكم معاملة من يمتحن ليبيّن أمركم و ثباتكم على الإيمان.

ففي الكلام استعارة تمثيليّة،و إلاّ فالامتحان محال على اللّه تعالى.(4:90)

رشيد رضا :ليمتحنكم بذلك،أي ليعاملكم معاملة من يمتحن و يختبر،أو لأجل أن يكون ذلك ابتلاء و اختبارا لكم،يمحّصكم به،و يميّز بين الصّادقين و المنافقين،و يزيّل بين الأقوياء و الضّعفاء،كما علم من الآيات السّابقة.(4:183)

الطّباطبائيّ: أي كفّكم عن المشركين بعد ظهور الفشل و التّنازع و المعصية.

و بالجملة بعد وقوع الاختلاف بينكم ليمتحنكم، و يختبر إيمانكم و صبركم في اللّه؛إذ الاختلاف في القلوب هو أقوى العوامل المقتضية لبسط الابتلاء،ليتميّز المؤمن من المنافق،و المؤمن الرّاسخ في إيمانه الثّابت على عزيمته، من المتلوّن السّريع الزّوال.(4:44)

نبتليه

إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. الدّهر:2

ابن عبّاس: نصرّفه خلقا بعد خلق،لنبتليه بالخير و الشّرّ.

نحوه الكلبيّ.(القرطبيّ 19:122)

الحسن :نختبر شكره في السّرّاء،و صبره في الضّرّاء.(القرطبيّ 19:122)

مقاتل: نكلّفه بالعمل بعد الخلق.

(القرطبيّ 19:122)

الفرّاء: و المعنى،و اللّه أعلم:جعلناه سميعا بصيرا

ص: 719

لنبتليه.فهذه مقدّمة معناها التّأخير،إنّما المعنى:خلقناه سميعا بصيرا لنبتليه.(3:214)

نحوه ابن قتيبة.(502)

الطّبريّ: نختبره.و كان بعض أهل العربيّة يقول:

[و حكى ما قاله الفرّاء،ثمّ قال:]

و لا وجه عندي لما قال يصحّ؛و ذلك أنّ الابتلاء إنّما هو بصحّة الآلات،و سلامة العقل من الآفات و إن عدم السّمع و البصر.

و أمّا إخباره إيّانا أنّه جعل لنا أسماعا و أبصارا في هذه الآية،فتذكير منه لنا بنعمه،و تنبيه على موضع الشّكر، فأمّا الابتلاء فبالخلق مع صحّة الفطرة،و سلامة العقل من الآفة،كما قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56.(29:205)

الطّوسيّ: أي نختبره بما نكلّفه من الأفعال الشّاقّة، لننظر ما طاعته و ما عصيانه،فنجازيه بحسب ذلك.

(10:206)

مثله الطّبرسيّ.(5:407)

الميبديّ: أي نختبره بالأمر و النّهي.و قيل:فيه تقديم و تأخير،أي فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً لنبتليه، لأنّ الابتلاء لا يقع إلاّ بعد تمام الخلقة،و اللّه عزّ و جلّ يبتلي ليخرج ما علم من عبده،فيراه و يريه.

(10:317)

الزّمخشريّ: (نبتليه)في موضع الحال،أي خلقناه مبتلين له،بمعنى مريدين ابتلاءه،كقولك:مررت برجل معه صقر صائدا به غدا،تريد قاصدا به الصّيد غدا.

و يجوز أن يراد:ناقلين له من حال إلى حال،فسمّي ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة.

و قيل:هو في تقدير التّأخير،يعني فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه،و هو من التّعسّف.(4:195)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى:(نبتليه)ففيه مسائل:

المسألة الأولى:(نبتليه)معناه لنبتليه،و هو كقول الرّجل:جئتك أقضي حقّك،أي لأقضي حقّك،و أتيتك استمنحك،أي لأستمنحك،كذا قوله:(نبتليه)أي لنبتليه،و نظيره قوله: وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ المدّثّر:6، أي لتستكثر.

المسألة الثّانية:(نبتليه)في موضع الحال،أي خلقناه مبتلين له،يعني مريدين ابتلاءه.

المسألة الثّالثة:في الآية قولان:

أحدهما:[قول الفرّاء]

و القول الثّاني:أنّه لا حاجة إلى هذا التّغيير،و المعنى إنّا خلقناه من هذه الأمشاج لا للعبث،بل للابتلاء و الامتحان.

ثمّ ذكر أنّه أعطاه ما يصحّ معه الابتلاء،و هو السّمع و البصر،فقال: فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. (30:237)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(19:121)

أبو حيّان:قيل:(نبتليه)بالإيجاد و الكون في الدّنيا،فهي حال مقارنة.(8:394)

الشّربينيّ: يجوز فيه وجهان:

أحدهما:أنّه حال من فاعل(خلقنا)أي خلقناه حال كوننا مبتلين له.

ص: 720

و الثّاني:أنّه حال من الإنسان،و صحّ ذلك،لأنّ في الجملة ضميرين،كلّ منهما يعود على ذي الحال.

ثمّ هذه الحال يجوز أن تكون مقارنة إن كان المعنى:

(نبتليه)نصرّفه في بطن أمّه نطفة ثمّ علقة،كما قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.

و أن تكون مقدّرة إن كان المعنى:(نبتليه)نختبره بالتّكليف،لأنّه وقت خلقه غير مكلّف.(4:449)

البروسويّ: (نبتليه)حال مقدّرة من فاعل (خلقنا)أي مريدين ابتلاءه و اختباره بالتّكليف فيما سيأتي،ليتعلّق علمنا بأحواله تفصيلا في العين،بعد تعلّقه بها إجمالا في العلم،و ليظهر أحوال بعضهم لبعض من القبول و الرّدّ،و السّعادة و الشّقاوة.(10:260)

الآلوسيّ: (نبتليه)حال من فاعل(خلقنا)و المراد:

مريدين ابتلاءه و اختباره بالتّكليف فيما بعد،على أنّ الحال مقدّرة.أو ناقلين له من حال إلى حال و من طور إلى طور،على طريقة الاستعارة،لأنّ المنقول يظهر في كلّ طور ظهورا آخر،كظهور نتيجة الابتلاء و الامتحان بعده،و روي نحوه عن ابن عبّاس.

و على الوجهين ينحلّ ما قيل:إنّ الابتلاء بالتّكليف و هو يكون بعد جعله سميعا بصيرا لا قبل،فكيف يترتّب عليه قوله سبحانه: فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً.

و قيل:الكلام على التّقدير و التّأخير،و الجملة استئناف تعليليّ،أي فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، و حكي ذلك عن الفرّاء.

و عسّف،لأنّ التّقديم لا يقع في حاقّ موقعه لا لفظا لأجل الفاء و لا معنى،لأنّه لا يتّجه السّؤال قبل الجعل.

و الأوجه الأوّل،و هذا الجعل كالمسبّب عن الابتلاء،لأنّ المقصود من جعله كذلك،أن ينظر الآيات الآفاقيّة و الأنفسيّة،و يسمع الأدلّة السّمعيّة،فلذلك عطف على الخلق المقيّد به بالفاء.(29:152)

الطّباطبائيّ: و الابتلاء:نقل الشّيء من حال إلى حال،و من طور إلى طور،كابتلاء الذّهب في البوتقة.

و ابتلاؤه تعالى الإنسان في خلقه من النّطفة،هو ما ذكره في مواضع من كلامه،أنّه يخلق النّطفة،فيجعلها علقة،و العلقة مضغة،إلى آخر الأطوار الّتي تتعاقبها، حتّى ينشئه خلقا آخر.

و قيل:المراد بابتلائه:امتحانه بالتّكليف،و يدفعه تفريع قوله: فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً على الابتلاء،و لو كان المراد به التّكليف كان من الواجب تفريعه على جعله سميعا بصيرا لا بالعكس.

و الجواب عنه:بأنّ في الكلام تقديما و تأخيرا، و التّقدير:إنّا خلقناه من نطفة أمشاج فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه،لا يصغى إليه.(20:121)

عبد الكريم الخطيب :أي فجعلنا هذا الإنسان سميعا بصيرا لنبتليه،و نختبر ما ذا يعطي من ثمر بهذه القوى الّتي أودعناها فيه،من السّمع و البصر.

و قدّم الابتلاء و هو المسبّب،على سببه الّذي هو السّمع و البصر المودعان فيه،للإشارة إلى أنّ الإنسان إنّما خلق للابتلاء،و أنّه لم يخلق عبثا.فهو الكائن الوحيد في هذه الأرض،الّذي حمل الأمانة-أمانة التّكليف-الّتي عرضت على السّماوات و الأرض و الجبال،فأبين أن يحملنها و أشفقن منها،و حملها الإنسان.(15:1353)

ص: 721

ابتلوا

وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ... النّساء:6

ابن عبّاس: اختبروهم.(الطّبريّ 4:251)

مثله أبو عبيدة(1:117)،و ابن قتيبة(تأويل مشكل القرآن:469)،و نحوه الحسن(الطّبريّ 4:

251).

مجاهد :اختبروهم في عقولهم و دينهم.

مثله الحسن،و قتادة،و السّدّيّ.(الطّبريّ 4:251)

ابن زيد :اختبروه في رأيه،و في عقله كيف هو؟ إذا عرف أنّه قد أنس منه رشد،دفع إليه ماله،و ذلك بعد الاحتلام.(الطّبريّ 4:252)

الجصّاص :أمرنا باختبارهم قبل البلوغ،لأنّه قال: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ، فأمر بابتلائهم في حال كونهم يتامى.

ثمّ قال: حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فأخبر أنّ بلوغ النّكاح بعد الابتلاء،لأنّ(حتّى)غاية مذكورة بعد الابتلاء،فدلّت الآية من وجهين،على أنّ هذا الابتلاء قبل البلوغ.

و في ذلك دليل على جواز الإذن للصّغير الّذي يعقل في التّجارة،لأنّ ابتلاءه لا يكون إلاّ باستبراء حاله في العلم بالتّصرّف و حفظ المال،و متى أمر بذلك كان مأذونا في التّجارة.[ثمّ أطال البحث في إذن الصّبيّ في التّجارة فلاحظ](2:61)

نحوه القرطبيّ.(5:34)

الزّمخشريّ: و اختبروا عقولهم و ذوّقوا أحوالهم و معرفتهم بالتّصرّف قبل البلوغ،حتّى إذا تبيّنتم منهم رشدا.[إلى أن قال:]

و اختلف في الابتلاء و الرّشد،فالابتلاء عند أبي حنيفة و أصحابه:أن يدفع إليه ما يتصرّف فيه،حتّى يستبين حاله فيما يجيء منه،و الرّشد:التّهدّي إلى وجوه التّصرّف.

و عن ابن عبّاس: الصّلاح في العقل و الحفظ للمال.

و عند مالك و الشّافعيّ: الابتلاء أن يتتبّع أحواله و تصرّفه في الأخذ بالإعطاء،و يتبصّر مخايله و ميله إلى الدّين،و الرّشد:الصّلاح في الدّين،لأنّ الفسق مفسدة للمال.(1:500)

نحوه البيضاويّ.(1:240)

ابن العربيّ: المسألة الرّابعة في كيفيّة الابتلاء، و هو بوجهين:

أحدهما:يتأمّل أخلاق يتيمه و يستمع إلى أغراضه، فيحصل له العلم بنجابته،و المعرفة بالسّعي في مصالحه، و ضبط ماله،أو الإهمال لذلك.

فإذا توسّم الخير قال علماؤنا:لا بأس أن يدفع إليه شيئا من ماله،و هو الثّاني؛و يكون يسيرا،و يبيح له التّصرّف فيه.

فإن نمّاه و أحسن النّظر فيه،فقد وقع الاختبار، فليسلّم إليه ماله جميعه،و إن أساء النّظر فيه وجب عليه إمساك ماله عنه.(1:320)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا أمر من قبل بدفع مال اليتيم إليه بقوله: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ بيّن بهذه الآية متى يؤتيهم أموالهم،فذكر هذه الآية، و شرط في دفع أموالهم إليهم شرطين:

ص: 722

أحدهما:بلوغ النّكاح،و الثّاني:إيناس الرّشد،و لا بدّ من ثبوتهما حتّى يجوز دفع مالهم إليهم.[ثمّ ذكر مسائل فلاحظ.](9:187)

أبو حيّان: و كيفيّة اختبار الصّغير:أن يدفع إليه نزر يسير من المال يتصرّف فيه،و الوصيّ يراعي حاله فيه لئلاّ يتلفه.

و اختبار الصّغيرة:أن يردّ إليها أمر البيت و النّظر في الاستغزال دفعا و أجرة و استيفاء،و اختلاف كلّ منهما بحال ما يليق به و بما يعانيه من الأشغال و الصّنائع،فإذا أنس منه الرّشد بعد البلوغ و الاختبار،دفع إليه ماله، و أشهد عليه.(3:171)

الفاضل المقداد: [بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

إذا تقرّر هذا فهنا أحكام:

1-دلّ الأمر بابتلائهم على وجوب الحجر عليهم في التّصرّفات،و إلاّ لانتفت فائدة الابتلاء الّذي يترتّب عليه وجوب دفع الأموال إليهم.

2-الآية ظاهرة في تقدّم الابتلاء على البلوغ، و فائدته عدم الاحتياج إلى اختبار آخر،بل يسلّم إليه ماله إن علم رشده.و قال بعض الجمهور:إنّه بعد البلوغ، و هو باطل و إلاّ لزم الحجر على البالغ الرّشيد،و هو باطل إجماعا.

3-اختلف في معنى ابتلائهم،فقال أبو حنيفة:هو أن يدفع إليه ما يتصرّف فيه،و قال أصحابنا و الشّافعيّ و مالك:هو تتبّع أحواله في ضبط أمواله و حسن تصرّفه، بأن يكل إليه مقدّمات البيع.لكنّ العقد لو وقع منه كان باطلا،و يلزم على قول أبي حنيفة أن يكون العقد صحيحا.(2:101)

أبو السّعود: شروع في تعيين وقت تسليم أموال اليتامى إليهم و بيان شرطه،بعد الأمر بإيتائها على الإطلاق،و النّهي عنه عند كون أصحابها سفهاء،أي و اختبروا من ليس منهم بيّن السّفه،قبل البلوغ بتتبّع أحوالهم في صلاح الدّين،و الاهتداء إلى ضبط المال و حسن التّصرّف فيه،و جرّبوهم بما يليق بحالهم.

فإن كانوا من أهل التّجارة فبأن تعطوهم من المال ما يتصرّفون فيه بيعا و ابتياعا،و إن كانوا ممّن له ضياع و أهل و خدم فبأن تعطوهم منهم ما يصرفونه إلى نفقة عبيدهم و خدمهم و أجرائهم و سائر مصارفهم،حتّى تتبيّن لكم كيفيّة أحوالهم.(2:100)

نحوه البروسويّ.(2:166)

الآلوسيّ: [نقل صدر كلام أبي السّعود و أضاف:]

و هو ظاهر على تقدير:أن يراد من السّفهاء:

المبذّرين بالفعل من(اليتامى)،و إمّا على تقدير:أن يراد بهم(اليتامى)مطلقا.و وصفهم بالسّفه باعتبار ما أشير إليه فيما مرّ،ففيه نوع خفاء.

و قيل:إنّ هذا رجوع إلى بيان الأحكام المتعلّقة بأموال اليتامى لا شروع،و هو مبنيّ على أنّ ما تقدّم كان مذكورا على سبيل الاستطراد،و الخطاب للأولياء.

و الابتلاء:الاختبار،أي و اختبروا من عندكم من اليتامى بتتبّع أحوالهم،في الاهتداء إلى ضبط الأموال، و حسن التّصرّف فيها،و جرّبوهم بما يليق بحالهم.

[ثمّ ذكر آراء أصحاب المذاهب في ذلك فلاحظ.]

(4:203)

ص: 723

عبد الكريم الخطيب:في آية سابقة حذّر اللّه سبحانه و تعالى من أكل مال اليتامى،أو التّهاون فيه،أو التّضييع له.

و في هذه الآية يدعو سبحانه القومة على اليتامى، من أولياء و أوصياء،أن يضعوهم دائما تحت التّجربة و الاختبار،لسياسة أموالهم،و تدبيرها بأنفسهم؛و ذلك بأن يشركوهم معهم في بعض التّصرّفات،و يطّلعوهم على طرق الأخذ و العطاء بين النّاس.(2:703)

لمبتلين

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَ إِنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ. المؤمنون:30

الطّوسيّ: و إن كنّا مختبرين عبادنا بالاستدلال على خالقهم بهذه الآيات،و معرفته و شكره على نعمه عليهم،و بعبادته و طاعته و تصديق رسله.(7:364)

الميبديّ: أي مختبرين طاعتهم بإرسال نوح إليهم.(6:435)

الزّمخشريّ: أي مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم و عقاب شديد،أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا،لننظر من يعتبر و يدّكر،كقوله تعالى: وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر:15.(3:31)

مثله النّسفيّ(3:118)،و أبو حيّان(6:402).

الطّبرسيّ: معناه:و ان كنّا مختبرين إيّاهم بإرسال نوح و وعظه و تذكيره،و متعبّدين عبادنا بالاستدلال بتلك الآيات،على قدرتنا و معرفتنا.(4:104)

الفخر الرّازيّ: يمكن أن يكون المراد:و إن كنّا لمبتلين فيما قبل،و يحتمل أن يكون و إن كنّا لمبتلين فيما بعد.و هذا هو الأقرب،لأنّه كالحقيقة في الاستقبال، و إذا حمل على ذلك احتمل وجوها:

أحدها:أن يكون المراد:المكلّفين في المستقبل،أي فيجب فيمن كلّفناه أن يعتبر بهذا الّذي ذكرناه.

و ثانيها:أن يكون المراد:لمعاقبين،لمن سلك في تكذيب الأنبياء،مثل طريقة قوم نوح.

و ثالثها:أن يكون المراد:كما نعاقب من كذّب بالغرق و غيره،فقد نمتحن بالغرق من لم يكذّب على وجه المصلحة،لا على وجه التّعذيب،لكي لا يقدّر أنّ كلّ الغرق يجري على وجه واحد.(23:95)

البيضاويّ: لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم،أو ممتحنين عبادنا بهذه الآيات.و(ان)هي المخفّفة،و اللاّم هي الفارقة.(2:106)

نحوه البروسويّ(6:80)،و الآلوسيّ(18:28).

الطّباطبائيّ: خطاب في آخر القصّة للنّبي صلّى اللّه عليه و آله، و بيان أنّ هذه الدّعوة مع ما جرى معها كانت ابتلاء،أي امتحانا و اختبارا إليها.(15:30)

يبلى

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى. طه:120

الطّوسيّ: (لا يبلى)على الأبد و لا يهلك.

(7:216)

الطّبرسيّ: (لا يبلى)جديده و لا يفنى.(4:34)

نحوه النّسفيّ.(3:68)

النّيسابوريّ: أي لا ينقطع و لا يزول.(16:165)

ص: 724

الشّربينيّ: أي لا يبيد و لا يفنى.(2:489)

البروسويّ: أي لا يزول،و لا يختلّ بوجه من الوجوه.(5:437)

الآلوسيّ: أي لا يفنى أو لا يصير باليا خلقا.قيل:

إنّ هذا من لوازم الخلود،فذكره للتّأكيد و زيادة التّرغيب.(16:274)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(ملك لا يبلى):سلطنة لا تتأثّر عن مرور الدّهور،و اصطكاك المزاحمات و الموانع،فيؤول المعنى إلى نحو قولنا:هل أدلّك على شجرة ترزق بأكل ثمرتها حياة خالدة و ملكا دائما،فليس قوله:(لا يبلى)تكرارا لإفادة التّأكيد،كما قيل.

و الدّليل على ما ذكره ما في سورة الأعراف في هذا المعنى من قوله: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الأعراف:20، و لا منافاة بين جمع خلود الحياة و دوام الملك هاهنا بواو الجمع،و بين التّرديد بينهما في سورة الأعراف،لإمكان أن يكون التّرديد هناك لمنع الخلوّ لا لمنع الجمع،أو يكون الجمع هاهنا باعتبار الاتّصاف بهما جميعا،و التّرديد هناك باعتبار تعلّق النّهي.

كأنّه قيل:إنّ في هذه الشّجرة صفتين،و إنّما نهاكما ربّكما عنها إمّا لهذه أو لهذه،أو إنّما نهاكما ربّكما عنها أن لا تخلدا في الجنّة مع ملك خالد،أو أن لا تخلدا،بناء على أنّ الملك الخالد يستلزم حياة خالدة،فافهم ذلك.

و كيف كان،فلا منافاة بين التّرديد في آية،و الجمع في أخرى.(14:221)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البلاء على وجهين:النّعمة،الاختبار.

فوجه منها:البلاء يعني النّعمة،قوله تعالى في سورة البقرة:49 وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، يعني في إنجائكم من آل فرعون.نظيرها في سورة الأعراف:

141،و إبراهيم:6.

و الوجه الثّاني:البلاء يعني الاختبار،قوله في سورة الصّافّات:106 إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ كقوله في سورة البقرة:124 وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ، و نحوه كثير.(152)

الفيروزآباديّ: قد ورد في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأوّل:بمعنى النّعمة وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً الأنفال:17،أي و لينعم.

الثّاني:بمعنى الاختبار و الامتحان هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ الأحزاب:11، لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً هود:7.

الثّالث:بمعنى المكروه وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ الأعراف:141،أي محنة.

(بصائر ذوي التّمييز 2:274)

الأصول اللّغويّة

لقد لفّقت هنا المادّتان(ب ل ي)و(ب ل و)معا:

1-فالأصل في مادّة(ب ل ي)البلى،أي الرّثاثة و الإخلاق،يقال:بلي الثّوب يبلى بلى و بلاء،فهو بال،

ص: 725

و أبليته أنا.

و منه:البليّة،و هي النّاقة الّتي كانت تعقل في الجاهليّة عند قبر صاحبها،فلا تعلف و لا تسقى حتّى تموت؛إذ كانوا يزعمون أنّ صاحبها يحشر راكبا عليها، و إن لم تعقل عند قبره ناقة فسوف يحشر راجلا.

و يقال منه:أبليت و بلّيت البليّة،و قامت مبلّيات فلان ينحن عليه،و هنّ النّساء اللّواتي يقمن حول راحلة الميّت،فينحن إذا مات أو قتل.

و قد جاء الفعل«بلى»في اللّغات السّاميّة بهذا اللّفظ،كما في السّريانيّة أيضا،أو بكسر الباء و اللاّم «بلي»في الآراميّة،أو بزيادة ألف بعد الباء و اللاّم«بالاه» في العبريّة-و هو من(ب ل ي)-و لم يأت أحد مشتقّات مادّة(ب ل و)في اللّغات السّاميّة سوى العربيّة.

2-و الأصل في مادّة(ب ل و)البلاء،أي التّجربة و الاختبار،يقال:بلوت فلانا أبلوه بلوا و بلاء،و ابتليته، اختبرته و جرّبته،و الاسم منه:البلوى و البليّة و البلية و البلوة.و أبلى اللّه العبد يبليه إبلاء خيرا أو شرّا،أي صنع به ذلك،يقال:اللّهمّ لا تبلنا إلاّ بالّتي هي أحسن، أي لا تمتحنّا.

و منه:أبلى ذلك اليوم بلاء حسنا،أي اجتهد في صفة كرم أو في حرب،و مثله:بالى يبالي مبالاة.و يقال للرّاعي الحسن الرّعية:إنّه لبلو من أبلائها.و أبليت فلانا عذرا،أي بيّنت فيما بيني و بينه ما لا لوم عليّ بعده.و أبليت فلانا يمينا:حلفت له بيمين طيّب بها نفسه،و أبليت عليه:حلفت عليه.و ابتليت فلانا فأبلاني،أي استخبرته فأخبرني،و أبليت عن كذا:أخبرت عنه.

و منه أيضا:ناقة بلو سفر و بلي سفر،أي أتعبها السّفر و أهلكها،و كذا فلان بلو سفر و بلي سفر،و الجمع أبلاء،يقال:بلاّه السّفر و بلّى عليه و أبلاه.

3-و ليس لفظ«بلى»في جواب الاستفهام المنفيّ من هذه المادّة،إذ ألفه زائد،و هو مثل«بل»يأتي للكلام الّذي فيه جحد،يقال:أ لا تقوم؟فجوابه:بلى،يراد به بل أقوم.

و كذا قولهم:النّاس بذي بلّيّ و ذي بلّى،أي متفرّقون،فهو من مادّة(ب ل ل)،كما ذهب إليه أبو عبيد،و قال:«و فيه لغة أخرى:بذي بلّيان،و هو (فعليان)مثل:صلّيان».

و قولهم:ليس هذا من بالي،أي ممّا أكترث به، و باليته مبالاة،أي فاخرته،من(ب و ل).

أمّا البالة بمعنى الرّائحة و الشّمّة فهو من قولهم:

بلوته،إذا شممته و اختبرته،كما روى الأزهريّ ذلك عن أبي سعيد،فقال:«إنّما كان أصلها«بلوة»،و لكنّه قدّم الواو قبل اللاّم فصيّرها ألفا،و هو كقولك:قاع و قعا».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من هذه المادّة(34)آية بصيغ مختلفة:

1- إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. القلم:17

2- وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الأعراف:168

3- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31

ص: 726

3- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31

4- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ الأنبياء:35

5- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ.

البقرة:155

6- وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف:163

7- إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف:7

8- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ... وَ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:4

9- لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ المائدة:48

10- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:165

11- وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً هود:7

12- اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الملك:2

13- ...تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ النّحل:92

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ

المائدة:94

15- ...فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ النّمل:40

16- لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

آل عمران:186

17- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:17.

18- وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124

19- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَ أَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ الفجر:15،16

20- إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً الدّهر:2

ص: 727

20- إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً الدّهر:2

21- ...مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:152

22- ...قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

آل عمران:154

23- وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ... النّساء:6

24- هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً الأحزاب:11

25- وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ البقرة:49

26- وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ الأعراف:141

27- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ إبراهيم:6

28- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ* وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الصّافّات:106،107

29- وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ

الدّخان:33

30- فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ... البقرة:249

31- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَ إِنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ

المؤمنون:30

32- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

يونس:30

33- إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ* يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ

الطّارق:8،9

34- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى. طه:120

يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا بمعنى الابتلاء و الاختبار، من بلو سوى ثلاث منها(32)و(33)و(34)،فهذا المعنى غير ظاهر فيها،و سنفردها بالبحث.

ثانيا:ما جاء بمعنى الاختبار على أربعة أقسام:

الأوّل:الاختبار بالخير و الشّرّ معا،مثل(2):

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ، و(4): وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً، و(6): إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ، و(19) و(20): فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ، فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، و(32): فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي.

و يلحق بهذا القسم وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ في(3)، لأنّ فيها خيرا و شرّا،و كذلك اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ في(12).و يقدّم في هذا القسم الخير

ص: 728

على الشرّ تارة،مثل:«الحسنات و السيّئات»،و أخرى بالعكس،مثل:«الشّرّ و الخير»،و لكلّ وجه.

الثّاني:الاختبار بالخير فقط،و هي أكثرها،مثل:

كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ في(1).

الثّالث:الاختبار بالشّرّ فقط،مثل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ... في(3)، وَ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ في(8)، وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ في(22)، وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ...) في(5).

الرّابع:اختبار الأطفال لدفع أموالهم إليهم في(24)، و هذا فعل النّاس،و ما تقدّم فكلّه فعل اللّه،أي أنّ المختبر فيها هو اللّه تعالى.

ثالثا:جاءت ثمرة الابتلاء في ثلاث منها معرفة أنّ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، و فيها شيء من الخلق،ففي(7):

خلق ما على الأرض زينة،و في(11):خلق السّماوات و الأرض،و في(12):خلق الموت و الحياة.

أي أنّ الغرض من خلق العالم و ما فيه،و خلق الإنسان و ما يعتوره من الموت و الحياة،هو إيجاد السّباق بين النّاس في الحياة،ليعلم أيّهم أحسن عملا.و هو غاية الحياة و نهاية المطاف،أي أنّ الحياة ميدان السّباق في الخيرات و القيم،و قد صرّح بهذا السّباق في قوله:

وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ في (9).

رابعا:جاء في اثنتين منها بهذا الصّدد: حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ في(2)، لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ في(14)،و فيهما تصريح بأنّ الاختبار من أجل أن يعلم اللّه حال العباد.و ظاهر هذا السّياق أنّه لو لا الاختبار لما علم اللّه حالهم،و هو باطل بالضّرورة،و قد حملوهما على وجوه:قال الطّبرسيّ في(3):«أي حتّى يتميّز المجاهدون في سبيل اللّه من جملتكم،و الصّابرون على الجهاد.و قيل:معناه حتّى يعلم أولياؤنا المجاهدين منكم،و أضافه إلى نفسه تعظيما لهم و تشريفا،كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57،أي يؤذون أولياء اللّه.

و قيل:معناه حتّى نعلم جهادكم موجودا،لأنّ الغرض أن تفعلوا الجهاد يثبّتكم على ذلك (1)».

و قال في(14):«معناه ليعاملكم معاملة من يطلب منكم أن يعلم مظاهره في العدل،و وجه آخر ليظهر المعلوم...و قيل:ليعلم وجود خوف من يخافه بالوجود، لأنّه لم يزل عالما بأنّه سيخاف،فإذا وجد الخوف علم ذلك موجودا،و هما معلوم واحد و إن اختلفت العبارة عنه،فالحدوث إنّما يدخل على الخوف لا على العلم (2)».

و نقول:هذا ما يعبّرون عنه بالعلم بعد الوجود،أو العلم الفعلي بإزاء العلم الذّاتي.و قد نفى اللّه حدوث العلم له بالابتلاء،بقوله في(22): وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، لاحظ(ع ل م).

خامسا:من أبرز مواقع الابتلاء في القرآن الجهاد في سبيل اللّه،و جاءت فيه سبع آيات:(3)و(8)و(17) و(21)إلى(24).و أظهرها تعبيرا قوله: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ4.

ص: 729


1- مجمع البيان 5،107.
2- مجمع البيان 2:244.

حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ. و تلحق بها آيات فيها الابتلاء بالنّفس:

مثل:(5)و(16)و(25)إلى(28).

و ليس غريبا في عرف القرآن بأنّ المجاهدين في القرآن في طليعة المؤمنين في آيات كثيرة،و قد جعل اللّه الجهاد شرط الإيمان الصّادق؛حيث قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحجرات:15.

سادسا:جاء الفعل في أربع منها مؤكّدا باللاّم و نون التّأكيد بصيغة الخطاب و الجمع،معلوما و مجهولا:(3) و(5)و(14)و(16): لَنَبْلُوَنَّكُمْ و(لتبلونّ)،أولاها (3)في الابتلاء بالجهاد،و قد علمنا مدى الاهتمام به.

و ثانيتها(5)في الابتلاء بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثّمرات،و الابتلاء بالنّفس هو الجهاد.و كذلك ثالثتها(16)،فهي هي الابتلاء بالأموال و الأنفس،و قد وقع التّأكيد فيها موقعه،و جاء الفعل فيها مجهولا إمعانا في التّأكيد و تركيزا للفعل لا الفاعل.

و أمّا الرّابعة(14)فموضوعها الصّيد في الحرم، و ليست حرمة الحرم بأقلّ من حرمة النّفس،فالإمساك عن الصّيد احتراما له،كإرسال النّفس في سبيل اللّه اهتماما بها.

سابعا:عنصر الصّبر هو عمدة أسباب النّجاح في الابتلاء،و هو موجود في ثنايا جميع الآيات،و مصرّح به في آيتين(3):«المجاهدين و الصّابرين»،و(5):(و بشّر الصّابرين).

و الصّبر فيهما نوعان:صبر على النّعمة بوضعها موضعها؛و هذا في القسمين الأوّلين من الأقسام الأربعة، و صبر على النّقمة،و هذا في القسم الأوّل و الثّالث.

فالأوّل لاجتماع النّعمة و النّقمة فيه جامع للنّوعين، و الآخران خاصّان بأحدهما.

ثامنا:جاء عنصر الرّجوع عقيب الابتلاء في ثلاث منها:(2)و(4)و(9)في سياقين مختلفين،ففي(2):

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، أي يرجعون من الكفر و المعاصي، و في(4):و إِلَيْنا تُرْجَعُونَ، و هو إنذار،أي ترجعون إلينا فنجازيكم بما عملتم من الخير و الشّرّ.و قد صرّح به في(9) إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، و جاءت الآيتان(13)و(14)في معناها.

تاسعا:جاء(بلاء)في ستّ منها،و هي على ثلاثة أقسام:

1-جاء في ثلاث منها-(25)و(26)و(27)- موصوفا ب(عظيم)بسياق واحد: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، و كلّها جاءت في نجاة بني إسرائيل من آل فرعون.و قد وقع هذا الوصف في محلّه؛إذ كانوا يسومونهم سوء العذاب طيلة سنين و قرون،فكان عذابهم عظيما،فخلاصهم عظيم و بلاؤهم عظيم.

و معلوم أنّ تنكير الموصوف و الصّفة هنا للتّعظيم، ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن،و يزيده أهمّيّة تقييده ب(من ربّكم)فاصلا بين الموصوف و الصّفة،مزيدا للتّعظيم و رعاية لرويّ الآيات.

2-و جاء(بلاء)في اثنتين منها-(28)و(29)- موصوفا ب(مبين)مع تفاوت بينهما،ففي(28): إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ. و موضوعها ابتلاء إبراهيم بذبح ولده.و هذا لا يقلّ عن الجهاد،بل هو الجهاد الأكبر، و الابتلاء راجع إلى الوالد و الولد كليهما،و إن كان في الوالد أبين و به ألصق.

ص: 730

2-و جاء(بلاء)في اثنتين منها-(28)و(29)- موصوفا ب(مبين)مع تفاوت بينهما،ففي(28): إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ. و موضوعها ابتلاء إبراهيم بذبح ولده.و هذا لا يقلّ عن الجهاد،بل هو الجهاد الأكبر، و الابتلاء راجع إلى الوالد و الولد كليهما،و إن كان في الوالد أبين و به ألصق.

و السّياق ينبئ عن عظم الابتلاء في جملة مؤكّدة بألوان من التّأكيد إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، و التّعريف في الوصف و الموصوف للعهد الذّكريّ و الذّهنيّ،إشعارا بأنّه مشهود معروف بالعظمة.و قبلها وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ -و التّنكير فيها للتّعظيم أيضا فزاده عظمة-و تستلزم عظمة الذّبح بلاء عظيما، ف(المبين)سدّ مسدّ«العظيم»مع زيادة التّوضيح و الجلاء.و فيها شيء من الحصر،أي إذا خطر ببالك أكبر البلاء فهذا هو ذاك،و ما سواه من أقسام البلاء فهو دونه.

و أمّا الآية(29)فموضوعها نجاة بني إسرائيل من العذاب المهين؛حيث قال: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ* وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ.

بتنكير الوصف و الموصوف،و يشعر هذا السّياق أيضا بعظمة لا يعرف مداها،و لا يطّلع على حدودها،فكلّ من التّعريف و التّنكير في الآيتين للتّعظيم و التّنكير.

3-و جاء في واحدة-هي(17)-(بلاء حسنا)، و موضوعها ابتلاء المؤمنين-و هم قلّة-بالمشركين -و هم كثرة-في بدر؛حيث قتل المشركون بأيدي الملائكة،فنفاه عن المؤمنين و نسبه إليه.و كان هذا بلاء حسنا للمؤمنين؛حيث أيّدهم اللّه بتثبيت قلوبهم أمام أعدائهم،ثمّ نصرتهم بالقوى الغيبيّة.و التّنكير فيه للوحدة و القلّة،أي كانت قضيّة في واقعة لا تتكرّر، و سنتحدّث عن ذلك تفصيلا في(ليبلى المؤمنين).

عاشرا:جاء الفعل مجرّدا(17)مرّة:في(1)إلى (16)،منها ثلاث مرّات ماضيا في(1)و(2)بتكرار الفعل في الأولى،و(14)مرّة مضارعا في(3)إلى(16).

و جاء مزيدا(8)مرّات في(17)إلى(24)،منها مرّة واحدة من باب الإفعال في(17)،و سبع مرّات من باب الافتعال:ثلاث منها ماضيا معلوما في(18)و(19)و قد كرّر فيه.و مرّة واحدة مجهولا في(24)،و ثلاث منها مضارعا في(20)إلى(22)،و مرّة أمرا في(23)،و إليك التّفصيل:

1-جاءت الآية(1)في شأن مشركي مكّة و أصحاب الجنّة باليمن،فكرّر فيها(بلوناهم)،و قد فسّروها بالاختبار،أي اختبرنا مشركي مكّة بالقحط و الجوع و نحوهما،كما اختبرنا أصحاب الجنّة بإتلاف الثّمار.

و لكنّ صاحب«الميزان» فسّرها بإصابة البليّة، فقال:«أصبناهم بالبليّة كما بلونا و أصبنا بالبليّة أصحاب الجنّة،و كانوا قوما من اليمن».و لم نجده في اللّغة سوى في قول الزّمخشريّ:«و قد بلي بكذا و ابتلي به،و بلي فلان:

أصابته بليّة»،ثمّ استشهد بشعر.

و هذا شاذّ،و الأولى حملها على المعنى الشّائع و هو الاختبار.و أمّا إصابة البليّة فهي من أسباب الاختبار و من لوازمه،فلو أريدت بها فهي مجاز.و هذا المعنى شائع في الفارسيّة،يقال:أنا مبتلى بمرض،أي أصابني مرض.

أمّا(بلوناهم)في(2)فبمعنى الاختبار قولا واحدا، ففيها وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ، و هي في

ص: 731

شأن بني إسرائيل.

2-و أمّا الفعل المضارع في سائر الآيات،فكلّه بمعنى الاختبار ليس غير.

3-و أمّا باب(الإفعال)فقوله: وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً في(17)-و هو الوحيد في القرآن-فقد اختلفت كلمة المفسّرين في تفسير(ليبلى)،فعن ابن إسحاق-في تفسير آيات غزوة بدر-قال:«ليعرّف المؤمنين من نعمه عليهم في إظهارهم على عدوّهم...»

و عن الطّبريّ: «لينعم على المؤمنين باللّه و رسوله...».و مثله الطّوسيّ و الطّبرسيّ و الفخر الرّازيّ،و زاد الطّوسيّ قائلا:«و معنى(يبليهم) هاهنا يسدي إليهم».

و عن الزّمخشريّ: «ليعطهم عطاء جميلا...»،و مثله أبو السّعود و البروسويّ و الآلوسيّ،و زاد الأخير «و اختار بعضهم تفسيره بالإبلاء في الحرب بدليل ما بعده،يقال:أبلى فلان بلاء حسنا،أي قاتل قتالا شديدا،و صبر صبرا عظيما،سمّي به ذلك الفعل لأنّه يختبر به المرء،فتظهر جلادته و حسن أثره».

و عن ابن عطيّة:«ليصيبهم ببلاء حسن».و عن صاحبي المنار و الميزان:«ليمتحنهم»،و زاد الثّاني:«أو لينعم عليهم بنعمة حسنة».

و نقول:«ورد عن الفيّوميّ أنّ بلى و أبلى و ابتلى بمعنى واحد،و لكن يبدو في أقوالهم هنا أنّ«الإبلاء»فيه شيء زائد على«البلاء»،رعاية لما يفيده«الإفعال»من التّعدية على الفعل المجرّد،فأرجعوه إلى التّعريف بالنّعمة أو إنعامها و إعطائها و إسدائها،أو إصابتها،أو الإبلاء في الحرب،لأنّ الآية نزلت في شأن غزوة بدر.

و يخطر بالبال أنّ«الإبلاء»هنا ليس بمعنى الاختبار نفسه،بل بمعنى جعلهم في مسير مآله الاختبار.و يظهر هذا من التّأمّل فيما قبله من الآيات،لأنّ المؤمنين حين واجهوا الأعداء،جادلوا النّبيّ و خافوا،كأنّهم يساقون إلى الموت،فغشّاهم اللّه النّعاس أمنة،و أيّدهم بألف من الملائكة،لتثبيت قلوب المؤمنين،و إلقاء الرّعب في قلوب الكافرين،و ضربهم فوق الأعناق.ثمّ حذّر المؤمنين من الفرار و تولّي الأدبار،ثمّ فرّع على ذلك بقوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى.

أي أنّ موقف المؤمنين في الحرب لم يكن مرضيّا حسنا،و لكنّ اللّه عاملهم معاملة المرضيّ الحسن الموقف، فأبلاهم بلاء حسنا،أي حاسبهم محاسبة من ابتلي بلاء حسنا؛حيث نصرهم بقوى غيبيّة،و ثبّت قلوبهم، فكانت النّتيجة انتصارهم على أعدائهم،كأنّهم غلبوهم بصبرهم و جهادهم.

مع أنّ الأمر لم يكن كذلك،فإنّهم لم يقتلوهم و لكنّ اللّه قتلهم،و ما رماهم النّبيّ و لكنّ اللّه رماهم،فلأجل الإشارة إلى هذه الأحوال قال: وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ، أي يمهّد لهم سبيل الابتلاء،فانتصروا على أعدائهم، و لكنّ النّصر كان من اللّه دونهم،و كأنّ المفسّرين أشاروا إليها بتعابير متفاوتة.

و هذا هو البلاء الحسن،أي ابتلاء لم يكن للمؤمنين فيه حظّ لنجاحهم،بل كان الأمر كلّه من اللّه تعالى.قال الزّمخشريّ:«و للإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل، و ما فعله إلاّ لذلك».و قال الطّوسيّ:«و البلاء الحسن هاهنا هو النّصر و الغنيمة و الأجر و المثوبة»،و نحوه

ص: 732

الآخرون.و قال عبد الكريم الخطيب:«حيث أعطاهم أجر هذا العمل العظيم الّذي هو في حقيقة الأمر لم تكن لهم يد فيه،فلو جرت الأمور على ظاهرها لكانت الدّائرة عليهم،و لكان القتل و البلاء فيهم...».

و في الآية سوى البحث في معنى«يبلي»بحوث أخرى:

الأوّل:هل كان البلاء فيها بالنّعمة أو بالمحنة أو بهما؟ اختار الأكثرون كون البلاء بالنّعمة،و هو انتصار المؤمنين على أعدائهم إعجازا،دون توقّع منهم.و حكى الفخر الرّازيّ عن القاضي أنّه قال:«لو لا أنّ المفسّرين اتّفقوا على حمل الابتلاء هاهنا على النّعمة،و إلاّ لكان يحتمل المحنة بالتّكليف فيما بعده من الجهاد،حتّى يقال:إنّ الّذي فعله تعالى يوم بدر،كان السّبب في حصول تكليف شاقّ عليهم،فيما بعد ذلك من الغزوات».

و فيه أنّ«البلاء الحسن»في الآية كان فيما مضى دون ما يستقبل،و كان ينبغي له أن يقول:مواجهة المؤمنين -و هم قلّة و عزّل بلا سلاح-أعداءهم-و هم كثرة مدجّجون بالسّلاح-كانت تكليفا شاقّا و محنة عظيمة ابتلي المؤمنون بها حين ذاك.و للقشيريّ كلام طويل في هذا،و منه:«البلاء الحسن:توفيق الشّكر في المنحة، و تحقيق الصّبر في المحنة،و كلّ ما يفعله الحقّ فهو حسن من الحقّ،لأنّ له أن يفعله،و هذه حقيقة الحسن...»، فلاحظ النّصوص.

الثّاني:ما هو مرجع الضّمير في(منه)؟قال الطّبرسيّ:أي من ذلك النّصر،و يجوز أن يكون راجعا إلى اللّه»،و اختاره الطّباطبائيّ.

و السّياق لا يأباهما،إلاّ أنّ الثّاني أدنى و أقرب، فقبله: وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى، فلفظ الجلالة أقرب من «النّصر»،مع أنّ«النّصر»جاء في ستّ آيات قبلها:

وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إلاّ أنّ معناه مفهوم من جملة فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ، و آيات قبلها،و رجوع الضّمير إلى اللّفظ القريب أولى من رجوعه إلى المفهوم البعيد.

هذا من ناحية اللّفظ،أمّا من ناحية المعنى فرجوع الضّمير إلى«اللّه»تأكيد لمغزى هذه الآيات كلّها.

و على ما استنتجناه من(ليبلى)-من أنّ النّصر كان كلّه من اللّه،و لم يكن للمؤمنين فيه حظّ-فهو بمنزلة تكرار قوله: وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ، و(من)على الأوّل للتّبعيض،و على الثّاني للابتداء.

الثّالث:هل البلاء هنا مصدر،أي ليبلي المؤمنين إبلاء حسنا؟و هو أقرب،أو اسم مصدر،أي بلاء حسنا؟ أو بمعنى اسم المفعول؟كما يظهر من قول بعضهم:«لينعم عليه نعمة عظيمة»،لاحظ قول البروسويّ في النّصوص.

4-و أمّا باب«الافتعال»فجاء منه الماضي-كما سبق -معلوما ثلاث مرّات:(18)و(19)،و المضارع كذلك:

(20)و(21)و(22)،و الماضي مجهولا مرّة واحدة:

(24)،و اسم الفاعل مفردا و جمعا مرّتين:(30)و(31)، و فعل الأمر مرّة واحدة:(23).و لم يفرّقوا بين«بلى» و«ابتلى»في اللّغة و التّفسير،و يخطر بالبال أنّ الفرق بينهما كالفرق بين«كسب»و«اكتسب»،ففي الثّاني عناء و مبالغة ليست في الأوّل.

و يشهد بذلك سياق آيات الابتلاء،فأوّلها-و هي (18)-في ابتلاء إبراهيم عليه السّلام،و كان صعبا عليه.و اثنتان منها-و هما(19)و(20)-في ابتلاء الإنسان في العيش

ص: 733

و في الحياة.و ثلاث منها-و هي(21)و(22)و(24)-في المعارك و القتال،و هذه كلّها تكاليف صعبة،و في الابتلاء بها صعوبة و مشقّة.

فلاحظ سياق قوله: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً، ففيها من المبالغة ممّا لا مزيد عليه،و من أجله جاء الفعل مجهولا،أي كان الابتلاء شديدا بمقدار لا داعي لذكر فاعله،و هذه-أي المبالغة في الفعل-و التّركيز عليه من دواعي صيغة المجهول.

و أمّا فعل الأمر في(23): وَ ابْتَلُوا الْيَتامى فينبئ عن الجدّ في الابتلاء بأن لا يستهان به.

الحادي عشر:الفاعل في جميع الآيات هو اللّه تعالى،و كأنّ البلاء و الابتلاء من أفعاله تعالى،و كذا الفاعل في الفعل المجهول هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ هو اللّه،حذف مبالغة في الفعل كما تقدّم،سوى ابتلاء اليتامى في(23)،فهو فعل العباد،و بذلك يتبيّن مدى الاهتمام به، كأنّهم قاموا مقام الرّبّ جلّ و علا في عمليّة الابتلاء.

الثّاني عشر:هناك ثلاث آيات ليس فيها معنى الاختبار واضحا كما سبق:

1- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ في(32)، و فيها ثلاث قراءات:«تتلوا»و«تبلوا»و«نبلوا»:أمّا «تتلوا»فمن التّلاوة،و معناه تقرأ كلّ نفس ما أسلفت في صحيفة عملها،أو تتبع ما قدّمت في الدّنيا من خير و شرّ.

و أمّا«نبلوا»فمن الاختبار،أي نحن نبلو كلّ نفس ما أسلفت.

و أمّا«نبلوا»فقالوا فيه:تخبر،أو تعاين،أو تعلم، أو تختبر،أو تقاسي،أو تذوق،و هي متقاربة في المعنى، إلاّ أنّ«كلّ»في بعضها منصوب و في بعضها مرفوع، لاحظ النّصوص.

2- يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ في(33)،أي تظهر و تختبر فتكشف بواطنها،لاحظ النّصوص.

3- هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى في(34)،و هذا الفعل من مادّة(ب ل ي) وحده،و سائر المشتقّات من(ب ل و)،و البلى هو العناء و الهلاك.

الثّالث عشر:جاء في(4): وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً، فقيّد الابتلاء بالفتنة،كما قدّم الشّرّ على الخير، و بين الأمرين علاقة،فإنّ الفتنة و إن تأتي في الخير و الشّرّ،إلاّ أنّها بالشرّ أمسّ،فلوحظ بها ما قدّمه في الذّكر و هو الشّرّ.و الفتنة على قول أبي هلال أشدّ الاختبار:(396)،فهي في الآية مفعول مطلق نوعيّ من غير لفظ الفعل،أي نبلوكم بالشّرّ و الخير أشدّ البلاء.

و زاد الطّبرسيّ(4:46)بكونها حالا أو مفعولا لأجله أيضا،و ما ذكرناه أولى.

الرّابع عشر:مترادفات الابتلاء في القرآن هي:

1-الامتحان،مثل: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى الحجرات:3

و إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الممتحنة:10

2-الافتنان،مثل: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2

و مثله الاختبار،و لم يأت في القرآن.

3-التّمحيص،مثل: وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ آل عمران:154

ص: 734

ب ن ن

اشارة

لفظان،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

بنان 1:-1 بنانه 1:1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :البنّة:ريح مرابض الغنم و البقر و الظّباء.

و تقول:أجد لهذا الثّوب بنّة طيّبة،من عرف تفّاح أو سفرجل.

و الابنان:اللّزوم،تقول:أبنّت السّحابة،إذا لزمت و دامت.

و أبنّ القوم بمحلّة،أي أقاموا بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البنان:أطراف الأصابع من اليدين و الرّجلين.

و البنان،في كتاب اللّه:الشّوى،و هي الأيدي و الأرجل.

و يجيء في الشّعر:البنانة،للإصبع الواحدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنانة:حيّ من اليمن.

و ثابت البنانيّ: من قريش.(8:372)

سيبويه :جعلوه[البنّة]اسما للرّائحة الطّيّبة كالخمطة،و قد يطلق على المكروهة.

(ابن منظور 13:58)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البنّة:الرّيح الطّيّبة،و جمعها:

بنان.

و البنانة:الرّوضة المعشبة.(الأزهريّ 15:468)

البنبنة:صوت الفحش و القذع.

(الأزهريّ 15:469)

البنين من الرّجال:العاقل المثبّت،و هو مشتقّ من البنّة.(ابن فارس 1:192)

الفرّاء: البنّ:الطّرق من الشّحم،يقال للدّابّة إذا سمنت:ركبها طرق،و بنّ على بنّ.

ص: 735

و البنّ:الموضع المنتن الرّائحة.

(الأزهريّ 15:469)

أبو زيد: و المبنّ:المقيم،يقال:أبنّ بالمكان،إذا أقام به.(50)

نحوه الزّجّاج.(فعلت و أفعلت:5)

و تبنّتني،إذا قالت:يا ابناه.[و هو من بنو](206)

الأصمعيّ: البنّة:تقال في الرّيح الطّيّبة،و غير الطّيّبة.(الأزهريّ 15:468)

نحوه ابن السّكّيت(499)،و ابن سيدة(الإفصاح 2:1167)

أبو عبيد: أبننت بالمكان:أقمت به.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رأيت حيّا مبنّا بمكان كذا،أي مقيما.

(الأزهريّ 15:468)

و روي عن عمر أنّه قال:«حتّى تكونوا بنانا واحدا».

قال ابن مهديّ: يعني شيئا واحدا.و ذاك الّذي أراد عمر،و لا أحسب الكلمة عربيّة،و لم أسمعها إلاّ في هذا الحديث.(الأزهريّ 15:469)

ابن الأعرابيّ: بنبن الرّجل،إذا تكلّم بكلام الفحش،و هي البنبنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبنين:التّثبيت في الأمر.

و البنين:المتثبّت العاقل.(الأزهريّ 15:469)

ابن السّكّيت: شراب ذو بنّة طيّبة،أي ذو رائحة.(218)

و قد أبنّ بالمكان يبنّ إبنانا،و هو مبنّ.[ثمّ استشهد بشعر](447)

نحوه القاليّ.(2:203)

أبو الهيثم: البنانة:الإصبع كلّها،و تقال للعقدة العليا من الإصبع.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ مفصل:بنانة.(الأزهريّ 15:468)

الزّجّاج: و بن الرّجل الشّيء،إذا خلطه،و أبنّ النّاقة،إذا دعاها لتحلب.(فعلت و أفعلت:5)

ابن دريد :بنّ بالمكان بنّا و أبنّ به إبنانا،إذا أقام به.و أبى الأصمعيّ إلاّ أبنّ.

و البنّة:الرّائحة الطّيّبة.(1:38)

و الابن،واحدها:أبنة،و هي عقد في القناة و الخشبة.[ثمّ استشهد بشعر](3:211)

و أربّ إربابا،و أبنّ إبنانا،و ألثّ إلثاثا،إذ لزمه،كلّها بمعنى واحد.(3:275)

السّجستانيّ: قالوا:البنّة:الرّائحة الكريهة، و قالوا:الطّيّبة،و من ذلك يقال:عسل طيّب البنّة.

(الأضداد:136)

الجوهريّ: [نحو الأصمعيّ و غيره ثمّ قال:]

و كناس مبنّ،أي ذو بنّة،و هي رائحة بعر الظّباء،إذا رعت الزّهر.

و البنانة:واحدة البنان،و هي أطراف الأصابع، و جمع القلّة:بنانات.و ربّما استعاروا بناء أكثر العدد لأقلّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بنان مخضّب،لأنّ كلّ جمع ليس بينه و بين واحده إلاّ الهاء،فإنّه يوحّد و يذكّر.

و البنانة بالضّمّ:الرّوضة.

ص: 736

و أمّا البنّ الّذي يؤتدم به فمعرّب.(5:2080)

نحوه الرّازيّ.(79)

ابن فارس: الباء و النّون في المضاعف أصل واحد، هو اللّزوم و الإقامة،و إليه ترجع مسائل الباب كلّها.

و من هذا الباب قولهم:بنّن الرّجل فهو مبنّن؛و ذلك أن يرتبط الشّاة ليسمّنها.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

قال الخليل :«و البنّة:الرّيح من أرباض البقر و الغنم و الظّباء،و قد يستعمل في الطّيب».

و هذا أيضا من الأوّل،لأنّ الرّائحة تلزم.[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو عمرو: البنين من الرّجال:العاقل المتثبّت، و هو مشتقّ من البنّة.

و البنانة:الرّوضة المعشبة الحالية.

و منه ثابت البنانيّ،و هو من ولد سعد بن لؤيّ بن غالب،كانت له خاضنة تسمّى بنانة.

و هذا من ذاك الأوّل،لأنّ الرّوضة المعشبة لا تعدم الرّائحة الطّيّبة.(1:191)

الهرويّ: [قال بعد ذكر قول الأصمعيّ:]

و من ذلك قول عليّ عليه السّلام للأشعث بن قيس:و قال له:ما أحسبك عرفتني يا أمير المؤمنين.قال:«نعم،و إنّي لأجد بنّة الغزل منك»قلت:رماه بالنّساجة.(1:212)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:71)

ابن سيدة :البنّة:الريح الطّيّبة،كرائحة التّفّاح و نحوه،قال سيبويه:جعلوه اسما للرّائحة كالخطمة.

و البنّة:ريح مرابض الغنم و الظّباء و البقر،و ربّما سمّيت مرابض الغنم بنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البنّة أيضا:الرّائحة المنتنة،و منه قول عليّ رضي اللّه عنه لبعض الحاكة،و خطب إليه بنته:«و اللّه إنّي لكأنّي أجد منك بنّة الغزل»،و الجمع من كلّ ذلك:بنان.

و بنّ بالمكان يبنّ بنّا و أبنّ:أقام.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبى الأصمعيّ إلا أبنّ.

و أبنّت السّحابة:دامت و لزمت،و قوله:

*بلّ الذّنابا عبسا مبنّا*

يجوز أن يكون اللاّزم اللاّزق،و يجوز أن يكون من البنّة الّتي هي الرّائحة المنتنة،فإمّا أن يكون على الفعل و إمّا أن يكون على النّسب.

و البنان:الأصابع،و قيل:أطرافها،واحدته:بنانة.

و البنان في قوله تعالى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ القيمة:4،يعني شواه،قال الفارسيّ:

نجعلها كخفّ البعير فلا ينتفع بها في صناعة.

فأمّا ما أنشده سيبويه من قوله:

قد جعلت ميّ على الطّرار

خمس بنان قاني الأظفار

فإنّه أضاف إلى المفرد بحسب إضافة الجنس،يعني بالمفرد،أنّه لم يكسّر عليه واحد للجمع؛إنّما هو كسدرة و سدر.

و البنانة:و البنانة:الرّوضة المعشبة.

و بنانة:حيّ.(10:465)

البنّ:شيء يتّخذ كالمرّيّ،و هو حبّ شجر يزرع بالحبشة و اليمن و غيرهما،يقلى ثمّ يطحن،و يتّخذ منه شراب منبّه،يسمّى الآن مجازا:القهوة.(الإفصاح 1:475)

ص: 737

الرّاغب: البنان:الأصابع،قيل:سمّيت بذلك،لأنّ بها صلاح الأحوال الّتي يمكن للإنسان أن يبنّ بها،يريد أن يقيم به.و يقال:أبنّ بالمكان يبنّ،و لذلك خصّ في قوله تعالى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ القيمة:4،و قوله تعالى: وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ الأنفال:13،خصّه لأجل أنّهم بها تقاتل و تدافع.

و البنّة:الرّائحة الّتي تبنّ بما تعلق به.(62)

الزّمخشريّ: شممت منه بنّة طيّبة،و أجد في هذا الثّوب بنّة تفّاح أو سفرجل،و أجد بنّة الغزل منك،أي أنت حائك.و فيها بنّة مرابض الغنم.و منها قيل للرّوضة:

البنانة،لطيب البنّة.

و أبنّت ديارهم:عادت فيها بنّة النّعم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما زاد عليه بنانة،أي إصبعا واحدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:أبنّوا بالمكان:أقاموا به،و أصله:

ما يحدث فيه من بنّة نعمهم،ثمّ كثر حتّى قيل لكلّ إقامة:

ابنان.

و قيل:أبنّت السّحابة،إذا دامت أيّاما.

(أساس البلاغة:31)

المدينيّ: البنان:أطراف الأصابع،و يقال:هي الأصابع نفسها.واحدتها:بنانة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:سمّي به،لأنّ صلاح الأشياء به يبنّ،أي يقيم و يستقرّ.

في حديث شريح:«تبنّن»أي تثبّت،و البنين:

العاقل المتثبّت،من قولهم:أبنّ بالمكان،إذا أقام.(1:193)

نحوه الطّريحيّ.(6:216)

ابن برّيّ: و زعم أبو عبيد:أنّ البنّة،الرّائحة الطّيّبة فقط.

و ليس بصحيح،بدليل قول عليّ عليه السّلام.[ثمّ نقل الرّوايتين المتقدّمتين عنه عليه السّلام](ابن منظور 13:59)

ابن الأثير: في حديث جابر و قتل أبيه يوم أحد:

«ما عرفته إلاّ ببنانه».البنان:الأصابع.و قيل:أطرافها، واحدتها:بنانة.

و فيه:«إنّ للمدينة بنّة».

البنّة:الرّيح الطّيّبة،و قد تطلق على المكروهة، و الجمع:بنان.

و فيه ذكر«بنانة»،و هي بضمّ الباء،و تخفيف النّون الأولى:محلّة من المحالّ القديمة بالبصرة.(1:157)

الفيّوميّ: البنان:الأصابع،و قيل:أطرافها، الواحدة:بنانة.

قيل:سمّيت بنانا،لأنّ بها صلاح الأحوال الّتي يستقرّ بها الإنسان؛لأنّه يقال:أبنّ بالمكان،إذا استقرّ به.(62)

الفيروزآباديّ: البنّة:الرّيح الطّيّبة و المنتنة، جمعها:بنان،و رائحة بعر الظّباء،و كناس مبنّ.

و بنّ يبنّ:أقام،كأبنّ.

و البنان:الأصابع أو أطرافها.

و البنانة:واحدة البنان.

و بنّن:ارتبط الشّاة ليسمّنها.

و البنين:المتثبّت العاقل.

و البنّيّ كقمّيّ:ضرب من السّمك.

ص: 738

البنّ بالضّمّ:شيء يتّخذ كالمرّيّ،و بالكسر:الطّرق من الشّحم و السّمن،يقال:بنّ على بنّ.و الموضع المنتن الرّائحة.

و بن:لغة في بل.

و البنبان:العمل،و الرّديء من المنطق.(4:205)

العدنانيّ: البنانة و البنان

و يظنّون حين نقول:يشار إلى فلان بالبنان،أنّنا نعني:بالإصبع أو بطرفها.و المعنى الحقيقيّ هو:يشار إليه بالأصابع،أو بأطرافها،اعتمادا على قوله تعالى في الآية (12)من سورة الأنفال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ.

و جاء في تفسير«الجلالين»أنّ«البنان»هي أطراف اليدين و الرّجلين.

و قال معجم ألفاظ القرآن الكريم:«يصحّ أن يكون المراد من ضرب البنان:تعميم الضّرب في جميع الأعضاء من البدن».

و قال تعالى: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ القيمة:3،4، و جاء في تفسير«الجلالين»أنّنا قادرون على جمع عظامه،و جمع أصابعه،أي إعادة عظام أصابعه إلى ما كانت عليه،مع صغرها،فكيف بالعظام الكبيرة؟

و يقول معجم ألفاظ القرآن الكريم:إنّ المعنى هو أنّنا قادرون على أن نسوّي أطرافه،و كلّ ما يكمل به خلقه، و نعيده كما كان.

و أنا أعتقد أنّ المقصود هو أنّنا قادرون على إعادة بصمات أطراف أصابعه إلى ما كانت عليه قبل وفاته، و إعادة البصمات هي أصعب شيء في جسم الإنسان.

و اعتمادا على ما جاء في«النّهاية»:في حديث جابر و قتل أبيه يوم أحد«ما عرفته إلاّ ببنانه».البنان:

الأصابع،و قيل:أطرافها،واحدتها:بنانة.

و اعتمادا على معجم«مقاييس اللّغة»،الّذي قال:

«البنان:أطراف الأصابع في اليدين،و قد يجيء في الشّعر البنانة بالهاء،للإصبع الواحدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزّجّاج،و ابن كثير في تفسيره:«واحد البنان بنانة».

و اعتمادا على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح الّذي قال:«و جمع القلّة بنانات».ثمّ قال:«و يقال:بنان مخضّب؛لأنّ كلّ جمع ليس بينه و بين واحده إلاّ الهاء، يوحّد و يذكّر».

و اعتمادا على المرزوقيّ بعد أن استشهد في ديوان الحماسة ببيتي قيس بن زهير العبسيّ:[ثمّ ذكرهما]

و اعتمادا على المحكم،و الرّاغب الاصفهانيّ،الّذي اكتفى بقوله:«إنّ البنان هي الأصابع».و لم يقل:إنّ مفردها بنانة،كما قال من سبقه و من جاء بعده.

و على الحريريّ في المقامة الرّحبيّة-لم يذكر البنانة أيضا-،و الأساس الّذي ذكر البنانة و لم يذكر البنان، و المختار،و اللّسان.[ثمّ استشهد بشعر]

و المصباح الّذي قال:«قيل:سمّيت بنانا؛لأنّ بها صلاح الأحوال الّتي يستقرّ بها الإنسان،لأنّه يقال:أبنّ بالمكان:استقرّ به».

و على القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و المتن،و الوسيط.

ص: 739

و قد تعني البنان:أصابع اليدين،أو أصابع كلتا اليدين و القدمين.

و قال أبو الهيثم:البنانة:الإصبع كلّها،و تقال للعقدة العليا من الإصبع.

و قد تعني البنان:الرّياض الحالية بالزّهر.

البنّ

إنّ حبّ الشّجر الّذي أصله من الحبشة،و الّذي يحمّص و يدقّ أو يطحن،و يصنع منه شراب منبّه، يسمّونه مجازا بنّا أو بنّا.و الصّواب هو«البنّ»كما تقول المعاجم.

و قد جاء في الصّفحة(280)من العدد الثّالث من مجلّة مجمع دمشق:«يقول أحمد كمال الأثريّ:كان المصريّون يطلقون على حضرموت و اليمن اسم«بون» فأخذ العرب هذا الاسم،و وضعوه للبنّ المعروف بالقهوة».

أمّا البنّ فهو:

أ-الموضع المنتن الرّائحة.

ب-الطّبقة من الشّحم.يقال للدّابّة إذا سمنت:

تراكب جسمها بنّا على بنّ.

و البنّ هو مصدر الفعل:بنّ بالمكان يبنّ بنّا:أقام به و لزمه،مجاز.(78)

النّصوص التّفسيريّة

بنان

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ. الأنفال:12

ابن عبّاس: يعني بالبنان:الأطراف.

مثله الضّحّاك،و عكرمة،و ابن جريج.

(الطّبريّ 9:199)

نحوه الكاشانيّ.(2:271)

العوفيّ: كلّ مفصل.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 9:199)

السّدّيّ: أراد:بنان الأطراف من اليدين و الرّجلين،و الواحد:بنانة.

مثله الضّحّاك،و ابن جريج.(الطّوسيّ 5:104)

نحوه البغويّ(2:274،و المراغيّ(9:172)، و الحجازيّ(9:59).

الفرّاء: علّمهم مواضع الضّرب،فقال:اضربوا الرّءوس و الأيدي و الأرجل.(1:405)

أبو عبيدة :و هي أطراف الأصابع،واحدتها:

بنانة.[ثمّ استشهد بشعر](1:243)

مثله رشيد رضا.(9:612)

ابن الأنباريّ: البنان:أطراف الأصابع من اليدين و الرّجلين،و الواحدة:بنانة،و خصّها بعضهم باليد.

(الآلوسيّ 9:178)

الطّبريّ: معناه:و اضربوا أيّها المؤمنون من عدوّكم كلّ طرف و مفصل،من أطراف أيديهم و أرجلهم.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن الأنباريّ](9:199)

الزّجّاج: واحد البنان:بنانة،و معناه هاهنا الأصابع و غيرها من جميع الأعضاء.

و إنّما اشتقاق البنان من قولهم:أبنّ بالمكان،إذا أقام

ص: 740

به،فالبناء به يعتمل (1)كلّ ما يكون للإقامة و الحياة.

(2:405)

القيسيّ: يعني الأصابع،و غيرها من جميع الأعضاء.(1:343)

نحوه مجمع اللّغة.(1:127)

الطّوسيّ: يقال للإصبع:بنانة،و أصله:اللّزوم، من قولهم:أبنّت السّحابة إبنانا،إذا لزمت.و أبنّ بالمكان، إذا لزمه.

فسمّي البنان بنانا،لأنّه يلزم به ما يقبض عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

نحوه الطّبرسيّ.(2:524)

الرّاغب: خصّه لأجل أنّهم بها تقاتل و تدافع.

(62)

الزّمخشريّ: و البنان:الأصابع،يريد الأطراف، و المعنى:فاضربوا المقاتل و الشّوى،لأنّ الضّرب إمّا وقع على مقتل أو غير مقتل،فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النّوعين معا.(2:148)

نحوه النّسفيّ.(2:97)

ابن عطيّة: البنان:قالت فرقة:هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء،فالمعنى على هذا:و اضربوا منهم في كلّ موضع.

و قالت فرقة:البنان:الأصابع،و هذا هو القول الصّحيح؛فعلى هذا التّأويل و إن كان الضّرب في كلّ موضع مباحا فإنّما قصد أبلغ المواضع؛لأنّ المقاتل إذا قطع بنانه استأسر،و لم ينتفع بشيء من أعضائه،في مكافحة و قتال.(2:508)

السّهيليّ: جاء في التّفسير:«أنّه ما وقعت ضربة يوم بدر إلاّ في رأس أو مفصل،و كانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم،بآثار سوء في الأعناق و في البنان»، كذلك ذكر ابن إسحاق في غير هذه الرّواية.

و يقال لمفاصل الأصابع و غيرها:بنان،واحدتها:

بنانة.(3:123)

الفخر الرّازيّ: يعني الأطراف من اليدين و الرّجلين.

ثمّ اختلفوا،فمنهم من قال:المراد أن يضربوهم كما شاءوا،لأنّ ما فوق العنق هو الرأس،و هو أشرف الأعضاء،و البنان عبارة عن أضعف الأعضاء،فذكر الأشرف و الأخسّ،تنبيها على كلّ الأعضاء.

و منهم من قال:بل المراد إمّا القتل،و هو ضرب ما فوق الأعناق،أو قطع البنان،لأنّ الأصابع هي الآلات في أخذ السّيوف و الرّماح و سائر الأسلحة،فإذا قطع بنانهم عجزوا عن المحاربة.(15:135)

نحوه الخازن.(3:12)

القرطبيّ: قيل:المراد بالبنان هنا:أطراف الأصابع،من اليدين و الرّجلين.و هو عبارة عن الثّبات في الحرب و موضع الضّرب،فإذا ضربت البنان تعطّل من المضروب القتال،بخلاف سائر الأعضاء.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و ذكر بعضهم أنّها سمّيت بنانا،لأنّ بها صلاح الأحوال،الّتي بها يستقرّ الإنسان و يبنّ.(7:379)

نحوه الشّربينيّ.(1:560)د.

ص: 741


1- في الهامش:و في المقاييس(1:192):يعتمد.

البيضاويّ: أصابع،أي حزّوا رقابهم،و اقطعوا أطرافهم.(1:387)

أبو حيّان: البنان:الأصابع،و هو اسم جنس، واحده:بنانة.

و قالوا فيه:البنام بدل النّون.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:455)

[ذكر اختلاف الأقوال في معنى البنان ثمّ قال:]

و المختار أنّها الأصابع.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:471)

التّفتازانيّ: الوجه أن يراد بها:المدافعة و المقاتلة.

(البروسويّ 3:322)

أبو السّعود:[قال بعد نقل الأقوال:]

و قال ابن عبّاس و ابن جريج و الضّحّاك:يعني الأطراف،أي اضربوهم في جميع الأعضاء،من أعاليها إلى أسافلها.

و قيل:المراد بالبنان،الأداني،و بفوق الأعناق الأعالي،و المعنى فاضربوا الصّناديد و السّفلة.(3:84)

نحوه البروسويّ.(3:322)

الآلوسيّ: [قال بعد نقل قول ابن الأنباريّ و الرّاغب:]

و الظّاهر أنّها حقيقة في ذلك،و بعضهم يقول:إنّها مجاز فيه،من تسمية الكلّ باسم الجزء.

و قيل:المراد بها هنا مطلق الأطراف،لوقوعها في مقابلة الأعناق و المقاتل.

و المراد:اضربوهم كيفما اتّفق من المقاتل و غيرها، و آثره في«الكشّاف».

و في رواية عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:

أنّها الجسد كلّه،في لغة هذيل،و يقال فيها:«بنام»بالميم.

و تكرير الأمر بالضّرب،لمزيد التّشديد و الاعتناء بأمره.و(منهم)متعلّق به أو بمحذوف وقع حالا من(كلّ بنان).و ضعّف كونه حالا من(بنان)بأنّ فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف.(9:179)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أن يكون المراد ب(فوق الاعناق):الرّءوس،و ب(كلّ بنان):جميع الأطراف من اليدين و الرّجلين،أو أصابع الأيدي،لئلاّ يطيقوا حمل السّلاح بها،و القبض عليه.

و من الجائز أن يكون الخطاب بقوله:(فاضربوا)إلخ للملائكة،كما هو المتسابق إلى الذّهن،و المراد ب«ضرب فوق الأعناق»و(كلّ بنان)ظاهر معناه،أو الكناية عن إذلالهم،و إبطال قوّة الإمساك من أيديهم بالإرعاب، و أن يكون الخطاب للمؤمنين،و المراد به تشجيعهم على عدوّهم بتثبيت أقدامهم و الرّبط على قلوبهم،و حثّهم و إغراؤهم بالمشركين.(9:22)

المصطفويّ: أي الأيدي و الأرجل منهم،فإنّ ما يقوم البدن في حياته و عيشه به هو ما فوق العنق، و اليد من المنكب إلى الأصابع،و الرّجل من الفخذ إلى أصابع الرّجل.و أمّا ما بين العنق و الفخذ،فهو متن البدن عرفا.

و لمّا كان الرّأس و الوجه أصلا في الحياة،فقد صرّح به مستقلاّ،و بقي ما بقي من اليد و الرّجل،فأشار إليه بالبنان.

و لمّا كانت الأصابع ينتهي إليها اليد و الرّجل،و بها

ص: 742

يعتمل كلّ ما يكون للحياة و الإقامة و المعيشة،و المقدار المسلّم منها،فيصحّ إطلاق البنان عليها.

ففي الآية الشّريفة إشارة إلى قطع ما يلزمهم في حياتهم،و ما يقوم به قوامه،و يتمّ به عيشهم،و هو الأيدي و الأرجل.

و لا يبعد أن نقول:إنّ كلمة البنان كانت مصدرا،ثمّ جعلت اسما للأصابع و الأيدي و الأرجل،أي كلّ ما يقوم به البدن.[إلى أن قال:]

فاتّضح أنّ«البنان»هو الأطراف،و هي الأعضاء المتحرّكة من جسم الإنسان،و عددها أربعة:اثنان علويّان،و اثنان سفليّان.فكلّ واحد منها يطلق عليه البنان،للزومه البدن،و لكونه وسيلة قوامه و استقراره.

(1:322)

بنانه

بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ. القيمة:4

ابن عبّاس: لو شاء اللّه لجعله خفّا أو حافرا.

نحوه عكرمة و قتادة.(الطّبريّ 29:175،176)

أنا قادر على أن أجعل كفّه مجمرة،مثل خفّ البعير.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 29:175)

الضّحّاك: الأصابع.(الطّبريّ 29:176)

مجاهد :رجليه،كخفّ البعير فلا يعمل بهما شيئا.

(الطّبريّ 29:176)

الحسن :جعلها يدا،و جعلها أصابع يقبضهنّ و يبسطهنّ،و لو شاء لجمعهنّ،فأنقيت (1)الأرض بفيك، و لكن سوّاك خلقا حسنا.(الطّبريّ 29:175)

قتادة:قادر و اللّه على أن يجعل بنانه كحافر الدّابّة، أو كخفّ البعير،و لو شاء لجعله كذلك،فإنّما ينقي طعامه بفيه.(الطّبريّ 29:176)

الفرّاء: أي أن نجعل أصابعه مصمّتة غير مفصّلة كخفّ البعير،فقال:بلى،قادرين على أن نعيد أصغر العظام كما كانت.(3:208)

نحوه القشيريّ.(6:223)

ابن قتيبة :هذا ردّ من اللّه عليهم؛و ذلك أنّهم ظنّوا أنّ اللّه لا ينشر الموتى،و لا يقدر على جمع العظام البالية، فقال:(بلى)فاعلموا أنّا نقدر على ردّ السّلاميات على صغرها،و نؤلّف بينها حتّى يستوي البنان.و من قدر على هذا فهو على جمع كبار العظام أقدر.

و مثل هذا رجل قلت له:أتراك تقدر على أن تؤلّف هذا الحنظل في خيط؟فيقول لك:نعم،و بين الخردل.

(تأويل مشكل القرآن:346)

الطّبريّ: أ يظنّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها؟بلى قادرين على أعظم من ذلك،أن نسوّي بنانه،و هي أصابع يديه و رجليه،فنجعلها شيئا واحدا كخفّ البعير،أو حافر الحمار.فكان لا يأخذ ما يأكل إلاّ بفيه كسائر البهائم،و لكنّه فرّق أصابع يديه يأخذ بها و يتناول،و يقبض إذا شاء و يبسط،فحسّن خلقه.(29:175)

نحوه المراغيّ.(29:146)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير:بلى نقدر على أن نجعله كخفّ البعير،و الّذي هو أشكل بجمع العظام،بلى نجمعها

ص: 743


1- أي نظّفت،و في الأصل:فاتّقيت،و هو سهو.

قادرين على تسوية بنانه على ما كانت و إن قلّ عظامها و صغرت،و بلغ منها البلى.(5:251)

نحوه الجبّائيّ و أبو مسلم(الطّبرسيّ 5:395)، و النّسفيّ(4:314)،و القاسميّ(16:5988).

القمّيّ: أطراف الأصابع،لو شاء اللّه يسوّيها.

(2:396)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:بلى قادرين على أن نسوّي مفاصله، و نعيدها للبعث خلقا جديدا،قاله جرير بن عبد العزيز.

الثّاني:[و هو قول ابن عبّاس و قتادة](6:152)

الواحديّ: و المعنى:نجعل بنانه مع كفّه صفحة مستوية لا شقوق فيها،فيعدم الارتفاق بالأعمال اللّطيفة،كالكتابة و الخياطة.(4:391)

البغويّ: أنامله.[ثمّ ذكر نحو ما قلناه عن الطّبريّ و الزّجّاج و ابن قتيبة](5:183)

الزّمخشريّ: (قادرين):حال من الضّمير في (نجمع)أي نجمع العظام قادرين على تأليف جميعها و إعادتها إلى التّركيب الأوّل،إلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أي أصابعه الّتي هي أطرافه،و آخر ما يتمّ به خلقه،أو على أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ. [ثمّ قال نحو ما نقلناه عن ابن قتيبة و الطّبريّ](4:190)

نحوه البيضاويّ(2:521)،و أبو السّعود(5:213).

ابن عطيّة: [نقل قول ابن قتيبة و أضاف:]

و قال ابن عبّاس و جمهور المفسّرين:معناه نجعلها في حياته هذه بضعة أو عظما واحدا كخفّ البعير،لا تفاريق فيه.

فكأنّ المعنى:قادرين لأن في الدّنيا (1)على أن نجعلها دون تفرّق،فتقلّ منفعته بيده.فكأنّ التّقدير(بلى)نحن أهل أن نجمعها(قادرين)على إزالة منفعة بيده.ففي هذا توعّد ما،و القول الأوّل أحرى مع رصف الكلام،و لكن على هذا القول جمهور العلماء.(5:402)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:416)

الفخر الرّازيّ: و في قوله: عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ وجوه (2):

أحدها:أنّه نبّه بالبنان على بقيّة الأعضاء،أي نقدر على أن نسوّي بنانه بعد صيرورته ترابا كما كان.و تحقيقه أنّ من قدر على الشّيء في الابتداء،قدر أيضا عليه في الإعادة.

و إنّما خصّ البنان بالذّكر،لأنّه آخر ما يتمّ خلقه، فكأنّه قيل:نقدر على ضمّ سلامياته على صغرها و لطافتها بعضها إلى بعض،كما كانت أوّلا من غير نقصان و لا تفاوت،فكيف القول في كبار العظام.

و ثانيها:[ذكر نحو قول الواحديّ ثمّ قال:]

و القول الأوّل أقرب إلى الصّواب.(30:217)

نحوه الخازن.(7:152)

القرطبيّ: البنان عند العرب:الأصابع،واحدها:

بنانة.[ثمّ استشهد بشعر]

فنبّه بالبنان على بقيّة الأعضاء،و أيضا:فإنّها أصغر العظام،فخصّها بالذّكر لذلك.[ثمّ نقل قول القتيبيّط.

ص: 744


1- كذا،و لو صحّ لكان المعنى قادرين لإن في الدّنيا،أي حتّى في الدّنيا أن نجمع بنانه.أو«لإن»زائد.و الصّحيح: قادرين في الدّنيا.
2- ذكر وجهين فقط.

و الزّجّاج و ابن عبّاس و الحسن ثمّ أضاف:]

و قيل:أي نقدر أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته الّتي كان عليها،و هو كقوله تعالى:

وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ الواقعة:60،61.

قلت:و التّأويل الأوّل أشبه بمساق الآية.

(19:94)

نحوه الشّربينيّ.(4:440)

النّيسابوريّ: [ذكر نحو ابن قتيبة ثمّ قال:]

إنّما خصّ البنان-و هو الأنملة-بالذّكر لأنّه آخر ما يتمّ به خلقه،فذكره يدلّ على تمام الإصبع،و تمام الإصبع يدلّ على تمام سائر الأعضاء الّتي هي أطرافها.

(19:106)

أبو حيّان:و هي الأصابع،أكثر العظام تفرّقا و أرقّها أجزاء،و هي العظام الّتي في الأنامل و مفاصلها،و هذا عند البعث.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و الجمهور و أضاف:]

و هذا القول فيه توعّد،و المعنى الأوّل هو الظّاهر، و المقصود من رصف الكلام.(8:385)

البروسويّ: أي نجمع سلامياته،و نضمّ بعضها إلى بعض كما كانت،مع صغرها و لطافتها،فكيف بكبار العظام.و هو جمع سلامى كحبارى،و هي العظام الصّغار في اليد و الرّجل.[إلى أن قال:]

أو المعنى:على أن نسوّي أصابعه الّتي هي أطرافه و آخر ما يتمّ به خلقه،فالبنان:مفرد اللّفظ،مجموع المعنى كالتّمر،و فيه جهتان:الصّغر،كونه طرفا،فإلى أيّ جهة نظر ثبت المطلوب بالأولويّة،و لذا خصّ بالذّكر.

ثمّ في«العظام»إشارة إلى كبار أعماله الحسنة و السّيّئة،و في البنان إلى صغار أفعاله الحسنة و السّيّئة، فإنّ اللّه تعالى يجمع كلاّ منها و يجازي عليها.(10:245)

شبّر:أنملته الّتي بها يتمّ الإصبع،بأن نؤلّف سلامياته،كما كانت مع صغرها،فكيف بالكبار.

(6:322)

الآلوسيّ: المعنى:نجمع العظام،قادرين على تأليف جمعها و إعادتها إلى التّركيب الأوّل،و إلى أن نسوّي أصابعه الّتي هي أطرافه،و آخر ما يتمّ به خلقه.

أو على أن نسوّي و نضمّ سلامياته-على صغرها و لطافتها-بعضها إلى بعض،كما كانت أوّلا من غير نقصان و لا تفاوت،فكيف بكبار العظام،و ما ليس في الأطراف منها.

و في الحال المذكور،أعني(قادرين على...)بعد الدّلالة على التّقييد،تأكيد لمعنى الفعل،لأنّ الجمع من الأفعال الّتي لا بدّ فيها من القدرة،فإذا قيّد بالقدرة البالغة،فقد أكّد.

و الوجه الأوّل من المعنى يدلّ على تصوير الجمع، و إنّه لا تفاوت بين الإعادة و البدء في الاشتمال،على جميع الأجزاء الّتي كان بها قوام البدن أو كماله.

و الثّاني:يدلّ على تحقيق الجمع التّامّ،فإنّه إذا قدر على جمع الألطف الأبعد عادة عن الإعادة،فعلى جمع غيره أقدر،و لعلّه الأوفق بالمقام،و يعلم منهما نكتة تخصيص البنان بالذّكر.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و قتادة و مجاهد و عكرمة و الضّحّاك و أضاف:]

و لعلّ المراد:نجمعها،و نحن قادرون على التّسوية

ص: 745

وقت الجمع.

فالكلام يفيد المبالغة السّابقة،لكن من وجه آخر، و هو أنّه سبحانه إذا قدر على إعادته على وجه يتضمّن تبديل بعض الأجزاء،فعلى الاحتذاء بالمثال الأوّل في جميعه أقدر.

و أبو حيّان حكى هذا المعنى عن الجمهور،لكن قيّد التّسوية فيه بكونها في الدّنيا،و قال:إنّ في الكلام عليه توعّدا،ثمّ تعقّب ذلك بأنّه خلاف الظّاهر المقصود من سوق الكلام.و الأمر كما قال،لو كان كما فعل،فلا تغفل.

(29:137)

سيّد قطب :و البنان:أطراف الأصابع،و النّصّ يؤكّد عمليّة جمع العظام،بما هو أرقى من مجرّد جمعها، و هو تسوية البنان و تركيبه في موضعه كما كان.

و هي كناية عن إعادة التّكوين الإنسانيّ بأدقّ ما فيه و إكماله؛بحيث لا تضيع منه بنان،و لا تختلّ عن مكانها، بل تسوّى تسوية لا ينقص معها عضو و لا شكل هذا العضو،مهما صغر و دقّ.(6:3768)

عزّة دروزة :البنان:الظّاهر من باطن الأصابع، و أوجه التّأويلات لآية: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أنّها جواب على الجاحد الّذي يحسب أن اللّه لن يجمع عظامه،على ما جاء في الآية السّابقة لها، بمعنى أنّ اللّه عزّ و جلّ الّذي قدر على تكوين البنان من عظام دقيقة،قادر على جمع عظام الإنسان مرّة أخرى.

[إلى أن قال:]

تعليق على محاولة ربط البنان بعلم

بصمات الأصابع الحديث

و لقد قرأنا مقالا أراد كاتبه أن يجعل صلة بين اختصاص البنان بالذّكر و بين ما ظهر حديثا من علم بصمات الأصابع،و ما صار له من خطورة في إثبات شخصيّات النّاس،و تمشّيا مع الفكرة الّتي سادت بعض النّاس،من استخراج النّظريّات العلميّة و الفنّيّة و الكونيّة من الكلمات و الآيات القرآنيّة،للتّدليل على صدق القرآن و إعجازه،و معجزات اللّه المشار إليها فيه.و في هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن و آياته غير ما تتحمّل،و إخراج له من نطاق قدسيّته و غايته، و تعريض له للجدل و النّقاش.

و لقد نزل القرآن بلسان العرب على قوم يفهمونه، و أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بشرحه و تبيانه،و النّظريّات الحديثة لم تكن معلومة و لا مكشوفة.و لا يصحّ لمسلم مهما حسنت نيّته أن يدّعي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن يعرف جميع ما تضمّنته آيات القرآن،أو أنّ اللّه عزّ و جلّ أبقى الأسرار الكونيّة الّتي لم تكن مكشوفة و لا معلومة خافية عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و بالإضافة إلى هذا فإنّ في كلّ كبيرة و صغيرة و جليلة و دقيقة،من خلق اللّه و ملكوته،و في عالم الحياة و الجماد،من الدّقّة و الإتقان ما يبعث الذّهول في النّفس و يملأها بالدّهشة،و ليس«البنان»و تكوينه إلاّ نقطة من محيط عظيم.

و بالإضافة إلى هذا فإنّ عدم التّشابه ليس محصورا في أصابع اليد و بصماتها بل هو شامل لكلّ أعضاء النّاس و أشكالهم و صورهم،بل ليس هو خاصّا بالبشر و إنّما هو

ص: 746

شامل لمخلوقات اللّه عزّ و جلّ على اختلافها،و كلّ ما هنالك أنّ الذّهن البشريّ اهتدى إلى طريقة تسجيل البصمة،للدّلالة على الشّخصيّة،فانتشرت لأنّها سهلة.

و اختصاص البنان بالذّكر ليس بدعا في القرآن يستلزم استنتاج أمور خاصّة منه،فقد جرت حكمة التّنزيل القرآنيّ على اختصاص شئون بالذّكر دون شئون،و أعمال دون أعمال،و أخلاق دون أخلاق،في معرض العظة و التّذكير و الإنذار و التّبشير،دون أن يكون الشّيء المختصّ بالذّكر هو الأهمّ و الأخطر دائما، و قد مرّ من ذلك أمثلة نبّهنا إليها.(2:5،7)

الطّباطبائيّ: و البنان:أطراف الأصابع،و قيل:

الأصابع،و تسوية البنان:تصويرها على ما هي عليها من الصّور.و المعنى:بلى نجمعها،و الحال أنّا قادرون على أن نصوّر بنانه على صورها الّتي هي عليها،بحسب خلقنا الأوّل.

و تخصيص«البنان»بالذّكر،لعلّه للإشارة إلى عجيب خلقها،بما لها من الصّور و خصوصيّات التّركيب و العدد تترتّب عليها فوائد جمّة لا تكاد تحصى،من أنواع القبض و البسط و الأخذ و الرّدّ،و سائر الحركات اللّطيفة، و الأعمال الدّقيقة،و الصّنائع الظّريفة الّتي يمتاز بها الإنسان من سائر الحيوان،مضافا إلى ما عليها من الهيئات و الخطوط،الّتي لا يزال ينكشف للإنسان منها سرّ بعد سرّ.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عبّاس و الجمهور و أضاف:]

و الوجه المتقدّم أرجح.(20:104)

المصطفويّ: فإنّ صغار العظام في الأيدي و الأرجل،و تسويتها و تنظيمها في غاية الصّعوبة و الإشكال و لا سيّما في الأصابع.(1:322)

محمّد حسين فضل اللّه:[أشار إلى قول سيّد قطب ثمّ أضاف:]

و لكنّنا نلاحظ على هذا التّفسير،بأنّ استبعاد هذا الإنسان جمع العظام سوف يستتبعه استبعاد جمع الأشياء الدّقيقة في نطاق إعادة التّكوين الإنسانيّ،فتكون الآية الثّانية مجرّد تأكيد للموضوع الّذي ينفيه الإنسان الكافر بالآخرة،من دون إضافة أيّ دليل،لتبقى المسألة في دائرة الإيحاء بالفكرة،لا في دائرة الاستدلال عليها.[ثمّ نقل قول الطّباطبائيّ و أضاف:]

و لعلّ هذا أقرب إلى طبيعة الجوّ الاستدلاليّ في الآية،و قد يضاف إلى أسرار الإبداع في خلق البنان، أنّها تمثّل في خطوطها الدّقيقة دليل الشّخصيّة،لأنّ النّاس يختلفون في بصمات أصابعهم؛بحيث لا يتّفق واحد في ذلك مع الآخر،مهما اقتربت علاقاتهم النّسبيّة،ممّا يجعل من معرفة طبيعة البصمة سبيلا لمعرفة صاحبها، لاكتشاف مسئوليّته عن الجريمة و نحوها،من القضايا المتّصلة بمسئوليّة النّاس،في قضاياهم العامّة و الخاصّة.

(23:239)

مكارم الشّيرازيّ: البنان:أطراف الأصابع، و قيل:الأصابع،و في المعنيين إشارة إلى أنّ اللّه تعالى ليس القادر على جمع العظام و إرجاعها إلى صورتها الأولى فحسب،بل إنّه تعالى يسوّي العظام الصّغيرة و الظّريفة و الدّقيقة للأصابع على ما كانت عليها في الخلق الأوّل،و الأعجب من ذلك يمكنه تعالى إرجاع ذلك

ص: 747

بالشّكل الموزون.

و يمكن أن يكون ذلك إشارة لطيفة إلى الخطوط الموجودة في أطراف الأصابع و الّتي قلّما تتساوى هذه الخطوط عند شخصين كما يقولون.

و بتعبير آخر أنّ هذه الخطوط الموجودة في أطراف الأصابع هي المعرّفة لشخص الإنسان،و لذا عاد بصم الأصابع في عصرنا هذا أمرا علميّا،و بهذه الطّريقة يمكن كشف الكثير من السّرّاق و المجرمين،فيكفي في كشف السّارق بوضعه الأصابع على مقبض الباب،أو زجاجة الغرفة،أو قفل الصّندوق و بقاء أثر خطوط أنامله عليها، ثمّ يؤخذ من ذلك الطّبع نموذج ليطابق مع آثار أصابع السّرّاق السّابقين الّتي أخذت منهم سلفا،و هكذا يعرف المجرم و السّارق.(19:183)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان:البنانة،و هي عقدة الإصبع العليا،أو الإصبع كلّها،أو كلّ مفصل من مفاصل الإنسان،و الجمع:بنان،مثل:جرادة و جراد.

و الثّاني:اللّزوم و الإقامة،يقال:أبنّت السّحابة،أي لزمت و دامت،و أبنّ القوم بمحلّة،أي أقاموا بها،و أبنّ الرّجل بالمكان فهو مبنّ،و رأيت حيّا مبنّا بمكان كذا،أي مقيما،و كذا بنّ بالمكان بنّا.و التّبنين:التّثبيت في الأمر، و البنين:المثبّت العاقل.و البنّ:الطّرق من الشّحم،يقال للدّابّة إذا سمنت:ركبها طرق،و بنّ على بنّ.

و منه:البنّة،و هي ريح مرابض الغنم و البقر و الظّباء، و رائحة بعر الظّباء إذا رعت الزّهر،يقال:كناس مبنّ، أي ذو بنّة،كأنّها مقيمة فيه.

و البنّة:الرّيح الطّيّبة أيضا،يقال:شممت بنّة طيّبة، و عسل طيّب البنّة،و أجد لهذا الثّوب بنّة طيّبة من عرف تفّاح أو سفرجل،و شراب ذو بنّة طيّبة.

و منه أيضا:البنانة،أي الرّوضة المعشبة؛إذ هي مظنّة الرّائحة الطّيّبة.

2-و أرجع ابن فارس جميع مشتقّات هذه المادّة إلى أصل واحد،و هو اللّزوم و الإقامة،و عدّ«البنان»مشتقّا من قولهم:أبنّ بالمكان،و قال:«فالبنان به يعتمد كلّ ما يكون للإقامة و الحياة».و في قوله-كما ترى-تمحّل واضح،و هو خلاف ما ينزع إليه غالبا من تفريع المعاني و تشعّب الأصول،و قد اختاره الرّاغب.

أمّا الزّمخشريّ فقد حسب«البنّة»أصلا و الإقامة فرعا،فقال:«و من المجاز:أبنّوا بالمكان:أقاموا به، و أصله:ما يحدث فيه من بنّة نعمهم،ثمّ كثر حتّى قيل:

لكلّ إقامة:ابنان،و قيل:أبنّت السّحابة،إذا دامت أيّاما».

و قد اتّفق هؤلاء الثّلاثة الحذّاق في علم اللّغة على أنّ لها أصلا واحدا مع فارق بينهم-و هو أنّ ابن فارس و الرّاغب جعلا الإقامة بالمكان أصلا و البنان فرعا و الزّمخشريّ عكس الأمر.

و نقول:بناء على وحدة الأصل فيهما و لعلّه الأقرب، و يلزمه الإقامة و اللّزوم فيه و الاعتماد عليه.و بذلك يوجّه إطلاق البنّة على الرّيح الطّيّبة و الخبيثة،لانعقاد و تركّز مادّة نتنة أو طيّبة في محالّها.فأصل المادّة هي العقدة المتماسكة في الشّيء.

ص: 748

الاستعمال القرآنيّ

فيها آيتان مكّيّة و مدنيّة:

1- فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ الأنفال:12

2- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ القيمة:3،4

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين و إن اختلفتا و ابتعد سياقهما عن بعضهما البعض-فالأولى في ضرب بنان الكفّار في «بدر»بأيدي الملائكة،و الثّانية في جمع عظام الأموات بعد إحيائهم حتّى بنانهم-فهما على طرفي نقيض نفيا و إثباتا،إفناء و إحياء.

و مع ذلك فهما متّحدتان في المغزى،ألا و هو المبالغة في عمليّة الضّرب و الإحياء،أي أنّ البنان فيهما نهاية الفعل و منتهى المطاف.فالملائكة يضربون الأعناق و الأبدان كلّها حتّى البنان،و كذلك اللّه يجمع العظام و يحيي الأموات حتّى البنان؛و ذلك من أجل أنّ البنان للطافتها و وقوعها أطرافا،بعيدة عن وقوع الضّرب و الإحياء عليها.

ثانيا:في الآية الأولى أبعاد من البحث:

الأوّل:ذكروا في وجه اختصاص ما فوق الأعناق و البنان وجوها:

1-جمع بين أشرف الأعضاء-و هو الرّأس الّذي فوق الأعناق-و بين أخسّها و أضعفها و هي البنان،أي اضربوا الأعضاء كيفما اتّفق و كما تشاءون،فالمراد بهما جميع الأعضاء.

2-من أعاليها إلى أسافلها.

3-أي اضربوا الصّناديد و الأركان-و هي الرّءوس و الوجوه-و السّفلة و هي البنان،لكي لا يقدروا على حمل الأسلحة بها.

4-أريد بالأوّل المقاتلة و بالثّاني المدافعة.

5-أريد بالأوّل الرّءوس و بالثّاني جميع أطراف البدن،و هذا يختلف شيئا ما عن الوجه الأوّل.

6-لمّا كان الوجه و الرّأس أصلا في الحياة،فقد صرّح بهما مستقلاّ،و أشار إلى الباقي ب«البنان»،فذكر ما يلزمهم في الحياة و ما يقوم به أودهم.قال الزّمخشريّ:

«الضّرب إمّا وقع على مقتل أو غير مقتل،فأمرهم أن يجمعوا بين الأمرين».

7-إنّها كناية عن إذلالهم و إبطال قوّة الإمساك من أيديهم بالإرعاب.و هذه الوجوه متقاربة.

الثّاني:الخطاب حسب السّياق للملائكة،و لهذا قيل:إنّه ما وقعت ضربة يوم بدر إلاّ في رأس أو مفصل، و كانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم.

و احتمل الطّباطبائيّ أن يكون الخطاب للمؤمنين، أريد به تشجيعهم على عدوّهم بتثبيت أقدامهم و الرّبط على قلوبهم و حثّهم و إغراؤهم بالمشركين،و قد سبقه آخرون.

و هذا بعيد عن السّياق،قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشاقِقِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ

ص: 749

الأنفال:12-14،و هذه الآية تفسير لما قبلها إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً... وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ الأنفال:

11.

قال الطّبرسيّ: «جائز أن يكون هذا أمرا للمؤمنين، و جائز أن يكون أمرا للملائكة،و هو الظّاهر.قال ابن الأنباريّ:إنّ الملائكة حين أمرت بالقتال لم تعلم أين تقصد بالضّرب من النّاس،فعلّمهم اللّه تعالى:

وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ المجمع(2:526).

نقول:و يؤيّد الأوّل قوله تعالى في هذه السّورة، استمرارا لسرد واقعة بدر: وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ الأنفال:50،و يؤيّده ما جاء في تفسيرها أيضا،و سنتداولها بالبحث.و يؤيّده قوله أيضا في الآية(17): فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ، لاحظ قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ... المائدة:67،من مادّة «ب ل غ».

الثّالث:كيف يمكن الجمع بين هاتين الآيتين من الأنفال(12)و(50)،حيث جاءت في(12):

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ، و في(50): يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ و القصّة واحدة؟

و الجواب بوجهين:

1-اختلاف الموقفين فيهما،فالأولى حول معركة بدر،و الثّانية حول موت الكفّار،قال الطّبرسيّ(2:

551):«قيل:معناه ستضربهم الملائكة عند الموت،قال الرّمّانيّ:و هذا غلط،لأنّه خلاف الظّاهر».

و نقول:هذا بعيد من الرّمّانيّ،فإنّ ظاهر(يتوفّى) توفّي أرواحهم في المستقبل،فإنّه يرتبط بقتلهم في معركة بدر،قال الفخر الرّازيّ(6:178)نقلا عن ابن عبّاس:

«كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم نحو المسلمين ضربوا وجوههم بالسّيف،و إذا ولّوا ضربوا أدبارهم، فلا جرم قابلهم اللّه بمثله في وقت نزع الرّوح».

ثمّ قال:«و فيه معنى آخر ألطف منه،و هو أنّ روح الكفّار إذا خرج من جسده فهو معرض عن عالم الدّنيا ليقبل على الآخرة،و هو لكفره لا يشاهد في عالم الآخرة إلاّ الظّلمات،و هو شدّة حبّه للجسمانيّات،و مفارقته لها لا ينال من مباعدته عنها إلاّ الآلام و الحسرات،فبسبب مفارقته لعالم الدّنيا تحصل له الآلام بعد الآلام و الحسرات،و بسبب إقباله على الآخرة مع عدم النّور و المعرفة ينتقل من ظلمات إلى ظلمات،فهاتان الجهتان هما المراد من قوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ» .

و عندنا أنّ هذا تأويل لا يناسب الآية.

2-اتّحادهما في الموقف،و أنّهما جميعا تحكيان ضرب الملائكة الكفّار في بدر،و اختلاف التّعبير دليل على ما تقدّم في معنى«فوق الأعناق»و«البنان»من أنّ المراد بها جميع البدن،أو أنّها كناية عن إذلالهم،و ضرب الوجوه و الأدبار كناية أخرى عن إذلالهم بأبلغ بيان،أو هو تعبير آخر عن ضرب جميع البدن قبلا و دبرا،كما كانت الأولى ضرب جميع البدن،أعاليه و أسافله.

الرّابع:بناء على الوجه الثّاني من اتّحادهما في الموقف،و أنّهما جميعا حكاية معركة بدر،فالمراد ب(يتوفّى)في الثّانية توفّي أرواح الكفّار عند ضربهم

ص: 750

و قتلهم في ساحة المعركة،لأنّها هي وقت قتلهم و نزعهم معا.و يؤيّده تذييلهما بذوق عذاب النّار،فجاء في الأولى ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ، و في الثّانية و ذُوقُوا عَذابَ النّارِ.

ثالثا:اختلفوا في أنّ البنان-و هو جمع بنانة،أو لفظه مفرد و معناه جمع كالتّمر-هو الأنامل،و هي رءوس الأصابع و أطرافها ظاهرا أو باطنا أو باطنا فقط،أو أصابع اليدين و الرّجلين،أو أصابع اليدين فقط،أو اليدين و الرّجلين ذاتهما،لاحظ النّصوص.

و الظّاهر أنّه الأنامل لغة،و قد يطلق على الإصبع أو اليد،أو اليد و الرّجل مجازا،إطلاقا للجزء على الكلّ،كما عكس الأمر في يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ البقرة:

19،إطلاقا للكلّ على الجزء،فينبغي حمله على أحد المعاني حسب السّياق.

و المناسب له في الأولى اليدان و الرّجلان أو أصابعهما،لأنّهما أطراف البدن،أمّا في الثّانية فالمراد به الأنامل على وجه،و الأصابع على وجه آخر،كما يأتي.

رابعا:في(نسوّى بنانه)وجهان:

الأوّل:أن يجعل أصابعه كحافر الدّابّة أو كخفّ البعير،فلا يقدر على الأكل إلاّ بفيه.و عليه فالمراد بالبنان أصابع اليدين و الرّجلين،و فيه تحقير للنّاس؛ و ذلك أنّ اللّه قادر على أن يخلقهم كخلق الحيوانات في الدّنيا،و سياقها سياق وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ الواقعة:60،61،أو في الآخرة،و فيه إيعاد لهم بأن يعيدهم في هيئة البهائم.

و كلاهما بعيد عن سياق الآية،و لا سيّما خلقهم كالبهائم في الدّنيا،لأنّه خارج من سياق الكلام.

الثّاني:أنّه قادر على أن يردّ حتّى أصغر و ألطف أعضائهم،و هي البنانة.و عليه فالمراد بها الإصبع،لأنّ عظامها أصغر و ألطف،و فيها تراكيب عجيبة،تترتّب عليها فوائد جمّة لا تكاد تحصى من أنواع القبض و البسط و الأخذ و الرّدّ...أو يردّ الأنملة،و لا سيّما باطنها بما فيها من الخطوط الدّقيقة الّتي لا تتشابه في شخصين.و هذا أنسب لسياق المبالغة في الآية،و بقوله:(نسوّى)،لأنّه صنعها سويّا مع ما كانت أوّلا.

خامسا:ذكر المفسّرون الجدد أنّ في الآية إشارة إلى ربط«البنان»بعلم بصمات الأصابع،و حسبوها من وجوه الإعجاز العلميّ في القرآن،الّذي كشفه العلم الحديث.و لم يستجوده سيّد قطب بحجّة أنّ القرآن نزل بلسان العرب على قوم يفهمونه،و النّظريّات الحديثة لم تكن معلومة و لا مكشوفة،و النّبيّ لم ينبّه عليه،و هو مأمور ببيانه.و حاشاه أن لا يعرف هذه الأسرار لو كانت،أو عرف و كتمها عن النّاس،فلاحظ كلامه مفصّلا في النّصوص.

و نقول:لو كان هذا حقّا لحجب النّاس عن التّأمّل في القرآن و استنباط رموز و أسرار لم يصرّح بها القرآن، و لم تبيّنها السّنّة النّبويّة،فيكتفون بظاهر القرآن و ما بلغهم من التّفسير النّبويّ.و هذا شيء لم يقل به أحد من ذوي الخبرة،سوى جهلة أهل الحديث عند السّنّة و الأخباريّين من الشّيعة.

على أنّا لا نوافق تحميل النّظريّات العلميّة الحديثة على القرآن بأنواع من التّكلّف و ألوان من التّأويل كما

ص: 751

صنعه الطّنطاويّ في بعض الآيات.

و قد ردّ عليه السّيّد فضل اللّه بأنّه لو لا الإشارة إلى هذه الأسرار في خلق البنان،لكانت الآية مجرّد تأكيد للموضوع الّذي ينفيه الإنسان الكافر بالآخرة،من دون إضافة أيّ دليل...،فلاحظ.

سادسا:لا يخفى أنّه قد روعي في الآيتين الرّويّ، فقد جاء في الأولى(بنان)و قبلها(الاقدام)و بعدها (العقاب)و في الثّانية قبلها:(عظامه)و بعدها(امامه)ففي اختيار اللّفظين دون غيرها مساوقة الرّويّ.

ص: 752

ب ن و

اشارة

30 لفظا،162 مرّة:82 مكّيّة،80 مدنيّة

في 46 سورة:33 مكّيّة،13 مدنيّة

ابن 35:6-29 أبناء 5:1-4

ابنه 2:2 أبناءهم 5:2-3

ابنها 1:1 أبنائهنّ 2:-2

ابنك 1:1 أبناؤكم 2:-2

ابني 1:1 أبناءكم 5:2-3

ابني1:-1 أبناءكم 1:1-1

بنيّ 6:6 أبناءنا 1:-1

بنون 1:1 أبنائنا 1:-1

البنون 3:3 ابنة 1:-1

بنوا 1:1 ابنتيّ 1:1

بني 49:29-20 بنات 8:2-6

بنين 8:8 البنات 4:4

البنين 4:3-1 بناتك 2:1-1

بنيه 4:2-2 بناتكم 1:-1

بنيّ 4:3-1 بناتي 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و البنوّة:مصدر الابن،و يقال:تبنّيته،إذا ادّعيت بنوّته.و النّسبة إلى الأبناء،بنويّ،و إن شئت فأبناويّ،نحو أعرابيّ،ينسب إلى الأعراب.(8:380)

سيبويه :سألت الخليل عن الإضافة إلى«ابنم» فقال:إن شئت حذفت الزّوائد،فقلت:بنويّ،كأنّك أضفت إلى ابن.و إن شئت تركته على حاله،فقلت:

ابنميّ،كما قلت:ابنيّ و استيّ.

و اعلم أنّك إذا حذفت فلا بدّ لك من أن تردّ،لأنّه عوض،و إنّما هي معاقبة،و قد كنت تردّ ما عدّة حروفه حرفان و إن لم يحذف منه شيء،فإذا حذفت منه شيئا و نقصته منه،كان العوض لازما.

و أمّا«بنت»فإنّك تقول:بنويّ،من قبل أنّ هذه التّاء الّتي هي للتّأنيث لا تثبت في الإضافة،كما لا تثبت في

ص: 753

الجمع بالتّاء؛و ذلك لأنّهم شبّهوها بهاء التّأنيث،فلمّا حذفوا و كانت زيادة في الاسم-كتاء سنبتة و تاء عفريت،و لم تكن مضمومة الى الاسم كالهاء،يدلّك على ذلك سكون ما قبلها-جعلناها بمنزلة«ابن».

فإن قلت:بنيّ جائز،كما قلت:بنات،فإنّه ينبغي لك أن تقول:بنيّ في ابن،كما قلت في بنون،فإنّما ألزموا هذه الرّدّ في الإضافة لقوّتها على الرّدّ،و لأنّها قد تردّ و لا حذف،فالتّاء يعوّض منها كما يعوّض من غيرها، و كذلك:كلتا و ثنتان،تقول:كلويّ و ثنويّ،و بنتان:

بنويّ.

و أمّا يونس فيقول:ثنتيّ،و ينبغي له أن يقول:هنتيّ في هنة،لأنّه إذا وصل فهي تاء كتاء التّأنيث.و زعم الخليل أنّ من قال:بنتيّ قال:هنتي و منتيّ،و هذا لا يقوله أحد.

و اعلم أنّ«ذيت»بمنزلة بنت،و إنّما أصلها:ذيّة، عمل بها ما عمل ببنت،يدلّك عليه اللّفظ و المعنى، فالقول في هنت و ذيت مثله في بنت،لأنّ ذيت يلزمها التّثقيل إذا حذفت التّاء.

ثمّ تبدّل واوا مكان التّاء،كما كنت تفعل لو حذفت التّاء من:أخت و بنت،و إنّما ثقّلت كتثقيلك كي اسما.

و زعم أنّ أصل بنت و ابنة«فعل»كما أنّ أخت «فعل»يدلّك على ذلك أخوك و أخاك و أخيك.و قول بعض العرب-فيما زعم يونس-آخاء،فهذا جمع«فعل».

(3:362)

الفرّاء: هذا من ابناوات الشّعب،و هم حيّ من كلب.(ابن منظور 14:90)

يا بنيّ و يا بنيّ:لغتان،مثل يا أبت و يا أبت.و تصغير أبناء:أبيناء،و إن شئت أبينون،على غير مكبّره.

(ابن منظور 14:91)

أبو زيد:ابنة الجبل،هو الصّوت الّذي يجيبك من الجبال و الصّحراء.(142)

يقال:هو ابن آوى و ابنا آوى و بنات آوى،و سامّ أبرص و سامّا أبرص و سوامّ أبرص،كلّ هذا مضاف إلى اسم واحد،لأنّه اسم معروف.و نظيره من كلمة واحدة،كقولك للرّجلين يكنّى كلّ واحد بأبي زيد:

جاءني أبو زيد،جاءني أبو زيد،لأنّك أضفتهم إلى اسم معروف

و تقول:هو ابن أوبر يا فتى و ابنا أوبر و بنات أوبر، و هو كمؤ مرغّب،و تقول:هذه أمّ حبين و أمّا حبين و أمّهات حبين،كلّ هذا مضاف إلى اسم معروف.

(227)

الأخفش: المحذوف من«ابن»الواو،لأنّه أكثر ما يحذف الواو لثقلها،و الياء تحذف أيضا لأنّها تثقل.

و الدّليل على ذلك أنّ«يدا»قد أجمعوا على أنّ المحذوف منه الياء،و لهم دليل قاطع على الإجماع،يقال:

يديت إليه يدا،و«دم»محذوف منه الياء.

(الأزهريّ 15:491)

ابن الأعرابيّ: ابن الطّين:آدم عليه السّلام.

و ابن ملاط:العضد.

و ابن مخدّش:رأس الكتف،و يقال:إنّه النّغض أيضا.

و ابن النّعامة:عظم السّاق،و ابن النّعامة:عرق في

ص: 754

الرّجل،و ابن النّعامة:محجّة الطّريق،و ابن النّعامة:

الفرس الفاره،و ابن النّعامة:السّاقي الّذي يكون على رأس البئر.

و يقال للرّجل العالم هو:ابن بجدتها و ابن بعثطها، و ابن سر سورها،و ابن ثراها،و ابن مدينتها،و ابن زوملتها،أي العالم بها.

و ابن الفأرة:الدّرص،و ابن السّنّور:الدّرص أيضا.

و ابن النّاقة:البابوس.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن الخلّة:ابن مخاض.

و ابن عرس:السّرعوب.

و ابن الجرادة:السّرو.

و ابن اللّيل:اللّصّ،و ابن الطّريق:اللّصّ أيضا، و ابن غبراء:اللّصّ أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن إلاهة،و ألاهة:ضوء الشّمس،و هو الضّحّ.

و ابن المزنة:الهلال.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن الكروان:اللّيل.

و ابن الحبارى:النّهار.

و ابن تمّرة:طائر،و يقال:التّمّرة.

و ابن الأرض:الغدير.

و ابن طامر:البرغوث،و ابن طامر:الخسيس من النّاس.

و ابن هيّان،و ابن بيّان،و ابن هيّ،و ابن بيّ،كلّه، الخسيس من النّاس.

و ابن النّخلة:الدّجى.

و ابن اليحنة:السّوط،و اليحنة:النّخلة الطّويلة.

و ابن الأسد:الشّيع،و الحفص.

و ابن القرد:الحودل،و الرّبّاح.

و ابن البراء:أوّل يوم من الشّهر.

و ابن المازن:النّمل.

و ابن الغراب:البجّ.

و ابن الفوالي:الجانّ،يعني الحيّة.

و ابن القاويّة:فرخ الحمام.

و ابن الفاسياء:القرنبى.

و ابن الحرام:السّلا.

و ابن الكرم:القطف.

و ابن المسرّة:غصن الرّيحان.

و ابن جلا:السّيّد.

و ابن دأية:الغراب.

و ابن أوبر:الكمأة.

و ابن قترة:الحيّة.

و ابن ذكاء:الصّبح.

و ابن فرتني،و ابن ترنى:ابن البغيّة.

و ابن أحذار:الرّجل الحذر.

و ابن أقوال:الرّجل الكثير الكلام.

و ابن الفلاة:الحرباء.

و ابن الطّود:الحجر.

و ابن حجير:اللّيلة الّتي لا يرى فيها الهلال.

و ابن آوى:سبع.

و ابن مخاض،و ابن لبون:من أولاد الإبل.

و يقال للسّقاء:ابن الأديم،فإذا كان أكبر فهو ابن أديمين،و ابن ثلاثة آدمة.(الأزهريّ 15:504)

شمر:أنشدني ابن الأعرابيّ لرجل من بني يربوع:

ص: 755

من يك لا ساء فقد ساءني

ترك أبينيك إلى غير راع

إلى أبي طلحة أو واقد

ذاك عمري فاعلمن للضّياع

قال:أبيني،تصغير«بنين».

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أبيني لا ترموا جمرة العقبة حتّى تطلع الشّمس».(الأزهريّ 15:491)

أبو الهيثم:يقال:هذا ابنك،و يزاد فيه الميم، فيقال:هذا ابنمك.

فإذا زيدت فيه الميم أعرب من مكانين؛فقيل:هذا ابنمك،فضمّت النّون و الميم،و أعرب بضمّ النّون و ضمّ الميم،و مررت بابنمك،و أريت ابنمك تتبع النّون الميم في الإعراب،و الألف مكسورة على كلّ حال.

و منهم من يعربه من مكان واحد،فيعرب الميم لأنّها صارت آخر الاسم،و يدع النّون مفتوحة على كلّ حال،فيقول:هذا ابنمك و هذا ابنم زيد،و مررت بابنم زيد،و رأيت ابنم زيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و زيادة الميم فيه كما زادوها في:شدقم،و زرقم، و شجعم،لنوع من الحيّات.

و يقال فيما يعرف ببنات:

بنات الدّم:بنات أحمر.

و بنات المسند:صروف الدّهر.

و بنات معى:البعر.

و بنات اللّبن:ما صغر منها.

و بنات النّقا:هي الحلكة،تشبّه بهنّ بنان العذارى.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بنات مخر،و بنات بخر:سحائب يأتين قبل الصّيف منتصبات.

و بنات غير:الكذب.

و بنات بئس:الدّواهي،و كذلك بنات طبق و بنات برح و بنات أودك.

و ابنة الجبل:الصّدى.

و بنات أعنق:النّساء،و يقال:خيل نسبت إلى فحل يقال له:أعنق.

و بنات صهّال:الخيل.

و بنات شحّاج:البغال.

و بنات الأخدريّ:الأتن.

و بنات نعش:من الكواكب الشّماليّة.

و بنات الأرض:الأنهار الصّغار.

و بنات المنى:اللّيل.

و بنات الصّدر:الهموم.

و بنات المثال:النّساء،و المثال:الفراش.

و بنات طارق:بنات الملوك.

و بنات الدّوّ:حمير الوحش،و هي بنات صعدة أيضا.

و بنات عرجون:الشّماريخ.

و بنات عرهون:الفطر.(الأزهريّ 15:506)

الدّينوريّ: أصله:[بنت]بنوة،وزنها«فعل» فألحقتها التّاء المبدّلة من لامها بوزن«حلس»فقالوا:

بنت.و ليست التّاء فيها بعلامة تأنيث،كما ظنّ من لا خبرة له بهذا اللّسان؛و ذلك لسكون ما قبلها.

هذا مذهب سيبويه،و هو الصّحيح،و قد نصّ عليه

ص: 756

في باب«ما لا ينصرف»فقال:لو سمّيت بها رجلا لصرفتها معرفة،و لو كانت للتّأنيث لما انصرف الاسم، على أنّ سيبويه قد تسمّح في بعض ألفاظه في«الكتاب» فقال في«بنت»:هي علامة تأنيث.

و إنّما ذلك تجوّز منه في اللّفظ،لأنّه أرسله غفلا.و قد قيّده و علّله في باب«ما لا ينصرف»و الأخذ بقوله المعلّل أقوى من القول بقوله المغفل المرسل.و وجه تجوّزه أنّه لمّا كانت التّاء لا تبدل من الواو فيها إلاّ مع المؤنّث،صارت كأنّها علامة تأنيث.

قال:و أعني بالصّيغة فيها بناءها على«فعل» و أصلها«فعل»بدلالة تكسيرهم إيّاها على«أفعال» و إبدال الواو فيها لازم،لأنّه عمل اختصّ به المؤنّث.

و يدلّ أيضا على ذلك إقامتهم إيّاه مقام العلامة الصّريحة،و تعاقبها فيها على الكلمة الواحدة؛و ذلك نحو:ابنة و بنت،فالصّيغة في بنت قائمة مقام الهاء في «ابنة»فكما أنّ الهاء علامة تأنيث،فكذلك صيغة بنت علامة تأنيثها.

و ليست بنت من«ابنة»كصعب من صعبة،إنّما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن،و لا دلالة لك في البنوّة على أنّ الذّاهب من بنت واو،لكن إبدال التّاء من حرف العلّة يدلّ على أنّه من الواو،لأنّ إبدال التّاء من الواو أضعف من إبدالها من الياء.(ابن منظور 14:89)

مثله ابن جنّيّ.(ابن سيدة 10:521)

ثعلب :العرب تقول:هذه بنت فلان،و هذه ابنة فلان لغتان،و هما لغتان جيّدتان.

و من قال:ابنة فلان،فهو خطأ و لحن.

(الأزهريّ 15:491)

الزّجّاج: «ابن»كان في الأصل:بنو أو بنو،و الألف ألف وصل في الابن؛يقال:ابن بيّن البنوّة.

و يحتمل أن يكون أصله:بنيا،و الّذين قالوا:بنون، كأنّهم جمعوا«بنيا»:بنون و أبناء،جمع«فعل»أو«فعل».

و بنت تدلّ على أنّه يستقيم«فعلا»،و يجوز أن يكون«فعلا»نقلت إلى«فعل»كما نقلت أخت من «فعل»إلى«فعل».

فأمّا«بنات»فليس بجمع بنت على لفظها،إنّما ردّت إلى أصلها،فجمعت بنات.على أنّ أصل بنت«فعلة»ممّا حذف لامه.(1:130)

تبنّى به:يريد تبنّاه،و في حديث أبي حذيفة:أنّه تبنّى سالما،أي اتّخذه ابنا،و هو«تفعّل»من الابن.

و التّصغير:بنيّ.(ابن منظور 14:91)

القاليّ: و ابنة الجبل:القوس،لأنّها من نبع،و النّبع لا ينبت إلاّ في الجبال.(2:270)

الأزهريّ: [بعد نقل قول الأخفش قال:]

و البنوّة ليس بشاهد قاطع للواو،لأنّهم يقولون:

الفتوّة،و التّثنية:فتيان،ف«ابن»يجوز أن يكون المحذوف منه الواو أو الياء،و هما عندنا متساويان.(15:491)

الصّاحب:[قال نحو الخليل و أضاف:]

و ابن تأنيثه:ابنة،و هم البنون و البنات.و بنيّ فلان عمرا تبنية،أي جعل ابنه.و أبينيّ:تصغير بنين.

و يقال للصّبح:ابن ذكاء.(10:405)

الجوهريّ: و الابن أصله:بنو،و الذّاهب منه

ص: 757

«واو»كما ذهب من:أب و أخ،لأنّك تقول في مؤنّثه:

بنت و أخت.و لم نر هذه الهاء تلحق مؤنّثا إلاّ و مذكّره محذوف الواو،يدلّك على ذلك أخوات و هنوات،فيمن ردّ،و تقديره من الفعل«فعل»بالتّحريك،لأنّ جمعه أبناء،مثل جمل و أجمال.

و لا يجوز أن يكون«فعلا»أو«فعلا»اللّذين جمعهما أيضا«أفعال»مثل جذع و قفل،لأنّك تقول في جمعه:

بنون بفتح الباء.

و لا يجوز أيضا أن يكون«فعلا»ساكن العين،لأنّ الباب في جمعه إنّما هو«أفعل»مثل كلب و أكلب،أو «فعول»مثل فلس و فلوس.

و يقال:ابن بيّن البنوّة،و التّصغير:بنيّ.و تصغير أبناء:أبيناء،و إن شئت:أبينون،على غير مكبّره.[ثمّ استشهد بشعر]

كأنّ واحده«ابن»مقطوع الألف،فصغّره فقال:

أبين،ثمّ جمعه:فقال:أبينون.

و النّسبة إلى ابن:بنويّ،و بعضهم يقول:ابنيّ، و كذلك إذا نسبت إلى أبناء فارس قلت:بنويّ.و أمّا قولهم:أبناويّ فإنّما هو منسوب إلى أبناء سعد،لأنّه جعل اسما للحيّ أو للقبيلة،كما قالوا:مداينيّ،حين جعلوه اسما للبلد.

و كذلك إذا نسبت إلى«بنت»و إلى بنيّات الطّريق، قلت:بنويّ،لأنّ ألف الوصل عوض من الواو،فإذا حذفتها فلا بدّ من ردّ الواو،و كان يونس يقول:بنتيّ.

و يقال:رأيت بناتك بالفتح،و يجرونه مجرى التّاء الأصليّة.

و بنيّات الطّريق،هي الطّرق الصّغار،تتشعّب من الجادّة،و هي التّرّهات.

و البنات:التّماثيل الصّغار الّتي تلعب بها الجواري، و في حديث عائشة:«كنت ألعب مع الجواري بالبنات».

و ذكر لرؤبة رجل،فقال:«كان إحدى بنات مساجد اللّه»كأنّه جعله حصاة من حصى المسجد.

و بنت الأرض:الحصاة،و ابن الأرض:ضرب من البقل.

و تقول:هذه ابنة فلان و بنت فلان بتاء ثابتة،في الوقف و الوصل.و لا تقل:ابنة،لأنّ الألف إنّما اجتلبت لسكون الباء،فإذا حرّكتها سقطت،و الجمع:بنات، لا غير.[ثمّ استشهد بشعر](6:2286)

ابن فارس: الباء و النّون و الواو كلمة واحدة،و هو الشّيء يتولّد عن الشّيء كابن الإنسان و غيره.و أصل بنائه«بنو»و النّسبة إليه:بنويّ،و كذلك النّسبة إلى بنت و إلى بنيّات الطّريق.

فأصل الكلمة ما ذكرناه،ثمّ تفرّع العرب فتسمّي أشياء كثيرة بابن كذا،و أشياء غيرها بنّيت كذا، فيقولون:ابن ذكاء الصّبح و ذكاء الشّمس،لأنّها تذكو كما تذكو النّار.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن ثأداء:ابن الأمّة،و ابن الماء:طائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن جلا:الصّبح.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للّذي تنزل به الملمّة فيكشفها:ابن ملمّة، و للحذر:ابن أحذار.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للّجّاج:ابن أقوال،و للّذي يتعسّف المفاوز:

ص: 758

ابن الفلاة،و للفقير الّذي لا مأوى له غير الأرض و ترابها:ابن غبراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و للمسافر:ابن السّبيل،و ابن ليل:صاحب السّرى،و ابن عمل،صاحب العمل الجادّ فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون:هو ابن مدينة،إذا كان عالما بها،و ابن بجدتها،أي عالم بها،و بجدة الأمر:دخلته.

و يقولون للكريم الآباء و الأمّهات:هو ابن إحداها.

و يقال للبريء من الأمر:هو ابن خلاوة،و للخبز:

ابن حبّة،و للطّريق:ابن نعامة؛و ذلك أنّهم يسمّون الرّجل نعامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و في المثل:«ابنك ابن بوحك»أي ابن نفسك الّذي ولدته.

و يقال للّيلة الّتي يطلع فيها القمر:فحمة ابن جمير.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن طاب:عذق بالمدينة.

و ممّا شذّ عن هذا الأصل المبناة النّطع.[ثمّ استشهد بشعر](1:303)

أبو هلال :الفرق بين الولد و الابن:أنّ الابن يفيد الاختصاص و مداومة الصّحبة،و لهذا يقال:ابن الفلاة لمن يداوم سلوكها،و ابن السّرى لمن يكثر منه.

و تقول:تبنّيت ابنا،إذا جعلته خاصّا بك.و يجوز أن يقال:إنّ قولنا:هو ابن فلان،يقتضي أنّه منسوب إليه، و لهذا يقال:النّاس بنو آدم،لأنّهم منسوبون إليه، و كذلك بنو إسرائيل.

و الابن في كلّ شيء صغير،فيقول الشّيخ للشّاب:

يا بنيّ،و يسمّي الملك رعيّته الأبناء،و كذلك الأنبياء من بني إسرائيل كانوا يسمّون أممهم أبناءهم،و لهذا كنّي الرّجل:بأبي فلان و إن لم يكن له ولد،على التّعظيم.

و الحكماء و العلماء يسمّون المتعلّمين أبناءهم،و يقال لطالبي العلم:أبناء العلم.

و قد يكنّى بالابن كما يكنّى بالأب،كقولهم:ابن عرس،و ابن نمرة،و ابن آوى،و بنت طبق،و بنات نعش،و بنات وردان.

و قيل:أصل الابن التّأليف و الاتّصال،من قولك:

بنيته و هو مبنيّ،و أصله:بني،و قيل:بنو،و لهذا جمع على أبناء،فكان بين الأب و الابن تأليف.

و الولد يقتضي الولادة،و لا يقتضيها الابن،و الابن يقتضي أبا،و الولد يقتضي والدا.و لا يسمّى الإنسان والدا إلاّ إذا صار له ولد.

و ليس هو مثل«الأب»لأنّهم يقولون في التّكنية:

أبو فلان و إن لم يلد فلانا،و لا يقولون في هذا:والد فلان، إلاّ أنّهم قالوا في الشّاة:والد في حملها قبل أن تلد و قد ولدت إذا ولدت إذا أخذ ولدها.

و الابن للذّكر،و الولد للذّكر و الأنثى.(233)

ابن سيدة :بنا في الشّرف يبنو،و على هذا تؤوّل قول الحطيئة:

*أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا*

قالوا:إنّه جمع بنوة أو بنوة،قال الأصمعيّ:أنشدت أعرابيّا هذا البيت:

*.......أحسنوا البنا*

فقال لي:أي بنا،أحسنوا البنا،أراد بالأوّل:أي بنيّ.

ص: 759

و الابن:الولد،و لامه في الأصل منقلبة عن«واو» عند بعضهم،كأنّه من هذا.

و الأنثى ابنة و بنت،الأخيرة على غير بناء مذكّرها، و لام بنت واو،و التّاء بدل منها.

و النّسب إلى بنت:بنويّ،فأمّا قول يونس:بنتيّ، و أختيّ،فمردود عند سيبويه،و قد أنعم تعليله في غير موضع.

و قوله تعالى: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود:

78،كنّى ببناته عن نسائهم،و نساء أمّة كلّ نبيّ بمنزلة بناته،و أزواجه بمنزلة أمّهاتهم،هذا قول الزّجّاج.

قال سيبويه:و قالوا:ابنم،فزادوا الميم،كما زيدت في فسحم و دلقم،و كأنّها في ابنم أمثل قليلا،لأنّ الاسم محذوف اللاّم،فكأنّها عوض منها،و ليس في فسحم و نحوه حذف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحكاية قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها، أ لا ترى أنّهم قد قالوا:من زيدا،في جواب من قال:

رأيت زيدا؛و من زيد،في جواب من قال:مررت بزيد.

و جمع الابن:أبناء،و قالوا في تصغيره:أبينون، و جمع البنت:بنات.

و بنات اللّيل:الهموم.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبناء فارس:قوم من أولادهم ارتهنوا باليمن، و النّسب إليهم:أبناويّ،و الاسم من كلّ ذلك:البنوّة.

و قال الزّجّاج:تبنّى به،يريد تبنّاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تقول:الرّفق بنيّ الحلم،أي مثله،و قد تقدّم جميع ذلك في الياء.(10:521)

الطّوسيّ: بني:جمع ابن؛و الابن،و الولد،و النّسل، و الذّرّيّة،متقاربة المعاني.إلاّ أنّ الابن يقع على الذّكر، و الولد يقع على الذّكر و الأنثى،و النّسل و الذّرّيّة تقع على جميع ذلك.و أصله من«البناء»،و هو وضع الشّيء على الشّيء.

و الابن مبنيّ على«الأب»تشبيها للبناء على الأصل،لأنّ الأب أصل و الابن فرع.و يقال:تبنّى تبنّيا، و بنى بناء،و ابتنى ابتناء،و باناة مباناة.

و البنوّة:مصدر الابن،و ان كان من البناء،كما قالوا:

الفتوّة:مصدر الفتى.و ثنّوا الفتى:فتيان.

و يقال:فلان ابن فلان،على التّبنّي،و لا يطلق ذلك إلاّ على ما كان من جنسه و شكله،تشبيها بالابن الحقيقيّ.و لهذا لا يقولون:تبنّى زيد حمارا،لما لم يكن من جنسه.و لا تبنّى شابّ شيخا،لما لم يكن ذلك فيه.

و الفرق بين اتّخاذ الابن و بين اتّخاذ الخليل :أنّ اتّخاذ الخليل يكون به خليلا على الحقيقة،لأنّ بالمحبّة و الاطّلاع على الأسرار المهمّة يكون خليلا على الحقيقة،و ليس كذلك الابن،لأنّ البنوّة في الحقيقة إنّما هي الولادة للابن.(1:180)

نحوه الطّبرسيّ.(1:92)

الرّاغب: و ابن أصله:بنو،لقولهم:الجمع أبناء، و في التّصغير:بنيّ،قال تعالى: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ يوسف:5، يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الصّافّات:102، يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ لقمان:13.

و سمّي بذلك لكونه بناء للأب،فإنّ الأب هو الّذي

ص: 760

بناه،و جعله اللّه بنّاء في إيجاده.و يقال لكلّ ما يحصل من جهة شيء أو من تربيته أو بتفقّده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره:هو ابنه،نحو فلان ابن حرب،و ابن السّبيل للمسافر،و ابن اللّيل،و ابن العلم.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان ابن بطنه و ابن فرجه،إذا كان همّه مصروفا إليهما،و ابن يومه إذا لم يتفكّر في غده،قال تعالى:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،و قال تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ يوسف:81.

و جمع ابن:أبناء و بنون،قال عزّ و جلّ: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72،و قال عزّ و جلّ: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ يوسف:

67، يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الأعراف:31، يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ الأعراف:27.

و يقال في مؤنّث ابن:ابنة و بنت،و الجمع:بنات، و قوله تعالى: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود:78، و قوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ هود:79.

فقد قيل:خاطب بذلك أكابر القوم،و عرض عليهم بناته لا أهل قريته كلّهم،فإنّه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجمّ الغفير.

و قيل:بل أشار بالبنات إلى نساء أمّته و سمّاهنّ بنات له،لكون كلّ نبيّ بمنزلة الأب لأمّته،بل لكونه أكبر و أجلّ الأبوين لهم،كما تقدّم في ذكر الأب،و قوله تعالى: وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ النّحل:57،هو قولهم عن اللّه:إنّ الملائكة بنات اللّه تعالى.(62)

الزّمخشريّ: طلع ابن ذكاء:و هو الصّبح،و صادوا بنات الماء:و هي الغرانيق،و كأنّ الثّريّا ابن ماء محلّق، و هو ابن جلا:للرّجل المشهور،و أنا ابن ليلها و ابن ليلتها:لصاحب الأمر الكبير،و إنّه لابن أقوال:

للكلاميّ،و هو ابن أحذار:للحذر.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو ابن أديم و أديمين:للغرب المتّخذ من ذلك، و كأنّه ابن الفلاة و ابن البلد و ابن البليدة:و هو الحرباء، و كأنّه ابن الطّود:و هو الصّدى.[ثمّ استشهد بشعر]

و خذ بابني ملاطيه:و هما عضداه.و الملاطان:

الجنبان،و هذه من بنات فكري،و غلبتني بنات الصّدر:

و هي الهموم،و بنات ليله صوادق:و هي أحلامه، و أصابته بنات الدّهر و بنات المسند:و هي النّوائب، و وقعت بنات السّحابة بأرضهم:و هي البرد.[ثمّ استشهد بشعر]

و كثرت في البئر بنات المعى:و هي البعر،و كأنّ أصابعها بنات النّقا:و هي اليساريع،و نزلت به بنات بئس:و هي الدّواهي،و سمعت منه بنات غير:و هي الأكاذيب.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو يحبّ بنات اللّيل و بنات المثال:أي النّساء -و المثال:الفراش-و فلان يتوسّد أذرع بنات اللّيل:

و هي المنى،و هي من بنات طارق:أي من بنات الملوك، و قد ملك بنات صهّال و بنات شحّاج:أي الخيل و البغال،و هو يصيد بنات الدّوّ و بنات صعدة و بنات أخدر:أي حمر الوحش.

و حيّاني بابن المسرّة:و هو الرّيحان،و أبصرت ابن المزنة:و هو الهلال،و أسهرني ابن طامر:و هو البرغوث،

ص: 761

و ذهبوا في بنيّات الطّريق.(أساس البلاغة:31)

عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما: «بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أغيلمة بني عبد المطّلب من جمع بليل،ثمّ جعل يلطخ أفخاذنا بيده،و يقول:أبينى،لا ترموا جمرة العقبة حتّى تطلع الشّمس»

الأبينى بوزن:الأعيمى،تصغير:الأبنى،بوزن:

الأعمى،و هو اسم جمع للابن.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفائق 3:74)

ابن الأثير: و في حديث أبي حذيفة:«أنّه تبنّى سالما»أي اتّخذه ابنا،و هو«تفعّل»من الابن.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«كنت ألعب بالبنات»أي التّماثيل الّتي تلعب بها الصّبايا.و هذه اللّفظة يجوز أن تكون من باب الباء و النّون و التّاء،لأنّها جمع سلامة لبنت،على ظاهر اللّفظ.(1:158)

القرطبيّ: الواحد«ابن»و الأصل فيه:بني،و قيل:

بنو.

فمن قال:المحذوف منه واو،احتجّ بقولهم:البنوّة.

و هذا لا حجّة فيه،لأنّهم قد قالوا:الفتوّة،و أصله الياء.

و قال الزّجّاج:المحذوف منه عندي ياء،كأنّه من بنيت.

و الأخفش:اختار أن يكون المحذوف منه الواو،لأنّ حذفها أكثر لثقلها،و يقال:ابن بيّن البنوّة.

و التّصغير:بنيّ،قال الفرّاء:يقال:يا بنيّ و يا بنيّ، لغتان،مثل:يا أبت و يا أبت،و قرئ بهما،و هو مشتقّ من البناء،و هو وضع الشّيء على الشّيء.و الابن فرع الأب،و هو موضوع عليه.(1:330)

الفيّوميّ: الابن،أصله:بنو،بفتحتين،لأنّه يجمع على بنين.و هو جمع سلامة،و جمع السّلامة لا تغيير فيه، و جمع القلّة:أبناء.

و قيل:أصله:بنو،بكسر الباء،مثل حمل،بدليل قولهم:بنت.و هذا القول يقلّ فيه التّغيير،و قلّة التّغيير تشهد بالأصالة.و هو ابن بيّن البنوّة.

و يطلق الابن على ابن الابن و إن سفل مجازا،و أمّا غير الأناسيّ ممّا لا يعقل نحو:ابن مخاض،و ابن لبون، فيقال في الجمع:بنات مخاض،و بنات لبون،و ما أشبهه.

قال ابن الأنباريّ: و اعلم أنّ جمع غير النّاس بمنزلة جمع المرأة من النّاس،تقول فيه:منزل و منزلات، و مصلّى و مصلّيات،و في ابن عرس:بنات عرس،و في ابن نعش:بنات نعش،و ربّما قيل في ضرورة الشّعر:بنو نعش.

و فيه لغة محكيّة عن الأخفش أنّه يقال:بنات عرس و بنو عرس،و بنات نعش و بنو نعش.فقول الفقهاء:بنو اللّبون مخرّج إمّا على هذه اللّغة و إمّا للتّمييز بين الذّكور و الإناث،فإنّه لو قيل:بنات لبون لم يعلم هل المراد الإناث أو الذّكور.

و يضاف«ابن»إلى ما يخصّصه لملابسة بينهما،نحو:

ابن السّبيل أي مارّ الطّريق مسافرا،و هو ابن الحرب أي كافيها و قائم بحمايتها،و ابن الدّنيا أي صاحب ثروة، و ابن الماء:لطير الماء.

و مؤنّثة الابن«ابنة»على لفظه،و في لغة«بنت»، و الجمع:بنات،و هو جمع مؤنّث سالم.

قال ابن الأعرابيّ: و سألت الكسائيّ كيف تقف على «بنت»فقال:بالتّاء اتّباعا ل«الكتاب»،و الأصل بالهاء،

ص: 762

لأنّ فيها معنى التّأنيث.

قال في«البارع»:و إذا اختلط ذكور الأناسيّ بأناثهم غلّب التّذكير.و قيل:بنو فلان حتّى قالوا:امرأة من بني تميم،و لم يقولوا:من بنات تميم،بخلاف غير الأناسيّ؛ حيث قالوا:بنات لبون.و على هذا القول لو أوصى لبني فلان،دخل الذّكور و الإناث.

و إذا نسبت إلى ابن و بنت حذفت ألف الوصل و التّاء،و رددت المحذوف،فقلت:بنويّ.و يجوز مراعاة اللّفظ،فيقال:ابنيّ و بنتيّ،و يصغّر بردّ المحذوف،فيقال:

بنيّ،و الأصل:بنيو.(1:62)

الفيروزآباديّ: و الابن:الولد،أصله:بني أو بنو، جمعه:أبناء،و الاسم:البنوّة.

و يا بنيّ بكسر الياء و بفتحها لغتان،كيا أبت و يا أبت.

و الأبناء:قوم من العجم سكنوا اليمن،و النّسبة أبناويّ و بنويّ محرّكة،ردّا له إلى الواحد.

و ألحقوا«ابنا»الهاء فقالوا:ابنة،و أمّا بنت فليس على ابن،و إنّما هي صفة على حدة،ألحقوها الهاء للإلحاق،ثمّ أبدلوا التّاء منها،و النّسبة:بنتيّ و بنويّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث بنت غيلان:و إن جلست تبنّت،أي صارت كالبيت المبنيّ.

و البنات:التّماثيل الصّغار يلعب بها.

و بنيّات الطّريق بالضّمّ:التّرّهات.

و تبنّاه:اتّخذه ابنا.(4:307)

الطّريحيّ: [قال نحو ما تقدّم عن الفيّوميّ و أضاف:]

و يضاف«الابن»إلى ما يخصّصه لملابسة بينهما،نحو ابن السّبيل:لمارّ الطّريق المسافر،و ابن الدّنيا:لصاحب الثّروة،و ابن الماء:لطير الماء،و ابن فاطمة عليها السّلام و ابن الحنفيّة و نحو ذلك.

و هو قاعدة العرب ينسب الإنسان إلى أمّه عند ذكره لأمرين:إمّا لشرفها و علوّ منزلتها،أو لخساستها و دناءتها،و يريدون النّقص في ولدها،كما يقال في معاوية:ابن هند،و في عمرو بن العاص:ابن النّابغة لشهرتها بالزّنى.

و في حديث المواضع:«و اذكر خروج بنات الماء من منخريك»يريد الدّيدان الصّغار،و الإضافة للملابسة.

و بنات الماء أيضا:سمكة ببحر الرّوم شبيهة بالنّساء ذوات شعر سبط،ألوانهنّ تميل إلى السّمرة،ذوات فروج عظام و ثدي و كلام لا يكاد يفهم،و يضحكن و يقهقهن،و ربّما وقعن في أيدي بعض أهل المراكب فينكحوهنّ ثمّ يعيدوهنّ إلى البحر،كذا في حياة الحيوان.

و البنات أيضا:التّماثيل الصّغار،الّتي يلعب بها الجواري.

و إذا نسبت إلى ابن و بنت حذفت ألف الوصل و التّاء،و رددت المحذوف فقلت:بنويّ.(1:65)

الآلوسيّ: بنيّ جمع ابن،شبيه بجمع التّكسير لتغيّر مفرده،و لذا ألحق في فعله التّأنيث،كقالت بنو عامر، و هو مختصّ بالأولاد الذّكور.و إذا أضيف عمّ في العرف الذّكور و الأناث،فيكون بمعنى الأولاد،و هو المراد هنا.

و ذكر السّاليكوتيّ: أنّه حقيقة في الأبناء الصّلبيّة،كما بيّن في الأصول،و استعماله في العامّ مجاز،و هو محذوف

ص: 763

اللاّم.و في كونها ياء أو واوا خلاف،فذهب إلى الأوّل ابن درستويه،و جعله من«البناء»،لأنّ الابن فرع الأب و مبنيّ عليه،و لهذا ينسب المصنوع إلى صانعه،فيقال للقصيدة مثلا:بنت الفكر.و قد أطلق في شريعة من قبلنا على بعض المخلوقين:أبناء اللّه تعالى بهذا المعنى.لكن لمّا تصوّر من هذا الجهلة الأغنياء معنى الولادة حظر ذلك حتّى صار التّفوّه به كفرا.و ذهب إلى الثّاني الأخفش، و أيّده بأنّهم قالوا:البنوّة،و بأنّ حذف الواو أكثر،و قد حذفت في أب و أخ،و به قال الجوهريّ.و لعلّ الأوّل أصحّ،و لا دلالة في«البنوّة»لأنّهم قالوا أيضا:الفتوّة، و لا خلاف في أنّها من ذوات الياء،و أمر الأكثريّة سهل.

و على التّقديرين في وزن«ابن»هل هو فعل أو فعل؟ خلاف.(1:241)

مجمع اللّغة :الابن:الولد الذّكر،جمعه:بنون و أبناء.

و أطلق(ابن مريم)في القرآن غير مسبوق بشيء:

على المسيح عيسى؛إذ لا أب له،كما أنّه يسبق بلفظ المسيح أو بلفظ عيسى،أو بهما معا.

و قد يضاف«ابن»إلى ما يخصّصه لملابسة بينهما، كابن السّبيل بمعنى المسافر،أو المنقطع في السّفر الّذي لا يتّصل بأهل و لا ولد،كأنّ السّبيل أبوه و أمّه.

و بنو إسرائيل،هم المنسوبون إلى يعقوب عليه السّلام فإنّه يعرف بإسرائيل.

و بنو آدم أطلق على الجنس البشريّ،نسبة إلى الأب الأوّل آدم.

و يصغّر ابن على بنيّ،دلالة على المزيد في التّقريب.

و مؤنّث ابن ابنة أو بنت،و الجمع:بنات.(1:127)

العدنانيّ: هما ابنا عمّ أو ابنا خالة،و يقولون:رامز و غالب هما ابنا عمّة،و محمّد و حسام هما ابنا خال.

و هذا خطأ،لأنّ رامزا إذا كان ابن عمّة غالب،كان غالب ابن خال رامز،لا ابن عمّته.

و إذا كان محمّد ابن خال حسام،كان حسام ابن عمّة محمّد،لا ابن خالة.

أمّا إذا قلنا:هما ابنا عمّ،أو ابنا خالة،فهذا جائز.

(80)

محمود شيت: الابن:الولد الذّكر،و الحرب:

الشّجاع،جمعه:أبناء و بنون.(1:98)

المصطفويّ: و لا يخفى أنّ مادّة«بنو»لم يشتقّ منها فعل أو صفة.و قد رأيت أنّ«مقاييس اللّغة»صرّح بأنّ «بنو»كلمة واحدة.هذا إذا قلنا:بأنّ ابنا أصله:بنو.و أمّا إذا قلنا:بأنّ أصله:بني،فتنتفي تلك الكلمة الواحدة أيضا.

و الّذي يظهر لنا هو رجوع هذه الكلمة إلى مادّة «بني»يائيّا،و أنّ الكسرة في«ابن و بنت»تدلّ على الياء المحذوفة.و لا دليل لنا على أصالة الواو إلاّ في كلمة «بنويّ»منسوبا،مع إمكان النّقل من الياء،كما هو المضبوط في باب النّسب،فيقال:علويّ.و ظواهر سائر صيغه توافق الياء.

و أيضا ليس ببعيد أن يكون هذا الإطلاق بمناسبة مفهوم البناء،و أنّ الابن مصنوع لأبيه في الظّاهر،كما مرّ عن«المفردات»أيضا.

و يؤيّد هذا المعنى كون«الأب»بمعنى التّربية و الغذو،

ص: 764

كما مرّ،و هذا يناسب بأن يكون«الابن»بمعنى المصنوع و المبنيّ و من البناء.

فعلم من هذا أنّ إطلاق:ابن العلم،ابن الدّنيا،ابن الحرب،و امثالها،على الحقيقة،و المعنى:من ربّاه و صنعه العلم،و من صنعه و بناه الدّنيا،و من هو مصنوع تحت تربية الحرب و بنائها و هكذا أمثالها.[ثمّ ذكر آيات و أضاف:]

و في القاموس العربيّ [بن]ابن،نجل،ولد، طفل،مواطن،ساكن،عضو. [باناه]بنى، شيّد،أنشأ،أسّس كوّن.

فهذا المعنى حقيقته مفهوم لفظ«الابن»و إن كان معناه الخاصّ هو الولد.و هذا هو مراد أكثر اليهود و النّصارى من قولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30، و اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،فحملوا هذه الكلمة و كذلك كلمة«الأب»في العهدين،على مفهومهما الخاصّ،و ضلّوا عن الحقيقة،و أضلّوا كثيرا.

و يمكن أن يقال:إنّ المراد في عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ:

اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ هو الولد الحقيقيّ الخاصّ،باعتبار ما يعتقده اليهود و النّصارى من أنّ(عزيرا و المسيح) مولودان من اللّه.

ثمّ إنّ همزة«ابن»للوصل،و تسقط إذا سهل التّلفّظ،كما في بنون و بنين و بنيّ و بنت و بنات.

(1:324)

النّصوص التّفسيريّة

ابن السّبيل

1- ..وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ... البقرة:177

ابن عبّاس: الضّيف.(الطّبرسيّ 1:263)

مثله قتادة و سعيد بن جبير و الضّحّاك و مقاتل و الفرّاء و ابن قتيبة و الزّجّاج.(أبو حيّان 2:6)

مجاهد :المسافر يمرّ عليك من بلد إلى بلد.

مثله قتادة،و الرّبيع.(أبو حيّان 2:6)

الإمام الباقر عليه السّلام: المنقطع به.(الطّبرسيّ 1:263)

مثله الطّباطبائيّ.(1:428)

الدّينوريّ: سمّي ابن السّبيل لأنّ السّبيل تبرزه، شبّه إبرازها له بالولادة،فأطلقت عليه«البنوّة»مجازا، أو المنقطع في بلد دون بلده،و بين البلد الّذي انقطع فيه و بين بلده مسافة بعيدة.

مثله أحمد و أبو سليمان الدّمشقي و القاضي أبو يعلي.

(أبو حيّان 2:6)

الطّبريّ: و أمّا(ابن السّبيل)فإنّه المجتاز بالرّجل.ثمّ اختلف أهل العلم في صفته،فقال بعضهم:هو الضّيف من ذلك.

و قال بعضهم:هو المسافر يمرّ عليك.

و إنّما قيل للمسافر:ابن السّبيل،لملازمته الطّريق، و الطّريق هو السّبيل،فقيل لملازمته إيّاه في سفره:ابنه، كما يقال لطير الماء:ابن الماء،لملازمته إيّاه،و للرّجل

ص: 765

الّذي أتت عليه الدّهور:ابن الأيّام و اللّيالي و الأزمنة.

[ثمّ استشهد بشعر](2:97)

نحوه الطّوسيّ(2:96)،و البروسويّ(1:282)

الماورديّ: هم فقراء المسافرين.(1:227)

الزّمخشريّ: المسافر المنقطع.و جعل ابنا للسّبيل لملازمته له،كما يقال للّصّ:القاطع،و ابن الطّريق.

و قيل:هو الضّيف،لأنّ السّبيل يرعف به.

(1:331)

نحوه البيضاويّ(1:97)،و النّسفيّ(1:90)،و شبّر (1:179)،و أبو السّعود(1:235)

الفخر الرّازيّ: فأمّا(ابن السّبيل)فقد يكون غنيّا، و قد تشتدّ حاجته في الوقت،و السّائل قد يكون غنيّا و يظهر شدّة الحاجة.و أخّر المكاتب،لأنّ إزالة الرّقّ ليست في محلّ الحاجة الشّديدة.

و أمّا(ابن السّبيل)فروي عن مجاهد:أنّه المسافر، و عن قتادة:أنّه الضّيف،لأنّه إنّما وصل إليك من السّبيل.

و الأوّل أشبه،لأنّ السّبيل اسم للطّريق،و جعل المسافر ابنا له للزومه إيّاه،كما يقال لطير الماء:ابن الماء، و يقال للرّجل الّذي أتت عليه السّنون:ابن الأيّام، و للشّجعان:بنو الحرب،و للنّاس:بنو الزّمان.[ثمّ استشهد بشعر](5:45)

نحوه النّيسابوريّ.(2:80)

الآلوسيّ: أي المسافر،كما قاله مجاهد،و سمّي بذلك[ابن السّبيل]لملازمته الطّريق في السّفر،أو لأنّ الطّريق تبرزه فكأنّها ولدته،و كأنّ إفراده لانفراده عن أحبابه و وطنه و أصحابه،فهو أبدا يتوق إلى الجمع و يشتاق إلى الرّبع،و الكريم يحنّ إلى وطنه حنين الشّارف إلى عطنه.

أو لأنّه لمّا لم يكن بين أبناء السّبيل و المعطي تعارف غالبا-يهون أمر الإعطاء و يرغب فيه-أفردهم ليهون أمر إعطائهم،و ليشير إلى أنّهم و إن كانوا جمعا ينبغي أن يعتبروا كنفس واحدة،فلا يضجر عن إعطائهم لعدم معرفتهم و بعد منفعتهم،فليفهم.(2:46)

القاسميّ: هو المسافر المجتاز الّذي قد فرغت نفقته،فيعطى ما يوصله إلى بلده،لعجزه بالغربة،و كذا الّذي يريد سفرا في طاعة،فيعطى ما يكفيه في ذهابه و إيابه.و يدخل في ذلك الضّيف،كما قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس أنّه قال:ابن السّبيل هو الضّيف الّذي ينزل بالمسلمين.(3:390)

رشيد رضا :المنقطع في السّفر،لا يتّصل بأهل و لا قرابة،حتّى كأنّ السّبيل أبوه و أمّه و رحمه و أهله.

و هذا التّعبير بمكان من اللّطف لا يرتقي إليه سواه،و في الأمر بمواساته و إعانته في سفره ترغيب من الشّرع في السّياحة،و الضّرب في الأرض.(2:116)

المراغيّ: (و ابن السّبيل)هو المسافر البعيد عن ماله،و لا يمكنه الاتّصال بأهل أو بذي قرابة.(2:53)

2- ..وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً.

النّساء:36

ابن عبّاس: الضّيف.(الطّبرسيّ 2:46)

ص: 766

نحوه مجاهد و قتادة و الضّحّاك.(الطّبريّ 5:83)

مجاهد :هو الّذي يمرّ عليك،و هو مسافر.

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 5:83)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:(ابن السّبيل)هو المسافر الّذي يجتاز مارّا.

و قال آخرون:هو الضّيف.

و الصّواب من القول في ذلك أنّ(ابن السّبيل)هو صاحب الطّريق.و السّبيل هو الطّريق،و ابنه:صاحبه الضّارب فيه،فله الحقّ على من مرّ به محتاجا منقطعا به، إذا كان سفره في غير معصية اللّه أن يعينه،إن احتاج إلى معونة،و يضيفه إن احتاج إلى ضيافة،و أن يحمله إن احتاج إلى حملان.(5:83)

الطّوسيّ: (و ابن السّبيل)معناه صاحب الطّريق، و قيل في المراد به هاهنا قولان:

أحدهما:قال مجاهد،و الرّبيع:إنّه المسافر.

الثّاني:قال قتادة و الضّحّاك:إنّه الضّيف.

و قال أصحابنا:يدخل فيه الفريقان.(3:195)

نحوه ابن كثير.(2:238)

الزّمخشريّ: المسافر المنقطع به،و قيل:الضّيف.

(1:526)

نحوه الفخر الرّازيّ.(10:97)

ابن عطيّة: قال المفسّرون طرّا:(ابن السّبيل)هو المسافر على ظهر طريقه.و سمّي ابنه للزومه له،كما قيل:

ابن ماء للطّائر الملازم للماء.و منه قول النّبيّ عليه السّلام:

«لا يدخل الجنّة ابن زنى»أي ملازمه الّذي يستحقّ بالمثابرة عليه أن ينسب إليه.

و ذكر الطّبريّ أنّ مجاهدا فسّره بأنّه المارّ عليك في سفره،و أنّ قتادة و غيره فسّره بأنّه الضّيف،و هذا كلّه قول واحد.(2:51)

البروسويّ: هو المسافر الّذي سافر عن بلده و ماله،و الإحسان بأن تؤويه و تزوّده،أو هو الضّيف الّذي ينزل عليك.(2:206)

القاسميّ: أي المسافر الغريب الّذي انقطع عن بلده و أهله،و هو يريد الرّجوع إلى بلده،و لا يجد ما يتبلّغ به.نسب إلى(السّبيل)الّذي هو الطّريق،لمروره عليه و ملابسته له،أو الّذي يريد البلد غير بلده،لأمر يلزمه.

(5:1231)

المراغيّ: هو السّائح الرّحّالة في غرض صحيح غير محرّم،و الأمر بالإحسان إليه يتضمّن التّرغيب في السّياحة و الإعانة عليها.و يشمل اللّقيط أيضا،و هو أجدر بالعناية من اليتيم،و أحقّ بالإحسان إليه.

و قد عنى الأروبيّون بجمع اللّقطاء و تربيتهم و تعليمهم،و لو لا ذلك لاستطار شرّهم و عمّ ضرّهم.

و قد كنّا أحقّ بهذا الإحسان منهم،لأنّ اللّه قد جعل في أموالنا حقّا معلوما للسّائل و المحروم.(5:36)

الطّباطبائيّ: هو الّذي لا يعرف من حاله إلاّ أنّه سالك سبيل،كأنّه ليس له من ينتسب إليه إلاّ السّبيل، فهو ابنه.و أمّا كونه فقيرا ذا مسكنة عادما لزاد أو راحلة، فكأنّه خارج من مفهوم اللّفظ.(4:354)

3- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ

ص: 767

اَلسَّبِيلِ... الأنفال:41

ابن عبّاس: هو الضّيف الفقير الّذي ينزل بالمسلمين.(الطّبريّ 10:8)

الطّبريّ: المجتاز سفرا قد انقطع به.(10:8)

البغويّ: هو المسافر البعيد عن ماله.(2:294)

مثله البروسويّ.(3:347)

الطّوسيّ: و أمّا(ابن السّبيل)فهو المنقطع به في سفره و إنّما قيل:(ابن السّبيل)بمعنى أخرجه إلى هذا المستقرّ،كما يخرجه أبوه من مستقرّه بقي (1)محتاجا.

(5:145)

نحوه الطّبرسيّ.(3:542)

ابن عطيّة: الرّجل المجتاز الّذي قد احتاج في سفر، و سواء كان غنيّا في بلده أو فقيرا،فإنّه ابن السّبيل.

يسمّى بذلك إمّا لأنّ السّبيل تبرزه فكأنّها تلده، و إمّا لملازمة السّبيل،كما قالوا:ابن ماء،و أخو سفر.

و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يدخل الجنّة ابن زنى».(2:531)

نحوه ابن كثير.(3:324)

الشّربينيّ: هو المسافر المحتاج،و لا معصية بسفره.

(1:571)

4- إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ... التّوبة:60

ابن عبّاس: هو عابر السّبيل.(أبو حيّان 5:60)

مجاهد :هو المسافر المنقطع به،فإنّه يعطى من الزّكاة و إن كان غنيّا في بلده،من غير أن يكون دينا عليه.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 5:284)

الضّحّاك: في الغنيّ إذا سافر فاحتاج في سفره، يأخذ من الزّكاة.(الطّبريّ 10:166)

الإمام الباقر عليه السّلام: (ابن السّبيل):المجتاز من أرض إلى أرض.(الطّبريّ 10:165)

قتادة :الضّيف،جعل له فيها حقّ.

(الطّبريّ 10:166)

ابن وهب: المسافر من كان غنيّا أو فقيرا إذا أصيبت نفقته،أو فقدت أو أصابها شيء،أو لم يكن معه شيء،فحقّه واجب.(الطّبريّ 10:166)

الطّبريّ: و أمّا قوله: وَ ابْنِ السَّبِيلِ فالمسافر الّذى يجتاز من بلد إلى بلد.و السّبيل:الطّريق،و قيل للضّارب فيه:ابن السّبيل للزومه إيّاه.[ثمّ استشهد بشعر](الطّبريّ 10:165)

نحوه الطّبرسيّ(3:42)،و الخازن.(3:92)

الزّجّاج: ابن الطّريق،و تأويله:الّذي قطع عليه الطّريق.(2:456)

البغويّ: و الصّنف الثّامن هم«أبناء السّبيل»فكلّ من يريد سفرا مباحا و لم يكن له ما يقطع به المسافة، يعطى من الصّدقة بقدر ما يقطع به تلك المسافة،سواء كان له مال في البلد المنتقل إليه،أو لم يكن.

و قال فقهاء العراق: (ابن السّبيل)الحاجّ المنقطع.

(2:362)

الزّمخشريّ: المسافر المنقطع عن ماله،فهو فقيري.

ص: 768


1- و في الأصل:لقي.

حيث هو غنيّ حيث ماله.[إلى أن قال:]

فإن قلت:لم عدل عن اللاّم إلى(في)في الأربعة الأخيرة؟

قلت:للإيذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التّصدّق عليهم ممّن سبق ذكره،لأنّ(في)للوعاء،فنبّه على أنّهم أحقّاء بأن توضع فيهم الصّدقات،و يجعلوا مظنّة لها و مصبّا.

و ذلك لما فى فكّ الرّقاب من الكتابة أو الرّقّ أو الأسر،و في فكّ الغارمين من الغرم من التّخليص و الإنقاذ،و لجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحجّ بين الفقر و العبادة،و كذلك(ابن السّبيل)جامع بين الفقر و الغربة عن الأهل و المال.

و تكرير(في)في قوله:(و فى سبيل اللّه و ابن السّبيل) فيه فضل ترجيح لهذين على الرّقاب و الغارمين.

(2:197)

نحوه النّسفيّ(2:132)،و أبو السّعود(3:162).

ابن عطيّة: فهو الرّجل في السّفر و الغربة يعدم، فإنّه يعطى من الزّكاة و إن كان غنيّا في بلده.(3:50)

القرطبيّ: و المراد:الّذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده،و مستقرّه و ماله،فإنّه يعطى منها و إن كان غنيّا في بلده،و لا يلزمه أن يشغل ذمّته بالسّلف.

و قال مالك في كتاب ابن سحنون:إذا وجد من يسلفه فلا يعطى.و الأوّل أصحّ،فإنّه لا يلزمه أن يدخل تحت منّة أحد،و قد وجد منّة اللّه تعالى.

فإن كان له ما يغنيه،ففي جواز الأخذ له لكونه ابن السّبيل روايتان؛المشهور أنّه لا يعطى،فإن أخذ فلا يلزمه ردّه إذا صار إلى بلده،و لا إخراجه.(8:187)

البيضاويّ: المسافر المنقطع عن ماله.(1:420)

مثله الآلوسيّ.(10:124)

الشّربينيّ: أي الطّريق،و هو من ينشئ سفرا مباحا من محلّ الزّكاة فيعطى و لو كان كسوبا أو كان مسافرا لنزهة،و يعطى أيضا المسافر الغريب المجتاز بمحلّ الزّكاة.و إنّما يعطيان إن لم يجدا معهما شيئا يكفيهما لسفرهما.(1:624)

البروسويّ: أي المسافر الكثير السّير،المنقطع عن ماله،سمّي به لملازمة الطّريق.فكلّ من يريد سفرا مباحا و لم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصّدقة قدر ما يقطع به تلك المسافة،سواء كان له في البلد المنتقل إليه مال أو لم يكن،و هو متناول للمقيم الّذي له مال في غير وطنه،فينبغي أن يكون بمنزلة ابن السّبيل،و للدّائن الّذي مديونه مقرّ لكنّه معسر فهو كابن السّبيل،كما في «المحيط».(3:454)

القاسميّ: ثمّ ذكر تعالى الإعانة لأبناء الطّريق، بقوله:(و ابن السّبيل)فيعطى المجتاز في بلد ما،يستعين به على بلوغه لبلده.(8:3182)

المراغيّ: هو المنقطع عن بلده في سفر،لا يتيسّر له فيه شيء من ماله إن كان له مال،فهو غنيّ في بلده فقير في سفره،فيعطى لفقره العارض ما يستعين به على العودة إلى بلده.

و في ذلك عناية بالسّياحة و تشجيع عليها،على شرط أن يكون سفره في غير معصية،و يكون هذا من أسباب التّعاون على البرّ و التّقوى و عدم التّعاون على

ص: 769

الإثم و العدوان.و سهولة طرق الوصول في العصر الحاضر و نقل الأخبار في الزّمن القليل،جعلت نقل المال من بلد إلى آخر ميسورا بلا كلفة،فيسهل على الغنيّ أن يجلب ماله في أيّ وقت أراد،و إلى أيّ مكان طلب.

(10:145)

الطّباطبائيّ: أي و للصّرف في(ابن السّبيل)و هو المنقطع عن وطنه،الفاقد لما يعيش به و إن كان غنيّا ذا يسار في بلده،فيرفع حاجته بسهم من الزّكاة.

و قد اختلف سياق العدّ فيما ذكر في الآية من الأصناف الثّمانية،فذكرت الأربعة الأول باللاّم:

لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ثمّ غيّر السّياق في الأربعة الباقية،فقيل: وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فإنّ ظاهر السّياق الخاصّ بهذه الأربعة أنّ التّقدير:و في الرّقاب و في الغارمين و في سبيل اللّه و في ابن السّبيل.

أمّا الأربعة الأول: لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فاللاّم فيها للملك،بمعنى الاختصاص في التّصرّف،فإنّ الآية بحسب السّياق كالجواب عن المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصّدقات و هم غير مستحقّين لها،و كانوا يلمزون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حرمانهم منها؛فأجيبوا بالآية:أنّ للصّدقات مواضع خاصّة تصرف فيها و لا تتعدّاها،و الآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص.

و أمّا كون ملكهم للصّدقات هو الملك بمعناه المعروف فقها؟و كذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافا بعناوينهم الصّنفيّة لا ذوات شخصيّة؟و نسبة سهم كلّ صنف إلى بقيّة السّهام؟فإنّما هي مسائل فقهيّة خارجة عن غرضنا،و قد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافا شديدا،فليرجع إلى الفقه.

و أمّا الأربعة الباقية: وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فقد قيل في تغيير السّياق فيها و في تأخيرها عن الأربعة الأول وجوه:

منها:أنّ التّرتيب لبيان الأحقّ فالأحقّ من الأصناف،فأحقّ الأصناف بها الفقراء ثمّ المساكين و هكذا على التّرتيب،و لكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقيّة واقعة في المراتب الأربع الأخيرة،وضع كلّ في موضعه الخاصّ.و لو لا هذا التّرتيب لكان الأنسب أن يذكر الأصناف ثمّ تذكر موارد المصالح، فيقال:(للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم و الغارمين و ابن السّبيل)ثمّ يقال:(و فى الرّقاب و سبيل اللّه).

و الحقّ أنّ دلالة التّرتيب بما فيه من التّقديم و التّأخير على أهميّة الملاك و قوّة المصلحة في أجزاء التّرتيب،لا ريب فيه.فإن كان مراده بالأحقّ فالأحقّ:

الأهمّ ملاكا فالأهمّ فهو،و لو كان المراد:التّقدّم و التّأخّر من حيث الإعطاء و الصّرف و ما يشبه ذلك،فلا دلالة من جهة اللّفظ عليه البتّة،كما لا يخفى.و الّذي أيّده به من الوجه،لا جدوى فيه.

و منها:[ثمّ ذكر ما جاء عند الزّمخشريّ في «الكشّاف»و أضاف:]

و فيه:أنّه معارض بكون الأربعة الأول مدخولة للام الملك،فإنّ المملوك أشدّ لزوما و اتّصالا بالنّسبة إلى

ص: 770

مالكه من المظروف بالنّسبة إلى ظرفه،و هو ظاهر.

و منها:أنّ الأصناف الأربعة الأوائل ملاّك لما عساه يدفع إليهم،و إنّما يأخذونه ملكا،فكان دخول اللاّم لائقا بهم.و أمّا الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل و لا يصرف إليهم،و لكن في مصالح تتعلّق بهم.

فالمال الّذي يصرف في(الرّقاب)إنّما يتناوله السّادة المكاتبون و البائعون،فليس نصيبهم مصروفا إلى أيديهم حتّى يعبّر عن ذلك باللاّم المشعرة بتملّكهم لما يصرف نحوهم،و إنّما هم محالّ لهذا الصّرف و المصلحة المتعلّقة به.و كذلك(الغارمون)إنّما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصا لذممهم،لا لهم،و إنّما أفرد بالذّكر تنبيها على خصوصيّته،مع أنّه مجرّد من الحرفين جميعا.

و عطفه على المجرور باللاّم ممكن،و لكنّه على القريب منه أقرب.

و هذا الوجه لا يخلو عن وجه،غير أنّ إجراءه في (ابن السّبيل)لا يخلو عن تكلّف،و ما ذكر من دخوله(في سبيل اللّه)هو وجه مشترك بينه و بين غيره.

و لو قال قائل بكون(الغارمين)(و ابن السّبيل) معطوفين على المجرور باللاّم،ثمّ ذكر الوجه الأوّل بالمعنى الّذي ذكرناه وجها للتّرتيب،و الوجه الأخير وجها لاختصاص(الرّقاب)و(سبيل اللّه)بدخول(في)لم يكن بعيدا عن الصّواب.

و قوله في ذيل الآية: فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إشارة إلى كون الزّكاة فريضة واجبة مشرّعة على العلم و الحكمة،لا تقبل تغيير المغيّر،و لا يبعد أن يتعلّق الفرض بتقسّمها إلى الأصناف الثّمانية،كما ربّما يؤيّده السّياق.فإنّ الغرض في الآية إنّما تعلّق ببيان مصارف الصّدقات لا بفرض أصلها،فالأنسب أن يكون قوله: فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إشارة إلى أنّ تقسّمها إلى الأصناف الثّمانية أمر مفروض من اللّه،لا يتعدّى عنه، على خلاف ما كان يطمع فيه المنافقون في لمزهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(9:311)

5- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. الإسراء:26

الطّبريّ: يعني المسافر المنقطع به.يقول تعالى:

و صل قرابتك فأعطه حقّه من صلتك إيّاه،و المسكين ذا الحاجة،و المجتاز بك المنقطع به،فأعنه و قوّه على قطع سفره.

و قد قيل:إنّما عنى بالأمر بإتيان ابن السّبيل حقّه:أن يضاف ثلاثة أيّام.

و القول الأوّل عندي أولى بالصّواب،لأنّ اللّه تعالى لم يخصّص من حقوقه شيئا دون شيء في كتابه،و لا على لسان رسوله،فذلك عامّ في كلّ حقّ له أن يعطاه من ضيافة أو حمولة،أو معونة على سفره.(15:72)

الطّبرسيّ: معناه و آت المسكين حقّه الّذي جعله اللّه له من الزّكاة و غيرها،و آت المجتاز المنقطع عن بلاده حقّه أيضا.(3:410)

البروسويّ: أي الملازم لها،هو من له مال لا معه، و هو المسافر المنقطع عن ماله.(5:150)

ص: 771

ابن مريم

إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ... آل عمران:45

الطّبريّ: فإنّه جلّ ثناؤه أنبأ عباده عن نسبة عيسى،و أنّه ابن أمّه مريم.و نفى بذلك عنه ما أضاف إليه الملحدون في اللّه جلّ ثناؤه من النّصارى،من إضافتهم بنوّته إلى اللّه عزّ و جلّ،و ما قذفت أمّه به،المفترية عليها من اليهود.(3:270)

نحوه الطّبرسيّ.(1:443)

الفخر الرّازيّ: لم قال:عيسى بن مريم،و الخطاب مع مريم؟

الجواب:لأنّ الأنبياء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمّهات،فلمّا نسبه اللّه تعالى إلى الأمّ دون الأب،كان ذلك إعلاما لها،بأنّه محدث بغير الأب،فكان ذلك سببا لزيادة فضله،و علوّ درجته.(8:53)

نحوه البيضاويّ(1:161)،و أبو السّعود(1:

369)،و البروسويّ(2:35).

النّسفيّ: (عيسى)بدل من المسيح.(ابن مريم) خبر مبتدإ محذوف،أي هو ابن مريم.و لا يجوز أن يكون صفة ل(عيسى)لأنّ اسمه عيسى فحسب،و ليس اسمه (عيسى بن مريم)و إنّما قال:(ابن مريم)إعلاما لها أنّه يولد من غير أب،فلا ينسب إلاّ إلى أمّه.(1:158)

الآلوسيّ: صفة ل(عيسى)،و على تقدير كونه منصوبا يلتزم القول بالقطع على أنّه خبر لمبتدإ محذوف.

و من جعل هذه الثّلاثة إخبارا عن المبتدإ،أورد عليه بأنّ الاسم في الحقيقة(عيسى)و(المسيح)لقب،و(ابن) صفة،فكيف جعلت الثّلاثة خبرا عنه؟

و أجيب بأنّ المراد بالاسم:معناه المصطلح،و هو العلم مطلقا،و ليس هو بمعنى مقابل اللّقب بل ما يعمّه و غيره،و أنّ إضافة اسم الجنس قد يقصد بها الاستغراق،و أنّ إطلاقه على(ابن مريم)على طريق التّغليب.(3:160)

الطّباطبائيّ: و تقييد(عيسى)بابن مريم،مع كون الخطاب في الآية لمريم،للتّنبيه على أنّه مخلوق من غير أب،و يكون معروفا بهذا النّعت،و أنّ مريم شريكته في هذه الآية،كما قال تعالى: وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91.(3:195)

ابن اللّه

وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ. التّوبة:30

راجع«عزير و عيسى».

ابنه

1- وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ... هود:42

الإمام الباقر عليه السّلام: أنّه كان ابن امرأته.

مثله الحسن.(الفخر الرّازيّ 17:231)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ليس بابنه،إنّما هو ابنه من زوجته،على لغة طيّ،يقولون لابن المرأة:ابنه.

ص: 772

(القمّيّ 1:328)

الطّبريّ: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ يام.(12:45)

الزّمخشريّ: قيل:كان اسم ابنه كنعان،و قيل:يام.

و قرأ عليّ رضي اللّه عنه (ابنها) و الضّمير لامرأته.

و قرأ محمّد بن عليّ و عروة بن الزّبير(ابنه)بفتح الهاء، يريدان:ابنها،فاكتفيا بالفتحة عن الألف،و به ينصر مذهب الحسن.

قال قتادة: سألته،فقال:و اللّه ما كان ابنه.

فقلت:إنّ اللّه حكى عنه إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي و أنت تقول:لم يكن ابنه،و أهل الكتاب لا يختلفون في أنّه كان ابنه.

فقال:و من يأخذ دينه من أهل الكتاب،و استدلّ بقوله(من اهلى)و لم يقل:منّي.

و لنسبته إلى أمّه وجهان:أحدهما أن يكون ربيبا له كعمر ابن أبي سلمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و أن يكون لغير رشدة،و هذه غضاضة عصمت منها الأنبياء عليهم السّلام.

و قرأ السّدّيّ: (و نادى نوح ابناه) على النّدبة و التّرثيّ،أي قال:يا ابناه.(2:270)

ابن عطيّة: و قرأت فرقة(ابنه)على إضافة الابن إلى نوح،و هذا قول من يقول:هو ابنه لصلبه.

و قد قال قوم:إنّه ابن قريب له،و دعاه بالنّبوّة حنانا منه و تلطّفا.

و قرأ ابن عبّاس(ابنه)بسكون الهاء،و هذا على لغة لأزد السّراة.[ثمّ ذكر اختلاف القراءة كما تقدّم و قال:]

و قرأ وكيع بن الجرّاح: (و نادى نوح ابنه) بضمّ التّنوين.قال أبو حاتم:و هي لغة سوء لا تعرف.

(3:173)

نحوه البيضاويّ(1:469)،و النّسفيّ(2:188)

الطّبرسيّ: [و بعد ذكر اختلاف القراءات في(ابنه) قال:]

و أمّا من قرأ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ فإنّه أراد«ابنها» كما روي عن عكرمة،و المعنى ابن امرأته،لأنّه قد جرى ذكرها في قوله سبحانه:(و اهلك)فحذف الألف تخفيفا، كما قلناه في«بني»بالفتح و«و يا أبت».

و أمّا قراءة السّدّيّ(ابناه)فإنّه يريد به النّدبة،و هو على الحكاية،أي قال له:يا ابناه،و وا ابناه.

فأمّا(ابنه)بالسّكون،فعلى ما جاء في نحو قوله:

*و مطواي مشتاقان له ارقان*(3:160)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّه كان ابنا له،و فيه أقوال:

القول الأوّل:أنّه ابنه في الحقيقة،و الدّليل عليه:أنّه تعالى نصّ عليه،فقال: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ و نوح أيضا نصّ عليه،فقال:(يا بنىّ)،و صرف هذا اللّفظ إلى أنّه ربّاه،فأطلق عليه اسم الابن لهذا السّبب،صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه من غير ضرورة،و أنّه لا يجوز.

و الّذين خالفوا هذا الظّاهر إنّما خالفوه،لأنّهم استبعدوا أن يكون ولد الرّسول المعصوم كافرا.و هذا بعيد،فإنّه ثبت أنّ والد رسولنا صلّى اللّه عليه و سلّم كان كافرا،و والد إبراهيم عليه السّلام كان كافرا بنصّ القرآن،فكذلك هاهنا.

القول الثّاني:أنّه كان ابن امرأته،و هو قول محمّد بن عليّ الباقر و قول الحسن البصريّ.[ثمّ قال نحو ما تقدّم

ص: 773

عن الزّمخشريّ]

القول الثّالث:أنّه ولد على فراشه لغير رشدة.

و القائلون بهذا القول احتجّوا بقوله تعالى في امرأة نوح و امرأة لوط:(فخانتاهما).

و هذا قول خبيث يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة،لا سيّما و هو على خلاف نصّ القرآن.[إلى أن قال:]

و بالجملة فقد دلّلنا على أنّ الحقّ هو مقول الأوّل.

(17:231)

نحوه النّيسابوريّ.(12:28)

القرطبيّ: قيل:كان كافرا،و اسمه كنعان،و قيل:

يام.و يجوز على قول سيبويه:(و نادى نوح ابنه)بحذف الواو من(ابنه)في اللّفظ.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا (و نادى نوح ابنه و كان) فقراءة شاذّة و هي مرويّة عن عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه،و عروة بن الزّبير.و زعم أبو حاتم أنّها تجوز على أنّه يريد«ابنها» فحذف الألف،كما تقول:(ابنه)فتحذف الواو.

و قال النّحّاس: و هذا الّذي قاله أبو حاتم لا يجوز على مذهب سيبويه،لأنّ الألف (1)خفيفة فلا يجوز حذفها،و الواو ثقيلة يجوز حذفها.(9:38)

أبو حيّان: الواو لا للتّرتيب (2)،و هذا النّداء كان قبل جري السّفينة في قوله: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ هود:42،و في إضافته إليه هنا،و في قوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي و ندائه،دليل على أنّه ابنه لصلبه،و هو قول ابن مسعود و ابن عبّاس و عكرمة و الضّحّاك و ابن جبير و ميمون بن مهران،و الجمهور.

و اسمه كنعان،و قيل:يام،و قيل:كان ابن قريب له، و دعاه بالبنوّة حنانا منه و تلطّفا.

و قرأ السّدّيّ: (ابناه)بألف و هاء السّكت.قال أبو الفتح:ذلك على النّداء،و ذهبت فرقة إلى أنّه على النّدبة و الرّثاء.و قرأ عليّ و عروة و عليّ بن الحسين و ابنه أبو جعفر و ابنه جعفر(ابنه)بفتح الهاء من غير ألف،أي «ابنها»مضافا لضمير امرأته،فاكتفى بالفتحة عن الألف.

[و بعد نقل قول ابن عطيّة قال:]

و هذا أعني مثل تلهّف بحذف الألف عند أصحابنا ضرورة،و لذلك لا يجيزون يا غلام بحذف الألف و الاجتزاء بالفتحة عنها كما اجتزءوا بالكسرة في يا غلام عن الياء،و أجاز ذلك الأخفش.و قرأ أيضا عليّ و عروة (ابنها)بفتح الهاء و ألف،أي ابن امرأته،و كونه ليس ابنه لصلبه و إنّما كان ابن امرأته قول عليّ و الحسن و ابن سيرين و عبيد بن عمير.و كان الحسن يحلف أنّه ليس ابنه لصلبه.قال قتادة:فقلت له:إنّ اللّه حكى عنه إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي و انت تقول لم يكن ابنه،و أهل الكتاب لا يختلفون في أنّه كان ابنه؟فقال:و من يأخذ دينه من أهل الكتاب؟و استدلّ بقوله:(من اهلى)و لم يقل:منّي فعلى هذا يكون ربيبا.و كان عكرمة و الضّحّاك يحلفان على أنّه ابنه،و لا يتوهّم أنّه كان لغير رشدة لأنّ ذلك غضاضة عصمت منه الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام.

و روي ذلك عن الحسن و ابن جريج،و لعلّه لا يصحّ عنهما و قال ابن عبّاس:ما بغت امرأة نبيّ قطّ.!!

ص: 774


1- أي الألف و الواو في آخر ابنه.
2- و في الأصل:لا ترتّب!!

و الّذي يدلّ عليه ظاهر الآية أنّه ابنه.و أمّا قراءة من قرأ(ابنة)أو(ابنها)فشاذّة،و يمكن أن نسب إلى أمّه و أضيف إليها،و لم يضف إلى أبيه،لأنّه كان كافرا مثلها، يلحظ فيه هذا المعنى،و لم يضف إليه استبعادا له و رعيا أن لا يضاف إليه كافر.

و إنّما ناداه ظنّا منه أنّه مؤمن،و لو لا ذلك ما أحبّ نجاته،أو ظنّا منه أنّه يؤمن إن كان كافرا لما شاهد من الأهوال العظيمة،و أنّه يقبل الإيمان،و يكون قوله:

(اركب معنا)كالدّلالة على أنّه طلب منه الإيمان،و تأكّد بقوله: وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ أي اركب مع المؤمنين؛ إذ لا يركب معهم إلاّ مؤمن،لقوله: وَ مَنْ آمَنَ هود:

40.(5:226)

أبو السّعود: [قال نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قرئ(ابناه)على النّدبة،و لكونها حكاية،سوّغ حذف حرفها،و أنت خبير بأنّه لا يلائمه،الاستدعاء إلى السّفينة،فإنّه صريح في أنّه لم يقع في حياته يأس بعد.

(3:315)

الطّريحيّ: هو على ما في الرّواية عن أهل البيت عليهم السّلام ابنه،و إنّما نفاه عنه بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ هود:46،لأنّه خالفه في دينه.(1:63)

البروسويّ: قيل:اسم ابنه كنعان،و قيل:يام.

و اختلفوا أيضا في أنّه كان ربيبه أو ابنه لظهره،فذهب أكثر علماء الرّسوم إلى الأوّل،لأنّ ولد الرّسول المعصوم يستبعد أن يكون كافرا،و لقراءة عليّ رضي اللّه عنه (ابنها)على أن يكون الضّمير لامرأته«واعلة»بالعين المهملة،أو«والعة»كما في التّبيان،و لقوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي دون أن يقول:منّي.

و ذهب بعضهم و جمهور علماء الحقيقة قدّس اللّه أسرارهم إلى الثّاني،لقوله تعالى:(ابنه)و قول نوح:

(يا بنيّ).

يقول الفقير: أمّا قولهم ولد الرّسول يستبعد أن يكون كافرا فمنقوض بابن آدم و هو قابيل،و اللّه تعالى يخرج الحيّ من الميّت و يخرج الميّت من الحيّ،و على هذا تدور حكمته في مظاهر جلاله و جماله.و إذا ثبت أنّ والدي الرّسول و والد إبراهيم عليهما السّلام كانوا كافرين، فكيف يبعد أن يكون ولد نوح كافرا.

و أمّا قراءة عليّ رضي اللّه عنه فإنّما أسند فيها الابن إلى الأمّ،لكونها كافرة مثله،عادلة عن طريقة نوح فحقّ أن ينسب الكافر إلى الكافر لا إلى المؤمن،لا لأنّه أي عليّا اعتبر قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ فإنّه و هم و أمّا قوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي هود:45،فلموافقة قوله تعالى:(و اهلك)كما لا يخفى.

فإن قيل:إنّه عليه السّلام لمّا قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً نوح:26،كيف ناداه مع كفره.

أجيب بأنّ شفقة الأبوّة لعلّها حملته على ذلك النّداء، و الّذي تقدّم من قوله: إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ المؤمنون:27،كان كالمجمل،فلعلّه جوّز أن لا يكون هو داخلا فيه،كذا في«حواشي»ابن الشّيخ.(4:131)

الآلوسيّ: عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه أنّه قرأ (ابنها)على أنّ ضمير التّأنيث لامرأته،و في إضافته إليها إشعار بأنّه ربيبه،لأنّ الإضافة إلى الأمّ مع ذكر الأب

ص: 775

خلاف الظّاهر و إن جوّزوه.

و وجّه بأنّه نسب إليها لكونه كافرا مثلها،و ما يقال:

من أنّه كان لغير رشدة لقوله سبحانه:(فخانتاهما) فارتكاب عظيمة لا يقادر قدرها.فإنّ اللّه تعالى قد طهّر الأنبياء عليهم السّلام عمّا هو دون ذلك من النّقص بمراحل، فحاشاهم،ثمّ حاشاهم أن يشار إليهم بإصبع الطّعن.

و إنّما المراد بالخيانة الخيانة في الدّين،و نسبة هذا القول إلى الحسن و مجاهد-كما زعم الطّبرسيّ-كذب صريح.

و قرأ محمّد بن عليّ و عروة بن الزّبير رضيّ اللّه تعالى عنهم(ابنه)بهاء مفتوحة دون ألف،اكتفاء بالألف عنها، و هو لغة،كما قال ابن عطيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

قيل:و هو ضعيف في العربيّة حتّى خصّه بعضهم بالضّرورة،و الضّمير للأمّ أيضا.

و قرأ ابن عبّاس (ابنه) بسكون الهاء،و هي على ما قال ابن عطيّة و أبو الفضل الرّازيّ لغة أزد،فإنّهم يسكّنون هاء الكناية من المذكّر،و منه قوله:

*و نضواي مشتاقان له أرقان*

و قيل:إنّها لغة لبني كلاب و عقيل،و من النّحويّين من يخصّ هذا السّكون بالضّرورة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ السّدّيّ (ابناه) بألف و هاء السّكت،و خرّج ذلك على النّدبة،و استشكل بأنّ النّحاة صرّحوا بأنّ حرف النّداء لا يحذف في النّدبة.و أجيب بأنّ هذا حكاية،و الّذي منعوه في النّدبة نفسها لا في حكايتها.

و عن ابن عطيّة (أبناه) بفتح همزة القطع الّتي للنّداء، و فيه أنّه لا ينادى المندوب بالهمزة،و أنّ الرّواية بالوصل فيها،و النّداء بالهمزة لم يقع في القرآن،و يبعد القول بالنّدبة أنّها لا تلائم الاستدعاء إلى السّفينة بعد،كما لا يخفى.

و لو قيل:إنّ (ابناه) على هذه القراءة مفعول نادى أيضا،كما في غيرها من القراءات،و الألف للإشباع و الهاء السّاكنة هاء الضّمير في بعض اللّغات،لم يكن هناك محذور من جهة المعنى،و هو ظاهر.نعم يتوقّف القول بذلك على السّماع في مثله،و متى ثبت تعيّن عندي تخريج القراءة إن صحّت عليه.

و قرأ الجمهور(ابنه)بالإضافة إلى ضمير نوح، و وصلوا بالهاء واوا،و توصل في الفصيح.(12:58)

2- وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. لقمان:13

الكلبيّ: مشكم.(الماورديّ 4:333)

نقّاش:أنعم.(الماورديّ 4:333)

الماورديّ: بابان.(4:333)

ابن عطيّة: و اسم ابنه:«ثاران».(4:348)

مثله السّهيليّ.(ابن كثير 5:282)

البيضاويّ: أنعم أو أشكم أو ماثان.(2:228)

مثله أبو السّعود.(5:188)

و نحوه النّسفيّ(3:280)،و شبّر(5:105).

أبو حيّان: و ابنه بارّ أي،أو أنعم أو أشكر أو شاكر، أقوال.(7:187)

البروسويّ: أنعم فهو أبو أنعم،أي يكنّى به،كما قالوا.(7:77)

ص: 776

ابنك

اِرْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَ ما شَهِدْنا إِلاّ بِما عَلِمْنا وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ.

يوسف:81

الطّبريّ: بنيامين.(13:35)

نحوه الميبديّ.(5:118)

الطّوسيّ: يعنون ابن يامين.(6:179)

ابنى

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ... المائدة:27

ابن عبّاس: إنّ المتقرّبين كانا ولدي آدم لصلبه:

قابيل و هابيل.

مثله مجاهد،و عبد اللّه،و قتادة،و أكثر المفسّرين.

(الطّوسيّ 3:492)

الزّمخشريّ: ابنا آدم لصلبه:قابيل و هابيل.[إلى أن قال:]

و قيل:هما رجلان من بني إسرائيل.(1:606)

مثله ابن عطيّة(2:178)،و البيضاويّ(1:271)، و الشّربينيّ(1:369)،و النّسفيّ(1:280).

الحسن :هما من بني إسرائيل،لأنّ علامة تقبّل القربان لم تكن قبل ذلك.

مثله أبو مسلم و الزّجّاج.(الطّوسيّ 3:492)

البغويّ: هما هابيل و قابيل،و يقال له:قايين.

(2:38)

الميبديّ: ابنا آدم هابيل و قابيل.و قيل:قاين، و هو الأصحّ.(3:92)

الفخر الرّازيّ: و في قوله: اِبْنَيْ آدَمَ قولان:

الأوّل:أنّهما ابنا آدم من صلبه،و هما هابيل و قابيل.

و القول الثّاني:و هو قول الحسن و الضّحّاك:أنّ ابني آدم اللّذين قرّبا قربانا ما كانا ابني آدم لصلبه،و إنّما كانا رجلين من بني إسرائيل!!

و اعلم أنّ القول الأوّل هو الّذي اختاره أكثر أصحاب الأخبار.و في الآية أيضا ما يدلّ عليه،لأنّ الآية تدلّ على أنّ القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتّى تعلّم ذلك من عمل الغراب،و لو كان من بني إسرائيل لما خفي عليه هذا الأمر،و هو الحقّ،و اللّه أعلم.

(11:203)

نحوه شبّر.(2:165)

المراغيّ: جمهرة العلماء على أنّ هذين الابنين هما ابنا آدم من صلبه،و في«سفر التّكوين»أنّهما أوّل أولاد آدم،اسم أحدهما:قاين أو قايين،و هو البكر،و سمّاه المفسّرون و المؤرّخون من المسلمين قابيل،و هو القاتل.

و اسم الثّاني:هابيل،و هو المقتول.و قد ذكروا روايات غريبة عنهما،لا تعرف إلاّ من الوحي.(6:97)

الطّباطبائيّ: و المراد بهذا المسمّى بآدم هو آدم الّذي يذكر القرآن أنّه أبو البشر،و قد ذكر بعض المفسّرين أنّه كان رجلا من بني إسرائيل تنازع ابناه في قربان قرّباه،فقتل أحدهما الآخر،و هو قابيل أو قايين قتل هابيل،و لذلك قال تعالى بعد سرد القصّة: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ المائدة:32.

ص: 777

و هو فاسد،أمّا أوّلا:فلأنّ القرآن لم يذكر ممّن سمّي بآدم إلاّ الّذي يذكر أنّه أبو البشر،و لو كان المراد بما في الآية غيره،لكان من اللاّزم نصب القرينة على ذلك، لئلاّ يبهم أمر القصّة.

و أمّا ثانيا:فلأنّ بعض ما ذكر من خصوصيّات القصّة،كقوله: فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً إنّما يلائم حال الإنسان الأولى الّذي كان يعيش على سذاجة من الفكر و بساطة من الإدراك،يأخذ باستعداده الجبلّيّ من ادّخار المعلومات بالتّجارب الحاصلة،من وقوع الحوادث الجزئيّة حادثة بعد حادثة،فالآية ظاهرة في أنّ القاتل ما كان يدري أنّ الميّت يمكن أن يستر جسده بمواراته في الأرض،و هذه الخاصّة إنّما تناسب حال ابن آدم أبي البشر لا حال رجل من بني إسرائيل،و قد كانوا أهل حضارة و مدنيّة بحسب حالهم في قوميّتهم،لا يخفى على أحدهم أمثال هذه الأمور قطعا.

و أمّا ثالثا:فلأنّ قوله:و لذلك قال تعالى بعد تمام القصّة مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ يريد به الجواب عن سؤال أورد على الآية،و هو أنّه ما وجه اختصاص الكتابة ببني إسرائيل مع أنّ الّذي تقتضيه القصّة-و هو الّذي كتبه اللّه-يعمّ حال جميع البشر«من قتل منهم نفسا فكأنّما قتل النّاس جميعا،و من أحيا منهم نفسا فكأنّما أحيا النّاس جميعا»؟

فأجاب القائل بقوله:و لذلك قال تعالى:(إلخ):أنّ القاتل و المقتول لم يكونا ابني آدم أبي البشر،حتّى تكون قصّتهما مشتملة على حادثة من الحوادث الأوّليّة بين النّوع الإنسانيّ،فيكون عبرة يعتبر بها كلّ من جاء بعدهما،و إنّما هما ابنا رجل من بني إسرائيل،و كان نبأهما من الأخبار القوميّة الخاصّة،و لذلك أخذ عبرة مكتوبة لخصوص بني إسرائيل.[إلى أن قال:]

على أنّ أصل القصّة على النّحو الّذي ذكره لا مأخذ له،رواية و لا تاريخا.

فتبيّن أنّ قوله: نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ يراد به قصّة ابني آدم أبي البشر.(5:298)

بنىّ

1- وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ. هود:42

الزّجّاج: الكسر أجود القراءة،أعني كسر الياء، و يجوز كسرها و فتحها من جهتين:

إحداهما:أنّ الأصل«يا بنيّى»،و الياء تحذف في النّداء،أعني ياء الإضافة،و تبقى الكسرة تدلّ عليها.

و يجوز أن تحذف الياء لسكون الرّاء من(اركب) و تقرّ في الكتاب على ما هي في اللّفظ.

و الفتح من جهتين:و الأصل«يا بنيّا»فتبدل الألف من ياء الإضافة،العرب تقول:يا غلاما أقبل،ثمّ تحذف الألف لسكونها و سكون الرّاء،و يقرّ في الكتاب على حذفها في اللّفظ.

و يجوز أن تحذف ألف النّداء كما تحذف ياء الإضافة، و إنّما حذفت ياء الإضافة و ألف الإضافة في النّداء كما يحذف التّنوين،لأنّ ياء الإضافة زيادة في الاسم،كما أنّ التّنوين زيادة فيه.

ص: 778

و يجوز وجه آخر لم يقرأ به،و هو إثبات الياء (يا بنيّي) و هذه تثقل،لاجتماع الياءات.(3:54)

الطّوسيّ: قرأ عاصم(يا بنىّ اركب)بفتح الياء الباقون بكسرها.

و في قوله:(يا بنىّ)ثلاث ياءات:ياء التّصغير،و ياء الأصل،و ياء الإضافة،و في قوله: يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ البقرة:132،ياءان:ياء الجمع و ياء الإضافة.

قال أبو عليّ الفارسيّ: الوجه كسر الياء،لأنّ اللاّم من«ابن»ياء أو واو،و حذفت من«ابن»كما حذفت من اسم.

فإذا حقّرت ألحقت ياء التّحقير،لزم أن تردّ اللاّم الّذي حذفت،لأنّك لو لم تردّها لوجب أن تحرّك ياء التّصغير بحركات الإعراب،و هي لا تحرّك أبدا بحركات الإعراب و لا غيرها.

فإذا أضفته إلى نفسك اجتمعت ثلاث ياءات:

الأولى:الّتي للتّحقير،و الثّانية:لام الفعل،و الثّالثة:هي الّتي للإضافة.

تقول:«بنيّ»فإذا ناديت جاز فيه وجهان:إثبات الياء و حذفها.فمن قال:يا عبادي فأثبت الياء.فقياسه أن يقول:يا بنييّ،و من قال:يا عباد يقول:يا بنيّ، حذفت الّتي للإضافة و أبقيت الكسرة دلالة عليها، و هذا هو الجيّد عندهم.

و من فتح الياء أراد الإضافة كما أرادها في قوله:

(يا بنيّ)إذا كسر الياء الّتي هي آخر الفعل،كأنّه قال:

يا بنيّ،ثمّ أبدل من الكسرة الفتحة و من الياء الألف، فصار يا بنيّا كما قال:

*يا بنت عمّا لا تلومي و اهجعي*

ثمّ حذفت الألف كما كانت تحذف الياء في يا بنيّ إنّها، و قد حذفت الياء الّتي للإضافة إذا أبدلت الألف منها.

[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو عثمان:و وضع الألف مكان الياء في الإضافة مطّرد،و أجاز:يا زيد أقبل،إذا أردت الإضافة.

(5:560)

نحوه الطّبرسيّ(3:162)،و الفخر الرّازيّ(17:

232)

الزّمخشريّ: قرئ بكسر الياء اقتصارا عليه من ياء الإضافة،و بالفتح اقتصارا عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك:«يا بنيّا»و سقطت الياء و الألف لالتقاء السّاكنين،لأنّ الرّاء بعدها ساكنة.(2:270)

ابن عطيّة: قرأ السّبعة (يا بنيّ) بكسر الياء المشدّدة،و هي ثلاث ياءات:

أولاها:ياء التّصغير،و حقّها السّكون.

و الثّانية:لام الفعل،و حقّها أن تكسر بحسب ياء الإضافة،إذ ما قبل ياء الإضافة مكسورة.

و الثّالثة:ياء الإضافة،فحذف ياء الإضافة إمّا لسكونها و سكون الرّاء،و إمّا إذ هي بمثابة التّنوين في الأعلام،و هو يحذف في النّداء،فكذلك ياء الإضافة.

و الحذف فيها كثير في كلام العرب،تقول:يا غلام و يا عبيد و تبقي الكسرة دالّة،ثمّ أدغمت الياء السّاكنة في الياء المكسورة.

و قد روى أبو بكر و حفص،عن عاصم أيضا(يا بنيّ)

ص: 779

بفتح الياء المشدّدة،و ذكر أبو حاتم:أنّ المفضّل رواها عن عن عاصم،و لذلك وجهان:

أحدهما:أن يبدل من ياء الإضافة ألفا،و هي لغة مشهورة،تقول:يا غلاما و يا عينا،فانفتحت الياء قبل الألف،ثمّ حذفت الألف استخفافا و لسكونها و سكون الرّاء من قوله:(اركب).

و الوجه الثّاني:أنّ الياءات لمّا اجتمعت استثقل اجتماع المماثلة،فخفّف ذلك الاستثقال بالفتح؛إذ هو أخفّ الحركات.هذا مذهب سيبويه،و على هذا حمل قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«و حواري الزّبير»

و روي عن ابن كثير أنّه قرأ في سورة لقمان يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ لقمان:13،بحذف ياء الإضافة و يسكّن الياء خفيفة.و قرأ الثّانية يا بُنَيَّ إِنَّها لقمان:16، كقراءة الجماعة.و قرأ الثّالثة: يا بُنَيَّ أَقِمِ... لقمان:

17،ساكنة كالأولى.(3:174)

نحوه القرطبيّ(9:39)،و البيضاويّ(1:469)، و أبو السّعود(3:315)،و الآلوسيّ(12:59)

2- قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ.

يوسف:5

الطّبريّ: قال يعقوب لابنه يوسف.(12:152)

الطّوسيّ: في هذه الآية حكاية ما أجاب به يعقوب يوسف حين قصّ عليه رؤياه و منامه،فقال له: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ.

و قوله:(يا بنىّ)فيه ثلاث ياءات:الياء الأصليّة، و ياء الإضافة،و ياء التّصغير.و حذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة،و أدغمت إحدى الياءين في الأخرى.

و فتح الياء و كسرها لغتان،و إنّما صغّر(بنىّ)مع عظم منزلته،لأنّه قصد بذلك صغر السّنّ،و لم يقصد به تصغير الذّمّ.(6:96)

الميبديّ: (يا بنىّ)تصغير ابن،صغّره لصغر سنّه، و هو ابن اثنتي عشرة سنة.(5:7)

نحوه البيضاويّ(1:487)،و الشّربينيّ(1:89)، و القاسميّ(9:3504)،و رشيد رضا(12:254)

أبو السّعود: صغّره للشّفقة أولها و لصغر السّنّ.

و هو أيضا استئناف مبنيّ على سؤال من قال:فما ذا قال يعقوب بعد سماع هذه الرّؤيا العجيبة؟و لمّا عرف يعقوب عليه السّلام من هذه الرّؤيا أنّ يوسف يبلغه اللّه تعالى مبلغا جليلا من الحكمة،و يصطفيه للنّبوّة،و ينعم عليه بشرف الدّارين-كما فعل بآبائه الكرام-خاف عليه حسد الإخوة و بغيهم،فقال صيانة لهم من ذلك،و له من معاناة المشاقّ و مقاساة الأحزان،و إن كان واثقا بأنّ اللّه تعالى سيحقّق ذلك لا محالة،و طمعا في حصوله بلا مشقّة.

(3:364)

نحوه البروسويّ.(4:215)

أبو حيّان: خاطبه أبوه بقوله: (يا بنىّ) تصغير التّحبيب و التّقريب و الشّفقة.و قرأ حفص هنا و في لقمان و الصّافّات (يا بنيّ) بفتح الياء.و ابن كثير في لقمان(يا بنيّ لا تشرك)،و قنبل(يا بني أقم)بإسكانها،و باقي السّبعة بالكسر.(5:280)

الآلوسيّ: صغّره للشّفقة،و يسمّي النّحاة مثل

ص: 780

هذا:تصغير التّحبيب.و ما ألطف قول بعض المتأخّرين:

*قد صغّر الجوهر في ثغره*

لكنّه تصغير تحبيب.

و يحتمل أن يكون لذلك،و لصغر السّنّ.و فتح الياء قراءة فحص،و قرأ الباقون بكسرها،و الجملة استئناف مبنيّ على سؤال،كأنّه قيل:فما ذا قال الأب بعد سماع هذه الرّؤية العجيبة من ابنه؟

فقيل: قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ. (12:180)

الطّباطبائيّ: الآية تدلّ على أنّ يعقوب لمّا سمع ما قصّه عليه يوسف من الرّؤيا،أيقن بما يدلّ عليه أنّ يوسف عليه السّلام سيتولّى اللّه أمره و يرفع قدره،يسنده على أريكة الملك و عرش العزّة،و يخصّه من بين آل يعقوب بمزيد الكرامة.

فأشفق على يوسف عليه السّلام و خاف من إخوته عليه، و هم عصبة أقوياء أن لو سمعوا الرّؤيا،و هي ظاهرة الانطباق على يعقوب عليه السّلام و زوجه و أحد عشر من ولده غير يوسف،و ظاهره الدّلالة على أنّهم جميعا سيخضعون و يسجدون ليوسف،حملهم الكبر و الأنفة أن يحسدوه فيكيدوا له كيدا،ليحولوا بينه و بين ما تبشّره به رؤياه؛و لذلك خاطب يوسف عليه السّلام خطاب الإشفاق،كما يدلّ عليه قوله:(يا بنىّ)بلفظ التّصغير.(11:78)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(بنىّ)في سورة لقمان:13 و 16 و 17.

البنون

اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً. الكهف:46

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّ المال و البنين حرث الدّنيا، و الأعمال الصّالحة حرث الآخرة،و قد يجمعهما اللّه لأقوام.(نهج البلاغة الخطبة:23)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ كثرة الأموال الّتي يتموّلها الإنسان و يملكها في الدّنيا،و البنين الّذين يرزقهم اللّه زينة الحياة الدّنيا،أي جمال الدّنيا و فخرها.(7:52)

الطّبريّ: المال و البنون أيّها النّاس الّتي يفخر بها «عيينة»و«الأقرع»،و يتكبّران بها على«سلمان» و«خبّاب»و«صهيب»،ممّا يتزيّن به في الحياة الدّنيا، و ليسا من عداد الآخرة.(15:253)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:130)،و أبو حيّان(6:

133).

الطّبرسيّ: أي يتفاخر بهما و يتزيّن بهما في الدّنيا، و لا ينتفع بهما في الآخرة.و إنّما سمّاهما زينة،لأنّ في المال جمالا و في البنين قوّة و دفعا،فصارا زينة الحياة الدّنيا، و كلاهما لا يبقى للإنسان،فينتفع به في الآخرة.

(3:473)

أبو السّعود: أمّا البنون فزينتهم و إمدادهم إنّما يكون بالنّسبة إلى من بلغ مبلغ الأبوّة،و لأنّ المال مناط لبقاء النّفس،و البنين لبقاء النّوع،و لأنّ الحاجة إليه أمسّ من الحاجة إليهم،و لأنّه أقدم منهم في الوجود، و لأنّه زينة بدونهم من غير عكس.فإنّ من له بنون بلا مال،فهو في ضيق حال و نكال.(4:193)

نحوه الآلوسيّ.(15:286)

البروسويّ: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا و المعنى أنّ ما يفتخر به النّاس لا سيّما رؤساء العرب من المال و البنين شيء يتزيّنون به في الحياة الدّنيا،و يفنى عنهم عن قريب.(5:251)

ص: 781

البروسويّ: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا و المعنى أنّ ما يفتخر به النّاس لا سيّما رؤساء العرب من المال و البنين شيء يتزيّنون به في الحياة الدّنيا،و يفنى عنهم عن قريب.(5:251)

الطّباطبائيّ: الآية بمنزلة النّتيجة للمثل السّابق، و هي أنّ المال و البنين و إن تعلّقت بها القلوب و تاقت إليها النّفوس،تتوقّع منها الانتفاع و تحفّ بها الآمال، لكنّها زينة سريعة الزّوال غارّة،لا يسعها أن تثيبه و تنفعه في كلّ ما أراده منها،و لا أن تصدّقه في جميع ما يأمله و يتمنّاه،بل و لا في أكثره.ففي الآية-كما ترى-انعطاف إلى بدء الكلام،أعني قوله: إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها الكهف:7.(13:318)

بنى

1- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ... الأعراف:26

أبو السّعود:خطاب للنّاس كافّة،و إيرادهم بهذا العنوان ممّا لا يخفى سرّه.(2:487)

نحوه البروسويّ.(3:147)

الآلوسيّ: خطاب للنّاس كافّة،و استدلّ به على دخول أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد،و لا يخفى سرّ هذا العنوان في هذا المقام.(8:103)

الطّباطبائيّ: الآيات المصدّرة بقوله: يا بَنِي آدَمَ أحكام و شرائع عامّة لجميع بني آدم،من غير أن يختصّ بأمّة دون أمّة،فهذه (1)الآحاد من الأخبار لا تزيد على اجتهاد من المنقول عنهم،لا حجّيّة فيها.(8:87)

2- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.

الأعراف:31

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى في هذه الآية أولاد آدم الذّكور منهم،لأنّ(بني)جمع«ابن»و إنّما نصب،لأنّه نداء مضاف.و الابن هو الولد الذّكر،و البنت هو الولد الأنثى،أمرهم اللّه بأن يأخذوا،و معناه أن يتناولوا زينتهم.(4:415)

ابن عطيّة: هذا خطاب عامّ لجميع العالم،و أمروا بهذه الأشياء بسبب عصيان حاضري ذلك الوقت،من مشركي العرب فيها.(2:392)

الطّبرسيّ: هو خطاب لسائر المكلّفين.(2:412)

القرطبيّ: هو خطاب لجميع العالم،و إن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا، فإنّه عام في كلّ مسجد للصّلاة،لأنّ العبرة للعموم لا للسّبب.(7:189)

الطّباطبائيّ: خطابات عامّة لا تختصّ بشرع دون شرع،و لا بصنف من أصناف النّاس دون صنف.

و من هنا يعلم فساد ما ذكره بعضهم أنّ قوله:

يا بَنِي آدَمَ خُذُوا... الآية،يدلّ على بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى جميع البشر،و أنّ الخطاب يشمل النّساء بالتّبع للرّجال شرعا لا لغة،انتهى.

نعم تدلّ الآية على أنّ هناك أحكاما عامّة لجميع البشر برسالة واحدة أو أكثر.و أمّا شمول الحكم للنّساء،

ص: 782


1- إشارة إلى ما أورده من الأخبار في شأن النّزول.

فبالتّغليب في الخطاب،و القرينة العقليّة قائمة.

(8:79)

3- يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي... الأعراف:35

مقاتل: أراد بقوله:(يا بنى آدم)مشركي العرب.

(البغويّ 2:190)

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى لجميع بني آدم المكلّفين منهم،أنّه يبعث إليهم رسلا منهم،يقصّون عليهم آيات اللّه و حججه و براهينه،و هو ما أنزله عليهم من كتبه،و نصب لهم من أدلّته.(4:421)

نحوه الطّبرسيّ(2:415)،و ابن عطيّة(2:396)، و البروسويّ(3:158).

الخازن :و إنّما قال:«رسل»بلفظ الجمع و إن كان المراد به واحدا و هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه خاتم الأنبياء،و هو مرسل إلى كافّة الخلق،فذكره بلفظ الجمع على سبيل التّعظيم؛فعلى هذا يكون الخطاب في قوله: يا بَنِي آدَمَ لأهل مكّة،و من يلحق بهم.

و قيل:أراد جميع الرّسل؛و على هذا فالخطاب في قوله: يا بَنِي آدَمَ عامّ في كلّ بني آدم.(2:186)

أبو حيّان: هذا خطاب لبني آدم.قيل:هو في الأوّل،و قيل:هو مراعى به وقت الإنزال.(4:293)

الآلوسيّ: خطاب لكافّة النّاس،و لا يخفى ما فيه من الاهتمام بشأن ما في حيّزه.و قد أخرج ابن جرير عن أبي يسار السّلميّ قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل آدم و ذرّيّته في كفّه،فقال: يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ حتّى بلغ(فاتّقون)ثمّ بثّهم.

و الّذي ذهب إليه بعض المحقّقين أنّ هذا حكاية لما وقع مع كلّ قوم.

و قيل:المراد ب(بنى آدم)أمّة نبيّنا صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و هو خلاف الظّاهر.و يبعّده جمع الرّسل في قوله سبحانه: إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ (8:114)

4- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى...

الأعراف:172

راجع(ذرر)

5- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ.

البقرة:40

ابن عبّاس: يا أهل الكتاب،للأحبار من يهود.

(الطّبريّ 1:249)

الجبّائيّ: المعنيّ به بنو إسرائيل من اليهود و النّصارى و نسبهم إلى الأب الأعلى،كما قال: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الأعراف:31.

(الطّوسيّ 1:181)

نحوه الطّبرسيّ.(1:93)

الطّبريّ: يا ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرّحمن.(1:248)

نحوه البغويّ.(1:109)

الزّجّاج: نصب(بنى اسرائيل)لأنّه نداء مضاف،

ص: 783

و أصل النّداء النّصب،لأنّ معناه معنى«ناديت» و«دعوت».(1:119)

الفخر الرّازيّ: خطاب مع جماعة اليهود الّذين

كانوا بالمدينة من ولد يعقوب عليه السّلام،في أيّام محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(3:28)

القرطبيّ: قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ نداء مضاف،علامة النّصب فيه الياء،و حذفت منه النّون للإضافة.[إلى آخر ما مرّ في النّصوص اللّغويّة]

(1:330)

الشّربينيّ: أي أولاد يعقوب،و إسرائيل لقبه.

(1:53)

أبو السّعود: تلوين للخطاب،و توجيه له إلى طائفة خاصّة من الكفرة المعاصرين للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، لتذكيرهم بفنون النّعم الفائضة عليهم،بعد توجيهه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم...

و الابن من«البناء»لأنّه مبنى أبيه،و لذلك ينسب المصنوع إلى صانعه،فيقال:أبو الحرب و بنت فكر.

(1:126)

البروسويّ: البنون اسم للذّكور و الإناث إذا اجتمعوا.(1:117)

المراغيّ: بنوه[إسرائيل]ذرّيّته،و هم الأسباط الاثنا عشر.(1:98)

6- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. البقرة:122

الطّبريّ: و هذه الآية عظة من اللّه تعالى،ذكره لليهود الّذين كانوا بين ظهرانيّ مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:523)

نحوه الطّوسيّ.(1:443)

7- سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ...

البقرة:211

الطّبريّ: يعني ذلك جلّ ثناؤه سل يا محمّد بني إسرائيل الّذين لا ينتظرون بالإنابة إلى طاعتي و التّوبة إليّ بالإقرار بنبوّتك و تصديقك،فيما جئتهم به من عندي.(2:332)

البغويّ: سل يا محمّد يهود المدينة.(1:269)

الطّبرسيّ: أي أولاد يعقوب،و هم اليهود الّذين كانوا حول المدينة،و المراد به علماؤهم،و هو سؤال تقرير لتأكيد الحجّة عليهم.(1:304)

البروسويّ: يعني هؤلاء الموجودين في عصرك، من رؤساء بني إسرائيل.(1:327)

الطّباطبائيّ: يقول:هذه بنو إسرائيل في مرآكم و منظركم،و هي الأمّة الّتي آتاهم اللّه الكتاب و الحكم و النبوّة و الملك،و رزقهم من الطّيّبات،و فضّلهم على العالمين.(2:110)

بنين

1- وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ.

الأنعام:100

قتادة :أمّا العرب فجعلوا له البنات،و لهم

ص: 784

ما يشتهون من الغلمان.و أمّا اليهود فجعلوا بينه و بين الجنّة نسبا،و لقد علمت الجنّة أنّهم لمحضرون.

(الطّبريّ 7:297)

السّدّيّ: يقول:قطعوا له بنين و بنات،قالت العرب:الملائكة بنات اللّه،و قالت اليهود و النّصارى:

المسيح و عزير ابنا اللّه.(الطّبريّ 7:297)

نحوه ابن زيد(الطّبريّ 7:297)،و الزّجّاج(2:

278)،و الطّوسيّ(4:336)،و الطّبرسيّ(2:342)، و أبو حيّان(4:194)،و البروسويّ(3:76)، و الآلوسيّ(7:241)،و شبّر(2:296).

الفخر الرّازيّ: وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ، و فيه مباحث:

البحث الأوّل:أقول:إنّه تعالى حكى عن قوم أنّهم أثبتوا إبليس شريكا للّه تعالى،ثمّ بعد ذلك حكى عن أقوام آخرين أنّهم أثبتوا للّه بنين و بنات.

أمّا الّذين أثبتوا البنين فهم النّصارى و قوم من اليهود،و أمّا الّذين أثبتوا البنات فهم العرب الّذين يقولون:الملائكة بنات اللّه.

و قوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ كالتّنبيه على ما هو الدّليل القاطع في فساد هذا القول،و فيه وجوه:

الحجّة الأولى:أنّ الإله يجب أن يكون واجب الوجود لذاته،فولده إمّا أن يكون واجب الوجود لذاته أو لا يكون.فإن كان واجب الوجود لذاته كان مستقلاّ بنفسه قائما بذاته لا تعلّق له في وجوده بالآخر،و من كان كذلك لم يكن والدا له البتّة،لأنّ الولد مشعر بالفرعيّة و الحاجة.

و أمّا إن كان ذلك الولد ممكن الوجود لذاته،فحينئذ يكون وجوده بإيجاد واجب الوجود لذاته،و من كان كذلك فيكون عبدا له لا ولدا له،فثبت-أنّ من عرف- أنّ الإله ما هو،امتنع منه أن يثبت له البنات و البنين.

الحجّة الثّانية:أنّ الولد يحتاج إليه أن يقوم مقامه بعد فنائه،و هذا إنّما يعقل في حقّ من يفنى.أمّا من تقدّس عن ذلك،لم يعقل الولد في حقّه.

الحجّة الثّالثة:أنّ الولد مشعر بكونه متولّدا عن جزء من أجزاء الوالد،و ذلك إنّما يعقل في حقّ من يكون مركّبا،و يمكن انفصال بعض أجزائه عنه؛و ذلك في حقّ الواحد الفرد الواجب لذاته محال.

فحاصل الكلام أنّ من علم أنّ الإله ما حقيقته، استحال أن يقول:له ولد،فكان قوله: وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ إشارة إلى هذه الدّقيقة.(13:116)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(الجنّ):الشّياطين،كما ينسب إلى المجوس القول:بأهرمن و يزدان،و نظيره ما عليه اليزيديّة الّذين يقولون:بألوهيّة إبليس.(الملك طاوس-شاه بريان)أو الجنّ المعروف بناء على ما نسب إلى قريش،إنّهم كانوا يقولون:إنّ اللّه قد صاهر الجنّ فحدث بينهما الملائكة،و هذا أنسب بسياق قوله:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ... الآية.

و على هذا فالبنون و البنات هم جميعا من الملائكة خرقوهم،أي اختلقوهم و نسبوهم إليه،افتراء عليه سبحانه و تعالى عمّا يشركون.

و لو كان المراد من هو أعمّ من الملائكة لم يبعد أن يكون المراد بهم ما يوجد في سائر الملل غير الإسلام،

ص: 785

فالبرهمنيّة و البوذيّة يقولون بنظير ما قالته النّصارى من بنوّة المسيح،كما تقدّم في الجزء الثّالث من الكتاب، و سائر الوثنيّين القدماء كانوا يثبتون للّه سبحانه بنين و بنات من الآلهة،على ما يدلّ عليه الآثار المكتشفة، و مشركو العرب كانوا يقولون:إنّ الملائكة بنات اللّه.(7:290)

2- وَ بَنِينَ شُهُوداً. المدّثّر:13

مجاهد :كانوا بنوه عشرة.(الطّبريّ 29:154)

مثله قتادة(القرطبيّ 19:72)،و نحوه السّدّيّ (الماورديّ 6:140)،و الطّبريّ(29:154).

سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر رجلا.

(الماورديّ 6:140)

الضّحّاك: كان له سبعة،ولدوا بمكّة،و خمسة ولدوا بالطّائف.(الماورديّ 6:140)

نحوه السّدّيّ.(القرطبيّ 19:72)

الزّجّاج: قيل:يعني بن الوليد بن المغيرة،كان له بنون عشرة،و كان موسرا.(5:246)

الطّوسيّ: أي و أولادا ذكورا معه،بمشاهدتهم، و ينتفع بحضورهم.

و قيل:كان بنوه لا يغيبون عنه لغنائهم عن ركوب السّفر في التّجارة،بخلاف من هو غائب عنهم.

(10:176)

الزّمخشريّ: قيل:ثلاثة عشر،و قيل:سبعة، كلّهم رجال:الوليد بن الوليد و خالد و عمّارة و هشام و العاص و قيس و عبد شمس،أسلم منهم ثلاثة:خالد و هشام و عمّارة.(4:182)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ بَنِينَ شُهُوداً فيه وجهان:

الأوّل:بنين حضورا معه بمكّة،لا يفارقونه البتّة، لأنّهم كانوا أغنياء،فما كانوا محتاجين إلى مفارقته لطلب كسب و معيشة،و كان هو مستأنسا بهم،طيّب القلب، بسبب حضورهم.

الثّاني:يجوز أن يكون المراد من كونهم(شهودا) أنّهم رجال يشهدون معه المجامع و المحافل.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن مجاهد و الزّمخشريّ](30:199)

البيضاويّ: حضورا معه بمكّة،يتمتّع بلقائهم، لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش،استغناء بنعمته، و لا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه،أو في المحافل و الأندية لوجاهتهم و اعتبارهم.

قيل:كان له عشرة بنين أو أكثر كلّهم رجال، فأسلم منهم ثلاثة:خالد و عمّارة و هشام.(2:518)

نحوه أبو السّعود(6:328)،و البروسويّ(10:

228)،و المراغيّ(29:131)،و القاسميّ(16:5975).

أبو حيّان: أي حضورا معه بمكّة،لا يظعنون عنه لغناهم،فهو مستأنس بهم أو(شهودا)أي رجالا يشهدون معه المجامع و المحافل،أو تسمع شهادتهم فيما يتحاكم فيه.

و اختلف في عددهم،فذكر منهم:خالد و هشام و عمّارة،و قد أسلموا،و الوليد و العاصي و قيس و عبد شمس.(8:373)

نحوه الآلوسيّ.(29:122)

ص: 786

البنين

أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً. الإسراء:40

الطّبريّ: أ فخصّكم ربّكم بالذّكور من الأولاد.

(15:90)

الطّوسيّ: و هذا خطاب لمن جعل للّه بنات،و قال:

الملائكة بنات اللّه،فقال تعالى لهم:أ أخلص لكم البنين، و اختاركم صفوة الشّيء دونه؟و جعل البنات مشتركة بينكم و بينه،فاختصّكم بالأرفع و جعل لنفسه الأدون؟ ثمّ أخبر أنّهم يقولون في ذلك قَوْلاً عَظِيماً، أي عظيم الوبال و الوزر.(6:480)

نحوه الطّبرسيّ(3:416)،و القرطبيّ(10:264)، و الطّباطبائيّ(13:104).

الزّمخشريّ: خطاب للّذين قالوا:الملائكة بنات اللّه،و الهمزة للإنكار،يعني أ فخصّكم ربّكم على وجه الخلوص و الصّفاء بأفضل الأولاد و هم البنون لم يجعل فيهم نصيبا لنفسه،و اتّخذ أدونهم و هي البنات؟

و هذا خلاف الحكمة و ما عليه معقولكم و عادتكم فإنّ العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء و أصفاها من الشّوب،و يكون أردؤها و أدونها للسّادات.(2:450)

نحوه أبو حيّان(6:39)،و الشّربينيّ(2:307)، و المراغيّ(15:49)،و القاسميّ(10:393).

البيضاويّ: و المعنى أ فخصّكم ربّكم بأفضل الأولاد و هم البنون.(1:586)

نحوه الخازن.(4:131)

أبو السّعود: خطاب للقائلين بأنّ الملائكة بنات اللّه سبحانه،و الإصفياء بالشّيء:جعله خالصا،و الهمزة للإنكار،و الفاء للعطف على مقدّر يفسّره المذكور،أي أفضّلكم على جنابه فخصّكم بأفضل الأولاد على وجه الخلوص،و آثر لذاته أخسّها و أدناها،كما في قوله سبحانه: أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى النّجم:21،و قوله تعالى: أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ الطّور:39،و قد قصدها هاهنا بالتّعرّض لعنوان الرّبوبيّة تشديد النّكير و تأكيده،و أشير بذكر الملائكة عليهم السّلام،و إيراد الإناث مكان البنات إلى كفرة لهم أخرى،و هي وصفهم لهم عليهم السّلام بالأنوثة الّتي هي أخسّ صفات الحيوان،كقوله تعالى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.(4:132)

نحوه البروسويّ(5:160)،و الآلوسيّ(15:81)

بنيه

1- يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ.

المعارج:11

الطّوسيّ: يعني بأولاده الذّكور.(10:119)

الطّبرسيّ: يتمنّى سلامته من العذاب النّازل به بإسلام كلّ كريم عليه من أولاده الّذين هم أعزّ النّاس عليه.(5:355)

نحوه الطّباطبائيّ.(20:10)

البروسويّ: أصله«بنين»سقطت نونه بالإضافة، و جمعه لأنّ كثرتهم محبوبة مرغوب فيها.(10:160)

ص: 787

أبناء

1- وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ... المائدة:18

ابن عبّاس: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نعمان بن أضا، و بحريّ بن عمرو،و شاس بن عديّ،فكلّموه،فكلّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و دعاهم إلى اللّه و حذّرهم نقمته،فقالوا:

ما تخوّفنا يا محمّد،نحن و اللّه أبناء اللّه و أحبّاؤه،كقول النّصارى،فأنزل اللّه جلّ و عزّ فيهم وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ إلى آخر الآية.

(الطّبريّ 6:164)

مثله ابن اسحاق.(القرطبيّ 6:120)

النّخعيّ: إنّ اليهود وجدوا في التّوراة:يا أبناء أحباري،فبدّلوا:يا أبناء أبكاري،فمن ذلك قالوا:نحن أبناء اللّه.(البغويّ 2:32)

الحسن :إنّ اليهود قالوا:نحن في القرب من اللّه بمنزلة الابن من أبيه،و النّصارى لمّا قالوا للمسيح:ابن اللّه جعلوا نفوسهم أبناء اللّه و أحبّاءه،لأنّهم تأوّلوا ما في الإنجيل من قول المسيح:اذهب إلى أبي و أبيكم.

(الطّبرسيّ 2:176)

السّدّيّ: أمّا أبناء اللّه،فإنّهم قالوا:إنّ اللّه أوحى إلى إسرائيل أنّ ولدا من ولدك أدخلهم النّار،فيكونون فيها أربعين يوما حتّى تطهّرهم و تأكل خطاياهم،ثمّ ينادي مناد:أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيل، فأخرجهم،فذلك قوله: لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ آل عمران:24.

و أمّا النّصارى فإنّ فريقا منهم قال للمسيح:ابن اللّه.

و العرب قد تخرج الخبر إذا افتخرت مخرج الخبر عن الجماعة،و إن كان ما افتخرت به من فعل واحد منهم، فتقول:نحن الأجواد الكرام،و إنّما الجواد فيهم واحد منهم و غير المتكلّم الفاعل ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

(الطّبريّ 6:165)

إنّ اليهود تزعم أنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى بني إسرائيل أنّ ولدك بكر من الولد.(الطّوسيّ 3:477)

الماورديّ: [بعد نقل قول ابن عبّاس و السّدّيّ و الحسن قال:]

و أمّا النّصارى ففي قولهم لذلك قولان:

أحدهما:لتأويلهم ما في الإنجيل من قوله:اذهب إلى أبي و أبيكم،فقالوا لأجل ذلك: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ.

الثّاني:لأجل قولهم في المسيح:ابن اللّه،و هم يرجعون إليه،فجعلوا نفوسهم أبناء اللّه و أحبّاءه،فردّ اللّه منطقهم ذلك بقوله: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ.

(2:23)

نحوه الطّوسيّ(3:477)،و الطّبرسيّ(2:176).

البغويّ: قيل:أرادوا أنّ اللّه تعالى لنا كالأب في الحنوّ و العطف،و نحن كالأبناء له في القرب و المنزلة.

و قيل:معناه نحن أبناء اللّه،يعني أبناء رسول اللّه.

(2:32)

الزّمخشريّ: أشياع ابني اللّه:عزير و المسيح،كما قيل لأشياع أبي خبيب،و هو عبد اللّه بن الزّبير:

الخبيبون،و كما كان يقول رهط مسيلمة:نحن أنبياء اللّه،

ص: 788

و يقول أقرباء الملك و ذووه و حشمه:نحن الملوك.

و لذاك قال مؤمن آل فرعون:لكم الملك اليوم فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ المائدة:18،فإن صرّح أنّكم أبناء اللّه و أحبّاؤه فلم تذنبون و تعذّبون بذنوبكم،فتمسخون و تمسّكم النّار أيّاما معدودات على زعمكم،و لو كنتم أبناء اللّه لكنتم من جنس الأب غير فاعلين للقبائح، و لا مستوجبين للعقاب.(1:602)

نحوه البيضاويّ(1:268)،و شبّر(2:159).

ابن عطيّة: و البنوّة،في قولهم:هذا بنوّة الحنان و الرّأفة.و ذكروا أنّ اللّه تعالى أوحى إلى إسرائيل أنّ أوّل أولادك بكري،فضّلوا بذلك،و قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ و لو صحّ ما رووا لكان معناه بكرا في التّشريف أو النبوّة،و نحوه.(2:172)

الميبديّ: الكلام متداخل في هذه الآية،فالنّصارى قالوا:نحن أبناء اللّه،و اليهود قالوا:نحن أحبّاء اللّه.

و قال النّصارى:عيسى ابن اللّه و أمّه منّا،و أشاعوا ذلك بين النّاس،و كان المراد به عيسى

و قال اليهود:نحن أولياء اللّه من دون النّاس، و(النّاس)هنا المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم و العرب.

و قيل:إنّ قول النّصارى: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ لقول عيسى عليه السّلام لهم:«إذا صلّيتم فقولوا:يا أبانا الّذي في السّماء،تقدّس اسمك».

و هذا بمعنى القرب و البرّ و الرّحمة،يعني يا أيّها الرّبّ الّذي برحمته و قربه من عباده المحسنين كالأب الّذي يرفق بولده.

و لذا كانوا يقولون للمسلمين:و اللّه إنّ كتابنا لقبل كتابكم،و إنّ نبيّنا لقبل نبيّكم،و لا دين إلاّ ديننا،و لا نبيّ إلاّ نبيّنا،و إنّا نحن أهل العلم القديم،فليس أحد أفضل منّا.

و يجوز هنا ضمير مستتر،يعني نحن أبناء رسله، فأنذرهم رسول اللّه و وعدهم بعقوبة اللّه،فقالوا:نحن أبناء الرّسل،و لا يعذّبنا اللّه.

قال ربّ العزّة:يا محمّد،قل لهم:إن تزعموا أنّكم أبناء الرّسل،فلم عاقب آباءكم الّذين كانوا أصحاب السّبت،و أخذهم بذنوبهم؟(3:71)

الفخر الرّازيّ: و فيه سؤال:و هو أنّ اليهود لا يقولون ذلك البتّة،فكيف يجوز نقل هذا القول عنهم؟ و أمّا النّصارى فإنّهم يقولون ذلك في حقّ عيسى لا في حقّ أنفسهم،فكيف يجوز هذا النّقل عنهم؟

أجاب المفسّرون عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ هذا من باب حذف المضاف،و التّقدير نحن أبناء رسل اللّه،فأضيف إلى اللّه ما هو في الحقيقة مضاف إلى رسل اللّه،و نظيره قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.

و الثّاني:أنّ لفظ«الابن»كما يطلق على ابن الصّلب فقد يطلق أيضا على من يتّخذ ابنا،و اتّخاذه ابنا بمعنى تخصيصه بمزيد الشّفقة و المحبّة،فالقوم لمّا ادّعوا أنّ عناية اللّه بهم أشدّ و أكمل من عنايته بكلّ ما سواهم،لا جرم عبّر اللّه تعالى عن دعواهم كمال عناية اللّه بهم،بأنّهم ادّعوا أنّهم أبناء اللّه.

الثّالث:أنّ اليهود لمّا زعموا أنّ عزيرا ابن اللّه، و النّصارى زعموا أنّ المسيح ابن اللّه،ثمّ زعموا أنّ عزيرا

ص: 789

و المسيح كانا منهم،صار ذلك كأنّهم قالوا:نحن أبناء اللّه.

أ لا ترى أنّ أقارب الملك إذا فاخروا إنسانا آخر فقد يقولون:نحن ملوك الدّنيا و نحن سلاطين العالم.

و غرضهم منه كونهم مختصّين بذلك الشّخص الّذي هو الملك و السّلطان فكذا هاهنا.

و الرّابع:قال ابن عبّاس:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام،و خوّفهم بعقاب اللّه تعالى، فقالوا:كيف تخوّفنا بعقاب اللّه و نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه.

فهذه الرّواية إنّما وقعت عن تلك الطّائفة.

و أمّا النّصارى فإنّهم يتلون في الإنجيل الّذي لهم أنّ المسيح قال لهم:اذهب إلى أبي و أبيكم.

و جملة الكلام أنّ اليهود و النّصارى كانوا يرون لأنفسهم فضلا على سائر الخلق،بسبب أسلافهم الأفاضل من الأنبياء،حتّى انتهوا في تعظيم أنفسهم إلى أن قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ. (11:192)

نحوه الشّربينيّ(1:364)،و الخازن(2:24)، و أبو السّعود(2:253).

أبو حيّان: ظاهر اللّفظ أنّ جميع اليهود و النّصارى قالوا عن جميعهم ذلك،و ليس كذلك بل في الكلام لفّ و إيجاز،و المعنى:و قالت كلّ فرقة من اليهود و النّصارى -عن نفسها خاصّة-: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ يدلّ على ذلك وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ البقرة:

113،و البنوّة هنا بنوّة الحنان و الرّأفة،و ما ذكروا من أنّ اللّه أوحى إلى إسرائيل أنّ أولادك بكري،فضلّوا بذلك، و قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ لا يصحّ،و لو صحّ ما رووا،كان معناه بكرا في التّشريف و النّبوّة و نحو ذلك.

و جعل الزّمخشريّ قولهم: (أَبْناءُ اللّهِ) على حذف مضاف، و أقيم هذا مقامه.[ثمّ ذكر كلامه كما تقدّم](3:450)

الآلوسيّ: حكاية لما صدر من الفريقين من الدّعوى الباطلة لأنفسهم،و بيان لبطلانها إثر ذكر ما صدر عن أحدهما من الدّعوى الباطلة لغيره و بيان بطلانها،أي قال كلّ من الطّائفتين هذا القول الباطل، و مرادهم ب«الأبناء»:المقرّبون،أي نحن مقرّبون عند اللّه تعالى قرب الأولاد من والدهم،و ب«الأحبّاء»-جمع حبيب-بمعنى محبّ أو محبوب.

و يجوز أن يكون أرادوا من الأبناء الخاصّة،كما يقال:أبناء الدّنيا،و أبناء الآخرة،و أن يكون أرادوا أشياع من وصف بالبنوّة،أي قالت اليهود:نحن أشياع ابنه عزير،و قالت النّصارى:نحن أشياع ابنه المسيح عليهما السّلام،و أطلق الأبناء على الأشياع مجازا،إمّا تغليبا أو تشبيها لهم بالأبناء في قرب المنزلة،و هذا كما يقول أتباع الملك:نحن الملوك،و كما أطلق على أشياع أبي خبيب عبد اللّه بن الزّبير:الخبيبون في قوله:

*قدني من نصر الخبيبين قدي*

على رواية من رواه بالجمع،فقد قال ابن السّكّيت:

يريد أبا خبيب و من كان معه،فحيث جاز خبيب و أشياع أبيه فأولى أن يجوز جمع ابن اللّه عزّ اسمه و أشياع الابن بزعم الفريقين،فاندفع ما قيل:إنّهم لا يقولون ببنوّة أنفسهم،و لم يحمل على التّوزيع بمعنى أنفسنا الأحبّاء و أبناؤنا الأبناء بجمع الابنين لمشاكلة الأحبّاء، لأنّ خطاب(بل انتم بشر)يأباه ظاهرا،و يدلّ على

ص: 790

ادّعائهم البنوّة بأيّ معنى كان.

و قيل:الكلام على حذف المضاف،أي نحن أبناء أنبياء اللّه تعالى،و هو خلاف الظّاهر،و قائل ذلك من اليهود بعضهم،و نسب إلى الجميع لما مرّ غير مرّة.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و الحسن و قال:]

و عندي أنّ إطلاق(ابن اللّه)تعالى على المطيع قد كان في الزّمن القديم،ففي التّوراة قال اللّه تعالى لموسى عليه الصّلاة و السّلام:اذهب إلى فرعون و قل له:يقول لك الرّبّ:إسرائيل ابني بكري أرسله يعبدني،فإن أبيت أن ترسل ابني بكري قتلت بكرك.

و فيها أيضا في قصّة الطّوفان أنّه لمّا نظر بنو اللّه تعالى إلى بنات النّاس،و هم حسان جدّا،شغفوا بهنّ،فنكحوا منهنّ ما أحبّوا و اختاروا،فولدوا جبابرة فأفسدوا،فقال اللّه تعالى:«لا تحلّ عنايتي على هؤلاء القوم»،و أريد بأبناء اللّه تعالى:أولاد هابيل،و بأبناء النّاس:أبناء قابيل،و كنّ حسانا جدّا،فصرفن قلوبهنّ عن عبادة اللّه تعالى إلى عبادة الأوثان.

و في«المزامير»أنت ابني سلني أعطك،و فيها أيضا أنت ابني و حبيبي،و قال شعيا في نبوّته عن اللّه تعالى:

تواصوا بي في أبنائي و بناتي،يريد ذكور عباد اللّه تعالى الصّالحين و إناثهم.

و قال يوحنّا الإنجيليّ في الفصل الثّاني من الرّسالة الأولى:انظروا إلى محبّة الأب لنا أن أعطانا أن ندعى أبناء.و في الفصل الثّالث:أيّها الأحبّاء الآن صرنا أبناء اللّه تعالى،فينبغي لنا أن ننزّله في الإجلال على ما هو عليه،فمن صحّ له هذا الرّجاء فليزكّ نفسه بترك الخطيئة و الإثم،و اعلموا أنّ من لابس الخطيئة فإنّه لم يعرفه.

و قال متّى:قال المسيح:أحبّوا أعداءكم،و باركوا على لاعنيكم،و أحسنوا إلى من يبغضكم،وصلوا على من طردكم،كيما تكونوا بني أبيكم المشرق شمسه على الأخيار و الأشرار،و الممطر على الصّدّيقين و الظّالمين.

و قال يوحنا التّلميذ في قصص الحواريّين:يا أحبّائي إنّا أبناء اللّه تعالى سمّانا بذلك.و قال بولس الرّسول في رسالته إلى ملك الرّوم:إنّ الرّوح تشهد لأرواحنا أنّنا أبناء اللّه تعالى و أحبّاؤه،إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

و قد جاء أيضا إطلاق«الابن»على العاصي،و لكن بمعنى الأثر و نحوه،ففي الرّسالة الخامسة لبولس:إيّاكم و السّفه و السّبّ و اللّعب،فإنّ الزّاني و النّجس كعابد الوثن لا نصيب له في ملكوت اللّه تعالى،و احذروا هذه الشّرور فمن أجلها يأتي رجز اللّه على الأبناء الّذين لا يطيعونه،و إيّاكم أن تكونوا شركاء لهم فقد كنتم قبل في ظلمة،فاسعوا الآن سعي أبناء النّور.و مقصود الفريقين ب(نحن أبناء اللّه و احبّاؤه)هو المعنى المتضمّن مدحا،و حاصل دعواهم أنّ لهم فضلا و مزيّة عند اللّه تعالى على سائر الخلق،فردّ سبحانه عليهم ذلك.[إلى أن قال:]

هذا و أورد بعض المحقّقين هنا إشكالا ذكر أنّه قويّ، و هو أنّه إذا كان معنى(نحن ابناء اللّه)تعالى أشياع بنيه، فغاية الأمر أن يكونوا على طريقة الابن تحقيقا للتّبعيّة.

لكن من أين يلزم أن يكونوا من جنس الأب كما صرّح به الزّمخشريّ في انتفاء فعل القبائح،و انتفاء البشريّة و المخلوقيّة ليحسن الرّدّ عليهم بأنّهم(بشر ممّن خلق)،

ص: 791

نعم ما ذكروه في هذا المقام من استلزام المحبّة،عدم العصيان و المعاقبة،ربّما يتمشّى،لأنّ من شأن المحبّ أن لا يعصي الحبيب،و لا يستحقّ منه المعاقبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه مناقشة،لأنّ هذا شأن المحبّين،و الأحبّاء هم المحبّون،و أجاب عن إشكال إثبات البشريّة بأنّه ليس إثباتا لمطلق البشريّة،ليجب أن يكون ردّ الدّعوى بانتفائه بل هو إثبات أنّهم بشر مثل سائر البشر،و من جنس سائر المخلوقين،منهم العاصي و المطيع و المستحقّ للمغفرة و العذاب،لا كما ادّعوا من أنّهم الأشياع المخصوصون بمزيد قرب و اختصاص لا يوجد في سائر البشر،و لذا وصف«بشرا»بقوله سبحانه:(ممّن خلق) حتّى لا يبعد أن يكون يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أيضا في موقع الصّفة على حذف العائد،أي لمن يشاء منهم.

و أمّا إشكال الجنسيّة فقيل في جوابه:المراد أنّكم لو كنتم أشياع بني اللّه تعالى لكنتم على صفتهم في ترك القبائح و عدم استحقاق العذاب،لأنّ من شأن الأشياع و الأتباع أن يكونوا على صفة المتبوعين،و المتبوعون هنا هم الأبناء بالزّعم،و من شأن الأبناء أن يكونوا على صفة الأب فمن شأن الأتباع أن يكونوا على صفة الأب بالواسطة.

و قيل:كلام من قال:يلزم أن يكونوا من جنس الأب على حذف مضاف،أي لو كنتم أشياع بني اللّه تعالى لكنتم من جنس أشياع الأب،يعني أهل اللّه تعالى الّذين لا يفعلون القبائح و لا يستوجبون العقاب.

و في«الكشف»أنّ قولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ تعالى فيه إثبات الابن،و أنّهم من أشياعه،مستوجبون محبّة الأب لذلك،فينبغي أن يكون الرّدّ مشتملا على هدم القولين،فقيل:من أسندتم إليه البنوّة لا يصلح لها، لإمكان القبيح عليه و صدوره هفوة و مؤاخذته بالزّلّة و دعواكم المحبّة كاذبة،و إلاّ لما عذّبتم،و أيضا إذا بطل أن يكون له تعالى ابن بطل أن يكونوا أشياعه،و كذلك المحبّة المبنيّة على ذلك.

ثمّ قال:و جاز أن يقال:إنّه لإبطال أن يكونوا أبناء حقيقة كما يفهم من ظاهر اللّفظ؛أو مجازا كما فسّره الزّمخشريّ.

و أنت تعلم أنّ كلّ ما ذكره ليس بشيء،كما لا يخفي على من له أدنى تأمّل،و ما ذكرناه كاف في الغرض.

نعم ذكر الشّهاب عليه الرّحمة توجيها لا بأس به، و هو أنّ اللاّئق أن يكون مرادهم بكونهم(أبناء اللّه)تعالى أنّه لمّا أرسل إليهم الابن على زعمهم و أرسل لغيرهم رسل عباده،دلّ ذلك على امتيازهم عن سائر الخلق، و أنّ لهم مع اللّه تعالى مناسبة تامّة و زلفى،تقتضي كرامة لا كرامة فوقها،كما أنّ الملك إذا أرسل لدعوة قوم أحد جنده و لآخرين ابنه علموا أنّه مزيد لتقريبهم،و أنّهم آمنون من كلّ سوء يطرق غيرهم.

و وجه الرّدّ:أنّكم لا فرق بينكم و بين غيركم عند اللّه تعالى،فإنّه لو كان كما زعمتم لما عذّبكم و جعل المسخ فيكم،و كذا على كونه بمعنى المقرّبين،المراد قرب خاصّ،فيطابقه الرّدّ و يتعانق الجوابان،فافهمه انتهى.

و الجواب عن المناقشة الّتي فعلها البعض يعلم ممّا أشرنا إليه سابقا،فلا تغفل وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ

ص: 792

وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما المائدة:18،من تتمّة الرّدّ،أي كلّ ذلك له تعالى لا ينتهي إليه سبحانه شيء منه إلاّ بالمملوكيّة و العبوديّة و المقهوريّة تحت ملكوته،يتصرّف فيه كيف يشاء إيجادا و إعداما،إحياء و إماتة،إثابة و تعذيبا،فأنّى لهؤلاء ادّعاء ما زعموا؟!

و ربّما يقال:إنّ هذا مع ما تقدّم ردّ لكونهم أبناء اللّه تعالى بمعنى أشياع بنيه،فنفى أوّلا كونهم أشياعا،و ثانيا وجود بنين له عزّ شأنه.(6:100)

نحوه المراغيّ.(6:86)

الطّباطبائيّ: لا ريب أنّهم لم يكونوا يدّعون البنوّة الحقيقيّة كما يدّعيه معظم النّصارى للمسيح عليه السّلام، فلا اليهود كانت تدّعي ذلك حقيقة و لا النّصارى،و إنّما كانوا يطلقونها على أنفسهم إطلاقا تشريفيّا بنوع من التّجوّز،و قد ورد في كتبهم المقدّسة هذا الإطلاق كثيرا، كما في حقّ آدم،و يعقوب،و داود و إقرام و عيسى، و أطلق أيضا على صلحاء المؤمنين.

و كيف كان فإنّما أريد ب«الأبناء»أنّهم من اللّه سبحانه،بمنزلة الأبناء من الأب،فهم بمنزلة أبناء الملك بالنّسبة إليه،المنحازين عن الرّعيّة،المخصوصين بخصيصة القرب،المقتضية أن لا يعامل معهم معاملة الرّعيّة،كأنّهم مستثنون عن إجراء القوانين و الأحكام المجراة بين النّاس،لأنّ تعلّقهم بعرش الملك لا يلائم مجازاتهم بما يجازي به غيرهم،و لا إيقافهم موقفا توقف فيه سائر الرّعيّة،فلا يستهان بهم كما يستهان بغيرهم، فكلّ ذلك لما تتعقّبه علقة النّسب من علقة الحبّ و الكرامة.

فالمراد بهذه البنوّة الاختصاص و التّقرّب،و يكون عطف قوله:(و احبّاؤه)على قوله:(أبناء اللّه)كعطف التّفسير،و ليس به حقيقة.و غرضهم من دعوى هذا الاختصاص و المحبوبيّة إثبات لازمه،و هو أنّه لا سبيل إلى تعذيبهم و عقوبتهم،فلن يصيروا إلاّ إلى النّعمة و الكرامة،لأنّ تعذيبه تعالى إيّاهم يناقض ما خصّهم به من المزيّة،و حباهم به من الكرامة.

و الدّليل عليه ما ورد في الرّدّ عليهم،من قوله تعالى:

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ المائدة:18؛إذ لو لا أنّهم كانوا يريدون بقولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ أنّه لا سبيل إلى عذابهم،و إن لم يستجيبوا الدّعوة الحقّة لم يكن وجه لذكر هذه الجملة:(يغفر)ردّا عليهم،و لا لقوله: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ موقع حسن مناسب، فمعنى قولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ أنّا خاصّة اللّه و محبوبوه،لا سبيل له تعالى إلى تعذيبنا و إن فعلنا ما فعلنا، و تركنا ما تركنا،لأنّ انتفاء السّبيل و وقوع الأمن التّامّ من كلّ مكروه و محذور هو لازم معنى الاختصاص و الحبّ.(5:248)

عبد الكريم الخطيب :ممّا يفسح لأهل الضّلال في ضلالهم،و يمدّ لهم في حبل الغواية:أن يتمنّوا على اللّه الأمانيّ،و أن يجدوا في هذه الأمانيّ الباطلة،تعلّة يتعلّلون بها،و سرابا خادعا يجرون وراءه.

و لقد قامت لكلّ من اليهود و النّصارى دعوى على اللّه بأنّهم أبناؤه و أحبّاؤه؛فاليهود يقولون:نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه.

و الحقّ أنّهم ما كانوا إلاّ أبناء لأهوائهم و إلاّ أحبّاء

ص: 793

لشهواتهم،أمّا اللّه،الّذين يدّعون عليه هذه الدّعوى، فهم أعداؤه و حرب عليه.

أنّ اليهود قد بدّلوا كلمات اللّه و حرّفوها،فآذوا رسله و قتلوا أنبياءه،فكيف تستقيم مع هذا دعواكم بأنّهم أبناؤه و أحبّاؤه؟

و النّصارى قد ألبسوا اللّه هذا الثّوب البشريّ، و داروا به في الأرض دورة قاسية،يتلقّى بها اللّطمات و اللّعنات،ثمّ ينتهي به الأمر معلّقا على خشبة بين لصّين.و قد ردّ اللّه عليهم هذا الادّعاء الكاذب و سلكهم جميعا اليهود و النّصارى مسلكا واحدا؛إذ كان طريقهم على الضّلال واحدا،فقال تعالى: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ؟أي إن كنتم أبناء اللّه حقّا و أحبّاءه صدقا، فلم تغرقون في الإثم و تموجون في الخطيئة و تلقون في النّار؟

إنّ أبناء اللّه و أحبّاؤه لا يخرجون عن طاعته و لا يمكرون بآياته.(3:1063)

2- فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ. المؤمن:25

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف قيل:«فلمّا جاءهم موسى بالحقّ من عندنا،قالوا:اقتلوا أبناء الّذين آمنوا معه،و استحيوا نساءهم»و إنّما كان قتل فرعون الولدان من بني إسرائيل،حذار المولود الّذي كان أخبر أنّه على رأسه ذهاب ملكه و هلاك قومه،و ذلك كان- فيما يقال-قبل أن يبعث اللّه موسى نبيّا؟

قيل:إنّ هذا الأمر بقتل أبناء الّذين آمنوا مع موسى و استحياء نسائهم،كان أمرا من فرعون و ملئه من بعد الأمر الأوّل الّذي كان من فرعون،قبل مولد موسى.

(24:56)

ابن عطيّة: و سمّوا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء،كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة و أهل الظّهور فيها:هؤلاء أبناء فلانة.(4:554)

الطّبرسيّ: أي أمروا بقتل الذّكور من قوم موسى، لئلاّ يكثر قومه،و لا يتقوّى بهم،و باستبقاء نسائهم للخدمة.(4:520)

ابناءهم

اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

البقرة:146

الطّوسيّ: فإن قيل لم قال: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ أنّهم أبناؤهم في الحقيقة،و يعرفون أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله هو النّبيّ المبشّر به في الحقيقة.

قلنا:التّشبيه وقع بين المعرفة بالابن في الحكم، و هي معرفة تميّزه بها من غيره،و بين المعرفة بالنّبيّ المبشّر به في الحقيقة،فوقع التّشبيه بين معرفتين، إحداهما أظهر من الأخرى.(2:22)

نحوه الطّبرسيّ.(1:229)

الزّمخشريّ: لا يشتبه عليهم أبناؤهم و أبناء غيرهم.و عن عمر أنّه سأل عبد اللّه بن سلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:أنا أعلم به منّي بابني،قال:و لم؟قال:

ص: 794

لأنّي لست أشكّ في محمّد أنّه نبيّ،فأمّا ولدي فلعلّ والدته خانت.فقبّل عمر رأسه.

و جاز الإضمار،و إن لم يسبق له ذكر،لأنّ الكلام يدلّ عليه و لا يلتبس عن السّامع.و مثل هذا الإضمار، فيه تفخيم و إشعار بأنّه لشهرته و كونه علما،معلوم بغير إعلام.

و قيل:الضّمير للعلم أو القرآن،أو تحويل القبلة، و قوله: كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يشهد للأوّل، و ينصره الحديث عن عبد اللّه بن سلام.

فإن قلت:لم اختصّ الأبناء؟

قلت:لأنّ الذّكور أشهر و أعرف و هم لصحبة الآباء ألزم،و بقلوبهم ألصق.(1:321)

نحوه الفخر الرّازيّ(4:144)،و البيضاويّ(1:

89)،و أبو السّعود(1:216)،و المراغيّ(2:13).

ابن عطيّة: و خصّ الأبناء دون الأنفس و هي ألصق،لأنّ الإنسان يمرّ عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه،و لا يمرّ عليه وقت لا يعرف فيه ابنه.(1:223)

نحوه القرطبيّ.(2:163)

أبو حيّان: ظاهر الأبناء الاختصاص بالذّكور، فيكون قد خصّوا بذلك،لأنّهم أكثر مباشرة و معاشرة للآباء،و ألصق و أعلق بقلوب الآباء.

و يحتمل أن يراد بالأبناء:الأولاد،فيكون ذلك من باب التّغليب.و كان التّشبيه بمعرفة الأبناء آكد من التّشبيه بالأنفس،لأنّ الإنسان قد يمرّ عليه برهة من الزّمان لا يعرف فيها نفسه،بخلاف الأبناء فإنّه لا يمرّ عليه زمان إلاّ و هو يعرف ابنه.(1:436)

البروسويّ: أي يعرفونه صلّى اللّه عليه و سلّم بأوصافه الشّريفة المكتوبة في كتابهم،لا يشتبه عليهم كما لا يشتبه أبناؤهم.

و تخصيصهم بالذّكر دون ما يعمّ البنات،لكون الذّكور أشهر و أعرف عندهم منهنّ،و هم بصحبة الآباء ألزم، و بقلوبهم ألصق.

فإن قيل:لم لم يقل:كما يعرفون أنفسهم،مع أنّ معرفة الشّخص نفسه أقرب إليه من معرفة سائر الأشياء؟

فالجواب ما قال الرّاغب،لأنّ الإنسان لا يعرف نفسه إلاّ بعد انقضاء برهة من دهره،و يعرف ولده من حين وجوده.(1:252)

الآلوسيّ: و المراد بالأبناء:الذّكور،لأنّهم أكثر مباشرة و معاشرة للآباء،و ألصق و أعلق بقلوبهم من البنات،فكان ظنّ اشتباه أشخاصهم أبعد،و كان التّشبيه بمعرفة الأبناء آكد من التّشبيه بالأنفس،لأنّ الإنسان قد يمرّ عليه قطعة من الزّمان لا يعرف فيها نفسه،كزمن الطّفوليّة،بخلاف الأبناء فإنّه لا يمرّ عليه زمان إلاّ و هو يعرف ابنه.[ثمّ ذكر حديث عبد اللّه بن سلام و قال:]

فمعناه أنّي لست أشكّ في نبوّته عليه الصّلاة و السّلام بوجه،و أمّا ولدي فأشكّ في بنوّته و إن لم أشكّ بشخصه، و هو المشبّه به في الآية،فلا يتوهّم منه إنّ معرفة الأبناء لا تستحقّ أنّ يشبّه بها،لأنّها دون المشبّه للاحتمال، و لا يحتاج إلى القول بأنّه يكفي في وجه الشّبه،كونه أشهر في المشبّه به و إن لم يكن أقوى،و معرفة الأبناء أشهر من غيرها،و لا إلى تكلّف أنّ المشبّه به في الآية إضافة الأبناء إليهم مطلقا،سواء كانت حقّة أو لا،

ص: 795

و ما ذكره ابن سلام كونه ابنا له في الواقع.(2:13)

2- وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَ إِنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ. الأعراف:127

الطّبريّ: قال فرعون سنقتّل أبناءهم الذّكور،من أولاد بني إسرائيل.(9:26)

الفخر الرّازيّ: يعني أبناء بني إسرائيل،و من آمن بموسى عليه السّلام.(14:211)

البيضاويّ: كما كنّا نفعل من قبل،ليعلم أنّا على ما كنّا عليه من القهر و الغلبة،و لا يتوهّم أنّه المولود الّذي حكم المنجّمون و الكهنة بذهاب ملكنا على يده.

(1:364)

نحوه النّسفيّ(2:70)،و أبو السّعود(20:19)، و الآلوسيّ(9:29).

الشّربينيّ: أي المولودين.(1:504)

البروسويّ: و أبناء:صفات الرّوح و القلب، و النّفس:أعمالها الصّالحة،أي نبطل أعمالهم بالرّياء و العجب.[و هو تأويل بعيد](3:216)

ابناؤكم

قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ... التّوبة:24

الطّوسيّ: الّذين ولدتموهم،و هم الأولاد الذّكور.

(5:229)

نحوه الطّبرسيّ.(3:16)

ابن عطيّة:و ذكر«الأبناء»في الآية لما جلبت ذكرهم المحبّة،و الأبناء صدر في المحبّة،و ليسوا كذلك في أن تتبع آراؤهم،كما في الآية المتقدّمة.(3:18)

الآلوسيّ: لم يذكر الأبناء و الأزواج فيما سلف، و ذكرهم هنا،لأنّ ما تقدّم في الأولياء،و هم أهل الرّأي و المشورة،و الأبناء و الأزواج تبع ليسوا كذلك،و ما هنا في المحبّة،و هم أحبّ إلى كلّ أحد.(10:71)

أبناءكم

1- وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ... البقرة:49

ابن عبّاس: تذاكر فرعون و جلساؤه ما كان اللّه وعد إبراهيم خليله أن يجعل في ذرّيّته أنبياء و ملوكا، و ائتمروا و أجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشّفار يطوفون في بني إسرائيل،فلا يجدون مولودا ذكرا إلاّ ذبحوه،ففعلوا.

فلمّا رأوا أنّ الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم و أنّ الصّغار يذبّحون،قال:توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال و الخدمة ما كانوا يكفونكم،فاقتلوا عاما كلّ مولود ذكر،فتقلّ أبناؤهم،و دعوا عاما،فحملت أمّ موسى بهارون في العام الّذي لا يذبح فيه الغلمان،فولدته علانية أمّه،حتّى إذا كان القابل حملت بموسى.(الطّبريّ 1:272)

ابن عطيّة: يذبّحون الرّجال و يسمّون أبناء لما كانوا كذلك،و استدلّ هذا القائل بقوله تعالى:

نِساءَكُمْ.

ص: 796

و الصّحيح من التّأويل:أنّ الأبناء هم الأطفال الذّكور،و النّساء هم الأطفال الإناث،و عبّر عنهنّ باسم النّساء بالمآل،و ليذكرهنّ بالاسم الّذي في وقته يستخدمن و يمتهنّ.و نفس الاستحياء ليس بعذاب، لكن العذاب بسببه وقع الاستحياء.(1:140)

الفخر الرّازيّ: البحث الثّالث:قال بعضهم:أراد بقوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ الرّجال دون الأطفال، ليكون في مقابلة النّساء؛إذ النّساء هنّ البالغات،و كذا المراد من الأبناء هم الرّجال البالغون.قالوا:إنّه كان يأمر بقتل الرّجال الّذين يخاف منهم الخروج عليه،و التّجمّع لإفساد أمره.

و أكثر المفسّرين على أنّ المراد بالآية:الأطفال دون البالغين،و هذا هو الأولى لوجوه:

الأوّل:حملا للفظ الأبناء على ظاهره.

الثّاني:أنّه كان يتعذّر قتل جميع الرّجال على كثرتهم.

الثّالث:أنّهم كانوا محتاجين إليهم في استعمالهم،في الصّنائع الشّاقّة.

الرّابع:أنّه لو كان كذلك لم يكن لإلقاء موسى عليه السّلام في التّابوت حال صغره معنى.

أمّا قوله:وجب حمله على الرّجال ليكون في مقابلة النّساء،ففيه جوابان:

الأوّل:أنّ الأبناء لمّا قتلوا حال الطّفوليّة لم يصيروا رجالا،فلم يجز إطلاق اسم الرّجال عليهم.أمّا البنات لمّا لم يقتلن بل وصلن إلى حدّ النّساء،جاز إطلاق اسم النّساء عليهنّ.

الثّاني:قال بعضهم:المراد بقوله: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يفتّشون حياء المرأة،أي فرجها هل بها حمل أم لا،و أبطل ذلك بأنّ ما في بطونهنّ إذا لم يكن للعيون ظاهرا لم يعلم بالتّفتيش،و لم يوصل إلى استخراجه باليد.

البحث الرّابع:في سبب قتل الأبناء،ذكروا فيه وجوها:

أحدها:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

و ثانيها:قول السّدّيّ:إنّ فرعون رأى نارا أقبلت من بيت المقدس حتّى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط و تركت بني إسرائيل،فدعا فرعون الكهنة و سألهم عن ذلك؟فقالوا:يخرج من بيت المقدس من يكون هلاك القبط على يده.

و ثالثها:أنّ المنجّمين أخبروا فرعون بذلك و عيّنوا له السّنة،فلهذا كان يقتل أبناءهم في تلك السّنة.

و الأقرب هو الأوّل،لأنّ الّذي يستفاد من علم التّعبير و علم النّجوم لا يكون أمرا مفصّلا،و إلاّ قدح ذلك في كون الإخبار عن الغيب معجزا بل يكون أمرا مجملا.

و الظّاهر من حال العاقل أن لا يقدم على مثل هذا الأمر العظيم بسببه.

فإن قيل:إنّ فرعون كان كافرا باللّه،فكان بأن يكون كافرا بالرّسل أولى،و إذا كان كذلك فكيف يمكن أن يقدم على هذا الأمر العظيم بسبب إخبار إبراهيم عليه السّلام عنه.

قلنا:لعلّ فرعون كان عارفا باللّه و يصدق الأنبياء إلاّ أنّه كان كافرا كفر الجحود و العناد.أو يقال:إنّه كان شاكّا

ص: 797

متحيّرا في دينه،و كان يجوّز صدق إبراهيم عليه السّلام،فأقدم على ذلك الفعل احتياطا.(3:68)

القرطبيّ: كان فرعون يذبّح الأطفال و يبقي البنات،و عبّر عنهم باسم النّساء بالمآل.و قالت طائفة:

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ يعني الرّجال،و سمّوا أبناء لما كانوا كذلك،و استدلّ هذا القائل بقوله:(نساءكم).

و الأوّل أصحّ،لأنّه الأظهر،و اللّه أعلم.(1:385)

أبو حيّان: و الأبناء:الأطفال الذّكور،يقال:إنّه قتل أربعين ألف صبيّ.

و قيل:أراد بالأبناء:الرّجال،و سمّوا أبناء باعتبار ما كانوا قبل،و الأوّل أشهر.(1:194)

البروسويّ: و المراد من الأبناء:هم الذّكور خاصّة،و إن كان الاسم يقع على الذّكور و الإناث،في غير هذا الموضع كالبنين،في قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ البقرة:47،فإنّهم كانوا يذبّحون الغلمان لا غير،و كذا أريد به الصّغار دون الكبار،لأنّهم كانوا يذبّحون الصّغار.(1:129)

الآلوسيّ: و الأبناء:الأطفال الذّكور،و قيل:إنّهم الرّجال،هذا و سمّوا أبناء باعتبار ما كانوا قبل.و في بعض الأخبار:أنّه قتل أربعين ألف صبيّ،و حكي أنّه كان يقتل الرّجال الّذين يخاف منهم الخروج و التّجمّع لافساد أمره.

و المشهور حمل الأبناء على الأوّل،و هو المناسب المتبادر.و في سبب ذلك أقوال و حكايات مختلفة، و معظمها يدلّ على أنّ فرعون خاف من ذهاب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل،ففعل ما فعل.(1:254)

المراغيّ: أي يقتلون الذّكور و يستبقون البنات إذلالا لكم حتّى ينقرض شعبكم من البلاد.(1:114)

محمّد جواد مغنيّة:أي يقتلون الذّكور من نسلكم،و يستبقون الإناث أحياء،ليتّخذوهنّ خدما.

(1:99)

2- وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ. الأعراف:141

الطّبريّ: الذّكور من أولادهم.(9:47)

الماورديّ: أي يقتلون أبناءكم صغارا.(2:255)

الطّوسيّ: معناه إنّ فرعون كان يقتل من تولّد من بني إسرائيل ذكرا،و يستبقي الإناث للاستخدام.

(4:564)

ابناءنا

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ. آل عمران:61

لاحظ«ب ه ل».

ابنائنا

...قالُوا وَ ما لَنا أَلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا... البقرة:246

الطّبريّ: و نمنع أبناءنا و نساءنا و ذراريّنا.

(2:597)

ص: 798

الزّجّاج:أي سبيت ذرارينا.(1:327)

البيضاويّ: أي أيّ غرض لنا في ترك القتال و قد عرض لنا ما يوجبه و يحثّ عليه من الإخراج عن الأوطان و الإفراد عن الأولاد؛و ذلك أنّ جالوت و من معه من العمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الرّوم بين مصر و فلسطين،فظهروا على بني إسرائيل فأخذوا ديارهم و سبوا أولادهم و أسروا من أبناء الملوك أربعمائة و أربعين.(1:129)

نحوه النّسفيّ.(1:124)

أبو السّعود: أي و الحال أنّه قد عرض لنا ما يوجب القتال إيجابا قويّا من الإخراج عن الدّيار و الأوطان، و الاغتراب من الأهل و الأولاد،و إفراد الأبناء بالذّكر لمزيد تقوية أسباب القتال.(1:182)

نحوه البروسويّ.(1:286)

بنات

أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ.

الزّخرف:16

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه موبّخا هؤلاء المشركين الّذين وصفوه بأنّ الملائكة بناته:أتّخذ ربّكم أيّها الجاهلون ممّا يخلق بنات و أنتم لا ترضون لأنفسكم؟

(25:56)

و بهذا المعنى جاءت كلمة«البنات»في سورة النّحل:

57،و سورة الصّافّات:149 و 153.

بناتى

وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ... هود:78

ابن عبّاس: أنّهنّ بناته لصلبه.

(ابن الجوزيّ 4:137)

نحوه قتادة.(الطّوسيّ 6:40)

حذيفة بن اليمان:أنّه أراد بنات نفسه و أولاد صلبه،لأنّ أمره فيهنّ أنفذ من أمره في غيرهنّ.

(الماورديّ 2:488)

سعيد بن جبير: أراد نساءهم.

مثله مجاهد.(البغويّ 2:459)

مجاهد :لم يكن بناته،و لكن كنّ من أمّته،و كلّ نبيّ أبو أمّته.(الطّبريّ 12:84)

نحوه الطّبريّ.(12:84)

أمرهم أن يتزوّجوا النّساء،لم يعرض عليهم سفاحا.

(الطّبريّ 12:84)

نحوه قتادة(الطّبريّ 12:84)،و ابن جريج(ابن الجوزيّ 4:138).

قتادة :أمرهم أنّ يتزوّجوا النّساء،و أراد نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقي أضيافه ببناته.(الطّبريّ 12:84)

الزّجّاج: فقيل:إنّهم عرض عليهم التّزويج و كأنّه عرضه عليهم إن أسلموا.

و قيل: هؤُلاءِ بَناتِي نساء أمّتي،فكأنّه،قال لهم:التّزويج أطهر لكم.(3:67)

الماورديّ: فيهنّ قولان:

أحدهما:أنّه أراد نساء أمّته،و لم يرد بنات نفسه.

ص: 799

قال مجاهد: و كلّ نبيّ أبو أمّته،و هم أولاده.و قال سعيد بن جبير:كان في بعض القرآن(النّبىّ اولى بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امّهاتهم و هو اب لهم)الأحزاب:6.

الثّاني:[قول حذيفة المتقدّم]

فإن قيل:كيف يزوّجهم ببناته مع كفر قومه و إيمان بناته؟

قيل عن هذا ثلاثة أجوبة:

أحدها:أنّه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة،و كان هذا في صدر الإسلام جائزا حتّى نسخ، قاله الحسن.

الثّاني:أنّه يزوّجهم على شرط الإيمان،كما هو مشروط بعقد النّكاح.

الثّالث:أنّه قال ذلك ترغيبا في الحلال و تنبيها على المباح،و دفعا للبادرة من غير بذل نكاحهنّ،و لا تعريض بخطبتهنّ،قاله ابن أبي نجيح.(2:488)

الرّاغب: فقد قيل:خاطب بذلك أكابر القوم، و عرض عليهم بناته لا أهل قريته كلّهم،فإنّه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجمّ الغفير.

و قيل:بل أشار بالبنات إلى نساء أمّته،و سمّاهنّ بنات له،لكون كلّ نبيّ بمنزلة الأب لأمّته،بل لكونه أكبر و أجلّ الأبوين لهم،كما تقدّم في ذكر«الأب».

(63)

البغويّ: يعني بالتّزويج و في أضيافه ببناته.و كان في ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائز،كما زوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ابنته من عتبة بن أبي لهب و أبي العاص بن الرّبيع قبل الوحي،و كانا كافرين.

و قال حسين بن فضل:عرض بناته عليهم بشرط الإسلام.و قال مجاهد و سعيد بن جبير:قوله: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود:78،أراد نساءهم،و أضاف إلى نفسه،لأنّ كلّ نبيّ أبو أمّته.(1:459)

الزّمخشريّ: [قال نحو البغويّ و أضاف:]

و قيل:كان لهم سيّدان مطاعان،فأراد أن يزوّجهما ابنتيه.(2:283)

نحوه النّسفيّ.(2:198)

ابن عطيّة: فقالت فرقة:أشار إلى بنات نفسه، و ندبهم في هذه المقالة إلى النّكاح،و ذلك على أن كانت سنّتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة،أو على أنّ في ضمن كلامه أن يؤمنوا.

و قالت فرقة:إنّما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاؤه.

روي هذا القول عن أبي عبيدة،و هو ضعيف.و هذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير:الخنزير أحلّ لك من هذا، و هذا التّنطّع ليس من كلام الأنبياء عليهم السّلام.

و قالت فرقة:أشار بقوله:(بناتى)إلى النّساء جملة؛ إذ نبيّ القوم أب لهم.و يقوّي هذا أنّ في قراءة ابن مسعود (النّبىّ اولى بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امّهاتهم و هو اب لهم) و أشار أيضا لوط في هذا التّأويل إلى النّكاح.(3:194)

نحوه القرطبيّ.(9:76)

ابن الجوزيّ: فإن قيل:كيف جمع و قد كنّ اثنتين؟

فالجواب:أنّه يقع الجمع على اثنين،كقوله: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78.[ثمّ قال نحو الماورديّ]

ص: 800

(4:138)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:قال قتادة:المراد بناته لصلبه،و قال مجاهد و سعيد بن جبير:المراد نساء أمّته، لأنّهنّ في أنفسهنّ،بنات،و لهنّ إضافة إليه بالمتابعة و قبول الدّعوة.

قال أهل النّحو:يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب،لأنّه كان نبيّا لهم،فكان كالأب لهم،قال تعالى:

وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ و هو أب لهم.و هذا القول عندي هو المختار،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش و الفجّار أمر مبتعد لا يليق بأهل المروءة، فكيف بأكابر الأنبياء.

الثّاني:و هو أنّه قال: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فبناته اللّواتي من صلبه لا تكفي للجمع العظيم،أمّا نساء أمّته ففيهنّ كفاية للكلّ.

الثّالث:أنّه صحّت الرّواية أنّه كان له بنتان،و هما:

(زنتا)و(زعورا).و إطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز،لما ثبت أنّ أقلّ الجمع ثلاثة.

فأمّا القائلون بالقول الأوّل فقد اتّفقوا على أنّه عليه السّلام ما دعا القوم إلى الزّنى بالنّسوان بل المراد أنّه دعاهم إلى التّزوّج بهنّ،و فيه قولان:

أحدهما:أنّه دعاهم إلى التّزوّج بهنّ بشرط أن يقدّموا الإيمان.

و الثّاني:أنّه كان يجوز تزويج المؤمنة من الكافر في شريعته،و هكذا كان في أوّل الإسلام،بدليل أنّه عليه السّلام زوّج ابنته زينب من أبي العاص بن الرّبيع،و كان مشركا،و زوّج ابنته من عتبة بن أبي لهب،ثمّ نسخ ذلك بقوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ و بقوله:

وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا البقرة:221.

و اختلفوا أيضا،فقال الأكثرون:كان له بنتان.

و على هذا التّقدير ذكر الاثنتين بلفظ الجمع،كما في قوله:

فإن كان له إخوة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما التّحريم:4.

و قيل:إنّهنّ كنّ أكثر من اثنتين.(18:32)

نحوه الخازن(3:200)،و النّيسابوريّ(12:48)

البيضاويّ: فدى بهنّ أضيافه،و المعنى هؤلاء بناتي فتزوّجوهنّ.و كانوا يطالبوهنّ قبل فلا يجيبهم لخبثهم و عدم كفاءتهم،لا لحرمة المسلمات على الكفّار، فإنّه شرع طارئ،أو مبالغة في متناهي خبث ما يرومونه،حتّى أنّ ذاك أهون منه،أو إظهارا لشدّة امتعاضه من ذلك،كي يرقّوا له.

و قيل:المراد بالبنات:نساؤهم،فإنّ كلّ نبيّ أبو أمّته من حيث الشّفقة و التّربية.و في حرف ابن مسعود (و ازواجه امّهاتهم و هو اب لهم).(1:475)

نحوه شبّر.(3:235)

أبو حيّان:الأحسن أن تكون الإضافة مجازيّة،أي بنات قومي،أي البنات أطهر لكم؛إذ النّبيّ يتنزّل منزلة الأب لقومه.

و في قراءة ابن مسعود (النّبيّ اولى بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امّهاتهم و هو اب لهم) و يدلّ عليه أنّه فيما قيل لم يكن له إلاّ بنتان،و هذا بلفظ الجمع،و أيضا فلا يمكن أن يزوّج ابنتيه من جميع قومه.

و قيل:كان لهم سيّدان مطاعان،فأراد أن يزوّجهما

ص: 801

ابنتيه:زغورا و زيتا.و قيل:كنّ ثلاثا.[إلى أن قال:]

فقيل:(هؤلاء)مبتدأ،و(بناتى)مبتدأ و خبر في موضع خبر(هؤلاء)،و روي هذا عن المبرّد.

و قيل:(هؤلاء بناتى)مبتدأ و خبر،و(هنّ)مبتدأ، و(لكم)خبره،و العامل قيل:المضمر،و قيل:(لكم)بما فيه من معنى الاستقرار.

و قيل:(هؤلاء بناتى)مبتدأ و خبر،و(هنّ)فصل، و(اطهر)حال.و ردّ بأنّ الفصل لا يقع إلاّ بين جزءي الجملة،و لا يقع بين الحال و ذي الحال،و قد أجاز ذلك بعضهم،و ادّعى السّماع فيه عن العرب،لكنّه قليل.

ثمّ أمرهم بتقوى اللّه في أن يؤثروا البنات على الأضياف.(5:247)

أبو السّعود:[قال نحو ما تقدّم عن البيضاويّ و أبي حيّان ثمّ قال:]

و أيّا ما كان فقد أراد به وقاية ضيفه،و ذلك غاية الكرم.و قيل:ما كان ذلك القول منه مجرى على الحقيقة من إرادة النّكاح،بل كان ذلك مبالغة في التّواضع لهم، و إظهارا لشدّة امتعاضه ممّا أوردوا عليه طمعا،في أن يستحيوا منه و يرقّوا له إذا سمعوا ذلك،فينزجروا عمّا أقدموا عليه مع ظهور الأمر و استقرار العلم عنده.

و عندهم جميعا بأن لا مناكحة بينهم،و هو الأنسب بقولهم:لقد علمت ما لنا في بناتك من حقّ،كما ستقف عليه.(3:336)

نحوه البروسويّ.(4:167)

الآلوسيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(12:106)

رشيد رضا:فتزوّجوهنّ،قيل:أراد بناته من صلبه،و أنّه سمح بتزويجهم بهنّ بعد امتناع،لصرفهم عن أضيافه.

و قيل:أراد بنات قومه في جملتهنّ،لأنّ النّبيّ في قومه كالوالد في عشيرته،قاله ابن عبّاس رضي اللّه عنه و مجاهد و سعيد بن جبير،و يدخل فيه نساؤهم المدخول بهنّ و غيرهنّ من المعدّات للزّواج،يعني الاستمتاع بهنّ بالزّواج أطهر من التّلوّث برجس اللّواط،فإنّه يكبح جماع الشّهوة مع الأمن من الفساد.

و صيغة التّفضيل هنا للمبالغة في الطّهر فلا مفهوم لها، و هذا كثير في اللّغة.و يقول النّحويّون فيه:إنّ أفعل التّفضيل على غير بابه.

و الظّاهر أنّه يأمرهم في هذه الحال الّذي هاجت فيه شهوتهم اشتدّ شبقهم أن يأتوا نساءهم،كما ورد في «الإرشاد النّبويّ»لمن رأى امرأة أعجبته،أن يأتي امرأته في تلك الحالة الّتي هاجته فيها رؤيتها.

و زعم بعض المفسّرين أنّه عليه السّلام عرض على هؤلاء الفسّاق المجرمين بناته أن يستمتعوا بهنّ كما يشاءون، و مثل هذا في سفر التّكوين(19:8)،و فيه إنّهما اثنتان.

و لا يعقل أن يقع هذا الأمر من أيّ رجل صالح، فضلا عن نبيّ مرسل،و لا يصحّ في مثله أن يعبّر عنه بأنّه أطهر لهم،فغسل الدّم بالبول ليس من الطّهارة في شيء، و إن كان يعتقد أنّهم لا يجيبونه إلى هذا الفعل،بل الذّنب في هذه الحال أكبر،لأنّه أمر بالمنكر،و خروج عن الحكم الشّرعيّ،ايثارا للتّجمّل الشّخصيّ،و هو لا يتعارض مع قوله لهم بعده: فَاتَّقُوا اللّهَ وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي هود:

ص: 802

78،فإنّ الزّنى ليس من التّقوى بل هو هدم لها.

(12:134)

نحوه المراغيّ.(12:64)

الطّباطبائيّ: لمّا رآهم تجمّعوا على الشّرّ، لا يصرفهم عن ذلك مجرّد القول بعظة أو إغلاظ في الكلام،أراد أن يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء ممّا لا معصية فيه من الحلال،فعرض بناته عليهم،و رجّحه لهم بأنّهنّ أطهر لهم.

و إنّما المراد بصيغة التّفضيل(اطهر)مجرّد الاشتمال على الطّهارة من غير شوب بقذارة،و المراد هي طهارة محضا،و هو استعمال شائع،قال تعالى: ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ الجمعة:11،و قال: وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ النّساء:128،و تفيد معنى الأخذ بالمتيقّن.

و تقييد قوله: هؤُلاءِ بَناتِي و بقوله: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ شاهد صدق على أنّه إنّما عرض لهم مسّهنّ عن نكاح لا عن سفاح،و حاشا مقام نبيّ اللّه عن ذلك،و ذلك لأنّ السّفاح لا طهارة فيه أصلا،و قد قال تعالى:

وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً الإسراء:32،و قال: وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151،و قد تقدّم في تفسير هذه الآية أنّ ما تتضمّنه هو من الأحكام العامّة المشرّعة في جميع الشّرائع الإلهيّة النّازلة على أنبيائه.

و من هنا يظهر فساد قول من يقول:إنّه عرض عليهم بناته من غير تقييده بنكاح.و لست أدري ما معنى علاج فحشاء بفحشاء غيرها؟و ما معنى قوله حينئذ:

فَاتَّقُوا اللّهَ؟ و لو كان يريد دفع الفضيحة و العار عن نفسه فقط،لاكتفى بقوله: وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي.

و ربّما قيل:إنّ المراد بقوله: هؤُلاءِ بَناتِي الإشارة إلى نساء القوم،لأنّ النّبيّ أبو أمّته،فنساؤهم بناته كما أنّ رجالهم بنوه،يريد أنّ قصد الإناث و هو سبيل فطريّ، خير لكم و أطهر،من قصد الذّكور من طريق الفحشاء، و هو تحكّم لا دليل عليه من جهة اللّفظ البتّة.

و أمّا كونهم كفّارا و بناته مسلمات،و لا يجوز إنكاح المسلمة من الكافر،فليس من المعلوم أنّ ذلك من شريعة إبراهيم حتّى يتبعه لوط عليهما السّلام.فمن الجائر أن يكون تزويج المؤمنة بالكافر جائزا في شرعه،كما أنّه كان جائزا في صدر الإسلام،و قد زوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بنته من أبي العاص بن الرّبيع و هو كافر قبل الهجرة،ثمّ نسخ ذلك.

على أنّ قولهم في جوابه: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ هود:79،لا يلائم كون المراد بالبنات في كلامه إنّما هي نساؤهم لا بناته من صلبه،فإنّهم ما كانوا مؤمنين به حتّى يعترفوا بكون نسائهم بناته،إلاّ أن يكون المراد التّهكّم،و لا قرينة عليه.

لا يقال:تعبيره عليه السّلام-و ليس له عندئذ إلاّ بنتان- يدلّ على أنّ مراده بناته من نساء أمّته لا بنتاه غير الصّادق عليه لفظ الجمع،لأنّا نقول:لا دليل على ذلك من كلامه تعالى،و لا وقع ذلك في نقل يعتمد عليه،نعم وقع في التّوراة الحاضرة أنّه كان للوط بنتان فقط، و لا اعتماد على ما تتضمّنه.(10:338)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(بناتى)في سورة الحجر:

71 في أكثر التّفاسير

ص: 803

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الابن،يقال:ابن بيّن البنوّة،و تبنّيت ابنا،أي جعلته خاصّا بي،أو ادّعيت بنوّته،و تبنّيت به:تبنّيته،و في حديث أبي حذيفة:«أنّه تبنّى سالما»،أي اتّخذه ابنا،و كلّ ذلك«تفعّل»من الابن.

2-و الابن:الولد،محذوف اللاّم،و هو«واو»على الأصحّ،مثل:أب و أخ؛إذ أصله:بنو،فحذف الواو للثّقل،و اجتلبت همزة الوصل في أوّله لسكون الباء، و جمعه:أبناء،مثل:فرس،و أفراس،و كذا بنون،مثل:

مئين و ثبين جمع مائة و ثبة،و هي الجماعة،و جاء في السّماع:«أبناوات»جمعا لأبناء.

و النّسبة إلى الابن:بنويّ،بثبوت لامه حسب الأصل،و ابنيّ بحذفه حسب اللّفظ،و النّسبة إلى الأبناء:

أبناويّ.

و يصغّر الابن على«بنيّ»،و أصله:بنيو،فاجتمعت الواو و الياء،و سبقت إحداهما بالسّكون،فأدغمت الواو بالياء و شدّدت،كما يصغّر أبناء على«أبيناء»و«أبينون».

3-و قيل:أصل«ابن»هو«بني»،فجرى عليه التّغيير كما جرى على«بنو»،إلاّ أنّ ذلك يبقى في نطاق الاحتمال على قول الزّجّاج،إذ يضعّفه ظهور الواو في «بنويّ»نسبه إلى«الابن»،و في«أبناوات»جمع«أبناء» كما تقدّم آنفا.

و قد دعا من قال بذلك إلى أنّ الابن مبنيّ على الأب، و هو استحسان فحسب.

4-و البنت لامها واو أيضا،و التّاء بدل منها مثل:

أخت،و وزنها«فعل»،نقلت إلى«فعل»كما نقلت أخت من«فعل»إلى«فعل»،و الجمع:بنات على غير لفظها، و قيل:و هو جمع مؤنّث سالم،و القياس فيه بنوات،مثل:

أخوات،إلاّ أنّه يجوز جمعه على اللّفظ،مثل:دية و ديات،و ظبة و ظبات و هي حدّ السّيف و ما أشبهه.

و يقال:هذه بنت فلان،و هذه ابنة فلان،و لا يقال:ابنة فلان في ابتداء الكلام،بل بنت فلان بدون همزة،لأنّها اجتلبت للنّطق بها في ابتداء الكلام لسكون الباء،فإذا حرّكت-أي الباء-سقطت الهمزة.

و يبدو أنّ لفظ«ابنة»مؤنّث«ابن»،مثل:أيّ و أيّة، و ليست بدلا من الواو المحذوفة،كما في سنة و أخت،من «س ن و»و«أ خ و».

5-و هناك لغة أخرى للابن قد أميتت على مرّ الأيّام،و هي«ابنم»بزيادة الميم،و قد زيدت هذه الميم في ألفاظ محفوظة،مثل:شدقم و زرقم و شجعم.

و تضاهي هذه اللّغة اللّفظ الأكدي«بينوم»،أي الابن.

كما تضاهي سائر اللّغات السّاميّة الأخرى في كون الباء لهذا اللّفظ هو«فاء»الكلمة،إلاّ أنّ العربيّة افترقت عن أخواتها باجتلاب الهمزة في أوّلها.

الاستعمال القرآنيّ

قد سبق أنّ(ابنا)جاء(162)مرّة في(30)لفظا، و هي أنواع:

النّوع الأوّل:ابن بين علمين وصفا للأوّل و مضافا إلى الثّاني،و جاءت منه ثلاثة أعلام:

1-عزير بن اللّه مرّة واحدة لاحظ(عزير).

2 و 3-عيسى بن مريم،و المسيح بن مريم،أو

ص: 804

المسيح بن اللّه،و يلحق بها ابن مريم و جاءت فيها جميعا (23)آية:

1- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ... البقرة:87

2- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ... البقرة:253

3- وَ قَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ...

النّساء:157

4- وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ المائدة:46

5- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ

المائدة:78

6- إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلاً المائدة:110

7- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ المائدة:112

8- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ المائدة:114

9- وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ المائدة:116

10- ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ... مريم:34،35

11- وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً الأحزاب:7

12- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَ قَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً الحديد:27

13- وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ الصّفّ:6

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ

الصّفّ:14

15- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ النّساء:171

16- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ آل عمران:45

17- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المائدة:17

ص: 805

17- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المائدة:17

18- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ... المائدة:72

19- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنّى يُؤْفَكُونَ المائدة:75

20- اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ التّوبة:31

21- وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30

22- وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ المؤمنون:50

23- وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ الزّخرف:57

يلاحظ أوّلا:أنّها مدنيّة سوى ثلاث منها،و هي:

مريم و المؤمنون و الزّخرف،و وجهه واضح،لأنّ عيسى من بني إسرائيل،و هم أهل الكتاب يهود و نصارى، و النّبيّ واجه أهل الكتاب في المدينة،فجاءت فيها آيات خطابا لهم أو حكاية عنهم.

أمّا الثّلاث المكّيّات،فسورة«مريم»فيها قصص زكريّا و يحيى و مريم و عيسى و غيرهم إجمالا،كما يلي:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ مريم:16

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ مريم:41

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى مريم:51

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ مريم:54

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ مريم:56

كلّ ذلك تنبيها للمشركين المنكرين للأنبياء إطلاقا.

و قد جاء ذكر عيسى فيها إضافة إلى ما ذكر،دفعا لقول المشركين الّذين كانوا يجعلون للّه البنات،بحجّة أنّ عيسى بن مريم كان عند النّصارى ابن اللّه،أو كانوا يفضّلون أصنامهم على عيسى بن مريم،فأبطلها القرآن بقوله في(10): ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ....

و كذلك سورة«المؤمنون»،ففيها سرد للأنبياء، و جاء خلالها وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً -(22).

و سورة«الزّخرف»ففيها وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً -(23).فذكر عيسى في هذه السّور الثّالث سردا لقصص الأنبياء،و دفعا لحجّة المشركين،و كلاهما يناسب بيئة مكّة.

أمّا الآيات المدنيّات الّتي جاء فيها ذكر عيسى فأكثرها-لو لا تمامها كما قلنا-خطاب لليهود أو النّصارى أو لهما جميعا.فجاء مثلا في«البقرة»خلال قضايا بني إسرائيل مرّتين وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ... (1)و(2).و نحن نعلم أنّ قسطا كبيرا-يبلغ حوالي ثمانين آية-من هذه السّورة خاصّ باليهود و أعمالهم السّيّئة في حقّ أنبيائهم، ابتداء من يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ في(آية:40)،و انتهاء بآية مثلها و آية بعدها

ص: 806

في(122)و(123).

كما أنّ قسطا كبيرا من سورة آل عمران-و هي ثالث المدنيّات بعد البقرة و الأنفال-خاصّ بالنّصارى بإزاء البقرة لليهود،ابتداء من إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ في(33)،إلى(63)، ثمّ يخاطب أهل الكتاب جميعا إلى(102)،و في(45)، منها إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ...

أمّا سورة النّساء فالآية(175)منها ردّ على اليهود في ادّعائهم أنّهم قتلوا عيسى في(3).و الآية(171) منها و ما بعدها ردّ على النّصارى في قولهم:عيسى ابن اللّه في(15)،و هكذا الآية(7)من سورة الأحزاب في أخذ الميثاق من النّبيّين و منهم عيسى في(11)،و الآية(27) من سورة الحديد خلال سرد الأنبياء وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ... في(12)،و في الآية(6)من الصّفّ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ... في(13)،و في (14): كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ...، و الآية(30)من سورة التّوبة وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ... في(21).

و أمّا سورة المائدة-و هي آخر المدنيّات على المشهور،و قسط كبير منها في أهل الكتاب-فجاء فيها لفظي عيسى و-المسيح عشر مرّات:عيسى بن مريم ستّ مرّات من(4)إلى(9)،و المسيح ابن مريم أربع مرّات من(17)-مرّتين-إلى(19).

و يدور الكلام في السّتّ الأولى حول مجيء عيسى رسولا مصدّقا لمن قبله،و لعن بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم،و ذكر نعمة اللّه على عيسى، و طلب الحواريّين منه نزول المائدة عليهم من عند اللّه و دعاؤه بذلك،و رفضه ادّعاء الألوهيّة الّتي ادّعاها النّصارى له،و الموضوع الأخير مدار الأربع الأخيرة، فلاحظ.

و السّرّ في تزايد الآيات في شأن عيسى خاصّة، و كذلك في شأن أهل الكتاب عامّة في المائدة إبّان ختم الوحي و رحيل النّبيّ عليه السّلام،هو الخوف منهم على مستقبل الإسلام.فاليهود و إن أخرجوا مرّات من المدينة -عاصمة الإسلام-إلى خيبر،إلاّ أنّ شوكتهم بقيت قويّة،و لهم أصدقاء من المنافقين في المدينة و غيرها، و كانوا يتمتّعون بوجاهة ثقافيّة عند العرب أيضا، و يضمرون في نفوسهم مكرا كبيرا،و كيدا عظيما للإسلام و المسلمين.

أمّا النّصارى القاطنون في الجزيرة العربيّة فهم و إن أسلموا أو استسلموا آنذاك،إلاّ أنّهم كانوا يملكون قاعدة قويّة في الشّام و مصر و فلسطين و يدعمهم الرّوم،و قد بدأت الحرب بين المسلمين و الرّوم في حياة النّبيّ عليه السّلام و طالت هذه المعارك قرونا،ظهرت خلالها الحركة الصّليبيّة الّتي احتلّت مساحة كبيرة من أرض الإسلام طيلة مائتي عام.

فلا تعتن بما قيل بتقدّم نزول المائدة على جلاء اليهود من المدينة،بحجّة عدم وجود عصبة لهم فيها،و عدم الخوف منهم على مستقبل الإسلام بعد الجلاء،فهذا قول من لا خبرة له في التّاريخ،و لا يحسب موقف اليهود و النّصارى بحساب الواقع،فقد نكب الإسلام منهم بعد

ص: 807

رحيل النّبيّ أضعاف ما نكب من المشركين،و لا يزالون أعداء الإسلام إلى هذا الوقت.

ثانيا:ركّز القرآن على نسبة عيسى إلى مريم(24) مرّة،و رفض نسبته إلى اللّه و نفي ألوهيّته مرّات،دعما لكونه بشرا ولد من بشر،و رفضا لزعم النّصارى كونه ابن اللّه،فكرّر(عيسى بن مريم)حتّى أصبح عنوانا و علما،بل اسما مركّبا له،على قول الطّبرسيّ كما يأتي.

و لم يكتف القرآن بذكر هذا الاسم مرّة أو مرّتين،فكلمتا (ابن مريم)لهما دور كبير في شخصيّة عيسى بين الأنام في الإسلام.

ثالثا:جاء في تلك السّور(عيسى ابن مريم)14 مرّة،و(المسيح ابن مريم)8 مرّات،و المسيح مرّة واحدة،و(ابن مريم)دون ذكر الموصوف مرّتين،فهل في ذلك سرّ؟

نعم،فقد كان النّصارى يعبّرون عنه بالمسيح،لسبق البشارة بمجيئه بهذا اللّفظ،في الصّحف السّابقة،فعبّر به القرآن مجاراة لهم و حكاية عنهم.أمّا(عيسى ابن مريم) فتعبير قرآنيّ عن هذا النّبيّ،إمّا سردا للأنبياء،أو خطابا له،أو إبطالا لمقالة النّصارى فيه،و لا شيء منها حكاية عنهم،و مثله(ابن مريم)،فلاحظ الآيات و تأمّل.

رابعا:لقد جمع اللّه بين لفظي(المسيح)و(عيسى ابن مريم)في ثلاث منها:(3)و(15)و(16).

و الوجه فيه كما يخطر بالبال هو التّركيز في أنّ المسيح المبشّر به في الصّحف السّابقة هو عيسى بن مريم،أي تطبيق البشارة على عيسى بن مريم بصورة واضحة.

و بدت هذه النّكتة جليّة في الآيات الثّلاث،ففي(16) صرّحت الملائكة خطابا لمريم بأنّ ابنها هذا هو المسيح الموعود،فسمّاه(المسيح عيسى ابن مريم)،أي جمع بين لفظ البشارة و بين اسمه،و جعلهما اسما له،تأكيدا لكونه هو هو.

و ركّز اللّه كذلك في(15)في أنّه المسيح المبشّر به عيسى بن مريم،رسول اللّه و كلمته ألقاها إلى مريم،و قد كرّر وصفه ب«الكلمة»،و هذا منتهى ما يقال في عيسى، أي أنّه رسول اللّه و كلمته،و ليس هو اللّه و لا ابن اللّه،كما قالت النّصارى.

و كأنّ اليهود قد أصرّوا أيضا في(3)على أن يزيلوا الشّكّ في قتلهم عيسى بن مريم،فجمعوا بين المسيح و عيسى بن مريم تسجيلا لمقالهم و لصلبهم إيّاه قطعا، و احترازا من إنكار بشارة التّوراة بمجيء المسيح،أي أنّهم أنكروا أنّ عيسى هو المسيح،و عدوّه من جملة من ادّعى أنّه مسيح كذبا.و قال الطّبرسيّ في هذه الآية:

«عيسى بن مريم،عطف بيان ركّب مع(ابن)،و جعل كاسم واحد،لوقوع(ابن)بين علمين مع كونه صفة، و الصّفة ربّما ركّبت مع الموصوف،فجعلا كاسم واحد، نحو:«لا رجل ظريف في الدّار...»المجمع(2:134).

هذا ختام البحث في عيسى بن مريم هنا،بمناسبة كلمة«ابن»،أمّا الحديث عنه و عن رسالته فسيجيء إن شاء اللّه في(عيسى).

النّوع الثّاني:«ابن»مفردا و مثنّى و جمعا،مضافا إلى علم أو شبه علم،في ستّ صور:

1-ابن مريم:مرّتين،و قد سبق.

2-ابني آدم:مرّة،لاحظ«آدم».

ص: 808

3-بنو آدم:(7)مرّات،لاحظ«آدم».

4-بني إسرائيل:(41)مرّة،لاحظ«إسرائيل».

5-بنو إسرائيل:مرّة،لاحظ«إسرائيل».

6-ابن أمّ:مرّة: قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي طه:94.

و يلاحظ أنّه قد جاء في قصّة موسى و هارون بعد ما عاد موسى من الطّور،و اطّلع على بني إسرائيل يعبدون العجل،فأخذ برأس أخيه هارون،و قد خلّفه على بني إسرائيل،فقال هارون لأخيه موسى:(يا بن أمّ) دون«يا أخي»زيادة في الاستعطاف بذكر أمّهما العطوف عليهما،إذ بين لفظي«الأخ»و«الأمّ»فرق واسع في إثارة العاطفة.

النّوع الثّالث:«ابن»مضافا إلى الضّمير،خمس مرّات،بأربع صور:

ألف-ابنه(مرّتين):1- وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ فِي مَعْزِلٍ هود:42

2- وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ لقمان:13

ب-ابنها(مرّة):3- (وَ جَعَلْناها) (أي مريم) وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:91

ج-ابنك(مرّة):4- اِرْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ يوسف:81

د-ابني(مرّة):5- وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ هود:45

يلاحظ أنّ الأولى استغاثة من نوح لابنه،و الثّانية موعظة من لقمان لابنه،و الثّالثة تبجيل من اللّه لمريم، و الرّابعة تعريض أحد أبناء يعقوب لأبيه في شأن ابنه الآخر أنّه سرق،و الخامسة استنصار من نوح لابنه، و سياق الجميع الاستعطاف.

النّوع الرّابع:«بنون»أربع مرّات:

1- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا

الكهف:46

2- يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ الشّعراء:88

3- فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ

الصّافّات:149

4- أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ الطّور:39

و يلاحظ أنّ(البنون)في الأوليين جاء مع المال تحقيرا لهما-و لا سيّما في(2)حيث جاء نكرة-بأنّهما زينة الحياة الدّنيا،و لا ينفعان صاحبهما في الآخرة-طبعا في أغلب الأحوال كما يأتي-و في الأخيرتين جاء البنات تفنيدا لمقولة المشركين بأنّ لهم البنين و للّه البنات، و السّياق في الجميع ذمّ.

النّوع الخامس:«بنين»دون إضافة(12)مرّة:

1- زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ آل عمران:14

2- أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ المؤمنون:55

3- أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ القلم:14

4- وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً* وَ بَنِينَ شُهُوداً

المدّثّر:13

5- وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً

النّحل:72

6- وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً الإسراء:6

ص: 809

6- وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً الإسراء:6

7- أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِينَ الشّعراء:133

8- وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ

نوح:12

9- وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:100

10- أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً الإسراء:40

11- أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ

الصّافّات:153

12- أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ

الزّخرف:16

و يلاحظ أوّلا:أنّ ذكر(البنين)في هذه الآيات ليس على وتيرة واحدة و غرض واحد،بل على ثلاثة أنواع:

1-ذمّ البنين و تحقيرهم،من أجل أنّهم فتنة للنّاس، و أنّهم من متاع الحياة الدّنيا،و جاءت فيه الآيات الثّلاث الأولى،ففي(1)جعل«بنين»مع النّساء من الشّهوات،و في(2)جعل«بنين»مع المال ممّا يحسبه النّاس من الخيرات،و في(3)افتتان المشركين بأن كانوا ذا مال و بنين.

2-المنّ على النّاس بالبنين خمس مرّات،تارة بلفظ «جعل»كما في(4)و(5)،و أخرى بلفظ«الإمداد»كما في (6)و(7)و(8).

و قد منّ اللّه تعالى،و جمع بين الأموال و البنين في ثلاث منها:(4)و(6)و(8)،و بين البنين و الحفدة مرّة واحدة في(5)،و بين الأنعام و البنين مرّة واحدة في(7).

و ترجع كلّها إلى المال و البنين،و هما عماد الحياة الاقتصاديّة و الاجتماعيّة.

و نستنتج من هاتين الطّائفتين من الآيات أنّ الأموال و البنين وهبتا للنّاس منّة منه تعالى على عباده، ليعيشوا بهما سعداء في الدّنيا،و يستعدّوا بهما لحياة سعيدة في الآخرة،و لكنّهم يحرّفونهما عن مجراهما-في أغلب الأحوال-فيجعلونهما شهوة،و يفتتنون بهما عن الآخرة،فأولاهما منّ و نعمة،و أخراهما ذمّ و نقمة.

3-إدانة المشركين بجعلهم للّه البنين و البنات،و فيه أربع آيات:(9)إلى(12)في سياقين:ذمّهم على جعلهم للّه شركاء الجنّ و خرقهم له البنين و البنات-(9)، و اعتقادهم أنّ له البنات و لهم البنين-(10)إلى(12).

و قد عبّر عن الأوّل ب«اصطفى»في(11)،و عن الثّاني ب«أصفى»في(10)و(12)،لاحظ«ص ف و».

ثانيا:لم يأت«البنين»بهذه الصّورة مضافا،فإذا أضيف حذفت منه النّون الأخيرة،كما سيأتي.

ثالثا:أنّ هذه الآيات كلّها مكّيّة سوى واحدة(1)، و«البنين»فيها مجرورة،سوى ثلاث منها:(4)و(5) و(9)فمنصوبة و(بنون)ثلاثة منها مع(مال)في:(2) و(3)و(4)و في اثنتين مع(أموال)في(6)و(8)و كلّها نكرة و(بنون)متأخّرة و لكلّ نكتة تعرف بالتّأمّل.

و«البنين»فيها منفردة عن«البنات»إلاّ في ثلاث:(9) و(11)و(12)،و جاء مع الإناث في(10).

النّوع السّادس:«بنين»مضافا إلى الضّمير(8) مرّات،و هو على نوعين:

أحدهما:«بنيه»أربع مرّات في سياقين:عطف

ص: 810

و قرع:

1- وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ البقرة:132

2- إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي

البقرة:133

3- يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ المعارج:11

4- يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ عبس:34-36

يلاحظ أنّ الأوليين جاءتا في وصيّة إبراهيم لبنيه، و تحمل عطفا و شفقة منه إليهم،و الأخيرتين تقريع و إنذار بأنّ المجرم يوم القيامة يفتدي من شدّة العذاب ببنيه،أو يفرّ منهم و من كلّ أقربائه.فالآيات سواء في الاستعطاف و الإنذار،و كأنّ اللّه قسّم رحمته و عذابه بين البنين بالسّويّة.

و ثانيهما:«بنيّ»أربع مرّات أيضا،بسياق واحد هو شدّه الرّقّة و العطف من الوالد إلى بنيه:

1- وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

البقرة:132

2- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35

3- وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ

يوسف:67

4- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ

يوسف:87

يلاحظ أنّ الأوليين توصية من إبراهيم و يعقوب إلى بنيهما بالدّين الحقّ و الاجتناب عن عبادة الأصنام، مخاطبا لهم بقوله:(يا بنىّ)في الأولى،و في الثّانية خطابا للّه بقوله:(ربّ اجعل)ليحفظهم من الشّرك،و يؤكّد الخطابان الشّفقة المنطوية في الآيتين.أمّا الأخيرتان فخطاب من يعقوب لبنيه في غاية الرّقّة و الحزن على ابنيه المفقودين يوسف و أخيه.و بالجملة فالآيات الأربع تصوّر لنا مدى شفقة الوالد لبنيه و هو شيخ كبير.

النّوع السّابع:«أبناء»مضافا،و هو أقسام:

أحدها:الإضافة إلى اسم ظاهر(5)مرّات:

1- وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ المائدة:18

2- وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ النّور:31

3 و 4- لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَ لا أَبْنائِهِنَّ وَ لا إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ

الأحزاب:55

5- قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ المؤمن:25

يلاحظ أوّلا:أنّ(أبناء)في(1)أضيف إلى(اللّه) باطلا،حكاية عن اليهود و النّصارى إدانة لهم،لاحظ النّصوص.و في(2)أضيف إلى(بعولتهنّ)،و في(3)و(4) إلى(اخوانهنّ)و(اخواتهنّ)،و في(5)إلى(ابناء الّذين آمنوا).و سياق(1)و(5)ذمّ و تقريع،و سياق(2)و(3) و(4)أنس و تقريب و عطف،فرجّح فيها جانب العطف على جانب الذّمّ بواحدة،كما هو مقتضى لفظ(ابناء).فإنّ

ص: 811

البنوّة و الأبوّة و الأخوّة و نحوها مظنّة المحبّة و معيار القرابة،و عكسها خلاف طبيعتها.

ثانيا:جاء في(2):(ابناء بعولتهنّ)ثمّ(بنى اخوانهنّ او بنى اخواتهنّ)فما هو مبرّر هذا التّفاوت؟

و الجواب من وجوه:أحدها:أنّ(ابناء)أوفق بالعموم و أكثر استعمالا في الجماعة الّذين ينتمون إلى شخص،مع عدم اتّحاد صنف قرابتهم فيما بينهم،فكثيرا ما نسمع«بني آدم»و«بني تميم»،و قلّما نسمع(أبناء آدم) و(أبناء تميم).و أمّا بنو الأخ و الأخت و إن اتّفق فيهم الاختلاف صنفا من ابن الأخ لأبوين و الأب و الأمّ و كذلك ابن الأخت،إلاّ أنّهم ليسوا بتلك الكثرة.

و منها:جاء في الأخ و الأخت(بني)مكان(أبناء) حذرا من تلاقي همزتين،و هو منقوض ب(3)و(4).

و منها:جاء في الأولى(أبناء)مرّتين: أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ، موازيا ل(آباء)مرّتين قبلهما: أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ مثلا بمثل:أضيف أحدهما إلى الضّمير(هنّ)،و ثانيهما إلى(بعولتهنّ).كما أنّ(بنى اخوانهنّ و بنى اخواتهنّ)مثلان،كلّ ذلك للمشاكلة في الآية صدرا و ذيلا،لاحظ الآلوسيّ(18:142).

ثالثا:أربعة منها مدنيّة:(1)إلى(4)،و كلّها في الأحكام،و واحدة-و هي(5)-مكيّة،و سياقها قصّة، يناسب محلّها.

رابعا:جاءت(2)في غضّ المؤمنات عامّة أبصارهنّ،و حفظ فروجهنّ،و ستر زينتهنّ إلاّ لمن ذكروا فيها.و قد كرّر الضّمير«هنّ»فيها(18)مرّة مع جواز عدم تكرارها،و هو سرّ التّركيز في السّتر و الحجاب لهنّ و عدم إبداء زينتهنّ،فناسب التّعبير المغزى،و اللّفظ المعنى،مع مزيد الاهتمام بشأنهنّ، و العناية بعفّتهنّ،.و أمّا(3)و(4)فخاصّ بنساء النّبيّ و سترهنّ،و اكتفى فيها بتكرار الضّمير«هنّ»ثماني مرّات،إعلاما بفضلهنّ و طهارتهنّ و عفّتهنّ،و إكراما للنّبيّ عليه السّلام.

ثانيها:الإضافة إلى ضمير الجمع بأنواعه:

أ-ضمير الغائب(5)مرّات:

1 و 2- اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ البقرة:146،و الأنعام:20

3- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ المجادلة:22

4- قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ

الأعراف:127

5- يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ القصص:4

فجاءت الأوليان في شأن النّبيّ عليه السّلام،و أنّ أهل الكتاب كانوا-من خلال ما ورد في كتبهم من البشارة به -يعرفونه حقّ المعرفة كما يعرفون أبناءهم،و قد تبيّن ذلك في السّيرة و التّفسير.و هذا مدح له من ناحية،و ذمّ لأولئك الّذين يكتمون الحقّ من ناحية أخرى.و ذكر الأبناء أقرب الطّرق للتّعريف به،مع ما فيه من إثارة عواطفهم نحوه،أي حريّ بهم أن يعاملوه معاملة الأب لابنه و لا ينكروه

و إحدى الآيتين-رغم اتّحادهما لفظا-مكّيّة

ص: 812

و الأخرى مدنيّة،أمّا المدنيّة فجاءت خلال خطاب اليهود القاطنين في المدينة،و كان يتوقّع منهم تصديق النّبيّ على رءوس الأشهاد حسب ما جاء في كتبهم، و لكنّهم كتموها؛إذ جاء في ذيلها وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:146

و أمّا المكّيّة فاحتجاج على المشركين بأنّ هذا النّبيّ معروف عند أهل الكتاب،فلكم أن تسألوهم،و سياقها سياق وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ* أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ الشّعراء:196،197، و وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ الأنبياء:7،و كلتا الآيتين مكّيّة،مع تفاوت بينهما،و هو أنّ الأولى احتجاج للتّعريف بالنّبيّ خاصّة،و الثّانية للتّعريف بالأنبياء عامّة، و منهم النّبيّ دفعا لشبهات المشركين.

و ذيل آية الأنعام اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:12،و هذا ذمّ للمشركين بأنّهم لا يؤمنون به مع هذه الحجج،و ليس هنا ذمّ لأهل الكتاب؛إذ لم ينكروها حين ذاك،و إنّما كتموها بعد الهجرة.

و من هنا نستطيع الإجابة على السّؤال التّالي:كيف يحتجّ القرآن على صدق النّبيّ بأهل الكتاب-و المراد بهم هنا اليهود-مع أنّهم أنكروه؟بأنّهم ما كانوا ينكرونه و هو في مكّة،فلو رجع إليهم المشركون حين ذاك لشهدوا به و أيّدوه،و لكنّهم أنكروه و كتموا الحقّ بعد هجرة النّبيّ و مواجهته لهم.

و أمّا(3)-و هي مدنيّة-فجاء فيها(ابناءهم)مع آبائهم و إخوانهم و أخواتهم و عشيرتهم،تأكيدا أنّ المؤمنين باللّه و اليوم الآخر لا يوادّون من حادّ اللّه و رسوله و لو كانوا من أقربائهم.و ممّا يزيد تأكيدا قوله:

(لا تجد قوما)كذلك،أي لا ينبغي الجمع بين الإيمان باللّه و ودّ من حادّ اللّه أبدا.و قد ذكر هؤلاء حسب الأولى قرابة فالأولى،فبدأ بالآباء و الأبناء و الإخوة و الأخوات ثمّ العشيرة.

أمّا(4)و(5)-و هما مكّيّتان-فجاءا خلال قصّة فرعون و بني إسرائيل،و كان يذبّح أبناءهم،و يستحيي نساءهم استضعافا لهم.فجمع بين الأبناء و النّساء، و النّساء شاملة للبنات و الأزواج و غيرهنّ،و الأبناء للذّكور منهم.

ب-الإضافة الى ضمير الجمع المخاطب(8)مرّات:

1- يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ البقرة:49

2- يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ إبراهيم:6

3- يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ

الأعراف:141

4- فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ... آل عمران:61

5- وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الأحزاب:4

6- وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ

النّساء:23

7- آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً النّساء:11

ص: 813

8- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ التّوبة:24

يلاحظ أوّلا:أنّ الثّلاث الأولى جاءت في قصّة فرعون مع بني إسرائيل و نجاتهم من آل فرعون،فهي منّة من اللّه على بني إسرائيل.و(1)مدنيّة،و(2)و(3) مكّيّة،و(4)في قصّة المباهلة-لاحظ ب ه ل-و(5)في نفي التّبنّي،و(6)في محرّمات النّكاح،و(7)و(8)في ذكر الأقرباء.و قد ذكر في(7)آباء و أبناء،و في(8)هم مع سائر الأقرباء،حسب الأولويّة في القرابة.

ثانيا:أنّ الآباء و الأبناء ذكروا معا خمس مرّات:

(ابنائكم)مرّتين:في(7)و(8)،و(آبائهم)مرّة واحدة:

و(آبائهنّ)مرّتين،كما يأتي.

ج-الإضافة إلى ضمير الجمع للمتكلّم مرّتين:

1- فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ

آل عمران:61

2- وَ ما لَنا أَلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا البقرة:246

يلاحظ أنّ في الآيتين تعاطفا و تأكيدا لقرابة الأبناء.

د-الإضافة إلى ضمير الجمع المؤنّث مرّتين أيضا:

1- إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ النّور:31

2- لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَ لا أَبْنائِهِنَّ وَ لا إِخْوانِهِنَّ الأحزاب:55

يلاحظ أنّ الآيتين جاءتا في سورتين مدنيّتين في شأن إبداء النّساء عامّة زينتهنّ،و سفور نساء النّبيّ خاصّة أمام أقربائهنّ.

النّوع الثّامن:«بنيّ»مصغّرا(6)مرّات:

1- يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ

هود:42

2- يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى الصّافّات:102

3- قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً يوسف:5

4- وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ لقمان:13

5- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ

لقمان:16

6- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ لقمان:17

يلاحظ أوّلا:أنّها جميعا جاءت في القرآن على لسان الأنبياء عليهم السّلام،ابتداء من نوح(1)ثمّ إبراهيم(2) ثمّ شعيب(3)،و انتهاء ب«لقمان»في الباقي،و قد قيل:

إنّه أرسل إلى قومه في أواخر حياته.

ثانيا:أنّها جميعا تعاطف بين الأب و الابن بأساليب مختلفة،فأسلوب(1)دعوة من نوح لإنجاء ابنه من الغرق،و أسلوب(2)خطاب من إبراهيم لابنه و إخباره بأنّه رأى في المنام أنّه يذبحه ليستعدّ للفداء،و أسلوب (3)طلب يعقوب من ابنه يوسف أن لا يقصص رؤياه على إخوته حفظا له من كيدهم،و أسلوب الثّلاث الباقية موعظة من لقمان لابنه.فهؤلاء أربعة من الأنبياء

ص: 814

يتعاطفون مع أبنائهم لصالحهم،فهم كالأسوة للنّاس في تعاطفهم مع أبنائهم في كافّة شئونهم.

ثالثا:تحكي اثنتان منها-و هما(2)و(3)-رؤيا صادقة،أحدهما من الأب في شأن ابنه(2)،و ثانيهما من الابن في شأن أبيه،و مستقبله مع إخوته.

رابعا:هذه الآيات كلّها مكّيّة،و كأنّها تعالج قلوب المشركين القاسية على النّبيّ و المؤمنين بمكّة.

النّوع التّاسع:(ابنة)و(ابنتيّ)مضافتين كلّ واحدة منهما مرّة:

1- وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها

التّحريم:12

2- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ

القصص:27

يلاحظ أنّ(1)في مريم بنت عمران،و(2)في ابنتي كاهن مدين و تزويجها لموسى،فكلاهما في شأن بنات الأنبياء و الأولياء،و كفى بهنّ شرفا.

النّوع العاشر:«بنات»اثنتي عشرة مرّة،و هي على أقسام:

أحدها:مجيئها دون إضافة(6)مرّات:

1- وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ

النّحل:57

2- فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ

الصّافّات:149

3- أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ الصّافّات:153

4- أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ الطّور:39

5- وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ

الأنعام:100

6- أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ

الزّخرف:16

و يلاحظ فيها إضافة إلى ما تقدّم في(بنين)أوّلا:أنّها جميعا مكّيّة،إدانة لرأي المشركين في البنات أنّهنّ شرّ، و كانوا يدفنونهنّ أحياء.

ثانيا:جاءت كلّها تفنيدا بجعلهم للّه البنات و لهم البنون.

ثالثا:أنّها جاءت مع البنين،إلاّ في(1)فجاء فيها بدل«البنين»جملة(و لهم ما يشتهون)،و المراد بها البنون.

ثانيها:الإضافة إلى الظّاهر(6)مرّات أيضا:

1 و 2- وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ النّساء:23

3 إلى 6- وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمّاتِكَ وَ بَناتِ خالِكَ وَ بَناتِ خالاتِكَ الأحزاب:50

يلاحظ أوّلا:أنّ(1)و(2)جاءتا في محرّمات النّكاح للنّاس عامّة،و ما عداهما للنّبيّ خاصّة،في النّساء اللاّتي أحلّهنّ اللّه له.و قد أتى بالعمّ و الخال مفردين، و بالعمّات و الخالات جمعا،لأنّه لم يهاجر حين ذاك سوى عمّ و خال واحد،و أمّا العمّات و الخالات فكانت منهنّ مهاجرات عدّة،لاحظ«ع م م»و«خ و ل».و قال الطّبرسيّ في المجمع(4:364):«أي أحللنا لك بنات عمّك و بنات عمّاتك،يعني نساء قريش،و بنات خالك و بنات خالاتك،يعني نساء بني زهرة اللاّتي هاجرن معك إلى المدينة.و هذا إنّما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثمّ نسخ شرط الهجرة في التّحليل».

ص: 815

ثانيا:أحلّ للنّبيّ من بنات أقربائه ضعف ما حرّم منهنّ للنّاس،و هذا تكريم للنّبيّ عليه السّلام بنسبة .

ثالثا:أنّ في إحصاء الأقرباء في الآيتين تحريما و تحليلا،تحكيما لأواصر الأسرة و اهتماما بشأنها.

ثالثها:الإضافة إلى الضّمير على ثلاثة أنحاء:

الف و ب:إلى ضمير المخاطب و المتكلّم المفردين، كلّ منهما مرّتين:

1- قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ...

هود:78

2- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ. هود:79

3- قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ. الحجر:71

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ...

الأحزاب:59

يلاحظ أوّلا:أنّ الثّلاث الأولى وردت بشأن لوط و قومه الّذين كانوا يعملون الخبائث من قبل،فطمعوا في ضيفه،فطردهم عن ضيفه بتقديم بناته لهم ليتزوّجوهنّ، فأجابوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ هود:79،و قد جاء فيها بناتي مرّتين و بناتك مرّة دعما لإصرار هود على طردهم عن ضيفه،و القصّة مذكورة في التّفاسير،لاحظ«هود».و راجع النّصوص، ففيها بحث مستوفى بشأن بنات لوط.

و ثانيا:بدأ القرآن في(4)بأزواج النّبيّ ثمّ بناته و ثلّثها بنساء المؤمنين،و لعلّ في التّقديم و التّأخير إيماء بفضلهنّ،أو تنبيه على أنّ أزواجه أولى بهذا السّتار، و أدنى إلى أن يطمع فيهنّ الرّجال إذا كنّ كاشفات سافرات لو لا السّتار،و معلوم أنّ السّيّدة فاطمة الزّهراء عليها السّلام مستثناة من الجميع،لما ورد في فضلها و أنّها سيّدة نساء العالمين.

ثالثا:في هذه الآية تصريح بأنّ هؤلاء البنات كلّهنّ بنات رسول اللّه فلا يسمع لما يقال أخيرا و يؤلّفون كتبا بأنّ النّبيّ كانت له بنت واحدة و هي فاطمة عليها السّلام، و الثّلاث الأخرى:زينب و رقيّة و أمّ كلثوم،كنّ بنات خديجة من أزواجها السّابقين،و إنّما هؤلاء أكّدوا على قوله هذا،رفضا لفضل من عثمان في كونه صهرا للنّبيّ على بنتيه رقيّة و أمّ كلثوم،تزوّجهما واحدة بعد أخرى،

و هذا ما يكذّبه التّاريخ.و ما كان للنّبيّ من الخصال الحسنة و الأخلاق الفاضلة إزاء أصحابه عامّة،و منهم عثمان.

و مهما اختلفنا-نحن معاشر المسلمين-في مسألة الخلافة ينبغي أن لا يسري إلى ما ثبت في السّيرة المباركة و في القرآن الكريم في شأن أهل البيت و الصّحابة،فإنّه توسيع لشقّة الخلاف بين الإخوة،و وهن للعلاقات الطيّبة بين الأمّة.

رابعا:و من ذلك النّظرة الخاطئة،و الجهد الجهيد في سلب علقة الأبوّة بين النّبيّ و بناته الثّلاث.يلزمنا التّعاطف مع النّبيّ في بناته و ما كان لهنّ من ذكريات خالدة منذ ولدن إلى يوم فارقن الدّنيا،و قد ملئت بها كتب السّيرة،و خير ما وقفت عليه في شأنهنّ كتاب «بنات النّبيّ»للدّكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشّاطئ.فإنّها بطبيعتها النّسائيّة قد أدركت أحاسيسهنّ

ص: 816

في حياتهنّ،و أبرزتها بأحسن صورة أدبيّة.و إنّنا نأخذ منها نبذة و نضيف إليها أشياء،فهي بدأت كتابها ببحوث:

1-الأبوّة في المجتمع العربيّ و الجاهليّ،و في الرّسالة المحمّديّة،و في شخص الرّسول.

2-الأنثى في المجتمع العربيّ،و في القرآن،و الموءودات في الجاهليّة،و المثل و القدوة في الإسلام.

3-الأخوات؛البنت و الأبوان،أبو البنات حبّ النّبيّ لبناته،الشّقيقات الأربع:

1-زينب الكبرى:تزوّجت بابن خالتها أبي العاص ابن الرّبيع أحد رجال مكّة،المعدودين شرفا و مالا، الّذي كانت خالته السّيّدة خديجة تنزله منزلة الابن، فتهيّأت فرصة أن يغشى بيت محمّد،فيجد من التّرحاب البالغ و الودّ الصّادق،ما يطمعه في أن يبرز سرّه لخالته، فساعدت أبا العاص على تحقيق رغبته.و قد أنبأت زوجها محمّدا،فوافق مباركا له،و وقع عقد الزّواج بينهما و عاشا سعيدين إلى أن بعث أبوها نبيّا و هاجر إلى المدينة.

و لم يسلم أبو العاص و بقي هو و زوجه بمكّة،و بعد عام و نصف بدأت الحرب بين مشركي قريش و المسلمين في بدر،و كان أبو العاص قد شارك فيها، فأسر بين الأسرى،فأرسلت زينب فداء لزوجها قلادة،كانت لخديجة أهدتها إلى زينب يوم عرسها،فلم يكد النّبيّ يراها حتّى رقّ لها رقّة شديدة،و خفق قلبه للذّكرى،في حنان مخاطبا أصحابه:«إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردّوا مالها فافعلوا».فهتفوا جميعا ملء قلوبهم:«نعم يا رسول اللّه»ثمّ أسرّ النّبيّ إلى صهره حديثا فوافق ثمّ حيّاه و مضى.و قد أثنى عليه الرّسول بعد ما أبعد قائلا:«و اللّه ما ذممناه صهرا».

رجع أبو العاص إلى زوجته زينب،و كانت تنتظره حتّى وثب قلبها إليه فرحة بنجاته،فقال لها زوجها:

جئتك مودّعا يا زينب،إنّ أباك هو الّذي طلب أن أردّك إليه،لأنّ الإسلام فرّق بيني و بينك،فقد وعدته أن أدعك تسيرين إليه،فسألته:و ترافقني إلى دار الهجرة، قال:كلاّ يا بنت الخالة،بل يأتي معك أخوك زيد بن حارثة،و معه صاحب من أنصار أبيك ينتظرانك على بعد ثمانية أميال من مكّة.

خرجت زينب في الغداة تتجهّز للسّفر،و ودّعت أبا العاص وداع محبّة،و في أحشائها جنين لم يستكمل شهره الرّابع،و قال لها أبو العاص:مهما يحدث يا زينب فسأبقى على حبّك ما حييت.و انطلق كنانة بن الرّبيع أخو أبي العاص يقود بعيرها نهارا،و قد أخذ قوسه و كنانته متأهّبا.

فهال قريش أن يخرج بها على مرأى منهم و مسمع، و خرج رجال في إثر المهاجرة حتّى أدركوها ب«ذي طوى»،فكان أسبقهم إليها«هبّار بن الأسود الأسديّ، و قد جنّ حزنه على إخوة له ثلاثة صرعوا جميعا في «بدر»فروّعها بالرّمح،و نخس البعير،فألقى براكبته على صخرة،و قد سمع أبو العاص تواجعها،فرآها تنزف دما و اسقطت جنينها،فعاد بها إلى مكّة؛حيث بقي أبو العاص إلى جانبها أيّاما يرعاها،و لا يفارقها لحظة من ليل و نهار.فلمّا تمالكت بعض قواها خرج بها كنانة ليلا حتّى أسلمها إلى زيد بن حارثة،و ما تزال تنزف دما،و رجع هو إلى أخيه أبي العاص.

ص: 817

استقبلت«يثرب»بنت الرّسول باحتفال مهيب شابت فرحة اللّقاء فيه،سورة الغضب لما أصاب العقيلة الكريمة أوّل خروجها من مكّة-و قد قتل عليّ عليه السّلام عام الفتح«هبّار بن الأسود»بأمر النّبيّ عليه السّلام-و مضت سنوات ستّ حافلة بجليل الأحداث،و زينب في حمى أبيها بالمدينة،تعيش على أمل لم يغلبها عليه اليأس قطّ، و هو أن يشرح اللّه صدر أبي العاص للإسلام،و لم نسمع عنها خبرا في تلك السّنين،إلاّ أنّ أبا العاص لم يشارك في تلك الحروب الطّاحنة بين المسلمين و المشركين بعد «بدر»حتّى كانت ليلة من جمادى الأولى من السّنة السّادسة للهجرة،و قد باتت زينب تسامر ذكريات ألمّت بها،فذادت النّوم عن عينيها،و دنا الفجر و ما تزال في يقظتها الحالمة،فلم تكد تشعر ببابها،و هو يفتح في تردّد و حذر،ثمّ يبدو منه فجأة أبو العاص بن الرّبيع،و قد شحب وجهه،و بان عليه القلق و الإجهاد.قد ألقت به المقادير قريبا من يثرب،يقول:يا زينب هذا ضيفك، خرجت تاجرا إلى الشّام في أموال لي و أخرى لرجال من قريش،فلمّا أقبلت قافلا لقيتني سريّة لأبيك فيها زيد ابن حارثة،فأصابوا كلّ ما معي.و أعجزتهم هاربا،حتّى إذا جنّ الظّلام جئتك متخفّيا مستجيرا.

فرحّبت به،و قامت إلى الباب،ثمّ صاحت بأعلى صوتها:يا أيّها النّاس إنّي أجرت أبا العاص بن الرّبيع.

و كان النّبيّ يقيم صلاة الفجر،فلمّا أسلم أقبل على من معه،فقال:«هل سمعتم ما سمعت؟قالوا:نعم،قال:

«و الّذي نفس محمّد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتّى سمعت ما سمعتم،إنّه يجير على المسلمين أدناهم،و قد أجرنا من أجارت».

ثمّ أنصرف فدخل على ابنته و عندها ابن خالتها، فهتفت:يا رسول اللّه أبا العاص إن قرب فابن عمّ و إن بعد فأبو ولد و إنّي قد أجرته،فقال لها أبوها:«أي بنيّة أكرمي مثواه،و لا يخلصنّ إليك فإنّك لا تحلّين له».

قال لها أبو العاص:لقد عرضوا عليّ بالأمس أن أسلم و آخذ ما معي من المال،فإنّها أموال المشركين،فأبيت قائلا:«بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي».

و قد بعث النّبيّ من يصحبه إلى المسجد؛حيث جلس النّبيّ في جمع من صحابته،و فيهم رجال السّريّة الّذين أصابوا مال أبي العاص،فقال لهم النّبيّ:«إن شئتم أن تردّوا إليه ماله».فردّوها إليه،فأخذها أبو العاص مودّعا دار زينب من بعيد فرجع إلى مكّة،فأدّى أموال القوم كاملة،و صاح بهم بأعلى صوته:يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه،أجابوا:لا،فجزاك اللّه خيرا...ثمّ قال لهم:فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبد اللّه و رسوله،و اللّه ما منعني من الإسلام،إلاّ تخوّف أن تظنّوا أنّي إنّما أردت أن آكل أموالكم،فلمّا أدّاها اللّه إليكم و فرغت منها أسلمت،ثمّ انطلق مستقبلا دار الهجرة.و الرّسول عاد من صلح الحديبيّة إلى المدينة، و ها هي ذي تستقبل مع هلال المحرّم أبا العاص بن الرّبيع، و قد أتى من تلقاء نفسه مسلما،فتوجّه إلى المسجد مارّا في طريقه ببيت زينب،فبايع الرّسول بمرأى من النّاس، و أثنى الرّسول عليه خيرا،و سار إلى بيته و معه ابن الرّبيع فردّ ابنته على أبي العاص و تلاقى الزّوجان الحبيبان بعد فراق طال و مضى عام واحد،فماتت زينب في مستهلّ

ص: 818

السّنة الثّامنة من الهجرة،متأثّرة بعلّتها الّتي لزمتها منذ طرحت جنينها على أديم الصّحراء.و هي خارجة من مكّة،تاركة ولدها«عليّ»و ابنتها«أمامة»،و قد تزوّجها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بعد أن لحقت فاطمة بأبيها -بوصيّة منها-و لحق بها زوجها أيّام أبي بكر في ذي الحجّة من الثّانية عشرة للهجرة.

2-رقيّة ذات الهجرتين

بقيت الشّقيقتان رقيّة و أمّ كلثوم بعد زواج زينب من«أبي العاص»حيث تزوّجتا بعتبة و عتيبة ابني أبي لهب،و باركهما أبوهما،ثمّ تركهما في حراسة اللّه و رعايته.

و مضت أيّام و ليال كثر فيها خروج محمّد إلى غار حراء،فما كاد محمّد يتلقّى رسالة ربّه،و يدعو إلى الدّين الحقّ،حتّى أخرجت رقيّة و أمّ كلثوم من بيت أبي لهب و ردّتا إلى بيت أبيهما،و كانت قريش قد ائتمرت بسيّدنا محمّد في بناته و مشوا إلى أصهار الرّسول الثّلاثة،فقالوا لهم:«فارقوا أزواجكم و نحن نزوّجكم أيّ امرأة من قريش شئتم.فأبى أبو العاص و استجاب ابنا أبي لهب على الفور،و كان لأمّ جميل أمّهما حمّالة الحطب سعي بالغ في ذلك.فرجعتا إلى بيتهما الأوّل،على أنّ الحياة في هذا البيت قد تغيّرت عمّا ألفتاه في أمسهما الخليّ السّعيد.

فولّي عنها ما كانت تنعم به من راحة و هدوء.و مع كلّ هذا البلاء طاب لرقيّة و أمّ كلثوم أن تشاطرا أبويهما ما يلقيان في سبيل اللّه،و ارتاحت نفساهما لاحتمال كلّ صنوف الأذى.

و قد خاب ظنّ حمّالة الحطب و المشركين من قريش،فلم يشغل محمّد بابنتيه عن دعوته،و لم يشقّ عليه طلاقها،فقد نجّاهما اللّه من محنة العيش مع ابني حمّالة الحطب و أبي لهب،ثمّ ما لبث أن أبدلهما خيرا منهما، عثمان بن عفّان،حيث تقدّم إلى رسول اللّه يسأله شرف المصاهرة،فزوّجه رقيّة.و كان رجلا ثريّا،فلمّا اشتدّ البلاء على المسلمين،حيث قال لهم الرّسول:«لو خرجتم إلى الحبشة،فإنّ بها ملكا لا يظلم عنده أحد، و هي أرض صدق حتّى يجعل اللّه لكم فرجا ممّا أنتم فيه».

فكان عثمان أوّل من هاجر إلى الحبشة و هاجرت معه زوجته رقيّة على قرب عهدهما بالزّواج،فلم تملك رقيّة دمعها،و هي تطوف بمغاني صباها مودّعة،و تعانق أباها و أمّها و أخواتها،و تركت مكّة وطنها الحبيب، و معهما بضعة عشر رجلا من أقرباء الرّسول،فاستقبلوا الجنوب راحلين حتّى وصلوا الحبشة و رحّبت بهم، و أوسعت لهم في أرضها مكانا سهلا،ثمّ ما لبثت أن استقبلت أفواجا جديدة من إخوانهم المسلمين حتّى بلغت عدّتهم ثلاثة و ثمانين،غير أبناءهم الّذين خرجوا بهم صغارا،أو ولدوا في مهاجرهم.

و سرّ رقية أن كان فيهم من بني هاشم ابن عمّ أبيها جعفر بن أبي طالب و معه امرأته«أسماء بنت عميس».

و هؤلاء أخبروا«رقيّة»،أنّ النّبيّ عليه السّلام افتقد أنباء ابنته هذه حتّى أتت امرأة أخبرته أنّها رأت رقيّة و زوجها، و قد سعت المهاجرات منهم إلى منزل رقيّة،فأخبرنها بما حدث في مكّة لأبيها و المسلمين.

و أقام المهاجرون ما شاء اللّه لهم أن يقيموا،على أنّ قلوبهم ظلّت أبدا تنزع إلى مكّة،و تحنّ إلى من تركوا بها من الأهل و الأحباب،و ظلّت أسماعهم مرهفة على أنباء

ص: 819

الرّسول و صحبه في حربهم المقدّسة مع عبدة الأوثان.

و لعلّ السّيّدة«رقيّة»كانت أشدّ المهاجرين حنينا إلى مكّة.و لقد أثّرت الأحداث الشّداد الّتي مرّت بها في صحّتها أيّما تأثيرا فأسقطت جنينها الأوّل،حتّى خيف عليها من فرط الضّعف و الإعياء حتّى عاودتها العافية بورود الأنباء من مكّة أنّ قريش يئست من الرّسول و صحبه،فرفعت الحصار المنهك الّذي ضربته على الهاشميّين.و أنّ طائفة منها مالت إلى الإسلام عن تأثّر و اقتناع،و قد أصغى مهاجرة الحبشة إلى هذا الّذي قيل و شاع،فهفت قلوبهم إلى العودة إلى الوطن،فتهيّئوا للرّحيل على عجل،على حين آثر آخرون أن يتلبّثوا في مهاجرهم،ريثما يستيقنون ممّا قيل عن مهادنة قريش للرّسول و إسلام عدد منهم.

سار الرّكب في طريق مكّة،و قد بلغ عددهم ثلاثة و ثلاثين رجلا يتقدّمهم عثمان و زوجه«رقيّة»و ابنهما عبد اللّه رضيعا و غيرهم.حتّى إذا عبروا البحر و استقلّوا رواحلهم ساعين إلى البلد العتيق،إلى أن بلغوا مشارف مكّة،فعرفوا كذب ما بلغهم من مهادنة قريش و إسلام بعضها،فآبت«رقيّة»إلى بيت أبيها مشوقة مجهدة، فخفّت أختاها أمّ كلثوم و فاطمة للقائها،و تشبّثتا بها معانقتين،فسألتهما أين أبي و أين أمّي؟أجابتا أبوك بخير،و عادت:«أين أمّي»؟فأطرقت أمّ كلثوم صامتة لا تجيب،فعلمت رقيّة أنّها توفّيت،إلى أن جاء أبوها ففرح بعودتها.

و لم يطل بها المقام بمكّة بعد ذاك،هاجر أبوها إلى يثرب و كذلك هاجرت هي في صحبة زوجها،و في دار الهجرة مات عبد اللّه صبيّا في السّادسة من عمره بنقرة من ديك فترنّحت«رقيّة»تحت وطأة الثّكل المرير المضاعف صريعة الحمّى،قيل:إنّها الحصبة.و أقام عثمان إلى جانبها يمرضها و يرعاها،حتّى إذا تناهى إلى سمعه صوت داعي الرّسول يؤذّن أن حيّ على الجهاد،و يستنفر المهاجرين و الأنصار للقاء عدوّهم في«بدر»فودّ عثمان لو يلبّي الدّاعي الكريم،لكن قلبه لم يطاوعه على فراق «رقيّة»الّتي كانت تعالج ما يشبه سكرات الموت،فتخلّف عن شهود موقعة«بدر»بأمر النّبيّ،و راح يشهد معركة الموت في أعزّ من له.و قسا الصّراع و طال،ثمّ رفّت روحها على شفتيها في حشرجة وانية و عيناها على زوجها،و غابت عن الوجود.

و جاء الأب الثّاكل فدنا من ابنته الرّاقدة يودّعها بادي الحزن و الأسى،ثمّ انثنى نحو فاطمة الّتي اكبّت على مضجع أختها تبكي،فجعل،يمسح دموعها بطرف ثوبه، و صلّى الأب على ابنته«رقيّة»و شيّعت«يثرب»جثمان بنت الرّسول ذات الهجرتين،حتّى و وريت الثّرى الطّيّب الّذي ارتوى يومئذ بدماء الأبرار من شهداء «بدر»و ضرب أبوها الرّسول لصهره عثمان بسهمه و أجره ممّا أفاء اللّه على المسلمين في«بدر»إذ كان إنّما تخلّف عن شهودها لمرض«رقيّة»الرّاحلة رضي اللّه عنها.

3-أمّ كلثوم

أراد اللّه بها خيرا فطلّقها عتيبة بن أبي لهب عدوّ اللّه، و نجت بذلك الفراق من نكد العيش مع حمّالة الحطب،كما نجت معها أختها العزيزة«رقيّة»الّتي ما لبثت أن تزوّجت

ص: 820

عثمان و هاجرت معه إلى الحبشة.

بقيت أمّ كلثوم مع أختها الصّغرى فاطمة في بيت أبيهما بمكّة تشاركان أمّهما خديجة و تتحمّلان عبأ ما لاقاه أبوهما و أمّهما من الآلام،فعاشتا مع أسرتهما في صميم معركة الاضطهاد الّتي بلغت أقسى ذروتها.و هناك عاشوا في ضيق الحصار نحو ثلاث سنين حتّى أنّهم كانوا يأكلون الخبط و ورق السّمر،و لا يصل إليهم شيء إلاّ سرّا،حتّى بلغ منهم الجوع مبلغا لا يتصوّر مداه.و لأمّ كلثوم ذكريات عن أمّها خديجة الّتي عملت بها السّنّ و أنهكتها الأحداث و أحسّت بدنوّ أجلها،و قالت تناجي ابنتها:ليت الأجل يمهلني حتّى تنجلي المحنة،فأموت قريرة العين راضية،فهتفت أمّ كلثوم:«لا بأس عليك يا أمّاه...»

و هكذا دامت الأحوال حتّى انتهت المحنة و خرج النّبيّ و أسرته من الشّعب إلى البيت؛حيث رقدت السّيّدة خديجة في فراشها للقاء ربّها،ثمّ ما لبثت روحها أن فاضت في اليوم العاشر من رمضان سنة عشر من المبعث و دفنت في الحجون بمحضر من بناتها الثّلاث:

زينب و أمّ كلثوم و فاطمة،و كانت رقيّة مهاجرة إلى الحبشة.

و بعد ثلاث سنين من رحيل خديجة هاجر النّبيّ إلى يثرب و ترك بمكّة بناتها الأربع،لأنّ«رقيّة»رجعت من الحبشة قبيل ذلك،فهاجرت أمّ كلثوم و فاطمة بمصاحبة زيد بن حارثة الّذي بعثه النّبيّ ليأتي بهما إلى يثرب، و هاجرت رقيّة تلوهما مع زوجها عثمان،و بقيت زينب مع زوجها أبي العاص بمكّة،حتّى لحقت بهم بعد وقعة «بدر»كما سبق؛إذ توفّيت أختها رقيّة قبل وصولها إلى المدينة،ثمّ وقع عقد الزّواج بين أمّ كلثوم و عثمان، فعاشت معه ستّ سنين،و رأت فيها الإسلام يبلغ أوج انتصاره،و شاهدت أباها المصطفى من غزاة إلى غزاة مؤيّدا مظفّرا،و زوجها معه مجاهدا بماله و نفسه.

و قد بعثه النّبيّ عليه السّلام في واقعة«الحديبيّة»إلى قريش يخبرهم أنّ النّبيّ لم يأت إلاّ زائرا للبيت،لا للقتال، و أملكت أمّ كلثوم قلبها،و هي تخشى على زوجها غدر المشركين و ساورها القلق،و هي في انتظار أوبة عثمان بعد أن طال غيابه،فما راعها إلاّ نبأ ذاع أنّ عثمان قد قتل، لكن لم يطل الحزن حتّى عاد عثمان من رحلته لم يصبه أذى.و تمّ صلح الحديبيّة.

فتحت مكّة بعد عامين من صلح الحديبيّة،و أدركت أمّ كلثوم هذا الفتح كما أدركته أختها فاطمة،و رقّ قلباهما لذكرى الرّاحلات الغاليات:أمّهما خديجة و شقيقتيهما زينب و رقيّة،و أدركت كذلك مسيرة النّبيّ إلى تبوك في شهر رجب من سنة تسع،و لم يكن يجد ما يحمل عليه أصحابه الّذي لبّوا داعي الجهاد و أرادوا الخروج معه،فكان لعثمان مثوبة أن جهّز جيش العسرة (كما سمّيت)تسعمائة و خمسين بعيرا،و أتمّ الألف بخمسين فرسا،و في رواية ألف بعير و سبعين فرسا.

ثمّ رحلت أمّ كلثوم؛إذ ماتت في بيت عثمان هي الأخرى بعد«رقيّة»في شهر شعبان سنة تسع عن غير ولد.و و سّدوها ثرى«يثرب»إلى جانب أختيها زينب و رقيّة.و وقف المصطفى على قبر ابنته دامع العينين، مثقّل القلب بألم الثّكل المتتابع...و رحم اللّه أمّ كلثوم

ص: 821

فأعفاها من محنتي اليتم و التّرمّل،فلم تشهد رحيل أبيها بعد عام واحد عن الدّنيا...فثكل النّبي بموت أمّ كلثوم بثلاث بنات شابّات،و لم تبق له إلاّ فاطمة و سنواتيك بقصّتها.

4-فاطمة الزّهراء أمّ أبيها صلّى اللّه عليه و آله.

كانت رابعة البنات في تلك البيئة الّتي عرفناها مفتونة بالبنين،لكنّها دخلت التّاريخ الإسلاميّ ما لم يدخله أحد قطّ بعد أبيها.و تركت فيه من خطير الآثار ما جاوز كلّ تصوّر و احتمال،و قد شاء اللّه أن يبقي ذريّة النّبيّ منها واسعة المدى حتّى يظنّ أنّها جاوزت في هذا الوقت مائة مليون،و فيها من العلماء و النّقباء و الملوك و الوزراء و الشّخصيّات ما لم يوجد في أيّ أسرة في العالم.

و أوّل شيء من حياتها سنة مولدها،فالجمهور و معهم مؤلّفتنا بنت الشّاطئ أنّها ولدت في السّنة الخامسة قبل المبعث،حينما وضع الحجر الأسود موضعه بعد تجديد بناء الكعبة،و قد اشتجر الخلاف بين قريش أيّ منهم يضع الحجر في مكانه،فرضوا بأوّل داخل المسجد الحرام،و كان محمّدا فوضعه في قطيفته و أخذ رؤساء قريش أطرافها،فرفعه محمّد و وضعه في موضعه.

و قد ذكرت بنت الشّاطئ أنّ زينب كانت لها علاقة خاصّة بفاطمة،فكانت ترعى شئونها؛حيث عزّ على فاطمة خروج زينب إلى بيت زوجها أبي العاص،كما عزّ عليها خروج رقيّة و أمّ كلثوم إلى زوجيهما ابني أبي لهب، و بقيت وحدها مع أمّها خديجة.

أمّا الشّيعة الإماميّة فكادت تكون متّفقة على أنّ ولادة فاطمة كانت بعد مبعث النّبيّ،و لهم في شأنها روايات كثيرة تحكي عن قداستها مثل ما جاء في شأن مريم عليهما السّلام،فعندهم أنّها ولدت في الخامسة بعد المبعث، و قد اتّخذ الحاكم النّيسابوريّ في المستدرك موقفا وسطا، حيث روى حديثا أنّها ولدت في عام المبعث،فشملتها تلك المكارم الّتي جاءت في شأنها في روايات الشّيعة.

و كيف كان فقد شاركت فاطمة أباها بقسط من المتاعب الّتي لاقاها بمكّة،حيث رأت بأمّ عينيها أنّ رجلا من المشركين يأخذ بمجمع رداء أبيها،فجذبوه بلحيته،ثمّ لم يدعوه إلاّ و قد صدعوا رأسه،فغادر البيت الحرام و مشى في الطّريق،و ابنته فاطمة تتبعه عن كثب، فلم يلقه أحد من النّاس إلاّ كذّبه و آذاه،حتّى بلغ بيته فتدثّر في فراشه مقرورا ينتفض من شدّة ما أصابه.

و في حادثة أخرى تقف غير بعيد من أبيها و تحوم بعينيها و قلبها حوله؛إذ هو ساجد في الحرم،و حوله ناس من مشركي قريش،فجاء عقبة بن أبي معيط،بسلى جزور فقذفه على ظهره،فلم يرفع عليه السّلام رأسه حتّى تقدّمت ابنته فاطمة فأخذت السّلى،و دعت على من صنع ذلك؛و إذ ذاك رفع رأسه،و قال:«اللّهمّ عليك الملأ من قريش»و ذكر رجلا منهم،فخشع المشركون لدعائه و غضّوا بأبصارهم حتّى انتهى من صلاته،و انصرف إلى بيته تصحبه ابنته فاطمة،و لن تمض أعوام لترى فاطمة هؤلاء الّذين دعت و دعا عليهم أبوها صرعى مخذولين حول ماء بدر...

كما شاركت فاطمة بعض الأحداث و المعارك بعد الهجرة،فروى ابن سعد:طيّ مأساة غزوة«أحد»لمّا

ص: 822

كسرت باعة النّبيّ و جرح جبهته و كسرت البيضة على رأسه،فكانت فاطمة عليها السّلام تغسل جرحه و عليّ يسكب الماء عليها بالمجنّ-يعني التّرس-فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدّم إلاّ كثرة أخذت فاطمة قطعة حصير فأحرقته فألصقته عليه،فاستمسك الدّم.

و قد وردت في صحيح الحديث فضائلها،مثل:

«خير نساء العالمين أربع:مريم و آسية و خديجة و فاطمة»،«إنّ اللّه ليرضى لرضاك و يغضب لغضبك»، «إنّما فاطمة بضعة منّي،يؤذيني ما آذاها،و يريبني ما رابها...».

كما دلّت على شدّة حبّ النّبيّ إيّاها،و أنّها إحدى أصحاب الكساء الّذين نزلت فيهم: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33،«لاحظ أ ه ل».

و قد حكت بنت الشّاطئ آراء المستشرقين في شأنها و ردّت عليهم،فلاحظ.

صحبت فاطمة أبويها إلى شعب أبي طالب،ثمّ عادت إلى مكّة بعد انهيار الحصار لتشهد موت أمّها خديجة،ثمّ هجرة أبيها إلى يثرب،و على إثره هاجر عليّ،و قد تمهّل في مكّة ثلاثة أيّام ريثما أدّى عن النّبيّ الودائع الّتي كانت عنده للنّاس،و بقيت فاطمة و أختها أمّ كلثوم بمكّة،حتّى جاء رسول من أبيهما فصحبهما إلى يثرب،فما كادتا تودّعان أمّ القرى حتّى طاردهما «الحويرث بن نقيذ»،و كان ممّن يؤذي النّبيّ بمكّة، و نخس بعيرهما فرمى بهما إلى الأرض.

و كانت فاطمة يومئذ ضعيفة نحيلة الجسم،قد أنهكتها الأحداث الجسام الّتي لقيتها قبل أن تمتلئ شبعا و ريّا،و سارت بقيّة الطّريق متعبة إلى أن بلغت المدينة.

و ما تكاد ساقاها تنهضان بها،فلم يبق هناك من لم يلعن «الحويرث»،و لم ينس النّبيّ هذه الفعلة الآثمة حتّى نراه يوم فتح مكّة يسمّي«الحويرث»مع النّفر الّذين عهد إلى أمرائه أن يقتلوهم و إن وجدوا تحت أستار الكعبة،و قد قتله عليّ عليه السّلام.

فجاءت فاطمة مهاجرة لترى أباها في أعزّ موضع، فدخلت بيت أبيها المتواضع،و كانت إذ ذاك قد قاربت عامها الثّامن عشر-على قول الجمهور-و التّاسع،على قول الشّيعة-و عامها الثّالث عشر على ما رواه الحاكم 3،فخطبها عليّ بن عمّ والدها-و قد كانت أنست بعليّ في بيت أبيها بمكّة،إذ كان يعيش معه منذ صباه،فزوّجه النّبيّ بمهر متواضع:أربع مائة و سبعين درهما،ثمن درعه،فصارت سنّة بين النّاس و اتّفق الزّفاف بعد دخول عائشة بيت النّبيّ عليه السّلام،فلم يمض على دخولها أربعة أشهر حتّى كانت الزّهراء في طريقها إلى بيت عليّ.

و على هذه البساطة تمّت خطبة الزّهراء بنت النّبيّ لابن عمّه،و عقدت أخطر مصاهرة عرفها الإسلام في تاريخه الحافل الطّويل.و تمّ عقد النّكاح في شهر رجب من مقدمهم إلى المدينة،و بنى بها في السّنة الثّانية، مرجعهم من«بدر»و احتفل بنو عبد المطّلب بهذا الزّواج كما لم يحتفلوا بزواج مثله من قبل،و أطعم حمزة عمّ محمّد و عليّ النّاس،و مضت بها أمّ سلمة إلى بيت عليّ فزارهما النّبيّ بعد صلاة العشاء،حيث دعا بماء فقرأ عليه بعض

ص: 823

آي الذّكر الحكيم،ثمّ أمر العروسين أن يشربا منه، و توضّأ بالباقي،و نشره على رأسيهما.و همّ بالانصراف و هو يقول:

«اللّهمّ بارك فيهما و بارك لهم في نسلهما».فلم تملك فاطمة دمعها،فتمهّل الأب برهة،و حنا عليها مهوّنا عليها الأمر بأنّه تركها وديعة عند أقوى النّاس إيمانا و أكثرهم علما و أفضلهم أخلاقا و أعلاهم نفسا...».و قد سبق أن اتّخذه أخا لنفسه عند المؤاخاة،و استجاب اللّه لدعاء نبيّه في تلك المناسبة السّعيدة،فكانت الزّوجيّة المباركة الّتي شاء أن تنحصر في ثمرها ذريّة نبيّه المصطفى عليه الصّلاة و السّلام.

لم تكن الزّهراء في بيت زوجها مترفة و لا ناعمة،بل كانت أقرب إلى أن توصف بالخشونة و الفقر،و هي في ذلك تختلف عن حياة أخواتها اللّواتي أتيح لهنّ حظّ من الثّراء المادّيّ،كما عرفناها من ذي قبل،فلا نرى أحدا من رواة المسلمين حاول أن ينفي عنها ما كانت تجده من شظف العيش،أو يجيء في جهازها بفراش وثير و أثاث جميل.بل نقرأ أنّها دخلت بيت زوجها بخميلة و وسادة حشوها ليف،و رحاءين و سقاءين و شيء من العطر و الطّيب،و كان زوجها من الفقر بحيث لم يستطع أن يستأجر لها خادما تعينها،أو تقوم عنها بالعمل الشّاقّ، فكان عليها أن تنفرد بهذا العبء الثّقيل.

و قد سألا النّبيّ أن يعينهما بما آتاه اللّه من الغنائم، فأبى النّبيّ ذلك و عوّضها بكلمات يقولانها دبر كلّ صلاة،و هي«تسبيح فاطمة»،و قد سمع الإمام عليّ بعد أكثر من ثلث قرن يذكرها و يقول:«فو اللّه ما تركتهنّ منذ علّمنيهنّ»و سأله رجل من أصحابه!و لا ليلة صفّين؟ فأجاب مؤكّدا:«و لا ليلة صفّين»!!

و مضت الأيّام بهما،و الأحداث تقع واحد بعد آخر و شارك زوجها عليّ المعارك الجسام و كان له فيها جميعا دور ليس لغيره.و لم يمض عليها زمن حتّى وضعت بكرها«الحسن»في السّنة الثّالثة من الهجرة،و سعى البشير إلى أبيها بالنّبإ السّعيد،فخفّ إليها مشوّقا فرحا.

و حمل وليدها بين ذراعيه،و تلا الأذان في سمعه، و احتفلت مدينة الرّسول بمولد الحسن،و تصدّق جدّه صلوات اللّه عليه على الفقراء من أهلها بزنة شعره فضّة.

فلمّا بلغ من العمر عاما أو بعض عام،حتّى أردفته أمّه الزّهراء بشقيقه«الحسين»في شعبان سنة أربعة من الهجرة.

و تفتّح قلب النّبيّ لهذين الحفيدين،و رأى فيهما امتدادا لحياته الخاصّة على هذه الأرض،و منفّسا لما يفيض به قلبه من عاطفة الأبوّة الّتي يئست من الولد منذ ماتت خديجة رضي اللّه عنها.

كان الرّسول إذ ذاك في العام الرّابع الهجريّ في نحو السّابعة و الخمسين،و قد مضى على وفاة خديجة بالقرب من سبع سنين،تزوّج خلالها من خمس نساء...و لم يرزق منهنّ بولد،و بدا أن قد انقطع خلف محمّد بن عبد اللّه،إلاّ عن طريق ابنته«الزّهراء»،فلا عجب أن أقبل الرّسول على سبطيه الحسن و الحسين،يغمرهما بكلّ ما امتلأ قلبه الكبير من حبّ و حنان،و أنّه دعاهما ابنيه،و كان اسماهما نغمة حلوة في فم أبي الزّهراء و فيهما يجد أنسه و سلوته عمّن فقد من الأبناء.

ص: 824

لقد آثر اللّه الزّهراء بالنّعمة الكبرى فحصر في ولدها ذرّيّة نبيّه المصطفى و حفظ بها أشرف سلالة عرفتها البشريّة منذ كانت،كما كرّم اللّه وجه«عليّ» فجعل في صلبه نسل خاتم الأنبياء،و فضّله على سائر أصهاره،و هو أقربهم إليه مكانا و أمسّهم رحما،و عند عبد المطّلب يلتقي نسبه بنسب الرّسول،فكلاهما له حفيد.

و تتابع الثّمر المبارك،ولدت الزّهراء طفلتها الأولى في العام الخامس من الهجرة فسمّاها جدّها«زينب»ثمّ وضعت بعد عامين طفلة ثانية فسمّاها عليه السّلام«أمّ كلثوم»، تذكارا لابنتيه الرّاحلتين.و بذلك قدّر للزّهراء أن تحيي بابنتيها ذكرى أختيها زينب و أمّ كلثوم.

و لقد ماتت بناته الثّلاث زينب و رقيّة و أمّ كلثوم، و هنّ في ربيع العمر،و أرقدهنّ أبو هنّ الثّاكل المحزون واحدة بعد أخرى في ثرى يثرب،الّذي ختم جثمان أبيه عبد اللّه حين كان محمّد لا يزال جنينا في رحم أمّه«آمنة بنت وهب».

عاشت فاطمة لتدعو أباها«يا أبت»و ليدعو ابنته، و عاش ولداها ليسعد النّبيّ يقول لهما:«ابنيّ»و عاشت بنتاها ليدعو الأب الحنون يدعوهما باسم ابنتيه الرّاحلتين بعد أن أقام زمنا يفتقدهما،و يمسك لسانه عن ندائهما.

و يرخى الزّمن للزّهراء لتشهد أباها البطل و هو يغزو الجزيرة بالنّور الجديد و يدنو من النّصر المؤزّر الّذي وعده اللّه به و المسلمين،و لترى مولدها مكّة و بيتها الّذي ولدت بها مرّة أخرى،و تستعيد هي و زوجها عليّ ذكريات صباهما الحلو و لتطوف الكعبة،و تسعى بين الصّفا و المروة،و لتزور مثوى أمّها خديجة،و عمّ أبيها أبي طالب و قبور غيرهما من الأهل و العشيرة كلّ ذلك عام الفتح.

دخل المصطفى يوم الفتح و نزل بأعلى مكّة و ضربت له قبّة هناك،قريبا من مثوى خديجة،و صحبته ابنته «الزّهراء»و كانت تستره بثوبه حين يغتسل،و قد أنساها الفرح الأكبر كلّ ما ألمّ بها من شجن،منذ مرّت بالمكان الّذي نخس فيه«الحويرث»راحلتها،و هي مهاجرة من مكّة،فألقت بها على الأرض،لكن أباها لم ينس!!إذ أمر أصحابه بقتل نفر سمّاهم و منهم «الحويرث»حيث قتله عليّ عليه السّلام.

و خرج النّبيّ ليطوف البيت الحرام و ليخطب عند باب الكعبة خطبة الفتح.و أقبل المساء رقيقا،و كانت فاطمة غير بعيدة من أبيها،ترقد ساهرة في فراشها حتّى تسمع صوت«بلال»يؤذّن لصلاة الصّبح،ثمّ قامت تصلّي و أغفت قليلا بعد أن طال بها السّهر.و أصبحت تمنّي نفسها بالعودة إلى دار مولدها،و لكنّها قد انتقلت على أثر الهجرة إلى ملك عقيل،و راحت تودّعها، وزارت قبر خديجة قبل أن يحين الرحيل،و لم يجاوز مقامها بمكّة غير شهرين و بعض شهر فغادرتها مع أبيها إلى مدينة الأنصار،فكأنّما كان الأمر كلّه،كما قالت فاطمة في اللّيلة الأولى بعد الفتح:حلما في الكرى أو رؤيا منام.

و قد امتدّ الحلم الهنيء عامين،سعدت فيهما الزّهراء بصحبة أبيها تتنعّم بحبّه المضاعف لها و لبنيها و زوجها

ص: 825

ما شاء اللّه لها أن تنعم،متوفّرة على تربية بنيها أحفاد الرّسول،تاركة شئون الدّار لخادم،جاء بها«عليّ»بعد أن أيسر بما ناله من غنائم الفتح و النّصر.

ثمّ كانت اليقظة المروّعة شكا أبوها من مرض ألمّ به في ليال بقين من صفر،في السّنة الحادية عشرة للهجرة، و لم تكد تسمع بشكوى أبيها و كانت تزوره،و هو في بيت عائشة،فلمّا رآها أبوها مقبلة أشبه أحد به سمتا و هديا- على ما وصفت عائشة-هشّ للقائها قائلا:«مرحبا بابنتي»،ثمّ قبّلها و أجلسها إلى يمينه و أسرّ إليها أنّه يحسب أن قد حان أجله،فلمّا بكت هوّن عليها بقوله: (1)

«و إنّك أوّل أهل بيتي لحوقا بي»ثمّ أضاف:«أ لا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين»فسرّها ما سمعت و ضحكت بعد بكاء،فعجبت عائشة و قالت:«ما رأيت كاليوم فرحا أقرب إلى حزن!»ثمّ سألت الزّهراء حين سنحت فرصة عمّا أسرّ إليها،فأجابت:«ما كنت لأفشي على رسول اللّه سرّه».

و انصرفت إلى دارها،فلمّا بلغها بعد أيّام أنّه يشكو، أسرعت إلى بيت أبيها و رأته يتحامل على نفسه، و يتجمّل بالصّبر،و يدور على نسائه أمّهات المؤمنين كمألوف عادته«إلى أن استأذنهنّ في أنّ يمرّض في بيت عائشة،و كان ذلك بتوصية ابنته فاطمة،فأقامت إلى جانبه تخدمه و تسهر عليه تتكلّف الصّبر،و لا تكفّ عن الدّعاء و الابتهال...

و حين رأته و قد اشتدّ به الوجع،يأخذ الماء بيده و يجعله على رأسه و هو يقول:«وا كرباه»فخنقتها العبرة،و قالت بصوت يفيض حزنا و لوعة:«وا كربي لكربك يا أبتاه»فردّ عليها في عطف و حنو:«لا كرب على أبيك بعد اليوم».

ثمّ حمّ القضاء و لحق بالرّفيق الأعلى،و ترك الزّهراء من بعده يتيمة و حزينة،و قد زادت مصيبتها بما جرى في حقّها ممّا حفظه لنا حفّاظ السّيرة-على خلاف بينهم فيها-فمن اطّلع عليها لا يرتاب في أنّها كانت غاضبة على مجريات الأمور،و قد كشف عنها«عليّ»حين دفنها كالمناجي به رسول اللّه عند قبره:«..و ستنبّئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها فاحفها السّؤال و استخبرها الحال...» (2)،و قد لحقت بأبيها بعد مدّة اختلف فيها بين مقلّ:أربعين يوما،و مكثر:ستّة أشهر.و تركت زوجها و أبناءها ليواجهوا تلك الأحداث الجسام الّتي مرّت عليهم،ابتداء بما جرى على عليّ،و انتهاء بما جرى على الحسين و زينب في حادثة كربلاء و ما بعدها،ثمّ جرى على ذريّتها طيلة الدّهر.

إلى هنا انتهى بنا المقال في بنات النّبيّ عليه السّلام،تلخيصا من كتاب بنت الشّاطئ مع شيء ممّا أضفنا إليه.

النّوع الحادي عشر:«ابن السّبيل»8 مرّات:

1- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً الإسراء:26

2- فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الرّوم:383.

ص: 826


1- صحيح البخاريّ 6:12-و صحيح مسلم 4:1905، و طبقات ابن سعد 8:16.
2- نهج البلاغة الخطبة:193.

3- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ البقرة:177

4- يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ

البقرة:215

5- وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً النّساء:36

6- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ الأنفال:41

7- ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ

الحشر:7

8- إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:60

يلاحظ أوّلا:أنّ(ابن السّبيل)كرّر(8)مرّات مع غيره من المحتاجين،و قد اختلفوا في تعريفه على وجوه:

هو الضّيف،أو كلّ من يمرّ عليك و هو مسافر،أو كلاهما معا،أو صاحب الطّريق محتاجا منقطعا،أو المسافر الغريب الّذي انقطع عن بلده و أهله،و هو يريد اللّحوق ببلده و لا يجد ما يتبلّغ به،أو من لا يعرف من حاله إلاّ أنّه سالك سبيل،كأنّه ليس من ينسب إليه إلاّ السّبيل،فهو ابنه،و لا يدخل في مفهومه الفقر و المسكنة،أو السّائح الرّحّالة في غرض صحيح غير محرّم،أو المسافر البعيد و المنقطع عن ماله،أو عابر سبيل،أو المجتاز من أرض إلى أرض،أو المسافر إذا عطبت دابّته أو فقدت نفقته،أو الحاجّ المنقطع و نحوها.

و عندنا أنّ مآل أغلبها إلى شيء واحد،و هو المسافر المنقطع به عن ماله،المحتاج إلى نفقة.و أحسن ما قيل فيه قول صاحب المنار:«المنقطع في السّفر لا يتّصل بأهل و لا قرابة،حتّى كأنّ السّبيل أبوه و أمّه و رحمه و أهله»، و قال:«و هذا التّعبير بمكان من اللّطف لا يرتقي إليه سواه».

أمّا اختصاصه بالضّيف أو الحاجّ المنقطع أو تعميمه لكلّ مسافر أو الرّحّالة،فبعيد عن سياق الآيات.كما أنّ نفي شرط الفقر و المسكنة فيه كذلك،فإنّه جاء دائما مع الأيتام أو المساكين أو السّائلين و غيرهم من المحتاجين، فكيف لا يشترط فيه الفقر و هو ابن السّبيل،و إن كان في بلده غنيّا؟

و قد ذكروا في وجه نسبته إلى«السّبيل»ملازمته له، أو لأنّ السّبيل تبرزه،فكأنّه ابنها،و أحسن منهما ما مرّ عن صاحب المنار.

ص: 827

و لا ندري أنّ هذا التّعبير من عطاء القرآن أو سبقه العرب إلى ذلك؟

و قد أدخل فيه بعضهم اللّقيط بحجّة أنّه أجدر بالعناية من اليتيم و أحقّ بالإحسان إليه،و أنّ الأوربيّين قد اعتنوا بحضانة اللّقيط،و نحن المسلمون أحقّ بهذا الإحسان منهم،لأنّ اللّه قد جعل في أموالنا حقّا للسّائل و المحروم.

و نقول:إدخاله في المحروم أولى من إدخاله في ابن السّبيل،لأنّه تعبير شائع عمّن انقطع به السّبيل عن ماله و أهله.

و قد شرط الفقهاء في(ابن السّبيل)أن لا يكون سفره محرّما،و هذا الشّرط خارج من مفهوم(ابن السّبيل)إذ أخذ من دليل آخر،كما أنّ مثل هذا المسافر لا يقصر صلاته و لا يفطر صومه،لأنّه لا يستحقّ هذا التّرخيص الرّبّانيّ،لاحظ النّصوص حول هذه البحوث.

ثانيا:خمس من هذه الآيات:(1)إلى(5)و هي تزيد على النّصف بواحدة،أي آيتا الإسراء و الرّوم- و هما مكّيّتان-و آيتا البقرة-و هي أوّل المدنيّات،و آية النّساء-و هي من أوائل المدنيّات-سياقها التّرغيب في الإنفاق و البرّ و الإحسان إلى الأقرباء و ذوي الحاجة، كعمل أخلاقيّ في بدايات التّشريع.

أمّا الثّلاث الباقية:(6)و(7)و(8)،فهي تحمل فريضة من الفرائض الماليّة،و(ابن السّبيل)فيها كسائر الآيات مطلق يعمّ كلّ من انقطع به السّبيل،فسياقها عامّ،إلاّ أنّ الأمّة اختلفت فيها،اتّكالا على ما جاءت به السّنّة في أمور:

1-نزلت آية الأنفال بعد غزوة بدر في شأن الغنائم، و جعلت خمسها للّه و الرّسول و أربعة أصناف بعدها،فهي خاصّة بخمس الغنائم إجماعا،و اختلفوا فيها على أقوال:

أوّلا:هل هي خاصّة بغنائم دار الحرب كما هو ظاهرها و عليه الجمهور؟أو تعمّ سائر المنافع و لا سيّما أرباح التّجارة،كما عليه الإماميّة استنادا إلى أئمّتهم؟

ثانيا:هل الأصناف الأربعة من بني هاشم خاصّة بإزاء حرمة الصّدقة عليهم،كما عليه الإماميّة؟أو تعمّ غيره من ذوي الحاجات،و عليه الجمهور مع اختلاف بينهم؟

ثالثا:كيف يوزّع الخمس بين اللّه و رسوله و بين هؤلاء الأصناف الأربعة؟

فالمشهور عند الإماميّة أنّه يوزّع ستّة أقسام:ثلاثة للّه و الرّسول و ذوي القربى،و هم الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام،فتدفع إلى الإمام في حياته و حضوره،و إلى نائبه العامّ عند غيبته،و هو المجتهد العادل،فيصرفه في ما يرى من مصالح الإسلام و المسلمين،على خلاف بينهم منذ القدم في ذلك.و تدفع الثّلاثة الباقية إلى ذوي الحاجة من بني هاشم،و كانت عندهم آراء شاذّة فيها، لا يعمل بها الآن.

أمّا الجمهور فلهم آراء مختلفة في توزيع الخمس، فبعضهم يسقطون سهم اللّه بحجّة أنّه ذكر تشريفا، و بعضهم يسقط سهم الرّسول أيضا بعد رحيله،إلى غير ذلك،و لكلّ منهم حجّة من السّنّة،لاحظ النّصوص.

2-نزلت آية الحشر بعد غزوة بني النّضير من اليهود،و قد طمع المؤمنون في غنائمها كسائر الغنائم،

ص: 828

فأعلن اللّه أنّها ليست لهم،لأنّهم لم يوجفوا عليها بخيل و لا ركاب،بل هي للّه و الرّسول،و الأصناف الأربعة المذكورة في آية الخمس أيضا.

و قد اختلفوا فيها بعد أن اتّفقوا على أنّها خارجة من الغنائم،فالإماميّة خصّوها كالخمس بأولى الأمر من أهل البيت،و هم الأئمّة الاثنا عشر،و بنو هاشم،و سمّوه فيئا، و الجمهور على اختلاف بينهم،فوّضوا أمرها إلى وليّ أمر المسلمين،يصرفها فيما يراه من مصالح المسلمين.و هذا الاختلاف في الحقيقة في مصداق وليّ الأمر،فهو خلاف صغرويّ ليس كبرويّا،و لكلّ فريق حجّة من السنّة.

3-أمّا آية الصّدقات فهي خاصّة بالزّكاة،نزلت في أواخر حياة النّبيّ،و جعلتها لثمانية أصناف،و خصّها النّبيّ عليه السّلام بتسعة أشياء من الحبوب و الأنعام و النّقدين، و فيها خلاف من جهات:

أوّلا:هل يجب التّوزيع بين هؤلاء الأصناف؟أو أنّ أمرها بيد وليّ الأمر،يوزّعها بينهم جميعا على السّواء أو بالتّفاصيل؟أو يخصّها ببعضهم؟و هذا الخلاف موجود بين جميع المذاهب الفقهيّة.

ثانيا:هل يتجاوز حكم الزّكاة الأجناس التّسعة إلى غيرها من الحبوب و الأنعام،و إلى مال التّجارة أم لا؟ و أكثر الإماميّة على الأوّل،و أكثر الجمهور على الثّاني.

ثالثا:لقد اتّفقت المذاهب الفقهيّة على حرمة الزّكاة و الصّدقات على بني هاشم،و هذا يدعم قول الإماميّة باختصاص الخمس بهم،و إلاّ يلزم حرمانهم منهما جميعا.

رابعا:هناك خلاف في فروع أخرى للمسألة، فلاحظ،و إنّا لا نعلم أحدا بحث حول آيات ت«ابن السّبيل»كما بحثنا هنا،و الحمد للّه ربّ العالمين.

ص: 829

ص: 830

ب ن ي

اشارة

14 لفظا،22 مرّة:15 مكّيّة،7 مدنيّة

في 16 سورة:12 مكّيّة،4 مدنيّة

بناها 2:2 مبنيّة 1:1

بنوا 1:-1 بنّاء 1:1

بنينا 1:1 بنيان 1:-1

بنيناها 2:2 بنيانا 2:2

تبنون 1:1 بنيانه 2:-2

ابن 2:1-1 بنيانهم 2:1-1

ابنوا 2:2 بناء 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بنى البنّاء البناء يبني بنيا و بناء و بنى، مقصور.

و البنيّة:الكعبة،يقال:لا و ربّ هذه البنيّة.

و المبناة:كهيئة السّتر،غير أنّه واسع يلقى على مقدّم الطّراف.و تكون المبناة كهيئة القبّة،تجلّل بيتا عظيما، و يسكن فيها من المطر،و يكنّون رحالهم و متاعهم،و هي مستديرة عظيمة واسعة،لو ألقيت على ظهرها الخوص تساقط من حولها،و يزلّ المطر عنها زليلا.[ثمّ استشهد بشعر](8:382)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البواني:أضلاع الزّور.

(الأزهريّ 15:492)

الفرّاء: من القسيّ:البانية،و هي الّتي بنت على وترها،و ذلك أن يكاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقه بها.

و طيّئ تقول:قوس باناة،يريدون:بانية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا«البائنة»فهي الّتي بانت من وترها،و كلاهما عيب.

و الباني:العروس الّذي بنى على أهله.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:492)

أبو زيد:يقال:بنى لحم فلان طعامه يبنيه بناء،إذا

ص: 831

عظم من الأكل.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:495)

يقال:بنيت أبني بنيا و بناء و بنية.و جمعها:البنى.

(الطّوسيّ 5:347)

الأصمعيّ: المبناة:حصير،أو نطع يبسطه التّاجر على بيعه،فكانوا يجعلون الحصر على الأنطاع يذوفون بها.

و إنّما سمّيت:مبناة،لأنّها تتّخذ من أدم،يوصل بعضها إلى بعض.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:494)

أبو عبيد: و يقال:ألقى فلان أرواقه و ألقى بوانيه، و ألقى عصاه،إذا أقام بالمكان و اطمأنّ.

(الأزهريّ 15:492)

ابن الأعرابيّ: البنى:الأبنية من المدر و الصّوف، و كذلك البنى من الكرم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:492)

ابن السّكّيت: يقال:بنى فلان على أهله،و قد زفّها و ازدفّها.

و العامّة تقول:«بنى بأهله»و ليس من كلام العرب.

و يقال:أبنيت فلانا بيتا،إذا أعطيته بيتا يبنيه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:493)

شمر: [في حديث عن عائشة في مصلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم] قالت:و ما رأيته متّقيا الأرض بشيء قطّ إلاّ أنّي أذكر يوم مطر،فإنّا بسطنا له بناء.

قولها:«بناء»أي نطعا،و هو متّصل بالحديث.

قال أبو عدنان:يقال للبيت:هذا بناء.

أخبرني عن الهوازنيّ،قال:المبناة:من أدم كهيئة القبّة،تجعلها المرأة في كسر بيتها،تسكن فيها،و عسى أن يكون لها غنم،فتقتصر بها دون الغنم لنفسها و ثيابها.و لها إزار في وسط البيت من داخل يكنّها من الحرّ و من واكف المطر،فلا تبلّل هي و ثيابها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:494)

أبو الهيثم: في قولهم:«المعزى تبهي و لا تبني»أي لا تعطي من الثّلة ما يبنى منها بيت.

و أبنيت فلانا بيتا،أي أعطيته ما يبني بيتا.

(الأزهريّ 15:494)

ابن دريد :يقولون:بنى الرّجل بامرأته،إذا دخل بها.و أصل ذلك:أنّ الرّجل من العرب إذا تزوّج بني له و لأهله خباء جديد،فكثر ذلك حتّى استعمل في هذا الباب.(3:432)

الأزهريّ: [نقل قول ابن الأعرابيّ و قال:]

و قال غيره:يقال:بنية و بنى،مثل رشوة و رشا، كأنّ البنية:الهيئة الّتي بني عليها،مثل المشية و الرّكبة.

(15:492)

و قيل:يصف الخيل،فيقول:لو سمّنها الغيث،بما ينبت لها الكلأ لأغرت بها على ذوي القباب،فأخذت قبابهم حتّى تكون البجد لهم أبنية بعدها.

و العرب تقول:«إنّ المعزى تبهي و لا تبني»،المعنى:

أنّها لا ثلّة لها حتّى تتّخذ منها الأبنية.

و قيل:المعنى أنّها تخرق البيوت بوثبها عليها، و لا تعين على الأبنية...

و البانة:شجرة لها ثمرة تربّب بأفاويه الطّيب،ثمّ

ص: 832

يعتصر دهنها طيبا،و جمعها:البان.[إلى أن قال:]

و روى شمر أنّ مخنّثا قال لعبد اللّه بن أبي أميّة:إن فتح اللّه عليكم الطّائف فلا تفلتنّ منك بادية بنت غيلان، فإنّها إذا جلست تبنّت،و إذا تكلّمت تغنّت،و إذا اضطجعت تمنّت،و بين رجليها مثل الإناء المكفأ.

قال شمر:سمعت ابن الأعرابيّ يقول في قوله:«إذا قعدت تبنّت»،أي فرّجت بين رجليها.

قلت:كأنّه يجعل ذلك من«المبناة»و هي القبّة من الأدم،إذا ضربت و مدّت الأطناب،فانفرجت.

و كذلك هذه إذا قعدت تربّعت و فرّجت رجليها.

[و بعد نقل قول أبي زيد قال:]

قلت:و جائز أن يكون معنى قول المخنّث:«إنّها إذا قعدت تبنّت»من قولهم:بنى لحم فلان طعامه،إذا سمّنه و عظّمه.

و كان الرّجل إذا جمع إليه أهله ضرب عليها بيتا، و لذلك قيل:بنى فلان على أهله.(15:493)

الصّاحب:بنى البنّاء بناء و بنى و بنية و بنية.و بان حسن البناية.

و الأبناء:جمع الباني،و في المثل«أجناؤها أبناؤها».

و بنت الأبنية،أي بنيت،بلغة طيّئ.و بنيانة:

واحدة،و بنيان:كثير.

و أبنيت فلانا بيتا،أي جعلته له بناء،و في المثل «المعزى تبهي و لا تبني».

و استبنت الدّار:تهدّمت،فأحوجت إلى بنائها.[إلى أن قال:]

و رجل مبني:سمين عظيم،و بنّاء اللّحم.

و الباني:الرّاهب الّذي لزم الصّومعة.

و قوس بانية،بتقديم النّون:الّتي قرب وترها حتّى يكاد يلتصق به.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:«بانية»من صفة الرّجل إذا انحنى على قوسه و وتره إذا رمى،من:بنت يبنت بنوتا.(10:404)

الخطّابيّ: البناء:النّطع،و المشهور منه المبناة، يقال للنّطع:مبناة و مبناة،بكسر الميم و فتحها.و ممّا جاء على وزنها:مثناة و مثناة و مرقاة و مرقاة.

قالوا:و إنّما سمّي النّطع مبناة،لأنّها تتّخذ من أديمين يوصل أحدهما بالآخر.

و المبناة-في قول أبي عبيد-خيمة،و هي العيبة أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](1:230)

الجوهريّ: بنى فلان بيتا،من البنيان.و بنى على أهله بناء فيهما (1)،أي زفّها.

و العامّة تقول:«بنى بأهله»و هو خطأ،و كان الأصل فيه أنّ الدّاخل بأهله كان يضرب عليها قبّة ليلة دخوله بها،فقيل لكلّ داخل بأهلها:بان.

و بنّى قصورا،شدّد للكثرة.

و ابتنى دارا و بنى،بمعنى.

و البنيان:الحائط.

و قوس بانية:بنت على وترها إذا لصقت به حتّى يكاد ينقطع.

و البنى بالضّمّ مقصور،مثل البنى.يقال:بنية و بنى، و بنية و بنى بكسر الباء مقصور مثل جزية و جزى.

و فلان صحيح البنية،أي الفطرة.ا.

ص: 833


1- كذا.

و المبناة:النّطع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هي العيبة.

و أبنيت فلانا،أي جعلته يبني بيتا.[ثمّ استشهد بشعر]

و في المثل:«المعزى تبهي و لا تبني»أي لا تجعل منها الأبنية،لأنّ أبنية العرب طراف و أخبية.فالطّراف:من أدم،و الخباء:من صوف أو وبر،و لا يكون من شعر.

(6:2286)

ابن فارس: الباء و النّون و الياء أصل واحد،و هو بناء الشّيء بضمّ بعضه إلى بعض،تقول:بنيت البناء أبنيه.و تسمّى«مكّة»البنيّة.

و يقال:قوس بانية،و هي الّتي بنت على وترها، و ذلك أن يكاد وترها ينقطع للصوقه بها.

و طيّئ تقول مكان بانية:باناة،و هو قول امرئ القيس:

*غير باناة على وتره*

و يقال:بنية و بنى،و بنية و بنى بكسر الباء،كما يقال:جزية و جزى و مشية و مشى.(1:302)

الهرويّ: في الحديث:أنّ عمر سأل رجلا قدم من الثّغر،فقال:هل شرب الجيش في البنيّات الصّغار؟

قال:لا،إنّ القوم ليأتون بالإناء فيتداولونه حتّى يشربوه كلّهم.

البنيّات،هاهنا:الأقداح الصّغار.(1:213)

ابن سيدة :البني:نقيض الهدم.بناه بنيا و بناء و بنيانا و بنية و بناية و ابتناه و بنّاه.[ثمّ استشهد بأشعار]

و البناء:المبنيّ.

و الجمع:أبنية،و أبنيات جمع الجمع.

و استعمل أبو حنيفة البناء في السّفن فقال يصف لوحا:يجعله أصحاب المراكب في بناء السّفن.و إنّما أصل البناء فيما لا ينمي كالحجر و الطّين و نحوه.

و البنّاء:مدبّر البنيان و صانعه.

و البنية و البنية ما بنيته و هو البنى و البنى.[ثمّ ذكر أشعار]

و أبنيت الرّجل:أعطيته بناء أو ما يبني به داره.

و البناء:يكون من الخباء،و الجمع:أبنية.

و البناء:لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا من السّكون أو الحركة لا لشيء أحدث ذلك من العوامل،و كأنّهم إنّما سمّوه بناء؛لأنّه لمّا لزم ضربا واحدا،فلم يتغيّر تغيّر الإعراب،سمّي بناء،من حيث كان البناء لازما موضعا لا يزول من مكان إلى غيره،و ليس كذلك سائر الآلات المنقولة المبتذلة،كالخيمة و المظلّة و الفسطاط و السّرادق و نحو ذلك،و على أنّه قد أوقع على هذا الضّرب من المستعملات من مكان إلى مكان لفظ البناء تشبيها بذلك،من حيث كان مسكونا و حاجزا و مظلاّ بالبناء من الآجرّ و الطّين و الجصّ.

و البنيّة الكعبة لشرفها إذ هي أرفع مبنيّ.

و بنى الرّجل:اصطنعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك ابتناه.و بنى الطّعام لحمه بناء:أنبته.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبنّى السّنام:سمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و المبناة و المبناة:كهيئة السّتر و النّطع.

و المبناة أيضا:العيبة.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 834

و البانية من القسيّ: الّتي لصق وترها بكبدها حتّى كاد ينقطع،و هو عيب،و هي الباناة-طائيّة-.

و رجل باناة:منحن على وتره عند الرّمي.[ثمّ استشهد بشعر]

و البواني:أضلاع الزّور.

و البواني:قوائم النّاقة.

و ألقى بوانيه:أقام بالمكان و ثبت،كألقى عصاه.

و بنيت عن حال الرّكيّة:نحّيت الرّشاء عنه لئلاّ يقع التّراب على الحافر.

و بنى فلان على أهله،و لا يقال بأهله،هذا قول أهل اللّغة،و حكى ابن جنّي بنى فلان بأهله،و ابتنى بها، عدّاهما جميعا بالباء.

و الابن:الولد فعل محذوفة اللام مجتلب لها ألف الوصل،و إنّما قضى أنّه من الياء؛لأنّ(بنى يبني)أكثر في كلامهم من(يبنو)و الجمع:أبناء.(10:499)

الرّاغب: يقال:بنيت أبني بناء و بنية و بنيا،قال عزّ و جلّ: وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً النّبأ:12.

و البناء:اسم لما يبنى بناء،قال تعالى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ الزّمر:20.

و البنيّة يعبّر بها عن بيت اللّه:قال تعالى:

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47، وَ السَّماءِ وَ ما بَناها الشّمس:5.

و البنيان واحد لا جمع:لقوله: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:110،و قال:

كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4، قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً الصّافّات:97.

و قال بعضهم:بنيان جمع بنيانة،فهو مثل شعير و شعيرة و تمر و تمرة و نخل و نخلة،و هذا النّحو من الجمع يصحّ تذكيره و تأنيثه.(62)

الزّمخشريّ: بنا بيتا أحسن بناء و بنيان،و هذا بناء حسن و بنيان حسن كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:

4،سمّي المبنيّ بالمصدر،و بناؤك من أحسن الأبنية، و بنيت بنية عجيبة،و رأيت البنى فما رأيت أعجب منها، و بنّى القصور.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان يباني فلانا:يباريه في البناء.و ابتنى لسكناه دارا،و أبنيته بيتا،و في مثل:«المعزى تبهي، و لا تبني».[ثمّ استشهد بشعر]

و حلف بالبنيّة،و هي الكعبة.و تبنّاه،و بنّى زيد عمرا:دعي ابنا له.

و من المجاز:بنى على أهله:دخل عليها،و أصله أنّ المعرس كان يبني على أهله خباء،و قالوا:بنى بأهله، كقولهم:أعرس بها،و استبنى فلان و ابتنى،إذا أعرس.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بنى مكرمة و ابتناها،و هو من بناة المكارم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ملعون من هدم بنيان اللّه،أي ما ركّبه و سوّاه.و بني فلان على الحزم.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنى الأكل فلانا و بنّاه،إذا سمّنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمل مبنيّ:سمين،و بنى له المرعى سناما تامكا.

و بنى كلاما و شعرا،و هذا كلام حسن المباني،و بنى على كلامه:احتذاه،و هذا البيت مبنيّ على بيت كذا،و كلّ شيء صنعته فقد بنيته.

ص: 835

و طرحوا له بناء و مبناة،و هي النّطع،لأنّه كان يتّخذ منه القباب.

و ألقى فلان بوانيه،إذا أقام.و البواني:أضلاع الصّدر،كما يقال:ألقى كلكله و بركه.و بنى البيت على بوانيه،أي على قواعده.و استبنت الدّار:تهدّمت و طلبت البناء.(أساس البلاغة:31)

المدينيّ: في حديث البراء بن معرور،رضي اللّه عنه:«رأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر»يعني الكعبة،و كانت تدعى:بنيّة إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام،لأنّه بناها.و لقد كثرت أقسامهم«بربّ هذه البنيّة»و هي البناء المبنيّ،يعنون به الكعبة.

في الحديث أنّ سليمان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:«من هدم بناء ربّه تبارك و تعالى فهو ملعون»يعني من قتل نفسا بغير حقّ،لأنّ الجسم بنيان خلقه اللّه تعالى و ركّبه،فإذا أبطله فقد هدم بنيان ربّه تعالى.

في حديث أبي حذيفة رضي اللّه عنه:«أنّه تبنّى سالما»أي اتّخذه ابنا.[و ليس من هذا الباب بل من بنو]

و في الحديث:«من بنى في ديار العجم،فعمل نيروزهم و مهرجانهم حشر معهم»كذا رواه بعضهم، و الصّواب«تنأ»أي أقام.

في حديث عائشة رضي اللّه عنها:كنت ألعب بالبنات (1)،أي التّماثيل الّتي تلعب بها الصّبايا.(1:

194)

ابن الأثير: في حديث الاعتكاف«فأمر ببنائه فقوّض»البناء:واحد الأبنية،و هي البيوت الّتي تسكنها العرب في الصّحراء،فمنها الطّراف و الخباء و البناء و القبّة و المضرب،و قد تكرّر ذكره مفردا و مجموعا في الحديث.

و في حديث أنس رضي اللّه عنه«كان أوّل ما أنزل الحجاب في مبتنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بزينب».

الابتناء و البناء:الدّخول بالزّوجة،و الأصل فيه:أنّ الرّجل كان إذا تزوّج امرأة بنى عليها قبّة ليدخل بها فيها،فيقال:بنى الرّجل على أهله،قال الجوهريّ:

و لا يقال:«بنى بأهله».

و هذا القول فيه نظر،فإنّه قد جاء في غير موضع من الحديث و غير الحديث،و عاد الجوهريّ استعمله في كتابه:و المبتنى هاهنا يراد به الابتناء،فأقامه مقام المصدر.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه«قال:يا نبيّ اللّه متى تبنيني»أي متى تدخلني على زوجتي،و حقيقته متى تجعلني أبتني بزوجتي».(1:157)

الفيّوميّ: بنيت البيت و غيره ابنيه،و ابتنيته فانبنى،مثل بعثته فانبعث.

و البنيان:ما يبنى،و البنية:الهيئة الّتي بني عليها.

و بنى على أهله:دخل بها،و أصله أنّ الرّجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خباء جديدا،و عمّره بما يحتاج إليه،أو بنى له تكريما،ثمّ كثر حتّى كني به عن الجماع.

و قال ابن دريد:بنى عليها و بنى بها،و الأوّل أفصح، هكذا نقله جماعة.

و لفظ«التّهذيب»و العامّة تقول:«بنى بأهله» و ليس من كلام العرب.(1:63)

الفيروزآباديّ: البني:نقيض الهدم،بناه يبنيه بنياة.

ص: 836


1- و هي من(بنو)لا(بني)،و لعلّها«البنيات»جمع بنية.

و بناء و بنيانا و بنية و بناية،و ابتناه و بنّاه.

و البناء:المبنيّ،جمعه:أبنية،جمع جمعه:أبنيات.

و البنية بالضّمّ و الكسر:ما بنيته،جمعه:البنى و البنى،و تكون البناية في الشّرف.

و أبنيته:أعطيته بناء،أو ما يبني به دارا.

و بناء الكلمة:لزوم آخرها ضربا واحدا من سكون أو حركة،لا لعامل.

و البنيّة كغنيّة:الكعبة لشرفها.

و بنى الرّجل:اصطنعه،و على أهله و بها:زفّها كابتنى،و الطّعام بدنه:سمّنه،و لحمه:أنبته،و القوس على وترها:لصقت،فهي بانية و باناة.و رجل باناة:منحن على وتره إذا رمى.

و المبناة و يكسر:النّطع و السّتر و العيبة.

و البواني:أضلاع الزّور و قوائم النّاقة،و ألقى بوانيه:

أقام و ثبت.

و جارية بناة اللّحم:مبنيّة.(4:307)

الطّريحيّ: [في الحديث:]«كلّ بناء وبال إلاّ ما لا بدّ منه»قيل:أراد ما بني للتّفاخر و التّنعّم،لا أبنية الخير من المساجد و المدارس و الرّبط،و نحوها.

و فيه:«اتّقوا الحرام في البناء»أي احترزوا عن إنفاق مال الحرام في البنيان،«فإنّه أساس الخراب»أي خراب الدّين.

و المعنى:اتّقوا ارتكاب الحرام في البنيان،فإنّه أساس الخراب،فإنّه لو لم يبن لم يخرب،كما في الحديث:

«لدوا للموت و ابنوا للخراب».

و البنيّة على«فعيلة»بفتح الباء:الكعبة،يقال:

«و ربّ هذه البنيّة»،و كانت تدعى بنيّة إبراهيم عليه السّلام.

قالوا:أوّل من بنى الكعبة الملائكة،ثمّ إبراهيم عليه السّلام، ثمّ قريش في الجاهليّة،و حضره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و له خمس و ثلاثون أو خمس و عشرون،ثمّ ابن الزّبير،ثمّ الحجّاج.

و قيل:بنيت بعد ذلك مرّتين أو ثلاثا.(1:64)

محمّد إسماعيل إبراهيم :بنى البيت يبنيه:

أقامه،و البنّاء:من يبني و يشيّد البناء أو البنيان،و المبنيّ:

ما بني.(1:81)

محمود شيت: [قال نحو ما تقدّم و أضاف:]

أ-بناء الجنود:الثّكنة،و الخطّة:إنشاؤها،و القرار:

إكماله.

ب-البنّاء:من حرفته البناء،و هو أحد أرباب الحرف في الجيش.(1:98)

العدنانيّ: البنية:

و يطلقون على الخلقة الّتي يكون عليها كلّ موجود أوّل خلقه:اسم البنية،و الصّواب:البنية،كما يقول الصّحاح و المختار،و اللّسان،و المدّ،و محيط المحيط،و نجعة الرّائد«فصل في قوّة البنية و ضعفها»،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و تسمّى البنية فطرة،و تجمع على:بنى.

أمّا«البنية»فهي ما بني،و تجمع على:بنى.و قد تعني البنية:ما بني أيضا.

بنييّ،بنيويّ:

و يخطّئون من يقول:إنّ النّسبة إلى«بنية»هي بنيويّ،يقولون:إنّ الصّواب هو:بنييّ،لأنّها نسبة قياسيّة.

ص: 837

و لكن:قالت لجنة الأصول،التّابعة لمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في دورة المؤتمر الثّالثة و الأربعين، المنتهية في(17 ربيع الأوّل 1397 ه،الموافق ل 7 آذار مارس 1977)ما يأتي:«إنّ النّسبة القياسيّة إلى بنية هي «بنييّ»،و يستعمل كثير من المحدثين في الميادين العلميّة كلمة«بنيويّ»،و ترى اللّجنة جواز قبولها على أساس أنّها منسوبة إلى بنيات جمعا».

و بعد المناقشة وافقت الأكثريّة على قرار لجنة الأصول.

و أنا أوثر الاكتفاء بالنّسبة القياسيّة«بنييّ»اجتنابا للشّذوذ،و تقليلا للكلمات الشّاذّة عند النّسبة إلى جمعها، كأنصاريّ و أبابيليّ.(80)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ضمّ أجزاء و موادّ بعضها على بعض،ليتحصّل بناء على هيئة مخصوصة،مادّيّة أو معنويّة.[ثمّ ذكر آيات]

و أمّا البناء المعنويّ في مقابل المادّيّ: أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ التّوبة:109، لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:110،أي بنيان برنامج جريان أمره و بناء دينه على القواعد المحكمة الثّابتة،من التّقوى و الورع و الرّضوان،و هذا خير من البنيان الّذي أسّس على أساس ضعيف،و على شفا جرف هار متزلزل،و لا يزيد هذا البنيان المتزلزل لصاحبه إلاّ ارتيابا و تزلزلا.

و الفرق بين البناء و الخلق:أنّ الخلق هو إيجاد الشّيء و كذلك التّكوين،و أمّا البناء فهو إيجاد الهيئة و ضمّ شيء،و هذا بعد وجود الموادّ.

و قلنا في بنو:أنّ الابن مشتقّ من البنى.(1:326)

النّصوص التّفسيريّة

بنيها

1- أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. النّازعات:27

راجع«خلق».

2- وَ السَّماءِ وَ ما بَناها. الشّمس:5

مجاهد :اللّه بنى السّماء.(الطّبريّ 30:209)

نحوه الحسن.(الطّوسيّ 1:357)

قتادة :و بناؤها:خلقها.(الطّبريّ 30:209)

أبو عبيدة :و من طحاها و من بناها:بسطها يمينا و شمالا،و من كلّ جانب.(2:300)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:و السّماء و من بناها، يعني:و من خلقها،و بناؤه إيّاها:تصييره إيّاها للأرض سقفا.

و قيل:(و ما بنيها)و هو جلّ ثناؤه بانيها،فوضع(ما) موضع(من)،كما قال:(و والد و ما ولد)البلد:3،فوضع (ما)في موضع(من)،و معناه و من ولد،لأنّه قسم أقسم بآدم و ولده،و كذلك: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:22،و قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:3،و إنّما هو:فانكحوا من طاب لكم.

و جائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر،كأنّه قال:

ص: 838

و السّماء و بنائها،و والد و ولادته.(30:209)

الماورديّ: و السّماء و ما في بنائها،يعني من الملائكة و النّجوم،فيكون هذا قسما بما في السّماء، و يكون ما تقدّمه قسما بما في الأرض.(6:282)

الزّمخشريّ: جعلت(ما)مصدريّة في قوله:

(و ما بنيها،و ما طحيها،و ما سوّاها)و ليس بالوجه، لقوله:(فالهمها)،و ما يؤدّي إليه من فساد النّظم، و الوجه أن تكون موصولة.و إنّما أوثرت على«من» لإرادة معنى الوصفيّة،كأنّه قيل:و السّماء و القادر العظيم الّذي بناها،و نفس و الحكيم الباهر الحكمة الّذي سوّاها.

(4:258)

نحوه النّسفيّ.(4:360)

الطّبرسيّ: قيل:معناه و السّماء و بنائها مع إحكامها، و اتّساقها و انتظامها.(5:498)

ابن الجوزيّ: في(ما)قولان:

أحدهما:بمعنى«من»تقديره:و من بناها،قاله الحسن و مجاهد و أبو عبيدة.و بعضهم يجعلها بمعنى «الّذي».

و الثّاني:أنّها بمعنى المصدر،تقديره:و بنائها.

و هذا مذهب قتادة و الزّجّاج،و كذلك القول في و ما طَحاها و ما سَوّاها.

و قد قرأ أبو عمران الجونيّ في آخرين (و من بناها، و من طحاها،و من سوّاها) كلّه بالنّون.(9:138)

نحوه الخازن.(7:209)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:

السّؤال الأوّل:أنّ الّذي ذكره صاحب«الكشّاف» من أنّ(ما)هاهنا لو كانت مصدريّة لكان عطف (فالهمها)عليه يوجب فساد النّظم،حقّ،و الّذي ذكره القاضي من أنّه لو كان هذا قسما بخالق السّماء لما كان يجوز تأخيره عن ذكر الشّمس،فهو إشكال جيّد.

و الّذي يخطر ببالي في الجواب عنه أنّ أعظم المحسوسات هو الشّمس،فذكرها سبحانه مع أوصافها الأربعة الدّالّة على عظمتها.[ثمّ ذكر ذاته المقدّسة بعد ذلك و وصفها بصفات ثلاثة]

السّؤال الثّاني:ما الفائدة في قوله: وَ السَّماءِ وَ ما بَناها؟

و الجواب أنّه سبحانه لمّا وصف الشّمس بالصّفات الأربع الدّالّة على عظمتها،أتبعه ببيان ما يدلّ على حدوثها و حدوث جميع الأجرام السّماويّة،فنبّه بهذه الآية على تلك الدّالّة؛و ذلك لأنّ الشّمس و السّماء متناهية،و كلّ متناه فإنّه مختصّ بمقدار معيّن،مع أنّه كان يجوز في العقل وجود ما هو أعظم منه و ما هو أصغر منه.

فاختصاص الشّمس و سائر السّماويّات بالمقدار المعيّن،لا بدّ و أن يكون لتقدير مقدّر و تدبير مدبّر،و كما أنّ باني البيت يبنيه بحسب مشيئته،فكذا مدبّر الشّمس و سائر السّماويّات قدّرها بحسب مشيئته،فقوله:

(و ما بنيها)كالتّنبيه على هذه الدّقيقة الدّالّة على حدوث الشّمس،و سائر السّماويّات.

السّؤال الثّالث:لم قال:(و ما بنيها)و لم يقل:و من بناها؟

الجواب،من وجهين:

الأوّل:أنّ المراد هو الإشارة إلى الوصفيّة،كأنّه

ص: 839

قيل:و السّماء و ذلك الشّيء العظيم القادر الّذي بناها، و نفس و الحكيم الباهر الحكمة الّذي سوّاها.

و الثّاني:أنّ«ما»تستعمل في موضع«من»،كقوله:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:22، و الاعتماد على الأوّل.(31:191)

نحوه النّيسابوريّ.(30:104)

العكبريّ: و(ما)في المواضع الثّلاثة بمعنى«من»، و قيل:مصدريّة.(2:129)

أبو حيّان: و(ما)في قوله:(و ما بناها،و ما طحيها، و ما سوّاها)بمعنى«الّذي»قاله الحسن و مجاهد و أبو عبيدة،و اختاره الطّبريّ،قالوا:لأنّ(ما)تقع على أولي العلم و غيرهم.

و قيل:مصدريّة،قاله قتادة و المبرّد و الزّجّاج.و هذا قول من ذهب إلى أنّ(ما)لا تقع على آحاد أولي العلم.

[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

أمّا قوله:و ليس بالوجه،لقوله:(فالهمها)يعني من عود الضّمير في(فالهمها)على«اللّه»تعالى،فيكون قد عاد على مذكور،و هو(ما)المراد به«الّذي».و لا يلزم ذلك،لأنّا إذا جعلناها مصدريّة عاد الضّمير على ما يفهم من سياق الكلام،ففي(بنيها)ضمير عائد على«اللّه» تعالى أي و بناها هو،أي اللّه تعالى،كما إذا رأيت زيدا قد ضرب عمرا فقلت:عجبت ممّا ضرب عمرا،تقديره:

من ضرب عمر،و هو كان حسنا فصيحا جائزا،و عود الضّمير على ما يفهم من سياق الكلام كثير.

و قوله:و ما يؤدّي إليه من فساد النّظم،ليس كذلك و لا يؤدّي جعلها مصدريّة إلى ما ذكر.

و قوله:و إنّما أوثرت إلخ لا يراد ب(ما)و لا ب«من» الموصولتين معنى الوصفيّة،لأنّهما لا يوصف بهما،بخلاف «الّذي»فاشتراكهما في أنّهما لا يؤدّيان معنى الوصفيّة موجود فيهما،فلا ينفرد به(ما)دون«من».(8:478)

ابن كثير :و البناء:هو الرّفع،كقوله تعالى:

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،أي بقوّة، وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ* وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ الذّاريات:47-48.(7:30)

الشّربينيّ: أي خلقها على هذا السّقف المحكم، أقسم تعالى بنفسه و بأعظم مخلوقاته.(4:541)

أبو السّعود: أي و من بناها.و إيثار(ما)على«من» لإرادة الوصفيّة تفخيما،كأنّه قيل:و القادر العظيم الشّأن الّذي بناها.و جعلها مصدريّة مخلّ بالنّظم الكريم.

(6:433)

نحوه البروسويّ.(10:442)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

و هو أولى من تفسيره ببانيها،لإشعاره بالمراد من البناء.و كذا الكلام في قوله تعالى: وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها. (30:142)

القاسميّ: أي و من رفعها و صيّرها،بما فيها من الكواكب،كالسّقف أو القبّة المحكمة المزيّنة المحيطة بنا.

ف(ما)موصولة بمعنى«من»أوثرت لإرادة الوصفيّة، أي و القادر الّذي أبدع خلقها.

قالوا:و ذكر(ما بنيها)مع أنّ في ذكر السّماء غنية عنه، للدّلالة على إيجادها و موجدها صراحة.(17:6168)

الطّباطبائيّ: و(ما)في(و ما بنيها)و(ما طحيها)

ص: 840

موصولة،و الّذي بناها و طحاها هو اللّه تعالى.و التّعبير عنه تعالى ب(ما)دون«من»لإيثار الإبهام المفيد للتّفخيم و التّعجيب.

فالمعنى:و أقسم بالسّماء و الشّيء القويّ العجيب الّذي بناها،و أقسم بالأرض و الشّيء القويّ العجيب الّذي بسطها.

و قيل:(ما)مصدريّة،و المعنى:و أقسم بالسّماء و بنائها،و الأرض و طحوها.و السّياق و فيه قوله:

وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها* فَأَلْهَمَها إلخ لا يساعده.

(20:297)

المراغيّ: أي و السّماء و من قدّرها على النّحو الّذي اقتضته مشيئته و حكمته.

و في ذكر«البنيان»إشارة إلى ما انطوى عليه رفعها و تسويتها،من بارع الحكمة و تمام القدرة،و أنّ لها صانعا حكيما قد أحكم وضعها و أجاد تقديرها،فإنّه شدّ هذه الكواكب بعضها إلى بعض برباط الجاذبيّة العامّة،كما تربط أجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها حتّى يتماسك.

و لمّا كان الخطاب موجّها إلى قوم لا يعرفون اللّه بجليل صفاته،و كان القصد منه أن ينظروا في هذا الكون نظرة من يطلب للأثر مؤثّرا،فينتقلوا من ذلك إلى معرفته تعالى،عبّر عن نفسه بلفظ(ما)الّتي هي الغاية في الإبهام.(30:167)

عبد الكريم الخطيب :(ما)في قوله تعالى:

وَ السَّماءِ وَ ما بَناها* وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها* وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها هي(ما)المصدريّة،أي و الشّمس و بنائها، و الأرض و بسطها،و النّفس و تسوية خلقها.

فقوله تعالى:(و ما بنيها)أي و ما بنى السّماء و أقامها من غير عمد،و هو ما أودع اللّه سبحانه و تعالى فيها من قوى ممسكة بها،ضابطة لنظامها،حافظة لوجودها.

(15:1585)

بنيانهم-بنوا

لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ... التّوبة:110

الطّبريّ: يقول:لا يزال مسجدهم الّذي بنوه ريبة في قلوبهم،يعني شكّا و نفاقا في قلوبهم،يحسبون أنّهم كانوا في بنائه محسنين.(11:33)

الماورديّ: يعني مسجد الضّرار.(2:404)

مثله ابن الجوزيّ(3:502)،و القرطبيّ(8:266)، و الكاشانيّ(2:380)،و شبّر(3:119).

الفارسيّ: البنيان:مصدر واقع على المبنيّ، و تقديره:لا يزال بناء المبنيّ الّذي بنوه ريبة،أي شكّا في قلوبهم،فيما كان من إظهار إسلامهم،و ثباتا على النّفاق.

(الطّوسيّ 5:350)

مثله الطّبرسيّ.(3:73)

الطّوسيّ: و معنى قوله: اَلَّذِي بَنَوْا مع قوله:

(بنيانهم)إنّما هو ليعلم أنّ البناء ماض دون المستقبل؛إذ قد تجوز الإضافة على جهة الاستقبال،كقولك للغير:

أقبل على عملك.(5:351)

ابن عطيّة: الضّمير في(بنيانهم)عائد على المنافقين البانين للمسجد و من شاركهم في غرضهم،

ص: 841

و قوله:(الّذى بنوا)تأكيد و تصريح بأمر المسجد،و رفع للإشكال.(3:86)

الفخر الرّازيّ: البنيان:مصدر كالغفران،و المراد هاهنا المبنيّ،و إطلاق لفظ المصدر على المفعول مجاز مشهور،يقال:هذا ضرب الأمير و نسج زيد،و المراد مضروبه و منسوجه.

و قال الواحديّ: يجوز أن يكون«البنيان»جمع بنيانة إذا جعلته اسما،لأنّهم قالوا:بنيانة في الواحد.

(16:196)

نحوه أبو حيّان.(5:101)

البيضاويّ: بناؤهم الّذي بنوه،مصدر،أريد به المفعول و ليس بجمع،و لذلك قد تدخله التّاء،و وصف بالمفرد،و أخبر عنه بقوله: رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ أي شكّا و نفاقا.

و المعنى أنّ بنيانهم هذا لا يزال سبب شكّهم و تزايد نفاقهم،فإنّه حملهم على ذلك.(1:433)

أبو السّعود: البنيان:مصدر،أريد به المفعول، و وصفه بالموصول الّذي صلته فعله،للإيذان بكيفيّة بنائهم له،و تأسيسه على أوهن قاعدة و أوهى أساس، و للإشعار بعلّة الحكم،أي لا يزال مسجدهم ذلك مبنيّا و مهدوما.(3:193)

مثله البروسويّ.(3:511)

الآلوسيّ: أي بناؤهم الّذي بنوه،فالبنيان:مصدر أريد به المفعول كما مرّ،و وصفه بالمفرد ممّا يردّ على مدّعي الجمعيّة،و كذا الإخبار عنه بقوله سبحانه: رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، و احتمال تقدير مضاف،و جعل الصّفة و كذا الخبر له،خلاف الظّاهر.

نعم قيل:الإخبار ب(ريبة)لا دليل فيه على عدم الجمعيّة،لأنّه يقال:الحيطان منهدمة و الجبال راسية.

و جوّز بعضهم كون«البنيان»باقيا على المصدريّة، و(الّذى)مفعوله.[إلى أن قال:]

و حاصل المعنى:لا يزال هدم بنيانهم الّذي بنوا سببا للقلق و الاضطراب،و الوجل في القلوب.و وصف (بنيانهم)بما وصف؛للإيذان بكيفيّة بنائهم له،و تأسيسه على ما عليه تأسيسه ممّا علمت،و للإشعار بعلّة الحكم.

و قيل:وصف بذلك للدّلالة على أنّ المراد بالبنيان:

ما هو مبنيّ حقيقة،لا ما دبّروه من الأمور،فإنّ«البناء» قد يطلق على تدبير الأمر و تقديره،كما في قولهم:كم أبني و تهدم.[ثمّ استشهد بشعر]

و حاصله أنّ الوصف للتّأكيد،و فائدته دفع المجاز، و هذا نظير ما قالوا في قوله سبحانه: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،و فيه بحث.(11:23)

محمّد جواد مغنيّة:و المعنى أنّهم بنوا المسجد مرتابين غير مؤمنين بمحمّد،و سيبقون على هذا الرّيب حتّى الموت.(4:104)

عبد الكريم الخطيب :نفى القرآن في هذه الآية عن مسجد الضّرار،كلّ ما تتّسم به المساجد حتّى اسمه، فلم يعدّ مسجدا بعد أن فضحه الإسلام و فضح أهله، و كشف عن الوجه الّذي قام عليه،و الغاية الّتي بني من أجلها،فهو الآن«بنيان»مجرّد بناء من حجر و طين، لا يناله حتّى شرف هذا الاسم الزّائف الّذي أعطوه إيّاه.

(6:898)

ص: 842

بنينا

وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً. النّبأ:12

الطّبريّ: و سقفنا فوقكم،فجعل السّقف بناء؛إذ كانت العرب تسمّي سقوف البيت و هي سماؤها بناء، و كانت السّماء للأرض سقفا،فخاطبهم بلسانهم؛إذ كان التّنزيل بلسانهم.(30:4)

الطّوسيّ: و البناء:جعل الطّاق الأعلى على الأدنى،فالسّماء مبنيّة كهيئة القبّة،مزيّنة بالكواكب المضيئة،فسبحان الّذي زيّنها و خلقها و بناها على هذه الصّفة لعباده.(10:240)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:لفظ«البناء»يستعمل في أسافل البيت و السّقف في أعلاه،فكيف قال: وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً؟

قلنا:البناء يكون أبعد عن الآفة و الانحلال من السّقف،فذكر قوله:(و بنينا)إشارة إلى أنّه و إن كان سقفا لكنّه في البعد عن الانحلال كالبناء،فالغرض من اختيار هذا اللّفظ هذه الدّقيقة.(31:8)

أبو السّعود: و التّعبير عن خلقها ب«البناء»مبنيّ على تنزيلها منزلة القباب المضروبة على الخلق،و تقديم الظّرف على المفعول ليس لمراعاة الفواصل فقط،بل للتّشويق إليه.فإنّ ما حقّه التّقديم إذا أخّر تبقى النّفس مترقّبة له،إذا ورد عليها تمكّن عندها فضل تمكّن.

(6:355)

نحوه البروسويّ.(10:296)

الآلوسيّ: و التّعبير عن خلقها ب«البناء»للإشارة إلى تشبيهها بالقباب المبنيّة على سكنتها.

و قيل:للإشارة إلى أن خلقها على سبيل التّدريج، و ليس بذاك.

و فيه أنّ السّماء خيميّة لا سطح مستو،و في الآثار ما يشهد له و لا يأباه جعلها سقفا في آية أخرى،و قد صحّ في العرش ما يشهد بخيميّة أيضا.(30:8)

بنيناها

1- أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَ زَيَّنّاها وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ. ق:6

الطّبريّ: أ فلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت،المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد بلائهم إلى السّماء فوقهم،كيف بنيناها فسوّيناها سقفا محفوظا.

(26:151)

الطّوسيّ: معناه أ فلم يفكّروا في بناء هذه السّماء و عظمها و حسن تزيينها،فيعلموا أنّ لها بانيا بناها و صانعا صنعها،و أنّه لا بدّ أن يكون قادرا عليها،و أنّه لا يعجزه شيء،لأنّه لا يقدر على مثل ذلك إلاّ القادر لنفسه الّذي لا يجوز عليه العجز،و يعلمه لأنّه عالم بما يرون من إحكام الصّنعة فيها،و أنّه الّذي لا يخفى عليه خافية.(9:359)

الزّمخشريّ: رفعناها بغير عمد.(4:4)

نحوه ابن الجوزيّ(8:7)،و القرطبيّ(17:6)، و البيضاويّ(2:413)،و النّسفيّ(4:176)،و أبو السّعود (6:123)،و شبّر(6:68)،و البروسويّ(9:106)، و الآلوسيّ(26:175)،و القاسميّ(15:5485).

الطّبرسيّ: بغير علاقة و لا عماد.(5:142)

ص: 843

الشّربينيّ: أي أوجدناها على مالنا من المجد و العزّ مبنيّة كالخيمة،إلاّ أنّها من غير عمد.(4:80)

محمّد جواد مغنيّة:المراد ب«البناء»هنا أنّ كواكب السّماء محكمة في صنعها،مستقرّة في نظامها،تسير عليه بكلّ دقّة.(7:130)

الطّباطبائيّ: بناء هذا الخلق البديع-بمالها من الجمال الرّائع من غير شقوق و فتوق-أصدق شاهد على قدرته القاهرة،و علمه المحيط بما خلق.(18:340)

2- وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ.

الذّاريات:46

الطّبرسيّ: تقديره:و بنينا السّماء بنيناها بقوّة،أي خلقناها و رفعناها على حسن نظامها.(5:160)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:كرّر ذكر«البناء»في السّماوات،قال تعالى: وَ السَّماءِ وَ ما بَناها الشّمس:

5،و قال تعالى: أَمِ السَّماءُ بَناها النّازعات:27، و قال تعالى: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً المؤمن:64،فما الحكمة فيه؟

نقول:فيه وجوه:

أحدها:أنّ البناء باق إلى قيام القيامة،لم يسقط منه شيء،و لم يعدم منه جزء.و أمّا الأرض فهي في التّبدّل و التّغيّر،فهي كالفرش الّذي يبسط و يطوى و ينقل، و(السّماء)كالبناء المبنيّ الثّابت،و إليه الإشارة بقوله تعالى: سَبْعاً شِداداً النّبأ:12.و أمّا الأراضي فكم منها ما صار بحرا و عاد أرضا من وقت حدوثها.

ثانيها:أنّ السّماء ترى كالقبّة المبنيّة فوق الرّءوس.

و الأرض مبسوطة مدحوّة،و البناء بالمرفوع أليق كما قال تعالى: رَفَعَ سَمْكَها النّازعات:28.

ثالثها:قال بعض الحكماء:السّماء مسكن الأرواح، و الأرض موضع الأعمال،و المسكن أليق بكونه بناء، و اللّه أعلم.

المسألة الثّالثة:الأصل تقديم العامل على المعمول، و الفعل هو العامل،فقوله:(بنينا)عامل في السّماء، فما الحكمة في تقديم المفعول على الفعل،و لو قال:و بنينا السّماء بأيد كان أوجز؟

نقول:الصّانع قبل الصّنع عند النّاظر في المعرفة،فلمّا كان المقصود إثبات العلم بالصّانع قدّم الدّليل،فقال:

و السّماء المزيّنة الّتي لا تشكّون فيها بنيناها،فاعرفونا بها إن كنتم لا تعرفوننا.

المسألة الرّابعة:إذا كان المقصود إثبات التّوحيد، فكيف قال:(بنيناها)،و لم يقل:بنيتها أو بناها اللّه؟

نقول:قوله:(بنينا)أدلّ على عدم الشّريك في التّصرّف و الاستبداد،و قوله:«بنيتها»يمكن أن يكون فيه تشريك.

و تمام التّقرير هو أنّ قوله تعالى:(بنيناها)لا يورث إيهاما بأنّ الآلهة الّتي كانوا يعبدونها هي الّتي يرجع إليها الضّمير في قوله:(بنيناها)،لأنّ تلك إمّا أصنام منحوتة و إمّا كواكب جعلوا الأصنام على صورها و طبائعها.

فأمّا الأصنام المنحوتة فلا يشكّون أنّها ما بنت من السّماء شيئا،و أمّا الكواكب فهي في السّماء محتاجة إليها، فلا تكون هي بانيتها،و إنّما يمكن أن يقال:إنّها بنيت لها و جعلت أماكنها،فلمّا لم يتوهّم ما قالوا قال:بنينا نحن،

ص: 844

و نحن غير ما يقولون و يدّعونه،فلا يصلحون لنا شركاء، لأنّ كلّ ما هو غير السّماء و دون السّماء في المرتبة فلا يكون خالق السّماء و بانيها.

فإذن علم أنّ المراد جمع التّعظيم،و أفاد النّصّ عظمته،فالعظمة أنفى للشّريك؛فثبت أنّ قوله:(بنيناها) أدلّ على نفي الشّريك من:بنيتها،و بناها اللّه.

فإن قيل:لم قلت:إنّ الجمع يدلّ على التّعظيم؟ قلنا:الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ الكلام على قدر فهم السّامع،و السّامع هو الإنسان،و الإنسان يقيس الشّاهد على الغائب،فإنّ الكبير عندهم من يفعل الشّيء بجنده و خدمه و لا يباشر بنفسه،فيقول الملك:فعلنا،أي فعله عبادنا بأمرنا، و يكون في ذلك تعظيم،فكذلك في حقّ الغائب.

و الوجه الآخر:هو أنّ القول إذا وقع من واحد و كان الغير به راضيا يقول القائل:فعلنا كلّنا كذا،و إذا اجتمع جمع على فعل لا يقع إلاّ بالبعض،كما إذا خرج جمّ غفير و جمع كثير لقتل سبع و قتلوه يقال:قتله أهل بلدة كذا، لرضا الكلّ به و قصد الكلّ إليه.

إذا عرفت هذا فاللّه تعالى كيفما أمر بفعل شيء لا يكون لأحد ردّه،و كان كلّ واحد منقادا له،يقول:

بدل فعلت فعلنا،و لهذا يقول الملك العظيم:أجمعنا؛بحيث لا ينكره أحد و لا يردّه نفس.(28:225)

ابن كثير :أي جعلناها سقفا محفوظا رفيعا.

(6:424)

الشّربينيّ: أي بمالنا من العظمة.(4:105)

المراغيّ: أي و لقد بنينا السّماء ببديع قدرتنا، و عظيم سلطاننا،و إنّا لقادرون على ذلك،لا يمسّنا نصب و لا لغوب.

و في ذلك تعريض باليهود الّذين قالوا:إنّ اللّه خلق السّماوات و الأرض في ستّة أيّام،و استراح في اليوم السّابع مستلقيا على عرشه.(27:9)

تبنون

أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. الشّعراء:128

الطّوسيّ: فالبناء وضع ساف على ساف إلى حيث ينتهي.(8:44)

الفخر الرّازيّ: إنّهم كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم تفاخرا،فنهوا عنه و نسبوا إلى العبث.(24:157)

نحوه المراغيّ.(19:86)

الطّباطبائيّ: كأنّهم كانوا يبنون على قلل الجبال و كلّ مرتفع من الأرض أبنية كالأعلام،يتنزّهون فيها و يفاخرون بها،من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك،بل لهوا و اتّباعا للهوى،فوبّخهم عليه.(15:300)

ابن

وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. المؤمن:36

راجع«ص ر ح».

ص: 845

ابنوا-بنيانا

1- ..فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ...

الكهف:21

الطّوسيّ: فقال بعضهم:ابنوا عليهم مسجدا ليصلّي فيه المؤمنون تبرّكا بهم.(7:25)

الزّمخشريّ: ابنوا على باب كهفهم بنيانا.(2:477)

الطّبرسيّ: أي استروهم من النّاس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان،كما يقال:بنى عليه جدارا،إذا حوّطه، و جعله وراء الجدار.(3:460)

الفخر الرّازيّ: القول الثّالث:أنّ بعضهم قال:

الأولى أن يسدّ باب الكهف لئلاّ يدخل عليهم أحد و لا يقف على أحوالهم إنسان.

و قال آخرون:بل الأولى أن يبنى على باب الكهف مسجد.و هذا القول يدلّ على أنّ أولئك الأقوام كانوا عارفين باللّه،معترفين بالعبادة و الصّلاة.

و القول الرّابع:أنّ الكفّار قالوا:إنّهم كانوا على ديننا فنتّخذ عليهم بنيانا،و المسلمون قالوا:كانوا على ديننا فنتّخذ عليهم مسجدا.(21:105)

القرطبيّ: قال الملك:ابنوا عليهم بنيانا،فقال الّذين هم على دين الفتية:اتّخذوا عليهم مسجدا.

و روي أنّ طائفة كافرة قالت:نبني بيعة أو مضيفا فمانعهم المسلمون،و قالوا:لنتّخذنّ عليهم مسجدا.

و روي أنّ بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم،و تركهم فيه مغيّبين.

و روي عن عبد اللّه بن عمر:أنّ اللّه تعالى أعمى على النّاس حينئذ أثرهم و حجبهم عنهم،فلذلك دعا الملك إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم.

و قيل:إنّ الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب،فأتاه آت منهم،فقال:أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل،فإنّا من التّراب خلقنا و إليه نعود،فدعنا.(10:379)

نحوه أبو حيّان.(6:113)

أبو السّعود:أي على باب كهفهم(بنيانا)لئلاّ يتطرّق إليهم النّاس،ضنّا بتربتهم،و محافظة عليها.

(4:181)

نحوه البروسويّ.(5:232)

الآلوسيّ: (بنيانا)نصب على أنّه مفعول به،و هو كما قال الرّاغب:واحد لا جمع له.

و قال أبو البقاء:هو جمع:بنيانة،كشعير و شعيرة، و قيل:هو نصب على المصدريّة.و هذا القول من البعض عند بعض كان عن اعتناء بالفتية؛و ذلك أنّهم ضنّوا بتربتهم فطلبوا البناء على باب كهفهم،لئلاّ يتطرّق النّاس إليهم.(15:235)

القاسميّ: أي على باب كهفهم بنيانا عظيما، كالخانقاهات و المشاهد و المزارات المبنيّة على الأنبياء و أتباعهم.(11:4036)

المراغيّ: أي إنّهم انقسموا في شأنهم فريقين، فريق يقول:نسدّ عليهم باب الكهف و نذرهم حيث هم، و فريق يقول:نبني عليهم مسجدا يصلّي فيه النّاس،و قد غلب هذا الفريق الفريق الأوّل في الرّأي.(15:133)

الطّباطبائيّ: القائلون هم المشركون من القوم، بدليل قوله بعده: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ.

ص: 846

و المراد ببناء البنيان عليهم-على ما قيل-أن يضرب عليهم ما يجعلونه به وراءه،و يسترون عن النّاس،فلا يطّلع عليهم مطّلع منهم،كما يقال:بنى عليه جدارا،إذا حوّطه و جعله وراءه.(13:265)

2- قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ.

الصّافّات:97

ابن عبّاس: بنوا حائطا من الحجارة طوله في السّماء ثلاثون ذراعا و عرضه عشرون ذراعا و ملئوه نارا و طرحوه فيها؛و ذلك قوله: فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ.

(الطّبرسيّ 4:451)

نحوه مقاتل.(البغويّ 4:35)

الطّبريّ: ابنوا لإبراهيم بنيانا.ذكر أنّهم بنوا له بنيانا يشبه التّنّور،ثمّ نقلوا إليه الحطب و أوقدوا عليه.

(23:75)

الطّوسيّ: قيل:إنّهم بنوا له شبه الحظيرة،و قيل:

مثل التّنّور،و أجّجوا نارا ليلقوه فيها.و البناء وضع الشّيء على غيره على وجه مخصوص،و يقال لمن ردّ الفرع إلى الأصل:بناه عليه.(8:514)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا أورد عليهم هذه الحجّة القويّة و لم يقدروا على الجواب،عدلوا إلى طريق الإيذاء ف قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً.

و اعلم أنّ كيفيّة ذلك البناء لا يدلّ عليها لفظ القرآن.(26:150)

الآلوسيّ: حائطا توقدون فيه النّار.

و قيل:منجنيقا.(23:126)

الطّباطبائيّ: و البنيان:مصدر بنى يبني،و المراد به المبنيّ.(17:150)

مبنيّة

لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... الزّمر:20

ابن عبّاس: من زبرجد و ياقوت.

(القرطبيّ 15:245)

الطّبريّ: علالي بعضها فوق بعض.(23:208)

الطّوسيّ: قيل:المعنى لهم منازل رفيعة في الجنّة، و فوقها منازل أرفع منها،فللمؤمنين الغرف.(9:18)

مثله الميبديّ.(8:397)

الزّمخشريّ: علالي بعضها فوق بعض.

فإن قلت:ما معنى قوله:(مبنيّة)؟

قلت:معناه-و اللّه أعلم-أنّها بنيت بناء المنازل الّتي على الأرض،و سوّيت تسويتها.(3:394)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:ما معنى قوله:(مبنيّة)؟

قلنا:لأنّ المنزل إذا بني على منزل آخر تحته كان الفوقانيّ أضعف بناء من التّحتانيّ،فقوله:(مبنيّة) معناه أنّه و إن كان فوق غيره لكنّه في القوّة و الشّدّة مساو للمنزل الأسفل.

و الحاصل أنّ المنزل الفوقانيّ و التّحتانيّ حصل في كلّ واحد منهما فضيلة و منقصة،أمّا الفوقانيّ ففضيلته العلوّ و الارتفاع و نقصانه الرّخاوة و السّخافة.

و أمّا التّحتانيّ فبالضّدّ منه.

أمّا منازل الجنّة فإنّها تكون مستجمعة لكلّ

ص: 847

الفضائل،و هي عالية مرتفعة،و تكون في غاية القوّة و الشّدّة.

و قال حكماء الإسلام:هذه الغرف المبنيّة بعضها فوق البعض مثاله من الأحوال النّفسانيّة العلوم الكسبيّة، فإنّ بعضها يكون مبنيّا على البعض،و النّتائج الآخرة الّتي هي عبارة عن معرفة ذات اللّه و صفاته تكون في غاية القوّة،بل تكون في القوّة و الشّدّة كالعلوم الأصليّة البديهيّة.(26:263)

نحوه النّيسابوريّ.(23:123)

أبو حيّان: لهم علالي مرتفعة فوقها علالي مبنيّة، أي بناء المنازل الّتي سوّيت على الأرض،و الضّمير في (من تحتها)عائد على الجمعين،أي من تحت الغرف السّفلى و الغرف العليا،لا تفاوت بين أعلاها و أسفلها.

(7:422)

أبو السّعود: بناء المنازل المبنيّة المؤسّسة على الأرض في الرّصانة و الإحكام.(5:387)

البروسويّ: [ذكر مثل أبي السّعود و أضاف:]

قال سعدي المفتي:الظّاهر أنّ فائدة هذا الوصف تحقيق الحقيقة،و بيان كون الغرف كالظّلل؛حيث أريد بها المعنى المجازيّ على الاستعارة التّهكّميّة.

و في«بحر العلوم»مبنيّة بنيت من زبرجد و ياقوت و درّ و غير ذلك من الجواهر.

و في«كشف الأسرار»مبنيّة،يعني بني من لبن ذهب و فضّة؛و فيه إشارة بأنّها مبنيّة بأيدي أعمال العاملين، و أحوال السّالكين.(8:92)

الآلوسيّ: قيل:هو كالتّمهيد لقوله تعالى:

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت تلك الغرف الفوقانيّات و التّحتانيّات(الانهار)،أي مبنيّة بناء يتأتّى معه جري الأنهار من تحتها؛و ذلك على خلاف علالي الدّنيا.فيفيد الوصف بذلك أنّها سوّيت تسوية البناء على الأرض، و جعلت سطحا واحدا يتأتّى معه جري الأنهار عليه.

على أنّ مياه الجنّة لمّا كانت منحدرة من بطنان العرش-على ما في الحديث-فهي أعلى من الغرف، فلا عجب من جري الماء عليها فوقا و تحتا.لكن لا بدّ من وضع يتأتّى معه الجري،فالوصف المذكور لإفادة ذلك.

و قال بعض الأجلّة:الظّاهر أنّ هذا الوصف تحقيق للحقيقة،و بيان أنّ الغرف ليست كالظّلل؛حيث أريد بها المعنى المجازيّ على الاستعارة التّهكّميّة.

و قال بعض فضلاء إخواننا المعاصرين:فائدة التّوصيف-بما ذكر-الإشارة إلى رفعة شأن الغرف؛ حيث أذّن أنّ اللّه تعالى بانيها،و ما ذا عسى يقال في بناء بناه اللّه جلّ و علا!

و أقول-و اللّه تعالى أعلم-:وصف الغرف بذلك للإشارة إلى أنّها مهيّأة معدّة لهم،قد فرغ من أمرها كما هو ظاهر الوصف،لا أنّها تبنى يوم القيامة لهم،و في ذلك من تعظيم شأن المتّقين ما فيه.

و في الآية على هذا ردّ على المعتزلة،و كأنّ الزّمخشريّ لذلك لم يحم حول هذا الوجه،و اقتصر على ما حكيناه أوّلا،مع أنّ ما قلناه أقرب منه،فليحفظ.

(23:254)

المراغيّ: مبنيّات محكمات،تجري الأنهار خلال أشجارها.(23:157)

ص: 848

عبد الكريم الخطيب: في وصف الغرف بأنّها مبنيّة إشارة إلى أنّها ثابتة،تطيب فيها الحياة بالسّكن و الاستقرار،و أنّها ليست خياما مضروبة،لا يستقرّ المقيم فيها إلاّ ريثما يتحوّل بها إلى أماكن أخرى.

(12:1140)

بنّاء

وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ. ص:37

الطّبريّ: فالبناة منها يصنعون محاريب و تماثيل، و الغاصّة يستخرجون له الحليّ من البحار،و آخرون ينحتون له جفانا و قدورا،و المردة في الأغلال مقرّنون.

(23:162)

نحوه البغويّ(4:73)،و الخازن(6:50)

الطّوسيّ: يبنون له الأبنية العجيبة،الّتي يعجز النّاس عن مثلها.(8:565)

الزّمخشريّ: يبنون له ما شاء من الأبنية.(3:376)

الفخر الرّازيّ: و هو بدل الكلّ من الكلّ،كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية.(26:210)

مثله القرطبيّ.(15:206)

الطّبرسيّ: (كلّ بنّاء)في البرّ يبني له ما أراد من الأبنية الرّفيعة.(4:477)

البروسويّ: بدل من الشّياطين،و هو مبالغة«بان» اسم الفاعل من«بنى»و كانوا يعملون له عليه السّلام ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب،و قدور راسيات،لما سبق في سورة«سبأ»،و يبنون له الأبنية الرّفيعة بدمشق و اليمن،و من بنائهم بيت المقدس،و اصطخر و هي من بلاد فارس،تنسب إلى صخر الجنّيّ،المراد بقوله تعالى:

قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ النّمل:39.(8:37)

الآلوسيّ: بدل من(الشّياطين)و هو بدل من الكلّ إن أريد المعهودون المسخّرون،أو أريد من قوله قوّة البناء و الغوص و التّمكّن منهما،أو بدل بعض.إن لم يرد ذلك فيقدّر ضمير،أي منهم.(23:203)

محمّد جواد مغنيّة:لما يريده سليمان من محاريب و تماثيل و غيرها.(6:379)

الطّباطبائيّ: أي و سخّرنا له الشّياطين من الجنّ كلّ بنّاء منهم له في البرّ.(17:205)

بنيان

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ. الصّفّ:4

ابن عبّاس: يوضع الحجر على الحجر،ثمّ يرصّ بأحجار صغار،ثمّ يوضع اللّبن عليه،فتسمّيه أهل مكّة:

المرصوص.(الفخر الرّازيّ 29:312)

قتادة :أ لم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحبّ أن يختلف بنيانه،كذلك تبارك و تعالى لا يختلف أمره،و إنّ اللّه وصف المؤمنين في قتالهم،وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر اللّه فإنّه عصمة لمن أخذ به.

(الطّبريّ 28:86)

ابن زيد :و الّذين صدّقوا قولهم بأعمالهم هؤلاء، و هؤلاء لم يصدّقوا قولهم بالأعمال،لمّا خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نكصوا عنه و تخلّفوا.(الطّبريّ 28:86)

الطّبريّ: يقول:يقاتلون في سبيل اللّه صفّا مصطفّا،

ص: 849

كأنّهم في اصطفافهم هنالك حيطان مبنيّة قد رصّ، فأحكم و أتقن،فلا يغادر منه شيئا،و كان بعضهم يقول:

بني بالرّصاص.(28:86)

الزّجّاج: أي بنيان لاصق بعضه ببعض،لا يغادر بعضه بعضا.

فأعلم اللّه-عزّ و جلّ-أنّه يحبّ من يثبت في الجهاد في سبيله و يلزم مكانه،كبيوت البناء المرصوص.

و يجوز-و اللّه أعلم-أن يكون عنى أن تستوي نيّاتهم في حرب عدوّهم،حتّى يكونوا في اجتماع الكلمة و موالاة بعضهم بعضا،كالبنيان المرصوص.(5:164)

الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:

أحدهما:كأنّه بني بالرّصاص لتلاؤمه و لشدّة اتّصاله.

الثّاني:كأنّه حائط ممدود على رصّ البناء،أي إحكامه و اتّصاله و استقامته.

و المرصوص:المتلائم الّذي لا خلل فيه،و مثل مرصوص:شديد اللّصوق في الاتّصال و الثّبوت.

(9:592)

نحوه الطّبرسيّ.(5:278)

البغويّ: قد رصّ بعضه ببعض،أي ألزق بعضه ببعض و أحكم،فليس فيه فرجة و لا خلل.و قيل:

أحكم بالرّصاص.(5:79)

نحوه الخازن.(7:71)

الميبديّ: بني بالرّصاص،لاصق بعضه إلى بعض.

و قيل:يريد استواء نيّاتهم في حرب عدوّهم،حتّى يكون اجماع كلمتهم كالبناء،لا خلل فيه و لا فرجة.

(10:85)

الزّمخشريّ: رصّ بعضه إلى بعض و رصف.

و قيل:يجوز أن يريد استواء نيّاتهم في الثّبات حتّى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص.

و عن بعضهم:فيه دليل على أفضل القتال راجلا، لأنّ الفرسان لا يصطفّون على هذه الصّفة.(4:97)

نحوه الفخر الرّازيّ.(29:312)

أبو السّعود: حال من المستكنّ في الحال الأولى، أي مشبهين في تراصّهم من غير فرجة و خلل ببنيان رصّ بعضه إلى بعض و رصف حتّى صار شيئا واحدا.

(6:242)

نحوه البروسويّ.(9:494)

الآلوسيّ: (كانّهم)إلخ حال من المستكنّ في الحال الأولى،أي مشبهين في تلاصقهم ببنيان إلخ.

و هذا ما عناه الزّمخشريّ بقوله:هما،أي(صفّا) و(كانّهم)إلخ حالان متداخلان.

و قول ابن المنير: إنّ معنى التّداخل أنّ الحال الأولى مشتملة على الحال الثّانية،فإنّ هيئة الاتّصاف هي هيئة الارتصاص،خلاف المعروف من التّداخل في اصطلاح النّحاة.و جوّز أن يكون حالا ثانية من الضّمير.

و قال الحوفيّ: هو في موضع النّعت ل(صفّا)و هو كما ترى.و«المرصوص»-على ما قال الفرّاء و منذر بن سعيد-هو المعقود بالرّصاص،و يراد به المحكم.

و قال المبرّد:رصصت البناء لاءمت بين أجزائه و قاربته،حتّى يصير كقطعة واحدة،و منه الرّصيص، و هو انضمام الأسنان.

ص: 850

و الظّاهر أنّ المراد تشبيههم في التحام بعضهم ببعض ب«البنيان المرصوص»من حيث أنّهم لا فرجة بينهم و لا خلل.

و قيل:المراد استواء نيّاتهم في الثّبات حتّى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص،و الأكثرون على الأوّل.

و في«أحكام القرآن»فيه استحباب قيام المجاهدين في القتال صفوفا كصفوف الصّلاة،و أنّه يستحبّ سدّ الفرج و الخلل في الصّفوف،و إتمام الصّفّ الأوّل.و تسوية الصّفوف:عدم تقدّم بعض على بعض فيها.

و قال ابن الفرس:استدلّ به بعضهم على أنّ قتال الرّجّالة أفضل من قتال الفرسان،لأنّ التّراصّ إنّما يمكن منهم،ثمّ قال:هو ممنوع،انتهى.(28:84)

نحوه القاسميّ.(16:5786)

الطّباطبائيّ: و«البنيان»هو البناء،و«المرصوص» من الرّصاص،و المراد به ما أحكم من البناء بالرّصاص، فيقاوم ما يصادمه من أسباب الانهدام.(19:249)

بنيانهم

1- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ...

التّوبة:110

راجع كلمة(بنوا)في هذه المادّة.

2- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ... النّحل:26

راجع«أ ت ي»

بناء

[ثمّ استشهد بشعر]1- اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً... البقرة:22

ابن عبّاس: يقال لسقف البيت:بناء،و السّماء للأرض كالسّقف.(أبو حيّان 1:97)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: سقفا من فوقكم محفوظا، يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها،لمنافعكم.

(العروسيّ 1:41)

قتادة :جعل(السّماء)سقفا لك.

(الطّبريّ 1:162)

الطّبريّ: فبناء السّماء على الأرض كهيئة القبّة، و هي سقف على الأرض.(1:162)

الزّجّاج: كلّ ما علا على الأرض فاسمه بناء،و معناه أنّه جعلها سقفا،كما قال عزّ و جلّ: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً الأنبياء:32.(1:99)

الطّوسيّ: إنّما قابل بين السّماء و بين الفراش لأمرين:

أحدهما:ما حكاه أبو زيد:أنّ بنيان البيت:سماؤه، و هو أعلاه،و كذلك بناؤه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:أنّ سماء البيت لمّا كان،قد يكون بناء و غير بناء،إذا كان من شعر أو وبر أو غيره.

قيل:جعلها بناء ليدلّ على العبرة برفعها،و كانت المقابلة في الأرض و السّماء بإحكام هذه بالفرش،و تلك بالبناء.(1:100)

البغويّ: سقفا مرفوعا.(1:93)

ابن عطيّة: تشبيه بما يفهم،كما قال تعالى:

ص: 851

وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47.

و قال بعض الصّحابة:بناها على الأرض كالقبّة.

(1:105)

الطّبرسيّ: أي سقفا مرفوعا مبنيّا.(1:61)

القرطبيّ: السّماء للأرض كالسّقف للبيت،و لهذا قال،و قوله الحقّ: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً الأنبياء:32،و كلّ ما علا فأظلّ قيل له:سماء،و قد تقدّم القول فيه.و الوقف على(بناء)أحسن منه على (تتّقون)،لأنّ قوله: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً نعت للرّبّ.(1:229)

البيضاويّ: و البناء:مصدر سمّي به المبنيّ،بيتا كان أو قبّة أو خباء،و منه بنى على امرأته،لأنّهم كانوا إذا تزوّجوا ضربوا عليها خباء جديدا.(1:33)

نحوه الشّربينيّ(1:32)،و أبو السّعود(1:83).

أبو حيّان: قيل:سمّاها بناء،لأنّ سماء البيت يجوز أن يكون بناء غير بناء،كالخيام و المضارب و القباب، لكنّ البناء أبلغ في الإحكام و أتقن في الصّنعة و أمنع لوصول الأذى إلى من تحته،فوصف السّماء بالأبلغ و الأتقن و الأمنع،و نبّه بذلك على إظهار قدرته و عظيم حكمته.

إذ المعلوم أنّ كلّ بناء مرتفع لا يتهيّأ إلاّ بأساس مستقرّ على الأرض،أو بعمد و أطناب مركوزة فيها، و السّماء في غاية ما يكون من العظم،و هي سبع طباق بعضها فوق بعض،و عليها من أثقال الأفلاك و أجناس الأملاك و أجرام الكواكب الّتي لا يعبّر عن عظمها و لا يحصى عددها.

و هي مع ذلك بغير أساس يمسكها،و لا عمد تقلّها، و لا أطناب تشدّها،و هي لو كانت بعمد و أساس كانت من أعظم المخلوقات و أحكم المبدعات،فكيف و هي عارية عن ذلك ممسكة بالقدرة الإلهيّة،إنّ اللّه يمسك السّماوات و الأرض أن تزولا.

و قيل:سمّيت بناء لتماسكها،كما يتماسك البناء بعضه ببعض.(1:98)

البروسويّ: قبّة مضروبة عليكم.و كلّ سماء مطبقة على الأخرى مثل القبّة،و السّماء الدّنيا ملتزقة أطرافها على الأرض،كما في تفسير أبي اللّيث.

(1:75)

2- اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ... المؤمن:64

الطّبريّ: بناها،فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها، لمصالحكم،و قوام دنياكم،إلى بلوغ آجالكم.(24:8)

الطّوسيّ: أي و جعل السّماء بناء مرتفعا فوقنا،و لو جعلهما رتقا لما أمكن الخلق الانتفاع في ما بينهما.

(9:91)

نحوه الطّبرسيّ.(4:530)

البغويّ: سقفا كالقبّة.(5:122)

مثله الخازن(6:85)،و نحوه ابن عطيّة(4:567)، و شبّر(5:357)،و النّسفيّ(4:83).

الزّمخشريّ: أي قبّة،و منه أبنية العرب لمضاربهم، لأنّ السّماء في منظر العين كقبّة مضروبة على وجه الأرض.(3:434)

ص: 852

الفخر الرّازيّ: كالقبّة المضروبة على الأرض، و قيل:مسك الأرض بلا عمد حتّى أمكن التّصرّف عليها. وَ السَّماءَ بِناءً أي قائما ثابتا و إلاّ لوقعت علينا.(27:84)

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»خلق الأرض لكم استقلالا،و لغيركم طفيليّا و تبعا،لتكون مقرّكم،و السّماء أيضا خلق لكم لتكون سقفكم مستقلّين به،و غيركم تبع لكم فيه.و قال بعضهم:جعل الأرض قرارا لأوليائه،و السّماء بناء لملائكته.

و فيه إشارة إلى قوله:«أوليائي تحت قبابي»أي مستورون تحت قباب الملكوت،لا تنكشف أحوالهم إلاّ لمن عرفه اللّه تعالى.

و في الآية بيان لفضله تعالى المتعلّق بالمكان،بعد بيان فضله المتعلّق بالزّمان.(8:205)

الآلوسيّ: أي قبّة،و منه أبنية العرب لقبابهم الّتي تضرب.و إطلاق ذلك على السّماء على سبيل التّشبيه، و هو تشبيه بليغ،و فيه إشارة لكريّتها.

و هذا بيان لفضله تعالى المتعلّق بالمكان،بعد بيان فضله المتعلّق بالزّمان.(24:83)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:246)

المراغيّ: جعل لكم السّماء سقفا محفوظا مزيّنا بنجوم،ينشأ عنها اللّيل و النّهار و الظّلام و الضّياء.

(24:89)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البنا،و هو الخباء و كلّ ما بني،يقال:بنى البنّاء البناء يبني بنيا و بناء و بنى و بنيانا و بنية و بنية و بناية،و أبنيت فلانا بيتا،أي جعلته يبني بيتا،و بنى دارا و ابتنى،و بنّى قصورا،و استبنت الدّار:

تهدّمت فأحوجت إلى بنائها.

و البنيّة:الكعبة،يقال:لا و ربّ هذه البنيّة،و الجمع بنى.و البنية و البنية:ما بنيته،و هو البنى و البنى، و البنيان:الحائط.و المبناة:قبّة تتّخذ من أدم،تجعلها المرأة في كسر بيتها فتسكن فيها،و حصير أو نطع يبسطه التّاجر على بيعه.و المبناة:ستر واسع يلقى على مقدّم الطّراف.و البواني:عظام الصّدر،و قوائم النّاقة، يقال:ألقى بوانيه،أي أقام بالمكان و اطمأنّ و ثبت.

و الباني:العروس الّذي يبني على أهله،أي يدخل بها،و أصله-كما ذكر الفيّوميّ-أنّ الرّجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خباء جديدا،ثمّ كثر حتّى كنّي به عن الجماع.

و بنى الطّعام لحمه يبنيه بناء،أي أنبته و عظم من الأكل.و فلان صحيح البنية،أي الفطرة.و هذه كلّها على التّوسّع.

2-و أصرّ فريق من المستشرقين على أنّ لفظي «بنّاء»و«بنيان»ليسا عربيّين،بل هما آراميّان،و ذهبت ثلّة منهم إلى أنّ«بنّاء»لفظ عبريّ أو أكّديّ.و برّروا مزاعمهم هذه بأدلّة واهية تفصح عن جهلهم بأسرار العربيّة و دقائقها.و سنتداول البحث حول مراميهم في المدخل.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من مادّة البناء(18)آية:

ص: 853

1- أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها

النّازعات:27

2- وَ السَّماءِ وَ ما بَناها الشّمس:5

3- وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً النّبأ:12

4- أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَ زَيَّنّاها وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ ق:6

5- وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ

الذّاريات:47

6- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التّوبة:110

7- أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ الشّعراء:128

8- وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ المؤمن:36

9- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ

التّحريم:11

10- وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً الكهف:21

11- قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ

الصّافّات:97

12- اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:22

13- اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً... المؤمن:64

14- إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4

15- أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

التّوبة:109

16- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ النّحل:26

17- وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ ص:37

18- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللّهِ لا يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعادَ الزّمر:20

يلاحظ أوّلا:أنّ خمسا منها-(1)إلى(5)-جاءت بصيغة الفعل الماضي،و فاعله(اللّه)و مفعوله(السّماء).

و جاء الفاعل في ثلاث منها بلفظ الجمع تعظيما و تفخيما له:(بنينا)،و في واحدة(5)بإضافة بِأَيْدٍ وَ إِنّا لَمُوسِعُونَ، و في واحدة(3) بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً، و سياقها جميعا تفخيم بناء السّماء.و ليس كذلك سياق ما تعلّق بغير السّماء من الألفاظ،و هي تختلف حسب مواردها،كما سيأتي.

ثانيا:يحمل البناء نظما و هندسة ذات أجزاء، فليست السّماء جوّا خاليا لا نهاية له بلا بناء،كما يتصوّره النّاس أو يزعم الفلكيّون،بل هي في القرآن بناء عظيم

ص: 854

منتظم الأجزاء،فكلّ جرم من أجرام السّماء يقع في محلّه، و يدور حول محوره بنظام متكامل،و هذا ممّا تثبته النّظريّات الحديثة،بل علم الهيئة القديم بتفاوت كبير بينهما.

و الّذي يلفت النّظر أنّ اللّه عبّر عن خلق الأرض بألفاظ،مثل:الخلق و الجعل و البسط و نحوها،و لم يعبّر عنها بالبناء،لأنّها محسوسة بأجزائها المتماسكة من الجبال و البوادي و البحار،و لا يحتاج إلى التّنبيه على تماسكها بلفظ البناء،و ليست كذلك السّماء.[لاحظ الأرض و السماء]

ثالثا:جاء في(3)و في آيات أخرى بناء سبع سماوات،انظر(س م و)،و(س ب ع)

رابعا:جاءت أربع منها-(8)إلى(11)-بصيغة فعل الأمر،و اثنتان منها-(8)و(9)-بصيغة المفرد،ففي (8)يأمر فرعون هامان بأن يبني له صرحا،لعلّه يبلغ به الأسباب حتّى يصل إلى اللّه الّذي دعا إليه إبراهيم عليه السّلام، و سياقه ذمّ و تهكّم و استكبار،و يكشف عنه التّعبير ب«الصّرح»الّذي يتّخذه الجبابرة سكنى لهم.

و في(9)تدعو امرأة فرعون ربّها ليبني لها عنده بيتا في الجنّة،و بذلك ينجّيها من فرعون و قومه الظّالمين.

و سياقها مدح و التماس و عبوديّة و تقرّب إلى اللّه،عكس الأولى تماما،و لهذا قالت:(بيتا).

و العجب أنّ كلا الزّوجين يطلب الصّعود للوصول إلى اللّه،فأحدهما-و هو الزّوج-يريد السّيطرة على اللّه، و الآخر-و هي الزّوجة-تريد الوصول إلى رحمة اللّه و قربه،و نيل رضوانه.

و جاءت اثنتان منها-(10)و(11)-بصيغة الجمع، و هما كالمفرد عددا و سياقا،مدحا و ذمّا،و استعبادا و استكبارا،فالأولى حول أصحاب الكهف؛حيث دعا النّاس بعضهم بعضا إلى أن يبنوا عليهم بنيانا تذكارا و تعظيما لهم،و عبوديّة للّه.و في الثّانية دعا المشركون أعوانهم إلى أن يبنوا بنيانا لإلقاء إبراهيم في الجحيم طغيانا و استكبارا منهم،و ليبقى هذا البناء الشّاهق أمارة لكفرهم،و تذكارا لجورهم على إبراهيم.

خامسا:جاء في(12)و(13)بسياق واحد(بناء)، و هو مصدر أريد به المفعول،إطلاقا على السّماء بإزاء جعل الأرض(فراشا)في(12)و(قرارا)في(13)على النّحو الآتي:

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً البقرة:22

اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً المؤمن:64

و قد قدّمت(الارض)على(السّماء)فيهما،لأنّها أقرب إلى النّاس عيانا و مشاهدة،فجعلها فراشا و قرارا للنّاس،أمّا السّماء فهي بناء دائما.و قد أعقب السّماء و الأرض في(12)بما يناسبهما،و هو إنزال الماء من السّماء،و إخراج الثّمرات من الأرض،مع تفاوت في مفهوم السّماء و الأرض صدرا و عجزا.فالمراد بهما «صدرا»جميع الأرض و السّماء كشيئين متقابلين،أمّا في «الذّيل»فالمراد بالسّماء جهة العلوّ،و بالأرض المزارع و الحدائق.

سادسا:جاء كلّ من اسم الفاعل و المفعول منها في

ص: 855

(17)و(18)من المجرّد،فالفاعل بصيغة المبالغة(بنّاء) وصفا للشّياطين،و معطوفا عليه ب(غوّاص)،و كان هذا البناء لسليمان النّبيّ عليه السّلام في الدّنيا.

أمّا اسم المفعول فهو وصف لغرف المؤمنين في الجنّة في الآخرة: غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.

فالفاعل و المفعول موزّعان على الدّنيا و الآخرة بنسبة واحدة.

و في هذه الآية نكات لطيفة:

1-ذكروا في«المبنيّة»وجوها،منها:قال الآلوسيّ -كما تقدّم في النّصوص-تمهيدا لقوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ على خلاف علالي الدّنيا،فيفيد الوصف بذلك أنّها سوّيت تسوية البناء على الأرض،و جعلت سطحا واحدا يتأتّى معه جري الأنهار عليه.على أنّ مياه الجنّة لمّا كانت منحدرة من بطنان العرش-على ما في الحديث- فهي أعلى من الغرف،فلا عجب من جري الماء عليها فوقا و تحتا،لكن لا بدّ من وضع يتأتّى معه الجري، فالوصف المذكور لذلك.

و منها:ما حكاه الآلوسيّ عن بعض الأجلّة:الظّاهر أنّ هذا الوصف تحقيق للحقيقة و بيان أنّ الغرف ليست كالظّلل اللاّتي جاءت قبلها في شأن الكافرين؛حيث أريد بها المعنى المجازيّ على الاستعارة التهكّميّة.

و منها:ما حكاه الآلوسيّ أيضا عن بعض الفضلاء من إخوانه المعاصرين:إنّ فائدة التّوصيف بما ذكر الإشارة إلى رفعة شأن الغرف بذلك،للإشارة إلى أنّها مهيّأة معدّة لهم،قد فرغ من أمرها كما هو ظاهر الوصف، لا أنّها تبنى يوم القيامة لهم،و في ذلك تعظيم شأن المتّقين ما فيه...».

و منها:ما للفخر الرّازيّ:من أنّ المنزل إذا بني على منزل آخر تحته كان الفوقانيّ أضعف بناء من التّحتانيّ.

فقوله:(مبنيّة)معناه أنّه و إن كان فوق غيره،لكنّه في القوّة و الشّدّة مساو للمنزل الأسفل.

و الحاصل أنّ المنزل الفوقانيّ و التّحتانيّ[في الدّنيا] حصل في كلّ واحد منهما فضيلة و منقصة،أمّا الفوقانيّ ففضيلته العلوّ و الارتفاع،و نقصانه الرّخاوة و السّخافة، و أمّا التّحتانيّ فبالضّدّ منه...أمّا منازل الجنّة فإنّها تكون مستجمعة لكلّ الفضائل،و هي عالية مرتفعة،و تكون في غاية القوّة و الشّدّة.

و زاد:قال حكماء الإسلام:هذه الغرف المبنيّة بعضها فوق بعض،مثاله في الأحوال النّفسانيّة العلوم الكسبيّة،فانّ بعضها يكون مبنيّا على البعض.و النّتائج الآخرة الّتي هي عبارة عن معرفة ذات اللّه و صفاته تكون في غاية القوّة،بل تكون في القوّة و الشّدّة كالعلوم الأصليّة البديهيّة.

و منها:ما يخطر ببالنا أنّ هذه الغرف ليست مخلوقة للّه ابتداء،بل هي مبنيّة حسب أعمال العباد في الدّنيا،فكلّ عمل صالح-حسب ما جاء في الأحاديث-يبدّله اللّه بناء لنا في الجنّة،فكأنّ العباد هم الّذين بنوها لأنفسهم بأعمالهم،بتقدير اللّه عزّ و جلّ.و بتعبير آخر إنّها مبنيّة حسب أعمال العباد،و ليست مخلوقة كالجنّة و النّار.

و منها:أنّها تفيد التّشديد كما يفيده اسم الفاعل (بنّاء)مع فارق واحد،و هو أنّه فعل فيه الجنّ، و«المبنيّة»فعل اللّه.

ص: 856

2-قوله: اَلَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الزّمر:20،مقابل لقوله قبله في اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ... لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ... الزّمر:15،16.

3-قابل الّذين اتّقوا ربّهم بالّذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة،فالتّقوى-و هي الكفّ عن المحارم- ليست خسارة و نقصانا و حرمانا كما نتصوّر،بل هي زيادة و غناء،و الّذين لم يتّقوا هم الّذين خسروا أنفسهم،فالتّقوى غناء و عدمه الخسران.

سابعا:جاء«البنيان»-و هو مصدر بمعنى المفعول- (7)مرّات:(6)و(10)و(11)و(14)و(15)مرّتين و(16).و قد وقع متعلّقا للفعل«بنى»ثلاث مرّات:(6) و(10)و(11)،و للفعل«أسّس»مرّتين:(15)،و للفعل «أتى»مرّة:(16)،و جاء خبرا مرّة:(14).

و قد غلب فيها الذّمّ على المدح،فجاء المدح ثلاث مرّات:أوّلها في(10): اِبْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً في قصّة أصحاب الكهف،و ثانيهما في(14): صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ، و في(15): أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ، و الباقي ذمّ،فلاحظ.

ثامنا:متعلّق البناء في سبع منها السّماء:(1)إلى(5) و(12)و(13)،و في(7)آية،و في(8)صرح،و في(9) بيت،و في(6)و(10)و(11)بنيان،و السّياق فيها يختلف شدّة و ضعفا و تفخيما و وهنا،فما جاء في السّماء سياقها تفخيم كما سبق،و كذلك«صرح»و«بنيان»في أكثر الآيات-و لا يبعد أخذ الفخامة فيه لغة-و ليس كذلك«بيت»و«آية».

ص: 857

ص: 858

ب ه ت

اشارة

4 ألفاظ،8 مرّات:1 مكّيّة،7 مدنيّة

في 6 سور:1 مكّيّة،5 مدنيّة

بهت 1:-1 تبهتهم 1:1

بهتانا 4:-4 بهتان 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :بهته فلان،أي استقبله بأمر قذفه به، و هو بريء منه،لا يعلمه،و الاسم:البهتان.

و بهت الرّجل يبهت بهتا،إذا حار.يقال:رأى شيئا فبهت:ينظر نظر المتعجّب.[ثمّ استشهد بشعر](4:35)

الكسائيّ: يقال:رجل مبهوت،و لا يقال:باهت و لا بهيت.(الجوهريّ 1:244)

اللّيث: البهت:حساب من حساب النّجوم،و هو مسيرها المستوي في يوم.(الأزهريّ 6:241)

الأصمعيّ: بهت،و غرس و بطر،إذا دهش.

(الأزهريّ 6:241)

ابن أبي اليمان: و البهت:بهتك الرّجل بالبهتان.

(220)

ابن دريد :و بهتّ الرّجل أبهته بهتا،إذا واجهته بما لم يقل،و لا يكون البهت إلاّ مواجهة الرّجل بالكذب عليه،و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«اليهود قوم بهت».

و بهت الرّجل فهو مبهوت،إذا استولت عليه الحجّة،و في التّنزيل: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ البقرة:258.

و تقول العرب إذا استعظمت الأمر:يا للبهيتة.

و الرّجل باهت و بهّات و مباهت و بهوت.

و البهتان«فعلان»،من البهت،كما قالوا:عثمان من العثم،و دهمان من الدّهم،و هو الجمع الكثير.(1:198)

الأزهريّ: [نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

ما أراه عربيّا و لا أحفظه لغيره.(6:241)

الصّاحب: البهت:استقبالك أخاك بما ليس فيه، و هو الحيرة أيضا،و التّعجّب.و بهت الرّجل و بهت.

ص: 859

و في المثل:«رماه بالبهيتة»أي بالبهتان و الكذب.

و يقولون:يا للبهيتة و يا للأفيكة.

و المباهتة:المباغتة في الفجأة.(3:460)

الجوهريّ: بهته بهتا:أخذه بغتة،قال اللّه تعالى:

بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ الأنبياء:40.

و تقول أيضا:بهته بهتا و بهتا و بهتانا،فهو بهّات، أي قال عليه ما لم يفعله،فهو مبهوت.[ثمّ استشهد بشعر]

و البهيتة:البهتان،يقال:يا للبهيتة،بكسر اللاّم، و هو استغاثة.

و بهت الرّجل بالكسر،إذا دهش و تحيّر.و بهت بالضّمّ مثله،و أفصح منهما بهت،كما قال جلّ ثناؤه:

فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ البقرة:258،لأنّه يقال:رجل مبهوت،و لا يقال:باهت،و لا بهيت.(1:244)

ابن فارس: الباء و الهاء و التّاء أصل واحد،و هو كالدّهش و الحيرة،يقال:بهت الرّجل يبهت بهتا، و البهتة:الحيرة.

فأمّا البهتان:فالكذب.يقول العرب:يا للبهيتة أي للكذب.(1:307)

أبو هلال :الفرق بين الزّور و الكذب و البهتان:أنّ الزّور هو الكذب الّذي قد سوّي و حسن في الظّاهر ليحسب أنّه صدق،و هو من قولك:زوّرت الشّيء،إذا سوّيته و حسّنته،و في كلام عمر:زوّرت يوم السّقيفة كلاما.

و قيل:أصله فارسيّ من قولهم:زور،و هو القوّة، و زوّرته:قوّيته.

و أمّا البهتان:فهو مواجهة الإنسان بما لم يحبّه،و قد بهته.(34)

الهرويّ: البهتان:الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه، يقال:بهت فلان فلانا،إذا كذب عليه،فبهت يبهت و بهت يبهت،إذا تحيّر.(1:222)

أبو سهل الهرويّ: و قد بهت الرّجل يبهت،أي تحيّر و دهش،و انقطعت حجّته لشيء رآه،أو سمعه.

(التّلويح في شرح الفصيح:14)

ابن سيدة :بهت الرّجل يبهته بهتا،و باهته:

استقبله بأمر يقذفه به،و هو منه بريء لا يعلمه،فيبهت منه.

و البهتان و البهيتة:الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه، و قوله عزّ و جلّ: أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:

20،أي مباهتين آثمين.

و البهوت:المباهت،و الجمع:بهت و بهوت.

و عندي أنّ بهوتا جمع باهت لا جمع بهوت،لأنّ «فاعلا»ممّا يجمع على«فعول»،و ليس«فعول»ممّا يجمع عليه.فأمّا ما حكاه أبو عبيد من أنّ عذوبا جمع عذوب فهو غلط،إنّما هو جمع عاذب.فأمّا عذوب،فجمعه:

عذب.

و البهت و البهيتة:الكذب.

و البهت:الانقطاع و الحيرة،و قد بهت و بهت و بهت الخصم:استولت عليه الحجّة،و في التّنزيل: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ البقرة:258.

و بهت الفحل عن النّاقة:نحّاه ليحمل عليها فحل أكرم منه.

و البهت:حجر معروف.(4:282)

ص: 860

البهتان:بهته يبهته بهتا و بهتا و بهّتا و بهتانا:قال عليه ما لم يفعل،الفاعل:بهوت و بهّات.

و البهيتة:الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه.و البهيتة:

الكذب،و الجمع:بهائت.

و تباهتوا:قذف بعضهم بعضا بالباطل.

(الإفصاح 1:181)

البهتان:أن يتكلّم-و هو كاذب-خلف إنسان مستور الحال بما يغمّه لو سمعه،بهته يبهته بهتا و بهتا و بهتانا:قال عليه ما لم يفعل.(الإفصاح 1:183)

الطّوسيّ: و في بهت ثلاث لغات:بهت على لفظ القرآن،و بهت و بهت على وزن ظرف و حذر،و حكي بهت على وزن ذهب.

و البهت:الحيرة عند استيلاء الحجّة،لأنّها كالحيرة للمواجهة بالكذب،لأنّ تحيّر المكذب في مذهبه كتحيّر المكذوب عليه،و منه قوله: أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:20،كأنّه قال:أ تأخذونه إدّعاء للكذب فيه.(2:318)

نحوه الطّبرسيّ.(1:366)

البهتان:الكذب الّذي تتحيّر فيه من عظمه و بيانه، يقال:بهت فلان،إذا كذب،و بهت يبهت،إذا تحيّر،قال اللّه تعالى: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ. (3:323)

أصل البهتان:الكذب الّذي يواجه به صاحبه،على وجه المكابرة،و أصله التّحيّر،و منه قوله: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، أي تحيّر عند انقطاع حجّته،فالبهتان:كذب يحيّر صاحبه.(3:152)

مثله الطّبرسيّ.(2:25)

الرّاغب:بهت:قال اللّه عزّ و جلّ: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي دهش و تحيّر،و قد بهته،قال عزّ و جلّ: هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ النّور:16،أي كذب يبهت سامعه لفظاعته.قال اللّه تعالى: يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ الممتحنة:12،كناية عن الزّنى.

و قيل:بل ذلك لكلّ فعل شنيع يتعاطينه باليد و الرّجل،من تناول ما لا يجوز،و المشي إلى ما يقبح.

و يقال:جاء بالبهيتة،أي الكذب.(63)

الزّمخشريّ: بهته بكذا و باهته به،و بينهما مباهتة.

و من عادته أن يباحت و يباهت.و لا تباهتوا و لا تماقتوا.

و رماه بالبهيتة و هي البهتان،و يا للبهيتة.و رآه فبهت، ينظر إليه نظر المتعجّب،و كلّمته فبقي مبهوتا.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:32)

المدينيّ: في الحديث في صفة اليهود:«إنّهم قوم بهت»الواحد بهوت،من بناء المبالغة في البهت،نحو:

صبور و صبر،و جزور و جزر،ثمّ يسكّن تخفيفا،و لو كان جمع باهت،لكان بهتا بفتح أوّله كسائر نظائره.

(1:202)

ابن الأثير: في حديث بيعة النّساء: وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ الممتحنة:12،هو الباطل الّذي يتحيّر منه،و هو من البهت:التّحيّر،و الألف و النّون زائدتان، يقال:بهته يبهته،و المعنى لا يأتين بولد من غير أزواجهنّ فينسبنه إليهم.و البهت:الكذب و الافتراء.

و منه حديث الغيبة:«و إن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه»أي كذبت و افتريت عليه.(1:165)

الفيّوميّ: بهت و بهت من بابي«قرب و تعب»:

ص: 861

دهش و تحيّر،و يعدّى بالحركة،فيقال:بهته يبهته بفتحتين،فبهت بالبناء للمفعول.

و بهتها بهتا من باب«نفع»قذفها بالباطل،و افترى عليها بالكذب،و الاسم:البهتان،و اسم الفاعل:

بهوت،و الجمع:بهت،مثل رسول و رسل،و البهتة:مثل البهتان.(63)

الفيروزآباديّ: بهته كمنعه بهتا و بهتا و بهتانا:

قال عليه ما لم يفعل.

و البهيتة:الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه،و الكذب كالبهت بالضّمّ.

و البهت:حجر معروف.

و الأخذ بغتة،و الانقطاع،و الحيرة.فعلهما كعلم و نصر و كرم و زهي.و هو مبهوت لا باهت و لا بهيت.

و البهوت:المباهت،جمعه:بهت و بهوت.

و قول الجوهريّ: فابهتي عليها،أي فابهتيها،لأنّه لا يقال:بهت عليه،تصحيف.و الصّواب فانهتي عليها بالنّون لا غير.(1:149)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من باهت مؤمنا أو مؤمنة حبسه اللّه يوم القيامة في طينة خبال»و هو من قولهم:

بهته بهتا و بهتا،أي قال عليه ما لم يفعله،و هو مبهوت.

و فيه:«فإن لم يكن فيه فقد بهته»هو بفتح هاء مخفّفة،أي قلت عليه البهتان.(2:192)

مجمع اللّغة :1-بهت الرّجل من باب«علم و نصر و كرم»بهتا و بهتا:دهش و تحيّر.و بهته يبهته من باب«قطع»أدهشه و حيّره.

2-البهتان:الباطل الشّنيع،و قد يراد به القول الكذب الشّنيع الّذي يبهت و يحيّر.(1:131)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:82)

محمود شيت: [قال نحو ما تقدّم عن المتقدّمين و أضاف:]

أ-بهته بالهجوم:أدهشه و حيّره،و بالهجوم:هاجمه في وقت أو مكان أو بأسلوب لا يتوقّعه.

ب-البهتان:الكذب و الزّور،و تستعمل في المجالس التّحقيقيّة،و المحاكم العسكريّة.(1:99)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الدّهشة و التّحيّر،و هذا المعنى مأخوذ في جميع موارد استعمالها.

فالكذب باعتبار كونه بلا أساس و غير مستند إلى واقعيّة و حقيقة؛بحيث يوجب الحيرة و الدّهشة،فمن حيث إنّه غير مطابق للواقع يسمّى كذبا،و من حيث إنّه يوجب الحيرة يسمّى بهتا.

و أمّا القذف بالباطل فباعتبار أنّ ذلك القذف عبارة أخرى عن إيجاد الدّهشة،فإنّه قول فيه بلا أساس و لا واقعيّة.

و لمّا كان التّحيّر يوجد بسبب من الأسباب و لا بدّ من وجود محرّك و باعث فيه،فلذا كان التّعبير بصيغة المجهول أفصح.[ثمّ ذكر آيات و أضاف:]

و قد يكون البهت في العمل فيوجب دهشة و تحيّرا، إذا صدر بلا علّة صحيحة.(1:328)

ص: 862

النّصوص التّفسيريّة

بهت

فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ.

البقرة:258

الثّوريّ: فسكت فلم يجبه بشيء.(النّحّاس 1:276)

أبو عبيدة :انقطع و ذهبت حجّته.و بهت:أكثر الكلام،و بهت،إن شئت.(1:79)

الطّبريّ: يعني انقطع،و بطلت حجّته،يقال منه:

بهت يبهت بهتا.

و قد حكي عن بعض العرب أنّها تقول بهذا المعنى:

بهت،و يقال:بهتّ الرّجل،إذا افتريت عليه كذبا،بهتا و بهتانا و بهاتة.

و قد روي عن بعض القرّاء أنّه قرأ (فبهت الّذى كفر) بمعنى فبهت إبراهيم الّذي كفر.(3:25)

نحوه الزّجّاج.(1:341)

النّحّاس: أي فبهت إبراهيم الّذي كفر.(1:276)

الهرويّ: أي انقطعت حجّته فتحيّر.(1:222)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:يعني تحيّر،و الثّاني:معناه انقطع،و هو قول أبي عبيدة.

و قرئ (فبهت الّذى كفر) -بفتح الباء و الهاء،بمعنى أنّ الملك قد بهت إبراهيم بشبهته،أي سارع بالبهتان.

(1:330)

ابن جنّيّ: قرأه ابن السّميفع(فبهت الّذى كفر) أراد فبهت إبراهيم الكافر،ف(الّذى)على هذا في موضع نصب.

و قرأ أبو حيوة(فبهت)بضمّ الهاء،لغة في بهت.

و قد يجوز أن يكون(بهت)بالفتح لغة في بهت، و حكى أبو الحسن الأخفش قراءة(فبهت)كخرق و دهش،و بهت بالضّمّ أكثر من بهت بالكسر،يعني أنّ الضّمّة تكون للمبالغة،كقولهم:لقضو الرّجل.

(ابن سيدة 4:282)

الطّوسيّ: معناه تحيّر عند الانقطاع بما بان من ظهور الحجّة.(2:318)

الواحديّ: أي تحيّر أو سكت،و انقطعت حجّته، يقال:بهت الرّجل فهو مبهوت،إذا تحيّر.(1:371)

ابن عطيّة: قرأ الجمهور(فبهت الّذى)بضمّ الباء و كسر الهاء،يقال:بهت الرّجل،إذا انقطع و قامت عليه الحجّة.[ثمّ ذكر قول ابن سيدة و غيره إلى أن قال:]

و قد تأوّل قوم في قراءة من قرأ(فبهت)بفتحهما أنّه بمعنى سبّ و قذف،و أنّ نمرود هو الّذي سبّ إبراهيم حين انقطع،و لم تكن له حيلة.(1:346)

الفخر الرّازيّ: فبقى مغلوبا لا يجد مقالا، و لا للمسألة جوابا،و هو كقوله: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها الأنبياء:40.(7:29)

القرطبيّ: أي انقطعت حجّته و لم يمكنه أن يقول:

أنا الآتي بها من المشرق،لأنّ ذوي الألباب يكذّبونه.[ثمّ ذكر أقوال السّابقين و قد تقدّمت](3:286)

البيضاويّ: فصار مبهوتا.و قرئ(فبهت)أي فغلب إبراهيم الكافر.(1:135)

نحوه أبو السّعود(1:300)،و البروسويّ(1:410)

ص: 863

النّيسابوريّ: يقال:بهت الرّجل بالكسر،إذا دهش و تحيّر،و بهت بالضّمّ مثله،و قد قرئ بهما.

و أفصح منهما القراءة المشهورة(فبهت)على البناء للمفعول،لأنّه يقال:رجل مبهوت،و لا يقال:باهت و لا بهيت.(3:28)

أبو حيّان: قراءة الجمهور مبنيّا لما لم يسمّ فاعله، و الفاعل المحذوف إبراهيم،إذ هو المناظر له،فلمّا أتى بالحجّة الدّامغة بهته بذلك و حيّره و غلبه.

و يحتمل أن يكون الفاعل المحذوف المصدر المفهوم من(قال)أي فحيّره قول إبراهيم و بهته.

و قرأ ابن السّميفع:(فبهت)بفتح الباء و الهاء.

و الظّاهر أنّه متعدّ كقراءة الجمهور(فبهت)مبنيّا للمفعول،أي فبهت إبراهيم الّذي كفر.و قيل:المعنى فبهت الكافر إبراهيم،أيّ سبّ إبراهيم حين انقطع،و لم تكن له حيلة.

و يحتمل أن يكون لازما و يكون اَلَّذِي كَفَرَ فاعلا،و المعنى بهت أو أتى بالبهتان:[ثمّ نقل القراءتين كما تقدّم عن ابن جنّيّ](2:289)

نحوه الآلوسيّ.(3:19)

السّيوطيّ: قراءة الجماعة بالبناء للمفعول،و قرئ بالبناء للفاعل،بوزن ضرب و علم و حسن.(2:330)

الشّربينيّ: تحيّر و دهش و انقطعت حجّته.[إلى أن قال:]

فإن قيل:كيف بهت نمرود و كان يمكنه أن يعارض إبراهيم،فيقول له:سل أنت ربّك حتّى يأتيك بها من المغرب؟

أجيب بأنّ اللّه تعالى صرفه عن ذلك إظهارا للحجّة عليه،أو معجزة لإبراهيم عليه الصّلاة و السّلام،أو أنّه خاف أن لو سأل ذلك دعا إبراهيم ربّه،فكانت زيادة في فضيحته و انقطاعه.(1:171)

القاسميّ: تحيّر و دهش و غلب بالحجّة،لمّا علم عجزه و انقطاعه،و أنّه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام.(3:668)

رشيد رضا :أي أدركته الحيرة،و أخذه الحصر من نصوع الحجّة و سطوعها،فلم يحر جوابا.(3:47)

حسنين محمّد مخلوف:غلب و قهر و تحيّر و انقطع في حجاجه،و هو فعل جاء على صورة المبنيّ للمفعول كزهي و زكم،و المعنى فيه على البناء للفاعل، و اَلَّذِي كَفَرَ فاعله.(85)

تبهتهم

بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. الأنبياء:40

جاءت كلمة(فتبهتهم)بمعنى التّحيّر و الدّهشة في أكثر التّفاسير.

بهتان

1- وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ. النّور:16

الطّوسيّ: أي كذب و زور عظيم عقابه في الظّاهر.

فالبهتان:الكذب الّذي فيه مكابرة تحيّر،يقال:بهته يبهته بهتا و بهتانا،إذا حيّره بالكذب عليه.(7:418)

ص: 864

البغويّ: يعني كذب عظيم يبهت،و يتحيّر من عظمته.(3:394)

نحوه الآلوسيّ(18:120)،و المراغيّ(18:78).

ابن عطيّة: حقيقة البهتان:أن يقال في الإنسان ما ليس فيه،و الغيبة:أن يقال في الإنسان ما فيه.

(4:171)

مثله القرطبيّ.(12:205)

الطّبرسيّ: أي كذب و زور عظيم عقابه،أو نتحيّر من عظمه.(4:132)

الفخر الرّازيّ: لم أوجب عليهم أن يقولوا: هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ مع أنّهم ما كانوا عالمين بكونه كذبا قطعا؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّهم كانوا متمكّنين من العلم بكونه بهتانا، لأنّ زوجة الرّسول لا يجوز أن تكون فاجرة.

الثّاني:أنّهم لمّا جزموا أنّهم ما كانوا ظانّين له بالقلب،كان إخبارهم عن ذلك الجزم كذبا،و نظيره قوله: وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ المنافقون:1.(23:181)

البروسويّ: مصدر بهته،أي قال عليه ما لم يفعل، أي كذب عظيم عند اللّه التّقاول به،كما في«التّأويلات النّجميّة»أو يبهت و يتحيّر من عظمته،لعظمة المبهوت عليه،أي الشّخص الّذي يبهت عليه،أي يقال عليه ما لم يفعل،فإنّ حقارة الذّنوب و عظمها كما تكون باعتبار مصادرها،كما قال أبو سعيد الخرّاز:«حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين»كذا تكون باعتبار متعلّقاتها.

(6:128)

الطّباطبائيّ: و البهتان:الافتراء،سمّي به لأنّه يبهت الإنسان المفترى عليه،و كونه بهتانا عظيما،لأنّه افتراء في عرض،و خاصّة إذ كان متعلّقا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و إنّما كان بهتانا لكونه إخبارا من غير علم،و دعوى من غير بيّنة،كما تقدّم في قوله: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ النّور:13.(15:92)

الحجازيّ: بهتان:كذب مختلق لا أساس له، يفاجأ به الشّخص،و لم يكن يخطر له على بال،فإنّ المرميّ به يبهت و يدهش.(18:44)

2- ..وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ.. الممتحنة:12

ابن عبّاس: لا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم.

(الطّبريّ 28:77)

مثله ابن قتيبة.(462)

الضّحّاك: البهتان:العضة،لأنّها إذا قذفت المرأة غيرها فقد بهتت ما بين يدي المقذوفة و رجليها؛إذ نفت عنها ولدا قد ولدته،أو ألحقت بها ولدا لم تلده.

(أبو حيّان 8:258)

الفرّاء: كانت المرأة تلتقط المولود،فتقول لزوجها:

هذا ولدي منك،فذلك البهتان المفترى.(3:152)

الطّبريّ: و لا يأتين بكذب يكذبنه في مولود يوجد بين أيديهنّ و أرجلهنّ،و إنّما معنى الكلام:و لا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم.(18:77)

الزّجّاج: أي لا يأتين بولد ينسبنه إلى الزّوج،فإنّ ذلك بهتان و فرية.(5:160)

ص: 865

مثله الهرويّ.(1:222)

أبو مسلم الأصفهانيّ: البهتان:السّحر.

(الماورديّ 5:525)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّه سحر،قاله ابن بحر.

و الثّاني:المشي بالنّميمة و السّعي في الفساد.

و الثّالث:و هو قول الجمهور ألاّ يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهنّ،لأنّ الزّوجة كانت تلتقط ولدا و تلحقه بزوجها ولدا.(5:525)

الطّوسيّ: [ذكر مثل الطّبريّ و أضاف:]

و قال قوم:البهتان الّذي نهوا عنه في الآية:قذف المحصنات،و الكذب على النّاس،و إضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر و المستقبل من الزّمان.

(9:588)

نحوه الطّبرسيّ.(5:275)

الميبديّ: يعني الكذب و النّميمة و المشي بالسّعاية،يختلقنّه من تلقاء أنفسهنّ.

قالت هند:و اللّه إنّ البهتان لقبيح و إنّك لا تأمرنا إلاّ بالرّشد و مكارم الأخلاق.(10:76)

الزّمخشريّ: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها:هو ولدي منك،كنّي بالبهتان المفترى بين يديها و رجليها عن الولد الّذي تلصقه بزوجه كذبا،لأنّ بطنها الّذي تحمله فيه بين اليدين،و فرجها الّذي تلده به بين الرّجلين.(4:94)

مثله النّسفيّ(4:250)،و نحوه القرطبيّ(18:72)، و أبو السّعود(6:239)،و المراغيّ(28:75).

ابن عطيّة:و الإتيان بالبهتان،قال أكثر المفسّرين:

معناه أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس هو له.

و اللّفظ أعمّ من هذا التّخصيص،فإنّ الفرية بالقول على أحد من النّاس بعضيهة لمن هذا،و إنّ الكذب فيما ائتمن فيه من الحمل و الحيض لفرية بهتان.

و بعض أقوى من بعض،و ذلك أنّ بعض النّاس قال:

بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ يراد به اللّسان و الفم في الكلام و القبلة و نحوه،«و بين الأرجل»يراد به الفروج و ولد الإلحاق و نحوه.(5:299)

نحوه أبو حيّان.(8:258)

الفخر الرّازيّ: نهي عن النّميمة،أي لا تنمّ إحداهنّ على صاحبها فيورث القطيعة،و يحتمل أن يكون نهيا عن إلحاق الولد بأزواجهنّ.[ثمّ نقل قول الفرّاء و أضاف:]

و ذلك أنّ الولد إذا وضعته الأمّ سقط بين يديها و رجليها،و ليس المعنى نهيهنّ عن الزّنى،لأنّ النّهي عن الزّنى قد تقدّم.(29:308)

النّيسابوريّ: [ذكر مثل الزّمخشريّ و الميبديّ و أضاف:]

و قيل:قذف المحصنين.(28:43)

البروسويّ: الباء للتّعدية،و البهتان:الكذب الّذي يبهت المكذوب عليه،أي يدهشه و يجعله متحيّرا،فيكون أقبح أنواع الكذب،و هو في الأصل مصدر،يقال:بهت زيد عمرا بهتا و بهتا و بهتانا،أي قال عليه ما لم يفعله،فزيد باهت و عمرو مبهوت،و الّذي بهت به مبهوت به.

ص: 866

و إذا قالت لزوجها:هذا ولدي منك-لصبيّ التقطته- فقد بهتته به،أي قالت عليه ما لم يفعله،جعله نفس البهتان،ثمّ وصفه بكونه مفترى مبالغة في وصفهنّ بالكذب.(9:489)

الآلوسيّ: [نقل قول الفرّاء و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و قيل:كنّي بذلك عن الولد الدّعيّ،لأنّ اللّواتي كنّ يظهرن البطون لأزواجهنّ في بدء الحال إنّما فعلن ذلك امتنانا عليهم،و كنّ يبدين في ثاني الحال عند الطّلق حين يضعن الحمل بين أرجلهنّ أنّهنّ ولدن لهم،فنهين عن ذلك الّذي هو من شعار الجاهليّة المنافي لشعار المسلمات، تصويرا لتينك الحالتين و تهجينا لما كنّ يفعلنه.

و أيّا ما كان فحمل الآية على ما ذكر هو الّذي ذهب إليه الأكثرون،و روي ذلك عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.

و قال بعض الأجلّة:معناه لا يأتين ببهتان من قبل أنفسهنّ،و اليد و الرّجل كناية عن الذّات،لأنّ معظم الأفعال بهما،و لذا قيل للمعاقب بجناية قوليّة:هذا ما كسبت يداك.

أو معناه لا يأتين ببهتان ينشئنه في ضمائرهنّ و قلوبهنّ،و القلب مقرّه بين الأيدي و الأرجل.

و الكلام على الأوّل:كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهنّ،و على الثّاني:كناية عن كون البهتان من دخيلة قلوبهنّ،المبنيّة على الخبث الباطنيّ.

و قال الخطّابيّ: معناه لا يبهتنّ النّاس كفاحا و مواجهة،كما يقال للأمر بحضرتك:إنّه بين يديك.و ردّ بأنّهم و إن كنّوا عن الحاضر بما ذكر،لكن لا يقال فيه:هو بين رجليك،و هو وارد لو ذكرت الأرجل وحدها،أمّا إذا ذكرت مع الأيدي تبعا فلا.و الكلام قيل:كناية عن خرق جلباب الحياء،و المراد:النّهي عن القذف، و يدخل فيه الكذب و الغيبة.

و روي عن الضّحّاك حمل ذلك على القذف.

و قيل:(بين أيديهنّ):قبلة أو جسّة،(و أرجلهنّ):

الجماع.

و قيل:(بين ايديهنّ):ألسنتهنّ بالنّميمة، (و ارجلهنّ):فروجهنّ بالجماع،و هو-و كذا ما قبله- كما ترى.

و قيل:البهتان:السّحر،و للنّساء ميل إليه جدّا، فنهين عنه،و ليس بشيء.(28:80)

مجمع اللّغة :كناية عن كلّ فعل شنيع،من تناول ما لا يجوز،و المشي إلى ما يقبح.(1:131)

الطّباطبائيّ: و ذلك بأن يحملن من الزّنى ثمّ يضعنه و ينسبنه إلى أزواجهنّ،فإلحاقهنّ الولد كذلك بأزواجهنّ و نسبته إليهم كذبا بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ الممتحنة:12،لأنّ الولد إذا وضعته أمّه سقط بين يديها و رجليها،و لا يغني عن هذا الشّرط شرط الاجتناب عن الزّنى،لأنّهما متغايران،و كلّ مستقلّ بالنّهي و التّحريم.(19:242)

الصّابونيّ: البهتان:الكذب و الباطل،و الافتراء الّذي يتحيّر من بطلانه،و منه حديث:«فقد بهتّه»أي افتريت عليه ما لم يقله،و المراد به في الآية:اللّقيط.

(2:552)

ص: 867

بهتانا

1- ..أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:20

ابن عبّاس: المراد بالبهتان:الظّلم.

(مسائل الرّازيّ: 44)

مثله الطّبريّ(4:314)،و ابن قتيبة(122).

مجاهد :إنّه الإثم.(الآلوسيّ 4:244)

الزّجّاج: و البهتان:الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه،و«بهتان»حال موضوعة في موضع المصدر، المعنى أ تأخذونه مباهتين آثمين.(2:31)

نحوه الميبديّ.(2:361)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:ظلما بالبهتان،و الثّاني:أن يبهتها،أن جعل ذلك ليسترجعه منها.(1:466)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:يعني(بهتانا):ظلما كالظّلم بالبهتان، و قيل:بطلانا كبطلان البهتان.

الثّاني:(بهتانا)أي بأن تبهتوا أنّكم ملّكتموه، فتسترجعوه.[إلى أن قال:]

و نصب(بهتانا)على أنّه حال في موضع المصدر، و المعنى أ تأخذونه مباهتين و آثمين.(3:152)

الزّمخشريّ: و البهتان:أن تستقبل الرّجل بأمر قبيح تقذفه به و هو بريء منه،لأنّه يبهت عند ذلك،أي يتحيّر.

و انتصب(بهتانا)على الحال،أي باهتين و آثمين،أو على أنّه مفعول له و إن لم يكن غرضا،كقولك:قعد عن القتال جبنا.(1:514)

نحوه النّسفيّ.(1:216)

ابن عطيّة: البهتان:مصدر في موضع الحال، و معناه محيّرا لشنعته و قبح الأحدوثة.(2:29)

الطّبرسيّ: هذا استفهام إنكاريّ،أي تأخذونه باطلا و ظلما كالظّلم بالبهتان،و قيل:معناه أ تأخذونه بإنكار التّمليك.

و سمّاه(بهتانا)لأنّ الزّوج إذا أنكر تمليكه إيّاها بغير حقّ استوجب للمعطى لها في ظاهر الحكم،كان إنكاره بهتانا و كذبا.(2:25)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:البهتان في اللّغة:الكذب الّذي يواجه الإنسان به صاحبه على جهة المكابرة،و أصله من بهت الرّجل،إذا تحيّر،فالبهتان:كذب يحيّر الإنسان لعظمته،ثمّ جعل كلّ باطل يتحيّر من بطلانه بهتانا،و منه الحديث:«إذا واجهت أخاك بما ليس فيه فقد بهتّه».

المسألة الثّانية:في أنّه لم انتصب قوله:(بهتانا) وجوه:

الأوّل:[قول الزّجّاج:قد تقدّم]

الثّاني:[قول الزّمخشريّ: قد تقدّم]

الثّالث:انتصب بنزع الخافض،أي ببهتان.

الرّابع:فيه إضمار،تقديره:تصيبون به بهتانا و إثما.

المسألة الثّالثة:في تسمية هذا الأخذ بهتانا وجوه:

الأوّل:أنّه تعالى فرض لها ذلك المهر،فمن استردّه كان كأنّه يقول:ليس ذلك بفرض،فيكون بهتانا.

الثّاني:أنّه عند العقد تكفّل بتسليم ذلك المهر إليها، و أن لا يأخذه منها،فإذا أخذه صار ذلك القول الأوّل

ص: 868

بهتانا.

الثّالث:أنّا ذكرنا أنّه كان من دأبهم أنّهم إذا أرادوا تطليق الزّوجة رموها بفاحشة حتّى تخاف و تشتري نفسها منه بذلك المهر،فلمّا كان هذا الأمر واقعا على هذا الوجه في الأغلب الأكثر،جعل كأنّ أحدهما هو الآخر.

الرّابع:أنّه تعالى ذكر في الآية السّابقة:

وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ النّساء:19،و الظّاهر من حال المسلم أنّه لا يخالف أمر اللّه،فإذا أخذ منها شيئا أشعر ذلك بأنّها قد أتت بفاحشة مبيّنة،فإذا لم يكن الأمر كذلك في الحقيقة صحّ وصف ذلك الأخذ بأنّه بهتان،من حيث إنّه يدلّ على إتيانها بالفاحشة،مع أنّ الأمر ليس كذلك.

و فيه تقرير آخر:و هو أنّ أخذ المال طعن في ذاتها و أخذ لمالها،فهو بهتان من وجه و ظلم من وجه آخر، فكان ذلك معصية عظيمة من أمّهات الكبائر.

الخامس:أنّ عقاب البهتان و الإثم المبين كان معلوما عندهم،فقوله: أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً معناه أ تأخذون عقاب البهتان،فهو كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً... النّساء:

10.(10:14)

نحوه النّيسابوريّ(4:209)،و أبو حيّان(3:207).

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً و أخذ مهر المرأة ظلم و ليس ببهتان،لأنّ البهتان الكذب؟

قلنا:المراد بالبهتان الظّلم.و قال الزّجّاج:المراد به الباطل،و المشهور في كتب اللّغة:أنّ البهتان أن يقول الإنسان على غيره ما لم يفعله.

قالوا:فالمراد به أنّ الرّجل ربّما رمى امرأته بتهمة ليتوصّل بذلك إلى أن يأخذ منها مهرها و يفارقها.و قيل:

المراد به إنكاره أنّ لها مهرا في ذمّته.(مسائل الرّازيّ:44)

البيضاويّ: استفهام إنكار و توبيخ،أي أ تأخذونه باهتين و آثمين.و يحتمل النّصب على العلّة،كما في قولك:

«قعدت عن الحرب جبنا»لأنّ الأخذ بسبب بهتانهم و اقترافهم المآثم.

قيل:كان الرّجل منهم إذا أراد امرأة جديدة بهت الّتي تحته بفاحشة،حتّى يلجأها إلى الافتداء منه بما أعطاها،ليصرفه إلى تزوّج الجديدة،فنهوا عن ذلك.

و البهتان:الكذب الّذي يبهت المكذوب عليه،و قد يستعمل في الفعل الباطل،و لذلك فسّرها هنا بالظّلم.

(1:211)

نحوه أبو السّعود(2:115)،و البروسويّ(2:

183)،و الآلوسيّ(4:244)،و حسنين محمّد مخلوف (145).

رشيد رضا :أي أ تأخذون ذلك الشّيء باهتين إيّاها كاذبين عليها،بنسبة الفاحشة إليها؟[ثمّ بيّن معنى البهتان كما تقدّم في اللّغة](4:459)

نحوه المراغيّ.(4:215)

الطّباطبائيّ: و البهتان:ما بهت الإنسان،أي جعله متحيّرا.و يغلب استعماله في الكذب من القول، و هو في الأصل مصدر،و قد استعمل في الآية في الفعل الّذي هو الأخذ من المهر،و هو في الآية حال من الأخذ، و كذا قوله:(اثما).و الاستفهام إنكاريّ.(4:257)

ص: 869

2- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:112

الإمام الصّادق عليه السّلام:الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا قد ستره اللّه عليه،فأمّا إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول اللّه: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً.

(العروسيّ 1:549)

أبو عبيدة :أي ظلما.(1:120)

مثله ابن قتيبة.(122)

الطّبريّ: فقد تحمّل بفعله ذلك فرية و كذبا و إثما عظيما،يعني و جرما عظيما،على علم منه و عمد،لما أتى من معصيته و ذنبه.(5:274)

نحوه الطّوسيّ.(3:323)

الزّمخشريّ: لأنّه بكسب الإثم آثم،و برمي البريء باهت،فهو جامع بين الأمرين.(1:563)

ابن عطيّة: معناه كذبا على البريء،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إذا قلت في أخيك ما فيه ممّا يكره سماعه فقد اغتبته،فإن قلت ما ليس فيه فقد بهتّه»فرمي البريء بهت له،و نفس الخطيئة و الإثم إثم مبين،و معصية هذا الرّامي معصيتان.(2:111)

نحوه القرطبيّ.(5:381)

الطّبرسيّ: كذبا عظيما يتحيّر من عظمه.

(2:108)

الفخر الرّازيّ: فالبهتان أن ترمي أخاك بأمر منكر و هو بريء منه.

و اعلم أنّ صاحب البهتان مذموم في الدّنيا أشدّ الذّمّ،و معاقب في الآخرة أشدّ العقاب،فقوله: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً إشارة إلى ما يلحقه من الذّمّ العظيم في الدّنيا،و قوله:(اثما مبينا)إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة.(11:38)

النّسفيّ: كذبا عظيما(و اثما مبينا)ذنبا ظاهرا،و هذا لأنّه بكسب الإثم آثم و برمي البريء باهت،فهو جامع بين الأمرين،و البهتان:كذب يبهت من قيل عليه ما لا علم له به.(1:250)

نحوه البروسويّ.(2:281)

أبو حيّان: و معنى فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً أي برميه البريء،فإنّه يبهته بذلك(و اثما مبينا)أي ظاهرا لكسبه الخطيئة أو الإثم،و المعنى أنّه يستحقّ عقابين:عقاب الكسب و عقاب البهت.

و قدّم البهت لقربه من قوله: ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً و لأنّه ذنب أفظع من كسب الخطيئة أو الإثم.(3:346)

الآلوسيّ: و هو الكذب على الغير بما يبهت منه و يتحيّر عند سماعه لفظاعته،و قيل:هو الكذب الّذي يتحيّر في عظمه،و الماضي-بهت-كمنع،و يقال في المصدر:بهتا و بهتا و بهتا.(و اثما مبينا)أي بيّنا لا مرية فيه و لا خفاء،و هو صفة ل(اثما).

و قد اكتفى في بيان عظم البهتان بالتّنكير التّفخيميّ، على أنّ وصف الإثم بما ذكر بمنزلة وصف البهتان به، لأنّهما عبارة عن أمر واحد،هو رمي البريء بجناية نفسه.

و عبّر عنه بهما تهويلا لأمره و تفظيعا لحاله،فمدار العظم و الفخامة كون المرميّ به للرّامي،فإنّ رمي البريء بجناية ما-خطيئة كانت أو إثما-بهتان و إثم في نفسه.

ص: 870

أمّا كونه بهتانا فظاهر،و أمّا كونه إثما فلأنّ كون الذّنب بالنّسبة إلى من فعله خطيئة،لا يلزم منه كونه بالنّسبة إلى من نسبه إلى البريء منه أيضا كذلك،بل لا يجوز ذلك قطعا.

كيف لا،و هو كذب محرّم في سائر الأديان،فهو في نفسه بهتان و إثم لا محالة،و بكون تلك الجناية للرّامي يتضاعف ذلك شدّة و يزداد قبحا،لكن لا لانضمام جنايته المكسوبة إلى رمي البريء؛و إلاّ لكان الرّمي بغير جنايته مثله في العظم،و لا لمجرّد اشتماله على تبرئة نفسه الخاطئة؛و إلاّ لكان الرّمي بغير جنايته مع تبرئة نفسه مثله في العظم.بل لاشتماله على قصد تحميل جنايته على البريء،و إجراء عقوبتها عليه،كما ينيء عنه إيثار الاحتمال على الاكتساب و نحوه،لما فيه من الإيذان بانعكاس تقديره،مع ما فيه من الإشعار بثقل الوزر و صعوبة الأمر على ما يقتضيه ظاهر صيغة«الافتعال».

نعم،بما ذكر من انضمام كسبه و تبرئة نفسه إلى رمي البريء تزداد الجناية قبحا،لكن تلك الزّيادة وصف للمجموع لا للإثم فقط،كذا قاله شيخ الإسلام.

و لا يخفى أنّه أولى ممّا يفهم من ظاهر كلام «الكشّاف»من أنّ في التّنزيل لفّا و نشرا غير مرتّب؛ حيث قال إثر قوله تعالى:(فقد احتمل):لأنّه بكسبه الإثم آثم،و برميه البريء باهت،فهو جامع بين الأمرين لخلوّه عمّا يلزمه،و إن أجيب عنه،فافهم.(5:142)

الطّباطبائيّ: و في تسمية نسبة العمل السّيّئ إلى الغير رميا-و الرّمي يستعمل في مورد السّهم-و كذا في إطلاق الاحتمال على قبول وزر البهتان،استعارة لطيفة، كأنّ المفتري يفتك بالمتّهم البريء برميه بالسّهم، فيوجب له فتكه أن يتحمّل حملا يشغله عن كلّ خير مدى حياته،من غير أن يفارقه.(5:77)

3- وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً.

النّساء:156

ابن عبّاس: يعني أنّهم رموها بالزّنى.

نحوه جويبر و السّدّيّ.(الطّبريّ 6:12)

و نحوه الضّحّاك.(الطّوسيّ 3:381)

الإمام الصّادق عليه السّلام: يا علقمة إنّ رضا النّاس لا تملك و ألسنتهم لا تضبط،أ لم ينسبوا مريم ابنة عمران عليها السّلام أنّها حملت بعيسى من رجل نجّار اسمه يوسف؟(العروسيّ 1:569)

الطّبريّ: يعني بفريتهم عليها،و رميهم إيّاها بالزّنى،و هو البهتان العظيم،لأنّهم رموها بذلك،و هي ممّا رموها به-بغير ثبت و لا برهان-بريئة،فبهتوها بالباطل من القول.(6:12)

مثله الطّوسيّ.(3:381)

الزّجّاج: البهتان:الكذب الّذي يحيّر من شدّته و عظمه،و ذلك أنّ اليهود-لعنها اللّه-رمت مريم،و هي صفوة اللّه على نساء العالمين،بأمر عظيم.(2:128)

الزّمخشريّ: و البهتان العظيم:هو التّزنية.

(1:579)

ابن عطيّة: يعني رميهم إيّاها بالزّنى،مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى في المهد،و إلاّ فلو لا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من

ص: 871

غير ذكر.

و البهتان:مصدر،من قولك:بهته،إذا قابله بأمر مبهت يحار معه الذّهن،و هو رمي بباطل.(2:132)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّهم لمّا نسبوا مريم إلى الزّنى لإنكارهم قدرة اللّه تعالى على خلق الولد من دون الأب،و منكر قدرة اللّه على ذلك كافر،لأنّه يلزمه أن يقول:كلّ ولد ولد فهو مسبوق بوالد لا إلى أوّل؛و ذلك يوجب القول بقدم العالم و الدّهر،و القدح في وجود الصّانع المختار.

فالقوم لا شكّ أنّهم أوّلا:أنكروا قدرة اللّه تعالى على خلق الولد من دون الأب،و ثانيا:نسبوا مريم إلى الزّنى، فالمراد بقوله:(و بكفرهم)هو إنكارهم قدرة اللّه تعالى، و بقوله: وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً نسبتهم إيّاها إلى الزّنى.

و لمّا حصل التّغيّر لا جرم حسن العطف،و إنّما صار هذا الطّعن بهتانا عظيما،لأنّه ظهر عند ولادة عيسى عليه السّلام من الكرامات و المعجزات ما دلّ على براءتها من كلّ عيب،نحو قوله: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا مريم:25،و نحو كلام عيسى عليه السّلام حال كونه طفلا منفصلا عن أمّه،فإنّ كلّ ذلك دلائل قاطعة على براءة مريم عليها السّلام من كلّ ريبة.

فلا جرم وصف اللّه تعالى طعن اليهود فيها بأنّه بهتان عظيم.(11:98)

نحوه النّيسابوريّ.(6:13)

القرطبيّ: و البهتان العظيم:رميها بيوسف النّجّار، و كان من الصّالحين منهم.و البهتان:الكذب المفرط الّذي يتعجّب منه.(6:8)

أبو حيّان: [ذكر كلام ابن عطيّة و أضاف:]

و وصف بالعظم لأنّهم تمادوا عليه بعد ظهور الآية، و قيام المعجزة بالبراءة.و قد جاءت تسمية الرّمي بذلك بهتانا عظيما في قوله: سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ النّور:16.(3:389)

البروسويّ: يعني نسبتها إلى الزّنى،و(بهتانا) منصوب على أنّه مفعول به،نحو:قال شعرا،أو على المصدر الدّالّ على النّوع نحو:جلست جلسة،فإنّ القول قد يكون بهتانا و غير بهتان.(2:317)

نحوه الآلوسيّ.(6:10)

رشيد رضا :و هو قذفها بالفاحشة.و البهتان:

الكذب الّذي يبهت من يقال فيه،أي يدهشه و يحيّره لبعده عنه،و غرابته عنده.يقال:قال فلان:البهتان، و قوله البهتان،و قال الزّور،و في حديث الكبائر:«ألا و قول الزّور،ألا و شهادة الزّور»،كما يقال في مقابله:

قال الحقّ،قوله الحقّ.

و وصف البهتان بالعظيم،و أيّ بهتان تبهت به العذراء التّقيّة النّقيّة أعظم من هذا؟أي فهذا الكفر و البهتان من أسباب ما حلّ بهم من غضب اللّه و لعنته.

(6:17)

الطّباطبائيّ: و هو قذفها عليها السّلام في ولادة عيسى بالزّنى،و هو كفر و بهتان معا،و قد كلّمهم عيسى في أوّل ولادته،و قال: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا مريم:30.(5:132)

ص: 872

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البهت،أي الكذب و الباطل،يقال:بهتّ الرّجل أبهته بهتا و بهتا و بهتانا،أي واجهته بالكذب عليه،فأنا بهّات و هو مبهوت،و كذا باهته.و بهت الرّجل يبهت،و بهت يبهت،و بهت يبهت:دهش و تحيّر من رؤية شيء أو استيلاء حجّة،إذ هما كالحيرة للمواجهة بالكذب.

و البهيتة:الكذب،يقال:يا للبهيتة،عند الاستغاثة، أو استعظام أمر،و مثله البهت و البهت.

2-و البهت:حساب من حساب النّجوم،و هو مسيرها المستوي في يوم،و ليس عربيّا كما ذهب إليه الأزهريّ،و عدّه صاحب«كشّاف اصطلاحات الفنون و العلوم»لفظا هنديّا،و أصله في الهنديّة«بهت»بضمّ الباء،و يعني عندهم الكثير.

و أمّا البهت فلا نعلم أصله و فصله،فقد اكتفى من تكلّم فيه من المتقدّمين بالقول:حجر معروف،و حذا حذوهم المتأخّرون حذو القذّة بالقذّة،يقلّدونهم على غير هدى،و منهم الفيروزآباديّ و الزّبيديّ،فقالا أيضا دون أن يفصحا عن ماهيّته:حجر معروف.

3-و يعتقد«آرثرجفري»أنّ«البهتان»سريانيّ الأصل،و هو بعيد،لأنّ هؤلاء المستشرقين يصرّون دائما على اعتبار الكثير من ألفاظ العربيّة،مقتبسة من سائر اللّغات السّاميّة،و العرب قوم لا لغة لهم و لا تراث، فلا يزال دأبهم هذا،ينتظرون العورة ليخترموها، و يحاولون العثرة ليتعجّلوها.

الاستعمال القرآنيّ

جاء فيها(8)آيات:

1- قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ البقرة:258

2- بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ الأنبياء:40

3- وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ النّور:16

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الممتحنة:12

5- وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:20

6- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112

7- وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً النّساء:156

8- وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً

الأحزاب:58

يلاحظ أوّلا:مجيء الفعل مرّتين:ماضيا مجهولا في (1)،و مضارعا معلوما في(2)،و كلاهما بمعنى الحيرة،أمّا

ص: 873

السّتّ الباقية فمصدر على وزن«فعلان»بمعنى الكذب و الافتراء الّذين يوجبان حيرة من افتري عليه.

ثانيا:أنّ القراءة المشهورة في(1)هي(بهت) مجهولا،و قرئ معلوما بتثليث العين:(بهت)و«بهت» و«بهت»،و الفعلان الأخيران لازمان،فيرجع إلى معنى المجهول،إلاّ أنّ(الّذى كفر)فاعل،و على المجهول نائب فاعل.أمّا«بهت»بفتح الهاء فمتعدّ،و يرجع ضمير الفاعل إلى«إبراهيم»،و(الّذى كفر)مفعوله.

ثالثا:البهت و الحيرة في(1)من أجل استحكام الحجّة الّتي أقامها إبراهيم على من حاجّه،حيث ألقمه حجرا و أقطعه بالحجّة.أمّا في(2)فمن أجل مجيء اليوم الموعود،و ما فيه من الصّعوبات و الشّدائد بغتة، فلا يستطيعون ردّها و لا هم ينظرون.و هما مشتركتان في ظهورهما صارما و قاطعا و بغتة،و من حيث لا ينتظر، فشدّة العذاب في الآخرة كشدّة انقطاع الحجّة في الدّنيا.

رابعا:جاء في(3)و(7)قوله: بُهْتاناً عَظِيماً حول اتّهام المرأة البريئة بالزّنى،أي زوج النّبيّ في(3)، و مريم العذراء في(7)،و أيّ بهتان أعظم منه.

و الّذي يلفت النّظر هو وحدة التّعبير فيهما،فكلاهما سيّان في عظمة الافتراء و هوله،لأنّ مريم قدّيسة،قد اصطفاها اللّه و فضّلها على نساء العالمين،و الأخرى زوج سيّد الرّسل الّذي أرسله رحمة للعالمين.

خامسا:جاء في(4)حول المؤمنات اللاّتي بايعن النّبيّ يوم فتح مكّة: وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ. و المراد بالبهتان هنا:الولد الّذي ولدنه من غير أزواجهنّ،فيدّعين أنّه منهم افتراء،و هذا من إطلاق المصدر على الاسم.

و فيه وجهان آخران:

أحدهما:حكي عن الفرّاء قوله:«كانت امرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها:هذا ولدي منك،فذلك البهتان المفترى بين أيديهنّ و أرجلهنّ،و ذلك أنّ الولد إذا وضعته الأمّ سقط بين يديها و رجليها».و قد نفي الوجه الأوّل،لأنّه قد تقدّم النّهي عن الزّنى في قوله:

(و لا يزنين)،فلا ينبغي تكراره.

و الثّاني:قذف المحصنات و الكذب على النّاس، و هذا لا يمتّ بصلة إلى قوله: بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ، و الوجه ما قلناه أوّلا،لاحظ مجمع البيان(5:276)، فهذه الآية تعود بنوع من افتراء الزّنى أيضا،لكن دون نسبته إلى مريم و إلى زوج النّبيّ عليهما السّلام،فلم يتّصف ب(عظيم).

سادسا:جاء في(5)و(6)و(8)قوله: بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً، فقورن فيها(بهتانا)ب(اثما مبينا)،و هذا تأكيد على شناعة هذا البهتان بأنّه إثم مبين.و البهتان- كما سبق-هو الكذب و الافتراء الّذي يحيّر المفترى عليه.و هذا المعنى ظاهر في(6)؛حيث قال: ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً، أي يرميه بما كسبه من الخطيئة أو الإثم،أو يكسبه-كما في مجمع البيان(2:108)-إنسانا بريئا، فهذا بهتان،لأنّه عمل سوء رمى به بريئا،و هذا إثم مبين،لأنّه كان في نفسه إثما،فإذا رمى به بريئا،يتبدّل إثما مبينا.

أمّا البهتان في(5)و(8)فليس بهذا الوضوح،لعدم التّصريح فيهما بالافتراء على الغير و رميه بالسّوء.

ص: 874

و أحسن ما ذكره الفخر الرّازيّ(10:14)في(5)من الوجوه الخمسة،أنّه كان من دأبهم أنّهم إذا أرادوا تطليق الزّوجة رموها بفاحشة حتّى تخاف،و تشتري نفسها منه بذلك المهر.

و قريب منه وجه آخر قد ذكره،و هو أنّه تعالى ذكر في الآية السّابقة: وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ النّساء:19، و الظّاهر من حال المسلم أنّه لا يخالف أمر اللّه،فإذا أخذ منها شيئا أشعر ذلك بأنّها قد أتت بفاحشة مبيّنة،فإذا لم يكن كذلك في الحقيقة صحّ وصف ذلك الأخذ بأنّه بهتان.

و أمّا في(8)فإيذاء المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا يشعر بإيذائهم بنسبة أمر قبيح إليهم لم يكتسبوه.و لم نقف في التّفاسير على من تنبّه لهذه النّكتة المستفادة من قوله: بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا.

و يؤيّده ما عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عبد اللّه بن أبيّ و ناس معه قذفوا عائشة،فخطب النّبيّ و قال:«من يعذرني من رجل يؤذيني و يجمع في بيته من يؤذيني»، لاحظ روح المعاني(22:88).و عليه فهذه الآية نظير ما قبلها في البهتان بالزّنى،و هو إثم مبين.

ص: 875

ص: 876

ب ه ج

اشارة

لفظان،3 مرّات:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

في 3 سور:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

بهجة 1:1 بهيج 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :البهجة:حسن لون الشّيء،و نضارته.

و رجل بهج،أي مبتهج بأمر يسرّه،و المرأة بالهاء، و قد بهجت بهجة و هي مبهاج،قد غلبت عليها البهجة.

و قد تباهج الرّوض،إذا كثر النّور.[ثمّ استشهد بشعر](3:394)

أبو زيد: بهيج:حسن،و قد بهج بهاجة و بهجة.

(الأزهريّ 6:65)

الأصمعيّ: باهجت الرّجل و باهيته و بازجته و باريته،بمعنى واحد.(الأزهريّ 6:65)

المبرّد: [البهيج]:الشّيء المشرق الجميل.

(الفخر الرّازيّ 23:9)

ابن دريد :للبهجة موضعان:فمنهما أن تقول:هذا شيء ليس عليه بهجة،أي ليس عليه طلاوة،و منهما أبهجني هذا الأمر و بهجني،إذا سرّك،و أبهجني أكثر و أعلى.

و رجل ذو بهجة،أي ذو جمال.و أمر بهيج:حسن.

(1:215)

السّجستانيّ: بهيج،أي حسن يبهج من يراه،أي يسرّه،و البهجة:الحسن،و البهجة:السّرور أيضا.

(49)

الجوهريّ: البهجة:الحسن،يقال:رجل ذو بهجة، و قد بهج بالضّمّ بهاجة فهو بهيج،قال اللّه تعالى: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ الحجّ:5 و ق:7.

و بهج به بالكسر،أي فرح به و سرّ،فهو بهج و بهيج.[ثمّ استشهد بشعر]

و بهجني هذا الأمر بالفتح،و أبهجني،إذا سرّك.

و أبهجت الأرض:بهج نباتها.

ص: 877

و الابتهاج:السّرور.(1:300)

ابن فارس: الباء و الهاء و الجيم أصل واحد،و هو السّرور و النّضرة.يقال:نبات بهيج،أي ناضر حسن، قال اللّه تعالى: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ق:7.

و الابتهاج:السّرور،من ذلك أيضا.(1:308)

أبو هلال :الفرق بين الحسن و البهجة:أنّ البهجة حسن يفرح به القلب.

و أصل البهجة:السّرور،و رجل بهج و بهيج:

مسرور،و ابتهج،إذا سرّ.ثمّ سمّي الحسن الّذي يبهج القلب:بهجة،و قد يسمّى الشّيء باسم سببه.

و البهجة عند الخليل :حسن لون الشّيء و نضارته.

قال:و يقال:رجل بهج،أي مبتهج بأمر يسرّه،فأشار إلى ما قلناه.(216)

الهرويّ: قوله تعالى: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ الحجّ:5 و ق:7،أي صنف حسن.

و منه قوله: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ النّمل:60،أي ذات حسن،يقال:بهيج،و باهج.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:223)

ابن سيدة :البهجة،حسن لون الشّيء و نضارته.

و قيل:هو في النّبات النّضارة،و في الإنسان ضحك أسارير الوجه،أو ظهور الفرح البتّة،بهج بهجا فهو بهج، و بهج بهجة و بهاجة و بهجانا فهو بهيج.[ثمّ استشهد بشعر]

و بهج النّبات فهو بهيج:حسن.

و أبهجت الأرض:بهج نباتها.

و تباهج النّوّار:تضاحك.

و بهج بالشّيء و له،بهاجة،و ابتهج:سرّ به.

و بهجني الشّيء و أبهجني-و هي بالألف أعلى-:

سرّني.

و رجل بهج:مبتهج مسرور.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة بهجة و مبهاج:غلب عليها الحسن.[ثمّ استشهد بشعر](4:174)

البهجة:الجمال و الحسن.بهج الشّيء بهاجة و بهج و يبهج بهجا و بهجة:حسن و نضر.

و بهّج الشّيء:حسّنه و جمّله.و باهج فلانا:باراه في الحسن و باهاه.

و تباهج الرّوض:كثر نوره و حسن.و ابهجت الأرض:حسن نباتها.(الإفصاح 1:123)

الرّاغب: البهجة:حسن اللّون،و ظهور السّرور، و فيه قال عزّ و جلّ: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ النّمل:

60،و قد بهج فهو بهيج،قال: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ق:7،و يقال:بهج.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا يجيء منه بهوج،و قد ابتهج بكذا،أي سرّ به سرورا،بان أثره على وجهه،و أبهجه كذا.(63)

الزّمخشريّ: نبات بهيج،و روضة ذات بهجة:

و هي الحسن و النّضارة.

و أبهجه الأمر:سرّه،فبهج به و ابتهج،و هو بهج به و مبتهج.[ثمّ استشهد بشعر]

و جئتهم فتباهشوا إليّ،و تباهجوا بي.و أبهجت الأرض:بهج نباتها.

و امرأة مبهاج:ذات بهجة غالبة،و نساء مباهيج.

[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 878

و باهجه مباهجة،إذا باهاه.

و من المجاز:رأيت ناقة لها سنام مبهاج،و نوقا لها أسنمة مباهيج،أي سمان،لأنّ البهجة من السّمن.

(أساس البلاغة:32)

ابن الأثير: في حديث الجنّة:«فإذا رأى الجنّة و بهجتها»أي حسنها،و ما فيها من النّعيم.يقال:بهج الشّيء يبهج فهو بهيج،و بهج به بالكسر،إذا فرح و سرّ.(1:165)

الصّغانيّ: امرأة مبهاج على وزن«معطار»:الّتي غلبت عليها البهجة،و نسوة مباهيج.[ثمّ استشهد بشعر]

و تباهج الرّوض،إذا كثر نوره.[ثمّ استشهد بشعر]

و بهّج اللّه وجهه تبهيجا،أي حسّنه.

و باهجت الرّجل:باهيته.و استبهج الرّجل:

استبشر.[ثمّ استشهد بشعر]

المبهاج من الأسنمة:السّمينة.

و المباهجة:المباراة.(1:403)

الرّازيّ: البهجة:الحسن،و بابه«ظرف»فهو بهيج.و بهج به:فرح و سرّ،و بابه«طرب»فهو بهج بكسر الهاء،و بهيج أيضا.و بهجه الأمر،من باب «قطع».و أبهجه،أي سرّه.و الابتهاج:السّرور.(80)

نحوه الفيّوميّ(1:63)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:

82)،و مجمع اللّغة(1:132).

الفيروزآباديّ: البهجة:الحسن،بهج ككرم بهاجة،فهو بهيج،و هي مبهاج.

و كخجل:فرح فهو بهيج و بهج.و كمنع:أفرح و سرّ كأبهج.و الابتهاج:السّرور.

و تباهج الرّوض:كثر نوره.

و التّبهيج:التّحسين.

و باهجه:باراه و باهاه.

و استبهج:استبشر.

و المبهاج:السّمينة من الأسنمة.

و أبهجت الأرض:بهج نباتها.(1:186)

الطّريحيّ: و البهجة:السّرور،و منه الدّعاء:

«و بهجة لا تشبه بهجات الدّنيا»أي مسرّة لا تشبه مسرّات الدّنيا.

و فيه:«سبحان ذي البهجة و الجمال»يعني الجليل تعالى.

قيل:البهجة و البهيج و السّرور و الحبور و الجذل و الفرح و الارتياح نظائر.(2:279)

المصطفويّ: البهجة:عبارة عن نضرة و حسن مخصوص يوجب السّرور و الفرح.و بهذه القيود يعلم الفرق بين«البهجة»و بين هذه الكلمات.(1:329)

النّصوص التّفسيريّة

بهجة

...فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ... النّمل:60

مجاهد :البهجة:الفقّاح ممّا يأكل النّاس و الأنعام.

(الطّبريّ 20:3)

ابن قتيبة :ذات حسن.(326)

نحوه ابن أبي اليمان.(241)

ص: 879

الطّبريّ: ذات منظر حسن.و قيل:(ذات) بالتّوحيد،و قد قيل:حدائق،كما قال: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الأعراف:180.(20:3)

الميبديّ: أي ذات زينة و حسن،فكلّ موضع ذي أشجار مثمرة محاط عليه،فهو حديقة،و كلّ ما يسرّ منظره فهو بهجة.(7:240)

نحوه البروسويّ.(6:361)

البغويّ: (بهجة)أي منظر حسن،و البهجة:

الحسن يبتهج به من يراه.(3:510)

مثله الخازن(5:127)،و الطّنطاويّ(31:228)، و نحوه الآلوسيّ(20:4)،و الطّباطبائيّ(14:345)، و مكارم الشّيرازيّ(12:100).

الطّبرسيّ: أي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه، و لم يقل:ذوات بهجة،لأنّه أراد تأنيث الجماعة،و لو أراد تأنيث الأعيان لقال:ذوات.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:229)

نحوه النّيسابوريّ.(20:8)

المصطفويّ: أي نضرة و حسن موجب للفرح.

(1:329)

بهيج

...وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. الحجّ:5

ابن عبّاس: حسن.(الإتقان 2:30)

مثله قتادة.(الطّبريّ 17:120)

ابن قتيبة :أي من كلّ جنس حسن،يبهج،أي يشرح.و هو«فعيل»في معنى«فاعل»،يقال:امرأة ذات خلق باهج.(290)

الطّبريّ: يعني بالبهيج:البهج،و هو الحسن.

(17:119)

الأزهريّ: أي كلّ ضرب من النّبات حسن ناضر.

(6:64)

الطّوسيّ: الحسن الصّورة،الّذي يمتّع في الرّؤية.

(7:93)

نحوه البغويّ(3:325)،و الزّمخشريّ(3:6).

الطّبرسيّ: مؤنق للعين،حسن الصّورة و اللّون.

(4:72)

البيضاويّ: حسن رائق.(2:86)

الخازن :يعني من كلّ صنف حسن نضير،و البهيج هو المبهج،و هو الشّيء المشرق الجميل.(5:4)

أبو حيّان:أي رائق للعين حسن المنظر.

(النّهر المادّ 6:349)

نحوه الكاشانيّ(3:364)،و القاسميّ(12:

4325)،و الآلوسيّ(17:119).

البروسويّ: البهجة:حسن اللّون،و ظهور السّرور فيه،و ابتهج بكذا سرورا:بان أثره في وجهه، و المعنى:حسن رائق،يسرّ ناظره.(6:8)

المصطفويّ: أي من كلّ صنف ناضر و حسن.

(1:329)

و بهذا المعنى جاءت الآية: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ق:7.

ص: 880

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البهجة،و هي حسن لون الشّيء و نضارته،و لا سيّما النّبات،يقال:بهج النّبات بهجة و بهاجة،فهو بهيج و باهج،و في الحديث:«فإذا رأى الجنّة و بهجتها»،أي حسنها.و تباهج الرّوض:كثر نوره،و تباهج النّوّار:تضاحك،أي تفتّح،و أبهجت الأرض:بهج نباتها،و هذا شيء ليس عليه بهجة،أي ليس عليه طلاوة.

ثمّ استعملت«البهجة»في النّاس بمعنى الحسن و النّضارة أيضا،و بمعنى الفرح و السّرور؛فمن الأوّل يقال:رجل ذو بهجة،أي ذو جمال و حسن،و قد بهج بهاجة فهو بهيج،و البهيج:الشّيخ المشرق الجميل، و امرأة بهجة و مبهاج:غلب عليها الحسن.

و يقال من الثّاني:رجل بهج،أي مستبهج بأمر يسرّه،و قد بهج بهجا،و بهج بالشّيء و له بهجا و بهاجة، فهو بهج و بهيج،و استبهج:استبشر.و امرأة بهجة:

مبتهجة،و قد بهجت بهجة و هي مبهاج،و قد غلبت عليها البهجة.

و منه أيضا:أمر بهيج،أي حسن،و بهجني هذا الأمر و أبهجني:سرّني.

2-و حكى الأصمعيّ قولهم:«باهجت الرّجل و باهيته و بازجته و باريته،بمعنى واحد»،و هو من البهاء بمعنى الحسن أيضا،يقال منه:باهاني فبهوته و بهيته،أي صرت أبهى منه،و المباهاة:المفاخرة،فأصل باهجته هو باهيته؛إذ قلب الياء جيما لغة معروفة عند«فقيم»،فهم يقولون في العشيّ:العشج،و في حجّتي:حجّتج.

و قال ابن فارس:«تجعل«الياء»جيما في النّسب، يقولون:غلامج،أي غلامي،و كذلك الياء المشدّدة تحوّل جيما في النّسب،يقولون:بصرجّ و كوفجّ»،يريدون بصريّ و كوفيّ،و هي من اللّغات المرغوب عنها، و تسمّى العجعجة،و اشتهر بها بنو قضاعة.

أمّا العكس-أي قلب الجيم ياء فقد عدّه الجوهريّ لغة،فقال في(ص ه ر):«الصّهريّ:لغة في الصّهريج، و هو كالحوض».و لا تزال هذه اللّغة شائعة إلى يومنا هذا في محافظة خوزستان من بلاد فارس،و في بعض بلدان الخليج.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها ثلاث آيات:

1- أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ

النّمل:60

2- ...وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ

الحجّ:5

3- وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ق:7

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات كلّها مكّيّة،بناء على عدّ سورة الحجّ مكّيّة،و قد بسطنا الكلام حولها في«المدخل» فكانت«البهجة»تستعمل في مكّة حسرة على فقد الخضرة و الأشجار أو قلّتها فيها.فبهجة الحدائق

ص: 881

و النّبات فيها كانت معدومة أو قليلة الوجود،فيتحسّر عليها أهلها،و يتمنّون الوصول إليها.

ثانيا:انحصرت«البهجة»فيها بالنّباتات،فالأولى بالحدائق،و الأخيرتان بالخضرة و الزّرع،فيبدو أنّها كانت خاصّة بها دون غيرها من الوجوه الحسنة و المناظر الفاتنة.

ثالثا:جمع في(1)بين السّماوات و الأرض ككثير من الآيات،لاحظ«أرض».ثمّ رتّب عليه إنزال الماء من السّماء و إنبات الأرض به.أمّا في(2)و(3)فلم يذكر السّماء،و اكتفى بذكر الأرض و الإنبات،إلاّ أنّه مفهوم من السّياق،و لا سيّما في(2)؛حيث صرّح بإنزال الماء، فتتداعى السّماء،و في(3)بالإنبات فتتداعى به السّماء و الماء معا.

رابعا:جاءت«الرّاسيات»في(3)بدل الماء و السّماء،و هي الجبال،و لها علاقة بالنّبات،لأنّها مجاري الماء من ذروتها إلى سفحها،فتكوّن الأنهار.و هي مخازن الماء،فتكوّن الينابيع الّتي ينبع ماؤها من تحتها.و مثلها وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها* وَ الْجِبالَ أَرْساها النّازعات:30-32.

خامسا:جاء في(2)و(3)قوله: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، فأعلن اللّه أنّ النّباتات أزواج،و قد كشفه العلم الحديث.

سادسا:أكّد اللّه تعالى فيها«الإنبات»أربع مرّات:

مرّتين-في(1)و(3)-بلفظ(انبتنا)،مشيرا إلى عظم عمليّة الإنبات؛حيث عبّر عنه بلفظ الجمع،و أنّه في نفس الواقع فعل اللّه،مثل كلّ أثر يترتّب على مؤثّره.

و مرّة-في(2)-بلفظ(انبتت)،تعبيرا بما يراه النّاس من آثار الطّبيعة،مشيرا إلى حركة الطّبيعة و ما فيها من الفعل و الانفعال،فقال: اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.

و مرّة-في(1)-نفي«الإنبات»أن يكون من فعل النّاس،فقال: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها، لاحظ (زوج)و(ن ب ت)و(ر س و)و(ه ز ز)و(ر ب و).

ص: 882

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية:ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس، بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:

حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيدة:عليّ(458)

المحكم،ط:مصر.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة، بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

ص: 883


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة، بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:

المكتبة العلميّة،القاهرة.

ابن قيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:

المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر، بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف، الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني، القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ، القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة، بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(244)

غريب الحديث،ط:دار الكتب، بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر، مصر.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة، بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي، قم.

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق، بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:

انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:آفتاب،طهران.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة، بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:التّجاريّة، مصر.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

ص: 884

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم، بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير،طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ، قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو، طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب، بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:

المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم، بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة، طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر) التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب، مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ، جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب، مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:

الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر، بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة، مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة، مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر، دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة، بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب، بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة، بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-و فعلت و أفعلت،ط:

التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب، القاهرة.

ص: 885

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة، بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة، بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر، بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب، بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:

إسرائيل.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:

الكلّيّات،القاهرة.

سيبويه:عمرو

الكتاب،ط:عالم الكتب، بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت،

3-تفسير الجلالين،ط:

مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

الشّبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين، الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة، بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي، قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة، طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب، القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب، بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ، قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة، طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:

الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:

المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

الطّنطاويّ:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ، مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،

ص: 886

بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب، بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم، بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر، بيروت.

عبد اللّطيف بغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد، القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر) التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:

ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة، طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن، القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثّقافة و الإرشاد الإسلامي، طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو، طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب، قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة، القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:

الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

ص: 887

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب، بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف، بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان، طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنيّة

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:

دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:

الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:

الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان، طهران.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة، طهران.

معرفت:محمّد هادى(معاصر)

التّفسير و المفسرون،ط:

الجامعة الرّضوية،مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير، طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن، ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب، بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى، علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة، بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:

مطبعة الإميريكيّ،بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:

جهان،طهران.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 888

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان(200)

إبراهيم التّميميّ(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم(153)

ابن أبي نجيح:يسار(131)

ابن إسحاق:محمّد(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد(231)

ابن أنس:مالك(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد(728)

ابن جريج:عبد الملك(150)

ابن جنّيّ:عثمان(392)

ابن الحاجب:عثمان(646)

ابن حبيب:محمّد(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:..(؟)

ابن خروف:عليّ(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن(182)

ابن سميقع:محمّد(؟)

ابن سيرين:محمّد(110)

ابن سينا:عليّ(428)

ابن الشّخّير:مطرّف(542)

ابن شريح:..(؟)

ابن شميّل:نضر(203)

ابن الشّيخ:..(؟)

ابن عادل(؟)

ابن عامر:عبد اللّه(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه(68)

ابن عبد الملك:محمّد(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل(131)

ابن عقيل:عبد اللّه(769)

ابن عمر:عبد اللّه(73)

ابن عيّاش:محمّد(193)

ابن عيينة:سفيان(198)

ابن فورك:محمّد(406)

ابن كثير:عبد اللّه(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد(117)

ابن الكلبيّ:هشام(204)

ابن كمال باشا:أحمد(940)

ص: 889

ابن كمّونة:سعد(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد(273)

ابن مالك:محمّد(672)

ابن مجاهد:أحمد(324)

ابن محيصن:محمّد(123)

ابن مسعود:عبد اللّه(32)

ابن المسيّب:سعيد(94)

ابن ملك:عبد اللطيف(801)

ابن المنير:عبد الواحد(733)

ابن نحّاس:محمّد(698)

ابن هانئ:..(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود(316)

ابن الورديّ:عمر(749)

ابن وهب:عبد اللّه(197)

ابن يسعون:يوسف(542)

ابن يعيش:عليّ(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد(366)

أبو بكر الأصمّ:....(201)

أبو الجزال الأعرابي(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد(132)

أبو الحسن الصّائغ(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت(150)

أبو حنيفة:نعمان(150)

أبو حيوة:شريح(203)

أبو داود:سليمان(275)

أبو الدّرداء:عويمر(32)

أبو دقيش:..(؟)

أبو ذرّ:جندب(32)

أبو روق:عطيّة(؟)

أبو زياد:عبد اللّه(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد(285)

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن(215)

أبو السّمال:قعنب(؟)

أبو شريح الخزاعيّ(؟)

أبو صالح(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ(؟)أبو العالية:رفيع(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه(74)

أبو عبد اللّه:محمّد(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح(225)

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق(206)

أبو الفضل الرّازيّ(؟)

أبو قلابة:..(104)

أبو مالك:عمرو(؟)

أبو المتوكّل:عليّ(؟)

أبو مجلز:لاحق(؟)

أبو محلّم:محمّد(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد(322)

أبو منذر السّلاّم:..(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن(59)

أبو الهيثم:..(276)

أبو يزيد المدنيّ:..(؟)

أبو يعلى:أحمد(307)

أبو يوسف:يعقوب(182)

أبيّ بن كعب(21)

أحمد بن حنبل(24)

الأحمر:عليّ(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد(177)

إسحاق بن بشير(206)

الأسديّ(؟)

إسماعيل بن قاضي(؟)

الأصمّ:محمّد(346)

الأعشى:ميمون(148)

ص: 890

الأعمش:سليمان(148)

إلياس:..(؟)

أنس بن مالك(93)

الأمويّ:سعيد(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن(446)

الباقلاّنيّ:محمّد(403)

البخاريّ:محمّد(256)

براء بن عازب(71)

البرجيّ:عليّ(؟)

البرجميّ:ضابئ(؟)

البقليّ(؟)

البلخيّ:عبد اللّه(319)

البلّوطيّ:منذر(355)

بوست:جورج إدورد(1327)

التّرمذيّ:محمّد(279)

ثابت البنانيّ(127)

الثّعلبيّ:أحمد(427)

الثّوريّ:سفيان(161)

جابر بن زيد(93)

الجبّائيّ:محمّد(303)

الجحدريّ:كامل(231)

جمال الدّين الأفغانيّ(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد(297)

جهرم بن صفوان(128)

الحارث بن ظالم(22 ق)

الحدّاديّ:....(؟)

الحرّانيّ:محمّد(560)

الحسن بن يسار(110)

حسن بن حيّ(؟)

حسن بن زياد(204)

حسين بن فضل(548)

حفص:بن عمر(246)

حمّاد بن سلمة(167)

حمزة القارئ(156)

حميد:ابن قيس(؟)

الحوفيّ:عليّ(430)

خصيف:..(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه(466)

خلف القارئ(299)

الخويّيّ:محمّد(693)

الخياليّ:أحمد(862)

الدّقّاق(؟)

الدّمامينيّ:محمّد(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوريّ:أحمد(282)

الرّبيع بن أنس(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ(686)

الرّمّانيّ:عليّ(384)

رويس:محمّد(238)

الزّناتيّ(؟)

الزّبير:بن بكّار(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم(136)

زيد بن ثابت(45)

زيد بن عليّ(122)

السّدّيّ:إسماعيل(128)

سعد بن أبي وقّاص(55)

سعد المفتيّ(؟)

سعيد بن جبير(95)

سعيد بن عبد العزيز(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه(74)

السّلميّ:محمّد(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ(170)

سليمان بن موسى(119)

سليمان التّيميّ(؟)

السّمين:أحمد(756)

سهل التّستريّ.(284)

السّيرافيّ:حسن(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد(204)

الشّبليّ:دلف(334)

الشّعبيّ:عامر(103)

ص: 891

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.