المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 5

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

سماحة آية الله الأستاذ محمد واعظ زاده الخراسانی وزملائه محققی کتاب

المعجم في فقه لغة القرآن و سر بلاغته» المحترمين

إن المفكرين من ذوي العلم والمعرفة هم الأصحاب الحقيقيون للدولة الخالدة في مضمار الثقافة، وهم رواد الفكر والحرية. ومايتألق اليوم في سماء تاريخنا الإسلامي والإيراني يشرق من هذه الكواكب الخالدة

أيها الأعزاء، يا من سلاحكم القلم، وأصرتكم الدليل و المنطق، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في موقعها الوطيد و صرحها الشديد لتنظر إليكم نظرة أمل ورجاء أكثر من ذي قبل.

وإن هذا النظام الذي تعد فيه الثقافة أبرز صورة لكيانه، يعتبر الجد في مجال الكتابة والتأليف والتحقيق أجلى مثال للإنسانية و أسمى أمد للمفاخرة عند التواجد في ميدان المساهمة الجماعية.

وأنا بدوري أعرب عن شكركم باسم شعب إيران، أنتم الذين أبدعتم أثرا نفيا، وأرجو بجهدكم الجاهد يا أرباب الفكر والثقافة أن تبزغ شمس الفكر والثقافة الساطعة في سماء هذه الأرض دائما وأبدا.

السيد محمد الخاتمی

رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية

ص: 7

ص: 8

المحتويات

المقدّمة 11

ب د ن 13

ب د و 31

ب ذ ر 71

ب ر أ 83

ب ر ج 123

ب ر ح 151

ب ر د 171

ب ر ر 201

ب ر ز 281

ب ر ز خ 299

ب ر ص 309

ب ر ق 317

ب ر ك 351

ب ر م 419

ب ر ه ن 433

ب ز غ 453

ب س ر 459

ب س س 471

ب س ط 483

ب س ق 513

ب س ل 519

ب س م 531

ب ش ر 535

ب ص ر 639

ب ص ل 753

ب ض ع 757

ب ط أ 779

ب ط ر 789

ب ط ش 799

ب ط ل 811

الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة 883

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 889

ص: 9

ص: 10

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.

ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد الخامس من موسوعتنا القرآنيّة:

«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.

و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(30)مفردة قرآنيّة من حرف الباء،ابتداء من (ب د ن)و انتهاء ب(ب ط ل)،و أوسع الكلمات فيه بحثا و تنقيبا هي(ب ص ر).

نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا على استمرار العمل إلى آخر المطاف،إنّه خير ظهير،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 11

ص: 12

ادامة حرف الباء

ب د ن

اشارة

لفظان،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

ببدنك 1:1 البدن 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البدن من الجسد:ما سوى الشّوى و الرّأس.

و البدن:شبه درع إلاّ أنّه قصير قدر ما يكون على الجسد،قصير الكمّين.و يجمع على أبدان،و قال اللّه جلّ و عزّ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يونس:92.

و بدن الرّجل:صار بدينا فهو مبدن،و رجل بادن و مبدّن و امرأة مبدّنة،أي سمينان جسيمان.و بدّن تبدينا، أي أسنّ.

و البدنة:ناقة أو بقرة،الذّكر و الأنثى فيه سواء، يهدى إلى مكّة،و الجميع:البدن.(8:51)

اللّيث: رجل بادن و مبدّن و امرأة مبدّنة،و هما السّمينان،و المبدّن:المسنّ.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنّه أتي ببدنات خمس فطفقن يزدلفن[إليه]بأيّتهنّ يبدأ».

البدنة بالهاء:تقع على النّاقة و البقرة و البعير الذّكر، ممّا يجوز في الهدي و الأضاحيّ،و لا تقع على الشّاة.

سمّيت بدنة لعظمها،و جمع البدنة:البدن.

(الأزهريّ 14:144)

الأمويّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا تبادروني بالرّكوع و السّجود،فإنّه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت،و مهما أسبقكم إذا سجدت تدركوني به إذا رفعت،إنّي قد بدّنت».

قد بدّنت:يعني كبرت،أسننت،يقال:بدّن الرّجل تبدينا،إذا أسنّ.[ثمّ استشهد بشعر](أبو عبيد 1:95)

أبو عبيد: [و بعد نقل قول الأمويّ قال:]

و ممّا يحقّق هذا المعنى الحديث الآخر:«أنّه كان يصلّي بعض صلاته باللّيل جالسا،و ذلك بعد ما حطّمته

ص: 13

السّنّ»و في حديث آخر:«بعد ما حطّمتموه».

و أمّا قوله:«إنّي قد بدنت»فليس لهذا معنى إلاّ كثرة اللّحم،و ليست صفته فيما يروى عنه هكذا،إنّما يقال في نعته:رجل بين الرّجلين جسمه و لحمه،هكذا روي عن ابن عبّاس.و الأوّل أشبه بالصّواب في بدنت-و اللّه أعلم.(1:96)

عن أبي زيد: بدنت المرأة و بدنت بدنا.

قلت:و غيره يقول:بدنا و بدانة،على«فعالة»،أي سمنت.(الأزهريّ 14:144)

ابن السّكّيت: بدن الرّجل يبدن بدنا و بدانة فهو بادن،إذا ضخم.و هو رجل بدن،إذا كان كبيرا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:144)

كراع النّمل:[البدن]هو العضو.

(ابن سيدة 9:354)

ابن دريد :البدن:بدن الإنسان،و هو جسمه.

و البدن:الدّرع القصيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البدن:الوعل المسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدن الرّجل،إذا سمن،و بدّن،إذا ثقل عن سنّ.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فإنّي قد بدّنت»،أي ثقلت.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصحاب الحديث يقولون:«فإنّي قد بدنت» و ليس ذلك بشيء،لأنّه ليس من صفته عليه السّلام أنّه كان سمينا.

و البدنة من الإبل مثل الأضحيّة من الغنم،و الجمع:

البدن-و قد قرئ بهما جميعا-و امرأة بادن،أي سمينة.

(1:248)

أبو حاتم: بدن الرّجل يبدن بدنا،إذا عظم و سمن، و إذا قيل:بدّن تبدينا،فالمعنى أنّه أسنّ و ضعف و استرخى لحمه.(الأضداد:150)

الصّاحب: البدن من الجسد:ما سوى الشّوى و الرّأس.و شبه الدّرع قدر ما يكون على الجسد.

و الوعل المسنّ.و كذلك الرّجل المسنّ.

و البدين و البادن و المبدّن:السّمين.

و بدّن الرّجل:كبر و استرخى لحمه.

و بدن:ضخم.و أبدنه غيره إبدانا:أسمنه.

و امرأة حسنة الأبدان و الأجساد.

و البدنة:ناقة أو بقرة تهدى إلى مكّة،و الجميع:

البدن.

و التّبدين:أن تلبس إنسانا بدنا،أي درعا.

(9:326)

الجوهريّ: بدن الإنسان:جسده.و رجل بدن، أي مسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و وعل بدن مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و البدن:الدّرع القصيرة.

و البدنة:ناقة أو بقرة تنحر بمكّة،سمّيت بذلك لأنّهم كانوا يسمّنونها،و الجمع:بدن بالضّمّ،مثل ثمرة و ثمر.

و البدن أيضا:السّمن و الاكتناز،و كذلك البدن،مثل عسر و عسر.[ثمّ استشهد بشعر]

تقول منه:بدن الرّجل-بالفتح-يبدن بدنا،إذا ضخم.و كذلك بدن بالضّمّ،يبدن بدانة،فهو بادن -و امرأة بادن أيضا-و بدين.

و بدّن،أي أسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 14

و في الحديث:«إنّي قد بدنت،فلا تبادروني بالرّكوع و السّجود»أي كبرت و أسننت.(5:2077)

نحوه الرّازيّ.(56)

ابن فارس: الباء و الدّال و النّون أصل واحد،و هو شخص الشّيء دون شواه،و شواه أطرافه.

يقال:هذا بدن الإنسان،و الجمع:الأبدان.و سمّي الوعل المسنّ بدنا من هذا.

و إنّما سمّي بذلك،لأنّهم إذا بالغوا في نعت الشّيء سمّوه باسم الجنس،كما يقولون للرّجل المبالغ في نعته:

هو رجل،فكذلك الوعل الشّخيص،سمّي بدنا،و كذلك البدنة الّتي تهدى للبيت،قالوا:سمّيت بذلك لأنّهم كانوا يستسمنونها.

و رجل بدن،أي مسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بادن و بدين،أي عظيم الشّخص و الجسم، يقال منه:بدن.و في الحديث:«إنّي قد بدنت».و النّاس قد يروونه:«بدّنت».و يقولون:بدّن،إذا أسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و تسمّى الدّرع البدن،لأنّها تضمّ البدن.

(1:211)

أبو هلال: الفرق بين الجسد و البدن:أنّ البدن هو ما علا من جسد الإنسان،و لهذا يقال للدّرع القصير الّذي يلبس الصّدر إلى السّرّة:بدن،لأنّها تقع على البدن؛و جسم الإنسان كلّه جسد.

و الشّاهد أنّه يقال لمن قطع بعض أطرافه:إنّه قطع شيء من جسده،و لا يقال:شيء من بدنه،و إن قيل فعلى بعد.و قد يتداخل الاسمان إذا تقاربا في المعنى.و لمّا كان البدن هو أعلى الجسد و أغلظه قيل لمن غلظ من السّمن:قد بدن،و هو بدين.

و البدن:الإبل المسمّنة للنّحر،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي ما يتّخذ للنّحر:بدنة،سمينة كانت أو مهزولة.(132)

ابن سيدة: البدن من الجسد:ما سوى الرّأس و الشّوى،و قيل:هو العضو،عن كراع،و خصّ مرّة به أعضاء الجزور،و الجمع:أبدان.و حكى اللّحيانيّ:إنّها لحسنة الأبدان.قال أبو الحسن:كأنّهم جعلوا كلّ جزء منها بدنا،ثمّ جمعوه على هذا.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بادن:سمين جسيم،و الأنثى بادن،و بادنة، و الجمع:بدن و بدّن.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد بدنت و بدنت تبدن بدنا،و بدنا و بدانا،و بدانة، و قوله:

*و انضمّ بدن الشّيخ و اسمألا*

إنّما عنى بالبدن هاهنا الجوهر الّذي هو الشّحم، لا يكون إلاّ على هذا؛لأنّك إن جعلت البدن عرضا جعلته محلاّ للعرض،و العرض لا يكون محلاّ للعرض.

و المبدّن،و المبدّنة:كالبادن و البادنة،إلاّ أنّ البادنة صيغة مفعول.

و المبدان:الشّكور السّريع السّمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدّن الرّجل:أسنّ و ضعف.و في الحديث:«إنّي قد بدّنت،فلا تبادروني بالرّكوع و السّجود».[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بدن مسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 15

و البدن:الوعل المسنّ،[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع أبدان،و بدون نادر عن ابن الأعرابيّ.

و البدنة من الإبل و البقر،كالأضحيّة من الغنم، تهدى إلى مكّة،الذّكر و الأنثى في ذلك سواء،و الجمع:

بدن و بدن،و لا يقال في الجمع:بدن،و إن كانوا قد قالوا:

خشب،و أجم،و رخم،و أكم،استثناه اللّحيانيّ من هذه.

و البدن:الدّرع القصيرة على قدر الجسد،و قيل:

هي الدّرع عامّة،و به فسّر ثعلب قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يونس:92،قال:بدرعك،و الجمع:

أبدان.

و بدن الرّجل:نسبه و حسبه.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:354)

البدنة:الثّوب يشقّ،فتلبسه المرأة من غير جيب و لا كمّين،الجمع:بدن و بدن.(الإفصاح 1:373)

البدنة:بقيرة يلبسها الصّبيان.(الإفصاح 1:376)

البدن:الوعل المسنّ،الجمع:أبدن.

(الإفصاح 2:836)

الطّوسيّ: البدن:جمع بدنة،و هي الإبل المبدنة بالسّمن.

قال الزّجّاج: يقولون:بدّنت النّاقة،إذا سمّنتها، و يقال لها:بدنة من هذه الجهة.

و قيل:أصل البدن:الضّخم،و كلّ ضخم بدن، و بدن بدنا،إذا ضخم،و بدّن تبدينا،فهو بدن:ثقل لحمه للاسترخاء،كما يثقل الضّخم.

و البدنة:النّاقة،و تجمع على بدن و بدن،و تقع على الواحد و الجمع.[ثمّ استشهد بشعر](7:317)

نحوه الطّبرسيّ.(4:85)

الرّاغب: البدن:الجسد،لكنّ البدن يقال اعتبارا بعظم الجثّة،و الجسد يقال اعتبارا باللّون،و منه قيل:

ثوب مجسّد،و منه قيل:امرأة بادن و بدين:عظيمة البدن.

و سمّيت البدنة بذلك لسمنها،يقال:بدن،إذا سمن، و بدّن كذلك.و قيل:بل بدّن،إذا أسنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و على ذلك ما روي عن النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام:

«لا تبادروني بالرّكوع و السّجود،فإنّي قد بدّنت»أي كبرت و أسننت،و قوله: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يونس:92،أي بجسدك.

و قيل:يعني بدرعك،فقد يسمّى الدّرع بدنة، لكونها على البدن،كما يسمّى موضع اليد من القميص يدا.و موضع الظّهر و البطن ظهرا و بطنا،و قوله تعالى:

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ الحجّ:36،هو جمع البدنة الّتي تهدى.(39)

الزّمخشريّ: بدنت لما بدّنت،أي سمنت لما أسننت،يقال:بدن الرّجل و بدن بدنا و بدانة فهو بدين و بادن.

و بادنني فلان فبدنته،أي كنت أبدن منه.

و رجل مبدان:مبطان سمين،ضخم البطن.

و تقول:أراك أضعف السّدنة،و أنت في قدّ البدنة.

و خرجت و عليها بدنة،أي بقيرة.

(أساس البلاغة:17)

لمّا خطب[عليّ]فاطمة عليهما السّلام قيل له:ما عندك؟

ص: 16

قال:فرسي و بدني.

هي الدّرع القصيرة،سمّيت بذلك لأنّها مجول للبدن، ليست بسابغة تعمّ الأطراف.(الفائق 1:87)

ابن الأثير: بدن:فيه:«لا تبادروني بالرّكوع و السّجود،إنّي قد بدنت».

قال أبو عبيد: هكذا روي في الحديث«بدنت»يعني بالتّخفيف،و إنّما هو«بدّنت»بالتّشديد،أي كبرت و أسننت،و التّخفيف من البدانة،و هي كثرة اللّحم، و لم يكن صلّى اللّه عليه و سلّم سمينا.

قلت:قد جاء في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم في حديث ابن أبي هالة:

«بادن متماسك».و البادن:الضّخم،فلمّا قال:بادن، أردفه بمتماسك،و هو الّذي يمسك بعض أعضائه بعضا، فهو معتدل الخلق.

و منه الحديث:«أ تحبّ أنّ رجلا بادنا في يوم حارّ غسل ما تحت إزاره،ثمّ أعطاكه فشربته».

و في حديث عليّ:«لمّا خطب فاطمة رضي اللّه عنهما،قيل:ما عندك؟قال:فرسي و بدني».البدن:

الدّرع من الزّرد.و قيل:هي القصيرة منها.

و منه حديث سطيح:

*أبيض فضفاض الرّداء و البدن*

أي واسع الدّرع،يريد به كثرة العطاء.

و منه حديث مسح الخفّين:«فأخرج يده من تحت بدنه»،استعار البدن هاهنا للجبّة الصّغيرة،تشبيها بالدّرع.

و يحتمل أن يريد به من أسفل بدن الجبّة،و يشهد له ما جاء في الرّواية الأخرى:«فأخرج يده من تحت البدن».

و فيه:«أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بخمس بدنات».

البدنة تقع على الجمل و النّاقة و البقرة،و هي بالإبل أشبه.و سمّيت بدنة لعظمها و سمنها،و قد تكرّرت في الحديث.

و منه حديث الشّعبيّ:«قيل له:إنّ أهل العراق يقولون:إذا أعتق الرّجل أمته ثمّ تزوّجها كان كمن يركب بدنته»،أي إنّ من أعتق أمته فقد جعلها محرّرة للّه،فهي بمنزلة البدنة الّتي تهدى إلى بيت اللّه تعالى في الحجّ،فلا تركب إلاّ عن ضرورة،فإذا تزوّج أمته المعتقة كان كمن قد ركب بدنته المهداة.(1:107)

الفيّوميّ: و شركة الأبدان:أصلها:شركة بالأبدان،لكن حذفت الباء ثمّ أضيفت،لأنّهم بذلوا أبدانهم في الأعمال لتحصيل المكاسب.

و بدن القميص مستعار منه،و هو ما يقع على الظّهر و البطن دون الكمّين و الدّخاريص،و الجمع:أبدان.

و البدنة قالوا:هي ناقة أو بقرة.و زاد الأزهريّ:أو بعير ذكر.قال:و لا تقع البدنة على الشّاة.

و قال بعض الأئمّة: البدنة هي الإبل خاصّة،و يدلّ عليه قوله تعالى: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها الحجّ:36، سمّيت بذلك لعظم بدنها.

و إنّما ألحقت البقرة بالإبل بالسّنّة،و هو قوله عليه الصّلاة و السّلام:«تجزئ البدنة عن سبعة،و البقرة عن سبعة»ففرّق الحديث بينهما بالعطف؛إذ لو كانت«البدنة» في الوضع تطلق على«البقرة»لما ساغ عطفها،لأنّ المعطوف غير المعطوف عليه.

ص: 17

و في الحديث ما يدلّ عليه قال:«اشتركنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الحجّ و العمرة،سبعة منّا في بدنة،فقال رجل لجابر:أ نشترك في البقرة ما نشترك في الجزور؟فقال:

ما هي إلاّ من البدن»،و المعنى في الحكم؛إذ لو كانت البقرة من جنس البدن لما جهلها أهل اللّسان،و لفهمت عند الإطلاق أيضا.

و الجمع:بدنات،مثل قصبة و قصبات.و بدن أيضا بضمّتين و إسكان الدّال تخفيف،و كأنّ البدن:جمع بدين تقديرا،مثل نذير و نذر.

قالوا:و إذا أطلقت«البدنة»في الفروع فالمراد البعير،ذكرا كان أو أنثى.

و بدن بدونا،من باب«قعد»:عظم بدنه بكثرة لحمه،فهو بادن،يشترك فيه المذكّر و المؤنّث.و الجمع:

بدّن،مثل راكع و ركّع.

و بدن بدانة:مثل ضخم ضخامة كذلك،فهو بدين، و الجمع:بدن.

و بدّن تبدينا:كبر و أسنّ.(1:39)

الفيروزآباديّ: البدن محرّكة من الجسد ما سوى الرّأس و الشّوى،أو العضو،أو خاصّ بأعضاء الجزور.

و الرّجل المسنّ،و الدّرع القصيرة،جمعه:أبدان.و الوعل المسنّ،جمعه:أبدن.و نسب الرّجل و حسبه.

و البادن و البدين و المبدّن كمعظّم:الجسيم،و هي بادن و بادنة و بدين،جمعه:ككتب و ركّع.

و قد بدنت ككرم و نصر بدنا،و يضمّ،و بدانا و بدانة،بفتحهما.

و بدّن تبدينا:أسنّ و ضعف،و فلانا ألبسه درعا.

و المبدان:الشّكور،السّريع السّمن.

و البدنة محرّكة:من الإبل و البقر،كالأضحيّة من الغنم،تهدى إلى مكّة،للذّكر و الأنثى،جمعه:ككتب.

(4:202)

الجزائريّ: «البدن و الجسد»قال في«البارع»:

لا يقال الجسد إلاّ للحيوان العاقل،و هو الإنسان و الملائكة و الجنّ،و لا يقال لغيره:جسد.

و قيل:البدن:الجسد،ما سوى الرّأس،و يظهر من كلام الجوهريّ التّرادف.(56)

الطّريحيّ: البدن:ما سوى الرّأس و الأطراف، و بدن القميص مستعار منه،و هو ما يقع على الظّهر، و البدن دون الكمّين و الدّخاريص،و الجمع:أبدان.

و البدن أيضا:الدّرع القصيرة.و في حديث عليّ عليه السّلام:«إنّما كنت جارا لكم،جاوركم بدني أيّاما».

قيل:إنّما قال ذلك،لأنّ مجاورته إيّاهم إنّما كان بجسده لا بنفسه،المجاورة للملائكة المقبلة على العالم العلويّ بكلّيّتها،المعرضة عن العالم السّفليّ.

و في حديث الباقر عليه السّلام: «إنّه كان بادنا»البادن و البدين:الجسيم.

و رجل بادن،أي سمين ضخم.

و البدن بالضّمّ:جمع بدنة كقصبة،و تجمع على بدنات كقصبات.سمّيت بذلك لعظم بدنها و سمنها،و تقع على الجمل و النّاقة و البقرة عند جمهور أهل اللّغة و بعض الفقهاء،و خصّها جماعة بالإبل.

و عن بعض الأفاضل قال:إطلاقها على البقرة مناف لما ذكره أئمّة اللّغة من أنّها من الإبل خاصّة،و لقوله عليه السّلام:

ص: 18

«تجزي البدنة عن سبعين،و البقرة عن سبعة».و هي في السّنّ على ما نقل عن بعض المحقّقين:ما له خمس سنين و دخل في السّادسة.(6:212)

محمود شيت: 1-أ-بدن بدنا،و بدنا،و بدونا:

سمن و ضخم،فهو بادن و هي بادنة،جمعه:بدن،و بدّن.

و هي أيضا بادن،جمعه:بدّن،و بوادن.

ب-بدن بدانة،و بدانا:بدن،فهو و هي بدين، جمعه:بدن.

ج-بدّن:بدن،و أسنّ و ضعف.و بدّن الحيوان:

سمّنه،و ضخّمه.و بدّن فلانا:ألبسه درعا.

د-البدن:ما سوى الرّأس و الأطراف من الجسم، و الدّرع،أو القصيرة من الدّروع،جمعه:أبدان.

ه-البدنة:ناقة أو بقرة تنحر بمكّة قربانا،و كانوا يسمّونها لذلك.جمعه:بدن،و بدن.

2-بدن السّلاح:السّبطانة و ما حولها من الأقسام الرّئيسة الّتي لا تفكّك،و العجلة أو الدّبّابة أو الطّائرة:

قسمها الأكبر ما عدا الدّواليب في العجلات،و الأجنحة في الطّائرات.(1:75)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الضّخامة و السّمن،ثمّ استعملت في بدن الإنسان غير اليدين و الرّجلين و الرّأس لضخامته، و هكذا أطلقت على الإبل باعتبار ما يتراءى من ضخامة بدنه،فصارت حقيقة ثانويّة فيهما.

البدن:في بدن الإنسان،و البدنة:في الإبل المهداة للبيت الحرام،و التّبدين:جعله ضخما و بدينا.

و قراءة«فإنّي قد بدّنت»بالتّشديد،غير صحيح، و الصّحيح كما في مقاييس اللّغة«بدنت»أي كبرت و أسننت أو سمنت.

و استعمالها في الكبير،و المسنّ،و الوعل،و الدّرع:

مجاز بمناسبة السّمن.

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ الحجّ:36،جمع«بدنة»،و لا يبعد شمولها على البقر أيضا.

و البدنة في أصل اللّغة:مفرد البدن كالخشبة و الخشب،إلاّ أنّ كلمة«البدنة»بخصوصها قد استعملت في الجمل و البقر المهداة في الحجّ،و لا يجوز التّجاوز عنها.

(1:218)

النّصوص التّفسيريّة

ببدنك

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً...

يونس:92

ابن عبّاس: لمّا جاوز موسى البحر بجميع من معه، التقى البحر عليهم،يعني على فرعون و قومه،فأغرقهم، فقال أصحاب موسى:إنّا نخاف أن لا يكون فرعون غرق،و لا نؤمن بهلاكه،فدعا ربّه فأخرجه،فنبذه البحر حتّى استيقنوا بهلاكه.(الطّبريّ 11:165)

نحوه قتادة(الطّبريّ 11:165)،و ابن جريج (الطّبريّ 11:166).

كانت عليه درع من ذهب يعرف بها.

(الطّبرسيّ 3:132)

نحوه أبو صخر.(ابن كثير 3:526)

ص: 19

مجاهد: بجسدك.(الطّبريّ 11:165)

مثله ابن قتيبة.(199)

الحسن: بجسم لا روح فيه.(ابن كثير 3:526)

أبو عبيدة: أي نلقيك بنجوة من الأرض،و عليك بدنك،أي درعك،لتعرف بها.(ابن دريد 1:248)

ابن الأعرابيّ: ننجّيك بدرعك،و ذلك أنّهم شكّوا في غرقه،فأمر اللّه البحر أن يقذفه على دكّة في البحر ببدنه،أي بدرعه،فاستيقنوا حينئذ أنّه قد غرق.(الأزهريّ 14:143)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لفرعون:فاليوم نجعلك على نجوة من الأرض ببدنك،ينظر إليك هالكا من كذّب بهلاكك.(11:164)

فإن قال قائل:و ما وجه قوله:(ببدنك)و هل يجوز أن ينجّيه بغير بدنه،فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه:

(ببدنك)؟

قيل:كان جائزا أن ينجّيه بهيئته حيّا،كما دخل البحر،فلمّا كان جائزا ذلك،قيل: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ليعلم أنّه ينجّيه بالبدن،بغير روح،و لكن ميّتا.(11:166)

الزّجّاج: نلقيك عريانا،و قيل:نلقيك على نجوة من الأرض،و إنّما كان ذلك آية،لأنّه كان يدّعي أنّه إله، و كان يعبده قومه،فبيّن اللّه أمره و أنّه عبد.(3:32)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يعني بجسدك من غير روح،قاله مجاهد.

الثّاني:بدرعك،و كان له درع من حديد يعرف بها، قاله أبو صخر.و كان من تخلّف من قوم فرعون ينكر غرقه.(2:449)

الطّوسيّ: معنى قوله: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ نلقيك على نجوة من الأرض ببدنك عريانا دون روحك.[ثمّ استشهد بشعر]

البدن:مسكن روح الحيوان على صورته،و كلّ حيوان فله روح و بدن،و الحيّ في الحقيقة:الرّوح دون البدن عند قوم،و فيه خلاف.(5:491)

الزّمخشريّ: (ببدنك)في موضع الحال،أي في الحال الّتي لا روح فيك،و إنّما أنت بدن،أو ببدنك كاملا سويّا،لم ينقص منه شيء و لم يتغيّر،أو عريانا لست إلاّ بدنا،من غير لباس،أو بدرعك.[ثمّ استشهد بشعر]

و كانت له درع من ذهب يعرف بها.

و قرأ أبو حنيفة رحمه اللّه(بابدانك)و هو على وجهين:إمّا أن يكون مثل قولهم:هوى بأجرامه،يعني ببدنك كلّه وافيا بأجزائه،أو يريد بدروعك،كأنّه كان مظاهرا بينها.(2:252)

نحوه البيضاويّ(1:457)،و النّسفيّ(2:175)، و الشّربينيّ(2:36)،و شبّر(3:185).

ابن عطيّة: قالت فرقة:معنى(ببدنك)بدرعك، و قالت فرقة:معناه بشخصك.

و قرأت فرقة (بندائك) أي بقولك.(3:142)

الطّبرسيّ: اختلف في معناه،فقال أكثر المفسّرين:معناه لمّا أغرق اللّه فرعون و قومه،أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون،و قالوا:هو أعظم شأنا من أن يغرق،فأخرجه اللّه حتّى رأوه،فذلك قوله:

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أي نلقيك على نجوة من

ص: 20

الأرض،و هي المكان المرتفع(ببدنك)أي بجسدك من غير روح،و ذلك أنّه طفا عريانا.

و قيل:معناه نخلّصك من البحر و أنت ميّت،و البدن:

الدّرع.قال ابن عبّاس:كانت عليه درع من ذهب يعرف بها.

فالمعنى نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة، ليعرفوك بها.(3:131)

نحوه الخازن.(3:171)

الفخر الرّازيّ:فيه وجوه:

الأوّل:أنّه في موضع الحال،أي في الحال الّتي كنت بدنا محضا من غير روح.

الثّاني:المراد ننجّيك ببدنك كاملا سويّا لم تتغيّر.

الثّالث: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أي نخرجك من البحر عريانا من غير لباس.

الرّابع: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أي بدرعك.

(17:157)

نحوه النّيسابوريّ.(11:113)

القرطبيّ: أي نلقيك على نجوة من الأرض.و ذلك أنّ بني إسرائيل لم يصدّقوا أنّ فرعون غرق،و قالوا:هو أعظم شأنا من ذلك،فألقاه اللّه على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من البحر حتّى شاهدوه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ اليزيديّ و ابن السّميقع: (ننحّيك) بالحاء من التّنحية،و حكاها علقمة عن ابن مسعود،أي تكون على ناحية من البحر.

قال ابن جريج: فرمى به على ساحل البحر حتّى رآه بنو إسرائيل،و كان قصيرا أحمر،كأنّه ثور.

و حكى علقمة عن عبد اللّه:أنّه قرأ (بندائك) من النّداء.

قال أبو بكر الأنباريّ: و ليس بمخالف لهجاء مصحفنا؛إذ سبيله أن يكتب بياء و كاف بعد الدّال،لأنّ الألف تسقط من«ندائك»في ترتيب خطّ المصحف،كما سقط من الظّلمات و السّماوات،فإذا وقع بها الحذف استوى هجاء بدنك و ندائك.

على أنّ هذه القراءة مرغوب عنها لشذوذها، و خلافها ما عليه عامّة المسلمين،و القراءة سنّة يأخذها آخر عن أوّل،و في معناه نقص عن تأويل قراءتنا؛إذ ليس فيها للدّرع ذكر.الّذي تتابعت الآثار بأنّ بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون،و سألوا اللّه تعالى أن يريهم إيّاه غريقا،فألقوه على نجوة من الأرض ببدنه، و هو درعه الّتي يلبسها في الحروب.[إلى أن قال:]

قال الأخفش:و أمّا قول من قال:بدرعك،فليس بشيء.

قال أبو بكر: لأنّهم لمّا ضرعوا إلى اللّه يسألونه مشاهدة فرعون غريقا أبرزه لهم،فرأوا جسدا لا روح فيه،فلمّا رأته بنو إسرائيل قالوا:نعم يا موسى،هذا فرعون و قد غرق،فخرج الشّكّ من قلوبهم،و ابتلع البحر فرعون كما كان.

فعلى هذا نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ احتمل معنيين:

أحدهما:نلقيك على نجوة من الأرض،و الثّاني:نظهر جسدك الّذي لا روح فيه.

و القراءة الشّاذّة (بندائك) يرجع معناها إلى معنى

ص: 21

قراءة الجماعة،لأنّ«النّداء»يفسّر تفسيرين:

أحدهما:نلقيك بصياحك بكلمة التّوبة-و قولك بعد أن أغلق بابها و مضى وقت قبولها: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يونس:90-على موضع رفيع.

و الآخر:فاليوم نعزلك عن غامض البحر بندائك،لمّا قلت: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24،فكانت تنجيته بالبدن معاقبة من ربّ العالمين له،على ما فرط من كفره الّذي منه نداؤه الّذي افترى فيه و بهت، و ادّعى القدرة و الأمر الّذي يعلم أنّه كاذب فيه و عاجز عنه و غير مستحقّ له.

قال أبو بكر الأنباريّ: فقراءتنا تتضمّن ما في القراءة الشّاذّة من المعاني،و تزيد عليها.(8:379)

أبو حيّان: قيل:معنى(ببدنك):بصورتك الّتي تعرف بها،و كان قصيرا أشقر أزرق،قريب اللّحية من القامة،و لم يكن في بني إسرائيل شبيه له،يعرفونه بصورته.

و(ببدنك)إذا عنى به الجثّة تأكيد،كما تقول:قال فلان بلسانه و جاء بنفسه.[إلى أن قال:]

قرأ ابن مسعود و ابن السّميقع (بندائك) مكان (بِبَدَنِكَ) ،أي بدعائك،أي بقولك:آمنت إلى آخره، لنجعلك آية مع ندائك الّذي لا ينفع،أو بما ناديت به في قومك.

و نادى فرعون في قومه: فَحَشَرَ فَنادى* فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:23،24،و يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي القصص:38.

و لمّا كذّبت بنو إسرائيل بغرق فرعون رمى به البحر على ساحله،حتّى رأوه قصيرا أحمر كأنّه ثور.

(لمن خلفك)لمن وراءك علامة و هم بنو إسرائيل، و كان في أنفسهم أنّ فرعون أعظم شأنا من أن يغرق، و كان مطرحه على ممرّ بني إسرائيل،حتّى قيل لمن خلفك:آية.(5:189)

السّيوطيّ: و من بدائع القرآن ما تسمّى مرشّحة، و منها: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ على تفسيره بالدّرع، فإنّ«البدن»يطلق عليه و على الجسد،و المراد:البعيد، و هو الجسد.(3:286)

أبو السّعود: (بِبَدَنِكَ) في موضع الحال من ضمير المخاطب،أي ننجّيك ملابسا ببدنك فقط،لا مع روحك، كما هو مطلوبك.فهو تخييب له و حسم لأطماعه بالمرّة، أو عاريا عن اللّباس،أو كاملا سويّا،أو بدرعك.

و كانت له درع من الذّهب يعرف بها.

و قرئ (بابدانك) أي بأجزاء بدنك كلّها،كقولهم:

هوى بأجرامه.أو بدروعك،كأنّه كان مظاهرا بينها.

(3:272)

نحوه البروسويّ.(4:77)

رشيد رضا: إنّ الحكمة بذكر«البدن»أنّه يخرج جسده سالما ليعرف.

و قيل:إنّ المراد بالبدن:الدّرع،فهو من أسمائها في اللّغة.

و إنّما محلّ العبرة أن يلفظه البحر ببدنه ليعرف، فيعتبر بنو إسرائيل الّذين قيل:إنّهم شكّوا في غرقه، و يعتبر القبط الّذين عبدوه،و لذلك قيل:إنّ درعه كانت

ص: 22

معروفة و إنّها من الذّهب،أو كان له فوق درع الزّرد درع أخرى من الذّهب.و لكنّ الدّروع تقتضي رسوب الغريق في البحر،إلاّ أن يجرفه الموج.(11:477)

النّهاونديّ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ و ننقذك من البحر بِبَدَنِكَ و جثّتك بعد موتك،و نلقي جيفتك الخبيثة على نجوة من الأرض ليتيقّن بنو إسرائيل بعد رؤيتك هالكا،بإنجاز اللّه وعده إيّاهم بهلاكك.(2:202)

الطّباطبائيّ:تنجيته ببدنه تدلّ على أنّ له أمرا آخر وراء البدن،فقده بدنه بغشيان العذاب،و هو النّفس الّتي تسمّى أيضا روحا.

و هذه النّفس المأخوذة هي الّتي يتوفّاها اللّه، و يأخذها حين موتها،كما قال تعالى: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزّمر:42،و قال: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ السّجدة:11.

و هي الّتي يخبر عنها الإنسان بقوله:«أنا»،و هي الّتي بها تتحقّق للإنسان إنسانيّته،و هي الّتي تدرك و تريد و تفعل الأفعال الإنسانيّة بواسطة البدن،بماله من القوى و الأعضاء المادّيّة.و ليس للبدن إلاّ أنّه آلة و أداة،تعمل بها النّفس أعمالها المادّيّة.

و لمكان الاتّحاد الّذي بينها و بين البدن يسمّى باسمها البدن،و إلاّ فأسماء الأشخاص في الحقيقة لنفوسهم لا لأبدانهم،و ناهيك في ذلك التّغيّر المستمرّ الّذي يعرض البدن مدّة الحياة،و التّبدّل الطّبيعي الّذي يطرأ عليه حينا بعد حين،حتّى ربّما تبدّل البدن بجميع أجزائه إلى أجزاء أخر تتركّب بدنا آخر.

فلو كان زيد هو البدن الّذي ولدته أمّه يوم ولدته، و الاسم له،لكان غيره و هو ذو سبعين و ثمانين،قطعا، و الاسم لغيره حتما.و لم يثب و لم يعاقب الإنسان،و هو شائب على ما عمله و هو شابّ،لأنّ الطّاعة و المعصية لغيره.

فهذه و أمثالها شواهد قطعيّة على أنّ إنسانيّة الإنسان بنفسه دون بدنه،و الأسماء للنّفوس لا للأبدان،يدركها الإنسان و يعرفها إجمالا و إن كان ربّما أنكرها في مقام التّفصيل.

و بالجملة فالآية فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ كالصّريح،أو هو صريح في أنّ النّفوس وراء الأبدان،و أنّ الأسماء للنّفوس دون الأبدان،إلاّ ما يطلق على الأبدان بعناية الاتّحاد.

فمعنى نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ نخرج بدنك من اليمّ و ننجّيه،و هو نوع من تنجيتك-لما بين النّفس و البدن من الاتّحاد القاضي بكون العمل الواقع على أحدهما واقعا بنحو على الآخر-لتكون لمن خلفك آية.

و هذا بوجه نظير قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ طه:55،فإنّ الّذي يعاد إلى الأرض هو جسد الإنسان دون الإنسان التّامّ،فليست نسبة الإعادة إلى الإنسان إلاّ لما بين نفسه و بدنه من الاتّحاد.

و قد ذكر المفسّرون أنّ الإنجاء و التّنجية لمّا كان دالاّ بلفظه على سلامة الّذي أنجي إنجاء،كان مفاد قوله:

(ننجّيك)أن يكون فرعون خارجا من اليمّ حيّا،و قد أخرجه اللّه ميّتا،فالمتعيّن أخذ قوله:(ننجّيك)من النّجوة -و هي الأرض المرتفعة الّتي لا يعلوها السّيل-و المعنى اليوم نخرج بدنك إلى نجوة من الأرض.

ص: 23

و ربّما قال بعضهم:إنّ المراد بالبدن:الدّرع،و قد كان لفرعون درع من ذهب يعرف به،فأخرجه اللّه فوق الماء بدرعه،ليكون لمن خلفه آية و عبرة.

و ربّما قال بعضهم:إنّ التّعبير بالتّنجية تهكّم به.

و الحقّ أنّ هذا كلّه تكلّف لا حاجة إليه،و لم يقل:

(ننجّيك)،و إنّما قيل: نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ، و معناه:ننجّي بدنك،و الباء للآليّة أو السّببيّة،و العناية هي الاتّحاد الّذي بين النّفس و البدن.

على أنّ جعل نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ بمعنى:نجعلك على نجوة من الأرض،لا يفي بدفع الإشكال من أصله،فإنّ الّذي جعل على نجوة هو بدن فرعون على قولهم،و هو غير فرعون قطعا،و إلاّ كان حيّا سالما،و لا مناص إلاّ أن يقال:إنّ ذلك بعناية الاتّحاد الّذي بين الإنسان و بدنه، و لو صحّحت هذه العناية:إطلاق اسم الإنسان على بدنه من غير نفس،لكان لها أن تصحّح نسبة التّنجية إلى الإنسان من جهة وقوع التّنجية ببدنه،و خاصّة مع وجود القرينة الدّالّة على أنّ المراد بالتّنجية:هي الّتي للبدن،دون الّتي للإنسان المستتبع لحفظ حياته و سلامته نفسا و بدنا،و القرينة هي قوله:(ببدنك).(10:118)

المصطفويّ:هذه الجملة في مقام العقوبة و الأخذ بعد الخطاب بقوله: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يونس:91،فلا ينفع التّوجّه و التّوبة في حال الاضطرار و بعد شمول العذاب،ففي هذا اليوم نخلّص و نخرج بدنك من ورطة العذاب،و نجعله في مرأى النّاس،آية من اللّه تعالى،و عبرة للنّاظرين.فكلمة (ببدنك)بدل عن الضّمير،بدل الجزء عن الكلّ،و حرف الباء للتّأكيد.(1:219)

البدن

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ... الحجّ:36

ابن عمر: البدنة:ذات البدن من الإبل و البقر.

البدنة:ذات الخفّ.(الدّرّ المنثور 4:360)

ابن المسيّب: البعير و البقرة.

(الدّرّ المنثور 4:361)

مثله عطاء(الطّبريّ 17:163)،و الحسن(ابن كثير 4:642).

مجاهد :ليس البدن إلاّ من الإبل.

(الدّرّ المنثور 4:360)

إنّما سمّيت البدن من قبل السّمانة.

(الدّرّ المنثور 4:361)

الحسن: البدن من البقر.(الدّرّ المنثور 4:361)

عطاء: النّاقة و البقر ممّا يجوز في الهدي و الأضاحيّ.

(الطّبرسيّ 4:86)

الطّبريّ: هي جمع بدنة،و قد يقال لواحدها:بدن.

و إذا قيل:بدن،احتمل أن يكون جمعا و واحدا،يدلّ على أنّه قد يقال ذلك للواحد قول الرّاجز.[ثمّ استشهد بشعره]

(و البدن):هو الضّخم من كلّ شيء،و لذلك قيل لامرئ القيس بن النّعمان،صاحب الخورنق و السّدير:

البدن:لضخمه و استرخاء لحمه،فإنّه يقال:قد بدّن تبدينا.

فمعنى الكلام:و الإبل العظام الأجسام الضّخام،

ص: 24

جعلناها لكم أيّها النّاس من شعائر اللّه؛يقول:من أعلام أمر اللّه الّذي أمركم به في مناسك حجّكم،إذا قلّدتموها و جلّلتموها و أشعرتموها علم بذلك،و شعر أنّكم فعلتم ذلك من الإبل و البقر.(17:162)

الزّجّاج: النّصب أحسن،لأنّ قبله فعلا،المعنى:

و جعلنا البدن،فنصب بفعل مضمر،الّذي ظهر يفسّره، و إن شئت رفعت على الاستئناف.(و البدن)-بتسكين الدّال و ضمّها-بدنة و بدن،و بدن،مثل قوله:ثمرة و ثمر و ثمر.و إنّما سمّيت«بدنة»لأنّها تبدن،أي تسمن.[إلى أن قال:]

(و البدن)قيل:إنّها الإبل خاصّة،و قيل:إنّها الإبل و البقر،و لا أعلم أحدا قال:إنّ الشّاء داخلة فيها.

فأمّا من قال:إنّها الإبل و البقر فهم أكبر فقهاء الأمصار،و لكنّ الاستعمال في السّياقة إلى البيت:الإبل، فلذلك قال من قال:إنّها الإبل.(3:427-429)

السّجستانيّ: بدن:جمع بدنة،و هي ما جعل في الأضحى للنّحر و النّذر و أشباه ذلك،فإذا كانت للنّحر على كلّ حال فهي جزور.(128)

القيسيّ: هو جمع بدن،مثل وثن و وثن،يقال للواحدة:بدنة،و بدن.

و قيل:هو جمع بدنة،مثل:خشبة و خشب.و يجوز ضمّ الثّاني على هذا القول،و به قرأ ابن أبي إسحاق (و البدن) .

و الإسكان أحسن،لأنّه في الأصل نعت،إذ هو مشتقّ من فعل و هو البدانة،و ليس مثل خشبة و خشب، لأنّ خشبة اسم،و الضّمّ في خشب أحسن.(2:99)

الطوسيّ: نصب(البدن)بفعل مضمر،يدلّ عليه (جعلناها)و مثله وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ... يس:39،فيمن نصب القمر.[إلى أن قال:]

و قيل:البدنة إذا نحرت علّقت يد واحدة،فكانت على ثلاث،و كذلك تنحر،و عند أصحابنا تشدّ يداها إلى إبطيها،و تطلق رجلاها.و البقر تشدّ يداها و رجلاها، و يطلق ذنبها،و الغنم تشدّ يداها و رجل واحدة،و تطلق الرّجل الأخرى.(7:317)

البغويّ: (البدن):جمع بدنة،سمّيت بدنة لعظمها و ضخامتها،يريد الإبل العظام الصّحاح الأجسام.

(3:340)

الميبديّ: جمع بدنة كخشبة و خشب،و أصله الضّمّ ثمّ خفّف،و قيل:بادن و بدن،كفاره و فره.و أصلها من الضّخامة،يقال:بدن بدانة،إذا ضخم ضخامة.

(و البدن):الإبل.(6:368)

الزّمخشريّ: جمع بدنة،سمّيت لعظم بدنها،و هي الإبل خاصّة،و لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ألحق البقر بالإبل، حين قال:البدنة عن سبعة،و البقرة عن سبعة»،فجعل البقر في حكم الإبل.

صارت البدنة في الشّريعة متناولة للجنسين،عند أبي حنيفة و أصحابه،و إلاّ فالبدن هي الإبل،و عليه تدلّ الآية.

و قرأ الحسن (و البدن) بضمّتين،كثمر في جمع ثمرة، و ابن أبي إسحاق بالضّمّتين و تشديد النّون على لفظ الوقف.و قرئ بالنّصب و الرّفع كقوله: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ.... (3:14)

ص: 25

نحوه البيضاويّ(2:92)،و ابن كثير(4:642)، و أبو السّعود(4:380).

الطّبرسيّ: (و البدن)و هي الإبل العظام.(4:86)

الفخر الرّازيّ: [قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

إذا قال:للّه عليّ بدنة،هل يجوز له نحرها في غير مكّة؟

قال أبو حنيفة و محمّد رحمهما اللّه: يجوز،و قال أبو يوسف رحمه اللّه:لا يجوز إلاّ بمكّة.و اتّفقوا فيمن نذر هديا أنّ عليه ذبحه بمكّة.

و لو قال:للّه عليّ جزور،أنّه يذبحه حيث شاء.

و قال أبو حنيفة رحمه اللّه: البدنة بمنزلة الجزور،فوجب أن يجوز له نحرها حيث يشاء،بخلاف الهدي فإنّه تعالى قال: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ المائدة:95،فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي.

و احتجّ أبو يوسف رحمه اللّه بقوله تعالى: وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فكان اسم البدنة يفيد كونها قربة،فكان كاسم الهدي.

أجاب أبو حنيفة رحمه اللّه بأنّه ليس كلّ ما كان ذبحه قربة، اختصّ بالحرم،فإنّ الأضحيّة قربة،و هي جائزة في سائر الأماكن.(33:35)

نحوه النّيسابوريّ.(17:99)

القرطبيّ: (و البدن)و قرأ ابن أبي إسحاق:

(و البدن)لغتان:واحدتها بدنة.كما يقال:ثمرة و ثمرة و ثمر،و خشبة و خشب و خشب.و في التّنزيل: وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ (1)الكهف:34،و قرئ (ثمر) لغتان.و سمّيت بدنة لأنّها تبدن،و البدانة السّمن.و قيل:إنّ هذا الاسم خاصّ بالإبل.و قيل:البدن:جمع بدن بفتح الباء و الدّال.

و يقال:بدن الرّجل بضمّ الدّال،إذا سمن،و بدّن بتشديدها،إذا كبر و أسنّ.و في الحديث:«إنّي قد بدّنت» أي كبرت و أسننت.«و روي«بدنت»و ليس له معنى، لأنّه خلاف صفته صلّى اللّه عليه و سلّم،و معناه كثرة اللّحم.يقال:بدن الرّجل يبدن بدنا و بدانة فهو بادن،أي ضخم.

اختلف العلماء في(البدن)هل تطلق على غير الإبل من البقر أم لا؟

فقال ابن مسعود و عطاء و الشّافعيّ:لا.و قال مالك و أبو حنيفة:نعم.

و فائدة الخلاف فيمن نذر بدنة فلم يجد البدنة،أو لم يقدر عليها،و قدر على البقرة،فهل تجزئه أم لا؟

فعلى مذهب الشّافعيّ و عطاء لا تجزئه،و على مذهب مالك تجزئه.

و الصّحيح ما ذهب إليه الشّافعيّ و عطاء،لقوله عليه السّلام في الحديث الصّحيح،في يوم الجمعة:«من راح في السّاعة الأولى فكأنّما قرّب بدنة،و من راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة»الحديث.

فتفريقه عليه السّلام بين البقرة و البدنة يدلّ على أنّ البقرة لا يقال عليها:بدنة،و اللّه أعلم.و أيضا قوله تعالى:

فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها الحجّ:36،يدلّ على ذلك،فإنّ الوصف خاصّ بالإبل.و البقر يضجع و يذبح كالغنم، على ما يأتي.

و دليلنا أنّ البدنة مأخوذة من«البدانة»و هو الضّخامة،و الضّخامة توجد فيهما جميعا.و أيضا فإنّر.

ص: 26


1- و القراءة المشهورة:ثمر.

البقرة في التّقرّب إلى اللّه تعالى بإراقة الدّم بمنزلة الإبل، حتّى تجوز البقرة في الضّحايا عن سبعة كالإبل.

و هذا حجّة لأبي حنيفة حيث وافقه الشّافعيّ على ذلك،و ليس ذلك في مذهبنا.

حكى ابن شجرة أنّه يقال في الغنم:بدنة،و هو قول شاذّ.و البدن هي الإبل الّتي تهدى إلى الكعبة،و الهدي عامّ في الإبل و البقر و الغنم.(12:60)

البروسويّ: منصوب بمضمر يفسّره ما بعده،كقوله تعالى: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ يس:39،جمع بدنة،و هي الإبل و البقر،ممّا يجوز في الهدي و الأضاحيّ،سمّيت بها لعظم بدنها.(6:35)

الآلوسيّ: أي من أعلام دينه الّتي شرّعها اللّه تعالى.(و البدن)جمع بدنة،و هي كما قال الجوهريّ:ناقة أو بقرة تنحر بمكّة.

و سمّيت بذلك لعظم بدنها،لأنّهم كانوا يسمّنونها،ثمّ يهدونها.و كونها من النّوعين قول معظم أئمّة اللّغة،و هو مذهب الحنفيّة.فلو نذر نحر بدنة،يجزئه نحر بقرة عندهم،و هو قول عطاء و سعيد بن المسيّب.

و أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر،عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما:لا تعلم البدن إلاّ من الإبل و البقر.

و في صحيح مسلم عن جابر رضي اللّه تعالى عنه:

كنّا ننحر البدنة عن سبعة،فقيل:و البقرة؟فقال:و هل هي إلاّ من البدن.

و قال صاحب«البارع»من اللّغويّين:إنّها لا تطلق على ما يكون من البقر،و روي ذلك عن مجاهد، و الحسن،و هو مذهب الشّافعيّة.

فلا يجزئ عندهم من نذر نحر بدنة نحر بقرة،و أيّد بما رواه أبو داود عن جابر،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«البدنة عن سبعة،و البقرة عن سبعة»فإنّ العطف يقتضي المغايرة،و فيما يأتي آخرا تأييد لذلك أيضا.

و الظّاهر أنّ استعمال«البدنة»فيما يكون من الإبل أكثر،و إن كان أمر الإجزاء متّحدا.

و لعلّ مراد جابر بقوله في البقرة:«و هل هي إلاّ من البدن»أنّ حكمها حكمها،و إلاّ فيبعد جهل السّائل بالمدلول اللّغويّ ليردّ عليه بذلك.

و يمكن أن يقال فيما روي عن ابن عمر:أنّ مراده ب«البدن»فيه البدن الشّرعيّة،و لعلّه إذا قيل باشتراكهما بين ما يكون من النّوعين،يحكم العرف أو نحوه في التّعيين فيما إذا نذر الشّخص بدنة.

و يشير إلى ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة،و عبد بن حميد عن يعقوب الرّياحيّ عن أبيه قال:أوصى إليّ رجل،و أوصى ببدنة،فأتيت ابن عبّاس فقلت له:إنّ رجلا أوصى إليّ و أوصى ببدنة،فهل تجزئ عنّي بقرة؟ قال:نعم.

ثمّ قال:ممّن صاحبكم؟فقلت:من رياح.

قال:و متى اقتنى بنو رياح البقر إلى الإبل و هم صاحبكم؟إنّما البقر لأسد،و عبد القيس.فتدبّر.

و قرأ الحسن و ابن أبي إسحاق و شيبة و عيسى (البدن) بضمّ الباء و الدّال.قيل:و هو الأصل كخشب و خشبة،و إسكان الدّال تخفيف منه،و رويت هذه القراءة عن نافع و أبي جعفر.

و قرأ ابن أبي إسحاق أيضا بضمّ الباء و الدّال و تشديد النّون،فاحتمل أن يكون اسما مفردا بني على

ص: 27

«فعلّ»كعتلّ،و احتمل أن يكون التّشديد من التّضعيف الجائز في الوقف،و أجري الوصل مجرى الوقف.

و الجمهور على نصب(البدن)على الاشتغال،أي و جعلنا البدن جعلناها،و قرئ بالرّفع على الابتداء.

(17:155)

نحوه عزّة دروزة(7:100)،و عبد الكريم الخطيب (8:1039)

سيّد قطب:و يخصّ(البدن)بالذّكر،لأنّها أعظم الهدي،فيقرّر أنّ اللّه أراد بها الخير لهم،فجعل فيها خيرا،و هي حيّة تركب و تحلب،و هي ذبيحة تهدى و تطعم،فجزاء ما جعلها اللّه خيرا لهم أن يذكروا اسم اللّه عليها،و يتوجّهوا بها إليه،و هي تهيّأ للنّحر.

(4:2423)

الطّباطبائيّ: (البدن)بالضّمّ فالسّكون:جمع بدنة بفتحتين،و هي السّمينة الضّخمة من الإبل.و السّياق أنّها من الشّعائر باعتبار جعلها هديا.(14:375)

المصطفويّ: (البدن):جمع بدنة،و لا يبعد شمولها على البقر أيضا.و البدنة في أصل اللّغة:مفرد البدن، كخشبة و الخشب،إلاّ أنّ كلمة البدنة-بخصوصها-قد استعملت في الجمل و البقر المهداة في الحجّ،و لا يجوز التّجاوز عنها.(1:219)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البدن على وجهين:الجسد،و البدن.

فوجه منها:البدن هو الجسد،قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يونس:92،أي بجسدك.

و الوجه الثّاني:البدن يعني البدنة،قوله تعالى:

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ الحجّ:36.

(167)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة البدن،و هو جسم الإنسان دون الرّأس و الأطراف،ثمّ قيل لعضو الجزور:بدن، و الجمع:أبدان،يقال:إنّها لحسنة الأبدان.و أطلق على ما ينحر في مكّة من ناقة أو بعير أو بقرة:بدنة،و الجمع:

بدن و بدن،لعظم أبدانها

و منه:بدن الرّجل يبدن بدنا،و بدن يبدن بدانة:

سمن،فهو بادن و بدين،و الجمع:بدن،و بدّن.

و من المجاز:بدّن الرّجل تبدينا:أسنّ،فهو مبدّن، و رجل بدن:مسنّ.

و البدن:الوعل المسنّ،و الدّرع القصيرة.

2-لم يرد من تقاليب حروف هذه المادّة في العربيّة سوى«ن د ب»،أمّا ما جاء من«ب ن د»-و هو البند- فدخيل،كما قال الخليل.و هذا يعكس ضيق استعمال هذا التّركيب،و قلّة معانيه كما ترى،و لم يرد شيء من مادّة«ب د ن»في سائر اللّغات السّاميّة،أخوات اللّغة العربيّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء لفظان من هذه المادّة في الآيتين:

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً

يونس:92

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ الحجّ:36

ص: 28

يلاحظ أوّلا:أنّ لفظ(ببدنك)في الآية الأولى يصلح أن يكون حالا من(ننجّيك)،فمعنى الآية-كما ذهب إلى ذلك أكثر المفسّرين-اليوم يا فرعون ننجّيك ملابسا بدنك دون روحك،لتكون عبرة للأجيال بعدك.

أمّا من فسّر«البدن»بالدّرع-كما ذهب إليه بعض المفسّرين-فلا يستقيم له هذا المعنى.

ثانيا:يرى الشّيخ الطّنطاويّ صاحب«الجواهر»أنّ التّنجية بالبدن في الآية،هو التّحنيط الّذي كان معروفا عند قدماء المصريّين،إذ عثر على موميا فرعون موسى المسمّى«منفطه»منذ سنين في جهات الوجه البحريّ،في مديريّة الشّرقيّة من مصر (1).و لا زال محفوظا إلى يومنا هذا في القاعة العليا من المتحف القوميّ في القاهرة،و لمّا مررت عليه هناك تلا الدّليل هذه الآية المباركة فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، و لا شكّ أنّه إخبار غيبيّ عن المستقبل.

و قيل:إنّ فرعون موسى هو«سيتي»الثّاني ابن «منفطه»و قد عثر على جثّته منذ سنين أيضا بطيبة (2).

ثالثا:عدّ اللّه تعالى(البدن)في الآية الثّانية من شعائره،و بذا ساواها بالصّفا و المروة،لقوله: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ البقرة:158،فناحر البدن كالسّاعي بين الصّفا و المروة،و كلاهما ذو تقوى،قال تعالى: ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الحجّ:32.

رابعا:لمّا أتى القرآن على ذكر الشّعائر لم يتعرّض لمردودها على الإنسان،إلاّ عند ذكر البدن و الأنعام، و بيّن ذلك بلفظ(لكم فيها)أو(لهم فيها)،ثمّ أردفهما بلفظ(منافع)أو(دفء)أو(خير)،كما في هذه الآية.

و هذا يدلّ على منافع الأنعام و خيرها دنيا و آخرة، و انحصار أثر سائر الشّعائر في الآخرة فقط.).

ص: 29


1- الجواهر(6:83).
2- دائرة معارف القرن العشرين(9:30).

ص: 30

ب د و

اشارة

17 لفظا،31 مرّة:12 مكّيّة،19 مدنيّة

في 16 سورة:8 مكّيّة،8 مدنيّة

بدا 9:5-1 يبدون 1:-1

بدت 3:2-1 لتبدي 1:1

بادي 1:1 يبدين 2:-2

الباد 1:-1 تبدون 3:-3

بادون 1:-1 تبدونها 1:-1

البدو 1:1 تبدوا 4:-4

ليبدي 1:1 تبدوه 1:-1

يبدها 1:1 تبد 2:-2

مبديه 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بدا الشّيء يبدو بدوا و بدوّا،أي ظهر، و بدأني فلان بكذا،و بدا له في هذا الأمر بداء و بدوا.

و البادية:اسم للأرض الّتي لا حضر فيها،أي لا محلّة فيها دائمة.فإذا خرجوا من الحضر إلى المراعي و الصّحارى قيل:بدوا بدوا.

و يقال:أهل البدو و أهل الحضر.

و البداء:يكنّي عنه الفعل:أبدى يبدي.(8:83)

الفرّاء: يقال:أفعل هذا بادي بديّ،كقولك:أوّل شيء،و كذلك بدأة ذي بديّ.و من كلام العرب:بادي بديّ،بهذا المعنى إلاّ أنّه لم يهمز.(ابن منظور 14:67)

أبو زيد: البداوة و الحضارة،بفتح الباء و كسر الحاء.(الأزهريّ 14:203)

الأصمعيّ: هي[البادية]،البداوة و الحضارة، بكسر الباء و فتح الحاء.(الأزهريّ 14:203)

اللّحيانيّ: و بداوة الأمر:أوّل ما يبدو منه.

(ابن منظور 14:65)

الدّينوريّ: بدوتا الوادي:جانباه.

(ابن منظور 14:68)

المبرّد: تقول العرب:فلان باد و فلان حاضر،

ص: 31

و في الحديث:«و لا يبيعنّ حاضر لباد»،و تأويل ذلك أنّ البادي يقدم،و قد عرف أسعار ما معه و ما مقدار ربحه، فإذا جاءه الحاضر عرّفه سنّة البلد،فأغلى على النّاس.(1:39)

و قوله:أباديهم،يعني أظهر لهم،غير مهموز،يقال:

بدا يبدو غير مهموز،إذا ظهر،و بدأت بهذا مهموز،إذا أردت به معنى الأوّل.(1:387)

ابن دريد :البدو:خلاف الحضر.و بدوت أبدو، إذا ظهرت.و بدا لي الشّيء بدوا و بدوّا،إذا ظهر لك.

و كلّ شيء ظهر لك فقد بدا لك.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدا لي في الأمر،إذا أضربت عنه،بدوا و بداء.(1:249)

و بديت بالشّيء و بدوت به،إذا قدّمته،بالفتح و الكسر في«بديت»و هي لغة الأنصار.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدا الرّجل يبدو،إذا نزل البادية.

و بدت بواد من فلان،أي ظهرت لنا ظواهر، و البديّة:موضع.(3:202)

ابن الأنباريّ: في قولهم:أبو البدوات،معناه أبو الآراء الّتي تظهر له،و واحدة البدوات:بداة،يقال:

بداة و بدوات،كما يقال:قطاة و قطوات.

و كانت العرب تمدح بهذه اللّفظة،فيقولون للرّجل الحازم:ذو بدوات،أي ذو آراء تظهر له،فيختار بعضا و يسقط بعضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و بدا لي بداء،أي تغيّر رأيي على ما كان عليه.

و يقال:بدا لي من أمرك بداء،أي ظهر لي.

(ابن منظور 14:66)

الأزهريّ: و من هذا[بدا الشّيء يبدو بدوّا،إذا ظهر]أخذ ما يكتبه الكتّاب في أعقاب الكتب:و بداءات عوارضتك على فعالات،واحدتها:بداءة،بوزن فعالة تأنيث بداء،أي ما يبدو بدوّا من عوارضك،و هذا مثل السّماء لما سما و علاك من سقف أو غيره.

و بعضهم يقول:سماوة،و لو قيل:«بدوات»في بداءات الحوائج كان جائزا.

البادية:خلاف الحاضرة،و الحاضرة:القوم الّذين يحضرون المياه،و ينزلون عليها في حمراء القيظ،فإذا برد الزّمان ظعنوا عن أعداد المياه،و بدوا طلبا للقرب من الكلأ؛فالقوم حينئذ بادية بعد ما كانوا حاضرة،و بادون بعد ما كانوا حاضرين،و هي مباديهم:جمع مبدى،و هي المناجع ضدّ المحاضر.

و يقال لهذه المواضع الّتي يتبدّى إليها البادون:بادية أيضا،و هي البوادي و القوم أيضا بواد،جمع بادية.

و يقال للرّجل إذا تغوّط و أحدث:قد أبدى فهو مبد.و قيل له:مبد،لأنّه إذا أحدث برز من البيوت، و هو متبرّز أيضا.

قيل للبرّيّة:بادية،لأنّها ظاهرة بارزة،و قد بدوت أنا و أبديت غيري،و كلّ شيء أظهرته فقد أبديته.

(14:202)

الصّاحب: بدا الشّيء يبدو بدوّا:إذا ظهر.

و باديته:جاهرته.و ركيّ مبد:بارز ماؤه،و بئر مبدية.

ص: 32

و بدّيت فلانا أبدّيه برحيل أو جري،إذا قدّمته.

و أبديت في منطقك،إذا جرت.

و البداء:اسم من بدا يبدو على وزن«العلاء»و هو ذو بدوات،لأنّه يأمر ثمّ ينهى،و بدا له في الأمر:

انصرف عنه.

و البادية:اسم للأرض الّتي لا حضر فيها،و اسمه البدو.و البداوة:هم أهل البدو.

و بدا الرّجل يبدو:نزل البادية،فهو باد،و في الحديث:«من بدا جفا».

و رجل بداويّ،أي بدويّ.

و الأبداء:المفاصل،واحدها:بدا مقصور،و هو أيضا:بدو،و جمعه:بدوّ.

و ما هو لك بعدّ و لا بدو،أي بنظير،و ذلك إذا كان يباديه.

و باد بين الخيطين،أي قايس بينهما.

و البدا:البطل من الرّجال.

و بدو الرّجل:سلحه،بدا الرّجل بدوا.

و بدا مقصور:اسم موضع،أو قرية على ساحل البحر.

و دارة بدوتين:لربيعة بن عقيل.

و بدوتان:هضبتان في أجوافهما ماء.(9:373)

ابن خالويه :ليس أحد يقول:بديت بمعنى بدأت إلاّ الأنصار،و النّاس كلّهم:بديت و بدأت،لمّا خفّفت الهمزة كسرت الدّال فانقلبت الهمزة ياء،و ليس هو من بنات الياء.(ابن منظور 14:67)

الجوهريّ: بدا الأمر بدوّا مثل قعد قعودا،أي ظهر.و أبديته:أظهرته.و قرئ قوله تعالى: هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27،أي في ظاهر الرّأي.و من همزه جعله من«بدأت»و معناه أوّل الرّأي.

و بدا القوم بدوا،أي خرجوا إلى باديتهم،مثال قتل قتلا.

و بدا له في هذا الأمر بداء ممدود،أي نشأ له فيه رأي،و هو ذو بدوات.

و البدو:البادية،و النّسبة إليه بدويّ.و في الحديث:

«من بدا جفا»أي من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب.

و البداوة:الإقامة بالبادية-يفتح و يكسر-و هو خلاف الحضارة.قال ثعلب:لا أعرف البداوة بالفتح،إلاّ عن أبي زيد وحده،و النّسبة إليها بداويّ.

و المبدى:خلاف المحضر.

و بادى فلان بالعداوة،أي جاهر بها.و تبادوا بالعداوة،أي تجاهروا بها.

و تبدّى الرّجل:أقام بالبادية،و تبادى:تشبّه بأهل البادية.

و يقال:أبديت في منطقك،أي جرت،مثل أعديت، و منه قولهم:السّلطان ذو عدوان و ذو بدوان،بالتّحريك فيهما.

و أهل المدينة يقولون:بدينا،بمعنى بدأنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أفعل ذاك بادئ بدء و بادي بديّ،أي أوّلا.

و أصله الهمز،و إنّما ترك لكثرة الاستعمال،و ربّما جعلوه اسما للدّاهية.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 33

و هما اسمان جعلا اسما واحدا،مثل معديكرب، و قالي قلا.(6:2278)

ابن فارس: الباء و الدّال و الواو أصل واحد،و هو ظهور الشّيء،يقال:بدا الشّيء يبدو،إذا ظهر فهو باد.

و سمّي خلاف الحضر بدوا،من هذا،لأنّهم في براز من الأرض،و ليسوا في قرى تسترهم أبنيتها.و البادية:

خلاف الحاضرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:بدا لي في هذا الأمر بداء،أي تغيّر رأيي عمّا كان عليه.(1:212)

أبو هلال: الفرق بين البدو و الظّهور:أنّ الظّهور يكون بقصد و بغير قصد،تقول:استتر فلان ثمّ ظهر، و يدلّ هذا على قصده للظّهور.و يقال:ظهر أمر فلان، و ان لم يقصد لذلك.

فأمّا قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الرّوم:41،فمعنى ذلك:الحدوث،و كذلك قولك:

ظهرت في وجهه حمرة،أي حدثت،و لم يعن أنّها كانت فيه فظهرت.

و البدو:ما يكون بغير قصد،تقول:بدا البرق،و بدا الصّبح،و بدت الشّمس،و بدا لي في الشّيء،لأنّك لم تقصد للبدو.

و قيل:في هذا بدو،و في الأوّل:بدء،و بين المعنيين فرق،و الأصل واحد.(237)

الهرويّ: يقال:بدا لي،و لا يذكر الفاعل،لأنّ في أوّل الكلام دليلا عليه،و يقال:فلان ذو بدوات،و هو مدح و ذمّ.

فأمّا المدح فمعناه:أنّه ينزل به الأمر المشكل،فيبدو له فيه رأي بعد رأي،إلى أن يستقيم رأيه فيعزم عليه.

[ثمّ استشهد بشعر]

واحدها:بداة،كما تقول:قطاة و قطوات،و نواة و نويات.و تقول:أعلمني بداءات عوارضك بوزن «فعالات»الواحدة:بداءة على«فعالة»أي ما يبدو من حاجتك،و الأصل فيهما واحد،غير أنّ الأوّل فعلة و الآخر فعالة.

و أمّا الذّمّ فإنّه يعني به أنّه لا يستقيم له رأي،كلّما عنّ له رأي اعترضه رأي آخر فلا صريمة له.

و في الحديث:«كان إذا اهتمّ لشيء بدا»أي خرج إلى البدو.

و في الحديث:«أنّه أراد البداوة مرّة»يعني الخروج إلى البادية،و فيها لغتان:بداوة و بداوة.(1:145)

ابن سيدة: بدا الشّيء بدوا،و بدوّا،و بداء و بدا، الأخيرة عن سيبويه:ظهر.

و أبديته أنا.

و بداوة الأمر:أوّل ما يبدو منه.هذه عن اللّحيانيّ، و قد تقدّم ذلك في الهمز.

و بادي الرّأي:ظاهره عن ثعلب،و قد تقدّم في الهمزة.

و أنت بادى الرّأي تفعل كذا،حكاه اللّحيانيّ بغير همز.و معناه:أنت فيما بدا من الرّأي و ظهر.

و بدا له في الأمر،بدوا و بدا و بداء،قال الشّمّاخ:

لعلّك و الموعود حقّ و فاؤه

بدا لك في تلك القلوص بداء

و قال سيبويه-في قوله عزّ و جلّ: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ

ص: 34

بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ يوسف:35،أراد:بدا لهم بداء.و قالوا:ليسجننّه ذهب إلى أنّ موضع (ليسجننّه)لا يكون فاعل(بدا)لأنّه جملة،و الفاعل لا يكون جملة.

و بداني بكذا يبدوني،كبدأني.

و افعل ذلك بادي بد.و بادي بدي،قال:

*و قد علتني ذرأة بادي بدي*

و قد تقدّم في الهمز.

و حكاه سيبويه: بادي بدا،و قال:لا تنوّن و لا يمنع القياس تنوينه.

و البدو و البادية،و الباداة،و البداوة:خلاف الحضر،و النّسب إليه بدويّ نادر.و بداويّ و بداويّ و هو على القياس؛لأنّه حينئذ منسوب إلى البداوة و البداوة،و إنّما ذكرته لأنّ العامّة لا يعرفون غير بدويّ.

فإن قلت:إنّ البداويّ قد يكون منسوبا إلى البدو، و البادية،فيكون نادرا.قيل:إنّه إذا أمكن في الشّيء المنسوب أن يكون قياسا و شاذّا كان حمله على القياس أولى؛لأنّ القياس أشيع و أوسع.

و بدا القوم بداء:خرجوا إلى البادية.و في التّنزيل:

وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ الأحزاب:20،أي إذا جاءت الجنود و الأحزاب ودّوا أنّهم في البادية،و قال ابن الأعرابيّ:

إنّما يكون ذلك في ربيعهم،و إلاّ فهم حضّار على مياههم.

و قوم بدّا،و بدّاء:بادون.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا قول ابن أحمر:

جزى اللّه قومي بالأبلّة نصرة

و بدوا لهم حول الفراض و حضّرا

فقد يكون اسما لجمع باد،كراكب و ركب،و قد يجوز أن يعني به البداوة الّتي هي خلاف الحضارة،كأنّه قال:و أهل بدو.

و قال أبو حنيفة:بدوتا الوادي:جانباه.

و البدا،مقصور:ما يخرج من دبر الرّجل.

و بدا الرّجل:أنجى فظهر ذلك منه.

و البدا:مفصل الإنسان،و جمعه:أبداء،و قد تقدّم في الهمز.

و البدا:السّيّد،و قد تقدّم هنالك أيضا.

و البديّ،و وادي البديّ:موضعان.

و إنّما قضينا على ما لم تظهر واوه من هذا الباب أنّها واو لسعة«ب د و»و ضيق«ب د ي».(9:441)

البدا:السّلح،بدا الرّجل يبدو.و أبدى:أنجى،فظهر نجوه من دبره.(الإفصاح 1:478)

الطّوسيّ: الإبداء و الإعلان و الإظهار بمعنى واحد، يقال:بدا و علن و ظهر.يقال:بدا يبدو من الظّهور،و بدأ يبدأ بدء بالهمز،بمعنى استأنف.

قال صاحب«العين»: بدا الشّيء يبدو بدوا،إذا ظهر.و بدا له في الأمر،بدء و بداء بالهمز،بمعنى استأنف.

و البادية:اسم الأرض الّتي لا حضر فيها،و إذا خرج النّاس من الحضر إلى الصّحراء و المرعى،يقال:

بدوا بدا،و اسمه البدو.و يقال:أهل البدو و أهل الحضر.

و أصل الباب الظّهور،و الخفاء نقيض الظّهور.(1:145)

يقال:بدا يبدو بدوّا و أبداه إبداء،إذا أظهره.و بدا له

ص: 35

في الأمر بدوا و بدا و بداء،إذا تغيّر رأيه،لأنّه ظهر له.

و البادية:خلاف الحاضرة.و البدو:خلاف الحضر من الظّهور.(4:39)

الرّاغب: بدا الشّيء بدوا و بداء،أي ظهر ظهورا بيّنا،قال اللّه تعالى: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47، وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا الزّمر:48، فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما طه:121.

و البدو:خلاف الحضر،قال تعالى: وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف:100،أي البادية،و هي كلّ مكان يبدو ما يعنّ فيه،أي يعرض.

و يقال للمقيم بالبادية:باد،كقوله: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ الحجّ:25، لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ الأحزاب:20.(40)

الزّمخشريّ: لقد بدوت يا فلان،أي نزلت البادية و صرت بدويّا،و مالك و البداوة،و تبدّى الحضريّ.

و يقال:أين النّاس؟فتقول:قد بدوا،أي خرجوا إلى البدو،و كانت لهم غنيمات يبدون إليها.

و فعل كذا ثمّ بدا له،و بدا له في هذا الأمر بداء،و هو ذو بدوات،و كلّفني من بدواتك،أي من حوائجك الّتي تبدو لك.

و ركيّ مبد:بارز ماؤه،و نقيضه:ركيّ غامد.(أساس البلاغة:18)

المدينيّ: في الحديث:«كان أبرص و أقرع و أعمى بدا للّه عزّ و جلّ أن يبتليهم»،أي قضى اللّه تبارك و تعالى ذلك،و هو معنى«البداء»هاهنا،لأنّ القضاء سابق.

و البداء:استصواب شيء علم ذلك فيه بعد أن لم يعلم،و ذلك على اللّه عزّ و جلّ غير جائز،لأنّه قد علم جميع ما يكون.

في الحديث:«أمر أن يبادي النّاس بأمره»،أي يظهر أمره لهم.(1:138)

ابن الأثير: فيه:«كان إذا اهتمّ لشيء بدا»أي خرج إلى البدو،يشبه أن يكون يفعل ذلك ليبعد عن النّاس و يخلو بنفسه.و منه الحديث:«أنّه كان يبدو إلى هذه التّلاع».

و حديث الدّعاء: «فإنّ جار البادي يتحوّل»هو الّذي يكون في البادية و مسكنه المضارب و الخيام،و هو غير مقيم في موضعه،بخلاف جار المقام في المدن -و يروى النّادي بالنّون-و منه الحديث:«لا يبع حاضر لباد».

و منه الحديث: «السّلطان ذو عدوان و ذو بدوان»أي لا يزال يبدو له رأي جديد.

و في حديث سلمة بن الأكوع: «خرجت أنا و رباح مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و معي فرس طلحة أبديه مع الإبل» أي أبرزه معها إلى مواضع الكلأ.و كلّ شيء أظهرته،فقد أبديته و بدّيته.

و منه الحديث: «من يبدلنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه»أي من يظهر لنا فعله الّذي كان يخفيه أقمنا عليه الحدّ.

و فيه:

باسم الإله و به بدينا و لو عبدنا غيره شقينا

يقال:بديت بالشّيء بكسر الدّال،أي بدأت به،فلمّا خفّف الهمزة كسر الدّال فانقلبت الهمزة،ياء،و ليس هو

ص: 36

من بنات الياء.و في حديث سعد بن أبي وقّاص،قال يوم الشّورى:«الحمد للّه بديّا»البديّ،بالتّشديد:الأوّل، و منه قولهم:افعل هذا بادي بديّ،أي أوّل كلّ شيء.

و فيه:«لا تجوز شهادة بدويّ على صاحب قرية» إنّما كره شهادة البدويّ لما فيه من الجفاء في الدّين و الجهالة بأحكام الشّرع،و لأنّهم في الغالب لا يضبطون الشّهادة على وجهها،و إليه ذهب مالك،و النّاس على خلافه.(1:108)

الفيّوميّ: بدا يبدو بدوّا:ظهر،فهو باد.و يتعدّى بالهمزة،فيقال:أبديته.

و بدا إلى البادية بداوة،بالفتح و الكسر:خرج إليها، فهو باد أيضا.

و البدو مثال فلس:خلاف الحضر،و النّسبة إلى البادية:بدويّ على غير قياس،و البوادي:جمع البادية.

و بدا له في الأمر:ظهر له ما لم يظهر أوّلا،و الاسم البداء، مثل سلام.(1:40)

الجرجانيّ: البداء:ظهور الرّأي بعد أن لم يكن.

البدائيّة:هم الّذي جوّزوا البداء على اللّه تعالى.

(19)

الفيروزآباديّ: بدا بدوا و بدوّا و بداء و بداءة و بدوّا:ظهر،و أبديته و بداوة الشّيء:أوّل ما يبدو منه.

و بادي الرّأي:ظاهره.

و بدا له في الأمر بدوا و بداء و بداة:نشأ له فيه رأي.

و هو ذو بدوات.

و فعله بادي بديّ،و بادي بدّ،و بادي بدا،أصلها الهمزة،و ذكرت بلغتها.

و البدو و البادية و الباداة و البداوة:خلاف الحضر.

و تبدّى:أقام بها،و تبادى:تشبّه بأهلها،و النّسبة بداويّ كسخاويّ،و بداويّ بالكسر،و بدويّ محرّكة نادرة.

و بدا القوم بدا:خرجوا إلى البادية،و قوم بدى و بدّا:

بادون،و بدوتا الوادي:جانباه.

و البدا،مقصورا:السّلح،و بدا:أنجى فظهر نجوه من دبره كأبدا،و بدا الإنسان:مفصله،جمعه:أبداء.

بادى بالعداوة:جاهر كتبادى.و البداة:الكمأة، و بدأت و قد بديت الأرض فيهما كرضيت.(4:304)

الطّريحيّ: أبدى الشّيء:أظهره،و منه سمّيت البادية لظهورها.

و البدوّ،على«فعول»:الظّهور،و منه الحديث:«نهى عن بيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها»أي قبل ظهوره،و هو أن يحمرّ البسر أو يصفرّ.

و البدو كفلس:خلاف الحضر،و في الحديث:«أتى أهل البادية رسول اللّه»أي جماعة من الأعراب سكّان البادية.

و البدويّ: نسبة إلى البادية،على غير القياس،و في الخبر:«كره شهادة البدويّ على صاحب قرية».

قيل:لما فيه من الجفاء في الدّين،و الجهالة بأحكام الشّرع،و لأنّهم في الغالب لا يضبطون الشّهادة على وجهها.

و فلان ذو بداوة،أي لا يزال يبدو له رأي جديد.

و منه بدا له في الأمر،إذا ظهر له استصواب شيء غير الأوّل.

و الاسم منه:البداء كسلام،و هو بهذا المعنى

ص: 37

مستحيل على اللّه تعالى،كما جاءت به الرّواية عنهم عليهم السّلام:«بأنّ اللّه لم يبد له من جهل»،و قوله عليه السّلام:

«ما بدا للّه في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له».

و قد تكثّرت الأحاديث من الفريقين في«البداء» مثل:«ما عظّم اللّه بمثل البداء».

و قوله:«ما بعث اللّه نبيّا حتّى يقرّ له بالبداء»أي يقرّ له بقضاء مجدّد في كلّ يوم بحسب مصالح العباد،لم يكن ظاهرا عندهم.و كأنّ الإقرار عليهم بذلك،للرّدّ على من زعم أنّه تعالى فرغ من الأمر،و هم اليهود،لأنّهم يقولون:«إنّ اللّه عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء،فقدّر كلّ شيء على وفق علمه».

و في الخبر: «الأقرع و الأبرص و الأعمى بدا للّه عزّ و جلّ أن يبتليهم»أي قضى بذلك،و هو معنى «البداء»هاهنا،لأنّ القضاء سابق.

و مثله في اليهود:«بدا للّه أن يبتليهم»أي ظهر له إرادة و قضاء مجدّد بذلك عند المخلوقين.

و في حديث الصّادق عليه السّلام: «ما بدا للّه في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني»يعني ما ظهر له سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ابني،إذ اخترمه قبلي،ليعلم أنّه ليس بإمام بعدي.

و في حديث العالم عليه السّلام: «المبرم من المفعولات:

ذوات الأجسام المدركات بالحواسّ،من ذوي لون و ريح و وزن و كيل،و ما دبّ و درج من إنس و جنّ و طير و سباع،و غير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ،فللّه تبارك و تعالى فيه البداء،ممّا لا عين له،فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء،و اللّه يفعل ما يشاء».و فيه من توضيح معنى«البداء»ما لا يخفى.

و قال الشّيخ في«العدّة»: و أمّا البداء فحقيقته في اللّغة:الظّهور،و لذلك يقال:بدا لنا سور المدينة،و بدا لنا وجه الرّأي،قال تعالى: وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا الجاثية:33، وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا الزّمر:48، و يراد بذلك كلّه:ظهر.

و قد يستعمل ذلك في العلم بالشّيء بعد أن لم يكن حاصلا،و كذلك في الظّنّ.

فأمّا إذا أضيفت هذه اللّفظة إلى اللّه تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه،و منه ما لا يجوز.

فأمّا ما يجوز من ذلك،فهو ما أفاد«النّسخ»بعينه، و يكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التّوسّع.

و على هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصّادقين عليهما السّلام من الأخبار المتضمّنة لإضافة«البداء» إلى اللّه تعالى،دون ما لا يجوز عليه،من حصول العلم بعد أن لم يكن.

و يكون وجه إطلاق ذلك عليه و التّشبيه،هو أنّه إذا كان ما يدلّ على«النّسخ»يظهر به للمكلّفين ما لم يكن ظاهرا،و يحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا، و أطلق على ذلك لفظ«البداء».

قال:و ذكر سيّدنا المرتضى قدّس روحه وجها آخر في ذلك،و هو أن قال:يمكن حمل ذلك على حقيقته،بأن يقال:«بدا للّه»بمعنى أنّه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له،و بدا له من النّهي ما لم يكن ظاهرا له،لأنّ قبل وجود الأمر و النّهي لا يكونان ظاهرين مدركين،و إنّما يعلم أنّه يأمر أو ينهى في المستقبل.

ص: 38

فأمّا كونه آمرا و ناهيا فلا يصحّ أن يعلمه إلاّ إذا وجد الأمر و النّهي،و جرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ محمّد:31،بأن تحمله على أنّ المراد به:حتّى نعلم جهادكم موجودا،لأنّ قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا،و إنّما يعلم كذلك بعد حصوله،فكذلك القول في«البداء».

ثمّ قال:و هذا وجه حسن جدّا.(1:45)

مجمع اللّغة: بدا،وردت في القرآن كما يأتي:

1-بدا:

أ-بدا يبدو بدوا و بدوّا:ظهر.

ب-بدا له في الأمر كذا:ظهر له فيه رأي جديد، يقال:فعل كذا ثمّ بدا له كذا.

ج-بدا:خرج إلى البادية،أو أقام بالبادية.و جاء من هذا المعنى الأخير اسم الفاعل باد،و جمعه:بادون.

2-بادي الرّأي:ظاهره الّذي لا رويّة فيه.

3-أبدى الشّيء و بالشّيء:أظهره،و اسم الفاعل منه مبد.

4-البدو:البادية،و هو خلاف الحضر.(1:86)

العدنانيّ:«تبدّى:أقام بالبادية،ظهر».

و يخطّئون من يستعمل الفعل«تبدّى»بمعنى:ظهر، و يقولون:إنّ معنى الفعل«تبدّى»هو أقام بالبادية، اعتمادا على الصّحاح،و الأساس الّذي قال:«تبدّى الحضريّ»و المختار،و القاموس.لكن:يقول:إنّ معنى «تبدّى»هو:

أ-أقام بالبادية.

ب-ظهر.

كلّ من:قيس بن الحطيم القائل:

*تبدّت لنا كالشّمس تحت غمامة*

و اللّسان الّذي ذكر في مادّة«جيش»أنّ ابن الأعرابيّ أنشد:

*قامت تبدّى لك في جيشانها*

و يرى ابن سيدة أنّ الشّاعر أراد:«في جيشانها»أي قوّتها و شبابها،فسكّن الياء للضّرورة.

و التّاج الّذي ذكر ما جاء في اللّسان في مادّة «جيش»و المدّ،و محيط المحيط،و ذيل أقرب الموارد، و المتن الّذي استشهد ب:

و بدت لميس كأنّها قمر السّماء إذا تبدّى

و بصدر البيت الّذي استشهد به ابن الأعرابيّ،و المعجم الوسيط.

و جاء في متن اللّغة:تبدّى في منطقه:جار.(50)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد فيها هو الظّهور البيّن قهرا و من دون اختيار و قصد،و أمّا إطلاق«البدو» على الحضور في البادية،فهو في قبال الحضور بين النّاس و التّستّر بالعمارات،و السّكون تحت الأبنية و في محيط التّمدّن،فكأنّه يتبرّز و يبدو في واسع الأرض،و في فسحة لا ظلّ فيها لشيء،و يتخلّص من قيود المدنيّة.

و لا بدّ أن يكون البدو في البادية من حيث الظّهور،من حيث هو من دون توجّه إلى القصد و اختيار البادي،إذا كان الفرق المذكور صحيحا.

و أمّا الإبداء فهو باعتبار معناه الأصليّ،أي نسبة أصل المادّة إلى الفاعل في صيغة المجرّد لازما.

ص: 39

بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ الأنعام:28، أي ظهر ظهورا بيّنا قهريّا.

وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا الزّمر:48،تذكير الفعل من جهة الفصل بينه و بين فاعله السّيّئات،أي تظهر سيّئات ما عملوا ظهورا بيّنا لهم.

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ النّساء:149، إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ الأحزاب:54، وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ البقرة:33،فيظهر من هذه التّعبيرات أنّ الإبداء في مقابل الإخفاء و الكتمان،بخلاف الإظهار،فإنّه في مقابل البطون،كما قال تعالى:

وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ الحديد:3، ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151.

و هذا المعنى هو الفارق الحقيقيّ بين مادّة الظّهور و البدوّ.(1:220)

النّصوص التّفسيريّة

بدا

1- بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ...

الأنعام:28

ابن عبّاس: هم اليهود و النّصارى،و ذلك أنّهم لو سئلوا في الدّنيا هل تعاقبون على ما أنتم عليه؟قالوا:لا، ثمّ ظهر لهم عقوبة شركهم في الآخرة،فذلك قوله: بَلْ بَدا لَهُمْ. (أبو حيّان 4:103)

الحسن: بدا ما كان يخفيه بعضهم عن بعض.

(ابن الجوزيّ 3:23)

قتادة:يظهر ما كانوا يخفون من شركهم.

(أبو حيّان 4:103)

من أعمالهم.(الطّبريّ 7:177)

السّدّيّ: بدت لهم أعمالهم في الآخرة الّتي أخفوها في الدّنيا.(الطّبريّ 7:177)

مقاتل: بدا بنطق الجوارح ما كانوا يخفون من قبل بألسنتهم.(ابن الجوزيّ 3:23)

نحوه أبو روق.(الطّبرسيّ 2:289)

المبرّد: إنّ المراد:بل بدا لهم وبال ما كانوا يخفونه من الكفر.(الطّبرسيّ 2:289)

الجبّائيّ: الآية مخصوصة بالمنافقين،و ظهر لهم ما كانوا يخفونه من كفرهم الّذي كانوا يضمرونه.و الآية الأولى (1)و إن كان ظاهرها يقتضي جميع الكفّار، و المنافقون داخلون فيهم،فيجوز أن يخبر عنهم بهذا الحكم.

و يحتمل أن يكون أراد بها الكافرين الّذين كان النّبيّ يخوّفهم بالعذاب على كفرهم،فلم يؤمنوا بذلك،لكن دخلهم الشّكّ و الخوف،و أخفوه عن ضعفائهم و عوامّهم.

فإذا كان يوم القيامة ظهر ذلك،و إن أخفوه في الدّنيا، فيتمنّون حينئذ الرّدّ إلى حال الدّنيا.(الطّوسيّ 4:119)

الطّبريّ: ما قصد هؤلاء العادلين بربّهم،الجاحدين نبوّتك يا محمّد في قيلهم،إذا وقفوا على النّار: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنعام:27،الأسى و النّدم على ترك الإيمان باللّه و التّصديق بك،لكن بهم الإشفاق ممّا هو نازل بهم من

ص: 40


1- الأنعام:27.

عقاب اللّه و أليم عذابه،على معاصيهم الّتي كانوا يخفونها عن أعين النّاس و يسترونها منهم،فأبداها اللّه منهم يوم القيامة،و أظهرها على رءوس الأشهاد،ففضحهم بها، ثمّ جازاهم بها جزاءهم. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ من أعمالهم السّيّئة الّتي كانوا يخفونها.(7:176)

الزّجّاج: أي بل ظهر للّذين اتّبعوا الغواة،ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث و النّشور،لأنّ المتّصل بهذا قوله عزّ و جلّ: وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29.(2:240)

الطّوسيّ: معناه من عقاب اللّه فعرفوه معرفة من كانوا يسترونه عنه.

و قال قوم:بدا لبعضهم من بعض ما كان علماؤهم يخفونه عن جهّالهم و ضعفائهم ممّا في كتبهم،فبدا للضّعفاء عنادهم.(4:118)

الزّمخشريّ: من قبائحهم و فضائحهم في صحفهم، و بشهادة جوارحهم عليهم،فلذلك تمنّوا ما تمنّوا ضجرا، لا أنّهم عازمون على أنّهم لو ردّوا لآمنوا.

قيل:هو في أهل الكتاب،و أنّه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحّة نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:13)

الطّبرسيّ: [و بعد نقل بعض الأقوال المذكورة قال:]

كلّ هذه الأقوال بمعنى ظهرت فضيحتهم في الآخرة، و تهتّكت أستارهم.(2:289)

نحوه الفخر الرّازيّ(12:194)،و النّيسابوريّ(7:

92).

أبو حيّان: (بل)هنا للإضراب و الانتقال من شيء إلى شيء،من غير إبطال لما سبق،و هكذا يجيء في كتاب اللّه تعالى،إذا كان ما بعدها من إخبار اللّه تعالى، لا على سبيل الحكاية عن قوم تكون(بل)فيه للإضراب،كقوله: بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ الأنبياء:

5،و معنى(بدا):ظهر.

و قال الزّجّاج: (بل)هنا استدراك و إيجاب نفي، كقولهم:ما قام زيد بل قام عمرو،انتهى.و لا أدري ما النّفي الّذي سبق حتّى توجبه(بل).

و قال غيره: (بل)ردّ لما تمنّوه،أي ليس الأمر على ما قالوه،لأنّهم لم يقولوا ذلك رغبة في الإيمان،بل قالوه إشفاقا من العذاب و طمعا في الرّحمة،انتهى.و لا أدري ما هذا الكلام.[و بعد نقل قول أبي روق و قتادة و ابن عبّاس و الجبّائيّ قال:]

و هذه الأقوال على أنّ الضّمير في(لهم)و(يخفون) عائد على جنس واحد.

و قيل:الضّمير مختلف،أي بدا للأتباع ما كان الرّؤساء يخفونه عنهم من الفساد،و روي عن الحسن نحو هذا.

و قيل:بدا لمشركي العرب ما كان أهل الكتاب يخفونه عنهم من البعث و أمر النّار،لأنّه سبق ذكر أهل الكتاب في قوله: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ الأنعام:20.

و قيل:بل بدا لهم،أي لبعضهم ما كان يخفيه عنه بعضهم،فأطلق كلاّ على بعض مجازا.

و قال الزّهراويّ:و يصحّ أن يكون مقصود الآية الإخبار عن هول يوم القيامة،فعبّر عن ذلك بأنّهم

ص: 41

ظهرت لهم مستوراتهم في الدّنيا من معاص و غيرها، فكيف الظّنّ على هذا بما كانوا يعلنون به من كفر و نحوه.

و ينظر إلى هذا التّأويل قوله تعالى في تعظيم شأن يوم القيامة: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.(4:103)

رشيد رضا:فيه أقوال:

1-إنّه أعمالهم السّيّئة و قبائحهم الشّائنة ظهرت لهم في صحائفهم،و شهدت بها عليهم جوارحهم.

2-إنّه أعمالهم الّتي كانوا يغترّون بها و يظنّون أنّ سعادتهم فيها؛إذ يجعلها اللّه تعالى هباء منثورا.

3-إنّه كفرهم و تكذيبهم الّذي أخفوه في الآخرة من قبل أن يوقفوا على النّار،كما تقدّم حكايته عنهم في قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَ اللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ الأنعام:23.

4-إنّه الحقّ أو الإيمان الّذي كانوا يسرّونه و يخفونه بإظهار الكفر و التّكذيب عنادا للرّسول،و استكبارا عن الحقّ،و هذا إنّما ينطبق على أشدّ النّاس كفرا من المعاندين المتكبّرين،الّذين قال في بعضهم: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.

5-إنّه ما كان يخفيه الرّؤساء عن أتباعهم من الحقّ الّذي جاءت به الرّسل بدا للأتباع الّذين كانوا مقلّدين لهم،و منه كتمان بعض علماء أهل الكتاب لرسالة نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم و صفاته و بشارة أنبيائهم به.

6-إنّه ما كان يخفيه المنافقون في الدّنيا من إسرار الكفر،و التّظاهر بالإيمان و الإسلام.

7-إنّه البعث و الجزاء و منه عذاب جهنّم،و إنّ إخفاءهم له عبارة عن تكذيبهم به،و هو المعنى الأصليّ لمادّة كفر.

8-إنّ في الكلام مضافا محذوفا،أي بدا لهم و بال ما كانوا يخفونه من الكفر و السّيّئات،و نزل بهم عقابه، فتبرّموا و تضجّروا و تمنّوا التّفصّي منه بالرّدّ إلى الدّنيا، و ترك ما أفضى إليه من التّكذيب بالآيات و عدم الإيمان، كما يتمنّى الموت من أمضّه الدّاء العضال،لأنّه ينقذه من الآلام،لا لأنّه محبوب في نفسه.

و نحن لا نرى رجحان قول من هذه الأقوال،بل الصّواب عندنا قول آخر.

9-و هو أنّه يظهر يومئذ لكلّ من أولئك الّذين و رد الكلام فيهم و لأشباههم من الكفّار ما كان يخفيه في الدّنيا ممّا هو قبيح في نظره أو نظر من يخفيه عنهم،فالّذين كفروا عنادا و استكبارا كالرّؤساء الّذين ظهر لهم الحقّ كانوا يخفون ذلك الحقّ،و منهم بعض علماء أهل الكتاب و المنافقون الّذين أظهروا الإيمان جبنا و ضعفا أو مكرا و كيدا،كانوا يخفون الكفر عن المؤمنين.

و أصحاب الأعمال القبيحة من الفواحش و المنكرات يخفونها عمّن لا يقترفها معهم،و الّذين يعتذرون عن ترك الواجبات بالأعذار الكاذبة يخفون حقيقة حالهم عمّن يعتذرون إليهم،و المقلّدون يخفون في أنفسهم ما يلوح فيها أحيانا من برق الدّليل المظهر لما كمن في أعماق الفطرة من الحقّ،سواء أومض ذلك البرق من آيات اللّه في الآفاق،و ألسنة حملة الحجّة و البرهان، أو من آيات اللّه في أنفسهم،قبل أن تحيط بهم خطيئتهم و يختم على قلوبهم.

و هؤلاء المقلّدون و العميان هم الّذين بيّنت الآيات

ص: 42

حالهم في الدّنيا،و إنّما جعلنا ما تلا ذلك من بيان حالهم في الآخرة عامّا لكلّ من مات على الكفر،لتساويهم فيه و عدم استفادة أحد منهم من استعداده للإيمان،لعدم استعمالهم لذلك الاستعداد.(7:353)

الطّباطبائيّ: ظاهر الكلام أنّ مرجع الضّمائر، أعني ضمائر(لهم)و(كانوا)و(يخفون)واحد،و هو المشركون السّابق ذكرهم،و أنّ المراد ب«القبل»هو الدّنيا،فالمعنى أنّه ظهر لهؤلاء المشركين حين وقفوا على النّار،ما كانوا هم أنفسهم يخفونه في الدّنيا،فبعثهم ظهور ذلك على أن تمنّوا الرّدّ إلى الدّنيا و الإيمان بآيات اللّه، و الدّخول في جماعة المؤمنين.

و لم يبد لهم إلاّ النّار الّتي وقفوا عليها يوم القيامة، فقد كانوا أخفوها في الدّنيا بالكفر و السّتر للحقّ، و التّغطية عليه بعد ظهوره لهم،كما يشير إليه،نحو قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22.

و أمّا نفس الحقّ الّذي كفروا به في الدّنيا مع ظهوره لهم فهو كان بادئا لهم من قبل،و السّياق يأبى أن يكون مجرّد ظهور الحقّ لهم مع الغضّ عن ظهور النّار،و هو يوم القيامة،باعثا لهم على هذا التّمنّي.

و يشعر بذلك بعض ما في نظير المقام من كلامه تعالى،كقوله: وَ إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ السّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاّ ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ* وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الجاثية:32،33.

و قوله: وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ* وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ الزّمر:47، 48.[ثمّ نقل الوجوه الّتي جاء ذكرها في«المنار»و قال:]

و بالرّجوع إلى ما قدّمناه من الوجه و التّأمّل فيه، يظهر ما في كلّ واحد من هذه الأقوال من وجوه الخلل، فلا نطيل.(7:52)

2- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ. يوسف:35

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:ثمّ بدا للعزيز زوج المرأة الّتي راودت يوسف عن نفسه.

و قيل:(بدا لهم)و هو واحد،لأنّه لم يذكر باسمه، و يقصد بعينه،و ذلك نظير قوله: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ آل عمران:173.

و قيل:إنّ قائل ذلك كان واحدا.

و قيل معنى قوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ في الرّأي الّذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا،و رأوا أن يسجنوه.

(12:212)

الرّمّانيّ: فاعل(بدا)مضمر،و تقديره:ثمّ بدا لهم بداء،و دلّ عليه قوله: لَيَسْجُنُنَّهُ.

(الطّوسيّ 6:137)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّه ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات،يقال:بدا يبدوا بدوا،و بدا.

و البداء في الرّأي:التّلوّن فيه،لأنّه كلّما ظهر رأي مال إليه،و إنّما قال:(لهم)و لم يقل:«لهنّ»مع تقدّم

ص: 43

ذكر النّسوة لأمرين:

أحدهما:قال الحسن:أنّه أراد بذلك الملك.

و الثّاني:أنّه أراد ذكر الذّكور معهنّ من أعوانها فغلب المذكّر،فقال:(لهم).(6:137)

الميبديّ: أي وقع في عزمهم،و نجم في رأيهم، و جدر لهم،يقال:فلان ذو بدوات،إذا كان متفنّن الآراء،و أكثر ما يقال ذلك في الشّرّ.(5:65)

الزّمخشريّ: (بدا لهم)فاعله مضمر،لدلالة ما يفسّره عليه و هو(ليسجننّه)،و المعنى بدا لهم بداء.أي ظهر لهم رأي(ليسجننّه).(2:319)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ زوج المرأة لمّا ظهر له براءة ساحة يوسف عليه السّلام فلا جرم لم يتعرّض له، فاحتالت المرأة بعد ذلك بجميع الحيل حتّى تحمل يوسف عليه السّلام على موافقتها على مرادها،فلم يلتفت يوسف إليها.

فلمّا أيست منه احتالت في طريق آخر،و قالت لزوجها:إنّ هذا العبد العبرانيّ فضحني في النّاس،يقول لهم:إنّي راودته عن نفسه،و أنا لا أقدر على إظهار عذري،فإمّا أن تأذن لي فأخرج و أعتذر،و إمّا أن تحبسه كما حبستني.

فعند ذلك وقع في قلب العزيز أنّ الأصلح حبسه، حتّى يسقط عن ألسنة النّاس ذكر هذا الحديث،و حتّى تقلّ الفضيحة،فهذا هو المراد من قوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ، لأنّ البداء عبارة عن تغيّر الرّأي عمّا كان في الأوّل.(18:132)

أبو حيّان: أي ظهر لهم،و الفاعل ل(بدا)ضمير يفسّره ما يدلّ عليه المعنى،أي بدا لهم هو،أي رأى،أو بدا كما قال:

*بدا لك من تلك القلوص بداء*

هكذا قاله النّحاة و المفسّرون،إلاّ من أجاز أن تكون الجملة فاعلة،فإنّه زعم أن قوله: لَيَسْجُنُنَّهُ في موضع الفاعل ل(بدا)،أي سجنه حتّى حين.و الرّدّ على هذا المذهب مذكور في علم النّحو.

و الّذي أذهب إليه أنّ الفاعل ضمير يعود على السّجن المفهوم من قوله: لَيَسْجُنُنَّهُ، أو من قوله:

«السّجن»على قراءة الجمهور أو على «السّجن» على قراءة من فتح السّين و الضّمير في(لهم)للعزيز و أهله.(5:307)

الطّباطبائيّ: البداء:هو ظهور رأي بعد ما لم يكن،يقال:بدا لي في أمر كذا،أي ظهر لي فيه رأي جديد.(11:169)

3- ...وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ.

الزّمر:47

مجاهد :عملوا أعمالا توهّموا أنّها حسنات فإذا هي سيّئات.

مثله السّدّيّ.(القرطبيّ 15:265)

الزّمخشريّ: و عيد لهم لكنّه لفظاعته و شدّته، و هو نظير قوله تعالى في الوعد: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ السّجدة:17.

و المعنى و ظهر لهم من سخط اللّه و عذابه ما لم يكن قطّ في حسابهم،و لم يحدّثوا به نفوسهم.(3:401)

ص: 44

نحوه الآلوسيّ.(24:11)

الطّبرسيّ: أي ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب،ما لم يكونوا ينتظرونه،و لا يظنّونه و اصلا إليهم، و لم يكن في حسابهم.(4:502)

نحوه الفخر الرّازيّ.(26:287)

ابن الجوزيّ:قيل:عملوا أعمالا ظنّوا أنّها تنفعهم،فلم تنفع مع شركهم.

قال مقاتل: ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا أنّه نازل بهم.فهذا القول يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّهم كانوا يرجون القرب من اللّه بعبادة الأصنام،فلمّا عوقبوا عليها بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون.

و الثّاني:أنّ البعث و الجزاء لم يكن في حسابهم.

(7:188)

القرطبيّ: قيل:عملوا أعمالا توهّموا أنّهم يتوبون منها قبل الموت،فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا،و قد كانوا ظنّوا أنّهم ينجون بالتّوبة.

و يجوز أن يكونوا توهّموا أنّه يغفر لهم من غير توبة، ف بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ من دخول النّار.(15:265)

أبو حيّان: أي كانت ظنونهم في الدّنيا متفرّقة حسب ضلالاتهم و تخيّلاتهم فيما يعتقدونه،فإذا عاينوا العذاب يوم القيامة ظهر لهم خلاف ما كانوا يظنّون، و ما كان في حسابهم.(7:432)

بدت

1- قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ... آل عمران:118

فيها مباحث راجع«بغض».

2- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما... الأعراف:22

ابن عبّاس: قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة، و العقوبة أن(بدت):ظهرت(لهما سوءاتهما):

عوراتهما،و تهافت عنهما لباسهما حتّى أبصر كلّ واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه.و كانا لا يريان لباسا.فلمّا وقعا في الذّنب،بدت لهما سوآتهما، فاستحييا.

(البغويّ 2:184)

نحوه الكلبيّ.(الطّبرسيّ 3:407)

كان عليهما ظفر كاس،فلمّا أكلا تبلّس عنهما فبدت سوآتهما،و بقي منه على الأصابع قدر ما يتذكّران به المخالفة،فيجدّدان النّدم.

مثله سعيد بن جبير،و قتادة.(أبو حيّان 4:280)

وهب بن منبّه:كان عليهما نور يستر عورة كلّ واحد منهما،فانقشع بالمعصية ذلك النّور.

(ابن عطيّة 2:386)

قتادة:كانا لا يريان سوآتهما.(الطّبريّ 8:143)

الطّبريّ: انكشفت لهما سوآتهما،لأنّ اللّه أعراهما من الكسوة الّتي كان كساهما قبل الذّنب و الخطيئة، فسلبهما ذلك بالخطيئة الّتي أخطآ،أو المعصية الّتي ركبا.(8:142)

الماورديّ:فإن قيل:فلم بدت لهما سوآتهما و لم

ص: 45

تكن بادية لهما من قبل؟

ففي ذلك ثلاثة أجوبة:

أحدها:أنّهما كانا مستورين بالطّاعة،فانكشف السّتر عنهما بالمعصية.

و الثّاني:أنّهما كانا مستورين بنور الكرامة،فزال عنهما بذلّ المهانة.

و الثّالث:أنّهما خرجا بالمعصية من أن يكونا من ساكني الجنّة،فزال منهما ما كانا فيه من الصّيانة.

(2:211)

ابن عطيّة: قيل:تخرّقت عنهما ثياب الجنّة و ملابسها،و تطايرت تبرّيا منهما.(2:386)

أبو حيّان: قيل:كان عليهما نور فنقص،و تجسّد منه شيء في أظفار اليدين و الرّجلين تذكرة لهما، ليستغفروا في كلّ وقت،و أبناؤهما بعدهما،كما جرى لأويس القرنيّ حين أذهب اللّه عنه البرص،إلاّ لمعة أبقاها ليتذكّر نعمه فيشكر.

و قال قوم:لم يقصد بالسّوأة العورة.و المعنى انكشف لهما معايشهما و ما يسوؤهما.و هذا القول ينبو عنه دلالة اللّفظ،و يخالف قول الجمهور.

و قيل:أكلت حوّاء أوّل فلم يصبها شيء ثمّ آدم، فكان البدو.(4:280)

رشيد رضا: ظهرت لكلّ منهما سوأته و سوأة صاحبه،و كانت مواراة عنهما.

قيل:بلباس من الظّفر كان يسترهما،فسقط عنهما، و بقيت له بقيّة في رءوس أصابعهما.

و قيل:بلباس مجهول كان اللّه تعالى ألبسهما إيّاه.

و قيل:بنور كان يحجبهما.و لا دليل على شيء من ذلك،و لم يصحّ به أثر عن المعصوم صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الأقرب عندي أنّ معنى ظهورها لهما:أنّ شهوة التّناسل دبّت فيهما بتأثير الأكل من الشّجرة،فنبّهتهما إلى ما كان خفيّا عنهما من أمرها،فخجلا من ظهورها، و شعرا بالحاجة إلى سترها.(8:349)

جاء نحو هذه المباحث في سورة طه:121.

3- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى.

طه:121

ابن عبّاس: عريا عن النّور الّذي كان اللّه تعالى ألبسهما،حتّى بدت فروجهما.(الآلوسيّ 16:274)

أنّه كان لباسهما الظّفر،فلمّا أصابا الخطيئة نزع عنهما،و تركت هذه البقايا في أطراف الأصابع.

(الآلوسيّ 16:274)

الطّبريّ: فانكشفت لهما عوراتهما،و كانت مستورة عن أعينهما.(16:224)

الطّوسيّ: أي ظهرت لهما عوراتهما،لأنّ ما كان عليهما من اللّباس نزع عنهما،و لم يكن ذلك على وجه العقوبة،بل لتغيير المصلحة في نزعهما،و إخراجهما من الجنّة،و إهباطهما الأرض،و تكليفهما فيها.(7:217)

القشيريّ: يقال:لمّا تجرّدا عن لباس التّقوى،تناثر عنهما لباسهما الظّاهر.(4:156)

الميبديّ: انكشفت لهما عوراتهما،و كانت مستورة عن أعينهما.

ص: 46

و قيل:عوقبا بإزالة السّتر عنهما،و كشف ما كانا يستران به من اللّباس في الجنّة.(6:184)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:هل كان ظهور سوآتهما كالجزاء على معصيتهما؟

قلنا:لا شكّ أنّ ذلك كالمعلّق على ذلك الأكل،لكن يحتمل أن لا يكون عقابا عليه،بل إنّما ترتّب عليه لمصلحة أخرى.(22:127)

بادى

فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ... هود:27

أبو عمرو ابن العلاء: بادئ الرّأي مهموز،لأنّه من «بدأت».(أبو عبيدة 1:287)

الفرّاء: لا تهمز(بادى)،لأنّ المعنى فيها يظهر لنا و يبدو.و لو قرأت (بادئ الرّأى) فهمزت تريد أوّل الرّأي،لكان صوابا.[ثمّ استشهد بشعر](2:11)

أبو عبيدة: معناه أوّل الرّأي،و من لم يهمز جعله، ظاهر الرّأي،من بدا يبدو.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:287)

الأخفش: أي في ظاهر الرّأي و ليس بمهموز،لأنّه من بدا يبدو،أي ظهر.

و قال بعضهم: (بادئ الرّأى)أي فيما يبدأ به من الرّأي.(2:576)

ابن قتيبة: أي ظاهر الرّأي بغير همز،من قولك:

بدا لي ما كان خفيّا،أي ظهر.و من همزه جعله أوّل الرّأي،من بدأت في الأمر فأنا أبدأ.(203)

الطّبريّ: اختلف القرّاء في قراءته،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و العراق (بادِيَ الرَّأْيِ) بغير همز«البادي» و بهمز«الرّأي»بمعنى ظاهر الرّأي،من قولهم:«بدا الشّيء يبدو،إذا ظهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ ذلك بعض أهل البصرة (بادئ الرّأي) مهموز أيضا بمعنى مبتدأ الرّأي،من قولهم:بدأت بهذا الأمر،إذا ابتدأت به قبل غيره.

و أولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندنا قراءة من قرأ(بادى)بغير همز«البادي»و بهمز«الرّأي»،لأنّ معنى ذلك الكلام إلاّ الّذين هم أراذلنا في ظاهر الرّأي، و فيما يظهر لنا.(12:27)

الزّجّاج: بغير همز في(بادى)و أبو عمرو يهمز (بادئ الرّأي)أي اتّبعوا اتّباعا في ظاهر ما يرى،هذا فيمن لم يهمز.

و يكون التّفسير على نوعين في هذا:

أحدهما:أن يكون اتّبعوك في الظّاهر،و باطنهم على خلاف ذلك.

و يجوز أن يكون اتّبعوك في ظاهر الرّأي،و لم يتدبّروا ما قلت،و لم يفكّروا فيه؛و قراءة أبي عمرو على هذا التّفسير.

الثّاني:أي اتّبعوك ابتداء الرّأي،أي حين ابتدءوا ينظرون،و إذا فكّروا لم يتّبعوك.

فأمّا نصب(بادى الرّأى)فعلى:اتّبعوك في ظاهر الرّأي،و على ظاهر الرّأي،كأنّه قال:الاتّباع الّذي لم يفكّروا فيه.و من قال:(بادى الرّأى)فعلى ذلك

ص: 47

نصبه.(3:47)

نحوه القرطبيّ.(9:24)

ابن الأنباريّ: (بادئ)من بدأ،إذا ابتدأ.

و انتصاب من همز و من لم يهمز بالاتّباع على مذهب المصدر،أي اتّبعوك اتّباعا ظاهرا و اتّباعا مبتدأ.

و يجوز أن يكون المعنى:ما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم أراذلنا في ظاهر ما ترى منهم،و طويّاتهم على خلافك و على موافقتنا،و هو من بدا يبدو،إذا ظهر.

(الأزهريّ 14:204)

الماورديّ: أي ظاهر الرّأي،و فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّك تعمل بأوّل الرّأي من غير فكر،قاله الزّجّاج.

الثّاني:أنّ ما في نفسك من الرّأي ظاهر تعجيزا له، قاله ابن شجرة.

الثّالث:يعني أنّ أراذلنا اتّبعوك بأقلّ الرّأي،و هم إذا فكّروا رجعوا عن اتّباعك،حكاه ابن الأنباريّ.

(2:465)

الطّوسيّ: [بعد نقل القراءتين كما في كلام الزّجّاج قال:]

و القراءتان متقاربتان،لأنّ الهمز في اللاّم منها ابتداء الشّيء و أوّله،و ابتداء الشّيء يكون ظهورا و إن كان الشّيء الظّاهر قد يكون مبتدأ و غير مبتدأ،فلذلك يستعمل كلّ واحد منهما مكان الآخر.يقولون:أنا بادي بدا،و بادئ بدء،فإنّي أحمد اللّه.(5:539)

الطّبرسيّ: أي في ظاهر الأمر و الرّأي،لم يتدبّروا ما قلت و لم يتفكّروا فيه.

و من قرأ بالهمز فالمعنى إنّهم اتّبعوك ابتداء الرّأي، أي حين ابتدءوا ينظرون،و لو فكّروا لم يتّبعوك.

و قيل:معناه إنّ مبتدأ وقوع الرّؤية عليهم يعلم أنّهم أراذلنا و أسافلنا.(3:155)

الزّمخشريّ: قرئ (بادِيَ الرَّأْيِ) بالهمز و غير الهمز،بمعنى اتّبعوك أوّل الرّأي أو ظاهر الرّأي،و انتصابه على الظّرف أصله وقت حدوث أوّل رأيهم،أو وقت حدوث ظاهر رأيهم،فحذف ذلك و أقيم المضاف إليه مقامه،أرادوا أنّ اتّباعهم لك إنّما هو شيء عنّ لهم،بديهة من غير رؤية و نظر.و إنّما استرذلوا المؤمنين لفقرهم و تأخّرهم في الأسباب الدّنيويّة،لأنّهم كانوا جهّالا، ما كانوا يعلمون إلاّ ظاهرا من الحياة الدّنيا.(2:265)

نحوه البيضاويّ(1:466)،و النّيسابوريّ(12:

22)،و البروسويّ(4:117).

ابن عطيّة: قرأ الجمهور (بادِيَ الرَّأْيِ) بياء دون همز من بدا يبدو.و يحتمل أن يكون من بدأ مسهّلا.و قرأ أبو عمرو و عيسى الثّقفيّ (بادئ الرّأى) بالهمز من بدأ يبدأ.

و بين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التّدبّر، فتركت التّطويل ببسطه.و العرب تقول:أمّا بادئ بدء فإنّي أحمد اللّه،و أمّا بادي بدي بغير همز فيهما.[ثمّ استشهد بشعر].

و قرأ الجمهور بهمز(الرّأي)،و قرأ أبو عمرو بترك همزه،و(بادى)نصب على الظّرف،و صحّ أن يكون اسم الفاعل ظرفا،كما يصحّ في قريب و نحوه،و فعيل و فاعل متعاقبان أبدا على معنى واحد،و في المصدر كقولك:جهد

ص: 48

نفسي أحبّ كذا و كذا.

و تعلّق قوله:(بادى الرّأى)يحتمل ستّة أوجه:

أحدها:أن يتعلّق ب(نريك)بأوّل نظر و أقلّ فكرة، و ذلك هو(بادى الرّأى)،أي إلاّ و متّبعوك أراذلنا.

و الثّاني:أن يتعلّق بقوله:(اتّبعك)،أي و ما نراك اتّبعك بادي الرّأي إلاّ الأراذل،ثمّ يحتمل على هذا قوله:

(بادى الرّأى)معنيين:

أحدهما:أن يريد اتّبعك في ظاهر أمرهم،و عسى أنّ بواطنهم ليست معك.

و الثّاني:أن يريد اتّبعوك بأوّل نظر،و بالرّأي البادي دون تعقّب،و لو تثبّتوك لم يتّبعوك،و في هذا الوجه ذمّ الرّأي غير المرويّ.

و الوجه الثّالث من تعلّق قوله:(بادى الرّأى)أن يتعلّق بقوله:(اراذلنا)،أي الّذين هم أراذلنا بأوّل نظر فيهم،و ببادي الرّأي يعلم ذلك منهم.

و يحتمل أن يكون قولهم:(بادى الرّأى)وصفا منهم لنوح،أي تدّعي عظيما و أنت مكشوف الرّأي لا حصافة لك،و نصبه على الحال و على الصّفة.

و يحتمل أن يكون اعتراضا في الكلام مخاطبة لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و يجيء جميع هذا ستّة معان،و يجوز التّعلّق في هذا الوجه ب(قال).(3:163)

أبو حيّان:كونه[بادى]منصوبا على الظّرف،هو قول أبي عليّ في«الحجّة»و إنّما حمله على الظّرف و ليس بزمان و لا مكان،لأنّ«في»مقدّرة فيه،أي في ظاهر الأمر أو في أوّل الأمر.و على هذين التّقديرين أعني:أن يكون العامل فيه(نريك)أو(اتّبعك)يقتضي أن لا يجوز ذلك،لأنّ ما بعد إلاّ لا يكون معمولا لما قبلها،إلاّ إن كان مستثنى منه،نحو:قام إلاّ زيدا القوم،أو مستثنى،نحو:

جاء القوم إلاّ زيدا،أو تابعا للمستثنى منه نحو:ما جاءني أحد إلاّ زيد.

أخبرني عمرو:و(بادئ الرّأى)ليس واحدا من هذه الثّلاثة.

و أجيب بأنّه ظرف أو كالظّرف،مثل:جهد رأي أنّك ذاهب،أي أنّك ذاهب في جهد رأي،و الظّروف يتّسع فيها.و إذا كان العامل(اراذلنا)فمعناه الّذين هم أراذلنا،بأدلّ نظر فيهم،و ببادئ الرّأي يعلم ذلك منهم.

و قيل:(بادى الرّأى)نعت لقوله:(بشرا).

و قيل:انتصب حالا من ضمير نوح في(اتّبعك)أي و أنت مكشوف الرّأي لا حصافة لك.

و قيل:انتصب على النّداء لنوح،أي يا بادي الرّأي، أي ما في نفسك من الرّأي ظاهر لكلّ أحد،قالوا ذلك تعجيزا له.

و قيل:انتصب على المصدر،و جاء الظّرف و المصدر على فاعل،و ليس بالقياس؛فالرّأي هنا إمّا من رؤية العين،و إمّا من الفكر.(5:215)

نحوه الآلوسيّ.(11:37)

الطّباطبائيّ: يحتمل أن يكون قيدا لقوله:(هم اراذلنا)أي كونهم أراذل و سفلة فينا،معلوم في ظاهر الرّأي و النّظر،أو في أوّل نظرة.

و يحتمل كونه قيدا لقوله:(اتّبعك)أي اتّبعوك في ظاهر الرّأي أو في أوّله،من غير تعمّق و تفكّر،و لو تفكّروا قليلا و قلّبوا أمرك ظهرا لبطن ما اتّبعوك.

ص: 49

و هذا الاحتمال لا يستغني عن تكرار الفعل ثانيا، و التّقدير:اتّبعوك بادي الأمر،و إلاّ اختلّ المعنى لو لم يتكرّر.

و قيل:ما نراك اتّبعك في بادي الرّأي إلاّ الّذين هم أراذلنا.

و بالجملة معنى الآية:أنّا نشاهد أنّ متّبعيك هم الأراذل و الأخسّاء من القوم،و لو تبعناك ساويناهم و دخلنا في زمرتهم،و هذا ينافي شرافتنا،و يحطّ قدرنا في المجتمع.

و في الكلام إيماء إلى بطلان رسالته عليه السّلام بدلالة الالتزام،فإنّ من معتقدات العامّة أنّ القول لو كان حقّا نافعا لتبعه الشّرفاء و العظماء و أولو القوّة و الطّول، فلو استنكفوا عنه أو اتّبعه الأخسّاء و الضّعفاء-كالعبيد و المساكين و الفقراء،ممّن لا حظّ له من مال أو جاه، و لا مكانة له عند العامّة-فلا خير فيه.(10:203)

الباد

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ...

الحجّ:25

ابن عبّاس: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ ينزل أهل مكّة و غيرهم في المسجد الحرام.

نحوه قتادة و مجاهد.(الطّبريّ 17:137)

(العاكف):المقيم فيه،(و الباد)الطّارئ.

مثله قتادة.(الطوسيّ 7:305)

و مثله أبو السّعود.(4:377)

مجاهد: (العاكف):السّاكن،(و الباد):الجانب، سواء حقّ اللّه عليهما فيه.(الطّبريّ 17:137)

ابن زيد:(العاكف فيه):المقيم بمكّة،(و الباد):

الّذي يأتيه،هم فيه سواء في البيوت.

(الطّبريّ 17:137)

الفرّاء: (العاكف):من كان من أهل مكّة،(و الباد):

من نزع إليه بحجّ أو عمرة.(2:221)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معناه(سواء العاكف فيه):و هو المقيم فيه، (و الباد)في أنّه ليس أحدهما بأحقّ بالمنزل فيه من الآخر...

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترنا في ذلك،لأنّ اللّه تعالى ذكره ذكر في أوّل الآية صدّ من كفر به،من أراد من المؤمنين قضاء نسكه في الحرم،عن المسجد الحرام، فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، ثمّ ذكر جلّ ثناؤه صفة المسجد الحرام،فقال: اَلَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ، فأخبر جلّ ثناؤه أنّه جعله للنّاس كلّهم،فالكافرون به يمنعون من أراده من المؤمنين به عنه،ثمّ قال: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ.

فكان معلوما أنّ خبره عن استواء العاكف فيه و الباد،إنّما هو في المعنى الّذي ابتدأ اللّه الخبر عن الكفّار أنّهم صدّوا عنه المؤمنين به،و ذلك لا شكّ طوافهم، و قضاء مناسكهم به و المقام،لا الخبر عن ملكهم إيّاه و غير ملكهم.(17:137)

الزّجّاج: أنّه يستوي في سكنى مكّة المقيم بها

ص: 50

و النّازع إليها من أيّ بلد كان.

و قيل:سواء في تفصيله و إقامة المناسك العاكف المقيم بالحرم،و النّازع إليه.(3:421)

الماورديّ: (العاكف فيه):و هو المقيم،(و الباد):

هو الطّارئ إليه،و هذا قول ابن عبّاس.

و القول الثّاني:أنّ المراد ب(المسجد الحرام):

جميع الحرم،و على هذا في قوله: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ وجهان:

أحدهما:أنّهم سواء في دوره و منازله،و ليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر،و هذا قول مجاهد،و من منع بيع دور مكّة كأبي حنيفة.

و الثّاني:أنّهما سواء في أنّ من دخله كان آمنا،و أنّه لا يقتل بها صيدا،و لا يعضد بها شجرا.(4:16)

القشيريّ: و إنّما يعتبر فيه السّبق و التّقدّم.و مشهد الكرام يستوي فيه الأقدام،فمن وصل إلى تلك العقوة فلا ترتيب و لا ردّ،و بعد الوصول فلا زجر و لا صدّ.

أمّا في الطّريق فربّما يعتبر التّقدّم و التّأخّر،قال تعالى: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الحجر:24،و لكن في الوصول فلا تفاوت و لا تباين،ثمّ إذا اجتمعت النّفوس فالموضع الواحد يجمعهم،و لكن لكلّ حال ينفرد بها.(4:209)

الميبديّ: (العاكف):المقيم و من كان من أهل مكّة، (و البادي):كان من غير أهلها.البادي من البادية، فلا يسلك إلى مكّة إلاّ في البوادي من الوجوه كلّها،يقال:

بدأ الرّجل،إذا خرج إلى الصّحراء،و منه قوله: وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف:100.(6:352)

الزّمخشريّ:من غير فرق بين حاضر و باد، و تانئ و طارئ،و مكّيّ و آفاقيّ.(3:10)

ابن عطيّة: (العاكف):المقيم في البلد،(و البادي):

القادم عليه من غيره.

و قرأ ابن كثير في الوصل و الوقف(البادي)بالياء، و وقف أبو عمرو بغير ياء و وصل بالياء.

و قرأ نافع(الباد)بغير ياء في الوصل و الوقف في رواية المسيّبيّ،و أبي بكر و إسماعيل ابني أبي أويس، و روى ورش الوصل بالياء.

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ بغير ياء وصلا و وقفا،و هي في الإمام بغير ياء.(4:115)

الطّبرسيّ: أي(العاكف)المقيم فيه،(و الباد)الّذي ينتابه من غير أهله،مستويان في سكناه و النّزول به، فليس أحدهما أحقّ بالمنزل يكون فيه من الآخر،غير أنّه لا يخرج أحد من بيته.(4:80)

الفخر الرّازيّ: (العاكف):المقيم به الحاضر، (و البادي):الطّارئ،من البدو،و هو النّازع إليه من غربته.

و قال بعضهم: يدخل في(العاكف)القريب،إذا جاور و لزمه للتّعبّد،و إن لم يكن من أهله.(23:24)

القرطبيّ: (العاكف):المقيم الملازم،(و البادي):

أهل البادية،و من يقدم عليهم.(12:32)

النّسفيّ: اَلْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ و غير المقيم، بالياء مكّيّ،وافقه أبو عمرو في الوصل،و غيره بالرّفع على أنّه خبر و المبتدأ مؤخّر،أي العاكف فيه و الباد سواء.(3:98)

ص: 51

أبو حيّان: قرئ (و البادي) وصلا و وقفا،و بتركها فيهما،و بإثباتها وصلا،و حذفها وقفا.و(العاكف):المقيم فيه،(و البادي):الطّارئ عليه.(6:363)

البروسويّ: يقال للمقيم بالبادية:باد.و البادية:

كلّ مكان يبدو ما يعنّ فيه،و بالعكس في شيء من ساعات اللّيل و النّهار.(6:22)

الطّباطبائيّ: (البادي)من البدو و هو الظّهور، و المراد به كما قيل:الطّارئ،أي الّذي يقصده من خارج فيدخله.[إلى أن قال:]

أي المقيم فيه و الخارج منه مساويان في أنّ لهما حقّ العبادة فيه للّه.و المراد بالإقامة فيه و في الخارج منه:إمّا الإقامة بمكّة،و في الخارج منها على طريق المجاز العقليّ، أو ملازمة المسجد للعبادة و الطّروّ عليه لها.(14:367)

بادون

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ... الأحزاب:20

الطّبريّ: يتمنّوا من الخوف و الجبن أنّهم غيّب عنكم في البادية مع الأعراب،خوفا من القتل،و ذلك أنّ قوله: لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ تقول:قد بدا فلان،إذا صار في البدو فهو يبدو،و هو باد.

و أمّا الأعراب فإنّهم جمع أعرابيّ،و واحد العرب عربيّ،و إنّما قيل:أعرابيّ لأهل البدو،فرقا بين أهل البوادي و الأمصار،فجعل الأعراب لأهل البادية، و العرب لأهل المصر.(21:142)

الطّوسيّ: أي و إن جاءوا الأحزاب تمنّوا أن يكونوا في البوادي مع الأعراب.[إلى أن قال:]

و قرأ طلحة بن مصرّف: (يودّوا لو انّهم بدّى فى الاعراب)جمع باد،مثل غاز و غزّى،و هي شاذّة لا يقرأ بها.(8:326)

نحوه ابن عطيّة(4:376)،و القرطبيّ(14:154).

الماورديّ: أي يودّ المنافقون لو أنّهم في البادية مع الأعراب،حذرا من القتل،و تربّصا للدّوائر.

(4:387)

نحوه الطّبرسيّ(4:348)،و ابن الجوزيّ(6:

367)،و الفخر الرّازيّ(25:202)،و القاسميّ(13:

4836).

الميبديّ: يودّ هؤلاء المنافقون من شدّة خوفهم و جبنهم،أنّهم يتركون المنازل و ينجون بأنفسهم، فيكونون بادين،أي في البادية مع الأعراب،يقال:بدا يبدو،فهو باد،إذا خرج إلى البادية،و لم يختاروا البادية لأمنها و لكن ليتّسع لهم مسالك الفرار.

و قيل:هم في بعد النّيّة عن نصرتكم؛بحيث لو عاودكم الكفّار لكانت منيّتهم أن يكونوا عنكم بعيدا في بعض البوادي.(8:27)

نحوه البغويّ(3:623)،و الخازن(5:203).

الزّمخشريّ: تمنّوا لخوفهم ممّا منوا به هذه الكرّة، أنّهم خارجون إلى«البدو»حاصلون بين الأعراب.

و قرئ (بدّى) على«فعّل»،جمع:باد،كغاز و غزّى.

و في رواية صاحب«الإقليد»(بدىّ)بوزن عديّ.

(3:256)

نحوه البيضاويّ(2:242)،و أبو السّعود(5:217).

ص: 52

أبو حيّان: و إن يأت الأحزاب كرّة ثانية،تمنّوا لخوفهم بما منوا به عند الكرّة،أنّهم مقيمون في البدو مع الأعراب،و هم أهل العمود يرحلون من قطر إلى قطر، يسألون من قدم من المدينة،عمّا جرى عليكم من قتال الأحزاب،يتعرّفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة، فرقا و جبنا.و غرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال.

و قرأ الجمهور (بادون) جمع سلامة ل«باد»،و قرأ عبد اللّه و ابن عبّاس و ابن يعمر و طلحة (بدّى) على وزن«فعّل»كغاز و غزّى.و ليس بقياس في معتلّ اللاّم بل شبّه بضارب،و قياسه«فعلة»كقاض و قضاة.

و عن ابن عبّاس«بدا»فعلا ماضيا،و في رواية صاحب«الإقليد»(بديّ)بوزن عديّ.(7:221)

مثله الآلوسيّ.(21:166)

البروسويّ: تمنّوا أنّهم خارجون من المدينة إلى البدو،و حاصلون بين الأعراب لئلاّ يقاتلوا،و الودّ:محبّة الشّيء و تمنّي كونه.و بدا يبدو بداوة،إذا خرج إلى البادية،و هي مكان يبدو ما يعنّ فيه،أي يعرض،و يقال للمقيم بالبادية:باد،فالبادون:خلاف الحاضرين.

و البدو:خلاف الحضر.(7:156)

البدو

...وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي...

يوسف:100

ابن عبّاس: انّه كان قد نزل«بدا»،و بنى تحت جبلها مسجدا،و منها قصد.(الماورديّ 3:84)

قتادة: كان يعقوب و بنوه بأرض كنعان،أهل مواش و برّيّة.(الطّبريّ 13:72)

ابن جريج:كانوا أهل بادية و ماشية.

(الطّبريّ 13:72)

ابن إسحاق: كان منزل يعقوب و ولده-فيما ذكر لي بعض أهل العلم-بالعربات،من أرض فلسطين ثغور الشّام،و بعض يقول:بالأولاج من ناحية الشّعب،و كان صاحب بادية،له إبل و شاء.(الطّبريّ 13:71)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل يوسف:

و قد أحسن اللّه بي،في إخراجه إيّاي من السّجن الّذي كنت فيه محبوسا،و في مجيئه بكم من البدو،و ذلك أنّ مسكن يعقوب و ولده فيما ذكر،كان ببادية فلسطين كذلك.(13:71)

الماورديّ: و في قوله: وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ثلاثة أقاويل:

أحدها:[قول قتادة المتقدّم]

الثّاني:[قول ابن عبّاس المتقدّم،و بعد نقل قول ابن عبّاس قال:]

يقال:بدا يبدو،إذا نزل«بدا»فلذلك قال:و جاء بكم من البدو،و إن كانوا سكّان المدن.

الثّالث:لأنّهم جاءوا في البادية،و كانوا سكّان مدن،و يكون بمعنى«في».(3:84)

الطّوسيّ: أي أتى بكم من أرض فلسطين،لأنّ مسكن يعقوب و ولده فيما ذكر كان هناك.و البدو:البرّيّة العظيمة،مأخوذ من بدا يبدو بدوّا،و يقال:بدو

ص: 53

و حضر.(6:198)

الميبديّ: لأنّهم كانوا أهل بادية و أصحاب مواش.(5:138)

الزّمخشريّ: من البادية،لأنّهم كانوا أهل عمد و أصحاب مواش،ينتقلون في المياه و المناجع.

(2:344)

الطّبرسيّ: أي من البادية،فإنّهم كانوا يسكنون البادية،و يرعون أغنامهم فيها،فكانت مواشيهم قد هلكت في تلك السّنين بالقحط،فأغناهم اللّه تعالى بمصيرهم إلى يوسف.(3:265)

الفخر الرّازيّ: في الآية قولان:

القول الأوّل: جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ، أي من البادية.

و قال الواحديّ: البدو:بسيط من الأرض يظهر فيه الشّخص من بعيد،و أصله من بدا يبدو بدوا،ثمّ سمّي المكان باسم المصدر،فيقال:بدو و حضر.و كان يعقوب و ولده بأرض كنعان،أهل مواش و برّيّة.

و القول الثّاني:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما كان يعقوب قد تحوّل إلى«بدا»و سكنها،و منها قدم على يوسف،و له بها مسجد تحت جبلها.

قال ابن الأنباريّ: بدا:اسم موضع معروف،يقال:

هو بين شعب و بدا،و هما موضعان ذكرهما جمع كثير.[ثمّ استشهد بشعر]

فالبدو على هذا القول معناه قصد هذا الموضع الّذي يقال له:«بدا».يقال:بدا القوم يبدون بدوا،إذا أتوا بدا، كما يقال:غار القوم غورا،إذا أتوا الغور،فكان معنى الآية:و جاء بكم من قصد«بدا».

و على هذا القول كان يعقوب و ولده حضريّين،لأنّ البدو لم يرد به البادية،لكن عنى به قصد«بدا»،إلى هاهنا كلام قاله الواحديّ في«البسيط».(18:215)

نحوه النّيسابوريّ.(13:49)

القرطبيّ: يروى أنّ مسكن يعقوب كان بأرض كنعان،و كانوا أهل مواش و برّيّة.

و قيل:كان يعقوب تحوّل إلى بادية و سكنها،و أنّ اللّه لم يبعث نبيّا من أهل البادية.

و قيل:إنّه كان خرج إلى«بدا»و هو موضع.[ثمّ استشهد بشعر](9:267)

أبو حيّان: وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ من البادية، و كان ينزل يعقوب عليه السّلام بأطراف الشّام ببادية فلسطين، و كان ربّ إبل و غنم و بادية.(5:349)

الآلوسيّ: أي البادية،و أصله:البسيط من الأرض.و إنّما سمّي بذلك لأنّ ما فيه يبدو للنّاظر لعدم ما يواريه،ثمّ أطلق على البرّيّة مطلقا،و كان منزلهم على ما قيل:بأطراف الشّام ببادية فلسطين،و كانوا أصحاب إبل و غنم.

و زعم بعضهم أنّ يعقوب عليه السّلام إنّما تحوّل إلى البادية بعد النّبوّة،لأنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّا من البادية.[إلى أن قال:]

فالمعنى أتى بكم من قصد«بدا»فهم حينئذ حضريّون،كذا قاله الواحديّ في«البسيط»،و ذكره القشيريّ،و هو خلاف الظّاهر جدّا.(13:60)

ص: 54

ليبدى

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.

الأعراف:20

البغويّ: أي ليظهر لهما ما غطّي و ستر عنهما من عوراتهما.

قيل:اللاّم فيه لام العاقبة،لأنّ إبليس لم يوسوس لهذا،و لكن كان عاقبة أمرهم ذلك،و هو ظهور عوراتهما،كقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8.(2:184)

نحوه الخازن(2:179)،و ابن الجوزيّ(3:179).

الزّمخشريّ: جعل ذلك غرضا له ليسوءهما،إذا رأيا ما يؤثران ستره،و أن لا يطّلع عليه مكشوفا.

(2:72)

ابن عطيّة: و اللاّم في قوله:(ليبدى)-هي على قول كثير من المؤلّفين-لام الصّيرورة و العاقبة،و هذا بحسب آدم و حوّاء،و بحسب إبليس في هذه العقوبة المخصوصة،لأنّه لم يكن له علم بها فيقصدها.

و يمكن أن تكون لام«كي»على بابها،بحسب قصد إبليس إلى حطّ مرتبتهما،و إلقائهما في العقوبة غير مخصّصة.(2:384)

نحوه القرطبيّ(7:178)،و البيضاويّ(1:344)، و أبو السّعود(2:484).

الطّبرسيّ: أي ليظهر لهما.(2:406)

الفخر الرّازيّ: في هذا اللاّم قولان:

أحدهما:أنّه لام العاقبة،كما في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و ذلك لأنّ الشّيطان لم يقصد بالوسوسة ظهور عورتهما،و لم يعلم أنّهما إن أكلا بدت عوراتهما،و إنّما كان قصده أن يحملهما على المعصية فقط.

الثّاني:لا يبعد أيضا أن يقال:إنّه لام الغرض،ثمّ فيه وجهان:

أحدهما:أن يجعل بدو العورة كناية عن سقوط الحرمة و زوال الجاه،و المعنى أنّ غرضه من إلقاء تلك الوسوسة إلى آدم،زوال حرمته،و ذهاب منصبه.

و الثّاني:لعلّه رأى فى اللّوح المحفوظ،أو سمع من بعض الملائكة أنّه إذا أكل من الشّجرة بدت عورته، و ذلك يدلّ على نهاية الضّرر و سقوط الحرمة،فكان يوسوس إليه لحصول هذا الغرض.(14:46)

نحوه النّيسابوريّ(8:89)،و أبو حيّان(4:278)، و الآلوسيّ(8:99)،و القاسميّ(7:2639).

يبدها

قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ... يوسف:77

الطّوسيّ: أي لم يظهرها لهم.(6:176)

أبو السّعود: لا قولا و لا فعلا،صفحا عنهم و حلما، و هو تأكيد لما سبق.(3:419)

مثله البروسويّ(4:301)،و الآلوسيّ(13:33).

عبد الكريم الخطيب: أي تلقّى يوسف منهم هذه التّهمة،فأسرّها في نفسه،و لم يسألهم عنها،و لم يكشف

ص: 55

لهم عن وجه يوسف الّذي ألقوا إليه بهذه التّهمة.

(7:28)

تبدى

وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

القصص:10

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: كادت أمّ موسى أن تقول وا ابناه، و تخرج صائحة على وجهها.(ابن عطيّة 4:278)

ابن مسعود:كادت تقول:أنا أمّه.

(القرطبيّ 13:256)

ابن عبّاس: أن تقول:يا ابناه.(الطّبريّ 20:37) أي تصيح عند إلقائه:وا ابناه.

(القرطبيّ 13:256)

عكرمة: كادت تقول:وا ابناه من شدّة وجدها به، و ذلك حين رأت الموج يرفع و يضع.

(النّيسابوريّ 20:28)

الضّحّاك: لتشعر به.(الطّبريّ 20:38)

قتادة: أي لتبدي به أنّه ابنها،من شدّة وجدها.

(الطّبريّ 20:37)

السّدّيّ: لمّا جاءت أمّه أخذ منها-يعني الرّضاع- فكادت أن تقول:هو ابني،فعصمها اللّه،فذلك قول اللّه:

إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها. (الطّبريّ 20:37)

الكلبيّ: ذلك حين سمعت النّاس يقولون:إنّه ابن فرعون.(النّيسابوريّ 20:28)

مقاتل: معناه كادت تصيح على ابنها،شفقة عليه من الغرق.(الطّبرسيّ 4:242)

ابن زيد: لتعلن بأمره.(الطّبريّ 20:38)

الفرّاء: يعني باسم موسى أنّه ابنها،و ذلك أنّ صدرها ضاق بقول آل فرعون:هو ابن فرعون،فكادت تبدي به أي تظهره.و في قراءة عبد اللّه(إن كادت لتشعر به).(2:303)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي عادت عليه«الهاء»في قوله:(به)،فقال بعضهم:هي من ذكر موسى،و عليه عادت.[و بعد ذكر أقوال المفسّرين قال:]

و الصّواب من القول في ذلك،ما قاله الّذين ذكرنا قولهم،أنّهم قالوا:إن كادت لتقول:يا بنيّاه،لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على ذلك،و أنّه عقيب قوله:

وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً فلأن يكون لو لم يكن ممّن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك،من ذكر موسى، لقربه منه،أشبه من أن يكون من ذكر الوحي.

و قال بعضهم: بل معنى ذلك إن كادت لتبدي بموسى فتقول:هو ابني،قال:و ذلك أنّ صدرها ضاق،إذ نسب إلى فرعون،و قيل:ابن فرعون.و عنى بقوله: لَتُبْدِي بِهِ لتظهره و تخبر به.(20:37)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:أن تصيح عند إلقائه:وا ابناه،قاله ابن عبّاس.

الثّاني:أن تقول لمّا حملت لإرضاعه و حضانته:هو ابني،قاله السّدّيّ،لأنّه ضاق صدرها لما قيل:هو ابن

ص: 56

فرعون.

الثّالث:أن تبدي بالوحي،حكاه ابن عيسى.

(4:238)

الميبديّ: في الباء قولان:أحدهما:زيادة، و التّقدير:تبديه.و الثّاني:أنّ المفعول مقدّر،أي تبدي القول به بسبب موسى.(7:277)

الزّمخشريّ: لتصحر به،و الضّمير لموسى،و المراد بأمره و قصّته،و أنّه ولدها.(3:167)

الطّبرسيّ: معناه همّت بأن تقول:إنّها أمّه،لمّا رأته عند دعاء فرعون إيّاها للإرضاع،لشدّة سرورها به، عن جعفر بن حرب.(4:242)

القرطبيّ: أي لتظهر أمره،من بدا يبدو،إذا ظهر...

و قال: (لتبدى به) و لم يقل:لتبديه،لأنّ حروف الصّفات قد تزاد في الكلام،تقول:أخذت الحبل و بالحبل.

و قيل:أي لتبدي القول به.(13:256)

أبو حيّان: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ هي(ان) المخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم هي الفارقة.

و قيل:(ان)نافية،و اللاّم بمعنى«إلاّ»،و هذا قول كوفيّ.و الإبداء:إظهار الشّيء،و الظّاهر أنّ الضّمير في (به)عائد على موسى عليه السّلام،فقيل:الباء زائدة،أي لتظهره.

و قيل:مفعول تبدي محذوف،أي لتبدي القول به، أي بسببه و أنّه ولدها،و قيل:الضّمير في(به)للوحي، أي لتبدي بالوحي.(7:107)

أبو السّعود: أي إنّها كادت لتظهر بموسى،أي بأمره و قصّته من فرط الحيرة و الدّهشة،أو الفرح بتبنّيه.(5:115)

البروسويّ: لتظهر بموسى و أنّه ابنها،و تفشي سرّها،و أنّها ألقته في النّيل.يقال:بدا الشّيء بدوا و بدوّا:ظهر ظهورا بيّنا،و أبداه:أظهره إظهارا بيّنا.

(6:385)

الآلوسيّ: أي أنّها كادت إلخ،على أنّ(ان)هي المخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم هي الفارقة،أو ما كادت إلاّ تبدي به،على أنّ(ان)نافية،و اللاّم بمعنى«إلاّ»و هو قول كوفيّ.و الإبداء:إظهار الشّيء،و تعديته بالباء لتضمينه معنى التّصريح.

و قيل:المفعول محذوف و الباء سببيّة،أي تبدي حقيقة الحال بسببه،أي بسبب ما عراها من فراقه، و قيل:هي صلة،أي تبديه.و كلا القولين كما ترى، و الظّاهر أنّ الضّمير المجرور لموسى عليه السّلام.

و المعنى:أنّها كادت تصرّح به عليه السّلام،و تقول:وا ابناه من شدّة الغمّ و الوجد،رواه الجماعة عن ابن عبّاس، و روي ذلك أيضا عن قتادة،و السّدّيّ.

و عن مقاتل: أنّها كادت تصيح:وا ابناه،عند رؤيتها تلاطم الأمواج به،شفقة عليه من الغرق.

و قيل:المعنى أنّها كادت تظهر أمره من شدّة الفرح بنجاته،و تبنّي فرعون إيّاه.

و قيل:الضّمير للوحي إنّها كادت تظهر الوحي، و هو الوحي الّذي كان في شأنه عليه السّلام،المذكور في قوله تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ القصص:7،و هو خلاف الظّاهر،و لا تساعد عليه

ص: 57

الرّوايات.(20:49)

الطّباطبائيّ: (ان)مخفّفة من الثّقيلة،أي إنّها قربت من أن تظهر الأمر،و تفشي السّرّ لو لا أن ثبّتنا قلبها بالرّبط عليه،و قوله: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي الواثقين باللّه في حفظه،فتصبر و لا تجزع عليه فلا يبدو أمره.(16:12)

عبد الكريم الخطيب: أي أنّها و قد فرغ قلبها من هذا المهد الّذي كان لوليدها في سويداء القلب، أوشكت أن تصرخ و تندب هذا الوليد،و تنادي في النّاس:إنّ هذا الطّفل الّذي وجد ملقى في اليمّ،و الّذي التقطه آل فرعون هو وليدها،و إنّها لتودّ أن تلقي عليه و لو نظرة واحدة،قبل أن يصير إلى هذا المصير المجهول.(10:316)

يبدين

وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ... النّور:31

راجع«ز ي ن»

تبدون

1- ...قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.

البقرة:33

ابن مسعود: قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30،فهذا الّذي أبدوا،و وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر.(الطّبريّ 1:222)

مثله الرّبيع(الطّبريّ 1:223)،و الماورديّ(1:

101)،و الميبديّ(1:138).

ابن عبّاس: ما تظهرون.(الطّبريّ 1:232)

الحسن: ما أبدوه هو قولهم: (أَ تَجْعَلُ فِيها) .

و ما كتموه قولهم:لن يخلق اللّه أكرم عليه منّا.

مثله قتادة.(أبو حيّان 1:150)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك.[ثمّ ذكر الأقوال في المراد ب(ما تبدون و ما تكتمون)إلى أن قال:]

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عبّاس:

و هو أنّ معنى قوله: وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ و أعلم مع علمي غيب السّماوات و الأرض،ما تظهرون بألسنتكم.

وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ و ما كنتم تخفونه في أنفسكم، فلا يخفى عليّ شيء،سواء عندي سرائركم و علانيتكم، و الّذي أظهروه بألسنتهم ما أخبر اللّه جلّ ثناؤه عنهم أنّهم قالوه،و هو قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ البقرة:30.(1:222)

المهدويّ: (ما تُبْدُونَ) قولهم ليخلق ربّنا ما شاء، فلن يخلق أعلم منّا و لا أكرم عليه،فجعل هذا ممّا أبدوه لما قالوه.(ابن عطيّة 1:123)

القشيريّ: (ما تُبْدُونَ) من الطّاعات،و تكتمون من اعتقاد الخيريّة على آدم عليه الصّلاة و السّلام

(1:90)

ابن عطيّة: اختلف المفسّرون في قوله تعالى:

ص: 58

ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، فقالت طائفة:ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم و ظواهرهم و بواطنهم أجمع.

و حكى مكّيّ أنّ المراد بقول (ما تُبْدُونَ) قولهم:

(أَ تَجْعَلُ فِيها) الآية.

و قال الزّهراويّ: ما أبدوه هو بدارهم بالسّجود لآدم.(1:123)

ابن عربيّ: وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ من عملكم بمفاسد الإنسان، وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ من ترجيحكم ذواتكم عليه،لنزاهتها و تقدّسها.(1:38)

الطّبرسيّ: قيل:فيه أقوال:

أحدها:أنّه أراد أعلم سرّكم و علانيتكم،و ذكر ذلك تنبيها لهم على ما يحيلهم عليه من الاستدلال،لأنّ الأصول الأول الّتي يستدلّ بها انّما تذكر على وجه التّنبيه،ليستخرج بها غيرها،فيستدلّ بعلمه الغيب على أنّه خلق عباده على ما خلقهم عليه،للاستصلاح في التّكليف و ما توجبه الحكمة.

و ثانيها:أنّه أراد و اعلم ما تُبْدُونَ من قولكم:

أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، من إضمار إبليس المعصية و المخالفة.

قال عليّ بن عيسى:و هذا ليس بالوجه،لأنّ الخطاب للملائكة و ليس إبليس منهم،و لأنّه عامّ فلا يخصّ إلاّ بدليل.

و جوابه أنّ إبليس لمّا دخل معهم في الأمر بالسّجود، جاز أن يذكر في جملتهم.و قد رويت روايات تؤيّد هذا القول،و اختاره الطّبريّ.

و ثالثها:أنّ اللّه تعالى لمّا خلق آدم مرّت به الملائكة، قبل أن ينفخ فيه الرّوح،و لم تكن رأت مثله،فقالوا:لن يخلق اللّه خلقا إلاّ كنّا أكرم منه و أفضل عنده،فهذا ما أخفوه و كتموه.و أمّا ما أبدوه فقولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، روي ذلك عن الحسن.

و الأوّل أقوى لأنّه أعمّ.(1:79)

البيضاويّ: استحضار لقوله: أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ البقرة:30،لكنّه جاء به على وجه أبسط ليكون كالحجّة عليه،فإنّه تعالى لمّا علم ما خفي عليهم من أمور السّماوات و الأرض،و ما ظهر لهم من أحوالهم الظّاهرة و الباطنة،علم ما لا يعلمون.

و فيه تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى،و هو أن يتوقّفوا مترصّدين لأن يبين لهم.و قيل: (ما تُبْدُونَ) قولهم: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، (و ما تكتمون)، استنباطهم أنّهم أحقّاء بالخلافة،و أنّه تعالى لا يخلق خلقا أفضل منهم.

و قيل:ما أظهروا من الطّاعة،و أسرّ إبليس منهم من المعصية.(1:47)

نحوه البروسويّ.(1:102)

أبو حيّان: قال عليّ و ابن مسعود و ابن عبّاس رضوان اللّه عليهم أجمعين: (ما تُبْدُونَ) الضّمير للملائكة، وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يعني إبليس،فيكون من خطاب الجمع،و يراد به الواحد،نحو إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ الحجرات:4.

و روي أنّ إبليس مرّ على جسد آدم بين مكّة و الطّائف،قبل أن ينفخ فيه الرّوح،فقال:لأمر ما خلق

ص: 59

هذا؟ثمّ دخل من فيه و خرج من دبره،و قال:إنّه خلق لا يتمالك لأنّه أجوف،ثمّ قال للملائكة الّذين معه:أ رأيتم إن فضّل هذا عليكم و أمرتم بطاعته ما تصنعون؟قالوا:

نطيع اللّه،فقال إبليس في نفسه:و اللّه لئن سلّطت عليه لأهلكنّه،و لئن سلّط عليّ لأعصينّه،فهذا قوله تعالى:

وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ الآية،يعني من قول الملائكة و كتم إبليس.

و قيل:ما أبدوه هو الإقرار بالعجز،و ما كتموه الكراهيّة لاستخلاف آدم عليه السّلام.

و قيل:هو عامّ فيما أبدوه و ما كتموه من كلّ أمورهم، و هذا هو الظّاهر.(1:150)

رشيد رضا: و الّذي يبدونه هو ما يظهر أثره في نفوسهم،و أمّا ما يكتمون فهو ما يوجد في غرائزهم و تنطوي عليه طبائعهم.(1:264)

القاسميّ: أي ما تظهرونه بألسنتكم،و ما كنتم تخفون في أنفسكم.(2:100)

الطّباطبائيّ: كان هذان القسمان من الغيب النّسبيّ الّذي هو بعض السّماوات و الأرض،و لذلك قوبل به قوله: أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، ليشمل قسمي الغيب:أعني الخارج عن العالم الأرضيّ و السّماويّ،و غير الخارج عنهما.(1:118)

2- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ. النّور:29

الطّبريّ: و اللّه يعلم ما تظهرون أيّها النّاس بألسنتكم من الاستئذان،إذا استأذنتم على أهل البيوت المسكونة.(18:116)

الطّوسيّ: أي لا يخفى عليه ما تظهرونه و لا ما تكتمونه،لأنّه عالم بجميع ذلك.(7:427)

الميبديّ: أي إذا دخلتم بيوت غيركم فاتّقوا اللّه، فإنّه يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور.(6:511)

الزّمخشريّ: وعيد للّذين يدخلون الخربات و الدّور الخالية من أهل الرّيبة.(3:60)

مثله الفخر الرّازيّ.(23:200)

البيضاويّ: وعيد لمن دخل مدخلا لفساد،أو تطّلع على عورات.(2:124)

مثله أبو السّعود(4:453)،و البروسويّ(6:

139)،و الآلوسيّ(18:138).

تبدوا

1- لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ... البقرة:284

القشيريّ: من المعاني و الدّعاوي،و يقال:من القصود و الرّغائب،و فنون الحوائج و المطالب.

و يقال:ما تبديه العبادة،و ما تخفيه الإرادة.

و يقال:ما تخفيه الخطرات و ما تبديه العبارات.

و يقال:ما تخفيه السّكنات،و تبديه الحركات.

و يقال:الإشارة إلى استدامة المراقبة،و استصحاب المحاسبة،فلا تغفل خطرة،و لا تحمل وقتك نفسا.

(1:227)

و فيها مباحث أخرى راجع«ح س ب-ن ف س»

ص: 60

2- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ... البقرة:271

راجع«ص د ق».

3- إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً. النّساء:149

راجع«خ ي ر»

تبد

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ...

المائدة:101

راجع«س ء ل-ش ي ء»

تبدونها

...تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً...

الأنعام:91

راجع«خ ف ي»

مبديه

...وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ... الأحزاب:37

ابن عبّاس: حبّها.(ابن الجوزيّ 6:387)

عائشة: لو كتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم شيئا،ممّا أوحي إليه من كتاب اللّه،لكتم وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ.

(الطّبريّ 22:13)

الإمام زين العابدين عليه السّلام: الّذي أخفاه في نفسه:هو أنّ اللّه سبحانه أعلمه أنّها ستكون من أزواجه،و أنّ زيدا سيطلّقها،فلمّا جاء زيد و قال له:

أريد أن أطلّق زينب،قال له:أمسك عليك زوجك، فقال سبحانه:لم قلت:أمسك عليك زوجك،و قد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك.

(الطّبرسيّ 4:360)

نحوه الحسن(الماورديّ 4:406)،و البروسويّ(7:

179).

الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشدّ عليه منها، قوله: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ، و لو كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كاتما شيئا من الوحي لكتمها.

(الطّبريّ 22:13)

قتادة: و كان يخفي في نفسه ودّ أنّه طلّقها.

(الطّبريّ 22:13)

نحوه ابن جريج،و مقاتل.(ابن الجوزيّ 6:387)

ابن زيد: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمّته،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوما يريده و على الباب ستر من شعر،فرفعت الرّيح السّتر، فانكشف،و هي في حجرتها حاسرة،فوقع إعجابها في قلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا وقع ذلك كرهت إلى الآخر،فجاء فقال:يا رسول اللّه إنّي أريد أن أفارق صاحبتي،قال:

مالك،أرابك منها شيء؟قال:لا،و اللّه ما رابني منها شيء يا رسول اللّه،و لا رأيت إلاّ خيرا.فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ، فذلك قول اللّه تعالى: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ

ص: 61

أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ، تخفي في نفسك إن فارقها تزوّجتها.

(الطّبريّ 22:13)

الإمام الرّضا عليه السّلام: و أمّا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و قول اللّه عزّ و جلّ: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فإنّ اللّه تعالى عرّف نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أسماء أزواجه في دار الدّنيا،و أسماء أزواجه في الآخرة، و أنّهنّ أمّهات المؤمنين،و أحدهنّ سمّى له زينب بنت جحش،و هي يومئذ تحت زيد بن حارثة،فأخفى صلّى اللّه عليه و آله اسمها في نفسه و لم يبده،لكيلا يقول أحد من المنافقين:

إنّه قال في امرأة في بيت رجل:إنّها أحد أزواجه من أمّهات المؤمنين،و خشي قول المنافقين،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ يعني في نفسك...(العروسيّ 4:281)

إنّ رسول اللّه قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبيّ في أمر أراده،فرأى امرأته تغتسل،فقال لها:

«سبحان اللّه الّذي خلقك»و إنّما أراد بذلك تنزيه اللّه تعالى عن قول من زعم:أنّ الملائكة بنات اللّه،فقال اللّه عزّ و جلّ: أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً الإسراء:40،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا رآها تغتسل:سبحان الّذي خلقك،أن يتّخذ ولدا يحتاج إلى هذا التّطهير و الاغتسال،فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء الرّسول عليه السّلام،و قوله لها:«سبحان الّذي خلقك»فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، فظنّ أنّه قال ذلك لما أعجبه من حسنها،فجاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه إنّ امرأتي في خلقها سوء و إنّي أريد طلاقها.فقال له النّبيّ عليه السّلام: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ.

و قد كان اللّه عزّ و جلّ عرّفه عدد أزواجه،و إنّ تلك المرأة منهنّ،فأخفى ذلك في نفسه و لم يبده لزيد،و خشي النّاس أن يقولوا:إنّ محمّدا يقول لمولاه:إنّ امرأتك ستكون لي زوجة،فيعيبونه بذلك،فأنزل اللّه وَ إِذْ تَقُولُ.... (العروسيّ:4:281)

الجبّائيّ: أضمر أن يتزوّجها إن طلّقها زيد،من حيث إنّها ابنة عمّته،فأراد ضمّها إلى نفسه لئلاّ يصيبها ضيعة،كما يفعل الرّجل بأقاربه،فأخبر اللّه سبحانه النّاس بما كان يضمره،من إيثار ضمّها إلى نفسه،ليكون ظاهره مطابقا لباطنه.(الطّبرسيّ 4:360)

الطّبريّ: و تخفي في نفسك محبّة فراقه إيّاها، لتتزوّجها إن هو فارقها،و اللّه مبد ما تخفي في نفسك من ذلك.(22:12)

نحوه البغويّ(3:642)،و الخازن(5:215).

الماورديّ: فيه أربعة أقاويل:

أحدها:أنّ الّذي أخفاه في نفسه ميله إليها.

الثّاني:إشارة لطلاقها،قاله ابن جريج.

الثّالث:أخفى في نفسه إن طلّقها زيد تزوّجها.

الرّابع:أنّ الّذي أخفاه في نفسه:أنّ اللّه أعلمه أنّها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوّجها،قاله الحسن.

(4:406)

الطّوسيّ: الّذي أخفى في نفسه:أنّه إن طلّقها زيد تزوّجها،و خشي من إظهار هذا للنّاس،و كان اللّه تعالى أمره بتزوّجها إذا طلّقها زيد،فقال اللّه تعالى له:إن

ص: 62

تركت هذا خشية النّاس فترك إضماره خشية اللّه أحقّ و أولى...

و قيل:إنّ زيدا لمّا جاء مخاصما زوجته،فرآها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،استحسنها و تمنّى أن يفارقها زيد حتّى يتزوّجها فكتم.

قال البلخيّ: و هذا جائز،لأنّ هذا التّمنّي هو ما طبع اللّه عليه البشر،فلا شيء على أحد إذا تمنّى شيئا استحسنه.(8:344)

القشيريّ: أي لم تظهر لهم أنّ اللّه عرّفك ما يكون من الأمر في المستأنف،و تخفي في نفسك من ميلك و محبّتك لها،لا على وجه لا يحلّ.(5:163)

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة و ابن زيد و جماعة من المفسّرين منهم الطّبريّ و غيره إلى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وقع منه استحسان لزينب و هي في عصمة زيد،و كان حريصا على أن يطلّقها زيد فيتزوّجها هو،ثمّ إنّ زيدا لمّا أخبره بأنّه يريد فراقها،و يشكو منها غلظة قول و عصيان أمر و أذى باللّسان و تعظّما بالشّرف،قال له:اتّق اللّه فيما تقول عنها و أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ و هو يخفي الحرص على طلاق زيد إيّاها.

و هذا هو الّذي كان يخفي في نفسه،و لكنّه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف،و قالوا:خشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قالة النّاس في ذلك،فعاتبه اللّه تعالى على جميع هذا.و قرأ ابن أبي عبلة: (ما اللّه مظهره) .

و قال الحسن: ما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم شيء أشدّ عليه من هذه الآية.

و قال هو و عائشة:لو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدّتها عليه.

و روى ابن زيد في نحو هذا القول:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم طلب زيدا في داره فلم يجده،و رأى زينب حاسرة فأعجبته،فقال:سبحان اللّه مقلّب القلوب.

و روي في هذه القصّة أشياء يطول ذكرها،و هذا الّذي ذكرناه مستوف لمعانيها،و ذهب قوم من المتأوّلين إلى أنّ الآية لا كبير عتب فيها.

و رووا عن عليّ بن الحسين: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان قد أوحى اللّه إليه أنّ زيدا يطلّق زينب،و أنّه يتزوّجها بتزويج اللّه إيّاها له،فلمّا تشكّى زيد للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خلق زينب،و أنّها لا تطيعه،و أعلمه بأنّه يريد طلاقها،قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جهة الأدب و الوصيّة:(اتّق اللّه)،أي في أقوالك،و أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، و هو يعلم أنّه سيفارقها.

و هذا هو الّذي أخفى في نفسه،و لم يرد أن يأمره بالطّلاق،لما علم من أنّه سيتزوّجها،و خشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يلحقه قول من النّاس،في أن يتزوّج زينب بعد زيد و هو مولاه،و قد أمره بطلاقها،فعاتبه اللّه تعالى على هذا القدر،من أن خشي النّاس في أمر قد أباحه اللّه تعالى له،و إن قال:(امسك)مع علمه أنّه يطلّق،و أعلمه أنّ اللّه أحقّ بالخشية،أي في كلّ حال.(4:386)

نحوه القرطبيّ.(14:189)

الطّبرسيّ: [و بعد نقل كلام الإمام زين العابدين عليه السّلام قال:]

و هذا التّأويل مطابق لتلاوة الآية،و ذلك أنّه

ص: 63

سبحانه أعلم أنّه يبدي ما أخفاه،و لم يظهر غير التّزويج، فقال:(زوّجناكها)فلو كان الّذي أضمره محبّتها أو إرادة طلاقها لأظهر اللّه تعالى ذلك،مع وعده بأنّه يبديه،فدلّ ذلك على أنّه إنّما عوتب على قوله: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ مع علمه بأنّها ستكون زوجته،و كتمانه ما أعلمه اللّه به؛حيث استحيا أن يقول لزيد:إنّ الّتي تحتك ستكون امرأتي.(4:360)

نحوه أبو حيّان.(7:234)

الفخر الرّازيّ: من أنّك تريد التّزوّج بزينب.

(25:212)

أبو السّعود: هو نكاحها إن طلّقها،أو إرادة طلاقها.(5:228)

الآلوسيّ: و المراد بالموصول على ما أخرج الحكيم التّرمذيّ و غيره عن عليّ بن الحسين رضي اللّه تعالى عنهما:ما أوحى اللّه تعالى به إليه،أنّ زينب سيطلّقها زيد و يتزوّجها بعده عليه الصّلاة و السّلام،و إلى هذا ذهب أهل التّحقيق من المفسّرين:الزّهريّ و بكر بن العلاء و القشيريّ و القاضي أبي بكر ابن العربيّ و غيرهم.[إلى أن قال:]

و أخرج جماعة عن قتادة أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخفي إرادة طلاقها،و يخشى قالة النّاس إن أمره بطلاقها،و أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ و هو يحبّ طلاقها.و العتاب عليه على إظهار ما ينافي الإضمار.

و قد ردّ ذلك القاضي عياض في«الشّفاء»و قال:

لا تسترب في تنزيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن هذا الظّاهر،و أنّه يأمر زيدا بإمساكها،و هو يحبّ تطليقه إيّاها،كما ذكره جماعة من المفسّرين،إلى آخر ما قال.

و ذكر بعضهم أنّ إرادته صلّى اللّه عليه و سلّم طلاقها،و حبّه إيّاه كان مجرّد خطوره بباله الشّريف،بعد العلم بأنّه يريد مفارقتها،و ليس هناك حسد منه عليه الصّلاة و السّلام، و حاشاه له عليها،فلا محذور.و الأسلم ما ذكرناه عن زين العابدين رضي اللّه تعالى عنه،و الجمهور.

و حاصل العتاب:لم قلت: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ و قد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك،و هو مطابق للتّلاوة،لأنّ اللّه تعالى أعلم أنّه مبدي ما أخفاه عليه الصّلاة و السّلام،و لم يظهر غير تزويجها منه،فقال سبحانه:(زوّجناكها)،فلو كان المضمر محبّتها و إرادة طلاقها و نحو ذلك،لأظهره جلّ و علا.

و للقصّاص في هذه القصّة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيّز القبول.(22:24)

عبد الكريم الخطيب: إشارة إلى ما كان يخفيه النّبيّ من أمر اللّه في هذا الزّواج،و أنّه منته إلى الفراق، فقد أخفى النّبيّ هذا الّذي علمه من ربّه،و لكنّ اللّه سبحانه و تعالى سيبديه في حينه،و ذلك حين يقع القدر المقدور،و يتمّ الطّلاق.(11:722)

و سيأتي ردّ بعض الأقوال المذكورة في مادّة«زوج» فراجع.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة في رأينا-و هو خلاف كلّ اللّغويّين-«البادية»و هي الأرض الّتي لا حضر فيها،

ص: 64

يقال:بدا الرّجل يبدو بدوا،و تبدّى أيضا،إذا نزل البادية،فهو باد و متبدّ،مثل:أنجد الرّجل و أعرق،أي أتى نجدا و العراق.و تبادى:تشبّه بأهل البادية،كقولهم:

تكوّف الرّجل،أي تشبّه بأهل الكوفة،و تعرّب:تشبّه بالعرب.

ثمّ سمّي كلّ بروز من بناء بدوا،فيقال لمن يتغوّط و يحدث:قد بدا يبدو،و أبدى يبدي فهو مبد،لأنّه إذا فعل ذلك يخرج إلى العراء،و هو محلّ تغوّطهم آنذاك.

ثمّ أطلق على مطلق الظّهور،يقال:بدا الشّيء يبدو بدوا و بدوّا و بداء و بدا:ظهر،و أبديته أنا و بدّيته:

أظهرته.و بادى فلان بالعداوة:جاهر بها،و تبادى القوم بالعداوة:تجاهروا بها.و بدت بواد من فلان:ظهرت منه ظواهر،و فلان ذو بدوات،أي ذو آراء تظهر له،و هو مدح للرّجل الحازم،و كذا قولهم:أبو البدوات.

و منه أيضا:البداء،و هو بالنّسبة إلى المخلوق استصواب شيء علمه لا حقا،بعد أن لم يعلمه سابقا، و ذلك على اللّه غير جائز،يقال:بدا لي في هذا الأمر بداء و بدوا،أي نشأ و ظهر لي فيه رأي آخر.و أمّا بالنّسبة إلى اللّه تعالى فهو ظهور إرادته و قضائه مجدّدا،و الكلام فيه طويل،و قد تقدّم شيء منه في النّصوص.

2-و البدو:مصدر بدا يبدو بدوا،و هو ممّا سمّي به من المصادر،فقد سمّي به سكّان البادية و مكانهم أيضا، أي البادية،و النّسبة إليه بدويّ-محرّكة-على غير قياس،لأنّ القياس بدويّ،بسكون الدّال.

و البداوة و البداوة:خلاف الحضارة،و النّسبة إليهما بداويّ و بداويّ،على القياس.و قيل:إنّ البداويّ منسوب إلى البدو و البادية،و هو شاذّ و نادر.

3-هناك خلط بين مادّتي(ب د أ)و(ب د و)في المصدر و في اسم الفاعل،فقد قرئ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27،بالهمزة و الياء جميعا،بل تعدّى الخلط في اللّفظ إلى المعنى أيضا؛حيث قيل:إنّ البدو أوّل الظّهور،فما ظهر فقد بدأ،و ما بدأ فقد ظهر،لاحظ «ب د أ».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

ورد استعمال هذه المادّة في القرآن على النّحو التّالي:

1-الأفعال:

الماضي:1- بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ الأنعام:28

2- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ يوسف:35

3- وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ

الزّمر:47

4- وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا الزّمر:48

5- وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا الجاثية:33

6- وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً

الممتحنة:4

7- قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ آل عمران:118

8- فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما

الأعراف:22

9- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما طه:121

ص: 65

المضارع:10- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ... البقرة:271

11- وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ البقرة:284

12- إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً النّساء:149

13- إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً الأحزاب:54

14- وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ

البقرة:33

15 و 16- وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ

المائدة:99 و النّور:29

17- تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً

الأنعام:91

18- قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ آل عمران:29

19- إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها القصص:10

20- فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ

يوسف:77

21- يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ

آل عمران:154

22- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما الأعراف:20

23- وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها

النّور:31

24- وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ

النّور:31

25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ المائدة:101

26- وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ المائدة:101

2-الصّفات:

27- وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ الحجّ:25

28- وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27

29- وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ الأحزاب:20

30- وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ

الأحزاب:37

3-الاسم:

31- وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف:100

يلاحظ أوّلا:أ-أنّ الأفعال في الآيات(1)إلى(9) مجرّدة و لازمة،و كلّها فعل ماض،و هي تتناول أحوال الكافرين و المشركين و أهل الكتاب أو بني إسرائيل (1)،و سلوك عزيز مصر و أعوانه مع يوسف(2)، و تبرّؤ أتباع إبراهيم من قومهم(6)،و انكشاف سوآت آدم و حوّاء بعد أكلهما من الشّجرة(9).

ب-و يرمز تجرّد هذه الأفعال إلى تجرّد ما بدا لهؤلاء ممّا يشوبه من اللّبس و الغموض،بل رأوا يومئذ بوضوح

ص: 66

ما آلت إليه حالهم،كما يرمز لزومها و قصورها إلى لزوم أثر ذلك لأنفسهم في الدّنيا و الآخرة،و يحكي كذلك قصور تفكيرهم.

ج-و أمّا صيغة الماضي فيها فهي رمز الحكاية و تحقّق الوقوع،و إن كان معناها فيما يرجع إلى وصف الآخرة مستقبلا،كما في(1)و(3)و(4)و(5).

ثانيا:أ-أنّ الأفعال في سائر الآيات-و هي من (10)إلى(26)-مزيدة من باب الإفعال،و مضارعة فقط،و هي ضعف الماضي تقريبا.و تتناول غالبا أحوال المسلمين في الآيات(10)و(11)و(12)و(13)و(15) و(16)و(18)و(23)و(24)و(25)و(26).و غير المسلمين،و هم:الملائكة في(14)،و اليهود في(17)، و أمّ موسى في(19)،و يوسف في(20)،و المنافقون في (21)،و الشّيطان في(22).

ب-و أدّت زيادة الفعل هنا إلى زيادة معناه بالمفعول به،سواء كان ظاهرا أم مقدّرا،كما في(14)و(15) و(16).

ج-و ترمز مضارعته و حاليّته-كما في الفعل المجرّد أيضا-إلى استمرار معناه،و دوام فحواه على مرّ الأحقاب و الدّهور.

د-بيد أنّ فيهما فعلين يعنيان المضيّ دون الاستقبال؛أحدهما مثبت و الآخر منفيّ،فالأوّل(19):

إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ القصص:10،أي أبدت به تقريبا،و الثّاني(20): وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ يوسف:77، أي ما أبداها لهم.

ه-و كلّها بمعنى ظهور أمر مادّيّ،كما في(8)و(9)، أو معنويّ كما في غيرها،سوى الآية(2)وحدها،فهي بمعنى تجدّد و ظهور الرّأي و البداء.

و-و قد جاء(بدا)في السّتّ الأولى مذكّرا،و في الثّلاث الأخيرة مؤنّثا،أي أنّ المذكّر ضعف المؤنّث.

و هذا رغم كون الفاعل في غير الثّلاث الأولى مؤنّثا لفظا،و أنّ الفاعل في كلّ من(6)و(7)العداوة و البغضاء بفارق واحد،و هو فصل(بيننا و بينكم)بين الفعل و الفاعل في(6)،فجاء الفعل مذكّرا،و جاء في(7)مؤنّثا لعدم الفصل بينهما.

ز-هناك فرق بين الماضي و المضارع،فالماضي في الجميع مثبت،و ليس فيها منفيّ،و المضارع في جميعها مثبت إلاّ أربعا،فاثنتان منها نفي(20)و(21)،و اثنتان نهي(23)و(24).

ح-هناك فرق آخر بين الماضي و المضارع،و هو أنّ الماضي كلّه جزميّ،و المضارع ستّ منه مشروط،و هي:

(10)و(11)و(12)و(13)و(18)و(25)و(26)، و عشر جزميّ،و هي سائر الأرقام،فالجزميّ منه ضعف المشروط بنقص واحدة،و هو مثل الماضي بزيادة واحدة،كما أنّ المشروط منه ثلثا الماضي الجزميّ.هذا لو كان(ان)في إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ القصص:10، مخفّف الثّقيلة بقرينة اللاّم،و عليه الأكثر،أمّا إذا كانت شرطيّة-و هو بعيد-فيزيد المشروط و ينقص الجزميّ بواحدة،فيصير المشروط سبعة و الجزميّ تسعة.

ط-و المضارع كلّه متعدّ بنفسه إلاّ واحدة(19):

إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ القصص:10،و قد اختلفت الأقوال في توجيه ذلك على النّحو الآتي:

ص: 67

1-الباء زائدة،لأنّ حروف الصّفات قد تزاد في الكلام،تقول:أخذت الحبل و بالحبل.

2-لتبدي:لتقول به،أي بسبب موسى.

3-تضمين(لتبدى)معنى تعلن به،أو تصرّح به، أو تصيح به،أو تشعر به،أو تخبر به،و نحوها.و المناسب للسّياق نظرا إلى موقف الأمّ هنا هو أن تصيح به.هذا كلّه على أنّ الضّمير في(به)راجع إلى موسى،و قيل:إنّه راجع إلى الوحي،و هو بعيد.

ي-كما جاء مبنيّا للمعلوم دائما،إلاّ آيتين:(25) و(26).

ك-جاء الإبداء طباقا للإخفاء،في عشرة موارد:

(1)و(7)و(10)و(11)و(12)و(13)و(17)و(18) و(21)و(30)،و للكتمان في موردين:(14)و(15)، و للإسرار في مورد واحد:(20)،و للوريّ في مورد واحد أيضا:(22): لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما الأعراف:20.

و لا بدّ من بيان الفرق بينها-كما سيأتي في«خ ف ي»-إذ يحتاج إلى بحث طويل.كما جاء مع الظّهور مرّة واحدة(23): وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها النّور:31،أي إلاّ ما بدى بنفسه،فوضع(ظهر)موضع (بدى)تفنّن لطيف.

و ثالثا:من الصفات:أ-البادي: وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ الحجّ:25.

البادي في الأصل هو البدويّ،من قولهم:بدا الرّجل يبدو بدوا،أي نزل البادية،و المراد به هنا بقرينة السّياق غير المقيم،ممّن جاء من خارج الحرم،أي جعلنا المسجد الحرام لأهل الحرم و خارجه على السّواء،و هذا كقولهم:

القريب و البعيد،و القاصيّ و الدّانيّ.

و لكن ألا يكفي قوله: وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ فيشمل العاكف و الباديّ أيضا،و العربيّ و الأعجميّ،و الأبيض و الأسود؟

لعلّ العبرة في ذلك-و اللّه أعلم-أنّه تخصيص بعد تعميم،أو تبيين بعد إجمال،و حكمهما واحد،كقوله تعالى: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى النّساء:124،و لا سيّما أنّ شعيرة الحجّ تمتاز عن سائر شعائر الدّين بوقت واحد و مكان واحد،فيجتمع عند أدائها عامّة المسلمين على اختلاف أجناسهم،و تباين ألسنتهم،و تمايز ألوانهم،و تفاوت طبقاتهم و أعمارهم، و تباين مسافة بلدانهم،فاقتضى ذكر لفظ(النّاس)هنا أوّلا،ثمّ تبيينه ثانيا بالمقيم و غيره،استنكارا لما ارتكبه المشركون بمكّة من منع المسلمين عن الحجّ و دخول الحرم.

و من الجدير بالذّكر أنّ هذا اللّفظ-أي النّاس-جاء في سورة الحجّ(15)مرّة،و هي أعلى نسبة نظرا إلى قصرها،و قد ابتدأت بقوله: يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الحجّ:1،و انتهت بذكر النّاس في آخر آية منها، و هو قوله: وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ الحجّ:78، فحريّ أن تسمّى«سورة النّاس».

هذا رغم أنّ لفظ(النّاس)جاء في سورة البقرة(39) مرّة،و في آل عمران(19)مرّة،و في النّساء(17)مرّة، و في يونس(15)مرّة كسورة الحجّ،لاحظ«ن و س».

ص: 68

ب-بادي الرّأي: وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27.

و فيه وجهان:

1-جمع البادي،و أصله بادين،حذفت النّون للإضافة،ثمّ فتحت الياء و ألحق بمثل قولهم:غلامي زيد.

و البادون:هم أهل البادية،أي هم أراذلنا ذوي الآراء السّخيفة،و البصائر السّاذجة،فهم كأهل البادية في ركاكة أفكارهم،فلا يليق بنا أن نتّبعك و نحن ذوو بصائر نافذة،و عزائم سديدة،و لذا قال لاحقا: وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا هود:29.

و هذا الوجه لم يسبقنا إليه أحد فيما نعلم،و هو مبنيّ على قراءة(بادي)بدون همز،من البدو بمعنى الظّهور، و كونه جمعا لا مفردا،و كونه مرفوعا وصفا ل(اراذلنا)، أو منصوبا حالا منه،و هذا لا يوافق قراءة(بادى)بفتح الياء،فإنّه لو كان جمعا لقرئ بسكون الياء بعد حذف نون الجمع.

2-إنّه مفرد،و عليه إجماع المفسّرين،و فيه قراءتان:(بادئ)مهموز من:بدأ،و(بادي)بالياء من:

بدا،و لكلّ منهما وجوه من المعاني تختلف بحسب إعرابه من كونه ظرفا أو حالا أو وصفا،و بحسب متعلّقه من كونه(نريك)أو(اتّبعك)أو(اراذلنا)أو(قال)،أو معترضا في الكلام،أو نعتا ل(بشرا)،أو غير ذلك، لاحظ النّصوص،و لا سيّما قول ابن عطيّة.

ج-بادون: وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا (أي المنافقون) لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ الأحزاب:20.

البادون:جمع البادي،و هم هنا من خرج إلى البادية.و قالوا:(فى)بمعنى«مع»،أي يكونون مع الأعراب في البادية أو بمعناها،أي أن يدخلوا فيهم و يختلطوا بهم.و الأعراب:جمع أعرابيّ،و هم البدو سكّان البادية،و العرب جمع«عربيّ»،و هم سكّان الأمصار.

و لعلّ قائلا يقول:لم لم يقل:بادون في البدو ما داما بمعنى واحد؟

نقول:إنّ البدويّ من يسكن البادية و ينسب إليها، و ينعت بالجهل و الجفاء،و هو خلاف الحضريّ الّذي يسكن الحاضرة.و الأعرابيّ:من يسكن البادية أيضا، و ينسب إلى الأعراب،و ينعت بالجهل و الجفاء كالبدويّ، و هو خلاف العربيّ الّذي يسكن الحاضرة أيضا.

بيد أنّ من يروم مدح أهل البادية يأتي على ذكر البدويّ دون الأعرابيّ،نسبة إلى البادية،لصفاء العيش فيها،و بساطة أهلها،و قد جاء في الحديث:«كان إذا اهتمّ لشيء بدا»،أي خرج الى البدو.و من توخّى ذمّهم يذكر الأعراب دون البدو،و له شواهد كثيرة في الكتاب و الأثر،فممّا روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام قوله:«من لم يتفقّه منكم في الدّين فهو أعرابيّ».

و هكذا هاهنا،إذ أراد اللّه أن يزري بالمنافقين و يوصمهم بالجهل،فقرنهم بالأعراب،استهانة بهم، و إمعانا في انحطاط قدرهم.

د-مبديه: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ الأحزاب:37.

يقول:و تخفي يا محمّد في فكرك أو قلبك ما اللّه

ص: 69

مظهره،فالإبداء:الإظهار كما تقدّم،إلاّ أنّ الإبداء أخصّ؛إذ يستعمل في مضمار الفكر و الرّأي غالبا،يقال للرّجل الحازم:ذو بدوات،أي ذو آراء تظهر له،فيختار بعضا و يسقط بعضا،و يقال له أيضا:أبو البدوات.

و هكذا جاء في القرآن،و منه هذه الآية،إلاّ أنّه عبّر عن الفكر بالنّفس أو القلب أو الصّدر،كما في الآيات (11)و(18)و(20)و(21)و(30).فيلحظ أنّ الإبداء جاء طباقا للإخفاء فيها،سوى الآية(20)،فقد جاء طباقا للإسرار،و هو بمعنى،لأنّ الإسرار أتى في القرآن طباقا للإعلان،مثل: وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ النّحل:19،و أتى الإعلان طباقا للإخفاء أيضا،مثل: وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ الممتحنة:1،فالإسرار بمثابة الإخفاء،لاحظ«س ر ر» و«ع ل ن».

أمّا الظّهور فقد جاء في القرآن طباقا للبطون فقط، كالظّهر و البطن: وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الأنعام:151،و الظّاهر و الباطن: هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ الحديد:3،لاحظ «ظ ه ر»و«ب ط ن».

رابعا:الاسم:البدو: وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف:100.

اختلف فيه،فقيل:هو موضع في أرض يعقوب يسمّى بدا،و قيل:البادية.و أمّا بدا فقيل:هو واد، و قيل:قرية.ثمّ اختلف في موضعه،فقيل:بأرض الشّام،و قيل:بوادي القرى،و قيل:بوادي عذرة.غير أنّ هناك قرائن تشير إلى أنّه موضع في شمال الجزيرة العربيّة،منها قول كثّير عزّة:

و أنت الّتي حبّبت شغبا إلى بدا

إليّ و أوطاني بلاد سواهما

حللت بهذا حلّة ثمّ حلّة

بهذا فطاب الواديان كلاهما

و المشهور أنّ«كثّيرا»و حبيبته«عزّة»كانا يقطنان أرض الحجاز من شمال الجزيرة العربيّة،و كذا«جميل العذريّ»و حبيبته«بثينة»،فقال فيها:

ألا قد أرى إلاّ بثينة ترتجى

بوادي بدا فلا بحسمى و لا شغب

و يبدو أنّ القول الثّاني هو الأقرب،لأنّ يعقوب كان ينزل مع أولاده ببادية في أرض كنعان،يرعون الغنم و البقر،و حينما قدموا مصر قال يوسف:لقد أسدى إليّ اللّه خيرا،حين أخرجني من السّجن و جاء بكم من البادية،فقابل إخراجه من السّجن بمجيئهم من البادية، و هذا تعريض بالبادية،و إطراء للحضر،و إن لم يرد له ذكر،و تقدير الكلام:و جعلني عزيزا،و جعلكم حضريّين.

ص: 70

ب ذ ر

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات،في سورة واحدة مكّيّة

تبذّر 1:1 المبذّرين 1:1

تبذيرا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بذرت الشّيء و الحبّ بذرا،بمعنى نثرت، و يقال للنّسل:البذر،يقال:هؤلاء بذر سوء.

و البذر:اسم جامع لما بذرت من الحبّ.

و البذير:من لا يستطيع أن يمسك سرّ نفسه.

و رجل بذير و بذور:مذياع،و قوم بذر:مذاييع، و الفعل و المصدر في القياس:بذر بذارة.

و في الحديث: «ليسوا بالمساييح البذر»،و يقال:بذر بذرا.

و التّبذير:إفساد المال و إنفاقه في السّرف،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً الإسراء:26.

و قيل:التّبذير:إنفاق المال في المعاصي،و قيل:هو أن يبسط يده في إنفاقه حتّى لا يبقي منه ما يقتاته، و اعتباره بقوله عزّ و جلّ: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الإسراء:29.

و يقال:طعام كثير البذارة،أي كثير النّزل،و هو طعام بذر،أي نزل.[ثمّ استشهد بشعر](8:182)

اللّيث: البذر:ما عزل للزّرع و للزّراعة من الحبوب كلّها،و الجميع:البذور.(الأزهريّ 14:427)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البيذرة و التّبذير و النّبذرة، بالنّون و الباء:تفريق المال في غير حقّه.

(الأزهريّ 14:428)

الفرّاء: كثير بذير،مثل بثير،لغة أو لغيّة.

(الجوهريّ 2:587)

أبو زيد: قال الهلاليّ:هو البذر لبذر الزّرع،و قال سائرهم:هو البذر.(257)

يقال عند بذر الأرض إذا بذرت:ما أحسن و راقها إذا اخضرّت و خرج بذارها.(218)

يقال:رجل تبذارة،للّذي يبذّر ماله

ص: 71

و يفسده.(الجوهريّ 2:587)

الأصمعيّ: تبذّر الماء،إذا تغيّر و اصفرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

المتبذّر:المتغيّر الأصفر،و بذّر:اسم ماء بعينه، و مثله:خضّم و عثّر،و يقّم،شجرة،و ليس لها نظائر.

(الأزهريّ 14:428)

اللّحيانيّ: و فيه بذارّة،مشدّدة الرّاء و بذارة،مخفّفة الرّاء،أي تبذير.

بذارة الطّعام:نزله و ريعه.(ابن سيدة 10:67)

ابن السّكّيت: بذر و بذر:إذا تفرّقت.

(إصلاح المنطق:122)

الدّينوريّ: و لو بذّرت فلانا لوجدته رجلا،أي لو جرّبته.(ابن سيدة 10:67)

ابن دريد :البذر:بذر النّبات.و بذّر الرّجل ماله تبذيرا،إذا فرّقه،و بذّر اللّه الخلق:فرّقهم في الأرض.

و بذّر:موضع معروف.[ثمّ استشهد بشعر](1:250)

السّيرافيّ: البذرّى:الباطل.(ابن منظور 4:50)

الصّاحب: البذر:ما عزل للزّرع من الحبوب كلّها، و الجميع:البذور.و مصدر بذرت،أي نثرت.

و البذر:النّسل.

و أوّل ما يخرج البقل و العشب فهو:البذر.

و بذّر اللّه الخلق:أي بثّهم و فرّقهم.

و ذهبت غنمك بذر و بذر:أي تفرّقت.و تبذّر من يدي.

و التّبذير:التّجربة.

و البذير من النّاس:الّذي لا يستطيع إمساك سرّ، و كذلك البذور،و قوم بذر:مذاييع،و بذر بذارة.

و التّبذير و التّبذرة:إفساد المال و إنفاقه في السّرف.

و رجل بذر:مبذّر،و بيذارة و تبذارة.

و مبذار و مهذار:بمعنى.

و البذارة:النّزل و الرّيع،و هو بذر:نزل،و مال مبذور:أي كثير مبارك فيه،و كثير بذير:إتباع.

و المتبذّر من المياه:المتغيّر الأصفر.

و بذّر:اسم موضع معروف.(10:74)

الجوهريّ: بذرت البذر:زرعته.

و تفرّقت إبله شذر بذر،إذا تفرّقت في كلّ وجه؛ و بذر إتباع له.و تبذير المال:تفريقه إسرافا.

و رجل بذور:يذيع الأسرار،و قوم بذر،مثل صبور و صبر.

و بذّر:اسم ماء.[ثمّ استشهد بشعر](2:587)

ابن فارس: الباء و الذّال و الرّاء أصل واحد،و هو نثر الشّيء و تفريقه،يقال:بذرت البذر أبذره بذرا، و بذّرت المال أبذّره تبذيرا،قال اللّه تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ الإسراء:26،27.

و البذر:القوم لا يكتمون حديثا و لا يحفظون ألسنتهم،قال عليّ عليه السّلام:«أولئك (1)مصابيح الدّجى،ليسوا بالمساييح و لا المذاييع البذر».

فالمذاييع:الّذين يذيعون،و البذر:الّذين ذكرناهم.

و بذّر:مكان،و لعلّه أن يكون مشتقّا من الأصل7.

ص: 72


1- أولئك:يعني«الأولياء»كما ذكره الطّريحيّ في مجمع البحرين»3:217.

الّذي تقدّم،قال الشّاعر:

سقى اللّه أمواها عرفت مكانها

جرابا و ملكوما و بذّر و الغمرا

(1:216)

الهرويّ: و في حديث عليّ:«ليسوا بالمذاييع البذر».

البذر و المذاييع:شيء واحد،و هم الّذين يفشون ما يسمعون من السّرّ،يقال:بذرت الكلام بين النّاس، كما تبذر الحبوب،الواحد:بذور.(1:148)

ابن سيدة: البذر و البذر:أوّل ما يخرج من الزّرع، و البقل،و النّبات،لا يزال ذلك اسمه ما دام على ورقتين.

و قيل:هو ما عزل من الحبوب للزّراعة.

و قيل:هو أن يتلوّن بلون أو تعرف وجوهه.

و الجمع:بذور،و بذار.

و بذرت الأرض تبذر:خرج بذرها.

و قال الأصمعيّ:هو أن يظهر نبتها متفرّقا.

و بذرها بذرا:و بذّرها كلاهما:زرعها.

و البذر:و البذارة:النّسل.

و بذر الشّيء بذرا:فرّقه.

و بذر اللّه الخلق بذرا:بثّهم و فرّقهم.

و تفرّق القوم شذر بذر،و شذر بذر:أي في كلّ وجه.

و بذرّى،فعلّى من ذلك.و قيل:من البذر الّذي هو الزّرع،و هو راجع إلى التّفريق.

و البذرّى:الباطل،عن السّيرافيّ.

و بذّر ماله:أفسده،و أنفقه في السّرف.

و كلّ ما فرّقته،و أفسدته فقد بذّرته.

و قول المتنخّل يصف سحابا:

مستبذرا يزعب قيدامه

يرمي بعمّ السّمر الأطول

فسّره السّكّريّ فقال:مستبذرا:يفرّق الماء.

و رجل تبذارة:يبذّر ماله.

و رجل بذور،و بذير:لا يكتم سرّا.و الجمع:

بذر.

و كثير بثير،و بذير:إتباع.

و رجل هذرة بذرة،و هيذارة بيذارة:كثير الكلام.

و بذر بذارا،فهو بذر:كثر كلامه.

و بيذر:اسم.قال ابن دريد:أحسبه من كثرة الكلام.

و بذّر:موضع.و قيل:ماء معروف.قال:

سقى اللّه أمواها عرفت مكانها

جرابا و ملكوما،و بذّر،و الغمرا

(10:66)

البذر:بذر الحبّ يبذره بذرا:ألقاه في الأرض للزّراعة،و بذر الأرض و بذّرها:زرعها.و البذر:كلّ حبّ يزرع في الأرض،واحدته:بذرة.

(الإفصاح 2:1071)

البذر:ما عزل من الحبوب للزّراعة،و قيل:هو الحبّ ما دام في التّراب،الجمع:بذور و بذار.و قيل:البذور للحنطة و الشّعير.(الإفصاح 2:1086)

ص: 73

الطّوسيّ: التّبذير:التّفريق بالإسراف.

(6:469)

الرّاغب: التّبذير:التّفريق،و أصله:إلقاء البذر و طرحه،فاستعير لكلّ مضيّع لماله،فتبذير البذر تضييع في الظّاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه.قال اللّه تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ الإسراء:27،و قال تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً الإسراء:26.(40)

الزّمخشريّ: بذر الحبّ في الأرض،و بذر اللّه الخلق في الأرض:فرّقهم،و تبذّر من يدي كذا:تفرّق.

و رجل بذر:يبذّر ماله،و وصفت زوجها فقالت:

لا سمح بذر،و لا بخيل حكر.

و فلان هيذارة بيذارة،أي مهذار مبذّر.

و من المجاز:إنّ هؤلاء لبذر سوء،أي نسل سوء.

و مال مبذور:كثير مبارك فيه.

و بذرت الأرض:أخرجت نباتها متفرّقا،و أرض أنيثة مبذار النّبات:لذات الرّيع.

و لو بذّرت فلانا لوجدته رجلا،أي لو جرّبته و قسّمت أحواله.

و فلان من المذاييع البذر:جمع بذور،و هو الّذي يفشي الأسرار.و قد بذر بذارة.(أساس البلاغة:18)

الطّبرسيّ: التّبذير:التّفريق بالإسراف،و أصله أن يفرّق كما يفرّق البذر،إلاّ أنّه يختصّ بما يكون على سبيل الإفساد.و ما كان على وجه الإصلاح لا يسمّى تبذيرا و إن كثر.(3:410)

الفخر الرّازيّ: التّبذير في اللّغة:إفساد المال، و إنفاقه في السّرف.(20:193)

ابن الأثير: في حديث فاطمة رضي اللّه عنها عند وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قالت لعائشة رضي اللّه عنها:«إنّي إذن لبذرة»البذر:الّذي يفشي السّرّ،و يظهر ما يسمعه.

و في حديث وقف عمر:«و لوليّه أن يأكل منه غير مباذر»المباذر و المبذّر:المسرف في النّفقة،باذر و بذّر مباذرة و تبذيرا.(1:110)

الفيّوميّ: بذرت الحبّ،من باب«قتل»إذا ألقيته في الأرض للزّراعة.

و البذر:المبذور إمّا تسمية بالمصدر،و إمّا«فعل» بمعنى«مفعول»مثل ضرب الأمير و نسج اليمن.

قال بعضهم:البذر في الحبوب كالحنطة و الشّعير، و البزر في الرّياحين و البقول،و هذا هو المشهور في الاستعمال.

و نقل عن الخليل: كلّ حبّ يبذر فهو بذر و بزر.

و بذرت الكلام:فرّقته،و بذّرته بالتّثقيل مبالغة و تكثير،فتبذّر هو،و منه اشتقّ التّبذير في المال،لأنّه تفريق في غير القصد.(1:40)

الجرجانيّ: التّبذير:هو تفريق المال على وجه الإسراف.(23)

الفيروزآباديّ: البذر:ما عزل للزّراعة من الحبوب،و أوّل ما يخرج من النّبات،أو هو أن يتلوّن بلون،الجمع:بذور و بذار.

و خروج بذر الأرض،و ظهور نبتها،و زرع الأرض كالتّبذير،و النّسل كالبذارة بالضّمّ،و التّفريق و البثّ كالتّبذير.

و كثير بذير:إتباع.

ص: 74

و تفرّقوا شذر بذر و يكسر أوّلهما،أي في كلّ وجه.

و المبذور:الكثير.

و البذور و البذير:النّمّام،و من لا يستطيع كتم سرّه.

و رجل بذر ككتف،و بيذار و بيذارة،و تبذار كتبيان،و بيذارنيّ:كثير الكلام،و تبذارة:يبذّر ماله.

و البذرّى،بضمّتين ككفرّى:الباطل.

و طعام بذر ككتف:فيه بذارة،أي نزل.

و بذّره تبذيرا:خرّ به و فرّقه إسرافا.

و البذارّة و قد تخفّف الرّاء،و النّبذرة بالنّون:التّبذير.

و بذّر كبقّم:بئر بمكّة.

و تبذّر الماء:تغيّر و اصفرّ.

و المستبذر:المسرع الماضي.(1:383)

الطّريحيّ: يقال:بذرت الكلام بين النّاس كما تبذر الحبوب،أي أفشيته و فرّقته.

و البذر بكسر الذّال:الّذي يفشي السّرّ و يظهر ما سمعه.و منه«رجل بذور»:للّذي يذيع الأسرار،و قوم بذر مثله.

و من كلام الفقهاء: «الثّفل في البذر عيب»هو بفتح الباء و كسرها،مفسّر بدهن الكتّان،و أصله محذوف المضاف،أي دهن البذر.

و البذر بالفتح و السّكون:ما يبذر و يزرع من الحبوب كلّها.

و بذرت البذر من باب«قتل»إذا نثرت الحبّ في الأرض للزّراعة.

و قال بعضهم: البذر في الحبوب كالحنطة،و البزر بالزّاي المعجمة للرّياحين و البقول.

و البذر:النّسل و الولد.

و الباذورج بجيم في آخره:نوع من الرّياحين الجبليّة.و منه:«كان يعجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من البقول الباذورج».(3:217)

مجمع اللّغة: بذر الشّيء كنصر،يبذره بذرا:

فرّقه.و بذّر المال تبذيرا:فرّقه إسرافا،و وضعه فيما لا ينبغي،فهو مبذّر،و هم مبذّرون.(1:87)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بذر الحبوب:ألقاها مفرّقة في الأرض،و بذّر المال تبذيرا:فرّقه إسرافا فيما لا ينبغي،و المبذّرون:جمع مبذّر،و معناها مسرفون.

(1:62)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو التّفريق.و استعملت كثيرا في نثر الحبّ و تفريق المال خارجا عن الميزان.

و الفرق بين التّبذير و الإسراف:أنّ التّبذير-كما قلنا-هو التّفريق بلا نظم و بلا فائدة صحيحة.

و الإسراف هو التّجاوز عن الحدّ،و الخروج عن العدل.(1:223)

النّصوص التّفسيريّة

تبذّر-تبذيرا

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. الإسراء:26

ابن مسعود: التّبذير في غير الحقّ،و هو الإسراف.(الطّبريّ 15:73)

ص: 75

إنفاق المال في غير حقّه.(الطّبريّ 15:73)

ابن عبّاس: المبذّر:المنفق في غير حقّه.

(الطّبريّ 15:73)

مجاهد :لو أنفق إنسان ماله كلّه في الحقّ،ما كان تبذيرا،و لو أنفق مدّا في باطل،كان تبذيرا.

(الطّبريّ 15:74)

نحوه الشّافعيّ.(القرطبيّ 10:247)

قتادة: التّبذير:النّفقة في معصية اللّه،و في غير الحقّ،و في الفساد.(الطّبريّ 15:74)

الإمام الصّادق عليه السّلام: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له:اتّق اللّه و لا تسرف و لا تقتر و لكن بين ذلك قواما،إنّ التّبذير من الإسراف،قال اللّه عزّ و جلّ:

وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. (العروسيّ 3:156)

من أنفق شيئا في غير طاعة اللّه فهو مبذّر،و من أنفق في سبيل اللّه فهو مقتصد.(العروسيّ 3:156)

سئل عليه السّلام:أ فيكون تبذير في حلال؟قال:نعم.

(الكاشانيّ 3:188)

مالك: التّبذير:هو أخذ المال من حقّه و وضعه في غير حقّه،و هو الإسراف،و هو حرام.

(القرطبيّ 10:247)

ابن زيد: لا تعط في معاصي اللّه.

(الطّبريّ 15:74)

الطّبريّ: و لا تفرّق يا محمّد ما أعطاك اللّه من مال، في معصيته تفريقا.و أصل التّبذير:التّفريق في السّرف.

(15:72)

الماورديّ: [التّبذير]إنّه الإسراف المتلف للمال.

(أبو حيّان 6:30)

[و الفرق]بينه و بين الإسراف:أنّ الإسراف تجاوز في الكمّيّة،و هو جهل بمقادير الحقوق.و التّبذير تجاوز في موقع الحقّ،و هو جهل بالكيفيّة و بمواقعها.و كلاهما مذموم،و الثّاني أدخل في الذّمّ.(الآلوسيّ 15:63)

الميبديّ: أي لا تنفقها في معصية اللّه،و لا في الرّياء و السّمعة.

و كانت الجاهليّة تنحر الإبل،و تبذّر الأموال تطلب بذلك الفخر و السّمعة،و تذكر ذلك في أشعارها.فأمر اللّه جلّ و عزّ بالنّفقة في وجهها،فيما يقرب منه،و يزلف لديه.(5:544)

الزّمخشريّ: التّبذير:تفريق المال فيما لا ينبغي، و إنفاقه على وجه الإسراف.[ثمّ قال مثل كلام الميبديّ](2:446)

نحوه البيضاويّ(1:582)،و النّيسابوريّ(15:

29).

القرطبيّ: أي لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ.

(10:247)

أبو السّعود: نهى عن صرف المال إلى من سواهم ممّن لا يستحقّه.

فإنّ التّبذير:تفريق في غير موضعه،مأخوذ من تفريق حبّات و إلقائها كيفما كان،من غير تعهّد لمواقعه، لا عن الإكثار في صرفه إليهم،و إلاّ لناسبه الإسراف:

الّذي هو تجاوز الحدّ في صرفه،و قد نهى عنه بقوله:

وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الإسراء:29،و كلاهما مذموم.(4:125)

ص: 76

مثله البروسويّ.(5:150)

الطّريحيّ: قد فرّق بين التّبذير و الإسراف؛في أنّ التّبذير:الإنفاق فيما لا ينبغي،و الإسراف:الصّرف زيادة على ما ينبغي.(3:217)

الآلوسيّ: [بعد نقل كلام الماورديّ قال:]

و فسّر الزّمخشريّ«التّبذير»هنا:بتفريق المال فيما لا ينبغي،و إنفاقه على وجه الإسراف.و ذكر أنّ فيه إشارة إلى أنّ التّبذير شامل للإسراف في عرف اللّغة، و يراد منه حقيقة و إن فرّق بينهما بما فرّق.

و في«الكشف»بعد نقل الفرق و النّصّ على أنّ الثّاني أدخل في الذّمّ:أنّ الزّمخشريّ لم يعب ذلك عليه،لأنّ الاشتقاق يرشد إليه.و إنّما أراد أنّه في الآية يتناول الإسراف أيضا بطريق الدّلالة؛إذ لا يفترقان في الأحكام،لا سيّما و قد عقّبه سبحانه بالحثّ على الاقتصاد المناسب لاعتبار الكمّيّة المرشد إلى إرادته من النّصّ.

و تعقّب بأنّه إذا كان«التّبذير»أدخل في الذّمّ من «الإسراف»كيف يتناوله بطريق الدّلالة.و النّهي عن الإسراف فيما بعد يبعد إرادته هاهنا،فتأمّل.(15:63)

ابن باديس: التّبذير:هو التّفريق للمال في غير وجه شرعيّ،أو في وجه شرعيّ دون تقدير،فيضرّ بوجه آخر.فالإنفاق في المنهيّات تبذير و إن كان قليلا، و الإنفاق في المطلوبات ليس بتبذير و لو كان كثيرا،إلاّ إذا أنفق في مطلوب دون تقدير فأضرّ بمطلوب آخر،كمن أعطى قريبا و أضاع قريبا آخر،أو أنفق في وجوه البرّ و ترك أهله يتضوّرون بالجوع.و قد نبّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على هذا بقوله:«و ابدأ بمن تعول».

و الإنفاق في المباحات إذا لم يضيّع مطلوبا،و لم يؤدّ إلى ضياع رأس المال-بحيث كان ينفق في المباح من فائدته-ليس بتبذير.فإذا توسّع في المباحات و قعد عن المطلوبات،أو أدّاه إلى إفناء ماله،فهو تبذير مذموم.

و أفادت النّكرة-و هي قوله:(تبذيرا)بوقوعه بعد النّهي-العموم،فهو نهي عن كلّ نوع من أنواع التّبذير:

القليل منه و الكثير،حتّى لا يستخفّ بالقليل،لأنّ من تساهل في القليل وصلت به العادة إلى الكثير.(120)

عبد الكريم الخطيب: في قوله تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ما يشير إلى أمرين:

أوّلهما:الإغراء بالبذل و الإنفاق،و هذا على خلاف منطوق النّظم وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً فإنّ النّهي عن التّبذير هنا يشير إلى أنّ الدّعوة إلى الإنفاق قد وجدت،أو من شأنها أن تجد قلوبا رحيمة،و أيديا سخيّة تنفق حتّى تجاوز حدّ الاعتدال إلى الإسراف و التّبذير،فجاء قوله تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ليمسك المسرفين في البذل و العطاء على طريق الاعتدال.

و هذا الإغراء إنّما هو لما يغلب على النّفوس من شحّ و بخل.

و ثانيهما:النّهي عن التّبذير حقيقة،و ذلك أنّ بعضا من النّاس قد يشتدّ بهم الحرص على مرضاة اللّه، و المبالغة في تنفيذ أمره،فيجاوزون حدّ الاعتدال، و يجورون على أنفسهم،سواء في العبادة أم في غير العبادة،من القربات و الطّاعات،فإلى هؤلاء يكون النّهي عن التّبذير،طلبا موجّها إليهم حتّى يلتزموا الطّريق الوسط،كما يقول سبحانه في مدح المنفقين:

ص: 77

وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً الفرقان:67.(8:475)

المصطفويّ: أي و لا تفرّق مالك و لا تصرفه خارجا عن الاعتدال،و بلا مورد صحيح،سواء كان الصّرف و التّفريق في هؤلاء الطّوائف أو في غيرهم.فإنّ في التّبذير تضييع لمال اللّه و لحقوق النّاس،و تجاوز عن العدالة،و إخلال في النّظم.

و الفرق بين التّبذير و الإسراف:أنّ التّبذير-كما قلنا-هو التّفريق بلا نظم و بلا فائدة صحيحة.

و الإسراف هو التّجاوز عن الحدّ و الخروج عن العدل.

و قد عبّر تعالى في هذا المورد بكلمة«التّبذير»إشارة إلى أنّ صرف المال فيهم في الأكثر لا يكون إسرافا، و لا يخرج عن حدّ العدل.نعم تفريق المال فيهم بلا نظم صحيح،و بلا برنامج خارج عن التّدبير و العدل.

و لا يخفى أنّ تفريق المال ينشأ في الغالب عن داعية نفسانيّة و استكبار و غرور،و الاستكبار أعظم صفة للشّيطان،فالمبذّر يكون شبيها و أخا للشّيطان.

(1:223)

المبذّرين

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً. الإسراء:27

ابن زيد: إنّ المنفقين في معاصي اللّه كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ. (الطّبريّ 15:74)

الطّبريّ: يعني أنّ المفرّقين أموالهم في معاصي اللّه لمنفقيها في غير طاعته،أولياء الشّياطين.(15:74)

الطّبرسيّ:معناه إنّ المسرفين أتباع الشّياطين.

(3:411)

الطّباطبائيّ: تعليل للنّهي عن التّبذير،و المعنى لا تبذّر،إنّك إن تبذّر كنت من المبذّرين،و المبذّرون إخوان الشّياطين.(13:82)

عبد الكريم الخطيب: هو تنفير من التّبذير و الإسراف في أيّ وجه من الوجوه،حتّى في مجال الخير و الإحسان.و كفى بالتّبذير نكرا أن يكون وجهه دائما مصروفا في وجوه الشّرّ،و قلّ أن يظهر له وجه في باب الإحسان.و من هنا كان مكروها على أيّ حال؛إذ كان الغالب عليه هذا المتّجه المنكر.(8:476)

الأصول اللّغويّة

1-يبدو أنّ الأصل في هذه المادّة:البذر،و هو ما عزل من الحبوب للزّرع،و هو البذر أيضا؛يقال:

بذرت الحبّ أبذره بذرا:نثرته و زرعته،و بذر الأرض و بذّرها:زرعها.

أو هو أوّل ما يخرج من الزّرع و البقل و النّبات؛يقال:

بذرت الأرض تبذر بذرا:خرج بذرها.

ثمّ توسّعوا فشبّهوا النّسل بالزّرع،فجعلوا البذر و البذارة بمعنى النّسل؛يقال:إنّ هذا لبذر سوء،أي نسل سوء.

و تجوّزوا فيه؛إذ جعلوه بمعنى التّفريق و الإسراف في النّفقة،فقالوا:بذر الشّيء بذرا:فرّقه،و بذر اللّه الخلق بذرا:بثّهم و فرّقهم،و بذّر ماله:أفسده و أنفقه،و رجل

ص: 78

تبذارة و بيذارة:يبذّر ماله،و كذا المباذر و المبذّر،و فيه بذّارة و بذارة،أي تبذير.

و منه:تفرّق القوم شذر بذر،و شذر بذر،أي تفرّقوا في كلّ وجه،و كذا:تفرّقت إبله شذر بذر.

و من المجاز و التّوسّع أيضا:بذرت الكلام بين النّاس كما تبذر الحبوب،أي أفشيته و فرّقته.و رجل بذور و بذير:يذيع الأسرار و لا يستطيع أن يكتم سرّه،و كذا البذر،يقال منه:بذر بذارة.و رجل هذرة بذرة، و هيذارة بيذارة:كثير الكلام.هكذا ينبغي أن يكون تناقل المعاني و تكثّرها في هذه المادّة.

2-و البزر:لغة في البذر،و هو إمّا إبدال،مثل:ذرق و زرق،أي سلح الطّائر.

و إمّا قلب من«برز»،و هو لفظ فارسيّ بمعنى الحبّ و الزّراعة أيضا،و مثاله في العربيّة بئار و آبار،جمع بئر.

و إمّا لحن شائع بين العامّة،تأثّرا بمن يبدل الذّال زايا من غير العرب كالفرس،مثل:ذفر و زفر،أي ما خبثت رائحته كالصّنان.

و إمّا دخيل أخذه العرب من العبريّة،و هو فيها بهذا المعنى أيضا.

و قد جاء في عديد من النّصوص أنّ«البذر»في الحنطة و الشّعير،أو في الحبوب إطلاقا.و البزر في الرّياحين و البقول خاصّة.و لعلّه يختلف بحسب القبائل و الأمكنة و الأعصار.كما هو الحال في لغة العامّة.

و قد ذكر هذه اللّغة جمّ غفير من متقدّمي اللّغويّين و متأخّريهم،كالخليل و الجوهريّ و الأزهريّ و ابن فارس و ابن سيدة و الفيّوميّ و غيرهم.و لكن ابن دريد خطّأها،و اعتبرها من قول العامّة.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت ثلاثة ألفاظ من هذه المادّة بالمعنى المجازيّ الموسّع،و هو تفريق المال و إفساده؛فعلا و مصدرا و اسم فاعل،و كلّها من«بذّر»،في آيتين متتاليتين من سورة مكّيّة: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً الإسراء:26،27.

يلاحظ أوّلا:أنّ الآية الأولى ابتدأت بأمر و انتهت بنهي،و أنّ الثّانية ابتدأت بتأكيد و انتهت بذمّ.

ثانيا:و قد جاءتا في سياق آيات متتالية تتضمّن النّهي،ابتداء بقوله تعالى: لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً الإسراء:22،و انتهاء بقوله:

وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً الإسراء:39.

ثالثا:و فيها أسرار:1-البدء و الختم،كلاهما نهي عن الشّرك باللّه تعالى،وعدا ذلك يتخلّل بينها.

2-و هذا يرمز إلى أنّ النّواهي كلّها تتمحور حول الشّرك،كما أنّ الأوامر تدور حول التّوحيد.

3-و يخطر بالبال أنّ هذه الآيات بمثابة الأوامر العشرة في التّوراة،و كثير منها نفس تلك الأوامر، فلاحظ.

4-و يدور سياق أغلب هذه الآيات-بما فيها من الأمر و النّهي-حول تهذيب النّفس،ثمّ أمور الحياة المعاشيّة،ثمّ نمط العبادة في إحدى عشرة آية دائرة حول

ص: 79

التّوحيد و الشّرك.

5-و نسبة الأمر إلى النّهي فيها كنسبة 9:15،و هذا مشعر بأنّ الإنسان يحتاج إلى النّهي أكثر من الأمر،لأنّ خطأه يفوق رشده،و التّفصيل كما يلي:

النّهي

أ- لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ

ب- أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ

ج- فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ

د- وَ لا تَنْهَرْهُما

ه- وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً

و- وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ

ز- وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ

ح- وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ

ط- وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى

ي- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ

ك- فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ

ل- وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ

م- وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

ن- وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً

س- وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ

الأمر:

أ- وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً

ب- وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً

ج- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ

د- وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً

ه- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ

و- فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً

ز- وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ

ح- وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ

ط- وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ

6-و قد اشتبكت الأوامر و النّواهي فيها،و هذا-أي الجمع بين الأمر و النّهي-أوقع في النّفوس.و فيه تأكيد شديد كتأكيد الوحدة في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:103.

7-و قد أضيف إلى كلّ من الأوامر و النّواهي تعليل، كما هو دأب القرآن،لاستمالة القلوب و إقناعها، و اطمئنان النّفوس و توثيقها.

رابعا:و تعتبر نسبة النّهي في سورة الإسراء عالية إذا ما قيست بالنّهي الوارد في سائر السّور،فإنّ هذه السّورة تتبوّأ المرتبة الرّابعة في هذا المضمار بالنّسبة إلى سائر سور القرآن قاطبة؛إذ أنّ«لا»النّاهية أكثر ورودا في سورة البقرة،ثمّ النّساء،ثمّ آل عمران و المائدة معا،ثمّ الإسراء.

خامسا:و تعتبر نسبة الأمر فيها عالية أيضا إذا قورنت بغيرها من السّور.

سادسا:ينبغي تسمية هذه السّورة سورة التّشريع، أو سورة الأمر و النّهي،أو سورة الحكمة،و نحو ذلك، رغم اقتصار التّشريع و الحكم و الأمر و النّهي على السّور المدنيّة،و هذه السّورة مكّيّة.

سابعا:يظهر من أقوال المفسّرين أنّ التّبذير-و هو تفريق المال لغة-يكون في غير الحقّ أو في المعصية، فالمراد به في الآية الإجحاف بحقّ ذي القربى و المسكين

ص: 80

و ابن السّبيل،فجملة(و لا تبذّر)عطف على(آت)،و هي بمنزلة الاستثناء منه،مثل: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الأنعام:152، وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ الأنعام:151،و نحوهما.

و قد حاول الزّمخشريّ التّوفيق بين القولين،أي كون التّبذير في غير الحقّ أو في المعصية،فقال:

«التّبذير»:تفريق المال فيما لا ينبغي و إنفاقه على وجه الإسراف»،و جملة إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ في الآية الثّانية تعليل.

ثامنا:قرن اللّه تعالى إيتاء الحقّ في الآية الأولى بالنّهي عن التّبذير،كما قرن إيتاء الصّدقة بالنّهي عن الإسراف،في قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا الأنعام:141،و هذا يعني أنّ التّبذير و الإسراف سيّان،و به جاء الحديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام؛حيث قال:«إنّ التّبذير من الإسراف»، و فيه إشعار بأنّ الإسراف أعمّ من التّبذير،كما سيأتي.

تاسعا:و قد افترق التّبذير عن الإسراف في القرآن من وجوه:

1-أنّ«التّبذير»فعلا و مصدرا و صفة جاء-كما سبق-ثلاث مرّات في آيتين من سورة مكّيّة،و الحال أنّ «الإسراف»بصيغة العشر فعلا و مصدرا و صفة جاء (26)مرّة في(16)سورة مكّيّة،و(3)سور مدنيّة، فالتّأكيد عليه أشدّ و أدوم؛حيث كان قبل الهجرة، و استمرّ بعدها.

2-أنّ التّبذير في سياق الآيتين خاصّ بالإنفاق على ذوي الحاجة،كالمسكين و ابن السّبيل و ذي القربى، و ليس فيه تصريح بشموله لغير الإنفاق،و الحال أنّ الإسراف بصريح الآيات يشمل الإنفاق و العقيدة و المعصية و الأكل و الشّرب و القتل و أكل المال و الظّلم.

و فيه ما يعمّ غير ذلك،مثل: وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الشّعراء:151.

3-كما أنّ ظاهر القرآن يخصّ التّبذير بالإفراط و الزّيادة على ما ينبغي دون التّفريط و النّقص،أمّا الإسراف فهو الإفراط بصريح القرآن؛حيث جعله مقابلا للتّقتير،في قوله: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا الفرقان:67.

4-أمّا من ناحية الجذر،فقد علمت أنّ أصل التّبذير هو البذر،حسب ما اخترناه،و أصل الإسراف السّرفة، و هي دودة تنسج على بعض الشّجر،و تأكل ورقه، و تهلك ما بقي منه بذلك النّسج،ثمّ أطلق السّرف و الإسراف على كلّ عمل جاوز القصد،لاحظ «س ر ف».

ص: 81

ص: 82

ب ر أ

اشارة

19 لفظا،31 مرّة:11 مكّيّة،20 مدنيّة

في 20 سورة:8 مكّيّة،12 مدنيّة

نبرأها 1:-1 تبرئ 1:-1

البارئ 1:-1 أبرئ 1:-1

بارئكم 2:-2 برّأه 1:-1

بريء 9:6-3 أبرّئ 1:1

بريئا 1:-1 مبرّءون 1:-1

بريئون 1:1 تبرّأ 2:-2

براء 1:1 تبرّؤا 1:-1

برءاء 1:-1 تبرّأنا 1:1

براءة 2:1-1 نتبرّأ 1:-1

البريّة 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرء،مهموز:الخلق.برأ اللّه الخلق يبرؤهم برءا،فهو بارئ.

و البرء:السّلامة من السّقم،تقول:برأ يبرأ و يبرؤ برءا و بروءا،و برئ يبرأ،بمعناه.

و البراءة من العيب و المكروه،و لا يقال إلاّ:برئ يبرأ،و فاعله بريء،كما ترى،و براء.و امرأة براء و نسوة براء،في كلّ ذلك سواء.

و برءاء على قياس«فعلاء»:جمع البريء،و من ترك الهمز قال:براء.

و يقال:بارأت الرّجل،أي برئ إليّ،و برئت إليه، مثل بارأت المرأة،أي صالحتها على المفارقة.و تقول:

أبرأت الرّجل من الدّين و الضّمان،و برّأته.

و الاستبراء:أن يشتري الرّجل الجارية فلا يطؤها حتّى تحيض.

و الاستبراء:إنقاء الذّكر بعد البول.(8:289)

أبو عمرو الشّيبانيّ:البراء:أوّل يوم من الشّهر.

أبرأ،إذا دخل في البراء و هو أوّل الشّهر.

و أبرأ،إذا صادف بريّا،و هو قصب

ص: 83

السّكّر.(الأزهريّ 15:272)

الفرّاء: العرب تقول:نحن منك البراء و الخلاء، و الواحد و الاثنان،و الجميع من المؤنّث و المذكّر يقال فيه:براء،لأنّه مصدر.و لو قال:بريء لقيل في الاثنين:

بريئان،و في القوم:بريئون و برءاء.(3:30)

أبو زيد:برأت من المرض،لغة أهل الحجاز.

و سائر العرب يقولون:برئت من المرض.

و أمّا قولهم:برئت من الدّين أبرأ براءة،و كذلك:

برئت إليك من فلان أبرأ براءة،فليس فيها غير هذه اللّغة.(الأزهريّ 15:269)

الأصمعيّ: برأت من المرض بروءا،لغة تميم.و أهل الحجاز يقولون:برأت من المرض برءا.و أبرأه اللّه من مرضه إبراء.(الأزهريّ 15:269)

مطر ذو براية:يبري الأرض و يقشرها.

و البراية:القوّة.و دابّة ذات براية،أي ذات قوّة على السّير.و قيل:هي قويّة عند بري السّير إيّاها.

و يقال:بارأت المرأة و الكريّ أبارئهما مبارأة،إذا صالحتهما على الفراق.(الأزهريّ 15:271)

اللّحيانيّ: أهل الحجاز يقولون:برأت من المرض أبرؤ برءا،و برءا؛و أهل العالية يقولون:برأت أبرأ برءا، و بروءا،و تميم تقول:برئت برءا،و برأ.

أهل الحجاز يقولون: أنا منك براء.و في التّنزيل:

إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الزّخرف:26،و لغة تميم و غيرهم من العرب:أنا بريء،و في غير موضع من القرآن: إِنِّي بَرِيءٌ الإنعام:78.

(ابن سيدة 10:268)

بريّات و برايا كخطايا،و أنا البراء منه،و كذلك الاثنان و الجمع و المؤنّث.(ابن منظور 1:32)

ابن الأعرابيّ: بريء،إذا تخلّص،و بريء،إذا تنزّه و تباعد،و بريء،إذا اعذر و أنذر.

(الأزهريّ 15:269)

يقال لآخر يوم من الشّهر:البراء،لأنّه قد برئ من هذا الشّهر.و ابن البراء:أوّل يوم من الشّهر.

البراء من الأيّام:يوم سعد يتبرّك بكلّ ما يحدث فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

البريء:المتفصّي القبائح،المتنحّي عن الباطل و الكذب،البعيد من التّهم،النّقيّ القلب من الشّرك.

و البريء:الصّحيح الجسم و العقل.

(الأزهريّ 15:272)

ابن السّكّيت: يقال:بفيه البرى،أي التّراب.(576)

مثله الأمويّ.(الأزهريّ 15:271)

البريّة:الخلق،و أصلها من:برأ اللّه الخلق،أي خلقهم،فترك همزها كما ترك الهمز من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(إصلاح المنطق:357)

قد برأت من المرض أبرأ و أبرؤ برءا و بروءا،و برئت أبرأ،و أصبح فلان بارئا من مرض.

و قد بريت القلم.

و قد بارأت شريكي،إذا فارقته،و قد بارأ الرّجل امرأته.

و قد باريت فلانا،إذا كنت تفعل مثل ما يفعله، و تقول:فلان يباري الرّيح سخاء.

ص: 84

(إصلاح المنطق:152)

قد تبرّأت منه تبرّؤا،و قد تبرّيت لمعروفه تبرّيا،إذا تعرّضت له.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أبرأته ممّا عليه من الدّين.

(إصلاح المنطق:154)

برأت من المرض أبرأ برءا و برئت أبرأ برءا.

(الأزهريّ 15:269)

أبو الهيثم: الورى و البرى:معناهما واحد،يقال:

هو خير الورى و البرى،أي خير الخلق.و البريّة:

الخلق.

و الواو تبدل من الباء،فيقال:باللّه لا أفعل،ثمّ قالوا:

و اللّه لا أفعل.(الأزهريّ 15:271)

ابن قتيبة: آخر ليلة من الشّهر تسمّى:براء،يبرأ فيها القمر من الشّمس.(الأزهريّ 15:270)

ابن أبي اليمان: «البراءة»يقال:برئت إليك من فلان فأنا أبرأ إليك منه براءة،و يقال:أنا بريء من ذلك، و نحن بريئون،و نحن براء منكم،و يقال:أنا برء منكم، و كذلك الجميع نحن براء منكم،و برءاء جميعا.(88)

المبرّد: [قال عبد الرّحمن بن عوف لأبي بكر:]

«أراك بارئا يا خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».يكون من برئت من المرض و برأت،كلاهما يقال.

فمن قال:برئت،قال:أبرأ يا فتى لا غير،و من قال:

برأت،قال في المضارع:أبرأ و أبرؤ يا فتى،مثل فرغ يفرغ و يفرغ.و المصدر فيهما البرء يا فتى.(1:7)

قوله:[الأعشى]

*فتى لو يباري الشّمس*

يقول:يعارض،يقال:انبرى لي فلان،أي اعترض لي في هذا المعنى.و فلان يباري الرّيح،من هذا،أي يعارض الرّيح بجوده،فهذا غير مهموز.

فأمّا بارأت الكريّ،فهو مهموز،لأنّه من:أبرأني و أبرأته.

و يقال:برأ فلان من مرضه و بري يا فتى،و المصدر منهما البرء فاعلم.و بريت القلم،غير مهموز،و اللّه البارئ المصوّر،و يقال:ما برأ اللّه مثل فلان،مهموز.

و قولك:البريّة،أصله من الهمز،و يختار فيه تخفيف الهمز،و لفظ التّخفيف و البدل واحد.(2:33)

الطّبريّ: البريّة:الخلق،و هي«فعيلة»بمعنى «مفعولة»غير أنّها لا تهمز كما لا يهمز«ملك»و هو من «لأك»لكنّه جرى بترك الهمزة،كذلك قال نابغة بني ذبيان:

إلاّ سليمان إذ قال المليك له

قم في البريّة فاحددها عن الفند

و قد قيل:إنّ«البريّة»إنّما لم تهمز،لأنّها«فعيلة» من البرى،و البرى:التّراب.

و قال بعضهم:إنّما أخذت«البريّة»من قولك:بريت العود،فلذلك لم يهمز.(1:288)

أبرأ اللّه المريض،إذا شفاه منه،فهو يبرئه إبراء،و برأ المريض فهو يبرأ برءا.و قد يقال أيضا:برئ المريض فهو يبرأ،لغتان معروفتان.(3:276)

الزّجّاج: برئت من الرّجل و الدّين براءة،و برئت من المرض،و برأت أيضا برءا.و قد رووا:برأت أبرؤ بروءا،و لم نجد فيما لامه همزة:فعلت أفعل،نحو قرأت

ص: 85

أقرؤ،و هنأت البعير أهنؤه.

و قد استقصى العلماء باللّغة هذا،فلم يجدوه إلاّ في هذا الحرف.

و يقال:بريت القلم-و كلّ شيء نحتّه-أبريه بريا، غير مهموز،و كذلك براة السّير غير مهموز.

و البرة:حلقة من حديد في أنف النّاقة،فإذا كانت من شعر فهي خزامة.

و الّذي في أنف البعير من خشب،يقال له:

بالخشاش،يقال:أبريت النّاقة أبريها إبراء،إذا جعلت لها برة.

و لا يقال إلاّ بالألف أبريت،و من الخزامة خزمت -بغير ألف-و كذلك من الخشاش خششت.

و البرة:الخلخال من هذا،و تجمع البرة:برين و البري.(2:428)

ابن دريد :برأت من المرض أبرأ برءا،و برئت برءا.

و برئت من الدّين براءة،و بارأت الكريّ مبارأة، و باريت الرّجل،إذا فعلت مثل فعله،غير مهموز.

و أصبح فلان بارئا،يهمز و لا يهمز،و اللّه عزّ اسمه يبرأ الخلق،و هو البارئ المصوّر.

و جمل ذو براية،إذا كان قويّا على السّفر.

و البرأة:النّاموس (1)،ناموس الصّائد.[ثمّ استشهد بشعر]

و براية كلّ شيء:ما بريته منه.

و أجمعت العرب على أنّ«البريّة»لا تهمز،و أصلها من الهمز،و كذلك ذرّيّة و خابية لا تهمزان،و هما من الهمز.(3:203)

برأت من المرض أبرأ برءا.و هذه لغة أهل الحجاز، و سائر العرب يقولون:برئت من المرض أبرأ،و المصدر فيهما البرء.

و برئت من الدّين أبرأ براءة و بارأت الكريّ،إذا فاصلته براء.

و بارأ الرّجل امرأته،إذا باينها.و بارأت الرّجل مبارأة،إذا ذكر محاسنه فعارضته بذكر محاسنك.

فأمّا:باري الرّيح جودا،فغير مهموز.

و برأ اللّه الخلق يبرؤهم.(3:277)

و بارأت الكريّ مبارأة،إذا فاصلته،و كأنّك تدفع إليه الكراء ثمّ تسترجعه منه.و أبريت البعير أبريه إبراء، إذا جعلت له برة.

و البريّة أصلها الهمز،و تركت العرب همزها لكثرة استعمالهم إيّاها.(3:443)

الهمذانيّ: يقال:برأ اللّه الخلق يبرؤهم،و فطرهم يفطرهم،و ذرأهم يذرؤهم.يقال:ثلاثة أشياء أصلها الهمز و لا تهمز:الذّرّيّة من ذرأت،و النّبيّ من نبّأت، و البريّة من برأت.(94)

الأزهريّ: البرأة:قترة الصّائد الّتي يكمن فيها، و الجمع:برأ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاستبراء:أن يشتري الرّجل جارية فلا يطؤها حتّى تحيض عنده حيضة ثمّ تطهر.و كذلك إذا سباها لم يطأها حتّى يستبرئها بحيضة،و معناه طلب براءتها من الحمل.

و استبرأ الذّكر:طلب براءته من بقيّة بول فيه؛د.

ص: 86


1- فخّ الصّائد يكمن فيه للصّيد.

بتحريكه و نتره،و ما أشبه ذلك،حتّى يعلم أنّه لم يبق فيه شيء.(15:271)

[و بعد نقل قول أبي عمرو الشّيبانيّ قال:]

قلت:قوله:«أبرأ،إذا صادف بريا،و هو قصب السّكّر»أحسبه غير صحيح.و الّذي أعرفه:أبرت،إذا صادفت بريّا،و هو سكّر الطّبرزد.(15:272)

الفارسيّ: البراء جمع بريء،و هو من باب رخل و رخال.(ابن سيدة 10:268)

الصّاحب: البرء-مهموز-الخلق،برأ اللّه الخلق يبرؤهم برءا،و هو البارئ.

و البرأة:الخلق-يهمز و يليّن-.

و البرء:السّلامة من السّقم،يبرأ و يبرؤ،و برئت و برأت و برؤت برءا.

و البرأة:ما هنأت به البعير بكفّك ليبرأ من الجرب.

و البراءة:من العيب و المكروه،برئ يبرأ فهو بريء،و امرأة برئة،و نسوة براء،و برءاء و براء.و بارأت الرّجل:برئت إليه و برئ إليّ.

و بارأت المرأة:صالحتها على المفارقة.و كذلك الكريّ إذا فاصلته.

و يقولون:أنا الخلاء البراء من هذا الأمر:أي أنا بريء،و الذّكر و الأنثى و الجميع فيه سواء.

و أبرأت الرّجل من الدّين و الضّمان،و برّأته منه.

و برّأت الرّجل:صحّحت عليه البراءة من ذنب.

و أبرأته:تولّيت ذلك منه حتّى صار بريئا.

و استبرأت الشّيء:طلبت آخره لأقطع فيه الشّبهة عن نفسي.

و استبرأت براءة ذلك الأمر.

و الاستبراء:أن يستبري الرّجل جاريته لا يقربها حتّى تحيض.و أن ينقي الرّجل ذكره عند البول.

و البرأة:قترة الصّائد،و جمعها برأ.

و البراء:أوّل يوم من الشّهر،و قيل:آخر ليله منه.

و يقال له:ابن البراء.

و الإبرئة:حزاز الرّأس.(10:274)

ابن جنّيّ: يجمع«بريء»على أربعة من الجموع:

بريء و براء مثل ظريف و ظراف،و بريء و برءاء مثل شريف و شرفاء،و بريء و أبرياء،مثل صديق و أصدقاء،و بريء و براء،مثل ما جاء من الجموع على «فعال»نحو:تؤام و رباء،في جمع توأم و ربّى.

(ابن منظور 1:32)

الجوهريّ: تقول:برئت منك،و من الدّيون و العيوب براءة.و برئت من المرض برءا بالضّمّ.

و أهل الحجاز يقولون:برأت من المرض برءا بالفتح، و أصبح فلان بارئا من مرضه،و أبرأه اللّه من المرض.

و برأ اللّه الخلق برءا،و أيضا هو البارئ.

و البريّة:الخلق،و قد تركت العرب همزه.

و أبرأته ممّا لي عليه،و برّأته تبرئة.

و البرأة بالضّمّ:قترة الصّائد،و الجمع:برأ،مثل صبرة و صبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبرّأت من كذا،و أنا براء منه،و خلاء منه.لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه مصدر في الأصل،مثل سمع سماعا.

فإذا قلت:أنا بريء منه،و خليّ منه،ثنّيت، و جمعت،و أنّثت،و قلت في الجمع:نحن منه برءاء مثل

ص: 87

فقيه و فقهاء،و براء أيضا مثل كريم و كرام،و أبراء مثل:

شريف و أشراف،و أبرياء أيضا مثل نصيب و أنصباء، و بريئون.و امرأة بريئة،و هما بريئتان،و هنّ بريئات برايا.و رجل بريء و براء،مثل عجيب و عجاب.

و البراء بالفتح:أوّل ليلة من الشّهر،سمّيت بذلك لتبرّؤ القمر من الشّمس،و أمّا آخر يوم من الشّهر فهو النّحيرة.

و بارأت شريكي،إذا فارقته،و بارأ الرّجل امرأته.

و استبرأت الجارية،و استبرأت ما عندك.(1:36)

ابن فارس: فأمّا الباء و الرّاء و الهمزة فأصلان، إليهما ترجع فروع الباب:

أحدهما:الخلق،يقال:برأ اللّه الخلق يبرؤهم برءا، و البارئ:اللّه جلّ ثناؤه،قال اللّه تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ البقرة:54.

و الأصل الآخر:التّباعد من الشّيء و مزايلته؛من ذلك البرء و هو السّلامة من السّقم،يقال:برئت و برأت.

و أهل العالية يقولون:برأت أبرأ برءا،و من ذلك قولهم:برئت إليك من حقّك.

و أهل الحجاز يقولون: أنا براء منك،و غيرهم يقول:أنا بريء منك.قال اللّه تعالى في لغة أهل الحجاز:

إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الزّخرف:26،و في غير موضع من القرآن إِنِّي بَرِيءٌ الأنعام:78.

فمن قال:أنا براء،لم يثنّ و لم يؤنّث،و يقولون:نحن البراء و الخلاء من هذا.

و من قال:بريء،قال:بريئان و بريئون،و برءاء على وزن«برعاء»و براء بلا أجر نحو براع،و براء مثل براع.و من ذلك البراءة من العيب و المكروه،و لا يقال منه:إلاّ برئ يبرأ.

و بارأت الرّجل،أي برئت إليه،و برئ إليّ.

و بارأت المرأة صاحبها على المفارقة،و كذلك بارأت شريكي،و أبرأت من الدّين و الضّمان.

قال الخليل: «الاستبراء أن يشتري الرّجل جارية فلا يطأها حتّى تحيض».و هذا من الباب،لأنّها قد برّئت من الرّيبة الّتي تمنع المشتري من مباشرتها.

و برأة الصّائد:ناموسه،و هي قترته،و الجمع:برأ.

و هو من الباب،لأنّه قد زايل إليها كلّ أحد.[ثمّ استشهد بشعر].(1:236)

أبو هلال: الفرق بين البرء و الخلق:أنّ البرء هو تمييز الصّورة،و قولهم:برأ اللّه الخلق،أي ميّز صورهم.

و أصله:القطع،و منه البراءة،و هي قطع العلقة.و برئت من المرض،كأنّه انقطعت أسبابه عنك،و برئت من الدّين،و برأ اللّحم من العظم:قطعه،و تبرّأ من الرّجل، إذا انقطعت عصمته منه. (1)(113)

الفرق بين النّاس و البريّة:أنّ قولنا:بريّة،يقتضي تميّز الصّورة،و قولنا:النّاس،لا يقتضي ذلك،لأنّ البريّة «فعيلة»من برأ اللّه الخلق،أي ميّز صورهم،و ترك همزه لكثرة الاستعمال،كما تقول:هم الخابية و الذّرّيّة،و هي من ذرأ الخلق.

و قيل:أصل البريّة:البري،و هو القطع،و سمّي بريّة،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قطعهم من جملة الحيوان،ع.

ص: 88


1- ذكر أبو هلال معنى الخلق في«الفروق اللّغويّة»في ص: 111 و سيأتي إنشاء اللّه في مادّة«خلق»فراجع.

فأفردهم بصفات ليست لغيرهم.و ذكر أنّ أصلها من:

البرى،و هو التّراب.

و قال بعض المتكلّمين: «البريّة:اسم إسلاميّ، لم يعرف في الجاهليّة»،و ليس كما قال،لأنّه جاء في شعر النّابغة و هو قوله:

*قم في البريّة فاحددها عن الفند*

و النّابغة جاهليّ الأبيات.(228)

أبو سهل الهرويّ: بارأ الرّجل شريكه و امرأته مهموز،إذا فارقهما،و قد بارى الرّيح جودا بغير همز،فهو يباريها،إذا عارضها و فاخرها،أي أنّه يعطي كلّما هبّت، و كذلك هو يباري جيرانه،غير مهموز أيضا،إذا عارضهم بفعله،أي يفعل كما يفعلون.(28)

ابن سيدة: برأ اللّه الخلق يبرؤهم برءا،و بروءا:

خلقهم،يكون ذلك في الجواهر،و الأعراض،و في التّنزيل: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها الحديد:22.

و البارئ:من أسماء اللّه عزّ و جلّ،و في التّنزيل:

اَلْبارِئُ الْمُصَوِّرُ الحشر:24.و فيه: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ البقرة:54.

و البريّة:الخلق،و أصلها الهمز،و نظيره النّبيّ، و الذرّيّة.

و أهل مكّة يخالفون غيرهم من العرب،يهمزون البريئة،و النّبيء،و الذّرّيئة،و ذلك قليل.

و قال اللّحيانيّ: اجتمعت العرب على ترك همز هذه الثّلاثة،و لم يستثن أهل مكّة.

و برأ المريض يبرؤ،و يبرأ،و برئ،و برأ برءا، و بروءا،كلاهما:نقه.

و أصبح بارئا من مرضه،و بريئا من قوم براء، كقولك:صحيح و صحاح فدلّ ذلك أنّه إنّما ذهب في براء إلى أنّه جمع بريء.

و قد يجوز أن يكون«براء»أيضا جمع بارئ كجائع و جياع،و صاحب و صحاب.

و قد أبرأه اللّه.

و البراء-في المديد-الجزء السّالم من زحاف المعاقبة.

و كلّ جزء يمكن أن يدخله الزّحاف-كالمعاقبة-فيسلم منه،فهو بريء.

و برئ من الأمر يبرأ،و يبرؤ-الأخير نادر-براءة، و براء،الأخيرة عن اللّحيانيّ.قال:و كذلك في العيوب و الدّين:برئ إليك من حقّك براءة،و براء،و زاد و بروءا و تبرّأ.

و أبرأك منه،و برّأك.و في التّنزيل: فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا الأحزاب:69.

و أنا برىء من ذلك،و براء،و الجمع:براء،و برءاء، و أبراء.

و حكى الفرّاء في جمعه:براء،غير مصروف،على حذف إحدى الهمزتين.

و الأنثى:بريئة،و لا يقال:براءة،و الجمع بريئات.

و حكى اللّحيانيّ بريّات و برايا كخطايا.

و أنا البراء منه،و كذلك الاثنان و الجميع،و المؤنّث.

و في التّنزيل: إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ.

و ليلة البراء:ليلة يتبرّأ القمر من الشّمس،و هي أوّل ليلة من الشّهر،قال:

ص: 89

يا عين بكّى مالكا و عبسا يوما إذا كان البراء نحسا

و جمعه أبرئة.حكي ذلك عن ثعلب.

و بارأت الرّجل:برئت إليه،و برئ إليّ.

و بارأ المرأة،و الكريّ،مبارأة،و براء:صالحهما على الفراق.

و استبرأ المرأة،إذا لم يطأها حتّى تحيض.و كذلك استبرأ الرّحم.

و الاستبراء:استنقاء الذّكر عند البول.

و البرأة:قترة الصّائد.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:286)

البراءة:السّلامة،برئ من الأمر يبرأ و يبرؤ براء و براءة و بروءا.

و تبرّأ:سلم،و أبرأه اللّه و أبرأه منه فهو بريء، و الجمع:بريئون و برءاء و براء و أبراء و أبرياء،و هي بريئة،و الجمع:بريئات و بريّات و برايا.

و أنا براء منه،لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث،أي بريء.

(الإفصاح 1:241)

البرء:برأ المريض يبرأ و يبرؤ برءا و بروءا،و بريء يبرأ برءا و برءا:نقه و صحّ،فهو بارئ و بريء،و الجمع:

براء.و أبرأه اللّه تعالى.(الإفصاح 1:550)

البراءة:برئ من الدّين يبرأ براءة:سقط عنه طلبه، فهو بريء و بارئ و براء.و أبرأته منه و برّأته:جعلته بريئا.(الإفصاح 2:1208)

الطّوسيّ: فالبارئ هو الخالق الصّانع،يقال:برأه و استبرأ استبراء،و تبرّأ تبرّيا،و باراه مباراة،و برأه براءة،و تبرئة.

و البرء:السّلامة من السّقم،تقول برأ بروءة، و برئت و برأت و برؤت براءة.و تبرّأ تبرّيا لغة في هذا.

و البراءة من العيب و المكروه لا يقال منه إلاّ:برئ براء،كقوله:إنّي براء،و امرأة براء،و نسوة براء،و برءاء على وزن«فعلاء».و منه قوله: إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ الممتحنة:4،جمع بريء.و من ترك الهمزة قال:براء على وزن«فعال».

و تقول:بارأت الرّجل،أي برئت إليه،و برئ إلى مثل ذلك.

و بارأت المرأة،أي صالحتها على المفارقة،و أبرأت الرّجل من الضّمان و الدّين،و برّأه تبرئة.

و يقال:أبرأ اللّه فلانا من المرض إبراء حسنا.

و الاستبراء:استبراء الجارية و المرأة بأن لا يطأها حتّى تحيض.

و الاستبراء:نقاء الفرج من القذر.و أصل الباب:

تبرّي الشّيء من الشّيء،و هو انفصاله منه.و برأ اللّه الخلق،أي فطرهم،فإنّهم انفصلوا من العدم إلى الوجود.

و البريّة:الخلق«فعيلة»بمعنى«مفعول»لا يهمز كما لا يهمز«ملك»و إن كان أصله من الألوكة.

و قيل:البريّة:مشتقّة من البراوة و هو التّراب، فلذلك لم تهمز.و قيل:إنّه مأخوذ من:بريت العود، فلذلك لم يهمز.

و البراءة من الشّيء:المفارقة،و المباعدة عنه، و برئ اللّه من الكافر:باعده عن رحمته.

و أنواع الفعل كثيرة،منها:الخلق،و الإنشاء و الارتجاع.

ص: 90

و البرء:الفطر،فأمّا الإحداث،و الإيجاد و التّكوين فكالفعل،و الجعل أعمّ من الفعل،لأنّه لما وجد بعد أن لم يكن،كقولك:جعلت الطّين خزفا،فلم يحدث الخزف في الحقيقة،و إنّما أحدث ما صار خزفا.(1:244)

معنى البراءة:انقطاع العصمة،برئ براءة و أبرأه إبراء و تبرّأ تبرّؤا،و برأت من المرض و برئت أبرأ و أبرؤ،و برّأ تبريئا.

و روى أهل اللّغة: برأت أبرأ برءا و لم يجئ من المهموز (فعلت أفعل)إلاّ في هذا الحرف الواحد.(5:196)

البراءة:قطع العلقة الّتي توجب رفع المطالبة،و ذلك كالبراءة من الدّين،و البراءة من العيب في البيع.

(5:437)

الرّاغب: أصل البرء و البراء و التّبرّي:التّفصّي ممّا يكره مجاورته،و لذلك قيل:برأت من المرض و برأت من فلان،و تبرّأت و أبرأته من كذا و برأته.و رجل بريء و قوم برءاء و بريئون،قال عزّ و جلّ: بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ التّوبة:1،و قال: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ التّوبة:3.

و قال: أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ يونس:41.

إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الممتحنة:4.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الزّخرف:26.

لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا الأحزاب:69.

و قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا البقرة:166.

و البارئ:خصّ بوصف اللّه تعالى،نحو قوله:

اَلْبارِئُ الْمُصَوِّرُ الحشر:24،و قوله تعالى:

فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ البقرة:54.

و البريّة:الخلق،قيل:أصله الهمز،فترك،و قيل ذلك من قولهم:بريت العود.

و سمّيت بريّة لكونها مبريّة عن البرى،أي التّراب، بدلالة قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ المؤمن:67، و قوله تعالى: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ البيّنة:7، و قال: شَرُّ الْبَرِيَّةِ البيّنة:6.(45)

الزّمخشريّ: اللّهمّ أبرأ إليك من الحول و القوّة، و هو بريء السّاحة ممّا قذف به،و أنا الخلاء و البراء منه، و قد بارأت شريكي:فاصلته،و تبارأنا.

و تقول:أسعد النّاس البراء،كما أنّ أسعد اللّيالي البراء،و هي آخر ليلة من الشّهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرأت الرّجل:جعلته بريئا من حقّ لي عليه، و برّأته:صحّحت براءته فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا الأحزاب:69.

و استبرأت الشّيء:طلبت آخره،لأقطع الشّبهة عنّي.و استبرأت أرض بني فلان فما وجدت فيها ضالّتي.

و استبرأ من بوله،إذا استنزه.

و فلان بارئ من علّته،و تقول:حقّ على البارئ من اعتلاله،أن يؤدّي شكر الباري على إبلاله.

(أساس البلاغة:18)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى:البارئ،هو الّذي

ص: 91

خلق الخلق لا عن مثال.

و لهذه اللّفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات.و قلّما تستعمل في غير الحيوان، فيقال برأ اللّه النّسمة،و خلق السّماوات و الأرض،و قد تكرّر ذكر«البرء»في الحديث.

و في حديث مرض النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«قال العبّاس لعليّ رضي اللّه عنه:كيف أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟فقال:أصبح بحمد اللّه بارئا»،أي معافا.يقال:برأت من المرض أبرأ برءا بالفتح،فأنا بارئ،و أبرأني اللّه من المرض.

و غير أهل الحجاز يقولون:برئت بالكسر،برءا بالضّمّ.و منه قول عبد الرّحمن بن عوف لأبي بكر رضي اللّه عنهما:«أراك بارئا».

و منه الحديث في استبراء الجارية:«لا يمسّها حتّى يبرأ رحمها»و يتبيّن حالها هل هي حامل أم لا؟و كذلك الاستبراء الّذي يذكر مع الاستنجاء في الطّهارة،و هو أن يستفرغ بقيّة البول و ينقى موضعه و مجراه حتّى يبريهما منه،أي يبينه عنهما كما يبرأ من المرض و الدّين،و هو في الحديث كثير.

و في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه:«لمّا دعاه عمر إلى العمل فأبى،فقال عمر:إنّ يوسف قد سأل العمل، فقال:إنّ يوسف منّي بريء و أنا منه براء»أي بريء عن مساواته في الحكم،و أن أقاس به.و لم يرد براءة الولاية و المحبّة،لأنّه مأمور بالإيمان به،و البراء و البريء سواء.

(1:111)

الفيّوميّ: برئ زيد من دينه يبرأ مهموز،من باب «تعب»براءة:سقط عنه طلبه،فهو بريء و بارئ و براء، بالفتح و المدّ.

و أبرأته منه و برّأته من العيب بالتّشديد:جعلته بريئا منه.و برئ منه مثل سلم،وزنا و معنى،فهو بريء أيضا.

و برأ اللّه تعالى الخليقة يبرؤها بفتحتين:خلقها،فهو البارئ.و البريّة«فعيلة»بمعنى«مفعولة».

و برأ من المرض يبرأ،من بابي:نفع و تعب،و برأ برءا،من باب«قرب»لغة.

و استبرأت المرأة:طلبت براءتها من الحبل.

قال الزّمخشريّ:استبرأت الشّيء:طلبت آخره لقطع الشّبهة.

و استبرأ من البول،الأصل:استبرأ ذكره من بقيّة بوله بالنّتر و التّحريك حتّى يعلم أنّه لم يبق فيه شيء.

و استبرأت من البول:تنزّهت عنه.

و البرى مثل العصا:التّراب.

و باريته:عارضته،فأتيت بمثل فعله.(1:47)

الفيروزآباديّ: برأ اللّه الخلق،كجعل برءا و بروءا:

خلقهم.

و المريض يبرأ و يبرؤ برءا بالضّمّ و بروءا.

و برأ ككرم و فرح برءا و برءا و بروءا:نقه.و أبرأه اللّه فهو بارئ و بريء،الجمع:ككرام.

و برئ من الأمر يبرأ و يبرؤ،نادر براء و براءة و بروءا.

تبرّأ و أبرأك منه و برّأك و أنت بريء،الجمع:بريئون و كفقهاء و كرام و أشراف و أنصباء و رخال،و هي بهاء، الجمع:بريئات و بريّات،و برايا كخطايا.

و أنا براء منه،لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث،أي بريء.

ص: 92

و البراء:أوّل ليلة أو يوم من الشّهر،أو آخرها أو آخره كابن البراء.و أبرأ:دخل فيه.

و بارأه:فارقه،و المرأة صالحها على الفراق.

و استبرأها:لم يطأها حتّى تحيض،و الذّكر استنقاه من البول.

و كالجرعة قترة الصّائد.(1:8)

العامليّ: البرء:و ما يشتمل على البرء كبرأ و نحوه أصل،معنى ذلك الخلاص.

و أبرأه،أي خلّصه،و برأه،أي خلقه و أوجده،كأنّه خلّصه من العدم،و برأ منه،أي خلّص روحه منه و بعد عنه.و منه التّبرّي من الأعادي،يقال:فلان برأ من فلان و تبرّأ،إذا جانبه و عاداه،و لم يواله.(90)

الزّبيديّ:تبرّأنا:تفارقنا،و أبرأته:جعلته بريئا من حقّي،و برّأته:صحّحت براءته.

«و المتباريان لا يجابان»ذكره بعض أهل الغريب في المهموز،و الصّواب ذكره في المعتلّ،كما في «النّهاية».

و أبرأته ما لي عليه،و برّأته تبرئة،و تبرّأت من كذا.

و البريّة:الخلق،و قد تركت العرب همزها.

و قال الفرّاء:إن أخذت البريّة من«البرى»و هو التّراب،فأصلها غير الهمز.و قد أغفلها المصنّف هنا، و أحال في المعتلّ على ما لم يذكر،و هو عجيب.

و استبرأت ما عندك و استبرأ أرض كذا فما وجد ضالّته،و استبرأت الأمر:طلبت آخره،لأقطع الشّبهة عنّي.(1:45)

المصطفويّ: الّذي يظهر من كلمات القوم و من موارد الاستعمال أنّ مادّة«برأ و بري»متقاربان، و مشتقّان أحدهما من الآخر،و الأصل الواحد فيهما هو التّباعد من النّقص و العيب.

و من هذا المعنى يتفرّع مفهوم التّسوية و النّحت لشيء،فإنّه باعتبار رفع النّقص و تكميله بالنّسبة إلى ما يقصد منه.فإنّ النّقص و الكمال في كلّ شيء بحسبه، و هكذا الخلق،أي التّكوين و الإيجاد.فإنّ التّكوين بعد التّقدير،و الفعل بعد القوّة،تكميل للشّيء،و رفع جهات النّقص و الضّعف منه.

فحقيقة البرء و التّبرئة ترجع إلى التّكميل،و رفع شوائب الضّعف.

إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الأنعام:78،أي نزيه و متباعد من هذه العقيدة.

بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ التّوبة:1،أي تباعد من معاهدتهم.

وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ آل عمران:49،أي أزيل هذا العيب و المرض.

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي يوسف:53،أي لا أدّعي براءة نفسي من العيوب و النّواقص.و الإبراء لقيام الحدث بالفاعل،و التّبرئة للوقوع و النّسبة إلى المفعول. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا البقرة:166،أي قبلوا و أخذوا البراءة.

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها الحديد:22،أي قبل أن نوجد و نكوّن المصيبة،فقد كتبت و ثبتت عند اللّه المتعال و في علمه،و قدّرت قبل تحقّقها.(1:224)

ص: 93

النّصوص التّفسيريّة

نبرأها

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها... الحديد:22

ابن عبّاس: هو شيء قد فرغ منها من قبل أن نبرأ النّفس.

مثله الضّحّاك و ابن زيد.(الطّبريّ 27:233)

يقول:في الدّين و الدّنيا،إلاّ في كتاب من قبل أن نخلقها.

مثله قتادة.(الطّبريّ 27:234)

من قبل أن يخلق المصيبة.(القرطبيّ 17:257)

سعيد بن جبير: من قبل أن يخلق الأرض و النّفس.(القرطبيّ 17:257)

مثله الميبديّ.(9:498)

الطّبريّ: من قبل أن نبرأ الأنفس،يعني من قبل أن نخلقها.يقال:قد برأ اللّه هذا الشّيء،بمعنى خلقه فهو بارئه.(27:233)

الطّوسيّ: الضّمير راجع إلى«النّفس»كأنّه قال:

من قبل أن نبرأ النّفس.

و يحتمل أن يكون راجعا إلى المصائب من الأمراض و الفقر و الجدب و الغمّ بالثّكل.(9:533)

الطّبرسيّ: أي من قبل أن نخلق الأنفس،المعنى أنّه تعالى أثبتها في اللّوح المحفوظ قبل أن يخلق الأنفس، ليستدلّ ملائكته به،على أنّه عالم لذاته،يعلم الأشياء بحقائقها.(5:240)

الفخر الرّازيّ: قد اختلفوا فيه،فقال بعضهم:من قبل أن نخلق هذه المصائب،و قال بعضهم:بل المراد الأنفس،و قال آخرون:بل المراد نفس الأرض.

و الكلّ محتمل،لأنّ ذكر الكلّ قد تقدّم،و إن كان الأقرب نفس المصيبة،لأنّها هي المقصود.

و قال آخرون: المراد من قبل أن نبرأ المخلوقات، و المخلوقات و إن لم يتقدّم ذكرها،إلاّ أنّها لظهورها يجوز عود الضّمير إليها،كما في قوله: إِنّا أَنْزَلْناهُ.

(29:237)

القرطبيّ: الضّمير في(نبرأها)عائد على النّفوس، أو الأرض،أو المصائب،أو الجميع.(17:257)

البروسويّ: نخلق الأنفس أو المصائب أو الأرض، فإنّ البرء في اللّغة هو الخلق،و البارئ:الخالق.

(9:375)

الطّباطبائيّ: ضمير(نبرأها)للمصيبة.و قيل:

للأنفس،و قيل:للأرض،و قيل:للجميع من الأرض و الأنفس و المصيبة.

و يؤيّد الأوّل أنّ المقام مقام بيان ما في الدّنيا من المصائب الموجبة لنقص الأموال و الأنفس الّتي تدعوهم إلى الإمساك عن الإنفاق،و التّخلّف عن الجهاد.

(19:167)

عبد الكريم الخطيب: أي نخرجها من عالم الخفاء إلى عالم الظّهور.و من أسمائه سبحانه«البارئ» الّذي برأ الوجود،أي أوجده.(14:782)

البارئ

هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ

ص: 94

اَلْحُسْنى... الحشر:24

الطّبريّ: هو المعبود الخالق،الّذي لا معبود تصلح له العبادة غيره،و لا خالق سواه،(البارئ)الّذي برأ الخلق،فأوجدهم بقدرته.(28:56)

الطّوسيّ: المحدث المنشئ لجميع ذلك.

(9:574)

الميبديّ: كلّ ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى التّقدير أوّلا،و إلى الإيجاد على وفق التّقدير ثانيا، و إلى التّصوير بعد الإيجاد ثالثا.و اللّه تعالى خالق من حيث إنّه مقدّر،و بارئ من حيث إنّه مرتّب صور المخترعات أحسن ترتيبا.(10:57)

الزّمخشريّ: المميّز بعضه من بعض بالأشكال المختلفة.(4:87)

الفخر الرّازيّ: هو بمنزلة قولنا:صانع و موجد،إلاّ أنّه يفيد اختراع الأجسام،و لذلك يقال في الخلق:بريّة، و لا يقال في الأعراض الّتي هي كاللّون و الطّعم.

(29:294)

القرطبيّ: المنشئ المخترع.(18:48)

الآلوسيّ: الموجد لها بريئة من تفاوت ما تقتضيه، بحسب الحكمة و الجبلّة.(28:64)

الطّباطبائيّ: المنشئ للأشياء ممتازا بعضها من بعض.(19:222)

عبد الكريم الخطيب: (البارئ)أي الّذي خلق ما خلق ابتداء،على غير مثال سبق.(14:884)

بارئكم

1- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ...

البقرة:54

أبو العالية: أي إلى خالقكم.(الطّبريّ 1:288)

الطّبريّ: هو من برأ اللّه الخلق يبرؤه فهو بارئ.

و البريّة:الخلق،و هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة»غير أنّها لا تهمز كما لا يهمز«ملك»و هو من«لأك»لكنّه جرى بترك الهمزة.

و قد قيل: إنّ«البريّة»إنّما لم تهمز،لأنّها«فعيلة» من البرى،و البرى:التّراب،فكان تأويله على قول من تأوّله:كذلك أنّه مخلوق من التّراب.

و قال بعضهم: إنّما أخذت«البريّة»من قولك:بريت العود،فلذلك لم تهمز.

و ترك الهمز من«بارئكم»جائز،و الإبدال منها جائز،فإذا كان ذلك جائزا في«باريكم»فغير مستنكر أن تكون«البريّة»من برى اللّه الخلق،بترك الهمزة.

(1:288)

الزّمخشريّ: إن قلت:من أين اختصّ هذا الموضع بذكر البارئ؟

قلت:البارئ هو الّذي خلق الخلق بريئا من التّفاوت ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ الملك:

3،و متميّزا بعضه من بعض بالأشكال المختلفة و الصّور المتباينة،فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم،الّذي برأهم بلطف حكمته؛على الأشكال المختلفة،أبرياء من التّفاوت،و التّنافر إلى عبادة البقر الّتي هي مثل في الغباوة و البلادة.

في أمثال العرب:«أبلد من ثور»حتّى عرضوا

ص: 95

أنفسهم لسخط اللّه و نزول أمره،بأن يفكّ ما ركّبه من خلقهم،و ينثر ما نظّم من صورهم و أشكالهم،حين لم يشكروا النّعم في ذلك،و غمطوها بعبادة من لا يقدر على شيء منها.(1:281)

مثله الفخر الرّازيّ.(3:80)

ابن عطيّة: قرأ الجمهور (بارِئِكُمْ) بإظهار الهمزة و كسرها.

و قرأ أبو عمرو (بارئكم) بإسكان الهمزة.و روي عن سيبويه:اختلاس الحركة و هو أحسن،و هذا التّسكين يحسن في توالي الحركات.

و قال المبرّد: لا يجوز التّسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب،و قراءة أبى عمرو(بارئكم)لحن.و قد روي عن العرب التّسكين في حرف الإعراب.[ثمّ استشهد بأشعار]

و من أنكر التّسكين في حرف الإعراب فحجّته أنّ ذلك لا يجوز من حيث كان علما للإعراب.

قال أبو عليّ: و أمّا حركة البناء فلم يختلف النّحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات.

قرأ الزّهريّ (باريكم) بكسر الياء من غير همز، و رويت عن نافع.(1:145)

البيضاويّ: ذكر البارئ و ترتيب الأمر عليه إشعار بأنّهم بلغوا غاية الجهالة و الغباوة،حتّى تركوا عبادة خالقهم الحكيم،إلى عبادة البقر الّتي هي مثل في الغباوة،و إنّ من لم يعرف حقّ منعمه؛حقيق بأن يستردّ منه،و لذلك أمروا بالقتل و فكّ التّركيب.(1:57)

أبو حيّان: [قال مثل ابن عطيّة و أضاف:]

و قرأ الزّهريّ (باريكم) بكسر الياء من غير همز، و روي ذلك عن نافع.و لهذه القراءة تخريجان:

أحدهما:أنّ الأصل الهمز،و أنّه من«برأ»فخفّفت الهمزة بالإبدال المحض على غير قياس؛إذ قياس هذا التّخفيف جعلها بين بين.

و الثّاني:أن يكون الأصل(باريكم)بالياء من غير همز،و يكون مأخوذا من قولهم:بريت القلم،إذا أصلحته،أو من«البرى»و هو التّراب،ثمّ حرّك حرف العلّة و إن كان قياسه تقدير الحركة في مثل هذا رفعا و جرّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا كلّه تعليل و شذوذ.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ المتقدّم](1:206)

صدر المتألّهين: أي ارجعوا و أنيبوا إلى خالقكم بالطّاعة و التّوحيد.

و الفرق بين البارئ و الخالق:أنّ«البارئ»هو المبدع المحدث،و«الخالق»هو المقدّر النّاقل من صورة إلى صورة،و من حال إلى حال.

و أصل التّركيب في اللّغة لخلوص الشّيء عن غيره إمّا على سبيل التّفصّي،كقولكم:برئ المريض من مرضه،و المديون من دينه،أو على سبيل الإنشاء، كقوله:برأ اللّه آدم من الطّين.

[ثمّ قال مثل ما تقدّم عن الزّمخشريّ]

نحوه الآلوسيّ.(1:259)

الطّباطبائيّ: (البارئ)من الأسماء الحسنى،كما قال تعالى: هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الحشر:24،وقع في ثلاث مواضع من كلامه

ص: 96

تعالى:اثنان منها في هذه الآية،و لعلّه خصّ بالذّكر هاهنا من بين الأسماء الملائمة معناه للمورد،لأنّه قريب المعنى من الخالق و الموجد،من برأ يبرأ براء،إذا فصل،لأنّه يفصل الخلق من العدم،أو الإنسان من الأرض،فكأنّه تعالى يقول:هذه التّوبة و قتلكم أنفسكم و إن كان أشقّ ما يكون من الأوامر،لكنّ اللّه الّذي أمركم بهذا الفناء و الزّوال بالقتل،هو الّذى برأكم،فالّذي أحبّ وجودكم و هو خير لكم،هو يحبّ الآن حلول القتل عليكم فهو خير لكم،و كيف لا يحبّ خيركم و قد برأكم!

فاختيار لفظ(البارئ)بإضافته إليهم،في قوله:

(الى بارئكم)و قوله: عِنْدَ بارِئِكُمْ للإشعار بالاختصاص،لإثارة المحبّة.(1:189)

بنت الشّاطئ: الكلمة جاءت مرّتين في آية البقرة:54

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ.

و جاء(البارئ)اسما من أسماء اللّه تعالى الحسنى في آية الحشر:24 هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.

كما جاء منه الفعل المضارع في آية الحديد:22.

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ

و من غير المهموز،جاءت«البريّة»مرّتين في آيتي البيّنة:6،7.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.

و في غير معنى الخلق جاءت المادّة في البراءة، و التّبرّؤ،و التّبرئة.

و تفسير البارئ بالخالق يبدو قريبا،لو لا أنّ آية الحشر جمعت بين اَلْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ ثمّ إنّ فعل «الخلق»يجيء في القرآن مسندا إلى اللّه تعالى في أكثر من مائة و ستّين موضعا،و معها خَلَقَ اللّهُ العنكبوت:

44،و خَلْقِ الرَّحْمنِ الملك:3،سبحانه خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الرّعد:16 و الزّمر:62 و الأنعام:102، هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ فاطر:3، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ الحجر:86،فهل من فرق دلالة بين الخالق و البارئ؟

ذكر الرّاغب: أنّ«البارئ»خصّ بوصفه تعالى،و لم يبيّن وجه اختصاص اللّه سبحانه بصفة البارئ.

و في«القاموس»:برأ اللّه الخلق:خلقهم.

و فيه كذلك:البراء:أوّل ليلة،أو يوم من الشّهر،أو آخرها و آخره.

و لو قد اقتصر في«البراء»على أوّل الشّهر لفهمنا البارئ بكونه تعالى يبدأ الخلق ثمّ يعيده كما بدأه أوّل مرّة.

و الزّمخشريّ فسّر اَلْخالِقُ الْبارِئُ في آية الحشر،فقال:(الخالق):المقدّر لما يوجده،(البارئ):

المميّز بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة.و مثله في «البحر المحيط»لأبي حيّان.

و ذهب ابن الأثير إلى وجه آخر في الفرق بين

ص: 97

«الخالق و البارئ»قال:في أسماء اللّه تعالى«البارئ»و هو الّذي خلق الخلق لا عن مثال،و لهذه اللّفظة من الاختصاص بخلق الحيوان،ما ليس لها بغيره من المخلوقات.و قلّما تستعمل في غير الحيوان،فيقال:برأ اللّه النّسمة،و خلق السّماوات و الأرض.

و هذا الوجه الدّقيق من التّمييز بين«الخالق و البارئ»هو ما يؤنس إليه استقراء ما في القرآن من آياتهما،و تدبّر سياقها؛فالخلق شامل لكلّ شيء، سبحانه خلق السّماوات و الأرض و ما بينهما.و كلمة (بارئكم)الخطاب فيها لقوم موسى،و(البريّة)في آيتيها بسورة البيّنة،متعلّقة بالكفّار و المؤمنين:(شرّ البريّة)و (خير البريّة).

لكن آية الحديد،يتعلّق فيها الفعل(نبرأها)بما أصابكم من مصيبة في الأرض و لا أنفسكم أعني أنّها في غير الحيوان.

و لعلّ ابن الأثير نظر إليها فاحترز من التّعميم و الإطلاق في«برأ»بقوله:و قلّما تستعمل في غير الحيوان.(الإعجاز البيانيّ:493)

2- ...فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. البقرة:54

الطّبرسيّ: كرّر ذكر(بارئكم)تعظيما لما أتوا به مع كونه خالقا لهم.(1:114)

أبو حيّان: كرّر«البارئ»باللّفظ الظّاهر توكيدا، و لأنّها جملة مستقلّة،فناسب الإظهار،و للتّنبيه على أنّ هذا الفعل هو راجح عندي الّذي أنشأكم،فكما رأى أنّ إنشاءكم راجح رأى أنّ إعدامكم بهذا الطّريق من القتل راجح،فينبغي التّسليم له في كلّ حال،و تلقّي ما يرد من قبله بالقبول و الامتثال.(1:209)

نحوه الآلوسيّ.(1:261)

برئ

1- ..قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ. الأنعام:19

الفخر الرّازيّ: فيه تصريح بالبراءة عن إثبات الشّركاء،فثبت دلالة هذه الآية على إيجاب التّوحيد بأعظم طرق البيان و أبلغ وجوه التّأكيد.قال العلماء:

المستحبّ لمن أسلم ابتداء أن يأتي بالشّهادتين،و يتبرّأ من كلّ دين سوى دين الإسلام.(12:179)

أبو حيّان: أمره تعالى:أن يخبرهم أنّه لا يشهد شهادتهم،و أمره ثانيا:أن يفرد اللّه تعالى بالإلهيّة،و أن يتبرّأ من إشراكهم.

و ما أبدع هذا التّرتيب أمر أوّلا بأن يخبرهم بأنّه لا يوافقهم في الشّهادة،و لا يلزم من ذلك إفراد اللّه بالألوهيّة،فأمر به ثانيا ليجتمع مع انتفاء موافقتهم إثبات الوحدانيّة للّه تعالى،ثمّ أخبر ثالثا بالتّبرّؤ من إشراكهم،و هو كالتّوحيد لما قبله.

و يحتمل أن لا يكون ذلك داخلا تحت القول، و يحتمل-و هو الظّاهر-أن يكون داخلا تحته،فأمر بأن يقول الجملتين،فظاهر الآية يقتضي أنّها في عبدة الأصنام.(4:92)

ص: 98

2- أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ.

يونس:41

الطّبريّ: لا تؤاخذون بجريرته و لا أؤاخذ بجريرة عملكم،و هذا كما قال جلّ ثناؤه: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ* وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ الكافرون:1-3.(11:119)

الطّوسيّ: أي إن كنتم غير محقّين فيما تردّونه عليّ و تكذّبوني فلكم جزاء عملكم،فأنتم تبرءون ممّا أعمل،و أنا أبرأ من أعمالكم.

و فائدة ذلك الإخبار بأنّه لا يجازى أحد إلاّ على عمله،و لا يؤاخذ أحد بجرم غيره،كما قال تعالى:

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:164.

(5:437)

الفخر الرّازيّ: قيل:معنى الآية الزّجر و الرّدع، و قيل:بل معناه استمالة قلوبهم.

قال مقاتل و الكلبيّ: هذه الآية منسوخة بآية السّيف.و هذا بعيد،لأنّ شرط النّاسخ أن يكون رافعا لحكم المنسوخ،و مدلول هذه الآية اختصاص كلّ واحد بأفعاله و بثمرات أفعاله،من الثّواب و العقاب؛و ذلك لا يقتضي حرمة القتال.فآية القتال ما رفعت شيئا من مدلولات هذه الآية،فكان القول بالنّسخ باطلا.

(17:100)

3- قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ. هود:54

الميبديّ: من آلهتكم الّتي يخوّفونني بها،فسمّوني ما شئتم.(4:402)

نحوه القرطبيّ.(9:52)

أبو حيّان: (انّى برئ)تنازع فيه(اشهد و(اشهدوا) و قد يتنازع المختلفان في التّعدّي الاسم الّذي يكون صالحا لأن يعملا فيه،تقول:أعطيت زيدا و وهبت لعمر دينارا،كما يتنازع اللاّزم و المتعدّي،نحو:قام و ضربت زيدا.و(ما)في(ما تشركون)موصولة،إمّا مصدريّة و إمّا بمعنى الّذي،أي بريء من إشراككم آلهة من دونه،أو من الّذين تشركون.(5:233)

الطّباطبائيّ: أجاب هود عليه السّلام عن قولهم بإظهار البراءة من شركائهم من دون اللّه،ثمّ التّحدّي عليهم بأن يكيدوا به جميعا و لا ينظروه.

فقوله: أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ هود:

54،55،إنشاء و ليس بإخبار،كما هو المناسب لمقام التّبرّي،و لا ينافي ذلك كونه بريئا من أوّل أمره،فإنّ التّبرّز بالبراءة لا ينافي تحقّقها من قبل.(10:301)

بريا

وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً. النّساء:112

الحسن: البريء هو اليهوديّ الّذي طرح عليه الدّرع.(الطّبرسيّ 2:108)

ابن سيرين: يهوديّا.(الطّبريّ 5:274)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه بقوله:(بريا)،فقال بعضهم:عنى اللّه عزّ و جلّ بالبريء رجلا من المسلمين،يقال له:لبيد بن سهل.

ص: 99

و قال آخرون: بل عنى رجلا من اليهود،يقال له:

زيد بن السّمين.

و قيل: يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً بمعنى ثمّ يرم بالإثم،الّذي أتى هذا الخائن من هو بريء ممّا رماه به.

فالهاء في قوله:(به)عائدة على«الإثم»و لو جعلت كناية من ذكر الإثم و الخطيئة كان جائزا،لأنّ الأفعال و إن اختلفت العبارات عنها،فراجعة إلى معنى واحد، بأنّها فعل.(5:274)

نحوه الطّوسيّ.(3:323)

الزّمخشريّ: كما رمى طعمة زيدا.(1:563)

أبو حيّان: البريء:المتّهم بالذّنب،و لم يذنب.

(3:346)

الكاشانيّ: كما رمى بشير لبيدا،أو اليهوديّ.

(1:461)

البروسويّ: أي ممّا رماه به ليحمّله عقوبة العاجلة،كما فعل طعمة بزيد اليهوديّ.(2:281)

الآلوسيّ: ممّا رماه به ليحمّله عقوبة العاجلة،كما فعل من عنده الدّرع بلبيد بن سهل،أو بأبي مليك.

(5:142)

براء

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ.

الزّخرف:26

الفرّاء: هي في قراءة عبد اللّه (انّنى برئ ممّا تعبدون) و لو قرأها قارئ كان صوابا موافقا لقراءتنا،لأنّ العرب تكتب:يستهزئ يستهزأ،فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف في كلّ حالاتها،يكتبون:شيء شيئا،و مثله كثير في مصاحف عبد اللّه،و في مصحفنا.(3:30)

الزّمخشريّ: قرئ (بَراءٌ) بفتح الباء و ضمّها و (برئ) فبريء و براء،نحو كريم و كرام و (براء) مصدر كظماء،و لذلك استوى فيه الواحد و الاثنان و الجماعة، و المذكّر و المؤنّث،يقال:نحن البراء منك و الخلاء منك.(3:484)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (بَراءٌ) مصدر يستوي فيه المفرد و المذكّر و مقابلهما،يقال:نحن البراء منك،و هي لغة العالية.و قرأ الزّعفرانيّ و القورصيّ عن أبي جعفر و ابن المناذريّ عن نافع بضمّ الباء.و الأعمش(برئ) و هي لغة نجد و شيخيه،و يجمع و يؤنّث،و هذا نحو طويل و طوال،و كريم و كرام.(8:11)

نحوه الآلوسيّ.(25:76)

الطّباطبائيّ: البراء:مصدر من برئ يبرأ،فهو بريء.فمعنى إِنَّنِي بَراءٌ إنّني ذو براء أو بريء،على سبيل المبالغة،مثل زيد عدل.

و في الآية إشارة إلى تبرّي إبراهيم عليه السّلام ممّا كان يعبده أبوه و قومه من الأصنام و الكواكب،بعد ما حاجّهم فيها،فاستندوا فيها إلى سيرة آبائهم،على ما ذكر في سور الأنعام و الأنبياء و الشّعراء،و غيرها.

و المعنى:اذكر لهم إذ تبرّأ إبراهيم عن آلهة أبيه و قومه؛إذ كانوا يعبدونها تقليدا لآبائهم من غير حجّة، و قام بالنّظر وحده.(18:95)

برءاء

قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الممتحنة:4

ص: 100

قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الممتحنة:4

الطّوسيّ: (برءاء)على وزن«فعلاء»و مثله ظريف و ظرفاء،و كريم و كرماء و فقير و فقراء.الهمزة الأولى لام الفعل،و الثّانية المنقلبة من ألف التّأنيث، و الألف الّتي قبله الهمزة زيادة مع علامة التّأنيث،و هو جمع بريء.(9:579)

نحوه الميبديّ.(10:69)

الزّمخشريّ: قرئ (برءاء) كشركاء و(براء) كظراف،و(براء)على إبدال الضّمّ من الكسر كرخال و رباب،و(براء)على الوصف بالمصدر.و البراء و البراءة كالظّماء و الظّماءة.(4:91)

القرطبيّ: و(برءاء)جمع بريء،مثل شريك و شركاء،و ظريف و ظرفاء،و قراءة العامّة على وزن «فعلاء».

و قرأ عيسى بن عمر و ابن أبي إسحاق (براء) بكسر الباء على وزن«فعال»مثل قصير و قصار،و طويل و طوال و ظريف و ظراف.

و يجوز ترك الهمزة حتّى تقول:برا،و تنوّن.و قرئ (براء) على الوصف بالمصدر.و قرئ (براء) على إبدال الضّمّ من الكسر،كرخال و رباب.(18:56)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (برءاء) جمع بريء، كظريف و ظرفاء،و عيسى (براء) جمع بريء أيضا كظريف و ظراف،و أبو جعفر:بضمّ الباء كتؤام و ظؤار، و هو اسم جمع،الواحد:بريء و توأم و ظئر،و رويت عن عيسى.

قال أبو حاتم: زعموا أنّ عيسى الهمدانيّ رووا عنه (براء)على«فعال»كالّذي في قوله تعالى: إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الزّخرف:26،و هو مصدر على«فعال» يوصف به المفرد و الجمع.و قال الزّمخشريّ:و(براء) على إبدال الضّمّ من الكسر كرخال و رباب،انتهى.

فالضّمّة في ذلك ليست بدلا من كسرة بل هي ضمّة أصليّة،و هو قريب من أوزان أسماء الجموع،و ليس جمع تكسير،فتكون الضّمّة بدلا من الكسرة.(8:254)

نحوه الآلوسيّ.(28:70)

الطّباطبائيّ: [له بحث راجع«غفر» «لأستغفرنّ»]

براءة

بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. التّوبة:1

الطّبريّ: هذه براءة من اللّه و رسوله،ف(براءة) مرفوعة بمحذوف،و هو«هذه»،كما في قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها النّور:1،مرفوعة بمحذوف هو«هذه».

و لو قال قائل:(براءة)مرفوعة بالعائد من ذكرها، في قوله: إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ و جعلها كالمعرفة ترفع ما بعدها؛إذ كانت قد صارت بصلتها،و هي قوله: مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ كالمعرفة،و صار معنى الكلام:براءة من اللّه و رسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين،كان مذهبا غير مدفوعة صحّته،و إن كان القول الأوّل أعجب إليّ.

لأنّ من شأن العرب أن يضمروا لكلّ معاين-نكرة كان أو معرفة-ذلك المعاين:هذا و هذه،فيقولون عند

ص: 101

معاينتهم الشّيء الحسن:حسن و اللّه،و القبيح:قبيح و اللّه،يريدون:هذا حسن و اللّه،و هذا قبيح و اللّه، فلذلك اخترت القول الأوّل.(10:58)

الطّوسيّ: قيل في علّة ترك افتتاح هذه السّورة ب بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قولان:

أحدهما:ما روي عن ابيّ بن كعب:أنّه ضمّت هذه السّورة إلى الأنفال بالمقاربة،فكانت كسورة واحدة، لأنّ الأولى في ذكر العهود،و الأخرى في رفع العهود.

و قال عثمان: لاشتباه قصّتهما،لأنّ الأولى في ذكر العهود،و الأخرى في رفع العهود.

و قال المبرّد: لأنّ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمان، و براءة،نزلت برفع الأمان.

و يحتمل رفع(براءة)وجهين:

أحدهما:أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف،و تقديره:

هذه الآيات براءة.

و الثّاني:أن يكون مبتدأ و خبره الظّرف،في قوله:

(الى الّذين).

و الأوّل أجود،لأنّه يدلّ على حصول المدرك،كما تقول لما تراه حاضرا:حسن و اللّه،أي هذا حسن.

(5:195)

نحوه الميبديّ.(4:89)

الزّمخشريّ: (سورة التّوبة)لها عدّة أسماء:براءة، التّوبة،المقشقشة،المبعثرة،المشرّدة،المخزية، الفاضحة،المثيرة،الحافرة،المنكلة،المدمدمة،سورة العذاب،لأنّ فيها التّوبة على المؤمنين،و هي تقشقش من النّفاق،أي تبرئ منه،و تبعثر عن أسرار المنافقين، تبحث عنها و تثيرها،و تحفر عنها و تفضحهم،و تنكلهم و تشرّد بهم و تخزيهم و تدمدم عليهم.و عن حذيفة رضي اللّه عنه:إنّكم تسمّونها سورة التّوبة و إنّما هي سورة العذاب،و اللّه ما تركت أحدا إلاّ نالت منه.

فإن قلت:هلاّ صدّرت بآية التّسمية كما في سائر السّور؟

قلت:سأل عن ذلك ابن عبّاس عثمان رضي اللّه عنهما فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا نزلت عليه السّورة أو الآية قال:اجعلوها في الموضع الّذي يذكر فيه كذا و كذا،و توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يبيّن لنا أين نضعها، و كانت قصّتها شبيهة بقصّتها،فلذلك قرنت بينهما، و كانتا تدعيان القرينتين.

و عن أبيّ بن كعب:إنّما توهّموا ذلك،لأنّ في الأنفال ذكر العهود و في براءة نبذ العهود.

و سئل ابن عيينة رضي اللّه عنه،فقال:اسم اللّه سلام و أمان،فلا يكتب في النّبذ و المحاربة،قال اللّه تعالى:

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً النّساء:94.

قيل:فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد كتب إلى أهل الحرب بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

قال:إنّما ذلك ابتداء يدعوهم و لم ينبذ إليهم،أ لا تراه يقول:«سلام على من اتّبع الهدى».فمن دعي إلى اللّه عزّ و جلّ فأجاب،و دعي إلى الجزية فأجاب،فقد اتّبع الهدى،و أمّا«النّبذ»فإنّما هو البراءة و اللّعنة.و أهل الحرب لا يسلم عليهم،و لا يقال:لا تفرق و لا تخف

ص: 102

و مترس (1)،و لا بأس هذا أمان كلّه.

و قيل:سورة الأنفال و التّوبة سورة واحدة كلتاهما نزلت في القتال،تعدّان السّابعة من الطّول و هي سبع، و ما بعدها المئون.و هذا قول ظاهر،لأنّهما معا مائتان و ستّ،فهما بمنزلة إحدى الطّول.

و قد اختلف أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال بعضهم:

الأنفال و براءة سورة واحدة،و قال بعضهم:هما سورتان،فتركت بينهما فرجة لقول من قال:هما سورتان،و تركت بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لقول من قال هما سورة واحدة.

(براءة)خبر مبتدإ محذوف،أي هذه براءة،و(من) لابتداء الغاية متعلّق بمحذوف و ليس بصلة،كما في قولك:برئت من الدّين.و المعنى هذه براءة واصلة من اللّه و رسوله إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ كما يقال:كتاب من فلان إلى فلان.

و يجوز أن يكون(براءة)مبتدأ لتخصيصها بصفتها، و الخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ، كما تقول:رجل من بني تميم في الدّار.

و قرئ (براءة) بالنّصب على:اسمعوا براءة.

فإن قلت:لم علّقت البراءة باللّه و رسوله و المعاهدة بالمسلمين؟

قلت:قد أذن اللّه في معاهدة المشركين أوّلا،فاتّفق المسلمون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عاهدوهم؛فلمّا نقضوا العهد أوجب اللّه تعالى النّبذ إليهم،فخوطب المسلمون بما تجدّد من ذلك،فقيل لهم:اعلموا أنّ اللّه و رسوله قد برءا ممّا عاهدتم به المشركين.(2:171)

ابن عطيّة: تفسير سورة براءة:و تسمّى سورة التّوبة،قاله حذيفة و غيره،و تسمّى الفاضحة،قاله ابن عبّاس،و تسمّى الحافرة،لأنّها حفرت عن قلوب المنافقين.

قال ابن عبّاس: ما زال ينزل:و منهم و منهم حتّى ظنّ أنّه لا يبقى أحد.

و قال حذيفة: هي سورة العذاب،قال ابن عمر:كنّا ندعوها المقشقشة،قال الحارث بن يزيد:كانت تدعى المبعثرة،و يقال لها:المثيرة،و يقال لها:البحوث،و قال أبو مالك الغفاريّ:أوّل آية نزلت من براءة: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً التّوبة:41،و قال سعيد بن جبير:كانت براءة مثل سورة البقرة في الطّول.

و اختلف-لم سقط سطر بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من أوّلها،فقال عثمان بن عفّان:أشبهت معانيها معاني الأنفال،و كانت تدعى القرينتين في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فلذلك قرنت بينهما،و لم أكتب بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و وضعتها في السّبع الطّول،و قال عليّ بن أبي طالب لابن عبّاس رضي اللّه عنهما: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمان و بشارة،و(براءة)نزلت بالسّيف و نبذ العهود،فلذلك لم تبدأ بالأمان.

و يعزى هذا القول للمبرّد و هو لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،و هذا كما يبدأ المخاطب الغاضب:«أمّا بعد»دون تقريظ و لا استفتاح بتبجيل.

و روي أنّ كتبة المصحف في مدّة عثمان اختلفوا فيه.

ص: 103


1- كذا في المتن.و هو فارسيّ أي لا تخف.و الزّمخشريّ تكلّم هنا بلغته.

الأنفال و براءة،هل هي سورة واحدة أو هما سورتان؟ فتركوا فصلا بينهما،مراعاة لقول من قال:هما سورتان، و لم يكتبوا، بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مراعاة لقول من قال منهم:هما واحدة،فرضي جميعهم بذلك.

و هذا القول يضعّفه النّظر أن يختلف في كتاب اللّه هكذا.

و روي عن أبيّ بن كعب أنّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يأمرنا بوضع بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أوّل كلّ سورة،و لم يأمرنا في هذا بشيء،فلذلك لم نضعه نحن.

و روي عن مالك أنّه قال:بلغنا أنّها كانت نحو سورة البقرة،ثمّ نسخ و رفع كثير منها و فيه البسملة،فلم يروا بعد أن يضعوه في غير موضعه،و سورة براءة من آخر ما نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و حكى عمران بن جدير: أنّ أعرابيّا سمع سورة براءة،فقال:أظنّ هذه من آخر ما أنزل اللّه على رسوله، فقيل له:لم تقول ذلك؟فقال:أرى أشياء تنقص و عهودا تنبذ.(3:3)

الطّبرسيّ: أسماؤها عشرة:

سورة براءة: سمّيت بذلك لأنّها مفتتحة بها،و نزلت بإظهار البراءة من الكفّار.

التّوبة: سمّيت بذلك لكثرة ما فيها من التّوبة،كقوله:

وَ يَتُوبُ اللّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ التّوبة:15، فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ التّوبة:74، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ التّوبة:118.

الفاضحة: عن سعيد بن جبير قال:قلت لابن عبّاس:سورة التّوبة،فقال:تلك الفاضحة،ما زال ينزل حتّى خشينا أن لا يبقى منهم أحد إلاّ ذكر،و سمّيت بذلك،لأنّها فضحت المنافقين بإظهار نفاقهم.

المبعثرة: عن ابن عبّاس أيضا،سمّاها بذلك لأنّها تبعثر عن أسرار المنافقين،أي تبحث عنها.

المقشقشة: عن ابن عبّاس،سمّاها بذلك لأنّها تبرّئ من آمن بها من النّفاق و الشّرك،لما فيها من الدّعاء إلى الإخلاص.و في الحديث كان يقال لسورتي قل يا أيّها الكافرون و قل هو اللّه احد:المقشقشتان.

سمّيتا بذلك لأنّهما تبرّئان من الشّرك و النّفاق،يقال:

قشقشه،إذا برّأه.و تقشقش المريض من علّته،إذا أفاق و برئ منها.

البحوث: عن أبي أيّوب الأنصاريّ،سمّاها بذلك، لأنّها تتضمّن ذكر المنافقين،و البحث عن سرائرهم.

المدمدمة: عن سفيان بن عيينة،أي المهلكة،و منه قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ الشّمس:14.

الحافرة: عن الحسن،لأنّها حفرت عن قلوب المنافقين ما كانوا يسترونه.

المثيرة: عن قتادة،لأنّها أثارت مخازيهم و مقابحهم.

سورة العذاب: عن حذيفة بن اليمان،لأنّها نزلت بعذاب الكفّار.و روى عاصم عن زرّ بن حبيش عن حذيفة،قال:يسمّونها سورة التّوبة و هي سورة العذاب، فهذه عشرة أسماء.(3:1)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:ما السّبب في إسقاط التّسمية من أوّلها؟

قلنا:ذكروا فيه وجوها:

الوجه الأوّل:روي عن ابن عبّاس قال:قلت

ص: 104

لعثمان ابن عفّان:ما حملكم على أن عمدتم إلى سورة براءة و هي من المئين،و إلى سورة الأنفال و هي من المثاني،فقرنتم بينهما،و ما فصلتم ب بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فقال:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كلّما نزلت عليه سورة يقول:

«ضعوها في موضع كذا»و كانت براءة من آخر القرآن نزولا.فتوفّى صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يبيّن موضعها،و كانت قصّتها شبيهة بقصّتها فقرن بينهما.

قال القاضي: يبعد أن يقال:إنّه عليه السّلام لم يبيّن كون هذه السّورة تالية لسورة الأنفال،لأنّ القرآن مرتّب من قبل اللّه تعالى و من قبل رسوله،على الوجه الّذي نقل.

و لو جوّزنا في بعض السّور أن لا يكون ترتيبها من اللّه على سبيل الوحي،لجوّزنا مثله في سائر السّور،و في آيات السّورة الواحدة،و تجويزه يطرف ما يقوله الإماميّة:من تجويز الزّيادة و النّقصان في القرآن(1)؛ و ذلك يخرجه من كونه حجّة.

بل الصّحيح أنّه عليه السّلام أمر بوضع هذه السّورة بعد سورة الأنفال وحيا،و أنّه عليه السّلام حذف بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من أوّل هذه السّورة وحيا.

الوجه الثّاني:في هذا الباب ما يروى عن أبيّ بن كعب أنّه قال:إنّما توهّموا ذلك،لأنّ فى الأنفال ذكر العهود،و في براءة نبذ العهود،فوضعت إحداهما بجنب الأخرى.و السّؤال المذكور عائد هاهنا،لأنّ هذا الوجه إنّما يتمّ إذا قلنا:إنّهم إنّما وضعوا هذه السّورة بعد الأنفال من قبل أنفسهم،لهذه العلّة.

الوجه الثّالث:أنّ الصّحابة اختلفوا في أنّ سورة الأنفال و سورة التّوبة سورة واحدة أم سورتان؟

فقال بعضهم:هما سورة واحدة،لأنّ كلتيهما نزلت في القتال،و مجموعهما هذه السّورة السّابعة من الطّوال و هي سبع،و ما بعدها المئون.و هذا قول ظاهر،لأنّهما معا مائتان و ستّ آيات،فهما بمنزلة سورة واحدة.

و منهم من قال:هما سورتان،فلمّا ظهر الاختلاف بين الصّحابة في هذا الباب،تركوا بينهما فرجة،تنبيها على قول من يقول:هما سورتان؛و ما كتبوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بينهما،تنبيها على قول من يقول:هما سورة واحدة.

و على هذا القول لا يلزمنا تجويز مذهب الإماميّة؛ و ذلك لأنّه لمّا وقع الاشتباه في هذا المعنى بين الصّحابة، لم يقطعوا بأحد القولين،و عملوا عملا يدلّ على أنّ هذا الاشتباه كان حاصلا،فلمّا لم يتسامحوا بهذا القدر من الشّبهة،دلّ على أنّهم كانوا مشدّدين في ضبط القرآن عن التّحريف و التّغيير،و ذلك يبطل قول الإماميّة(2).

الوجه الرّابع في هذا الباب:أنّه تعالى ختم سورة الأنفال بإيجاب أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضا،و أن يكونوا منقطعين عن الكفّار بالكلّيّة،ثمّ إنّه تعالى صرّح بهذا المعنى في قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ فلمّا كان هذا عين ذلك الكلام و تأكيدا له و تقريرا له،لزم وقوع الفاصل بينهما،فكان إيقاع الفصل بينهما تنبيها على كونهما سورتين متغايرتين،و ترك كتب بِسْمِ اللّهِ

ص: 105


1- نسبة التّحريف إلى جميع الإماميّة افتراء عليهم، إنّما ذهب إليه شاذّة من الأخباريّة انقرضت،و خالفها جمهور الإماميّة قديما و حديثا.لاحظ المدخل.
2- نسبة التّحريف إلى جميع الإماميّة افتراء عليهم، إنّما ذهب إليه شاذّة من الأخباريّة انقرضت،و خالفها جمهور الإماميّة قديما و حديثا.لاحظ المدخل.

اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بينهما،تنبيها على أنّ هذا المعنى هو عين ذلك المعنى.

الوجه الخامس:ما نقل عن عليّ عليه السّلام.[و قد تقدّم في قولي الزّمخشريّ و ابن عطيّة]

الوجه السّادس:قال أصحابنا:لعلّ اللّه تعالى لمّا علم من بعض النّاس أنّهم يتنازعون في كون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من القرآن،أمر بأن لا تكتب هاهنا، تنبيها على كونها آية من أوّل كلّ سورة،و أنّها لمّا لم تكن آية من هذه السّورة لا جرم لم تكتب،و ذلك يدلّ أنّها لمّا كتبت في أوّل سائر السّور،وجب كونه آية من كلّ سورة.

فإن قالوا:ما السّبب في أنّ نسب«البراءة»إلى اللّه و رسوله،و نسب«المعاهدة»إلى المشركين؟

قلنا:قد أذن اللّه في معاهدة المشركين،فاتّفق المسلمون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و عاهدهم،ثمّ إنّ المشركين نقضوا العهد،فأوجب اللّه النّبذ إليهم، فخوطب المسلمون بما يحذّرهم من ذلك،و قيل:اعلموا أنّ اللّه و رسوله قد برءا ممّا عاهدتم من المشركين.

(15:215-217)

القرطبيّ: (براءة)تقول:برئت من الشّيء أبرأ براءة فأنا منه بريء،إذا أزلته عن نفسك،و قطعت سبب ما بينك و بينه.و(براءة)رفع على خبر ابتداء مضمر، تقديره:هذه براءة.و يصحّ أن ترفع بالابتداء،و الخبر في قوله:(الى الّذين).و جاز الابتداء بالنّكرة،لأنّها موصوفة،فتعرّفت تعريفا ما،و جاز الإخبار عنها.

و قرأ عيسى بن عمر (براءة) بالنّصب،على تقدير:

التزموا براءة،ففيها معنى الإغراء.و هى مصدر على «فعالة»كالشّناءة و الدّناءة.(8:63)

الآلوسيّ: عن قتادة و غيره:أنّها مع الأنفال سورة واحدة،و لهذا لم تكتب بينهما«البسملة»،و قيل في وجه عدم كتابتها:إنّ الصّحابة رضي اللّه تعالى عنهم اختلفوا في كونها سورة أو بعض سورة،ففصلوا بينها و بين الأنفال رعاية لمن يقول:هما سورتان،و لم يكتبوا «البسملة»رعاية لمن يقول:هما سورة واحدة.

و الحقّ أنّهما سورتان إلاّ أنّهم لم يكتبوا«البسملة» بينهما،لما رواه أبو الشّيخ و ابن مردويه،عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه:من أنّ البسملة أمان،و براءة نزلت بالسّيف.و مثله عن محمّد بن الحنفيّة و سفيان بن عيينة،و مرجع ذلك إلى أنّها لم تنزل في هذه السّورة كأخواتها لما ذكر،و يؤيّد القول بالاستقلال تسميتها بما مرّ.

و اختار الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في«فتوحاته»:

أنّهما سورة واحدة،و أنّ التّرك لذلك.قال في الباب الحادي و الثّلاثمائة بعد كلام:

و أمّا سورة التّوبة فاختلف النّاس فيها،هل هي سورة مستقلّة كسائر السّور؟أو هل هي و سورة الأنفال سورة واحدة؟فإنّه لا يعرف كمال السّورة إلاّ بالفصل بالبسملة،و لم تجئ هنا،فدلّ على أنّها من سورة الأنفال، و هو الأوجه.و إن كان لتركها وجه،و هو عدم المناسبة بين الرّحمة و التّبرّي،و لكن ما له تلك القوّة،بل هو وجه ضعيف.

و سبب ضعفه أنّه في الاسم«اللّه»من البسملة

ص: 106

ما يطلبه،و البراءة إنّما هي من الشّريك لا من المشرك.

فإنّ الخالق كيف يتبرّأ من المخلوق،و لو تبرّأ منه من كان يحفظ وجوده عليه.و الشّريك معدوم،فتصحّ البراءة منه،فهي صفة تنزيه،و تنزيه اللّه تعالى من الشّريك و الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم من اعتقاد الجهل.

و وجه آخر من ضعف هذا التّأويل الّذي ذكرناه، و هو أنّ«البسملة»موجودة في أوّل سورة وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ الهمزة:1،و وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ المطفّفين:1، و أين«الرّحمة»من«الويل»انتهى.

و قد يقال:كون البراءة من الشّريك غير ظاهر من آيتها أصلا،و ستعلم إن شاء اللّه تعالى المراد منها.

و ما ذكره قدّس سرّه في الوجه الآخر من الضّعف قد يجاب عنه:بأنّ هذه السّورة لا تشبهها سورة،فإنّها ما تركت أحدا-كما قال حذيفة-إلاّ نالت منه و هضمته و بالغت في شأنه.أمّا المنافقون و الكافرون فظاهر،و أمّا المؤمنون ففي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ إلى وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ التّوبة:23،24،و هو من أشدّ ما يخاطب به المخالف فكيف بالموافق،و ليس في سورة«ويل»و لا في سورة«تبّت»و لا و لا،و لو سلم اشتمال سورة على نوع ما اشتملت عليه،لكنّ الامتياز بالكمّيّة و الكيفيّة ممّا لا سبيل لإنكاره،و لذلك تركت فيها«البسملة»على ما أقول.

و الاسم الجليل و إن تضمّن القهر الّذي يناسب ما تضمّنه السّورة،لكنّه متضمّن غير ذلك أيضا،مع اقترانه صريحا بما لم يتضمّنا سوى الرّحمة،و ليس المقصود هنا إلاّ إظهار صفة القهر.و لا يتأتّى ذلك مع الافتتاح بالبسملة،و لو سلم خلوص الاسم الجليل له.

نعم إنّه سبحانه لم يترك عادته في افتتاح السّور هنا بالكلّيّة؛حيث افتتح هذه السّورة بالباء،كما افتتح غيرها بها في ضمن البسملة،و إن كانت«باء»البسملة كلمة و«باء»هذه السّورة جزء كلمة،و ذلك لسرّ دقيق يعرفه أهله،هذا.

و نقل عن السّخاويّ أنّه قال في«جمال القرّاء»:

اشتهر ترك التّسمية في أوّل براءة،و روي عن عاصم:

التّسمية أوّلها.و هو القياس،لأنّ إسقاطها إمّا لأنّها نزلت بالسّيف،أو لأنّهم لم يقطعوا بأنّها سورة مستقلّة بل من الأنفال.و لا يتمّ الأوّل لأنّه مخصوص بمن نزلت فيه، و نحن إنّما نسمّي للتّبرّك،أ لا ترى أنّه يجوز بالاتّفاق:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ الآية و نحوها،و إن كان التّرك[أولى]لأنّها ليست مستقلّة؛فالتّسمية في أوّل الأجزاء جائزة،و روي ثبوتها في مصحف ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه.

و ذهب ابن منادر إلى قراءتها،و في«الإقناع» جوازها.و الحقّ استحباب تركها؛حيث إنّها لم تكتب في الإمام،و لا يقتدى بغيره.

و أمّا القول بحرمتها و وجوب تركها-كما قاله بعض المشايخ الشّافعيّة-فالظّاهر خلافه،و لا أرى في الإتيان بها بأسا لمن شرع في القراءة،من أثناء السّورة،و اللّه تعالى أعلم.(10:41)

القاسميّ: [عدّ لهذه السّورة عشرة أسماء،مثل ما تقدّم عن الطّبرسيّ،و أضاف أربعة أسماء أخرى.]

ص: 107

المنقرة: أخرجه أبو الشّيخ عن عبيد بن عمير، لأنّها نقرت عمّا في قلوب المشركين،أي بحثت.

المخزية.

المنكلة: أي المعاقبة لهم.

المشرّدة: أي الطّاردة لهم،و المفرّقة جمعهم.

و ليس في السّور أسماء أكثر منها و من الفاتحة.

(8:3061)

مجمع اللّغة: أي قطع للعصمة،و رفع للأمان، و خروج من العهود؛بسبب ما وقع من الكفّار من نقض للعهد.(1:88)

عبد الكريم الخطيب: و البراءة من الشّيء و التّبرّؤ منه،هو مجافاته و قطع الصّلة به،و اللّه سبحانه و تعالى إنّما يبرأ من المشركين،لأنّهم برءوا منه.و معنى براءته سبحانه و تعالى منهم،طردهم من رحمته، و تركهم للأهواء و الضّلالات المتسلّطة عليهم.

أمّا براءة رسول اللّه منهم،فهي قطع العلاقة الّتي كانت قائمة بينه و بينهم،بحكم العهود الّتي كانت معقودة بين النّبيّ و بين المشركين؛فإذ قد برئ اللّه منهم، و طردهم من مواقع رحمته،فقد وجب على النّبيّ أن يقطع كلّ صلة بهم؛إذ كانوا حربا على اللّه،و على دين اللّه،و على رسول اللّه،و على المؤمنين.(5:695)

برّأه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا وَ كانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيهاً.

الأحزاب:69

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى أحيا هارون فأخبرهم أنّه لم يقتله (1)،ثمّ مات.(القرطبيّ 14:

251)

الطّبريّ: [تقدّم الكلام و الأقوال في«أذي» فراجع]

البروسويّ: أصل البراءة:التّفصّي ممّا تكره مجاورته،أي فأظهر براءة موسى عليه السّلام ممّا قالوا في حقّه، أي من مضمونه و مؤدّاه الّذي هو الأمر المعيب،فإنّ البراءة تكون من العيب لا من القول،و إنّما الكائن من القول التّخلّص.(7:246)

الآلوسيّ: أي من قولهم،أو الّذي قالوه.و أيّا ما كان فالقول هنا بمعنى المقول،و المراد به مدلوله الواقع في الخارج.

و بتبرئة اللّه تعالى إيّاه من ذلك إظهار براءته عليه السّلام منه،و كذبهم فيما أسندوا إليه،لأنّ المرتّب على أذاهم ظهور براءته لا براءته،لأنّها مقدّمة عليه،و استعمال الفعل مجازا عن إظهاره،و المقول بمعنى«المضمون»كثير شائع.

فالمعنى فأظهر اللّه تعالى براءته من الأمر المعيب الّذي نسبوه إليه عليه السّلام.

و قيل:لا حاجة إلى ما ذكر،فإنّه تعالى لمّا أظهر براءته عمّا افتروه عليه،انقطعت كلماتهم فيه،فبرئ من قولهم.

على أنّ(برّأه)بمعنى خلّصه من قولهم،لقطعه عنه، و تعقّب بأنّه مع تكلّفه،لأنّ قطع قولهم ليس مقصودا

ص: 108


1- أي لم يقتله موسى عليه السّلام.

بالذّات بل المراد انقطاعه لظهور خلافه،لا بدّ من ملاحظة ما ذكر.(22:94)

الطّباطبائيّ: وَ كانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيهاً أي ذا جاه و منزلة،و الجملة مضافا إلى اشتمالها على التّبرئة إجمالا، تعلّل تبرئته تعالى له.

و للآية و ما بعدها نوع اتّصال بالآيات النّاهية عن إيذاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(16:347)

ابرّئ

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ. يوسف:53

ابن عبّاس: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:52،فقال له جبرئيل:و لا يوم هممت بما هممت؟

فقال: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ. (الطّبريّ 13:1)

نحوه سعيد بن جبير،و الحسن،و أبو صالح،و قتادة، و عكرمة.(الطّبريّ 13:2)

الحسن: لمّا قال يوسف: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:52،كره نبيّ اللّه أن يكون قد زكّى نفسه،فقال: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي لأنّ تزكية النّفس مذمومة،قال اللّه تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ النّجم:

32.(القرطبيّ 9:210)

ابن جريج: [بعد الاستدلال بأنّه من كلام يوسف عليه السّلام قال:]

في الكلام تقديم و تأخير،و هذا الكلام متّصل بقول يوسف: إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يوسف:50.

(أبو حيّان 5:317)

الجبّائيّ: هو من كلام امرأة العزيز،أي ما أبرّئ نفسي عن السّوء و الخيانة في أمر يوسف.

(الطّبرسيّ 3:241)

الطّبريّ: يقول يوسف صلوات اللّه عليه:

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الخطأ و الزّلل فأزكّيها.

(13:3)

الطّوسيّ: هذا إخبار عمّا قال يوسف على وجه التّواضع للّه:لست أبرّئ نفسي من السّوء-و التّبرئة:

إزالة الشّيء عمّا كان لازما له-لأنّ النّفس أمّارة بالسّوء، أى تنازع إلى السّوء،فلست أبرّئ نفسي من ذلك،و إن كنت لا أطاوعها فيما نازعت إليه.[إلى أن قال:]

و أكثر المفسّرين على أنّ هذا من قول يوسف.و قال أبو عليّ الجبّائيّ هو من كلام المرأة.(6:155)

الميبديّ:أي ما أزكّي نفسي عن الهمّ.(5:84)

الزّمخشريّ: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي من الزّلل، و ما أشهد لها بالبراءة الكلّيّة و لا أزكّيها.و لا يخلو إمّا أن يريد في هذه الحادثة لما ذكرنا من الهمّ الّذي هو ميل النّفس،عن طريق الشّهوة البشريّة،لا عن طريق القصد و العزم،و إمّا أن يريد عموم الأحوال.

و قيل:هو من كلام امرأة العزيز،أي ذلك الّذي قلت ليعلم يوسف أنّي لم أخنه،و لم أكذب عليه في حال الغيبة،و جئت بالصّحيح و الصّدق فيما سئلت عنه.و ما أبرّئ نفسي مع ذلك من الخيانة،فإنّي قد خنته حين قرفته،و قلت: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ يوسف:25،و أودعته السّجن:تريد الاعتذار ممّا كان منها،إنّ كلّ نفس لأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي.

ص: 109

و قيل:هو من كلام امرأة العزيز،أي ذلك الّذي قلت ليعلم يوسف أنّي لم أخنه،و لم أكذب عليه في حال الغيبة،و جئت بالصّحيح و الصّدق فيما سئلت عنه.و ما أبرّئ نفسي مع ذلك من الخيانة،فإنّي قد خنته حين قرفته،و قلت: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ يوسف:25،و أودعته السّجن:تريد الاعتذار ممّا كان منها،إنّ كلّ نفس لأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي.

فإن قلت:كيف صحّ أن يجعل من كلام يوسف و لا دليل على ذلك؟

قلت:كفى بالمعنى دليلا قائدا إلى أن يجعل من كلامه، و نحوه قوله: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ الأعراف:109، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ الشّعراء:35،و هو من كلام فرعون يخاطبهم و يستشيرهم.

و عن ابن جريج: هذا من تقديم القرآن و تأخيره، ذهب إلى أنّ ذلِكَ لِيَعْلَمَ يوسف:52،متّصل بقوله:

فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يوسف:

50.

و لقد لفّقت المبطلة روايات مصنوعة،فزعموا أنّ يوسف حين قال: أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:52، قال له جبرئيل:و لا حين هممت بها،و قالت له امرأة العزيز:و لا حين حللت تكّة سراويلك يا يوسف؟و ذلك لتهالكهم على بهت اللّه و رسله.(2:327،328)

الطّبرسيّ:هذا من كلام يوسف عند أكثر المفسّرين.(3:241)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ تفسير هذه الآية يختلف بحسب اختلاف ما قبلها،لأنّا إن قلنا:إنّ قوله: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:52،كلام يوسف، كان هذا أيضا من كلام يوسف،و إن قلنا:إنّ ذلك من تمام كلام المرأة،كان هذا أيضا كذلك،و نحن نفسّر هذه الآية على كلا التّقديرين.

أمّا إذا قلنا:إنّ هذا كلام يوسف عليه السّلام،فالحشويّة تمسّكوا به،و قالوا:إنّه عليه السّلام لمّا قال: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ، قال جبرئيل عليه السّلام:و لا حين هممت بفكّ سراويلك،فعند ذلك قال يوسف: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ أي بالزّنى.

و اعلم أنّ هذا الكلام ضعيف،فإنّا بيّنّا أنّ الآية المتقدّمة برهان قاطع على براءته عن الذّنب.

بقي أن يقال:فما جوابكم عن هذه الآية؟فنقول:فيه وجهان:

الوجه الأوّل:أنّه عليه السّلام لمّا قال: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ كان ذلك جاريا مجرى مدح النّفس و تزكيتها،و قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ النّجم:

32،فاستدرك ذلك على نفسه بقوله: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي و المعنى و ما أزكّي نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء،ميّالة إلى القبائح،راغبة في المعصية.

و الوجه الثّاني في الجواب:أنّ الآية لا تدلّ البتّة على شيء ممّا ذكروه،و ذلك لأنّ يوسف عليه السّلام لمّا قال: أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ بيّن أنّ ترك الخيانة ما كان لعدم الرّغبة و لعدم ميل النّفس و الطّبيعة،لأنّ النّفس أمّارة بالسّوء، و الطّبيعة توّاقة إلى اللّذّات،فبيّن بهذا الكلام أنّ التّرك ما كان لعدم الرّغبة،بل لقيام الخوف من اللّه تعالى.

أمّا إذا قلنا:إنّ هذا الكلام من بقيّة كلام المرأة،ففيه وجهان:

الأوّل:و ما أبرّئ نفسي عن مراودته،و مقصودها تصديق يوسف عليه السّلام،في قوله: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي.

ص: 110

الثّاني:أنّها لمّا قالت: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قالت:و ما أبرّئ نفسي عن الخيانة مطلقا،فإنّي قد خنته حين قد أحلت الذّنب عليه،و قلت: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يوسف:25،و أودعته السّجن،كأنّها أرادت الاعتذار ممّا كان.

فإن قيل:جعل هذا الكلام كلاما ليوسف أولى أم جعله كلاما للمرأة؟

قلنا:جعله كلاما ليوسف مشكل،لأنّ قوله:

قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:

51،كلام موصول بعضه ببعض إلى آخره،فالقول بأنّ بعضه كلام المرأة و البعض كلام يوسف مع تخلّل الفواصل الكثيرة بين القولين و بين المجلسين بعيد.

و أيضا جعله كلاما للمرأة مشكل أيضا،لأنّ قوله:

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي كلام لا يحسن صدوره إلاّ ممّن احترز عن المعاصي،ثمّ يذكر هذا الكلام على سبيل كسر النّفس، و ذلك لا يليق بالمرأة الّتي استفرغت جهدها في المعصية.

(18:156)

القرطبيّ: قوله تعالى: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي قيل:

هو من قول المرأة.و قال القشيريّ:فالظّاهر أنّ قوله:

ذلِكَ لِيَعْلَمَ و قوله: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي من قول يوسف.

قلت:إذا احتمل أن يكون من قول المرأة،فالقول به أولى،حتّى نبرّئ يوسف من حلّ الإزار و السّراويل.

و إذا قدّرناه من قول يوسف،فيكون ممّا خطر بقلبه، على ما قدّمناه من القول المختار في قوله: وَ هَمَّ بِها.

قال أبو بكر الأنباريّ: من النّاس من يقول: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ إلى قوله: إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ يوسف:51،53،من كلام امرأة العزيز،لأنّه متّصل بقولها: أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ يوسف:51،و هذا مذهب الّذين ينفون الهمّ عن يوسف عليه السّلام.

فمن بنى على قولهم قال:من قوله: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ إلى قوله: إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ يوسف:52، 53،كلام متّصل بعضه ببعض،و لا يكون فيه وقف تامّ على حقيقة.و لسنا نختار هذا القول،و لا نذهب إليه.

[و بعد نقل قول الحسن قال:]

و قيل:هو من قول العزيز،أي و ما أبرّئ نفسي من سوء الظّنّ بيوسف.(9:209)

البيضاويّ: أي لا أنزّهها،تنبيها على أنّه لم يرد بذلك تزكية نفسه و العجب بحاله،بل إظهار ما أنعم اللّه عليه من العصمة و التّوفيق.(1:499)

أبو حيّان: الظّاهر أنّ هذا من كلام امرأة العزيز، و هو داخل تحت قوله:(قالت).و المعنى ذلك الإقرار و الاعتراف بالحقّ ليعلم يوسف أنّي لم أخنه في غيبته و الذّبّ عنه،و أرميه بذنب هو منه بريء.ثمّ اعتذرت عمّا وقعت فيه ممّا يقع فيه البشر من الشّهوات، بقولها: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي و النّفوس مائلة إلى الشّهوات أمّارة بالسّوء.

و من ذهب إلى أنّ قوله: ذلِكَ لِيَعْلَمَ إلى آخره من كلام يوسف،يحتاج إلى تكلّف ربط بينه و بين

ص: 111

ما قبله،و لا دليل يدلّ على أنّه من كلام يوسف.[و ذكر قول ابن جريج ثمّ قال:]

و على هذا فالإشارة بقوله:(ذلك)إلى إلقائه في السّجن و التماسه البراءة،أي هذا ليعلم سيّدي أنّي لم أخنه.

و قال بعضهم: إنّما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها إلى قولها: وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ يوسف:51،فالإشارة على هذا إلى قولها،و صنع اللّه فيه.

و هذا يضعف،لأنّه يقتضي حضوره مع النّسوة عند الملك،فكيف يقول الملك بعد ذلك اِئْتُونِي بِهِ يوسف:50.(5:317)

البروسويّ: من كلام يوسف عليه السّلام،أي لا أنزّهها عن السّوء و لا أشهد لها بالبراءة الكلّيّة،قاله تواضعا للّه تعالى و هضما لنفسه الكريمة،لا تزكية لها و عجبا بحاله في الأمانة.و من هذا القبيل قوله عليه السّلام:«أنا سيّد ولد آدم و لا فخر لي»،أو تحديثا بنعمة اللّه تعالى عليه في توفيقه و عصمته،أي لا أنزّهها عن السّوء من حيث هي هي، و لا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها،من غير توفيق من اللّه تعالى.(4:274)

الآلوسيّ: [قال نحو البروسويّ و أضاف:]

و قيل:إنّه أشار بذلك إلى أنّ عدم التّعرّض لم يكن لعدم الميل الطّبيعيّ بل لخوف اللّه تعالى.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين الّذين يقولون:إنّه من كلام يوسف إلى أن قال:]

و الزّمخشريّ جعل ذلك و ما أشبهه من تلفيق المبطلة و بهتهم على اللّه تعالى و رسوله،و ارتضاه،و هو الحريّ بذلك.(13:2)

الطّباطبائيّ: تتمّة كلام يوسف عليه السّلام،و ذلك أنّ قوله: أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ كان لا يخلو من شائبة دعوى الحول و القوّة،و هو عليه السّلام من المخلصين المتوغّلين في التّوحيد،الّذين لا يرون لغيره تعالى حولا و لا قوّة، فبادر عليه السّلام إلى نفي الحول و القوّة عن نفسه،و نسبة ما ظهر منه من عمل صالح أو صفة جميلة إلى رحمة ربّه،و تسوية نفسه بسائر النّفوس الّتي هي بحسب الطّبع مائلة إلى الأهواء أمّارة بالسّوء،فقال: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي، فقوله هذا كقول شعيب عليهما السّلام: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ هود:88.

فقوله: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إشارة إلى قوله: أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:52،و أنّه لم يقل هذا القول بداعي تنزيه نفسه و تزكيتها بل بداعي حكاية رحمة من ربّه،و علّل ذلك بقوله: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ أي إنّ النّفس بطبعها تدعو إلى مشتهياتها من السّيّئات على كثرتها و وفورها،فمن الجهل أن تبرّأ من الميل إلى السّوء،و إنّما تكفّ عن أمرها بالسّوء و دعوتها إلى الشّرّ، برحمة من اللّه سبحانه تصرفها عن السّوء،و توفّقها لصالح العمل.(11:197)

المراغيّ: هذه الآية الكريمة من تتمّة إقرار امرأة العزيز،كما اختاره أبو حيّان في«البحر»و يؤيّده عطفه على ما قبله،و قد جعلت أوّل الجزء الثّالث عشر،لأنّ تقسيم القرآن إلى الأجزاء الثّلاثين قد لوحظ فيه مقادير

ص: 112

الكلم العدديّ (1)دون المعاني.

وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي أي و ما أبرّئ نفسي من دعوى عدم خيانتي إيّاه بالغيب،بعد أن وجّهت إليه اقتراف الذّنب،و قلت: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يوسف:25،و أودعته السّجن.

و عرف النّاس خاصّتهم و عامّتهم ذلك،و كأنّها بذلك تريد التّنصّل ممّا كان.(13:3)

عبد الكريم الخطيب: يجوز أن يكون هذا قد جرى على لسان امرأة العزيز،في موقفها من يوسف،بعد أن أعلنت على الملإ أنّها كانت كاذبة فيما تقوّلته عليه، و أنّه كان صادقا فيما قاله عنها،و أنّها هي الّتي راودته عن نفسه،و لم يراودها هو عن نفسها.

و هي هنا تؤكّد القول بأنّها متّهمة،و أنّها لا تجد ما تبرّئ به نفسها من هذا الذّنب الّذي ارتكبته في حقّ يوسف،إنّها قد ضعفت أمام نفسها الّتي سوّلت لها هذا المنكر،و إنّها ليست إلاّ بشرا،من شأنها أن تخطئ و تأثم، و إنّها ليست في عصمة من الخطأ.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون هذا من كلام يوسف،على اعتبار أنّ من قوله كذلك: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ أَنَّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ يوسف:52،كما أشرنا إلى ذلك من قبل،و أنّ هذا معطوف على ذاك ليقرّر به أنّه لا يبرّئ نفسه براءة مطلقة من هذا الأمر،و أنّه قد كان منه رغبة و همّ،و لكنّ اللّه عصمه و سلّمه.

و هذا الحديث إذا كان من يوسف،فإنّه يكون بينه و بين نفسه،معلّقا به على مجرى الأحداث من حوله.(7:3)

مبرّءون

اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ... النّور:26

مجاهد :أي الطّيّبون مبرّءون،أي منزّهون من الكلام الخبيث.(الطّبرسيّ 4:135)

الطّوسيّ: و إنّما قال:(مبرّءون)لأنّه ذكر صفة الجمع.و المبرّأ:المنزّه عن صفة الذّمّ،المنفيّ عنه صفة العيب،يقال:برّأه اللّه من كذا،إذا نفاه عنه،و اللّه تعالى يبرّئ المؤمنين من العيوب الّتي يضيفها إليهم أعداؤهم، و يفضح من يكذب عليهم.(7:424)

تبرّأ

1- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. البقرة:166

الطّوسيّ: التّبرّؤ:التّباعد للعداوة،فإذا قيل:تبرّأ اللّه من المشركين،معناه باعدهم من رحمته،و كذلك إذا تبرّأ الرّسول منهم،معناه باعدهم-للعداوة-عن منازل من لا يحبّ له الكراهة.

و التّبرّؤ-في أصل اللّغة-و التّزيّل،و التّفصّي نظائر.

و ضدّ التّبرّؤ:التّولّي.(2:65)

نحوه الطّبرسيّ.(1:250)

الزّمخشريّ: (اذ تبرّأ)بدل من إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ البقرة:165،أي تبرّأ المتبوعون،و هم

ص: 113


1- هذا الكلام محل تأمّل.

الرّؤساء من الأتباع.(1:326)

الفخر الرّازيّ: في قوله:(اذ تبرّأ)قولان:

الأوّل:أنّه بدل من إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ.

الثّاني:أنّ عامل الإعراب في(إذ)معنى(شديد)، كأنّه قال:هو شديد العذاب؛إذ تبرّأ،يعني في وقت التّبرّؤ.

ذكروا في تفسير«التّبرّؤ»وجوها:

أحدها:أن يقع منهم ذلك بالقول.

ثانيها:أن يكون نزول العذاب بهم،و عجزهم عن دفعهم عن أنفسهم،فكيف عن غيرهم فتبرّءوا.

ثالثها:أنّه ظهر فيهم النّدم على ما كان منهم من الكفر باللّه،و الإعراض عن أنبيائه و رسله،فسمّي ذلك النّدم تبرّؤا.و الأقرب هو الأوّل،لأنّه هو الحقيقة في اللّفظ.(4:237)

البروسويّ: بدل من(اذ يرون).

و أصل التّبرّي:التّخلّص،و يستعمل للتّفصّي و التّنصّل ممّا تكره مجاورته،و المعنى إذ تبرّأ الرّؤساء المتبوعون.(1:270)

2- ...فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ. التّوبة:114

الزّمخشريّ: إن قلت:فما معنى قوله: فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ؟

قلت:معناه فلمّا تبيّن له من جهة الوحي أنّه لن يؤمن و أنّه يموت كافرا و انقطع رجاؤه عنه،قطع استغفاره،فهو كقوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ التّوبة:113.(2:217)

الطّبرسيّ: ترك الدّعاء له،و هو المرويّ عن ابن عبّاس و مجاهد و قتادة.إلاّ أنّهم قالوا:إنّما تبيّن عداوته لمّا مات على كفره.(3:77)

البروسويّ: أي تنزّه عن الاستغفار له،و تجانب كلّ التّجانب.(3:522)

الآلوسيّ: أي قطع الوصلة بينه و بينه،و المراد:

تنزّه عن الاستغفار له و تجانب كلّ التّجانب،و فيه من المبالغة ما ليس في تركه و نظائره.(11:35)

البريّة

1- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ.

2- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. البيّنة:6،7

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أنت يا عليّ و شيعتك.(الطّبريّ 30:265)

يزيد بن شراحيل الأنصاريّ كاتب عليّ عليه السّلام قال:

سمعت عليّا عليه السّلام يقول:«قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا مسنده إلى صدري،فقال:يا عليّ أ لم تسمع قول اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ؟ هم شيعتك،و موعدي و موعدكم الحوض،إذا اجتمعت الأمم للحساب يدعون غرّا محجّلين».(العروسيّ 5:644)

قال الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ مبتدئا:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ

ص: 114

اَلْبَرِيَّةِ هم أنت و شيعتك و ميعادكم الحوض،إذا حشر النّاس جئت أنت و شيعتك شياعا مرويّين غرّا محجّلين».

(العروسيّ 5:645)

ابن عبّاس: نزلت في عليّ عليه السّلام،و أهل بيته.

(الطّبرسيّ 5:524)

الإمام الباقر عليه السّلام: خَيْرُ الْبَرِيَّةِ هم شيعتنا أهل البيت.(البحرانيّ 4:492)

عليّ بن الحكم عن طاهر،قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فأقبل جعفر عليه السّلام،فقال:هذا خير البريّة أو أخير.(العروسيّ 5:645)

الفرّاء: (البريّة)غير مهموز،إلاّ أنّ بعض أهل الحجاز همزها،كأنّه أخذها من قول اللّه جلّ و عزّ:

برأكم،و برأ الخلق.

و من لم يهمزها فقد تكون من هذا المعنى،ثمّ اجتمعوا على ترك همزها،كما اجتمعوا على:يرى و ترى و نرى.

و إن أخذت من«البرى»كانت غير مهموزة، و البرى:التّراب،سمعت العرب تقول:بفيه البرى، و حمّى خيبرا،و شرّ ما يرى فإنّه خيسرى.(3:282)

الطّبريّ: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ يقول جلّ ثناؤه:هؤلاء الّذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين، هم شرّ من برأه اللّه و خلقه.و العرب لا تهمز(البريّة) و بترك الهمز فيها قرأتها قرّاء الأمصار.غير شيء يذكر عن نافع بن أبي نعيم،فإنّه حكى بعضهم عنه:أنّه كان يهمزها،و ذهب بها إلى قول اللّه: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها الحديد:22،و أنّها«فعيلة»من ذلك.

و أمّا الّذين لم يهمزوها،فإنّ لتركهم الهمز في ذلك وجهين:

أحدهما:أن يكونوا تركوا الهمز فيها،كما تركوه من «الملك»و هو«مفعل»من:ألك أو لأك،و من:يرى، و ترى؛و نرى،و هو«يفعل»من:رأيت.

و الآخر:أن يكونوا وجّهوها إلى أنّها«فعيلة»من «البرى»و هو التّراب.حكي عن العرب سماعا:«بفيك البرى»يعني به التّراب.(30:264)

الزّجّاج: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ القراءة (الْبَرِيَّةِ) بترك الهمزة،و قد قرأ نافع (البريئة) بالهمز.و القرّاء غيره مجمعون على ترك الهمز،كما أجمعوا في«النّبيّ».

و الأصل:البريئة،إلاّ أنّ الهمزة خفّفت لكثرة الاستعمال.يقولون:هذا خير البريّة و شرّ البريّة،و ما في البريّة مثله.و اشتقاقه من برأ اللّه الخلق.

و قال بعضهم: جائز أن يكون اشتقاقها من«البرى» و هو التّراب.و لو كان كذلك لما قرءوا (البريئة) بالهمز، و الكلام:برأ اللّه الخلق يبرؤهم،و لم يحك أحد:براهم يبريهم،فيكون اشتقاقه من«البرى»و هو التّراب.

(5:350)

نحوه الميبديّ.(10:570)

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن عامر: (خير البريئة) و (شرّ البريئة) بالهمز.و حجّتهما أنّه من:برأ اللّه الخلق يبرؤهم برءا،و اللّه البارئ،و الخلق يبرءون.و البريئة «فعيلة»بمعنى«مفعولة»كقولك:قتيل بمعنى مقتول.

و قرأ الباقون: خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بغير همز،و هو من:

برأ اللّه الخلق،إلاّ أنّهم خفّفوا الهمزة لكثرة الاستعمال، يقولون:هذا خير البريّة و شرّ البريّة،و إن كان

ص: 115

الأصل الهمز.(769)

الطّوسيّ: أي هم أحسنهم حالة.و إنّما أطلق بأنّهم خير البريّة،لأنّ(البريّة)هم الخلق.و لا يخلو أن لا يكونوا مكلّفين،فالمؤمن خير منهم لا محالة و إن كانوا مكلّفين.فأمّا أن يكونوا مؤمنين أو كافرين أو مستضعفين،فالمؤمن خيرهم أيضا،لا محالة،بما معه من الثّواب.(10:391)

ابن عطيّة: و(البريّة):جميع الخلق،لأنّ اللّه تعالى برأهم،أو أوجدهم بعد العدم.

و قرأ نافع و ابن عامر و الأعرج (البريئة) بالهمز من «برأ»و قرأ الباقون و الجمهور (الْبَرِيَّةِ) بشدّ الياء،بغير همز على التّسهيل،و القياس الهمز،إلاّ أنّ هذا ممّا ترك همزه كالنّبيّ و الذّرّيّة.

و قرأ بعض النّحويّين (البريّة) مأخوذ من«البرى» و هو التّراب،و هذا الاشتقاق يجعل الهمزة خطأ و غلطا، و هو اشتقاق غير مرضيّ.(5:508)

الفخر الرّازيّ: ما الفائدة في قوله: هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ؟

الجواب:أنّه يفيد النّفي و الإثبات،أي هم دون غيرهم.

و اعلم أنّ شَرُّ الْبَرِيَّةِ جملة يطول تفصيلها؛شرّ من السّرّاق،لأنّهم سرقوا من كتاب اللّه صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم؛ و شرّ من قطّاع الطّريق،لأنّهم قطعوا طريق الحقّ على الخلق؛و شرّ من الجهّال الأجلاف،لأنّ الكبر مع العلم يكون كفر عناد،فيكون أقبح.

احتجّ بعضهم بهذه الآية في تفضيل«البشر»على «الملك»قالوا:روى أبو هريرة أنّه عليه السّلام قال:«أ تعجبون من منزلة الملائكة من اللّه تعالى؟!و الّذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند اللّه يوم القيامة أعظم من ذلك، و اقرءوا إن شئتم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.

و اعلم أنّ هذا الاستدلال ضعيف لوجوه:

أحدها:ما روي عن يزيد النّحويّ أنّ(البريّة)بنو آدم من«البرى»و هو التّراب،فلا يدخل الملك فيه البتّة.

و ثانيها:أنّ قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ غير مختصّ بالبشر،بل يدخل فيه الملك.

ثالثها:أنّ الملك خرج عن النّصّ بسائر الدّلائل، قالوا:و ذلك لأنّ الفضيلة إمّا مكتسبة أو موهوبة،فإن نظرت إلى الموهوبة فأصلهم من«نور»و أصلك من«حمإ مسنون».و مسكنهم دار لم يترك فيها أبوك مع الزّلّة، و مسكنكم أرض هي مسكن الشّياطين،و أيضا فمصالحنا منتظمة بهم و رزقنا في يد البعض،و روحنا في يد البعض.

ثمّ هم العلماء و نحن المتعلّمون،ثمّ انظر إلى عظيم همّتهم لا يميلون إلى محقّرات الذّنوب،و من ذلك فإنّ اللّه تعالى لم يحك عنهم سوى دعوى الإلهيّة،حين قال:

وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ الأنبياء:29،أي لو أقدموا على ذنب فهمّتهم بلغت غاية لا يليق بها إلاّ دعوى الرّبوبيّة،و أنت أبدا عبد البطن و الفرج.

و أمّا العبادة فهم أكثر عبادة من النّبيّ،لأنّه تعالى مدح النّبيّ بإحياء ثلثي اللّيل،و قال فيهم: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ الأنبياء:20،و مرّة

ص: 116

يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ فصّلت:

38،و تمام القول في هذه المسألة قد تقدّم في سورة البقرة.

(32:50)

القرطبيّ: قال القشيريّ:و من قال:(البريّة)من البرى،و هو التّراب،قال:لا تدخل الملائكة تحت هذه اللّفظة.و قيل:(البريّة)من:بريت القلم،أي قدّرته، فتدخل فيه الملائكة.و لكنّه قول ضعيف،لأنّه يجب منه تخطئة من همز.

و قوله: شَرُّ الْبَرِيَّةِ أي شرّ الخليقة،فقيل:

يحتمل أن يكون على التّعميم.و قال قوم:أي هم شرّ البريّة الّذين كانوا في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كما قال تعالى:

وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ البقرة:47،أي على عالمي زمانكم.

و لا يبعد أن يكون في كفّار الأمم قبل هذا من هو شرّ منهم،مثل فرعون و عاقر ناقة صالح،و كذا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ إمّا على التّعميم،أو خير بريّة عصرهم.

و قد استدلّ بقراءة الهمز من فضّل بني آدم على الملائكة،و قد مضى في سورة البقرة القول فيه.

(20:145)

أبو حيّان: قال ابن عطيّة:«و هذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ،و هو اشتقاق غير مرضيّ».و يعني اشتقاق (البريّة)بلا همز من«البرى»و هو التّراب،فلا يجعله خطأ،بل قراءة الهمز مشتقّة من«برأ»و غير الهمز من «البرى»و القراءتان قد تختلفان في الاشتقاق،نحو(او ننساها)(او ننسها)البقرة:106،فهو اشتقاق مرضيّ.

و حكم على الكفّار من الفريقين بالخلود في النّار، و بكونهم شرّ البريّة.و بدأ بأهل الكتاب،لأنّهم كانوا يطعنون في نبوّته،و جنايتهم أعظم،لأنّهم أنكروه مع العلم به.و شَرُّ الْبَرِيَّةِ ظاهره العموم.(8:499)

البروسويّ: هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ المعنى شرّ الخليقة، أي أعمالا،و هو الموافق لما سيأتي في حقّ المؤمنين، فيكون في حيّز التّعليل لخلودهم في النّار.أو شرّهم مقاما و مصيرا،فيكون تأكيدا لفظاعة حالهم.و توسيط ضمير الفصل لإفادة الحصر،أي هم شرّ البريّة دون غيرهم.

كيف لا،و هم شرّ من السّرّاق لأنّهم سرقوا من كتاب اللّه نعوت محمّد عليه السّلام،و شرّ من قطّاع الطّريق لأنّهم قطعوا الدّين الحقّ على الخلق،و شرّ من الجهّال الأجلاف لأنّ الكفر مع العلم يكون كفر عناد،فيكون أقبح من كفر الجهّال.

و ظهر منه أنّ وعيد العلماء السّوء أعظم من وعيد كلّ أحد.و من تاب منهم و أسلم خرج من الوعيد.

و قيل:لا يجوز أن يدخل في الآية ما مضى من الكفّار،لأنّ فرعون كان شرّا منهم.

و أمّا الآية الثّانية الدّالّة على ثواب المؤمنين فعامّة فيمن تقدّم و تأخّر،لأنّهم أفضل الأمم.(10:490)

الآلوسيّ: شَرُّ الْبَرِيَّةِ أي الخليقة،و قيل:أي البشر.و المراد،قيل:هم شرّ البريّة أعمالا،فتكون الجملة في حيّز التّعليل،لخلودهم في النّار.و قيل:شرّها مقاما و مصيرا،فتكون تأكيدا لفظاعة حالهم.و رجّح الأوّل بأنّه الموافق لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى،في حقّ المؤمنين.

ص: 117

و أيّا ما كان فالعموم-على ما قيل-مشكل،فإنّ إبليس و جنوده شرّ منهم أعمالا و مقاما،و كذا المشركون المنافقون؛حيث ضمّوا إلى الشّرك النّفاق،و قد قال سبحانه: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145.

و قال بعض: لا يبعد أن يكون في كفّار الأمم من هو شرّ منهم،كفرعون و عاقر النّاقة.

و أجاب بأنّ المراد ب(البريّة)المعاصرون لهم.

و لا يخفى أنّه يبقى معه الإشكال بإبليس و نحوه.

و أجيب بأنّ ذلك إذا كان الحصر حقيقيّا،و أمّا إذا كان إضافيّا بالنّسبة إلى المؤمنين بحسب زعمهم، فلا إشكال؛إذ يكون المعنى أولئك هم شرّ البريّة لا غيرهم من المؤمنين،كما يزعمون قالا أو حالا.

و قيل:يراد ب(البريّة)البشر،و يراد بشرّيّتهم:

شرّيّتهم بحسب الأعمال.

و لا يبعد أن يكونوا بحسب ذلك هم شرّ جميع البريّة،لما أنّ كفرهم مع العلم بصحّة رسالته عليه الصّلاة و السّلام،و مشاهدة معجزاته الذّاتيّة و الخارجيّة،و وعد الإيمان به عليه الصّلاة و السّلام، و مع إدخالهم به الشّبهة في قلوب من يأتي بعدهم، و تسبّبهم به ضلال كثير من النّاس،إلى غير ذلك ممّا تضمّنه و استلزمه من القبائح شرّ كفر و أقبحه،لا يتسنّى مثله لأحد من البشر إلى يوم القيامة.

و كذا سائر أعمالهم من تحريف الكلم عن مواضعه، و صدّ النّاس عنه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و محاربتهم إيّاه عليه الصّلاة و السّلام،و كون كفر فرعون و عاقر النّاقة و فعلهما بتلك المثابة غير مسلّم،و يلتزم دخول المنافقين في عموم الّذين كفروا،أو كون كفرهم و أعمالهم دون كفر و أعمال المذكورين،و فيه شيء لا يخفى فتأمّل.

و قيل:ليس المراد بأولئك الّذين كفروا أقواما مخصوصين،و هم المحدّث عنهم أوّلا بل الأعمّ،الشّامل لهم و لغيرهم من سالف الدّهر إلى آخره،و هو على ما فيه لا يتمّ بدون حمل(البريّة)على«البشر»فلا تغفل.

و قرأ الأعرج و ابن عامر و نافع (البريئة) هنا،و فيما بعد بالهمزة.

فقيل:هو الأصل من:برأهم اللّه تعالى،بمعنى ابتدأهم و اخترع خلقهم،فهي«فعيلة»بمعنى«مفعولة» لكن عامّة العرب-إلاّ أهل مكّة-التزموا تسهيل الهمزة بالإبدال و الإدغام،فقالوا:البريّة كما قالوا:الذّرّيّة و الخابية.

و قيل:ليس بالأصل،و إنّما(البريّة)بغير همز من البرى المقصور،يعني التّراب،فهو أصل برأسه.

و القراءتان مختلفتان أصلا و مادّة،و متّفقتان معنى في رأي،و هو أن يكون المراد عليهما«البشر»،و مختلفان فيه أيضا في رأي آخر،و هو أن يكون المراد بالمهموز:

الخليقة الشّاملة للملائكة و الجنّ كالبشر،و بغير المهموز البشر المخلوقون من التّراب فقط.

و أيّا ما كان فليست القراءة بالهمز خطأ،كيف و قد نقلت عمّن ثبتت عصمته،مع أنّ الهمز لغة قوم من أنزل عليه الكتاب صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.(30:205)

ص: 118

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البرأة»و هو بيت يمتاز فيه الصّيّاد و ينفصل عمّن سواه،ليقتنص الصّيد،و هو أصل ترجع إليه جميع مشتقّات هذا الباب.و منه:

البارئ،اسم اللّه الأحسن؛حيث إنّه تعالى ماز الأشياء بعد خلقها،و فصل بعضها عن بعض،يقال:برأ اللّه الخلق يبرؤهم براء و بروءا.و كذا البارئ بمعنى المعافي من المرض،يقال منه:برأ يبرأ و يبرؤ برءا و بروءا،و برئ يبرأ،و أبرأه اللّه من مرضه إبراء.

و منه أيضا:البريء و البراء،و هو المنزّه عن العيب و المكروه،يقال:برئ يبرأ براءة،و كذلك برئ من الدّين يبرأ براءة،و أبرأه فلان ممّا له عليه،و برّأه تبرئة، و برئ إليه من فلان يبرأ براءة،و تبرّأ منه تبرّؤا.

و منه قولهم:بارأ الرّجل المرأة مبارأة،أي صالحها على الفراق،و بارأ الرّجل شريكه:فارقه،و بارأ الكريّ:صالحه على الفراق.

و من هذا الباب:البراء،و هو أوّل يوم من الشّهر، أو آخر يوم منه،أو أوّل ليلة منه،أو آخر ليلة منه،يقال منه:أبرأ الرّجل،أي دخل في البراء.

و منه أيضا:الاستبراء،و هو عدم وطء الجارية حتّى تحيض،و كذا إنقاء الذّكر بعد البول.

2-و اختلف في«البريّة»،فقيل:هي«فعيلة»بمعنى «مفعولة»،من:برأ اللّه الخلق،أي خلقهم،فالبريّة على هذا بمعنى المخلوق.و قيل:من«البرى»أي التّراب،أو من قولهم:برى العود،أي سوّاه،فهي على هذا القول من «ب ر و»و ليس من«ب ر أ».

بيد أنّ القول الأوّل هو الصّواب،لأنّ بعض أهل الحجاز كان يهمزها،كما أفاد بذلك الفرّاء،ثمّ إنّ بعض القرّاء قد همزها أيضا كنافع و ابن عامر و الأعرج،و هذا يجعل القول الثّاني غير ذي بال.

و قد خفّفت الهمزة لكثرة الاستعمال كما خفّفت همزة النّبيّ و الذّرّيّة،أو انتقل التّسهيل إلى العربيّة من بعض اللّغات السّاميّة،كالعبريّة و السّريانيّة في هذا الحرف، و في«بارئ و برأ»كذلك.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت مشتقّات هذه المادّة في القرآن ضمن ثلاثة معان تدور حول قطب:الميز،و الفصل،و البعد،و هي:

الأوّل:الخلق:

أ-البارئ:1- هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الحشر:24

2- إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ البقرة:54

ب-البريّة:3- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ البيّنة:6،7

ج-البراء:4- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها

الحديد:22

ص: 119

الثّاني:التّزكية:

أ-التّبرئة:5- لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللّهُ مِمّا قالُوا الأحزاب:69

6- وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي يوسف:53

ب-التّبرّؤ:7- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ البقرة:166

8- فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114

9- أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيّانا يَعْبُدُونَ القصص:63

10- وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا البقرة:167

ج-البريء:11- قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الأنعام:19

12- فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الأنعام:78

13- وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ الأنفال:48

14- وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ التّوبة:3

15- وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ يونس:41

16- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ هود:35

17- قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ هود:54

18- فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ

الشّعراء:216

19- إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ

الحشر:16

20- وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً النّساء:112

د-البراء:21- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ الزّخرف:26

ه-البرآء:22- إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الممتحنة:4

و-البراءة:23- بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ التّوبة:1

24- أَ كُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ القمر:43

ز-المبرّأ:25- أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ النّور:26

الثّالث:الشّفاء:

26- وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:49

27- وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي

المائدة:110

يلاحظ أوّلا:أنّ المعنى الأوّل-أي البروء-مختصّ باللّه تعالى،و الثّاني-أي التّزكية-عامّ يسند إلى اللّه،كما في الآية(5)و(14)،و إلى رسله كيوسف في(6)،

ص: 120

و إبراهيم في(8)و(12)و(21)،و النّبيّ محمّد في(11) و(15)و(18)،و نوح في(16)،و هود في(17)،و إلى التّابعين و المتبوعين من الكافرين في(7)و(9)و(10)، و إلى إبليس في(13)و(19)،و إلى إبراهيم و قومه في (22)،كما أسند هذا المعنى إلى غير من ذكرناهم أيضا.

أمّا المعنى الثّالث فقد اختصّ بعيسى دون غيره.

ثانيا:أنّ نسبة المعنى الأوّل إلى اللّه فقط،تشعر بأنّ «البروء»يختلف عن«الخلق»؛إذ نسب المعنى الأخير في القرآن إلى غير اللّه أيضا،كالأصنام و الأنداد،مثل:

هذا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ لقمان:11،و عيسى عليه السّلام،مثل: وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي المائدة:110.

ص: 121

ص: 122

ب ر ج

اشارة

6 ألفاظ،7 مرّات:3 مكّيّة،4 مدنيّة

في 6 سور:3 مكّيّة،3 مدنيّة

بروج 1:-1 تبرّجن 1:-1

البروج 1:1 متبرّجات 1:-1

بروجا 2:2 تبرّج 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرج:واحد من بروج الفلك،و هو اثنا عشر برجا.

و برج سور المدينة،و الحصن:بيوت تبنى على السّور،و تسمّى البيوت،تبنى على أركان القصر برجا.

و ثوب مبرّج:صوّرت فيه تصاوير كبروج السّور.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البرج:سعة بياض العين،مع حسن الحدقة.

و إذا أبدت المرأة محاسن جيدها و وجهها،قيل:قد تبرّجت،و مع ذلك تري من عينيها حسن نظر.

و حساب البرجان،و هو قولك:ما جداء كذا في كذا، و ما جذر كذا و كذا،فجداؤه:مبلغه،و جذره:أصله الّذي يضرب بعضه في بعض،و جملته البرجان.

يقال:ما جذر مائة؟فيقال:عشرة.و يقال:ما جداء عشرة في عشرة؟فيقال:مائة.

و البارجة:سفينة من سفن البحر تتّخذ للقتال.

(6:114)

مثله الصّاحب.(7:96)

اللّيث: البرج:واحد من بروج الفلك،و هي اثنا عشر برجا،كلّ برج منها منزلان،و ثلث:منزل للقمر، و ثلاثون درجة للشّمس،إذا غاب منها ستّة طلعت ستّة.

و لكلّ برج اسم على حدة،فأوّلها الحمل،و أوّل الحمل الشّرطان،و هما قرنا الحمل:كوكبان أبيضان إلى جنب السّمكة.و خلف الشّرطين البطين،و هي ثلاثة كواكب،فهذان منزلان،و ثلث الثّريّا:من برج الحمل.

(الأزهريّ 11:55)

ص: 123

أبو عمرو الشّيبانيّ: البرج،أن يكون بياض العين محدقا بالسّواد كلّه،لا يغيب من سوادها شيء.

(الأزهريّ 11:56)

أبو زيد: البرج:نجل العين،و هو سعتها.

(الأزهريّ 11:56)

ابن الأعرابيّ: برج الرّجل،إذا اتّسع أمره في الأكل و الشّرب.

أبرج الرّجل،إذا جاء ببنين ملاح.

و البارج:الملاّح الفاره.(الأزهريّ 11:56،57)

الأصمعيّ: البوارج:السّفن الكبار،واحدتها:

بارجة،و هي القوادس و الخلايا.(الأزهريّ 11:57)

شمر: برجان:جنس من الرّوم،و يسمّون كذلك.

(الأزهريّ 11:57)

الزّجّاج: البروج:الكواكب العظام.و البرج:تباعد ما بين الحاجبين،و كلّ ظاهر مرتفع فقد برج.و إنّما قيل لها:البروج،لظهورها و بيانها و ارتفاعها.

(الأزهريّ 11:56)

ابن دريد :البرج:من بروج الحصن أو القصر، عربيّ معروف.

و البرج:من بروج السّماء لم تعرفه العرب،إنّما كانت تعرف منازل القمر،و قد جاء في كلامهم.

و البرج:نقاء بياض العين و صفاء سوادها.و قال قوم:بل البرج و النّجل متقاربان في الصّفة،رجل أبرج و امرأة برجاء.

و تبرّجت المرأة،إذا أظهرت محاسنها.(1:208)

الأزهريّ: البرج:سعة العين في شدّة بياض بياضها.(11:57)

الجوهريّ: برج الحصن:ركنه،و الجمع:بروج و أبراج،و ربّما سمّي الحصن به،قال اللّه تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.

و البرج:واحد بروج السّماء.

و برجان:اسم لصّ؛يقال:«أسرق من برجان».

و البرج،بالتّحريك:أن يكون بياض العين محدقا بالسّواد كلّه،لا يغيب من سوادها شيء.

و امرأة برجاء بيّنة البرج،و منه قيل:ثوب مبرّج، للمعيّن من الحلل.

و التّبرّج:إظهار المرأة زينتها و محاسنها للرّجال.

و الإبريج:الممخضة.[ثمّ استشهد بشعر].

(1:299)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الجيم أصلان:أحدهما:

البروز و الظّهور،و الآخر:الوزر و الملجأ.

فمن الأوّل:البرج،و هو سعة العين في شدّة سواد سوادها،و شدّة بياض بياضها.و منه التّبرّج،و هو إظهار المرأة محاسنها.

و الأصل الثّاني:البرج:واحد بروج السّماء.و أصل البروج:الحصون و القصور،قال اللّه تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.

و يقال:ثوب مبرّج،إذا كان عليه صور البروج.

(1:238)

ابن سيدة: و البرج:تباعد ما بين الحاجبين.

و البرج:سعة العين.

و قيل:سعة بياض العين و عظم المقلة و حسن

ص: 124

الحدقة.

و قيل:هو نقاء بياضها و صفاء سوادها.

و قيل:هو أن يكون بياض العين محدقا بالسّواد كلّه، لا يغيب من سوادها شيء.

برج برجا،و هو أبرج،و عين برجاء.

و تبرّجت المرأة:أظهرت وجهها.

و تباريج النّبات:أزاهيره.

و البرج:منزلتان و ثلث من منازل القمر.

و الجمع:أبراج،و بروج.

و كذلك:بروج المدينة و القصر،و الواحد،كالواحد.

و ثوب مبرّج:فيه صور البروج.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرجان من الحساب:أن يقال:ما مبلغ كذا،أو ما جذر كذا و كذا.

و البارجة:سفينة من سفن البحر تتّخذ للقتال.

و ما فلان إلاّ بارجة:قد جمع فيه الشّرّ.

و برجان:اسم أعجميّ.

و البرج:اسم شاعر.

و برجة:فرس سنان بن أبي سنان.(7:412)

البرج:هو للحمام:مأواه،الجمع:بروج،و أبراج.

(الإفصاح 2:888)

البرج في السّماء:منزلة القمر،و قيل:الكوكب العظيم،و قيل:باب السّماء،الجمع:بروج،و أبراج.

و الأبراج اثنا عشر برجا،و هي:الحمل و هو الكبش،و الثّور،و الجوزاء،و السّرطان،و الأسد، و السّنبلة و هي العذراء،و الميزان،و العقرب،و القوس، و الجدي،و الدّلو،و الحوت و هو السّمكة.

و الجدي جديان:أحدهما:من البروج.و الثّاني:

الّذي يدور مع بنات نعش.(الإفصاح 2:910)

البرجان:حساب البرجان،قولك:ما جداء كذا في كذا؟و ما جذر كذا و كذا؟فجداؤه:مبلغه،و جذره:أصله الّذي يضرب بعضه في بعض،و جملته:البرجان.

(الإفصاح 2:1257)

البرج:سعة العين،و قيل:سعة بياض العين و عظم المقلة و حسن الحدقة.(ابن منظور 2:211)

الطّوسيّ: أصل البروج:الظّهور،يقال:تبرّجت المرأة،إذا أظهرت محاسنها.و البرج في العين:اتّساعها لظهورها بالاتّساع.(3:263)

نحوه الطّبرسيّ.(3:78)

الرّاغب: البروج:القصور،الواحد:برج،و به سمّي بروج النّجوم،لمنازلها المختصّة بها،قال تعالى:

وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البروج:1،و قال تعالى:

اَلَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الفرقان:61،و قوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.

يصحّ أن يراد بها بروج في الأرض،و أن يراد بها بروج النّجم،و يكون استعمال لفظ«المشيّدة»فيها على سبيل الاستعارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أن يكون البروج في الأرض،و تكون الإشارة إلى ما قال الآخر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثوب مبرّج:صوّرت عليه بروج،فاعتبر حسنه، فقيل:تبرّجت المرأة،أي تشبّهت به في إظهار المحاسن.

و قيل:ظهرت من برجها،أي قصرها.

ص: 125

و يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الأحزاب:33، و قوله: غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ النّور:60.

و البرج:سعة العين و حسنها،تشبيها بالبرج في الأمرين.(41)

الزّمخشريّ: امرأة زجّاء برجاء.و رأيت برجا في برج،أي نسوة في عيونهنّ برج في قصر.

و تقول:لها وجه مسرّج عليها ثوب مبرّج،و هو الّذي عليه تصاوير كبروج السّور.و خرجن متبرّجات، متفرّجات.(أساس البلاغة:18)

المدينيّ: و فيه:«كان يكره للنّساء عشر خلال، منها التّبرّج بالزّينة لغير محلّها»،التّبرّج:إظهار الزّينة للنّاس الأجانب،و هو المذموم.فأمّا للزّوج فلا،و هو معنى قول:لغير محلّها.

و في صفة بعضهم:«طوال أدلم أبرج»،أي واسع العين المحدق بياض مقلته بسوادها كلّه،لا يخفى منه شيء،و منه التّبرّج.(1:142)

ابن منظور :البرج:تباعد ما بين الحاجبين،و كلّ ظاهر مرتفع فقد برج.و إنّما قيل للبروج:بروج، لظهورها و بيانها و ارتفاعها.

[ثمّ نقل كلام اللّيث المتقدّم و أضاف:]

و قوله أيضا:«و أوّل الحمل الشّرطان و هما قرنا الحمل،إلى و ثلث للثّريّا من برج الحمل»قد انتقض عليه الآن،فإنّ أوّل دقيقة في برج الحمل:اليوم،بعض الرّشاء و الشّرطين،و بعض البطين،و اللّه أعلم.

و الجمع:أبراج و بروج،و كذلك بروج المدينة و القصر،و الواحد كالواحد.

و برجان:جنس من الرّوم،يسمّون كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و برجان:اسم أعجميّ.(2:211-213)

الفيّوميّ: برج الحمام:مأواه.و البرج في السّماء قيل:منزلة القمر،و قيل:الكوكب العظيم،و قيل:باب السّماء،و الجمع فيهما:بروج،و أبراج.

و تبرّجت المرأة:أظهرت زينتها و محاسنها للأجانب.(42)

الفيروزآباديّ: البرج بالضّمّ:الرّكن و الحصن، و واحد بروج السّماء.

و البرج محرّكة:أن يكون بياض العين محدقا بالسّواد كلّه،و الجميل الحسن الوجه،أو المضيء البيّن المعلوم، جمعه:أبراج.

و برجان كعثمان:جنس من الرّوم،و لصّ معروف.

و حساب البرجان قولك:ما جداء كذا في كذا، و ما جذر كذا في كذا؛فجداؤه:مبلغه،و جذره:أصله الّذي يضرب بعضه في بعض؛و جملته:البرجان.

و أبرج:بنى برجا،كبرّج تبريجا.

و برج كفرح:اتّسع أمره في الأكل و الشّرب.

و البارج:الملاّح الفاره.و البارجة:سفينة كبيرة للقتال،و الشّرّير.

و تبرّجت:أظهرت زينتها للرّجال.

و الإبريج:الممخضة.(1:185)

الطّريحيّ: البروج في الأصل:بيوت على أطراف القصر،من برجت المرأة،إذا ظهرت.

ص: 126

و بروج السّماء:منازل الشّمس و القمر.و البروج أيضا:الكواكب العظام،سمّيت بها لظهورها،و في الحديث:«للشّمس ثلاثمائة و ستّون برجا».

و البروج الّتي للرّبيع و الصّيف:الحمل،و الثّور، و الجوزاء،و السّرطان،و الأسد،و السّنبلة.

و بروج الخريف و الشّتاء:الميزان،و العقرب، و القوس و الجدي،و الدّلو،و السّمكة.(2:276)

مجمع اللّغة: 1-برج الشّيء:ظهر و ارتفع.

و أصل التّبرّج:التّكلّف في إظهار ما يخفى،ثمّ خصّ بتكشّف المرأة،يقال:تبرّجت المرأة تبرّجا:أظهرت محاسنها و زينتها للرّجال،فهي متبرّجة،و هنّ متبرّجات.

2-البرج:الحصن،و جمعه:بروج،و أبراج.

3-و سمّيت منازل الشّمس و القمر و النّجوم بروجا.(1:90)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(64)

محمود شيت: 1-أ-برج بروجا:ارتفع و ظهر.

ب-أبرج:بنى برجا.و أبرج اللّه السّماء:جعلها ذات بروج،و زيّنها بالكواكب.

ج-تبرّجت السّماء:تزيّنت بالكواكب،و تبرّجت المرأة:أظهرت زينتها و محاسنها لغير زوجها.

د-البارجة:الشّرّير،و سفينة من سفن الأسطول الحربيّ.

ه-البرج:الحصن،و البيت يبنى على سور المدينة، و على سور الحصن.و البرج من المدينة و الحصن:الرّكن.

2-أ-البارجة:سفينة من سفن الأسطول الحربيّ، مسلّحة بالمدافع الضّخمة.

ب-البرج:الحصن في المدن و في الخطوط الدّفاعيّة.

و برج المراقبة:الحصن المشرف الّذي يراقب العدوّ منه.

و برج الدّبّابة:القسم المرتفع منها،الّذي يراقب الرّاصد من فتحاته العدوّ.(1:76)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الظّهور و الجالبيّة،فكلّ شيء ظاهر جالب متفوّق فهو برج.

و بهذا الاعتبار يطلق على القصر المرتفع،و البناء العالي،و الحصن،و البناء على الحصن،و العين المتّسعة، الجالبة،إذا حسنت و جلبت و كانت نافذة،و المرأة المتزيّنة الحسناء الّتي أظهرت محاسنها للأجانب و نفذت فيهم،و الكوكب الفائق،إذا توقّد و ظهر في السّماء.

(1:227)

النّصوص التّفسيريّة

بروج

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ. النّساء:78

ابن عبّاس: الحصون و القلاع.(الطّبرسيّ 2:78)

مجاهد :القصور.(الطّبرسيّ 2:78)

مثله قتادة(الطّبريّ 5:172)،و ابن جريج (الطّبريّ 5:173).

الرّبيع: و لو كنتم في قصور السّماء.

(الطّبريّ 5:173)

ص: 127

السّدّيّ: هي قصور بيض،في سماء الدّنيا مبنيّة.

(الطّبريّ 5:173)

نحوه مالك.(القرطبيّ 5:282)

أبو عبيدة: البرج:الحصن،و البروج:القصور.

(1:132)

ابن قتيبة: البروج:الحصون.(130)

مثله الزّمخشريّ.(1:545)

الجبّائيّ: هي البيوت الّتي تكون فوق الحصون.

(الطّوسيّ 3:263)

الطّبريّ: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و لو تحصّنتم منه بالحصون المنيعة.(5:172)

نفطويه: البرج:البناء العالي.(أبو عبيد 1:149)

السّجستانيّ: حصون مطوّلة،واحدها:برج.

و بروج السّماء:منازل الشّمس و القمر،و هي اثنا عشر برجا.(44)

نحوه الميبديّ.(2:591)

الفخر الرّازيّ: البروج في كلام العرب هي القصور و الحصون.و أصلها في اللّغة من الظّهور،يقال:تبرّجت المرأة،إذا أظهرت محاسنها.(10:187)

نحوه النّيسابوريّ.(5:86)

القرطبيّ: واحد البروج:برج،و هو البناء المرتفع و القصر العظيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف العلماء و أهل التّأويل في المراد بهذه البروج،فقال الأكثر و هو الأصحّ:إنّه أراد البروج في الحصون الّتي في الأرض المبنيّة،لأنّها غاية البشر في التّحصّن و المنعة،فمثّل اللّه لهم بها.[إلى أن قال بعد نقل قول السّدّيّ و مالك:]

و إذا تنزّلنا على قول مالك و السّدّيّ في أنّها بروج السّماء،فبروج الفلك اثنا عشر برجا مشيّدة من الرّفع، و هي الكواكب العظام.و قيل للكواكب:بروج لظهورها، من برج يبرج،إذا ظهر و ارتفع،و منه قوله:

وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الأحزاب:33.

و خلقها اللّه تعالى منازل للشّمس و القمر و قدّره فيها،و رتّب الأزمنة عليها،و جعلها جنوبيّة و شماليّة، دليلا على المصالح،و علما على القبلة،و طريقا إلى تحصيل آناء اللّيل و آناء النّهار،لمعرفة أوقات التّهجّد، و غير ذلك من أحوال المعاش.(5:282-284)

البيضاويّ: في قصور أو حصون مرتفعة.و البروج في الأصل:بيوت على أطراف القصر،من تبرّجت المرأة،إذا ظهرت.(1:231)

نحوه الطّريحيّ.(2:276)

النّسفيّ: حصون أو قصور.(1:238)

أبو حيّان: البرج:الحصن،و قيل:القصر.

و البروج:منازل القمر،و كلّها من برج،إذا ظهر،و منه التّبرّج،و هو إظهار المرأة محاسنها.و البرج في العين:

اتّساعها.(3:295)

الشّربينيّ: أي حصون،برج داخل برج،أو كلّ واحد منكم داخل برج.(1:317)

البروسويّ: أي و إن كنتم في قصور عالية إلى السّماء،محكمة بالشّيد و هو الجصّ،لا يصعد إليها،بنو آدم.(2:241)

شبّر:في قصور أو حصون مرتفعة أو مجصّصة،

ص: 128

فلا ينجيكم منه ترك القتال.(2:71)

رشيد رضا: هي القصور العالية الّتي يسكنها الملوك و الأمراء،فيعزّ الارتقاء إليها بدون إذنهم،أو الحصون المنيعة الّتي تعتصم فيها حامية الجند.

(5:266)

المراغيّ: القصور العالية المطليّة بالشّيد و هو الجصّ،أو الحصون و القلاع المتينة الّتي تعتصم فيها حامية الجند.(5:94)

الطّباطبائيّ: البروج:جمع برج،و هو البناء المعمول على الحصون،و يستحكم بنيانه ما قدر عليه، لدفع العدوّ به و عنه.و أصل معناه الظّهور،و منه التّبرّج بالزّينة و نحوها.

فالبروج المشيّدة:الأبنية المحكمة المرتفعة الّتي على الحصون،يأوي إليها الإنسان من كلّ عدوّ قادم.

(5:7)

المصطفويّ: أي أبنية عالية جالبة قد شيّدت أركانها.(1:227)

البروج

وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ. البروج:1

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: [في حديث عن جابر]سئل عن وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ؟ فقال:الكواكب.و سئل عن الّذي جعل في السّماء بروجا؟فقال:الكواكب.قيل:

ف بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78،فقال:قصور.

(الدّرّ المنثور 6:331)

[في حديث قال مخاطبا ابن عبّاس:]

أتقدّر يا ابن عبّاس أنّ اللّه يقسم بالسّماء ذات البروج،و يعني به بالسّماء و بروجها؟قلت:يا رسول اللّه فما ذاك؟قال:فأمّا السّماء فأنا.و أمّا البروج:فالأئمّة بعدي،أوّلهم عليّ و آخرهم المهديّ عليهم السّلام.[هذا و ما بعده تأويل](البحرانيّ 10:230)

الإمام عليّ عليه السّلام: [في حديث طويل يقول فيه:]

و لقد سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا عنده،عن الأئمّة بعده،فقال للسّائل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ أنّ عددهم بعدد البروج،و ربّ اللّيالي و الأيّام و الشّهور، أنّ عدّتهم كعدّة الشّهور.(العروسيّ 5:540)

ابن عبّاس: يقول:أقسم اللّه بالسّماء ذات البروج،و يقال:ذات القصور،اثنا عشر قصرا بين السّماء و الأرض،يعلم اللّه ذلك.(506)

قصور في السّماء.(الطّبريّ 30:127)

مثله مجاهد،و عكرمة.(القرطبيّ 19:283)

النّجوم.(ابن عطيّة 5:460)

مثله ابن أبي نجيح،و قتادة(الطّبريّ 30:127)، و مجاهد،و الضّحّاك(القرطبيّ 19:283).

هي المنازل الّتي عرفتها العرب،و هي اثنا عشر على ما قسّمته العرب،و هي الّتي تقطعها الشّمس في سنة، و القمر في ثمانية و عشرين يوما.(ابن عطيّة 5:460)

مجاهد :البروج فيها الحرس.

(القرطبيّ 19:283)

الضّحّاك: يزعمون أنّها قصور في السّماء،و يقال:

هي الكواكب.(الطّبريّ 30:127)

قتادة:ذات الرّمل.(ابن عطيّة 5:460)

ص: 129

سفيان بن حسين: ذات الرّمل و الماء.

(الطّبريّ 30:127)

الفرّاء: اختلفوا في البروج،فقالوا:هي النّجوم، و قالوا:هي البروج الّتي تجري فيها الشّمس و الكواكب المعروفة:اثنا عشر برجا،و قالوا:هي قصور في السّماء، و اللّه أعلم بصواب ذلك.(3:252)

أبو عبيدة: كلّ برج يومين (1)و ثلث،و هو للشّمس شهر،و هي اثنا عشر برجا،يسير القمر،في كلّ برج يومين و ثلث،فذلك ثمانية و عشرون منزلة،ثمّ يستسرّ (2)ليلتين،و مجرى الشّمس في كلّ برج منها شهر.

(2:293)

ذات المنازل.(القرطبيّ 19:283)

ابن قتيبة: بروج النّجوم،و هي اثنا عشر برجا.(522)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى(البروج) في هذا الموضع،فقال بعضهم:عني بذلك:و السّماء ذات القصور،قالوا:و البروج:القصور.

و قال آخرون: عني بذلك:و السّماء ذات النّجوم، و قالوا:نجومها:بروجها.

و قال آخرون: بل معنى ذلك:و السّماء ذات الرّمل و الماء.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:معنى ذلك و السّماء ذات منازل الشّمس و القمر؛و ذلك أنّ البروج:جمع برج،و هي منازل تتّخذ عالية عن الأرض مرتفعة،و من ذلك قول اللّه: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.[ثمّ ذكر مثل أبي عبيدة]

(30:127)

الزّجّاج: ذات الكواكب،و قيل:ذات القصور لقصور في السّماء.(5:307)

الطّوسيّ: وصف السّماء بأنّها ذات البروج، فالبروج:المنازل العالية.و المراد هاهنا منازل الشّمس و القمر-في قول المفسّرين-و مثل ذلك قوله: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78،أي في منازل عالية.(10:316)

الزّمخشريّ: هي البروج الاثنا عشر،و هي قصور السّماء على التّشبيه.

و قيل:البروج:النّجوم الّتي هي منازل القمر.

و قيل:عظام الكواكب،سمّيت بروجا لظهورها.و قيل:

أبواب السّماء.(4:237)

نحوه البيضاويّ(2:550)،و النّسفيّ(4:344)، و الشّربينيّ(4:509)،و أبو السّعود(6:404).

ابن عطيّة: اختلف النّاس في(البروج)،فقال الضّحّاك و قتادة:هي القصور.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ابن عبّاس: (البروج):النّجوم،لأنّها تتبرّج بنورها.و التّبرّج:التّظاهر و التّبدّي.

و قال الجمهور و ابن عبّاس أيضا: (البروج)هي المنازل الّتي عرفتها العرب،و هي اثنا عشر على ما قسّمته العرب،و هي الّتي تقطعها الشّمس في سنة، و القمر في ثمانية و عشرين يوما.

و قال قتادة:معناه ذات الرّمل.(و السّماء)يريدح.

ص: 130


1- كذا و الصحيح:يومان.
2- أي يستتر،و لعلّه الصحيح.

أنّها مبنيّة في السّماء،و هذا قول ضعيف.(5:460)

الطّبرسيّ: البروج:المنازل العالية،و المراد هنا:

منازل الشّمس و القمر و الكواكب،و هي اثنا عشر برجا،يسير القمر في كلّ برج منها يومين و ثلث،و تسير الشّمس في كلّ برج شهرا.(9:466)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ في البروج ثلاثة أقوال:

أحدها:إنّها هي البروج الاثنا عشر،و هي مشهورة...

و ثانيها:أنّ البروج هي منازل القمر.

و ثالثها:أنّ البروج هي عظام الكواكب،سمّيت بروجا لظهورها.(31:114)

نحوه النّيسابوريّ(30:62)،و الخازن(7:188).

القرطبيّ: قيل: ذاتِ الْبُرُوجِ ذات الخلق الحسن،قاله المنهال بن عمرو.

و قيل:ذات المنازل،قاله أبو عبيدة،يحيى بن سلاّم؛ و هي اثنا عشر برجا،و هي منازل الكواكب و الشّمس و القمر.يسير القمر في كلّ برج منها يومين و ثلث يوم، فذلك ثمانية و عشرون يوما،ثمّ يستسرّ ليلتين،و تسير الشّمس في كلّ برج منها شهرا،و هي:الحمل،و الثّور، و الجوزاء،و السّرطان،و الأسد،و السّنبلة،و الميزان، و العقرب،و القوس،و الجدي،و الدّلو،و الحوت.

و البروج في كلام العرب:القصور،قال اللّه تعالى:

وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78،و قد تقدّم.

(19:283)

البروسويّ: (البروج)جمع برج،بمعنى القصر.

و المراد:البروج الاثنا عشر الّتي في الفلك الأعلى.

فالمراد ب(السّماء):فلك الأفلاك.

قال سعدي المفتي: لكنّ المعهود في لسان الشّرع إطلاق العرش عليه دون السّماء،و يجوز أن يراد الفلك الأقرب إلينا،فالآية كقوله تعالى: وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ الملك:5،انتهى.

و جوابه:ما أشرنا إليه في عنوان السّماء.

ثمّ إنّها شبّهت بروج السّماء بالقصور الّتي تنزل فيها الأكابر و الأشراف،لأنّها منازل السّيّارات و مقرّ الثّوابت.[إلى أن قال:]

و يقال:المراد ب(البروج)هي النّجوم الّتي منزل القمر،و هي ثمانية و عشرون نجما،ينزل القمر كلّ ليلة في واحد منها،لا يتخطّاها و لا يتقصّر عنها.و إذا صار القمر إلى آخر منازله دقّ و استقوس،و يستتر ليلتين إن كان الشّهر ثلاثين يوما.و إن كان تسعة و عشرين فليلة واحدة.

و إطلاق البروج على هذه النّجوم مبنيّ على تشبيهها بالقصور،من حيث إنّ القمر ينزل فيها،و لظهورها أيضا بالنّسبة إلى بعض النّاس كالعرب،لأنّ البرج ينبئ عن الظّهور مع الاشتمال على المحاسن،يقال:تبرّجت المرأة، أي تشبّهت بالبرج في إظهار المحاسن.

و أمّا البروج الاثنا عشر فليس لها ظهور؛حيث لا تدرك حسّا،و البروج الاثنا عشر منقسمة إلى هذه المنازل الثّمانية و العشرين،و الشّمس تسير في تمام هذه البروج الاثني عشر في كلّ سنة،و القمر في كلّ شهر.

و قد تعلّقت بها منافع و مصالح للعباد،فأقسم اللّه تعالى بها إظهارا لقدرها و شرفها،و فيه إشارة إلى الرّوح

ص: 131

الإنسانيّ ذات المقامات في التّرقّي و الدّرجات.

(10:383 و 385)

شبّر: هي الاثني عشر المعروفة،شبّهت بالقصور العالية.(6:388)

الآلوسيّ: أي القصور،كما قال ابن عبّاس و غيره،و المراد بها عند جمع:البروج الاثنا عشر المعروفة.

و أصل البرج:الأمر الظّاهر،ثمّ صار حقيقة للقصر العالي،لأنّه ظاهر للنّاظرين،و يقال لما ارتفع من سور المدينة:برج أيضا.

و بروج السّماء بالمعنى المعروف و إن التحقت بالحقيقة فهي في الأصل استعارة،فإنّها شبّهت بالقصور لعلوّها، و لأنّ النّجوم نازلة فيها كسكّانها،فهناك استعارة مصرّحة تتبعها مكنيّة.

و قيل:شبّهت السّماء بسور المدينة،فأثبت لها البروج.و قيل:هي منازل القمر،و هذا راجع إلى القول الأوّل،لأنّ البروج منقسمة إلى ثمانية و عشرين منزلا، و قد تقدّم الكلام فيها...

و أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنه،فيه حديثا مرفوعا بلفظ«الكواكب»بدل النّجوم،و اللّه تعالى أعلم بصحّته.

و أخرج ابن المنذر و عبد بن حميد عن أبي صالح أنّه قال:هي النّجوم العظام،و عليه إنّما سمّيت بروجا لظهورها،و كذا على ما قبله،و إن اختلف الظّهور و لم يظهر شموله جميع النّجوم.

و قيل:هي أبواب السّماء،و سمّيت بذلك لأنّ النّوازل تخرج الملائكة عليهم السّلام منها،فجعلت مشبّهة بقصور العظماء النّازلة أوامرهم منها،أو لأنّها لكونها مبدأ للظّهور، وصفت به مجازا في الطّرف.

و قيل في النّسبة:و البروج الاثنا عشر في الحقيقة على ما ذكره محقّقو أهل الهيئة معتبرة في الفلك الأعلى، المسمّى بفلك الأفلاك،و الفلك الأطلس.و زعموا أنّه العرش بلسان الشّرع،لكنّها لمّا لم تكن ظاهرة حسّا، دلّوا عليها بما سامتها وقت تقسيم الفلك الأعلى،من الصّور المعروفة كالحمل و الثّور و غيرهما الّتي هي في الفلك الثّامن،المسمّى عندهم بفلك الثّوابت،و بالكرسيّ في لسان الشّرع،على ما زعموا.

فبرج الحمل مثلا ليس إلاّ جزء من اثني عشر جزء من الفلك الأعلى،سامتته صورة الحمل من الثّوابت وقت التّقسيم.و برج الثّور ليس إلاّ جزء من ذلك، سامتته صورة الثّور منها ذلك الوقت أيضا،و هكذا.

و إنّما قيل:وقت التّقسيم،لأنّ كلّ صورة قد خرجت لحركتها،و إن كانت بطيئة عمّا كانت مسامتة له من تلك البروج،حتّى كاد يسامت الحمل اليوم برج الثّور،و الثّور برج الجوزاء،و هكذا.

فعلى هذا و كون المراد بالبروج البروج الاثني عشر أو المنازل،قيل:المراد ب(السّماء):الفلك الأعلى، و قيل:الفلك الثّامن؛لظهور الصّور الدّالّة على البروج فيه،و لذا يسمّى فلك البروج.و قيل:السّماء الدّنيا، لأنّها ترى فيها بظاهر الحسّ،نظير ما قيل في قوله تعالى:

وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ الملك:5.

و قيل:الجنس الشّامل لكلّ سماء،لأنّ السّماوات

ص: 132

شفّافة فيشارك العليا فيما فيها السّفلى،لأنّه يرى فيها ظاهرا.

و إذا أريد بالبروج النّجوم،فقيل:المراد ب(السّماء):الفلك الثّامن،لأنّها فيه حقيقة.و قيل:

السّماء الدّنيا،و قيل:الجنس،على نحو ما مرّ.و لا يراد على ما قيل:الفلك الأطلس،أعني الفلك الأعلى،لأنّه كاسمه غير مكوكب.

و إذا أريد بها الأبواب،فقيل:المراد ب(السّماء):

ما عدا فلك الأفلاك المسمّى بلسان الشّرع بالعرش،فإنّه لم يرد أنّ له أبوابا.

هذا و أنت تعلم أنّ أكثر ما ذكر مبنيّ على كلام أهل الهيئة المتقدّمين،و هو لا يصحّ له مستند شرعا،و لا يكاد تسمع فيها إطلاق السّماء على العرش أو الكرسيّ،لكن لمّا سمع بعض الإسلاميّين من الفلاسفة أفلاكا تسعة، و أراد تطبيق ذلك على ما روي في الشّرع،زعم أنّ سبعة منها هي السّماوات السّبع،و الاثنين الباقين هما الكرسيّ و العرش،و لم يدر أنّ في الأخبار ما يأبى ذلك،و كون الدّليل العقليّ يقتضيه محلّ بحث كما لا يخفى.

و من رجع إلى كلام أهل الهيئة المحدثين،و نظر في أدلّتهم على ما قالوه في أمر الأجرام العلويّة،و كيفيّة ترتيبها،قوي عنده وهن ما ذهب إليه المتقدّمون في ذلك.

فالّذي ينبغي أن يقال:(البروج)هي المنازل للكواكب مطلقا،الّتي يشاهدها الخواصّ و العوامّ، و ما علينا في أيّ سماء كانت،أو الكواكب أنفسها أينما كانت،أو أبواب السّماء الواردة في لسان الشّرع و الأحاديث الصّحيحة،و هي لكلّ سماء،و لم يثبت للعرش و لا للكرسيّ منها شيء.

و يراد ب(السّماء):جنسها،أو السّماء الدّنيا،في غير القول الأخير،على ما سمعت فيما تقدّم،فلا تغفل.

(30:85)

القاسميّ: أي الكواكب و النّجوم،شبّهت بالبروج،و هي القصور لعلوّها.أو البروج:منازل عالية في السّماء.

و أصل معنى البروج كما قال الشّهاب:الأمر الظّاهر من التّبرّج،ثمّ صار حقيقة في العرف للقصور العالية، لأنّها ظاهرة للنّاظرين،و يقال لما ارتفع من سور المدينة:

برج أيضا.فشبّه على هذا الفلك بسور المدينة،و أثبت له البروج.(17:6113)

المراغيّ: البروج:واحدها برج،و يطلق على الحصن و القصر العالي،و على أحد بروج السّماء الاثني عشر،و هى منازل الكواكب و الشّمس و القمر.فيسير القمر في كلّ برج منها يومين و ثلث يوم،فذلك ثمانية و عشرون يوما،ثمّ يستتر ليلتين.

و تسير الشّمس في كلّ برج منها شهرا،ستّة منها في شمال خطّ الاستواء،و ستّة في جنوبه،فالّتي في شماله هي:الحمل و الثّور و الجوزاء و السّرطان و الأسد و السّنبلة،و الّتي في جنوبه هي:الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدّلو و الحوت.

و تقطع الثّلاثة الأولى في ثلاثة أشهر،أوّلها اليوم العشرون من شهر مارس،و هذه المدّة هي فصل الرّبيع.

و تقطع الثّلاثة الثّانية في ثلاثة أشهر أيضا،أوّلها اليوم الحادي و العشرون من شهر يونية،و هذه المدّة هي

ص: 133

فصل الصّيف.

و تقطع الثّلاثة الأولى من الجنوبيّة في ثلاثة أشهر أيضا،أوّلها اليوم الثّاني و العشرون من شهر سبتمبر، و هذه المدّة هي فصل الخريف.و تقطع الثّلاثة الثّانية من الجنوبيّة في ثلاثة أشهر أيضا،أوّلها اليوم الثّاني و العشرون من شهر ديسمبر،و هذه المدّة هي فصل الشّتاء.(30:97)

نحوه عبد الكريم الخطيب(15:1512)، و الحجازيّ(30:34).

عزّة دروزة: البرج:من البروج و هو الارتفاع و البروز،ثمّ صار يطلق على القصر العالي و على القلاع و الحصون.و تطلق على المدارات السّماويّة الّتي يدور فيها القمر أو الشّمس أو الكواكب السّيّارة،على ما كان معروفا في وقت نزول القرآن.(1:251)

الطّباطبائيّ: البروج:جمع برج،و هو الأمر الظّاهر،و يغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على النّاظرين.و يسمّى البناء المعمول على سور البلد للدّفاع:

برجا،و هو المراد في الآية،لقوله تعالى: وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ* وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ الحجر:16،17.

فالمراد بالبروج:مواضع الكواكب من السّماء؛ و بذلك يظهر أنّ تفسير البروج بالبروج الاثني عشر، المصطلح عليها في علم النّجوم،غير سديد.

و في الآية إقسام بالسّماء المحفوظة بالبروج،و لا يخفى مناسبته لما سيشار إليه من القصّة،ثمّ الوعيد و الوعد، و سنشير إليه.(20:249)

المصطفويّ: أي ذات أبنية عالية،متجلّية مشرقة جالبة،و هي الكواكب.

و معلوم أنّ الأبنية و البروج في كلّ محلّ بحسبه، و بروج السّماء بهذه العظمة و السّعة الّتي لم تدرك إلى الآن منتهاها،لا بدّ أن تكون ملايين من الكواكب العظيمة البناء الّتي توصف في الكتب المربوطة.(1:227)

بروجا

1- وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً. الحجر:16

ابن عبّاس: قصورا،و يقال:نجوما،و هي النّجوم الّتي يهتدى بها في ظلمات البرّ و البحر.

(تنوير المقباس:217)

البروج:النّجوم.

مثله الحسن و قتادة.(الطّبرسيّ 3:331)

أنّها بروج الشّمس و القمر،أي منازلها.

(ابن الجوزيّ 4:387)

مجاهد :الكواكب.(الطّبريّ 14:14)

مثله قتادة و مقاتل.(ابن الجوزيّ 4:387)

العوفيّ: هي قصور في السّماء فيها الحرس.

(ابن الجوزيّ 4:387)

أبو صالح: هي النّجوم العظام.

(ابن الجوزيّ 4:387)

الكواكب السّيّارة.(أبو حيّان 5:449)

قتادة: الكواكب من غير قيد.(الآلوسيّ 14:22)

النّجوم العظام،سمّيت بروجا لظهورها.

(ابن الجوزيّ 4:387)

ص: 134

الإمام الصّادق عليه السّلام: هي اثنا عشر برجا.

(الطّبرسيّ 3:331)

ابن قتيبة: يقال:اثنا عشر برجا،و أصل البرج:

القصر و الحصن.(236)

الطّبريّ: و لقد جعلنا في السّماء الدّنيا منازل للشّمس و القمر،و هي كواكب ينزلها الشّمس و القمر.

(14:14)

الزّجّاج: جاء في التّفسير:نجوما و كواكب،و قيل:

منازل الشّمس و القمر.

و هذه البروج الّتي يسمّيها الحسّاب:الحمل و الثّور، و ما أشبهها،هي كواكب أيضا،صورها على صور أسماء أصحابها.

فالبروج:نجوم،كما جاء في التّفسير.(3:175)

الطّوسيّ: البرج:ظهور منزل ممتنع بارتفاعه،فمن ذلك برج الحصن،و برج من بروج السّماء الاثني عشر، و هي منازل الشّمس و القمر.

و أصله:الظّهور،يقال:تبرّجت المرأة،إذا أظهرت زينتها.(6:324)

نحوه ابن عطيّة.(3:354)

البغويّ: البروج:هي النّجوم الكبار،مأخوذة من الظّهور.يقال:تبرّجت المرأة،أي ظهرت،و أراد بها المنازل الّتي تنزلها الشّمس و القمر و الكواكب السّيّارة، و هي اثنا عشر برجا:الحمل،و الثّور،و الجوزاء، و السّرطان،و الأسد،و السّنبلة،و الميزان،و العقرب، و القوس،و الجدي،و الدّلو،و الحوت.(3:52)

نحوه القرطبيّ.(10:9)

شبّر: وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً اثني عشر دالّة باختلاف طباعها و خواصّها،مع تساويها في الجسميّة على صانع حكيم.(3:377)

الآلوسيّ: روي عن ابن عبّاس تفسير ذلك:

بالبروج الاثني عشر المشهورة،و هي ستّة شماليّة:

ثلاثة ربيعيّة و ثلاثة صيفيّة،و أوّلها الحمل.و ستّة جنوبيّة:ثلاثة خريفيّة و ثلاثة شتائيّة،و أوّلها الميزان.

و طول كلّ برج عندهم«ل (1)»درجة،و عرضه «قف (2)»درجة،«ص (3)»منها في جهة الشّمال،و مثلها في جهة الجنوب،و كأنّها إنّما سمّيت بذلك لأنّها كالحصن، أو القصر للكوكب الحالّ فيها.و هي في الحقيقة أجزاء الفلك الأعظم،و هو المحدّد المسمّى بلسانهم الفلك الأطلس و فلك الأفلاك،و بلسان الشّرع بعكسه.

و لهذا يسمّي الشّيخ الأكبر قدّس سرّه الفلك الأطلس بفلك البروج،و المشهور تسمية الفلك الثّامن، و هو فلك الثّوابت به،لاعتبارهم الانقسام فيه،و كأنّ ذلك لظهور ما تتعيّن به الأجزاء من الصّور فيه،و إن كان كلّ منها منتقلا عمّا عيّنه إلى آخر منها،لثبوت الحركة الذّاتيّة للثّوابت على خلاف التّوالي،و إن لم يثبتها لها، لعدم الإحساس بها قدماء الفلاسفة،كما لم يثبت الأكثرون حركتها على نفسها.

و أثبتها الشّيخ أبو عليّ و من تبعه من المحقّقين،و قد صرّحوا بأنّ هذه الصّور المسمّاة بالأسماء المعلومة0.

ص: 135


1- ل:30.
2- قف:180.
3- ص:90.

توهّمت على المنطقة،و ما يقرب منها من الجانبين من كواكب ثابتة،تنظّمها خطوط موهومة وقعت وقت القسمة في تلك الأقسام.و نقل ذلك في«الكفاية»عن عامّة المنجّمين،و إنّهم إنّما توهّموا لكلّ قسم صورة، ليحصل التّفهيم و التّعليم بأن يقال:الدّبران مثلا عين الأسد.

و تعقّب ذلك بقوله:و هذا ليس بسديد عندي،لأنّ تلك الصّور لو كانت وهميّة لم يكن لها أثر في أمثالها من العالم السّفلي،مع أنّ الأمر ليس كذلك،فقد قال بطليموس في الثّمرة:الصّور الّتي في عالم التّركيب مطيعة للصّور الفلكيّة؛إذ هي في ذواتها على تلك الصّور، فأدركتها الأوهام على ما هي عليه،و فيه بحث.

ثمّ هذه البروج مختلفة الآثار و الخواصّ،بل لكلّ جزء من كلّ منها،و إن كان أقلّ من عاشرة،بل أقلّ الأقلّ آثار تخالف آثار الجزء الآخر،و كلّ ذلك آثار حكمة اللّه تعالى و قدرته عزّ و جلّ.

و قد ذكر الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في بعض كتبه:

أنّ آثار النّجوم و أحكامها مفاضة عليها من تلك البروج المعتبرة في المحدّد.

و في الفصل الثّالث من الباب الحادي و السّبعين و الثّلاثمائة من«فتوحاته»ما منه:أنّ اللّه تعالى قسّم الفلك الأطلس اثني عشر قسما سمّاها بروجا،و أسكن كلّ برج منها ملكا،و هؤلاء الملائكة أئمّة العالم.و جعل لكلّ منهم ثلاثين خزانة،تحتوي كلّ منها على علوم شتّى، يهبون منها للنّازل بهم قدر ما تعطيه رتبته،و هي الخزائن الّتي قال اللّه تعالى فيها: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21،و تسمّى عند أهل التّعاليم بدرجات الفلك،و النّازلون بها هم الجواري،و المنازل و عيوقاتها من الثّوابت،و العلوم الحاصلة من تلك الخزائن الإلهيّة هي ما يظهر في عامّ الأركان من التّأثيرات بل ما يظهر في مقعّر فلك الثّوابت إلى الأرض،إلى آخر ما قال.

و قد أطال قدّس سرّه الكلام في هذا الباب،و هو بمعزل عن اعتقاد المحدثين نقلة الدّين عليهم الرّحمة.

ثمّ إنّ في اختلاف خواصّ البروج حسبما تشهد به التّجربة،مع ما اتّفق عليه الجمهور من بساطة السّماء، أدلّ دليل على وجود الصّانع المختار جلّ جلاله.

(14:22)

القاسميّ: جمع:برج،يطلق على القصر و الحصن،و على المنازل الاثني عشر الّتي تنتقل فيها الشّمس،في ظاهر الرّؤية.

و قد فسّرت(البروج)في الآية بالنّجوم و بالمنازل المذكورة و بالقصور،على التّشبيه بحصون الأرض و قصورها.(10:3751)

نحوه الحجازيّ.(14:7)

المراغيّ: البروج:واحدها برج،و هي النّجوم العظام،و منها نجوم البروج الاثني عشر،المعروفة في علم الفلك.(14:12)

الطّباطبائيّ: البروج:جمع برج،و هو القصر.

سمّيت بها منازل الشّمس و القمر من السّماء بحسب الحسّ،تشبيها لها بالقصور الّتي ينزلها الملوك.

(12:138)

ص: 136

طه الدّرّة: وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً اثني عشر،مختلفة الهيئات و الخواصّ،على ما دلّ عليه الرّصد،و التّجربة مع بساطة السّماء،و أسماؤها.[و قد مرّ ذكرها]

و العرب تعدّ المعرفة لمواقع النّجوم و أبوابها من أجلّ العلوم،و يستدلّون بها على الطّرقات،و الأوقات، و الخصب و الجدب.

و قالوا:الفلك اثنا عشر برجا،كلّ برج ميلان و نصف،و أصل البروج:الظّهور،و منه تبرّج المرأة بإظهار زينتها،و هذه البروج تنزلها الشّمس في مسيرها.و هذه البروج مقسومة على ثمانية و عشرين منزلا،لكلّ برج منزلان و ثلث منزل.و هذه البروج مقسومة على ثلاثمائة و ستّين درجة،لكلّ برج منها ثلاثون درجة،تقطعها الشّمس في كلّ سنة مرّة،و بها تتمّ دورة الفلك،و يقطعها القمر في ثمانية و عشرين يوما.

(7:295)

عبد المنعم الجمّال:بروجا:مدارات المجرّات، و المجموعات الشّمسيّة،أو طرق سيرها.(2:1614)

المصطفويّ: المراد بها البروج الّتي يتراءى للنّاظرين،و لا شكّ في انحصارها في الكواكب.

و أمّا البروج المصطلحة في كتب النّجوم فهي:منازل اعتباريّة لمسير الشّمس في السّنة الواحدة،و كذلك فلك البروج المصطلح عندهم.

و أمّا التّعبير في الموارد المذكورة بالبروج دون الكواكب و النّجوم،فإنّ مقام التّنبيه على الجلال و العظمة يقتضي ذلك،فإنّ البروج-كما قلنا-تدلّ على البنيان الرّفيع العالي المتجلّي المتظاهر.(1:227)

2- تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً. الفرقان:61

ابن عبّاس: نجوما.(تنوير المقباس:305)

هي البروج الاثنا عشر،الّتي هي منازل الكواكب السّبعة السّيّارة.(البغويّ 3:454)

النّخعيّ: البروج:القصور العالية،واحدها:برج.

(الطّوسيّ 7:503)

العوفيّ: قصورا في السّماء،فيها الحرس.

مثله أبو صالح،و نحوه يحيى بن رافع، و النّخعيّ.(الطّبريّ 19:29)

أبو صالح: النّجوم الكبار.(الطّبريّ 19:29)

نحوه الحسن(البغويّ 3:454)و قتادة(الطّبريّ 19:29).

الإمام الباقر عليه السّلام: البروج:الكواكب.و البروج الّتي للرّبيع و الصّيف:الحمل،و الثّور،و الجوزاء، و السّرطان،و الأسد،و السّنبلة،و بروج الخريف و الشّتاء:الميزان،و العقرب،و القوس،و الجدي، و الدّلو،و الحوت،و هي اثنا عشر برجا.

(القمّيّ 2:116)

الأعمش:كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها(فى السّماء قصورا).(ابن عطيّة 4:217)

الطّبريّ: يعني بالبروج:القصور في قول بعضهم، و قال آخرون:هي النّجوم الكبار.و أولى القولين في ذلك بالصّواب،قول من قال:هي قصور في السّماء،لأنّ

ص: 137

ذلك في كلام العرب وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.[ثمّ استشهد بشعر](19:30)

الزّجّاج: البروج قيل:هي الكواكب العظام.

و البرج:تباعد بين الحاجبين،و كلّ ظاهر مرتفع فقد برج،و إنّما قيل لها:بروج لظهورها و تباينها و ارتفاعها.(4:73)

الماورديّ: فيها أربعة أوجه:

أحدها:أنّها النّجوم العظام،و هو قول أبي صالح.

الثّاني:أنّها قصور في السّماء فيها الحرس،و هو قول عطيّة العوفيّ.

الثّالث:أنّها مواضع الكواكب.

و الرّابع:أنّها منازل الشّمس.

و قرئ (برجا) قرأ بذلك قتادة،و تأوّله:النّجم.

(4:153)

الطّوسيّ: البروج:منازل النّجوم الظّاهرة،و هي اثنا عشر برجا معروفة،أوّلها الحمل و آخرها الحوت.

و قيل البروج:منازل الشّمس و القمر.(7:503)

القشيريّ: كما أثبت في السّماء بروجا،أثبت في سماء قلوب أوليائه و أصفيائه بروجا،فبروج السّماء معدودة،و بروج القلب مشهودة.

و بروج السّماء:بيوت شمسها و قمرها و نجومها، و بروج القلوب:مطالع أنوارها و مشارق شموسها و نجومها.و تلك النّجوم الّتي هي نجوم القلوب،كالعقل و الفهم و البصيرة و العلم،و قمر القلوب:المعرفة.

قمر السّماء له نقصان و محاق،و في بعض الأحايين هو بدر بوصف الكمال.و قمر المعرفة أبدا له إشراق،و ليس له نقصان أو محاق،و لذا قال قائلهم:

دع الأقمار تخبو أو تنير

لها بدر تذلّ له البدور

فأمّا شمس القلوب فهي التّوحيد،و شمس السّماء تغرب،و لكنّ شمس القلوب لا تغيب و لا تغرب،و في معناه قالوا:

إنّ شمس النّهار تغرب باللّيل

و شمس القلوب ليست تغيب

و يصحّ أن يقال:إنّ شمس النّهار تغرب باللّيل، و شمس القلوب سلطانها في الضّوء،و الطّلوع باللّيل أتمّ.(4:319)

البغويّ: عن ابن عبّاس هي البروج الاثنا عشر الّتي هي منازل الكواكب السّبعة السّيّارة.[و ذكر أسماءها و أضاف:]

فالحمل و العقرب بيتا المرّيخ،و الثّور و الميزان بيتا الزّهرة،و الجوزاء و السّنبلة بيتا عطارد،و السّرطان بيت القمر،و الأسد بيت الشّمس،و القوس و الحوت بيتا المشتري،و الجدي و الدّلو بيتا زحل.

و هذه البروج مقسومة على الطّباع الأربع،فيكون نصيب كلّ واحد منها ثلاثة بروج تسمّى المثلّثات، فالحمل و الأسد و القوس مثلّثة ناريّة،و الثّور و السّنبلة و الجدي مثلّثة أرضيّة،و الجوزاء و الميزان و الدّلو مثلّثة هوائيّة،و السّرطان و العقرب و الحوت مثلّثة مائيّة.

(3:454)

نحوه الطّبرسيّ(4:178)،و مثله النّسفيّ(3:

173).

ص: 138

الزّمخشريّ: البروج:منازل الكواكب السّبعة السّيّارة.[و ذكر أسماءها ثمّ قال:]

سمّيت بالبروج الّتي هي القصور العالية،لأنّها لهذه الكواكب كالمنازل لسكّانها،و اشتقاق البرج من التّبرّج لظهوره.(3:98)

نحوه النّيسابوريّ(19:31)،و أبو حيّان(6:

511)،و أبو السّعود(5:23).

ابن عطيّة: البروج:هي الّتي علمتها العرب بالتّجربة،و كلّ أمّة مصحرة،و هي المشهورة عند اللّغويّين و أهل تعديل الأوقات.و كلّ برج منها على منزلتين و ثلث من منازل القمر،الّتي ذكرها اللّه تعالى في قوله: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ يس:39.

و العرب تسمّي البناء المرتفع المستغني بنفسه:برجا، تشبيها ببروج السّماء،و منه قوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعض النّاس: في هذه الآية الّتي نحن فيها البروج:القصور في الجنّة،و قال الأعمش:كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها(فى السّماء قصورا).و قيل البروج:

الكواكب العظام،حكاه الثّعلبيّ عن أبي صالح،و هذا نحو ما بيّنّاه إلاّ أنّه غير ملخّص.

و أمّا القول بأنّها قصور في الجنّة،فقول يحطّ غرض الآية في التّنبيه على أشياء مدركات،تقوم بها الحجّة على كلّ منكر للّه أو جاهل به.(ابن عطيّة 4:217)

الفخر الرّازيّ:[ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه قول آخر عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ البروج هي الكواكب العظام.و الأوّل أولى لقوله تعالى:

وَ جَعَلَ فِيها أي في البروج.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون قوله فيها راجعا إلى السّماء دون البروج؟

قلنا:لأنّ البروج أقرب،فعود الضّمير إليها أولى.(24:106)

نحوه البيضاويّ.(2:149)

ابن كثير :هي الكواكب العظام،في قول مجاهد و سعيد بن جبير و أبي صالح و الحسن و قتادة.

و قيل:هي قصور في السّماء للحرس،يروى هذا عن عليّ و ابن عبّاس و محمّد بن كعب و إبراهيم النّخعيّ و سليمان بن مهران الأعمش؛و هو رواية عن أبي صالح أيضا.

و القول الأوّل أظهر،اللّهمّ إلاّ أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس،فيجتمع القولان،كما قال تعالى: وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ الملك:5، و لهذا قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً (5:161)

البروسويّ: [قال نحو البغويّ و أضاف:]

و اعلم أنّ اللّه تعالى جعل في سماء نفسك بروج حواسّك،و جعل فيها سراج روحك و قمر قلبك،منيرا بأنوار الرّوحانيّة،فعليك بالاجتهاد في تنوير وجودك، و تخليص قلبك من الظّلمات النّفسانيّة،لتستعدّ لأنوار التّجلّيات،و تتخلّص من ظلمة السّوى،فتصل إلى المطلب الأعلى،فيحصل لك البقاء بعد الفناء،فتجد بعد الفقر كمال الغنى،فتشاهد كمال قدرة الملك القادر هنا.

و في«عرائس القرآن»بروج السّماء:مجاري

ص: 139

الشّمس و القمر،و هي:الحمل و الثّور إلخ.و في القلب بروج و هي:برج الإيمان،و برج المعرفة،و برج العقل، و برج اليقين،و برج الإسلام،و برج الإحسان،و برج التّوكّل،و برج الخوف،و برج الرّجاء،و برج المحبّة، و برج الشّوق،و برج الوله.فهذه اثنا عشر برجا،بها دوام صلاح القلب،كما أنّ الاثنى عشر برجا من الحمل إلخ بها صلاح الدّار الفانية و أهلها.

و في السّماء سراج الشّمس و نور القمر،و في القلب سراج الإيمان و الإقرار،و قمر المعرفة يتلألأ نور إيمانه و معرفته على لسانه بالذّكر،و على عينيه بالعبرة،و على جوارحه بالطّاعة و الخدمة.

و في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى سماء القلوب و بروج المنازل و المقامات،و هي اثنا عشر منزلا:

التّوبة،و الزّهد،و الخوف،و الرّجاء،و التّوكّل،و الصّبر، و الشّكر،و اليقين،و الإخلاص،و التّسليم،و التّفويض، و الرّضى.و هي منازل سيّارات الأحوال،فيها:شمس التّجلّي،و قمر المشاهدة،و زهرة الشّوق،و مشتري المحبّة،و عطارد الكشوف،و مرّيخ الفناء،و زحل البقاء، انتهى.(6:237)

الآلوسيّ: الظّاهر أنّها البروج الاثنا عشر المعروفة.و أخرج ذلك الخطيب في كتاب«النّجوم»عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و هي في الأصل:

القصور العالية،و أطلقت عليها على طريق التّشبيه، لكونها للكواكب كالمنازل الرّفيعة لساكنيها،ثمّ شاع فصار حقيقة فيها.

و عن الزّجّاج: أنّ البرج كلّ مرتفع،فلا حاجة إلى التّشبيه أو النّقل،و اشتقاقه من التّبرّج بمعنى الظّهور.

و الّذي يقتضيه مشرب أهل الحديث أنّها في السّماء الدّنيا،و لا مانع منه عقلا،لا سيّما إذا قلنا:بعظم نحتها بحيث يسع الكواكب،و ما تقتضيه على ما ذكره أهل الهيئة،و هي عندهم أقسام الفلك الأعظم،المسمّى على ما قيل:بالعرش،و لم يرد فيما أعلم إطلاق السّماء عليه، و إن كان صحيحا لغة.

سمّيت بأسماء صور من الثّوابت في الفلك الثّامن، وقعت في محاذاتها وقت اعتبار القسمة،و تلك الصّور متحرّكة بالحركة البطيئة كسائر الثّوابت،و قد قارب في هذه الأزمان أن تخرج كلّ صورة عمّا حاذته أوّلا، و ابتداؤها عندهم من نقطة الاعتدال الرّبيعيّ،و هي نقطة معيّنة من معدّل النّهار،لا تتحرّك بحركة الفلك الثّامن، ملاقية لنقطة أخرى من منطقة البروج تتحرّك بحركته.

و إذا لم يتحرّك مبدأ البروج بتلك الحركة،لم يتحرّك ما عداها.

و قد جعل اللّه تعالى ثلاثة منها ربيعيّة،و هي:

الحمل،و الثّور،و الجوزاء،و تسمّى التّوأمين أيضا.

و ثلاثة صيفيّة،و هي:السّرطان،و الأسد،و السّنبلة، و تسمّى العذراء أيضا،و هذه السّتّة شماليّة.

و ثلاثة خريفيّة،و هي:الميزان،و العقرب، و القوس،و يسمّى الرّامي أيضا،و ثلاثة شتويّة،و هي:

الجدي،و الدّلو و يسمّى الدّالي و ساكب الماء أيضا، و الحوت و تسمّى السّمكتين،و هذه السّتّة جنوبيّة.

و لحلول الشّمس في كلّ من الاثني عشر يختلف الزّمان حرارة و برودة،و اللّيل و النّهار طولا و قصرا،

ص: 140

و بذلك يظهر بحكم جري العادة في عالم الكون و الفساد آثار جليلة من نضج الثّمار و إدراك الزّروع،و نحو ذلك ممّا لا يخفى،و لعلّ ذلك هو وجه البركة في جعلها.

و أمّا ما يزعمه أهل الأحكام من الآثار:إذا كان شيء منها طالعا وقت الولادة،أو شروع في عمل من الأعمال،أو وقت حلول الشّمس نقطة الحمل الّذي هو مبدأ السّنة الشّمسيّة في المشهور،فهو محض ظنّ و رجم بالغيب،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى الكلام في ذلك مفصّلا.

و لهم في تقسيمها إلى مذكّر و مؤنّث،و ليليّ و نهاريّ، و حارّ و بارد،و سعد و نحس،إلى غير ذلك،كلام طويل، و لعلّنا نذكر شيئا منه بعد إن شاء اللّه تعالى،و من أراده مستوفى فليرجع إلى كتبهم.

ثمّ الظّاهر أنّ البروج المجعولة ممّا لا دخل للاعتبار فيها،و المذكور في كلام أهل الهيئة أنّها حاصلة من اعتبار فرض ستّ دوائر معلومة قاطعة للعالم،فيكون للاعتبار دخل فيها،و إن لم تكن في ذلك كأنياب الأغوال،لوجود مبدأ الانتزاع فيها.فإن كان الأمر على هذا الطّرز عند أهل الشّرع،بأن يعتبر تقسيم ما هي فيه إلى اثنتي عشرة قطعة،و تسمّى كلّ قطعة برجا،فالظّاهر أنّ المراد بجعله تعالى إيّاها جعل ما يتمّ به ذلك الاعتبار،و يتحقّق به أمر التّفاوت و الاختلاف بين تلك البروج،و فيه من الخير الكثير ما فيه.

و قيل:إنّ في الآية إيماء إلى أنّ اعتبار التّقسيم كان عن وحي،و المشهور أنّ من اعتبر ذلك أوّلا هرمس، و هو على ما قيل:إدريس عليه السّلام،فتأمّل.

و أخرج عبد بن حميد عن قتادة أنّ البروج:قصور على أبواب السّماء فيها الحرس،و قيل:هي القصور في الجنّة.

قال الأعمش: و كان أصحاب عبد اللّه يقرءون(فى السّماء قصورا)و تعقّب بأنّه يأباه السّياق،لأنّ الآية قد سيقت للتّنبيه على ما يقوم به الحجّة على الكفرة الّذين لا يسجدون للرّحمن جلّ شأنه،و بيان أنّه المستحقّ للسّجود ببيان آثار قدرته سبحانه،و كماله جلّ جلاله.

و الظّاهر أن يكون ذلك بذكر أمور مدركة معلومة لهم، و تلك القصور ليست كذلك.

و أخرج ابن جرير،و ابن المنذر عن مجاهد: أنّها النّجوم،و روي ذلك عن قتادة أيضا،و عن أبي صالح تقييدها بالكبار،و أطلق عليها ذلك لعظمها و ظهورها، لا سيّما الّتي من أوّل المراتب الثّلاثة،للقدر الأوّل من الأقدار السّتّة.

و أنت تعلم أنّه لم يعهد إطلاق البروج على النّجوم، فالأولى أن يراد بها المعنى الأوّل المرويّ عن ابن عبّاس، الّذي هو أظهر من الشّمس.(19:40)

القاسميّ: أي نجوما،أو هي البروج الاثنا عشر، الّتي ترى صورها في الأشكال الحاصلة من اجتماع بعض الكواكب على نسب خاصّة،و تنتقل فيها الشّمس في ظاهر الرّؤية.(12:4588)

المراغيّ: البروج:منازل السّيّارات الاثني عشر المعروفة،الّتي جمعها بعضهم في قوله:

حمل الثّور جوزة السّرطان

و دعى اللّيث سنبل الميزان

ص: 141

و رمى عقرب بقوس لجدي

نزح الدّلو بركة الحيتان

[ثمّ ذكر أسماءها و قال:]

و هي منازل الكواكب السّيّارة السّبعة،و هي:المرّيخ و له الحمل و العقرب،و الزّهرة و لها الثّور و الميزان، و عطارد و له الجوزاء و السّنبلة،و القمر و له السّرطان، و الشّمس و لها الأسد،و المشتري و له القوس و الحوت، و زحل و له الجدي و الدّلو.

و هي في الأصل القصور العالية،فأطلقت عليها على طريق التّشبيه.(19:27)

سيّد قطب: البروج،على الأرجح:منازل الكواكب السّيّارة،و مداراتها الفلكيّة الهائلة.و الفخامة هنا تقابل في الحسّ ذلك الاستخفاف في قول المشركين:

«و ما الرّحمن»؟فهذا شيء من خلقه ضخم هائل،عظيم في الحسّ و في الحقيقة،و في هذه البروج تنزل الشّمس.

(5:2576)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(10:54)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد بالبروج:منازل الشّمس و القمر من السّماء أو الكواكب الّتي عليها،كما تقدّم في قوله: وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ* وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ الحجر:

16،17،و إنّما خصّت بالذّكر في الآية للإشارة إلى الحفظ و الرّجم المذكورين.(15:235)

طه الدّرّة: أي منازل للكواكب السّبعة السّيّارة.

و أصل البروج:القصور العالية،قال تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.

سمّيت هذه المنازل بروجا،لأنّها للكواكب السّيّارة كالمنازل الرّفيعة الّتي هي القصور لسكّانها،و هي اثنا عشر.[فذكرها ثمّ قال:]

و الكواكب السّيّارة هي:المرّيخ و له الحمل و العقرب،و الزّهرة و لها الثّور و الميزان،و عطارد-و يمنع من الصّرف لصيغة منتهى الجمع-و له الجوزاء و السّنبلة، و القمر و له السّرطان،و الشّمس و لها الأسد،و المشتري و له القوس و الحوت،و زحل-و يمنع من الصّرف للعلميّة و العدل-و له الجدي و الدّلو،و انظر الآية(16)من سورة الحجر،و سورة ياسين(39)،لمعرفة منازل القمر.

(10:57)

تبرّجن-تبرّج

وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى.

الأحزاب:33

ابن عبّاس: و لا تتزيّنّ بزينة الكفّار في الثّياب الرّقاق الملوّنة.(تنوير المقباس:353)

كان فيما بين نوح و إدريس،و كانت ألف سنة،و إنّ بطنين من ولد آدم،كان أحدهما يسكن السّهل،و الآخر يسكن الجبل.و كان رجال الجبل صباحا،و في النّساء دمامة،و كان نساء السّهل صباحا،و في الرّجال دمامة، و إنّ إبليس أتى رجلا من أهل السّهل في صورة غلام، فأجر نفسه منه،و كان يخدمه،و اتّخذ إبليس شيئا مثل ذلك الّذي يزمر فيه الرّعاء،فجاء فيه بصوت لم يسمع مثله،فبلغ ذلك من حولهم،فانتابوهم يسمعون إليه، و اتّخذوا عيدا يجتمعون إليه فى السّنة،فتتبرّج الرّجال

ص: 142

للنّساء.و يتزيّن النّساء للرّجال،و إنّ رجلا من أهل الجبل هجم عليهم و هم في عيدهم ذلك،فرأى النّساء، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك،فتحوّلوا إليهنّ فنزلوا معهنّ،فظهرت الفاحشة فيهنّ،فهو قول اللّه وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى. (الطّبريّ 22:4)

مجاهد :التّبرّج:التّبختر و التّكبّر في المشي.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 4:356)

أنّ المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرّجال،فهو التّبرّج.(ابن الجوزيّ 6:380)

قتادة: أي إذا خرجتنّ من بيوتكنّ.كانت لهنّ مشية و تكسّر و تغنّج،يعني بذلك الجاهليّة الأولى، فنهاهنّ اللّه عن ذلك.(الطّبريّ 22:4)

ابن أبي نجيح: التّبختر.(الطّبريّ 22:4)

الطّبريّ: إنّ التّبرّج في هذا الموضع:التّبختر و التّكسّر.

و قيل:إنّ التّبرّج هو إظهار الزّينة،و إبراز المرأة محاسنها للرّجال.(22:4)

مقاتل: التّبرّج:أنّها كانت تلقي الخمار عن رأسها و لا تشدّه،فيرى قرطها و قلائدها.

(ابن الجوزيّ 6:381)

الكلبيّ: إنّ المرأة منهنّ كانت تتّخذ الدّرع من اللّؤلؤ فتلبسه،ثمّ تمشي وسط الطّريق ليس عليها غيره، و ذلك في زمن إبراهيم عليه السّلام.(ابن الجوزيّ 6:380)

نحوه الفرّاء.(2:342)

الفرّاء: كانت المرأة إذ ذاك تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط الجانبين،و يقال:كانت تلبس الثّياب تبلغ المال (1)لا تواري جسدها،فأمرن ألاّ يفعلن مثل ذلك.

(2:342)

أبو عبيدة: هو من التّبرّج،و هو أن يبرزن محاسنهنّ فيظهرنها.(2:138)

الزّجّاج: التّبرّج:إظهار الزّينة،و ما تستدعى به شهوة الرّجل،و قيل:إنّهنّ كنّ يتكسّرن في مشيتهنّ، و يتبخترن.(4:225)

الطّوسيّ: نصب(تبرّج)على المصدر،و المعنى مثل تبرّج الجاهليّة الأولى،و هو ما كان قبل الإسلام.

و قيل:ما كان بين آدم و نوح،و قيل:ما كان بين موسى و عيسى،و قيل:ما كان بين عيسى و محمّد.

و قيل:ما كان يفعله أهل الجاهليّة،لأنّهم كانوا يجوّزون لامرأة واحدة رجلا و خلاّ،فللزّوج النّصف السّفلانيّ،و للخلّ الفوقانيّ من التّقبيل و المعانقة،فنهى اللّه تعالى عن ذلك أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و اشتقاق التّبرّج،من البرج،و هو السّعة في العين.

و طعنة برجاء،أي واسعة.و في أسنانه برج،إذا تفرّق ما بينها.

و أمّا الجاهليّة الأخرى،فهو ما يعمل بعد الإسلام بعمل أولئك.(8:339)

ابن عطيّة: التّبرّج:إظهار الزّينة و التّصنّع بها، و منه البروج لظهورها و انكشافها للعيون.(4:383)

الطّبرسيّ:أي لا تخرجن على عادة النّساء اللاّتي في الجاهليّة،و لا تظهرن زينتكنّ كما كنّ يظهرنة.

ص: 143


1- كذا في الأصل،و الصّواب«المآكم»:جمع مأكم،و هو العجيزة.

ذلك.(7:356)

الفخر الرّازيّ: قيل:معناه لا تتكسّرن و لا تتغنّجن،و يحتمل أن يكون المراد لا تظهرن زينتكنّ.(25:209)

البيضاويّ: و لا تبخترن في مشيكنّ.(2:245)

النّسفيّ: التّبرّج:التّبختر في المشي،و إظهار الزّينة،و التّقدير:و لا تبرّجن تبرّجا مثل تبرّج النّساء في الجاهليّة الأولى.(3:302)

شبّر: لا تظهرن زينتكنّ للرّجال.(5:145)

الآلوسيّ: معنى تبرّجت المرأة:ظهرت من برجها، أي قصرها.و جعل الرّاغب إطلاق البرج على سعة العين و حسنها للتّشبيه بالبرج في الأمرين.

و لا يخفى أنّه لو فسّر التّبرّج هنا بالظّهور من البرج تكون هذه الجملة كالتّأكيد لما قبلها،فالأولى أن لا يفسّر به.

و تبرّج مصدر تشبيهيّ،مثل له صوت صوت حمار، أي لا تبرّجن مثل تبرّج الجاهليّة الأولى.

و قيل:في الكلام إضمار مضافين،أي تبرّج نساء أيّام الجاهليّة،و إضافة نساء على معنى«في».(22:8)

القاسميّ: التّبرّج،فسّر بالتّبختر و التّكسّر في المشي،و بإظهار الزّينة و ما يستدعى به شهوة الرّجل، و بلبس رقيق الثّياب الّتي لا تواري جسدها.و بإبداء محاسن الجيد و القلائد و القرط.و كلّ ذلك ممّا يشمله النّهي،لما فيه من المفسدة و التّعرّض لكبيرة.

(13:4849)

المراغيّ: أي و لا تبدين زينتكنّ و محاسنكنّ للرّجال،كما كان النّساء يفعلن ذلك في الجاهليّة قبل الإسلام.(22:6)

الطّباطبائيّ: التّبرّج:الظّهور للنّاس كظهور البروج لناظريها.(16:309)

الحجازيّ: التّبرّج:الظّهور مع إظهار ما يجب ستره.

و التّبرّج المنهيّ عنه:ظهور المرأة على وجه لا يرضاه الشّرع،تكريما لها و صونا لعفافها،و محافظة على مكانتها في مجتمعها.(22:3،5)

عبد الكريم الخطيب: التّبرّج:التّهتّك،و إظهار الزّينة.(11:706)

المصطفويّ: أي لا يتظاهرن و لا يردن الاستعلاء و التّجلّي و جلب النّفوس،و معلوم أنّ التّظاهر و الاستعلاء في كلّ نوع بحسبه،ففي المرأة بالتّزيّن في مقابل الأجانب،قولا و عملا و سلوكا و مشيا و لمزا و نظرا.

فكلّ حركة أو سكون من المرأة يجلب نظر الأجنبيّ، و يقتضي نفوذها فيه و يوجب التّظاهر و التّجلّي و الاستعلاء في قباله،فهو تبرّج منهيّ في القرآن الكريم، و صاحبه مخالف أمر اللّه المتعال،و من أهل الجاهليّة.

(1:228)

متبرّجات

...فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ... النّور:60

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: للزّوج ما تحت الدّرع،و للابن و الأخ

ص: 144

ما فوق الدّرع،و لغير ذي محرم أربعة أثواب:درع و خمار و جلباب و إزار.(الطّبرسيّ 7:155)

ابن مسعود: أن يضعن الملحفة و الرّداء.

(الزّجّاج 4:53)

ابن عبّاس: من غير أن يتزيّنّ،أن يظهرن ما عليهنّ من الزّينة عند الغريب.

(تنوير المقباس:299)

عطاء: هذا في بيوتهنّ،فإذا خرجت فلا يحلّ لها وضع الجلباب.(القرطبيّ 12:310)

أبو عمرو ابن العلاء: متزيّنات.

(السّجستانيّ:135)

الإمام الرّضا عليه السّلام: غير مظهرات زينة ممّا أمرن بإخفائه،في قوله تعالى: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها النّور:31.(الكاشانيّ 3:447)

نحوه شبّر.(4:335)

أبو عبيدة: التّبرّج:أن يظهرن محاسنهنّ،ممّا لا ينبغي لهنّ أن يظهرنها.(2:69)

الزّجّاج: التّبرّج:إظهار الزّينة،و ما يستدعى به شهوة الرّجل.(الأزهريّ 11:56)

الطّبريّ: ليس عليهنّ جناح في وضع أرديتهنّ،إذا لم يردن بوضع ذلك عنهنّ،أن يبدين ما عليهنّ من الزّينة للرّجال.

و التّبرّج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تستره.(18:167)

السّجستانيّ: أي مظهرات محاسنهنّ،ممّا لا ينبغي أن يظهرنه.قيل:(متبرّجات)أي منكشفات الشّعور.(135)

الطّوسيّ: أي لا تقصد بوضع الجلباب إظهار محاسنها،و ما ينبغي لها أن تستره.و التّبرّج:إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره.(7:461)

البغويّ: أي من غير أن يردن بوضع الجلباب و الرّداء إظهار زينتهنّ.و التّبرّج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تستره.(3:429)

الميبديّ: أي غير مبديات بزينة.و التّبرّج:إظهار محاسنها الّتي ينبغي أن تسترها،كالشّعر و الذّراع و النّحر و السّاق،أي لا يقصدن بوضعها أن يظهرن زينتهنّ.

و قيل:التّبرّج هاهنا و في قوله: وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الأحزاب:33،الخروج من البيت ظاهرة الزّينة.(6:565)

الزّمخشريّ: غير مظهرات زينة،يريد الزّينة الخفيّة الّتي أرادها في قوله: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ النّور:31،أو غير قاصدات بالوضع التّبرّج،و لكن التّخفّف إذا احتجن إليه،و الاستعفاف من الوضع خير لهنّ.

لمّا ذكر الجائز عقّبه بالمستحبّ،بعثا منه على اختيار أفضل الأعمال و أحسنها،كقوله: وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى البقرة:237، وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ البقرة:280.

فإن قلت:ما حقيقة التّبرّج؟قلت:تكلّف إظهار ما يجب إخفاؤه،من قولهم:سفينة بارج:لا غطاء عليها.

و البرج:سعة العين،يرى بياضها محيطا بسوادها كلّه،لا يغيب منه شيء،إلاّ أنّه اختصّ بأن تتكشّف

ص: 145

المرأة للرّجال،بإبداء زينتها و إظهار محاسنها.و بدا و برز، بمعنى ظهر،من أخوات تبرّج و تبلّج كذلك.(3:76)

نحوه البيضاويّ(2:135)،و النّسفيّ(3:154)، و النّيسابوريّ(8:128)،و أبو حيّان(6:473)، و الشّربينيّ(2:64)،و أبو السّعود(4:484).

الطّبرسيّ: أي غير قاصدات بوضع ثيابهنّ إظهار زينتهنّ،بل يقصدن به التّخفيف عن أنفسهنّ،فإظهار الزّينة في القواعد و غيرهنّ محظور.

و أمّا الشّابّات فإنّهنّ يمنعن من وضع الجلباب أو الخمار،و يؤمرن بلبس أكثف الجلاليب لئلاّ تصفهنّ ثيابهنّ.[ثمّ ذكر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله](7:155)

القرطبيّ: أي غير مظهرات و لا متعرّضات بالزّينة لينظر إليهنّ،فإنّ ذلك من أقبح الأشياء و أبعده عن الحقّ.

و التّبرّج:التّكشّف و الظّهور للعيون،و منه بروج مشيّدة،و بروج السّماء و الأسوار،أي لا حائل دونها يسترها.

و قيل لعائشة رضي اللّه عنها: يا أمّ المؤمنين، ما تقولين في الخضاب و الصّباغ و التّمائم و القرطين و الخلخال و خاتم الذّهب و رقاق الثّياب؟

فقالت:يا معشر النّساء،قصّتكنّ قصّة امرأة واحدة،أحلّ اللّه لكنّ الزّينة،غير متبرّجات لمن لا يحلّ لكنّ أن يروا منكنّ محرّما.

و قال عطاء: هذا في بيوتهنّ،فإذا خرجت فلا يحلّ لها وضع الجلباب.

و على هذا غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ غير خارجات من بيوتهنّ،و على هذا يلزم أن يقال:إذا كانت في بيتها فلا بدّ لها من جلباب فوق الدّرع.و هذا بعيد،إلاّ إذا دخل عليها أجنبيّ.

ثمّ ذكر تعالى أنّ تحفّظ الجميع منهنّ،و استعفافهنّ عن وضع الثّياب،و التزامهنّ ما يلزم الشّباب أفضل لهنّ و خير.

ثمّ قيل:من التّبرّج أن تلبس المرأة ثوبين رقيقين يصفانها.

روى«الصّحيح»عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«صنفان من أهل النّار لم أرهما:قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس،و نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات،رءوسهنّ كأسنمة البخت المائلة،لا يدخلن الجنّة و لا يجدن ريحها،و إنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا».

قال ابن العربيّ: و إنّما جعلهنّ كاسيات،لأنّ الثّياب عليهنّ،و إنّما وصفهنّ بأنّهنّ عاريات،لأنّ الثّوب إذا رقّ يصفهنّ،و يبدي محاسنهنّ،و ذلك حرام.

قلت:هذا أحد التّأويلين للعلماء في هذا المعنى.

و الثّاني:أنّهنّ كاسيات من الثّياب،عاريات من لباس التّقوى الّذي قال اللّه تعالى فيه: وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ الأعراف:26.[إلى أن قال:]

و هذا التّأويل أصحّ التّأويلين،و هو اللاّئق بهنّ في هذه الأزمان،و خاصّة الشّباب،فإنّهنّ يتزيّنّ و يخرجن متبرّجات،فهنّ كاسيات بالثّياب،عاريات من التّقوى حقيقة،ظاهرا و باطنا،حيث تبدي زينتها و لا تبالي بمن ينظر إليها،بل ذلك مقصودهنّ،و ذلك مشاهد في الوجود منهنّ.فلو كان عندهنّ شيء من التّقوى لما فعلن

ص: 146

ذلك،و لم يعلم أحد ما هنالك.

و ممّا يقوّي هذا التّأويل ما ذكر من وصفهنّ في بقيّة الحديث،في قوله:«رءوسهنّ كأسنمة البخت».

و البخت ضرب من الإبل عظام الأجسام،عظام الأسنمة،شبّه رءوسهنّ بها لما رفعن من ضفائر شعورهنّ على أوساط رءوسهنّ.

و هذا مشاهد معلوم،و النّاظر إليهنّ ملوم،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرّجال من النّساء».(12:309-311)

البروسويّ: أصل التّبرّج:التّكلّف في إظهار ما يخفى،خصّ بكشف عورة زينتها و محاسنها للرّجال.

و المعنى حال كونهنّ غير مظهرات لزينة خفيّة كالسّوار و الخلخال و القلادة،لكن لطلب التّخفيف جاز الوضع لهنّ.(6:178)

القاسميّ: أي مظهرات لزينة خفيّة،يعني الحليّ في مواضعه المذكورة،في قوله تعالى: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ النّور:31.

أو المعنى غير قاصدات بالوضع التّبرّج،و لكن التّخفّف إذا احتجن إليه.(12:4550)

عزّة دروزة: عدم إظهار الزّينة و أماكنها لغير المحارم،فجاءت هذه الآية تستدرك بشأن النّساء اللاّتي لا يخاف من فتنتهنّ استدراك إجازة و تيسير،مع التّنبيه على وجوب الاحتشام و عدم التّظاهر بالزّينة على كلّ حال.

و المقطع الأخير الّذي انتهت به الآية،يلهم أنّ هذا التّنبيه لتفادي ما يمكن أن يجلبه التّخفّف من الثّياب أكثر من المعقول،على هؤلاء أيضا من النّقد و التّثريب.(10:77)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البرج على ثلاثة أوجه:النّجم، القصر،الوسع.

فوجه منها:البرج يعني النّجم،قوله تعالى:

وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البروج:1،أي ذات النّجوم،كقوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الفرقان:61،يعني النّجوم.

و الوجه الثّاني:البروج يعني القصور،قوله تعالى:

وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78،يعني القصور في السّماء.

و الوجه الثّالث:البرج:الوسع،قوله تعالى:

وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الأحزاب:33، أي تتوسّعن في المشي.(139)

الفيروزآباديّ: و هو القصر،و جمعه:بروج.و قد جاء في القرآن على وجوه ثلاثة:

الأوّل:بمعنى مدار الكواكب وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البروج:1، تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الفرقان:61، وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً الحجر:16.

و الثّاني:بمعنى القصور وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78،أي قصور محكمة مطوّلة.

قيل:يجوز أن يراد بها بروج في الأرض،و أن يراد بروج النّجوم،و يكون استعمال لفظ المشيّدة فيها على سبيل الاستعارة.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 147

و أن يكون البروج في الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثوب مبرّج:صوّر عليه بروج.

الثّالث:بمعنى التّزيّن و التّوسّع وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأحزاب:33، غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ النّور:

60.

و هذا كلّه مأخوذ من«المبرّج»في اعتبار حسنه، فقولهم:تبرّجت المرأة:تشبّهت بالمبرّج في إظهار المحاسن.

و قيل:ظهرت من برجها،أي قصرها.و البرج:

سعة العين،و حسنها؛تشبّها بالبرج في الأمرين.[ثمّ استشهد بشعر](بصائر ذوي التّمييز 2:234)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البرج»و هو ركن أو بناء شاهق،كبرج الحصن و القصر،و سمّيت بروج الفلك بهذا الاسم نظرا إلى نسبة فواصل بعض نجومها عن بعض،كأنّه يتصوّر فيه من النّجوم بناء مرتفعا يشبه برجا،فيدخل القمر في سيره كلّ شهر برجا من هذه البروج،ثمّ يجتازه.

و قد استعمل البرج بعد ذلك في الظّهور و البروز و الاتّساع،فأطلقوا على اتّساع العين و ظهور بياضها البرج.

2-و قد قطع من تكلّم فيه من المعاصرين بأنّه معرّب اللّفظ اليونانيّ«پرگس»،أي الحافّات البارزة فوق جدران المدينة،ثمّ انتقل هذا المعنى إلى الألمانيّة بلفظ«برگ»،و إلى الفرنسيّة بلفظ«بورجو»،و منه اشتقّ لفظ«بورجوس»و«بورجوسي»،أي البرجوازيّة،و هي تعني بالفرنسيّة السّكن في البروج، إشارة إلى رغد العيش و الرّفاه.

3-و لكنّ هذا الرّأي لو صحّ يستند إلى لفظ«بروج» جمعا دون مفرده المستعمل في العربيّة بلفظ«برج»و في السّريانيّة بلفظ«برجا».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت خمسة ألفاظ من هذه المادّة في ستّ آيات:

1- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الأحزاب:33

2- فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ النّور:60

3- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78

4- وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البروج:1

5- وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ الحجر:16

6- تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً

الفرقان:61

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يرد من هذه المادّة أفعال،سوى فعل واحد ثلاثيّ مزيد فيه،و هو(تبرّجن)،مسبوق ب(لا)النّاهية،و هو خطاب للنّساء،نهاهنّ اللّه فيه عن السّفور و إظهار محاسنهنّ لغير محارمهنّ،و عدّ سبحانه ذلك تقليدا من تقاليد الجاهليّة الأولى.و قد أكّد الفعل في الآية الأولى بمصدر نوعيّ هو(تبرّج)،و ورد مثل هذا

ص: 148

التّحذير في استعمال اسم من هذا الفعل في الآية الثّانية.

ثانيا:جاء في الآيات(3)إلى(6)لفظ«البروج» و قد استعمل في(3)استعمالا يستأنس به النّاس،بما رأوا من البروج في أرجاء المعمورة.أمّا في سائر الآيات فقد استعمل هذا اللّفظ في وصف ما في السّماء من البروج، تشبيها لها بما تعرفه النّاس في الأرض من البروج المشيّدة،لاستعلائها و شموخها.

ثالثا:نرى أنّ«البروج»في هذه الموارد اصطلاح فلكيّ،استعمله القرآن لشيوعه عند العرب حينذاك، و نظيره المشرق و المغرب و نحوهما.و لم يأخذه من الفلكيّين،و هو باب من المعارف القرآنيّة؛إذ أنّه لم يستعمل إلاّ ما شاع عند النّاس،دون ما تعارف في العلوم.

رابعا:جاء من هذه المادّة في القرآن فعل و مصدر و اسم و صفة،و قد جاء الاسم جمعا أربع مرّات بمعنيين كما سبق:البروج الأرضيّة مرّة واحدة،و البروج السّماويّة ثلاث مرّات،بنسبة 4:1،و ذلك لخفائها رغم عظمها،فاقتضى الأمر تكرارها،بخلاف ما في الأرض لوضوحها.كما أنّ النّسبة بين المشتقّ و الاسم الجامد كنسبة 3:4،بزيادة الجامد درجة واحدة.

خامسا:أنّ الإتيان بصيغة الجمع في الموارد الأربعة يزيد في عظمتها و أبّهتها اتّساعا بين اللّفظ و المعنى.

سادسا:لم يأت المشتقّ منها إلاّ من باب التّفعّل، و فيه إشعار بالتّكلّف المعمول به عند النّساء،في إبراز جمالهنّ بكلّ وسيلة،و قد ورد لها-كما سبق في النّصوص -معنيان:التّزيّن و التّبرّز،و لعلّهما أخذا معا من الآيات، و أنّ المراد بها التّكلّف في الأمرين:التّزيّن بكلّ وسيلة، و البروز في كلّ مناسبة،و هذا تعبير واف عن شيمة النّساء و ديدنهنّ في إبراز محاسنهنّ.

سابعا:التّقييد ب(تبرّج الجاهليّة)ليس للتّخصيص، بل للإدانة و التّقبيح،فيشمل كلّ تبرّج خارج عن حدّ العفّة و الشّريعة،و قد حدّدها القرآن في آيات أخرى.

ثامنا:منع القرآن النّساء من إبداء الزّينة كما منعهنّ من التّبرّج؛حيث قال مرّتين في آية واحدة:

وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ... النّور:31.و منعهنّ أيضا من ضربهنّ بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ،تأكيدا لعدم إبداء الزّينة.

و المطلوب في الآية مطلق إبداء الزّينة،إلاّ ما استثني في موردين،أحدهما:إبداء ما ظهر منها طبعا.و ثانيهما:

إبداؤها لأشخاص معدودين.و يبدو أنّ إبداء الزّينة جزء من التّبرّج و ليس عينه،أو هو أوّل مرحلة منه، لاحظ«ب د و».

ص: 149

ص: 150

ب ر ح

اشارة

لفظان،3 مرّات مكّيّة،في 3 سور مكّيّة

ابرح 2:2 نبرح 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: برح الرّجل يبرح براحا،إذا رام من موضعه.و أبرحته:رمته.و قول الأعشى:

*أبرحت ربّا و أبرحت جارا*

أي أعظمت،و اتّخذته عظيما.

و ما برحت أفعل كذا،أي ما زلت.

و قولهم:برح الخفاء،أي ذهب،قال:

*برح الخفاء و ما لدىّ تجلّد*

و أرض براح:لا بناء فيها و لا عمران.

و البرحاء:الحمّى الشّديدة.

و تقول:برّح بنا فلان تبريحا،إذا آذاك بإلحاح المشقّة،قال ذو الرّمّة:

*لنا و الهوى برح على من يغالبه*

و التّباريح:كلف المعيشة في مشقّة،و الاسم:التّبرّح.

و تقول:ضربته ضربا مبرّحا،و لا تقول:مبرّحا.

و هذا الأمر أبرح عليّ من ذاك،أي أشقّ و أشدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراح:البيان،تقول:جاء الكفر براحا:و على هذا المعنى يجوز:برح الخفاء،أي ظهر ما كنت أخفي.

و البروح:مصدر البارح،و هو خلاف السّانح من الظّباء و الطّير،و ما يتيمّن به أو يتشاءم به.[ثمّ استشهد بشعر]

و البارح من الرّياح:ما تحمل التّراب في شدّة الهبوب.[ثمّ استشهد بشعر](3:215)

اللّيث: يقال للمحموم الشّديد الحمّى:أصابته البرحاء،و يقال:برّح بنا فلان تبريحا فهو مبرّح،و أنا مبرّح،إذ آذاك بإلحاح المشقّة،و الاسم:التّبريح و البرح.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:28)

الكسائيّ: لقيت منه البرحين و البرحين.

مثله أبو عبيد.(الأزهريّ 5:29)

ص: 151

أبو عمرو الشّيبانيّ:و برحى له و مرحى،إذا تعجّب منه.[ثمّ استشهد بشعر]

برحة كلّ شيء:خياره،و يقال للبعير:هو برحة من البرح،يريد أنّه من خيار الإبل.

و أبرح فلان،رجلا،إذا فضله.(الأزهريّ 5:29)

و يقال:أبرحت لؤما و أبرحت كرما.

(ابن فارس 1:240)

الفرّاء: بعير برحة من البرح:و هو الخيار،أعطني برح إبلك،و هو من قوله:أبرحت ربّا و أبرحت جارا، أي أعظمت.(الصّاحب 3:88)

لقيت منه بنات برح و بني برح،كلّ ذلك معناه الدّاهية و الشّدّة.(الأزهريّ 5:29)

قلنا للحسن:ما قوله:ضربا غير مبرّح»قال:غير مؤثّر.(الأزهريّ 5:30)

و برح بالفتح أيضا،أي مضى،و منه سمّيت البارحة.

(ابن فارس 1:238)

براح بكسر الباء،و هي باء الجرّ،و هو جمع راحة، و هي الكفّ،أي استريح منها.(ابن منظور 2:409)

ابو عبيدة: في المثل:«ما أشبه اللّيلة بالبارحة» للشّيء ينتظره خيرا من شيء،فيجيء مثله.

(ابن فارس 1:239)

أبو زيد:البرح:العذاب و الشّدّة،و من ذلك قولهم:برّحت بفلان.(55)

يقال:دلكت براح و براح تكسر و تضمّ،و هو اسم للشّمس معروف.[ثمّ استشهد بشعر](88)

البوارح:الشّمأل،في الصّيف خاصّة.

(الأزهريّ 5:28)

دلكت براح مجرور منوّن و دلكت براح مضموم غير منوّن.(الأزهريّ 5:30)

تقول-مذ غدوة،إلى أن تزول الشّمس-رأيت اللّيلة في منامي،فإذا زالت الشّمس قلت:رأيت البارحة.(ابن سيدة 3:325)

الأصمعيّ: إذا تمدّد المحموم للحمّى فذلك المطواء، فإذا تثاءب عليها فهي الثّؤباء،فإذا عرق عليها فهي الرّحضاء،فإن اشتدّت الحمّى فهي البرحاء.و البرحاء:

الشّدّة و المشقّة.

أبرحت:بالغت لؤما،و أبرحت كرما،أي جئت بأمر مفرط.(الأزهريّ 5:29)

يقال:برح الخفاء،و ذلك إذا ظهر.و أصله من البراح،و البراح:المتّسع من الأرض المستوي،تقول:

صار في براح،أي في أمر منكشف.(الحربيّ 2:844)

أبو عبيد: في حديث أبي وائل في قول اللّه عزّ و جلّ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الإسراء:

78،دلوكها:غروبها،و هو في كلام العرب:دلكت براح.

قوله:دلكت براح،يقول:غابت،و هو ينظر إليها، و قد وضع كفّه على حاجبه،و منه قول العجّاج:

*أدفعها بالرّاح كي تزحلقا*

و فيه لغة أخرى،يقال:دلكت براح،مثل قطام و نزال،غير منوّنة.(2:387)

البراح:المكاشفة،يقال:بارح براحا:كاشف.

و أحسب أنّ البارح الّذي هو خلاف السّانح من هذا، لأنّه شيء يبرز و يظهر.

ص: 152

يقال:ما أبرح هذا الأمر،أي أعجبه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:239)

ابن الأعرابيّ: دلكت براح،أي استريح منها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:30)

يقال:أبرحت بفلان،أي حملته على ما لا يطيق، فتبرّح به و غمّه،و أنشد:

*أبرحت مغروسا و أنعمت غارسا*

البريح:التّعب.(ابن فارس 1:240)

و البراح:الظّهور و البيان.و برح الخفاء،و برح -الأخيرة عن ابن الأعرابيّ-:ظهر.[ثمّ استشهد بشعر]

لقيت منه ابن بريح كذلك،و البريح:التّعب أيضا.

(ابن سيدة 3:243)

يقال:لقيته صرحة برحة،أي لقيته ظاهرا باديا.

(الخطّابيّ 1:690)

أبو حاتم: براح،أي براحة،و براح بالضّمّ.

(أبو زيد:88)

ابن السّكّيت: يقال:لها براح و براح و مهاة.

(390)

و البرحين و البرحين،و لقيت منه برحا بارحا، و بنات برح و بني برح.(431)

الحربيّ:و له بارح ليله،أي ما كان من ريح، فمنسوب إليه.(2:571)

شمر:في حديث عكرمة:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«نهى عن التّوليه و التّبريح».

و التّبريح:قتل السّوء.(الأزهريّ 5:31)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 4:79)

و البوارح:الأنواء.(ابن سيدة 3:325)

المبرّد: و العرب تزجر على السّانح و تتبرّك به، و تكره البارح و تتشاءم به.و السّانح:ما أراك مياسره فأمكن الصّائد،و البارح:ما أراك ميامنه فلم يمكن الصّائد إلاّ أن ينحرف له.(1:189)

و التّباريح:الشّدائد،يقال:برّح به.و في الحديث:

«فأين أصحاب النّهر؟قال:لقوا برحا»و العرب لا تعرفه إلاّ ساكن الرّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو الحسن:و قد سمعنا من غير أبي العبّاس يقال:

لقيت منك برحا بالفتح،و يقال:لقي منه البرحين،أي الدّواهي الشّداد الّتي تبرّح.(2:15)

ابن دريد :و البرح من قولهم:جاء فلان بالبرح، إذا جاء بالأمر العظيم.و بنات برح:الدّواهي و مثل للعرب إذا استعظموا الشّيء قالوا:إحدى بنات برح شرّك على رأسك.

و برّح بي هذا الأمر،إذا غلظ عليّ و اشتدّ.و التّبريح و التّباريح مأخوذ من البرح أيضا.

و البرحاء من قولهم:جاء بالبرحاء،إذا جاء بالدّاهية،و جاء بالبرحين و البرحين و البرحين.

قال الشّيخ أبو بكر: و البرحين لا أعرفها في معنى البرحاء،و قد سمّت العرب«يبرحا»و هو من البرح، الياء زائدة.

و البارح:الرّيح الشّديدة الّتي تهيّج الغبار،و هي أنواء معروفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراح:الأرض المنكشفة الظّاهرة،و من ذلك قولهم:برح الخفاء،أي ظهر،و أوّل من قاله شقّ

ص: 153

الكاهن،و له حديث.

فمن قال:برح الخفاء بفتح الرّاء،فإنّه أراد الانكشاف.و من قال:برح بكسر الرّاء،فإنّه أراد زال الخفاء،من قولك:ما برحت من مكاني،أي ما زلت عنه.

و أكثر ما يستعمل في النّفي،ما برحت و لا أبرح، و لا يقولون:برحت أمس و برحت اليوم،إلاّ أنّهم يقولون:برح كذا و كذا،أي زال.

و تسمّى الشّمس براح،معدول عن البرح.[ثمّ استشهد بشعر]

و يروى للشّمس«حتّى دلكت براح»يريد أنّها تدلّت في المغرب،فهو يحجبها عن عينه براحته.

و من قال:براح،أراد الشّمس بعينها إذا دلكت فمالت،و الدّلوك عندهم:الميل من المشرق إلى المغرب.

و من قال:براح،أراد أنّه ردّها براحته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يسمّى الأسد حبيل براح،و كذلك الرّجل الشّجاع أيضا،أي كأنّه قد شدّ بالحبال فلا يبرح.

و البارحة:اللّيلة الماضية.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:«ما برحت من المكان براحا و بروحا،أي ما زلت،و برحت فعل كذا و كذا،أي زلت.[ثمّ استشهد بشعر]

و للعرب كلمتان عند الرّمي،إذا أصاب قالوا:

مرحى،و إذا أخطأ قالوا:برحى،في وزن«فعلى».

(1:217)

ابن الأنباريّ:و البراح:ما برز من الأرض.

(111)

القاليّ: و أبرح:أشدّ.(1:147)

يقال:برح الخفاء،أي ظهر الأمر،و صار كأنّه في براح،و هو المكان المستوي المتّسع.و قال اللّحيانيّ:قال بعضهم:برح الخفاء،أي ذهب السّرّ و ظهر.و قال بعضهم:الخفاء:المتطأطئ من الأرض.و البراح:المرتفع الظّاهر،فيقول:ارتفع المتطأطئ حتّى صار كالمرتفع الظّاهر.(1:215)

سأل يونس رؤبة:و أنا شاهد عن السّانح و البارح، فقال:السّانح:ما ولاّك ميامنه،و البارح:ما ولاّك مياسره.و قال غيره:السّانح:ما مرّ على يمينك،و البارح:

ما مرّ على يسارك.

و أكثر العرب تتبرّك بالسّانح،و تتشاءم بالبارح، و فيهم قوم يتبرّكون بالبارح،و يتشاءمون بالسّانح.

(2:244)

الأزهريّ: و قول العرب:برح الخفاء،قال بعضهم:

معناه زال الخفاء،و قيل:معنى برح الخفاء،أي ظهر ما كان خافيا و انكشف،مأخوذ من براح الأرض،و هو الظّاهر البارز.

و البارح من الظّباء و الطّير خلاف السّانح.

و قال ابن كناسة: كلّ ريح تكون في نجوم القيظ فهي عند العرب بوارح،قال:و أكثر ما تهبّ بنجوم الميزان، و هي السّمائم.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:لقيت منه برحا بارحا.

و قال ابن بزرج:قالوا للمرأة:أبرحت عائذا، و أبرحت العائذ،إذا تعجّب من جمالها،و هي والد ذات صبيّ.

ص: 154

قال العذريّ: برّح اللّه عنه،أي فرّج اللّه عنه،و إذا غضب الإنسان على صاحبه قيل:ما أشدّ ما برح عليه.

و العرب تقول:فعلنا البارحة كذا و كذا،للّيلة الّتي مضت،يقال ذاك بعد زوال الشّمس،و يقولون قبل الزّوال:فعلنا اللّيلة كذا و كذا،و قول ذي الرّمّة:

*تبلّغ بارحيّ كراه فيه*

قال بعضهم:أراد النّوم الّذي شقّ عليه أمره لامتناعه منه؛و يقال:أراد نوم اللّيلة البارحة.

و العرب تقول:ما أشبه اللّيلة بالبارحة،أي ما أشبه اللّيلة الّتي نحن فيها باللّيلة الأولى الّتي قد برحت أو زالت و مضت.

و يقال للشّمس إذا غربت:دلكت براح يا هذا،على «فعال»المعنى أنّها زالت و برحت حين غربت.و براح بمعنى بارحة،كما قالوا لكلب الصّيد:كساب بمعنى كاسبة،و كذلك حذام بمعنى حاذمة.

و من قال:دلكت الشّمس براح،فالمعنى أنّها كادت تغرب،و قد وضع يده على حاجبه ينظر زوالها أو غروبها.(5:28)

الصّاحب: برح الرّجل براحا،إذا رام من موضعه، و أبرحته أنا.و ما برحت أفعل كذا،أي ما زلت.

و يقولون:لم يتبرّح،أي لم يبرح.

و قولهم:برح الخفاء،أي ظهر و انكشف.

و البراح:البيان،جاء بالكفر براحا.و الأرض البراح:الّتي لا بناء فيها.

و يقال للمحموم الشّديد الحمّى:أصابته البرحاء.

و التّباريح:كلف المعيشة في مشقّة.و برّح بنا فلان تبريحا فهو مبرّح،إذا آذاك بالإلحاح.

و أبرح به إبراحا،أي فدحه و كرثه،و برح به، مخفّف.و ضربته ضربا مبرّحا بالكسر لا غير.

و هذا الأمر أبرح من ذاك،أي أشقّ.و برح فلان عليّ يبرح،أي غضب.و البراح:الرّأي المنكر.

و البروح:مصدر البارح،و هو خلاف السّانح،من الظّباء و الطّير.

و في المثل:«إنّك لكبارح الأروى قليلا ما ترى» يقال ذلك للرّجل إذا أبطأ الزّيارة.و قيل:يضرب مثلا للشّؤم،لأنّ«الأروى»يتشاءم بها.

و البارح من الرّياح:الّتي تحمل التّراب في شدّة الهبوب.

و«لقيت منه البرحين و البرحين»أي الدّاهية،و قد يفتح الباء.و بنات برح،مثله.و البرح:العجب.

و أبرح فلان فلانا:أي فضّله.و برّح اللّه عنه:أي فرّج و كشف.

و برح:مضى،و منه قيل للّيلة الماضية:البارحة، لأنّها برحت فمضت.

و براح:اسم للشّمس،على حذام،يقولون:دلكت بارح و براح،يضمّ بتنوين.

و برحى على«فعلى»يقال:للرّامي إذا أخطأ.

و يقال للغراب:ابن بريح،و هو من السّنيح و البريح.

و برحايا:اسم واد.(3:87)

الخطّابيّ: و البراح،مثل البواح أو قريب منه، و أصل البراح:الأرض القفر الّتي لا أنيس بها و لا بناء فيها.[ثمّ استشهد بشعر](1:690)

ص: 155

الجوهريّ:لقيت منه برحا بارحا،أي شدّة و أذى.

[ثمّ استشهد بشعر]

و لقيت منه بنات برح،و بني برح،و لقيت منه البرحين و البرحين،بكسر الباء و ضمّها،أي الشّدائد و الدّواهي.

و يقال:هذه برحة من البرح بالضّمّ للنّاقة،إذا كانت من خيار الإبل.

و البارح:الرّيح الحارّة.

و البارحة:أقرب ليلة مضت،تقول:لقيته البارحة، و لقيته البارحة الأولى،و هو من برح،أي زال.

و برحاء الحمّى و غيرها:شدّة الأذى،تقول منه:

برّح به الأمر تبريحا،أي جهده،و ضربه ضربا مبرّحا.

و تباريح الشّوق:توهّجه.

و هذا الأمر أبرح من هذا،أي أشدّ.

و قتلوهم أبرح قتل،و أبرحه،أي أعجبه،يقال:

ما أبرح هذا الأمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرحه أيضا:بمعنى أكرمه و عظّمه.

و البراح،بالفتح:المتّسع من الأرض،لا زرع فيه و لا شجر.

و جاءنا بالأمر براحا،أي بيّنا.و البراح:مصدر قولك:برح مكانه،أي زال عنه و صار في البراح.

و قولهم:لا براح،منصوب كما نصب قولهم:لا ريب.

و يجوز رفعه،فتكون«لا»بمنزلة ليس».[ثمّ استشهد بشعر]

و برح الخفاء،أي وضح الأمر،كأنّه ذهب السّرّ و زال.

و لا أبرح أفعل ذاك،أي لا أزال أفعله.

و براح مثل قطام:اسم للشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

و برح الظّبي بالفتح بروحا،إذا أولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك.و العرب تتطيّر بالبارح و تتفاءل بالسّانح،لأنّه لا يمكنك أن ترميه حتّى تنحرف.

و في المثل:«إنّما هو كبارح الأروى»،لأنّ مساكنها في الجبال في قنانها،لا يكاد النّاس يرونها سانحة و لا بارحة،إلاّ في الدّهور مرّة.

و أمّ بريح:اسم للغراب.

و برحى على«فعلى»:كلمة تقال عند الخطإ في الرّمي،و مرحى عند الإصابة.(1:355)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الحاء أصلان،يتفرّع عنهما فروع كثيرة.فالأوّل:الزّوال و البروز و الانكشاف،و الثّاني:الشّدّة و العظم و ما أشبههما.

أمّا الأوّل،فقال الخليل:برح يبرح براحا،إذا رام من موضعه،و أبرحته أنا.

قال العامريّ: يقول الرّجل لراحلته إذا كان بطيئة:

لا تبرح براحا ينتفع به،و يقال:ما برحت أفعل ذلك،في معنى ما زلت.

و يقول العرب:برح الخفاء أي انكشف الأمر.[ثمّ استشهد بشعر]

قالوا:البارحة:اللّيلة الّتي قبل ليلتك،صفة غالبة لها،حتّى صار كالاسم،و أصلها من برح،أي زال عن موضعه.

يقول العرب في أمثالها:«هو كبارح الأروى قليلا

ص: 156

ما يرى»يضرب لمن لا يكاد يرى،أو لا يكون الشّيء منه إلاّ في الزّمان مرّة.

و أصله:أنّ الأروى مساكنها الجبال و قنانها، فلا يكاد النّاس يرونها سانحة و لا بارحة إلاّ في الدّهر مرّة.و قد ذكرنا اختلاف النّاس في ذلك في كتاب السّين، عند ذكرنا للسّانح.

و يقال في قولهم:«هو كبارح الأروى»إنّه مشئوم من وجهين،و ذلك أنّ الأروى يتشاءم بها حيث أتت، فإذا برحت كان أعظم لشؤمها.

و الأصل الآخر قال أبو عبيد:يقال:ما أبرح هذا الأمر،أي أعجبه.و يقال:برحى له،إذا تعجّبت له.

و يقال:البعير برحة من البرح،أي خيار،و أعطني من برح إبلك،أي من خيارها.

فأمّا قول القائل عند الرّامي إذا أخطأ:برحى،على وزن«فعلى»فقال ابن دريد و غيره:إنّه من الباب كأنّه قال:خطّة برحى،أي شديدة.(1:238)

أبو هلال: الفرق بين قولنا:لم ينفكّ،و لم يبرح،و لم يزل:

أنّ قولنا:لم ينفكّ،يقتضي غيرا لم ينفكّ منه، و هو يستعمل فيما كان الموصوف به لازما لشيء أو مقارنا له أو مشبها بذلك.

و لم يبرح:يقتضي مكانا لم يبرح منه،و ليس كذلك لم يزل،فيما قال عليّ بن عيسى:إنّما يستعمل فيما يوجب التّفرقة به،كقولك:لم يزل موجودا وحده،و لا يقال:

لم ينفكّ زيد وحده.

و قال النّحويّون: «لم»حرف نفي،و«زال»فعل نفي، و معناه ضدّ«دام»فلمّا دخلت عليه صار معناه«دام».

فقولك:لم يزل موجودا،بمعنى قولك:دام موجودا،لأنّ نفي النّفي إيجاب،و«ما»في قولك:ما زال،حرف نفي،و في قولك:ما دام،اسم مبهم ناقص،و دام صلتها.(125)

الثّعالبيّ: البوارح:الشّمال الحارّة في الصّيف.

(274)

ابن سيدة: برح برحا و بروحا و براحا:زال.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبرّح:كبرح.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرحه هو،و ما برح يفعل كذا،أي ما زال.و برح الأرض:فارقها،و في التّنزيل: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي يوسف:80.

و حبيل براح: الأسد،كأنّه شدّ بالحبال فلا يبرح، و كذلك الشّجاع.

و أرض براح:واسعة ظاهرة.و قيل:لا نبات فيها و لا عمران.

و براح و براح:اسم للشّمس،معرفة،سمّيت بذلك لانتشارها و بيانها.[ثمّ استشهد بشعر]

و برّح بنا و أبرح:آذانا بالإلحاح،و الاسم:البرح، و يوصف به فيقال:أمر برح.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا:برح بارح،و برح مبرح،على المبالغة.فإن دعوت به فالمختار النّصب،و قد يرفع.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرح:الشّرّ و العذاب الشّديد،و برح به:عذّبه، و التّباريح:الشّدائد.و قيل:هي كلف المعيشة في مشقّة.

و ضربه ضربا مبرّحا:شديدا،و هذا أبرح عليّ،أي

ص: 157

أشقّ و أشدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرحاء:الشّدّة،و خصّ بعضهم به شدّة الحمّى.

و برحايا،في هذا المعنى.

و لقيت منه البرحين و البرحين و البرحين،أي الشّدّة،كأنّ واحد البرحين:برح.

و لم ينطق به إلاّ أنّه مقدّر،كأنّ سبيله أن يكون الواحد برحة بالتّأنيث،كما قالوا:داهية و منكرة،فلمّا لم تظهر الهاء في الواحد جعلوا جمعه بالواو و النّون عوضا من الهاء المقدّرة،و جرى ذلك مجرى أرض و أرضين.

و إنّما لم يستعملوا في هذا الإفراد،فيقولون:برح، و اقتصروا فيه على الجمع دون الإفراد،من حيث كانوا يصفون الدّواهي بالكثرة و العموم و الاشتمال و الغلبة.

و القول في الفتكرين و الأقورين كالقول في هذه.

و لقيت منه بني برح و بنات برح،أي الشّدّة كالبرحين.

و البوارح:شدّة الرّياح من الشّمال في الصّيف دون الشّتاء،كأنّه جمع بارحة.و قيل:البوارح:الرّياح الشّدائد الّتي تحمل التّراب،واحدها بارح.و قيل:هي الشّمال في الصّيف حارّة.

و البارح:خلاف السّانح،و قد برحت تبرح بروحا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في المثل:«من لي بالسّانح بعد البارح»يضرب هذا للرّجل يسيء إليه الرّجل،فيقال له:إنّه سوف يحسن إليك،فيضرب هذا المثل.

و أصل ذلك أنّ رجلا مرّت به ظباء بارحة،فقيل له:

إنّها سوف تسنح لك،فقال:من لي بالسّانح بعد البارح.

و يقال:«إنّك لكبارح الأروى قليلا ما يرى» يضرب ذلك للرّجل إذا أبطأ عن الزّيارة،و ذلك أنّ «الأروى»تكون في الجبال،فلا يقدر أحد عليها أن تسنح له،و قد تقدّم تفسير السّانح و البارح،و اختلاف العرب في التّيمّن بهما و التّشاؤم.

و ما أبرح هذا الأمر،أي ما أعجبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البارحة:اللّيلة الخالية،و لا تحقّر.

و للعرب كلمتان عند الرّمي،إذا أصاب قالوا:

مرحى،و إذا أخطأ قالوا:برحى.

و قول بريح:مصوّت به.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابن بريح:الغراب،معرفة،سمّي بذلك لصوته، و هنّ بنات بريح.

و يبرح:اسم رجل.(3:323)

الرّاغب: البراح:المكان المتّسع الظّاهر الّذي لا بناء فيه و لا شجر،فيعتبر تارة ظهوره،فيقال:فعل كذا براحا،أي صراحا لا يستره شيء.

و برح الخفاء:ظهر،كأنّه حصل في براح يرى،و منه براح الدّار.و برح:ذهب في البراح،و منه البارح:للرّيح الشّديدة،و البارح:من الظّباء و الطّير.

لكن خصّ«البارح»بما ينحرف عن الرّامي إلى جهة لا يمكنه فيها الرّمي،فيتشاءم به،و جمعه:بوارح.و خصّ السّانح:بالمقبل من جهة يمكن رميه،و يتيمّن به.

و البارحة:اللّيلة الماضية.و برح:ثبت في البراح، و منه قوله عزّ و جلّ:(لا ابرح).

و خصّ بالإثبات،كقولهم:لا أزال،لأنّ برح و زال

ص: 158

اقتضيا معنى النّفي،و«لا»للنّفي،و النّفيان يحصل من اجتماعهما إثبات،و على ذلك قوله عزّ و جلّ: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ طه:91،و قال تعالى: لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ الكهف:60.

و لمّا تصوّر من«البارح»معنى التّشاؤم اشتقّ منه:

التّبريح و التّباريح،فقيل:برّح بي الأمر،و برّح بي فلان في التّقاضي،و ضربه ضربا مبرّحا،و جاء فلان بالبرح، و أبرحت ربّا و أبرحت جارا،أي أكرمت.

و قيل للرّامي إذا أخطأ:برحى،دعاء عليه،و إذا أصاب:مرحى،دعاء له،و لقيت منه البرحين و البرحاء،أي الشّدائد،و برحاء الحمّى:شدّتها.(41)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:236)

الزّمخشريّ: لا يبرح يفعل كذا،و برح مكانه و أبرحته أنا.

و برّح بي فلان:ألحّ عليّ بالأذى و المشقّة،و أنا مبرّح بي من قبله،و به تباريح الشّوق و برحاء الحمّى، و برّح به الهمّ،و ضربه ضربا مبرّحا.

و أبرح فلان رجلا،و أبرح فارسا،إذا فضّلته و تعجّبت منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرحت كرما،و أبرحت لؤما،و هذا الأمر أبرح من ذاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و ريح بارح:شديدة.و لقيت منه برحا بارحا، و لقيت منه بنات برح.

و برّح اللّه عنك،أي كشف البرح و نفّس عنك، و جرى له البارح،أي الطّائر الأشأم.

و يقال للرّامي:برحى أم مرحى،و هي كلمة تقال عند الخطإ،و مرحى عند الإصابة.

و نزلوا بالبراح،و هي الأرض الواسعة.

و جاء بالكفر براحا،و بالشّرّ صراحا.

و دلكت براح:غابت الشّمس.

و من المجاز:هذه فعلة بارحة:لم تقع على قصد و صواب،و قتلة بارحة:شزر،أخذت من الطّائر البارح.

و في المثل:«برح الخفاء»أي وضح الأمر و زالت خفيّته.(أساس البلاغة:18)

إنّ أبا طلحة قال له:«إنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحى، و إنّها صدقة للّه أرجو برّها و ذخرها عند اللّه.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:بخ (1).ذلك مال رابح،أو قال:رائح».

بيرحى:اسم أرض كانت له،و كأنّها«فيعلى»من البراح،و هي الأرض المنكشفة الظّاهرة.

(الفائق 1:93)

و فيها:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي».البرحاء:شدّة الكرب.

(الفائق 4:73)

المدينيّ: في حديث الإفك:«فأخذه البرحاء» أي شدّة الكرب؛من قولهم:برّحت بالرّجل،إذا بلغت به غاية الأذى و المشقّة.و برّح اللّه عنه:فرّج و كشف، و لقيت منه البرح،أي شدّة الأذى.

و هو في رؤيا أبي ميسرة في أهل النّهروان«لقوا برحا».

و التّباريح:كلف المعيشة في مشقّة.ء.

ص: 159


1- كلمة يقولها المعجب بالشّيء.

و منه الحديث في النّساء:«اضربوهنّ ضربا غير مبرّح»:أي غير مؤثّر و لا شاقّ،و لعلّه من«برح الخفاء» أي ظهر،يعني ضربا لا يظهر أثره.

و في حديث آخر:«برّحت بي الحمّى»أي أصابني منها البرحاء،و هي شدّتها.

و في الحديث:«جاء بالكفر براحا»أي جهارا،و هو من«برح الخفاء»أيضا.

و في الحديث:«حتّى دلكت براح».

ذكره صاحب«الغريبين»في كتاب الرّاء،على أن تكون الباء مكسورة زائدة،و قال:يعني أنّ الشّمس إذا مالت فالنّاظر إليها يضع راحته على عينيه يتوقّى شعاعها.

قيل:و هو مثل قولهم:أفغر النّجم،إذا استوى على رءوسهم،لأنّ النّاظر إليه يفغر فاه.

و هذا قول بعيد،لأنّ صاحب«العين و المجمل»ذكرا أنّ«براح»بفتح الباء و كسر الحاء على وزن فعال و حذام و قطام:اسم للشّمس،و الباء على هذا أصليّة غير ملصقة،قال الشّاعر:

هذا مقام قدمي رباح

غدوة حتّى دلكت براح

و هذا القول أولى،لأنّ الشّمس لم يجر لها ذكر يرجع الضّمير إليه.

و قيل:سمّيت به لأنّها لا تستقرّ،من قولهم:ما برح أي ما زال،و غدوة غير منوّن،أي غدوة هذا اليوم، معرفة مؤنّث.

و قيل:براح:اسم للشّمس معدول عن بارحة، سمّيت به لظهورها و انكشافها،من البراح،و هو البراز.

و علّة بنائها شبهها ب«فعال»في الأمر كنزال.

في الحديث:«أحبّ مالي إليّ بيرحى».

قال الزّمخشريّ:هو«فيعلى»من البراح،و هو الأرض الظّاهرة،و قد يروى على غير هذا.

في الحديث:«رأيت البارحة كذا»أي اللّيلة الّتي مضت،يقال:برح،أي مضى،و ما برح،أي لم يزل.

تقول العرب:فعلت اللّيلة كذا،إذا أخبرت به في أوّل النّهار إلى نصفه،فإن أخبرت بعد الظّهر قالت:

فعلت البارحة،هذا أصل كلامهم غير أنّ في الحديث روي:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال ذلك بعد صلاة الغداة.

(1:143)

ابن الأثير: فيه:«أنّه نهى عن التّوليه و التّبريح» جاء في متن الحديث:أنّه قتل السّوء للحيوان،مثل أن يلقي السّمك على النّار حيّا.

و أصل التّبريح:المشقّة و الشّدّة،يقال:برّح به،إذا شقّ عليه.

و الحديث الآخر:«لقينا منه البرح»أي الشّدّة.

و حديث قتل أبي رافع اليهوديّ:«برّحت بنا امرأته بالصّياح».

و فيه«حين دلكت براح»براح بوزن قطام:من أسماء الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إنّ الباء في«براح»مكسورة،و هي باء الجرّ، و الرّاح:جمع راحة،و هي الكفّ،يعني أنّ الشّمس قد غربت أو زالت،فهم يضعون راحاتهم على عيونهم، ينظرون هل غربت أو زالت.

ص: 160

و هذان القولان ذكرهما أبو عبيد و الأزهريّ و الهرويّ و الزّمخشريّ،و غيرهم من مفسّري اللّغة و الغريب.

و قد أخذ بعض المتأخّرين القول الثّاني على الهرويّ،فظنّ أنّه قد انفرد به و خطّأه في ذلك،و لم يعلم أنّ غيره من الأئمّة قبله و بعده ذهب إليه.

و في حديث أبي طلحة:«أحبّ أموالي إليّ بيرحى»، هذه اللّفظة كثيرا ما تختلف ألفاظ المحدّثين فيها، فيقولون:بيرحاء بفتح الباء و كسرها،و بفتح الرّاء و ضمّها،و المدّ فيهما،و بفتحهما و القصر،و هي اسم مال و موضع بالمدينة.

و في الحديث«برح ظبي»هو من البارح ضدّ السّانح، فالسّانح:ما مرّ من الطّير،و الوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك،و العرب تتيمّن به،لأنّه أمكن للرّمي و الصّيد.

و البارح:ما مرّ من يمينك إلى يسارك،و العرب تتطيّر به،لأنّه لا يمكنك أن ترميه حتّى تنحرف.(1:113)

الصّغانيّ:يقال للأسد و الشّجاع:حبيل براح،أي كأنّ كلّ واحد منهما قد شدّ بالحبال فلا يبرح.

و قال الأطبّاء: هو اسم لأصل غيره أيضا.و هو شبيه بصورة إنسان،فلهذا سمّي بيروحا فإنّه اسم صنم، و هي لفظة سريانيّة،و معناها:يعوزها الرّوح.

و قد سمّت العرب:بيرحا،على«فيعل»و بيرحى «فيعلى»:أرض بالمدينة،و منه حديث أبي طلحة:قال يا رسول اللّه،إنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحى،و إنّها صدقة للّه أرجو برّها و ذخرها عند اللّه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:بخ.

ذلك مال رابح بخ،ذلك مال رابح أو رائح.

و قد صحّفها أصحاب الحديث فقالوا:بئر حاء، و ليست ببئر مضافة إلى حاء كبئر رومة،و بئر أريس، و بئر جمل و بئر بضاعة،و بئر ذي أروان.

و أمر برح مثال عنب،أي مبرّح.

و البروح و البريح:البارح من الصّيد.[ثمّ استشهد بشعر]

برح عليّ،أي:غضب.

و البراح:الرّأي المنكر.

و بعير برحة من البرح،أي خيار.

و برّح اللّه عنه،أي فرّج و كشف.(2:7)

برح:إذا ظهر،و إذا استتر.

(ثلاثة كتب في الأضداد:224)

أبو حيّان:برح:زال،مضارعه يزول،و يزال، فتكون من أخوات«كان»النّاقصة.(6:141)

الفيّوميّ: برح الشّيء يبرح من باب«تعب» براحا:زال من مكانه،و منه قيل للّيلة الماضية:البارحة.

و العرب تقول قبل الزّوال:فعلنا اللّيلة كذا،لقربها من وقت الكلام،و تقول بعد الزّوال:فعلنا البارحة.

و برحت الرّيح بالتّراب:حملته،و سفت به فهي بارح.و ما برح مكانه:لم يفارقه.و ما برح يفعل كذا:

بمعنى المواظبة و الملازمة.

و برح الخفاء،إذا وضح الأمر.

و برّح به الضّرب تبريحا:اشتدّ و عظم.و هذا أبرح من ذاك،أي أشدّ.

و البراح مثل سلام:المكان الّذي لا سترة فيه من

ص: 161

شجر و غيره.(1:42)

الفيروزآباديّ: البرح:الشّدّة و الشّرّ،و موضع باليمن.

و لقي منه برحا بارحا:مبالغة.و لقي منه البرحين و تثلّث الباء،أي الدّواهي و الشّدائد.

و برحة من البرح،أي ناقة من خيار الإبل.

و البارح:الرّيح الحارّة في الصّيف،جمعه:بوارح،و من الصّيد:ما مرّ من ميامنك إلى مياسرك كالبروح و البريح.

و البارحة:أقرب ليلة مضت.

و برحاء الحمّى و غيرها:شدّة الأذى،و منه برّح به الأمر تبريحا.و تباريح الشّوق:توهّجه.

و كسحاب:المتّسع من الأرض لا زرع بها و لا شجر،و الرّأي المنكر،و من الأمر البيّن،و أمّ عتوارة بن عامر بن ليث،و مصدر برح مكانه كسمع:زال عنه و صار في البراح.

و قولهم:لا براح،كقولهم:لا ريب.و يجوز رفعه فتكون«لا»بمنزلة ليس.

و برح الخفاء كسمع:وضح الأمر،و كنصر:غضب.

و الظّبي بروحا:ولاّك مياسره و مرّ.

و أبرحه:أعجبه و أكرمه و عظّمه.

و يقال للأسد و للشّجاع:حبيل براح،كأنّ كلاّ منهما شدّ بالحبال فلا يبرح.

و إنّما هو«كبارح الأروى»مثل للنّادر،لأنّها تسكن قنن الجبال،فلا تكاد ترى بارحة و لا سانحة إلاّ في الدّهور مرّة.

و البيروح:أصل اللّفّاح البرّيّ،شبيه بصورة إنسان و يسبت،و إذا طبخ به العاج ستّ ساعات ليّنه، و يدلك بورقه البرش أسبوعا فيذهبه بلا تقريح.

و بيرح بن أسد:تابعيّ.

و بيرحى ك«فيعلى»:أرض بالمدينة،و يصحّفها المحدّثون:بئر حاء.

و أمر برح كعنب:مبرّح.

و ابن بريح كأمير،الغراب و الدّاهية،كبنت بارح و كزبير أبو بطن.

و برحى:كلمة تقال عند الخطإ في الرّمي،و مرحى:

عند الإصابة.

و صرحة برحة في«الصّاد»بربح كبربط:موضع به قبر عمرو بن أمامة عمّ النّعمان.(1:223)

الطّريحيّ: و براح بالفتح مثل قطام:اسم للشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

من روى بفتح الباء جعله اسما مبنيّا على«فعال» كقطام و حذام،و من يروي براح بكسر الباء أراد باء الجرّ.

و الرّاح:جمع راح،و هي الكفّ،لأنّهم كانوا يضعون راحاتهم على عيونهم،ينظرون هل غربت الشّمس أو زالت.

و البارح:الرّيح الحارّة.و البارحة:أقرب ليلة مضت.

و البرح،بالفتح فالسّكون:الشّدّة،تقول منه:برحا.

و التّبريح:المشقّة و الشّدّة.و ضرب مبرح بكسر الرّاء:أي شاقّ.

و البراح بالفتح:المتّسع من الأرض،لا زرع فيه و لا شجر.

ص: 162

و البراح:مصدر قولك:برح الشّيء من مكانه من باب«تعب»براحا،أي زال عنه،و صار في البراح.

(2:342)

رشيد رضا: و التّبريح:الإيذاء الشّديد.(5:73)

محمّد إسماعيل إبراهيم:برح:زال.و برح المكان:فارقه و زال عنه.و ما برح يفعل كذا،أي ما زال مستمرّا في عمله.(1:64)

العدنانيّ: «زرنا و سيما البارحة لا البارح».

و يقولون:زرنا و سيما البارح،و الصّواب:زرنا و سيما البارحة،أي أقرب ليلة مضت،و منه المثل المعروف:«ما أشبه اللّيلة بالبارحة».

و ممّن ذكر البارحة:يونس بن حبيب، و أبو زيد الأنصاريّ،و التّهذيب،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و ابن مكّيّ الصّقلّيّ في«تثقيف اللّسان»، و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

أمّا البارح فمن معانيه:

أ-الّذي يبرح،يغادر مكانه.

ب-الرّيح الحارّة في الصّيف.(51)

المصطفويّ: [بعد ذكر كلام فيها قال:]

و الظّاهر أنّ المستفاد من هذه الكلمات و أمثالها بقرينة موارد الاستعمال،أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الزّوال في مورد الابتلاء و المضيقة و ما لا يلائم، و بهذا اللّحاظ تختلف خصوصيّات معناه باختلاف الموارد:

فإذا كان الابتلاء من جهة الظّلمة،يقال:برحت اللّيلة و البارحة.

و إذا كان من جهة خفاء الأمر و إبهامه،يقال:برح الخفاء،أي اتّضح الأمر و رفع الإبهام.

و إذا كان من التّستّر بالظّلّ و ذي الظّلّ يقال:إنّه برح مكانه و البراح.

و إذا كان من جهة اجتماع التّراب،يقال:برحت الرّيح التّراب فهي بارح.

فالأصل في جميع هذه الموارد محفوظ،و هو زوال ما انكدر و كره من ابتلاء و ظلمة،و إبهام و خفاء و تستّر و تقيّد و غيرها.

و ظهر أنّ معنى الظّهور و البروز و الانكشاف و التّبيّن و الوضوح و المضيّ كلّها من لوازم ذلك الأصل الواحد.

و أمّا الشّدّة و العظم و التّعب و الأذى و الجهد و أمثالها،فلا يخفى أنّ هذه المعاني من متعلّقات«الزّوال» و من قيوده،أي من مصاديق ما كره و انكدر.و إطلاق المادّة عليها باعتبار كونها في معرض الزّوال،فيكون «الزّوال»من قيود المعاني،فترجع إلى الأصل الواحد.

(1:229)

النّصوص التّفسيريّة

ابرح

...فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. يوسف:80

الطّبريّ: و قوله: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ الّتي أنا بها،و هي مصر،فأفارقها.(13:35)

ص: 163

الطّوسيّ: لست أقوم من موضعي.(6:179)

الميبديّ: لا أفارق أرض مصر.(5:116)

مثله الزّمخشريّ(2:337)،و البيضاويّ(1:

505)،و النّسفيّ(2:233)،و النّيسابوريّ(13:34)، و ابن كثير(4:42)،و الشّربينيّ(2:129)،و أبو السّعود (3:422)،و شبّر.(3:300)،و القاسميّ(9:3579)، و المراغيّ(13:26).

الطّبرسيّ: أي لا أزال بهذه الأرض و لا أزول عنها،و هي أرض مصر.(3:255)

القرطبيّ: أي ألزمها،و لا أبرح مقيما فيها،يقال:

برح براحا و بروحا،أي زال؛فإذا دخل النّفي صار مثبتا.

(9:242)

الخازن: يعني الأرض الّتي أنا فيها،و هي أرض مصر.و المعنى فلن أخرج من أرض مصر،و لا أفارقها على هذه الصّورة.(3:249)

أبو حيّان: و«برح»التّامّة تكون بمعنى ذهب و بمعنى ظهر،و منه برح الخفاء،أي ظهر و ذهب،لا ينتصب الظّرف المكانيّ المختصّ بها،إنّما يصل إليه بوساطة«في» فاحتيج إلى اعتقاد تضمين«برح»بمعنى فارق،فانتصب الأرض على أنّه مفعول به.

و لا يجوز أن تكون ناقصة،لأنّه لا ينعقد من اسمها.

و(الارض)المنصوب على الظّرف مبتدأ أو خبر،لأنّه لا يصل إلاّ بحرف«في»لو قلت:زيد الأرض،لم يجز.

(5:336)

نحوه البروسويّ.(4:303)

الآلوسيّ: و«برح»تامّة و تستعمل إذا كانت كذلك بمعنى ذهب،و بمعنى ظهر،كما في قولهم:برح الخفاء.و قد ضمّنت هنا معنى فارق فنصبت(الارض)على المفعوليّة.

و لا يجوز أن تكون ناقصة،لأنّ الأرض لا يصحّ أن تكون خبرا عن المتكلّم هنا،و ليست منصوبة على الظّرفيّة،و لا بنزع الخافض.و عني بها أرض مصر،أي فلن أفارق أرض مصر جريا على قضيّة الميثاق.

(13:36)

الطّباطبائيّ: أي فإذا كان الشّأن هذا الشّأن لن أتنحّى،و لن أفارق أرض مصر.(11:228)

الحجازيّ: (ابرح)أترك.و إذا كان الأمر كذلك فلن أفارق أرض مصر أبدا،و أترك بنيامين فيها،حتّى يأذن لي أبي في ذلك،أو يحكم اللّه لي و هو خير الحاكمين.(13:13)

ابرح

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً. الكهف:60

ابن عبّاس: لا أزال أمضي.(اللّغات:249)

ابن زيد: لا أنتهي.(الطّبريّ 15:271)

الفرّاء: يريد:لا أزال حتّى أبلغ،لم يرد:لا أبرح مكاني.

و قوله: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ غير معنى«أزال»، هذه إقامة.

و قوله: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ طه:91،لن نزال عليه عاكفين.و مثلها ما فتئت و ما فتأت-لغة- و لا أفتأ أذكرك،و قوله: تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ

ص: 164

يوسف:85،معناه:لا تزال تذكر يوسف.

و لا يكون:تزال و أفتأ و أبرح،إذا كانت في معناهما إلاّ بجحد ظاهر أو مضمر.

فأمّا الظّاهر فقد تراه في القرآن وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ هود:118، وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا الرّعد:

31، فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ الأنبياء:15،و كذلك (لا ابرح).

و المضمر فيه الجحد قول اللّه(تفتأ)،و معناه لا تفتأ، لا تزال تذكر يوسف.[ثمّ استشهد بشعر](2:153)

الطّبريّ: يقول[موسى]:لا أزال أسير.

و كان بعض أهل العربيّة يوجّه تأويل قوله:

(لا ابرح)،أي لا أزول،و يستشهد لقوله ذلك ببيت الفرزدق:

فما برحوا حتّى تهادت نساؤهم

ببطحاء ذي قار عياب اللّطائم

يقول:ما زالوا.(15:271)

نحوه ابن عطيّة.(3:527)

الزّجّاج: معنى(لا ابرح)لا أزال،و لو كان لا أزول كان محالا،لأنّه إذا لم يزل من مكانه لم يقطع أرضا، و معنى(لا ابرح)في معنى لا أزال،موجود في كلام العرب.

[ثمّ استشهد بشعر](3:298)

الهرويّ: و لم يرد بقوله:(لا ابرح)لا أفارق مكاني، و إنّما هذا معنى قوله: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ يوسف:80، هذا إقامة،و ذاك ذهاب.

و قال غيره:(لا ابرح)أي لا أفارق سيري.

(1:150)

الماورديّ:في قوله:(لا ابرح)تأويلان:

أحدهما:لا أفارقك.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:لا أزال،قاله الفرّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:322)

مثله القرطبيّ(11:11)،و نحوه البيضاويّ(2:

18).

الطّوسيّ: أي لا أزال،و لا يجوز أن يكون بمعنى لا أزول،لأنّ التّقدير:لا أزال أمشي حتّى أبلغ.و معنى لا يزال يفعل كذا،أي هو دائب فيه.

و قيل:إنّه كان وعد بلقاء الخضر عند مجمع البحرين.(7:65)

الزّمخشريّ: (لا ابرح)إن كان بمعنى لا أزول،من:

برح المكان،فقد دلّ على الإقامة لا على السّفر.و إن كان بمعنى:لا أزال،فلا بدّ من الخبر.

قلت:هو بمعنى لا أزال،و قد حذف الخبر،لأنّ الحال و الكلام معا يدلاّن عليه.

أمّا الحال فلأنّها كانت حال سفر،و أمّا الكلام فلأنّ قوله: حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له،فلا بدّ أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتّى أبلغ مجمع البحرين.

و وجه آخر:و هو أن يكون المعنى لا يبرح مسيري حتّى أبلغ،على أنّ(حتّى ابلغ)هو الخبر،فلمّا حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه،و هو ضمير المتكلّم، فانقلب الفعل عن لفظ الغائب إلى لفظ المتكلّم،و هو وجه لطيف.

و يجوز أن يكون المعنى لا أبرح ما أنا عليه،بمعنى ألزم

ص: 165

المسير و الطّلب،و لا أتركه و لا أفارقه حتّى أبلغ،كما تقول:لا أبرح المكان.(2:490)

نحوه النّيسابوريّ(16:7)و النّسفيّ(3:18)، و أبو السّعود(4:200)،و البروسويّ(5:263)، و القاسميّ(11:4076).

الطّبرسيّ: معناه لا أزال أمضي و أمشي،و لا أسلك طريقا آخر حتّى أبلغ ملتقى البحرين.(3:480)

نحوه الخازن(4:179)،و ابن كثير(4:402)، و الشّربينيّ(2:389).

ابن الجوزيّ: لا أزال،و ليس المراد به:لا أزول، لأنّه إذا لم يزل لم يقطع أرضا،فهو مثل قولك:ما برحت أناظر عبد اللّه،أي:ما زلت.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى:لا أزال أسير حتّى أبلغ مجمع البحرين.

(5:164)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى:(لا ابرح)قال الزّجّاج:قوله:(لا ابرح)ليس معناه لا أزول،لأنّه لو كان كذلك لم يقطع أرضا.

أقول:يمكن أن يجاب عنه بأنّ الزّوال عن الشّيء عبارة عن تركه و الإعراض عنه،يقال:زال فلان عن طريقته في الجود،أي تركها،فقوله:(لا ابرح)بمعنى لا أزول عن السّير و الذّهاب،بمعنى لا أترك هذا العمل و هذا الفعل.

و أقول:المشهور عند الجمهور أنّ قوله:(لا ابرح) معناه لا أزول.و العرب تقول:لا أبرح و لا أزال و لا أنفكّ و لا أفتأ،بمعنى واحد.

قال القفّال: و قالوا:أصل قولهم:لا أبرح،من البراح،كما أنّ أصل لا أزال من الزّوال،يقال:زال يزال و يزول،كما يقال:دام يدام و يدوم،و مات يمات و يموت، إلاّ أنّ المستعمل في هذه اللّفظة«يزال»فقوله:(لا ابرح)، أي أقيم،لأنّ البراح هو العدم،فقوله:لا أبرح يكون عدما للعدم فيكون ثبوتا،فقوله:لا أزال و لا أبرح يفيد الدّوام و الثّبات على العمل.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ](21:145)

أبو البقاء: (لا ابرح)فيه وجهان:

أحدهما:هي النّاقصة،و في اسمها و خبرها وجهان:

أحدهما:خبرها محذوف.أي لا أبرح أسير.

و الثّاني:الخبر(حتّى ابلغ)،و التّقدير:لا أبرح سيري،ثمّ حذف الاسم،و جعل ضمير المتكلّم عوضا منه،فأسند الفعل إلى المتكلّم.

و الوجه الآخر:هي التّامّة،و المفعول محذوف،أي لا أفارق السّير حتّى أبلغ،كقولك:لا أبرح المكان،أي لا أفارقه.(2:854)

أبو حيّان: لا أبرح أسير،أي لا أزال.قال ابن عطيّة:و إنّما قال هذه المقالة و هو سائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا الّذي ذكره فيه حذف خبر(لا ابرح)و هي من أخوات كان.و نصّ أصحابنا على أنّ حذف خبر كان و أخواتها لا يجوز و إن دلّ الدّليل على حذفه،إلاّ ما جاء في الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر،و ذكر كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و هما وجهان،خلطهما الزّمخشريّ:

أمّا الأوّل:فجعل الفعل مسندا إلى المتكلّم لفظا

ص: 166

و تقديرا،و جعل الخبر محذوفا كما قدّره ابن عطيّة، و(حتّى ابلغ)فضلة،متعلّقة بالخبر المحذوف،و غاية له.

و الوجه الثّاني:جعل(لا ابرح)مسندا من حيث اللّفظ إلى المتكلّم،و من حيث المعنى إلى ذلك المقدّر المحذوف،و جعله لا أبرح هو حتّى أبلغ فهو عمدة؛إذ أصله خبر للمبتدإ،لأنّه خبر(ابرح).

و قال الزّمخشريّ أيضا: و يجوز أن يكون المعنى:

لا أبرح ما أنا عليه،بمعنى ألزم المسير و الطّلب،و لا أتركه و لا أفارقه حتّى أبلغ،كما تقول:لا أبرح المكان،انتهى.

يعني أنّ«برح»يكون بمعنى«فارق»،فيتعدّى إذ ذاك إلى مفعول،و يحتاج هذا إلى صحّة نقل.(6:143)

الآلوسيّ: (لا ابرح)من برح النّاقص كزال يزال، أي لا أزال أسير،فحذف الخبر اعتمادا على قرينة الحال؛ إذ كان ذلك عند التّوجّه إلى السّفر،و اتّكالا على ما يعقبه من قوله:(حتّى ابلغ)؛إذ الغاية لا بدّ لها من مغيّا، و المناسب لها هنا السّير،و فيما بعد أيضا ما يدلّ على ذلك، و حذف الخبر فيها قليل،كما ذكره الرّضيّ.[ثمّ استشهد بشعر،و أشار إلى كلام الزّمخشريّ و أبي حيّان ثمّ أضاف:]

قيل:و كذا الفعل الواقع في الخبر و هو(ابلغ)كأنّ أصله:يبلغ،ليحصل الرّبط.و الإسناد مجازيّ و إلاّ يخلو الخبر من الرّابط،إلاّ أن يقدّر:حتّى أبلغ به،أو يقال:إنّ الضّمير المستتر في كائن يكفي للرّبط،أو أنّ وجود الرّبط بعد التّغيير صورة يكفي فيه،و إن كان المقدّر في قوّة المذكور.

و عندي لا لطف في هذا الوجه و إن استلطفه الزّمخشريّ.

و جوّز أيضا أن يكون(ابرح)من برح التّامّ كزال يزول،فلا يحتاج إلى خبر.نعم قيل:لا بدّ من تقدير مفعول ليتمّ المعنى،أي لا أفارق ما أنا بصدده حتّى أبلغ.

(15:312)

الطّباطبائيّ: و قوله:(لا ابرح)بمعنى لا أزال،و هو من الأفعال النّاقصة،حذف خبره إيجازا لدلالة قوله:

(حتّى ابلغ)عليه،و التّقدير:لا أبرح أمشي أو أسير.

و المعنى،و اللّه أعلم:و اذكر إذ قال موسى لفتاه:

لا أزال أسير حتّى أبلغ مجمع البحرين،أو أمضي دهرا طويلا.(13:339)

نبرح

قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى.

طه:91

ابن عبّاس: لن نزال على عبادة العجل.

(اللّغات:265)

الطّبريّ: قال عبدة العجل من قوم موسى:لن نزال على العجل مقيمين نعبده،حتّى يرجع إلينا موسى.(16:202)

الطّوسيّ: أي لن نزال لا زمين لهذا العجل إلى أن يعود إلينا موسى.[ثمّ استشهد بشعر](7:200)

مثله البغويّ(3:272)،و الخازن(4:225)، و القرطبيّ(11:237).

الطّبرسيّ: معناه لا نزال مقيمين على عبادته.

(4:26)

ص: 167

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البراح على وجهين:الزّوال، الانتقال.

فوجه منها:لا أبرح:لا أزال،قوله: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ الكهف:60،يعني لا أزال أطلبه (حتّى ابلغ)كقوله: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ طه:91، يعنون لا نزال عاكفين على عبادته.

و الوجه الثّاني:البراح:الانتقال،قوله: فَلَنْ أَبْرَحَ يوسف:80،يعني لا أرجع من مصر حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي. (174)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البراح»و هو المتّسع من الأرض،لا بناء فيها و لا عمران،ثمّ استعمل في ما يعني الظّهور و البيان،يقال:صار الرّجل في براح،أي في أمر منكشف،و جاء الكفر براحا،أي بيّنا،و برح الخفاء،أي ظهر و صار كأنّه في براح.و منه أيضا:لقيته صرحة برحة،أي لقيته ظاهرا باديا.

و البراح:المكاشفة،يقال:بارح براحا.و البراح:

الشّمس،و هي بهذا المعنى أيضا،لأنّها تكشف الظّلام و تزيله،و تظهر الأشياء واضحة.و برح مكانه،أي زال عنه و صار في البراح،كذا تبرّح أيضا.

و البارح:خلاف السّانح من الظّباء و الطّير،و هو ما تبدو منه ميامنه،فلا يمكن الصّائد إلاّ أن ينحرف له.

و العرب يتطيّرون منه،يقال:برح الظّبي بروحا.

و البارحة:اللّيلة الماضية،و هي من برح،أي زال، و في المثل:«ما أشبه اللّيلة بالبارحة»!للشّيء ينتظره خيرا من شيء،فيجيء مثله.

2-و اشتقّ من«البراح»الشّدّة و ما يضارعها أيضا، لما في«البراح»من شظف و ضنك،كما أسند ذلك إلى اليهماء أي الفلاة،فيقال:سنة يهماء،أي شديدة لا فرج فيها،و سنون يهم:لا كلأ فيها و لا ماء و لا شجر.

و لذا قيل:برّح بنا فلان تبريحا،أي آذانا بإلحاح المشقّة،و برّح بي هذا الأمر،إذا غلظ و اشتدّ.و أبرحت بفلان،أي حملته على ما لا يطيق،فتبرّح به و غمّه، و ضربه ضربا مبرّحا:شديدا،و لقيت منه بنات برح و بني برح،أي داهية و شدّة،و لقيت منه ابن بريح،أي تعب،و جاء بالبرحين،أي بالدّاهية.

و البرحاء:الحمّى الشّديدة،و الشّدّة و المشقّة، يقال:جاء بالبرحاء،أي جاء بالدّاهية.و التّباريح:كلف المعيشة في مشقّة،و البارح:الرّيح الشّديدة الّتي تهيج الغبار.و يقال في التّفضيل:هذا الأمر أبرح عليّ من ذاك، أي أشقّ و أشدّ.

3-و أمّا قولهم:ما أبرحه،أي ما أعجبه!فنحسبه مبدلا من:أبره الرّجل،إذا غلب النّاس و أتى بالعجائب؛ إذ قلب الهاء حاء شائع في اللّغة،مثل:هبش و حبش، أي جمع،و يتفيهق و يتفيحق،أي يتوسّع في كلامه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من«البراح»فعلان في القرآن ثلاث مرّات:

1- فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ يوسف:80

ص: 168

2- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60

3- قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى طه:91

يلاحظ أوّلا:أنّ بين الآيات الثّلاث شبها لفظيّا و معنويّا،فكلّها مقول قول،و فعل البراح فيها جاء مضارعا منفيّا،و يليه لفظ«حتّى»،و هي كلّها مكّيّة تحكي أحوال موسى و قومه في الأخيرتين،و حال أخي يوسف في الأولى.

ثانيا:أجمع المفسّرون قاطبة على أنّ(ابرح)في الآية الأولى فعل تامّ مثل:زال يزول،أي ذهب و تنحّى، بدليل لفظيّ و هو التّعدّي،و معنويّ و هو السّياق.

بيد أنّ الآلوسيّ علّل نصب(الارض)بالمفعوليّة دون نزع الخافض،و لكنّ كليهما جائز،يقال:برح مكانه،و برح من مكانه،أي زال عنه،كما تقدّم في النّصوص اللّغويّة.و إذا ثبت ذلك،فيمكن أن يكون أصل فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ فلن أبرح من الأرض،على غرار قوله تعالى: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا الأعراف:155،فأصله:و اختار موسى من قومه،و لمّا نزع الخافض منه،و هو«من»،نصب بهذا السّبب.

ثالثا:اختلف المفسّرون في(لا ابرح)في الآية الثّانية،أ هو تامّ مثل:زال يزول،كما في الأولى،أم ناقص،مثل:زال يزال،أي استمرّ و دام؟

فمن قال بتمامه ضمّنه معنى المفارقة و التّرك،و قدّر مفعولا به،و تقدير الكلام على هذا:لا أفارق سيري.

و من قال بنقصه قدّر خبرا،و تقديره:لا أزال أمضي أو أسير.

و لكنّ أبا حيّان لم يرتض هذا التّقدير على القول الثّاني،محتجّا برأي أصحابه من نحاة المغرب الّذين لا يجوّزون حذف خبر كان و أخواتها،و إن دلّ الدّليل على حذفه.و يبدو أنّ نحاة المشرق يسوّغون ذلك،كما أنّ ابن مالك الأندلسيّ لم يتعرّض لذلك في ألفيّته.

رابعا:جاء(نبرح)في الثّالثة ناقصا،و قد ذكر خبره، و هو(عاكفين)،و تقدّم معموله-(عليه)-لحصر لزومهم العجل،و الإصرار على عبادته،إمعانا منهم في الغيّ و الضّلالة،و تماديا في الإثم و الجهالة.

ص: 169

ص: 170

ب ر د

اشارة

3 ألفاظ،5 مرّات:4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

بارد 2:2 بردا 2:2

برد 1:-1

النّصوص اللّغويّة

القرظيّ: الإبراد:أن تزيغ الشّمس،و الرّكب في السّفر يقولون:إذا زاغت الشّمس:قد أبردتم،فروحوا.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:106)

الخليل: البرد:مطر كالجمد.و سحاب برد:ذو قرّ و برد،و قد برد القوم،إذا أصابهم البرد.

و الأبردان:الغداة و العشيّ،و برد يبرد برودة.

و بردت الخبز بالماء:صببته عليه فبللته،و اسم ذلك الخبز المبلول:البريد و المبرود،تطعمه النّساء للسّمنة.

و تقول:اسقني شربة أبرّد بها كبدي.

و برد القرّ،و أبردوا:صاروا فى وقت القرّ،آخر النّهار.و برّدت الماء تبريدا.

و برد عليه حقّ كذا و كذا درهما،أي لزمه ذلك.

و البرود:كحل تبرّد به العين من الحرّ.

و في الحديث:«أبردوا بالظّهر فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم».

و يقال:جئناك مبردين،إذا جاءوا و قد باخ الحرّ.

و البرّادة:الكوّازة.

و البريد:ستّة أميال،يتمّ بها فرسخان.

و البريد:الرّسول المبرد على دوابّ البريد.

و إبراده:إرساله،و قال الرّاجز:

*رأيت للموت رسولا مبردا*

و يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إذا أبردتم إليّ بريدا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم».

و قال بعض العرب:الحمّى بريد الموت،أراد أنّها رسول الموت تنذر به.

و سكك البريد:كلّ سكّة منها اثنا عشر ميلا،

ص: 171

و السّفر الّذي يجوز فيه قصر الصّلاة:أربعة برد،و هي ثمانية و أربعون ميلا،بالأميال الهاشميّة الّتي في طريق مكّة.

و قيل لدابّة البريد:بريد لسيره في البريد.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرد:سحكك الحديد بالمبرد،أي السّوهان «بالفارسيّة».

و البرد:ثوب من برود العصب و الوشي.

و البردد (1):كساء مربّع أسود،فيه صغر و نحو ذلك، تلتحف به العرب.

و قوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً النّبأ:24،يقال:نوما.

و ضربه حتّى برد،أي مات.

و برد فلان في أيديهم،أي صار في أيديهم،لا يفدى و لا يطلب.

و بردا الجراد:جناحاه،قال ذو الرّمّة:

*إذا تجاوب من برديه ترنيم*

(8:27)

الكسائيّ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة».

قوله:«الغنيمة الباردة»إنّما وصفها بالبرد،لأنّ الغنيمة إنّما أصلها من أرض العدوّ،و لا تنال ذلك إلاّ بمباشرة الحرب و الاصطلاء بحرّها،يقول:فهذه غنيمة ليس فيها لقاء حرب و لا قتال.

و قد يكون أن يسمّى«باردة»لأنّ صوم الشّتاء ليس كصوم الصّيف الّذي يقاسى فيه العطش و الجهد.

و قد قيل في مثل:«ولّ حارّها من تولّي قارّها» يضرب للرّجل يكون في سعة و خصب و لا ينيلك منه شيئا،ثمّ يصير منه إلى أذى و مكروه،فيقال:دعه حتّى يلقى شرّه كما لقي خيره،فالقارّ هو المحمود،و هو مثل الغنيمة الباردة،و الحارّ هو المذموم المكروه.

(أبو عبيد 1:307)

ابن شميّل: إذا قال:و ابرده على الفؤاد،إذا أصاب شيئا هيّنا،و كذلك:وا برداه على الفؤاد.

(الأزهريّ 14:107)

ثوب برود،ليس له زئبر.(الصّغانيّ 2:197)

الفرّاء: هي لك بردة نفسها،أي خالصا،و هو لي بردة يميني،إذا كان لك معلوما.(الأزهريّ 14:107)

قالت الدّبيريّة:البردة:التّخمة،و كذلك الطّنى و الرّان.

(الفرّاء 14:104)

أبو زيد: يقال:أصابه براد و برود،إذا ضعف من هزال و مرض،فوجد فترة في عظامه و لحمه،و ضعفت منّته،و هي القوّة.و جماعها:المنن.

و قد برد الرّجل يبرد برادا و برودا،و هو رجل بارد، إذا أصابه البراد و البرود.(219)

الأصمعيّ: ضرب حتّى برد:معناه حتّى مات، و البرد:النّوم.(الأزهريّ 14:105)

قلت لأعرابيّ:ما يحملكم على نومة الضّحى؟

قال:إنّها مبردة في الصّيف مسخنة في الشّتاء.

(الجوهريّ 2:446)ة.

ص: 172


1- الظّاهر أنّه البردة.

أبو عبيد: يقال:بردت عينه بالكحل أبردها بردا، و سقيته شربة بردت بها فؤاده،و كلاهما من البرود.

و سحابة بردة،إذا كانت ذات برد.

(الأزهريّ 14:107)

سقيته فأبردت له إبرادا،أي سقيته باردا.

(الجوهريّ 2:448)

ابن الأعرابيّ: البردة:الثّقلة على المعدة.

(الأزهريّ 14:104)

البرد:النّحت،يقال:بردت الخشبة بالمبرد أبردها بردا،إذا نحتّها.

و البرد:تبريد العين،و البرود:كحل يبرّد العين، و البرود من الشّراب:ما يبرّد الغلّة،و أنشد:

*و لا يبرّد الغليل الماء*

(الأزهريّ 14:105)

و يقال:أبرد طعامه و برده و برّده.

و الأبارد:النّمور،واحدها:أبرد،يقال للنّمر الأنثى:أبرد و الخنيثمة.و البرديّ:ضرب من تمر الحجاز،جيّد معروف.(الأزهريّ 14:108)

الباردة:الرّباحة في التّجارة ساعة يشتريها، و الباردة:الغنيمة الحاصلة بغير تعب،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة»لتحصيله الأجر بلا ظمإ في الهواجر.(الأزهريّ 14:108)

ابن السّكّيت: عيش بارد،أي طيّب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:107)

البردان و الأبردان:الغداة و العشيّ،و هما الرّدفان، و الصّرعان،و القرّتان.(الأزهريّ 14:108)

نحوه ابن الشّجريّ.(الأمالي 1:240)

شمر: رأيت أعرابيّا بحزيميّة،و عليه شبه منديل من صوف قد اتّزر به،فقلت:ما نسمّيه؟فقال:بردة.

(الأزهريّ 14:107)

ثوب برود،إذا لم يكن دفيئا و لا ليّنا من الثّياب، و رجل به بردة،و هو تقطير البول و لا ينبسط إلى النّساء.

(الأزهريّ 14:108)

أبو طالب: قولهم:لم يبرد بيدي منه شيء،فالمعنى لم يستقرّ و لم يثبت،و أنشد:

*اليوم يوم بارد سمومه*

و أصله من النّوم و القرار،يقال:برد،أي نام.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:105)

أبو الهيثم:برد الموت على مصطلاه،أي ثبت عليه،و برد لي عليه من الحقّ كذا،أي ثبت.

و مصطلاه:يداه و رجلاه و وجهه و كلّ ما برز منه، فبرد عند موته و صار حرّ الرّوح منه باردا،فاصطلى النّار ليسخنه.(ابن منظور 3:85)

الدّينوريّ: البرديّ بالضّمّ:من جيّد التّمر،يشبه البرنيّ.(ابن سيدة 19:323)

شجرة مبرودة:طرح البرد ورقها.

(ابن سيدة 19:321)

ابن أبي اليمان: البرد:النّوم و الهدوء،قال اللّه جلّ ثناؤه: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً النّبأ:24، و يكون«البرد»هاهنا:النّسيم.

و روي عن بعض الأعراب أنّه قال و معه شيخ: أيّها النّاس إنّ شيخي هذا قد منعه البرد.و كلّ ما قرّ و ثبت

ص: 173

فقد برد،و من ذلك قول الشّاعر:

*اليوم يوم بارد سمومه*

أراد أنّه ثابت دائم،و منه قول الرّجل:ما برد بيدي من فلان شيء،و منه قول النّاس:قد برد جلد فلان على كذا،إذا عرض عليه شيء فلم يجد غيره،فصبر عليه.

(302)

المبرّد: من أمثال العرب:«منع البرد البرد»،أي أصابني من البرد ما منعني من النّوم.

(الفخر الرّازيّ 31:14)

ثعلب :بردت عيني أبردها بالضّمّ،أي كحلتها بالبرود بفتح الباء،و هو كحل يبرد حرارة ألمها، و كذلك:برد الماء حرارة جوفي يبردها.(13)

نحوه الزّجّاج.(فعلت و أفعلت:54)

«و إن شئت لم أطعم نقاخا و لا بردا»البرد هنا:

الرّيق،و النّقاخ:الماء العذب.(الزّبيديّ 2:297)

الزّجّاج: أرض مبردة:أصابها البرد،لغة في مبرودة.(الصّاغانيّ 2:196)

ابن دريد :يقال:بردت الماء و أبردته،و ليس أبردته بقويّ.(1:24)

البرد:ضدّ الحرّ،و لي على فلان ألف بارد،أي ثابت لا يزول.[ثمّ استشهد بشعر]

و برد الشّيء و الحيّ،إذا مات كأنّه قد عدم حرارة الرّوح.

و البرود:كلّ ما بردت به شيئا،مثل برود العين، و نحوه.

و بردت الشّيء أبرده بردا و برّدته تبريدا،إذا صيّرته باردا،و لا يقال:أبردته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإبردة في وزن«إفعلة»:برد يجده الرّجل في جوفه،أو في بعض أعضائه.

و البرد:الواحد من البرود.

و بردت الحديد أبرده بردا،إذا حككته بالمبرد،و ما يسقط منه:البرادة.

و البرديّ:نبت يشبه القصب،عربيّ معروف.

و البريد،عربيّ معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرد:ما يسقط من السّماء.و سحاب برد و أبرد.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البرد:جمع بردة:ضرب من الثّياب فيه خطوط.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تبريد:اسم،و قد سمّت العرب:أبرد،و بردا، و بريدة،و بريدا.و احسب«بريدا»بطنا من العرب.

(1:240-242)

نفطويه: العرب تقول:أنا أتبرّد و أبترد بذاك،أي أستريح.(الهرويّ 1:151)

الأزهريّ: في الحديث:«أصل كلّ داء البردة» سمّيت التّخمة بردة،لأنّ التّخمة تبرد المعدة، فلا تستمرئ الطّعام،و لا تنضجه.

برد لي عليه كذا كذا درهما،أي ثبت.

بردت الخشبة بالمبرد أبردها بردا،إذا نحتّها.[ثمّ ذكر قول محمّد بن كعب القرظيّ المتقدّم و قال:]

قلت:لا أعرف محمّد بن كعب هذا،غير أنّ الّذي قاله صحيح من كلام العرب،و ذلك أنّهم ينزلون للتّغوير في شدّة الحرّ،و يقيلون،فإذا زالت الشّمس

ص: 174

ثاروا إلى ركابهم،فغيّروا عليها أقتابها و رحالها،و نادى مناديهم:ألا قد أبردتهم فاركبوا.

و يقال:لا تبرّد عن فلان بقول،أي إن ظلمك فلا تشتمه فتنقص من إثمه،و يقال:إنّ أصحابك لا يبالون ما برّدوا عليك،أي أثبتوا عليك.

و قال اللّيث: البرّادة:كوّارة يبرّد عليها الماء.

قلت:و لا أدري أ هي من كلام العرب أو من كلام المولّدين.(14:104-108)

الصّاحب: البرد:مطر كالجمد،و سحاب برد:

ذو قرّ.

و الأبردان:الغداة و العشيّ،و قيل:الثّرى و الظّلّ.

و هما البردان.

و بردت الخبز بالماء:صببته عليه،و اسم الخبز:

المبرود،تطعمه المرأة للسّمنة.

و قوله عزّ و جلّ: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً أي نوما.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة البادرة»أي الّتي تبرد الغليل.

و البرد:ضدّ الحرّ،و جمعه:أبردة.

و برّدت الماء تبريدا،و البرّادة:معروفة.

و أبرد القوم:صاروا في وقت القرّ من آخر النّهار، و الإنسان يبترد و يتبرّد في الماء.

و جئناك مبردين،إذا جاءوا و قد باخ الحرّ.

و البرداء:الحمّى بالقرّة على«فعلاء».

و سقيته فأبردت له،أي سقيته باردا.

و ثوب برود:بارد.

و برد على فلان حقّ،أي لزمه و ثبت عليه،يبرد.

و ضربه حتّى برد،أي مات.و برد الموت عليه:

استبان أثره.

و السّموم البارد:الثّابت و هي لك بردة نفسها،أي خالصة.و هي لبردة يميني،إذ كان معلومة لك.

و بردة العين:وسطها.و البرود:كحل تبرّد به العين.

و الإبردة:نقيض الحرارة في البدن.

و أبردة المطر:برده،و يقال:أبردة مطر،و هي جمع بريد،أي هي أوائل المطر.

و ترك سيفه مبرّدا،أي بارزا خارجا.

و استبردت عليه بلساني:أرسلته عليه.

و ابرد ظهر دابّتك،أي حلّ عنها رحلها و أرحها.

و في الحديث:«لا تبرّدوا عن الظّالم»أي لا تشتموه فتخفّفوا من عقوبة ذنبه.

و البريد:ضرب من الأميال،و الرّسول المبرد على دوابّ البريد،و اللّبن المبرّد،و الخبز المبلول.

و البرد:سحل الحديد بالمبرد.

و البرد:من برود العصب و الوشي.و البردة:كساء، كانت العرب تلتحف به،و يقولون:«ليتنا في بردة أخماس»أي ليتنا تقاربنا.

و وقع بينهما قدّ برود يمنيّة،أي بلغا أمرا كبيرا،لأنّ البرد غالي الثّمن،فهو لا يقدّ إلاّ لأمر كبير.

و بردا الجرادة:جناحاها الباطنان.

و أصابه براد و برود،أي هزال و ضعف من داء،و قد برد يبرد برودا،و رجل بارد:أصابه البراد،و هو أيضا ضعف القوائم من جوع أو إعياء.

و البارد من الإبل:المهزول،يقال:هو بارد العظام،

ص: 175

و فيه بردة،أي استرخاء و بهت.

و الأبرد:من صفات الوعل و الثّور الّذي في طرف ذنبه بياض،و كلّ توليع كذلك.

و البردة:اللّون.

و الأبرد:من أسماء النّمر و صفاته.

و ضرب من اللّبن يقال له:بردة الضّأن.

و البرديّ:ضرب من أجود التّمر.

و البرد:التّخمة.

و تسمّى النّعجة:بردة،و هي اسم لها علم،و تدعى فيقال لها:برده برده.(9:295)

الخطّابيّ: قوله[في الحديث]:«برد أمرنا»فيه قولان:

أحدهما:أن يكون معناه سهل أمرنا،و منه قوله صلّى اللّه عليه:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة» و يقال:عيش بارد،أي ناعم سهل،و من هذا قولهم في الدّعاء للميّت:«اللّهمّ برّد عليه مضجعه».[ثمّ استشهد بشعر]

و الوجه الآخر:أن يكون معناه ثبت أمرنا و استقام، من قولهم:برد لي على فلان حقّ،أي وجب و ثبت.

قال الأصمعيّ:ما برد لك على فلان شيء،و كذلك:

ما ذاب لك عليه شيء،و يقال:إنّ أصحابك لا يبالون ما برّدوا عليك،أي ما ثبّتوا عليك.[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه وجه آخر:و هو أن يكون«برد»بمعنى ضعف و فتر،يريد به أمر قريش و الخارجين في أثره من الطّلب.

يقال:جدّ فلان في الأمر ثمّ برد،أي فتر و استرخى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ضربه بالسّيف حتّى برد،أي مات و سكن.

و في حديث عمر بن الخطّاب:«أنّه شرب النّبيذ بعد ما برد غليه»أي سكن.

و قد يجوز أن يكون النّوم إنّما سمّي بردا لهذا المعنى، ذلك لأنّه يرخي المفاصل و يسكّنها.

و زعم بعضهم أنّه إنّما سمّي بردا لأنّه يبرّد حرارة العطش و يسكّنها.(1:181)

و البردة:شملة من صوف مخطّطة،و جمعها:برد.

(1:617)

و في حديث عبد اللّه بن مسعود: «أصل كلّ داء البردة»البردة مفتوحة الرّاء:التّخمة.و أصحاب الحديث يقولون:البرد،و هو غلط.(3:263)

الجوهريّ: البرد:نقيض الحرّ،و البرودة:نقيض الحرارة.

و قد برد الشّيء بالضّمّ،و بردته أنا،فهو مبرود.

و برّدته تبريدا،و لا يقال:أبردته إلاّ في لغة رديئة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:لا تبرّد عن فلان،أي إن ظلمك فلا تشتمه؛ فتنتقص من إثمه.

و ابتردت،أي اغتسلت بالماء البارد،و كذلك إذا شربته لتبرد به كبدك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ما برد لك على فلان؟و كذلك:ما ذاب لك عليه،أي ما ثبت و وجب.و برد لي عليه كذا من المال، و لي عليه ألف بارد.

و سموم بارد،أي ثابت لا يزول.[ثمّ استشهد بشعر]

و البردان:العصران،و كذلك الأبردان،و هما الغداة

ص: 176

و العشيّ،و يقال:ظلاّهما.[ثمّ استشهد بشعر]

و البردة،بالتّحريك:التّخمة.و في الحديث:«أصل كلّ داء البردة».

و الإبردة،بالكسر:علّة معروفة من غلبة البرد و الرّطوبة،تفتّر عن الجماع.

و يقول الرّجل من العرب:إنّها لباردة اليوم،فيقول له الآخر:ليست بباردة،إنّما هي إبردة الثّرى.

و البرد:حبّ الغمام،تقول منه:بردت الأرض بالضّمّ،و برد بنو فلان.

و سحاب برد و أبرد،أي ذو برد،و سحابة بردة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرود:البارد.

و البرود أيضا:كلّ ما بردت به شيئا،نحو برود العين،و هو كحل.

و تقول:هو لي بردة يمنيّ،إذا كان لك معلوما.

و ذكر أبو عبيد في باب نوادر الفعل:هي لك بردة نفسها،أي خالصا.

و البرد:من الثّياب،و الجمع:برود و أبراد.[ثمّ استشهد بشعر]

و بردا الجندب:جناحاه.

و البردة:كساء أسود مربع فيه صور،تلبسه الأعراب.و في حديث ابن عمر رضي اللّه عنه:«بردة فلوت»و الجمع:برد.

و الثّور الأبرد:فيه لمع بياض و سواد.

و البرديّ بالضّمّ:ضرب من أجود التّمر.

و البرديّ بالفتح:نبات معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و البريد:المرتّب.يقال:حمل فلان على البريد.

و صاحب البريد قد أبرد إلى الأمير،فهو مبرد، و الرّسول:بريد.و يقال للفرانق،لأنّه ينذر قدّام الأسد.

و يقال:جئناك مبردين،إذا جاءوا و قد باخ الحرّ.(2:445)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الدّال أصول أربعة:

أحدها:خلاف الحرّ،و الآخر:السّكون و الثّبوت، و الثّالث:الملبوس،و الرّابع:الاضطراب و الحركة؛و إليها ترجع الفروع.

فأمّا الأوّل:فالبرد خلاف الحرّ،يقال:برد فهو بارد،و برد الماء حرارة جوفي يبردها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للسّيوف:البوارد.قال قوم:هي القواتل، و قال آخرون:مسّ الحديد بارد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الأصل الآخر:فالبرد النّوم،قال اللّه تعالى:

لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً النّبأ:24.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:برد الشّيء،إذا دام.[ثمّ استشهد بشعر]

و برد لي على فلان من المال كذا،أي ثبت،و برد في يدي كذا،أي حصل.

و يقولون:برد الرّجل،إذا مات.فيحتمل أن يكون من هذا،و أن يكون من الّذي قبله.

و أمّا الثّالث:فالبرد،معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الرّابع:بريد العساكر،لأنّه يجيء و يذهب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و محتمل أن يكون المبرد من هذا،لأنّ اليد تضطرب

ص: 177

به إذا أعمل.(1:241)

الهرويّ: يقال:إنّما سمّي بردا،لأنّه يبرد وجه الأرض،أي يقشر،و قد برد القوم،و غيث برد.

و ابردت السّحابة:جاءت ببرد.

و في الحديث: «أصل كلّ داء البردة»يعني الطّناة و التّخمة و الثّقلة على المعدة،سمّيت«بردة»لأنّها تبرّد المعدة،فلا تستمرئ الطّعام.

و في الحديث: «إذا أبردتم إليّ بريدا...»يقول:إذا أرسلتم إليّ رسولا،و البريد:الرّسول.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:الحمّى بريد الموت.و سكك البريد:كلّ سكّة منها بريد.و قيل لدابّة البريد:بريد،لسيره في البريد.

و منه الحديث: «إنّي لا أحبس البرد»يقول:إنّي لا أحبس الرّسل الواردين عليّ من الملوك و الأطراف.

و في الحديث:«أنّه لمّا تلقّاه بريدة الأسلميّ في طريق المدينة،قال له:من أنت؟قال:أنا بريدة.فقال لأبي بكر:برد أمرنا و صلح».

قوله:«برد أمرنا»أي سهل،و منه قوله:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة»أي لا تعب فيه و لا مشقّة.و كلّ محبوب عندهم بارد،و منه قولهم:اللّهمّ برّد عليه مضجعه.

و يحتمل أن يكون معناه ثبت أمرنا و استقام،يقال:

برد عليّ حقّ فلان:أي ثبت.

و في الحديث: «لا تبرّدوا عن الظّالم»أي لا تشتموه فتخفّفوا عنه،و تسهّلوا عليه من عقوبة ذنبه.

و هذا كما قال لعائشة رضي اللّه عنها،و سمعها تدعو على سارق،فقال:«لا تسبّخي عنه بدعائك عليه» يقول:لا تخفّفي.

و في حديث عمر رضي اللّه عنه: «شرب النّبيذ بعد ما برد»أي سكن و فتر،يقال:جدّ في الأمر ثمّ برد،أي فتر.

و يقال:سمّي النّوم بردا،لأنّه يرخي المفاصل و يسكّن الحركات.

و في الحديث: «من صلّى البردين دخل الجنّة» البردان و الأبردان:الغداة و العشيّ.

و أمّا حديثه: «أبردوا بالظّهر».فالإبراد:انكسار الوهج.و قال بعض أهل اللّغة:أراد:صلّوها في أوّل وقتها،و برد النّهار:أوّله.

و في الحديث: «و على ابن عمر يوم الفتح بردة فلوت».قال شمر:البردة:هي الشّملة المخطّطة؛و جمعها:

برد،و هي النّمرة.

و في حديث عمر: «قال:فهبره بالسّيف حتّى برد» يعنى مات.(1:151-153)

أبو سهل الهرويّ: البرود:اسم لكلّ ما بردت به شيئا،و منه قيل للكحل الّذي تكحل به العين لتبرد من وجعها:برود.(48)

و أجد إبردة،أي بردا و رطوبة تفتّر عن الجماع.

(52)

ابن سيدة: البرد:ضدّ الحرّ.

برد الشّيء يبرد برودة.

و ماء برد،و بارد،و برود،و براد.

ص: 178

و قد برده يبرده بردا،و برّده:جعله باردا.

فأمّا من قال برّدته:سخّنته،لقوله:

عافت الماء في الشّتاء فقلنا

برّديه تصادفيه سخينا

فغالط،إنّما هو«بل رديه»فأدغم،على أنّ قطربا قد قاله.

و برده يبرده:خلطه بالثّلج و غيره،و قد جاء في الشّعر أبرده و ليس بمأخوذ به.

و أبرده:جاء به باردا.

و أبرد له:سقاه باردا.

و سقاه شربة بردت فؤاده:أي برّدته.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرّادة:إناء يبرّد الماء،بني على برّد.

و إبردة الثّرى و المطر:بردهما.

و الإبردة:برد في الجوف.

و البردة و البردة:التّخمة،و في حديث ابن مسعود:

«كلّ داء أصله البردة»و كلّه من البرد.

و ابترد الماء:صبّه على رأسه باردا.[ثمّ استشهد بشعر]

و تبرّد فيه:استنقع.

و البرود:ما ابترد به.

و البردان،و الأبردان:الغداة و العشيّ.

و الأبردان أيضا:الظّلّ و الفيء،قال الشّمّاخ:

إذا الأرطى توسّد أبرديه

خدود جوازئ بالرّمل عين

و قول أبي صخر الهذليّ:

فما روضة بالحزم ظاهرة الثّرى

ولتها نجاء الدّلو بعد الأبارد

يجوز أن يكون جمع الأبردين اللّذين هما الفيء و الظّلّ،أو اللّذين هما الغداة و العشي.

و أبرد القوم:دخلوا في آخر النّهار.

«و أبردوا عنكم من الظّهيرة»:أي لا تسيروا حتّى ينكسر حرّها و يبوخ.

و بردنا اللّيل يبردنا بردا،و برد علينا:أصابنا برده.

و ليلة باردة العيش،و بردته:هنيئته،قال نصيب:

فيا لك ذا ودّ و يا لك ليلة

تحلّت و كانت بردة العيش ناعمه

و عيش بارد:هنيء،قال:

قليلة لحم النّاظرين يزينها

شباب و مخفوض من العيش بارد

و المبرود:خبز يبرد في الماء تطعمه النّساء للسّمنة.

و البرد:سحاب كالجمد؛سمّي بذلك لشدّة برده.

و سحاب برد،و أبرد:ذو قرّ و برد،قال:

يا هند هند بين خلب و كبد

أسقاك عنّي هزم الرّعد برد

و قال:

*كأنّهم المعزاء في وقع أبردا*

شبّههم في اختلاط أصواتهم بوقع البرد على المعزاء، و هي حجارة صلبة.

و سحابة بردة،على النّسب:ذات برد و لم يقولوا:

برداء.

و برد القوم:أصابهم البرد.

ص: 179

و أرض مبرودة كذلك.

و البرد:النّوم؛لأنّه يبرّد العين بأن يقرّها.و في التّنزيل: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً النّبأ:24، قال:

فإن شئت حرّمت النّساء سواكم

و إن شئت لم أطعم نقاخا و لا بردا

و قال ثعلب:البرد هنا:الرّيق.

و برد الرّجل يبرد بردا:مات،و هو صحيح في الاشتقاق؛لأنّه عدم حرارة الرّوح.

و برد السّيف:نبا.

و برد يبرد برادا و برودا:ضعف و فتر عن هزال أو مرض.

و أبرده الشّيء:فتّره و أضعفه،و أنشد ابن الأعرابيّ:

و الأسودان أبردا عظامي

الماء و الفثّ ذوا أسقام

و برد عينه بالكحل يبردها بردا:كحلها،و سكّن ألمها.

و اسم الكحل:البرود.

و كلّ ما برد به شيء:برود.

و برد عليه حقّ:وجب و لزم.

و لي عليهم ألف بارد:أي ثابت.[ثمّ استشهد بشعر]

و برد في أيديهم سلما:لا يفدى و لا يطلق و لا يطلب.

و إنّ أصحابك لا يبالون ما برّدوا عليك:أي أثبتوا.

و في حديث عائشة:«لا تبرّدي عنه»:أي:لا تخفّفي.

و البريد:فرسخان.و قيل:ما بين كلّ منزلين بريد.

و البريد:الرّسل على دوابّ البريد،و الجمع:برد.

و برد بريدا:أرسله.

و البرد:ثوب فيه خطوط،و خصّ بعضهم به الوشي،و الجمع:أبراد،و أبرد،و برود.

و البردة:كساء يلتحف به.و قيل:إذا جعل الصّوف شقّة و له هدب فهي بردة.

و قولهم:هما في بردة أخماس،فسّره ابن الأعرابيّ فقال:معناه أنّهما يفعلان فعلا واحدا فيشتبهان،كأنّهما في بردة واحدة،و الجمع:برد،لا يكسّر على غير ذلك، قال أبو ذؤيب:

فسمعت نبأة منه فآسدها

كأنّهنّ لدى أنسائه البرد

يريد أنّ الكلاب انبسطن خلف الثّور مثل البرد، و قول يزيد بن مفرّغ:

معاذ اللّه ربّا أن ترانا

طوال الدّهر نشتمل البرادا

يحتمل أن يكون جمع بردة،كبرمة و برام،و أن يكون جمع برد،كقرط و قراط.

و ثور أبرد:فيه لمع سواد و بياض،يمانيّة.

و هي لك بردة نفسها:أي خالصة.و قال أبو عبيد:

هي لك بردة نفسها:أي خالصا،فلم يؤنّث خالصا.

و هي لبردة يميني.و قال أبو عبيدة:هو لي بردة يميني:إذا كان لك معلوما.

و برد الحديد و نحوه،من الجواهر،يبرده بردا:

سحله.

و البرادة:السّحالة.

ص: 180

و المبرد:ما برد به،و هو السّوهان بالفارسيّة.

و البرديّ:نبت،واحدته برديّة،قال الأعشى:

كبرديّة الغيل وسط الغري

ف قد خالط الماء منها السّريرا

السّرير:ساق البرديّ،و قيل:قطنه.

و بردى:نهر بدمشق.قال حسّان:

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل

أراد ماء بردى.

و البردان:موضع،قال ابن ميّادة:

ظلّت بنهي البردان تغتسل

تشرب منه نهلات و تعل

و برديّا:موضع أيضا،و قيل:نهر،و قيل:هو نهر دمشق،و الأعرف أنّه بردى،كما تقدّم.(9:319)

البرديّ:نبات يعمل منه الحصر،و نباته كنبات النّخلة إلاّ أنّها لا تطول.و لها شحمة بيضاء تتمصّخ فتؤكل،و هي من الأغلاث.

و ما كان منه في الماء فهو أبيض،و ما فوق ذلك فهو أخضر،الواحدة:برديّة.(الإفصاح 2:1120)

الرّاغب: أصل البرد خلاف الحرّ،فتارة يعتبر ذاته،فيقال:برد كذا،أي اكتسب بردا،و برد الماء كذا، أي كسبه بردا،نحو:

*ستبرد أكبادا و تبكي بواكيا*

و يقال:برّده أيضا-و قيل:قد جاء«أبرد»،و ليس بصحيح-و منه البرّادة لما يبرّد الماء.

و يقال:برد كذا،إذا ثبت ثبوت البرد.و اختصاص الثّبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحرّ،فيقال:برد كذا،أي ثبت،كما يقال:برد عليه دين.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:لم يبرد بيدي شيء،أي لم يثبت.

و برد الإنسان:مات،و برده:قتله،و منه:السّيوف البوارد،و ذلك لما يعرض للميّت من عدم الحرارة بفقدان الرّوح،أو لما يعرض له من السّكون.

و قولهم للنّوم:برد،إمّا لما يعرض من البرد في ظاهر جلده،أو لما يعرض له من السّكون.و قد علم أنّ النّوم من جنس الموت،لقوله عزّ و جلّ: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها الزّمر:42،و قال:

لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً النّبأ:24،أي نوما.

و عيش بارد،أي طيّب اعتبارا بما يجد الإنسان من اللّذّة في الحرّ من البرد،أو بما يجد فيه من السّكون.

و الأبردان:الغداة و العشيّ،لكونهما أبرد الأوقات في النّهار.

و البرد:ما يبرد من المطر في الهواء،فيصلب.و برد السّحاب اختصّ بالبرد،و سحاب أبرد و برد:ذو برد، قال اللّه تعالى: وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ النّور:43.

و البرديّ:نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتا به.

و قيل:أصل كلّ داء البردة،أي التّخمة؛و سمّيت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطّبيعيّة الّتي تعجز عن الضّمّ.

و البرود يقال:لما يبرد به و لما يبرد،فتارة يكون فعولا في معنى فاعل،و تارة في معنى مفعول،نحو ماء

ص: 181

برود و ثغر برود،و كقولهم:للكحل برود.

و بردت الحديد:سحلته،من قولهم:بردته،أي قتلته.و البرادة:ما يسقط،و المبرد:الآلة الّتي يبرد بها.

و البرد في الطّرق:جمع البريد،و هم الّذين يلزم كلّ واحد منهم موضعا منه معلوما،ثمّ اعتبر فعله في تصرّفه في المكان المخصوص به،فقيل لكلّ سريع:هو يبرد.

و قيل لجناحي الطّائر:بريداه،اعتبارا بأنّ ذلك منه يجري مجرى البريد من النّاس،في كونه متصرّفا في طريقه،و ذلك فرع على فرع،على حسب ما يبيّن في أصول الاشتقاق.(42)

الزّمخشريّ: [في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:]«برد أمرنا»، أي سهل،من العيش البارد،و هو النّاعم السّهل.و قيل:

ثبت،من:برد لي عليه حقّ.

«من صلّى البردين دخل الجنّة»هما الغداة و العشيّ لطيب الهواء و برده فيهما.

«إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلاة»،أي صلّوها إذا انكسر وهج الشّمس بعد الزّوال،و إذا كانوا في سفر فزالت الشّمس و هبّت الأرواح تنادوا:أبردتم بالرّواح.

و حقيقة الإبراد:الدّخول في البرد،كقولك:أظهرنا و أفجرنا.و الباء للتّعدية،فالمعنى ادخلوا الصّلاة في البرد.

«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة»هي الّتي تجيء عفوا من غير أن يصطلى دونها بنار الحرب،و يباشر حرّ القتال.

و قيل:الثّابتة الحاصلة،من:برد لي عليه حقّ.

و قيل:الهنيّة الطّيّبة من العيش البارد.

و الأصل في وقوع«البرد»عبارة عن الطّيب و الهناءة،أنّ الهواء و الماء لمّا كان طيبهما ببردهما- خصوصا في بلاد تهامة و الحجاز-قيل:هواء بارد،و ماء بارد،على سبيل الاستطابة،ثمّ كثر حتّى قيل:عيش بارد،و غنيمة باردة،و برد أمرنا.

و كان يكتب إلى أمرائه:«إذا أبردتم إليّ بريدا فاجعلوه حسن الوجه،حسن الاسم»أي إذا أرسلتم إليّ رسولا.

و البريد،في الأصل:البغل،و هي كلمة فارسيّة أصلها«بريده دم»،أي محذوف الذّنب،لأنّ بغال البريد كانت محذوفة الأذناب،فعرّبت الكلمة و خفّفت.ثمّ سمّي الرّسول الّذي يركبه بريدا،و المسافة الّتي بين السّكّتين بريدا.(الفائق 1:91)

في الحديث:«لا تبرّدوا عن الظّالم»أي لا تخفّفوا عنه،و لا تسهّلوا عليه من عقوبة ذنبه،بشتمه و لعنه.

(الفائق 1:104)

البرد:جمع بريد،و هو الرّسول،مخفّف عن«برد» كرسل في رسل.(الفائق 1:405)

منع البرد البرد،و هو النّوم.و برّدت فؤادك بشربة، و اسقني ما أبرد به كبدي.[ثمّ استشهد بشعر]

و برد عيني بالبرود،و هو الدّواء الّذي يبرد العين.

و خبز مبرود:مبلول بالماء البارد،و اسمه«البريد» تطعمه المرأة للسّمنة؛تقول:نفخ فيها الثّريد و البريد، حتّى آضت كما تريد.

و باتت كيزانهم على البرّادة،و هم يتبرّدون بالماء و يبتردون.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 182

و أصل كلّ داء البردة،و هي التّخمة،لأنّها تبرد الطّبيعة فلا تنضج الطّعام بحرارتها.

و أبردوا بالظّهر،و جاءوا مبردين،و سحاب برد، و برد بنو فلان،و أرض مبرودة كمثلوجة.

و لا أفعل ذلك ما نسم البردان و الأبردان،و هما الغداة و العشيّ.

و لها ساق كأنّها برديّة.

و أبردت إليه بريدا،و هو الرّسول المستعجل.و أعوذ باللّه من قعقعة البريد.و سارت بينهم البرد،و هذا بريد منصب،و هو ما بين المنزلين.

و فلان يسحب البرود،و كان يشتمل بالبردة.

و من المجاز:برد لي على فلان حقّ و ما برد لك على فلان.

و إنّ أصحابك لا يبالون ما برّدوا عليك،أي ما أوجبوا و أثبتوا.

و برد فلان أسيرا في أيديهم،إذا بقي سلما لا يفدى.

و ضربته حتّى برد،و حتّى جمد.

و برّد ظهر فرسك ساعة:رفّهه عن الرّكوب.[ثمّ استشهد بشعر]

و برد مضجعه،إذا سافر.

و لا تبرّد عن ظالمك:لا تخفّف عنه بدعائك عليه، لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا تسبّخي عنه».

و برد مخّه و بردت عظامه،إذا هزل و ضعف،قد جاءنا فلانا باردا مخّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان بارد العظام و صاحبه حارّ العظام:للهزيل و السّمين.

و رعب فبرد مكانه،إذا دهش.

و برد الموت عليه:بان أثره.[ثمّ استشهد بشعر]

و عيش بارد:ناعم.[ثمّ استشهد بشعر]

و سلب الصّهباء بردتها،أي جريالها.[ثمّ استشهد بشعر]

شبّه ما يعلوها من لونها بالبردة الّتي يشتمل بها.

و جعل لسانه عليه مبردا،إذا آذاه و أخذه بلسانه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و استبردت عليه لساني:أرسلته عليه كالمبرد.

و وقع بينهما قدّ برود يمنيّة،إذا تخاصما حتّى تشاقّا ثيابهما الغالية،و هو مثل في شدّة الخصومة.

(أساس البلاغة:19)

المدينيّ: في حديث الأسود:«أنّه كان يكتحل بالبرود و هو محرم»البرود:كحل فيه أشياء باردة، و بردت عيني بالتّخفيف:كحلتها به.

في الحديث:«التقطنا بردة»قال الجبّان:البردة:

كساء تلتحف به العرب.

في حديث أمّ زرع:«برود الظّلّ»أي طيّب العشرة، و إنّما لم يؤنّث،لأنّها أرادت شخصا أو غيره.(1:146)

ابن الأثير: «من صلّى البردين دخل الجنّة» البردان و الأبردان:الغداة و العشيّ،و قيل:ظلاّهما.

و منه حديث ابن الزّبير: «كان يسير بنا الأبردين»، و حديثه الآخر مع فضالة بن شريك:«و سر بها البردين»،و منه حديث عمر رضي اللّه عنه:«وددت أنّه برد لنا عملنا».

و فيه:«إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت زوجته،فإنّ

ص: 183

ذلك برد ما في نفسه».

هكذا جاء في كتاب مسلم بالباء الموحّدة من «البرد»فإن صحّت الرّواية فمعناه أنّ إتيانه زوجته يبرّد ما تحرّكت له نفسه من حرّ شهوة الجماع،أي يسكّنه و يجعله باردا.

و المشهور في غيره«فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه» بالياء،من الرّدّ،أي يعكسه.

و فيه«أنّه أمر أن يؤخذ البرديّ في الصّدقة»هو بالضّمّ،نوع من جيّد التّمر.(1:114-116)

الصّغانيّ: يقال:بردت الخبز بالماء،إذا صببت عليه الماء فبللته،و اسم ذلك الخبز المبلول:البرود، و المبرود.

و برد مخّ فلان،إذا هزل.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة»هي الّتي تجيء عفوا من غير أن يصطلى دونها بنار الحرب، و يباشر حرّ القتال.

و قيل:الثّابتة،و قيل:الطّيّبة،و كلّ مستطاب محبوب عندهم:بارد.

و الأبارد:النّمور،واحدها:أبرد،و يقال للنّمر الأنثى:أبردة.

و البرّادة:كوّازة يبرّد الماء عليها.

و يقال:وقع بينهما قدّ برود يمنة،أي بلغا أمرا عظيما،لأنّ«اليمن»و هي برود اليمن،غالية الثّمن، فهي لا تقدّ إلاّ لأمر عظيم.

و بردى،على«فعلى»بالتّحريك:اسم نهر بدمشق.

[ثمّ استشهد بشعر]

و برديّا،على«فعليّا»:موضع بالشّام،و قيل:نهر.

و يقال:أصابه براد،بالضّمّ،و هو ضعف القوائم،من جوع أو إعياء،و منه قيل:برد فلان،إذا ضعفت قوائمه.

و بردة،بالضّمّ،و بريدة تصغيرها،و برّاد،على «فعّال»بالتّشديد:من الأعلام.

و برد الخيار بالفتح،مضافا إلى الخيار.

البرداء:الحمّى بالقرّة.

و ترك سيفه مبرّدا،أي بارزا.

و بردة العين:وسطها.و ضرب من اللّبن،يقال له:

بردة الضّأن.

و تسمّى النّعجة،بردة،و هي اسم لها علم،و تدعى فيقال:بردة بردة.

و برند السّيف،و برنده،بفتح الرّاء و كسرها،مثل فرنده،بكسرها،عن الفرّاء.(2:196)

برّد:إذا برّد و إذا أسخن.(الأضداد:224)

ابن منظور :و في الحديث:«إنّ البطّيخ يقطع الإبردة».

و الإبردة بكسر الهمزة و الرّاء:علّة معروفة من غلبة البرد و الرّطوبة تفتّر عن الجماع،و همزتها زائدة.

و رجل به إبردة،و هو تقطير البول و لا ينبسط إلى النّساء.

و ابتردت،أي اغتسلت بالماء البارد،و كذلك إذا شربته لتبرد به كبدك.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابترد الماء:صبّه على رأسه باردا.(3:83)

و برد الرّجل يبرد بردا:مات،و هو صحيح في الاشتقاق،لأنّه عدم حرارة الرّوح.(3:85)

ص: 184

الفيّوميّ: البرد:خلاف الحرّ،و أبردنا:دخلنا في البرد،مثل أصبحنا:دخلنا في الصّباح.

و أمّا أبردوا بالظّهر،فالباء للتّعدية،و المعنى أدخلوا صلاة الظّهر في البرد،و هو سكون شدّة الحرّ.

و برد الشّيء برودة،مثل سهل سهولة،إذا سكنت حرارته.

و أمّا برد بردا من باب«قتل»فيستعمل لازما و متعدّيا،يقال:برد الماء و بردته،فهو بارد مبرود، و هذه العبارة تكون من كلّ ثلاثيّ يكون لازما و متعدّيا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و برّدته بالتّثقيل مبالغة.

و بردت الحديدة بالمبرد بكسر الميم،و الجمع:

المبارد.

و البردي:نبات يعمل منه الحصر،على لفظ المنسوب إلى البرد.

و البرد بفتحتين:شيء ينزل من السّحاب يشبه الحصى،و يسمّى حبّ الغمام و حبّ المزن.

و البردة:التّخمة،سمّيت بذلك لأنّها تبرد المعدة، أي تجعلها باردة لا تنضج الطّعام.

و البرود،و زان رسول:دواء يسكّن حرارة العين، يقال منه:برد عينه بالبرود.

و البريد:الرّسول،و منه قول بعض العرب:«الحمّى بريد الموت»أي رسوله،ثمّ استعمل في المسافة الّتي يقطعها،و هي اثنا عشر ميلا.

و يقال لدابّة البريد:بريد أيضا،لسيره في البريد، فهو مستعار من المستعار،و الجمع:برد بضمّتين.

و البرد:معروف،و جمعه:أبراد و برود،و يضاف للتّخصيص،فيقال:برد عصب،و برد وشي.

و البردة:كساء صغير مربّع،و يقال:كساء أسود صغير.

و البرديّ بالضّمّ:من أجود التّمر.(1:42)

الفيروزآباديّ: البرد معروف،برد كنصر و كرم برودة.

و ماء برد و بارد و برود و براد و مبرود،و قد برده بردا و برّده:جعله باردا،أو خلطه بالثّلج،و أبرده:جاء به باردا،و له سقاه باردا.

و البرد:النّوم،و منه: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً النّبأ:24،و الرّيق،و بالتّحريك:حبّ الغمام،و موضع.

و سحاب برد و أبرد،و قد برد القوم كعني،و الأرض مبردة و مبرودة.

و البرد بالضّمّ:ثوب مخطّط،جمعه:أبراد و أبرد و برود،و أكسية يلتحف بها،الواحدة بهاء.

و البرّادة كجبّانة:إناء يبرّد الماء،و كوّارة يبرّد عليها.

و الإبردة بالكسر:برد في الجوف.

و البردة،و يحرّك:التّخمة.

و ابترد الماء:صبّه عليه باردا،أو شربه ليبرّد كبده و تبرّد فيه:استنقع.

و الأبردان:الغداة و العشيّ كالبردين،و الظّلّ و الفيء.

و أبرد:دخل في آخر النّهار.

و بردنا باللّيل و علينا:أصابنا برده.

ص: 185

و عيش بارد:هنيء.

و برد:مات،و حقّي:وجب و لزم،و مخّه:هزل، و الحديد:سحله،و العين:كحلها،و الخبز:صبّ عليه الماء،فهو برود و مبرود،و السّيف:نبا،و زيد:ضعف كبرد كعني،و فتر برادا و برودا.

و برّده و أبرده:أضعفه.

و البرادة:السّحالة،و المبرد كمنبر:السّوهان.

و البرديّ:نبات معروف،و بالضّمّ تمر جيّد.

و البريد:المرتّب،و الرّسول،و فرسخان أو اثنا عشر ميلا،أو ما بين المنزلين،و الفرانق لأنّه ينذر قدّام الأسد،و الرّسل على دوابّ البريد.

و برده و أبرده:أرسله بريدا،و هما في بردة أخماس، أي يفعلان فعلا واحدا.

و بردة:علم للنّعجة،و بالتّحريك من العين:وسطها.

و بردة الضّأن بالضّمّ:ضرب من اللّبن.

و البرداء ككرماء:الحمّى بالقرّة.

و الأبرد:النّمر،جمعه:أبارد،و هي بهاء.

و برد الخيار:لقب،و وقع بينهما قدّ برود يمنة:بلغا أمرا عظيما،لأنّ اليمن و هي برود اليمن لا تقدّ إلاّ لعظيمة.

(1:286)

الطّريحيّ: و البرد:شيء ينزل من السّحاب يشبه الحصى،و يسمّى حبّ الغمام و حبّ المزن.و قيل:و إنّما سمّي بردا،لأنّه يبرد وجه الأرض.

و البرد:خلاف الحرّ،كما أنّ البرودة:خلاف الحرارة.

و برد الماء كنصر و كرم برودة:سكنت حرارته.

و عيش بارد،أي هنيء.

و في الحديث: «أبردوا بالصّلاة فإنّ شدّة الحرّ من قوح جهنّم».

قيل:هو من الإبراد الّذي هو انكسار الوهج و الحرّ، أعني الدّخول في البرد،و المعنى صلّوها في أوّل وقتها -من برد النّهار:أوّله-و هو الأقرب،لأنّ الصّلاة ممّا أمر الإنسان بتعجيلها و المحافظة عليها.

و مثله الحديث: «إنّ المؤذّن يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الحرّ في صلاة الظّهر،فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أبرد أبرد» يعني عجّل عجّل.

قال الصّدوق رحمه اللّه: و أخذ ذلك من التّبريد،يعني الدّخول في البرد،لأنّ من عجّل بصلاته في أوّل وقتها فقد سلم من الوهج و الحرّ.

قيل:و هذا أولى من حمل«أبرد أبرد»على التّأخير، لمنافاته المحافظة على الصّلاة و تعجيلها أوّل الوقت.

و فيه:«أفضل الصّدقة إبراد كبد حرّى»أي تبريد وهجها و حرارتها.

و فيه:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة»أي الّتي لا تعب فيها و لا نصب.و العرب تصف سائر ما يستلذّ بالبرودة.

و يشهد لذلك قوله عليه السّلام:«من وجد برد حبّنا على قلبه فليحمد اللّه»أراد لذاذة حبّنا،و المعنى أنّ الصّائم في الشّتاء يحوز الأجر من غير أن يمسّه العطش،أو تصيبه لذعة الجوع.

و فيه:«إذا نظر أحدكم امرأة فليأت زوجته فإنّ في ذلك برد ما في نفسه»روي بالباء الموحّدة من البرد أي

ص: 186

إنّه يبرد له ما تحرّكت به نفسه من حدّ شهوة الجماع،أي يسكّنه و يجعله باردا.

و فيه«لا تبرد للوارث على ظهرك»قيل:معناه لا تشقى و يسعد غيرك،يفسّره قوله عليه السّلام:«إنّما أنت جامع لأحد رجلين:إمّا رجل عمل بطاعة اللّه فيسعد بما شقيت،و إمّا رجل يعمل فيه بمعصية اللّه فشقي بما جمعت له،و ليس من هذين أحد بأن تؤثره على نفسك و لا تبرد له على ظهرك.

و في الدّعاء: «اللّهمّ اجمع بيننا و بين محمّد صلّى اللّه عليه و آله في برد العيش»أي في طيب العيش.

و برّدت الشّيء تبريدا،و لا يقال:أبردته،إلاّ في لغة رديئة،قاله الجوهريّ.

و البرد:بالضّمّ فالسّكون:ثوب مخطّط،و قد يقال لغير المخطّط أيضا،و جمعه:برود و أبراد،و منه الحديث:

«الكفن يكون بردا،فإن لم يكن بردا فاجعله كلّه قطنا».

و البردة:كساء أسود مربّع،فيه صغر يكتسيه الأعراب.

و البريد،بالفتح على«فعيل»:أربعة فراسخ اثنا عشر ميلا،و روي فرسخين ستّة أميال،و المشهور الّذي عليه العمل خلافه.

و في الحديث عن الصّادق عليه السّلام: «البريد:ما بين ظلّ عير إلى فيء و عير،ذرعته بنو أميّة ثمّ جزّءوه اثني عشر ميلا،فكان كلّ ميل ألفا و خمسمائة ذراع،و هو أربعة فراسخ».

و في الحديث: «حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المدينة بريد في بريد».

و مثله:«الحرم بريد في بريد»و حينئذ فيكون طول الحرم أربعة فراسخ و عرضه كذلك،و هو من جانب مكّة الشّرقيّ أكثر من الغربيّ،لأنّ إشراق نور الحجر كان أكثر إلى جانب المشرق.

و في الحديث: «آخر العقيق بريد أوطاس»لعلّه اسم موضع.

و البرديّ،بالفتح فالسّكون:نبات معروف في العراق،و بالضّمّ ضرب من أجود التّمر.

و البرّادة،بالتّشديد:السّقاية،و سمّي المبرّد النّحويّ بذلك،لأنّه كان يدرّس بها،و كنية المبرّد أبو العبّاس، و كان في زمن المتوكّل.(3:11)

مجمع اللّغة: 1-البرد:ضدّ الحرّ،يقال:برد الشّيء كنصر و كرم بردا و برودة،و اسم الفاعل،بارد.

2-البرد:ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب.

(1:90)

العدنانيّ: «البرد جمعه:أبراد،و أبرد،و برود، و براد،لا برد».

البرد:ثوب مخطّط،يزيّن بالقصب و الوشي أحيانا، يجمعونه على«برد»،و الصّواب:أبراد،و أبرد،و برود «اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و المتن،و الوسيط».

و اكتفى بالجمعين أبراد و برود كلّ من الصّحاح، و المختار،و المصباح.

و يجيز التّاج،و المدّ،و المتن جمع البرد على براد.

أمّا البرد فهي جمع بريد«الأساس،و اللّسان، و المغرب،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و المتن الّذي ذكر

ص: 187

جمعا آخر هو البرد،و الوسيط».

و جمع محيط المحيط البريد على«برود»فأخطأ في زيادة الواو.و أرجّح أنّ متن اللّغة جمع البريد على برد، نقلا عن الحديث المذكور في مادّة«أبرد».

أمّا البردة فكساء يلتحف به،و جمعه:برد.و ذكر ابن سيدة أيضا جمعا آخر هو«براد».قال يزيد بن المفرّغ الحميريّ:

معاذ اللّه ربّا أن ترانا

طوال الدّهر نشتمل البرادا

و أطلق مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة اسم«برّادة» على الجهاز الّذي يبرّد الطّعام و الشّراب.و لا أدري لما ذا لم يختاروا كلمة«برّاد»الّتي أطلقها عليه جميع سكّان البلاد العربيّة الّتي أعرفها.

و ربّما كان اختيارهم كلمة البرّادة عائدا إلى قول «الأساس و القاموس»:البرّادة:إناء يبرّد فيه الماء.

و هذا لا يمنعنا من إطلاق اسم«البرّاد»على الثّلاّجة.(52)

محمود شيت: 1-أ.برد بردا،و برودا:هبطت حرارته فهو بارد،و برود.و فلان:فتر.و مات.و الأمر:

سهل.و السّيف:نبا.و بريدا:أرسله.

ب-برد برودة:صار باردا.و الأرض:أصابها البرد.

ج-أبرد:دخل في البرد.و برسالة:أرسلها بطريق البريد.

د-البرادة:ما يتساقط من الحديد أو نحوه في أثناء برده.

ه-البرادة:حرفة البرّاد.

و-البرد:كساء مخطّط يلتحف به،جمعه:أبراد.

و أبرد،و برود.

ز-البرد:الماء الجامد ينزل من السّحاب قطعا صغارا.

ح-البردة:كساء مخطّط يلتحف به،جمعه:برد، و برد.

ط-البرّاد:من يبرد الحديد بالمبرد.

ي-البريد:أصله الدّابّة الّتي تحمل الرّسائل، و الرّسول،و المسافة بين كلّ منزلين من منازل الطّريق، و الرّسائل،جمعه:برد.

ك-المبرد:أداة تبرد بها المعادن،و نحوها.

2-أ.البرادة:ما يتساقط من الحديد أو نحوه في أثناء برده.

ب-البرادة:حرفة البرّاد.

ج-البرّادة:جهاز التّبريد في العجلات و نحوها.

د-البرّاد:من يبرد الحديد أو نحوه بالمبرد.و من أرباب الحرف في الجيش.

ه-البريد:الرّسائل.وحدة استلام البريد و إبراده إلى أصحابه،و وحدة تسلّم الرّسائل و تسليمها إلى أصحابها.

و وحدة البريد من تشكيلات الجيش الإداريّة الّتي لها أثر على معنويّاته.(1:77)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو البرودة خلاف الحرارة،و هذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات.

فالبرودة في الماء أن يبرد إلى أن يصل حدّ الانجماد،

ص: 188

فيقال له:البرد.

و البرودة في الحيوان أن تضعف حرارته البدنيّة إلى أن تصل حدّ السّكون،و توقّف النّبض و الموت.

و البرودة في النّسب أن تصل إلى حدّ تخرج عن التّرديد و الاضطراب،و تثبت النّسبة إلى الموضوع، كقولهم:برد عليه دين،و في الموضوعات أن تصل إلى حدّ اللّزوم و الثّبوت كقولهم:برد الشّيء،أي دام و ثبت.

و البرديّ:نبات كالقصب،ينبت في الأراضي المرطوبة،و طبيعتها باردة.

و البريد:هو الرّسول الّذي يبلّغ عن الغير و لا يظهر حرارة،و ليست له مسئوليّة في قوله،و لا يعاقب،فهو في كمال الثّبوت و البرودة.و أمّا البرد فلعلّه ينسج من البرديّ أو من نظائره.

فالبرودة في جميع هذه الموارد محفوظة،و ليس مطلق هذه المعاني مقصودا،بل من هذه الحيثيّة.

و البارد كفاعل،و البرد كحسن:صفة مشبّهة تدلّ على الثّبوت.

و الفرق بين البريد و الرّسول:أنّ الرّسول له جهة نيابة و عنوان نازلة من طرف مرسله،و يترتّب عليه ما للمرسل.و هذا بخلاف«البريد»فإنّ له جهة إيصال الخبر قولا أو كتابة فقط،و ليس له عنوان آخر أصلا.(1:232)

النّصوص التّفسيريّة

بارد

وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ. الواقعة:43،44

الضّحّاك:كلّ شراب ليس بعذب،فليس بكريم.

(الطّبريّ 27:193)

قتادة: لا بارد المنزل،و لا كريم المنظر.

(الطّبريّ 27:193)

ابن جريج:لا بارد المدخل،و لا كريم المخرج.

(الماورديّ 5:456)

الفرّاء: العرب تجعل«الكريم»تابعا لكلّ شيء نفيت عنه وصفا تنوي به الذّمّ،تقول:ما هو بسمين و لا كريم،و ما هذه الدّار بواسعة و لا كريمة.

(الطّبرسيّ 5:221)

الطّبريّ: ليس ذلك الظّلّ ببارد،كبرد ظلال سائر الأشياء،و لكنّه حارّ،لأنّه دخان من سعير جهنّم، و ليس بكريم،لأنّه مؤلم من استظلّ به.[ثمّ ذكر مثل قول الفرّاء](27:193)

الماورديّ:فيه وجهان:

أحدهما:[قول ابن جريج المتقدّم]

الثّاني:لا كرامة فيه لأهله.

و يحتمل ثالثا:أن يريد لا طيّب و لا نافع.

(5:456،457)

الطّوسيّ: معناه لا بارد كبرد ظلال الشّمس،لأنّه دخان جهنّم،و لا كريم،لأنّ كلّ ما انتفى عنه الخير، فليس بكريم.(9:499)

نحوه الطّبرسيّ.(5:221)

القشيريّ: أي لا راحة فيه.(6:89)

الميبديّ: أي لا بارد المدخل و لا كريم المنظر.

و قيل:لا ماؤهم بارد،و لا مقيلهم كريم.(9:451)

ص: 189

الزّمخشريّ: نفي لصفتي الظّلّ عنه،يريد أنّه ظلّ و لكن لا كسائر الظّلال،سمّاه ظلاّ ثمّ نفى عنه برد الظّلّ و روحه و نفعه لمن يأوي إليه من أذى الحرّ،و ذلك كرمه ليمحق ما في مدلول الظّلّ من الاسترواح إليه.

و المعنى أنّه ظلّ حارّ ضارّ إلاّ أنّ للنّفي في نحو هذا شأنا ليس للإثبات،و فيه تهكّم بأصحاب المشأمة، و أنّهم لا يستأهلون الظّلّ البارد الكريم الّذي هو لأضدادهم في الجنّة.

و قرئ (لا بارد و لا كريم) بالرّفع،أي لا هو كذلك.

(4:55)

نحوه النّسفيّ.(4:217)

الفخر الرّازيّ: قال الزّمخشريّ:كرم الظّلّ:نفعه الملهوف،و دفعه أذى الحرّ عنه،و لو كان كذلك لكان البارد و الكريم بمعنى واحد،و الأقرب أن يقال:فائدة الظّلّ أمران:

أحدهما:دفع الحرّ.

و الآخر:كون الإنسان فيه مكرما،و ذلك لأنّ الإنسان في البرد يقصد عين الشّمس ليتدفّأ بحرّها إذا كان قليل الثّياب،فإذا كان من المكرمين يكون أبدا في مكان يدفع الحرّ و البرد عن نفسه في الظّلّ،أمّا الحرّ فظاهر.

و أمّا البرد فيدفعه بإدفاء الموضع بإيقاد ما يدفئه، فيكون الظّلّ في الحرّ مطلوبا للبرد،فيطلب كونه باردا، و في البرد يطلب لكونه ذا كرامة،لا لبرد يكون في الظّلّ، فقال:(لا بارد)يطلب لبرده،و لا ذي كرامة قد أعدّ للجلوس فيه.

و ذلك لأنّ المواضع الّتي يقع عليها ظلّ-كالمواضع الّتي تحت أشجار و أمام الجدار-يتّخذ منها مقاعد، فتصير تلك المقاعد محفوظة عن القاذورات،و باقي المواضع تصير مزابل،ثمّ إذا وقعت الشّمس في بعض الأوقات عليها تطلب لنظافتها،و كونها معدّة للجلوس، فتكون مطلوبة في مثل هذا الوقت،لأجل كرامتها لا لبردها،فقوله تعالى: لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ يحتمل هذا.

و يحتمل أن يقال:إنّ الظّلّ يطلب لأمر يرجع إلى الحسّ،أو يرجع إلى العقل،فالّذي يرجع إلى الحسّ هو برده،و الّذي يرجع إلى العقل أن يكون الرّجوع إليه كرامة،و هذا لا برد له و لا كرامة فيه،و هذا هو المراد بما نقله الواحديّ عن الفرّاء:أنّ العرب تتبع كلّ منفيّ بكريم إذا كان المنفيّ أكرم،فيقال:هذه الدّار ليست بواسعة و لا كريمة.

و التّحقيق فيه ما ذكرنا أنّ وصف الكمال،إمّا حسّيّ، و إمّا عقليّ،و الحسّيّ يصرّح بلفظه،و أمّا العقليّ فلخفائه عن الحسّ يشار إليه بلفظ جامع،لأنّ الكرامة عند العرب من أشهر أوصاف المدح،و نفيهما نفي وصف الكمال العقليّ،فيصير قوله تعالى: لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ معناه لا مدح فيه أصلا لا حسّا و لا عقلا.(29:169)

القرطبيّ: بل حارّ لأنّه من دخان شفير جهنّم.

(17:213)

أبو حيّان: [قال نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه أضاف:]

و قد يجوز أن يكون لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ صفة ل(يحموم)و يلزم منه أن يكون«الظّلّ»موصوفا بذلك.

و قرأ الجمهور لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ بجرّهما،و ابن أبي

ص: 190

عبلة برفعهما،أي لا هو بارد و لا كريم،على حدّ قوله:

فأبيت لا حرج و لا محروم،أي لا أنا حرج.(8:209)

الآلوسيّ: صفتان له،و تقديم الصّفة الجارّ و المجرور على الصّفة المفردة جائز،كما صرّح به الرّضيّ و غيره، أي لا بارد كسائر الظّلال،و لا نافع لمن يأوي إليه من أذى الحرّ،و ذلك كرمه،فهناك استعارة،و نفي ذلك ليمحق توهّم ما في الظّلّ من الاسترواح إليه و إن وصف أوّلا بقوله تعالى: مِنْ يَحْمُومٍ و المعنى أنّه ظلّ حارّ ضارّ.

إلاّ أنّ للنّفي شأنا ليس للإثبات،و من ذلك جاء التّهكّم و التّعريض بأنّ الّذي يستأهل الظّلّ الّذي فيه برد و إكرام غير هؤلاء،فيكون أشجى لحلوقهم و أشدّ لتحسّرهم.

و قيل:الكرم باعتبار أنّه مرضيّ في بابه،فالظّلّ الكريم هو المرضيّ في برده و روحه،و فيه أنّه لا يلائم ماهنا،لقوله تعالى: لا بارِدٍ.

و جوّز أن يكون ذلك نفيا لكرامة من يستروح إليه، و نسب إلى الظّلّ مجازا،و المراد أنّهم يستظلّون به و هم مهانون،و قد يحتمل المجلس الرّديء لنيل الكرامة.

و في«البحر»:يجوز أن يكونا صفتين ل(يحموم) و يلزم منه وصف«الظّلّ»بهما،و تعقّب بأنّ وصف «اليحموم»و هو الدّخان بذلك،ليس فيه كبير فائدة.

(27:143)

القاسميّ: أي ليس له صفتا الظّلّ الّذي يأوي إليه النّاس من الرّوح،و نفع من يأوي إليه بالرّاحة،بل له إيذاء و إيلام و ضرّ،بإيصال التّعب و اللّهب و الكرب.

(16:5653)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّهما صفتان«للظّلّ»لا ل(يحموم)،و ذلك أنّ الظّلّ هو الّذي يتوقّع منه أن يتبرّد بالاستظلال به،و يستراح فيه دون الدّخان.

(19:124)

بردا

1- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.

الأنبياء:69

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا ألقي في النّار قال:

«اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا أنجيتني منها» فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.(الكاشانيّ 3:344)

الإمام عليّ عليه السّلام: بردت عليه حتّى كادت تقتله، حتّى قيل:(و سلاما):لا تضرّيه.(الطّبريّ 17:44)

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 17:45)

ابن عبّاس: لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من شدّة بردها.(الطّبريّ 17:44)

أبو العالية: لو لم يقل سبحانه(و سلاما)لكانت تؤذيه من شدّة بردها،و لكان بردها أشدّ عليه من حرّها،فصارت سلاما عليه.و لو لم يقل:على إبراهيم، لكان بردها باقيا على الأبد.(الطّبرسيّ 4:55)

الكلبيّ: بردت نيران الأرض جميعا فما أنضجت كراعا.(القرطبيّ 11:304)

الإمام الصّادق عليه السّلام: لمّا أجلس إبراهيم في المنجنيق و أرادوا أن يرموا به في النّار أتاه جبرائيل عليه السّلام، فقال:السّلام عليك يا إبراهيم و رحمة اللّه و بركاته أ لك

ص: 191

حاجة؟فقال:أمّا إليك فلا،فلمّا طرحوه دعا اللّه،فقال:

يا اللّه،يا واحد،يا أحد،يا صمد،يا من لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحدا،فحسرت النّار عنه و أنّه لمحتب،و معه جبرائيل عليه السّلام،و هما يتحدّثان في روضة خضراء.(الطّبرسيّ 4:55)

الطّبريّ: في الكلام متروك اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه منه،و هو:فأوقدوا له نارا ليحرّقوه،ثمّ ألقوه فيها، فقلنا للنّار: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.

(17:43)

الماورديّ: جعل اللّه فيها بردا يدفع حرّها،و حرّا يدفع بردها،فصارت سلاما عليه.(3:454)

الطّوسيّ: قيل في وجه كون النّار بردا و سلاما قولان:

أحدهما:أنّه تعالى أحدث فيها بردا بدلا من شدّة الحرارة الّتي فيها،فلم تؤذه.

و الثّاني:أنّه تعالى حال بينها و بين جسمه،فلم تصل إليه،و لو لم يقل:(سلاما)لأهلكه بردها،و لم يكن هناك أمر على الحقيقة،و المعنى أنّه فعل ذلك،كما قال:

كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،أي صيّرهم كذلك من غير أن أمرهم بذلك.(7:262)

القشيريّ: لو عصمه من نار نمرود و لم يمكنه من رميه في النّار من المنجنيق لكان-في الظّاهر-أقرب من النّصر،و لكنّ حفظه في النّار من غير أن يمسّه ألم،أتمّ في باب النّصرة و المعجزة و الكرامة.

و يقال:إنّ إبراهيم عليه السّلام كان كثيرا ما يقول:أوّاه من النّار،قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114.

فلمّا رمي في النّار،و جعل اللّه عليه النّار بردا،قيل له:لا تقل بعد هذا:أوّاه من النّار،فالاستعاذة باللّه من اللّه لا من غيره.

قوله:(و سلاما)أي و سلامة عليه و له،فإنّه إذا كان للعبد السّلامة فالنّار و البرد عنده سيّان.

و يقال:إنّ الّذي يحرق في النّار من في النّار يقدر على حفظه في النّار.

و لمّا سلم قلبه من غير اللّه بكلّ وجه في الاستنصار و الاستعانة،و سلم من طلب شيء بكلّ وجه،تعرّض له جبرئيل عليه السّلام في الهواء و قد رمي من المنجنيق،و قال له:

هل من حاجة؟فقال:أمّا إليك فلا.

فجعل اللّه النّار عليه بردا و سلاما؛إذ لمّا كان سليم القلب من الأغيار،وجد سلامة النّفس من البلايا و الأعلال.(4:181)

الزّمخشريّ: جعلت النّار-لمطاوعتها فعل اللّه و إرادته-كمأمور أمر بشيء فامتثله،و المعنى ذات برد و سلام،فبولغ في ذلك كأنّ في ذاتها برد و سلام،و المراد:

ابردي فيسلم منك إبراهيم،أو ابردي بردا غير ضارّ.

فإن قلت:كيف بردت النّار،و هي نار؟

قلت:نزع اللّه عنها طبعها الّذي طبعها عليه من الحرّ و الإحراق،و أبقاها على الإضاءة و الإشراق و الاشتعال كما كانت،و اللّه على كلّ شيء قدير.

و يجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السّلام أذى حرّها،و يذيقه فيها عكس ذلك،كما يفعل بخزنة جهنّم، و يدلّ عليه قوله: عَلى إِبْراهِيمَ، و أرادوا أن يكيدوه و يمكروا به فما كانوا إلاّ مغلوبين مقهورين،غالبوه

ص: 192

بالجدال فغلّبه اللّه و لقّنه بالمبكت،و فزعوا إلى القوّة و الجبروت فنصره و قوّاه نجيّا من العراق إلى الشّام.

(2:578)

الطّبرسيّ: معناه فلمّا جمعوا الحطب و ألقوه في النّار قلنا للنّار ذلك،و هذا مثل،فإنّ النّار جماد لا يصحّ خطابه.و المراد:إنّا جعلنا النّار بردا عليه و سلامة لا يصيبه من أذاها شيء،كما قال سبحانه و تعالى:

كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،و المعنى أنّه صيّرهم كذلك لا أنّه خاطبهم و أمرهم بذلك.

و قيل:يجوز أن يتكلّم اللّه سبحانه بذلك،و يكون ذلك صلاحا للملائكة و لطفا لهم.و ذكر في كون النّار بردا على إبراهيم وجوه:

[الأوّل و الثّاني تقدّم عن الطّوسيّ]

و ثالثها:أنّ الإحراق إنّما يحصل بالاعتمادات الّتي في النّار صعدا،فيجوز أن يذهب سبحانه تلك الاعتمادات.

و على الجملة فقد علمنا أنّ اللّه سبحانه منع النّار من إحراقه،و هو أعلم بتفاصيله.(4:54)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال أبو مسلم الأصفهانيّ في تفسير قوله تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً المعنى أنّه سبحانه جعل النّار بردا و سلاما،لا أنّ هناك كلاما،كقوله: أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،أي يكونه.

و قد احتجّ عليه بأنّ النّار جماد فلا يجوز خطابه، و الأكثرون على أنّه وجد ذلك القول،ثمّ هؤلاء لهم قولان:

أحدهما:و هو قول السّدّيّ:أنّ القائل هو جبرئيل عليه السّلام.

و الثّاني:و هو قول الأكثرين:أنّ القائل هو اللّه تعالى،و هذا هو الأليق الأقرب بالظّاهر،و قوله:النّار جماد،فلا يكون في خطابها فائدة،قلنا:لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.

المسألة الثّانية:اختلفوا في أنّ النّار كيف بردت على ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّ اللّه تعالى أزال عنها ما فيها من الحرّ و الإحراق،و أبقى ما فيها من الإضاءة و الإشراق،و اللّه على كلّ شيء قدير.

و ثانيها:أنّ اللّه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفيّة مانعة من وصول أذى النّار إليه،كما يفعل بخزنة جهنّم في الآخرة،و كما أنّه ركّب بنية النّعامة بحيث لا يضرّها ابتلاع الحديدة المحماة،و بدن السّمندل بحيث لا يضرّه المكث في النّار.

و ثالثها:أنّه سبحانه خلق بينه و بين النّار حائلا يمنع من وصول أثر النّار إليه،قال المحقّقون:و الأوّل أولى، لأنّ ظاهر قوله: يا نارُ كُونِي بَرْداً أنّ نفس النّار صارت باردة حتّى سلم إبراهيم من تأثيرها،لا أنّ النّار بقيت كما كانت.

فإن قيل:النّار جسم موصوف بالحرارة و اللّطافة، فإذا كانت الحرارة جزء من مسمّى النّار امتنع كون النّار باردة،فإذا وجب أن يقال:المراد من النّار الجسم الّذي هو أحد أجزاء مسمّى النّار؛و ذلك مجاز،فلم كان مجازكم أولى من المجازين الآخرين؟

ص: 193

قلنا:المجاز الّذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد،و في المجازين اللّذين ذكرتموهما لا يبقى ذلك،فكان مجازنا أولى.

أمّا قوله تعالى: كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فالمعنى أنّ البرد إذا أفرط أهلك كالحرّ بل لا بدّ من الاعتدال،ثمّ في حصول الاعتدال ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه يقدّر اللّه تعالى بردها بالمقدار الّذي لا يؤثّر.

و ثانيها:أنّ بعض النّار صار بردا و بقي بعضها على حرارته،فتعادل الحرّ و البرد.

و ثالثها:أنّه تعالى جعل في جسمه مزيد حرّ فسلم من ذلك البرد،بل قد انتفع به و التذّ.(22:188)

القرطبيّ:قال بعض العلماء:جعل اللّه فيها بردا يرفع حرّها،و حرّا يرفع بردها،فصارت سلاما عليه.

(11:304)

أبو حيّان: [بعد نقل أقوال مختلفة في كيفيّة كون إبراهيم في النّار و مدّته قال:]

قد أكثر النّاس في حكاية ما جرى لإبراهيم،و الّذي صحّ هو ما ذكره تعالى من أنّه ألقي في النّار،فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما،و خرج منها سالما،فكانت أعظم آية.(6:328)

نحوه الآلوسيّ.(17:68)

البروسويّ: البرد:خلاف الحرّ،و السّلام:التّعرّي من الآفات،أي كوني ذات برد من حرّك،و سلامة من بردك،فزال ما فيها من الحرارة و الإحراق و بقي ما فيها من الإضاءة و الإشراق،و اختاره المحقّقون لدلالة الظّاهر عليه.

و هذا كما ترى من أبدع المعجزات،فإنّ انقلاب النّار هواء طيّبا و إن لم يكن بدعا من قدرة اللّه،لكن وقوع ذلك على هذه الهيئة ممّا يخرق العادات.

و قيل:كانت النّار بحالها إلاّ أنّه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفيّة مانعة من وصول أذى النّار إليه،كخزنة جهنّم في الآخرة،و كما أنّه ركّب بنية النّعامة بحيث لا يضرّها ابتلاع الحديدة المحماة،و بدن السّمندل بحيث لا يضرّه المكث في النّار،كما يشعر به ظاهر قوله:(على ابراهيم).

قيل:فبردت نار الدّنيا يومئذ و لم ينتفع بها أحد من أهلها،و لو لم يقل: عَلى إِبْراهِيمَ لبقيت ذات برد أبدا على كافّة الخلق بل على جميع الأنبياء،و لو لم يقل:

(سلاما)بعد قوله:(بردا)لمات إبراهيم من بردها.[إلى أن قال:]

قيل:لمّا ألقي في النّار،كان فيها أربعين يوما أو خمسين،و قال:ما كنت أطيب عيشا زمانا من الأيّام الّتي كنت فيها في النّار.

فإن قلت:هل وجد القول من اللّه تعالى؛حيث قال:

قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً أو هو تمثيل؟

قلت:جعل اللّه النّار باردة من غير أن يكون هناك قول و خطاب،لقوله تعالى: أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82.

و ذهب بعضهم إلى أنّ ذلك القول قد وجد،و القائل هو اللّه أو جبريل قال بأوامر اللّه.

قال ابن عطاء:سلام إبراهيم من النّار بسلامة صدره

ص: 194

لما حكى اللّه عنه: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الصّافّات:

84،أي خال من جميع الأسباب و العوارض،و بردت عليه النّار لصحّة توكّله و يقينه،مع أنّ نار العشق غالبة على كلّ شيء.(5:498)

الطّباطبائيّ: خطاب تكوينيّ للنّار تبدّلت به خاصّة حرارتها و إحراقها و إفنائها بردا و سلاما،بالنّسبة إلى إبراهيم عليه السّلام،على طريق خرق العادة،و بذلك يظهر أن لا سبيل لنا إلى الوقوف على حقيقة الأمر فيه تفصيلا؛ إذ الأبحاث العقليّة عن الحوادث الكونيّة إنّما تجري فيما لنا علم بروابط العلّيّة و المعلوليّة فيه من العاديّات المتكرّرة، و أمّا الخوارق الّتي نجهل الرّوابط فيها فلا مجرى لها فيها.

نعم نعلم إجمالا أنّ لهمم النّفوس دخلا فيها.و قد تكلّمنا في ذلك في مباحث الإعجاز،في الجزء الأوّل من الكتاب.(14:303)

2- لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً. النّبأ:24

ابن عبّاس: يريد النّوم و الماء.

(الطّبرسيّ 5:424)

البرد:الشّراب البارد المستلذّ.(أبو حيّان 8:414)

النّوم،بلغة هذيل.(اللّغات:50)

البرد:النّوم.(القرطبيّ 19:180)

مثله مجاهد،و السّدّيّ،و الكسائيّ،و فضل بن خالد،و أبو معاذ النّحويّ(القرطبيّ 19:180)، و الأخفش،و الفرّاء،و قطرب،و العتبيّ(الفخر الرّازيّ 31:14)،و أبو عبيدة(الطّبرسيّ 5:424)،و القمّيّ(2:

402).

الحسن: أي روحا و راحة.

مثله عطاء،و ابن زيد.(القرطبيّ 19:180)

قتادة: كنّى بالبرد عن الرّوح،لما بالعرب من الحرّ حتّى قالوا:برد اللّه عيشك،أي طيّبه اعتبارا بما يجد الإنسان من اللّذّة في الحرّ من البرد.

(البروسويّ 10:303)

أنّه الرّاحة.(الماورديّ 6:187)

مقاتل: لا يذوقون في جهنّم بردا ينفعهم من حرّها، و لا شرابا ينفعهم من عطشها.(الطّبرسيّ 5:424)

الفرّاء: إنّ النّوم ليبرد صاحبه،و إنّ العطشان لينام، فيبرد بالنّوم.(3:228)

ابن أبي اليمان: يكون البرد هاهنا النّسيم.

(302)

الطّبريّ: يقول:لا يطعمون فيها بردا يبرّد حرّ السّعير عنهم،إلاّ الغسّاق،و لا شرابا يرويهم من شدّة العطش الّذي بهم،إلاّ الحميم.

و قد زعم بعض أهل العلم بكلام العرب:أنّ البرد في هذا الموضع النّوم،و أنّ معنى الكلام:لا يذوقون فيها نوما و لا شرابا،و استشهد لقوله ذلك بقول الكنديّ:

بردت مراشفها عليّ فصدّني

عنها و عن قبلاتها البرد

يعني بالبرد:النّعاس،و النّوم إن كان يبرد غليل العطش،فقيل له من أجل ذلك البرد،فليس هو باسمه المعروف،و تأويل كتاب اللّه على الأغلب من معروف كلام العرب،دون غيره.(30:12)

الزّجّاج: قيل:نوما،و جائز أن يكون لا يذوقون

ص: 195

فيها برد ريح و لا ظلّ و لا نوم.(5:273)

نفطويه: العرب تقول:أنا أتبرّد و ابترد بذاك،أي استريح،فالمعنى لا يذوقون فيها راحة.

(الهرويّ 1:151)

السّجستانيّ: بردا،أي نوما.و يقال في المثل:

«منع البرد البرد»أي أصابني من البرد ما منعني النّوم.

(208)

الماورديّ: أنّه برد الماء و برد الهواء،و هو قول كثير من المفسّرين.(6:187)

الزّمخشريّ: يعني لا يذوقون فيها بردا و روحا ينفّس عنهم حرّ النّار،و لا شرابا يسكن من عطشهم، و لكن يذوقون فيها حميما و غسّاقا،و قيل:البرد:النّوم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و عن بعض العرب:«منع البرد البرد».(4:209)

نحوه البروسويّ.(10:303)

ابن عطيّة: البرد في هذه الآية:النّوم،و العرب تسمّه بذلك لأنّه يبرد سؤر العطش،و من كلامهم:منع البرد البرد،و قال جمهور النّاس:البرد في الآية مسّ الهواء البارد و هو القرّ،أي لا يمسّهم منه ما يستلذّ، و يكسر غرب الحرّ.(5:427)

نحوه البيضاويّ(2:534)،و المراغيّ(30:13)، و أبو السّعود(6:360)،و الآلوسيّ(30:15)، و أبو حيّان(8:414).

الفخر الرّازيّ: في قوله:(بردا) وجهان:

الأوّل:أنّه البرد المعروف،و المراد أنّهم لا يذوقون مع شدّة الحرّ ما يكون فيه راحة من ريح باردة،أو ظلّ يمنع من نار؛و لا يجدون شرابا يسكّن عطشهم،و يزيل الحرقة عن بواطنهم،و الحاصل أنّهم لا يجدون هواء باردا،و لا ماء باردا.

و الثّاني:البرد هاهنا النّوم،و هو قول الأخفش، و الكسائيّ،و الفرّاء،و قطرب،و العتبيّ،قال الفرّاء:و إنّما سمّي النّوم بردا،لأنّه يبرد صاحبه،فإنّ العطشان ينام فيبرد بالنّوم،و أنشد أبو عبيدة و المبرّد في بيان أنّ المراد من البرد:النّوم.[ثمّ استشهد بشعر]

قال المبرّد: و من أمثال العرب:«منع البرد البرد»، أي أصابني من البرد ما منعني من النّوم.

و اعلم أنّ القول الأوّل أولى،لأنّه إذا أمكن حمل اللّفظ على الحقيقة المشهورة،فلا معنى لحمله على المجاز النّادر الغريب.

و القائلون بالقول الثّاني تمسّكوا في إثباته بوجهين:

الأوّل:أنّه لا يقال:ذقت البرد،و يقال:ذقت النّوم.

الثّاني:أنّهم يذوقون برد الزّمهرير،فلا يصحّ أن يقال:إنّهم ما ذاقوا بردا،وهب أنّ ذلك البرد برد تأذّوا به،و لكن كيف كان،فقد ذاقوا البرد.

و الجواب عن الأوّل:كما أنّ ذوق البرد مجاز،فكذا ذوق النّوم أيضا مجاز،و لأنّ المراد من قوله:

لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً أي لا يستنشقون فيها نفسا باردا،و لا هواء باردا؛و الهواء المستنشق ممرّه الفمّ و الأنف،فجاز إطلاق لفظ الذّوق عليه.

و الجواب عن الثّاني:أنّه لم يقل:لا يذوقون فيها البرد بل قال:لا يذوقون فيها بردا واحدا،و هو البرد الّذي ينتفعون به و يستريحون إليه.(31:14)

ص: 196

نحوه النّيسابوريّ.(30:9)

القرطبيّ: [بعد نقل قول الزّجّاج قال:]

فجعل البرد برد كلّ شيء له راحة،و هذا برد ينفعهم.فأمّا الزّمهرير فهو برد يتأذّون به،فلا ينفعهم، فلهم منه من العذاب،ما اللّه أعلم به.(19:180)

الطّباطبائيّ: ظاهر المقابلة بين البرد و الشّراب:

أنّ المراد بالبرد مطلق ما يتبرّد به غير الشّراب،كالظّلّ الّذي يستراح إليه بالاستظلال،فالمراد بالذّوق مطلق النّيل و المسّ(20:168)

برد

...وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ. النّور:43

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل السّحاب غرابيل للمطر،هي تذيب البرد حتّى يصير ماء،لكي لا يضرّ شيئا يصيبه،و الّذي ترون فيه من البرد و الصّواعق نقمة من اللّه عزّ و جلّ،يصيب بها من يشاء من عباده.(العروسيّ 3:614)

ابن عبّاس: البرد:الثّلج.(الميبديّ 6:555)

الحسن: في السّماء جبال برد.(الطّوسيّ 7:447)

الإمام الصّادق عليه السّلام: البرد لا يؤكل،لأنّ اللّه تعالى يصيب بها من يشاء.(الكاشانيّ 3:440)

الفرّاء: و المعنى-و اللّه أعلم-أنّ الجبال في السّماء من برد خلقة مخلوقة،كما تقول في الكلام:الآدميّ من لحم و دم ف(من)هاهنا تسقط،فتقول:الآدميّ لحم و دم، و الجبال برد،كذا سمعت تفسيره.

و قد يكون في العربيّة أمثال الجبال و مقاديرها من البرد،كما تقول:عندي بيتان تبنا،و البيتان ليسا من التّبن،إنّما تريد:عندي قدر بيتين من التّبن،ف«من»في هذا الموضع إذا أسقطت،نصبت ما بعدها،كما قال: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً المائدة:95،و كما قال: مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً آل عمران:91.(2:256)

الطّبريّ: قيل في ذلك قولان:أحدهما:أنّ معناه و أنّ اللّه ينزّل من السّماء من جبال في السّماء من برد مخلوقة هنالك خلقة،كأنّ الجبال على هذا القول هي من برد،كما يقال:جبال من طين.

و القول الآخر: أنّ اللّه ينزّل من السّماء قدر جبال، و أمثال جبال من برد إلى الأرض،كما يقال:عندي بيتان تبنا،و المعنى قدر بيتين من التّبن،و البيتان ليسا من التّبن.(18:154)

نحوه الزّجّاج(4:49)،و الطّوسيّ(7:447)، و الطّبرسيّ(4:148).

الميبديّ: قيل:البرد ماء جامد خلقه اللّه في السّحاب ثمّ ينزل،و قيل:يصير في الهواء بردا.

(6:555)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما الفرق بين(من)الأولى و الثّانية و الثّالثة في قوله: مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ؟

قلت:الأولى لابتداء الغاية،و الثّانية للتّبعيض، و الثّالثة للبيان،أو الأوليان للابتداء،و الآخرة للتّبعيض،و معناه أنّه ينزّل البرد من السّماء من جبال

ص: 197

فيها،و على الأوّل مفعول(ينزّل)(من جبال).[ثمّ أدام البحث نحو ما نقلناه عن الطّبريّ](3:71)

نحوه البيضاويّ(2:130)،و البروسويّ(6:

165).

الآلوسيّ: هو معروف،و سمّي بردا لأنّه يبرد وجه الأرض،أي يقشّره من:بردت الشّيء بالمبرد،مفعول (ينزّل)على أنّ(من)تبعيضيّة،و قيل:زائدة على رأي الأخفش،و الأوليان لابتداء الغاية،و الجارّ و المجرور الثّاني بدل من الأوّل:بدل اشتمال أو بعض،أي ينزّل مبتدئا من السّماء من جبال كائنة فيها بعض برد أو بردا.

و زعم الحوفيّ:أنّ(من)الثّانية للتّبعيض كالثّالث مع قوله بالبدليّة،و هو خطأ ظاهر.

و قيل:(من)الأولى ابتدائيّة،و الثّانية للتّبعيض واقعة موقع المفعول.

و قيل:زائدة،على رأي الأخفش أيضا،و الثّالثة للبيان،أي ينزّل مبتدئا من السّماء بعض جبال أو جبالا كائنة فيها الّتي هي برد،فالمنزل برد.

و عن الأخفش أنّ(من)الثّانية و(من)الثّالثة زائدتان و كلّ من المجرورين في محلّ نصب؛أمّا الأوّل فعلى المفعوليّة ل(ينزّل)و أمّا الثّاني فعلى البدليّة منه، أي ينزّل من السّماء جبالا بردا،و مآله ينزّل من السّماء بردا.(18:190)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البرد»و هو ماء السّحاب الجامد،يقال:سحاب برد و أبرد،أي ذو قرّ و برد،و كذا سحابة بردة،و شجرة مبرودة،أي طرح البرد ورقها، و أرض مبردة،إذا أصابها البرد،و أبردة المطر:برده، و قد برد القوم،أي أصابهم البرد.

2-و نقلت صفة البرد-و هي البرودة-إلى الماء توسّعا،يقال:بردت الماء و برّدته،أي صيّرته باردا، و سقيته فأبردت له إبرادا،أي سقيته باردا،و ابتردت و تبرّدت بالماء،و البرّادة:إناء يبرّد الماء.

و شبّه بالبرد سحالة الحديد و الخشب و نحوهما، يقال:بردت الخشبة بالمبرد أبردها بردا،إذا نحتّها.

3-ثمّ استعمل هذا المعنى في ما يدلّ على هدوء الأعضاء و راحتها و سكونها،فيقال لكلّ ما يبرّد الغلّة:

برود،كقولهم:اسقني شربة أبرّد بها كبدي،و وا برداه على الفؤاد،إذا أصاب شيئا هنيئا،و أنا أتبرّد و أبترد بذاك،أي أستريح،و بردت عينه،بالكحل أبردها بردا، و ابرد ظهر دابّتك،أي حلّ عنها رحلها و أرحها.

و منه أيضا:البرد:النّوم،لأنّه يسكّن الأعضاء، يقال:منع البرد البرد،و العيش البارد:الطّيّب،و في الحديث:«الصّوم في الشّتاء الغنيمة الباردة»،أي تبرد الغليل.

و البارد من الرّجال:من ضعف من هزال و مرض، فوجد فترة في عظامه و لحمه،و ضعفت قوّته،يقال:

أصابه براد و برود.و البارد من الإبل:المهزول،يقال:هو بارد العظام،و فيه بردة،أي استرخاء.و البردة:

التّخمة،لأنّها تبرد المعدة،فلا تنضج الطّعام.و الإبردة:

برد يجده الرّجل في جوفه أو في بعض أعضائه.

و منه:البرديّ،و هو نبت يشبه القصب،قال

ص: 198

الرّاغب:«ينسب إلى البرد،لكونه نابتا فيه».و البرديّ:

ضرب من أجود التّمر،سمّي بذلك إمّا لكونه يبرد المعدة بطبعه،و إمّا يسخّنها،من:برّد الشّيء،إذا أسخنه.

و البردة:كساء كانت العرب تلتحف به،جمعها:

برد،و يقال له:البرد أيضا،و هو من هذا المعنى،و قد شبّه به بردا الجرادة،أي جناحاها،كما شبّهت الشّملة المخطّطة بلون النّمر،فقيل لها:نمرة.

4-و تجوّز فيه و توسّع،فقيل:لا تبرّد عن فلان بقول،أي إن ظلمك فلا تشتمه فتنقص من إثمه،و إنّ أصحابك لا يبالون ما برّدوا عليك،أي ما أثبتوا عليك، و لي عليه ألف بارد.أي ثابت،و سموم بارد:ثابت لا يزول،و لم يبرد بيدي منه شيء،أي لم يستقرّ و لم يثبت،و برد الموت على مصطلاه،أي ثبت عليه.

5-و أمّا البريد فهو ليس عربيّا،بل فارسيّ الأصل، و أصله في الفارسيّة«بريده دم»،أي محذوف الذّنب، لأنّ بغال البريد كانت محذوفة الأذناب،كما قال الزّمخشريّ.

و كانت العرب تطلق البريد على مسافة معيّنة، و هي ستّة أميال،و على الرّسول،و منه الحديث النّبويّ:

«إذا أبردتم إليّ بريدا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم»،و منه قول بعض العرب:الحمّى بريد الموت.كما كان يطلق أيضا على دابّة البريد،لسيرها في البريد.

و يطلق هذا اللّفظ اليوم على الخطابات و الطّرود المرسلة من مكان إلى آخر برّا أو جوّا أو بحرا،بواسطة مؤسّسة خاصّة تسمّى«دائرة البريد»،تسخّر سعاة يقومون بتوزيع الطّرود و الرّسائل على أصحابها،لقاء رسم يدفعه المرسل سلفا،بعنوان طابع بريديّ يلصق على ظرف الرّسالة أو الطّرد.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«البرد»في القرآن بالمعنى الحقيقيّ فقط في الآيات الخمس:

1- اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ

ص:42

2- وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ

الواقعة:43،44

3- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ

الأنبياء:69

4- لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً النّبأ:24

5- وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ

النّور:43

يلاحظ أوّلا:أنّ البرودة في هذه الآيات-عدا الأخيرة-جاءت طباقا للحرارة،و إن لم يتقدّم لها ذكر، و إنّما يظهر معناها من السّياق،ففي(1)حرارة جسم أيّوب إثر وطأة المرض،و في(2)حرارة جهنّم الشّديدة، و في(3)حرارة نار النّمرود،و في(4)حرارة جهنّم.

ثانيا:استعمل القرآن البرودة نقيضا لحرارة جهنّم في(2)و(4)،و هو إيماء إلى أثر البرودة في ذلك الموقف العسير،لأنّ العرب يدركون أكثر من غيرهم مدى أهمّيّتها لهم في بيئتهم القاسية،كالظّلّ في يوم قائظ، و الماء البارد في أوار الحرّ.و قد استعمل القرآن الحرارة في وصف حرّ نار جهنّم و شدّة الحرّ معا،و هو قوله تعالى:

ص: 199

وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا التّوبة:81،لاحظ«ح ر ر».

ثالثا:جاء«البرد»في الآية الأخيرة ضمن سورة مدنيّة،لأنّ أهل المدينة أعرف بالبرد من غيرهم من سكّان الجزيرة،لقربهم من مناطق الشّمال الّتي يسقط فيها البرد شتاء،كتيماء و دومة الجندل.

ص: 200

ب ر ر

اشارة

7 ألفاظ،32 مرّة:19 مكّيّة،13 مدنيّة

في 18 سورة:12 مكّيّة،6 مدنيّة

تبرّوا 1:-1 الأبرار 6:4-2

تبرّوهم 1:-1 البرّ 8:-8

برّا 2:2 بررة 1:1

البرّ 13:12-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرّ:خلاف البحر،و نقيض الكنّ،تقول:

خرجت برّا و جلست برّا على النّكرة،تستعمله العرب.

و البرّيّة:الصّحراء.

و البرّ:البارّ بذوي قرابته،و قوم بررة و أبرار.

و تقول:ليس ببرّ و هو بارّ غدا.

و المصدر و الاسم:البرّ،مستويان.

و برّت يمينه،أي صدقت،و أبرّها اللّه،أي أمضاها على الصّدق،و أبررت يميني إبرارا.

و برّ اللّه حجّك فهو مبرور.

و فلان يبرّك،أي يطيعك،قال:

*يبرّك النّاس و يفجرونكا*

و البرير:حمل الأراك.

و قد أبرّ عليهم،أي غلبهم.

و ابترّ فلان،أي انتصب منفردا من أصحابه.

و البربرة:كثرة الكلام،و الجلبة باللّسان.

قال:

*كلّ غدور بربار*

و بربر:جيل من النّاس سيّئ الخلق،و يقال:إنّهم من ولد برّ بن قيس بن عيلان.

و البرّ:الحنطة.و البربور:الجشيش من البرّ.

(8:259)

الأخفش: يقال:هرهر بها،إذا دعاها إلى الماء، و بربر بها،إذا دعاها إلى العلف.(أبو زيد:251)

«لا يعرف الهرّ من البرّ»لا يعرف من يهرّ عليه ممّن

ص: 201

يبرّه.(الطّبرسيّ 1:98)

سيبويه: و لا يقال لصاحبه[البرّ]:برّار،على ما يغلب في هذا النّحو،لأنّ هذا الضّرب إنّما هو سماعيّ لا اطّراديّ.(الزّبيديّ 3:38)

الضّبّيّ:[بعد نقل قول الأخفش قال:]

من هذا قولهم:«لا يعرف هرّا من برّ»أي لا يعرف الهرهرة من البربرة.(أبو زيد:251)

الهرّ:سوق الغنم،و البرّ:دعاء الغنم.

(الأزهريّ 15:188)

الأحمر:بررت قسمي،و بررت والدي.

(الأزهريّ 15:186)

ابن عيينة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«الحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة»؛تفسير«المبرور»:طيب الكلام،و إطعام الطّعام.(الأزهريّ 15:186)

أبو عمرو الشّيبانيّ: «هو أقصر من برّة»يعني واحدة البرّ،أي إنّ البرّة غاية في القصر.

(ابن فارس 1:179)

الفرّاء: برّ حجّه.فإذا قالوا:أبرّ اللّه حجّه،قالوا بالألف.

و البرّ في اليمين مثله.(الأزهريّ 15:187)

البربريّ:الكثير الكلام بلا منفعة.

(الأزهريّ 15:189)

أبو عبيدة: و برّة:اسم للبرّ معرفة،لا تنصرف.

[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:178)

أبو زيد: و إذا اختلط البرّ بالشّعير فهو غليث،و قد غلثته و أغلثته غلثا.(218)

الهرّ:السّنّور،و البرّ:الفأرة.(251)

و يقال إذا كثر ولد الرّجل أو كثر القوم:قد أبرّ إبرارا و أعرّ إعرارا و أبرّوا و أعرّوا،فالعرّ:الجرب،و البرّ:

الخير،و معناه هو يضرّ و ينفع إذا كثر ولده.(256)

بررت في قسمي،و أبرّ اللّه قسمي.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:187)

الأصمعيّ: البرير:ثمر الأراك،و المرد:غضّه، و الكباث:نضيجه.

البربرة:الصّوت.

و البربور:الجشيش من البرّ.

(الأزهريّ 15:188)

برّت سلعته،إذا نفقت.

و الأصل في ذلك:أن تكافئه السّلعة بما حفظها و قام عليها،تكافئه بالغلاء في الثّمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و من كلام سليمان:«من أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه»،المعنى من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته، أخذ من الجوّ و البرّ.

و الجوّ كلّ بطن غامض،و البرّ:المتن الظّاهر.

فجاءت هاتان الكلمتان على النّسبة إليهما بالألف و النّون.(الأزهريّ 15:187)

أبرّت الأرض،إذا كثر برّها،كما يقال:أبهمت،إذا كثر بهماها.

و البربور:الجشيش من البرّ،يقال للخبز:ابن برّة، و ابن حبّة،غير مصروفين.

البرير:اسم لما أدرك من ثمر العضاه،فإذا انتهى ينعه اشتدّ سواده.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:178)

ص: 202

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة».

يعني أنّه منها خلقهم و فيها معاشهم و هي بعد الموت كفاتهم،فهذا و أشباه له كثير من برّ الأرض بالنّاس.

و قد تأوّل بعضهم قوله:«تمسّحوا بالأرض»على التّيمّم،و هو وجه حسن.و قد روي عن عبد اللّه بن مسعود أنّه كره أن يسجد الرّجل على شيء دون الأرض،و لكنّ الرّخصة في هذا أكثر من الكراهة.

(1:220)

ابن عليّة عن خالد الحذّاء،قال:قدمت من مكّة فلقيني أبو قلابة،فقال لي:برّ العمل.

قوله:«برّ العمل»إنّما دعا له بالبرّ،يقول:برّ اللّه عملك،أي جعل حجّك مبرورا.و المبرور إنّما هو مأخوذ من«البرّ»يعني ألاّ يخالطه غيره من الأعمال الّتي فيها المآثم.

و كذلك غير الحجّ أيضا،و منه الحديث المرفوع، قال:حدّثناه أبو معاوية و مروان بن معاوية،كلاهما عن وائل بن داود،عن سعيد بن عمير،قال:سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

أيّ الكسب أفضل؟فقال:«عمل الرّجل بيده،و كلّ بيع مبرور»فجعل النّبيّ عليه السّلام«البرّ»في البيع ألاّ يخالطه كذب،و لا شيء من الإثم.(2:443)

و من كلام العرب:«فلان لا يعرف هرّا من برّ»، معناه لا يعرف الهرهرة من البربرة.

فالهرهرة:صوت الضّأن،و البربرة:صوت المعزى.

(الأزهريّ 15:188)

ابن الأعرابيّ: و من كلام العرب:«فلان لا يعرف هرّا من برّ»،البرّ هاهنا:الفأر.

و البرّ:فعل كلّ خير من أيّ ضرب كان،و البرّ:

دعاء الغنم إلى العلف،و البرّ:الإكرام.و الهرّ:الخصومة.

و البرّ:الفؤاد،و يقال:هو مطمئنّ البرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

البرابير:أن يأتي الرّاعي إذا جاع إلى السّنبل فيفرك منه ما أحبّ،و ينزعه من قنبعه،و هو قشره،ثمّ يصبّ عليه اللّبن الحليب و يغليه حتّى ينضج،ثمّ يجعله في إناء واسع،ثمّ يسمّنه،أي يبرّده،فيكون أطيب من السّميذ.

و هي الغديرة،و قد اغتدرنا.

(الأزهريّ 15:187،188)

سئل رجل من بني أسد:أ تعرف الفرس الكريم؟ [قال:]أعرف الجواد المبرّ من البطيء المقرف.

و الجواد المبرّ:الّذي إذا أنّف يأتنف السّير،و لهز لهز العير:الّذي إذا عدا اسلهبّ،و إذا قيد اجلعبّ،و إذا انتصب اتلأبّ.

و يقال:أبرّه يبرّه،إذا قهره بفعال أو غيره.

و برّ يبرّ،إذا صلح.و برّ في يمينه يبرّ،إذا صدقه،و لم يحنث.و برّ رحمه يبرّ،إذا وصله.و برّ يبرّ،إذا هدي.

(الأزهريّ 15:189)

الهرّ:دعاء الغنم،و البرّ:سوقها.

(الجوهريّ 2:588)

ابن السّكّيت: أبرّ فلان،إذا ركب البرّ.

(الجوهريّ 2:588)

المازنيّ: الهرّ:السّنّور،و البرّ:الفأرة،أو دويبّة تشبهها.(الطّبرسيّ 1:98)

ص: 203

شمر: البرّيّة:الأرض المنسوبة إلى البرّ.و هي برّيّة،إذا كانت إلى البرّ أقرب منها إلى الماء.

في تفسير قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «عليكم بالصّدق فإنّه يهدي إلى البرّ».

اختلف العلماء في تفسير«البرّ»؛فقال بعضهم: البرّ:

الصّلاح،و قال بعضهم:البرّ:الخير.

و لا أعلم تفسيرا أجمع منه،لأنّه يحيط بجميع ما قالوا.

و جعل لبيد البرّ التّقى؛حيث يقول:

*و ما البرّ إلاّ مضمرات من التّقى*

قال:و أمّا قول الشّاعر:

*تحزّ رءوسهم في غير برّ*

فمعناه في غير طاعة و خير.

الحجّ المبرور:الّذي لا يخالطه شيء من المآثم.

و البيع المبرور:الّذي لا شبهة فيه،و لا كذب، و لا خيانة.

و يقال:برّ فلان ذا قرابته،يبرّ برّا.و قد بررته أبرّه.

و برّ حجّك يبرّ برورا.و برّ الحجّ يبرّ برّا.و برّ اللّه حجّه،و أبرّه.

و برّت يمينه تبرّ،و أبررتها.

و برّ اللّه حجّه،و برّ حجّه.(الأزهريّ 15:185)

الدّينوريّ: البرير:أعظم حبّا من الكباث، و أصغر عنقودا منه،و له عجمة مدوّرة صغيرة صلبة أكبر من الحمّص قليلا و عنقوده يملأ الكفّ،الواحدة من جميع ذلك:بريرة.

و في حديث طهفة: «و نستصعد البرير،أي نجنيه للأكل.و في آخر:«ما لنا طعام إلاّ البرير».

(الزّبيديّ 3:38)

ابن أبي اليمان:و البرّ:العابد.(361)

المبرّد: برّة:اسم علم لجميع البرّ،و فجار لجميع الفجور،لابن جنّيّ تخصيصه برّة بفعلت و فجار بافتعلت،مثل قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286،ف«كسب»للخير، و«اكتسب»للشّرّ.(1:280)

يقال:صدقت و بررت،و كذلك:بررت والدي أبرّه.(الأزهريّ 15:187)

ثعلب :بررت والدي أبرّه،أي أطعته و أحسنت إليه،و هو رجل بارّ بوالده و برّ به أيضا،أي مطيع غير عاقّ.(9)

الزّجّاج: بارّ الرّجل الشّيء،إذا اختبره.و أباره، إذا أهلكه.(فعلت و أفعلت:5)

ابن دريد :البرّ:خلاف البحر،و البرّ:ضدّ العقوق،و رجل برّ و بارّ.

و برّت يمينه برّا،إذا لم يحنث،و برّ حجّه و برّ حجّه لغتان.و البرّ:المعروف أفصح من قولهم:القمح و الحنطة.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثل من أمثالهم«لا يعرف الهرّ من البرّ».

و قد كثر الكلام في هذا المثل،فذكر أبو عثمان الأشناندانيّ أنّ الهرّ:السّنّور،و البرّ:الفأرة،في بعض اللّغات أو دويبّة تشبهها.و قال آخرون:لا يعرف من يهرّ عليه ممّن يبرّه.(1:27)

و«البرّ»على وجوه:فمنه الصّلة،كقولهم:برّك اللّه،

ص: 204

و قوله جلّ ثناؤه: أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ الممتحنة:8.

و البرّ:الصّدق،من قولهم:صدق و برّ.(3:472)

الأزهريّ: و يقال:أفصح العرب أبرّهم،معناه أبعدهم في البرّ و البدو دارا.

و البرّ،من صفات اللّه:العطوف،الرّحيم،اللّطيف، الكريم.

و يقال:قد تبرّرت في أمرنا،أي تحرّجت.[ثمّ استشهد بشعر]

«أبرّ فلان قسم فلان و أحنثه»،فأمّا أبرّه فمعناه أنّه أجابه إلى ما أقسم عليه.و أحنثه،إذا لم يجبه.

و من كلام العرب:«فلان لا يعرف هرّا من برّ».

قال خالد: الهرّ:السّنّور،و البرّ:الجرذ.قال الفزاريّ:البرّ:اللّطف،و الهرّ:العقوق.

قال الفرّاء: البربريّ:الكثير الكلام بلا منفعة.

و قال غيره: رجل بربار بهذا المعنى.و قد بربر في كلامه بربرة،إذا أكثر.

و يقال:فلان يبرّ ربّه،أي يطيعه،و منه قوله:

*يبرّك النّاس و يفجرونكا*

و رجل برّ بذي قرابته،و بارّ:من قوم بررة،و أبرار.

و المصدر:البرّ.

و يقال:أبرّ على صاحبه في كذا،أي زاد عليه.

و سمّيت البرّيّة،لاتّساعها.

و البرّ:اسم جامع للخيرات كلّها،و البرّ:الصّلة.

و في بعض الحديث: «و لهم تغذمر و بربرة».البربرة:

الصّوت،و التّغذمر:أن يتكلّم بكلام فيه كبر.

(15:185)

الصّاحب: البرّ:خلاف البحر،و إنّه لمبحر مبرّ.

و أبرّ و أبحر:ركب البرّ و البحر.

و البرّيّة:الصّحراء،و خرجت برّا:و هو ضدّ الكنّ.

و يقولون:«من أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه»أي من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته.

و البرّ:البارّ بذوي قرابته،و قوم بررة و أبرار، و المصدر:البرّ.

و صدقت و بررت،و برّت يمينه،و أبرّها اللّه،أي أمضاها على الصّدق.و برّ حجّك،فهو مبرور.و هو يبرّ ربّه،أي يطيعه.

و البرّ:الحجّ في قوله:

*عليهنّ شعث عامدون لبرّهم*

و برّة:اسم للبرّ معرفة.

و البرّ:الحنطة،الواحدة:برّة،و يقال للخبز:ابن برّة.

و يقولون:هو«أقصر من برّة».

و البرير:ثمر الأراك،الواحدة:بريرة.

و الإبرار:الغلبة،أبرّ عليهم،و الأبرّ:بمعنى الأبلّ.

و ابترّ الرّجل:انتصب منفردا من أصحابه.

و المبرّر من الضّأن:كالمرمّد،و هو أن يكون في ضرعها لمع عند الإقراب و النّتاج.

و البربرة:كثرة الكلام و الجلبة باللّسان،و صوت المعز.

و البربور:الجشيش من البرّ.

ص: 205

و البرابر:الجداء،واحدها:بربر.

و قوله:«ما يعرف هرّا من برّ»أي ما يعرف الهرهرة من البربرة.و قيل:البرّ:سوق الغنم،و قيل:ضدّ العقوق.و البرّ:الفأرة،و الفؤاد أيضا،يقال:هو مطمئنّ البرّ.

و بربر:جيل من النّاس.

و البريراء:من أسماء جبال بني سليم.

و رجل بربار:للمأفون الّذي إذا مشى حرّك كلّ شيء منه،و قيل:صيّاح.(10:214)

الخطّابيّ: «إنّ لكلّ امرئ جوّانيّا و برّانيّا،فمن يصلح جوّانيّه يصلح اللّه برّانيّه،و من يفسد جوّانيّه يفسد اللّه برّانيّه».

و البرّانيّ:منسوب إلى البرّ،يقول:من أصلح باطن أمره فيما بينه و بين اللّه أصلح اللّه له ظاهره و حسّن في أعين النّاس أمره،و من أفسد سرّه و نيّته أفسد اللّه أمره و قبّح في عيون النّاس علانيته.(2:354)

أبرّ فلان،إذا صار إلى البرّ.(3:77)

الجوهريّ: البرّ:خلاف العقوق،و المبرّة مثله.

تقول:بررت والدي بالكسر،أبرّه برّا،فأنا برّ به و بارّ.و جمع البرّ:أبرار،و جمع البارّ:البررة.

و فلان يبرّ خالقه و يتبرّره،أي يطيعه.و الأمّ برّة بولدها.

و برّ فلان في يمينه،أي صدق.و برّ حجّه،و برّ حجّه، و برّ اللّه حجّه برّا بالكسر،في هذا كلّه.

و تبارّوا:تفاعلوا من البرّ.

و في المثل:«لا يعرف هرّا من برّ»أي لا يعرف من يكرهه ممّن يبرّه.

و البرّ بالفتح:خلاف البحر.و البرّيّة بالفتح:

الصّحراء،و الجمع:البراري.

و البرّيت بوزن«فعليت»:البرّيّة،فلمّا سكّنت الياء صارت الهاء تاء،مثل عفريت و عفرية،و الجمع:

البراريت.

و برّة:اسم البرّ،و هو معرفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البربرة:الصّوت،و كلام في غضب،تقول:بربر فهو بربار،مثل ثرثر فهو ثرثار.

و بربر:جيل من النّاس،و هم البرابرة و الهاء للعجمة و النّسب،و إن شئت حذفتها.

و البرير:ثمر الأراك،واحدتها:بريرة.و بريرة:اسم امرأة.

و البرّ:جمع برّة من القمح،و منع سيبويه أن يجمع البرّ على أبرار،و جوّزه المبرّد قياسا.

و البربور:الجشيش من البرّ.

و أبر اللّه حجّك،لغة في برّ اللّه حجّك،أي قبله.

و أبرّ فلان على أصحابه،أي علاهم.(2:588)

ابن فارس: الباء و الرّاء في المضاعف أربعة أصول:

الصّدق،و حكاية صوت،و خلاف البحر،و نبت.

فأمّا الصّدق فقولهم:صدق فلان و برّ،و برّت يمينه:

صدقت،و أبرّها:أمضاها على الصّدق.

و تقول:برّ اللّه حجّك و أبرّه،و حجّة مبرورة،أي قبلت قبول العمل الصّادق.و من ذلك قولهم:يبرّ ربّه، أي يطيعه،و هو من الصّدق.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قول اللّه تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ

ص: 206

قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ البقرة:177،و أمّا قول النّابغة:

*عليهنّ شعث عامدون لبرّهم*

فقالوا:أراد الطّاعة،و قيل:أراد الحجّ.

و قولهم للسّابق الجواد:المبرّ،هو من هذا،لأنّه إذا جرى صدق،و إذا حمل صدق.

و أصل«الإبرار»ما ذكرناه في القهر و الغلبة، و مرجعه إلى الصّدق.

و من هذا الباب قولهم:هو يبرّ ذا قرابته،و أصله الصّدق في المحبّة،يقال:رجل برّ و بارّ.و بررت والدي و بررت في يميني.

و أبرّ الرّجل:ولد أولادا أبرارا.

و أمّا حكاية الصّوت فالعرب تقول:«لا يعرف هرّا من برّ»فالهرّ:دعاء الغنم،و البرّ:الصّوت بها،إذا سيقت.و يقال:لا يعرف من يكرهه ممّن يبرّه.

و البربرة:كثرة الكلام و الجلبة باللّسان،قال:

*بالعضر كلّ عذوّر بربار*

و رجل بربار و بربارة.و لعلّ اشتقاق«البربر»من هذا.فأمّا قول طرفة:

و لكن دعا من قيس عيلان عصبة

يسوقون في أعلى الحجاز البرابرا

فيقال:إنّه جمع بربر،و هي صغار أولاد الغنم.قالوا:

و ذلك من الصّوت أيضا،و ذلك أنّ البربرة صوت المعز.

و الأصل الثّالث:خلاف البحر.و أبرّ الرّجل:صار في البرّ،و أبحر:صار في البحر.و البرّيّة:الصّحراء، و البرّ:نقيض الكنّ.

و العرب تستعمل ذلك نكرة،يقولون:خرجت برّا و خرجت بحرا،قال اللّه تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الرّوم:41.

و أمّا النّبت فمنه البرّ،و هي الحنطة،الواحدة:برّة.

(1:177)

أبو هلال: الفرق بين البرّ و الصّلة:أنّ البرّ:سعة الفضل المقصود إليه،و البرّ أيضا يكون بلين الكلام.و برّ والده،إذا لقيه بجميل القول و الفعل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الصّلة:البرّ المتأصّل،و أصل الصّلة:وصلة على «فعلة»و هي للنّوع و الهيئة،يقال:بارّ وصول،أي يصل برّه فلا يقطعه،و تواصل القوم:تعاملوا بوصول برّ كلّ واحد منهم إلى صاحبه،و واصله:عامله بوصول البرّ، و في القرآن: وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ القصص:51، أي كثّرنا وصول بعضه ببعض بالحكم الدّالّة على الرّشد.

الفرق بين البرّ و الصّدقة:أنّك تصدّق على الفقير لسدّ خلّته،و تبرّ ذا الحقّ لاجتلاب مودّته،و من ثمّ قيل:

برّ الوالدين.

و يجوز أن يقال:البرّ هو النّفع الجليل،و منه قيل:

البرّ محلاّ له نفعة.

و يجوز أن يقال:البرّ سعة النّفع،و منه فيه البرّ:

الشّفقة.

الفرق بين البرّ و الخير:أنّ البرّ مضمن بجعل عاجل قد قصد وجه النّفع به.فأمّا الخير فمطلق،حتّى لو وقع عن سهو لم يخرج عن استحقاق الصّفة به،و نقيض الخير:الشّرّ،و نقيض البرّ:العقوق.(139)

الفرق بين البرّ و القربان:أنّ القربان البرّ الّذي

ص: 207

يتقرّب به إلى اللّه،و أصله المصدر،مثل الكفران و الشّكران.(162)

الهرويّ: يقال:أبرّ على صاحبه في كذا،أي زاد عليه.و سمّيت البرّيّة،لاتّساعها.

و البرّ:الصّلة.و قد بررت والدي أبرّه،قال اللّه:

وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ مريم:14،و بررت في يميني.

و واحد الأبرار:برّ،و يجوز:بارّ،مثل:صاحب و أصحاب.

و البيع المبرور:الّذي لا شبهة فيه،و لا خيانة.

و قال أبو العبّاس:هو الّذي لا يدالس فيه و لا يوالس.

قلت:معنى يدالس:يظلم و يختل،و يوالس:يخون و يوارب.و الدّلس:السّواد.(1:153)

ابن سيدة: البرّ:الصّدق،و الطّاعة،و في التّنزيل:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:177، أراد و لكنّ البرّ برّ من آمن باللّه،و هو قول سيبويه.و قال بعضهم:و لكنّ ذا البرّ من آمن باللّه.

قال ابن جنّي: و الأوّل أجود؛لأنّ حذف المضاف ضرب من الاتّساع،و الخبر أولى بذلك من المبتدإ؛لأنّ الاتّساع بالأعجاز أولى منه بالصّدور.

و أمّا ما روي من أنّ النّمر بن تولب.قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«ليس من امبرّ امصيام في امسفر».

يريد«ليس من البرّ الصّيام في السّفر»فإنّه أبدل لام المعرفة ميما،و هو شاذّ لا يسوغ،حكاه ابن جنّي عنه، قال:و يقال:إنّ النّمر بن تولب لم يرو عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم غير هذا الحديث.

و نظيره في الشّذوذ ما قرأته على أبي عليّ بإسناده إلى الأصمعيّ،قال:يقال:بنات مخر،و بنات بخر:و هنّ سحائب يأتين قبل الصّيف،بيض منتصبات في السّماء.

و برّة:اسم علم لمعنى البرّ.فلذلك لم يصرف؛لأنّه اجتمع فيه التّعريف،و التّأنيث.و قد تقدّم في«فجار» قال النّابغة:

إنّا احتملنا خطّتينا بيننا

فحملت برّة و احتملت فجار

و قد برّ ربّه.

و برّت يمينه تبرّ،و تبرّ،برّا،و برّا،و برورا:

صدقت.

و أبرّها:أمضاها على الصّدق.

و البرّ:الصّادق.و في التّنزيل: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ الطّور:28.

و برّ عمله،و برّ،برّا،و برورا.و أبرّ،و أبرّه اللّه.

و قالوا في الدّعاء:مبرور مأجور،و مبرورا مأجورا، تميم ترفع على إضمار أنت،و أهل الحجاز ينصبون على تقدير اذهب مبرورا.

و رجل برّ،من قوم أبرار.

و بارّ من قوم بررة.

و البرّ:ضدّ العقوق.

و قد برّ والده يبرّه،و يبرّه،برّا،فيبرّ على بررت، و يبرّ على بررت،على حدّ ما تقدّم في اليمين.

و هو برّ به،و بارّ عن كراع.و أنكر بعضهم بارّ.و في الحديث:«تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة»أي:تكون

ص: 208

بيوتكم عليها،و تدفنون فيها.

و امرأة بارّة،و برّة،عن اللّحيانيّ.

و اللّه يبرّ عباده:يرحمهم،و هو البرّ.

و بررته برّا:وصلته.و في التّنزيل: أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ الممتحنة:8.

و قولهم:«ما يعرف هرّا من برّ».معناه:ما يعرف من يهرّه،أي يكرهه،ممّن يبرّه.

و قيل:الهرّ:السّنّور،و البرّ:الفأرة،في بعض اللّغات،أو دويبّة تشبهها.و قد أنعمنا شرح هذا فيما تقدّم.

و أبرّ الرّجل:كثر ولده.

و أبرّ القوم:كثروا.

و كذلك:«أعرّوا فأبرّوا».أبرّوا في الخير،و أعرّوا في الشّرّ.

و قد تقدّم أعرّوا في موضعه.

و البرّ:خلاف البحر.

و البرّيّة من الأرضين،بفتح الباء:خلاف الرّيفيّة.

و البرّيّة:الصّحراء،نسبت إلى البرّ،كذلك رواه ابن الأعرابيّ بالفتح،كالّذي قبله.

و إنّه لمبرّ بذلك:أي ضابط له.

و أبرّ عليهم:غلبهم.

و أبرّ عليهم شرّا،حكاه ابن الأعرابيّ،و أنشد:

إذا كنت من حمّان في قعر دارهم

فلست أبالي من أبرّ و من فجر

ثمّ قال:أبرّ،من قولهم:أبرّ عليهم شرّا.و أبرّ، و فجر،واحد،فجمع بينهما.

و ابترّ الرّجل انتصب منفردا من أصحابه.

و البرير:ثمر الأراك عامّة:فالمرد:غضّه،و الكباث:

نضيجه.

و قيل:البرير:أوّل ما يظهر من ثمر الأراك،و هو حلو.

و البرّ:الحنطة،قال المتنخّل الهذليّ:

لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم

قرف الحتيّ و عندي البرّ مكنوز

و رواه ابن دريد«رائدهم».

و البربور:الجشيش من البرّ.

و البربرة:كثرة الكلام.

و الجلبة باللّسان.

و قيل:الصّياح.

رجل بربار:و قد بربر.

و بربر:جيل،يقال:إنّهم من ولد برّ بن قيس بن عيلان،و لا أدري كيف هذا؟

و البرابرة:الجماعة منهم،زادوا الهاء فيه إمّا للعجمة،و إمّا للنّسب،و هو الصّحيح.

و بربر التّيس للهياج:نبّ.

و دلو بربار:لها في الماء بربرة،أي:صوت.قال رؤبة:

*أروي ببربارين في الغطماط*

و البريراء-على لفظ التّصغير-:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و مبرّة:أكمة دون الجار إلى المدينة.[ثمّ استشهد بشعر](10:240)

ص: 209

البرّ:الفأرة و الجرذ،و منه قولهم:«ما يعرف هرّا من برّ»أي لا يميّز من يكرهه ممّن يحبّه،أو ما يهرّه ممّا يبرّه، أو القطّ من الفأر.(الإفصاح 2:845)

البرّ:حبّ القمح،الواحدة:برّة،الجمع:أبرار.

(الإفصاح 2:1086)

برّت اليمين تبرّ برّا و برورا:صدقت،و أبرّ الحالف يمينه.أمضاها على الصّدق،و برّ فيها:صدق،و أبرّ اللّه قسمه:أجابه إلى ما أقسم عليه.(الإفصاح 2:1287)

الطّوسيّ: و الأبرار:جمع برّ،و هم الّذين برّوا اللّه بطاعتهم إيّاه حتّى أرضوه،فرضي عنهم.و قال الحسن:

هم الّذين لا يؤذون الذّرّ.

و أصل البرّ:الاتّساع،فالبرّ:الواسع من الأرض خلاف البحر،و البرّ:صلة الرّحم.و البرّ:العمل الصّالح، و البرّ:الحنطة.و الأبرار على الخصم:الزّيادة عليه.

و ابترّ من أصحابه،إذا انفرد منهم.(3:85)

نحوه الطّبرسيّ.(1:556)

و البررة:جمع بارّ،تقول:برّ فلان فلانا يبرّه فهو بارّ،إذا أحسن إليه و نفعه.و البرّ:فعل النّفع اجتلابا للمودّة.و البارّ:فاعل البرّ،و جمعه:بررة،مثل كاتب و كتبة.و أصله:اتّساع النّفع منه،و منه البرّ،سمّي به تفاؤلا باتّساع النّفع به،و منه البرّ لاتّساع النّفع به.

و رجل برّ،و امرأة برّة،و الجمع:بررة،و لا يجمع إلاّ على هذا استغناء به.(10:272)

الرّاغب: البرّ:خلاف البحر،و تصوّر منه التّوسّع، فاشتقّ منه البرّ،أي التّوسّع في فعل الخير،و ينسب ذلك إلى اللّه تعالى تارة،نحو: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ الطّور:

28،و إلى العبد تارة،فيقال:برّ العبد ربّه،أي توسّع في طاعته،فمن اللّه تعالى الثّواب و من العبد الطّاعة.

و ذلك ضربان:ضرب في الاعتقاد،و ضرب في الأعمال،و قد اشتمل عليه قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ البقرة:177،و على هذا ما روي أنّه سئل عليه الصّلاة و السّلام عن البرّ فتلا هذه الآية،فإنّ الآية متضمّنة للاعتقاد،الأعمال الفرائض و النّوافل.

و برّ الوالدين:التّوسّع في الإحسان إليهما،و ضدّه العقوق،قال تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ الممتحنة:8.

و يستعمل«البرّ»في الصّدق لكونه بعض الخير المتوسّع فيه،يقال:برّ في قوله:و برّ في يمينه،و قول الشّاعر:

*أكون مكان البرّ منه*

قيل:أراد به الفؤاد،و ليس كذلك بل أراد ما تقدّم، أي يحبّني محبّة البرّ،و يقال:برّ أباه فهو بارّ و برّ،مثل صائف و صيف،و طائف و طيف،و على ذلك قوله تعالى:

وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ مريم:14، وَ بَرًّا بِوالِدَتِي مريم:

32.

و برّ في يمينه فهو بارّ،و أبررته،و برّت يميني،و حجّ مبرور،أي مقبول،و جمع البارّ:أبرار و بررة،قال تعالى:

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ الانفطار:13،و قال: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18.

و قال في صفة الملائكة: كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:16، فبررة خصّ بها الملائكة في القرآن،من حيث إنّه أبلغ

ص: 210

من أبرار،فإنّه جمع برّ،و أبرار جمع بارّ،و برّ أبلغ من بارّ، كما أنّ عدلا أبلغ من عادل.

و البرّ معروف،و تسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء،و البرير خصّ بثمر الأراك و نحوه.و قولهم:«لا يعرف الهرّ من البرّ»،من هذا، و قيل:هما حكايتا الصّوت.و الصّحيح أنّ معناه لا يعرف من يبرّه و من يسيء إليه.

و البربرة:كثرة الكلام،و ذلك حكاية صوته.

(40)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:213)

الزّمخشريّ: هو برّ بوالديه،و بارّ بهما.و يقال:

صدقت و بررت.«و لا يعرف هرّا من برّ».

و حجّ مبرور،و برّ حجّك،و برّ اللّه حجّك،و برّت يمينه،و أبرّها صاحبها:أمضاها على الصّدق،و لو أقسم على اللّه لأبرّه.

و نزلوا بالبرّيّة.و جلست برّا و خرجت برّا،إذا جلس خارج الدّار أو خرج إلى ظاهر البلد.و افتح الباب البرّانيّ،و«من أصلح جوّانيّه،أصلح اللّه برّانيّه»و يقال:

أريد جوّا،و يريد برّا،أي أريد خفية و هو يريد علانية.

و قد أبرّ فلان و أبحر،أي هو مسفار قد ركب البرّ و البحر.

و أبرّ على خصمه،و جواد مبرّ،و هو أقصر من برّة، و أطعمنا ابن برّة،و هو الخبز.

و من المجاز:فلان يبرّ ربّه،أي يطيعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و برّت بي السّلعة،إذا نفقت و ربحت فيها.قال الأعشى:

*و رجّى برّها عاما فعاما*

(أساس البلاغة:20)

سلمان رضي اللّه تعالى عنه: «إنّ لكلّ امرئ جوّانيّا و برّانيّا،فمن يصلح جوّانيّه يصلح اللّه برّانيّه،و من يفسد جوّانيّه يفسد اللّه برّانيّه».

و البرّانيّ:إلى البرّ،و هو الظّاهر،من قولهم للصّحراء البارزة:برّ و برّيّة،و للباب الخارج:برّانيّ،و زيادة الألف و النّون للتّأكيد.

و المعنى أنّ لكلّ امرئ سرّا و شأنا باطنا و علنا، و شأنا ظاهرا.(الفائق 1:247)

كتب بين قريش و الأنصار كتابا،و في الكتاب...«و أنّ البرّ دون الإثم...»

البرّ دون الإثم،أي الوفاء بالعهد الّذي معه السّكون و الطّمأنينة أهون من النّكث المؤدّي إلى الحروب و المتاعب الجمّة.(الفائق 2:25)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة»هو أن تباشرها بنفسك في الصّلاة من غير أن يكون بينك و بينها شيء تصلّي عليه.و قيل:هو التّيمّم.

برّة:يعني منها خلقتم،و فيها معاشكم،و هي بعد الموت كفاتكم(الفائق 3:366)

قال أبو بكر[لو قد اليمامة بعد ما نقلوا كلام صاحبهم مسيلمة]:ويحكم!«إنّ هذا الكلام لم يخرج من إلّ و لا برّ»

قالوا:الإلّ:الرّبوبيّة.

و البرّ:الصّدق،من قولهم:صدقت و بررت.و برّ

ص: 211

الحالف في يمينه،و هو من العامّ الّذي أدركه تخصيص.

و المعنى إنّ هذا كلام غير صادر عن مناسبة الحقّ و مقاربته،و الإدلاء بسبب بينه و بين الصّدق.

(الفائق 4:18،19)

الطّبرسيّ: البرّ في اللّغة و الإحسان و الصّلة نظائر، يقال:فلان بارّ:وصول محسن.و ضدّ البرّ:العقوق، و رجل برّ و بارّ،و برّت يمينه:صدقت،و برّ حجّه و برّ، لغتان.

و الفرق بين البرّ و الخير:أنّ البرّ يدلّ على قصد، و الخير قد يقع على وجه السّهو و النّسيان.(1:97)

المدينيّ:في الحديث:ما لنا طعام إلاّ البرير».

قال ابن الأعرابيّ: «الأسود من ثمر الأراك برير، و ما لم يسودّ:كباث،و جماعه المرد.

و قال الأصمعيّ: الكباث:ثمر الأراك،و البرير:

الغضّ،و يانعه المرد،و قيل:البرير:اسم للجميع.

في حديث سلمان:«من أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه».

يريد بالبرّانيّ:العلانية،و الألف و النّون للتّأكيد، من قولهم:خرج فلان برّا،أي خرج من الكنّ إلى الصّحراء،و ليس من كلامهم القديم.يقال رجل برّ،أي خارج،و تبابر:ركب البرّ،كما يقال:أبحر:ركب البحر، و أبرّ أيضا:ركب البرّ،على قياس أبحر.

في الحديث:«أبرّ اللّه تعالى قسمه»يقال:برّ قسمه و أبرّها:صدّقها.

و في الحديث:«الحجّ المبرور»أي المقبول،المقابل بالبرّ.

في الحديث:«أبرّ ناضحهم»،أي غلب و استصعب.

في حديث أبي بكر:«لم يخرج من إلّ و لا برّ»أي صدق،من قولهم:برّ في يمينه.(1:14)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«البرّ»هو العطوف على عباده ببرّه و لطفه.و البرّ و البارّ بمعنى،و إنّما جاء في أسماء اللّه تعالى«البرّ»دون«البارّ».

و البرّ بالكسر:الإحسان،و منه الحديث في«برّ الوالدين»و هو في حقّهما و حقّ الأقربين من الأهل ضدّ العقوق،و هو الإساءة إليهم و التّضييع لحقّهم.يقال:برّ يبرّ فهو بارّ،و جمعه:بررة،و جمع البرّ:أبرار.و هو كثيرا ما يخصّ بالأولياء و الزّهّاد و العبّاد.

و منه الحديث: «تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة»أي مشفقة عليكم كالوالدة البرّة بأولادها،يعني أنّ منها خلقكم،و فيها معاشكم،و إليها بعد الموت كفاتكم.

و منه الحديث: «الأئمّة من قريش،أبرارها أمراء أبرارها،و فجّارها أمراء فجّارها».

هذا على جهة الإخبار عنهم لا على طريق الحكم فيهم،أي إذا صلح النّاس و برّوا وليهم الأخيار،و إذا فسدوا و فجروا وليهم الأشرار،و هو كحديثه الآخر:

«كما تكونون يولّى عليكم».

و في حديث حكيم بن حزام: «أ رأيت أمورا كنت أتبرّر بها»أي أطلب بها البرّ و الإحسان إلى النّاس، و التّقرّب إلى اللّه تعالى.

و في حديث الاعتكاف: «البرّ يردن»أي الطّاعة و العبادة.

و منه الحديث: «ليس من البرّ الصّيام في السّفر».

ص: 212

و في كتاب قريش و الأنصار«و أنّ البرّ دون الإثم» أي أنّ الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر و النّكث.

و فيه:«الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة»أي مع الملائكة.

و فيه:«الحجّ المبرور ليس له ثواب إلاّ الجنّة»هو الّذي لا يخالطه شيء من المآثم.

و قيل:هو المقبول،المقابل بالبرّ و هو الثّواب.يقال:

برّ حجّه،و برّ حجّه،و برّ اللّه حجّه،و أبرّه برّا بالكسر و إبرارا.

و منه الحديث: «برّ اللّه قسمه و أبرّه»أي صدّقه.

و منه حديث أبي بكر: «لم يخرج من إلّ و لا برّ»أي صدق.

و منه الحديث: «أمرنا بسبع،منها إبرار المقسم».

و فيه:«أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:إنّ ناضح آل فلان قد أبرّ عليهم»أي استصعب و غلبهم،من قولهم:

أبرّ فلان على أصحابه،أي علاهم.

و في حديث زمزم: «أتاه آت فقال احفر برّة» سمّاها برّة لكثرة منافعها،وسعة مائها.

و فيه:«أنّه غيّر اسم امرأة كانت تسمّى برّة فسمّاها زينب»و قال:تزكّي نفسها،كأنّه كره لها ذلك.

و في حديث سلمان: «من أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه»أراد بالبرّانيّ العلانية،و الألف و النّون من زيادات النّسب كما قالوا:في صنعاء صنعانيّ.و أصله من قولهم:خرج فلان برّا،أي خرج إلى البرّ و الصّحراء، و ليس من قديم الكلام و فصيحه.

و في حديث طهفة: «و نستعضد البرير»أي نجنيه للأكل.و البرير:ثمر الأراك إذا اسودّ و بلغ،و قيل:هو اسم له في كلّ حال.

و منه الحديث الآخر:«ما لنا طعام إلاّ البرير».

(1:116)

الصّغانيّ: بررت والديّ،و بررت قسمي بالفتح، لغة في«بررت»بالكسر.

و البرّ بالكسر:ولد الثّعلب.و البرّ أيضا:الفأرة، و قيل:الجرذ.و البرّ أيضا:دعاء الغنم إلى العلف.و البرّ:

الفؤاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و البربرة:صوت المعزى.و البربريّ:الكثير الكلام بلا منفعة.و البربار،و المبربر:الأسد.

و بربر المغنّي،مثال«فدفد»من المحدّثين.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّوا:برّا،و برّة،بالفتح فيهما،و بريرا مصغّرا.

و برّة،بالضّمّ،هو برّة بن رئاب،الّذي يقال له:

جحش بن رئاب،و جحش لقبه.

البرّ:الحجّ.

و ابترّ الرّجل:انتصب منفردا من أصحابه.

و المبرّر،من الضّأن،كالمرمّد،و هي الّتي في ضرعها لمع عند الأقراب.و البرابر:الجداء.

و البريراء:من أسماء جبال بني سليم.

و البرّة:الموضع الّذي قتل فيه قابيل هابيل.و برّة العليا،و برّة السّفلى:قريتان باليمامة.و برّة،من أسماء زمزم.

و برّ يبرّ،إذا قهر بفعال أو مقال.و البرّى:الكلمة الطّيّبة.

ص: 213

و مبرّة:أكمة دون الجار إلى المدينة.(2:416)

الرّازيّ:[قال مثل الجوهريّ ثمّ أضاف:]

فلان يبرّ خالقه و يتبرّره،أي يطيعه.

قلت:لا أعلم أحدا ذكر التّبرّر بمعنى الطّاعة غيره رحمه اللّه.(60)

الفيّوميّ: البرّ بالفتح:خلاف البحر،و البرّيّة نسبة إليه،هي الصّحراء.و البرّ بالضّمّ:القمح،الواحدة:برّة، و البرّ بالكسر:الخير و الفضل.

و برّ الرّجل يبرّ برّا وزان علم يعلم علما،فهو برّ بالفتح و بارّ أيضا،أي صادق أو تقيّ،و هو خلاف الفاجر،و جمع الأوّل:أبرار،و جمع الثّاني:بررة،مثل كافر و كفرة.

و منه قوله للمؤذّن:«صدقت و بررت»أي صدقت في دعواك إلى الطّاعات و صرت بارّا،دعاء له بذلك، و دعاء له بالقبول،و الأصل:برّ عملك.

و بررت والدي أبرّه برّا و برورا:أحسنت الطّاعة إليه،و رفقت به،و تحرّيت محابّه،و توقّيت مكارهه.

و برّ الحجّ و اليمين و القول برّا أيضا،فهو برّ و بارّ أيضا،و يستعمل متعدّيا أيضا بنفسه في الحجّ،و بالحرف في اليمين و القول،فيقال:برّ اللّه تعالى الحجّ يبرّه برورا، أي قبله،و بررت في القول و اليمين أبرّ فيهما برورا أيضا، إذا صدقت فيهما فأنا برّ و بارّ.

و في لغة يتعدّى بالهمزة،فيقال:أبرّ اللّه تعالى الحجّ، و أبررت القول و اليمين.

و المبرّة مثل البرّ،و البرير،مثال كريم:ثمر الأراك، إذا اشتدّ و صلب،الواحدة:بريرة،و بها سمّيت المرأة.

و أمّا البربر:بباءين موحّدتين و راءين،وزان «جعفر»فهم قوم من أهل المغرب كالأعراب في القسوة و الغلظة،و الجمع:البرابرة،و هو معرّب.(1:43)

الفيروزآباديّ: البرّ:الصّلة،و الجنّة،و الخير، و الاتّساع في الإحسان،و الحجّ،و يقال:برّ حجّك و برّ بفتح الباء و ضمّها،فهو مبرور،و الصّدق،و الطّاعة كالتّبرّر،و اسمه:برّة معرفة،و ضدّ العقوق كالمبرّة،بررته أبرّه كعلمته و ضربته،و سوق الغنم،و الفؤاد،و ولد الثّعلب،و الفأرة،و الجرذ.

و بالفتح:من الأسماء الحسنى،و الصّادق،و الكثير البرّ،كالبارّ،جمعه:أبرار و بررة،و الصّدق في اليمين، و يكسر:و قد بررت و بررت و برّت اليمين تبرّ كيملّ و يحلّ برّا و برّا و برورا،و أبرّها:أمضاها على الصّدق، و ضدّ البحر.

و بالضّمّ:الحنطة،جمعه:أبرار.

و أبرّ:ركب البرّ،و كثر ولده،و القوم:كثروا، و عليهم:غلبهم،و الشّاء:أصدرها.

و البرير كأمير:الأوّل من ثمر الأراك،و بريرة:

صحابيّة،و البرّيّة:الصّحراء كالبرّيت و ضدّ الرّيفيّة، و البربور بالضّمّ:الجشيش من البرّ.

و البربرة:صوت المعز،و كثرة الكلام،و الجلبة، و الصّياح،بربر فهو بربار،و دلو بربار:لها صوت.

و بربر:جيل،جمعه:البرابرة،و هم بالمغرب،و أمّة أخرى بين الحبوش و الزّنج،يقطعون مذاكير الرّجال و يجعلونها مهور نسائهم،و كلّهم من ولد قيس عيلان،أو هم بطنان من حمير صنهاجة و كتامة،صاروا إلى البربر

ص: 214

أيّام فتح أفريقش الملك إفريقيّة.

و المبرّ:الضّابط.

و البريراء كحميراء:جبال بني سليم.و البرّة:

موضع قتل فيه قابيل هابيل،و بلا لام:اسم زمزم، و عمّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قريتان باليمامة عليا و سفلى.

و مبرّة:أكمة قرب المدينة الشّريفة.

و البرّى كقرّى:الكلمة الطّيّبة.و البربار و المبربر:

الأسد.و ابترّ:انتصب منفردا عن أصحابه.و المبرّر من الضّأن:الّتي في ضرعها لمع.

و سمّوا برّا و برّة و برّة و بريرا.

و أصلح العرب أبرّهم،أي أبعدهم في البرّ.

و«من أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه»نسبة على غير قياس.و البرّانيّة:قرية ببخارى.

و البرابير:طعام يتّخذ من فريك السّنبل و الحليب.

و برّه كمدّه:قهره بفعال أو مقال.

و«لا يعرف هرّا من برّ»أي ما يهرّه ممّا يبرّه،أو القطّ من الفأر،أو دعاء الغنم من سوقها،أو دعاءها إلى الماء من دعائها إلى العلف،أو العقوق من اللّطف،أو الكراهيّة من الإكرام،أو الهرهرة من البربرة.

و البربر بالضّمّ:الكثير الأصوات،و بالكسر:دعاء الغنم.(1:384)

الطّريحيّ: و البرّ:الصّلة،و منه«بررت والدي أي أحسنت الطّاعة إليه و رفقت به،و تحرّيت محارمه و توفّيت مكارمه.

و البرّ بالكسر:الاتّساع في الإحسان و الزّيادة، و منه سمّيت البرّيّة،بالفتح و التّشديد،لاتّساعها، و الجمع:البراريّ.

و منه الحديث: «فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل في سبيل اللّه».

و منه حديث المصلّي: «يتناثر عليه البرّ من مفرق رأسه إلى أعنان السّماء».

و البرّ بالضّمّ:القمح،و منه حديث الفطرة:«فرض رسول اللّه الفطرة صاعا من برّ أو صاعا من قمح»و هو نوع من البرّ.

و أبرّ اللّه حجّك:لغة في برّ اللّه حجّك،أي قبله.

و الحجّ المبرور:الّذي لا يخالطه شيء من المآثم، و قيل:المقبول المقابل بالبرّ و هو الثّواب،و منه الدّعاء:

«اللّهمّ اجعله حجّا مبرورا».

و منه:«برّ حجّك يا آدم»على البناء للمجهول،أي كان حجّك مقبولا أو خالصا نقيّا ممّا يشوبه من الشّوائب و المآثم.

و فلان يبرّ خالقه،أي يطيعه.و تباروا:«تفاعلوا» من البرّ.

و البرّ بالفتح:خلاف البحر.

و البرّ:من أسمائه تعالى،و هو العطوف على عباده الّذي عمّ برّه جميع خلقه،يحسن إلى المحسن بتضعيف الثّواب،و إلى المسيء بالصّفح و العفو و قبول التّوبة.

و برّ اللّه قسمه و أبرّه،أي صدّقه،و منه:«لو أقسم على اللّه لأبرّ قسمه».

أي لو حلف على وقوع شيء لأبرّه،أي صدّقه و صدّق يمينه،و معناه أنّه لو حلف يمينا على أنّه يفعل الشّيء أو لا يفعله جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه،

ص: 215

لعظم منزلته و إن أحقر عند النّاس،و قيل:لو دعاه لأجابه.

و في حديث زمزم:«احفر برّه»بفتح الموحّدة و تشديد المهملة،سمّاها بذلك لكثرة منافعها وسعة مائها.

و برّة،بالباء الموحّدة التّحتانيّة و الرّاء المهملة المشدّدة على ما صحّ من النّسخ:أحد أوصياء الأنبياء المتأخّرين عن نوح عليه السّلام.

و في الدّعاء:«أعوذ بكلمات اللّه التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ و لا فاجر»قرئت بالوجهين الفتح و الكسر.

و فيه:«اجعل قلبي بارّا»أي مطيعا محسنا،و اجعله خالصا في البرّ لا يخالطه إثم.

و البرّانيّة:الظّاهر،و الجوّانيّة:الباطن،و منه:

«خالطوهم-يعني أعداء الدّين-بالبرّانيّة و لا تخالطوهم بالجوّانيّة».

و البربر:جيل من النّاس،يقال:أوّل من سمّاهم بهذا الاسم أقريقيس الملك لمّا ملك بلادهم.

و قد جاء في الحديث:«الباه في أهل بربر».و نقل أنّ في الجزائر كثير منهم.

و البرير:ثمر الأراك،و منه:«ما لنا طعام إلاّ البرير».

و البريرة،بالباء الموحّدة و الياء المثنّاة من تحت، المتوسّطة بين الرّائين المهملتين،و في الآخر هاء:مملوكة كانت عند زوج لها يسمّى«مغيث»بضمّ الميم و الغين المعجمة و بعدها ياء مثنّاة ثمّ ثاء مثلّثة،فاشترتها عائشة و اعتقتها،فخيّرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن شاءت بقيت عنده و إن شاءت فارقته.(3:218)

مجمع اللّغة: برّ رحمه كضرب و نصر برّا و مبرّة:

وصله و أحسن معاملته.

و برّ الوالدين:التّوسّع في الإحسان إليهما.

البرّ:من أسماء اللّه تعالى،و معناه العطوف على عباده بلطفه،و بالإحسان إليهم.

و البرّ:ضدّ البحر.

و البرّ:الكثير الطّاعة،و جمعه:أبرار.

و البارّ:من يصدر عنه البرّ و الطّاعة،و جمعه:بررة.

و البرّ:كلمة جامعة لكلّ صفات الخير.(1:91)

محمّد إسماعيل إبراهيم: برّ والديه:وصلهما و أحسن معاملتهما،فهو برّ،و جمعه:أبرار،و بارّ،جمعه:

بررة،و هم المتوسّعون في الإحسان و البرّ.

و برّ قوله:صدق،و برّ خالقه،أطاعه،و برّت اليمين:

صدقت،و برّ اللّه الصّلاة:قبلها،فهي مبرورة.

و أبرّ القسم:أمضاه على الصّدق،و أبرّ:سافر في البرّ،و أبرّ القوم:كثروا،و أبرّ على القوم:غلبهم.

و البرّ:ضدّ البحر،و البرّ:اسم جامع لكلّ معاني الخير و الرّحمة،و البرّ:من أسماء اللّه الحسنى،و معناه الكثير الإحسان،الّذي يزيد فضله و خيره فوق ما يتصوّر الطّائعون و المحسنون.(1:64)

العدنانيّ:«التّبرير و التّسويغ».

و يخطّئون من يقول:الغاية تبرّر الواسطة،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:الغاية تسوّغ الواسطة،لأنّ المعجمات لا تذكر أنّ الفعل برّر،يعني سوّغ،ما عدا الوسيط الّذي قال:برّر عمله:زكّاه،و ذكر من الأسباب ما يبيحه،

ص: 216

«محدثة».

و لكن:جاء في الجزء الحادي عشر من البحوث و المحاضرات للدّورة الرّابعة و الثّلاثين لمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،عام 1967-1968:

اجتمعت لجنة الأصول خلال سنة(1967)و رأت ما يأتي:

في المعجم: برّ حجّه:قبل،و تضعيفه:برّره:جعله مقبولا.و من ثمّ ترى اللّجنة إجازة ما شاع من استعمال التّبرير في معنى التّسويغ،استنادا إلى قرار المجمع في قياسيّة تضعيف الفعل للتّكثير و المبالغة.(52)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه الكلمة هو حسن العمل في مقابل الغير،و هذا المعنى يختلف باختلاف الأشخاص و الموضوعات و الموارد.

فالبرّ من اللّه المتعال بالنّسبة إلى عبيده هو الإحسان إليهم و اللّطف،و التّجاوز عن خطيئاتهم.

و من العبد في مقابل الخالق المتعال هو الطّاعة و امتثال الأمر،و العمل بوظائف العبوديّة.

و من الوالد بالنّسبة إلى أولاده هو التّربية و التّأمين و القيام بأمورهم و حوائجهم.

و من الولد إلى الوالد هو الخدمة و الخضوع و الرّحمة.

و البرّ في الكلام هو الصّدق و قول الحقّ.

و في العبادة أن يأتي بها مقرونة بالشّرائط،و على ما يريده اللّه تعالى و يطلبه.

و من هذا الباب:البرّ في قطعات الأرض،فكلّ قطعة فيها اقتضاء للزّراعة و السّكنى و المعاش و تأمين الحياة،فهو برّ،فإنّه يبرّ على ساكنه و يسهّل معاشه و يقضي وطره،في مقابل البحر العميق الممتلئ ماء، المضطرب بالأمواج الهائلة فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ الإسراء:67، أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ النّور:40.

فالبرّ في الأصل:صفة مشبّهة على وزان«صعب»ثمّ جعل بكثرة الاستعمال اسما.

و من هذا الباب أيضا:البرّ،بمعنى الحنطة،فإنّها من بين الحبوبات ما يصلح للاغتذاء بأحسن ما يمكن، و يتغذّى منها السّالم و المريض و الصّغير و الكبير و الأبيض و الأسود و الشّريف و الوضيع،فهي مطبوعة في كلّ ذائقة دائما،فهي تبرّ على المتغذّي الآكل الجائع بأحسن كيفيّة مطلوبة.

و لا يبعد أن يكون أصل هذه الكلمة أيضا صفة مشبّهة كصلب،ثمّ جعل اسما.

و أمّا جملة«لا يعرف البرّ من الهرّ»فالهرّ بمعنى الكراهة،و هو في مقابل حسن العمل و الإحسان، و الجملة كناية عن فقدان قوّة التّمييز.(1:234)

النّصوص التّفسيريّة

تبرّوا

1- وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. البقرة:224

ابن عبّاس: أن لا تبرّوا.(تنوير المقباس:31)

هو أن يحلف الرّجل أن لا يكلّم قرابته و لا يتصدّق، أو يكون بينه و بين إنسان مغاضبة،فيحلف لا يصلح

ص: 217

بينهما،و يقول:قد حلفت،يكفّر عن يمينه.

(الطّبريّ 2:400)

نحوه النّخعيّ و الرّبيع.(الطّبريّ 2:401)

قتادة: يقول:لا تعتلّوا باللّه أن يقول أحدكم:إنّه تألّى أن لا يصل رحما،و لا يسعى في صلاح،و لا يتصدّق من ماله.مهلا مهلا،بارك اللّه فيكم،فإنّ هذا القرآن إنّما جاء بترك أمر الشّيطان،فلا تطيعوه،و لا تنفّذوا له أمرا في شيء من نذوركم و لا أيمانكم.(الطّبريّ 2:400)

السّدّيّ: و أمّا(تبرّوا)فالرّجل يحلف لا يبرّ ذا رحمه،فيقول:قد حلفت،فأمر اللّه أن لا يعرض بيمينه بينه و بين ذي رحمه،و ليبرّه و لا يبالي بيمينه.

(الطّبريّ 2:401)

الطّبريّ: اختلف في تأويل«البرّ»الّذي عناه اللّه تعالى ذكره،فقال بعضهم:هو فعل الخير كلّه.و قال آخرون:هو البرّ بذي رحمه،و قد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى.

و أولى ذلك بالصّواب قول من قال:عنى به فعل الخير كلّه،و ذلك أنّ أفعال الخير كلّها من البرّ،و لم يخصّص اللّه في قوله:(ان تبرّوا)معنى دون معنى من معاني البرّ،فهو على عمومه،و البرّ بذوي القرابة أحد معاني البرّ.(3:403)

الزّجّاج: موضع(ان)نصب بمعنى«عرضة»المعنى لا تعرضوا باليمين باللّه في أن تبرّوا،فلمّا سقطت«في» أفضى لمعنى الاعتراض،فنصب(ان).

و قال غير واحد من النّحويّين: إنّ موضعها جائز أن يكون خفضا و إن سقطت«في»لأنّ(ان)الحذف معها مستعمل،تقول:جئت لأن تضرب زيدا،و جئت أن تضرب زيدا،فحذفت اللاّم مع«أن».و لو قلت:جئت ضرب زيد،تريد لضرب زيد،لم يجز،كما جاز مع«أن» لأنّ«أن»إذا وصلت دلّ ما بعدها على الاستقبال.

و المعنى كما تقول:جئتك أن ضربت زيدا،و جئتك أن تضرب زيدا،فلذلك جاز حذف اللاّم.و إذا قلت:

جئتك ضرب زيد،لم يدلّ الضّرب على معنى الاستقبال.

و النّصب في(ان)في هذا الموضع هو الاختيار عند جميع النّحويّين.

و معنى الآية أنّهم كانوا يعتلّون في البرّ بأنّهم حلفوا، فأعلم اللّه أنّ الإثم إنّما هو في الإقامة على ترك البرّ و التّقوى،و أنّ اليمين إذا كفّرت فالذّنب فيها مغفور.

(1:298)

الماورديّ: و في قوله:(ان تبرّوا)قولان:

أحدهما:أن تبرّوا في أيمانكم،و الثّاني:أن تبرّوا في أرحامكم.(1:286)

الطّوسيّ: و قوله:(ان تبرّوا)قيل:في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها:(ان تبرّوا)لأن تبرّوا،على معنى الإثبات.

الثّاني:أن يكون على معنى لدفع(ان تبرّوا)أو لترك (ان تبرّوا)في قول أبي العبّاس.

الثّالث:على تقدير:ألاّ تبرّوا،و حذفت«لا»لأنّه في معنى القسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و أنكر أبو العبّاس هذا،لأنّه لمّا كان معه(ان)،بطل أن يكون جوابا للقسم،و إنّما يجوز:و اللّه أقم في القسم،

ص: 218

بمعنى لا أقوم،لأنّه لو كان إثباتا،لقال:لأقومنّ،باللاّم و النّون،و المعنى في قول أبي العبّاس،و أبي عبيد واحد، و التّقدير مختلف،فحمله أبو العبّاس على ما له نظير من حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،و أنكر قياسه على ما يشبهه.

و في موضع(ان تبرّوا)ثلاثة أقوال:

قال الخليل و الكسائيّ:موضعه الخفض بحذف اللاّم مع«أن»خاصّة.

الثّاني:قال سيبويه،و أكثر النّحويّين:إنّ موضعه النّصب،لأنّه لمّا حذف المضاف وصل الفعل،و هو القياس.

الثّالث:قال قوم:موضعه الرّفع على أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ أولى،و حذف،لأنّه معلوم المعنى،أجاز ذلك الزّجّاج.

و إنّما حذف اللاّم جاز مع«أن»و لم يجز مع المصدر، لأنّ«أن»يصلح معها الماضي و المستقبل،نحو قولك:

جئتك أن ضربت زيدا،و جئتك أن تضرب زيدا، و المصدر ليس كذلك،كقولك:جئتك لضرب زيد.

فمعنى ذلك:أنّه لمّا وصل بالفعل،احتمل الحذف كما يحتمل«الّذي»و إذا وصل بالفعل من حذف ضمير المفعول ما لا يحتمله الألف و اللاّم إذا وصل بالاسم نحو الّذي ضربت زيد،يريد ضربته.فأمّا الضّاربه أنا زيد، فلا يحسن إلاّ بالهاء،و ذلك لأنّ الفعل أثقل،فهو بالحذف أولى.

و يجوز أن يكون لمّا صلح للأمرين-كثير في الاستعمال-فكان بالحذف أولى ممّا قلّ منه.

و قال الزّجّاج: إنّما جاز حذف اللاّم مع«أن»و لم يجز مع المصدر،لأنّ«أن»إذا وصلت،دلّ لما بعدها على الاستقبال،و المعنى تقول:جئتك أن ضربت زيدا، و جئتك أن تضرب زيدا،فلذلك جاز حذف اللاّم،فإذا قلت:جئتك ضرب زيد،لم يدلّ الضّرب على معنى الاستقبال.(2:226)

نحوه الطّبرسيّ.(1:321)

الزّمخشريّ: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا عطف بيان(لايمانكم)أي للأمور المحلوف عليها الّتي هي البرّ و التّقوى و الإصلاح بين النّاس.

فإن قلت:بم تعلّقت اللاّم في(لايمانكم)؟

قلت:بالفعل،أي و لا تجعلوا اللّه لأيمانكم برزخا و حجازا.

و يجوز أن يتعلّق ب(عرضة)لما فيها من معنى الاعتراض،بمعنى لا تجعلوا شيئا يعترض البرّ،من:

اعترضني كذا.

و يجوز أن يكون اللاّم للتّعليل،و يتعلّق(ان تبرّوا) بالفعل أو بالعرضة،أي و لا تجعلوا اللّه لأجل أيمانكم به عرضة(ان تبرّوا)و معناها على الأخرى،و لا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم،فتبذلوه بكثرة الحلف به،و لذلك ذمّ من أنزل فيه وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ القلم:10، بأشنع المذامّ،و جعل الحلاّف مقدّمتها،و(ان تبرّوا)علّة للنّهي،أي إرادة أن تبرّوا و تتّقوا و تصلحوا،لأنّ الحلاّف مجترئ على اللّه غير معظّم له،فلا يكون برّا متّقيا، و لا يثق به النّاس،فلا يدخلونه في وساطتهم،و إصلاح ذات بينهم.(1:362)

ص: 219

نحوه البيضاويّ.(1:118)

ابن عطيّة: و(ان تبرّوا)مفعول من أجله،و البرّ:

جميع وجوه الخير.برّ الرّجل،إذا تعلّق به حكمها و نسبها كالحاجّ و المجاهد و العالم و غير ذلك.و هو مضادّ للإثم؛إذ هو الحكم اللاّحق عن المعاصي.(1:300)

الطّبرسيّ:و قوله:(ان تبرّوا)قيل:في معناه أقوال:

الأوّل:ل(ان تبرّوا)على معنى الإثبات،أي لأن تكونوا بررة أتقياء،فإنّ من قلّت يمينه كان أقرب إلى البرّ ممّن كثرت يمينه.و قيل:ل(ان تبرّوا)في اليمين.

و الثّاني:أنّ المعنى لدفع(ان تبرّوا)أو لترك(ان تبرّوا)فحذف المضاف،عن المبرّد.

و الثّالث:أنّ معناه«أن لا تبرّوا»فحذف«لا»عن أبي عبيدة.قال:و قد حذف«لا»لأنّه في معنى القسم، كقول امرئ القيس:

*فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا*

أي لا أبرح.(1:322)

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله تعالى بعد ذلك:(ان تبرّوا)فهو علّة لهذا النّهي،فقوله:(ان تبرّوا)أي إرادة أن تبرّوا،و المعنى إنّما نهيتكم عن هذا لما أن توقّي ذلك من البرّ و التّقوى و الإصلاح،فتكونون يا معاشر المؤمنين بررة أتقياء،مصلحين في الأرض غير مفسدين.

فإن قيل:و كيف يلزم من ترك الحلف حصول البرّ و التّقوى و الإصلاح بين النّاس؟

قلنا:لأنّ من ترك الحلف لاعتقاده أنّ اللّه تعالى أجلّ و أعظم أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدّنيا، و خسائس مطالب الحلف،فلا شكّ أنّ هذا من أعظم أبواب البرّ.(6:80)

نحوه الصّابونيّ.(1:309)

القرطبيّ: معناه أقلّوا الأيمان لما فيه من البرّ و التّقوى،فإنّ الإكثار يكون معه الحنث و قلّة رعي لحقّ اللّه تعالى،و هذا تأويل حسن.(3:97)

أبو حيّان: قال الزّجّاج و تبعه التّبريزيّ:(ان تبرّوا)في موضع رفع بالابتداء،قال الزّجّاج:و المعنى برّكم و تقواكم و إصلاحكم أمثل و أولى،و جعل الكلام منتهيا عند قوله:(لايمانكم).

و معنى الجملة الّتي فيها النّهي عنده أنّها في الرّجل إذا طلب منه فعل خير و نحوه اعتلّ باللّه،فقال:على يمين، و هو لم يحلف.و قدّر التّبريزيّ خبر المبتدإ المحذوف بأنّ المعنى:أن تبرّوا و تتّقوا و تصلحوا بين النّاس خير لكم من أن تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم.

و هذا الّذي ذهب إليه الزّجّاج و التّبريزيّ ضعيف، لأنّ فيه اقتطاع(ان تبرّوا)ممّا قبله،و الظّلم هو اتّصاله به،و لأنّ فيه حذفا لا دليل عليه.

و قال الزّمخشريّ: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا عطف بيان(لايمانكم)أي للأمور المحلوف عليها الّتي هي البرّ و التّقوى و الإصلاح بين النّاس،انتهى كلامه.

و هو ضعيف لأنّ فيه مخالفة للظّاهر،لأنّ الظّاهر من الأيمان هي الأقسام،و البرّ و التّقوى و الإصلاح هي المقسم عليها،فهما متباينان،فلا يجوز أن يكون عطف بيان على«الأيمان»لكنّه لمّا تأوّل«الأيمان»على أنّها المحلوف عليها ساغ له ذلك.

ص: 220

و قد بيّنّا أنّه لا حاجة تدعونا إلى تأويل«الأيمان» بالأشياء المحلوف عليها،و على مذهبه تكون(ان تبرّوا) في موضع جرّ،و لو ادّعى أن يكون(ان تبرّوا)و ما بعده بدلا من(ايمانكم)لكان أولى،لأنّ عطف البيان أكثر ما يكون في الأعلام.

و ذهب الجمهور إلى أنّ قوله: (ان تبرّوا)مفعول من أجله،ثمّ اختلفوا في التّقدير،فقيل:كراهة أن تبرّوا، قاله المهدويّ،أو لترك أن تبرّوا،قاله المبرّد.و قيل:لأن لا تبرّوا و لا تتّقوا و لا تصلحوا.

قال أبو عبيدة و الطّبريّ كقوله:

*فحالف فلا و اللّه تهبط تلعة*

أي لا تهبط.و قيل:ارادة أن تبرّوا،و التّقادير الأول متلاقية من حيث المعنى.و روي هذا المعنى عن ابن عبّاس،و مجاهد،و عطاء،و ابن جريج،و إبراهيم، و قتادة،و الضّحّاك،و السّدّيّ،و مقاتل،و الفرّاء،و ابن قتيبة،و الزّجّاج في آخر من روي عنهم أنّ المعنى:

لا تحلفوا باللّه أن لا تبرّوا،فيتعلّق بقوله:(و لا تجعلوا).

و لا يظهر هذا المعنى لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البرّ بل وقوع الحلف معلّل بانتفاء البرّ،و لا ينعقد منه شرط و جزاء لو قلت:في معنى هذا النّهي.

و علّته إن حلفت باللّه بررت،لم يصحّ،و ذلك كما تقول:لا تضرب زيدا لئلاّ يؤذيك،فانتفت الأذية للامتناع من الضّرب،و المعنى إن لم تضربه لم يؤذك و إن ضربته آذاك،فلا يترتّب على الامتناع من الحلف انتفاء البرّ و لا على وجوده،بل يترتّب على الامتناع من الحلف وجود البرّ،و على وقوع الحلف انتفاء البرّ.

و هذا الّذي ذكرناه يؤيّد القول بأنّ التّقدير:إرادة أن تبرّوا،لأنّه يعلّل الامتناع من الحلف بإرادة وجود البرّ، و يتعلّق منه الشّرط و الجزاء،تقول:إن حلفت لم تبرّ و إن لم تحلف بررت.

و أمّا معنى التّقوى فظاهر،لأنّه اتّقى أن يصدر منه ما يخلّ بتعظيم اللّه تعالى.

و أمّا الإصلاح بين النّاس فلأنّ النّاس متى اعتقدوا فيه كونه معظّما للّه تعالى إلى هذا الحدّ،محترزا عن الإخلال بواجب حقّه اعتقدوا فيه كونه معظّما للّه و كونه صادقا،بعيدا من الأغراض الفاسدة،فيتقبّلون قوله؛ فيحصل الصّلح بتوسّطه،انتهى هذا الكلام.

و في«المنتخب»و هو بسط ما قاله الزّمخشريّ،قال:

و معناها على الأخرى يزيد على أن يكون(عرضة)بمعنى معرضا للأمر.قال:لا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم فتتبذّلوه بكثرة الحلف به،و لذلك ذمّ من أنزل فيه وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ القلم:10،بأشنع المذامّ، و جعل الحلاّف مقدّمتها،و(ان تبرّوا)علّة للنّهي،أي إرادة أن تبرّوا و تتّقوا و تصلحوا،لأنّ الحلاّف مجترئ على اللّه غير معظّم له،فلا يكون برّا متّقيا،و لا يتّق به النّاس،فلا يدخلونه في وساطتهم و إصلاح ذات بينهم.

و قيل:المعنى و لا تحلفوا باللّه كاذبين لتبرّوا المحلوف لهم،و تتّقوهم و تصلحوا بينهم بالكذب،روي هذا المعنى عن ابن عبّاس،فقيّد المعلول بالكذب،و قيّد العلّة بالنّاس،و الإصلاح بالكذب،و هو خلاف الظّاهر.

و قال الزّمخشريّ: و يتعلّق(ان تبرّوا)بالفعل و بالعرضة،أي و لا تجعلوا اللّه لأجل أيمانكم به عرضة،

ص: 221

لأن تبرّوا،انتهى.

و لا يصحّ هذا التّقدير،لأنّ فيه فصلا بين العامل و المعمول بأجنبيّ،لأنّه علّق(لايمانكم)ب(تجعلوا) و علّق ل(ان تبرّوا)ب(عرضة)فقد فصل بين(عرضة) و بين ل(ان تبرّوا)بقوله:(لايمانكم)و هو أجنبيّ منهما، لأنّه معمول عنده ل(تجعلوا)و ذلك لا يجوز.

و نظير ما أجازه أن تقول:امرر و اضرب بزيد هندا، فهذا لا يجوز،و نصّوا على أنّه لا يجوز:جاءني رجل ذو فرس راكب أبلق،لما فيه من الفصل بالأجنبيّ.

و الّذي يظهر لي أنّ(ان تبرّوا)في موضع نصب على إسقاط الخافض،و العمل فيه قوله:(لايمانكم)التّقدير:

لأقسامكم على(ان تبرّوا)فنهوا عن ابتذال اسم اللّه تعالى،و جعله معرضا لأقسامهم على البرّ و التّقوى و الإصلاح اللاّتي هنّ أوصاف جميلة،لما نخاف في ذلك من الحنث،فكيف إذا كانت أقساما على ما تنافي البرّ و التّقوى و الإصلاح؛و على هذا يكون الكلام منتظما واقعا كلّ لفظ منه مكانه الّذي يليق به.

فصار في موضع(ان تبرّوا)ثلاثة أقوال:الرّفع على الابتداء،و الخلاف في تقدير الجرّ،و الجرّ على وجهين:

عطف البيان و البدل،و النّصب على وجهين:إمّا على المفعول من أجله على الاختلاف في تقديره،و إمّا على أن يكون معمولا(لايمانكم)على إسقاط الخافض.

(2:177)

شبّر: علّة للنّهي،أي أنهاكم عنه إرادة برّكم و تقواكم و إصلاحكم.(1:225)

الآلوسيّ: قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ عطف بيان(لايمانكم)و هو في غير الأعلام كثير و فيها أكثر.و قيل:بدل،و ضعّف بأنّ المبدل منه لا يكون مقصودا بالنّسبة بل تمهيد و توطئة للبدل،و هاهنا ليس كذلك،و«اللاّم»صلة(عرضة) و فيها معنى الاعتراض،أو ب(تجعلوا)و الأوّل أولى و إن كان المآل واحدا.

و جوّز أن تكون الأيمان على حقيقتها و«اللاّم» للتّعليل و(ان تبرّوا)في تقدير«لأن»و يكون صلة للفعل أو ل(عرضة)،و المعنى:لا تجعلوا اللّه تعالى حاجزا لأجل حلفكم به عن البرّ و التّقوى و الإصلاح.

و على الثّاني:و لا تجعلوا اللّه نصبا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به في كلّ حقّ و باطل،لأنّ في ذلك نوع جرأة على اللّه تعالى،و هو التّفسير المأثور عن عائشة، و به قال الجبّائيّ و أبو مسلم،و روته الإماميّة عن الأئمّة الطّاهرين.

و يكون(ان تبرّوا)علّة للنّهي على معنى أنهاكم عنه طلب برّكم و تقواكم و إصلاحكم؛إذ الحلاّف مجترئ على اللّه تعالى،و المجترئ عليه بمعزل عن الاتّصاف بتلك الصّفات،و يؤوّل إلى:لا تكثروا الحلف باللّه تعالى لتكونوا بارّين متّقين،و يعتمد عليكم النّاس فتصلحوا بينهم.

و تقدير الطّلب و نحوه لازم إن كان(ان تبرّوا)في موضع النّصب،ليتحقّق شرط حذف اللاّم و هو المقارنة،لأنّ المقارنة للنّهي ليس هو البرّ و التّقوى و الإصلاح بل طلبها.

و إن كان في موضع الجرّ،بناء على أن حذف حرف

ص: 222

الجرّ من«أن»و«إن»قياسيّ فليس بلازم،و إنّما قدّروه لتوضيح المعنى،و المراد به طلب اللّه تعالى لا طلب العبد، و إن أريد ذلك كان علّة للكفّ المستفاد من النّهي،كأنّه قيل:كفّوا أنفسكم من جعله سبحانه عرضة،و طلب العبد صالح للكفّ.(2:127)

رشيد رضا: قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا على الوجه الأوّل:بيان للأيمان،لأنّها بمعنى المحلوف عليه،أي لا تجعلوه مانعا لما حلفتم على تركه من البرّ و التّقوى و الإصلاح بين النّاس،بل إذا حلف أحدكم على ترك البرّ أو التّقوى أو الإصلاح،فليكفّر عن يمينه، و ليفعل البرّ و التّقوى و الإصلاح،فلا عذر لأحد في ترك ذلك،و لا يرضى اللّه تعالى أن يكون اسمه مانعا منه.

و أمّا على الوجه الثّاني:فهو لتعليل النّهي،أي لا تجعلوه تعالى معرضا لأيمانكم،لأجل البرّ و التّقوى و الإصلاح،فإنّ كثير الحلف لا يكون أهلا لذلك،لما تقدّم من كونه يكون مهينا،غير معظّم للّه تعالى،و عرضة للكذب و الحنث،و غير موثوق بقوله،فأنّى يرضاه النّاس مصلحا بينهم؟و المصلح مربّ و مؤدّب،و حاكم مطاع بالاختيار.(2:366)

الطّباطبائيّ: (ان تبرّوا)بتقدير«لا»أي أن لا تبرّوا،و هو شائع مع«أن»المصدريّة،كقوله تعالى:

يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:176،أي أن لا تضلّوا،أو كراهة أن تضلّوا.

و يمكن أن لا يكون بتقدير«لا»و قوله تعالى:(ان تبرّوا)متعلّقا بما يدلّ عليه قوله تعالى:(و لا تجعلوا)من النّهي،أي ينهاكم اللّه عن الحلف الكذائيّ،أو يبيّن لكم حكمه الكذائيّ أن تبرّوا و تتّقوا و تصلحوا بين النّاس.

و يمكن أن يكون«العرضة»بمعنى ما يكثر عليه العرض،فيكون نهيا عن الإكثار من الحلف باللّه سبحانه.

و المعنى لا تكثروا من الحلف باللّه فإنّكم إن فعلتم ذلك أدّاكم إلى أن لا تبرّوا و لا تتّقوا،و لا تصلحوا بين النّاس فإنّ الحلاّف المكثر من اليمين لا يستعظم ما حلف به،و يصغّر أمر ما أقسم به لكثرة تناوله،فلا يبالي الكذب،فيكثر منه هذا عند نفسه،و كذا يهون خطبه و ينزل قدره عند النّاس،لاستشعارهم أنّه لا يرى لنفسه عند النّاس قدم صدق،و يعتقد أنّهم لا يصدّقونه فيما يقول،و لا أنّه يوقّر نفسه بالاعتماد عليها،فيكون على حدّ قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ القلم:

10.

و الأنسب على هذا المعنى أيضا عدم تقدير«لا»في الكلام،بل قوله تعالى:(ان تبرّوا)منصوب بنزع الخافض،أو مفعول له لما يدلّ عليه النّهي في قوله:

(و لا تجعلوا)كما مرّ.

و في قوله تعالى: وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ نوع تهديد على جميع المعاني،غير أنّ المعنى الأوّل أظهرها،كما لا يخفى.

(2:222)

ان تبرّوهم

لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. الممتحنة:8

الزّجّاج: (ان)في موضع جرّ بدل من(الّذين)المعنى

ص: 223

لا ينهاكم أن تبرّوا الّذين لم يقاتلوكم في الدّين،و هذا يدلّ على أنّ المعنى:لا ينهاكم اللّه عن برّ الّذين بينكم و بينهم عهد و دليل.(5:157)

نحوه الطّوسيّ(9:582)،و ابن عطيّة(5:297)، و الطّبرسيّ(5:272)،و الفخر الرّازيّ(29:304)، و القرطبيّ(18:59)،و البيضاويّ(2:471)، و النّيسابوريّ(28:40)،و أبو حيّان(8:255)، و أبو السّعود(6:237)،و الآلوسيّ(28:74)، و الطّباطبائيّ(19:234).

الواحديّ: أي لا ينهاكم اللّه عن برّ الّذين لم يقاتلوكم،و هذا يدلّ على جواز البرّ بين المسلمين و المشركين و إن كانت الموالاة منقطعة.(4:285)

الزّمخشريّ: بدل من اَلَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ و كذلك أن تولّوهم من الّذين قاتلوكم،و المعنى:

لا ينهاكم عن مبرّة هؤلاء،و إنّما ينهاكم عن تولّي هؤلاء، و هذا أيضا رحمة لهم لتشدّدهم و جدّهم في العداوة، متقدّمة لرحمته بتيسير إسلام قومهم؛حيث رخّص لهم في صلة من لم يجاهر منهم بقتال المؤمنين،و إخراجهم من ديارهم.(4:91)

الشّربينيّ: بنوع من أنواع البرّ الظّاهرة،فإنّ ذلك غير صريح في قصد المودّة.(4:265)

البروسويّ: بدل من الموصول بدل الاشتمال،لأنّ بينهم و بين البرّ ملابسة بغير الكلّيّة و الجزئيّة،فكان المنهيّ عنه برّهم بالقول و حسن المعاشرة و الصّلة بالمال لا أنفسهم.(9:480)

المراغيّ: أي تفعلوا البرّ و الخير لهم.(28:68)

البرّ

إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.

الطّور:28

ابن عبّاس: الصّادق في قوله فيما وعد لنا.

(تنوير المقباس:444)

مثله الضّحّاك.(البغويّ 4:294)

يقول:اللّطيف.(الطّبريّ 27:30)

ابن جريج: أنّ(البرّ)الصّادق.

(الماورديّ 5:383)

ابن بحر: أنّه فاعل البرّ المعروف به.

(الماورديّ 5:383)

الطّوسيّ: أصل الباب:اللّطف مع عظم الشّأن، و منه البرّ للطفها مع عظم النّفع بها،و منه البرّ لأنّه لطف النّفع به مع عظم الشّأن،و منه البرّيّة للطف مسالكها مع عظم شأنها.

و البرّ بالكسر:الفأرة،و البرّ:برّ الوالدين.

(9:411)

نحوه الطّبرسيّ.(5:165)

الخازن: قيل:(البرّ)العطوف على عباده،الحسن إليهم،الّذي عمّ برّه جميع خلقه.(6:209)

أبو حيّان: أنّه هو البرّ المحسن الرّحيم الكثير الرّحمة،إذا عبد أثاب،و إذا سئل أجاب،أو ندعوه من الدّعاء.(8:150)

الشّربينيّ: أي الواسع الجود،الّذي عطاؤه حكمة و منعه رحمة،لأنّه لا ينقصه إعطاء و لا يزيده منع،فهو يبرّ عبده المؤمن بما يوافق نفسه،فربّما برّه بالنّعمة و ربّما

ص: 224

برّه بالبؤس،فهو يختار له من الأحوال ما هو خير له، ليوسع له البرّ في العقبى،فعلى المؤمن أن لا يتّهم ربّه في شيء من قضائه.(4:116)

البروسويّ: [نقل كلام أبي حيّان و الرّاغب و أضاف:]

في شرح الأسماء:من عرف أنّه هو البرّ الرّحيم رجع إليه بالرّغبة في كلّ حقير و عظيم،فكفاه ما أهمّه ببرّه و رحمته.

و قد قال في حكم ابن عطاء:متى أعطاك أشهدك برّه و إحسانه و فضله،و متى منعك أشهدك قهره و جلاله و عظمته،فهو في كلّ ذلك متعرّف إليك تارة بجماله و أخرى بجلاله،و مقبل بوجود لطفه عليك؛إذ وجّه لك ما يوجب توجّهك إليه.

و لكن إنّما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن اللّه فيه؛إذ لو فهمت عنه كنت تشكره على ما واجهك منه.

فقد قال أبو عثمان المغربيّ:الخلق كلّهم مع اللّه في مقام الشّكر،و هم يظنّون أنّهم في مقام الصّبر.و قال إبراهيم الخواصّ:لا يصحّ الفقر للفقير حتّى يكون فيه خصلتان:

إحداهما الثّقة باللّه،و الثّانية الشّكر له فيما زوي عنه من الدّنيا ممّا ابتلي به غيره و لا يكمل الفقير حتّى يكون نظر اللّه له في المنع أفضل من نظره له في العطاء،و علامة صدقه في ذلك أن يجد للمنع من الحلاوة ما لا يجد للعطاء، و التّقرّب باسم البرّ تعلّقا وجود محبّته لإحسانه و ترك التّدبير معه لما توجّه من إكرامه و كثرة الدّعاء،كما قال:

إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ و تخلّقا بالنّفع لعباد اللّه و الشّفقة عليهم،فإنّ البرّ هو الّذي لا يؤذي الذّرّ.

و في«التّأويلات النّجميّة»:و أقبل بعضهم-يعني القلب و الرّوح-على بعض-يعني النّفس-يتساءلون، قالوا:إنّا كنّا قبل-أي قبل السّير و السّلوك-في أهلنا- أي في عالم الإنسانيّة-مشفقين،أي خائفين من سموم الصّفات البهيميّة و السّبعيّة و الشّيطانيّة و الشّهوات الدّنيويّة،فإنّها مهبّ سموم قهر الحقّ،فمنّ اللّه علينا و وقانا عذاب السّموم،أي سموم قهره.

و لو لا فضله ما تخلّصنا منه بجهدنا و سعينا،بل إنّا كنّا من قبل ندعوه و نتضرّع إليه بتوفيقه في طلب النّجاة، و تحصيل الدّرجات،إنّه هو(البرّ)بمن يدعوه(الرّحيم) بمن ينيب إليه.(9:197)

الآلوسيّ: (انّه هو البرّ)أي المحسن،كما يدلّ عليه اشتقاقه من«البرّ»بسائر موادّه،لأنّها ترجع إلى الإحسان:كبرّ في يمينه،أي صدق،لأنّ الصّدق إحسان في ذاته،و يلزمه الإحسان للغير،و أبرّ اللّه تعالى حجّه، أي قبله،لأنّ القبول إحسان و زيادة.و أبرّ فلان على أصحابه،أي علاهم،لأنّه غالبا ينشأ عن الإحسان لهم، فتفسيره باللّطيف-كما روي عن ابن عبّاس-أو العالي في صفاته،أو خالق البرّ،أو الصّادق فيما وعد أولياءه- كما روي عن ابن جريج-بعيد.إلاّ أن يراد بعض ما صدقات،أو غايات ذلك البرّ؟(27:35)

المراغيّ: أي إنّا كنّا نعبده و نسأله أن يمنّ علينا بالمغفرة و الرّحمة،فاستجاب دعاءنا و أعطانا سؤلنا،لأنّه هو المحسن الواسع الرّحمة و الفضل.

و كلّ من المؤمن و الكافر لا ينسى ما كان له في الدّنيا،

ص: 225

و تزداد لذّة المؤمن إذا رأى نفسه قد انتقلت من سجن الدّنيا إلى نعيم الجنّة،و من الضّيق إلى السّعة،و تزداد آلام الكافر إذا رأى نفسه انتقل من التّرف إلى التّلف، و من النّعيم إلى الجحيم.(27:28)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ... تعليل لقوله: فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْنا الطّور:

27،كما أنّ قوله: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ تعليل له.

و تفيد هذه الآية مع الآيتين قبلها أنّ هؤلاء كانوا في الدّنيا يدعون اللّه بتوحيده للعبادة و التّسليم لأمره، و كانوا مشفقين في أهلهم يقرّبونهم من الحقّ و يجنّبونهم الباطل،فكان ذلك سببا لمنّ اللّه عليهم بالجنّة،و وقايتهم من عذاب السّموم.و إنّما كان ذلك سببا لذلك،لأنّه تعالى برّ رحيم،فيحسن لمن دعاه و يرحمه.

فالآيات الثّلاث في معنى قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ العصر:2،3.

و(البرّ)من أسماء اللّه تعالى الحسنى و هو من(البرّ) بمعنى الإحسان،و فسّره بعضهم باللّطيف.(19:15)

برّا

1- وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا. مريم:14

ابن عبّاس: لطيفا بوالديه.

(تنوير المقباس:254)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و كان برّا بوالديه، مسارعا في طاعتهما و محبّتهما،غير عاقّ بهما.

(16:58)

الزّجّاج:أي و جعلناه برّا بوالديه.(3:322)

الطّوسيّ: أي كان بارّا محسنا إلى والديه.

(7:112)

الميبديّ: و البرّ:الحبّ،و قيل:الإسراع إلى الطّاعة،و المبالغة في الخدمة.(6:14)

ابن عطيّة: البرّ:الكثير البرّ.(4:8)

أبو الفتوح: كان بارّا إلى والديه،و البرّ و البارّ واحد.(13:63)

الطّبرسيّ: أي بارّا بوالديه،محسنا إليهما،مطيعا لهما،لطيفا بهما،طالبا مرضاتهما.(3:506)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ و ذلك لأنّه لا عبادة بعد تعظيم اللّه تعالى مثل تعظيم الوالدين، و لهذا السّبب قال: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الإسراء:23.(21:193)

القرطبيّ:البرّ بمعنى البارّ،و هو الكثير البرّ.

(11:88)

البروسويّ: عطف على(تقيّا)أي بارّا بهما،لطيفا بهما،محسنا إليهما.(5:319)

الآلوسيّ: وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ كثير البرّ بهما، و الإحسان إليهما.و الظّاهر أنّه عطف على خبر«كان».

و قيل:هو من باب علّفتها تبنا و ماء باردا،و المراد و جعلناه برّا،و هو يناسب نظيره حكاية عن عيسى عليه السّلام.

و قرأ الحسن و أبو جعفر في رواية،و ابن نهيك و أبو مجلز (و برّا) في الموضعين بكسر الباء،أي ذا برّ.(16:73)

المراغيّ: أي كثير البرّ بهما،و الإحسان إليهما،

ص: 226

و الحدب عليهما،بعيدا عن عقوقهما قولا و فعلا.

و قد جعل اللّه طاعة الوالدين في المرتبة الّتي تلي مرتبة طاعته،فقال: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الإسراء:23.(16:39)

الطّباطبائيّ: و البرّ بفتح الباء:صفة مشبّهة من البرّ بكسر الباء،و هو الإحسان.(14:20)

محمّد جواد مغنيّة: و البرّ بالوالدين:ضدّ العقوق.(5:172)

عبد المنعم الجمّال: جمّله اللّه تعالى ببرّ والديه و الإحسان إليهما.و لم يكن عاقّا قاسيا متعاليا،مخالفا لأمر ربّه،بل كان متواضعا بارّا مطيعا.(3:1836)

2- وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا.

مريم:32

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث تعداد الكبائر]

و منها:عقوق الوالدين،لأنّ اللّه عزّ و جلّ جعل العاقّ جبّارا شقيّا،في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا.

(العروسيّ 3:335)

و برّ الوالدين:و ضدّه العقوق.(العروسيّ 3:335)

ما يمنع الرّجل أن يبرّ والديه حيّين أو ميّتين،يصلّي عنهما،و يتصدّق عنهما،و يحجّ عنهما،و يصوم عنهما، فيكون الّذي صنع لهما و له مثل ذلك،فيزيده اللّه جلّ و عزّ برّه وصلته كثيرا.(العروسيّ 3:335)

برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم،و عفّوا عن نساء النّاس تعفّ نساؤكم.(العروسيّ 3:335)

الفرّاء: و قوله: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي نصبته على:

وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا و جعلني برّا،متبع للنّبيّ،كقوله:

وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:12،ثمّ قال: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها الدّهر:14،(دانية) مردودة على مُتَّكِئِينَ فِيها الدّهر:13،كما أنّ«البرّ» مردودة على قوله:(نبيّا)مريم:30.(2:167)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره،مخبرا عن قيل عيسى للقوم:و جعلني مباركا و برّا،أي جعلني برّا بوالدتي.

و البرّ هو البارّ،يقال:هو برّ بوالده،و بارّ به،و بفتح الباء قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار.

و عن أبي نهيك أنّه قرأ (و برّا (1)بوالدتى) من قول عيسى عليه السّلام،قال أبو نهيك:أوصاني بالصّلاة و الزّكاة و البرّ بالوالدين،كما أوصاني بذلك.

فكأنّ أبا نهيك وجّه تأويل الكلام إلى قوله: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي هو من خبر عيسى عن وصيّة اللّه إيّاه به،كما أنّ قوله: وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ مريم:31،من خبره عن وصيّة اللّه إيّاه بذلك.

فعلى هذا القول يجب أن يكون نصب«البرّ»بمعنى عمل الوصيّة فيه،لأنّ الصّلاة و الزّكاة و إن كانتا مخفوضتين في اللّفظ فإنّهما بمعنى النّصب،من أجل أنّه مفعول بهما.(16:81)

الزّجّاج: (برّا)عطف على(مباركا)،المعنى و جعلني مباركا و برّا بوالدتي.(3:329)).

ص: 227


1- الظّاهر(و برّا بوالدتي)بكسر الباء،كما ذكره ابن عطيّة (4:15)،و الآلوسيّ(16:73).

الماورديّ:يحتمل وجهين:

أحدهما:بما برّأها به من الفاحشة.

الثّاني:بما تكفّل لها من الخدمة.(3:371)

الميبديّ: معنى(البرّ)الطّاعة في هذه الآية،أي جعلني مطيعا لأمّي،كما قال يحيى: وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ مريم:14،أي مطيعا لوالديه.

و قال في موضع آخر: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى المائدة:2،أي على الطّاعة و التّقوى.

كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:16،أي مطيعين.

إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ المطفّفين:18،أي كتاب المطيعين لَفِي عِلِّيِّينَ.

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ المطفّفين:22،أي إنّ المطيعين للّه لفي نعيم.

أمّا قوله: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا البقرة:224،فيريد به صلة الرّحم،كما قال في سورة الامتحان: أَنْ تَبَرُّوهُمْ الممتحنة:8،أي تصلوهم.(6:37)

ابن عطيّة: و قرأ الجمهور (وَ بَرًّا) بفتح الباء،و هو الكثير البرّ،و نصبه على قوله: (مُبارَكاً) .

و قرأ أبو نهيك و أبو مجلز و جماعة (برّا) بكسر الباء، فقال بعضها:نصبه على العطف على قوله: مُبارَكاً فكأنّه قال:و ذا برّ،فاتّصف بالمصدر كعدل و نحوه،و قال بعضها:نصبه بقوله:(و اوصانى)أي و أوصاني برّا بوالدتي،حذف الجارّ،كأنّه يريد و أوصاني ببرّ والدتي.

و حكى الزّهراويّ هذه القراءة (و برّ) بالخفض عطفا على(الزكاة)،و قوله: (بِوالِدَتِي) بيان لأنّه لا والد له، و بهذا القول برّأها قومها.(4:15)

الفخر الرّازيّ: الصّفة السّادسة (1):قوله تعالى:

وَ بَرًّا بِوالِدَتِي أي جعلني برّا بوالدتي.و هذا يدلّ على قولنا:إنّ فعل العبد مخلوق للّه تعالى،لأنّ الآية تدلّ على أنّ كونه برّا إنّما حصل بجعل اللّه و خلقه،و حمله على الألطاف عدول عن الظّاهر،ثمّ قوله: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي إشارة إلى تنزيه أمّه عن الزّنى؛إذ لو كانت زانية لما كان الرّسول المعصوم مأمورا بتعظيمها.

قال صاحب«الكشّاف»: جعل ذاته برّا لفرط برّه، و نصبه بفعل في معنى أوصاني و هو كلّفني،لأنّ أوصاني بالصّلاة و كلّفني بها واحد.

الصّفة السّابعة:قوله: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا و هذا أيضا يدلّ على قولنا،لأنّه لمّا بيّن أنّه جعله(برّا) و ما جعله(جبّارا)فهذا إنّما يحسن لو أنّ اللّه تعالى جعل غيره جبّارا و غير بارّ بأمّه،فإنّ اللّه تعالى لو فعل ذلك بكلّ أحد،لم يكن لعيسى عليه السّلام مزيد تخصيص بذلك.

و معلوم أنّه عليه السّلام إنّما ذكر ذلك في معرض التّخصيص،و قوله: وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً أي ما جعلني متكبّرا بل أنا خاضع لأنّي متواضع لها،و لو كنت جبّارا لكنت عاصيا شقيّا.

و روي أنّ عيسى عليه السّلام قال: قلبي ليّن و أنا صغير في نفسي.و عن بعض العلماء لا تجد العاقّ إلاّ جبّارا شقيّا، و تلا: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا و لا تجد سيّئ الملكة إلاّ مختالا فخورا.(21:215)

البيضاويّ: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي و بارّا بها،عطفه.

ص: 228


1- أي من صفات عيسى الّتي وصف بها نفسه.

على (مُبارَكاً) .و قرئ بالكسر على أنّه مصدر وصف به، أو منصوب بفعل دلّ عليه(اوصانى)أي و كلّفني برّا، و يؤيّده القراءة بالكسر،و الجرّ عطفا على الصّلاة.

(2:33)

المراغيّ: أي و جعلني برّا بوالدتي،مطيعا لها محسنا،و في هذا رمز إلى نفي الرّيبة عنها؛إذ لو لم تكن كذلك لما أمر الرّسول المعصوم بتعظيمها.(16:48)

الطّباطبائيّ: أي جعلني حنينا رءوفا بالنّاس، و من ذلك أنّي برّ بوالدتي و لست جبّارا شقيّا بالنّسبة إلى سائر النّاس.(14:47)

الابرار

1- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ. آل عمران:193

ابن عبّاس: اقبض أرواحنا على الإيمان،و اجمعنا مع أرواح النّبيّين و الصّالحين.(63)

الحسن:هم الّذين لا يؤذون الذّرّ،و أصل البرّ:

الاتّساع.(الطّوسيّ 3:85)

الطّبريّ: يعني بذلك و اقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك في عداد الأبرار،و احشرنا محشرهم و معهم.و الأبرار:

جمع برّ،و هم الّذين برّوا اللّه تبارك و تعالى بطاعتهم إيّاه، و خدمتهم له،حتّى أرضوه،فرضي عنهم.(4:213)

الزّمخشريّ: مخصوصين بصحبتهم،معدودين في جملتهم.و الأبرار:جمع برّ أو بارّ،كربّ و أرباب، و صاحب و أصحاب.(1:489)

ابن عطيّة: الأبرار:جمع برّ،أصله:برر،على وزن«فعل»أدغمت الرّاء في الرّاء،و قيل:هو جمع:بارّ، كصاحب و أصحاب،و المعنى توفّنا معهم في كلّ أحكامهم و أفعالهم.(1:556)

الفخر الرّازيّ: ذكر القفّال في تفسير هذه المعيّة وجوها:

الأوّل:أنّ وفاتهم معهم،هي أن يموتوا على مثل أعمالهم حتّى يكونوا في درجاتهم يوم القيامة،قد يقول الرّجل:أنا مع الشّافعيّ في هذه المسألة،و يريد به كونا مساويا له في ذلك الاعتقاد.

و الثّاني:يقال:فلان في العطاء مع أصحاب الألوف، أي هو مشارك لهم في أنّه يعطى ألفا.

و الثّالث:أن يكون المراد منه كونهم في جملة أتباع الأبرار و أشياعهم،و منه قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ النّساء:69.

(9:146)

أبو البركات: أي أبرارا مع الأبرار.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبرار:جمع بارّ،و يجوز أن يكون جمع:برّ، و أصله:برر على وزن كتف،فحذفت الكسرة من الرّاء الأولى و أدغمت في الثّانية.(1:236)

القرطبيّ: أي أبرارا مع الأنبياء،أي في جملتهم، واحدهم:برّ و بارّ،و أصله من الاتّساع،فكأنّ البرّ متّسع في طاعة اللّه،و متّسعة له رحمة اللّه.(4:317)

البيضاويّ:مخصوصين بصحبتهم.معدودين في زمرتهم،و فيه تنبيه على أنّهم يحبّون لقاء اللّه،و من أحبّ

ص: 229

لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه.و الأبرار:جمع برّ أو بارّ،كأرباب و أصحاب.(1:199)

نحوه أبو السّعود.(2:86)

النّسفيّ: و(الابرار):المتمسّكون بالسّنّة.

(1:202)

النّيسابوريّ: أي معدودين منهم و من أتباعهم، أو مشاركين لهم في الثّواب،أو على مثل أعمالهم و درجاتهم،كقول الرّجل:أنا مع الشّافعيّ في هذه المسألة،أي مساو له في ذلك الاعتقاد.(4:153)

الخازن: يعني في جملتهم و زمرتهم.و(الابرار):

هم الأنبياء و الصّالحون،و المعنى توفّنا على مثل أعمالهم حتّى نكون في درجتهم يوم القيامة.و قيل:توفّنا في جملة أتباعهم و أشياعهم.(1:392)

البروسويّ: أي مخصوصين بصحبتهم مغتنمين بجوارهم معدودين من زمرتهم،فالمراد من المعيّة ليس المعيّة الزّمانيّة،لأنّ ذلك محال ضرورة أنّ توفّيهم إنّما هو على سبيل التّعاقب،بل المراد المعيّة في الاتّصاف بصفة الأبرار حال التّوفّي.(2:148)

الآلوسيّ: أي مخصوصين بالانخراط في سلكهم و العدّ من زمرتهم،و لا مجال لكون المعيّة زمانيّة؛إذ منهم من مات قبل،و من يموت بعد.و في طلبهم التّوفّي و إسنادهم له إلى اللّه تعالى إشعار بأنّهم يحبّون لقاء اللّه تعالى و من أحبّ لقاء اللّه تعالى أحبّ اللّه تعالى لقاءه، و نكتة قولهم:(مع الابرار)دون أبرارا التّذلّل،و أنّ المراد لسنا بأبرار فاسلكنا معهم و اجعلنا من أتباعهم،و في «الكشف»إنّ في ذلك هضما للنّفس و حسن أدب مع إدماج مبالغة،لأنّه من باب هو من العلماء بدل عالم.(4:165)

القاسميّ: أي معدودين في جملتهم،حتّى نكون في درجتهم يوم القيامة.

و الأبرار:جمع بارّ أو برّ،و هو الكثير البرّ بالكسر، أي الطّاعة.(4:107)

رشيد رضا: و(الابرار)هم المحسنون في أعمالهم.

(4:303)

المراغيّ: (مع الابرار)بأن يموتوا على مثل أعمالهم حتّى يكونوا في درجاتهم يوم القيامة،كما يقال:فلان في العطاء مع أصحاب الألوف،أي هو مشارك لهم في أنّه يعطى ألفا،قال تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ النّساء:69.

(4:165)

عبد الكريم الخطيب: و أن يحشروا مع الأبرار و الأتقياء،فهم على وعد من اللّه وعدوا به على لسان رسله: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97.(2:674)

حسنين مخلوف: أي في زمرتهم،و على مثل أعمالهم.و(الابرار):الأنبياء و الصّالحون.جمع:برّ، كربّ،و أرباب،أو جمع:بارّ،كصاحب و أصحاب،و هو الكثير الخير و الاتّساع في الإحسان.(136)

2- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ. آل عمران:198

ص: 230

2- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ. آل عمران:198

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لعليّ عليه السّلام:«أنت الثّواب و أصحابك الأبرار».(العروسيّ 1:425)

ابن عبّاس: للموحّدين ممّا أعطي الكفّار في الدّنيا.

(تنوير المقباس:64)

ابن زيد: لمن يطيع اللّه.(الطّبريّ 4:218)

الطّبريّ: و هم أهل طاعته.(4:218)

أبو حيّان: و(الابرار):هم المتّقون الّذين أخبر عنهم بأنّ(لهم جنّات).

و قيل:فيه تقديم و تأخير،أي الّذي عند اللّه للأبرار خير لهم.و هذا ذهول عن قاعدة العربيّة:من أنّ المجرور إذ ذاك يتعلّق بما تعلّق به الظّرف الواقع صلة للموصول، فيكون المجرور داخلا في حيّز الصّلة،و لا يخبر عن الموصول إلاّ بعد استيفائه صلته و متعلّقاتها.(3:148)

أبو السّعود: و التّعبير عنهم ب(الابرار)للإشعار بأنّ الصّفات المعدودة من أعمال البرّ كما أنّها من قبيل التّقوى،و الجملة تذييل لما قبلها.(2:98)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي السّود و أضاف:]

و زعم بعضهم أنّ هذا ممّا يحتمل أن يكون إشارة إلى الرّؤية،لأنّ فيه إيذانا بمقام العنديّة،و القرب الّذي لا يوازيه شيء من نعيم الجنّة.و الموصول مبتدأ، و الظّرف صلته،و(خير)خبره،و(للابرار)صفة(خير).

و جوّز أن يكون(للابرار)خبرا،و النّيّة به التّقديم، أي و الّذي عند اللّه مستقرّ للأبرار،و(خير)على هذا خبر ثان.

و قيل:(للابرار)حال من الضّمير في الظّرف، و(خير)خبر المبتدإ.و تعقّبه أبو البقاء بأنّه بعيد،لأنّ فيه الفصل بين المبتدإ و الخبر بحال لغيره،و الفصل بين الحال و صاحب الحال غير المبتدإ و ذلك لا يجوز في الاختيار.

(4:173)

نحوه القاسميّ.(4:1074)

رشيد رضا: وَ ما عِنْدَ اللّهِ من الكرامة الزّائدة على هذا النّزل الّذي هو بعض ما عنده و أوّل ما يقدّمه لعباده المتّقين خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ و أفضل ممّا يتقلّب فيه الّذين كفروا من متاع فان،بل و ممّا يحظى به المتّقون من نزل الجنان و هذا الّذي قلناه أولى من القول،بأنّ ما عند اللّه للأبرار هو عين ذلك النّزل الّذي قال إنّه من عنده، لأنّ نكتة وضع المظهر و هو قوله تعالى: وَ ما عِنْدَ اللّهِ موضع المضمر الّذي كان ينبغي أن يعبّر به لو كان هذا عين ذاك تظهر على هذا ظهورا لا تكلّف فيه.

و به ينجلي الفرق بين(الّذين اتّقوا)و بين(الابرار) فإنّ الأبرار:جمع بارّ أو برّ،و هو المتّصف بالبرّ الّذي بيّنه اللّه تعالى في سورة البقرة،بقوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ البقرة:177،و قد أشرنا إليه في آيات الدّعاء القريبة.

فشرح(البرّ)بما ذكر في تلك الآية يؤيّد ما ذكره الرّاغب من أنّه مشتقّ من«البرّ»بالفتح،المقابل للبحر، و أنّه يفيد التّوسّع في فعل الخير،فهو إذا أدلّ على الكمال من التّقوى الّتي هي عبارة عن ترك أسباب السّخط و العقوبة،و تحصل بترك المحرّمات و فعل الفرائض،من غير توسّع في نوافل الخيرات.

و ذكر جزاء المؤمنين بقسميهم(الّذين اتّقوا)

ص: 231

و(الابرار)بلفظ الاستدراك،للتّنصيص على ما ذكرنا من المقابلة بينهم و بين الّذين كفروا،كما قلنا.(4:314)

3- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً. الدّهر:5

الإمام الحسن عليه السّلام: كلّ ما في كتاب اللّه عزّ و جلّ من قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ فو اللّه ما أراد به إلاّ عليّ بن أبي طالب و فاطمة و أنا و الحسين،لأنّا نحن أبرار بآبائنا و أمّهاتنا،و قلوبنا عملت بالطّاعات و البرّ،و مبرّاة من الدّنيا و حبّها،و أطعنا اللّه في جميع فرائضه و آمنّا بوحدانيّته،و صدّقنا برسوله.[تأويل بأبرز المصاديق]

(العروسيّ 5:474)

ابن عبّاس: المصدّقين في إيمانهم،المطيعين للّه.

(تنوير المقباس:495)

ابن عمر: سمّوا بذلك لأنّهم برّوا الآباء و الأبناء.

(الماورديّ 6:165)

الحسن: سمّوا بذلك لأنّهم كفّوا الأذى.

(الماورديّ 6:165)

البرّ:الّذي لا يؤذي الذّرّ.(الشّربينيّ 4:450)

قتادة: سمّوا بذلك لأنّهم يؤدّون حقّ اللّه و يوفون بالنّذر.(الماورديّ 6:165)

الكلبيّ: أنّهم الصّادقون.(الماورديّ 6:164)

مقاتل: المطيعون.(الماورديّ 6:164)

الطّوسيّ: و هو جمع البرّ،و هو المطيع للّه، المحسن في أفعاله.(10:208)

البغويّ: يعني المؤمنين الصّادقين في إيمانهم، المطيعين لربّهم.واحدهم:بارّ،مثل شاهد و أشهاد و ناصر و أنصار،و برّ أيضا مثل نهر و أنهار.(5:189)

مثله الخازن(7:158)،و نحوه النّسفيّ(4:317).

الطّبرسيّ: قد روى الخاصّ و العامّ أنّ الآيات من هذه السّورة،و هي قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ إلى قوله: وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و جارية لهم تسمّى فضّة،و هو المرويّ عن ابن عبّاس و مجاهد و أبي صالح.

و القصّة طويلة جملتها أنّهم قالوا:مرض الحسن و الحسين عليهما السّلام فعادهما جدّهما صلّى اللّه عليه و آله و وجوه العرب، و قالوا:يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا،فنذر صوم ثلاثة أيّام،إن شفاهما اللّه سبحانه،و نذرت فاطمة عليها السّلام كذلك،و كذلك فضّة،فبرءا و ليس عندهم شيء.

فاستقرض عليّ عليه السّلام ثلاثة أصوع من شعير من يهوديّ-و روي أنّه أخذها ليغزل له صوفا-و جاء به إلى فاطمة عليها السّلام فطحنت صاعا منها فاختبزته،و صلّى عليّ المغرب و قرّبته إليهم،فأتاهم مسكين يدعو لهم و سألهم، فأعطوه و لم يذوقوا إلاّ الماء،فلمّا كان اليوم الثّاني أخذت صاعا فطحنته و خبزته و قدّمته إلى عليّ عليه السّلام،فإذا يتيم في الباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلاّ الماء،فلمّا كان اليوم الثّالث عمدت إلى الباقي فطحنته و اختبزته و قدّمته إلى عليّ عليه السّلام فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلاّ الماء،فلمّا كان اليوم الرّابع و قد قضوا نذورهم أتى عليّ عليه السّلام و معه الحسن و الحسين عليهما السّلام إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بهما ضعف،فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و نزل جبرئيل عليه السّلام

ص: 232

بسورة«هل أتى».

و في رواية عطاء عن ابن عبّاس:أنّ عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام أجر نفسه ليستقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتّى أصبح،فلمّا أصبح و قبض الشّعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه،يقال له:الحريرة.فلمّا تمّ إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطّعام،ثمّ عمل الثّلث الثّاني فلمّا تمّ إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه،ثمّ عمل الثّلث الثّالث فلمّا تمّ إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه،و طووا يومهم ذلك،ذكره الواحديّ في تفسيره.

و ذكر عليّ بن إبراهيم أنّ أباه حدّثه عن عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كان عند فاطمة شعير فجعلوه«عصيدة»فلمّا أنضجوها و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين،فقال المسكين:رحمكم اللّه،فقام عليّ فأعطاه ثلثها،فلم يلبث أن جاء يتيم،فقال اليتيم:

رحمكم اللّه،فقام عليّ عليه السّلام فأعطاه الثّلث،ثمّ جاء أسير، فقال الأسير:رحمكم اللّه،فأعطاه عليّ عليه السّلام الثّلث الباقي و ما ذاقوها،فأنزل اللّه سبحانه الآيات فيهم.و هي جارية في كلّ مؤمن فعل ذلك للّه عزّ و جلّ.و في هذا دلالة على أنّ السّورة مدنيّة.[ثمّ نقل رواية في ترتيب السّور و أضاف:]

أقول:قد اتّسع نطاق الكلام في هذا الباب حتّى كاد يخرج عن أسلوب الكتاب،و ربّما نسبنا به إلى الإطناب.

و لكنّ الغرض فيه أنّ بعض أهل العصبيّة قد طعن في هذه القصّة.بأن قال:هذه السّورة مكّيّة فكيف يتعلّق بها ما كان بالمدينة،و استدلّ بذلك على أنّها مخترعة، جرأة على اللّه سبحانه،و عداوة لأهل بيت رسوله.

فأحببت إيضاح الحقّ في ذلك،و إيراد البرهان في معناه،و كشف القناع عن عناد هذا المعاند في دعواه،على أنّه كما ترى يحتوي على السّرّ المخزون و الدّرّ المكنون من هذا العلم الّذي يستضاء بنوره و يتلألأ بزهوره،و هو معرفة ترتيب السّور في التّنزيل و حصر عددها على الجملة و التّفصيل،اللّهمّ أمددنا بتأييدك و أيّدنا بتوفيقك،فأنت الرّجاء و الأمل،و على فضلك المعوّل و المتّكل.(5:404)

إِنَّ الْأَبْرارَ و هو جمع البرّ:المطيع للّه،المحسن في أفعاله.و قال الحسن:هم الّذين لا يؤذون الذّرّ و لا يرضون الشّرّ.و قيل:هم الّذين يقضون الحقوق اللاّزمة و النّافلة.

و قد أجمع أهل البيت عليهم السّلام و موافقيهم و كثير من مخالفيهم:أنّ المراد بذلك عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،و الآية مع ما بعدها متعيّنة فيهم،و أيضا فقد انعقد الإجماع على أنّهم كانوا أبرارا،و في غيرهم خلاف.(5:407)

القرطبيّ: (الابرار):أهل الصّدق واحدهم برّ، و هو من امتثل أمر اللّه تعالى.و قيل:البرّ الموحّد، و الأبرار:جمع بارّ مثل شاهد و أشهاد.و قيل:هو جمع برّ مثل نهر و أنهار.

و في«الصّحاح»: و جمع البرّ الأبرار،و جمع البارّ البررة،و فلان يبرّ خالقه و يتبرّره أي يطيعه،و الأمّ برّة بولدها.

و روى ابن عمر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّما

ص: 233

سمّاهم اللّه جلّ ثناؤه الأبرار لأنّهم برّوا الآباء و الأبناء، كما أنّ لوالدك عليك حقّا كذلك لولدك عليك حقّا.[ثمّ ذكر قول الحسن و قتادة و أضاف:]

و في الحديث:الأبرار الّذين لا يؤذون أحدا.

(19:125)

الشّربينيّ: و هم الصّادقون فى إيمانهم،المطيعون لربّهم الّذين سمت همّتهم عن المستحقرات،فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة.و في الحديث:«الأبرار:الّذين لا يؤذون أحدا».(4:450)

أبو السّعود: شروع في بيان حسن حال الشّاكرين إثر بيان سوء حال الكافرين،و إيرادهم بعنوان البرّ للإشعار بما استحقّوا به ما نالوه من الكرامة السّنيّة.

و الأبرار:جمع برّ أو بارّ كربّ و أرباب و شاهد و أشهاد.

قيل:هو من يبرّ خالقه،أي يطيعه.و قيل:من يمتثل بأمره تعالى،و قيل:من يؤدّي حقّ اللّه تعالى و يوفي بالنّذر.(6:341)

البروسويّ: [ذكر قول أبي السّعود و أضاف:]

قال سهل رحمه اللّه:الأبرار:الّذين فيهم خلق من أخلاق العشرة،الّذين وعد لهم النّبيّ عليه السّلام بالجنّة.(10:262)

الطّباطبائيّ: و(الابرار):جمع برّ بفتح الباء صفة مشبّهة من البرّ،و هو الإحسان.و يتحصّل معناه في أن يحسن الإنسان في عمله،من غير أن يريد به نفعا يرجع إليه من جزاء أو شكور،فهو يريد الخير،لأنّه خير،لا لأنّ فيه نفعا يرجع إلى نفسه و إن كرهت نفسه ذلك، فيصبر على مرّ مخالفة نفسه فيما يريده،و يعمل العمل لأنّه خير في نفسه كالوفاء بالنّذر،أو لأنّ فيه خيرا لغيره كإطعام الطّعام للمستحقّين من عباد اللّه.

و إذ لا خير في عمل و لا صلاح إلاّ بالإيمان باللّه و رسوله و اليوم الآخر،كما قال تعالى: أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ الأحزاب:19،إلى غير ذلك من الآيات،ف(الابرار)مؤمنون باللّه و رسوله و اليوم الآخر،و إذ كان إيمانهم إيمان رشد و بصيرة فهم يرون أنفسهم عبيدا مملوكين لربّهم،له خلقهم و أمرهم، لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرّا،عليهم أن لا يريدوا إلاّ ما أراده ربّهم،و لا يفعلوا إلاّ ما يرتضيه،فقدّموا إرادته على إرادة أنفسهم،و عملوا له،فصبروا على مخالفة أنفسهم فيما تهواه و تحبّه و كلفة الطّاعة،و عملوا ما عملوه لوجه اللّه،فأخلصوا العبوديّة في مرحلة العمل للّه سبحانه.

و هذه الصّفات هي الّتي عرّف سبحانه الأبرار بها، كما يستفاد من قوله: يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ الدّهر:6، و قوله: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ الدّهر:9،و قوله:

وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا الدّهر:12،و هي المستفادة من قوله في صفتهم: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:177.

و قد مرّ بعض الكلام في معنى«البرّ»في تفسير الآية،و سيأتي بعضه في قوله: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18.

و الآية،أعني قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ إلخ،بما يتبادر من معناها،من حيث مقابلتها لقوله: إِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ الدّهر:4،المبيّن لحال الكافرين في الآخرة،

ص: 234

تبيّن حال الأبرار في الآخرة في الجنّة،و إنّهم يشربون من شراب ممزوج بالكافور باردا طيّب الرّائحة.

(20:124)

الحجازيّ: (الابرار)جمع برّ،و هو من جمع بين الصّدق و التّقوى و الإخلاص.(29:76)

4- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ الانفطار:13

الطّبريّ: إنّ الّذين برّوا بأداء فرائض اللّه و اجتناب معاصيه لفي نعيم الجنان،ينعمون فيها.(30:88)

نحوه الطّنطاويّ.(25:88)

الشّربينيّ: أي المؤمنين الصّادقين في إيمانهم بأداء فرائض اللّه تعالى و اجتناب معاصيه.(4:498)

البروسويّ: الّذين برّوا و صدقوا في إيمانهم،بأداء الفرائض و اجتناب المعاصي.

(الابرار):جمع برّ بالفتح،و هو بمعنى الصّادق و المطيع و المحسن.و أحسن الحسنات:لا إله إلاّ اللّه،ثمّ برّ الوالدين،و برّ التّلامذة للأساتذة،و برّ أهل الإرادة للشّيوخ،كما قال في«فتح الرّحمن»:هو الّذي قد اطّرد برّه عموما فبرّ ربّه في طاعته إيّاه و برّ النّاس في جلب ما استطاع من الخير لهم و غير ذلك.

و في الحديث: «برّوا آباءهم كما برّوا أبناءهم».

(10:361)

القاسميّ: و(الابرار):جمع برّ بفتح الباء،و هو المتّصف بالبرّ بكسرها،أي الطّاعة.قال الأصفهانيّ:

و قد اشتمل عليه قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ...

الآية البقرة:177.(17:6089)

الطّباطبائيّ: و(الابرار)هم المحسنون عملا، و الفجّار هم المنخرقون بالذّنوب.(20:227)

5- كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ

المطفّفين:18.

ابن عبّاس: أعمال الصّادقين في إيمانهم.

(تنوير المقباس:505)

الحسن: هم الّذين لا يؤذون شيئا حتّى الذّرّ.

(الطّبريّ 30:101)

الطّبريّ: (الابرار):جمع برّ،و هم الّذين برّوا اللّه بأداء فرائضه،و اجتناب محارمه.(30:101)

الطّوسيّ: لمّا ذكر اللّه تعالى الفجّار و ما أعدّه لهم من أنواع العقاب و أليم العذاب،ذكر الأبرار،و هو جمع:برّ، مثل جبل و أجبال.و(الابرار):الّذين فعلوا الطّاعات و اجتنبوا المعاصي.(10:301)

الواحديّ: يعني المطيعين للّه.(4:447)

مثله الطّبرسيّ.(5:455)

ابن عطيّة: (الابرار):جمع برّ،و قرأ ابن عامر (الابرار) بكسر الرّاء،و قرأ نافع و ابن كثير بفتحها،و قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائيّ:بإمالتها.(5:452)

النّسفيّ: ما كتب من أعمالهم.و(الابرار):المطيعون الّذين لا يطفّفون و يؤمنون بالبعث،لأنّه ذكر في مقابلة الفجّار،و بيّن الفجّار بأنّهم المكذّبون بيوم الدّين.

(4:341)

ص: 235

6- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. المطفّفين:22

ابن عبّاس: الصّادقين في إيمانهم و هم الّذين لا يؤذون الذّرّ.(تنوير المقباس:505)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ الأبرار الّذين برّوا باتّقاء اللّه،و أداء فرائضه،لفي نعيم دائم،لا يزول يوم القيامة،و ذلك نعيمهم في الجنان.(30:104)

الطّوسيّ: (انّ الابرار)و هم أهل البرّ الّذين فعلوه لوجهه خالصا من وجوه القبح،فالبرّ:النّفع الّذي يستحقّ به الشّكر و الحمد،يقال:برّ فلان بوالده،فهو بارّ به و برّ به،و جمعه:أبرار.(10:302)

ابن عطيّة: ذهب قوم إلى أنّ الأبرار و المقرّبين في هذه الآية لمعنى واحد،يقال:لكلّ من نعم في الجنّة.

و ذهب الجمهور من المتأوّلين إلى أنّ منزلة الأبرار دون المقرّبين،و أنّ الأبرار هم أصحاب اليمين،و أنّ المقرّبين هم السّابقون.(5:454)

القرطبيّ: أهل الصّدق و الطّاعة.(19:264)

البروسويّ: أي السّعداء الأتقياء،عن درن صفات النّفوس.(10:370)

المراغيّ: أي إنّ البررة المطيعين لربّهم الّذين يؤمنون بالبعث و الحساب،و يصدّقون بما جاء على لسان رسوله لفي لذّة،و خفض عيش،و راحة بال،و اطمئنان نفس.(30:81)

بررة

كِرامٍ بَرَرَةٍ. عبس:16

ابن عبّاس: صدقة،و هم الحفظة،أهل السّماء الدّنيا.(تنوير المقباس:501)

السّدّيّ: مطيعين.(الماورديّ 6:204)

الفرّاء: و البررة:الواحد منهم في قياس العربيّة بارّ،لأنّ العرب لا تقول:فعلة ينوون به الجمع إلاّ و الواحد منه فاعل،مثل كافر و كفرة،و فاجر فجرة، فهذا الحكم على واحده بارّ.

و الّذي تقول العرب:رجل برّ،و امرأة برّة،ثمّ جمع على تأويل فاعل،كما قالوا:قوم خيرة بررة؛سمعتها من بعض العرب،و واحد الخيرة:خيّر،و البررة:برّ.

و مثله قوم سراة،واحدهم:سريّ،كان ينبغي أن يكون ساريا.و العرب إذا جمعت:ساريا جمعوه بضمّ أوّله فقالوا:سراة و غزاة،فكأنّهم إذ قالوا:سراة، كرهوا أن يضمّوا أوّله،فيكون الواحد كأنّه سار، فأرادوا أن يفرّقوا بفتحة أوّل سراة بين السّريّ و السّاري.(3:237)

الطّبريّ: و البررة:جمع بارّ،كما الكفرة جمع كافر، و السّحرة جمع ساحر،غير أنّ المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا:رجل برّ،و امرأة برّة،و إذا جمعوا ردّوه إلى جمع فاعل،كما قالوا:رجل سريّ،ثمّ قالوا في جمعه:قوم سراة،و كان القياس في واحده أن يكون ساريا.و قد حكي سماعا من بعض العرب:قوم خيرة بررة،و واحد الخيرة:خيّر،و البررة:برّ.

(30:54)

الماورديّ: و في(بررة)ثلاثة أوجه:

أحدها:مطيعين،قاله السّدّيّ.

ص: 236

الثّاني:صادقين واصلين،قاله الطّبريّ (1).

الثّالث:متّقين مطهّرين.قاله ابن شجرة.

و يحتمل قولا رابعا:أنّ البررة:من تعدّى خيرهم إلى غيرهم،و الخيرة:من كان خيرهم مقصورا عليهم.

(6:204)

الطّوسيّ: و(البررة)جمع بارّ،تقول:برّ فلان فلانا يبرّه فهو بارّ،إذا أحسن إليه و نفعه.و البرّ:فعل النّفع اجتلابا للمودّة.

و البارّ فاعل البرّ،و جمعه:بررة،مثل كاتب و كتبة.

و أصله:اتّساع النّفع منه،و منه البرّ سمّي به تفاؤلا باتّساع النّفع به،و منه البرّ لاتّساع النّفع به،و رجل برّ، و امرأة برّة،و الجمع:بررة،و لا يجمع إلاّ على هذا استغناء به.(10:272)

البغويّ: أي بررة مطيعين،جمع بارّ.(5:211)

مثله الخازن.(7:175)

الطّبرسيّ: مطيعين،أي صالحين متّقين.

(5:438)

القرطبيّ: فمعنى(بررة)مطيعون للّه،صادقون للّه في أعمالهم.(19:217)

البيضاويّ: (بررة):أتقياء.(2:540)

أبو السّعود: أتقياء،و قيل:مطيعين للّه تعالى،من قولهم:فلان يبرّ خالقه،أي يطيعه،و قيل:صادقين من:

برّ في يمينه.(6:378)

البروسويّ: أتقياء لتقدّسها عن الموادّ و نزاهة جواهرها عن التّعلّقات،أو مطيعين اللّه،من قولهم:

فلان يبرّ خالقه،أي يطيعه،أو صادقين من:برّ في يمينه، جمع:بارّ،مثل فجرة:جمع فاجر.(10:334)

الآلوسيّ: أي أتقياء،و قيل:مطيعين للّه تعالى،من قولهم:فلان يبرّ خالقه،أي يطيعه.

و قيل:صادقين من:برّ في يمينه،و هو جمع برّ لا غير.

و أمّا أبرار فيكون جمع برّ كربّ و أرباب و جمع بارّ كصاحب و أصحاب،و إن منعه بعض النّحاة لعدم اطّراده.

و اختصّ على ما قيل:الجمع الأوّل بالملائكة و الثّاني بالآدميّين في القرآن و لسان الشّارع صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و كان ذلك،لأنّ«الأبرار»من صيغ القلّة دون «البررة»و متّقو الملائكة أكثر من متّقي الآدميّين،فناسب استعمال صيغة القلّة و إن لم ترد حقيقتها في الآدميّين دونهم.

و قال الرّاغب: خصّ«البررة»بهم من حيث إنّه أبلغ من أبرار،فإنّه جمع برّ،و أبرار جمع بارّ،و برّ أبلغ من بارّ،كما أنّ عدلا أبلغ من عادل،و كأنّه عنى أنّ الوصف ببرّ أبلغ-لكونه من قبيل الوصف بالمصدر-من الوصف ببارّ.

لكن قد سمعت أنّ«أبرارا»يكون جمع برّ كما يكون جمع بارّ،و أيضا في كون الملائكة أحقّ بالوصف بالأبلغ بالنّسبة إلى الآدميّين مطلقا،بحث.

و قيل:إنّ الأبرار أبلغ من البررة؛إذ هو جمع بارّ، و البررة جمع برّ،و بارّ أبلغ منه لزيادة بنيته،و لمّا كانت صفات الكمال في بني آدم تكون كاملة و ناقصة وصفوا بالأبرار إشارة إلى مدحهم بأكمل الأوصاف.ه.

ص: 237


1- لم نجده في تفسيره.

و أمّا الملائكة فصفات الكمال فيهم لا تكون ناقصة فوصفوا ب(البررة)لأنّه يدلّ على أصل الوصف بقطع النّظر عن المبالغة فيه،لعدم احتياجهم لذلك،و إشارة لفضيلة البشر لما في كونهم أبرارا من المجاهدة و عصيان داعي الجبلّة،و فيه ما لا يخفى.

و من استعمال(البررة)في الملائكة ما أخرجه أحمد و البخاريّ و مسلم و أبو داود و التّرمذيّ و النّسائيّ و ابن ماجة،عن عائشة قالت:قال رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«الّذي يقرأ القرآن و هو ماهر به مع السّفرة الكرام البررة،و الّذي يقرؤه و هو عليه شاقّ له أجران».

(30:43)

الطّباطبائيّ: (بررة)صفة لهم باعتبار عملهم، و هو الإحسان في الفعل.(20:202)

البرّ

1- أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. البقرة:44

ابن عبّاس: بالتّوحيد و اتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(تنوير المقباس:8)

أ تأمرون النّاس بالدّخول في دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و غير ذلك ممّا أمرتم به من إقام الصّلاة.(الطّبريّ 1:258)

أنّ المراد أنّهم كانوا يأمرون اتباعهم بالتّمسّك بالتّوراة،و تركوا هم التّمسّك به،لأنّ جحدهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صفته فيه،ترك للتّمسّك به.

(الطّبرسيّ 1:98)

قتادة: كان بنو إسرائيل يأمرون النّاس بطاعة اللّه و بتقواه و بالبرّ،و يخالفون،فعيّرهم اللّه.

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 1:258)

ابن جريج: أهل الكتاب و المنافقون كانوا يأمرون النّاس بالصّوم و الصّلاة،و يدعون العمل بما يأمرون به النّاس،فعيّرهم اللّه بذلك.فمن أمر بخير فليكن أشدّ النّاس فيه مسارعة.(الطّبريّ 1:258)

ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرّجل يسألهم ما ليس فيه حقّ و لا رشوة و لا شيء،أمروه بالحقّ،فقال اللّه لهم: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:

44.(الطّبريّ 1:258)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى(البرّ)الّذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون النّاس به،و ينسون أنفسهم،بعد إجماع جميعهم على أنّ كلّ طاعة للّه فهي تسمّى برّا.

و جميع الّذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى،لأنّهم و إن اختلفوا في صفة(البرّ)الّذي كان القوم يأمرون به غيرهم الّذين وصفهم اللّه بما وصفهم به،فهم متّفقون في أنّهم كانوا يأمرون النّاس بما للّه فيه رضا من القول أو العمل،و يخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم.

فالتّأويل الّذي يدلّ على صحّته ظاهر التّلاوة إذا:

أ تأمرون النّاس بطاعة اللّه،و تتركون أنفسكم تعصيه، فهلاّ تأمرونها بما تأمرون به النّاس من طاعة ربّكم، معيّرهم بذلك،و مقبّحا إليهم ما أتوا به.(1:258)

الزّجّاج: إنّهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتّمسّك

ص: 238

بكتابهم و يتركون هم التّمسّك به،لأنّ جحدهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هو تركهم التّمسّك به.

و يجوز-و اللّه أعلم-أنّهم كانوا يأمرون ببذل الصّدقة،و كانوا يضنّون بها،لأنّهم وصفوا بأنّهم قست قلوبهم،و أكلوا الرّبا و السّحت،و كانوا قد نهوا عن الرّبا؛ فمنع الصّدقة داخل في هذا الباب.(1:125)

أبو مسلم الأصفهانيّ: كانوا يأمرون العرب بالإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله إذا بعث،فلمّا بعث كفروا به.

(الطّبرسيّ 1:98)

السّلميّ: أ تطالبون النّاس بحقائق المعاني و أنتم قلوبكم خالية عن ظواهر رسومها.(أبو حيّان 1:183)

القشيريّ: أ تحرّضون النّاس على البدار و ترضون بالتّخلّف؟

و يقال:أ تدعون الخلق إلينا و تقعدون عنّا؟ أ تسرحون الوفود،و تقصرون في الورود؟

أ تنافسون الخلق و تنافرونهم بدقائق الأحوال، و ترضون بإفلاسكم عن ظواهرها.

و يقال:أ تبصرون من الحقّ مثقال الذّرّ و مقياس الحبّ،و تساهمون لأنفسكم أمثال الرّمال و الجبال؟

و يقال:أ تسقون بالنّجب و لا تشربون بالنّوب.

(1:98)

الميبديّ: أ تطلبون من النّاس أن يقولوا الصّدق و أنتم تكذبون؟و تحثّونهم على الوفاء بالعهد و أنتم له تنكثون؟و تأمرونهم بالإبرام و أنتم تنقضون؟و تحضّونهم على إعلان الشّهادة و أنتم تكتمون؟و توصونهم بالصّلاة و الزّكاة و أنتم لا تفعلون؟

روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار،فقلت:

من هؤلاء يا جبرئيل؟قال:هؤلاء الخطباء من أمّتك، يأمرون النّاس بالبرّ و ينسون أنفسهم».

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «يطّلع قوم من أهل الجنّة إلى قوم من أهل النّار،فيقولون لهم:ما أدخلكم النّار،و إنّما أدخلنا اللّه في الجنّة بفضل تأديبكم و تعليمكم؟

و قالوا:إنّا كنّا نأمر بالخير و لا نفعله». (1)

عن ابن عبّاس أنّه جاءه رجل،فقال: يا ابن عبّاس،إنّي أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر، قال:فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب اللّه فافعل،الأوّل:قوله عزّ و جلّ: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، و الثّاني:قوله تعالى: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ الصّفّ:2،3،و الثّالث:قال: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ هود:88.

و قيل في معنى الآية: أ تبصرون من الخلق مثقال الذّرّ،و مقياس الحبّ،و تسامحون لأنفسكم أمثال الرّمال و الجبال؟

و به قال النّبيّ عليه السّلام: «يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه،و يدع الجذع في عينه».[ثمّ استشهد بشعر]

(1:171)

الزّمخشريّ: (البرّ):سعة الخير و المعروف،و منه البرّ لسعته،و يتناول كلّ خير،و منه قولهم:صدقتر.

ص: 239


1- قد جاء الحديث في«بحار الأنوار»77:76،مع تفاوت يسير.

و بررت.(1:277)

ابن عطيّة: (البرّ)يجمع وجوه الخير و الطّاعات، و يقع على كلّ واحد منها اسم برّ.(1:136)

الطّبرسيّ: و المراد ب(البرّ)الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، وبّخهم اللّه تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر النّاس بالإيمان،بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،و ترك أنفسهم عن ذلك.[و بعد نقل قول أبي مسلم و ابن عبّاس و قتادة قال:]

و قال بعضهم:أ تأمرون النّاس بالصّدقة و تتركونها أنتم،و إذا أتتكم الضّعفاء بالصّدقة لتفرّقوها على المساكين خنتم فيها.[إلى أن قال:]

فإن قيل:إذا كان فعل البرّ واجبا و الأمر به واجبا فلما ذا وبّخهم اللّه تعالى على الأمر بالبرّ؟

قلنا:لم يوبّخهم اللّه على الأمر بالبرّ و إنّما وبّخهم على ترك فعل البرّ المضموم إلى الأمر بالبرّ،لأنّ ترك [البرّ]ممّن يأمر به أقبح من تركه ممّن لا يأمر به.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:98)

الفخر الرّازيّ: و أمّا(البرّ)فهو اسم جامع لأعمال الخير،و منه برّ الوالدين و هو طاعتهما و منه عمل مبرور، أي قد رضيه اللّه تعالى.و قد يكون بمعنى«الصّدق»كما يقال:برّ في يمينه،أي صدق و لم يحنث،و يقال:صدقت و بررت،و قال تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى البقرة:

189،فأخبر أنّ(البرّ)جامع للتّقوى.

و اعلم أنّه سبحانه و تعالى لمّا أمر بالإيمان و الشّرائع بناء على ما خصّهم به من النّعم،و رغّبهم في ذلك بناء على مأخذ آخر،و هو أنّ التّغافل عن أعمال البرّ مع حثّ النّاس عليها مستقبح في العقول؛إذ المقصود من أمر النّاس بذلك إمّا النّصيحة أو الشّفقة،و ليس من العقل أن يشفق الإنسان على غيره أو أن ينصح غيره،و يهمل نفسه،فحذّرهم اللّه تعالى من ذلك بأن قرعهم بهذا الكلام.

و اختلفوا في المراد ب(البرّ)في هذا الموضع على وجوه:

أحدها:[و هو قول السّدّيّ و قد تقدّم]

و ثانيها:[قول ابن جريج و قد تقدّم]

و ثالثها:أنّه إذا جاءهم أحد في الخفية لاستعلام أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم قالوا:هو صادق فيما يقول،و أمره حقّ فاتّبعوه، و هم كانوا لا يتّبعونه لطمعهم في الهدايا و الصّلات الّتي كانت تصل إليهم من أتباعهم.

و رابعها:[قول أبي مسلم و قد تقدّم]

و خامسها:[و هو قول الزّجّاج و قد تقدّم]

و سادسها:لعلّ المنافقين من اليهود كانوا يأمرون باتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم في الظّاهر،ثمّ إنّهم كانوا في قلوبهم منكرين له فوبّخهم اللّه تعالى عليه.

و سابعها:أنّ اليهود كانوا يأمرون غيرهم باتّباع التّوراة ثمّ إنّهم خالفوه،لأنّهم وجدوا فيها ما يدلّ على صدق محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،ثمّ إنّهم ما آمنوا به.(3:45)

نحوه أبو السّعود(1:129)،و الخازن(1:46).

القرطبيّ: قوله تعالى:(بالبرّ)البرّ هنا الطّاعة و العمل الصّالح.و البرّ:الصّدق.(1:368)

البيضاويّ: و(البرّ):التّوسّع في الخير من«البرّ» و هو الفضاء الواسع،يتناول كلّ خير،و لذلك قيل:البرّ

ص: 240

ثلاثة:برّ في عبادة اللّه تعالى،و برّ في مراعاة الأقارب، و برّ في معاملة الأجانب.(1:53)

نحوه أبو السّعود(1:129)،و الشّربينيّ(1:55).

أبو حيّان: و في تفسير(البرّ)هنا أقوال:الثّبات على دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هم لا يتّبعونه،أو اتّباع التّوراة و هم يخالفونها في جحدهم صفته.و روي عن قتادة و ابن جريج و السّدّيّ،أو على الصّدقة و يبخلون،أو على الصّدق و هم لا يصدقون،أو حضّ أصحابهم على الصّلاة و الزّكاة و لا يأتونهما.(1:182)

صدر المتألّهين: [قال نحو الطّبرسيّ و أضاف:]

و لك أن تقول:إذا كان فعل البرّ واجبا،و الأمر به واجبا،فلما ذا وبّخهم اللّه تعالى على الأمر بالبرّ؟

و الجواب:لم يوبّخهم على الأمر بالبرّ،و إنّما وبّخهم على ترك فعل البرّ المضموم إلى الأمر به،لأنّ ترك البرّ ممّن يأمر به أقبح من تركه ممّن لا يأمر به.[ثمّ استشهد بشعر]

و معلوم أنّه لم يرد به منعه عن النّهي عن الخلق المذموم،و إنّما نهاه عن إتيان مثله.فالمراد بالآية حثّ الواعظ على تزكية النّفس و الإقبال عليها بالتّكميل، ليقوم فيقيم،و يكمل فيكمل.لا منع الفاسق عن الوعظ كما توهّم،فإنّ الإخلال بأحد الأمرين المأمور بها لا يوجب الإخلال بالآخر.

و قال بعضهم: ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،بل يجب أن لا يكون الآمر و النّاهي مرتكبا للمحرّمات،و اشترط العدالة محتجّا بالنّقل و العقل:

أمّا النّقل:فهذه الآية،و قوله تعالى: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ الصّفّ:2،3،و ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت:من أنتم؟فقالوا:كنّا نأمر بالخير و لا نأتيه،و ننهى عن الشّرّ و نأتيه».

و أمّا المعقول:فهو إنّه لو جاز ذلك لجاز لمن يزني بامرأة أن ينكر عليها على كشف وجهها في أثناء الزّنى.

و معلوم أنّ ذلك مستنكر عقلا،و إنّ هداية الغير فرع الاهتداء،و الإقامة بعد الاستقامة،و لهذا قيل:«إنّ الإصلاح زكاة نصاب الصّلاح».

و الجواب:إنّ المكلّف كما هو مأمور بفعل المعروف، مأمور بالأمر به للغير،و كما هو مأمور بترك المعصية، مأمور بمنع الغير عن فعلها مطلقا.ثمّ المنع عن الجمع بين فعل المعصية و منع الغير عنها أو أمرهم بالطّاعة يتصوّر على وجهين،لكونه ذا جزءين.و فساد المركّب من الجزءين إمّا أن يكون لفساد أحد جزئيه بخصوصه،أو لفساد انضمام أحدهما:بالآخر.

فهاهنا ثلاثة احتمالات،لكن أحدها و هو كون المنع متعلّقا بفعل الطّاعة ظاهر البطلان بالاتّفاق،فبقي احتمالان آخران:أحدهما أن يكون المنع متوجّها إلى فعل المعصية،كنسيان النّفس فيما نحن فيه.و الثّاني:أن يكون متوجّها إلى الأمر بالمعروف أو النّهي عن المنكر مع فعل المعصية؛فيكون المنع هاهنا عن ترغيب النّاس بالبرّ مع نسيان النّفس.

و الحقّ في معنى الآية عندنا هو الأوّل،لا الثّاني،

ص: 241

فسقط احتجاج الخصم بالآيتين و بما تضمّنه حديث الإسراء.

و أمّا احتجاجه العقليّ بما ذكره من المثال فلا نسلّم أنّ مجرّد إنكاره عليها على كشف وجهها مستقبح عقلا، بل الاستقباح و الاستنكار على مجموع الزّنى،و الإنكار عند التّحليل يرجع إلى فعل الزّنى،لا إلى ذلك الإنكار.

و أمّا حديث الفرعيّة،فكلام شعريّ كما لا يخفى.

و أيضا:فالصّغائر النّادرة لا تخلّ بالعدالة،و لفاعلها أن ينهى عن المنكر،بالاتّفاق مع اندراجه في الآيتين و الحديث،و ما هو جوابكم فهو جوابنا.

و أيضا:لو تمّت دلائلكم لاقتضت عدم وجوب الأمر و النّهي إلاّ على المعصوم فينسدّ باب الحسبة.

بقي في هذا المقام شيء،و هو أنّ من أمر بالخير و لا يعمل به،أو نهى عن الشّرّ و أتى به،قد علم من حاله أنّه متساهل في دينه،ذو وهن في اعتقاده،و إلاّ فما كان يفرغ من توبيخ نفسه إلى نصيحة غيره.(3:260)

البروسويّ: أي الاعتراف بالنّبيّ و اتّباع الأدلّة، و هو المتوسّع في الخير من«البرّ»الّذي هو الفضاء الواسع،و الهمزة تقرير مع توبيخ و تعجيب.(1:122)

الآلوسيّ: و(البرّ):سعة المعروف و الخير،و منه البرّ،و البرّيّة للسّعة،و يتناول كلّ خير.[إلى أن قال:]

فإنّ المقصود من الأمر بالبرّ الإحسان و الامتثال، و الزّجر عن المعصية.و نسيانهم أنفسهم ينافي كلّ هذه الأغراض،و لا نزاع في كون قبح الجمع بين ذلك عقلا بمعنى كونه باطلا.

فعلى هذا لا حجّة للمعتزلة في الآية على القبح العقليّ الّذي يزعمونه.بل قد ادّعى بعض المحقّقين أنّها دليل على خلاف ما ذهبوا إليه،لأنّه سبحانه رتّب التّوبيخ على ما صدر منهم بعد تلاوة الكتاب.

و كذا لا حجّة فيها لمن زعم أنّه ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،لأنّ التّوبيخ على جمع الأمرين بالنّظر للثّاني فقط،لا منع الفاسق عن الوعظ، فإنّ النّهي عن المنكر لازم و لو لمرتكبه،فإنّ ترك النّهي ذنب و ارتكابه ذنب آخر،و إخلاله بأحدهما لا يلزم منه الإخلال بالآخر.

ثمّ إنّ هذا التّوبيخ و التّقريع و إن كان خطابا لبني إسرائيل إلاّ أنّه عامّ من حيث المعنى،لكلّ واعظ يأمر و لا يأتمر،و يزجر و لا ينزجر،ينادي النّاس:البدار البدار،و يرضى لنفسه التّخلّف و البوار،و يدعو الخلق إلى الحقّ،و ينفر عنه،و يطالب العوامّ بالحقائق و لا يشمّ ريحها منه،و هذا هو الّذي يبدأ بعذابه قبل عبدة الأوثان، و يعظم ما يلقى لوفور تقصيره يوم لا حاكم إلاّ الملك الدّيّان.

و عن محمّد بن واسع قال:بلغني أنّ أناسا من أهل الجنّة اطّلعوا على ناس من أهل النّار،فقالوا لهم:قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنّة،قالوا:كنّا نأمركم بها و نخالف إلى غيرها.

هذا و من النّاس من جعل هذا الخطاب للمؤمنين، و حمل الكتاب على القرآن،فيكون ذلك من تلوين الخطاب،كما في يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِي يوسف:29،و الظّاهر يبعده.(1:248)

القاسميّ:أي بما فيه للّه رضا من القول أو الفعل.

ص: 242

و جماع البرّ:كلّ ما فيه طاعة للّه تعالى.(2:118)

2- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ... البقرة:177

ابن عبّاس: (ليس البرّ):كلّ البرّ،و يقال:(ليس البرّ):ليس الإيمان...

(وَ لكِنَّ الْبِرَّ) :الإيمان هو إقرار (مَنْ آمَنَ بِاللّهِ) .

(تنوير المقباس:24)

يعني الصّلاة،يقول:ليس البرّ أن تصلّوا و لا تعملوا، فهذا منذ تحوّل من مكّة إلى المدينة،و نزلت الفرائض، و حدّ الحدود،فأمر اللّه بالفرائض و العمل بها.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 2:94)

أنّه(ليس البرّ)كلّه في التّوجّه إلى الصّلاة بل حتّى يضاف إلى ذلك غيره من الطّاعات الّتي أمر اللّه تعالى بها.

مثله مجاهد.(الطّوسيّ 2:95)

مجاهد : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ، يعني السّجود،و لكنّ البرّ ما ثبت في القلوب من طاعة اللّه.(الطّبريّ 2:94)

قتادة:كانت اليهود تصلّي قبل المغرب،و النّصارى تصلّي قبل المشرق،فنزلت لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ

(الطّبريّ 2:94)

مثله الرّبيع.(الطّبريّ 2:95)

ذكر لنا أنّ رجلا سأل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن البرّ فأنزل اللّه هذه الآية،و ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دعا الرّجل فتلاها عليه.

و قد كان الرّجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله،ثمّ مات على ذلك،يرجى له و يطمع له في خير،فأنزل اللّه لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ و كانت اليهود توجّهت قبل المغرب،و النّصارى قبل المشرق وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (الطّبريّ 2:94)

إنّه (لَيْسَ الْبِرَّ) ما عليه النّصارى من التّوجّه إلى المشرق،أو ما عليه اليهود من التّوجّه إلى المغرب(و لكنّ البرّ)ما ذكره اللّه تعالى في الآية،و بيّنه.

مثله الرّبيع و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 2:95)

الفرّاء: إن شئت رفعت(البرّ)و جعلت(ان تولّوا) في موضع نصب،و إن شئت نصبته و جعلت(ان تولّوا)في موضع رفع،كما قال: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ الحشر:17،في كثير من القرآن.

و في إحدى القراءتين(ليس البرّ بان)فلذلك اخترنا الرّفع في(البرّ).و المعنى في قوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ، أي ليس البرّ كلّه في توجّهكم إلى الصّلاة و اختلاف القبلتين وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ. ثمّ وصف ما وصف إلى آخر الآية، و هي من صفات الأنبياء لا لغيرهم.

و أمّا قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ فإنّه من كلام العرب أن يقولوا:إنّما البرّ الصّادق الّذي يصل رحمه،و يخفي صدقته،فيجعل الاسم خبرا للفعل و الفعل خبرا للاسم،لأنّه أمر معروف المعنى.(1:104)

أبو عبيدة:العرب تجعل المصادر صفات،فمجاز

ص: 243

(البرّ)هاهنا:مجاز صفة ل مَنْ آمَنَ بِاللّهِ و في الكلام:

و لكنّ البارّ من آمن باللّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:65)

المبرّد: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ فجائز أن يكون:برّ من آمن باللّه،و جائز أن يكون:لكنّ ذا البرّ من آمن باللّه.(1:168)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله ذلك،فقال بعضهم:معنى ذلك ليس البرّ الصّلاة وحدها،و لكنّ البرّ الخصال الّتي أبيّنها لكم.

و قال آخرون:عنى اللّه بذلك اليهود و النّصارى، و ذلك أنّ اليهود تصلّي فتوجّه قبل المغرب،و النّصارى تصلّي فتوجّه قبل المشرق،فأنزل اللّه فيهم هذه الآية، يخبرهم فيها أنّ(البرّ)غير العمل الّذي يعملونه،و لكنّه ما بيّنّاه في هذه الآية.

و أولى هذين القولين بتأويل الآية:القول الّذي قاله قتادة،و الرّبيع بن أنس،أن يكون عنى بقوله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ اليهود و النّصارى،لأنّ الآيات قبلها مضت بتوبيخهم و لومهم،و الخبر عنهم و عمّا أعدّ لهم من أليم العذاب، و هذا في سياق ما قبلها؛إذ كان الأمم كذلك؛ليس البرّ أيّها اليهود و النّصارى أن يولّي بعضكم وجهه قبل المشرق،و بعضكم قبل المغرب، وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ الآية.

فإن قال قائل:فكيف قيل: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ و قد علمت أنّ(البرّ)فعل،و(من)اسم،فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟قيل:إنّ معنى ذلك غير ما توهّمته،و إنّما معناه و لكن البرّ كمن آمن باللّه و اليوم الآخر،فوضع(من)موضع الفعل اكتفاء بدلالته و دلالة صلته الّتي هي له صفة من الفعل المحذوف،كما تفعله العرب فتضع الأسماء مواضع أفعالها الّتي هي بها مشهورة،فتقول:الجود حاتم،و الشّجاعة عنترة،و إنّما الجود حاتم،و الشّجاعة عنترة.

و معناها:الجود جود حاتم،فتستغني بذكر حاتم إذ كان معروفا بالجود،من إعادة ذكر الجود بعد الّذي قد ذكرته،فتضعه موضع جوده،لدلالة الكلام على ما حذفته،استغناء بما ذكرته عمّا لم تذكره،كما قيل:

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها يوسف:82،و المعنى:

أهل القرية،و كما قال الشّاعر،و هو ذو الخرق الطّهويّ:

حسبت بغام راحلتي عناقا

و ما هي ويب غيرك بالعناق

يريد بغام عناق أو صوت،كما يقال:حسبت صياحي أخاك،يعني به حسبت صياحي صياح أخيك.

و قد يجوز أن يكون معنى الكلام:و لكنّ البارّ من آمن باللّه،فيكون(البرّ)مصدرا وضع موضع الاسم.

(2:94)

الزّجّاج: المعنى ليس البرّ كلّه في الصّلاة وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... وَ أَقامَ الصَّلاةَ إلى آخر الآية،فقيل:إنّ هذا خصوص في الأنبياء وحدهم، لأنّ هذه الأشياء الّتي وصفت لا يؤدّيها بكلّيّتها على حقّ الواجب إلاّ الأنبياء عليهم السّلام.و جائز أن يكون لسائر النّاس،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد أمر الخلق بجميع ما في هذه الآية.

و لك في(البرّ) وجهان:لك أن تقرأ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ

ص: 244

تُوَلُّوا و(ليس البرّ ان تولّوا)،فمن نصب جعل(ان)مع صلتها الاسم،فيكون المعنى ليس توليتكم وجوهكم البرّ كلّه،و من رفع(البرّ)فالمعنى ليس البرّ كلّه توليتكم،فيكون(البرّ)اسم(ليس)و تكون(ان تولّوا) الخبر.

و قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ إذا شدّدت(لكنّ)نصبت(البرّ)و إذا خفّفت رفعت(البرّ)فقلت:و لكن البرّ من آمن باللّه،و كسرت النّون من التّخفيف لالتقاء السّاكنين،و المعنى و لكن ذا البرّ من آمن باللّه،و يجوز أن تكون و لكنّ البرّ برّ من آمن باللّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:246)

الشّريف المرتضى: إن سأل سائل عن قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ...

البقرة:177.

فقال:كيف ينفي كون تولية الوجوه إلى الجهات من البرّ،و إنّما يفعل ذلك في الصّلاة و هي برّ لا محالة؟و كيف خبّر عن(البرّ)ب(من)و البرّ كالمصدر،و(من)اسم محض.[إلى أن قال:]

يقال له:فيما ذكرته أوّلا جوابان:

أحدهما:أنّه أراد تعالى:ليس الصّلاة هي البرّ كلّه، لكنّه ما عدّد في الآية من ضروب الطّاعات و صنوف الواجبات،فلا تظنّوا أنّكم إذا توجّهتم إلى الجهات بصلاتكم،فقد أحرزتم البرّ بأسره،و حزتموه بكماله،بل يبقى عليكم بعد ذلك معظمه و أكثره.

و الجواب الثّاني:أنّ النّصارى لمّا توجّهوا إلى المشرق؛و اليهود إلى بيت المقدس،و اتّخذوا هاتين الجهتين قبلتين،و اعتقدوا في الصّلاة إليهما أنّهما برّ و طاعة خلافا على الرّسول صلّى اللّه عليه و آله أكذبهم اللّه تعالى في ذلك،و بيّن أنّ ذلك ليس من البرّ،إذ كان منسوخا بشريعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،الّتي تلزم الأسود و الأبيض، و العربيّ و العجميّ،و أنّ البرّ هو ما تضمّنته الآية.

فأمّا إخباره ب(من)ففيه وجوه ثلاثة:

أوّلها:أن يكون معنى(البرّ)هاهنا البارّ و ذا البرّ، و جعل أحدهما في مكان الآخر،و التّقدير:و لكنّ البارّ من آمن باللّه.و يجري ذلك مجرى قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً الملك:30،يريد غائرا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الوجه الثّاني:أنّ العرب قد تخبر عن الاسم بالمصدر و الفعل،و عن المصدر بالاسم،فأمّا إخبارهم عن المصدر بالاسم فقوله تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ، و قول العرب:إنّما البرّ الّذي يصل الرّحم و يفعل كذا و كذا،و أمّا إخبارهم عن الاسم بالمصدر و الفعل فمثل قول الشّاعر:

لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى

و لكنّما الفتيان كلّ فتى ند

فجعل«أن تنبت»و هو مصدر خبرا عن الفتيان.

و الوجه الثّالث:أن يكون المعنى و لكن البرّ برّ من آمن؛فحذف البرّ الثّاني،و أقام(من)مقامه؛كقوله:

وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ البقرة:93،أراد:حبّ العجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول العرب:بنو فلان يطؤهم الطّريق،أي أهل

ص: 245

الطّريق.و حكي عن بعضهم:أطيب النّاس الزّبد،أي أطيب ما يأكل النّاس الزّبد،و كذلك قولهم:حسبت صباحي زيدا،أي صباح زيد،و روي عن ابن عبّاس في قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ النّور:61،أي ليس على من أكل مع الأعمى حرج،و في قوله تعالى:

رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ الكهف:22،و ذكروا أنّه كان راعيا تبعهم.[إلى أن قال:]

و قد اختلفت قراءة القرّاء السّبعة في رفع الرّاء و نصبها من قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ) ،فقرأ حمزة و عاصم في رواية حفص (ليس البرّ) بنصب الرّاء،و روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنّه كان يقرأ بالنّصب و الرّفع، و قرأ الباقون بالرّفع.

و الوجهان جميعا حسنان،لأنّ كلّ واحد من الاسمين اسم(ليس)و خبرها معرفة،فإذا اجتمعا في التّعريف تكافئا في جواز كون أحدهما اسما و الآخر خبرا،كما تتكافأ النّكرات.

و حجّة من رفع(البرّ)أنّه لأن يكون(البرّ)الفاعل أولى،لأنّه ليس يشبه الفعل،و كون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده.

أ لا ترى أنّك إذا قلت:قام زيد،فإنّ الاسم يلي الفعل.و تقول:ضرب غلامه زيد،فيكون التّقدير في الغلام التّأخير.فلو لا أنّ الفاعل أخصّ بهذا الموضع لم يجز هذا،كما لم يجز في الفاعل:ضرب غلامه زيدا؛ حيث لم يجز في الفاعل تقدير التّأخير كما جاز في المفعول به،لوقوع الفاعل موقعه المختصّ به.

و حجّة من نصب(البرّ)أن يقول:كون الاسم«أن وصلتها»أولى لشبهها بالمضمر،في أنّها لا توصف،كما لا يوصف المضمر،فكأنّه اجتمع مضمر و مظهر،و الأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر.(1:200)

القيسيّ: (البرّ)اسم(ليس)و(ان تولّوا)الخبر، و من نصب(البرّ)جعل(ان تولّوا)اسم(ليس).

قوله تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ، ف(البرّ)بمعنى البارّ،أو بمعنى البرّ،فهو(من)في المعنى.

و قيل:التّقدير:و لكن البرّ برّ من آمن باللّه،ثمّ حذف المضاف،فالبرّ الأوّل هو الثّاني.

و قيل:التّقدير:و لكن ذو البرّ من آمن باللّه،ثمّ حذف المضاف أيضا.

و من شدّد النّون نصب(البرّ)و التّقديرات على حالها،و إنّما احتيج إلى هذه التّقديرات ليصحّ أن يكون الابتداء هو الخبر،إذ الجثث لا تكون خبرا عن المصادر، و لا المصادر خبرا عنها،لأنّ المصادر أفعال ليست بأجسام جثث.(1:81)

نحوه أبو البركات.(1:138)

الطّوسيّ: قرأ حفص إلاّ هبيرة،و حمزة (ليس البرّ) بنصب الرّاء،الباقون برفعها.و قرأ نافع،و ابن عامر (و لكن البرّ)بتخفيف النّون،و رفع الرّاء.

قيل:إنّ هذه الآية نزلت لمّا حوّلت القبلة،و كثر الخوض في نسخ تلك الفريضة،صار كأنّه لا يراعى بطاعة اللّه إلاّ التّوجّه للصّلاة،فأنزل اللّه تعالى الآية، و بيّن فيها أنّ البرّ ما ذكره فيها،و دلّ على أنّ الصّلاة إنّما يحتاج إليها لما فيها من المصلحة الدّينيّة،و إنّه إنّما يأمر

ص: 246

بها،لما في علمه أنّها تدعو إلى الصّلاح،و تصرف عن الفساد،و إنّ ذلك يختلف بحسب الأزمان و الأوقات.

[إلى أن قال:]

و قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ قيل فيه ثلاثة أقوال:

أوّلها:و لكنّ البرّ برّ من آمن باللّه فحذف المضاف، و أقام المضاف إليه مقامه،و اختاره المبرّد،لقوله:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا. [ثمّ استشهد بشعر]

الوجه الثّاني:و لكن ذا البرّ(من آمن باللّه).

الثّالث:و لكنّ البارّ من آمن باللّه،فجعل المصدر في موضع اسم الفاعل.(2:94)

نحوه ابن شهرآشوب.(2:252)

الميبديّ:[ذكر اختلاف القرّاء في«البرّ» و أضاف:]

قال ابن عبّاس و الضّحّاك و عطاء و سفيان: نزلت هذه الآية بشأن المؤمنين،فقد كان المسلمون في بداية الإسلام و قبل الهجرة و سنّ الفرائض،يقولون عند موت من ينطق بالشّهادة و التّوحيد،و يصلّي إلى أي جهة يشاء:وجبت له الجنّة،لأنّه أتى بالبرّ و التّقوى جملة.

و حينما هاجر المصطفى عليه السّلام و نزلت آيات الفرائض، و حوّلت القبلة إلى الكعبة،أنزل ربّ العالمين هذه الآية، كي لا يظنّ أحد أنّ الدّين و البرّ كلّه هو ذا،أي إقامة الصّلاة،بل الصّلاة خصلة من خصال البرّ و باب من أبوابه.

و قال فريق آخر من المفسّرين: سبب نزول هذه الآية أنّ اليهود كانوا يصلّون نحو المغرب و النّصارى نحو المشرق،فردّ اللّه تعالى عليهم و كذّبهم بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ...

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ: قراءة المدنيّ و الشّاميّ (و لكن البرّ) بالتّخفيف و الرّفع،و الباقي (و لكنّ البرّ) بالتّشديد و النّصب،و كذا قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى، إذ قرئ بكلا الوجهين.

و المعنى و لكن البرّ برّ من آمن باللّه،فاستغنى بالأوّل عن الثّاني،كقولهم:الجود حاتم،و الشّجاعة عنترة.

و قيل:تقديره:و لكنّ البارّ من آمن باللّه،كقوله تعالى: وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى طه:132،أي للمتّقي.

و معنى(البرّ)الشّفقة و الإحسان و الصّداقة و حسن الخلق،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«البرّ شيء هيّن،و وجه طلق، و كلام ليّن».

و قيل:(البرّ)هنا:الإيمان و التّقوى،و هذه الآية نفسها دليل بحدّ ذاته؛إذ كلّ ما فيها إشارة إلى الإيمان و التّقوى.[إلى أن قال:]

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ البرّ إجمالا ضربان:اعتقاد و عمل.فالاعتقاد:تحقيق الأصول، و العمل:تحصيل الفروع.و من رسخ الأصول بحقيقتها، و أتى بالفروع بشروطها،فهو لا محالة من الأبرار،و منزل الأبرار دار القرار،و ذلك في قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ الانفطار:13.(1:463)

الزّمخشريّ: (البرّ):اسم للخير و لكلّ فعل مرضيّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ الخطاب لأهل الكتاب،لأنّ اليهود تصلّي قبل المغرب إلى بيت المقدس،و النّصارى قبل المشرق،

ص: 247

و ذلك أنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى الكعبة،و زعم كلّ واحد من الفريقين أنّ(البرّ)التّوجّه إلى قبلته،فردّ عليهم.

و قيل:ليس البرّ فيما أنتم عليه فإنّه منسوخ خارج من البرّ،و لكنّ(البرّ)ما نبيّنه.

و قيل:كثر خوض المسلمين و أهل الكتاب في أمر القبلة،فقيل:ليس البرّ العظيم الّذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البرّ أمر القبلة،و لكن البرّ الّذي يجب الاهتمام به و صرف الهمّة برّ من آمن و قام بهذه الأعمال.

و قرئ و (ليس البرّ) بالنّصب على أنّه خبر مقدّم.

و قرأ عبد اللّه (بان تولّوا) على إدخال الباء على الخبر للتّأكيد،كقولك:ليس المنطلق بزيد وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ على تأويل حذف المضاف،أي برّ من آمن، أو بتأوّل البرّ بمعنى ذي البرّ،أو كما قالت[الخنساء]:

*فإنّما هي إقبال و إدبار*

و عن المبرّد:لو كنت ممّن يقرأ القرآن لقرأت (و لكنّ البرّ) بفتح الباء،و قرئ (و لكنّ البارّ) ،و قرأ ابن عامر و نافع (و لكن البرّ) بالتّخفيف.(1:330)

نحوه القرطبيّ(2:239)،و البيضاويّ(1:97).

ابن عطيّة: و قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ قرأ أكثر السّبعة برفع الرّاء،و(البرّ)اسم(ليس).

قال أبو عليّ:(ليس)بمنزلة الفعل،فالوجه أن يليها الفاعل ثمّ المفعول.

مذهب أبي عليّ أنّ(ليس)حرف،و الصّواب الّذي عليه الجمهور أنّها فعل.

و قرأ حمزة و عاصم في رواية حفص (ليس البرّ) بنصب الرّاء،جعل (أَنْ تُوَلُّوا) بمنزلة المضمر؛إذ لا يوصف كما لا يوصف المضمر،و المضمر أولى أن يكون اسما يخبر عنه.

و في مصحف أبيّ بن كعب،و عبد اللّه بن مسعود (ليس البرّ بان تولّوا) ،و قال الأعمش:إنّ في مصحف عبد اللّه (لا تحسبنّ البرّ) .

و قال ابن عبّاس و مجاهد و غيرهما:الخطاب بهذه الآية للمؤمنين،فالمعنى ليس البرّ الصّلاة وحدها،و قال قتادة و الرّبيع:الخطاب لليهود و النّصارى لأنّهم اختلفوا في التّوجّه و التّولّي،فاليهود إلى بيت المقدس و النّصارى إلى مطلع الشّمس.و تكلّموا في تحويل القبلة و فضّلت كلّ فرقة تولّيها،فقيل لهم:ليس البرّ ما أنتم فيه وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ.

قرأ قوم (و لكنّ البرّ) بشدّ النّون و نصب(البرّ)،و قرأ الجمهور (وَ لكِنَّ الْبِرَّ) .و التّقدير:و لكن البرّ برّ من، و قيل:التّقدير:و لكن ذو البرّ من.

و قيل:(البرّ)بمنزلة اسم الفاعل،تقديره:و لكن البارّ من،و المصدر إذا أنزل منزلة اسم الفاعل فهو و لا بدّ محمول على حذف مضاف،كقولك:رجل عدل و رضيّ.

(1:243)

الطّبرسيّ: قرأ حفص عن عاصم غير هبيرة و حمزة (ليس البرّ) بنصب الرّاء،و الباقون بالرّفع.

و روي في الشّواذّ عن ابن مسعود و أبيّ (ليس البرّ) بالنّصب ب (ان يولّوا) بالياء.و قرأ نافع و ابن عامر (و لكن البرّ) بالتّخفيف و الرّفع،و الباقون (و لكنّ البرّ) بالتّشديد

ص: 248

و النّصب.

قال أبو عليّ: حجّة من رفع(البرّ)أن ليس يشبه الفعل،و كون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده،و حجّة من نصب(البرّ)أنّه قد حكي عن بعض شيوخنا أنّه قال في هذا النّحو:أن يكون الاسم«ان» وصلتها أولى بشبهها بالمضمر،في أنّها لا توصف كما لا يوصف المضمر،و كأنّه اجتمع مضمر و مظهر.

و الأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر.قال ابن جنّيّ:يجوز أن يكون إنّما نصب(البرّ)مع الباء،بأن جعل الباء زائدة،كقولهم: وَ كَفى بِاللّهِ وَكِيلاً النّساء:171.

من نصب(البرّ)جعل(أن)مع صلتها اسم(ليس) أي ليس توليتكم وجوهكم البرّ كلّه،و من رفع(البرّ) فالمعنى ليس البرّ كلّه توليتكم.و كلا المذهبين حسن، لأنّ كلّ واحد من اسم ليس و خبرها معرفة،فإذا اجتمعا في التّعريف تكافئا في كون أحدهما اسما و الآخر خبرا،كما تتكافأ النّكرتان،و قد ذكرنا الوجه في ترجيح أحد المذهبين على الآخر.

(و لكنّ البرّ)إذا شدّدت(لكنّ)نصبت(البرّ)و إذا خفّفت رفعت(البرّ)و كسرت النّون مع التّخفيف لالتقاء السّاكنين.

و أمّا الإخبار عن(البرّ)ب(من آمن)ففيه وجوه ثلاثة:

أحدها:أن يكون(البرّ)بمعنى البارّ،فجعل المصدر في موضع اسم الفاعل،كما يقال:ماء غور،أي غائر، و رجل صوم،أي صائم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثانيها:أنّ المعنى و لكن ذا البرّ من آمن باللّه، فحذف المضاف من الاسم.

و ثالثها:أن يكون التّقدير:و لكن البرّ برّ من آمن باللّه،فحذف المضاف من الخبر،و أقام المضاف إليه مقامه.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

لمّا حوّلت القبلة و كثر الخوض في نسخها،و صار كأنّه لا يراعى بطاعة اللّه إلاّ التّوجّه للصّلاة،و أكثر اليهود و النّصارى ذكرها؛أنزل اللّه سبحانه هذه الآية.

عن أبي القاسم البلخيّ و عن قتادة:أنّها نزلت في اليهود.

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ البقرة:177،بيّن سبحانه أنّ البرّ كلّه ليس في الصّلاة،فإنّ الصّلاة إنّما أمر بها لكونها مصلحة في الإيمان و صارفة عن الفساد،و كذلك العبادات الشّرعيّة إنّما أمر بها لما فيها من الألطاف و المصالح الدّينيّة،و ذلك يختلف بالأزمان و الأوقات،فقال:ليس البرّ كلّه في التّوجّه إلى الصّلاة.حتّى يضاف إلى ذلك غيره من الطّاعات الّتي أمر بها،عن ابن عبّاس و مجاهد و اختاره أبو مسلم.

و قيل:معناه ليس البرّ ما عليه النّصارى من التّوجّه إلى المشرق،و لا ما عليه اليهود من التّوجّه إلى المغرب، عن قتادة و الرّبيع و اختاره الجبّائيّ و البلخيّ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ أي لكن البرّ برّ من آمن باللّه، كقولهم:السّخاء حاتم و الشّعر زهير،أي السّخاء سخاء حاتم و الشّعر شعر زهير،عن قطرب و الزّجّاج و الفرّاء و اختاره الجبّائيّ.

و قيل:و لكن البارّ أو ذا البرّ من آمن باللّه،أي صدّق

ص: 249

باللّه،و يدخل فيه جميع ما لا يتمّ معرفة اللّه سبحانه إلاّ به، كمعرفة حدوث العالم و إثبات المحدث و صفاته الواجبة و الجائزة،و ما يستحيل عليه سبحانه،و معرفة عدله و حكمته.(1:261)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّالثة:قرأ حمزة و حفص عن عاصم (ليس البرّ) بنصب الرّاء،و الباقون بالرّفع.

قال الواحديّ: و كلا القراءتين حسن،لأنّ اسم (ليس)و خبرها اجتمعا في التّعريف،فاستويا في كون كلّ واحد منهما اسما،و الآخر خبرا.

و حجّة من رفع(البرّ)أنّ اسم(ليس)مشبّه بالفاعل،و خبرها بالمفعول،و الفاعل بأن يلي الفعل أولى من المفعول.

و من نصب(البرّ)ذهب إلى أنّ بعض النّحويّين قال:

(ان)مع صلتها أولى أن تكون اسم(ليس)لشبهها بالمضمر،في أنّها لا توصف كما لا يوصف المضمر،فكأن هاهنا اجتمع مضمر و مظهر.

و الأولى إذا اجتمعا أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر،و على هذا قرئ في التّنزيل قوله: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ الحشر:17،و قوله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا العنكبوت:24، ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا الجاثية:25.

و الاختيار رفع(البرّ)لأنّه روي عن ابن مسعود أنّه قرأ (ليس البرّ بان) و الباء تدخل في خبر(ليس).

المسألة الرّابعة:البرّ اسم جامع للطّاعات،و أعمال الخير المقرّبة إلى اللّه تعالى،و من هذا برّ الوالدين،قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،14،فجعل البرّ:ضدّ الفجور،و قال:

وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ المائدة:2،فجعل البرّ:ضدّ الإثم،فدلّ على أنّه اسم عامّ لجميع ما يؤجر عليه الإنسان.و أصله من الاتّساع،و منه البرّ الّذي هو خلاف البحر،لاتّساعه.

المسألة الخامسة:قال القفّال:قد قيل في نزول هذه الآية أقوال:و الّذي عندنا:أنّه أشار إلى السّفهاء الّذين طعنوا في المسلمين،و قالوا: ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها البقرة:142،مع أنّ اليهود كانوا يستقبلون المغرب،و النّصارى كانوا يستقبلون المشرق، فقال اللّه تعالى:إنّ صفة البرّ لا تحصل بمجرّد استقبال المشرق و المغرب،بل البرّ لا يحصل إلاّ عند مجموع أمور:

أحدها:الإيمان باللّه،و أهل الكتاب أخلّوا بذلك،أمّا اليهود فلقولهم:بالتّجسيم،و لقولهم:بأنّ عزيرا ابن اللّه.

و أمّا النّصارى فلقولهم:المسيح ابن اللّه،و لأنّ اليهود وصفوا اللّه بالبخل،على ما حكى اللّه تعالى ذلك عنهم بقوله: قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ آل عمران:

181.

و ثانيها:الإيمان باليوم الآخر،و اليهود أخلّوا بهذا الإيمان؛حيث قالوا: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:111،و قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً البقرة:80،و النّصارى أنكروا المعاد الجسمانيّ،و كلّ ذلك تكذيب باليوم الآخر.

و ثالثها:الإيمان بالملائكة،و اليهود أخلّوا بذلك، حيث أظهروا عداوة جبريل عليه السّلام.

ص: 250

و رابعها:الإيمان بكتب اللّه،و اليهود و النّصارى قد أخلّوا بذلك،لأنّ مع قيام الدّلالة على أنّ القرآن كتاب اللّه ردّوه و لم يقبلوه،قال تعالى: وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ البقرة:85.

و خامسها:الإيمان بالنّبيّين،و اليهود أخلّوا بذلك؛ حيث قتلوا الأنبياء،على ما قال تعالى: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ البقرة:61،و حيث طعنوا في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و سادسها:بذل الأموال على وفق أمر اللّه سبحانه و اليهود أخلّوا بذلك،لأنّهم يلقون الشّبهات لطلب المال القليل،كما قال: وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً آل عمران:

187.

و سابعها:إقامة الصّلوات و الزّكوات،و اليهود كانوا يمنعون النّاس منها.

و ثامنها:الوفاء بالعهد،و اليهود نقضوا العهد؛حيث قال: أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ البقرة:40.

و هاهنا سؤال:و هو أنّه تعالى نفى أن يكون التّوجّه إلى القبلة برّا،ثمّ حكم بأنّ(البرّ)مجموع أمور،أحدها:

الصّلاة،و لا بدّ فيها من الاستقبال،فيلزم التّناقض، و لأجل هذا السّؤال اختلف المفسّرون على أقوال:

الأوّل:أنّ قوله:(ليس البرّ)نفي لكمال البرّ،و ليس نفيا لأصله،كأنّه قال:ليس البرّ كلّه هو هذا،فإنّ(البرّ) اسم لمجموع الخصال الحميدة،و استقبال القبلة واحد منها،فلا يكون ذلك تمام البرّ.

الثّاني:أن يكون هذا نفيا لأصل كونه برّا،لأنّ استقبالهم للمشرق و المغرب،كان خطأ في وقت النّفي، حين ما نسخ اللّه تعالى ذلك،بل كان ذلك إثما و فجورا، لأنّه عمل بمنسوخ قد نهى اللّه عنه،و ما يكون كذلك فإنّه لا يعدّ في البرّ.

الثّالث:أنّ استقبال القبلة لا يكون برّا إذا لم يقارنه معرفة اللّه،و إنّما يكون برّا إذا أتى به مع الإيمان و سائر الشّرائط،كما أنّ السّجدة لا تكون من أفعال البرّ،إلاّ إذا أتى بها مع الإيمان باللّه و رسوله،فأمّا إذا أتى بها بدون هذا الشّرط،فإنّها لا تكون من أفعال البرّ.

روي أنّه لما حوّلت القبلة،كثر الخوض في نسخها، و صار كأنّه لا يراعى بطاعة اللّه إلاّ الاستقبال،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،كأنّه تعالى قال:ما هذا الخوض الشّديد في أمر القبلة،مع الإعراض عن كلّ أركان الدّين.

المسألة السّادسة:قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ فيه حذف،و في كيفيّته وجوه:

أحدها:و لكن البرّ برّ من آمن باللّه،فحذف المضاف،و هو كثير في الكلام،كقوله: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ البقرة:93،أي حبّ العجل،و يقولون:

الجواد حاتم،و الشّعر زهير،و الشّجاعة عنترة،و هذا اختيار الفرّاء،و الزّجّاج،و قطرب.قال أبو عليّ:و مثل هذه الآية قوله: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ التّوبة:19، ثمّ قال:(كمن آمن)و تقديره:أ جعلتم أهل سقاية الحاجّ كمن آمن،أو أ جعلتم سقاية الحاجّ كإيمان من آمن.ليقع التّمثيل بين مصدرين أو بين فاعلين؛إذ لا يقع التّمثيل بين مصدر و فاعل.

و ثانيها:قال أبو عبيدة:(البرّ)هاهنا بمعنى البارّ،

ص: 251

كقوله: وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى طه:132،أي للمتّقين، و منه قوله: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً الملك:30،أي غائرا،و قالت الخنساء:

*فإنّما هي إقبال و إدبار*

أي مقبلة و مدبرة معا.

و ثالثها:أنّ معناه و لكن ذا البرّ،فحذف،كقولهم:

هم درجات عند اللّه،أي ذووا درجات،عن الزّجّاج.

و رابعها:التّقدير:و لكن البرّ يحصل بالإيمان و كذا و كذا،عن المفضّل.

و اعلم أنّ الوجه الأوّل أقرب إلى مقصود الكلام، فيكون معناه و لكن البرّ الّذي هو كلّ البرّ الّذي يؤدّي إلى الثّواب العظيم،برّ من آمن باللّه،و عن المبرّد:لو كنت ممّن يقرأ القرآن بقراءته لقرأت (و لكنّ البرّ) بفتح الباء.

و قرأ نافع و ابن عامر(و لكن)مخفّفة(البرّ)بالرّفع.

و الباقون(لكنّ)مشدّدة(البرّ)بالنّصب.

المسألة السّابعة:اعلم أنّ اللّه تعالى اعتبر في تحقّق ماهيّة(البرّ)أمورا:

الأوّل:الإيمان بأمور خمسة:

أوّلها:الإيمان باللّه،و لن يحصل العلم باللّه إلاّ عند العلم بذاته المخصوصة،و العلم بما يجب و يجوز و يستحيل عليه.و لن يحصل العلم بهذه الأمور إلاّ عند العلم بالدّلائل الدّالّة عليها،فيدخل فيه العلم بحدوث العالم، و العلم بالأصول الّتي عليها يتفرّع حدوث العالم، و يدخل في العلم بما يجب له من الصّفات:العلم بوجوده و قدمه و بقائه،و كونه عالما بكلّ المعلومات،قادرا على كلّ الممكنات،حيّا مريدا سميعا بصيرا متكلّما،و يدخل في العلم بما يستحيل عليه العلم،بكونه منزّها عن الحاليّة و المحلّيّة و التّحيّز و العرضيّة،و يدخل في العلم بما يجوز عليه اقتداره على الخلق و الإيجاد و بعثة الرّسل.

و ثانيها:الإيمان باليوم الآخر،و هذا الإيمان مفرّع على الأوّل،لأنّا ما لم نعلم كونه تعالى عالما بجميع المعلومات،و لم نعلم قدرته على جميع الممكنات،لا يمكننا أن نعلم صحّة الحشر و النّشر.

و ثالثها:الإيمان بالملائكة.

و رابعها:الإيمان بالكتب.

و خامسها:الإيمان بالرّسل.

و هاهنا سؤالات.[إلى أن قال:]

و ذكر الواحديّ في آخر هذه الآية مسألة و هي أنّه قال:هذه الواوات في الأوصاف في هذه الآية للجمع، فمن شرائط البرّ و تمام شرط البارّ أن تجتمع فيه هذه الأوصاف،و من قام بواحد منها لم يستحقّ الوصف بالبرّ،فلا ينبغي أن يظنّ الإنسان أنّ الموفي بعهده من جملة من قام بالبرّ،و كذا الصّابر في البأساء،بل لا يكون قائما بالبرّ إلاّ عند استجماع هذه الخصال،و لذلك قال بعضهم:هذه الصّفة خاصّة للأنبياء عليهم السّلام لأنّ غيرهم لا تجتمع فيه هذه الأوصاف كلّها،و قال آخرون:هذه عامّة في جميع المؤمنين.(5:40)

نحوه النّيسابوريّ.(2:78)

أبو حيّان: قال قتادة و الرّبيع و مقاتل و عوف الأعرابيّ:نزلت في اليهود و النّصارى،كانت اليهود تصلّي للمغرب و النّصارى للمشرق،و يزعم كلّ فريق أنّ(البرّ)ذلك.

ص: 252

و قال ابن عبّاس و عطاء و مجاهد و الضّحّاك و سفيان: نزلت في المؤمنين،سأل رجل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلت فدعاه و تلاها عليه.

قال بعض المفسّرين: كان الرّجل إذا نطق بالشّهادتين و صلّى إلى أيّ ناحية ثمّ مات وجبت له الجنّة،فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و نزلت الفرائض و حدّت الحدود،و صرفت القبلة إلى الكعبة أنزلها اللّه.و قيل:

سبب نزولها إنكار الكفّار على المؤمنين تحويلهم عن بيت المقدس إلى الكعبة.

و مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة،لأنّها إن كانت في أهل الكتاب فقد جرى ذكرهم بأقبح الذّكر،من كتمانهم ما أنزل اللّه،و اشترائهم به ثمنا قليلا،و ذكر ما أعدّ لهم،و لم يبق لهم ممّا يظهرون به شعار دينهم إلاّ صلاتهم، و زعمهم أنّ ذلك(البرّ).فردّ عليهم بهذه الآية.

و إن كانت في المؤمنين فهو نهي لهم أن يتعلّقوا من شريعتهم بأيسر شيء كما تعلّق أهل الكتابين.و لكن عليهم العمل بجميع ما في طاقتهم من تكاليف الشّريعة على ما بيّنها اللّه تعالى.

و قرأ حمزة و حفص (ليس البرّ) بنصب الرّاء،و قرأ باقي السّبعة برفع الرّاء.و قال الأعمش في مصحف عبد اللّه(لا تحسبنّ البرّ)و في مصحف أبيّ و عبد اللّه أيضا (ليس البرّ بان تولّوا).

فمن قرأ بنصب(البرّ)جعله خبر(ليس)و(ان تولّوا) في موضع الاسم،و الوجه أن يلي المرفوع،لأنّها بمنزلة الفعل المتعدّي،و هذه القراءة من وجه أولى،و هو إن جعل فيها اسم ليس(ان تولّوا)و جعل الخبر(البرّ) و(ان)وصلتها أقوى في التّعريف من المعرّف بالألف و اللاّم.و قراءة الجمهور أولى من وجه،و هو أنّ توسّط خبر ليس بينها و بين اسمها قليل.

و قد ذهب إلى المنع من ذلك ابن درستويه تشبيها لها ب«ما».أراد الحكم عليها بأنّها حرف،كما لا يجوز توسيط خبر«ما»و هو محجوج بهذه القراءة المتواترة، و بورود ذلك في كلام العرب،قال الشّاعر:

سلي إن جهلت النّاس عنّا و عنهم

و ليس سواء عالم و جهول

و قال الآخر:

أ ليس عظيما أن تلمّ ملمّة

و ليس علينا في الخطوب معوّل

و قراءة (بان تولّوا) على زيادة الباء في الخبر كما زادوها في اسمها إذا كان(ان)وصلتها،قال الشّاعر:

أ ليس عجيبا بأنّ الفتى

يصاب ببعض الّذي في يديه

أدخل الباء على اسم ليس و إنّما موضعها الخبر.

و(البرّ)اسم جامع للخير،و تقدّم الكلام فيه، و انتصاب(قبل)على الظّرف و ناصبه(تولّوا)و المعنى أنّهم لمّا أكثروا الخوض في أمر القبلة حتّى وقع التّحويل إلى الكعبة،و زعم كلّ عن الفريقين أنّ البرّ هو التّوجّه إلى قبلته،فردّ اللّه عليهم.و قيل:ليس البرّ فيما أنتم عليه،فإنّه منسوخ خارج من البرّ.و قيل:ليس البرّ العظيم الّذي يجب أن يذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البرّ أمر القبلة.

و قال قتادة:قبلة النّصارى مشرق بيت المقدس،

ص: 253

لأنّه ميلاد عيسى على نبيّنا و عليه السّلام،لقوله تعالى:

(مكانا شرقيّا)و اليهود مغربه،و الآية ردّ على الفريقين.

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:177،البرّ معنى من المعاني فلا يكون خبره الذّوات إلاّ مجازا،فإمّا أن يجعل(البرّ)هو نفس (مَنْ آمَنَ) على طريق المبالغة قاله أبو عبيدة،و المعنى:و لكنّ البارّ،و إمّا أن يكون على حذف من الأوّل،أي و لكنّ ذا البرّ،قاله الزّجّاج،أو من الثّاني،أي برّ من آمن،قاله قطرب،و على هذا خرّجه سيبويه،قال في كتابه:و قال جلّ و عزّ: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ و إنّما هو:و لكن البرّ برّ من آمن باللّه،انتهى.

و إنّما اختار هذا سيبويه لأنّ السّابق إنّما هو نفي كون البرّ هو تولية الوجه قبل المشرق و المغرب،فالّذي يستدرك إنّما هو من جنس ما ينفى،و نظير ذلك:ليس الكرم أن تبذل درهما و لكنّ الكرم بذل الآلاف، فلا يناسب:و لكنّ الكريم من يبذل الآلاف إلاّ إن كان قبله:ليس الكريم بباذل درهم.

و قال المبرّد: لو كنت ممّن يقرأ القرآن[لقرأت (1)] (و لكنّ البرّ) بفتح الباء،و إنّما قال ذلك لأنّه يكون اسم فاعل،تقول:بررت أبرّ فأنا برّ و بارّ.قيل:فبني تارة على«فعل»نحو كهل و صعب،و تارة على«فاعل».

و الأولى ادّعاء حذف الألف من البرّ،و مثله سرّ و قرّ و ربّ،أي سارّ و قارّ و بارّ و رابّ.

و قال الفرّاء: (من آمن)معناه الإيمان لما وقع من موقع المصدر جعل خبرا للأوّل،كأنّه قال:و لكنّ البرّ الإيمان باللّه.و العرب تجعل الاسم خبرا للفعل،و أنشد الفرّاء:

لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى

و لكنّما الفتيان كلّ فتى ندب

جعل نبات اللّحية خبرا للفتى،و المعنى لعمرك ما الفتوّة أن تنبت اللّحى.

و قرأ نافع و ابن عامر(و لكن)بسكون النّون خفيفة، و رفع(البرّ)و قرأ الباقون بفتح النّون مشدّدة و نصب (البرّ)و الإعراب واضح،و قد تقدّم نظير القراءتين في وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا البقرة:102، وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ البقرة:177، ذكر في هذه الآية إن كان الإيمان مصرّحا بها،كما جاء في حديث جبريل حين سأله عن الإيمان فقال:أن تؤمن باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شرّه،و لم يصرّح في الآية بالإيمان بالقدر،لأنّ الإيمان بالكتاب يتضمّنه،و مضمون الآية أنّ البرّ لا يحصل باستقبال المشرق و المغرب بل بمجموع أمور:

أحدها:الإيمان باللّه،و أهل الكتاب أخلّوا بذلك،أمّا اليهود فللتّجسّم و لقولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30، و أمّا النّصارى فلقولهم: اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ.

الثّاني:الإيمان باللّه و اليوم الآخر،و اليهود أخلّوا به حيث قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً البقرة:80، و النّصارى أنكروا المعاد الجسمانيّ.

و الثّالث:الإيمان بالملائكة،و اليهود عادوا جبريل.

و الرّابع:الإيمان بكتب اللّه،و النّصارى و اليهود أنكروا القرآن.

و الخامس:الإيمان بالنّبيّين،و اليهود قتلوهم،و كلا).

ص: 254


1- كما أوردها الزّمخشريّ(1:330).

الفريقين من أهل الكتاب طعنا في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و السّادس:بذل الأموال على وفق أمر اللّه،و اليهود ألقوا الشّبه لأخذ الأموال.

و السّابع:إقامة الصّلاة و الزّكاة،و اليهود يمتنعون منها.

و الثّامن:الوفاء بالعهد،و اليهود نقضوه،و هذا النّفي السّابق و الاستدراك لا يحمل على ظاهرهما لأنّه نفى أن يكون التّوجّه إلى القبلة برّا،ثمّ حكم بأنّ البرّ أمور:

أحدها الصّلاة،و لا بدّ فيها من استقبال القبلة،فيحمل النّفي للبرّ على نفي مجموع البرّ،لا على نفي أصله،أي ليس البرّ كلّه هو هذا،و لكنّ البرّ هو ما ذكر،و يحمل على نفي أصل البرّ لأنّ استقبالهم المشرق و المغرب بعد النّسخ كان إثما و فجورا فلا يعدّ في البرّ،و لأنّ استقبال القبلة لا يكون برّا،إذا لم تقارنه معرفة اللّه تعالى،و إنّما يكون برّا مع الإيمان و تلك الشّرائط.و قدّم الملائكة و الكتب على الرّسل و إن كان الإيمان بوجود الملائكة و صدق الكتب لا يحصل إلاّ بواسطة الرّسل،لأنّ ذلك اعتبر فيه التّرتيب الوجوديّ،لأنّ الملك يوجد أوّلا ثمّ يحصل بوساطة تبليغه نزول الكتب،ثمّ يصل ذلك الكتاب إلى الرّسول،فروعي التّرتيب الوجوديّ الخارجيّ لا التّرتيب الذّهنيّ.(2:2)

الفاضل المقداد:[ذكر اختلاف القراءات و أضاف:]

و البرّ:كلّ فعل مرضيّ قلبيّا كان أو لسانيّا أو جوارحيّا أو ماليّا.

و الخطاب لأهل الكتاب،فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّلت،و ادّعى كلّ فريق أنّ(البرّ) التّوجّه إلى قبلته،فردّ عليهم بأنّه(ليس البرّ)التّوجّه إلى المشرق قبلة النّصارى أو المغرب قبلة اليهود.

و قيل:هو عامّ للمسلمين و غيرهم،أي ليس البرّ مقصورا على أمر القبلة.

(و لكنّ البرّ)إمّا بمعنى البارّ فإنّ المصدر يقام مقام الفاعل كزيد عدل،أي عادل،أو بحذف المضاف من الخبر،أي برّ من آمن.(1:220)

أبو السّعود: (البرّ)اسم جامع لمراضي الخصال.

و الخطاب لأهل الكتابين فإنّهم كانوا أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّلت إلى الكعبة،و كان كلّ فريق يدّعي خيريّة التّوجّه إلى قبلته من القطرين المذكورين.

و تقديم(المشرق)على(المغرب)مع تأخّر زمان الملّة النّصرانيّة،إمّا لرعاية ما بينهما من التّرتيب المتفرّع على ترتيب الشّروق و الغروب،و إمّا لأنّ توجّه اليهود إلى المغرب ليس لكونه مغربا بل لكون بيت المقدس من المدينة المنوّرة واقعا في جانب الغرب،فقيل لهم:ليس البرّ ما ذكرتم من التّوجّه إلى تينك الجهتين، على أنّ(البرّ)خبر ليس مقدّما على اسمها.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما أخّر ذلك لما أنّ المصدر المؤوّل أعرف من المحلّى باللاّم،لأنّه يشبه الضّمير من حيث إنّه لا يوصف و لا يوصف به،و الأعرف أحقّ بالاسميّة،و لأنّ في الاسم طولا،فلو روعي التّرتيب المعهود لفات تجاوب أطراف النّظم الكريم.

و قرئ برفع(البرّ)على أنّه اسمها،و هو أقوى بحسب

ص: 255

المعنى،لأنّ كلّ فريق يدّعي أنّ(البرّ)هذا،فيجب أن يكون الرّدّ موافقا لدعواهم،و ما ذلك إلاّ بكون(البرّ) اسما كما يفصح عنه جعله مخبرا عنه في الاستدراك، بقوله عزّ و جلّ: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ.

و هو تحقيق للحقّ بعد بيان بطلان الباطل،و تفصيل لخصال(البرّ)ممّا لا يختلف باختلاف الشّرائع، و ما يختلف باختلافها،أي و لكن البرّ المعهود الّذي يحقّ أن يهتمّ بشأنه و يجدّ في تحصيله برّ من آمن باللّه وحده إيمانا بريئا من شائبة الإشراك،لا كإيمان اليهود و النّصارى المشركين بقولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ و قولهم:

اَلْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ. (1:234)

نحوه البروسويّ(1:281)،و الآلوسيّ(2:45).

رشيد رضا: ادّعى«الجلال»أنّ هذه الآية نزلت للرّدّ على النّصارى الّذي يولّون وجوههم في صلاتهم قبل المشرق،و اليهود الّذي يولّونها قبل بيت المقدس.

و هذا ادّعاء لم يثبت،و الصّحيح قريب منه و هو:أنّ أهل الكتاب أكبروا أمر تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة كما تقدّم في آيات التّحويل و حكمه،و طال خوضهم فيها حتّى شغلوا المسلمين بها،و غلا كلّ فريق في التّمسّك بما هو عليه و تنقيص مقابله،كما هو شأن البشر في كلّ خلاف يثير الجدل و النّزاع.

فكان أهل الكتاب يرون أنّ الصّلاة إلى غير قبلتهم لا تقبل عند اللّه تعالى،و لا يكون صاحبها على دين الأنبياء،و المسلمون يرون أنّ الصّلاة إلى المسجد الحرام هو كلّ شيء،لأنّه قبلة إبراهيم و أوّل بيت وضع لعبادة اللّه تعالى وحده.

فأراد اللّه تعالى أن يبيّن للنّاس كافّة أنّ مجرّد تولية الوجه قبلة مخصوصة ليس هو البرّ المقصود من الدّين، ذلك أنّ استقبال الجهة المعيّنة إنّما شرّع لأجل تذكير المصلّي بالإعراض عن كلّ ما سوى اللّه تعالى في صلاته، و الإقبال على مناجاته و دعائه وحده،و ليكون شعارا لاجتماع الأمّة.فتولية الوجه وسيلة للتّذكير بتولية القلب،و ليس ركنا من العبادة بنفسه،و أن يبيّن لهم أصول البرّ و مقاصد الدّين فقال: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ.

قرأ حمزة و حفص بنصب(البرّ)و الباقون برفعه، و كلاهما ظاهر.

و البرّ،بكسر الباء لغة:التّوسّع في الخير،مشتقّ من «البرّ»بالفتح،و هو مقابل البحر في تصوّر سعته،كما قال الرّاغب.و شرعا:ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى من الإيمان و الأخلاق و الأعمال الصّالحة.

و توجيه الوجوه إلى المشرق أو المغرب ليس هو البرّ و لا منه،بل ليس في نفسه عملا صالحا،كما تقدّم شرحه في آيات تحويل القبلة،و أحلنا فيه على هذه الآية الّتي بيّن اللّه فيها مجامع البرّ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ.

قرأ الجمهور(لكنّ)بالتّشديد و نافع و ابن عامر بالتّخفيف،أي و لكن جملة البرّ هو من آمن باللّه إلخ.

و فيه الإخبار عن المعنى بالذّات،و هو معهود في الكلام العربيّ الفصيح،و القرآن جار على الأساليب العربيّة الفصحى،لا على فلسفة النّحاة و قوانينهم الصّناعيّة،و بلاغة هذه الأساليب إنّما هي في إيصال

ص: 256

المعاني المقصودة إلى الذّهن على أجلى وجه يريده المتكلّم،و أحسن تأثير يقصده.و مثل هذا التّعبير لا يزال مألوفا عند أهل العربيّة على فساد ألسنتهم في اللّغة،يقولون:ليس الكرم أن تدعو الأغنياء و الأصدقاء إلى طعامك و لكنّ الكرم من يعطي الفقراء العاجزين عن الكسب.

فالكلام مفهوم بدون أن نقول:إنّ معناه:و لكن ذا الكرم من يعطي،أو لكنّ الكرم عطاء من يعطي.

و إنّما نحن في حاجة إلى بيان النّكتة في اختيار ذلك على قول:و لكنّ البرّ هو الإيمان باللّه إلخ.و هذه النّكتة مفهومة من العبارة فإنّها تمثّل لك المعنى في نفس الموصوف به،فتفيدك أنّ(البرّ)هو الإيمان و ما يتبعه من الأعمال باعتبار اتّحادهما،و تلبّس المؤمن البارّ بهما معا،من حيث إنّ الإيمان باعث على الأعمال،و هي منبعثة عنه و أثر له تستمدّ منه و تمدّه و تغذّيه،أي إنّها تمثّل لك المعنى في الشّخص،أو الشّخص عاملا بالبرّ،و هذا أبلغ في النّفس هنا من إسناد المعنى إلى المعنى،و من إسناد الذّات إلى الذّات،كما هو مذوق و مفهوم.

ابتدأ بذكر الإيمان باللّه و اليوم الآخر،لأنّه أساس كلّ برّ،و مبدأ كلّ خير،و لا يكون الإيمان أصلا للبرّ إلاّ إذا كان متمكّنا من النّفس بالبرهان،مصحوبا بالخضوع و الإذعان.(2:109)

الطّباطبائيّ: البرّ بالكسر:التّوسّع،من الخير و الإحسان،و البرّ بالفتح:صفة مشبّهة منه.

قوله تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ عدل عن تعريف البرّ بالكسر إلى تعريف البرّ بالفتح،ليكون بيانا و تعريفا للرّجال مع تضمّنه لشرح وصفهم،و إيماء إلى أنّه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق و لا فضل فيه.و هذا دأب القرآن في جميع بياناته،فإنّه يبيّن المقامات و يشرح الأحوال بتعريف رجالها،من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.

و بالجملة قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ تعريف للأبرار و بيان لحقيقة حالهم،و قد عرّفهم أوّلا في جميع المراتب الثّلاث من الاعتقاد و الأعمال و الأخلاق،بقوله:

مَنْ آمَنَ بِاللّهِ و ثانيا بقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا و ثالثا بقوله: وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. [إلى أن قال:]

و الّذي بيّنه تعالى في هذه الآية من أوصاف الأبرار هي الّتي ذكرها في غيرها،قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً* إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ - إلى أن قال - وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:

5-12،فقد ذكر فيها الإيمان باللّه و اليوم الآخر و الإنفاق لوجه اللّه و الوفاء بالعهد و الصّبر.

و قال تعالى أيضا: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ* إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ -إلى أن قال -يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ -إلى أن قال - عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ المطفّفين:18-28.

بالتّطبيق بين هذه الآيات و الآيات السّابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم و مآل أمرهم إذا تدبّرت فيها،و قد

ص: 257

و صفتهم الآيات بأنّهم عباد اللّه و أنّهم المقرّبون،و قد وصف اللّه سبحانه عباده فيما وصف بقوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ الحجر:42،و وصف المقرّبين بقوله: وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الواقعة:10-12،فهؤلاء هم السّابقون في الدّنيا إلى ربّهم السّابقون في الآخرة إلى نعيمه،و لو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجبا.

و قد بان ممّا مرّ أنّ(الابرار)أهل المرتبة العالية من الإيمان،و هي المرتبة الرّابعة على ما مرّ بيانه سابقا،قال تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ الأنعام:82.(1:428)

حسنين مخلوف:(البرّ):اسم جامع لكلّ خير، و لكلّ طاعة و قربة إلى اللّه تعالى،أي و لكنّ البرّ برّ من آمن؛و حذف المضاف على حدّ:الجود حاتم،أي الجود جود حاتم،أو و لكنّ البرّ،أي البارّ من آمن،على أنّه اسم فاعل من برّ يبرّ فهو برّ،و أصله:برر،فلمّا أريد الإدغام نقلت كسرة الرّاء إلى ما قبلها بعد سلب حركتها.

و قد اشتملت الآية على خمسة عشر نوعا من أنواع البرّ،و هي ردّ لما زعمته اليهود من أنّ(البرّ)هو مجرّد التّوجّه إلى جهة المغرب،و ما زعمته النّصارى من أنّه مجرّد التّوجّه إلى جهة المشرق،أي ليس البرّ كلّه فيما زعموا و إنّما فيما بيّنته الآية.(58)

مكارم الشّيرازيّ: ذكرنا في تفسير آيات تغيير القبلة،أنّ النّصارى كانوا يتّجهون في عباداتهم نحو الشّرق و اليهود نحو الغرب،و قرّر اللّه الكعبة قبلة للمسلمين،و كانت في اتّجاه الجنوب وسطا بين الاتّجاهين.و مرّ بنا الحديث عن الضّجّة الّتي أثيرت بين أعداء الإسلام و المسلمين الجدد بشأن تغيير القبلة.

الآية أعلاه تخاطب هؤلاء،و تقول: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ.

البرّ،في الأصل:التّوسّع،ثمّ أطلق على أنواع الإحسان،لأنّ الإنسان بالإحسان يخرج من إطار،ذاته ليتّسع و يصل عطاؤه إلى الآخرين.

و البرّ،بفتح الباء:فاعل البرّ،و هي في الأصل الصّحراء و المكان الفسيح،و أطلقت على المحسن بنفس اللّحاظ السّابق.

ثمّ يبيّن القرآن أهمّ أصول البرّ و الإحسان،و هي ستّة،فيقول: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ.

هذا هو الأساس الأوّل:الإيمان بالمبدإ و المعاد، و الملائكة المأمورين من قبل اللّه،و المنهج الإلهيّ، و النّبيّين الدّعاة إلى هذا المنهج.و الإيمان بهذه الأمور يضيء وجود الإنسان،و تخلق فيه الدّافع القويّ للحركة على طريق البناء،و الأعمال الصّالحة.

جدير بالذّكر أنّ الآية تقول: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ...

و لم تقل و لكنّ البرّ بفتح الباء،أو البارّ بصيغة اسم الفاعل،أي إنّ الآية استعملت المصدر بدل الوصف، و هذا يفيد بيان أعلى درجات التّأكيد في اللّغة العربيّة، فحين يقول أحد:عليّ عدل،فهو يقصد أنّه عادل للغاية،و حين يقول:بني أميّة ذلّ الإسلام،فيعني أنّ كلّ وجودهم ذلّ للإسلام.

ص: 258

ثمّ تذكر الآية الإنفاق بعد الإيمان و تقول: وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ البقرة:177.

إنفاق المال ليس بالعمل اليسير على الجميع خاصّة إذا بلغ الإنفاق درجة الإيثار،لأنّ حبّ المال موجود بدرجات متفاوتة في كلّ القلوب،و عبارة(على حبّه) إشارة إلى هذه الحقيقة.هؤلاء يندفعون للإنفاق رغم هذا الحبّ للمال،من أجل رضا اللّه سبحانه.[ثمّ ذكر بقيّة صفات الأبرار فراجع](1:434)

3- ..وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى... البقرة:189

ابن عبّاس: وَ لَيْسَ الْبِرُّ الطّاعة و التّقوى وَ لكِنَّ الْبِرَّ الطّاعة في الإحرام.(26)

و إنّ رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوّه شيئا أحرم فأمن،فإذا أحرم لم يلج من باب بيته،و اتّخذ نقبا من ظهر بيته،فلمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة،كان بها رجل محرم كذلك،و إنّ أهل المدينة كانوا يسمّون البستان:الحشّ،و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دخل بستانا،فدخله من بابه،و دخل معه ذلك المحرم فناداه رجل من ورائه:يا فلان إنّك محرم و قد دخلت،فقال:أنا أحمس،فقال:يا رسول اللّه إن كنت محرما فأنا محرم،و إن كنت أحمس فأنا أحمس،فأنزل اللّه تعالى ذكره: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها البقرة:189، فأحلّ اللّه للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها.

نحوه براء و قيس بن جبير و الزّهريّ و السّدّيّ و الرّبيع.(الطّبريّ 2:188).

مجاهد :يقول:ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من كوّات في ظهور البيوت،و أبواب في جنوبها تجعلها أهل الجاهليّة،فنهوا أن يدخلوا منها و أمروا أن يدخلوا من أبوابها.

نحوه النّخعيّ.(الطّبريّ 2:187)

الإمام الباقر عليه السّلام: أنّ معناه ليس البرّ أن تأتوا الأمور من غير جهاتها،و ينبغي أن تأتوا الأمور من جهاتها،أيّ الأمور كان.(العروسيّ 1:178)

عطاء: كان أهل الجاهليّة يأتون البيوت من ظهورها و يرونه برّا،فقال:(البرّ)ثمّ نعت(البرّ)و أمر بأن يأتوا البيوت من أبوابها.(الطّبريّ 2:188)

قتادة:كان هذا الحيّ من الأنصار في الجاهليّة إذا أهلّ أحدهم بحجّ أو عمرة لا يدخل دارا من بابها إلاّ أن يتسوّر حائطا تسوّرا،و أسلموا و هم كذلك،فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك ما تسمعون،و نهاهم عن صنيعهم ذلك،و أخبرهم أنّه ليس من البرّ صنيعهم ذلك، و أمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها.(الطّبريّ 2:187)

الطّبريّ: فتأويل الآية إذا:و ليس البرّ أيّها النّاس بأن تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها،و لكنّ البرّ من اتّقى اللّه فخافه و تجنّب محارمه،و أطاعه بأداء فرائضه الّتي أمره بها.فأمّا إتيان البيوت من ظهورها فلا برّ للّه فيه،فأتوها من حيث شئتم من أبوابها و غير أبوابها،ما لم تعتقدوا تحريم إتيانها من أبوابها في حال من الأحوال،فإنّ ذلك غير جائز لكم اعتقاده،لأنّه ممّا

ص: 259

لم أحرّمه عليكم.(2:189)

الزّجّاج: قيل:إنّه كان قوم من قريش و جماعة معهم من العرب إذا خرج الرّجل منهم في حاجة فلم يقضها و لم تتيسّر له رجع فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيّرا،فأعلمهم اللّه عزّ و جلّ أنّ ذلك غير برّ، أي الإقامة على الوفاء بهذه السّنّة ليس ببرّ.

و قال الأكثر من أهل التّفسير: إنّهم الحمس،و هم قوم من قريش و بنو عامر بن صعصعة و ثقيف و خزاعة، كانوا إذا أحرموا لا يأقطون الأقط و لا ينفون الوبر و لا يسلون السّمن،و إذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته.

و إنّما سمّوا الحمس لأنّهم تحمّسوا في دينهم،أي تشدّدوا.و قال أهل اللّغة:الحماسة الشّدّة في الغضب، و الشّدّة في القتال،و الحماسة على الحقيقة:الشّدّة في كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

فأعلمهم اللّه عزّ و جلّ أنّ تشدّدهم في هذا الإحرام ليس ببرّ،و أعلمهم أنّ البرّ التّقيّ،فقال: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى.

المعنى و لكن البرّ برّ من اتّقى مخالفة أمر اللّه عزّ و جلّ.

(1:262)

الطّوسيّ: قيل في معناه وجهان:

أحدهما: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى كما قلنا في قوله:

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ.

و الثّاني:على وقوع المصدر موقع الصّفة،كأنّه قال:

و لكنّ البارّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ.

و قيل في معنى الآية قولان:

أحدهما:أنّه كان قوم من الجاهليّة إذا أحرموا،نقبوا في ظهر بيوتهم نقبا،يدخلون منه و يخرجون،فنهوا عن التّديّن بذلك،و أمروا أن يأتوا البيوت من أبوابها،في قول ابن عبّاس و البراء و قتادة و عطاء.

و الثّاني:قال قوم و اختاره الجبّائيّ:إنّه مثل ضربه اللّه لهم وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها البقرة:189،أي آتوا البرّ من وجهه الّذي أمر اللّه به و رغب فيه،و هذا الوجه حسن.(2:141)

الزّمخشريّ: و ليس البرّ بتحرّجكم من دخول الباب،و لكن البرّ برّ من اتّقى ما حرّم اللّه.

فإن قلت:ما وجه اتّصاله بما قبله؟

قلت:كأنّه قيل لهم عند سؤالهم عن الأهلّة و عن الحكمة في نقصانها-و تمامها معلوم-أنّ كلّ ما يفعله اللّه عزّ و جلّ لا يكون إلاّ حكمة بالغة و مصلحة لعباده،فدعوا السّؤال عنه،و انظروا في واحدة تفعلونها أنتم ممّا ليس من البرّ في شيء،و أنتم تحسبونها برّا.

و يجوز أن يجري ذلك على طريق الاستطراد لما ذكر أنّها مواقيت للحجّ،لأنّه كان من أفعالهم في الحجّ، و يحتمل أن يكون هذا تمثيلا لتعكيسهم في سؤالهم،و أنّ مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت،و يدخله من ظهره.

و المعنى:ليس البرّ و ما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم،و لكن البرّ برّ من اتّقى ذلك و تجنّبه،و لم يجسر على مثله.(1:340)

الطّبرسيّ:أنّ معناه ليس البرّ طلب المعروف من غير أهله،و إنّما البرّ طلب المعروف من أهله وَ لكِنَّ الْبِرَّ

ص: 260

مَنِ اتَّقى قد مرّ معناه.(1:284)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ففيه مسائل:

المسألة الأولى:ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها:

أحدها:قال الحسن و الأصمّ:كان الرّجل في الجاهليّة إذا همّ بشيء فتعسّر عليه مطلوبه لم يدخل بيته من بابه بل يأتيه من خلفه،و يبقى على هذه الحالة حولا كاملا،فنهاهم اللّه تعالى عن ذلك،لأنّهم كانوا يفعلونه تطيّرا،و على هذا تأويل الآية وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها على وجه التّطيّر،لكن البرّ من يتّقي اللّه و لم يتّق غيره،و لم يخف شيئا كان يتطيّر به، بل توكّل على اللّه تعالى و اتّقاه وحده،ثمّ قال: وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي لتفوزوا بالخير في الدّين و الدّنيا،كقوله: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ... وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطّلاق:2-4.

و تمام التّحقيق في الآية:أنّ من رجع خائبا يقال:

ما أفلح و ما أنجح،فيجوز أن يكون الفلاح المذكور في الآية هو أنّ الواجب عليكم أن تتّقوا اللّه حتّى تصيروا مفلحين منجحين.و قد وردت الأخبار عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالنّهي عن التّطيّر،و قال:«لا عدوى و لا طيرة»و قال:

«من ردّه عن سفره تطيّر فقد أشرك»أو كما قال:و أنّه كان يكره الطّيرة و يحبّ الفأل الحسن،و قد عاب اللّه تعالى قوما تطيّروا بموسى و من معه قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللّهِ النّمل:47.

الوجه الثّاني في سبب نزول هذه الآية:روي أنّ في أوّل الإسلام كان إذا أحرم الرّجل منهم،فإن كان من أهل المدن نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل و يخرج،أو يتّخذ سلّما يصعد منه سطح داره ثمّ ينحدر،و إن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء،فقيل لهم:ليس البرّ بتحرّجكم عن دخول الباب،و لكن البرّ من اتّقى.

الوجه الثّالث:إنّ أهل الجاهليّة إذا أحرم أحدهم نقب خلف بيته أو خيمته نقبا،منه يدخل و يخرج إلاّ الحمس-و هم قريش،و كنانة،و خزاعة،و ثقيف، و خيم،و بنو عامر بن صعصعة،و بنو نصر بن معاوية، و هؤلاء سمّوا حمسا لتشدّدهم في دينهم،و الحماسة:

الشّدّة،و هؤلاء متى أحرموا لم يدخلوا بيوتهم البتّة، و لا يستظلّون الوبر،و لا يأكلون السّمن و الأقط-ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان محرما و رجل آخر كان محرما،فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حال كونه محرما من باب بستان قد خرب، فأبصره ذلك الرّجل الّذي كان محرما فأتبعه،فقال له عليه السّلام:تنحّ عنّي.قال:و لم يا رسول اللّه؟قال:دخلت الباب و أنت محرم.فوقف ذلك الرّجل فقال:إنّي رضيت بسنّتك و هديك؛و قد رأيتك دخلت فدخلت،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و أعلمهم أنّ تشديدهم في أمر الإحرام ليس ببرّ،و لكن البرّ من اتّقى مخالفة اللّه،و أمرهم بترك سنّة الجاهليّة،فقال: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها فهذا ما قيل في سبب نزول هذه الآية.

المسألة الثّانية:ذكروا في تفسير الآية ثلاثة أوجه:

الأوّل:و هو قول أكثر المفسّرين حمل الآية على هذه الأحوال الّتي رويناها في سبب النّزول،إلاّ أنّ على

ص: 261

هذا التّقدير صعب الكلام في نظم الآية،فإنّ القوم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الحكمة في تغيّر نور القمر،فذكر اللّه تعالى الحكمة في ذلك،و هي قوله: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ البقرة:189،فأيّ تعلّق بين بيان الحكمة في اختلاف نور القمر،و بين هذه القصّة،ثمّ القائلون بهذا القول أجابوا عن هذا السّؤال من وجوه:

أحدها:أنّ اللّه تعالى لمّا ذكر أنّ الحكمة في اختلاف أحوال الأهلّة جعلها مواقيت للنّاس و الحجّ،و كان هذا الأمر من الأشياء الّتي اعتبروها في الحجّ،لا جرم تكلّم اللّه تعالى فيه.

و ثانيها:أنّه تعالى إنّما وصل قوله: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها بقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ لأنّه اتّفق وقوع القصّتين في وقت واحد، فنزلت الآية فيهما معا في وقت واحد،و وصل أحد الأمرين بالآخر.

و ثالثها:كأنّهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال الأهلّة،فقيل لهم:اتركوا السّؤال عن هذا الأمر الّذي لا يعنيكم و ارجعوا إلى ما البحث عنه أهمّ لكم،فإنّكم تظنّون أنّ إتيان البيوت من ظهورها برّ،و ليس الأمر كذلك.

القول الثّاني في تفسير الآية:أنّ قوله تعالى:

وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها مثل ضربه اللّه تعالى لهم،و ليس المراد ظاهره.و تفسيره:أنّ الطّريق المستقيم المعلوم،هو أنّ يستدلّ بالمعلوم على المظنون،فأمّا أن يستدلّ بالمظنون على المعلوم فذاك عكس الواجب،و ضدّ الحقّ.

و إذا عرفت هذا فنقول:إنّه قد ثبت بالدّلائل أنّ للعالم صانعا مختارا حكيما،و ثبت أنّ الحكيم لا يفعل إلاّ الصّواب البريء عن العبث و السّفه،و متى عرفنا ذلك، و عرفنا أنّ اختلاف أحوال القمر في النّور من فعله،علمنا أنّ فيه حكمة و مصلحة،و ذلك لأنّ علمنا بهذا الحكيم الّذي لا يفعل إلاّ للحكمة،يفيدنا القطع بأنّ فيه حكمة، لأنّه استدلال بالمعلوم على المجهول،فأمّا أن يستدلّ بعدم علمنا بما فيه من الحكمة على أنّ فاعله ليس بحكيم،فهذا الاستدلال باطل،لأنّه استدلال بالمجهول على القدح في المعلوم.

إذا عرفت هذا فالمراد من قوله تعالى: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها يعني أنّكم لمّا لم تعلموا حكمته في اختلاف نور القمر،صرتم شاكّين في حكمة الخالق،فقد أتيتم الشّيء لا من البرّ و لا من كمال العقل، إنّما البرّ بأن تأتوا البيوت من أبوابها،فتستدلّوا بالمعلوم المتيقّن و هو حكمة خالقها،على هذا المجهول،فتقطعوا بأنّ فيه حكمة بالغة،و إن كنتم لا تعلمونها.فجعل إتيان البيوت من ظهورها كناية عن العدول عن الطّريق الصّحيح،و إتيانها من أبوابها كناية عن التّمسّك بالطّريق المستقيم.

و هذا طريق مشهور في الكناية،فإنّ من أرشد غيره إلى الوجه الصّواب يقول له:ينبغي أن تأتي الأمر من بابه،و في ضدّه يقال:إنّه ذهب إلى الشّيء من غير بابه، قال تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ آل عمران:

187،و قال: وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا هود:92، فلمّا كان هذا طريقا مشهورا معتادا في الكنايات،ذكره

ص: 262

اللّه تعالى هاهنا و هذا تأويل المتكلّمين،و لا يصحّ تفسير هذه الآية فإنّ تفسيرها بالوجه الأوّل يطرق إلى الآية سواء التّرتيب،و كلام اللّه منزّه عنه.

القول الثّالث في تفسير الآية:ما ذكره أبو مسلم:أنّ المراد من هذه الآية ما كانوا يعملونه من النّسيء،فإنّهم كانوا يخرجون الحجّ عن وقته الّذي عيّنه اللّه له، فيحرّمون الحلال و يحلّون الحرام،فذكر إتيان البيوت من ظهورها مثل لمخالفة الواجب في الحجّ و شهوره.

المسألة الثّالثة:قوله تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى تقديره:و لكن البرّ برّ من اتّقى،فهو كقوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ. (5:136)

البيضاويّ: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها و قرأ أبو عمرو و ورش و حفص بضمّ الباء و الباقون بالكسر وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى و قرأ نافع و ابن عامر بتخفيف(و لكن)و رفع(البرّ).

كانت الأنصار إذا أحرموا لم يدخلوا دارا و لا فسطاطا من بابه،و إنّما يدخلون و يخرجون من نقب أو فرجة وراءه،و يعدّون ذلك برّا؛فبيّن لهم أنّه ليس ببرّ،و إنّما البرّ برّ من اتّقى المحارم و الشّهوات.

و وجه اتّصاله بما قبله (1)أنّهم سألوا عن الأمرين،أو أنّه لمّا ذكر أنّها مواقيت الحجّ و هذا أيضا من أفعالهم في الحجّ ذكره للاستطراد.

أو أنّهم لمّا سألوا عمّا لا يعنيهم و لا يتعلّق بعلم النّبوّة و تركوا السّؤال عمّا يعنيهم و يختصّ بعلم النّبوّة،عقّب بذكره جواب ما سألوه،تنبيها على أنّ اللاّئق بهم أن يسألوا أمثال ذلك و يهتمّوا بالعلم بها.

أو أنّ المراد به التّنبيه على تعكيسهم السّؤال بتمثيل حالهم بحال من ترك باب البيت و دخل من ورائه.

و المعنى و ليس البرّ أن تعكسوا مسائلكم و لكن البرّ برّ من اتّقى،و لم يجسر على مثله.(1:104)

النّسفيّ: أي ليس البرّ بتحرّجكم من دخول الباب.و لا خلاف في رفع(البرّ)هنا لأنّ الآية ثمّة تحتمل الوجهين-كما بيّنّا-فجاز الرّفع و النّصب ثمّة، و هذه لا تحتمل إلاّ وجها واحدا و هو الرّفع؛إذ الباء لا تدخل إلاّ على خبر(ليس):و لكن البرّ برّ من اتّقى ما حرّم اللّه.(1:97)

أبو حيّان: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى، التّأويلات الّتي في قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ سائغة هنا،من أنّه أطلق(البرّ)و هو المصدر على من وقع منه على سبيل المبالغة،أو فيه حذف من الأوّل،أي ذا البرّ،و من الثّاني، أي برّ من آمن،و تقدّم التّرجيح في ذلك.

و هذه الآية كأنّها مختصرة من تلك،لأنّ هناك عدّ أوصافا كثيرة من الإيمان باللّه إلى سائر تلك الأوصاف، و قال في آخرها: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ و قال هنا:

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى.

و التّقوى لا تحصل إلاّ بحصول تلك الأوصاف، فأحال هنا على تلك الأوصاف ضمنا إذ جاء معها هو المتّقي.

و قرأ نافع و ابن عامر بتخفيف(و لكن)و رفع(البرّ) و الباقون بالتّشديد و النّصب.(2:64)

رشيد رضا: أي إنّ البرّ هو تقوى اللّه تعالىة.

ص: 263


1- أى سؤالهم عن الأهلّة.

بالتّخلّي عن المعاصي و الرّذائل،و عمل الخير،و التّحلّي بالفضائل،و اتّباع الحقّ،و اجتناب الباطل.(2:207)

الطّباطبائيّ: إنّ قوله:(و ليس البرّ)إلى آخره، كناية عن النّهي عن امتثال الأوامر الإلهيّة،و العمل بالأحكام المشرّعة في الدّين إلاّ على الوجه الّذي شرّعت عليه،فلا يجوز الحجّ في غير أشهره،و لا الصّيام في غير شهر رمضان و هكذا،و كانت الجملة على هذا متمّما لأوّل الآية.

و كأنّ المعنى أنّ هذه الشّهور أوقات مضروبة لأعمال شرّعت فيها،و لا يجوز التّعدّي بها عنها إلى غيرها،كالحجّ في غير أشهره،و الصّوم في غير شهر رمضان و هكذا،فكانت الآية مشتملة على بيان حكم واحد.

و على التّقدير الأوّل الّذي يؤيّده النّقل فنفي البرّ عن إتيان البيوت من ظهورها يدلّ على أنّ العمل المذكور لم يكن ممّا أمضاه الدّين،و إلاّ لم يكن معنى لنفي كونه برّا، فإنّما كان ذلك عادة سيّئة جاهليّة،فنفى اللّه تعالى كونه من البرّ،و أثبت أنّ البرّ هو التّقوى.

و كان الظّاهر أن يقال:و لكن البرّ هو التّقوى،و إنّما عدل إلى قوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى إشعارا بأنّ الكمال إنّما هو في الاتّصاف بالتّقوى،و هو المقصود دون المفهوم الخالي،كما مرّ نظيره في قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ. (2:56)

4- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ. آل عمران:92

أبو ذرّ:إنّ(البرّ)هو الخير.

(الفخر الرّازيّ 8:143)

ابن عبّاس: يعني ما عند اللّه من الثّواب و الكرامة و الجنّة حتّى تنفقوا ممّا تحبّون من المال،و يقال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ لن تبلغوا إلى التّوكّل و التّقوى.

(تنوير المقباس:52)

أنّه الجنّة.(ابن الجوزيّ 1:420)

مثله مجاهد و السّدّيّ(ابن الجوزيّ 1:420)،و ابن مسعود و عطاء و عمرو بن ميمون(القرطبيّ 4:133).

العوفيّ: الطّاعة.(ابن الجوزيّ 1:420)

عطاء: التّقوى.

مثله مقاتل.(ابن الجوزيّ 1:420)

قتادة: يقول:لن تنالوا برّ ربّكم حتّى تنفقوا ممّا يعجبكم،و ممّا تهوون من أموالكم.(الطّبريّ 3:347)

الإمام الصّادق عليه السّلام: قال مفضّل بن عمر:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام يوما و معي شيء فوضعته بين يديه،فقال:ما هذا؟فقلت:هذه صلة مواليك و عبيدك، قال:

فقال لي:يا مفضّل،إنّي لا أقبل ذلك و ما أقبل من حاجة بي إليه و ما أقبله إلاّ ليزكّوا به،ثمّ قال:سمعت أبي يقول:من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قلّ أو كثر لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة إلاّ أن يعفو اللّه عنه.

ثمّ قال:يا مفضّل إنّها فريضة فرضها اللّه على شيعتنا في كتابه؛إذ يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ فنحن البرّ و التّقوى و سبيل الهدى و باب

ص: 264

التّقوى،و لا يحجب دعاؤنا عن اللّه،اقتصروا على حلالكم،و حرامكم فاسألوا عنه،و إيّاكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عمّا لا يغنيكم و عمّا ستر اللّه عنكم.(البحرانيّ 1:297)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:لن تدركوا أيّها المؤمنون(البرّ)و هو البرّ من اللّه الّذي يطلبونه منه بطاعتهم إيّاه،و عبادتهم له،و يرجونه منه،و ذلك تفضّله عليهم بإدخالهم جنّته،و صرف عذابه عنهم، و لذلك قال كثير من أهل التّأويل:(البرّ):الجنّة،لأنّ برّ الرّبّ بعبده في الآخرة،و إكرامه إيّاه،بإدخاله الجنّة.

فتأويل الكلام:لن تنالوا أيّها المؤمنون جنّة ربّكم، حتّى تنفقوا ممّا تحبّون،يقول:حتّى تتصدّقوا ممّا تحبّون و تهوون أن يكون لكم من نفيس أموالكم.(3:347)

الماورديّ: في(البرّ)ثلاثة تأويلات:

أحدها:أنّ(البرّ)ثواب اللّه تعالى.

و الثّاني:أنّه فعل الخير الّذي يستحقّ به الثّواب.

و الثّالث:[قول السّدّيّ و قد تقدّم](1:408)

مثله الطّوسيّ.(2:530)

الزّمخشريّ: لن تبلغوا حقيقة البرّ و لن تكونوا أبرارا،و قيل:لن تنالوا برّ اللّه،و هو ثوابه حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ. (1:444)

نحوه البيضاويّ.(1:171)

الفخر الرّازيّ: للمفسّرين في تفسير(البرّ) قولان:

أحدهما:ما به يصيرون أبرارا حتّى يدخلوا في قوله:

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ المطفّفين:22،فيكون المراد ب(البرّ)ما يحصل منهم من الأعمال المقبولة.

و الثّاني:الثّواب و الجنّة،فكأنّه قال:لن تنالوا هذه المنزلة،إلاّ بالإنفاق على هذا الوجه.

أمّا القائلون بالقول الأوّل،فمنهم من قال:(البرّ)هو التّقوى،و احتجّ بقوله: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ إلى قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ و قال أبو ذرّ:إنّ(البرّ)هو الخير،و هو قريب ممّا تقدّم.

و أمّا الّذين قالوا:(البرّ)هو الجنّة،فمنهم من قال:

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) أي لن تنالوا ثواب البرّ.و منهم من قال:

المراد برّ اللّه أولياءه و إكرامه إيّاهم و تفضّله عليهم،و هو من قول النّاس:برّني فلان بكذا،و برّ فلان لا ينقطع عنّي،و قال تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ إلى قوله: أَنْ تَبَرُّوهُمْ الممتحنة:8.

(8:143)

نحوه النّيسابوريّ.(5:4)

القرطبيّ: و قيل:(البرّ)العمل الصّالح.و في الحديث الصّحيح:«عليكم بالصّدق فإنّه يهدي إلى البرّ و أنّ البرّ يهدي إلى الجنّة».(4:133)

الخازن: [و بعد نقل أقوال المتقدّمين قال:]

و أصل البرّ:التّوسّع في فعل الخير،يقال:برّ العبد ربّه،أي توسّع في طاعته.فالبرّ من اللّه:الثّواب،و من العبد:الطّاعة.و قد يستعمل في الصّدق و حسن الخلق، لأنّهما من الخير المتوسّع فيه.(1:317)

أبو السّعود: لن تبلغوا حقيقة البرّ الّذي يتنافس فيه المتنافسون،و لن تدركوا شأوه،و لن تلحقوا بزمرة الأبرار،أو لن تنالوا برّ اللّه تعالى،و هو ثوابه و رحمته

ص: 265

و رضاه و جنّته.(1:389)

مثله البروسويّ.(2:62)

الآلوسيّ: (البرّ):الإحسان و كمال الخير.و بعضهم يفرّق بينه و بين«الخير»بأنّ البرّ هو النّفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك،و الخير هو النّفع مطلقا و إن وقع سهوا.و ضدّ البرّ:العقوق،و ضدّ الخير:الشّرّ.

و«أل»فيه إمّا للجنس و الحقيقة،و المراد:لن تكونوا أبرارا حتّى تنفقوا،و هو المرويّ عن الحسن.

و إمّا لتعريف العهد،و المراد:لن تصيبوا برّ اللّه تعالى يا أهل طاعته حتّى تنفقوا،و إلى ذلك ذهب مقاتل، و عطاء.

و ذهب بعضهم إلى أنّ الكلام على حذف مضاف، أي لن تنالوا ثواب البرّ.(3:222)

رشيد رضا: و اختلفوا في(البرّ)المراد هنا،الّذي لا يناله المرء،أي يصيبه و يدركه إلاّ إذا أنفق ممّا يحبّ، فقيل:هو برّ اللّه تعالى و إحسانه مطلقا،و قيل:الجنّة، و قيل:هو ما يكون به الإنسان بارّا،و هو ما تقدّم تفصيله في قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ البقرة:177،و فيها وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى.

و أنت ترى أنّه في هذه الآية جعل إيتاء المال على حبّه شعبة من شعب(البرّ)كما جعل في سورة الإنسان إطعام الطّعام على حبّه صفة من صفات الأبرار.و لكنّه في الآية الّتي نفسّرها جعل الإنفاق ممّا يحبّ غاية لا ينال البرّ إلاّ بالانتهاء إليها.

و قد فهم منه بعضهم أنّ من أنفق ممّا يحبّ كان برّا و إن لم يأت بسائر شعب البرّ،من الإيمان بجميع أركانه، و إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة،و الوفاء بالعهد،و الصّبر في البأساء و الضّرّاء،و حين البأس.

و ليس ما فهم بصواب إنّما الصّواب أنّ الإنسان لا يكون برّا بالقيام بهذه الخصال حتّى ينتهي إلى هذه الخصلة:الإنفاق ممّا يحبّ،و ما جعلها غاية إلاّ و هي أشقّ على النّفوس و أبعد عن الحصول،إلاّ من وفّقه اللّه تعالى، و وهبه الكمال.(3:372)

الطّباطبائيّ: و مراده من فعل الخير أعمّ ممّا هو فعل القلب كالاعتقاد الحقّ و النّيّة الطّاهرة،أو فعل الجوارح كالعبادة للّه و الإنفاق في سبيل اللّه تعالى.و قد اشتمل على القسمين جميعا قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ... الآية، البقرة:177.

و من انضمام الآية إلى قوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ يتبيّن أنّ المراد بها أنّ إنفاق المال على حبّه أحد أركان(البرّ) الّتي لا يتمّ إلاّ باجتماعها.نعم جعل الإنفاق غاية لنيل (البرّ)لا يخلو عن العناية و الاهتمام بأمر هذا الجزء بخصوصه،لما في غريزة الإنسان من التّعلّق القلبيّ بما جمعه من المال،و عدّه كأنّه جزء من نفسه إذا فقده، فكأنّه فقد جزء من حياة نفسه،بخلاف سائر العبادات و الأعمال الّتي لا يظهر معها فوت و لا زوال منه.

و من هنا يظهر ما في قول بعضهم:إنّ(البرّ)هو الإنفاق ممّا تحبّون،و كأنّ هذا القائل جعلها من قبيل قول القائل:لا تنجو من ألم الجوع حتّى تأكل،و نحو ذلك،

ص: 266

لكنّه محجوج بما مرّ من الآية.

و يتبيّن من آية البقرة المذكورة أيضا أنّ المراد ب(البرّ)هو ظاهر معناه اللّغويّ،أعني التّوسّع في الخير، فإنّها بيّنته،بمجامع الخيرات الاعتقاديّة و العمليّة.

و منه يظهر ما في قول بعضهم:إنّ المراد ب(البرّ)هو إحسان اللّه و إنعامه،و ما في قول آخرين:إنّ المراد به الجنّة.(3:344)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(2:447)

5- وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

المائدة:2

ابن عبّاس: على الطّاعة.(تنوير المقباس:88)

(البرّ):ما أمرت به.(الطّبريّ 6:67)

(البرّ):متابعة السّنّة.(الخازن 2:6)

الماورديّ: ندب اللّه سبحانه إلى التّعاون بالبرّ و قرنه بالتّقوى له،لأنّ في التّقوى رضا اللّه تعالى،و في البرّ رضا النّاس.و من جمع بين رضا اللّه تعالى و رضا النّاس فقد تمّت سعادته و عمّت نعمته.

(القرطبيّ 6:47)

الزّمخشريّ: على العفو و الإغضاء.(1:592)

ابن عطيّة: عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى قال قوم:هما لفظان بمعنى،و كرّر باختلاف اللّفظ تأكيدا و مبالغة؛إذ كلّ برّ تقوى و كلّ تقوى برّ.

و في هذا تسامح ما،و العرف في دلالة هذين اللّفظين أنّ البرّ:يتناول الواجب و المندوب إليه،و التّقوى:

رعاية الواجب،فإن جعل أحدهما بدل الآخر فبتجوّز.

ثمّ نهى تعالى عن التّعاون على الإثم و هو الحكم اللاّحق عن الجرائم،و عن العدوان و هو ظلم النّاس،ثمّ أمر بالتّقوى و توعّد توعّدا مجملا بشدّة العقاب.

و روي أنّ هذه الآية نزلت نهيا عن الطّلب بذحول الجاهليّة؛إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك،قاله مجاهد.

و قد قتل بذلك حليف لأبي سفيان من هذيل.

(2:150)

القرطبيّ: و قال ابن خويزمنداد في«أحكامه»:

و التّعاون على البرّ و التّقوى يكون بوجوه،فواجب على العالم أن يعين النّاس بعلمه فيعلّمهم،و يعينهم الغنيّ بماله، و الشّجاع بشجاعته في سبيل اللّه،و أن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة«المؤمنون تتكافأ دماؤهم، و يسعى بذمّتهم أدناهم،و هم يد على من سواهم» و يجب الإعراض عن المتعدّي و ترك النّصرة له،و ردّه عمّا هو عليه.(6:47)

البيضاويّ: على العفو و الإغضاء،و متابعة الأمر، و مجانبة الهوى.(1:261)

الآلوسيّ: و اختار غير واحد أنّ المراد ب(البرّ) متابعة الأمر مطلقا،و ب(التّقوى)اجتناب الهوى،لتصير الآية من جوامع الكلم،و تكون تذييلا للكلام،فيدخل في البرّ و التّقوى جميع مناسك الحجّ،فقد قال تعالى:

فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الحجّ:32،و يدخل العفو و الإغضاء أيضا دخولا أوّليّا.(6:56)

رشيد رضا:و في الحديث«البرّ:حسن الخلق، و الإثم:ما حاك في النّفس و كرهت أن يطّلع عليه النّاس»

ص: 267

رواه مسلم و أصحاب السّنن عن النّواس بن سمعان، و روى أحمد و الدّارميّ،و حسّنه النّوويّ في«الأربعين» عن وابصة بن معبد الجهنيّ رضي اللّه عنه أنّه قال:أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:«جئت تسأل عن البرّ»و فى رواية:

«جئت تسأل عن البرّ و الإثم»؟قلت:نعم-و كان قد جاء لأجل ذلك،فأخبره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بما في نفسه و أجابه عنه-فقال:«استفت قلبك؛البرّ:ما اطمأنّت إليه النّفس و اطمأنّ إليه القلب،و الإثم:ما حاك في النّفس و تردّد في الصّدر،و إن أفتاك النّاس و أفتوك».

و ليس هذا تفسيرا للبرّ و الإثم بالمعنى الشّرعيّ و لا اللّغويّ،و إنّما هو بيان لما يطلبه السّائل من الفرقان بين ما يشتبه من البرّ و الإثم،فيشكّ الإنسان هل هو منهما أم لا،فأحاله صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك على ضميره و وجدانه، و أرشده إلى الأخذ بالاحتياط الّذي تسكن إليه النّفس، و يطمئنّ به القلب،و إن خالف فتوى المفتين الّذين يراعون الظّواهر دون دقائق الاحتياط الخفيّة،و كان صلّى اللّه عليه و سلّم يجيب كلّ سائل بحسب حالته.

كان الصّحابة و سائر العرب يفهمون معنى«البرّ» و إنّما كان القرآن و النّبيّ يبيّنان لهم خصال البرّ و أعماله و آياته،و ما قد يغلطون في عدّه منه،و لذلك قال اللّه تعالى: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى البقرة:189،و كانوا في الجاهليّة يأتون البيوت من ظهورها إذا كانوا محرمين بالحجّ و يعدّون هذا من النّسك و البرّ.

و قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ... الآية،البقرة:177،فهذا بيان لأهمّ أركان البرّ في الدّين من الإيمان و العبادات البدنيّة و الماليّة و الأخلاق.و قال تعالى: وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى المجادلة:9.

فمجموع ما ورد في البرّ مصداق لما فسّره به الرّاغب:

من أنّه التّوسّع في فعل الخير،إذا أريد به ما يشمل الأفعال النّفسيّة و الأخلاق الحسنة،باعتبار ما ينشأ عنها من الأعمال.و قد قال:إنّه مشتقّ من البرّ بالفتح-الّذي هو مقابل البحر-بتصوّر سعته.و إلاّ قلنا:إنّ البرّ:اسم لمجموع ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى من الإيمان و الأخلاق و الآداب و الأعمال،و كلّ واحد منها يعدّ خصلة أو شعبة من البرّ.(6:129)

نحوه المراغيّ.(6:46)

الطّباطبائيّ: المعنى واضح،و هذا أساس السّنّة الإسلاميّة.و قد فسّر اللّه سبحانه(البرّ)في كلامه:

بالإيمان و الإحسان في العبادات و المعاملات،كما مرّ في قوله تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ البقرة:177،و قد تقدّم الكلام فيه.و(التّقوى):مراقبة أمر اللّه و نهيه.(5:163)

عبد المنعم الجمّال: ما اطمأنّ إليه القلب.

(1:672)

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. المجادلة:9

الطّبريّ: يعني طاعة اللّه و ما يقرّبكم منه.

(28:15)

ص: 268

نحوه الواحديّ(4:264)،و الشّربينيّ(4:227).

الطّوسيّ: أي بأفعال الخير.(9:549)

النّسفيّ: بأداء الفرائض و الطّاعات.(4:234)

أبو السّعود: أي بما يتضمّن خير المؤمنين.

(6:217)

مثله البروسويّ(9:401)،و الآلوسيّ(28:27).

الطّباطبائيّ: (البرّ)و هو التّوسّع في فعل الخير يقابل العدوان.(19:187)

البرّ

1- ...وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ. الأنعام:59

ابن عبّاس: من الخلق و العجائب.

(تنوير المقباس:111)

مجاهد :(البرّ):المفاوز و القفار(و البحر)القرى و الأمصار،لا يحدث فيهما شيء إلاّ يعلمه.

(البغويّ 2:129)

نحوه الآلوسيّ.(7:171)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ(ما فى البرّ)ما على الأرض،و ما في (البحر)ما على الماء،و هو الظّاهر،و به قال الجمهور.

و الثّاني:أنّ(البرّ)القفر،(و البحر)القرى،لوجود الماء فيها،فلذلك سمّيت بحرا.(2:121)

الطّوسيّ: يعلم ما في البرّ و البحر من الحيوان و الجماد.(4:167)

نحوه الطّبرسيّ(2:311)،و شبّر(2:267).

البغويّ: قيل:هو البرّ و البحر المعروف.

(2:130)

الفخر الرّازيّ: و فيه دقيقة أخرى،و هي أنّه تعالى قدّم ذكر(البرّ)لأنّ الإنسان قد شاهد أحوال البرّ و كثرة ما فيه من المدن و القرى و المفاوز و الجبال و التّلال، و كثرة ما فيها من الحيوان و النّبات و المعادن.و أمّا (البحر)فإحاطة العقل بأحواله أقلّ،إلاّ أنّ الحسّ يدلّ على أنّ عجائب البحار في الجملة أكثر و طولها و عرضها أعظم،و ما فيها من الحيوانات و أجناس المخلوقات أعجب.(13:10)

نحوه النّيسابوريّ(7:121)،و الشّربينيّ(1:

424).

القرطبيّ: خصّهما بالذّكر،لأنّهما أعظم المخلوقات المجاورة للبشر،أي يعلم ما يهلك في البرّ و البحر.

و يقال:يعلم ما في البرّ من النّبات و الحبّ و النّوى، و ما في البحر من الدّوابّ،و رزق ما فيها.(7:4)

النّسفيّ: ما فِي الْبَرِّ من النّبات و الدّوابّ (و البحر)من الحيوان و الجواهر و غيرهما.(2:15)

الخازن: قال جمهور المفسّرين:هو البرّ و البحر المعروفان،لأنّ جميع الأرض إمّا برّ و إمّا بحر،و في كلّ واحد منهما من عجائب مصنوعاته و غرائب مبتدعاته ما يدلّ على عظيم قدرته و سعة علمه.(2:116)

أبو حيّان: و قدّم(البرّ)لكثرة مشاهدتنا لما اشتمل عليه من المدن و القرى و المفاوز و الجبال و الحيوان و النّبات و المعادن،أو على سبيل التّرقّي إلى ما هو أعجب

ص: 269

في الجملة،لأنّ ما فيه من أجناس الحيوانات أعجب، و طوله و عرضه أعظم،و البرّ:مقابل البحر.

و قيل:(البرّ)القفار و(البحر)المعروف،فالمعنى و يعلم ما في البرّ من نبات و دوابّ و أحجار و أمدار و غير ذلك،و ما في البحر من حيوان و جواهر و غير ذلك.

و قيل:لم يرد ظاهر البرّ و البحر،و إنّما أراد أنّ علمه تعالى محيط بنا و بما أعدّ لمصالحنا من منافعهما،و خصّا بالذّكر،لأنّهما أعظم مخلوق يجاورنا.(4:145)

أبو السّعود: أي يعلم ما فيهما من الموجودات مفصّلة على اختلاف أجناسها و أنواعها و تكثّر أفرادها.

(2:393)

البروسويّ: هو عالم الشّهادة و الصّورة،و البحر و هو عالم الغيب و الملكوت،يدلّ على هذا المعنى عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الأنعام:73.(3:43)

رشيد رضا: و ذلك لأنّ أحد أقسام معلومات اللّه هو جميع دوابّ البرّ و البحر،و الحسّ و الخيال قد وقف على عظمة أحوال البرّ و البحر،فذكر هذا المحسوس يكشف عن حقيقة عظمة ذلك المعقول،و فيه دقيقة أخرى،و هي أنّه تعالى قدّم ذكر البرّ.[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ](7:460)

الطّباطبائيّ: تعميم لعلمه بما يمكن أن يتعلّق به علم غيره،ممّا ربّما يحضر بعضه عند بعض و ربّما يغيب بعضه عن بعض،و إنّما قدّم(ما فى البرّ)،لأنّه أعرف عند المخاطبين من النّاس.(7:129)

طه الدّرّة: البرّ بفتح الباء،و هو الأرض القفر الّتي لا ماء فيها و لا نبات،و البحر:القرى و الأمصار، و لا يحدث فيها شيء إلاّ و اللّه يعلمه،قاله مجاهد.

و قال جمهور المفسّرين: هو البرّ و البحر المعروفان، لأنّ جميع الأرض إمّا برّ و إمّا بحر،و في كلّ واحد منها من عجائب مصنوعاته،و غرائب مبتدعاته ما يدلّ على عظيم قدرته،و سعة علمه،و هذا هو المعتمد.

هذا و البرّ بكسر الباء:كلمة جامعة لجميع خصال الخير الدّنيويّة و الأخرويّة،و البرّ بضمّ الباء:القمح الحنطة الّتي نأكلها خبزا.(4:154)

2- وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً. الإسراء:70

ابن عبّاس: (في البرّ)على الدّوابّ(و البحر)في البحر على السّفن.(تنوير المقباس:239)

نحوه الطّبريّ.(15:125)

الطّوسيّ: ثمّ بيّن تعالى الوجوه الّتي كرّم بها بني آدم بأنّه حملهم في البرّ و البحر على ما يحملهم من الإبل و غيرها،كما قال: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً النّحل:8،و البحر و السّفن الّتي خلقها لهم و أجراها بالرّياح فوق الماء ليبلغوا بذلك حوائجهم.

(6:503)

نحوه الطّبرسيّ.(3:429)

الفخر الرّازيّ: من المدائح المذكورة في هذه الآية قوله: وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قال ابن عبّاس:

(في البرّ)على الخيل و البغال و الحمير و الإبل،و في (البحر)على السّفن.

ص: 270

و هذا أيضا من مؤكّدات التّكريم المذكور أوّلا،لأنّه تعالى سخّر هذه الدّوابّ له حتّى يركبها،و يحمل عليها، و يغزو و يقاتل،و يذبّ عن نفسه،و كذلك تسخير اللّه تعالى المياه و السّفن و غيرها ليركبها و ينقل عليها، و يتكسّب بها ممّا يختصّ به ابن آدم،كلّ ذلك ممّا يدلّ على أنّ الإنسان في هذا العالم كالرّئيس المتبوع و الملك المطاع،و كلّ ما سواه فهو رعيّته و تبع له.(21:15)

الآلوسيّ: على أكباد رطبة و أعواد يابسة من الدّوابّ و السّفن،فهو من حملته على كذا،إذا أعطيته ما يركبه و يحمله،فالمحمول عليه مقدّر بقرينة المقام.(15:118)

الطّباطبائيّ: أي حملناهم على السّفن و الدّوابّ و غير ذلك يركبونها إلى مقاصدهم،و ابتغاء فضل ربّهم و رزقه،و هذا أحد مظاهر تكريمهم.(13:157)

3- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. المائدة:96

راجع«ص ي د»

4- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ. الأنعام:63

راجع«ظ ل م»

5- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. الأنعام:97

راجع«ظ ل م»

6- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ... يونس:22

راجع«س ي ر»

7- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً. الإسراء:68

راجع«ج ن ب»

8- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ تَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ. النّمل:63

راجع«ظ ل م»

9- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الرّوم:41

راجع«ب ح ر»

10- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ. لقمان:32

راجع«ن ج و»

ص: 271

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير(البرّ)على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:(البرّ)يعني الصّلة،فذلك قوله:

وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا البقرة:

224،يعني لئلاّ تصلوا القرابة،و قال: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ الممتحنة:8.

و الوجه الثّاني:(البرّ)يعني الطّاعة،فذلك قوله:

وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى المائدة:2،يعني ترك المعصية،نظيرها فيها،و قال في سورة مريم عن يحيى:

وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ مريم:14،يعني ترك المعصية،نظيرها فيها،يعني مطيعا لوالديه،و قال في عيسى: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي مريم:32،يعني مطيعا لأمّي مريم،و قال:

وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى المجادلة:9،يعني مطيعين، و قال: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ يعني كتاب المطيعين لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18.

و الوجه الثّالث:(البرّ)يعنى التّقوى فذلك قوله:

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا آل عمران:92،يعني لن تبلغوا التّقى كلّه حتّى تنفقوا في الصّدقة مِمّا تُحِبُّونَ، و قال في البقرة: لَيْسَ الْبِرَّ يقول:ليس التّقوى أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ، و لا أن تفعلوا غير ذلك وَ لكِنَّ الْبِرَّ يعني التّقوى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ إلى آخر الآية.و قال أيضا: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ يعني بطاعة اللّه باتّباع محمّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ البقرة:44.(310)

نحوه هارون الأعور(348)،و الدّامغانيّ(163)، و التّفليسيّ(44).

الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على أربعة عشر وجها:

الأوّل:أعني(البرّ)بالفتح خمسة:

الأوّل:بمعنى الحقّ جلّ اسمه و علا إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ. الطور:28.

الثّاني:بمعنى الصّحراء ضدّ البحر ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الرّوم:41، وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ الإسراء:70، فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ العنكبوت:65.

الثّالث:في مدح يحيى بن زكريّا وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ مريم:14.

الرّابع:في المسيح عيسى: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي

مريم:32.

الخامس:في ساكني ملكوت السّماء: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:15،16.

و أمّا(البرّ)بالكسر فأربعة:

الأوّل:بمعنى البارّ: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:177،أي البارّ.

الثّاني:بمعنى الخير: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ آل عمران:92.

الثّالث:بمعنى الطّاعة: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ البقرة:44.

الرّابع:بمعنى تصديق اليمين: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا البقرة:224.

و قد جاء بمعنى صلة الرّحم لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ

ص: 272

اَلَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ الممتحنة:8،أي تصلوا أرحامكم.

و(الأبرار)مذكور في خمسة مواضع:

الأوّل:في صفة الأخيار،في جوار الغفّار كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18.

الثّاني:في صفة نظارتهم على غرف دار القرار إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ المطفّفين:

22،23.

الثّالث:في مجلس أنسهم،و مجاورة المصطفى، و صحابته الأخيار إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً الدّهر:5.

الرّابع:في تقريرهم في قبّة القربة من اللّه الكريم السّتّار: وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ آل عمران:198.

الخامس:في مرافقة بعضهم بعضا يوم الرّحيل إلى دار القرار وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ آل عمران:193.

(بصائر ذوي التّمييز:2:211)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو«البرّ»خلاف البحر، و البرّيّة:نسبة إلى البرّ،و هي الصّحراء،سمّيت بذلك لاتّساعها،يقال:أبرّ فلان،أي ركب البرّ،و أفصح العرب أبرّهم،أي أبعدهم في البرّ و البدو دارا.

و البرّيّ:نسبة إلى البرّ،خلاف البحريّ،و استعمل بعد ذلك في كلّ ما ينسب إلى البرّ بمعنى الصّحراء دون الآدميّين،فيقال مثلا:نبات برّيّ:مقابل الأليف، و حيوان برّيّ:نقيض الأليف،و طير برّيّ؛خلاف الدّاجن.كما صيغ وزن«فعلانيّ»نسبة إلى البرّ بمعنى العلانية،كالصّنعانيّ نسبة إلى صنعاء،فقالوا:من أصلح جوّانيّه أصلح اللّه برّانيّه،أي من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته.

2-و اشتقّ معنى الكثرة و الزّيادة من البرّ،لوسعته و كثرة خيره،فأطلقوا البرّ على الحنطة،و ابن برّة على الخبز،و قالوا:أبرّت الأرض،أي كثر برّها،و برّت سلعته:نفقت،و أبرّ الرّجل إبرارا:كثر ولده،و أبرّ القوم:

كثروا،و أبرّ على صاحبه في كذا،أي أكثر،و أبرّ عليه:

غلبه،و أبرّه أيضا:قهره بفعال أو غيره،و في الحديث:

«أبرّ ناضحهم»،أي غلب.

و منه:البربرة،أي كثرة الكلام و الجلبة باللّسان، يقال:قد بربر الرّجل في كلامه،و رجل بربار:كثير الكلام بلا فائدة،و كذا البربريّ.

و البربر:قوم يقطنون المغرب الأقصى،و هم طائفتان:الشّلوح و الأمازغ،و لعلّ وجه تسميتهم بهذا الاسم لكثرة كلامهم و ثرثرتهم،أو لانتسابهم إلى البرّ و البدو و بعدهم عن الحضارة،و قد يطلق البربريّ على كلّ من كان كذلك.

3-و كما استعمل البرّ-بالفتح-في الوسعة،و البرّ- بالضّمّ-في الكثرة،فقد استعمل البرّ-بالكسر-في الخير الكثير و الصّدق و الصّلاح و هذا أوسع معانيه، يقال:بررت قريبي أبرّه و أبرّه برّا،أي وصلته،و برّ حجّه يبرّ برورا،و يبرّ برّا:قبل،و كذا برّ اللّه حجّه و أبرّه، فهو مبرور،أي لا يخالطه شيء من المآثم.

و برّت يمينه تبرّ و تبرّ برّا و برّا و برورا،أي صدقت،

ص: 273

و أبرّ قسم فلان:أمضاه على الصّدق،و كذا برّ في قسمه، أي صدقه و لم يحنث.

و فلان يبرّ خالقه و يتبرّره،أي يطيعه،و برّ والده يبرّه،و برره و يبرّه برّا:أطاعه أيضا،فهو بارّ من قوم بررة،و برّ من قوم أبرار.و الأبرار هم الّذين كثر خيرهم،و بهذا المعنى جاء في القرآن كما يأتي.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مشتقّات هذه المادّة في القرآن بالمعاني التّالية-و كلّها من مصاديق الخير سوى الأخير،أي «البرّ»عديل البحر،فقد جاء حسب المعنى الأصليّ لهذه المادّة:

1-الصّدق في اليمين و العهد

وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا البقرة:224

وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ الممتحنة:8

2-الإحسان:

أ-اللّه إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ

الطّور:28

ب-يحيى وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا

مريم:14

ج-عيسى وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا

مريم:32

د-عليّ و فاطمة و الحسنان-حسب الرّوايات كما سنبحثها- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً الدّهر:5

3-الطّاعة:

رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ آل عمران:193

نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ

آل عمران:198

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ

الانفطار:13،و المطفّفين:22

كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ المطفّفين:18

وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى البقرة:189

وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ المائدة:2

وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المجادلة:9

بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:15،16

4-الإيمان بالنّبيّ:

أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:44

5-الصّلاة:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ البقرة:177

6-الإيمان باللّه و إطاعته:

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ البقرة:177

7-الثّواب:

ص: 274

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ

آل عمران:92

8-خلاف البحر:

هناك سبع آيات جاء فيها البرّ و البحر معا،و قد تقدّمت في«ب ح ر»،و تمّ بحثها،فلاحظ،و أمّا عدا تلكم الآيات فكالآتي:

1- وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً

المائدة:96

2- وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ الإسراء:67

3- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً الإسراء:68

4- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ العنكبوت:65

5- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ

لقمان:32

و يلاحظ:أنّ أربعا من هذه الآيات الخمس فيها مقارنة بين البرّ و البحر أيضا بنحو آخر،و الفرق بينها و بين تلك السّبع واضح،فانّ المراد بها هناك الأرض جميعها،برّا و بحرا،أي العالم الأرضيّ بأجمعه،أمّا هنا فأريد بها الأرض مقابل البحر،فلاحظ.

كلمات من هذه المادّة في القرآن:

أ-البرّ،بكسر الباء:جاء ثماني مرّات في ستّ آيات:

1- أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:44

2- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:177

3- وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها

البقرة:189

4- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ

آل عمران:92

5- وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ المائدة:2

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، المجادلة:9

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات كلّها مدنيّة،فيخطر بالبال أنّ الدّعوة إلى(البرّ)كانت شعارا قرآنيّا في مسرح المدينة،و لا سيّما في بدء الهجرة،فإنّ الآيات الأربع الأولى جاءت في سورة البقرة،و هي أوّل ما نزل في المدينة على المشهور،و إن لا نرتضيه بإطلاقه في جميع آياتها؛إذ لم تنزل دفعة واحدة (1).و تلتها آل عمران، و هكذا استمرّ هذا الشّعار إلى آخر السّور المدنيّة،و هي المائدة على الأشهر.

ثانيا:أنّ(البرّ)فيها مقرون بنفي:(2)،و(3)، و(4)،أو نهي:(5)،و(6)،أو توبيخ:(1)،و هذا ينبئ عن حقيقة،و هي أنّ الوصول إلى البرّ صعب جدّا، و الطّريق إليه وعر متفرّق السّبل،و لا يستطيع العبد أن يكون على نهج الطّريق و جدده إلاّ بتحمّل الصّعابّ.

ص: 275


1- لاحظ المدخل،بحث المكّيّ و المدنيّ.

و مكابدة المشاقّ.

ثالثا:لقد تكرّر(البرّ)في(2)و(3)ابتداء بالنّفي و استثناء ب(لكنّ)إثباتا في سياق واحد،و هذا التّكرار و النّفي و الإثبات من أساليب التّأكيد،و هو هنا مشعر بالاهتمام بتعريف(البرّ)و التّعرّف عليه،و التّمييز بين ما هو برّ حقّا و ما ليس كذلك.

و جاء(البرّ)كذلك في(5)و(6)دون تكرار في سياق الجمع بين الأمر و النّهي،ابتداء بالنّهي عن التّعاون على الإثم و العدوان ثمّ الأمر بالتّعاون على البرّ و التّقوى في(5)،و عن التّناجي بالإثم و العدوان،و الأمر بالتّناجي بالبرّ و التّقوى في(6).و هذا الجمع بين النّهي عن شيء و الأمر بضدّه من أساليب التّأكيد أيضا،و قد نبّهنا عليه مرارا.

رابعا:قد جاء اَلْبِرِّ وَ التَّقْوى فيهما قبال اَلْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ فضلا عن زيادة معصية الرّسول في(6)، فالبرّ مقابل للإثم،و العدوان مقابل للتّقوى،أو ما في كلّ منهما مقابل الآخر،و الأوّل أقرب،لأنّ الإثم فيه الضّيق و العسر،و البرّ من البرّ،ففيه السّعة و السّهولة.كما أنّ العدوان ينبئ عن إطلاق عنان الهوى بمجانبة الحقّ، و التّقوى هو كبح جماح الهوى و ملازمة الحقّ.و قد تناولنا هاتين الآيتين في«أ ث م»بحثا و تفصيلا (1).

خامسا:نفى في الآية(2)البرّ بتولّي الوجوه قبل المشرق و المغرب،و أثبته بقوله: مَنْ آمَنَ بِاللّهِ، قاصدا نفي كون التّولّي بنفسه من دون الإيمان و العمل الصّالح برّا،بل إنّما يكون برّا إذا كان حاويا لما ذكر.

و قد جاء(من)،أي الفاعل،بدل الفعل،و هو من باب إعطاء الحكم بالعامل به،و فيه طرافة و حسن دقيق؛إذ كأنّه قال:إذا تريدون أن تعرفوا البرّ،فانظروا إلى من يؤمن باللّه...و هذه الآية جديرة بالبحث و التّفصيل،و قد جعلها الشّيخ شلتوت في تفسيره فاصلة بين ما قبلها و ما بعدها من الآيات في سورة البقرة،لاحظ «أ م ن»و غيرها.

سادسا:أكّد القرآن في(1)أنّ أمر النّاس بالبرّ لا يستحسن،بل غير ذي جدوى،إلاّ أن يتلبّس الآمر به،و إلاّ فيصبح هواء في شبك.

سابعا:كذلك أكّد في(2)أنّ الإنفاق ممّا يحبّه الإنسان هو الطّريق الوحيد لنيل البرّ،فهناك ملازمة بين التّخلّي عمّا يحبّه الإنسان بإنفاقه و بين البرّ،و هذا من أحرج الأمور،لأنّ حبّ الشّيء يدعو إلى الضّنّ به، فإنفاقه لا يتيسّر إلاّ بالتّخلّي عن هذا الحبّ و الميل النّفسانيّ،و هو من الجهاد الأكبر.

ب-البرّ،بفتح الباء:جاء في ثلاث آيات:

1- إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ الطّور:28

2- وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا

مريم:14

3- وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا

مريم:32

يلاحظ أوّلا:أنّ(البرّ)اختصّ بالسّور المكّيّة،كما اختصّ(البرّ)بالسّور المدنيّة،فكأنّ اللّه تعالى وزّع «البرّ»اسما و وصفا بين المدينة و مكّة،فوهب مكّة).

ص: 276


1- راجع المعجم(1:323).

الوصف ثلاث مرّات،و وهب المدينة الاسم ثماني مرّات، و كأنّ المؤمنين في مكّة حريّ بهم أن يعرفوا هذا الوصف و موصوفه،ليوطّنوا أنفسهم على الاتّصاف به رغم ما فيه من الصّعوبات.ثمّ دعاهم في المدينة إلى(البرّ)في سياق ينبئ عن صعوبته-كما سبق-تطّلعا إلى ما وصف لهم من ذي قبل،ليتّصفوا به و يصبحوا أبرارا بأنفسهم.

ثانيا:جاء(البرّ)في(1)وصفا للّه تعالى،و هذا هو الموضع الوحيد الّذي وصف فيه اللّه بهذا الوصف مقرونا بوصف الرّحيم الّذي هو الآخر خاصّ باللّه،لكنّه موزّع و مكرّر في جميع السّور في البسملة،و في غيرها(95) مرّة (1)،مشفوعا بأوصاف كثيرة،مثل:الرّحمن،و هو أكثرها،و الغفور،ثمّ العزيز،و غيرها على التّرتيب، و تجد في كلّ موضع مناسبة بين الرّحيم و ما اقترن به من الأوصاف،لاحظ«ر ح م».

و أمّا المناسبة هنا بين البرّ و الرّحيم،فإنّ(البرّ)صفة فعل له،و(الرّحيم)صفة ذات،و الأوّل ناشئ من الثّاني، أي أنّه برّ لأنّه رحيم،أو بالعكس البرّ صفة ذات، و الرّحيم صفة فعل،أو هما معا صفتا فعل،إلاّ أنّ الأوّل نشأ من الثّاني،و هذا أقرب،لأنّ كلاّ من البرّ و الرّحيم جاءا متعدّيين،مثل وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ مريم:14، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:128.

و لعلّ الاكتفاء بوصفه مرّة واحدة ب(البرّ)أنّ(البرّ) هو مجلى فيضه المنبسط عند العرفاء و هو واحد،كما قال تعالى: وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر:

50،و عبّر عنه ب(البرّ)لأنّ فيضه المنبسط لا حدّ له، و هو رحمته الّتي وسعت كلّ شيء،و قد سبق أنّ مادّة «البرّ»تدلّ على السّعة و الكثرة،فسبحان اللّه منزل الآيات.و لعلّ«أل»التّعريف في(البرّ)وصفا للّه،إشارة إلى ذلك الفيض المعروف المتجلّي في كلّ شيء.

ثالثا:و جاء(برّا)وصفا ليحيى و عيسى في سورة مريم،و كان أحدهما عقيب الآخر،و كذلك جاءت القصّتان معا في سورة آل عمران(35-47)و الأنبياء (89-92)،إلاّ أنّ قصّة ولادة مريم في آل عمران متقدّمة على قصّة زكريّا،فسورة مريم بدأت بقصّة زكريّا؛حيث اشتكى إلى اللّه من حرمانه الولد،و سأله أن يهب له ولدا.فاستجاب دعاءه،و وهب له يحيى،رغم شيخوخة أبيه و عقم أمّه.و وصفه بأوصاف منها وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ، ثمّ عقّبه بقصّة مريم و حملها بعيسى و وضعها إيّاه.ثمّ وصف عيسى بأوصاف منها وَ بَرًّا بِوالِدَتِي.

فكأنّ اللّه تعالى قدّم قصّة زكريّا و ولادة يحيى على النّحو غير المعتاد،لتكون أرضيّة مناسبة لذكر عيسى من غير أب،دفعا لاستبعادها،و إشارة إلى تشابه الوليدين يحيى و عيسى في أنّ ولادتهما خارقة للعادة، و مسبّبة لإرادة اللّه الحيّ القيّوم،و وصفهما بأوصاف متقاربة منها(برّا)،مع فوارق اقتضاها المقام:

1-وصف يحيى ب بَرًّا بِوالِدَيْهِ، و عيسى ب بَرًّا بِوالِدَتِي، إذ لم يكن له أب.

2-وصف يحيى ب آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا* وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا* وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا مريم:12-14،و وصف عيسى حكاية عنه ب إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا* وَ جَعَلَنِي».

ص: 277


1- انظر«المعجم المفهرس».

مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا مريم:30-32.

3-و ختم قصّتهما بالسّلام عليهما بقوله في يحيى:

وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا مريم:15،و في عيسى: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا مريم:33.

4-و هناك تشابه و فرق بين تلك الأوصاف في أمور:

أمّا وجوه التّشابه فكونهما بارّين بالوالد و الوالدة، و لم يكونا جبّارين،و كونهما نبيّين صبيّين،إضافة إلى اشتراك زكريّا والد يحيى،و مريم والدة عيسى في أنّهما لم يكلّما النّاس إلاّ رمزا.

و أمّا الفوارق فيحيى برّ بوالديه،و عيسى برّ بوالدته؛ إذ لم يكن له أب.و إيتاء الحكم ليحيى دون عيسى، و إيتاء يحيى الحنان و الزّكاة و كونه تقيّا،و إيتاء عيسى الكتاب و جعله مباركا أينما كان،و إيصاؤه بالصّلاة و الزّكاة ما دام حيّا.

و هذه الأوصاف الخمسة فيها دفع لشبهة الألوهيّة عنه،فهو عبد اللّه،و لو كان إلها لما احتاج إلى كتاب،و أنّ بركته كانت من عند اللّه لا من نفسه،فلا تدلّ على ألوهيّته،و أنّ إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة و الموت من صفات العبد دون الرّبّ،و أنّ هذه الأوصاف هي قول اللّه في يحيى و قول عيسى في وصف نفسه،و فيه مزيّة لعيسى دون يحيى،و تصديق من اللّه لما اعترف به عيسى في نفسه من صفات العبوديّة و نفي الرّبوبيّة.

رابعا:عقّب(برّا)في وصف يحيى بأنّه لم يجعله جبّارا عصيّا،و في عيسى بأنّه لم يجعله جبّارا شقيّا،فهل جاء هذان الوصفان تبيانا ل(برّا)،و أنّ البرّ لا يكاد يكون جبّارا عصيّا أو جبّاراً شقيّا،أو فيه نكتة أخرى؟ثمّ ما الفرق بين(عصيّا و شقيّا)و لم خصّ يحيى بوصف (عصيّا)و عيسى بوصف(شقيّا)؟

لاحظ«ج ب ر»و«ش و ي»و«ع ص ي»، و هناك فوارق أخرى بين القصّتين فلاحظ.

خامسا:لقد خصّ(البرّ)و هو الخير الواسع،باللّه و بالوالدين،إشعارا بأنّ حقّهما مثل حقّ اللّه تعالى،فيحقّ للإنسان أن يبرّهما كما يبرّ اللّه عباده،و هذا يشبه الجمع بين توحيد اللّه و الإحسان إلى الوالدين،كما جاء في آيات،مثل: لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً البقرة:83،إعلاما بعظمة حقّهما.

ج-الأبرار:جاء ستّ مرّات:

1- رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ آل عمران:193

2- نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ

آل عمران:198

3- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً الدّهر:5

4- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ

الانفطار:13،14

5- كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ

المطفّفين:18

6- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ

المطفّفين:22،23

ص: 278

يلاحظ أوّلا:أنّ الثّلاث الأولى مدنيّة و الثّلاث الأخيرة مكّيّة،بناء على كون سورة الدّهر مدنيّة،فكأنّ اللّه تعالى وزّع(الابرار)بين المكّيّ و المدنيّ بالسّويّة،مع أنّه خصّ(البرّ)بالمكّيّ،و(البرّ)بالمدنيّ،كما سبق.

ف(الابرار)كانوا نماذج للعباد الصّالحين و أسوة لهم أمام المؤمنين طيلة نزول الوحي،سواء في مكّة أم في المدينة، ليلحقوا بركبهم و يصبحوا أبرارا بإيمانهم و أعمالهم.

ثانيا:لقد راعى اللّه تعالى-فضلا عن ذلك-القسط في العدد،فأتى ب(الابرار)في سورة مدنيّة-آل عمران- مرّتين و في سورة مكّيّة-المطفّفين-مرّتين أيضا،و خصّ كلاّ من سورتي الإنسان المدنيّة و الانفطار المكّيّة بمرّة واحدة.

ثالثا:جاء(الابرار)في آيتي آل عمران في سياق بيان عاقبة المؤمنين القدوة،و الّذين آمنوا و الّذين اتّقوا في الآخرة وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ* وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ دون وصف للأبرار و لا مقارنة فيما بينهم و بين الفجّار،بخلاف سائر الآيات،ففيها وصف لهم،و مقابلة لهم بمن كانوا على خلافهم.

رابعا:وصف الأبرار في سورة الدّهر(5-22)بأنّهم يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً إلى قوله: وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً* إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً فخصّ(17)آية من هذه السّورة-الّتي تضمّ (30)آية-بأوصافهم و عاقبتهم السّعيدة في الدّار الآخرة.

و قد جعل الأبرار صنفا مقابلا لصنف الكافرين، فقال قبل هذه الآيات: إِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَ أَغْلالاً وَ سَعِيراً الدّهر:4،ثمّ عقّبها بذكر الأبرار و وصفهم بتلك الأوصاف السّامية،فكأنّ اللّه أنزل هذه السّورة في شأن الأبرار،و أتى بذكر الكافرين استطرادا، كما هو ديدن القرآن عند المقابلة بين السّعداء و الأشقياء، و بين التّحذير و التّبشير،لئلاّ تخلو السّورة من ذلك.

و من هنا جاء في الرّوايات أنّها نزلت في شأن عليّ و فاطمة و ابنيهما عليهم السّلام،و قال العلاّمة الطّباطبائيّ:إنّ سياقها يحكي أنّها نزلت بشأن حادثة خاصّة،فلاحظ.

خامسا:أمّا في سورة الانفطار فقد عكس الوصف، فجاء بالأبرار إزاء الفجّار: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،14،و اكتفى في الأبرار بأنّهم في نعيم،دون أن يصف هذا النّعيم كما وصفه في سورة الدّهر.أمّا الفجّار الّذين هم في الجحيم فوصفهم بأنّهم يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ* وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ الانفطار:15،16،ثمّ وصف يوم الدّين بقوله:

وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:17-19.

فنستشفّ من سورة الدّهر أنّ الرّحمة فيها غلّبت على العذاب،و أنّ العذاب في سورة الانفطار غلّب على الرّحمة.

سادسا:و أمّا سورة المطفّفين ففيها ذكر للأبرار مرّتين:مرّة ذكر كتاب الأبرار قبال كتاب الفجّار،ببدء كلّ منهما ب(كلاّ)الرّادعة لمن توهّم خلاف ما ذكره في

ص: 279

شأنهما.و مرّة ذكر الأبرار قبال الّذين أجرموا،و وصف كلّ منهما.

أمّا كتاب الفجّار فبدأ بوصفه قبل كتاب الأبرار، لأنّه ذكر قبله:عذاب المطفّفين،و وصف يوم الدّين كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ، ثمّ وصف سجّين و يوم الدّين في تسع آيات إلى قوله: ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ المطفّفين:7-17.

ثمّ بدأ بكتاب الأبرار: كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، فوصف«العلّيّين»بقوله: وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ المطفّفين:19-21.

ثمّ بدأ بذكر الأبرار في سبع آيات إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ* خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ* وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ المطفّفين:22- 28.

و ذكر بعد ذلك الّذين أجرموا في ثماني آيات: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ...

المطفّفين:29-إلى آخر السّورة.

من ذلك نستشفّ أنّ هذه السّورة مثل سورة الانفطار،غلّبت فيها مسحة العذاب-أوّلا و آخرا-على الرّحمة،و إنّما جاء ذكر(الابرار)في الوسط بناء على دأب القرآن في ضمّ الإنذار إلى التّبشير،كما أنّ فيهما ذكر الأبرار مع الفجّار،مع تفاوت السّورتين فيما يلي:

الأوّل:أنّ في الانفطار ذكر الأبرار و الفجّار مع أوصاف الفريقين،و في المطفّفين ذكر كتاب الأبرار و كتاب الفجّار مع وصف الكتابين.

الثّاني:أنّ الأبرار في المطفّفين جاء قبال الّذين أجرموا دون الفجّار.

الثّالث:أنّ في الانفطار اكتفى بذكر إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ دون وصفهم،و في المطفّفين وصفهم في سبع آيات.

سابعا:جاء وصف الأبرار في المطفّفين و الدّهر بأوصاف مشتركة و متفاوتة،فالاشتراك هو شربهم مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ في الدّهر،و شربهم من رحيق مختوم وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ في المطفّفين، على اختلاف في الألفاظ.

و أمّا التّفاوت،ففي غيرها من الأوصاف المذكورة، فلاحظ.و لا شكّ أنّ المقارنة بين آيات الأبرار تحتاج إلى تفسير السّور بكاملها.

د-البررة:جاءت مرّة واحدة:

كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ* فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ عبس:11-16.

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت وصفا لحاملي الآيات من الملائكة الكرام بعد وصف الآيات بأنّها في صحف موصوفة بأربع صفات:مكرّمة و مرفوعة و مطهّرة و محمولة بأيدي سفرة،دفعا لأيّ شبهة حول حاملي القرآن قبل وصوله إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 280

ب ر ز

اشارة

5 ألفاظ،9 مرّات:7 مكّيّة،2 مدنيّة

في 8 سور:5 مكّيّة،3 مدنيّة

برز 1:1 برزوا 4:2-2

بارزة 1:1 برّزت 2:2

بارزون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: رجل برز،أي طاهر الخلق عفيف، و امرأة برزة:موثوق برأيها و فضلها و عفافها.و الفعل:

برز يبرز برازة.قال العجّاج في الرّجل البرز:

*برز و ذو العفافة البرزيّ*

و البراز:المكان الفضاء من الأرض،البعيد الواسع.

و تبرّز فلان:خرج إلى البراز.و قيل:تبرّز في التّغوّط، كناية عنه،أي خرج إلى براز من الأرض.

و برز فلان يبرز بالتّخفيف،أي ظهر بعد الخفاء، و إذا تسابقت الخيل قيل لسابقها:قد برّز عليها.

و أبرزت الكتاب و الشّيء،أي أظهرته.و كتاب مبروز،مبرز،أي منشور.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراز:المبارزة من القرنين في الحرب،و تبارزا تبارزا،و بارز القرن مبارزة و برازا.(7:364)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المبروز من أبرزت.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 13:201)

الفرّاء: إنّما أجازوا المبروز و هو من أبرزت،لأنّ يبرز لفظه واحد من الفعلين.(الأزهريّ 13:201)

البراز:هو الموضع الّذي ليس به خمر من شجر و لا غيره.(الجوهريّ 3:864)

أبو عبيد: في حديث أمّ معبد الخزاعيّة:أنّها كانت امرأة برزة تحتبي بفناء قبّتها.

البرزة من النّساء:الجليلة الّتي تظهر للنّاس، و يجلس إليها القوم.(الأزهريّ 13:200)

ابن الأعرابيّ: قال الزّبيريّ:البرزة من النّساء:

الّتي ليست بالمتزايلة و لا المحزمّقة.

ص: 281

و المتزايلة:الّتي تزايلك بوجهها،تستره عنك و تنكبّ إلى الأرض.و المحزمّقة:الّتي لا تتكلّم إذا كلّمت.(الأزهريّ 13:200)

أبرز الرّجل،إذا عزم على السّفر.

و برز،إذا ظهر بعد خموله.و برز،إذا خرج إلى البراز،و هو الغائط.

الإبريز:الحلي الصّافي من الذّهب.و أبرز،إذا اتّخذ الإبريز.(الأزهريّ:13:201)

ابن هانئ: أبرزت الكتاب:أخرجته،فهو مبروز و قد أعطوه كتابا مبروزا،و هو المنشور،و قد برزته برزا.

(الأزهريّ 13:201)

أبو حاتم: في قول لبيد:

*النّاطق المبروز و المختوم*

إنّما هو:النّاطق المبرز و المختوم،مزاحف،فغيّره الرّواة فرارا من الزّحاف...

و لعلّه المزبور و هو المكتوب.و قال لبيد أيضا في كلمة له أخرى:

كما لاح عنوان مبروزة

يلوح مع الكفّ عنوانها

فهذا يدلّ على أنّه لغته،و الرّواة كلّهم على هذا، فلا معنى لإنكار من أنكره.(ابن منظور 5:309)

شمر: الإبريز من الذّهب:الخالص،و هو الإبريزيّ و العقيان و العسجد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 13:202)

ابن دريد :برز يبرز بروزا،إذا ظهر.و البراز:

الفضاء من الأرض.

و رجل برز و امرأة برزة،يوصفان بالجهارة و العقل.

و تبارز القرنان،إذا ظهر بعضهما لبعض.[ثمّ استشهد بشعر](1:254)

الأزهريّ: يقال:برز،أي هو منكشف الشّأن ظاهره.و المبارزة:الحرب،و البراز أخذ من هذا،تبارز القرنان.(13:201)

الصّاحب: رجل برز:ظاهر الخلق عفيف،و امرأة برزة،و مصدره البرازة،و قد برز يبرز.

و امرأة برزة:يتحدّث إليها النّساء.

و رجل برز بيّن البرازة-من قوم برزين-الّذي لا يجلس في منزله.

و البراز:المكان الفضاء من الأرض بعيد.و برز الرّجل:من ذلك،و تبرّز.

و البرز:المكان البارز.

و البرزة:العقبة.

و التّبريز:السّبق،برّز عليه و برز-بالتّخفيف-.

و أبرزت الشّيء:أظهرته.و كتاب مبروز و منشور.

و المبارزة في الحرب:من ذلك،و مصدره:البراز.

و لقيت فلانا برزين:أي فردين.

و الإبريز و الإبرزيّ:الذّهب الخالص.(9:47)

الخطّابيّ:و في الحديث:«كان إذا أراد البراز أبعد».

المحدّثون يروونه بالكسر،و هو خطأ،لأنّه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب.(ابن الأثير 1:118)

ابن جنّيّ: إبريز هو«إفعيل»من برز،و في الحديث:«و منه ما يخرج كالذّهب الإبريز»أي الخالص،

ص: 282

و هو الإبرزيّ أيضا،و الهمزة و الياء زائدتان.

(ابن منظور 5:311)

الجوهريّ: برز الرّجل يبرز بروزا:خرج،و أبرزه غيره.

و البراز:المبارزة في الحرب.و البراز أيضا:كناية عن ثفل الغذاء،و هو الغائط.و المبرز:المتوضّأ.و البراز بالفتح:الفضاء الواسع.

و تبرّز الرّجل،أي خرج إلى البراز للحاجة.

و برّزت الشّيء تبريزا،أي أظهرته و بيّنته.

و برّز الرّجل أيضا:فاق على أصحابه،و كذلك الفرس،إذا سبق.

و امرأة برزة،أي جليلة تبرز و تجلس للنّاس.و قال بعضهم:رجل برز و امرأة برزة يوصفان بالجهارة و العقل.[ثمّ استشهد بشعر]

و كتاب مبروز،أي منشور،على غير قياس.[ثمّ استشهد بشعر](3:864)

نحوه الرّازيّ.(60)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الزّاء أصل واحد،و هو ظهور الشّيء و بدوّه،قياس لا يخلف،يقال:برز الشّيء فهو بارز.و كذلك انفراد الشّيء من أمثاله،نحو تبارز الفارسين،و ذلك أنّ كلّ واحد منهما ينفرد عن جماعته إلى صاحبه.

و البراز:المتّسع من الأرض،لأنّه باد ليس بغائط و لا دحل و لا هوّة.

و يقال:امرأة برزة،أي جليلة تبرز و تجلس بفناء بيتها.قال بعضهم:رجل برز و امرأة برزة،يوصفان بالجهارة و العقل.

و هذا هو قياس سائر الباب،لأنّ المريب يدسّ نفسه و يخفيها.

و يقال:برّز الرّجل و الفرس،إذا سبقا،و هو من الباب،و يقال:أبرزت الشّيء أبرزه إبرازا،و قد جاء المبروز.قال لبيد:

أو مذهب جدد على ألواحه

النّاطق المبروز و المختوم

المبروز:الظّاهر.و المختوم:غير الظّاهر.

و قال قوم:المبروز:المنشور،و هو وجه حسن.

(1:218)

الهرويّ: و في حديث أمّ معبد:«و كانت برزة تحتبي بفناء القبّة»يقال:امرأة برزة،إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشّوابّ،و هي مع ذلك عفيفة.و رجل برز، إذا كان منكشف الشّأن.[ثمّ استشهد بشعر](1:155)

ابن سيدة: البراز:الفضاء.

و برز يبرز بروزا:خرج إلى البراز،و برزه إليه، و أبرزه.

و أبرز الكتاب:نشره،فهو مبرز،و مبروز شاذّ، جاء على حذف الزّائد،[ثمّ استشهد بشعر]:

و قال ابن جنّيّ: أراد المبروز به،ثمّ حذف حرف الجرّ،فارتفع الضّمير،و استتر في اسم المفعول،و عليه قول الآخر:

*إلى غير موثوق من الأرض يذهب*

أراد:«موثوق به»و قد تقدّم.و أنشده بعضهم:

«المبرز»على احتمال الخزل في متفاعلن».

ص: 283

و كلّ ما ظهر بعد خفاء فقد برز.

و بارز القرن مبارزة،و برازا:برز إليه.

و هما يتبارزان.

و امرأة برزة:بارزة المحاسن.قال ابن الأعرابيّ:قال الزّبيريّ:البرزة من النّساء:الّتي ليست بالمتزايلة الّتي تزايلك بوجهها تستره عنك،و المخرمّقة:الّتي لا تتكلّم إن كلّمت.

و قيل:امرأة برزة:متجالّة تبرز للقوم،يجلسون إليها،و يتحدّثون عندها.

و رجل برز و برزيّ:موثوق بفضله و رأيه،و قد برز برازة.

و برّز الفرس على الخيل:سبقها،و قيل:كلّ سابق مبرّز.

و برّزه فرسه:نجّاه،قال رؤبة:

*لو لم يبرّزه جواد مرآس*

و ذهب إبريز:خالص،عربيّ،قال ابن جنّيّ:هو إفعيل من برز.(9:37)

رجل برز و برزيّ:عفيف موثوق بعقله و فضله، و قد برز برازة،و هي برزة.

و برّز:فاق أصحابه فضلا و شجاعة.

(الإفصاح 1:140)

البرزة:الموثوق برأيها و فضلها،و قيل:هي البارزة المحاسن.

و قيل:المتجاهرة الكهلة الجليلة تبرز للقوم، يجلسون إليها و يتحدّثون،و هي عفيفة،برزت تبرز برازة:تمّ عقلها و رأيها.(الإفصاح 1:334)

الرّاغب: البراز:الفضاء،و برز:حصل في براز، و ذلك إمّا أن يظهر بذاته،نحو: وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:47،تنبيها أنّه تبطل فيها الأبنية و سكّانها.و منه المبارزة للقتال،و هي الظّهور من الصّفّ،قال تعالى:

لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ آل عمران:154، و قال عزّ و جلّ: وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ البقرة:250.

و إمّا أن يظهر بفضله،و هو أن يسبق في فعل محمود.

و إمّا أن ينكشف عنه ما كان مستورا منه،و منه قوله تعالى: وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48، وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً إبراهيم:21،و قال تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ المؤمن:16،و قوله عزّ و جلّ: وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الشّعراء:91،تنبيها أنّهم يعرضون عليها.

و يقال:تبرّز فلان:كناية عن التّغوّط،و امرأة برزة:

عفيفة،لأنّ رفعتها بالعفّة لا أنّ اللّفظة اقتضت ذلك.(43)

الزّمخشريّ: أبرز الكتاب و غيره و برّزه وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ الشّعراء:91،كشف الغطاء عنها.

و بارزه في الحرب برازا،و مبارزة،و قد تبارزوا، و برّز على الغاية و على الأقران.

و رجل برز:عفيف،و امرأة برزة،و نساء برزات، و قد برزت برازة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذهب إبريز:خالص،و تقول:ميّز الخبث من الإبريز،و النّاكصين من أولي التّبريز.

و من الكناية:خرج إلى البراز،و تبرّز.

(أساس البلاغة:20)

ص: 284

المدينيّ: في الحديث:«كان إذا أراد البراز أبعد».

البراز،بفتح الباء:اسم للفضاء الواسع،كنوابه عن حاجة الإنسان،كما كنّوا بالخلاء عنه،يقال:تبرّز،إذا تغوّط.و كسر الباء فيه غلط،لأنّ«البراز»مصدر بارزته في الحرب مبارزة و برازا.(1:148)

ابن الأثير،[و بعد نقل كلام المدينيّ قال:]

و من المفتوح حديث يعلى«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم رأى رجلا يغتسل بالبراز»يريد الموضع المنكشف بغير سترة.(1:118)

ابن منظور :و أبرزه:نشره،فهو مبرز؛و مبروز شاذّ على غير قياس،جاء على حذف الزّائد.[ثمّ استشهد بشعر](5:309)

الفيّوميّ: برز الشّيء بروزا من باب«قعد»:ظهر، و يتعدّى بالهمزة،فيقال:أبرزته فهو مبروز.و هذا من النّوادر الّتي جاءت على«مفعول»من«أفعل».

و البراز بالفتح؛و الكسر لغة قليلة:الفضاء الواسع الخالي من الشّجر.و قيل:البراز:الصّحراء البارزة،ثمّ كني به عن النّجو،كما كني بالغائط فقيل:تبرّز،كما قيل:

تغوّط.

و بارز في الحرب مبارزة و برازا،فهو مبارز.

و برز الشّخص برازة،فهو برز،و الأنثى برزة-مثل ضخم ضخامة فهو ضخم و ضخمة-و المعنى عفيف جليل.

و قيل:امرأة برزة:عفيفة تبرز للرّجال و تتحدّث معهم،و هي المرأة الّتي أسنّت و خرجت عن حدّ المحجوبات.

و برّز الرّجل في العلم تبريزا:برع و فاق نظراءه، مأخوذ من برّز الفرس تبريزا،إذا سبق الخيل في الحلبة.

و الإبريز:الذّهب الخالص،معرّب.(1:44)

الفيروزآباديّ: برز بروزا:خرج إلى البراز،أي الفضاء كتبرّز،و ظهر بعد الخفاء،كبرز بالكسر.

و بارز القرن مبارزة و برازا:برز إليه،و هما يتبارزان.

و أبرز الكتاب:نشره،فهو مبرز و مبروز.

و امرأة برزة:بارزة المحاسن،أو متجاهرة،كهلة جليلة،تبرز للقوم يجلسون إليها و يتحدّثون،و هي عفيفة.

و البرزة:العقبة من الجبل،و قرية ببيهق،و النّسبة:

برزهيّ.

و رجل برز و برزيّ:عفيف موثوق بعقله و رأيه، و قد برز ككرم.

و برّز تبريزا:فاق أصحابه فضلا أو شجاعة، و الفرس على الخيل:سبقها،و راكبه:نجّاه.

و ذهب إبريز و إبريزيّ بكسرهما:خالص،و براز الرّوز بالفتح:طسّوج ببغداد.

و البارز:فرس بيهس الجرميّ،و بارز:بلدة،و برز بالضّمّ:قرية بمرو،منها سليمان بن عامر الكنديّ المحدّث.

و بهاء شعبة تدفع في بئر الرّويثة،أو هما شعبتان يقال لكلّ منهما:برزة،و يوم برزة من أيّامهم.

و أبرز:أخذ الإبريز،و عزم على السّفر،و الشّيء أخرجه كاستبرزه.و تبريز و قد تكسر:قاعدة

ص: 285

أذربيجان.

و تبارزا:انفرد كلّ منهما عن جماعته إلى صاحبه.

و برّزه تبريزا:أظهره و بيّنه،و كتاب مبروز:

منشور،و كسحاب:اسم،و ككتاب:الغائط.

(2:171)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من عاد لي وليّا»يعني محبّا«فقد بارزني بالمحاربة»المبارزة بالمحاربة:إظهارها و التّصدّي لها.(4:7)

العدنانيّ: «البراز و البراز»و يخطّئون من يطلق اسم«البراز»على الموادّ المطرودة من الأمعاء عند التّبرّز،و يقولون:إنّ الصّواب هو«البراز»و الحقيقة هي أنّ الكلمتين صحيحتان و لكنّ الثّانية أعلى،و الأولى «البراز»يكتنفها المجاز.

فممّن ذكر البراز:الصّحاح،و النّهاية،و المغرب، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن مجاز، و محمّد عليّ النّجّار في كتابه«محاضرات عن الأخطاء اللّغويّة الشّائعة»و الوسيط.

و ممّن ذكر البراز:الأزهريّ،و محمّد الزّبيديّ في كتابه«لحن العوامّ»و حمد الخطّابيّ في كتابه«معالم السّنن»،و النّهاية،و المغرب و اللّسان كناية،و المصباح، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد كناية، و المتن مجاز،و الوسيط.

أمّا قاموس حتّي الطّبّيّ فقد ذكر«البراز»دون أن يضبط حركة الباء.(53)

محمود شيت: 1-أ-برز بروزا:ظهر بعد خفاء، و يقال برز له:انفرد عن جماعته لينازله،و برز فلان:نبه بعد خمول،و برز:خرج إلى البراز.

ب-برز برازة:تمّ عقله و رأيه،و برز:كان طاهر الخلق عفيفا،فهو برز و برزويّ.و برزت المرأة:تركت الحجاب و جالست النّاس،فهي برزة.

ج-أبرز:عزم على السّفر،و أبرز الشّيء:أظهره و بيّنه،و أبرز الكتاب:نشره،فهو مبرز و مبروز، الأخير على غير قياس.

د-بارزه مبارزة و برازا:برز إليه و نازله.

ه-برّز:خرج إلى البراز،و برّز الفرس على الخيل:

سبقها،و برّز الرّجل:فاق أصحابه فضلا.

و-تبارزا:بارز كلّ منهما صاحبه.

ز-تبرّز:خرج إلى البراز و تغوّط.

ح-الإبراز،في علم الحيوان:فصل موادّ خاصّة في داخل الجسم الحيوانيّ ثمّ إخراجها كما هي،من غير أن يحصل بينها و بين أجزاء الجسم و محتوياته تفاعل، كإخراج البول أو العرق أو الدّمع.و في علم النّبات:

خاصيّة تشبه الإبراز في الحيوان.

ط-البراز:الفضاء الواسع الخالي من الشّجر و نحوه، و البراز:الموادّ المطرودة من الأمعاء عند التّبرّز.

ي-البرزة:العقبة من الجبل.

2-أ-بارز،يقال:ضابط بارز:الممتاز على أصحابه،في علمه أو في شجاعته.

ب-المبارزة بالحراب:نوع من التّدريب العسكريّ على القتال بالحراب.(1:78)

المصطفويّ:و الّذي يظهر من التّصفّح في

ص: 286

مشتقّات هذه المادّة و في موارد استعمالها:أنّ الأصل الواحد فيها هو الظّهور بحالة مخصوصة و كيفيّة غير مسبوقة،و هذا القيد هو الفارق بينها و بين مادّة «الظّهور»و مادّة«البدوّ»السّابق،فإنّ الظّهور مطلق في مقابل البطون،و أكثر استعماله في مورد مطلق الظّهور، سواء كان بقيد القصد أم لا،و سواء كان في حالة مخصوصة أو لم يكن.

و أمّا«البدوّ»فقد سبق أنّه يستعمل غالبا فيما كان بيّنا و بغير قصد.

فالبروز ليس في مقابل مطلق البطون و لا بمعنى الظّهور البيّن و بغير قصد،بل بمعنى الظّهور على كيفيّة خاصّة،غير مسبوقة بها.(1:237)

النّصوص التّفسيريّة

لبرز

...قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ... آل عمران:154

ابن عبّاس: لخرج.(58)

مثله الشّربينيّ(1:257)،و الآلوسيّ(4:96)، و المراغيّ(4:105).

الطّبريّ: يقول:لظهر للموضع الّذي كتب عليه مصرعه فيه،من قد كتب عليه القتل منهم،و يخرج من بيته إليه،حتّى يصرع في الموضع الّذي كتب عليه أن يصرع فيه.(4:143)

القرطبيّ: أي لخرج.و قرأ أبو حيوة(لبرّز)بضمّ الباء و شدّ الرّاء،بمعنى يجعل يخرج.

و قيل:لو تخلّفتم أيّها المنافقون لبرزتم إلى موطن آخر غيره تصرعون فيه حتّى يبتلي اللّه ما في الصّدور و يظهره للمؤمنين.(4:243)

أبو حيّان: و قرأ الجمهور(لبرز)ثلاثيّا مبنيّا للفاعل،أي لصاروا في البراز من الأرض.و قرأ أبو حيوة (لبرّز)مبنيّا للمفعول مشدّد الرّاء،عدّي(برز) بالتّضعيف.(3:90)

برزوا

1- وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. البقرة:250

ابن عبّاس: تصافّوا.(35)

الطّبريّ: صاروا بالبراز من الأرض،و هو ما ظهر منها و استوى،و لذلك قيل للرّجل القاضي حاجته:

تبرّز،لأنّ النّاس قديما في الجاهليّة إنّما كانوا يقضون حاجتهم في البراز من الأرض،فقيل:قد تبرّز فلان،إذا خرج إلى البراز من الأرض لذلك،كما قيل:تغوّط، لأنّهم كانوا يقضون حاجتهم في الغائط من الأرض و هو المطمئنّ منها،فقيل للرّجل:تغوّط،أي صار إلى الغائط من الأرض.(2:624)

الهرويّ: أي ظهروا،و منه يقال للمكان الواسع الظّاهر:براز.(1:155)

ابن عطيّة: معناه صاروا في البراز و هو الأفيح من الأرض المتّسع.(1:336)

ص: 287

مثله القرطبيّ.(3:256)

الفخر الرّازيّ: المبارزة في الحروب هي أن يبرز كلّ واحد منهم لصاحبه وقت القتال.

و الأصل فيها أنّ الأرض الفضاء الّتي لا حجاب فيها يقال لها:البراز.فكان البروز عبارة عن حصول كلّ واحد منهما في الأرض المسمّاة بالبراز،و هو أن يكون كلّ واحد منهما بحيث يرى صاحبه.(6:198)

نحوه أبو حيّان.(2:268)

النّسفيّ: خرجوا لقتالهم.(1:126)

أبو السّعود: أي ظهر طالوت و من معه من المؤمنين،و صاروا إلى براز من الأرض،في موطن الحرب.(1:290)

مثله البروسويّ(1:390)،و نحوه الخازن(1:

218)،و الآلوسيّ(2:172)،و رشيد رضا(2:490).

2- وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ. النّساء:81

ابن عبّاس: خرجوا.(75)

مثله الطّبريّ(5:177)،و الطّوسيّ(3:269)، و الطّبرسيّ(2:80)،و القرطبيّ(5:288)،و البيضاويّ (1:232)،و النّسفيّ(1:238)،و الخازن(1:469)، و أبو حيّان(3:304)،و الشّربينيّ(1:318)، و البروسويّ(2:244)،و القاسميّ(5:1407)، و رشيد رضا(5:285).

ابن كثير :أي خرجوا و تواروا عنك.(2:345)

نحوه الآلوسيّ.(5:91)

3- وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ. إبراهيم:21

ابن عبّاس: خرجوا من التّصوّر بأمر اللّه.(212)

الطّبريّ: و ظهر هؤلاء الّذين كفروا به يوم القيامة من قبورهم،فصاروا بالبراز من الأرض جميعا،يعني كلّهم.(13:199)

الزّجّاج: أي جمعهم اللّه في حشرهم فاجتمع التّابع و المتبوع.(3:158)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّ الخلق يبرزون يوم القيامة للّه،أي يظهرون من قبورهم.

و البروز:خروج الشّيء عمّا كان ملتبسا به،إلى حيث يقع عليه الحشر في نفسه،يقال:برز للقتال،إذا ظهر له.(6:287)

نحوه البغويّ.(3:35)

الزّمخشريّ: و يبرزون يوم القيامة.و إنّما جيء به بلفظ الماضي،لأنّ ما أخبر به عزّ و علا لصدقه كأنّه قد كان و وجد،و نحوه وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ الأعراف:44،و وَ نادى أَصْحابُ النّارِ الأعراف:

50،و نظائر له.

و معنى بروزهم للّه-و اللّه تعالى لا يتوارى عنه شيء-حتّى يبرز له أنّهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش،و يظنّون أنّ ذلك خاف على اللّه، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا للّه عند أنفسهم،و علموا أنّ اللّه لا يخفى عليه خافية،أو خرجوا من قبورهم

ص: 288

فبرزوا لحساب اللّه و حكمه.(2:372)

نحوه البيضاويّ(1:528)،و النّسفيّ(2:251).

ابن عطيّة: معناه:صاروا بالبراز،و هي الأرض المتّسعة كالبراح و القواء و الخبار،فاستعير ذلك لجمع يوم القيامة.(3:332)

الطّبرسيّ: أخبر سبحانه أنّ الخلق يبرزون يوم القيامة للّه،أي يظهرون من قبورهم و يخرجون منها لحكم اللّه.فاللّفظ للماضي و المراد به الاستقبال، للتّحقيق و صحّة الوقوع.(3:31)

نحوه الخازن.(4:32)

الفخر الرّازيّ: برز معناه في اللّغة:ظهر بعد الخفاء، و منه يقال للمكان الواسع:البراز لظهوره،و قيل في قوله: وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:47،أي ظاهرة لا يسترها شيء،و امرأة برزة،إذا كانت تظهر للنّاس.

و يقال:برز فلان على أقرانه،إذا فاقهم و سبقهم.

و أصله في الخيل،إذا سبق أحدها،قيل:برز عليها،كأنّه خرج من غمارها فظهر.

إذا عرفت هذا فنقول:هاهنا أبحاث:

البحث الأوّل:قوله:(و برزوا)ورد بلفظ الماضي و إن كان معناه الاستقبال،لأنّ كلّ ما أخبر اللّه تعالى عنه فهو صدق و حقّ،فصار كأنّه قد حصل و دخل في الوجود،و نظيره قوله: وَ نادى أَصْحابُ النّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الأعراف:50.

البحث الثّاني:قد ذكرنا أنّ البروز في اللّغة عبارة عن الظّهور بعد الاستتار،و هذا في حقّ اللّه تعالى محال، فلا بدّ فيه من التّأويل،و هو من وجوه:

الأوّل:أنّهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش،و يظنّون أنّ ذلك خاف على اللّه تعالى،فإذا كان يوم القيامة انكشفوا للّه تعالى عند أنفسهم و علموا أنّ اللّه لا يخفى عليه خافية.

الثّاني:أنّهم خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب اللّه و حكمه.

الثّالث:و هو تأويل الحكماء:أنّ النّفس إذا فارقت الجسد فكأنّه زال الغطاء و الوطاء،و بقيت متجرّدة بذاتها عارية عن كلّ ما سواها،و ذلك هو البروز للّه.

البحث الثّالث:قال أبو بكر الأصمّ:قوله: وَ بَرَزُوا لِلّهِ هو المراد من قوله في الآية السّابقة: وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ إبراهيم:17.

و اعلم أنّ قوله: وَ بَرَزُوا لِلّهِ قريب من قوله:

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ* فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ الطّارق:9،10،و ذلك لأنّ البواطن تظهر في ذلك اليوم و الأحوال الكامنة تنكشف.

فإن كانوا من السّعداء برزوا للحاكم الحكيم بصفاتهم القدسيّة،و أحوالهم العلويّة،و وجوههم المشرقة،و أرواحهم الصّافية المستنيرة،فيتجلّى لها نور الجلال،و يعظم فيها إشراق عالم القدس،فما أجلّ تلك الأحوال.

و إن كانوا من الأشقياء برزوا لموقف العظمة، و منازل الكبرياء،ذليلين مهينين خاضعين خاشعين، واقعين في خزي الخجالة و مذلّة الفضيحة،و موقف المهانة و الفزع،نعوذ باللّه منها.(19:107)

ص: 289

مثله النّيسابوريّ(13:120)،و نحوه الشّربينيّ(2:

176).

أبو حيّان: و قرأ زيد بن عليّ(و برّزوا)مبنيّا للمفعول،و بتشديد الرّاء.(5:416)

ابن كثير :أي برزت الخلائق كلّها برّها و فاجرها للّه الواحد القهّار،أي اجتمعوا له في براز من الأرض، و هو المكان الّذي ليس فيه شيء يستر أحدا.

(4:118)

نحوه القاسميّ(10:3722)،و المراغيّ(13:143).

البروسويّ: أي برز الموتى من قبورهم يوم القيامة إلى أرض المحشر،أي يظهرون و يخرجون عند النّفخة الثّانية،حين تنتهي مدّة لبثهم في بطن الأرض.

(4:410)

الآلوسيّ: أي يبرزون يوم القيامة.و إيثار الماضي لتحقّق الوقوع،أو لأنّه لا مضيّ و لا استقبال بالنّسبة إليه سبحانه،و المراد ببروزهم للّه:ظهورهم من قبورهم للرّاءين،لأجل حساب اللّه تعالى.فاللاّم للتّعليل،و في الكلام حذف مضاف.

و جوّز أن تكون اللاّم صلة البروز و ليس هناك حذف مضاف،و يراد أنّهم ظهروا له عزّ شأنه عند أنفسهم،و على زعمهم فإنّهم كانوا يظنّون عند ارتكابهم الفواحش سرّا أنّها تخفى على اللّه تعالى،فإذا كان يوم القيامة انكشفوا له تعالى عند أنفسهم،و علموا أنّه لا تخفى عليه جلّ شأنه خافية.(13:205)

4- يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ. إبراهيم:48

ابن عبّاس: خرجوا و ظهروا للّه.(215)

الزّجّاج: أي خرجوا من قبورهم بارزين.

(3:169)

نحوه الطّبريّ(13:254)،و البغويّ(3:48)، و البيضاويّ(1:535)،و الخازن(4:45)،و ابن كثير (4:148)،و البروسويّ(4:436).

عبد الجبّار: قالوا:ثمّ ذكر بعده ما يدلّ على أنّه جسم يصحّ أن يبرز إليه،فقال: وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48.

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره لا يدلّ على ما توهّموه،لأنّه لم يقل:برزوا إليه،فيقرب أن يكون له ظاهر،و إنّما قال:برزوا له،و هذا قد يذكر و يراد به الغرض،كما يقول القائل:صلّيت للّه،و حججت له، و طفت.و المراد بذلك أنّه فعل ذلك لأجله على جهة التّقرّب،فمن أين أنّ ظاهر ذلك أنّهم ظهروا له في مكان واحد؟

و المراد بذلك:أنّهم برزوا للمحاسبة و الجزاء،و في آخر الآية دلالة عليه،لأنّه تعالى قال: لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إبراهيم:51،فبيّن بذلك أنّ بروزهم لهذا المعنى،و لو كان بروزهم للّه تعالى من جهة الانكشاف في المكان لم يكن لهذا القول فائدة،و إنّما تقع به الفائدة إذا أراد ما ذكرنا.

أو يريد به:أنّهم برزوا إلى حيث لا يجري فيه إلاّ حكمه تعالى،فيكون كقولنا:إنّ فلانا ارتفع إلى الأمير، و المراد بذلك أنّه الّذي يقوم بفصل أمره دون غيره.

(متشابه القرآن 2:421)

ص: 290

الميبديّ: أي ظهروا من قبورهم فصاروا إلى البراز من الأرض،و البراز:الصّحراء لظهورها،هذا كقوله عزّ و جلّ: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ المؤمن:16.

ذكر البروز بلفظ الماضي و معناه الاستقبال،فهو سيحدث بعد فناء الدّنيا،عند يوم القيامة.(5:241)

ابن عطيّة: مأخوذ من البراز،أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء و لا حصن.(3:347)

الطّبرسيّ: أي يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسترهم شيء.و جعل ذلك بروزا للّه لأنّ حسابهم معه،و إن كانت الأشياء كلّها بارزة له لا يسترها عنه شيء.(3:325)

أبو البقاء: يجوز أن يكون مستأنفا،أي و يبرزون.

و يجوز أن يكون حالا من(الارض)و«قد»معه مرادة.(2:774)

أبو السّعود: أي الخلائق أو الظّالمون المدلول عليهم بمعونة السّياق،و المراد بروزهم من أجداثهم الّتي في بطون الأرض،أو ظهورهم بأعمالهم الّتي كانوا يعملونها سرّا،و يزعمون أنّها لا تظهر،أو يعلمون عمل من يزعم ذلك.

و لعلّ إسناد البروز إليهم مع أنّه لأعمالهم للإيذان بتشكّلهم بأشكال تناسبها،و هو معطوف على(تبدّل) و العدول إلى صيغة الماضي للدّلالة على تحقّق وقوعه،أو حال من الأرض بتقدير«قد»و الرّابط بينها و بين صاحبها الواو.(3:503)

الآلوسيّ: [قال مثل أبو السّعود و أضاف:]

و قرأ زيد بن عليّ رضي اللّه عنهما(و برّزوا)بضمّ الباء و كسر الرّاء مشدّدة،جعله مبنيّا للمفعول على سبيل التّكثير،باعتبار المفعول لكثرة المخرجين.

(13:255)

الطّباطبائيّ: معنى بروزهم و ظهورهم للّه يومئذ- مع كون الأشياء بارزة غير خفيّة عليه دائما-سقوط جميع العلل و الأسباب الّتي كانت تحجبهم عنه تعالى ما داموا في الدّنيا،فلا يبقى يومئذ على ما يشاهدون شيء من الأسباب يملكهم و يتولّى أمرهم و يستقلّ بالتّأثير فيهم إلاّ اللّه سبحانه،كما يدلّ عليه آيات كثيرة.

فهم لا يلتفتون إلى جانب و لا يتوجّهون إلى جهة في ظاهرهم و باطنهم و حاضرهم و الماضي الغائب من أحوالهم و أعمالهم إلاّ وجدوه سبحانه شاهدا مهيمنا عليه محيطا به.

و الدّليل على هذا الّذي ذكرناه توصيفه تعالى بالواحد القهّار المشعر بنوع من الغلبة،فبروزهم للّه يومئذ إنّما هو ناشئ عن كونه تعالى هو الواحد الّذي يقوم به وجود كلّ شيء و يقهر كلّ من دونه من مؤثّر، فلا يحول بينهم و بينه حائل،فهم بارزون له بروزا مطلقا.

(12:89)

مكارم الشّيرازيّ: و«البروز»من مادّة«البراز» على وزن«فراز»بمعنى الفضاء و المحلّ الواسع،و غالبا ما تأتي بمعنى الظّهور،لأنّ وجود الشّيء في الفضاء الواسع بمعنى ظهوره،و هناك آراء مختلفة للمفسّرين في معنى بروز النّاس للّه تعالى،و أكثرهم يعتقد أنّها تعني الخروج من القبر.

ص: 291

و يحتمل أن يكون المعنى انكشاف بواطن و ظواهر جميع النّاس في يوم المحشر،كما نقرأ في الآية:16 من سورة المؤمن: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ و كذلك الآية:9 من سورة الطّارق: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ و على أيّ حال فوصفه بالقهّار دليل على تسلّطه على كلّ الأشياء و سيطرته على ظاهرها و باطنها.

و هنا يأتي هذا السّؤال،و هو:هل أنّ شيئا قد خفي على اللّه في هذه الدّنيا لكي يظهر في الآخرة؟أم أنّ اللّه لا يعلم بما في القبور،و لا يعلم بأسرار النّاس؟

و يتّضح الجواب من الالتفات إلى هذه النّقطة،و هي أنّ لنا ظاهرا و باطنا في هذه الدّنيا،و قد يشتبه على البعض-بسبب علمنا المحدود-أنّ اللّه لا يرى باطننا، و لكن سوف يظهر كلّ شيء في الآخرة،و لا وجود للظّاهر و الباطن هناك،و بعبارة أخرى فالظّهور بالقياس إلى علمنا و ليس إلى علم اللّه المطلق.(7:472)

بارزون

يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ. المؤمن:16

ابن عبّاس: خارجون من القبور.(394)

الطّبريّ: يعني المنذرين الّذين أرسل اللّه إليهم رسله،لينذروهم و هم ظاهرون،يعني للنّاظرين، لا يحول بينهم و بينهم جبل و لا شجر،و لا يستر بعضهم عن بعض ساتر،و لكنّهم بقاع صفصف،لا أمت فيه و لا عوج.(24:50)

الطّوسيّ: أي يظهرون من قبورهم و يهرعون إلى أرض المحشر،و هو يوم التّلاق و يوم الجمع و يوم الحشر.

(9:63)

البغويّ: خارجون من قبورهم ظاهرون، لا يسترهم شيء.(4:108)

مثله القرطبيّ(15:300)،و النّسفيّ(4:73)، و الخازن(6:77)،و الكاشانيّ(4:337)،و شبّر(5:

337)،و القاسميّ(14:5160).

الزّمخشريّ: ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء،لأنّ الأرض بارزة قاع صفصف، و لا عليهم ثياب إنّما هم عراة مكشوفون،كما جاء في الحديث:«يحشرون عراة حفاة غرلا».(3:419)

نحوه أبو السّعود.(5:413)

ابن عطيّة: معناه في براز من الأرض،ينفذهم البصر و يسمعهم الدّاعي.(4:551)

الطّبرسيّ: من قبورهم،و قيل:يبرز بعضهم لبعض فلا يخفى على أحد حال غيره،لأنّه ينكشف ما يكون مستورا.(4:517)

الفخر الرّازيّ: في تفسير هذا البروز وجوه:

الأوّل:أنّهم برزوا عن بواطن القبور.

الثّاني:[كلام الزّمخشريّ و قد تقدّم]

الثّالث:أن يجعل كونهم بارزين كناية عن ظهور أعمالهم و انكشاف أسرارهم،كما قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ.

الرّابع:أنّ هذه النّفوس النّاطقة البشريّة كأنّها في الدّنيا انغمست في ظلمات أعمال الأبدان،فإذا جاء يوم القيامة أعرضت عن الاشتغال بتدبير الجسمانيّات،

ص: 292

و توجّهت بالكلّيّة إلى عالم القيامة و مجمع الرّوحانيّات، فكأنّها برزت بعد أن كانت كامنة في الجسمانيّات مستترة بها.(27:45)

نحوه الآلوسيّ.(24:56)

البيضاويّ: خارجون من قبورهم،أو ظاهرون لا يسترهم شيء،أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان،أو أعمالهم و سرائرهم.(2:333)

نحوه الشّربينيّ.(3:474)

البروسويّ: بدل من يَوْمَ التَّلاقِ، المؤمن:

15،يقال:برز بروزا:خرج إلى البراز،أي الفضاء كتبرّز،و ظهر بعد الخفاء كبرز بالكسر،أي خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء،لكون الأرض يومئذ مستوية.(8:167)

المراغيّ:أي لينذر بالعذاب يوم يلتقي العابدون و المعبودون،يوم هم ظاهرون لا يكنّهم شيء، و لا يسترهم شيء.(24:54)

الطّباطبائيّ: معنى بروزهم للّه:ظهور ذلك لهم، و ارتفاع الأسباب الوهميّة الّتي كانت تجذبهم إلى نفسها،و تحجبهم عن ربّهم،و تغفلهم عن إحاطة ملكه و تفرّده في الحكم،و توحّده في الرّبوبيّة و الألوهيّة.

فقوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ إشارة إلى ارتفاع كلّ سبب حاجب،و قوله: لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ المؤمن:16،تفسير لمعنى بروزهم للّه و توضيح،فقلوبهم و أعمالهم بعين اللّه،و ظاهرهم و باطنهم و ما ذكروه و ما نسوه مكشوفة غير مستورة.(17:318)

عبد الكريم الخطيب: هو بيان ل(يوم التّلاق)، و هو يوم القيامة يوم هم بارزون،أي ظاهرون ظاهرا و باطنا،قد انكشفت سرائرهم،و ظهر مستورهم لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ كما يقول سبحانه:

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ الحاقّة:18.

و المراد ببروز النّاس،و ظهور خفاياهم في هذا اليوم،هو ما يشهدون بأنفسهم،ممّا انطوت عليه سرائرهم،و ما أخفاه بعضهم عن بعض،ففي هذا اليوم ينكشف كلّ مستور منهم،لهم،و لغيرهم،كما يقول سبحانه: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

(12:1215)

بارزة

وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. الكهف:47

ابن عبّاس: خارجة من تحت الجبال،و يقال:

ظاهرة.(248)

مجاهد :لا خمر فيها و لا غيابة،و لا بناء،و لا حجر فيها.(الطّبريّ 15:257)

قتادة: ليس عليها بناء و لا شجر.

(الطّبريّ 15:257)

الفرّاء: يقول:أبرزنا أهلها من بطنها،و يقال:

سيّرت عنها الجبال فصارت كلّها بارزة،لا يستر بعضها بعضا.(2:146)

الطّبريّ: ظاهرة،و ظهورها لرأي أعين النّاظرين، من غير شيء يسترها من جبل و لا شجر،هو بروزها.

و قيل:معنى ذلك:و ترى الأرض بارزا أهلها الّذين

ص: 293

كانوا في بطنها،فصاروا على ظهرها.

(الطّبريّ 15:257)

نحوه البغويّ(3:195)،و الخازن(4:174)، و المراغيّ(15:156)

الزّجّاج: معناه ظاهرة،و قد سيّرت جبالها و اجتثّت أشجارها،و ذهبت أبنيتها فبقيت ظاهرة،و قد ألقت ما فيها و تخلّت.(3:292)

نحوه الحجازيّ.(15:61)

الطّوسيّ: أي ظاهرة،فلا يتستّر منها شيء،لأنّ الجبال إذا سيّرت عنها و صارت دكّا ملساء ظهرت و برزت.

و قيل: وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً أي يبرز ما فيها من الكنوز و الأموات،فهو مثل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ترمي الأرض بأفلاذ كبدها».(7:53)

مثله الطّبرسيّ(3:474)،و نحوه ابن عطيّة(3:

520)،و ابن الجوزيّ(5:151).

الزّمخشريّ: ليس عليها ما يسترها ممّا كان عليها.(2:487)

مثله البيضاويّ(2:15)،و النّسفيّ(3:15)، و البروسويّ(5:252).

الفخر الرّازيّ: و في تفسيره وجوه:

أحدها:أنّه لم يبق على وجهها شيء من العمارات، و لا شيء من الجبال،و لا شيء من الأشجار،فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها،و هو المراد من قوله: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:107.

و ثانيها:أنّ المراد من كونها بارزة أنّها أبرزت ما في بطنها و قذفت الموتى المقبورين فيها،فهي بارزة الجوف و البطن،فحذف ذكر الجوف،و دليله قوله تعالى:

وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ الانشقاق:4،و قوله:

وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها الزّلزال:2،و قوله:

وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً إبراهيم:21.

و ثالثها:أنّ وجوه الأرض كانت مستورة بالجبال و البحار،فلمّا أفنى اللّه تعالى الجبال و البحار فقد برزت وجوه تلك البقاع بعد أن كانت مستورة.(21:133)

نحوه القرطبيّ(10:416)،و النّيسابوريّ(15:

139)،و أبو حيّان(6:134)،و الشّربينيّ(2:382).

ابن كثير :أي بادية ظاهرة ليس فيها معلم لأحد، و لا مكان يواري أحدا بل الخلق كلّهم ضاحون لربّهم، لا تخفى عليه منهم خافية.(4:394)

أبو السّعود: أمّا بروز ما تحت الجبال فظاهر،و أمّا ما عداه فكانت الجبال تحول بينه و بين النّاظر قبل ذلك، فالآن أضحى قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا.

(4:194)

نحوه القاسميّ.(11:4068)

الكاشانيّ: بادية،برزت من تحت الجبال،ليس عليها ما يسترها.(3:245)

الآلوسيّ:بادية ظاهرة،أمّا ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر،و أمّا ما عداه فكانت الجبال تحول بينه و بين النّاظر قبل ذلك،أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال و البحار و العمران و الأشجار،و إنّما اقتصر على زوال الجبال،لأنّه يعلم منه زوال ذلك بطريق الأولى.

ص: 294

و قيل:إسناد البروز إلى الأرض مجاز،و المراد ترى أهل الأرض بارزين من بطنها،و هو خلاف الظّاهر.(15:288)

الطّباطبائيّ: و المستفاد من السّياق أنّ بروز الأرض مترتّب على تسيير الجبال،فإذا زالت الجبال و التّلال ترى الأرض بارزة لا تغيب ناحية منها عن أخرى بحائل حاجز،و لا يستتر صقع منها عن صقع بساتر.و ربّما احتمل أن تشير إلى ما في قوله: وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها الزّمر:69.(13:321)

عبد الكريم الخطيب:أي عارية،لا يخفى منها شيء،و إذا النّاس جميعا قد حشروا بعد أن خرجوا من قبورهم،و لم يترك منهم أحد.(8:628)

برّزت

1- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ. الشّعراء:91

ابن عبّاس: أظهرت،و يقال:لاحت الجحيم.

(310)

نحوه الطّبريّ(19:87)،و الزّجّاج(4:94)، و البغويّ(3:471)،و القرطبيّ(13:115)،و الخازن (5:100).

الطّبرسيّ: أي أظهرت،و كشف الغطاء عنها للضّالّين،عن طريق الحقّ و الصّواب.(4:194)

النّسفيّ: أي أظهرت حتّى يكاد يأخذهم لهبها.(3:188)

أبو حيّان: وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ أظهرت و كشفت بحيث كانت بمرأى منهم،كقوله: فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا الملك:27.

و قرأ الأعمش(فبرّزت)بالفاء جعل تبريز الجحيم بعد تقريب الجنّة يعقبه،و ذلك لأنّ الواو للجمع فيمكن أن يكون كلّ واحد منهما ظهوره قبل الآخر،و هو من تقديم الرّحمة على العذاب،و هو حسن لو لا أنّ رسم المصحف بالواو.

و قرأ مالك بن دينار(و برزت)بالفتح و التّخفيف، (الجحيم):بالرّفع بإسناد الفعل اتّساعا.و لمّا وبّخهم و قرعهم أخبر عن حال يوم القيامة،و جيء في ذلك كلّه بلفظ الماضي في:أتى،و أزلفت،و برّزت.

و قيل:فكبكبوا،لتحقّق وقوع الماضي و إن لم يقع.(7:27)

شبّر: كشفت.(4:391)

القاسميّ: و إيثار صيغة الماضي للدّلالة على تحقّق الوقوع و تقرّره.(13:4627)

المراغيّ: (برّزت)أي جعلت بارزة لهم،بحيث يرون أهوالها،أي و تكون النّار بارزة مكشوفة للأشقياء،بحيث تكون بمرأى منهم،يسمعون زفراتها الّتي تبلغ منها القلوب الحناجر،و يوقنون بأنّهم مواقعوها،لا يجدون عنها مصرفا.

و في هذا تعجيل للغمّ و الحسرة؛إذ نسوا في دنياهم هذا اليوم،كما جاء في قوله: وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَ مَأْواكُمُ النّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ الجاثية:34.(19:77)

الطّباطبائيّ: التّبريز:الإظهار.(15:290)

2- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى. النّازعات:36

ص: 295

ابن عبّاس: أظهرت.(501)

مثله الطّبريّ(30:48)،و البيضاويّ(2:538)، و ابن كثير(7:210)،و الشّربينيّ(4:481).

القمّيّ: أحضرت.(2:403)

مثله شبّر.(6:360)

الطّوسيّ: أي لمن يراها و يبصرها شاهدا فالتّبريز:إظهار الشّيء بمثل التّكشيف الّذي يقضي إليه بالإحساس،و يقال:فلان مبرز في الفضل،إذا ظهر به أتمّ الظّهور،و بارز قرنه،أي ظهر إليه من بين الجماعة.

(10:263)

الزّمخشريّ: أظهرت،و قرأ أبو نهيك:و برزت (1).

(4:215)

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس:(و برّزت)بضمّ الباء و شدّ الرّاء المكسورة،و قرأ عكرمة و مالك بن دينار و عائشة:و(برزت)بفتح الباء و الرّاء.(5:434)

أبو السّعود:عطف على(جاءت)أي أظهرت إظهارا بيّنا لا يخفى على أحد.(6:373)

مثله البروسويّ.(10:327)

المراغيّ: أي كانت في مكان بارز يراها كلّ من له عينان.(30:33)

محمّد جواد مغنيّة: لا يحجبه عن رؤيتها حاجب،و لا يحرسها منه حارس.(7:512)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو«البراز»و هو المكان الّذي لا حضر فيه كالبادية،يقال:برز الرّجل يبرز بروزا،أي خرج إلى البراز.ثمّ سمّي كلّ ظهور من بناء برازا،فيقال لمن يتغوّط و يحدث:برز و تبرّز،لأنّه إذا فعل ذلك يخرج إلى العراء،و هو محلّ تغوّطهم آنذاك، و منه الحديث:«كان إذا أراد البراز أبعد»،كناية عن التّغوّط.و منه:أبرز الرّجل:عزم على السّفر،لخروجه إلى البراز،ثمّ استعمل في مطلق الخروج،و منه: فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ النّساء:81.

كما استعمل في الظّهور مطلقا أو الظّهور بعد الخفاء، يقال:برز الشّيء فهو بارز،و برز فلان يبرز بروزا،أي ظهر بعد الخفاء،و أبرزت الشّيء و برّزته:أظهرته.و لعلّ من البروز في الميدان عند الغلبة استعمل أيضا في الغلبة و التّفوّق،فإذا تسابقت الخيل قيل لسابقها:قد برّز عليها،أي فاق،و برّز الرّجل أيضا،إذا فاق على أصحابه،و منه المبارزة لمواجهة الأقران في الحرب.

2-ثمّ توسّعوا فيه و استعملوه في غير المحسوس،فقد وصف الرّجل الطّاهر الخلق العفيف بالبرز،و المرأة العفيفة بالبرزة،لارتفاعهما خلقا عن سائر النّاس، يقال:برز الرّجل برازة،أي تمّ عقله و رأيه.

3-و الإبريز:الذّهب الخالص،و هو لفظ أعجميّ معرّب اللّفظ اليونانيّ«أوبريزون»،و قد انتقل إلى العربيّة من السّريانيّة،و يطلق عليه فيها«أوبريزا».

4-و هذه المادّة قريبة من(ب ر ج»،بل هما من أصل واحد كما قيل،فلاحظ.

5-و هناك تجانس لفظيّ و تشاكل معنويّ بين العربيّة و الفارسيّة في لفظ«برز»إذ أنّه في الفارسيّة بمعنى

ص: 296


1- الظّاهر بالتّخفيف،و فتح الباء و الرّاء.

اعتدال القامة و ساق الشّجرة و الرّفعة مطلقا،و في لغة الأبستاق(أوستا)جاء بمعنى الموضع المرتفع كالتّلّ و الجبل.

و له مشتقّات كثيرة منها«البرز»،و هو جبل مشهور شاهق في شمال إيران.كما جاء لفظ«برز»في الفارسيّة بمعنى الجلال و العظمة و الجمال.و منها «برازيدن»و«برازنده»بمعنى الظّهور و الظّاهر.

الاستعمال القرآنيّ

ورد منه سبع آيات في القرآن:

1- قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ آل عمران:154

2- وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً البقرة:250

3- فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ النّساء:81

4- وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً إبراهيم:21

5- وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48

6- يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ

المؤمن:16

7- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الشّعراء:91

يلاحظ أوّلا:أنّ الثّلاث الأول جاءت في البروز المحسوس في الدّنيا بمعنيين،أحدهما:البروز في ساحة القتال في(1)و(2)،و ثانيهما:الخروج و الظّهور في(3).

ثانيا:أنّ البروز في(1)و(2)للقتل أو ما يناظره، و من عند رسول اللّه في(3)،و للّه و عذابه في(4)و(5) و(6)،و تبريز الجحيم للغاوين في(7).

ثالثا:تخاطب الآية الأولى طائفة من المنافقين فرّوا من القتال خوفا من الموت،فأخبرهم اللّه بأنّ من كتب عليه القتل سيموت لا محالة حتّى لو كان فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ النّساء:78.و أمّا البروز لجالوت و جنوده في (2)فهو نظير بروزهم لمضاجعهم لقلّة عددهم،كما قال:

كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ البقرة:

249،و هم عدّة عديدة من بني إسرائيل.

و قد بيّن اللّه تلكّؤ هؤلاء و كشف دافعهم الدّنيويّ في القتال،إذ قالُوا وَ ما لَنا أَلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا البقرة:246،و لذلك فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ البقرة:246،و تهاوى كثير منهم لمّا ابتلاهم اللّه بنهر فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ البقرة:249.

رابعا:يبدو أنّ التّبريز للجحيم للتّهويل و الشّقّ على المجرمين؛إذ تعذيب المجرمين في النّار ضرب من التّهويل، و تبريز الجحيم لهم ضرب آخر من التّهويل أيضا،كما عبّر عن هذا التّبريز بالمجيء به في قوله: وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى* يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي الفجر:23،24.

و هذا التّذكّر و القول قبل اقتحام النّار،و يقعان بمجرّد رؤيتها و تهيّبها دون التّأثّر بحرّها،كما عقّب ذلك بقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ الفجر:25،26.و تبريز الجحيم للغاوين هو لإنبائهم بما كانوا فيه،كما قال: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ

ص: 297

بِالْكافِرِينَ التّوبة:49.

خامسا:و قد وردت وجوه في معنى بروزهم للّه كما سبق في النّصوص،فلاحظها.

سادسا:يخطر في البال أنّ بروز النّاس للّه في الآيات:

(4)و(5)و(6)يشبه بروز المقاتلين في(1)و(2)،فكأنّ النّاس برزوا من قبورهم إلى ساحة المحشر ليدفعوا عن أنفسهم محاسبة اللّه إيّاهم،و لكنّه سوف يخسرون في هذه المعركة،و هو قاهرهم لا محالة،و كذلك الجحيم تبرز لهم لتذهب بهم،و تكون هي النّاجحة في المعركة،و هم المغلوبون.

سابعا:و من هنا يتولّد للمادّة في الآية بمناسبة السّياق معنى البراز للقتال و الدّفاع عن النّفس،أو الهجوم على الخصم.

ص: 298

ب ر ز خ

اشارة

لفظان،3 مرّات:في 3 سور:2 مكّيّة،1 مدنيّة

برزخ 2:1-1 برزخا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرزخ:ما بين كلّ شيئين،و الميّت في البرزخ،لأنّه بين الدّنيا و الآخرة.

و برازخ الإيمان:ما بين الشّكّ و اليقين.

و البرزخ:أمد ما بين الدّنيا و الآخرة،بعد فناء الخلق،و ما بين الظّلّ و الشّمس برزخ.و يقال:البرزخ فسحة ما بين الجنّة و النّار.(4:338)

نحوه الصّاحب(4:465)،و ابن سيدة(5:337).

الكسائيّ: في حديث عليّ كرّم اللّه وجهه:«أنّه صلّى بقوم فأسوى برزخا»أسوى:أغفل و أسقط.

و البرزخ:ما بين كلّ شيئين.و منه قيل للميّت:هو في البرزخ،لأنّه بين الدّنيا و الآخرة.

(الأزهريّ 7:671)

أبو عبيد: برازخ الإيمان:ما بين أوّله و آخره.(الأزهريّ 7:671)

ابن دريد :و البرزخ:الحائل بين الشّيئين،و كذلك فسّر في التّنزيل: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:

20،أي حائل،و اللّه أعلم.

و يقال:فلان في البرزخ،إذا مات،كأنّه بين الدّنيا و الآخرة.(3:302)

الأزهريّ: [بعد نقل كلام الكسائيّ قال:]

فأراد بالبرزخ:ما بين الموضع الّذي أسقط عليّ كرّم اللّه وجهه منه ذلك الحرف إلى الموضع الّذي كان انتهى إليه من القرآن.(7:671)

الجوهريّ: البرزخ:الحاجز بين الشّيئين.

و البرزخ:ما بين الدّنيا و الآخرة،من وقت الموت إلى البعث،فمن مات فقد دخل البرزخ.(1:419)

مثله الرّازيّ(61)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:

65).

ابن فارس: و ممّا فيه حرف زائد البرزخ:الحائل

ص: 299

بين الشّيئين،كأنّ بينهما برازا،أي متّسعا من الأرض.ثمّ صار كلّ حائل برزخا،فالخاء زائدة لما قد ذكرنا.

(1:333)

الرّاغب: البرزخ:الحاجز و الحدّ بين الشّيئين.

و قيل:أصله برزه،فعرّب،و قوله تعالى: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:20.

و البرزخ في القيامة:الحائل بين الإنسان و بين بلوغ المنازل الرّفيعة في الآخرة،و ذلك إشارة إلى(العقبة) المذكورة في قوله عزّ و جلّ: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ البلد:

11،قال تعالى: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون:100،و تلك(العقبة)موانع من أحوال لا يصل إليها إلاّ الصّالحون.

و قيل:البرزخ:ما بين الموت إلى القيامة.(43)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:238)

ابن الأثير: في حديث المبعث عن أبي سعيد:«في برزخ ما بين الدّنيا و الآخرة».البرزخ:ما بين كلّ شيئين من حاجز.

و منه حديث عبد اللّه:«و سئل عن الرّجل يجد الوسوسة،فقال:تلك برازخ الإيمان»يريد ما بين أوّله و آخره،فأوّله الإيمان باللّه و رسوله،و أدناه إماطة الأذى عن الطّريق.و قيل:أراد ما بين اليقين و الشّكّ.

و البرازخ:جمع برزخ.(1:118)

الفيروزآباديّ: البرزخ:الحاجز بين الشّيئين، و من وقت الموت إلى القيامة،و من مات دخله.و برازخ الإيمان:ما بين أوّله و آخره،أو ما بين الشّكّ و اليقين.(1:266)

الطّريحيّ: و البرزخ في قوله عليه السّلام:«نخاف عليكم هول البرزخ»هو ما بين الدّنيا و الآخرة،من وقت الموت إلى البعث،فمن مات فقد دخل البرزخ.

و منه الحديث:«كلّكم في الجنّة،و لكنّي و اللّه أتخوّف عليكم في البرزخ.قلت:و ما البرزخ؟قال:القبر،منذ حين موته إلى يوم القيامة».

و في حديث الصّادق عليه السّلام: «البرزخ:القبر»و هو الثّواب و العقاب،بين الدّنيا و الآخرة.(2:430)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ هذه الكلمة من مادّة «برز»و حرف الخاء في آخرها زائدة تدلّ على المبالغة، كما يقال:برزق من البرز،و بذرق من البذر.

فالبرزخ معناه الأصليّ هو الحالة الجديدة الثّانويّة العارضة،المخالفة للسّابقة و المربوطة بها.(1:237)

النّصوص التّفسيريّة

برزخ

1- لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

المؤمنون:100

الإمام عليّ عليه السّلام: [في حديث]سلكوا في بطون البرزخ سبيلا،سلّطت الأرض عليهم فيه،فأكلت من لحومهم،و شربت من دمائهم؛فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمّون،و ضمارا لا يوجدون،لا يفزعهم ورود الأهوال،و لا يحزنهم تنكّر الأحوال،و لا يحفلون

ص: 300

بالرّواجف و لا يأذنون للقواصف،غيّبا لا ينتظرون و شهودا لا يحضرون،و إنّما كانوا جميعا فتشتّتوا،و ألاّفا فافترقوا،و ما عن طول عهدهم،و لا بعد محلّهم،عميت أخبارهم و صمّت ديارهم.

و لكنّهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنّطق خرسا،و بالسّمع صمما،و بالحركات سكونا،فكأنّهم في ارتجال الصّفة صرعى سبات،جيران لا يتأنّسون،و أحبّاء لا يتزاورون،بليت بينهم عرى التّعارف و انقطعت منهم أسباب الإخاء،فكلّهم وحيد و هم جميع،و بجانب الهجر و هم أخلاّء،لا يتعارفون لليل صباحا و لا للنهار مساء.

(نهج البلاغة:خ:221)

ابن عبّاس: يعني القبر.(تنوير المقباس:290)

أجل إلى حين.(الطّبريّ 18:53)

حجاب.(القرطبيّ 12:150)

سعيد بن جبير: ما بعد الموت.

(الطّبريّ 18:53)

مجاهد :حجاب بين الميّت و الرّجوع إلى الدّنيا.

(الطّبريّ 18:53)

ما بين الموت إلى البعث.

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 18:53)

الضّحّاك: يقول:البرزخ:ما بين الدّنيا و الآخرة.

(الطّبريّ 18:53)

ابن كعب القرظيّ: البرزخ:ما بين الدّنيا و الآخرة،ليسوا مع أهل الدّنيا يأكلون و يشربون و لا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم.(ابن كثير 5:39)

قتادة: برزخ:بقيّة الدّنيا.(الطّبريّ 18:53)

السّدّيّ: أجل.(القرطبيّ 12:150)

الكلبيّ: هو الأجل ما بين النّفختين،و بينهما أربعون سنة.(القرطبيّ 12:150)

الإمام الصّادق عليه السّلام: و اللّه ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ،و أمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم.(القمّيّ 2:94)

البرزخ: القبر،و هو الثّواب و العقاب بين الدّنيا و الآخرة.(العروسيّ 3:553)

القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة.

(العروسيّ 3:554)

الفرّاء: البرزخ:من يوم يموت إلى يوم يبعث، و قوله: وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً الفرقان:53،يقول:

حاجزا.

و الحاجز و المهلة متقاربان في المعنى،و ذلك أنّك تقول:بينهما حاجز أن يتزاورا؛فتنوي بالحاجز المسافة البعيدة،و تنوي الأمر المانع،مثل اليمين و العداوة.فصار المانع في المسافة كالمانع في الحوادث،فوقع عليهما البرزخ.(2:242)

الطّبريّ: يقول:و من أمامهم حاجز يحجز بينهم و بين الرّجوع،يعني إلى يوم يبعثون من قبورهم،و ذلك يوم القيامة.و البرزخ و الحاجز و المهلة متقاربات في المعنى.(18:53)

القمّيّ: البرزخ هو أمر بين أمرين،و هو الثّواب و العقاب،بين الدّنيا و الآخرة.(2:94)

الرّمّانيّ: الإمهال إلى يوم القيامة.

(القرطبيّ 12:150)

ص: 301

الطّوسيّ:و قيل:البرزخ:الإمهال.و قيل:كلّ فصل بين شيئين برزخ.(7:394)

الزّمخشريّ: أي أمامهم حائل بينهم و بين الرّجعة إلى يوم البعث،و ليس المعنى أنّهم يرجعون يوم البعث، و إنّما هو إقناط كلّيّ لما علم أنّه لا رجعة يوم البعث،إلاّ إلى الآخرة.(3:42)

مثله الفخر الرّازيّ(23:121)،و نحوه الطّبرسيّ (4:118).

القرطبيّ: و قيل:من خلفهم،أي حاجز بين الموت و البعث.[إلى أن قال:]

و البرزخ:ما بين الدّنيا و الآخرة من وقت الموت إلى البعث،فمن مات فقد دخل في البرزخ.

و قال رجل بحضرة الشّعبيّ:رحم اللّه فلانا فقد صار من أهل الآخرة!فقال:لم يصر من أهل الآخرة،و لكنّه صار من أهل البرزخ،و ليس من الدّنيا و لا من الآخرة.(12:150)

البيضاويّ: (برزخ):حائل بينهم و بين الرّجعة.

(2:114)

النّيسابوريّ: (وَ مِنْ وَرائِهِمْ) الضّمير لكلّ المكلّفين،أي أمامهم(برزخ)حائل بينهم و بين الجنّة أو النّار و بين الجزاء التّامّ: إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ و ذلك البرزخ هو مدّة ما بين الموت إلى البعث،و لعلّ بعض الحجب من الأخلاق الذّميمة يندفع في هذه المدّة.

(18:39)

أبو حيّان: [بعد نقل كلام الزّمخشريّ قال:]

استعير البرزخ للمدّة الّتي بين موت الإنسان و بعثه.

(6:421)

ابن كثير :قال أبو صخر:البرزخ:المقابر،لا هم في الدّنيا و لا هم في الآخرة،فهم مقيمون إلى يوم يبعثون.(5:39)

البروسويّ: و هو ما بين الموت إلى البعث،أي بين الدّنيا و الآخرة،و هو غير البرزخ الّذي بين عالم الأرواح المثالي و بين هذه النّشأة العنصريّة.(6:106)

الآلوسيّ: حاجز بينهم و بين الرّجعة إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ من قبورهم،و هو يوم القيامة.و هذا تعليق لرجعتهم إلى الدّنيا بالمحال،كتعليق دخولهم الجنّة بقوله سبحانه: حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:

40.(18:64)

الطّباطبائيّ: البرزخ:هو الحاجز بين الشّيئين، كما في قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:20.

و المراد بكونه(ورائهم):كونه أمامهم محيطا بهم.

و سمّي وراءهم بعناية أنّه يطلبهم،كما أنّ مستقبل الزّمان أمام الإنسان؛و يقال:وراءك يوم كذا،بعناية أنّ الزّمان يطلب الإنسان ليمرّ عليه.و هذا معنى قول بعضهم:إنّ في (وراء)معنى الإحاطة،قال تعالى: وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً الكهف:79.

و المراد بهذا البرزخ:عالم القبر،و هو عالم المثال الّذي يعيش فيه الإنسان بعد موته إلى قيام السّاعة،على ما يعطيه السّياق و تدلّ عليه آيات أخر،و تكاثرت فيه الرّوايات من طرق الشّيعة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و كذا من طرق أهل السّنّة.

و قيل:المراد بالآية:أنّ بينهم و بين الدّنيا حاجزا

ص: 302

يمنعهم من الرجوع إليها إلى يوم القيامة،و معلوم أن لا رجوع بعد القيامة.ففيه تأكيد لعدم رجوعهم،و إياس لهم من الرجوع إليها من أصله.

و فيه أنّ ظاهر السّياق الدّلالة على استقرار الحاجز بين الدّنيا و بين يوم يبعثون لا بينهم و بين الرّجوع إلى الدّنيا.

و لو كان المراد أنّ الموت حاجز بينهم و بين الرّجوع إلى الدّنيا لغى التّقييد بقوله: إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ لدلالته من طريق المفهوم على رجوعهم بعد البعث إلى الدّنيا-و لا رجوع بعد البعث-بل للغويّة أصل التّقييد، و إن فرض أنّهم كانوا يعلمون من الخارج أو من آيات سابقة أن لا رجوع بعد القيامة.

على أنّ قولهم:إنّه تأكيد لعدم الرّجوع بإياسهم من الرّجوع مطلقا،مع قولهم:بأنّ عدم الرّجوع بعد القيامة معلوم من خارج،كالمتهافتين،بل يرجع المعنى إلى تأكيد نفي الرّجوع مطلقا،المفهوم من(كلاّ)بنفي الرّجوع الموقّت المحدود بقوله: إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فافهمه.(15:68)

المصطفويّ: أي حالة جديدة،و عالم يظهر على كيفيّة مخصوصة متكوّنة من السّابق،و يمتدّ هذا العالم إلى البعث.و لا حاجة لنا إلى تفسيره بالحاجز و الحائل بين الشّيئين.

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:20، وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53.

في التّعبير بكلمة(بينهما)إشارة إلى أنّ هذه الحالة الجديدة و الصّورة الظّاهرة إنّما هي واقعة بالنّسبة إلى الطّرفين،فتصحّ نسبته إلى كلّ من البحرين الواقعين في حدّيه.

و كلمتا(لا يبغيان)،و وَ حِجْراً مَحْجُوراً تدلاّن على قيد جديد،و هو يلائم المعنى المذكور،و أمّا إذا كان بمعنى الحاجر.فالقيدان زائدان للتّوضيح.

و هكذا القول في الآية الأولى وَ مِنْ وَرائِهِمْ المؤمنون:100،فإنّ تفسيره بالحاجز بين الأمرين فيها ركيك من جهات.

فالبرزخ في الآية الشّريفة قريب من قوله تعالى:

يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ المؤمن:

16،فالنّاس بعد موتهم يبرزون على حالة خاصّة، منقطعين عن الدّنيا و عن علائقها،متوجّهين إلى عالم الحقيقة،منخلعين عن لباس الجسد،متلبّسين بلباس لطيف،يتراءى في سيماهم ما عملوا من خير أو شرّ، و يرون ما عملوا محضرا عندهم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7، 8.

فهذا البرزخ شبيه جدّا بالبراز؛فإنّ من تبرّز و خرج إلى براز قرنه في الحرب،فقد انقطع عن جميع متعلّقاته، و لا يرى إلاّ قدرة نفسه في مقابل طرفه و قرنه،و لا ينفعه ما كان له من عنوان أو مال أو قريب حميم.(1:238)

2- بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. الرّحمن:20

ابن عبّاس: يقول:حاجز.(الطّبريّ 27:129)

مجاهد :بينهما حاجز من اللّه،لا يبغي أحدهما على الآخر.(الطّبريّ 27:129)

قتادة: و البرزخ:هذه الجزيرة،هذا اليبس.

ص: 303

البرزخ الّذي بينهما:الأرض الّتي بينهما.

حجز المالح عن العذب،و العذب عن المالح،و الماء عن اليبس،و اليبس عن الماء،فلا يبغي بعضه على بعض،بقوّته و لطفه و قدرته.(الطّبريّ 27:129)

ابن زيد: منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الّذي جعل بينهما من الأرض.و البرزخ:بعد الأرض الّذي جعل بينهما.(الطّبريّ 27:129)

ابن قتيبة: أي حاجز،لئلاّ يحمل أحدهما على الآخر،فيختلطان.(438)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:بينهما حاجز و بعد، لا يفسد أحدهما صاحبه،فيبغي بذلك عليه،و كلّ شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب،و ما بين الدّنيا و الآخرة برزخ.(27:129)

الزّجّاج: البرزخ:الحاجز،و هو حاجز من قدرة اللّه،(لا يبغيان)لا يبغي الملح على العذب،فيختلط به، و لا العذب على المالح فيختلط به.(5:100)

ابن عطيّة: البرزخ:المدّة الّتي بين الدّنيا و الآخرة للموتى،فهي حاجز.و قد قال بعض النّاس:إنّ ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح بل هو بذاته باق فيه،و هذا يحتاج إلى دليل أو حديث صحيح،و إلاّ فالعيان لا يقتضيه.(5:227)

شوقي ضيف: و البرزخ:الحاجز بين الشّيئين، و مثله«الحجر»في آية الفرقان،أو لعلّ معنى حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53،سترا مستورا.

و هذا البرزخ و الحجر إمّا حقيقيّان،بمعنى أنّ بين البحرين برزخا من اليابسة،و كأنّ الآية عن مطلق البحر العذب و البحر الملح،و وجودهما على ظهر المعمورة، و إمّا مجازيّان بمعنى قدرة اللّه.

و يجري مع ذلك فهمان متقابلان،فهم يمثّله التقاء الأنهار بالبحار و المحيطات و أنّ كلاّ من الماءين العذب و الملح لا يتجاوز حدّه،و هو معنى(لا يبغيان)فكلّ منهما لا يبغي على صاحبه و لا يطغى عليه بالممازجة و الاختلاط.

و فهم ثان أعمّ،و هو قدرة اللّه على أن خلق البحار ملحة و الأنهار عذبة،و التقاؤهما ليس التقاء حقيقيّا و إنّما هو التقاؤهما في مرأى العين،بمعنى أنّ الإنسان يراهما،و إذا رأى أحدهما تذكّر صاحبه.

(سورة الرّحمن:69)

برزخا

وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً.

الفرقان:53

ابن عبّاس: البرزخ:الأرض بينهما.

(الطّبريّ 19:24)

مجاهد :محبسا.(الطّبريّ 19:24)

حاجزا لا يراه أحد،لا يختلط العذب في البحر.

البرزخ:أنّهما يلتقيان فلا يختلطان.

(الطّبريّ 19:25)

الضّحّاك: هو الأجل ما بين الدّنيا و الآخرة.

(الطّبريّ 19:25)

الحسن: هذا اليبس.(الطّبريّ 19:25)

ص: 304

الفرّاء: البرزخ:الحاجز،جعل بينهما حاجزا لئلاّ تغلب الملوحة العذوبة.(2:270)

ابن قتيبة: أي حاجزا،و كذلك الحجز و الحجاز، لئلاّ يختلطا.(314)

الطّبريّ: يعني حاجزا يمنع كلّ واحد منهما من إفساد الآخر.[إلى أن قال:]

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في معنى قوله:

وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً دون القول الّذي قاله من قال معناه:إنّه جعل بينهما حاجزا من الأرض أو من اليبس،لأنّ اللّه تعالى ذكره أخبر في أوّل الآية أنّه مرج البحرين،و المرج:هو الخلط في كلام العرب،على ما بيّنت قبل،فلو كان البرزخ-الّذي بين العذب الفرات من البحرين،و الملح الأجاج-أرضا أو يبسا،لم يكن هناك مرج للبحرين.

و قد أخبر جلّ ثناؤه أنّه مرجهما،و إنّما عرفنا قدرته بحجزه هذا الملح الأجاج عن إفساد هذا العذب الفرات، مع اختلاط كلّ واحد منهما بصاحبه.

فأمّا إذا كان كلّ واحد منهما في حيّز عن حيّز صاحبه،فليس هناك مرج،و لا هناك من الأعجوبة ما ينبّه عليه أهل الجهل به من النّاس،و يذكرون به،و إن كان كلّ ما ابتدعه ربّنا عجيبا،و فيه أعظم العبر و المواعظ و الحجج البوالغ.(19:24)

الزّجّاج: البرزخ:الحاجز؛فهما في مرأى العين مختلطان،و في قدرة اللّه عزّ و جلّ منفصلان،لا يختلط أحدهما بالآخر.(4:72)

البغويّ: أي حاجزا بقدرته لئلاّ يختلط العذب بالملح و لا الملح بالعذب.(3:452)

مثله الخازن.(5:87)

الزّمخشريّ: حائلا من قدرته،كقوله تعالى:

بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها الرّعد:2،يريد بغير عمد مرئيّة، و هو قدرته.(3:96)

الطّبرسيّ: أي حجابا و حاجزا من قدرة اللّه تعالى يمنعهما من الاختلاط.(4:175)

القرطبيّ: أي حاجزا من قدرته لا يغلب أحدهما على صاحبه.(13:59)

النّسفيّ: حائلا من قدرته يفصل بينهما و يمنعها التّمازج،فهما في الظّاهر مختلطان و في الحقيقة منفصلان.

(3:171)

ابن كثير :أي حاجزا،و هو اليبس من الأرض.

(5:158)

الآلوسيّ: أي حاجزا،و هو لفظ عربيّ،و قيل:

أصله:برزه،فعرّب.

و الظّاهر أنّ تنوين(برزخا)للتّعظيم،أي و جعل بينهما برزخا عظيما؛حيث إنّه على كثرة مرور الدّهور لا يتخلّله ماء أحد البحرين حتّى يصل إلى الآخر،فيغيّر طعمه.(19:34)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البرزخ»و هو الحاجز بين الشّيئين،كالحاجز بين الظّلّ و الشّمس،و الحاجز بين البحر العذب و الملح،و هو قوله تعالى: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:20.

ص: 305

و قد أطلق على القبر برزخا مجازا،لأنّه بين الدّنيا و الآخرة،ثمّ أطلق على المدّة بينهما توسّعا،يقال للرّجل إذا مات:فلان في البرزخ،أي بين الدّنيا و الآخرة.و من المجاز أيضا قولهم لما بين الشّكّ و اليقين:برازخ الإيمان،أو هو ما بين أوّل الإيمان و آخره.

2-و قال الرّاغب:«قيل:أصله:برزه،فعرّب»،و لم يفصح عن أيّ لغة نقل إلى العربيّة،و عن معناه في تلك اللّغة.إلاّ أنّه يحتمل أن يريد به فارسيّ المنشأ،لكون الرّاغب فارسيّا ملمّا بلغة قومه.و لكنّ معنى هذا اللّفظ في الفارسيّة-و هو زراعة البذر-يجعل المسافة بين هذين اللّفظين شاسعة جدّا،و كذلك اللّفظ،رغم تقاربهما فيه؛ إذ من عادة العرب أن يبدّلوا الحرف الأخير من اللّفظ الأعجميّ إذا كان هاء بالجيم،مثل:فيروزج و فالوذج، و أصلهما في الفارسيّة«فيروزه»و«فالوده».

3-و ممّن قال بأعجميّته من المعاصرين المستشرق آرثرجفري،فقطع بذلك معلّلا رأيه بعدم اشتقاق فعل منه،و عدم استعماله في الشّعر القديم،و لكنّه لم يذكر أصله و منشؤه.

ثمّ عرض رأي بعض المعاصرين فيه،و استبعد رأي من قال بأنّه معرّب«پرزك»،أي الباكي أو المتأوّه بالفارسيّة،لعدم المناسبة بينهما.و وافق بتحفّظ رأي من ذهب إلى أنّه معرّب«پرسنگ»،و يعني في الفارسية القديمة وحدة قياس المسافة،و يطلق عليه في الفارسيّة الحديثة«فرسنگ»،و معرّبه«فرسخ».

و لكنّنا نرى ذلك بعيدا أيضا،لعدم تناسبهما معنى و لفظا أوّلا،ثمّ وجود اللّفظ المعرّب-و هو فرسخ-ثانيا؛ إذ العرب لا يعرّبون اللّفظ الأعجميّ بأكثر من لفظ واحد غالبا.

4-و لا شكّ أنّ هذا اللّفظ يشعر من له حسّ مرهف في اللّغة بأنّه لفظ خارج عن طور العربيّة،إمّا بإضافة حرف إليه-و هو الخاء-للدّلالة على معنى زائد فيه، كالمبالغة-كما قيل-فيكون على غرار ألفاظ ندّت عن موادّها،مثل:برزق من(ب ر ز)،و بذرق من(ب ذ ر)، و زرقم من(ز ر ق)و هلمّ جرّا.

و إمّا أعجميّ مجهول المنشأ؛إذ ما ورد في أصله لا يفي بإقناع الحاذق من اللّغويّين.فإن قيل:أصله«برزه»أو «پرزگ»أو«پرسنگ»-كما تقدّم-يقال:ما المناسبة بين البرزخ و هذه الألفاظ؟و إن قيل:أصله«پرده»-أي ستر في الفارسيّة-يقال:كيف أصبح اللّفظ برزخا؟

الاستعمال القرآنيّ

جاء هذا اللّفظ في ثلاث آيات:

1- حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

المؤمنون:99،100

2- مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:19،20

3- وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53

يلاحظ أوّلا:أنّ هذا الاسم في الآيات الثّلاث جاء

ص: 306

نكرة،و هو يرمز بذلك إلى تعظيمه و خطورة أمره.

ثانيا:يبدو من سياق الآيات الثّلاث أنّ البرزخ حائل لا يمكن اجتيازه،و هو يحول بين بيئتين متباينتين تباينا فاحشا،و هما الدّنيا و الآخرة في(1)،و البحر العذب و الملح في(2)و(3).

ثالثا:استعمل القرآن الكريم لفظ البرزخ في(1) حول الموت و الحياة،كجواب حاسم يردّ قول الكافر:

رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ، و لا يتحقّق هذا الرّدّ إلاّ بضرب سور بينه و بين ما يشتهي.

رابعا:جاء لفظ البرزخ مرّتين في الحاجز بين البحرين،و مرّة في الحاجز بين الدّنيا و الآخرة،و الأوّل محسوس،و الثّاني غير محسوس.فالمحسوس كرّر تأكيدا على إثبات غير المحسوس،أي الّذي جعل بين البحرين حاجزا قادر على أن يجعل بين الدّنيا و الآخرة حاجزا.

خامسا:قد فسّر البحران في آية(الفرقان)بالعذب الفرات و الملح الأجاج،لاحظ«أ ج ج»،و الحاجز بينهما برزخ بينهما،أي حاجز بينهما.و هذا دليل على وجود بحرين كذلك مع حاجز بينهما،فأين هذان البحران و الحاجز؟

و قد فسّر بعضهم الحاجز بالجزيرة الواقعة بين البحرين،لتمنع من اختلاطهما،و هذا المعنى كالصّريح في قوله: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،فإنّ «الحجر المحجور»في آية الفرقان هو الأرض الحائلة بينهما؛و عليه فالبرزخ هو الحاجز بين بحرين ليس غير.

و هناك رأي اختاره الطّبريّ،و هو أنّ المراد بالحاجز:الماء المختلط بين العذب و الفرات،يجري بين البحرين ليحجزهما،مستدلاّ بصدر الآية مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ، فالمرج هو الخلط؛و عليه فالمراد بالحاجز:

الماء دون الأرض،و فيه معنى المنع و المزج معا.فالبرزخ بين البحرين هو الماء المختلط منهما،يمنع اختلاطهما لجريانه بشدّة بينهما.

و هذا ما نشاهده في الأنهار الكبار الّتي تصبّ في البحار؛حيث تحتفظ بعذوبتها خلال مسافة طويلة لشدّة جريانها،ثمّ يختلط ماؤها بماء البحر المالح تدريجيّا حتّى يذوب فيه،و لكنّه ماء عذب بين ملحين،و ليس بين بحر عذب و بحر ملح؛و عليه فلا شاهد له فيما نعرفه من البحار و الأنهار،فالمتعيّن هو الأوّل،و هو الأرض الحاجزة بين بحر عذب و بحر أجاج،و لها نظائر في أرجاء المعمورة.

سادسا:لم نجد في النّصوص اللّغويّة في مفهوم «البرزخ»سوى الحاجز و المانع بين الشّيئين،من دون إشارة إلى المختلط و الممتزج منهما،فلا ندري من أين جاء هذا المعنى!و لا سيّما في البرزخ بين الدّنيا و الآخرة؛حيث فسّروه ب(العالم الثّالث)،و قالوا إنّه متوسّط بين الدّنيا و الآخرة،و مثال لهما،ففيه جزء دنيويّ،و هو الصّورة، و جزء أخرويّ،و هو التّجرّد من المادّة.

سابعا:قالوا:في البرزخ بعد الموت:إنّه حاجز للأموات يمنعهم من الرّجوع إلى الدّنيا كما سبق،و هذا يناسب سياق الآيات حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فإنّهم تمنّوا الرّجوع إلى الدّنيا،فردّ اللّه عليهم

ص: 307

أنّ ذلك غير ميسور،فإنّ البرزخ الّذي يدوم إلى يوم البعث حاجز بينهم بين الرّجوع إلى الدّنيا.

و قد صرّح مجاهد بذلك؛حيث قال:«حجاب بين الميّت و الرّجوع إلى الدّنيا».و قال الطّبريّ:«و من أمامهم حاجز يحجز بينهم و بين الرّجوع».و قال الزّمخشريّ:«أي أمامهم حائل بينهم و بين الرّجعة».

و هناك رأي في معنى الآية،و هو أنّ«البرزخ»هو الحاجز بين الدّنيا و الآخرة،و بين الموت و البعث، و اختاره العلاّمة الطّباطبائيّ،و فنّد الوجه الأوّل،احتجاجا بأنّ التّقيّد ب إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ على هذا الوجه يكون لغوا،لدلالته على طريق المفهوم على رجوعهم إلى الدّنيا بعد البعث،فلاحظ.

و عندنا أنّ المراد بهذا التّقييد أنّ هذا الحاجز مستمرّ إلى يوم البعث،و أنّهم انتقلوا بعد الموت إلى حياة ممتدّة إلى يوم لا يعلمه إلاّ اللّه،تمنعهم من الرّجوع إلى الدّنيا، و ليس فيه أي دلالة على رجوعهم إلى الدّنيا بعد البعث، فالتّقييد لتفخيم هذا الحاجز المستمرّ إلى يوم البعث،لا لإعلام رجوعهم إلى الدّنيا بعد البعث.

ثامنا:و البحث حول عالم البرزخ و ماهيّته في علمي الكلام و الفلسفة بل عند العرفاء طويل،و قد سبق شطر منه في النّصوص،فلا نطيل.

ص: 308

ب ر ص

اشارة

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرص:داء.

و سامّ أبرص:مضاف غير مصروف،و الجمع:

سوامّ أبرص.

و يقال:كان بيده برص.

قال تعالى: تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ النّمل:

12،فخرجت بيضاء للنّاظرين.(7:119)

ابن شميّل: البرصة:البلّوقة،و جمعها:براص، و هي أمكنة من الرّمل بيض،و لا تنبت شيئا.

(ابن منظور 7:6)

أبو زيد: البرصة:دابّة صغيرة دون الوزغة،إذا عضّت شيئا لم يبرأ.(ابن دريد 3:462)

و[سامّ أبرص]جمعه:سوامّ أبرص.و لا يثنّى أبرص و لا يجمع لأنّه مضاف إلى اسم معروف،و كذلك بنات آوى،و أمّهات حبين،و أشباهها.(الأزهريّ 12:180)

الأصمعيّ: سامّ أبرص بتشديد الميم،و لا أدري لم سمّي بهذا؟(الأزهريّ 12:180)

أبو حاتم: [أبرص]يجمع:أبارص،على غير قياس.[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 1:258)

ثعلب :و هو سامّ أبرص،و سامّا أبرص،و سوامّ أبرص.(ابن فارس 1:220)

ابن دريد :البرص:بياض يقع في الجلد معروف.

و حيّة برصاء:في جلدها لمع بياض،و سامّ أبرص معروف.

و البريص:موضع قالوا بدمشق،و ليس بعربيّ صحيح،و قد تكلّمت به العرب،و أحسبه روميّ الأصل.[ثمّ استشهد بشعر](1:258)

ابن خالويه :البرص بالضّمّ:جمع الأبرص.و قد يطلق البرص على الوزغة،و يصغّر أبرص فيقال:

بريص،و يجمع:برصانا.

و أبو بريص كنية الوزغة،و أبو بريص أيضا طائر

ص: 309

يسمّى البلصة.(الزّبيديّ 4:373)

الأزهريّ: أبرص الرّجل،إذا يولد أبرص.و يصغّر أبرص فيقال:بريص،و يجمع:برصانا.

و من النّاس من يجمع سامّ أبرص:البرصة.

و بريص:نهر بدمشق.[ثمّ استشهد بشعر]

(12:180)

الصّاحب: البرص:معروف.

و سامّ أبرص:دويبّة،و جمعها:سوامّ أبرص و سامّات أبرص.و يقال للواحد:أبو بريص،و جمعه:

برصان و بروص و برصة.

و البريص:البريق.و برّصت الإهاب.

و تبرّصت الأرض:لم أدع فيها رعيا إلاّ رعيته.

و أرض برصاء.

و التّبريص:حلقك الرّأس.

و البراص:البلاليق؛و هي أمكنة بيض بين الرّمال، و البرصة لا تكون إلاّ فيما استوى من الرّمل لا تنبت شيئا.

و التّبريص:أن يصيب الأرض المطر قبل أن تحرث.

و البرص:دويبّة في البئر.(8:138)

الجوهريّ: البرص:داء،و هو بياض.و قد برص الرّجل فهو أبرص،و أبرصه اللّه.

و سامّ أبرص،من كبار الوزغ،و هو معرفة إلاّ أنّه تعريف جنس،و هما اسمان جعلا واحدا،إن شئت أعربت الأوّل و أضفته إلى الثّاني،و إن شئت بنيت الأوّل على الفتح و أعربت الثّاني بإعراب ما لا ينصرف.

و اعلم أنّ كلّ اسمين جعلا واحدا فهو على ضربين:

أحدهما:أن يبنيا جميعا على الفتح،نحو خمسة عشر،و لقيته كفّة كفّة،و هو جاري بيت بيت،و هذا الشّيء بين بين،أي بين الجيّد و الرّديء،و همزة بين بين،أي بين الهمزة و حرف اللّين،و تفرّق القوم أخول أخول،و شغر بغر،و شذر مذر.

و الضّرب الثّاني:أن يبنى آخر الاسم الأوّل على الفتح،و يعرب الثّاني بإعراب ما لا ينصرف،و يجعل الاسمان اسما لشيء بعينه،نحو حضرموت و بعلبكّ و رامهرمز و مارسرجس،و سامّ أبرص.

و إن شئت أضفت الأوّل إلى الثّاني فقلت:هذا حضرموت،أعربت«حضرا»و خفضت«موتا».

و في«معدي كرب»ثلاث لغات،ذكرناها في باب الباء.

و تقول في التّثنية:هذان سامّا أبرص،و في الجمع:

هؤلاء سوامّ أبرص،و إن شئت قلت:البرصة و الأبارص،و لا تذكر سامّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:1029)

نحوه الرّازيّ.(61)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الصّاد أصل واحد،و هو أن يكون في الشّيء لمعة تخالف سائر لونه،من ذلك البرص.و ربّما سمّوا القمر أبرص.

و البريص مثل البصيص،و هو ذلك القياس.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراص:بقاع في الرّمل لا تنبت.و سامّ أبرص معروف.قال القتيبيّ:و يجمع على الأبارص.[ثمّ استشهد بشعر](1:219)

ابن سيدة:البرص:بياض يقع في الجلد،برص

ص: 310

برصا،و هو أبرص،و الأنثى برصاء،قال:

من مبلغ فتيان مرّة أنّه

هجانا ابن برصاء العجان شبيب

و حيّة برصاء:في جلدها لمع بياض.

و سامّ أبرص:الوزغة،و هما سامّا أبرص و سوامّ أبرص،و لا يثنّى أبرص و لا يجمع،و قد قالوا:الأبارص ،كأنّه على إرادة النّسب و إن لم تثبت الهاء كما قالوا:

المهالب،[ثمّ استشهد بشعر]

و أبو بريص:كنية الوزغة.و البريصة:دابّة صغيرة دون الوزغة إذا عضّت شيئا لم يبرأ.

و البرصة:فتق في الغيم يرى منه أديم السّماء.

و البريص:نهر بدمشق،قال ابن دريد:و ليس بالعربيّ الصّحيح،و قد تكلّمت به العرب.

و بنو الأبرص:بنو يربوع بن حنظلة.(8:318)

البرص:بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاجه، برص يبرص برصا فهو أبرص و هي برصاء،و برص، فهو مبروص.و أبرصه اللّه.(الإفصاح 1:527)

الرّاغب: البرص معروف،و قيل للقمر:أبرص للنّكتة الّتي عليه.و سامّ أبرص سمّي بذلك تشبيها بالبرص.و البريص:الّذي يلمع لمعان الأبرص:

و يقارب البصيص،بصّ يبصّ،إذا برق.(43)

الزّمخشريّ: كثرت الأبارص في أرضهم،و هو جمع:سامّ أبرص،و يقال:سوامّ أبرص.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:بتّ لا يؤنسني إلاّ الأبرص،و هو القمر.

و أرض برصاء،و هي العارية من النّبات.

و تبرّصت الإبل الأرض:لم تدع فيها رعيا.و برّص رأسه:حلقه تبريصا.(أساس البلاغة:20)

الصّغانيّ: الأبرص:القمر،و بنو الأبرص:بنو يربوع بن حنظلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرص الرّجل:جاء بولد أبرص.تبرّصت الأرض،أي لم ادع فيها رعيا إلاّ رعيته،و أرض برصاء.

و التّبريص:حلق الرّأس،و التّبريص:أن يصيب الأرض المطر قبل أن تحرث.و البريصة:دويبة في البئر.(3:530)

الفيّوميّ: برص الجسم برصا من باب«تعب» فالذّكر أبرص،و الأنثى برصاء،و الجمع:برص،مثل أحمر و حمراء و حمر.

و سامّ أبرص:كبار الوزغ.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الجوهريّ](1:44)

الدّميريّ: سامّ أبرص،بتشديد الميم،[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الجوهريّ و أضاف:]

و إن شئت قلت:هؤلاء السّوامّ،و لا تذكر أبرص، و إن شئت قلت:هؤلاء البرصة و الأبارص،و لا تذكر سامّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما سمّي هذا النّوع:سامّ أبرص،لأنّه سمّ،أي جعل اللّه فيه السمّ،و جعله أبرص.

(1:542)

الفيروزآباديّ: البرص محرّكة:بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج،برص كفرح فهو أبرص، و أبرصه اللّه،و الّذي ابيضّ من الدّابّة من أثر العضّ.

و سامّ أبرص:من كبار الوزغ معروف،دمه و بوله

ص: 311

عجيب إذا جعل في إحليل الصّبيّ المأسور و رأسه مدفوقا -إذا وضع على العضو-أخرج ما غاص فيه من شوك و نحوه.

و هذان سامّا أبرص،و هؤلاء سوامّ أبرص،أو السّوامّ بلا ذكر أبرص،أو البرصة و الأبارص بلا ذكر سامّ.

و الأبرص:القمر،و بنو الأبرص:بنو يربوع بن حنظلة.

و أرض برصاء:رعي نباتها،و حيّة برصاء:فيها لمع بياض.

و البريص:نبت يشبه السّعد،و موضع بدمشق.

و البصيص و ككتاب:منازل الجنّ،و بقاع في الرّمل لا تنبت،جمع:برصة بالضّمّ.

و البرص بالفتح:دويبّة تكون في البئر.

و أبرص:جاء بولد أبرص.

و التّبريص:حلقك الرّأس،و أن يصيب الأرض المطر قبل أن تحرث.

و تبرّص الأرض:لم يدع فيه رعيا إلاّ رعاه.

(2:306)

الزّبيديّ: قال أبو إسحاق النّجيرميّ في«أماليه»:

العرب تقول:لا أبرح بريصي هذا،أي مقامي هذا،قال:

و منه سمّي باب البريص بدمشق،لأنّه مقام قوم يردّون، هكذا نقله ياقوت.

قلت:فهو إذا عربيّ صحيح،خلافا لما نقله الصّاغانيّ عن ابن دريد أنّه روميّ الأصل،كما تقدّم فتأمّل.

و الأبراص:موضع بين هرشى و الغمر.(4:374)

مجمع اللّغة: البرص هو ابيضاض الجلد من فقد خضابه،و يحدث على شكل بقع مختلفة الحجوم،و هو عرض من أعراض الجذام المتعدّدة.و الأبرص هو المصاب بذلك الدّاء.(1:93)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:65)

العدنانيّ: «سامّ أبرص،سامّا أبرص،سوامّ أبرص،سوامّ،برصة،أبارص».

و يطلقون على أحد كبار أنواع الوزغ اسم «أبو بريص»و هي كنيته لا اسمه،لأنّ اسمه هو:سامّ أبرص،كما تقول المعجمات،و مثنّاه،سامّا أبرص،كما يقول ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»و ثعلب، و الزّجّاج و الصّحاج،و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و حياة الحيوان للدّميريّ، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و عليّ راتب في تذكرته،و الوسيط.

أمّا جموعه فهي:

1-سوامّ أبرص:اللّيث بن سعد،و ابن السّكّيت في «إصلاح المنطق»و ثعلب،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم،و الأساس،و المغرب،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و حياة الحيوان للدّميريّ، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و عليّ راتب في تذكرته،و الوسيط.

2-و سوامّ:المختار،و اللّسان،و المصباح،و حياة الحيوان للدّميريّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و الوسيط.

ص: 312

3-و برصة:ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»، و الصّحاح،و المحكم،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و حياة الحيوان للدّميريّ،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد الّذي أخطأ بتسكين الرّاء بدلا من فتحها،و عليّ راتب في تذكرته،و الوسيط.

4-و أبارص:الصّحاح،و المحكم،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و حياة الحيوان للدّميريّ، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.[ثمّ استشهد بشعر]

و لمّا كان«اللّسان»قد انفرد بذكر جمع خامس،هو «الأبارصة»دون أن يؤيّده معجم آخر ثبت،فإنّني أرى أن نهمل هذا الجمع.

و ابن سيدة يثنّيه في«المحكم»بقوله:سوامّا أبرص، و كنيته عنده:أبو بريص.

و يقول الزّجّاج و المصباح:إنّ سامّ أبرص يقع على الذّكر و الأنثى.

و يجوز أن نبني جزأي سامّ أبرص على الفتح كخمسة عشر،أو نعرب الأوّل،و نضيفه إلى الثّاني مفتوحا،لأنّه ممنوع من الصّرف.

أمّا الوزغة فهي سامّ أبرص للذّكر و الأنثى؛أو الوزغة الأنثى،و الذّكر الوزغ.و جمعها:وزغ،و أوزاغ و وزغان و وزاغ.(54)

المصطفويّ: طبّ الأكبريّ(2:148)و هو بياض شديد يظهر في ظاهر الجلد،و قد يحيط بتمام البدن، فيقال:برص منتشر،و إنّه متعسّر العلاج،و لا سيّما إذا كان مزمنا و في التّزايد.

و إذا كان مزمنا فيسري في اللّحم و العظم حتّى يكون الشّعر و الدّم في المحلّ بياضين.(1:239)

النّصوص التّفسيريّة

الابرص

...وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ. آل عمران:49

البغويّ: (و الابرص)هو الّذي به وضح.و إنّما خصّ هذين،لأنّهما داءان عياءان،و كان الغالب في زمن عيسى عليه السّلام الطّبّ،فأراهم اللّه المعجزة من جنس ذلك.

(1:441)

نحوه الطّبرسيّ(1:445)،و القرطبيّ(4:94)، و الشّربينيّ(1:217)،و أبو السّعود(1:371).

البروسويّ: (و الابرص)و هو الّذي به برص،أي بياض في الجلد يتطيّر به،و إذا استحكم فلا برء له، و لا يزول بالعلاج،و لم تكن العرب تنفر من شيء نفرتها منه.و إنّما خصّهما بالذّكر للشّفاء،لأنّهما ممّا أعيا الأطبّاء في تداويهما،و كانوا في غاية الحذاقة في زمن عيسى عليه السّلام، و سألوا الأطبّاء عنهما؛فقال جالينوس و أصحابه:إذا ولد أعمى لا يبرأ بالعلاج،و كذا الأبرص إذا كان بحال لو غرزت الإبرة فيه لا يخرج منه الدّم لا يقبل العلاج.

فرجعوا إلى عيسى و جاءوا بالأكمه و الأبرص، فمسح يده بعد الدّعاء عليهما فأبصر الأعمى و برئ الأبرص،فآمن به البعض و جحد البعض،و قالوا:هذا سحر.(2:37)

ص: 313

نحوه الآلوسيّ.(4:84)

الطّباطبائيّ: (و الابرص)من كان به برص،و هو مرض جلديّ معروف.(3:199)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البرص»و هو بياض يقع فى الجلد،يتولّد من داء عضال،يقال:كان بيده برص، و قد برص الرّجل يبرص برصا فهو أبرص،و برص فهو مبروص،و أبرصه اللّه،و أبرص هو،أي جاء بولد أبرص.

و منه:البرصة،و هي رملة بيضاء لا تنبت شيئا، جمعها:براص،و لعلّها أصل برأسها،و البرص مشتقّ منها.و تطلق البرصة أيضا على دابّة صغيرة دون الوزغة،قيل:إذا عضّت شيئا لم يبرأ،و هو من باب التّشبيه.

و منه أيضا:سامّ أبرص،و هو الوزغ،لبياضه في لمعان.و حيّة برصاء:في جلدها لمع بياض.و البريص:

الّذي يلمع لمعان الأبرص،و البرص:دويبّة تكون في البئر،أطلق عليها ذلك لبياضها كما يبدو،كما أطلق الأبرص على القمر للنّكتة الّتي عليه،حسب قول الرّاغب.و البرصة:فتق في السّماء،يرى به أديمها،أي بياضها،و الجمع:برص.

2-و قد عدّ الزّمخشريّ البرصة-بمعنى الرّملة البيضاء-مجازا،و هو بعيد،لأنّه إن لم يكن أصلا-كما توقّعناه-فهو تمثيل للبرص،ثمّ إنّ هذه المادّة تكاد تخلو من المجاز،و ما قاله:«و من المجاز:بتّ لا يؤنسني إلاّ الأبرص،و هو القمر،و أرض برصاء،و هي العارية من النّبات،و تبرّصت الإبل الأرض:لم تدع فيها رعيا، و برّص رأسه:حلقه»،لم يروه أحد عن العرب،حتّى من عاش في القرن الخامس الهجريّ كابن سيدة،و نحسبه من كلام المولّدين،و ما أكثره بعد عصر المشافهة!

3-و لفظ أبرص«أفعل»من:برص يبرص برصا، و هو صفة مشبّهة،لأنّه يدلّ على عيب،مثل:أعرج، و صيغ من فعل لازم،كما أنّه يستحسن جرّ فاعله به، يقال:أبرص الوجه،و أصله برص وجهه،و هو ما اختصّت به الصّفة المشبّهة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء في القرآن لفظ واحد من هذه المادّة-و هو الأبرص-في آيتين تتضمّنان معجزة للنّبيّ عيسى عليه السّلام:

وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ آل عمران:49

وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي المائدة:110

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين جاءتا في سورتين مدنيّتين من السّبع الطّوال:إحداهما في أوائل الهجرة،و هي آية آل عمران،و الأخرى في آخرها،و هي آية المائدة، احتجاجا على أهل الكتاب،و هم اليهود و النّصارى المتوطّنون بالمدينة،أو المختلفون إليها.و لم يردا في مكّة، لأنّها كانت تخلو من أهل الكتاب.

ثانيا:أنّ اللّه قارن بينهما بمرضين لا طبّ لهما،ابتلي بهما الأكمه و الأبرص،و اختصّ بعلاجهما عيسى عليه السّلام بمسح يده عليهما.

ص: 314

و كان هذا العلاج معجزة له،لغلبة الطّبّ اليونانيّ في فلسطين حينذاك،فجاءت معجزته من سنخ الطّبّ،كما جاءت معجزة نبيّنا كلاما معجزا،و معجزة موسى من سنخ السّحر الدّارج في مصر،و هكذا في سائر الأنبياء.

ثالثا:و قد قارن بينهما بإحياء الموتى،و هو عمل لا يرتاب أحد في كونه معجزة خارجة عن نطاق الطّبيعة و فناء الطّبّ.

ص: 315

ص: 316

ب ر ق

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات:2 مكّيّة،4 مدنيّة

في 5 سور:2 مكّيّة،3 مدنيّة

برق 1:1 البرق 3:1-2

برق 1:-1 برقه 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرق دخيل في العربيّة،و يجمع على:

برقان.و البرق:مصدر الأبرق من الحبال،و هو الحبل الّذي أبرم بقوّة سوداء و قوّة بيضاء.و من الجبال:ما فيه جدد بيض و جدد سود.

و البرقاء من الأرض:طرائق بقعة فيه حجارة سود يخالطها رملة بيضاء.و كلّ قطعة على حيالها برقة،فإذا اتّسع فهو الأبرق،و الأبارق:جمعه،و يجمع على البراق.

و الأبارق:الآكام يخالطها الحصى و الرّمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و هضب الأبارق:موضع بعينه.

و البروق:بيض السّحاب،و برق يبرق بروقا و بريقا؛و أبرق:لغة.

و البارقة:سحاب يبرق.و كلّ شيء يتلألأ فهو بارق،و يبرق بريقا،و يقال للسّيوف:بوارق.

و إذا اشتدّ موعد بالوعيد يقال:أبرق و أرعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و برق و رعد:لغة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرقت النّاقة:ضربت بذنبها مرّة على فرجها، و مرّة على عجزها.

و الإنسان البروق هو الفرق لا يزال.قال:

*يروغ لكلّ خوّار بروق*

كأنّه من قولك:برق بصره فهو برق،أي بهت،فهو فزع مبهوت،و كذلك يفسّر من قرأ: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:7.

و من قرأ(برق)يقول:تراه يلمع من شدّة شخوصه و لا يطرف.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 317

و برّق بعينه تبريقا،إذا لألأها من شدّة النّظر.

و البراق:دابّة يركبها الأنبياء.

و الأباريق:جمع إبريق.

و البرقان:جمع برقانة،و هي جرادة تلوّنت بخطوط صفر و سود.(5:155)

المؤرّج السّدوسيّ:برّق فلان تبريقا،إذا سافر سفرا بعيدا.و برّق منزله،أي زيّنه و زوّقه.و برّق فلان في المعاصي،إذا لجّ فيها.و برّق بي الأمر،أي أعيا عليّ.

(الأزهريّ 9:134)

اليزيديّ: برق وجهه بالدّهن يبرق برقا و له بريق،و كذلك برقت الأديم أبرقه برقا،و برّقته تبريقا.

(ابن فارس 1:225)

ابن شميّل: البرقة:ذات حجارة و تراب، و حجارتها الغالب عليها البياض،و فيها حجارة حمر و سود،و التّراب أبيض أعفر،و هو يبرق لك بلون حجارتها و ترابها،و إنّما برّقها اختلاف ألوانها و تنبت أسنادها و ظهرها البقل و الشّجر نباتا كثيرا،يكون إلى جنبها الرّوض أحيانا.(الأزهريّ 9:132)

أبو عمرو الشّيبانيّ:البرق:ما دفع في السّيل من قبل الجبل.(ابن فارس 1:226)

قطرب: الأبرق:الجبل يعارضك يوما و ليلة، أملس لا يرتقى.(ابن فارس 1:226)

أبو عبيدة: برق الرّجل و أبرق،إذا أوعد و تهدّد، و كذلك برقت السّماء و أبرقت.و الاختيار في هذا برق الرّجل و برقت السّماء.

مثله أبو زيد.(فعلت و أفعلت:3)

أبو زيد:إذا أدمت الطّعام بدسم قليل قلت:برقته أبرقه برقا.

مثله اللّحيانيّ.(الأزهريّ 9:133)

البرقة:قلّة الدّسم في الطّعام.

و يقال:أبرق الرّجل،إذا أمّ البرق،أي قصده.

و مرّت بنا اللّيلة سحابة برّاقة و بارقة.

(الأزهريّ 9:199)

نحوه اللّحيانيّ.(ابن فارس 1:221)

البروق:شجرة ضعيفة.(ابن فارس 1:225)

الأصمعيّ: برقت السّماء و رعدت،و برق الرّجل يبرق و رعد يرعد،إذا تهدّد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 9:131)

نحوه ابن السّكّيت.(إصلاح المنطق:226)

برق السّقاء يبرق برقا،و ذلك إذا أصابه الحرّ، فيذوب زبده و يتقطّع فلا يجتمع،يقال:سقاء برق.

الأبرق و البرقاء:حجارة رمل مختلطة،و كذلك البرقة.(الأزهريّ 9:132)

يقال:أبرق فلان بسيفه إبراقا،إذا لمع به.

و يقال:رأيت البارقة:ضوء برق السّيوف.

و يقال:مرّت بنا اللّيلة بارقة،أي سحابة فيها برق، فما أدري أين أصابت.

و العرب تقول:«هو أعذب من ماء البارقة».

(ابن فارس 1:222)

البرقان:ما اصفرّ من الجراد و تلوّنت فيه خطوط و اسودّ،و يقال:رأيت دبا برقانا كثيرا في الأرض، الواحدة:برقانة،كما يقال:ظبية أدمانة و ظباء

ص: 318

أدمان.(ابن فارس 1:227)

اللّحيانيّ: حبل أبرق،لسواد فيه و بياض.

(الأزهريّ 9:132)

يقال من الغنم:أبرق،و برقاء للأنثى،و من الدّوابّ:

أبلق،و بلقاء للأنثى،و من الكلاب:أبقع و بقعاء.

(الأزهريّ 9:132)

إبريق،إذا كانت برّاقة.

و أبرقت المرأة و برّقت،إذا تحسّنت و تعرّضت.

(الأزهريّ 9:132)

البارقة:السّيوف،على التّشبيه بها لبياضها.و رأيت البارقة،أي بريق السّلاح.

و برق بصره برقا و برق يبرق بروقا:دهش فلم يبصر.(ابن منظور 10:15)

أبرق بسيفه:إذا لمع،و لا أفعله ما أبرق في السّماء نجم، أي ما طلع،و كلّه من البرق.(ابن سيدة 6:399)

برق الطّعام يبرقه برقا:إذا صبّ فيه السمن.

(ابن سيدة 6:400)

يقال للنّاقة إذا شالت ذنبها كاذبة و تلقّحت و ليست بلاقح:أبرقت النّاقة،فهي مبرق و بروق،و ضدّها المكتام.(ابن فارس 1:223)

ابن الأعرابيّ: الأبرق:الجبل مخلوطا برمل،و هي البرقة.و كلّ شيئين خلطا من لونين فقد برقا،و برّقت رأسه بالدّهن.(الأزهريّ 9:132)

عمل رجل عملا فقال به بعض أصحابه:برّقت و عرّقت.

معنى برّقت:لوّحت بشيء ليس له مصداق، و عرّقت:أقللت.

البرق:الضّباب،و البرق:العين المنفتحة.

(الأزهريّ 9:134)

برقت فهي بارق،إذا تشذّرت بذنبها من غير لقح.

(ابن فارس 1:224)

برق الرّجل:ذهبت عيناه في رأسه،ذهب عقله.

(ابن فارس 1:225)

شهرزور قبّحها اللّه؛إنّ رجالها لنزق،و إنّ عقاربها لبرق،أي إنّها تشول بأذنابها كما تشول النّاقة البروق.

(ابن سيدة 6:399)

أبو نصر الباهليّ: أبرق الرّجل،إذا لمع بسيفه.

(الجوهريّ 4:1448)

ابن السّكّيت: منهنّ البرّاقة،و هي البيضاء البرّاقة الثّغر.و إنّما دعيت برّاقة،لبياض ثغرها،و بريقه، و الدّهثمة:الماجدة السّهلة الحرّة،و رجل دهثم.(321)

البريقة:و جمعها:برائق،اللّبن تصبّ عليه الإهالة.

و قد برقوا اللّبن،إذا صبّوا عليه إهالة و سمنا.و ابرقوا الماء بزيت،أي صبّوا عليه زيتا قليلا.(641)

نحوه أبو صاعد الكلابيّ.(الجوهريّ 4:1448)

و البرق:الّذي يبرق في الغيم.

و البرق أيضا:مصدر برق طعامه يبرقه برقا،إذا صبّ عليه شيئا من زيت قليل.

و البرق:أن يبرق البصر،و هو أن يتحيّر فلا يطرف.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرق أيضا:الحمل،و أصله فارسيّ معرّب.

(إصلاح المنطق:44)

ص: 319

و قد برق البرق يبرق،و قد برق في الوعيد و رعد:

يبرق و يرعد.

و يقال:قد برق طعامه بزيت أو بسمن يبرقه برقا، و هو شيء منه قليل لم يسغسغه.و السّغسغة:كثرة الأدم.

و يقال:قد برق السّيف يبرق،و قد برق البصر يبرق برقا،إذا تحيّر،فلم يطرف،و كذلك برق الرّجل يبرق برقا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:قد برقت الغنم تبرق،إذا اشتكت بطونها عن أكل البروق،و هو نبت.(اصلاح المنطق:193)

أبو حاتم: عن الأصمعيّ:برقت السّماء،إذا جاءت ببرق،و كذلك رعدت،و برق الرّجل و رعد.

و لم يعرف الأصمعيّ:أبرق و أرعد،و أنشد:

يا جلّ ما بعدت عليك بلادنا

فابرق بأرضك ما بدا لك و ارعد

و لم يلتفت إلى قول الكميت:

أبرق و أرعد يا يزيد...

و قد أخبرنا بها أبو زيد عن العرب،ثمّ إنّ أعرابيّا أتانا من بني كلاب و هو محرم،فأردنا أن نسأله،فقال أبو زيد:دعوني أتولّى مسألته فأنا أرفق به.

فقال له:كيف تقول:إنّك لتبرق و ترعد؟فقال:في الخجيف؟يعني التّهدّد،قال:نعم.قال:أقول:إنّك لتبرق و ترعد.

فأخبرت به الأصمعيّ،فقال:لا أعرف إلاّ برق و رعد.(ابن فارس 1:223)

ابن قتيبة: أصل البرق:الدّهش،يقال:برق الرّجل يبرق برقا.(499)

الدّينوريّ: البروق:شجر ضعيف له ثمر حبّ أسود صغار.

أخبرني أعرابيّ قال:البروق:نبت ضعيف ريّان،له خطرة دقاق،في رءوسها قماعيل صغار مثل الحمّص، فيها حبّ أسود،و لا يرعاها شيء،و لا تؤكل وحدها، لأنّها تورث التّهيّج.(ابن سيدة 6:401)

المبرّد: الأبرق:حجارة يخلطها رمل و طين، يقال لتلك:برقة،و أبرق برقاء يا فتى،كما يقال:الأمعز و المعزاء،و هي الأرض الكثيرة الحصباء.

و مثل ذلك الأبطح و البطحاء،و هو ما انبطح من الأرض.فمن قال:أبرق فإنّما أراد المكان،و من قال:

برقاء فإنّما أراد البقعة.(1:32)

ابن دريد :البرق معروف،و الجمع:البروق، و السّحابة:بارقة،و الجمع:بوارق.و سمّيت السّيوف بارقة و بوارق تشبيها بالبرق.

و يقال:برقت السّماء برقا،و يقال:برق الرّجل برقا،إذا تهدّد.

و أبرقنا نحن و أرعدنا،إذا رأينا البرق و سمعنا الرّعد.

و إنّك لتبرق لي و ترعد،إذا جاء متهدّدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و برق الشّيء بريقا و برقانا،إذا لمع.[ثمّ استشهد بشعر]

برق الرّجل يبرق برقا،إذا شخص بطرفه من فزع أو عجب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأبرق و البرقة و البرقاء واحد،و هي آكام فيها طين و حجارة.

ص: 320

و حبل أبرق،إذا كان ذا لونين سواد و بياض،أو غير ذلك.

و رجل برقان،إذا كان برّاق البدن.

و البرق:الحمل،أعجميّ معرّب.

و جمع أبرق:أبارق،و جمع برقاء:برقاوات،و جمع برقة:برق.

و بنو بارق:قبيلة من العرب،و بارق:موضع بالسّواد قريب من الكوفة.

و قد سمّت العرب:بارقا و بريقا و برقانا.

و ناقة بروق،و هي الّتي تشول بذنبها و ليست بلاقح،و مثل لهم«ما أطيق تكذابك و تأثامك،تشول بلسانك شولان البروق».[ثمّ استشهد بشعر]

و البروق:نبت ضعيف،يغنيه اليسير من ندى اللّيل فينبت.و مثل من أمثالهم:«أشكر من بروقة».

و البراق:الدّابّة الّتي حمل عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، اشتقاقها من«البرق»إن شاء اللّه.

و برّاقة:اسم.و امرأة برّاقة الجسم،أي صافيته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و البرقان من الجراد:الّتي تستبين فيه خطوط سود و حمر.(1:269)

الهمذانيّ:يقال:تبسّم البرق و أومض و برق، و لمع و سطع،و تلألأ و تألّق،و أزهر و لاح،و لمح و أنار، و أضاء،و أشرق،و توهّج.(261)

الأزهريّ: قال أبو نصر:و سمعت من غير الأصمعيّ:أبرق و أرعد،أي تهدّد.

قلت:و هذا قول أبي عبيدة،و كان الأصمعيّ ينكره و يقول:برق و رعد،و احتجّ أبو عبيدة بقول الكميت:

أبرق و أرعد يا يزي د فما وعيدك لي بضائر

و كلّهم يقول:أرعدنا و أبرقنا بمكان كذا و كذا،أي رأينا البرق و الرّعد.

و أبرق الرّجل بسيفه يبرق،إذا لمع به.

و يقال للسّلاح إذا رأيت بريقه:رأيت البارقة.

و يقال:ما فعلت البارقة الّتي رأيتها البارحة؟يعني السّحابة الّتي يكون فيها برق.و قال اللّه جلّ و عزّ: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:7.

و يقال للجبل:أبرق،لبرقة الرّمل الّذي تحته.

و قال غير الأصمعيّ:جمع البرقة:برق،و جمع الأبرق:أبارق،و جمع البرقاء:برقاوات.و تجمع البرقة:

براقا أيضا.

و البراق:دابّة الأنبياء.

و البروق:نبت معروف،تقول العرب:«أشكر من بروق»و ذلك أنّه يخضرّ بأدنى النّدى،يقع من السّماء.

و يقال للعين:برقاء،لسواد الحدقة مع بياض الشّحمة.

و يقال:ابرقوا الماء بزيت،أي صبّوا عليه زيتا قليلا،و قد برقوا لنا طعاما بزيت و سمن،و هي التّباريق.

و يقال للجراد إذا كان فيه بياض و سواد:برقان.

و يقال:«لكلّ داخل برقة»أي دهشة.

و البرق:الدّهش.(9:131)

الصّاحب: البرق:الحمل،دخيل معرّب،و جمعه:

البرقان.و مصدر الأبرق من الجبال؛و الحبال؛و هو الّذي أبرم بقوّة سوداء و بقوّة بيضاء.

ص: 321

و البرقاء من الأرض:طرائق بقعة فيها حجارة سود يخالطها رملة بيضاء،و كلّ قطعة برقة،و إذا اتّسع فهو الأبرق،و الجميع:البراق و الأبارق.

و البرق أيضا:داء يأخذ الإبل عن أكل البروق؛ يقال:برقت،و هو نبت لا ترعاه إلاّ عند الضّرورة.و في المثل:«أقصف من بروقة»لأنّها تكون على ساق.

و يقولون:«أشكر من البروق»لأنّه ينبت بالغيم و النّدى و يخضرّ.

و البرق:وميض السّحاب،برق السّحاب يبرق برقا و بريقا و برقانا،و أبرق لغة فيه.و البارقة:السّحابة ذات البرق.

و السّيوف بوارق؛لأنّها تتلألأ.

و في الحديث:«الجنّة تحت البارقة»يريد في الجهاد.

و أبرق الرّجل:إذا أوعد،و برق أيضا.

و أبرق بسيفه:لمع به.

و امرأة إبريق:إذا كانت برّاقة حسناء.

و الإبريق:السّيف،و قيل:القوس.

و أبرقت النّاقة:ضربت ذنبها مرّة على فرجها و من جهة على عجزها.

و البروق:النّاقة الّتي ترى أنّها لاقح و ليست به، و الفعل أبرقت،و إبل مباريق.

و البروق:شولان النّاقة بذنبها.

و الإنسان البروق:هو الفرق.و إذا بهت ينظر كالمتحيّر قيل:برق بصره برقا،فهو برق:فزع.

و برّق بعينيه:لألأهما من شدّة النّظر.

و يقولون:لئن أبرقت عن هذا الأمر و إلاّ فعلت كذا:

أي لئن تركته.

و أبرقت المرأة عن وجهها:أبرزته.

و البراق:دابّة.

و التّبروق:الدّسم في القدر،و كذلك إذا كنت تبرق ماء بزيت،و الجميع:التّباريق.و برق طعامه يبرقه برقا:

إذا صبّ عليه شيئا من زيت،و هي البريقة و تجمع برائق.

و البرقة:قلّة الدّسم.

و البرقيّات من الطّعام:الألوان الّتي يبرق بها.

و برق السّقاء يبرق برقا:إذا أصابه الحرّ فذاب زبده و تقطّع،فهو برق.

و البرقان:الجراد إذا اصفرّ و تلوّنت فيه خطوط.

و رجل برقان:إذا كان برّاق البدن.

و يقال للرّجل الّذي لا تأمنه:بورق،و جمعه:بوارق.

و البورق:الّذي يجعل في العجين.

و البرقيّ:الطّفيليّ،بلغة أهل مكّة.

و دارة أبرق:لبني عمرو بن ربيعة.

و تسمّى العنز بريقة،و ذلك اسمها تدعى به للحلب.

(5:407)

الخطّابيّ:البرقة:الدّهشة،يريد قول النّاس:

لكلّ داخل دهشة.

يقال:برق الرّجل يبرق برقا،إذا بهت من فزع أو نحوه،فبقي شاخصا بصره لا يطرف.

و يقال:رجل بروق فروق،و هو الفزع لا يزال، و من هذا قوله عزّ و جلّ: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:7.

ص: 322

و يقال:إنّ الأصل في ذلك أن يرى الرّجل البرق و لمعانه،فيضعف بصره،فيقال:برق الرّجل.ثمّ كثر حتّى استعمل في غيره،[ثمّ استشهد بشعر]

(2:467)

في الحديث:«برقت قدماه»يريد أنّه قد أقلّه من الأرض،حتّى ترتفع قدماه عن وجهها،فلا يقدر أن يتماسك،و منه قولهم:برق بصره،أي ضعف و نبا.

و الأصل في هذا أن يرى الرّجل البرق و لمعانه فيضعف بصره و يتحيّر،ثمّ استعمل في الضّعف في كلّ شيء.(2:572)

ابرقوا،أي اطلبوا الدّسم و السّمن،و يقال:برقت لفلان،إذا دسّمت له طعامه بالسّمن.(الهرويّ 1:159)

الجوهريّ: برق السّيف و غيره يبرق بروقا،أي تلألأ،و الاسم:البريق.

و البرق:واحد بروق السّحاب،يقال:برق الخلّب، و برق خلّب بالإضافة،و برق خلّب بالصّفة،و هو الّذي ليس فيه مطر.

و يقال:رعدت السّماء و برقت برقانا،أي لمعت.

و رعد الرّجل و برق،أي تهدّد.

و رعدت المرأة و برقت،أي تزيّنت.

و قد ذكرنا الخلاف في أرعد و أبرق في باب الدّال.

و أرعد القوم و أبرقوا،أي أصابهم رعد و برق.

و أبرقت النّاقة و برقت أيضا،إذا شالت بذنبها و تلقّحت و ليست بلاقح،فهي بروق و مبرق،و نوق مباريق.

يقال:ابرقوا الماء بزيت،أي صبّوا عليه زيتا قليلا.

و قد برقوا لنا طعاما بزيت أو سمن برقا،و هي التّباريق، و هو شيء منه قليل لم يسغسغوه،أي لم يكثروا دهنه.

و البراق:اسم دابّة ركبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة المعراج.

و برق البصر بالكسر،يبرق برقا،إذا تحيّر فلم يطرف.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا قلت:برق البصر بالفتح،فإنّما تعني بريقه إذا شخص.

و البروق ساكنة الرّاء:نبت،الواحدة:بروقة،و في المثل:«أشكر من بروقة»لأنّها تخضرّ إذا رأت السّحاب.

و برقت الغنم بالكسر،تبرق برقا،إذا اشتكت بطونها من أكل البروق.

و برّق عينيه تبريقا:أوسعهما و أحدّ النّظر.

و الأبرق:غلظ فيه حجارة و رمل و طين مختلطة، و كذلك البرقاء.و جمع الأبرق:أبارق،و جمع البرقاء:

برقاوات.

و البرقة بالضّمّ،مثل البرقاء،و الجمع:براق.يقال:

قنفذ برقة،كما يقال:ضبّ كدية،و الجمع:برق.

و الأبرق:الجبل الّذي فيه لونان،و كلّ شيء اجتمع فيه سواد و بياض فهو أبرق.يقال:تيس أبرق و عنز برقاء،حتّى أنّهم يسمّون العين برقاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و البارق:سحاب ذو برق،و السّحابة:بارقة، و البارقة أيضا:السّيوف.

و بارق:قبيلة من اليمن،منهم معقّر بن حمار البارقيّ

ص: 323

الشّاعر.

و بارق:موضع قريب من الكوفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرق:الحمل،فارسيّ معرّب،و جمعه:برقان.

(4:1448)

نحوه الرّازيّ.(61)

ابن فارس: الباء و الرّاء و القاف أصلان،تتفرّع الفروع منهما؛أحدهما:لمعان الشّيء،و الآخر:اجتماع السّواد و البياض في الشّيء.و ما بعد ذلك فكلّه مجاز، و محمول على هذين الأصلين.

أمّا الأوّل،فقال الخليل:البرق:وميض السّحاب، يقال:برق السّحاب برقا و بريقا.

قال بعضهم: يقال:برقة،للمرّة الواحدة إذا برق، و برقة بالضّمّ،إذا أردت المقدار من البرق.

و يقال:«لا أفعله ما برق في السّماء نجم»أي ما طلع.

و أتانا عند مبرق الصّبح،أي حين برق.

و يقال للسّيف و لكلّ ما له بريق:إبريق،حتّى إنّهم يقولون للمرأة الحسناء البرّاقة:إبريق.[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو عليّ الأصفهانيّ: يقال:أبرقت السّماء على بلاد كذا،و تقول:أبرقت،إذا أصابتك السّماء،و أبرقت ببلد كذا،أي أمطرت.

تقول العرب:«هو أشكر من بروقة»و ذلك أنّها إذا غابت السّماء اخضرّت،و يقال:إنّه إذا أصابها المطر الغزير هلكت.

و البرقة:ما ابيضّ من فتل الحبل الأسود.

قال أبو زياد الكلابيّ: الأبرق في الأرض:أعال فيها حجارة و أسافلها رمل يحلّ بها النّاس،و هي تنسب إلى الجبال.و لمّا كانت صفة غالبة جمعت جمع الأسماء فقالوا:

الأبارق،كما قالوا:الأباطح و الأداهم،في جمع الأدهم الّذي هو القيد،و الأساود في جمع الأسود الّذي هو الحيّة.

قال بعض الأعراب:الأبرق و الأبارق من مكارم النّبات،و هي أرض نصف حجارة و نصف تراب أبيض يضرب إلى الحمرة،و بها رفض حجارة حمر،و إذا كان رمل و حجارة فهو أيضا أبرق.

و إذا عنيت الأرض قلت:برقاء.

و الأبرق يكون علما سامقا من حجارة على لونين، أو من طين و حجارة.و الأبرق و البرقة،و الجميع:البرق و البراق و البرقاوات.

قال أبو زياد:البرقان فيه سواد و بياض كمثل برقة الشّاة.يمكث أوّل ما يخرج أبيض سبعا،ثمّ يسودّ سبعا،ثمّ يصير برقانا،و البرقاء من الغنم كالبلقاء من الخيل.

(1:221)

الهرويّ: في حديث عمرو حين كتب إلى عمر:

«إنّ البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود بين غرق و برق»أراد بالبرق:الدّهش و الحيرة.(1:158)

ابن سيدة:برق الشّيء يبرق برقا و بريقا،و بروقا و برقانا:لمع.و سيف إبريق:كثير اللّمعان في الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارية إبريق:برّاقة الجسم.

و البرق:الّذي يلمع في الغيم،و جمعه:بروق.

و برقت السّماء:تبرق برقا،و أبرقت:جاءت ببرق.

ص: 324

و البرقة:المقدار من البرق،و قرئ: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ النّور:43،فهذا لا محالة جمع برقة.

و أبرق القوم:دخلوا في البرق.و أبرقوا البرق:

رأوه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراق:دابّة يركبها الأنبياء عليهم السّلام،مشتقّة من البرق.و قيل:البراق:فرس جبرئيل صلّى اللّه عليه و سلّم.

و شيء برّاق:ذو بريق.و البرقانة:دفعة البريق.

و رجل برقان:برّاق البدن.

و برّق بصره:لألأ به.

و أبرقه الفزع.و البرق أيضا:الفزع.و رجل بروق:

جبان.

و أبرقت النّاقة بذنبها،و هي مبرق،و بروق -الأخيرة شاذّة-شالت به عند اللّقاح.

تقول العرب:«دعنا من تكذابك و تأثامك شولان البروق»نصب«شولان»على المصدر،أي إنّك بمنزلة النّاقة الّتي تبرق بذنبها،أي تشول به،فتوهمك أنّها لاقح،و هي غير لاقح.و جمع البروق:برق.

و أبرقت المرأة بوجهها و سائر جسمها،و برقت و برّقت،إذا تعرّضت و تحسّنت.و قيل:أظهرته على عمد.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة برّاقة،و إبريق:تفعل ذلك.

و البرقانة:الجرادة المتلوّنة،و جمعها:برقان.

و البرقة،و البرقاء:أرض غليظة مختلطة بحجارة و رمل.و جمعها:برق،و براق،شبّهوه بصحاف،لأنّه قد استعمل استعمال الأسماء.

فإذا اتّسعت البرقة فهي الأبرق،و جمعه:أبارق كسّر تكسير الأسماء لغلبته.

و تيس أبرق:فيه سواد و بياض.و جبل أبرق:فيه لونان من سواد و بياض.[ثمّ استشهد بشعر]

و روضة برقاء:فيها لونان من النّبت.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرقة:قلّة الدّسم في الطّعام.

و برق الأدم بالزّيت و الدّسم يبرقه برقا و بروقا:

جعل فيه منه شيئا يسيرا.و هي البريقة،و جمعها:

برائق،و كذلك:التّباريق.

و البريقة:طعام فيه لبن،و ماء يبرق بالسّمن و الإهالة.

و برق السّقاء يبرق برقا و بروقا:أصابه حرّ فذاب زبده،و تقطّع فلم يجتمع.

و البرقيّ:الطّفيليّ،حجازيّة.

و البرق:الحمل،فارسيّ معرّب،و جمعه:أبراق، و برقان و برقان.

و البروق:ما يكسو الأرض من أوّل خضرة النّبات.

و البروق:نبت.

و قال بعضهم:هي بقلة سوء تنبت في أوّل البقل،لها قصبة مثل السّياط،و ثمرة سوداء،واحدته:بروقة.

و بارق و بريرق و بريق و برقان و براقة:أسماء.و بنو أباريق:قبيلة.

و بارق:موضع إليه تنسب الصّحاف البارقيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و براق:ماء بالشّام.[ثمّ استشهد بشعر]

و برق نحره:اسم رجل.(6:397)

ص: 325

برق البصر كفرح و نصر:تحيّر فلم يطرف.

(الإفصاح 1:47)

البرقان:الحبشان،إذا سلخت فتصير فيها جدّة سوداء و جدّة صفراء،الواحدة:برقانة.

(الإفصاح 2:897)

البرقة و البرقاء و الأبرق:غلظ فيه حجارة و رمل، و برق ديار العرب تنيف على مائة.

(الإفصاح 2:1026)

الرّاغب: البرق:لمعان السّحاب،قال تعالى: فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ البقرة:19،يقال:برق و أبرق.

و برق:يقال في كلّ ما يلمع،نحو سيف بارق.

و برق و برق:يقال في العين إذا اضطربت و جالت من خوف،قال عزّ و جلّ: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:

7،و قرئ:(و برق).

و تصوّر منه تارة اختلاف اللّون،فقيل:البرقة:

الأرض ذات حجارة مختلفة الألوان.و الأبرق:الجبل فيه سواد و بياض،و سمّوا العين برقاء لذلك.

و ناقة بروق:تلمع بذنبها.

و البروقة:شجرة تخضرّ إذا رأت السّحاب،و هي الّتي يقال فيها:«أشكر من بروقة».

و برق طعامه بزيته،إذا جعل فيه قليلا يلمع منه.

و البارقة و الأبيرق:السّيف للمعانه.

و البراق:قيل هو دابّة ركبها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا عرج به، و اللّه أعلم بكيفيّته.

و الإبريق:معروف،و تصوّر من البرق،ما يظهر من تجويفه،فقيل:برق فلان و رعد و أبرق و أرعد،إذا تهدّد.(43)

الزّمخشريّ: برقت السّماء و رعدت،و أبرقت و أرعدت،و نشأت بارقة.

و نزلنا في برقة من البرق و البراق،و في أبرق من الأبارق،و في برقاء من البرقاوات.

و جبل أبرق،و ناقة بروق:تلمع بذنبها من غير لقاح.

و يقال للوعد الكاذب:لمع البروق بالذّنب، و«أشكر من بروقة و أقصف من بروقة».

و برق طعامه بزيت،و ما في ثريده إلاّ برقة و برق و تباريق من زيت.

و برق بصره،و كلّمته فبرق،أي تحيّر.

و أبرقت فلانة عن وجهها:كشفت.و أبرق بسيفه:

لمع به.

و من المجاز:فلان يبرق لي و يرعد،إذا تهدّد.

و رأيت في يده بارقة،و هي السّيف.و الجنّة تحت البارقة،أي تحت السّيوف.

و حدّثته فأرسل برقاويه،أي عينيه لبرق لونيهما.

[ثمّ استشهد بشعر]

و برّق عينيه:فتحهما جدّا و لمعهما.و أبرقت لي فلانة و أرعدت،إذا تحسّنت لك و تعرّضت.

(أساس البلاغة:20)

الجواليقيّ: و البرق:الحمل،أصله بالفارسيّة:

بره.(93)

المدينيّ:في حديث المعراج ذكر البراق،و هي دابّة ركبها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليلتئذ.و في رواية أنّها استصعبت

ص: 326

عليه فجيء ببرقة،و هي أخرى.

قيل:سمّي بذلك لنصوع لونه و شدّة تلألئه و بريقه، و قيل:بل لكونه أبيض،و قيل:لسرعة مرّه و قوّة حركته،تشبيها له بالبرق،و يحتمل اجتماع الكلّ فيه.

في حديث قتادة: «تسوقهم النّار سوق البرق الكسير»أي الحمل المكسور القوائم.و هو فارسيّ معرّب،أصله:بره،أي تسوقهم سوقا رفيقا،كما يساق الحمل الظّالع.(1:150)

ابن الأثير: فيه:«أبرقوا فإنّ دم عفراء أزكى عند اللّه من دم سوداوين»أي ضحّوا بالبرقاء،و هي الشّاة الّتي في خلال صوفها الأبيض طاقات سود.

و قيل:معناه اطلبوا الدّسم و السّمن،من برقت له، إذا دسّمت طعامه بالسّمن.

و في حديث الدّجّال: «إنّ صاحب رايته في عجب ذنبه مثل ألية البرق،و فيه هلبات كهلبات الفرس».

البرق بفتح الباء و الرّاء:الحمل،و هو تعريب«بره» بالفارسيّة.

و منه حديث الدّعاء: «إذا برقت الأبصار»يجوز كسر الرّاء و فتحها،فالكسر بمعنى الحيرة،و الفتح من البريق:اللّموع.

و فيه:«كفى ببارقة السّيوف على رأسه فتنة»أي لمعانها،يقال:برق بسيفه و أبرق،إذا لمع به.

و منه حديث عمّار: «الجنّة تحت البارقة»أي تحت السّيوف.

و في حديث أبي إدريس: «دخلت مسجد دمشق فإذا فتى برّاق الثّنايا»وصف ثناياه بالحسن و الصّفاء، و أنّها تلمع إذا تبسّم كالبرق،و أراد صفة وجهه بالبشر و الطّلاقة.

و منه الحديث: «تبرق أسارير وجهه»أي تلمع و تستنير كالبرق،و قد تكرّرت في الحديث.

و فيه ذكر«برقة»هو بضمّ الباء و سكون الرّاء:

موضع بالمدينة،به مال،كانت صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منها.(1:119)

الفيّوميّ: البرق معروف.و برقت السّماء برقا من باب«قتل»و برقانا أيضا:ظهر منها البرق.

و برق الرّجل و أبرق:أوعد بالشّرّ.

و البراق:دابّة نحو البغل،تركبه الرّسل عند العروج إلى السّماء.(1:45)

الفيروزآباديّ: البرق:فرس ابن العرقة،و واحد بروق السّحاب،أو ضرب ملك السّحاب و تحريكه إيّاه لينساق فترى النّيران.

و برقت السّماء بروقا و برقانا:لمعت أو جاءت ببرق، و البرق:بدا،و الرّجل:تهدّد و توعّد كأبرق.

و الشّيء برقا و بريقا و برقانا:لمع،و طعامه بزيت أو سمن:جعل فيه منه قليلا،و النّجم:طلع،و المرأة برقا:

تحسّنت و تزيّنت كبرّقت.

و النّاقة:شالت بذنبها و تلقّحت و ليست بلاقح، كأبرقت فيهما،فهي بروق و مبرق من مباريق،و بصره:

تلألأ.

و كفرح و نصر برقا و بروقا:تحيّر حتّى لا يطرف،أو دهش فلم يبصر،و السّقاء:أصابه الحرّ فذاب زبده و تقطّع فلم يجتمع،و سقاء برق ككتف،و الغنم كفرح:

ص: 327

اشتكت بطونها من أكل البروق.

و البرقان بالضّمّ:البرّاق البدن،و الجراد المتلوّن، الواحدة:برقانة.

و جاء عند مبرق الصّبح كمقعد:حين برق.

و برق نحره:لقب رجل،و ذو البرقة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه لقّبه به العبّاس رضي اللّه تعالى عنه يوم حنين.

و البرقة:الدّهشة،و كجهينة:اسم للعنز تدعى به للحلب.

و البارق:سحاب ذو برق.

و البارقة:السّيوف.

و البروق كجرول:شجيرة ضعيفة إذا غامت السّماء اخضرّت.الواحدة بهاء،و منه«أشكر من بروقة».

و البرواق بزيادة ألف:نبات يعرف بالخنثى،و أكل ساقه الغضّ مسلوقا بزيت و خلّ ترياق اليرقان،و أصله يطلى به البهقان فيزيلهما.

و السّيف البرّاق،و القوس فيها تلاميع،و المرأة الحسناء البرّاقة.

و الأبرق:غلظ فيه حجارة و رمل و طين مختلطة، جمعه:أبارق،كالبرقاء جمعه:برقاوات،و جبل فيه لونان،أو كلّ شيء اجتمع فيه سواد و بياض،تيس أبرق،و عنز برقاء،و دواء فارسيّ جيّد للحفظ،و طائر.

و الأبرقان إذا ثنّوا،فالمراد غالبا أبرق حجر اليمامة، و هو منزل بين رميلة اللّوى،بطريق البصرة إلى مكّة.

و الأبرق:البادي،و ابرق ذي الجموع،الحنّان، و الدّاث،و ذي جدد،و الرّبذة،و الرّوحان،و ضحيان، و الأجدل،و الأعشاش،و ألية،و الثّوير،و الحزن،و ذات سلاسل،و مازن،و العزّاف،و عمران،و العيشوم، و الأبرق الفرد،و أبرق الكبريت،و المدى،و المردوم، و النّعّار،و الوضّاح،و الهيج:مواضع.

و أبراق:جبل بنجد.و الأبرقة:من مياه نملة.

و الأبروق كأظفور:موضع ببلاد الرّوم،يزوره المسلمون و النّصارى.

و أبارق الثّمدين،و طلخام،و النّسر،و اللّكاك، و هضب الأبارق:مواضع.

و البرق محرّكة:الحمل،معرّب:بره،جمعه:أبراق، و برقان بالكسر و الضّمّ،و الفزع،و الدّهش،و الحيرة.

و البرّاقة:المرأة لها بهجة و بريق.

و كغراب:دابّة ركبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة المعراج، و كانت دون البغل و فوق الحمار.

و البرقة بالضّمّ:غلظ كالأبرق،و برق:ديار العرب تنيف على مائة منها برقة الأثماد.[ثمّ عدّ اسم مائة موضع و قال:]

هذه برق العرب.

و البرق بالضّمّ:الضّباب:جمع ضبّ.

و البريق:التّلألؤ،و بهاء:اللّبن يصبّ عليه إهالة أو سمن قليل،جمعه:برائق.

و البورق بالضّمّ:أصناف:مائيّ و جبليّ و أرمنيّ و مصريّ،و هو النّطرون،مسحوقه يلطخ به البطن قريبا من نار،فإنّه يخرج الدّود،و مدوفا بعسل أو دهن زنبق تطلى به المذاكير،فإنّه عجيب للباءة.

و أرعدوا و أبرقوا:أصابهم رعد و برق.

ص: 328

و السّماء أتت بهما،و فلان تهدّد و أرعد و أبرق:ألمع بسيفه.و عن الأمر:تركه،و المرأة عن وجهها:أبرزته، و الصّيد:أثاره،و المضحّي:ضحّى بالشّاة البرقاء،أي الّتي يشقّ صوفها الأبيض طاقات سود.و برّق عينيه تبريقا:وسّعهما و أحدّ النّظر.و فلان:سافر بعيدا.

و منزله:زيّنه و زوّقه،و في المعاصي:لجّ.و بي الأمر:

أعيا عليّ.(3:218)

«البرق»و هو لمعان السّحاب.و البرق،و البارقة:

السّيف،سمّي للمعانه.

و يقال في البرق:يشرى و يومض و يعنّ و يعترض، و يوبص،و يستطير،و يستطيل،و يلمع،و يتبوّج، و يخطف،و يخفق،و يبرق،و يتألّق،و يتلألأ، و يستشري،و ينبض،و يهبّ،و يخرق،و يتسلسل، و يستنّ،و يبتسم،و يضحك،و ينبعق،و ينشقّ، و يرتعص،و يفري،و يهضّ،و ينبعث،و يلوح، و يتهلّل،و يتكلّل.

و ممّا يستحسن في وصف البرق و خفائه،و الرّعد في حدائه،و الثّلج و لألائه،قول بعضهم.[ثمّ ذكر قصيدة فراجع](بصائر ذوي التّمييز 2:239)

الطّريحيّ:و في حديث المعراج:ذكر البراق بضمّ الباء،و هي دابّة ركبها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة الإسراء، سمّي بذلك لنصوع لونه،و شدّة بريقه.و قيل:لسرعة حركته تشبيها بالبرق.

و جاء وصفه:أصغر من البغل و أكبر من الحمار، مضطرب الأذنين،عيناه في حافره،و خطامه مدّ بصره.

و إذا انتهى إلى جبل قصرت يداه و طالت رجلاه،و إذا هبط طالت يداه و قصرت رجلاه،أهدب العرف الأيمن، له من خلفه جناحان.

و الأبرقة:دابّة غير البراق،أتاه بها جبرئيل لمّا بدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بتعليم الأذان،و أتاه بالبراق فاستصعب عليه،أتاه بها.

و الأبرقة أيضا:شقّة يستذفر بها مكان المنطقة، كادت تخطف الأبصار،من أبرق الجنّة،كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فأوصى بها لعليّ عليه السّلام،و قال له:يا عليّ إنّ جبرئيل أتاني بها،و قال:يا محمّد اجعلها في حلقة الدّرع،و استذفر بها مكان المنطقة.

و البرقة بضمّ الباء و سكون الرّاء:أحد الحيطان السّبعة الموقوفة على فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المدينة.

و الأبرق من الجبل:الّذي فيه لونان.و كلّ شيء اجتمع فيه لونان سواد و بياض،فهو أبرق.

و أرعد الرّجل و أبرق،أي تهدّد،و منه حديث عليّ عليه السّلام«و لعمري فليبرقوا و ليرعدوا».

و أبرقوا،إذا أصابهم رعد و برق.

و البرقاء من الشّياه:الّتي في خلال صوفها الأبيض طاقات سود.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قد سئل ما بال الشّهيد لا يفتن في قبره؟فقال:«كفى بالبارقة فوق رأسه فتنة» أي لمعان السّيوف،يقال:برق بسيفه و أبرق،إذا لمع.

(5:137)

مجمع اللّغة: البرق:هو الشّرارة الكهربيّة الّتي تحدث عن تفريغ الكهربية الجوّيّة بين سحابتين،أو بين

ص: 329

سحابة و الأرض.(1:93)

العدنانيّ: برق العدوّ و رعد و أبرق و أرعد.

خطّأ الأصمعيّ شاعر الهاشميّين الكميت الأسديّ حين قال:

أبرق و أرعد يا يزي د فما وعيدك لي بضائر

و قال:إنّ الصّواب هو برق لا أبرق،و رعد لا أرعد، بمعنى هدّد.و أنكر أبو عبيد:أبرق و أرعد أيضا.

و لكنّ أبا حاتم السّجستانيّ سأل عنها أبا زيد الأنصاريّ فأجازها.

أمّا«الأساس»فلم يذكر في مجازه إلاّ رعد و برق، بمعنى أوعد.

و الحقيقة هي أنّ الفعلين الثّلاثيّين برق و رعد، و المزيدين أبرق و أرعد صحيحة،كما يقول أبو عمرو ابن العلاء و الخليل بن أحمد الفراهيديّ و أبو عبيدة معمر بن المثنّى،و عليّ بن حمزة البصريّ،الّذي استشهد في «التّنبيهات»بقول الهمذانيّ:

فإن يبرقوا نرعد و إن يرعدوا نصب

بإرعادنا فيهم سهام الأساود

و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و النّهاية في مادّة «رعد»،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن«مجاز»، و محمّد عليّ النّجّار،و الوسيط.

و أمّا فعلاهما فهما:

أ-برق يبرق برقا و بريقا و بروقا و برقانا.

ب-و رعدت السّماء ترعد رعدا و رعودا.(55)

محمود شيت:1-أ-برق البرق برقا و بريقا:بدا.

و برقت السّحابة أو السّماء:لمع فيها البرق.و برق الشّيء:لمع و تلألأ.

و برق فلان:تهدّد و أوعد.و برق البصر:شخص فلم يطرف دهشا.

و برقت المرأة:تحسّنت و تزيّنت.و برق الطّعام بزيت أو سمن:جعل فيه قليلا منه،فهو بارق.

ب-برق برقا:فزع و دهش فلم يبصر.و برق البصر:برق.و برق الشّيء:اجتمع فيه لونان من سواد و بياض فهو أبرق،و هي برقاء،جمعه:برق.

ج-أبرق فلان:برق،و أبرق:أصابه ضوء البرق.

و أبرق:أرسل برقيّة.و أبرق:تهدّد و توعّد.و أبرق السّحاب على البلد:أمطر.و يقال:أبرق بالسّيف أو بالشّيء:ألمع به.

د-الإبريق:السّيف البرّاق،و المرأة الحسناء البرّاقة،و إناء معين.

ه-البارقة:مؤنّث البارق:بريق السّلاح.

و-البرق:البرق يلمع في السّماء على أثر انفجار كهربيّ في السّحاب.

ز-البرقيّة:رسالة ترسل من مكان إلى آخر بوساطة جهاز اللاّسلكيّ.

ح-البيرق:راية أو علم،جمعه:بيارق.

2-أ-أبرق:أرسل برقيّة.

ب-البرقيّة:رسالة لاسلكيّة للأوامر العاجلة.

ج-البيرق:علم الجند أو رايتهم.(1:80)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو اللّمعان المخصوص،أي بقيد أن يكون بشدّة،

ص: 330

و يتحصّل بالضّغط،كالبرق الخارج من ضغط السّحاب، أو من شدّة تظاهر السّيوف،أو من حدّة الجمال،أو من حدّة الوعيد،أو من حدّة النّظر الخاصّ و شدّة الشّخوص،أو من شدّة لمعان البياض من بين السّواد في العين،أو في الجبل،أو غيرهما.فالقيد محفوظ و ملحوظ في جميع مصاديقها.(1:241)

النّصوص التّفسيريّة

برق

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. القيمة:7

ابن عبّاس: يعني ب(برق البصر)الموت،و بروق البصر هي السّاعة.(الطّبريّ 29:179)

مجاهد :(برق البصر)عند الموت.

(الطّبريّ 29:180)

قتادة: [أي]شخص البصر.(الطّبريّ 29:180)

إذا فزع و تحيّر لما يرى من أهوال القيامة، و أحوالها ممّا كان يكذب به في الدّنيا،و هذا كقوله:

لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43.

مثله أبو مسلم.(الطّبرسيّ 5:395)

الكلبيّ: عند رؤية جهنّم برق أبصار الكفّار.

(الميبديّ 10:302)

الفرّاء: قرأها الأعمش و عاصم و الحسن،و بعض أهل المدينة(برق)بكسر الرّاء،و قرأها نافع المدني (فاذا برق البصر) بفتح الرّاء من البريق:شخص لمن فتح، و قوله:برق:فزع.[ثمّ استشهد بشعر]

و من قرأ(برق)يقول:فتح عينيه،برق بصره أيضا لذلك.(3:209)

نحوه ابن عطيّة.(5:403)

أبو عبيدة: إذا شقّ البصر.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:277)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه أبو جعفر القارئ و نافع و ابن أبي إسحاق (فإذا برق) بفتح الرّاء،بمعنى شخص و فتح عند الموت.

و قرأ ذلك شيبة و أبو عمرو و عامّة قرّاء الكوفة (برق)بكسر الرّاء،بمعنى فزع و شقّ.

و عن هارون،قال:سألت أبا عمرو ابن العلاء عنها فقال:(برق)بالكسر،بمعنى حار.قال:و سألت عنها عبد اللّه بن أبي إسحاق،فقال:(برق)بالفتح،إنّما برق الخيطل و النّار و البرق.و أمّا البصر«فبرق»عند الموت.

قال:و أخبرت بذلك ابن أبي إسحاق،فقال:

أخذت قراءتي عن الأشياخ:نصر بن عاصم و أصحابه، فذكرت ذلك لأبي عمرو،فقال:لكن لا آخذ عن نصر، و لا عن أصحابه،فكأنّه يقول:آخذ عن أهل الحجاز.

و أولى القراءتين في ذلك عندنا بالصّواب:كسر الرّاء،(فاذا برق)بمعنى فزع فشقّ و فتح،من هول القيامة و فزع الموت.[ثمّ استشهد بشعر](29:178)

الزّجّاج: و يقرأ (برق البصر) ،فمن قرأ(برق)فمعناه فزع و تحيّر،و من قرأ(برق)فهو من برق يبرق،من بريق العينين.(5:252)

نحوه الميبديّ.(10:302)

القمّيّ: يبرق البصر فلا يقدر أن يطرف.

(2:396)

ص: 331

السّجستانيّ: برق بفتح الرّاء و كسرها:دهش و تحيّر،لما رأى ممّا كان يكذب به،إذا فتح عينيه عند الموت.(204)

ابن خالويه :من كسر قال:لأنّ«برق»بالفتح لا يكون إلاّ في الضّوء،يقال:برق البرق،إذا لمع،و برق الحنظل.فأمّا«برق»بالكسر فمعناه تحيّر،و الّذي قاله أهل اللّغة:إنّهما لغتان،و تقول العرب:«لكلّ داخل برقة»أي دهشة.(الطّوسيّ 10:192)

الطّوسيّ: فالبرق:اللّمعان بالشّعاع الّذي لا يلبث،لأنّه مأخوذ من البرق،يقال:برق يبرق برقا و إنّما قيل:(برق البصر)لأنّ ذلك يلحقه عند شدّة الأمر، و البارقة:الّذين تلمع سيوفهم،إذا جرّدوها كالبرق.

(10:192)

الزّمخشريّ: تحيّر فزعا،و أصله من برق الرّجل، إذا نظر إلى البرق،فدهش بصره.و قرئ(برق)من البريق،أي لمع من شدّة شخوصه.(4:190)

نحوه البيضاويّ(2:522،و أبو السّعود(6:335).

الطّبرسيّ: أي شخص البصر عند معاينة ملك الموت،فلا يطرف من شدّة الفزع.(5:395)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسألتان:

المسألة الأولى:اعلم أنّه تعالى ذكر من علامات القيامة في هذا الموضع أمورا ثلاثة:

أوّلها:قوله: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:7،قرئ بكسر الرّاء و فتحها،قال الأخفش:المكسورة في كلامهم أكثر،و المفتوحة لغة أيضا.قال الزّجّاج:برق بصره بكسر الرّاء يبرق برقا،إذا تحيّر.

و الأصل فيه أن يكثر الإنسان من النّظر إلى لمعان البرق،فيؤثّر ذلك في ناظره،ثمّ يستعمل ذلك في كلّ حيرة،و إن لم يكن هناك نظر إلى البرق،كما قالوا:قمر بصره،إذا فسد من النّظر إلى القمر،ثمّ استعير في الحيرة.

و كذلك بعل الرّجل في أمره،أي تحيّر و دهش،و أصله من قومهم:بعلت المرأة،إذا فاجأها زوجها فنظرت إليه، و تحيّر.

و أمّا(برق)بفتح الرّاء فهو من البريق،أي لمع من شدّة شخوصه.

و قرأ أبو السّمال(بلق)بمعنى انفتح و انفرج،يقال:

بلق الباب و أبلقته و بلقته:فتحته.

المسألة الثّانية:اختلفوا في أنّ هذه الحالة متى تحصل؟فقيل:عند الموت،و قيل:عند البعث،و قيل:

عند رؤية جهنّم.

فمن قال:إنّ هذا يكون عند الموت،قال:إنّ البصر يبرق على معنى يشخص عند معاينة أسباب الموت و الملائكة،كما يوجد ذلك في كلّ واحد إذا قرب موته.

و من مال إلى هذا التّأويل قال:إنّهم إنّما سألوه عن يوم القيامة،لكنّه تعالى ذكر هذه الحالة الحادثة عند الموت،و السّبب فيه من وجهين:

الأوّل:أنّ المنكر لمّا قال: أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ القيمة:6،على سبيل الاستهزاء،فقيل له: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ، و قرب الموت،زالت عنه الشّكوك،و تيقّن حينئذ أنّ الّذي كان عليه من إنكار البعث و القيامة خطأ.

الثّاني:أنّه إذا قرب موته،و برق بصره تيقّن أنّ

ص: 332

إنكار البعث لأجل طلب اللّذّات الدّنيويّة كان باطلا.

و أمّا من قال:بأنّ ذلك إنّما يكون عند قيام القيامة، قال:لأنّ السّؤال إنّما كان عن يوم القيامة،فوجب أن يقع الجواب بما يكون من خواصّه و آثاره،قال تعالى:

إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ إبراهيم:

42.(30:219)

الخازن: أي شخص البصر عند الموت،فلا يطرف ممّا يرى من العجائب الّتي كان يكذب بها في الدّنيا.

و قيل:تبرق أبصار الكفّار عند رؤية جهنّم.

و قيل:(برق)إذا فزع،و تحيّر لما يرى من العجائب.

و قيل:(برق)أي شقّ عينه و فتحها،من البريق،و هو التّلألؤ.(7:152)

البروسويّ: أي تحيّر و اضطرب،و جال فزعا من أهوال يوم القيامة،من برق الرّجل،إذا نظر إلى البرق فدهش،ثمّ استعمل في كلّ حيرة و إن لم يكن هناك نظر إلى البرق،و هو واحد بروق السّحاب و لمعانه.

(10:245)

الآلوسيّ: تحيّر فزعا،و أصله:من برق الرّجل، إذا نظر إلى البرق فدهش بصره.[ثمّ استشهد بشعر]

و نظيره قمر الرّجل،إذا نظر إلى القمر فدهش بصره، و كذلك ذهب و بقر للدّهش،من النّظر إلى الذّهب و البقر،فهو استعارة أو مجاز مرسل،لاستعماله في لازمه أو في المطلق.

و قرأ نافع،و زيد بن ثابت،و زيد بن عليّ،و أبان عن عاصم،و هارون،و محبوب،كلاهما عن أبي عمرو، و خلق آخرون(برق)بفتح الرّاء.فقيل:هي لغة في (برق)بالكسر.و قيل:هو من البريق،بمعنى لمع من شدّة شخوصه.

و قرأ أبو السّمال(بلق)باللاّم عوض الرّاء،أي انفتح و انفرج،يقال:بلق الباب أبلقته و بلّقته:فتحته.هذا قول أهل اللّغة إلاّ الفرّاء فإنّه يقول:بلقه و أبلقه،إذا أغلقه،و خطّأه ثعلب.

و زعم بعضهم أنّه من الأضداد،و الظّاهر أنّ اللاّم فيه أصليّة،و جوّز أن تكون بدلا من الرّاء،فهما يتعاقبان في بعض الكلم نحو:نتر و نتل،و وجر و وجل.

(29:139)

المصطفويّ:أي اشتدّ لمعانه من حدّة النّظر.

(1:241)

برق

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ... البقرة:19

الإمام عليّ عليه السّلام:البرق:مخاريق الملائكة.

(الطّبريّ 1:152)

الرّعد:الملك.و البرق:ضربه السّحاب بمخراق من حديد.(الطّبريّ 1:152)

الرّعد:صوت الملك،و البرق:سوطه.

(العروسيّ 1:37)

ابن عبّاس: البرق:مخاريق بأيدي الملائكة يزجرون بها السّحاب.(الطّبريّ 1:152)

البرق:و إنّه من الماء.(الطّبريّ 1:152)

البرق:ملك.(الطّبريّ 1:152)

ص: 333

مجاهد:البرق:مصع ملك.(الطّبريّ 1:153)

الضّحّاك: البرق:الإيمان.(الطّبريّ 1:153)

الزّهريّ: بلغني أنّ البرق ملك له أربعة أوجه:وجه إنسان،و وجه ثور،و وجه نسر،و وجه أسد،فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق.

نحوه شعيب الجبّائيّ.(الطّبريّ 1:153)

الإمام الصّادق عليه السّلام: تلك مخاريق الملائكة، تضرب السّحاب فتسوقه إلى الموضع الّذي قضى اللّه عزّ و جلّ فيه المطر.(العروسيّ 1:37)

الطّبريّ: أمّا البرق فإنّ أهل العلم اختلفوا فيه؛قال بعضهم:البرق:مخاريق الملائكة.

و قال آخرون: هو سوط من نور،يزجر به الملك السّحاب.

و قال آخرون: هو ماء.

و قال آخرون: هو مصع ملك.

و قد يحتمل أن يكون ما قاله عليّ بن أبي طالب، و ابن عبّاس،و مجاهد بمعنى واحد؛و ذلك أن تكون المخاريق الّتي ذكر عليّ رضي اللّه عنه أنّها هي البرق،هي السّياط الّتي هي من نور الّتي يزجي بها الملك السّحاب، كما قال ابن عبّاس.

و يكون إزجاء الملك السّحاب:مصعه إيّاه بها، و ذاك أنّ المصاع عند العرب أصله المجالدة بالسّيوف،ثمّ تستعمله في كلّ شيء جولد به في حرب و غير حرب.

[ثمّ استشهد بشعر]

يقال منه:ماصعه مصاعا.و كأنّ مجاهد،إنّما قال:

مصع ملك؛إذ كان السّحاب لا يماصع الملك،و إنّما الرّعد هو المماصع له،فجعله مصدرا من مصعه يمصعه مصعا.

(1:152)

البغويّ: (و برق)و هو النّار الّتي تخرج منه.

قال عليّ و ابن عبّاس و أكثر المفسّرين:الرّعد:اسم ملك يسوق السّحاب،و البرق:لمعان سوط من نور يزجر به الملك السّحاب.

و قيل:الصّوت:زجر السّحاب،و قيل:تسبيح الملك،و قيل:الرّعد نطق الملك،و البرق ضحكه.

و قال مجاهد:الرّعد:اسم الملك،و يقال لصوته أيضا:رعد،و البرق:اسم ملك يسوق السّحاب.

(1:91)

نحوه الخازن.(1:31)

الزّمخشريّ: و البرق:الّذي يلمع من السّحاب، من:برق الشّيء بريقا،إذا لمع.(1:215)

ابن عطيّة: قال قوم:البرق:ماء،و هذا قول ضعيف.

و قال قوم:الرّعد و البرق:هما بمثابة زجر القرآن و وعيده.(1:102)

أبو حيّان: البرق:مخراق حديد بيد الملك يسوق به السّحاب،قاله عليّ،أو أثر ضرب بذلك المخراق.

و روي عن عليّ: أو سوط نور بيد الملك يزجر به، قاله ابن عبّاس.

أو ضرب ذلك السّوط،قاله ابن الأنباريّ،و عزاه إلى ابن عبّاس،و روي نحوه عن مجاهد.أو ملك يتراءى،و روي عن ابن عبّاس.

أو الماء،قاله قوم منهم أبو الجلد جيلان بن فروة

ص: 334

البصريّ،أو تلألؤ الماء،حكاه ابن فارس،أو نار تنقدح من اصطكاك أجرام السّحاب،قاله بعضهم.

و الّذي يفهم من اللّغة: أنّ الرّعد عبارة عن هذا الصّوت المزعج المسموع من جهة السّماء،و أنّ البرق هو الجرم اللّطيف النّورانيّ الّذي يشاهد و لا يثبت.(1:84)

ابن كثير :(و البرق)هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضّرب من المنافقين-في بعض الأحيان-من نور الإيمان و لهذا قال: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:19.(1:96)

شبّر: مثل للآيات الباهرة.(1:76)

الآلوسيّ: لم يجمع الرّعد و البرق و إن كانا قد جمعا في لسان العرب،و به تزداد المبالغة و تحصل المطابقة مع الظّلمات و الصّواعق،لأنّهما مصدران في الأصل،و إن أريد بهما العينان هنا،كما هو الظّاهر،و الأصل في المصدر أن لا يجمع،على أنّه لو جمعا لدلّ ظاهرا على تعدّد الأنواع،كما في المعطوف عليه،و كلّ من الرّعد و البرق نوع واحد.

و ذكر الشّهاب مدّعيا أنّه ممّا لمعت به بوارق الهداية في ظلمات الخواطر،نكتة سرّيّة في إفرادهما هنا،و هي:

أنّ الرّعد-كما ورد في الحديث و جرت به العادة-يسوق السّحاب من مكان لآخر،فلو تعدّد لم يكن السّحاب مطبقا فتزول شدّة ظلمته.و كذا البرق لو كثر لمعانه لم تطبق الظّلمة،كما يشير إليه قوله تعالى: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ البقرة:20،فإفرادهما متعيّن هنا.

و عندي-و هو من أنوار العناية المشرقة على آفاق الأسرار-أنّ النّور لمّا لم يجمع في آية من القرآن-لما تقدّم -لم يجمع البرق،إذ ليس هو بالبعيد عنه،كما يرشدك إليه كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ و الرّعد مصاحب له فانعكست أشعّته عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و للنّاس في الرّعد و البرق أقوال؛و الّذي عوّل عليه أنّ الأوّل:صوت زجر الملك الموكّل بالسّحاب،و الثّاني:

لمعان مخاريقه الّتي هي من نار.

و الّذي اشتهر عند الحكماء أنّ الشّمس إذا أشرقت على الأرض اليابسة حلّلت منها أجزاء ناريّة يخالطها أجزاء أرضيّة،فيركّب منهما دخان و يختلط بالبخار، و هو الحادث بسبب الحرارة السّماويّة إذا أثّرت في البلّة، و يتصاعدان معا إلى الطّبقة الباردة،و ينعقد ثمّة سحاب، و يحتقن الدّخان فيه،و يطلب الصّعود إن بقي على طبعه الحارّ،و النّزول إن ثقل و برد.

و كيف كان يمزّق السّحاب بعنفه فيحدث منه الرّعد، و قد تشتعل منه-لشدّة حركته و محاكّته-نار لامعة، و هي البرق إن لطفت و الصّاعقة إن غلظت،و ربّما كان البرق سببا للرّعد،فإنّ الدّخان المشتعل ينطفئ في السّحاب فيسمع لانطفائه صوت،كما إذا أطفأنا النّار بين أيدينا.

و الرّعد و البرق يكونان معا إلاّ أنّ البرق يرى في الحال،لأنّ الإبصار لا يحتاج إلاّ إلى المحاذاة من غير حجاب،و الرّعد يسمع بعد،لأنّ السّماع إنّما يحصل بوصول تموّج الهواء إلى القوّة السّامعة،و ذلك يستدعي زمانا،كذا قالوه.

و ربّما يختلج في ذهنك قرب هذا،و لا تدري ما ذا تصنع بما ورد عن حضرة من أسري به ليلا-بلا رعد

ص: 335

و لا برق-على ظهر البراق،و عرج إلى ذي المعارج حيث لا زمان و لا مكان،فرجع و هو أعلم خلق اللّه على الإطلاق صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،فأنا بحول من عزّ حوله و توفيق من غمرني فضله،أوفق لك لما يزيل الغين عن العين،و يظهر سرّ جوامع الكلم الّتي أوتيها سيّد الكونين صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.

فأقول:قد صحّ عند أساطين الحكمة و النّبوّة-ممّا شاهدوه في أرصادهم الرّوحانيّة في خلواتهم و رياضاتهم،و كذا عند سائر المتألّهين الرّبّانيّين من حكماء الإسلام و الفرس و غيرهم-أنّ لكلّ نوع جسمانيّ من الأفلاك و الكواكب و البسائط العنصريّة و مركّباتها ربّا،هو نور مجرّد عن المادّة،قائم بنفسه مدبّر له حافظ إيّاه،و هو المنمّي و الغاذي و المولّد في النّبات و الحيوان و الإنسان،لامتناع صدور هذه الأفعال المختلفة في النّبات و الحيوان،عن قوّة بسيطة لا شعور لها و فينا عن أنفسنا، و إلاّ لكان لنا شعور بها،فجميع هذه الأفعال من الأرباب.

و إلى تلك الأرباب أشار صاحب الرّسالة العظمى صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بقوله:«و إنّ لكلّ شيء ملكا» حتّى قال:«إنّ كلّ قطرة من القطرات ينزل معها ملك».

و قال:«أتاني ملك الجبال و ملك البحار».و حكى أفلاطون عن نفسه أنّه خلع الظّلمات النّفسانيّة و التّعلّقات البدنيّة و شاهدها،و ذكر مولانا الشّيخ صدر الدّين القونويّ قدّس سرّه في تفسيره«الفاتحة»أنّه ما ثمّ صورة إلاّ و لها روح،و أطال أهل اللّه تعالى الكلام في ذلك.

فإذا علمت هذا فلا بعد في أن يقال:أراد صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بالملك الموكّل بالسّحاب-في بيان الرّعد-هو هذا الرّبّ المدبّر الحافظ،و بزجره تدبيره له حسب استعداده و قابليّته،و أراد بصوت ذلك الزّجر:

ما يحدث عند الشّقّ بالأبخرة الّذي يقتضيه ذلك التّدبير، و أراد بالمخاريق-في بيان البرق،و هي جمع مخراق،و هو في الأصل ثوب يلفّ،و تضرب به الصّبيان بعضهم بعضا-الآلة الّتي يحصل بواسطتها الشّقّ،و لا شكّ أنّها كما قرّرنا من نار أشعلتها شدّة الحركة و المحاكّة،فظهرت كما ترى.

و حيث فتحنا لك هذا الباب قدرت على تأويل كثير ممّا ورد من هذا القبيل حتّى قولهم:إنّ الرّعد نطق الملك، و البرق ضحكه،و إن كان بحسب الظّاهر ممّا يضحك منه،و لم أر أحدا وفق فوفّق و تحقّق فحقّق،و اللّه تعالى الموفّق و هو حسبي و نعم الوكيل.(1:172)

رشيد رضا: و البرق هو الضّوء الّذي يلمع في السّحاب في الغالب،و قد يلمع من الأفق حيث لا سحاب.و قال مفسّرنا الجلال السّيوطيّ:إنّ الرّعد ملك أو صوته،و البرق سوطه يسوق به السّحاب،كأنّ الملك جسم مادّيّ،لأنّ الصّوت المسموع بالآذان من خصائص الأجسام،و كأنّ السّحاب حمار بليد لا يسير إلاّ إذا زجر بالصّراخ الشّديد و الضّرب المتتابع.

و ما ذكرناه هو الّذي كان يفهمه العرب من اللّفظين، و هو الّذي يفهمه النّاس اليوم،و لا يجوز صرف الألفاظ عن معانيها الحقيقيّة إلاّ بدليل صحيح،و لا سيّما إذا صرفت عن معاني من عالم الشّهادة الّذي يعرفه

ص: 336

الواضعون و المتكلّمون،إلى معاني من عالم الغيب لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى،و من أعلمهم اللّه تعالى إيّاها بالوحي.

و لكنّ أكثر المفسّرين ولعوا بحشو تفاسيرهم بالموضوعات الّتي نصّ المحدّثون على كذبها،كما ولعوا بحشوها بالقصص و الإسرائيليّات الّتي تلقّفوها من أفواه اليهود و ألصقوها بالقرآن،لتكون بيانا له و تفسيرا، و جعلوا ذلك ملحقا بالوحي.

و الحقّ الّذي لا مرية فيه:أنّه لا يجوز إلحاق شيء بالوحي غير ما تدلّ عليه ألفاظه و أساليبه،إلاّ ما ثبت بالوحي عن المعصوم الّذي جاء به ثبوتا لا يخالطه الرّيب.

أقول:هذا ما قاله الأستاذ في الرّعد و البرق،ردّا على«الجلال»فيما تبع فيه ما روى في التّفسير المأثور عن الصّحابة و التّابعين،و لا يصحّ منه شيء،و أمثلة ما رواه التّرمذيّ بسند ضعيف من سؤال اليهود للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد رأينا السّيوطيّ لم يذكر من هذه الرّوايات شيئا في تفسير الآية من كتابه«الدّرّ المنثور»المخصّص لنقل المأثور، و كذلك ابن كثير،و كأنّ هذا عدّه من الإسرائيليّات،مع عدم صحّة الرّواية فيه.

و فسّرهما البغويّ بمفهومهما اللّغويّ،فقال في الرّعد:

هو الصّوت الّذي يسمع من السّحاب،و في البرق:هو النّار الّتي تخرج منه.ثمّ قال:قال عليّ و ابن عبّاس و أكثر المفسّرين:الرّعد:اسم ملك يسوق السّحاب،و البرق:

لمعان سوط من نور يزجر به الملك السّحاب.و قيل:

الصّوت زجر السّحاب.و قيل:تسبيح الملك.و قيل:

الرّعد:نطق الملك،و البرق:ضحكه.

و قال مجاهد: الرّعد:اسم الملك،و يقال لصوته أيضا:رعد.و البرق:اسم ملك يسوق السّحاب.

و قال شهر بن حوشب:الرّعد ملك يزجي السّحاب،فإذا تبدّدت ضمّها،فإذا اشتدّ غضبه طارت من فيه النّار فهي الصّواعق.و قيل:الرّعد:انخراق الرّيح بين السّحاب،و الأوّل أصحّ...و لم يذكر الحديث المرفوع،لأنّه أضعف عنده ممّا ذكره فيما يظهر.

أقول:و لا شكّ عندي في أنّ هذه الأقوال كلّها ممّا كان يذيعه،مثل كعب الأحبار و وهب بن منبّه بين المسلمين،من الصّحابة و التّابعين.و لو صحّ في حديث مرفوع بسماع صحيح لا يحتمل أن يكون من الإسرائيليّات لما وقع فيه مثل هذا الخلاف،و لأمكن حمله على أنّ المراد به الإشارة إلى أنّ هذه المظاهر الكونيّة تقع بفعل ملك،موكّل بالسّحاب،و لكن لا حاجة إلى ذلك مع عدم صحّة شيء في المسألة، و الملائكة من عالم الغيب،و هم لا يراهم النّاس إلاّ إذا تمثّلوا لنبيّ أو وليّ،على سبيل المعجزة أو الإرهاص، كتمثّل الرّوح للسّيّدة مريم عليها السّلام،و رؤية الصّحابة، لجبريل في حضرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بصورة رجل يسأل عن الإيمان و الإسلام و الإحسان،و البرق من عالم الشّهادة لا من عالم الغيب.[إلى أن قال:]

و ما تفسيرنا للبرق و الرّعد و الصّاعقة-مع كونها معروفة لكلّ النّاس-إلاّ لأنّ المفسّرين صرفوا أفهامهم عن المعروف إلى غيره،كما حكي عن أرسطو-حكيم قدماء اليونان-أنّ تلاميذه سألوه عن تعريف«الحركة» فقام و مشى،و ما أنطقهم بالسّؤال عنها على بداهتها،إلاّ

ص: 337

أنّهم اعتادوا أن يسمعوا من الفلاسفة أقوالا في الأمور الجليّة،تجعلها غامضة خفيّة.

و أمّا حقيقة البرق و الرّعد و الصّاعقة و أسباب حدوثها فليس من مباحث القرآن،لأنّه من علم الطّبيعة -أي الخليقة-و حوادث الجوّ الّتي في استطاعة النّاس معرفتها باجتهادهم و لا تتوقّف على الوحي.و إنّما تذكر الظّواهر الطّبيعيّة في القرآن لأجل الاعتبار و الاستدلال، و صرف العقل إلى البحث الّذي يقوى به الفهم و الدّين؛ و العلم بالكون ينمى و يضعف في النّاس،و يختلف باختلاف الزّمان.

فقد كان النّاس يعتقدون في بعض الأزمنة أنّ الصّواعق تحدث من أجسام مادّيّة،لما كان يشمّونه في محلّ نزولها من رائحة الكبريت و غيره،و رجعوا عن هذا الاعتقاد في زمن آخر ملاحظين أنّ تلك الرّائحة لا تكون دائما في محلّ الصّاعقة.

و قد ظهر في هذا الزّمان أنّ في الكون سيّالا يسمّونه الكهرباء،من آثاره ما ترون من التّلغراف و التّليفون و التّرامواي.و هذه الأضواء السّاطعة في البيوت و الأسواق،من غير شموع و لا زيت و لا ذبال،و إنّما تكون باتّصال سلكين دقيقين كالخيوط الّتي تخاط بها الثّياب، أحدهما يحمل أو يوصل السّيّال الكهربائيّ الّذي يسمّونه الموجب،و الآخر يوصل السّيّال المسمّى بالسّالب، و باتّصال السّلكين،يتولّد النّور من تلاقي السّيّالين.

و بانقطاعهما أو الفصل بينهما ينفصل السّيّالان،فينقطع الضّوء من المصابيح و الحركة من الآلات.

و الكهربائيّة موجودة في كلّ شيء،و البرق في السّحاب يتولّد من اتّصال نوعيها الموجب و السّالب، بقدرة اللّه تعالى،كما يتولّد في الأرض بعمل الإنسان.

و قد استنزل بعض علماء الكهربائيّة قبس الصّاعقة من السّحاب إلى الأرض،و الصّاعقة من أثر الكهربائيّة، و هي تفريغ السّحاب طائفة منها في مكان لجاذب في الأرض يجذبه،و كثيرا ما حصل الصّعق لعمّال التّلغراف، لما بين السّحاب و الأسلاك من الجاذبيّة.

و معرفة النّاس بالسّبب الحقيقيّ للصّواعق هداهم إلى حفظ الأبنية الشّاهقة منها،باتّخاذ القضيب المعروف الّذي يسمّى قضيب الصّاعقة،فلا تنزل الصّواعق على بناء رفع فوقه هذا القضيب،و لا مجال في تفسير القرآن للتّطويل في أمثال هذه المسائل الطّبيعيّة،لأنّها تطلب من فنونها الخاصّة بها،فلنعد إلى بيان المثل.

استحضر حال قوم مشاة في فلاة من الأرض نزل عليهم-بعد ما أقبل ظلام اللّيل-صيّب من السّماء قصفت رعوده،و لمعت بروقه،و تصوّر كيف يهوون بأصابعهم إلى آذانهم كلّما حدث قاصف من الرّعد،ليدفعوا شدّة وقعه بسدّ منافذ السّمع برءوس الأنامل.

و عبّر عن الأنامل بالأصابع هذا التّعبير المجازيّ اللّطيف،للإشعار بشدّة عنايتهم بسدّ آذانهم،و مبالغتهم في إدخال أناملهم في صماليخها،كأنّ كلّ واحد منهم يحاول بما دهمه من الخوف أن يغرس إصبعه كلّها في أذنه، حتّى لا يكون للصّوت منفذ إلى سمعه،لما يحذره على نفسه من الموت الزّؤام؛و معالجة الحمام.

و هذا هو الجبن الخالع،و منتهى حدود الحماقة،لأنّ سدّ الآذان ليس من أسباب الوقاية من أخذ الصّاعقة

ص: 338

و نزول الموت،و الموت فقد الحياة بمفارقة الرّوح للبدن، و خلق اللّه له عبارة عن تقديره أو عن قبضه للرّوح و توفّيه للنّفس.(1:174)

المراغيّ: و البرق هو الضّوء الّذي يلمع في السّحاب غالبا،و ربّما لمع في الأفق حيث لا سحاب.

و أسباب هذه الظّواهر اتّحاد كهربيّة السّحاب الموجبة بالسّالبة،كما تقرّر ذلك في علم الطّبيعيّات.

(1:59)

الحجازيّ: نور خاطف ينشأ من شرارة كهربائيّة.

(1:17)

المصطفويّ: أي يخرج من شدّة ضغطة الرّعد، و من بين الظّلمات.(1:241)

البرق

1- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ... البقرة:20

ابن عبّاس: يلتمع أبصارهم و لمّا يفعل.

(الطّبريّ 1:158)

الضّحّاك: (البرق):الإيمان.(الطّبريّ 1:155)

قتادة: (البرق):الإسلام.(الدّامغانيّ:170)

الطّبريّ: يقول:يكاد محكم القرآن يدلّ على عورات المنافقين.(1:154)

يعني ب(البرق):الإقرار الّذي أظهروه بألسنتهم، باللّه و برسوله،و ما جاء به من عند ربّهم؛فجعل البرق له مثلا،على ما قدّمنا صفته.(1:158)

الآلوسيّ: اللاّم في(البرق)للعهد-إشارة إلى ما تقدّم-نكرة،و قيل:إشارة إلى البرق الّذي مع الصّواعق،أي برقها،و هو كما ترى.(1:175)

2- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ. الرّعد:12

ابن عبّاس: أنّه كنّى ب(البرق)عن الماء،لما كان المطر يقاربه غالبا؛و ذلك من باب إطلاق الشّيء مجازا، على ما يقاربه غالبا.(أبو حيّان 5:374)

(البرق)في هذه الآية:الماء.(ابن عطيّة 3:303)

الطّوسيّ: و(البرق):ما ينقدح من السّحاب من اللّمعان كعمود النّار،و جمعه:بروق.و فيه معنى السّرعة، يقال:امض في حاجتك كالبرق.(6:229)

ابن عطيّة: روي فيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه مخراق بيد ملك يزجر به السّحاب»و هذا أصحّ ما روي فيه.

و روي عن بعض العلماء أنّه قال:البرق:اصطكاك الأجرام،و هذا عندي مردود.

و قال أبو الجلد:(البرق)في هذه الآية:الماء،و ذكره مكّيّ عن ابن عبّاس.

و معنى هذا القول:أنّه لمّا كان داعية الماء،و كان خوف المسافرين من الماء،و طمع المقيمين فيه،عبّر-في هذا القول-عنه بالماء.(3:303)

الفخر الرّازيّ: في كون البرق خوفا و طمعا وجوه:

الأوّل:أنّ عند لمعان البرق يخاف وقوع الصّواعق، و يطمع في نزول الغيث.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:أنّه يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر، و كمن في جرابه التّمر و الزّبيب،و يطمع فيه من له فيه

ص: 339

نفع.

الثّالث:أنّ كلّ شيء يحصل في الدّنيا فهو خير بالنّسبة إلى قوم،و شرّ بالنّسبة إلى آخرين.فكذلك المطر خير في حقّ من يحتاج إليه في أوانه،و شرّ في حقّ من يضرّه ذلك،إمّا بحسب المكان أو بحسب الزّمان.

اعلم أنّ حدوث البرق دليل عجيب على قدرة اللّه تعالى،و بيانه:أنّ السّحاب لا شكّ أنّه جسم مركّب من أجزاء رطبة مائيّة،و من أجزاء هوائيّة و ناريّة،و لا شكّ أنّ الغالب عليه الأجزاء المائيّة،و الماء جسم بارد رطب، و النّار جسم حارّ يابس،و ظهور الضّدّ من الضّدّ التّامّ، على خلاف العقل؛فلا بدّ من صانع مختار يظهر الضّدّ من الضّدّ.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يقال:إنّ الرّيح احتقن في داخل جرم السّحاب،و استولى البرد على ظاهره، فانجمد السّطح الظّاهر منه.

ثمّ إنّ ذلك الرّيح يمزّقه تمزيقا عنيفا،فيتولّد من ذلك التّمزيق الشّديد حركة عنيفة،و الحركة العنيفة موجبة للسّخونة،و هي البرق؟

و الجواب:أنّ كلّ ما ذكرتموه على خلاف المعقول، و بيانه من وجوه:

الأوّل:أنّه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال:أينما يحصل البرق فلا بدّ و أن يحصل الرّعد،و هو الصّوت الحادث من تمزّق السّحاب.و معلوم أنّه ليس الأمر كذلك،فإنّه كثيرا ما يحدث البرق القويّ من غير حدوث الرّعد.

الثّاني:أنّ السّخونة الحاصلة بسبب قوّة الحركة مقابلة للطّبيعة المائيّة الموجبة للبرد،و عند حصول هذا العارض القويّ كيف تحدث النّاريّة؟بل نقول:النّيران العظيمة تنطفئ بصبّ الماء عليها،و السّحاب كلّه ماء، فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة ناريّة؟

الثّالث:من مذهبكم أنّ النّار الصّرفة لا لون لها البتّة،فهب أنّه حصلت النّاريّة بسبب قوّة المحاكّة الحاصلة بأجزاء السّحاب،لكن من أين حدث ذلك اللّون الأحمر؟فثبت أنّ السّبب الّذي ذكروه ضعيف،و أنّ حدوث النّار الحاصلة في جرم السّحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلاّ بقدرة القادر الحكيم.(19:24)

مكارم الشّيرازيّ: نحن نعلم أنّ ظاهرة البرق في المفهوم العلميّ هي اقتراب سحابتين إحداهما من الأخرى،و هما تحملان شحنات سالبة و موجبة،فيتمّ تفريغ الشّحنات بين السّحابتين فتحدث شرارة عظيمة،و يحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب و الآخر موجب،و إذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا،و لكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الألكترونات،فسوف تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرّعد.

و إذا ما اقتربت سحابة تحمل الشّحنة الموجبة من الأرض الّتي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصّاعقة،و خطورتها تكمن في أنّ الأرض و المناطق المرتفعة تعتبر رأس السّلك السّالب، حتّى الإنسان في الصّحراء يمكن أن يمثّل هذا السّلك فيحدث تفريغ للشّحنات يحوّل الإنسان إلى رماد في لحظة قصيرة،و لهذا السّبب عند وقوع البرق و الرّعد في

ص: 340

الصّحراء يجب أن يلجأ الإنسان إلى شجرة أو حائط أو إلى الجبال أو إلى أيّ مرتفع آخر،أو أن يستلقي في أرض منخفضة.

و على أيّة حال فإنّ للبرق-الّذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطّبيعة-فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث،و نشير هنا إلى ثلاثة منها:

1-السّقي:-من الطّبيعيّ أنّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان إلى«15»ألف درجة مئويّة،و هذه الحرارة كافية لأن تحرق الهواء المحيط بها، و في النّتيجة يقلّ الضّغط الجوّيّ،فيسبّب سقوط الأمطار.و لهذا السّبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

و هذه في الواقع واحدة من وظائف البرق«السّقي».

2-رشّ السّموم:-و نتيجة للحرارة العالية الّتي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الأكسجين في قطرات الماء،و يسمّى هذا الماء بالماء الثّقيل أو الماء المؤكسد »2O2H« و من آثاره قتل المكروبات،و لهذا السّبب يستعمل لغسل الجروح،فعند نزول هذه القطرات إلى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات و الآفات الزّراعيّة،و لهذا السّبب يقال للسّنة الكثيرة الآفات الزّراعيّة أنّها السّنة القليلة البرق و الرّعد.

3-التّغذية و التّسميد:تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون،و عند نزولها إلى الأرض و تركيبها مع محتوياتها تصنع نوعا من السّماد النّباتيّ،فتتمّ تغذية النّبات من هذا الطّريق.

يقول بعض العلماء:إنّ مقدار ما ينتجه البرق من السّماد في السّنة يصل إلى عشرات الملايين من الأطنان، و هذه كمّيّة كبيرة جدّا.

و على أيّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع و البركات،فهي تقوم بالسّقي و رشّ السّموم و التّغذية،فيمكن أن تكون دليلا واضحا لمعرفة اللّه،كلّ ذلك من بركات البرق.كما أنّه يمكن أن يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصّاعقة،و قد تحرق الإنسان أو الأشجار،و مع أنّها نادرة الحدوث و يمكن الوقاية منها،فهي مع ذلك عامل خوف للنّاس،فمفهوم الخوف و الطّمع للبرق قد يكون إشارة إلى جميع هذه الأمور.

و يمكن أن تكون الجملة وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ لها علاقة بالبرق الّذي يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه.

(7:319)

3- وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً... الرّوم:24

الطّوسيّ: (البرق):نار تحدث في السّحاب.بيّن تعالى أنّه إنّما يخلقه ليخافوا من عذابه بالنّار على معصيته و الكفر به،و يطمعوا في أن يتعقّب ذلك مطر فينتفعون به.

(8:242)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ فوائد(البرق)و إن لم تظهر للمقيمين بالبلاد،فهي ظاهرة للبادين،و لهذا جعل تقديم(البرق)على تنزيل الماء من السّماء نعمة و آية.

و أمّا كونه آية فظاهر،فإنّ السّحاب ليس إلاّ ماء

ص: 341

و هواء،و خروج النّار منها بحيث تحرق الجبال،في غاية البعد،فلا بدّ له من خالق هو اللّه.

قالت الفلاسفة: السّحاب فيه كثافة و لطافة بالنّسبة إلى الهواء و الماء،فالهواء ألطف منه،و الماء أكثف،فإذا هبّت ريح قويّة تخرق السّحاب بعنف؛فيحدث صوت الرّعد،و يخرج منه النّار كمساس جسم جسما بعنف، و هذا كما أنّ النّار تخرج من وقوع الحجر على الحديد.

فإن قال قائل:الحجر و الحديد جسمان صلبان، و السّحاب و الرّيح جسمان رطبان،فيقولون:لكن حركة يد الإنسان ضعيفة،و حركة الرّيح قويّة تقلع الأشجار.

فنقول لهم:البرق و الرّعد أمران حادثان لا بدّ لهما من سبب،و قد علم بالبرهان كون كلّ حادث من اللّه، فهما من اللّه.

ثمّ إنّا نقول:هب أنّ الأمر كما تقولون،فهبوب تلك الرّيح القويّة من الأمور الحادثة العجيبة،لا بدّ له من سبب،و ينتهي إلى واجب الوجود،فهو آية للعاقل على قدرة اللّه،كيفما فرضتم ذلك.(25:114)

البروسويّ: (البرق):لمعان السّحاب، و بالفارسيّة:درخش.و في إخوان الصّفاء(البرق):نار و هواء.(7:23)

الحجازيّ: (البرق):هو الشّرارة الكهربائيّة الّتي تظهر في الجوّ،و خاصّة عند السّحب،و ينشأ عنها الرّعد.

(21:19)

برقه

...يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ. النّور:43

قتادة:لمعان البرق يذهب بالأبصار.

(الطّبريّ 18:154)

الطّبريّ: يكاد شدّة ضوء برق هذا السّحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره.(18:154)

نحوه الطّبرسيّ.(4:148)

الزّمخشريّ: و(برقه):جمع برقة،و هي المقدار من البرق،كالغرفة و اللّقمة و برقة بضمّتين للإتباع،كما قيل:فعلة فعلات،كظلمات.(3:70)

نحوه البيضاويّ.(2:131)

الفخر الرّازيّ: وجه الاستدلال بقوله: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ أنّ البرق الّذي يكون صفة ذلك،لا بدّ و أن يكون نارا عظيمة خالصة،و النّار:ضدّ الماء و البرد،فظهوره من البرد يقتضي ظهور الضّدّ من الضّدّ؛و ذلك لا يمكن إلاّ بقدرة قادر حكيم.(24:15)

القرطبيّ: (البرق)دليل على تكاثف السّحاب، و بشير بقوّة المطر،و محذّر من نزول الصّواعق.

(12:29)

محمّد هادي معرفة: ما ذكره المفسّرون في الرّعد و البرق في كتبهم و معظم كتب التّفاسير بالمأثور و غيره، ذكرت:أنّ(الرّعد)اسم ملك يسوق السّحاب،و أنّ الصّوت المسموع صوت زجره السّحاب،أو صوت تسبيحه،و أنّ(البرق)أثر من المخراق الّذي يزجر به السّحاب،أو لهب ينبعث منه،على أنّ المخراق من نار، و ذلك عند تفسير قوله تعالى: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ الرّعد:13.

و يكاد لم يسلم من ذلك أحد منهم،إلاّ أنّ منهم من

ص: 342

يحاول أن يوفّق بين ظاهر الآية،و ما قاله الفلاسفة الطّبيعيّون في الرّعد و البرق،فيؤوّل الآية.و منهم من يبقي الآية على ظاهرها،و ينحى باللاّئمة على الفلاسفة و أضرابهم،الّذين قاربوا أن يصلوا إلى ما وصل إليه العلماء في العصر الحديث.

ففي تفسير«الخازن» (1)قال أكثر المفسّرين:على أنّ(الرّعد)اسم للملك الّذي يسوق السّحاب،و الصّوت المسموع منه تسبيحه.ثمّ أورد على هذا القول أنّ ما عطف عليه،و هو قوله تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ يقتضي أن يكون المعطوف عليه مغايرا للمعطوف،لأنّه الأصل،ثمّ أجاب:بأنّه من قبيل ذكر الخاصّ قبل العامّ تشريفا!

و قد بسط الآلوسيّ في تفسيره (2)-كما هي عادته- الأقوال في الآية،و ذكر أنّ للعلماء في إسناد التّسبيح إلى (الرّعد)قولين:أنّ في الكلام حذفا،أي سامعو الرّعد، أو أنّ الإسناد مجازيّ من قبيل الإسناد إلى السّبب و الحامل عليه،و الباء في(بحمده)للملابسة،أي يسبّح السّامعون لذلك الصّوت متلبّسين بحمد اللّه،فيقولون:

سبحان اللّه،و الحمد للّه.

و من العلماء من قال: إنّ تسبيح الرّعد بلسان الحال لا بلسان المقال،حيث شبّه دلالة الرّعد على قدرة اللّه و عظمته،و إحكام صنعته،و تنزيهه عن الشّريك و العجز،بالتّسبيح و التّنزيه،و التّحميد اللّفظيّ،ثمّ استعار لفظ(يسبّح)لهذا المعنى.و قالوا:إنّ هذا المعنى أنسب.

و كلّ هذا من العلماء في الحقيقة تخلّص من حمل الآية على ظاهرها،و أنّ المراد بالرّعد:الملك الموكّل بالسّحاب.

ثمّ قال الآلوسيّ: و الّذي اختاره أكثر المحدّثين أنّ الإسناد حقيقيّ؛بناء على أنّ(الرّعد)اسم للملك الّذي يسوق السّحاب.فقد روى أحمد،و التّرمذيّ و صحّحه، و النّسائيّ،و آخرون عن ابن عبّاس-رضوان اللّه عليه- أنّ اليهود سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقالوا:أخبرنا ما هذا الرّعد؟فقال عليه السّلام:«ملك من ملائكة اللّه موكّل بالسّحاب،بيديه مخراق من نار،يزجر به السّحاب، يسوقه حيث أمره اللّه تعالى»،قالوا:فما ذلك الصّوت الّذي نسمعه؟قال:«صوته»قالوا:صدقت.

و هذا الحديث إن صحّ يمكن حمله على التّمثيل، و لكن لا يطمئنّ القلب إليه،و لا يكاد يصدق وروده عن المعصوم صلّى اللّه عليه و آله.و إنّما هو من إسرائيليّات بني إسرائيل، ألصقت بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله زورا،ثمّ كيف يتلائم ما روي مع قوله قبل: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ، و قوله بعد: وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ الرّعد:12،13.

فالآية في بيان قدرة اللّه و عظمته في إحداث هذه الآيات الكونيّة،على حسب ما خلقه اللّه في الكون من نواميس،و أسباب عاديّة!و إنّما المناسب أن نفسّر «تسبيح الرّعد»بلسان الحال،و عطف(الملائكة)على (الرّعد)يقتضي أن يكون(الرّعد)غيرها لما ذكرنا.

و كأنّ السّرّ في الجمع بينهما بيان أنّه تواطأ على6.

ص: 343


1- 3:70
2- روح المعاني 13:106.

تعظيم اللّه و تنزيهه الجمادات و العقلاء،و أنّ ما لا يعقل منقاد للّه و خاضع كانقياد العقلاء سواء بسواء،و لا سيّما الملائكة الّذين هم مفطورون على الطّاعة و الانقياد.

و من الحقّ أن نذكر:أنّ بعض المفسّرين كانت لهم محاولات جادّة-بناء على ما كان من العلم بهذه الظّواهر الكونيّة في عصرهم-في تفسير:الرّعد و البرق،كابن عطيّة رحمه اللّه فقد قال:و قيل:إنّ(الرّعد)ريح تخفق بين السّحاب،و روى ذلك عن ابن عبّاس،و اعترض عليه أبو حيّان،و اعتبر ذلك من نزغات الطّبيعيّين،مع أنّ قول ابن عطيّة أقرب إلى الصّواب،من تفسير(الرّعد)بصوت «الملك»الّذي يسوق السّحاب،و(البرق)بضوء مخراقه.

و قد حاول الإمام الرّازيّ التّوفيق بين ما قاله المحقّقون من الحكماء،و ما ورد في هذه الأحاديث و الآثار،و قد أنكر عليه أبو حيّان هذا أيضا.

ثمّ ذكر الآلوسيّ آراء الفلاسفة في حدوث الرّعد، و البرق،و تكوّن السّحاب،و أنّه عبارة عن أبخرة متصاعدة قد بلغت في صعودها إلى الطّبقة الباردة من الهواء،ثمّ تكثّفت بسبب البرد،و لم يقدر الهواء على حملها،فاجتمعت و تقاطرت،و يقال لها:مطر.

هذا،و قد أصابوا في تكوّن السّحاب و نزول المطر، فآخر ما وصل إليه العلم اليوم هو هذا.و أمّا في تكوّن الرّعد و البرق فقد حاولوا و قاربوا،و إن لم يصلوا إلى الحقيقة العلميّة المعروفة اليوم.

و بعد أن ذكر الآلوسيّ الرّدود و الاعتراضات على ما قاله الفلاسفة،و هي-و الحقّ يقال-لا تنهض أن تكون أدلّة في ردّ كلامهم،قال:و قال بعض المحقّقين:لا يبعد أن يكون في تكوّن ما ذكر أسباب عاديّة،كما في الكثير من أفعاله تعالى،و ذلك لا ينافي نسبته إلى المحدث الحكيم -جلّ شأنه-و من أنصف لم يسعه إنكار الأسباب بالكلّيّة،فإنّ بعضها كالمعلوم بالضّرورة،قال:و بهذا أنا أقول (1).

و نحن أيضا بهذا نقول،و كون الظّواهر الكونيّة قد جعل اللّه نواميس خاصّة لحدوثها،لا ينافي قطّ أنّه سبحانه الخالق للكون،و المدبّر له سبحانه،فهو تعالى هو الموجد لهذه النّواميس،و هو الموجد لهذه السّنن الّتي يسير عليها الكون،فإنّ بعض هذه النّواميس و السّنن أصبحت معلومة فإنكارها باسم الدّين،أو التّشكيك فيها-و منها تكوّن السّحب،و حدوث الرّعد،و البرق، و الصّواعق-إنّما يعود على الدّين بالضّعف،و يضرّه أكثر من طعن أعدائه فيه.

«أقوال الرّسول عند سماع الرّعد و رؤية البرق»:

و قد وردت أحاديث أخرى صحاح و حسان،تبيّن ما كان يقوله صلّى اللّه عليه و آله عند حدوث هذه الظّواهر الكونيّة، و هي تدلّ على كمال المعرفة باللّه،و أنّه سبحانه هو المحدث لها،و أنّها تدلّ على تنزيه اللّه،و تعظيمه، و حمده؛فقد أخرج أحمد و البخاريّ في الأدب المفرد، و التّرمذيّ،و النّسائيّ،و غيرهم،عن ابن عمر قال:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع صوت الرّعد،و الصّواعق قال:اللّهمّ لا تقتلنا بغضبك،و لا تهلكنا بعذابك،و عافنا قبل ذلك»،لأنّ احتمال الإهلاك و التّعذيب بهذه الآيات6.

ص: 344


1- الآلوسيّ 13:106.

الكونيّة أمر قريب ممكن.

و أخرج أبو داود في مراسيله،عن عبد اللّه بن أبي جعفر:أنّ قوما سمعوا الرّعد فكبّروا،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إذا سمعتم الرّعد فسبّحوا،و لا تكبّروا»،و ذلك لما فيه من التّأدّب بأدب القرآن،و أسلوبه،في قوله تعالى: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، و لأنّ دلالته على تنزيه اللّه من النّقص و الشّريك أولى من دلالته على التّعظيم.و أخرج ابن أبي شيبة،عن ابن عبّاس أنّه عليه السّلام كان يقول إذا سمع الرّعد:«سبحان اللّه و بحمده،سبحان اللّه العظيم».و أخرج ابن أبي شيبة،و ابن جرير عن أبي هريرة قال:كان صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع الرّعد قال:«سبحان من يسبّح الرّعد بحمده».

فهذا هو اللاّئق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بعصمته، لا ما روي من أنّ الرّعد ملك أو صوت زجره للسّحاب و أنّ البرق أثر سوطه الّذي يزجر به السّحاب.

«رأي العلم في حدوث الرّعد،و البرق، و الصّواعق».

و إكمالا للفائدة:سنذكر ما وصل إليه العلم في حدوث هذه الظّواهر الكونيّة،فنقول،و باللّه التّوفيق:

يقول الدّكتور محمّد أحمد الغمراويّ في كتابه«سنن اللّه الكونيّة»:

الرّياح،و الكهربائيّة الجوّيّة:

إنّ الكهربائيّة الّتي تتولّد في الهواء-و الّتي ذكرنا لك بعض مصادرها-يكتسبها السّحاب عند تكوّنه على الإيونات الّتي تحملها تلك الكهربائيّة في الطّبقات العليا الجوّيّة،و لا يدرى الآن،كيف يفصل اللّه الإيونات السّالبة،من الإيونات الموجبة،قبل تكاثف البخار عليها،إن كان هناك فصل لهما؟أم كيف يكون السّحاب عظيم التّكهرب إمّا بنوع من الكهرباء،و إمّا بالنّوع الآخر،إذا حدث التّكاثف على الإيونات،و هي مختلطة.

و مهما يكن من سرّ ذلك،فإنّ السّحاب مكهرب من غير شكّ،كما أثبت ذلك فرانكلن لأوّل مرّة في عام (1752)م و كما أثبت غيره،عظم تكهربه بشتّى الطّرق بعده،و أنت تعرف أنّ نوعي الكهربائيّة يتجاذبان،و أنّ الموجب و الموجب،أو السّالب و السّالب يتدافعان،أو يتنافران،كما تشاء أن تقول.

هذا التّدافع أو التّنافر من شأنه تفريق الكهربائيّة، ثمّ إذا شاء اللّه ساق السّحاب بالرّيح،حتّى يقترب السّحاب الموجب،من السّحاب السّالب قربا كافيا،في اتّجاه أفقيّ،أو في اتّجاه رأسيّ،أو فيما شاء اللّه من الاتّجاهات،فإذا اقتربا تجاذبا.و من شأن اقترابهما هذا أن يزيد في كهربائيّة مجموع السّحاب بالتّأثير، و لا يزالان يتجاذبان،و يتقاربان،حتّى لا يكون محيص من اختلاطهما و اتّحاد كهربائيّتهما،أو من اتّحاد كهربائيّتهما من بعد،و عندئذ تحدث شبه شرارة عظمى كهربائيّة هي البرق الّذي كثيرا ما يرى في البلاد الكثيرة الأمطار.

و«المطر»نتيجة لازمة لحدوث ذلك الاتّحاد الكهربائيّ،سواء حدث في هدوء أو بالإبراق.فإذا حدث بهدوء،حدث بين القطيرات المختلفة في السّحابتين،فتجذب كلّ منها قرينتها أو قريناتها،حتّى تتّحد و تكوّن قطرة فيها ثقل فتنزل،و تكبر أثناء نزولها

ص: 345

بما تكتسب من كهربائيّة،و ما تجتذب من قطيرات أثناء اختراقها السّحاب المكهرب،الّذي يكون بعضه فوق بعض في السّحاب الرّكام.أمّا إذا حدث الاتّحاد الكهربائيّ في شدّة البرق و عنفه،فإنّه يحدث لا بين القطيرات،و لكن بين الكتل من السّحاب،و يسهّل حدوثه تخلخل الهواء،أي قلّة ضغطه في تلك الطّبقات.

و«البرق»يمثّل قوّة كهربائيّة هائلة،تستطيع أن تكوّن فكرة عنها إذا عرفت أنّ شرارته قد تبلغ ثلاثة أميال في طولها أو تزيد،و أنّ أكبر شرارة كهربائيّة أحدثها الإنسان لا تزيد عن بضعة أمتار.

فالحرارة النّاشئة عن البرق لا شكّ هائلة فهي تمدّد الهواء بشدّة،و تحدث مناطق جوّيّة عظيمة مخلخلة، الضّغط داخلها يعادل الضّغط خارجها،ما دام الهواء داخل المنطقة ساخنا،حتّى إذا تشعّعت حرارته و بردت تلك المناطق برودة كافية-و ما أسرع ما تبرد-خفّ منها الضّغط،و صار أقلّ كثيرا من ضغط الطّبقات الهوائيّة السّحابيّة المحيطة بها،فهجمت عليها فجأة بحكم الفرق العظيم بين الضّغطين و تمدّدت فيها،و حدث لذلك صوت شديد،هو صوت الرّعد و هزيمه،هذا الصّوت قد يكون له صدى بين كتل السّحاب يتردّد،فنسمّيه قعقعة الرّعد.

أمّا صوت الشّرارة الكهربائيّة البرقيّة،فهو بدء الرّعد،و يكون ضعيفا بالنّسبة لهزيمه و قعقعته،لذلك تسمع الرّعد ضعيفا في الأوّل ثمّ يزداد،كأنّما أوّله إيذان بتضخّمه،كما قد تؤذن الطّلقة الفردة بانطلاق بطّاريّات برمّتها،من المدافع الضّخمة في الحروب.

فالرّعد يحدث لا عند اتّحاد الكهربائيّتين حين يحدث البرق فقط،و لكن يحدث أكثره بعد ذلك عند تمدّد الكتل الهوائيّة الهاجمة في المنطقة المفرغة،و هي إذا تمدّدت بردت برودة شديدة،فيتكاثف ما فيها من البخار،و من كتل السّحاب،فينزل على الأرض إمّا مطرا،و إمّا بردا، حسب مقدار البرودة الحادثة في تلك المناطق.

و هذا هو السّبب في أنّ الرّعد و البرق يعقبهما في الغالب مطرات شديدة،سواء أ كانت المطرة مائيّة،أم برديّة،و قطرات الماء أو حبّات البرد تنمو بعد ذلك باختراقها كتل السّحاب المتراكم،تحت المنطقة الّتي حدث فيها التّفريغ. (1)

الصّواعق

و قد يحدث التّفريغ الكهربائيّ بين السّحاب و الأرض،من بين السّحاب و السّحاب،و هذا يكون عادة إذا كان السّحاب عظيم الكهربائيّة،قريبا من الأرض.فإذا حدث التّفريغ ظهر له كالعادة ضوء و صوت،نسمّي مجموعهما بالصّاعقة،أي أنّ الصّاعقة:

تفريغ كهربائيّ بين السّحاب و الأرض،إذا أصاب حيوانا أو نباتا أحرقه،و هو يحدث أكثر ما يحدث بين الأجسام المدبّبة على سطح الأرض من شجر أو نحوه و بين السّحاب،و لذا كان من الخطأ الاستظلال بالشّجر،أو المظلاّت في العواصف ذات البرق.

على أنّ الإنسان قد استخدم سهولة حدوث التّفريغ بين الأجسام المدبّبة،و السّحاب لوقاية الأبنية من الصّواعق،و ذلك بإقامته على سطوحها قضبانا حديديّة

ص: 346


1- السّنن الكونيّة:158.

أو نحاسيّة،مدبّبة الأطراف،بحيث يكون طرف القضيب المدبّب أعلى قليلا من أعلى نقطة في البناء،و الطّرف الآخر متّصلا بلوح فلزّيّ مدفون في أرض رطبة.

و من شأن الأطراف المدبّبة أن يكون كلّ منها بابا تخرج منه الكهربائيّة المتجمّعة على السّطح تدريجا إلى السّحاب الّذي يظلّه،فيحدث التّفريغ،أي الاتّحاد بين كهربائيّة الأرض و كهربائيّة السّحاب تدريجا،ذلك التّفريغ الفجائيّ المعروف بالصّاعقة،على أنّه إذا نزلت الصّاعقة بالبناء رغم ذلك،فالأرجح جدّا أنّها تصيب القضيب المدبّب أوّل ما تصيب،و تنصرف الكهربائيّة إلى الأرض،بدلا من أن تدكّ البناء،و لذا يسمّى مثل هذا القضيب المدبّب الواصل إلى الأرض بصارفة الصّواعق.

و قد وجدوا أنّ السّطح الخارجيّ للقضيب هو الطّريق الّذي تمرّ به الكهربائيّة إلى الأرض،لذلك كلّما كان هذا السّطح أكبر كان الصّرف أعظم،و البناء أحصن؛و لذا كانت الصّفائح أفعل في حفظ الأبنية،من مثل كتلتها من الأسلاك. (1)

(التّفسير و المفسّرون 2:299-307)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «برق»على وجهين:برق،أي شخص،و البرق بعينه.

فوجه منها:برق،أي شخص،و يقال:أعجب، قوله تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:7،أي شخص البصر.

و الوجه الثّاني:البرق بعينه،قوله تعالى: فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ البقرة:19.

و قال قتادة:البرق:الإسلام.(170)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة هو«البرق»و هو الّذي يلمع في السّحاب،و هو شرارة كهربائيّة تحدث عند التّفريغ الكهربائيّ بين سحابتين،أو بين السّحابة و الأرض،و أصبح هذا البرق بخصائصه يلهم رمز التّلألؤ و اللّمعان و الزّينة و السّرعة،و جلب الأنظار،و ما يحوم حول هذه المحاور.

و اشتقّوا منه أفعالا لحكاية هذه المفاهيم حقيقة أو مجازا،فقالوا:برق البرق يبرق،و برقت السّماء و رعدت،و برق وجهه بالدّهن:لمع،و برق طعامه:أدامه بدسم قليل.و برّق منزله:زيّنه و زوّقه،و أبرقت المرأة:

تحسّنت و تعرّضت.

و من ذلك أيضا قولهم:أرعد القوم و أبرقوا،إذا أصابهم رعد و برق،و برّق فلان تبريقا،إذا سافر سفرا بعيدا.

و يطلق في عصرنا هذا على الرّسالة الفوريّة الّتي ترسل من مكان إلى آخر بواسطة جهاز متطوّر:البرقيّة، لأنّها تصل إلى المرسل إليه بسرعة البرق.

2-و قد قيّد بعضهم«البرق»بالشّدّة و الضّغط النّاشئ من السّحاب،أو من شدّة تظاهر السّيوف،أو من حدّة الجمال،أو من حدّة الوعيد،أو من حدّة النّظر

ص: 347


1- السّنن الكونيّة:158-160.

الخاصّ و شدّة الشّخوص،أو من شدّة لمعان البياض من بين السّواد في العين أو في الجبل أو غيرهما.

و قد جعل ابن فارس لهذه المادّة أصلين؛أحدهما:

لمعان الشّيء،و الآخر:اجتماع السّواد و البياض في الشّيء،و ما بعد ذلك فكلّه مجاز،و محمول على هذين الأصلين.

و حمل هذا المعنى على قولهم للسّيوف و السّحاب:

البارقة،و للسّحاب خاصّة:البروق،على التّشبيه لشدّة بياضها.

3-و استعمل البرق لما يشاهد في العين عند التّعجّب و الدّهشة،يقال:برق البصر،أي بهت،فهو فزع مبهوت،يلمع بصره و لا يطرف.و يقال:كلّمته فبرق، أي تحيّر.كما استعمل في ضعف البصر،يقال:برق بصره،أي ضعف و نبا.

و يقال للأرض ذات الحجارة البيضاء و فيها قليل من حجارة حمراء و سوداء:برقة،و إذا كانت ذات طرائق فيها حجارة سوداء تخالطها رملة بيضاء،فهي برقاء.

4-و هذه المادّة لها أصول في اللّغات الأخرى، كالآراميّة و السّريانيّة و العبريّة،توافق العربيّة،و كأنّها تأثّرت ببعضها بعضا،أو أنّ لها جميعا أصلا واحدا.

و لا شاهد على سبقها للعربيّة و انتقال بعض ألفاظها من تلك اللّغات إليها-كما قيل-بل هناك شواهد على سبق العربيّة لها.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت هذه المادّة في القرآن فعلا مرّة واحدة و اسما خمس مرّات:

1- فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيمة:7-9

2- أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ البقرة:19

3- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ البقرة:20

4- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ الرّعد:12

5- وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً الرّوم:24

6- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ... وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ... يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ النّور:43

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل جاء بمعنى مجازيّ،و هو شخوص البصر عند الموت،لظهور بياضه و لمعانه،و أمّا الاسم فهو يعني برق السّماء فقط،فجاء مع(رعد)في (2)،و مع خطف الأبصار و ذهابها في(3)و(6)،و مع خَوْفاً وَ طَمَعاً في(4)و(5).كما جاء مع كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ في(2)،و مع إنشاء السّحاب في(4)، و مع إنزال الماء من السّماء في(5)،و مع إزجاء السّحاب و إنزال البرد في(6)،و كلّها أمور هائلة،و كلمة(صيّب) تمثّل ذروة هذا الحادث الجلل و هول المطّلع.

ثانيا:و هذا يوافق تماما ما اخترناه في أصل المادّة،

ص: 348

و هو برق السّماء.

ثالثا:و حتّى حين جاء(البرق)بمعنى شخوص البصر،ضمّ إليه أيضا ما يخطر بالبال برق السّماء؛حيث قورن ب خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ، و هما من آيات اللّه في السّماء،و لهما ضوء ساطع،ففيه نوع من إيهام التّناسب،مثل: وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ الرّحمن:6.

رابعا:جاء في(3)و(6)تأكيدا لشدّة لمعان البرق ما يدلّ على توثيق العلاقة بين لمعان البرق و نور البصر، و هو خطف الأبصار في(3)،و إذهاب الأبصار في(6).

و الخطف هو الأخذ بسرعة،و للاحتفاظ به-أي الأخذ السّريع-جاء(يذهب)في(6)-و هو متعدّ في رأينا بالباء-أي يذهب الأبصار مسرعا بها،ففيه إشراب لطيف.

خامسا:نسب الفعل إلى(البرق)في(3)و(6) مقترنا بفعل المقاربة يَكادُ الْبَرْقُ، يَكادُ سَنا بَرْقِهِ مع تفاوت،ففي(3)جاء البرق فاعلا للفعل،و في(6) الفاعل هو سَنا بَرْقِهِ، و هو أبلغ و أمسّ بالمطلوب؛ حيث يصرّح بأنّ الشّيء الّذي يخطف الأبصار و يذهب بها هو لمعان البرق و شدّة ضوئه.

أمّا فعل المقاربة فيهما فهو أيضا تسجيل لشدّة الضّوء،كأنّه قال:شدّة ضوء البرق كادت أن تذهب بالأبصار و تخطفها.و تأكيدا لذلك ذيّله في(3)بقوله:

وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ البقرة:20، أي شدّة الضّوء كانت تفي بإذهاب البصر لو شاء اللّه،إلاّ أنّه لم يشأ.

سادسا:خطف الأبصار و الذّهاب بها أيضا ليس على حقيقته،لأنّ الأبصار ثابتة،فكنّى بهما عن ذهاب نورها و طمس جهاز إبصارها،تأكيدا لشدّتها.

سابعا:و في(6)جاء يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ و في إثرها إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ آل عمران:13، و أريد بالأبصار في الأولى:العيون،و في الثّانية:البصائر، و هذا نوع من المشاكلة البديعيّة.

ثامنا:جاء(البرق)مع(الرّعد)مرّة،مجاراة لما هو المعروف عند النّاس؛حيث يذكرونهما معا،فيقولون:

ظهر البرق و الرّعد،فهذا نوع مساغاة أو مجاراة للعامّة، و هو يجري مجرى الأمثال.

تاسعا:جاء(2)و(3)في مثلين ضربهما اللّه للمنافقين،ابتداء من قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً إلى قوله: إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:

17-20،و هما مثلان،أوّلهما مثال للنّار،و ثانيهما مثال للنّور،أي البرق المقارن للماء الّذي ينزل من السّماء أو البرد،و هما مشتركان في أمور:

1-الذّهاب بالنّور: ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ البقرة:

17،و بالأبصار الّتي ترى النّور: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ البقرة:20.

2-الظّلمات: وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:17، فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ البقرة:19، وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ البقرة:20.

3-النّور و الإضاءة: فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ البقرة:17، كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ البقرة:20.

ص: 349

و بإزاء هذين المثلين للمنافقين هناك مثلان للكفّار في سورة النّور:39 و 40،ابتداء من وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ و انتهاء ب فَما لَهُ مِنْ نُورٍ و توجد فيهما أيضا عناصر الماء و النّور و الظّلمات.

و ينبغي البحث حول الأمثال الأربعة معا،و مقارنة بعضها ببعض.

و للمفسّرين بحوث بديعة حولهما،و لكن دون المقارنة بينهما،لاحظ(ص ي ب)و(ظ ل م)و(ك ف ر) و(م ث ل)و(ن ف ق)،و سائر الموادّ الّتي جاءت فيهما.

عاشرا:و تلك عشرة كاملة-أنّ التّصريح و التّأكيد لعنصر الإراءة في(4): هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ الرّعد:12،و في(5): وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ الرّوم:4،و التّرغيب في الرّؤية في(6): أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً النّور:43،فيه بلاغة ظاهرة،بداهة أنّ النّور و الظّلمة لهما دخل في الرّؤية نفيا و إثباتا،و لا رؤية بدونهما،كما أنّ ذلك واسطة نقل كلمة البرق إلى إفادة بياض العين.

ص: 350

ب ر ك

اشارة

10 ألفاظ،32 مرّة:28 مكّيّة،4 مدنيّة

في 22 سورة:19 مكّيّة،3 مدنيّة

بارك 1:1 مباركة 3:1-2

باركنا 6:6 المباركة 1:1

بورك 1:1 بركات 2:2

مبارك 4:4 بركاته 1:1

مباركا 4:3-1 تبارك 9:8-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرك:الإبل البوارك،اسم لجماعتها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أبركت النّاقة فبركت.

و البرك:كلكل البعير و صدره الّذي يدوك به الشّيء تحته،يقال:حكّه و دكّه ببركه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البركة:ما ولي الأرض من جلد البطن،و ما يليه من الصّدر من كلّ دابّة.اشتقّ من مبرك البعير،لأنّه يبرك عليه.

و البركة و البرك:شبه حوض يحفر في الأرض، و لا يجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و البركة:حلبة الغداة،و يقال:بفتح الرّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و البركة،و البرك جمعه:من طير الماء،أبيض.

و ابترك الرّجل في الآخر:يقصبه،إذا اجتهد في ذمّه.

و ابتركوا في الحرب:جثوا على الرّكب ثمّ اقتتلوا ابتراكا،و البراكاء:الاسم منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابترك السّحاب:ألحّ بالمطر على موضع.

و البركة:الزّيادة و النّماء،و التّبريك:الدّعاء بالبركة.

و المباركة:مصدر بورك فيه،و تبارك اللّه:تمجيد و تجليل.

ص: 351

و البركان،و الواحدة:بركانة،من دقّ الشّجر.

و سمّيت الشّاة الحلوب:بركة،و في الحديث:«من كان عنده شاة كانت بركة،و الشّاتان بركتان».

(5:366)

البرك:يقع على ما برك من الجمال و النّوق على الماء أو بالفلاة،من حرّ الشّمس أو الشّبع،الواحد:بارك، و الأنثى:باركة.(ابن فارس 1:227)

نحوه ابن السّكّيت.(65)

الكسائيّ: البركة أن يدرّ لبن النّاقة باركة، فيقيمها فيحلبها.(ابن فارس 1:230)

مثله أبو زيد.(الأزهريّ 10:227)

باركك اللّه،و بارك فيك.(القرطبيّ 13:158)

أبو عمرو الشّيبانيّ:برك:اسم ذي الحجّة، و البرك و الباروك:الكابوس،و هو النّيدلان.

البريك:الزّبد بالرّطب.(الأزهريّ 10:232)

البرك:الصّدر.(إصلاح المنطق:12)

الفرّاء: كساء برّكانيّ،و لا تقل:برنكانيّ.

و برك الشّتاء:صدره.و قال الكميت:

و احتلّ برك الشّتاء منزله

و بات شيخ العيال يصطلب

أراد وقت طلوع العقرب،و هو اسم لعدّة نجوم، منها الزّبانى،و الإكليل،و القلب،و الشّولة؛و هي تطلع في شدّة البرد.و يقال لها:البروك،و الجثوم،يعني العقرب.(الأزهريّ 10:232)

أبو عبيدة: يقولون:براك براك،بمعنى ابركوا.

(ابن فارس 1:229)

الأصمعيّ:كان أهل الكوفة يسمّون زيادا أشعر بركا.(ابن فارس 1:228)

البروك من النّساء الّتي تتزوّج و لها ولد كبير.

(الأزهريّ 10:229)

الأخفش: البرك:الإبل الكثيرة،تشرب ثمّ تبرك في العطن،لا تكون بركا إلاّ كذا.(ابن فارس 1:228)

أبو زيد:أنّه سمع أعراب قيس يقولون:ما أبرك هذا الطّعام!أي ما أنماه.(ابن دريد 1:273)

في أنواء الجوزاء نوء يقال له:البروك،و ذلك أنّ الجوزاء لا تسقط أنواؤها حتّى تكون فيها يوم و ليلة تبرك الإبل،من شدّة برده و مطره.

(ابن فارس 1:229)

البورق و البورك:الّذي يجعل في الطّحين.

(ابن منظور 10:400)

اللّحيانيّ: باركت على التّجارة و غيرها،أي واظبت عليها.(الأزهريّ 10:231)

أبو عبيد: و البريكان:أخوان من العرب، أحدهما:بارك،و الآخر:بريك،فغلب بريك،إمّا لفضله و إمّا لسنّه و إمّا لخفّة اللّفظ.(ابن سيدة 7:22)

ابن الأعرابيّ: البركة تطفح مثل الزّلف،و الزّلف:

وجه المرآة.(الأزهريّ 10:228)

الخبيص يقال له:البروك،ليس الرّبوك.

و قال رجل من الأعراب لامرأته:هل لك في البروك؟فأجابته:إنّ البروك عمل الملوك،و الاسم منه البريكة،فأمّا الرّبيكة فالحيس.(الأزهريّ 10:229)

رجل مبترك:معتمد على الشّيء ملحّ.[ثمّ استشهد

ص: 352

بشعر]

و رجل برك:بارك على الشّيء.

(ابن سيدة 7:22)

ابن السّكّيت: البرك:الإبل الكثيرة الباركة، و برك:اسم موضع.(إصلاح المنطق:12)

البرك:إبل أهل الحواء كلّه الّتي تروح عليهم،بالغة ما بلغت و إن كانت ألوفا.[ثمّ استشهد بشعر](63)

البروك:الّتي تتزوّج و ابنها رجل.(349)

يقال:بارك على الأمر و برك،إذا واظب عليه.

و ابترك الفرس في عدوه،اجتهد.و ابترك فلان في عرض فلان.(443)

البركة من الفرس حيث انتصبت فهدتاه من أسفل، إلى العرقين اللّذين دون العضدين،إلى غضون الذّراعين من باطن.

يقول العرب: «هذا أمر لا يبرك عليه إبلي»،أي لا أقربه و لا أقبله.و يقولون أيضا:«هذا أمر لا يبرك عليه الصّهب المحزّمة»،يقال ذلك للأمر إذا تفاقم و اشتدّ؛ و ذلك أنّ الإبل إذا أنكرت الشّيء نفرت منه.

(ابن فارس 1:228)

شمر: البركة:جنس من برود اليمن،و كذلك المراجل.(الأزهريّ 10:229)

ابن أبي اليمان: البركة:النّماء.(616)

الحربيّ: الابتراك:السّرعة.(1:218)

أبو حاتم: طعام بريك،أي ذو بركة.

(ابن فارس 1:231)

ابن دريد :البرك:إبل الحيّ بالغا ما بلغت.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرك:طائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرك:الصّدر،فإذا أدخلت فيه الهاء كسرت الباء،فقلت:بركة.

و البركة:معروف،و يقال:لا بارك اللّه فيه،أي لا نماه.فأمّا قولهم:بارك اللّه لنا في الموت،فمعناه بارك اللّه لنا فيما يؤدّينا إليه الموت.

و قد تكلّم قوم في تبارك اللّه،ففسّروه:العلوّ،لأنّ البركة في الشّيء:النّماء بعد النّقصان،و هذه صفة منفيّة عن اللّه عزّ و جلّ.

و قال آخرون: «تبارك اللّه»كأنّه تفاعل من البركة، و ليس من النّماء،و إنّما هو راجع إلى الجلال و العظمة، و تبارك لا يوصف به إلاّ اللّه تبارك و تعالى،و لا يقال:

تبارك فلان في معنى عظم،هذه صفة لا تنبغي إلاّ للّه عزّ و جلّ.

و برك البعير يبرك بروكا،و هو أن يلصق بركه بالأرض.

و البراكاء:الثّبات في الحرب،كأنّهم بركوا فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال في الحرب:براك براك،أي ابركوا.

و تبراك:موضع بكسر التّاء،لأنّه اسم ليس بمصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابترك الدّابّة،إذا انتحى على أحد شقّيه في عدوه.

و ابترك الصّيقل،إذا مال على المدوس في أحد شقّيه.

و البريكان:أخوان من فرسان العرب،و هما بارك

ص: 353

و بريك.

و ذكر أبو مالك أنّه سمع:طعام بريك،في معنى مبارك.(1:272)

القاليّ: الكركرة،و الكلكل،و البرك،و البركة، و الجوش،و الجوشن،و الجؤشوش،و الحيزم،و الحيزوم، و الحزيم:الصّدر.(2:168)

الأزهريّ: العرب تسمّي الصّهاريج الّتي سوّيت بالآجرّ و صرّجت بالنّورة في طريق مكّة و مناهلها:بركا، واحدتها:بركة.و ربّ بركة تكون ألف ذراع،و أكثر و أقلّ.

و أمّا الحياض الّتي تحتفر و تسوّى لماء السّماء، و لا تطوى بالآجرّ،فهي الأصناع،واحدها:صنع عندهم.

و يقال:ابترك الرّجل في عرض أخيه يقصبه،إذا اجتهد في ذمّه،و كذلك الابتراك في العدو:الاجتهاد فيه.

و يقال:أبركت النّاقة فبركت بروكا.

و التّبراك بفتح التّاء:البروك.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا تبراك بكسر التّاء،فهو موضع، و لا ينصرف.(10:228)

الصّاحب: البرك:الإبل،و جمعها:بوارك.و أبركت النّاقة فبركت،و يقال:بركت النّاقة،و النّعامة أيضا.

و يقال للأرض الخصبة:تركت كلأها،كأنّها نعامة باركة.

و البرك:كلكل البعير و صدره.

و البركة:ما ولي الأرض من جلد البطن،و ما يليه من الصّدر،من كلّ دابّة.

و مبرك البعير:موضع بركته.

و البركة:شبه حوض يحفر في الأرض،و الحلبة،من حلبة الغداة،و يقال:بركة أيضا.

و جئتك في بركة الشّتاء،أي في البرد الّذي برك بكلكله.

و ذو الحجّة يسمّى:برك،و يجمع:بركات.

و ابترك الرّجل في آخر:يتنقّصه و يشتمه.و ابتركوا في الحرب،إذا جثوا على الرّكب،ثمّ اقتتلوا ابتراكا.

و البراكاء:الاسم من ذلك،و هو أيضا:ما أقام و ثبت من الظّلمة.

و أبرك السّحاب:ألحّ بالمطر على موضع.

و المبترك:الذّاهب في السّير المعتمد فيه.

و بارك عليه و ابترك،أي واظب و داوم.

و الابتراك:عدو الدّابّة على أحد شقّيها.

و ابترك القين على المدوس.

و باركت الرّجل،إذا جاددته و ألححت عليه.

و البركة:الزّيادة و النّماء.و التّبريك:أن تدعو له بالبركة.و تبارك اللّه:تمجيد و تجليل.

و تسمّى الشّاة الحلوب:بركة.

و بارك اللّه فيه؛أي تابع الخير لديه.

و طعام بريك،بمعنى مبارك.

و البرك و البركة:من طير الماء،أبيض.

و البرك:من أسماء الأسد،و جمعه:بركات.

و البركة:جماعة من وجوه النّاس:كالخمسة إلى العشرين،و سمّوا بذلك لأنّهم لا يبركون بين يدي أحد في حاجة،إلاّ استحيا من ردّهم.و قيل:لأنّهم يبتركون في الأمر حتّى يتمّوه،أي يجتهدون.

ص: 354

و ضرب من البرد يسمّى:بركة.

و البركان،و الواحدة:بركانة:من دقّ الشّجر.

و البروكة:القنفذ.و الإبراكة:سمكة طولها ذراع، و غلظها إصبع،و الجميع:الإبراك.

و البروك:المرأة الّتي تتزوّج و لها ابن كبير.و قيل:

هي الّتي لها زوج،و لها ولد من غير زوجها الثّاني.

و برك:موضع.(6:260)

الجوهريّ: برك البعير يبرك بروكا،أي استناخ.

و أبركته أنا فبرك،و هو قليل،و الأكثر:أنخته فاستناخ.

و يقال:فلان ليس له مبرك جمل.و كلّ شيء ثبت و أقام فقد برك.

و البرك:الإبل الكثيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:البروك.

و البرك أيضا:الصّدر،فإذا أدخلت عليه الهاء كسرت،و قلت:بركة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:ما أحسن بركة هذه النّاقة،و هو اسم للبروك،مثل الرّكبة و الجلسة.

و البركة أيضا كالحوض،و الجمع:البرك،و يقال سمّيت بذلك:لإقامة الماء فيها.

و ابترك الرّجل،أي ألقى بركه.و ابتركته،إذا صرعته و جعلته تحت بركك.

و ابترك،أي أسرع في العدو و جدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراكاء:الثّبات في الحرب و الجدّ،و أصله من البروك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال في الحرب:براك براك،أي ابركوا.

و البركة:النّماء و الزّيادة.و التّبريك:الدّعاء بالبركة.و طعام بريك،كأنّه مبارك.

و يقال:بارك اللّه لك و فيك و عليك،و باركك،و قال تعالى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ النّمل:8.

و تبارك اللّه،أي بارك،مثل قاتل و تقاتل،إلاّ أنّ «فاعل»يتعدّى،و«تفاعل»لا يتعدّى.

و تبرّكت به،أي تيمّنت به.

و البركة بالضّمّ:طائر من طير الماء أبيض،و الجمع برك.[ثمّ استشهد بشعر]

و البراكيّة:ضرب من السّفن.

و البرنكان،على وزن الزّعفران:ضرب من الأكسية.

و البروك من النّساء:الّتي تتزوّج و لها ابن بالغ كبير.

(4:1574)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الكاف أصل واحد،و هو ثبات الشّيء،ثمّ يتفرّع فروعا يقارب بعضها بعضا، يقال:برك البعير يبرك بروكا.

و البركة:ما ولي الأرض من جلد البطن و ما يليه من الصّدر،من كلّ دابّة.و اشتقاقه من:مبرك الإبل، و هو الموضع الّذي تبرك فيه،و الجمع:مبارك.

قال الأصفهانيّ عن العامريّ:يقال:حلبت النّاقة بركتها،و حلبت الإبل بركتها،إذا حلبت لبنها الّذي اجتمع في ضرعها في مبركها.و لا يقال ذلك إلاّ بالغدوات.و لا يسمّى بركة إلاّ ما اجتمع في ضرعها باللّيل و حلب بالغدوة.يقال:احلب لنا من برك إبلك.

(1:230)

ص: 355

الثّعلبيّ: العرب تقول:باركك اللّه،و بارك فيك، و بارك عليك،و بارك لك،أربع لغات.

(القرطبيّ 13:158)

الطّوسيّ: البركة:نماء الخير،و المبارك:الّذي ينمى الخير به.و التّبرّك:طلب البركة بالشّيء،و أصله التّبرّك من البرك،و هو ثبوت الطّير على الماء.

(7:124)

البركة:ثبوت الخير النّامي،و نقيضها الشّؤم،و هو إمحاق الخير و ذهابه.(7:264)

الرّاغب: أصل البرك:صدر البعير و إن استعمل في غيره،و يقال له:بركة.

و برك البعير:ألقى ركبه،و اعتبر منه معنى الملزوم، فقيل:ابتركوا في الحرب،أي ثبتوا و لازموا موضع الحرب.و براكاء الحرب و بروكاؤها:للمكان الّذي يلزمه الأبطال.

و ابتركت الدّابّة:وقفت وقوفا كالبروك و سمّي محبس الماء:بركة.

و البركة:ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء،قال تعالى:

لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:96،و سمّي بذلك:لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة.

و المبارك:ما فيه ذلك الخير،على ذلك وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ الأنبياء:50،تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهيّة.(44)

ابن سيدة:البركة:النّماء و الزّيادة.

و التّبريك:الدّعاء بالبركة.

و بارك اللّه الشّيء،و بارك فيه،و عليه:وضع فيه البركة،و في التّنزيل: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها النّمل:8،و قال أبو طالب بن عبد المطّلب:

بورك الميّت الغريب كما بو

رك نضح الرّمّان و الزّيتون

و قال:

*بارك فيك اللّه من ذي ألّ*

و في التّنزيل: وَ بارَكْنا عَلَيْهِ الصّافّات:113.

و قوله:بارك اللّه لنا في الموت،معناه:بارك اللّه لنا فيما يؤدّينا إليه الموت،و قول أبي فرعون:

ربّ عجوز عرمس زبون

سريعة الرّدّ على المسكين

تحسب أنّ بوركا يكفيني

إذا غدوت باسطا يميني

جعل(بورك)اسما و أعربه.و نحو منه قولهم:من شبّ إلى دبّ،جعله اسما كدرّ و برّ و أعربه.

و طعام بريك:مبارك فيه.

و ما أبركه:جاء فعل التّعجّب فيه على نيّة المفعول.

و تبارك اللّه:تقدّس و تنزّه و تعالى و تعاظم،لا تكون هذه الصّفة لغيره.

و تبارك بالشّيء:تفاءل به.

و حكى بعضهم:تباركت بالثّعلب الّذي تباركت به.

و بركت الإبل تبرك بروكا،و برّكت.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبركها هو.

و كذلك النّعامة:إذا جثمت على صدرها.

ص: 356

و البرك:جماعة الإبل الباركة.

و قيل:هي إبل أهل الحواء كلّها الّتي تروح عليهم، بالغة ما بلغت،و إن كانت ألوفا،[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:البرك يقع على جميع ما برك من جميع الجمال و النّوق على الماء أو بالفلاة من حرّ الشّمس أو الشّبع الواحد:بارك،و الأنثى:باركة.

و البركة:أن يدرّ لبن النّاقة و هي باركة فيقيمها فيحلبها،[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مبترك:معتمد على الشّيء ملحّ،قال:

و عامنا أعجبنا مقدّمه

يدعى أبا السّمح و قرضاب سمه

مبترك لكلّ عظم يلحمه

و البرك،و البركة:الصّدر.

و قيل:هو ما ولى الأرض من جلد صدر البعير إذا برك.

و قيل:البرك للإنسان،و البركة لما سوى ذلك.

و قيل:البرك الواحد،و البركة:الجمع،و نظيره حلي و حلية.

و قيل:البرك:باطن الصّدر،و البركة:ظاهره.

و البركة من الفرس:الصّدر[ثمّ استشهد بشعر]

و ابترك القوم في القتال:جثوا للرّكب و اقتتلوا و هي البروكاء،و البراكاء،[ثمّ استشهد بشعر]

و البراكاء:الثّبات في الحرب.

و يقال في الحرب:براك براك:أي ابركوا.

و بارك على الشّيء:واظب.

و ابترك في عدوه:أسرع مجتهدا.

و الاسم:البروك،قال:

*و هنّ يعدون بنا بروكا*

و قيل:ابتراك الفرس:أن ينتحي على أحد شقّيه في عدوه.

و ابترك الصّيقل على المدوس:مال عليه في أحد شقّيه.

و ابتركت السّحابة:اشتدّ انهلالها.

و ابتركت السّماء،و أبركت:دام مطرها.

و ابترك في عرض الرّجل:تنقّصه.

و البركة:الحمالة و رجالها الّذين يسعون فيها،قال:

لقد كان في ليلى عطاء لبركة

أناخت بكم ترجو الرّغائب و الرّفدا

ليلى هاهنا:أراها ثلاثمائة من الإبل،كما سمّوا المائة هندا.

و البركة:مستنقع الماء.

و البركة:شبه حوض يحفر في الأرض لا يجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض.

و البركة:الحلبة من حلب الغداة،و هي البركة، و لا أحقّها،و يسمّون الشّاة الحلوبة:بركة.

و البروك من النّساء:الّتي تزوّج و لها ولد كبير.

و البراك:ضرب من السّمك بحريّ سود المناقير.

و البركة:من طير الماء.

و الجمع:برك،و أبراك،و بركان.

و عندي:أنّ أبراكا،و بركانا:جمع الجمع.

و البرك أيضا:الضّفادع.و قد فسّر به بعضهم قول زهير:

ص: 357

*...في حافاته البرك*

و البركان:ضرب من دقّ الشّجر،واحدته:بركانة.

و قيل:هو ما كان من الحمض و سائر الشّجر لا يطول ساقه.

و البركان:من دقّ النّبت،و هو من الحمض.

و قيل:البركان:نبت ينبت قليلا بنجد في الرّمل ظاهرا على الأرض،له وريق دقاق حسن النّبات،و هو من خير الحمض،[ثمّ استشهد بشعر]

و ذو بركان:موضع،[ثمّ استشهد بشعر]

و برك:من أسماء ذي الحجّة،[ثمّ استشهد بشعر]

(7:22)

البرك:وسط الصّدر.(الإفصاح 1:81)

البركة:حبّة البركة،الحبّة السّوداء.

(الإفصاح 1:546)

البركة:طائر مائيّ صغير أبيض.الجمع:برك، و أبراك،و بركان.(الإفصاح 2:892)

البركة:أجرة الطّحّان.(الإفصاح 2:1229)

الزّمخشريّ: بارك اللّه فيه،و بارك له،و بارك عليه،و باركه.و برّك على الطّعام،و برّك فيه،إذا دعا له بالبركة.و طعام بريك،و ما أبرك هذا و أيمنه.

و ابترك الصّيقل،إذا مال على المدوس.

و ابترك الفرس في عدوه:اعتمد فيه و اجتهد، و فرس مستقدم البركة.

و في بستانه بركة مصهرجة،و فيه برك تفيض.

و من المجاز:حكّت الحرب بركها بهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و وضع عليهم الدّهر بركه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ابترك في عرض فلان يقصبه،إذا وقع فيه.

و وصف أعرابيّ أرضا خصبة،فقال:تركت كلأها كأنّه نعامة باركة.

و ابتركوا في الحرب:جثوا على الرّكب.

(أساس البلاغة:20)

المدينيّ: في حديث عليّ بن الحسين:«ابترك النّاس في عثمان».

يقال:ابترك فلان في آخر،إذا شتمه و تنقّصه.

في حديث التّشهّد: «بارك على محمّد»،أي أدم له ما أعطيته من التّشريف و نحوه،من قولهم:برك البعير، إذا استناخ في موضع فلزمه،و سمّي الصّدر بركا و بركة، لأنّ البروك عليه يكون.

و قد يريد بقوله:«بارك عليه»الزّيادة فيما هو فيه، و أصله:ما ذكرناه،لأنّ تزايد الشّيء يوجب دوام أصله.

و قد يوضع هذا القول موضع اليمن،لأنّ البركة إذا أريد بها الدّوام،فإنّما تستعمل فيما يرغب في بقائه،لا فيما يكره.

و يقولون:فلان مبارك له في جهله،إذا كان ما عرض له منه لا يزايله،فلا ينكر على هذا أن يقال للميمون:

مبارك،أي محبوب.

في الحديث ذكر«برك الغماد»بفتح الباء و كسرها و بضمّ الغين،و منهم من يكسرها،و هو موضع باليمن،قيل:هو أقصى حجر به.(1:151)

ابن الأثير: في حديث الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و بارك على محمّد و على آل محمّد»أي أثبت له و أدم

ص: 358

ما أعطيته من التّشريف و الكرامة،و هو من:برك البعير، إذا ناخ في موضع فلزمه.و تطلق البركة أيضا على الزّيادة،و الأصل الأوّل.

و في حديث أمّ سليم: «فحنّكه و برّك عليه»أي دعا له بالبركة.

و في حديث عليّ: «ألقت السّحاب برك بوانيها» البرك:الصّدر،و البواني:أركان البنية.

و في حديث علقمة: «لا تقربهم فإنّ على أبوابهم فتنا كمبارك الإبل»هو الموضع الّذي تبرك فيه،أراد أنّها تعدي،كما أنّ الإبل الصّحاح إذا أنيخت في مبارك الجربى جربت.

و في حديث الهجرة: «لو أمرتنا أن نبلغ معك بها برك الغماد»تفتح الباء و تكسر،و تضمّ الغين و تكسر،و هو اسم موضع باليمن.و قيل:هو موضع وراء مكّة بخمس ليال.(1:120)

ابن منظور :التّبريك:الدّعاء للإنسان أو غيره بالبركة،يقال:برّكت عليه تبريكا،أي قلت له:بارك اللّه عليك.(10:395)

الفيّوميّ: برك البعير بروكا،من باب قعد:وقع على بركه،و هو صدره،و أبركته أنا.و قال بعضهم:هو لغة،و الأكثر أنخته فبرك.

و المبرك،وزان جعفر:موضع البروك،و الجمع:

المبارك.

و بركة الماء:معروفة،و الجمع:برك،مثل سدرة و سدر.

و البركة وزان رطبة:طائر أبيض من طير الماء، و الجمع:برك،بحذف الهاء.

و البركة:الزّيادة و النّماء.و بارك اللّه تعالى فيه فهو مبارك،و الأصل:مبارك فيه.و جمع جمع ما لا يعقل بالألف و التّاء،و منه التّحيّات المباركات.

و البرّكان على«فعّلان»بتشديد العين:كساء معروف،و هذه لغة منقوله عن الفرّاء.

و ربّما قيل:برّكانيّ على النّسبة أيضا،و الأشهر فيه برنكان على«فعللان»وزان زعفران و عسقلان.

(1:45)

أبو حيّان: البركة:الزّيادة،و الفعل منه:بارك، و هو متعدّ،و منه أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ النّمل:8، و يضمّن معنى ما تعدّى ب«على»لقوله:«و بارك على محمّد»،و تبارك لازم.(2:523)

الفيروزآباديّ: البركة محرّكة:النّماء و الزّيادة و السّعادة.و التّبريك:الدّعاء بها،و بريك:مبارك فيه.

و بارك اللّه لك و فيك و عليك،و باركك،و بارك على محمّد و على آل محمّد:أدم له ما أعطيته من التّشريف و الكرامة.

و تبارك اللّه:تقدّس و تنزّه،صفة خاصّة باللّه تعالى، و بالشّيء:تفاءل به.

و برك بروكا و تبراكا:استناخ:كبرّك و أبركته، و ثبت و أقام.

و البرك:إبل أهل الحواء كلّها الّتي تروح عليهم، بالغة ما بلغت و إن كانت ألوفا،أو جماعة الإبل الباركة أو الكثيرة.الواحد:بارك،و هي بهاء،جمعه:بروك، و الصّدر كالبركة بالكسر.

ص: 359

و رجل مبترك:معتمد على شيء ملحّ،و كصرد:

بارك على الشّيء.

و البركة بالكسر:أن يدرّ لبن النّاقة و هي باركة فيقيمها فيحلبها،و ما ولي الأرض من جلد صدر البعير، كالبرك بالفتح.

أو جمع البرك كحلية و حلي،أو البرك للإنسان، و البركة بالكسر لما سواه،أو البرك:باطن الصّدر، و البركة ظاهره.

و الحوض كالبرك بالكسر أيضا،جمعه:كعنب.

و نوع من البروك،و الشّاة الحلوبة،و الاثنتان:

بركتان،جمعه:بركات.

و مستنقع الماء،و الحلبة من حلب الغداة و قد تفتح، و برد يمنيّ.

و بالضّمّ:طائر مائيّ صغير أبيض،جمعه:كصرد، و أصحاب و رغفان،و يكسر،و الضّفادع و الحمالة،أو رجالها الّذين يسعون و يتحمّلونها،و الجماعة من الأشراف،و ما يأخذه الطّحّان على الطّحن،و الجماعة يسألون في الدّية و يثلّث.

و بركة الأردنيّ بالضّمّ روي عن مكحول،و بركة المجاشعيّ محرّكة تابعيّ.

و ابتركوا:جثوا للرّكب فاقتتلوا،و هي البروكاء كجلولاء و البراكاء،و في العدو أسرعوا مجتهدين، و الاسم:البروك.

و الصّيقل:مال على المدوس،و السّحابة:اشتدّ انهلالها،و السّماء:دام مطرها كبركت،و في عرضه و عليه:تنقّصه و شتمه.

و كصبور:امرأة تزوّج و لها ولد كبير،و بالضّمّ:

الخبيص،و الاسم منه:البريكة.أو البريك:الرّطب يؤكل بالزّبد،و ككتاب:سمك له مناقير،جمعها:برك بالضّمّ.

و برك بروكا:اجتهد،و كقطام:أي ابركوا.

و البراكيّة كغرابيّة:ضرب من السّفن.و البركان بالكسر:شجر أو الحمض،أو كلّ ما لا يطول ساقه،أو نبت ينبت بنجد،أو من دقّ النّبت،و الواحدة بهاء.أو جمع،و واحده:برك كصرد و صردان،و يقال للكساء الأسود:البرّكان و البرّكانيّ مشدّدتين،و البرنكان كزعفران.

و بارك عليه:واظب.و تبرّك به:تيمّن.

و البروكة كقسورة:القنفذة،و المبركة كمحسنة:

اسم النّار،و البورك بالضّمّ:البورق.(3:303)

الجزائريّ:البركة:هي الزّيادة و النّماء من حيث لا يوجد بالحسّ ظاهرا،فإذا عهد من الشّيء-هذا المعنى خافيا عن الحسّ-قيل:هذه بركة.

قيل:و اشتقاقها من«البروك»و هو اللّزوم و الثّبوت،لثبوتها في الشّيء.و يوصف لها كلّ شيء لزمه و ثبت فيه خير إلهيّ.

و ليس لضدّها اسم معروف،فلذلك يقال فيه:قليل البركة،و لا يسند فعل البركة إلاّ إلى اللّه،فلا يقال:بارك زيد في الشّيء،و إنّما يقال:بارك اللّه فيه.و إلى هذه الزّيادة أشير بما روي،أنّه:«لا ينقص مال من صدقة» لا إلى النّقصان المحسوس.

فإذن كلّ بركة زيادة،و ليس كلّ زيادة بركة(58)

ص: 360

محمّد إسماعيل إبراهيم: بارك الرّجل:دعا له بالبركة،و هي الخير و النّماء،و البركات:الخيرات.

و بارك اللّه لك و فيك و عليك و حولك:جعلك مباركا و فيك الخير.

و بارك اللّهمّ على سيّدنا محمّد:أدم له ما أعطيته من التّشريف و التّمجيد و الكرامة.

و تبارك اللّه:تقدّس و تعالى قدره و شأنه،و تزايد تنزيهه عن كلّ نقص،و ازدادت بركاته و نعمه.

و لا يستعمل هذا الفعل إلاّ للّه وحده.

و المبارك:الكثير الخير و النّفع.

و بورك من في النّار:قدّس و طهّر و اختير للرّسالة من في النّار.(1:66)

محمود شيت: 1-أ-برك البعير بروكا و تبراكا:

وقع على بركه.

و برك:أناخ في موضع فلزمه.و برك:ثبت و أقام.

و برك للقتال بركا:جثا على ركبتيه.

ب-أبرك في عدوه:أسرع فيه مجتهدا.و أبرك البعير:أناخه.

ج-بارك على الشّيء:واظب.و بارك اللّه الشّيء و فيه و عليه:جعل فيه الخير و البركة.

د-تبارك:ارتفع.و تبارك اللّه:تقدّس و تنزّه.

و تبارك به:تفاءل و تيمّن.

ه-البراكاء:ساحة القتال،و البراكاء:الثّبات و الجدّ في الحرب.

و-البركة:النّماء و الزّيادة،و البركة:السّعادة.

ز-البركة:مستنقع الماء.

ح-مبرك:اسم مكان من برك،الجمع:مبارك.

2-البروك:وضع من أوضاع تدريب الجنديّ.

و السّتر البارك:ستر لتدريب الجنود وراءه على الرّمي في وضع البروك.(1:81)

مجمع اللّغة:1-البركة:الخير و النّماء،و جمعها:

بركات.

و بارك اللّه الشّيء و فيه و عليه و حوله:جعل فيه الخير و النّماء،و اسم المفعول:مبارك،و مؤنّثه:مباركة.

2-و تبارك اللّه:تقدّس و تنزّه،أو كثر خيره الحسّيّ أو المعنويّ.(1:93)

المصطفويّ: [قاموس عبريّ-عربيّ]

:بارك:ركع،سجد،برك:أحنى الرّكبة.

:برك-بارك:مجّد،رحّب،حنّأ،هنّأ.

:براكاه-مباركة،تهنئة،تحيّة،تسبيح.

و الظّاهر من هذه الكلمات و من موارد الاستعمال، أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الفضل و الفيض و الخير و الزّيادة،مادّيّا كان أو معنويّا.

فالمبارك:ما فيه الخير،و يكون متعلّقا للفيض و الفضل.و البركة:الخير و الفضل و الزّيادة.و البركة:

زيادة و خير مخصوص،و اختصّ بنوع معيّن من مجمع الماء.

و البرك:من أخصّ مصاديق الزّيادة و الخير،و هو صدر البعير،فإنّ الصّدر مقدّم البدن،و لا سيّما في مقام إظهار التّشخّص و الوجود و الشّجاعة،و في البعير في مقام القيام و القعود أيضا،و كان البعير أكبر وسيلة للحياة و التّعيّش في الأراضي العربيّة.

ص: 361

و البروك:ثبوت البعير و نزوله و قعوده،و هو في الحقيقة استناخة مصداق جليّ من الخير و الفضل في مقام.

و لمّا كان«فاعل»تدلّ على طول النّسبة و امتدادها، فكلمة بارك تدلّ على امتداد البركة و استمرارها.كما أنّ صيغة«تفاعل»تدلّ على قبول نسبة«فاعل»أي الوفاق و انطباق النّسبة و تحقّقها.فكلمة«تبارك»تدلّ على تحقّق امتداد البركة،كقولنا:باعد،أي أطال البعد و امتدّ بعده،و تباعد:طال و امتدّ البعد.و القبول يلازم اللّزوم، و مقتضى اللّزوم الاكتفاء بالفاعل،و عدم الحاجة إلى المفعول،و لذا يقال:تباعد زيد و عمرو.(1:242)

النّصوص التّفسيريّة

بارك

وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها...

فصّلت:10

ابن عبّاس: في الأرض بالماء و الشّجر و النّبات و الثّمار.(تنوير المقباس:401)

يريد:شقّ الأنهار،و خلق الجبال،و خلق الأشجار و الثّمار،و خلق أصناف الحيوانات،و كلّ ما يحتاج إليه من الخيرات.(الفخر الرّازيّ 27:102)

السّدّيّ: أنبت شجرها.(الطّبريّ 24:95)

بأن أنبت شجرها من غير غرس،و أخرج نبتها من غير زرع و بذر،و أودعها ممّا ينتفع به العباد.

(الطّبرسيّ 5:5)

ابن جريج: أودعها منافع أهلها.

(الماورديّ 5:170)

الطّبريّ: و بارك في الأرض،فجعلها دائمة الخير لأهلها.(24:95)

الطّوسيّ: بما خلق فيها من المنافع.(9:108)

مثله الطّبرسيّ(5:5)،و القرطبيّ(15:342).

البغويّ:أي في الأرض بما خلق فيها من البحار و الأنهار و الأشجار و الثّمار.(4:126)

نحوه الشّربينيّ.(3:505)

ابن عطيّة: أي جعلها منبتة للطّيّبات و الأطعمة، و جعلها طهورا،إلى غير ذلك من وجوه البركة.(5:6)

ابن الجوزيّ: بالأشجار و الثّمار و الحبوب و الأنهار.و قيل:البركة فيها:أن ينمى فيها الزّرع، فتخرج الحبّة حبّات،و النّواة نخلة.(7:244)

الفخر الرّازيّ: و البركة:كثرة الخير،و الخيرات الحاصلة من الأرض أكثر ممّا يحيط به الشّرح و البيان.

(27:102)

البيضاويّ: و أكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النّبات و الحيوانات.(2:344)

النّسفيّ: بالماء و الزّرع و الشّجر و الثّمر.

(4:88)

النّيسابوريّ: بالحواسّ الخمسة.(24:61)

الخازن: أي في الأرض بكثرة الخيرات الحاصلة فيها،و هو ما خلق فيها من البحار و الأنهار و الأشجار و الثّمار،و خلق أصناف الحيوانات،و كلّ ما يحتاج إليه.

(6:88)

ص: 362

ابن كثير: أي جعلها مباركة قابلة للخير و البذر و الغراس.(6:164)

السّيوطيّ: بكثرة المياه و الزّروع و الضّروع.

(الجلالين 2:344)

مثله شبّر.(5:367)

أبو السّعود: أي قدّر أن يكثر خيرها،بأن يخلق أنواع الحيوانات الّتي من جملتها الإنسان،و أصناف النّبات الّتي منها معايشهم.(5:436)

نحوه البروسويّ(8:233)،و الآلوسيّ(24:

100)،و طه الدّرّة(12:650)،و عبد المنعم الجمّال.

(4:2760).

سيّد قطب: وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها و قد كانت هذه الفقرة تنقل إلى أذهان أسلافنا صورة الزّرع النّامي في هذه الأرض،و بعض ما خبّأه اللّه في جوف الأرض من معادن نافعة،كالذّهب و الفضّة و الحديد و ما إليها.

فأمّا اليوم بعد ما كشف اللّه للإنسان أشياء كثيرة من بركته في الأرض،و من أقواتها الّتي خزنها فيها على أزمان طويلة،فإنّ مدلول هذه الفقرة يتضاعف في أذهاننا.

و قد رأينا كيف تعاونت عناصر الهواء فكوّنت الماء، و كيف تعاون الماء و الهواء و الشّمس و الرّياح فكوّنت التّربة الصّالحة للزّرع،و كيف تعاون الماء و الشّمس و الرّياح فكوّنت الأمطار.

أصل الماء العذب كلّه من أنهار ظاهرة و أنهار باطنة، تظهر في شكل ينابيع و عيون و آبار و هذه كلّها من أسس البركة و من أسس الأقوات.و هناك الهواء،و من الهواء أنفاسنا و أجسامنا.

إنّ الأرض كرة تلفّها قشرة من صخر،و تلفّ أكثر الصّخر طبقة من ماء،و تلفّ الصّخر و الماء جميعا طبقة من هواء،و هي طبقة من غاز سميكة كالبحر لها أعماق.

و نحن بني الإنسان،و الحيوان،و النّبات،نعيش في هذه الأعماق،هانئين بالّذي فيها.

فمن الهواء نستمدّ أنفاسنا من أكسجينة.و من الهواء يبني النّبات جسمه من كربونه،بل من أكسيد كربونه، ذلك الّذي يسمّيه الكيمياويّون ثاني أكسيد الكربون، يبني النّبات جسمه من أكسيد الفحم هذا.و نحن نأكل النّبات،و نأكل الحيوان الّذي يأكل النّبات،و من كليهما نبني أجسامنا.

بقي من غازات الهواء النّتروجين،أي الأزوت، فهذا لتخفيف الأكسيجين حتّى لا نحترق بأنفاسنا.و بقي بخار الماء،و هذا لترطيب الهواء.و بقيت طائفة من غازات أخرى،توجد فيه بمقادير قليلة هي في غير ترتيب:الأرجون،و الهليوم،و النّيون،و غيرها،ثمّ الإدروجين،و هذه تخلّفت-على الأكثر-في الهواء من بقايا خلقة الأرض الأولى.

و الموادّ الّتي نأكلها و الّتي ننتفع بها في حياتنا و الأقوات،أوسع ممّا يؤكل في البطون،كلّها مركّبات من العناصر الأصليّة الّتي تحتويها الأرض في جوفها،أو في جوّها سواء.

و على سبيل المثال:هذا السّكر ما هو؟إنّه مركّب من الكربون و الإيدروجين و الأكسيجين.و الماء علمنا

ص: 363

تركيبه من الإدروجين و الأكسيجين،و هكذا كلّ ما نستخدمه من طعام أو شراب أو لباس أو أداة؛إن هو إلاّ مركّب من بين عناصر هذه الأرض المودعة فيها.

فهذا كلّه يشير إلى شيء من البركة،و شيء من تقدير الأقوات،في أربعة أيّام.فقد تمّ هذا في مراحل زمنيّة متطاولة،هي أيّام اللّه،الّتي لا يعلم مقدارها إلاّ اللّه.(5:3113)

الطّباطبائيّ: أي جعل فيها الخير الكثير الّذي ينتفع به ما على الأرض من نبات و حيوان و إنسان،في حياته أنواع الانتفاعات.(17:363)

عبد الكريم الخطيب: إشارة إلى توالد الأحياء على الأرض،و تكاثرها بما توالد فيها من عوالم النّبات و الحيوان و الإنسان.فهذا من بركة اللّه سبحانه و تعالى على هذه الأرض.(12:1291)

الحجازيّ: أي قدّر سبحانه أن يكثر خيرها، و يزداد نفعها من نبات و حيوان و أنهار و معادن،و قوى خفيّة فيها سيظهرها علاّم الغيوب على أيدي سكّان تلك المعمورة.(24:49)

باركنا

1- وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها... الأعراف:137

ابن عبّاس: في بعضها بالماء و الشّجر.

(تنوير المقباس:136)

اللّيث: هي[الأرض]مصر،بارك اللّه فيها بما يحدث عن نيلها من الخيرات،و كثرة الحبوب و الثّمرات.(أبو حيّان 4:376)

الطّبريّ: يقول:الّتي جعلنا فيها الخير ثابتا دائما لأهلها.(9:43)

الطّوسيّ: يعني بإخراج الزّروع و الثّمار،و سائر صنوف النّبات و الأشجار،إلى غير ذلك من العيون و الأنهار،و ضروب المنافع للعباد.

و قيل: بارَكْنا فِيها بالخصب الّذي حصل فيها.(4:559)

نحوه الطّبرسيّ.(2:470)

البغويّ: بالماء و الأشجار و الثّمار و الخصب و السّعة.(2:226)

الزّمخشريّ: بالخصب و سعة الأرزاق.(2:109)

نحوه البيضاويّ(1:366)،و النّسفيّ(2:73)، و الخازن(2:299)،و ابن جزّيّ(2:43)،و القاسميّ (7:2844)،و رشيد رضا(9:79)،و المراغيّ(9:

48).

الفخر الرّازيّ: المراد:باركنا فيها بالخصب و سعة الأرزاق،و ذلك لا يليق إلاّ بأرض الشّام.(14:221)

مثله النّيسابوريّ(9:37)،و الشّربينيّ(1:510)

القرطبيّ: أي بإخراج الزّروع و الثّمار و الأنهار.

(7:272)

أبو حيّان: بالخصب و الأنهار و كثرة الأشجار و طيب الثّمار.

و قيل:البركة بأقدام الأنبياء و كثرة مقامهم بها و دفنهم فيها،و هذا يتخرّج على من قال:أرض الشّام.

و قيل(باركنا):جعلنا الخير فيها دائما ثابتا،و هذا

ص: 364

يشير إلى أنّها مصر.(4:376)

السّيوطيّ: اَلَّتِي بارَكْنا فِيها بالماء و الشّجر صفة للأرض،و هي الشّام.(الجلالين 1:366)

أبو السّعود: أي بالخصب و سعة الأرزاق،صفة للمشارق و المغارب،و قيل:للأرض.و فيه ضعف للفصل بين الصّفة و الموصوف بالمعطوف،كما في قولك:

قام أمّ هند و أبوها العاقلة.(3:23)

الكاشانيّ: بالخصب و العيش.(2:231)

شبّر:بإخراج الزّروع و الثّمار،و صنوف النّباتات و الأشجار،و العيون و الأنهار،و هي أرض مصر أو الشّام أو أرضهما.ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة و العمالقة،و تمكّنوا في نواحيها.(2:408)

نحوه النّهاونديّ.(2:40)

الطّباطبائيّ: إنّ اللّه سبحانه لم يذكر بالبركة غير الأرض المقدّسة،الّتي هي نواحي فلسطين،إلاّ ما وصف به الكعبة المباركة.(8:228)

طه الدّرّة: أي بكثرة الثّمار و الزّروع و الخصب و السّعة،هذا قول المفسّرين.و أرى أنّ البركة حلّت فيها من وجود الأنبياء،و تناسلهم و دفنهم فيها.

(5:61)

2- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ...

الإسراء:1

ابن عبّاس: بالماء و الأشجار و الثّمار.(233)

مجاهد: جعلنا البركة فيما حوله،بأن جعلناه مقرّ الأنبياء و مهبط الملائكة.(الطّبرسيّ 3:396)

الفرّاء: بالثّمار و الأنهار.(2:115)

مثله السّيوطيّ(الجلالين 1:576)،و البغويّ(3:

260)،و ابن كثير(4:238)،و الشّربينيّ(2:274).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:الّذي جعلنا حوله البركة لسكّانه،في معايشهم و أقواتهم و حروثهم و غروسهم.(15:17)

مثله المراغيّ.(15:4)

الزّجّاج: أجرى اللّه حول بيت المقدس الأنهار و أنبت الثّمار،فذلك معنى بارَكْنا حَوْلَهُ.

(3:225)

نحوه النّحّاس(4:119)،و ابن الجوزيّ(5:5).

الطّوسيّ: يعني بالثّمار و مجاري الأنهار.و قيل:

بارَكْنا حَوْلَهُ: بمن جعلنا حوله من الأنبياء و الصّالحين،و لذلك جعله مقدّسا.(6:447)

نحوه الخازن.(4:104)

الميبديّ: إنّ تلك الأرض المباركة هي الأرض المقدّسة،و إنّما سمّيت المقدّسة لكثرة ما قدّست بالوحي.

و طهارتها و قدسها و البركة الّتي فيها لكونها منازل الأنبياء و مقابرهم و مهبط الوحي،و مقامات العابدين و مساكن الصّالحين.

و قيل: بارَكْنا حَوْلَهُ بالمياه و الأشجار و الثّمار، و جعلنا فيه السّعة في الرّزق،و الرّخص في السّعر، فلا يحتاج إلى جلب الميرة.

و يقال:إنّ كلّ ماء عذب في الأرض يخرج من أصل

ص: 365

الصّخرة الّتي في بيت المقدس،يهبط من السّماء إليها،ثمّ يتفرّق في الأرض،فذلك قوله: بارَكْنا فِيها.

و عن عبادة بن الصّامت قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

صخرة بيت المقدس على نخيل من نخيل الجنّة،و تلك النّخلة على نهر من أنهار الجنّة،على ذلك النّهر آسية بنت مزاحم و مريم بنت عمران تنظّمان حليّ أهل الجنّة إلى يوم القيامة.

و قيل:تقديره:باركنا ما حوله من قرى الشّام و كفورها.(5:481)

الزّمخشريّ: يريد بركات الدّين و الدّنيا،لأنّه معبد الأنبياء من وقت موسى،و مهبط الوحي،هو محفوف بالأنهار الجارية و الأشجار المثمرة.(2:437)

نحوه البيضاويّ(1:576)،و النّسفيّ(2:306)، و النّيسابوريّ(15:6)،و أبو السّعود(4:110)، و البروسويّ(5:105).

ابن عطيّة: البركة حوله هي من جهتين:

إحداهما:النّبوءة و الشّرائع و الرّسل الّذين كانوا في ذلك القطر،و في نواحيه و بواديه.

و الأخرى:النّعم من الأشجار و المياه و الأرض المفيدة الّتي خصّ اللّه الشّام بها.

و روي عن النّبيّ عليه السّلام أنّه قال: «إنّ اللّه بارك فيما بين العريش إلى الفرات،و خصّ فلسطين بالتّقديس».

(3:436)

نحوه الفخر الرّازيّ(20:146)،و القرطبيّ(10:

212)،و ابن جزّيّ(2:166)،و أبو حيّان(6:6)، و شبّر(4:7)،و النّهاونديّ(2:423).

الطّبرسيّ: أي جعلنا البركة فيما حوله من الأشجار و الأثمار و النّبات و الأمن و الخصب،حتّى لا يحتاجوا إلى أن يجلب إليهم من موضع آخر.

و قيل: بارَكْنا حَوْلَهُ أي جعلنا البركة فيما حوله، بأن جعلناه مقرّ الأنبياء و مهبط الملائكة،عن مجاهد، و بذلك صار مقدّسا عن الشّرك،لأنّه لمّا صار معبدا للأنبياء و دار مقام لهم تفرّق المشركون عنهم،فصار مطهّرا من الشّرك.و التّقديس:التّطهير،فقد اجتمع فيه بركات الدّين و الدّنيا.(3:396)

الآلوسيّ: قوله سبحانه: اَلَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ صفة مدح،و فيها إزالة اشتراك عارض،و بركته بما خصّ به من كونه معبد الأنبياء عليهم السّلام،و قبلة لهم،و كثرة الأنهار و الأشجار حوله.

و في الحديث: «أنّه تعالى بارك فيما بين العريش إلى الفرات،و خصّ فلسطين بالتّقديس».

و قيل:بركته أن جعل سبحانه مياه الأرض كلّها تنفجر من تحت صخرته،و اللّه تعالى أعلم بصحّة ذلك.(15:11)

القاسميّ: قال الشّيرازيّ في«عرائس البيان»:

كان بداية المعراج الذّهاب إلى الأقصى،لأنّ هناك الآيات الكبرى من أنوار تجلّيه تعالى لأرواح الأنبياء و أشباحهم.و هناك بقربه طور سينا و طور زيتا و مقام إبراهيم و موسى و عيسى في تلك الجبال،مواضع كشوف الحقّ،لذلك قال: بارَكْنا حَوْلَهُ، انتهى.

و الالتفات في(باركنا)لتعظيم ما ذكر،لأنّ فعل العظيم يكون عظيما،لا سيّما إذا عبّر عنه بصيغة التّعظيم،

ص: 366

و النّكتة العامّة تنشيط السّامعين.(10:3886)

سيّد قطب: وصف المسجد الأقصى بأنّه اَلَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ وصف يرسم البركة حافّة بالمسجد، فائضة عليه،و هو ظلّ لم يكن ليلقيه تعبير مباشر،مثل:

باركناه،أو باركنا فيه؛و ذلك من دقائق التّعبير القرآنيّ العجيب.(4:2212)

3- وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ. الأنبياء:71

أبيّ بن كعب: الشّام،و ما من ماء عذب إلاّ خرج من تلك الصّخرة الّتي ببيت المقدس.

(الطّبريّ 17:46)

ابن عبّاس: بالماء و الشّجر،و هي المقدس و فلسطين و الأردن.(تنوير المقباس:273)

يعني مكّة،و نزول إسماعيل البيت،أ لا ترى أنّه يقول: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ آل عمران:96.(الطّبريّ 17:47)

أبو العالية: ليس ماء عذب إلاّ يهبط إلى الصّخرة الّتي ببيت المقدس،ثمّ يتفرّق في الأرض.

(الطّبريّ 17:47)

الطّبريّ: قد اختلف أهل التّأويل في الأرض الّتي ذكر اللّه أنّه نجّى إبراهيم و لوطا إليها،و وصفه أنّه بارك فيها للعالمين فقال بعضهم بنحو الّذي قلنا في ذلك.

و قال آخرون: بل يعني مكّة،و هي الأرض الّتي قال اللّه تعالى: اَلَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ.

و إنّما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك،لأنّه لا خلاف بين جميع أهل العلم:أنّ هجرة إبراهيم من العراق كانت إلى الشّام،و بها كان مقامه أيّام حياته،و إن كان قد كان قدم مكّة،و بنى بها البيت،و أسكنها إسماعيل ابنه مع أمّه هاجر،غير أنّه لم يقم بها،و لم يتّخذها وطنا لنفسه،و لا لوط.و اللّه إنّما أخبر عن إبراهيم و لوط،أنّهما أنجاهما إلى الأرض الّتي بارك فيها للعالمين.(17:47)

الطّوسيّ: إنّما جعلها مباركة،لأنّ أكثر الأنبياء بعثوا منها،فلذلك كانت مباركة.

و قيل:لما فيها من كثرة الأشجار و الثّمار.

(7:264)

البغويّ: يعني الشّام،بارك اللّه فيها بالخصب و كثرة الأشجار و الثّمار و الأنهار،و منها بعث أكثر الأنبياء.(3:296)

نحوه الخازن(4:244)،و أبو حيّان(6:329)، و الشّربينيّ(2:512)،و الميبديّ(6:269).

الزّمخشريّ: بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ بركاته الواصلة إلى العالمين؛أنّ أكثر الأنبياء عليهم السّلام بعثوا فيه، فانتشرت في العالمين شرائعهم و آثارهم الدّينيّة،و هي البركات الحقيقيّة.

و قيل:بارك اللّه فيه بكثرة الماء و الشّجر و الثّمر و الخصب،و طيب عيش الغنيّ و الفقير.(2:578)

نحوه ابن الجوزيّ(5:368)،و الفخر الرّازيّ(22:

190)،و القرطبيّ(11:305)،و البيضاويّ(2:77)، و النّسفيّ(3:84)،و النّيسابوريّ(17:42)، و أبو السّعود(4:348)،و الكاشانيّ(3:344)،

ص: 367

و البروسويّ(5:500)،و المراغيّ(17:52)، و النّهاونديّ(3:117)،و الحجازيّ(17:25).

ابن عطيّة: اختلف النّاس في الأرض الّتي بورك فيها،و لجأ إليها إبراهيم و لوط عليهما السّلام،فقالت فرقة:هي مكّة،و ذكروا قول اللّه تعالى: لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً آل عمران:96.

و قال الجمهور: من أرض الشّام،و هي الأرض الّتي بارك فيها،أمّا من جهة الآخرة فبالنّبوءة،و أمّا من جهة الدّنيا ففي أطيب بلاد اللّه أرضا،أعذبها ماء،و أكثرها ثمرة،و نعمة،و هو الموضع المعروف بسكنى إبراهيم و عقبه.(4:89)

الآلوسيّ: وصفها بعموم البركة،لأنّ أكثر الأنبياء عليهم السّلام بعثوا فيها،و انتشرت في العالم شرائعهم الّتي هي مبادئ الكمالات و الخيرات الدّينيّة و الدّنيويّة.

و لم يقل:«الّتي باركناها»للمبالغة بجعلها محيطة بالبركة.

و قيل:المراد بالبركات:النّعم الدّنيويّة من الخصب و غيره.و الأوّل أظهر و أنسب بحال الأنبياء عليهم السّلام.

(17:70)

القاسميّ: هي أرض الشّام،بورك فيها بكثرة الأنبياء،و إنزال الشّرائع الّتي هي طريق السّعادتين، و بكثرة النّعم و الخصب و الثّمار،و طيب عيش الغنيّ و الفقير.و قد نزل إبراهيم عليه السّلام بفلسطين،و لوط عليه السّلام بسدوم.

ثمّ بيّن بركته تعالى على إبراهيم بقوله: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ الأنبياء:

72.(11:4268)

سيّد قطب: هي أرض الشّام الّتي هاجر إليها هو و ابن أخيه لوط،فكانت مهبط الوحي فترة طويلة، و مبعث الرّسل من نسل إبراهيم.و فيها الأرض المقدّسة، و ثاني الحرمين،و فيها بركة الخصب و الرّزق،إلى جانب بركة الوحي و النّبوّة جيلا بعد جيل.(4:2388)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(17:25)

المصطفويّ: أي أطلنا الخير و الفضل و البركة فيها.(1:244)

4- وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ... الأنبياء:81

أبيّ بن كعب: سمّاها مباركة،لأنّه ما من ماء عذب إلاّ و ينبع أصله من تحت الصّخرة الّتي هي ببيت المقدس.(الميبديّ 6:270)

قتادة: ما نقص من الأرض زيد في أرض الشّام، و ما نقص من الشّام زيد في فلسطين،و كان يقال:هي أرض المحشر و المنشر.و كانت تجري بسليمان و أصحابه إلى حيث شاء.(الماورديّ 3:460)

الماورديّ: هي أرض الشّام،و في بركتها ثلاثة أقاويل:

أحدها:بمن بعث فيها من الأنبياء.

الثّاني:أنّ مياه أنهار الأرض تجري منها.

الثّالث:بما أودعها اللّه من الخيرات.(3:460)

البغويّ: يعني الشّام،و ذلك أنّها كانت تجري لسليمان و أصحابه حيث شاء سليمان،ثمّ يعود إلى منزله بالشّام.(3:301)

ص: 368

مثله الخازن.(4:248)

الميبديّ: يعني الشّام،بارك اللّه فيها بالخصب، و كثرة الأشجار و الثّمار و الأنهار،و منها بعث أكثر الأنبياء.(6:269)

ابن عطيّة: اختلف النّاس فيها،فقالت فرقة:هي أرض الشّام،و كانت مسكنه و موضع ملكه،و خصّص في هذه الآية انصرافه في سفراته إلى أرضه،لأنّ ذلك يقتضي سيره إلى المواضع الّتي سافر إليها،و البركة في أرض الشّام بيّنة الوجوه.(4:93)

ابن الجوزيّ: فيها قولان:

أحدهما:أنّها أرض الشّام،و هذا قول الأكثرين.

و بركتها:أنّ اللّه عزّ و جلّ بعث أكثر الأنبياء منها،و أكثر فيها الخصب و الثّمار و الأنهار.

و الثّاني:أنّها مكّة،رواه العوفيّ عن ابن عبّاس، و الأوّل أصحّ.(5:368)

النّسفيّ: بكثرة الأنهار و الأشجار و الثّمار، و المراد:الشّام،و كان منزله بها،و تحمله الرّيح من نواحي الأرض إليها.(3:86)

النّيسابوريّ: أي بالخصب و سعة الأرزاق،أو بالمنافع الدّينيّة،لأنّ أكثر الأنبياء بعثوا فيها.

و قيل:ما من ماء أرض عذب إلاّ و ينبع أصله من تحت صخرة بيت المقدس.(17:42)

أبو حيّان:وصفت بالبركة،لأنّه إذا حلّ أرضا أصلحها بقتل كفّارها و إثبات الإيمان فيها و بثّ العدل، و لا بركة أعظم من هذا.و الظّاهر أنّ اَلَّتِي بارَكْنا صفة للأرض.

و قال منذر بن سعيد:الكلام تامّ عند قوله:(الى الارض)،و اَلَّتِي بارَكْنا فِيها صفة للرّيح،ففي الآية تقديم و تأخير،يعني أنّ أصل التّركيب:و لسليمان الرّيح الّتي باركنا فيها عاصفة تجري بأمره إلى الأرض.

(6:332)

5- وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ... سبأ:18

راجع«ق ر ي»

6- وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ. الصّافّات:113

ابن عبّاس: بالثّناء الحسن و الذّرّيّة الطّيّبة.

(تنوير المقباس:378)

الطّوسيّ: يعني على يعقوب و على إسحاق، و خلق من ذرّيّتهما الخلق الكثير.(8:521)

البغويّ: أي على إبراهيم في أولاده(و على اسحاق)بكون أكثر الأنبياء من نسله.(4:39)

نحوه الخازن(6:25)،و البيضاويّ(2:298).

الزّمخشريّ: و قرئ: (و بركنا) أي أفضنا عليهما بركات الدّين و الدّنيا،كقوله: آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ العنكبوت:27.

(3:351)

نحوه النّسفيّ(4:27)،و النّيسابوريّ(23:66)، و البروسويّ(7:479).

الطّبرسيّ:أي و جعلنا فيما أعطينا هما من الخير

ص: 369

و البركة،يعني النّماء و الزّيادة،و معناه:و جعلنا ما أعطيناهما من الخير دائما ثابتا ناميا.

و يجوز أن يكون أراد كثرة ولدهما،و بقاءهم قرنا بعد قرن إلى أن تقوم السّاعة.(4:454)

ابن الجوزيّ: يعني بكثرة ذرّيّتهما،و هم الأسباط كلّهم.(7:78)

الفخر الرّازيّ: في تفسير هذه البركة وجهان:

الأوّل:أنّه تعالى أخرج جميع أنبياء بني إسرائيل من صلب إسحاق.

و الثّاني:أنّه أبقى الثّناء الحسن على إبراهيم و إسحاق إلى يوم القيامة،لأنّ البركة عبارة عن الدّوام و الثّبات.(26:159)

القرطبيّ: أي ثنّينا عليهما النّعمة.(15:112)

نحوه طه الدّرّة.(12:194)

أبو حيّان: أفضنا عليهما بركات الدّين و الدّنيا، و بأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه.(7:372)

نحوه أبو السّعود(5:336)،و شبّر(5:262)، و الكاشانيّ(4:280)،و الطّنطاويّ(18:21).

الشّربينيّ: أي على إبراهيم عليه السّلام بتكثير ذرّيّته، وَ عَلى إِسْحاقَ بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل،و غيرهم كأيّوب و شعيب عليهم السّلام،فجميع الأنبياء بعده من صلبه إلاّ نبيّنا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه من ذرّيّة اسماعيل عليه السّلام.

و فيه إشارة إلى أنّه مفرد علم،فهو صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام.(3:388)

القاسميّ: أي على إبراهيم، وَ عَلى إِسْحاقَ أي بتكثير الذّرّيّة و تسلسل النّبوّة فيهم،و جعلهم ملوكا، و إيتائهم ما لم يؤت أحد.(14:5052)

المراغيّ: أي و أفضنا عليهما بركات الدّنيا و الآخرة،فكثّرنا نسلهما،و جعلنا منه أنبياء و رسلا، و طلبنا من المسلمين في صلواتهم أن يدعوا لهم بالبركة، فيقولوا:اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد،و بارك على محمّد و على آل محمّد،كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين.(23:76)

الطّباطبائيّ: المباركة على شيء:جعل الخير و النّماء و الثّبات فيه،أي و جعلنا فيما أعطينا إبراهيم و إسحاق الخير الثّابت و النّماء.

و يمكن أن يكون قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما إلخ قرينة على أنّ المراد بقوله: بارَكْنا إعطاء البركة و الكثرة في أولاده و أولاد إسحاق،و الباقي ظاهر.(17:154)

عبد الكريم الخطيب: أي و جعلنا البركة مشتملة عليه و على إسحاق،و ذلك بتكثير نسلهما و جعل النّبوّة و الكتاب في ذرّيّتهما.

و قد يسأل سائل:لما ذا لم تكن هذه البركة عامّة شاملة في ذرّيّة هذين النّبيّين المباركين،إلى يوم الدّين؟

و الجواب:أنّ ذلك لو كان لرفع التّكليف عن كلّ من ولد لهذين النّبيّين،و عمّن ولد لذرّيّتهما،و ذرّيّة ذرّيّتهما، إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.

و هذا ما لا يدخل على حكمة اللّه،فيما قضى به في عباده من ابتلاء،ليميّز اللّه الخبيث من الطّيّب.

(12:1009)

المصطفويّ:فهو مورد للفضل و التّوجّه

ص: 370

و الفيوضات الرّبّانيّة.(1:244)

بورك

فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها وَ سُبْحانَ اللّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. النّمل:8

ابن عبّاس: بوركت النّار و من حولها من الملائكة.

(تنوير المقباس:316)

(بورك):قدّس.(الطّبريّ 19:133)

مثله السّيوطيّ.(2:35)

مجاهد :بوركت النّار.(الطّبريّ 19:134)

الفرّاء: تجعل(ان)في موضع نصب،إذا أضمرت اسم موسى في(نودى)،و إن لم تضمر اسم موسى كانت (ان)في موضع رفع:نودي ذلك.

و في حرف أبيّ:(ان بوركت النّار و من حولها)يعني الملائكة.و العرب تقول:باركك اللّه و بارك فيك و بارك عليك.(2:286)

الطّوسيّ: قوله: أَنْ بُورِكَ يحتمل أن يكون نصبا على:نودي موسى بأن بورك،و يحتمل الرّفع على:

نودي البركة،و البركة:ثبوت الخير النّامي بالشّيء.

(8:77)

البغويّ: يعني بورك على من في النّار،أو فيمن في النّار.و العرب تقول:باركه اللّه،و بارك فيه،و بارك عليه،بمعنى واحد.

و قال قوم: البركة راجعة إلى موسى و الملائكة، معناه بورك في من طلب النّار،و هو موسى عليه السّلام، وَ مَنْ حَوْلَها و هم الملائكة الّذين حول النّار،و معناه بورك فيك يا موسى و في الملائكة الّذين حول النّار.

و هذا تحيّة من عند اللّه عزّ و جلّ لموسى بالبركة،كما حيّا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه، فقالوا: رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود:

73.(3:490)

الميبديّ: قيل:(بورك)أي جعل فيه البركة و الخير،بمعنى تبارك،و هذا كلام يجري مجرى الدّعاء، و حقيقته يرجع إلى الخير.و فيه أربع لغات:باركك اللّه، و بارك فيك،و بارك عليك،و بارك لك.

و قيل:معناه بورك من في النّار نوره.و قيل:(من) صلة،و التّقدير:بوركت النّار و من حولها،و هو قراءة أبيّ بن كعب،و المعنى بورك في النّار و فيمن حولها، فسمّى النّار مباركة،كما سمّى البقعة مباركة.(7:181)

الزّمخشريّ: (ان)هي المفسّرة،لأنّ النّداء فيه معنى القول،و المعنى قيل له:بورك.

فإن قلت:هل يجوز(ان)تكون المخفّفة من الثّقيلة، و تقديره:نودي بأنّه بورك،و الضّمير ضمير الشّأن؟

قلت:لا،لأنّه لا بدّ من«قد».

فإن قلت:فعلى إضمارها.

قلت:لا يصحّ،لأنّها علامة لا تحذف.

و معنى بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها، بورك من في مكان النّار و من حول مكانها.و مكانها البقعة الّتي حصلت فيها،و هي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ القصص:30،و تدلّ عليه قراءة أبيّ:

(تباركت الارض و من حولها) ،و عنه:بوركت النّار

ص: 371

و الّذي بوركت له البقعة،و بورك من فيها و حواليها:

حدوث أمر دينيّ فيها،و هو تكليم اللّه موسى و استنباؤه،و إظهار المعجزات عليه.

و ربّ خير يتجدّد في بعض البقاع،فينشر اللّه بركة ذلك الخير في أقاصيها،و يبثّ آثار يمنه في أباعدها، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الّذي جرى في تلك البقعة.

و قيل المراد بالمبارك فيهم:موسى و الملائكة الحاضرون،و الظّاهر أنّه عامّ في كلّ من كان في تلك الأرض و في ذلك الوادي،و حواليهما من أرض الشّأم.

و لقد جعل اللّه أرض الشّأم بالبركات موسومة في قوله: وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ الأنبياء:71،و حقّت أن تكون كذلك،فهي مبعث الأنبياء صلوات اللّه عليهم،و مهبط الوحي إليهم و كفاتهم أحياء و أمواتا.

فإن قلت:فما معنى ابتداء خطاب اللّه موسى بذلك عند مجيئه؟

قلت:هي بشارة له بأنّه قد قضي أمر عظيم،تنتشر منه في أرض الشّأم كلّها البركة.(3:137)

ابن عطيّة: قوله: أَنْ بُورِكَ يحتمل أن تكون (ان)مفسّرة،و يحتمل أن تكون في موضع نصب على تقدير:بأن بورك،و يحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير:نودي أنّه قاله الزّجّاج.

و قوله:(بورك)معناه قدّس و ضوعف خيره و نما، و البركة مختصّة بالخير.[ثمّ استشهد بشعر]

و بارك متعدّ بغير حرف،تقول العرب:باركك اللّه.

(4:250)

الطّبرسيّ: أي بورك فيمن في النّار:و هم الملائكة، و فيمن حولها:يعني موسى؛و ذلك أنّ النّور الّذي رأى موسى كان فيه ملائكة،لهم زجل بالتّقديس و التّسبيح، (و من حولها)هو موسى،لأنّه كان بالقرب منها و لم يكن فيها،فكأنّه قال:بارك اللّه على من في النّار و عليك يا موسى،و مخرجه للدّعاء،و المراد الخبر.

و قيل: بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ معناه من في النّار سلطانه و قدرته و برهانه،فالبركة ترجع إلى اسم اللّه، و تأويله:تبارك من نوّر هذا النّور،(و من حولها)يعني موسى و الملائكة،و هذا معنى قول ابن عبّاس و الحسن و سعيد بن جبير.

و قيل:معناه بورك من في طلب النّار و هو موسى عليه السّلام،فحذف المضاف. وَ مَنْ حَوْلَها الملائكة، أي دامت البركة لموسى و الملائكة.(4:211)

أبو البركات: (ان)مخفّفة من الثّقيلة،و تقديره:أنّه بورك.

و لم يأت بعوض،لأنّ(بورك)دعاء،و الدّعاء يجوز فيه ما لا يجوز في غيره.و هو في موضع رفع ب(نودى)، لأنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله.(2:219)

ابن الجوزيّ:فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّ المعنى قدّس من في النّار،و هو اللّه عزّ و جلّ،قاله ابن عبّاس و الحسن،و المعنى قدّس من ناداه من النّار،لا أنّ اللّه عزّ و جلّ يحلّ في شيء.

و الثّاني:أنّ(من)زائدة،و المعنى بوركت النّار،قاله مجاهد.

و الثّالث:أنّ المعنى بورك على من في النّار،أو فيمن

ص: 372

في النّار.قال الفرّاء:و العرب تقول:باركه اللّه،و بارك عليه،و بارك فيه،بمعنى واحد،و التّقدير:بورك من في طلب النّار،و هو موسى،فحذف المضاف.[إلى أن قال:]

فخرج في قوله:(بورك)قولان:أحدهما:قدّس، و الثّاني:من البركة.(6:155)

الفخر الرّازيّ: السّبب الّذي لأجله بوركت البقعة،و بورك من فيها و حواليها:حدوث هذا الأمر العظيم فيها،و هو تكليم اللّه موسى عليه السّلام و جعله رسولا، و إظهار المعجزات عليه،و لهذا جعل اللّه أرض الشّام موسومة بالبركات في قوله: وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ الأنبياء:71.

و حقّت أن تكون كذلك،فهي مبعث الأنبياء صلوات اللّه عليهم،و مهبط الوحي و كفاتهم أحياء و أمواتا.

و أنّه سبحانه جعل هذا القول مقدّمة لمناجاة موسى عليه السّلام فقوله: بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها يدلّ على أنّه قد قضي أمر عظيم،تنتشر البركة منه في أرض الشّام كلّها.(34:182)

النّسفيّ: أَنْ بُورِكَ مخفّفة من الثّقيلة، و تقديره:نودي بأنّه بورك.و الضّمير:ضمير الشّأن و جاز ذلك من غير عوض و إن منعه الزّمخشريّ،لأنّ قوله:(بورك)دعاء،و الدّعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة.أو مفسّرة،لأنّ في النّداء معنى القول،أي قيل له:

بورك،أي قدّس،أو جعل فيه البركة و الخير.

(3:202)

أبو حيّان: (نودى)المفعول الّذي لم يسمّ فاعله، الظّاهر أنّه ضمير عائد على موسى عليه السّلام،و(ان)على هذا يجوز أن تكون مفسّرة،لوجود شرط المفسّرة فيها، و يجوز أن تكون مصدريّة.أمّا الثّنائيّة الّتي تنصب المضارع،و(بورك)صلة لها.و الأصل حرف الجرّ،أي بأن بورك،و(بورك)خبر.و أمّا المخفّفة من الثّقيلة فأصلها حرف الجرّ.[و بعد نقل قول الزّمخشريّ أضاف:]

و يجوز أن تكون المخفّفة من الثّقيلة و بورك فعل دعاء،كما تقول:بارك اللّه فيك.

و إذا كان دعاء لم يجز دخول«قد»عليه،فيكون كقوله تعالى: وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها النّور:

9،في قراءة من جعله فعلا ماضيا،و كقول العرب:إمّا أن جزاء اللّه خيرا،و إمّا أن يغفر اللّه لك.و كان الزّمخشريّ بنى ذلك على أَنْ بُورِكَ خبر لا دعاء،فلذلك لم يجز أن تكون مخفّفة من الثّقيلة.

و أجاز الزّجّاج أن تكون أَنْ بُورِكَ في موضع المفعول الّذي لم يسمّ فاعله،و هو على إسقاط الخافض، أي نودي بأن بورك،كما تقول:نودي بالرّخص.

و يجوز أن تكون(ان)الثّنائيّة أو المخفّفة من الثّقيلة، فيكون(بورك)دعاء.

و قيل:المفعول الّذي لم يسمّ فاعله هو ضمير النّداء، أي نودي هو أي النّداء،ثمّ فسّر بما بعده.و(بورك) معناه:قدّس و طهّر و زيد خيره.و يقال:باركك اللّه، و بارك فيك،و بارك عليك،و بارك لك.[ثمّ استشهد بشعر](7:55)

أبو السّعود: أَنْ بُورِكَ معناه أي بورك،على أنّ(ان)مفسّرة لما في النّداء من معنى القول،أو ب(ان

ص: 373

بورك)على أنّها مصدريّة،حذف عنها الجارّ جريا على القاعدة المستمرّة.و قيل:مخفّفة من الثّقيلة،و لا ضير في فقدان التّعويض ب«لا»أو«قد»أو«السّين»أو «سوف»،لما أنّ الدّعاء يخالف غيره في كثير من الأحكام.(5:70)

نحوه البروسويّ.(6:321)

الآلوسيّ: أَنْ بُورِكَ معناه أي بورك،على أنّ (ان)مفسّرة لما في النّداء من معنى القول دون حروفه.

و جوّز أن تكون(ان)المخفّفة من الثّقيلة،و اسمها ضمير الشّأن،و منعه بعضهم،لعدم الفصل بينها و بين الفعل ب«قد»أو«السّين»أو«سوف»أو حرف النّفي، و هو ممّا لا بدّ منه إذا كانت مخفّفة،لما في«الحجّة»لأبي عليّ الفارسيّ،أنّها لمّا كانت لا يليها إلاّ الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل.

و أجيب بأنّ ما ذكر ليس على إطلاقه،فقد صرّحوا بعدم اشتراط الفصل في مواضع،منها ما يكون الفعل فيه دعاء.فلعلّ من جوّز كونها المخفّفة هاهنا جعل(بورك) دعاء،على أنّه يجوز أن يدّعي أنّ الفصل بإحدى المذكورات في غير ما استثني أغلبيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّز أن تكون المصدريّة النّاصبة للأفعال، و(بورك)حينئذ إمّا خبر أو إنشاء للدّعاء.

و ادّعى الرّضيّ أَنْ بُورِكَ إذا جعل دعاء ف«ان» مفسّرة لا غير،لأنّ المخفّفة لا يقع بعدها فعل إنشائيّ إجماعا،و كذا المصدريّة،و هو مخالف لما ذكره النّحاة، و دعوى الإجماع ليست بصحيحة،و القول بأنّه يفوت معنى الطّلب بعد التّأويل بالمصدر قد تقدّم ما فيه.

و في«الكشف»يمنع عن جعلها مصدريّة؛عدم سداد المعنى،لأنّ(بورك)إذ ذاك ليس يصلح بشارة، و قد قالوا:إنّ تصدير الخطاب بذلك بشارة لموسى عليه السّلام، بأنّه قد قضي له أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشّأم كلّها البركة،و هذا بخلاف ما إذا كان(بورك)تفسيرا للشّأن،و فيه نظر.

و على الوجهين الكلام على حذف حرف الجرّ،أي نودي بأن إلخ،و الجارّ و المجرور متعلّق بما عنده،و ليس نائب الفاعل،بل نائب الفاعل ضمير موسى عليه السّلام.

و قيل:هو نائب الفاعل و لا ضمير.

و قال بعضهم:في الوجه الأوّل أيضا:إنّ الضّمير القائم مقام الفاعل ليس لموسى عليه السّلام بل هو لمصدر الفعل، أي نودي هو،أي النّداء،و فسّر النّداء بما بعده.

و الأظهر في الضّمير رجوعه لموسى،و في(ان)أنّها مفسّرة،و في(بورك)أنّه خبر،و هو من البركة،و قد تقدّم معناها.(19:160)

سيّد قطب: إيذان بفيض من البركة العلويّة على من في النّار من الملائكة و من حولها،و فيمن حولها موسى،و سجّل الوجود كلّه هذه المنحة العليا.و مضت هذه البقعة في سجلّ الوجود مباركة مقدّسة بتجلّي ذي الجلال عليها،و إذنه لها بالبركة الكبرى.(5:2629)

الطّباطبائيّ: المراد بالمباركة:إعطاء الخير الكثير،يقال:باركه و بارك عليه و بارك فيه،أي ألبسه الخير الكثير و حباه به.و قد وقع في سورة طه في هذا الموضع من القصّة قوله: فَلَمّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى* إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً*

ص: 374

وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى طه:11-13.

و يستأنس منه أنّ المراد بمن حول النّار:موسى،أو هو ممّن حول النّار،و مباركته:اختياره بعد تقديسه.

(15:342)

المصطفويّ: فهو مورد للفضل و التّوجّه و الفيوضات الرّبّانيّة.(1:244)

مبارك

1- وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ... الأنعام:92

ابن عبّاس: فيه المغفرة و الرّحمة لمن آمن به.

(تنوير المقباس:115)

الطّبريّ: هو مفاعل من البركة.(7:271)

الزّجّاج: «المبارك»الّذي يأتي من قبله الخير الكثير،و المعنى أنزلناه للبركة و الإنذار.

(ابن الجوزيّ 3:84)

أبو مسلم: إنّما سمّاه مباركا لأنّه ممدوح مستسعد به،فكلّ من تمسّك به نال الفوز.(الطّبرسيّ 2:334)

الميبديّ: أي و هذا القرآن كتاب مبارك أنزلناه، كتاب مفعم باليمن،مترع بالبركة،خيره دائم،و نفعه سابغ،و يمنه دبر،و بركته دثر،موعظة للخائفين،و رحمة للمؤمنين،و شفيع للعاصين،و نصير للمحبّين.

(3:421)

الزّمخشريّ: كثير المنافع و الفوائد.(2:35)

نحوه النّسفيّ(2:23)،و أبو السّعود(2:415)، و الكاشانيّ(2:138)،و طه الدّرّة(4:207).

الطّبرسيّ: قيل:إنّ البركة ثبوت الخير على النّماء و الزّيادة،و منه:تبارك اللّه،أي ثبت له ما يستحقّ به التّعظيم لم يزل و لا يزال.فالقرآن مبارك،لأنّ قراءته خير،و العمل به خير،و فيه علم الأوّلين و الآخرين، و فيه مغفرة للذّنوب،و فيه الحلال و الحرام.

و قيل:البركة:الزّيادة،فالقرآن مبارك لما فيه من زيادة البيان على ما في الكتب المتقدّمة،لأنّه ناسخ لا يرد عليه نسخ،لبقائه إلى آخر التّكليف.(2:334)

نحوه الطّريحيّ.(5:258)

الفخر الرّازيّ: قال أهل المعاني:«كتاب مبارك»أي كثير خيره دائم بركته و منفعته،يبشّر بالثّواب و المغفرة،و يزجر عن القبيح و المعصية.

و أقول:العلوم إمّا نظريّة،و إمّا عمليّة.

أمّا العلوم النّظريّة،فأشرفها و أكملها معرفة ذات اللّه و صفاته و أفعاله و أحكامه و أسمائه،و لا ترى هذه العلوم أكمل و لا أشرف ممّا تجده في هذا الكتاب.

و أمّا العلوم العمليّة،فالمطلوب،إمّا أعمال الجوارح و إمّا أعمال القلوب،و هو المسمّى بطهارة الأخلاق و تزكية النّفس،و لا تجد هذين العلمين مثل ما تجده في هذا الكتاب،ثمّ قد جرت سنّة اللّه تعالى بأنّ الباحث عنه و التّمسّك به يحصل له عزّ الدّنيا و سعادة الآخرة.

(13:80)

نحوه النّيسابوريّ.(7:160)

القرطبيّ: أي بورك فيه،و البركة:الزّيادة.

(7:38)

الشّربينيّ: أي كثير الخير و البركة،دائم النّفع،

ص: 375

يبشّر المؤمنين بالثّواب و المغفرة،و يزجر عن القبيح و المعصية.و أصل البركة:النّماء و الزّيادة و ثبوت الخير.

(1:436)

البروسويّ: [قال مثل الفخر الرّازيّ ثمّ أضاف:]

قال في«التّأويلات النّجميّة»:(مبارك)على العوامّ بأن يدعوهم إلى ربّهم،و على الخواصّ بأن يهديهم إلى ربّهم،و على خواصّ الخواصّ بأن يوصلهم إلى ربّهم، و يخلّقهم بأخلاقه.و في كتاب المحبوب شفاء لما في القلوب.(3:64)

شبّر: لما فيه من النّفع و زيادة البيان،و أنّه ناسخ.

(2:287)

الآلوسيّ: أي كثير الفائدة و النّفع،لاشتماله على منافع الدّارين و علوم الأوّلين و الآخرين،صفة بعد صفة.(7:221)

نحوه القاسميّ.(6:2412)

رشيد رضا: باركه اللّه أو بارك فيه بما فضّل به ما قبله من الكتب في النّظم و المعنى،و بما يكون من ثباته و بقائه إلى آخر عمر البشر في الدّنيا،و هو من البركة و هي بالتّحريك:النّماء و الزّيادة و السّعة النّافعة،كبركة الماء.و من معاني المادّة:الثّبات و الاستقرار كبرك البعير.

(7:620)

المراغيّ: أي و هذا القرآن كتاب عظيم القدر أنزلناه على خاتم رسلنا،كما أنزلنا من قبله التّوراة على موسى،و قد باركنا فيه،فجعلناه كثير الخير،دائم البركة و المنفعة،يبشّر بالثّواب و المغفرة،و يزجر عن القبيح و المعصية.(7:190)

النّهاونديّ: كثير خيره،دائم نفعه،و قد مرّ في بعض الطّرائف أنّه ما من علم إلاّ و أصله فيه،و إنّ لتلاوته آثار دنيويّة و أخرويّة.(1:468)

سيّد قطب: مبارك بكلّ معاني البركة،إنّه مبارك في أصله.باركه اللّه و هو ينزله من عنده،و مبارك في محلّه الّذي علم اللّه أنّه له أهل...قلب محمّد الطّاهر الكريم الكبير..و مبارك في حجمه و محتواه،فإن هو إلاّ صفحات قلائل بالنّسبة لضخام الكتب الّتي يكتبها البشر،و لكنّه يحوي من المدلولات و الإيحاءات و المؤثّرات و التّوجيهات،في كلّ فقرة منه ما لا تحتويه عشرات من هذه الكتب الضّخام،في أضعاف أضعاف حيّزه و حجمه!

و إنّ الّذي مارس فنّ القول عند نفسه و عند غيره من بني البشر،و عالج قضيّة التّعبير بالألفاظ عن المدلولات،ليدرك أكثر ممّا يدرك الّذين لا يزاولون فنّ القول و لا يعالجون قضايا التّعبير،أنّ هذا النّسق القرآنيّ مبارك من هذه النّاحية.

و أنّ هنالك استحالة في أن يعبّر البشر في مثل هذا الحيّز-و لا في أضعاف أضعافه-عن كلّ ما يحمله التّعبير القرآنيّ من مدلولات و مفهومات و موجبات و مؤثّرات، و أنّ الآية الواحدة تؤدّي من المعاني،و تقرّر من الحقائق ما يجعل الاستشهاد بها على فنون شتّى-من أوجه التّقرير و التّوجيه-شيئا متفرّدا لا نظير له في كلام البشر.

و إنّه لمبارك في أثره،و هو يخاطب الفطرة و الكينونة البشريّة بجملتها،خطابا مباشرا عجيبا لطيف المدخل، و يواجهها من كلّ منفذ و كلّ درب و كلّ ركن،فيفعل فيها ما لا يفعله قول قائل،ذلك أنّ به من اللّه سلطانا،و ليس

ص: 376

في قول القائلين من سلطان.

و لا نملك أن نمضي أكثر من هذا في تصوير بركة هذا الكتاب،و ما نحن ببالغين لو مضينا شيئا أكثر من شهادة اللّه له بأنّه(مبارك)،ففيها فصل الخطاب.(2:1147)

الطّباطبائيّ: إنّ الأوصاف المذكورة للكتاب بقوله: مُبارَكٌ مُصَدِّقُ إلخ،بمنزلة الأدلّة على كونه نازلا من اللّه و ليست بأدلّة،فمن أمارات أنّه منزل من عند اللّه أنّه مبارك أودع اللّه فيه البركة و الخير الكثير، يهدي النّاس للّتي هي أقوم،يهدي به اللّه من اتّبع رضوانه سبل السّلام.

ينتفع به النّاس في دنياهم باجتماع شملهم،و قوّة جمعهم،و وحدة كلمتهم،و زوال الشّحّ من نفوسهم، و الضّغائن من قلوبهم،و فشوّ الأمن و السّلام،و رغد عيشتهم،و طيب حياتهم،و انجلاء الجهل و كلّ رذيلة عن ساحتهم،و استظلالهم بمظلّة سعادتهم.و ينتفعون به في أخراهم بالأجر العظيم و النّعيم المقيم.

و لو لم يكن من عند اللّه سواء كان مختلفا من عند بشر،كشبكة يغرّ بها النّاس فيصطادون،أو كان تزويقا نفسانيّا،أو إلقاء شيطانيّا،يخيّل إلى الّذي جاء به أنّه وحي سماويّ من عند اللّه،و ليس من عنده،لم تستقرّ فيه،و لا ترتّب عليه هذه البركات الإلهيّة و الخير الكثير، فإنّ سبيل الشّرّ لا يهدي سالكه إلاّ إلى الشّرّ،و لن ينتج فساد صلاحا،و قد قال تعالى: فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ النّحل:37،و قال: وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الصّفّ:5،و قال: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58.(7:279)

[و بعد نقل كلام الرّاغب قال:]

فالبركة بالحقيقة هي الخير المستقرّ في الشّيء اللاّزم له،كالبركة في النّسل،و هي كثرة الأعقاب،أو بقاء الذّكر بهم خالدا،و البركة في الطّعام:أن يشبع به خلق كثير مثلا،و البركة في الوقت:أن يسع من العمل ما ليس في سعة مثله أن يسعه.

غير أنّ المقاصد و المآرب الدّينيّة لمّا كانت مقصورة في السّعادات المعنويّة أو الحسّيّة الّتي تنتهي إليها بالآخرة،كان المراد بالبركة الواقعة في الظّواهر الّتي فيها هو الخير المعنويّ،أو ينتهي إليه،كما أنّ مباركته تعالى الواقعة في قول الملائكة النّازلين على إبراهيم عليه السّلام:

رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود:73، خيرات متنوّعة معنويّة كالدّين و القرب و غيرهما، و حسّيّة كالمال و كثرة النّسل و بقاء الذّكر و غيرها، و جميعها مربوطة بخيرات معنويّة.

و على هذا فالبركة أعني كون الشّيء مشتملا على الخير المطلوب،كالأمر النّسبيّ يختلف باختلاف الأغراض،لأنّ خيريّة الشّيء إنّما هي بحسب الغرض المتعلّق به،فالغرض من الطّعام ربّما كان إشباعه الجائع، أو أن لا يضرّ آكله،أو أن يؤدّي إلى شفاء و استقامة مزاج،أو يكون نورا في الباطن يتقوّى به الإنسان على عبادة اللّه،و نحو ذلك،كانت البركة فيه استقرار شيء من هذه الخيرات فيه بتوفيق اللّه تعالى،بين الأسباب و العوامل المتعلّقة به و رفعه الموانع.

و من هنا يظهر أنّ نزول البركة الإلهيّة على شيء

ص: 377

و استقرار الخير فيه لا ينافي عمل سائر العوامل فيه، و اجتماع الأسباب عليه؛فليس معنى إرادة اللّه صفة أو حالة في شيء،أن يبطل سائر الأسباب و العلل المقتضية له-و قد مرّ كرارا في أبحاثنا السّابقة-فإنّما الإرادة الإلهيّة سبب في طول الأسباب الأخر لا في عرضها.

فإنزاله تعالى بركته على طعام مثلا هو أن يوفّق بين الأسباب المختلفة الموجودة،في أن لا تقتضي في الإنسان كيفيّة مزاجيّة يضرّه معها هذا الطّعام،و أن لا تقتضي فساده أو ضيعته أو سرقته أو نهبه،أو نحو ذلك.و ليس معناه أن يبطل اللّه سائر الأسباب،و يتكفّل هو تعالى إيجاد الخير فيهم من غير توسيطها،فافهم ذلك.

و البركة كثيرة الدّور في لسان الدّين،فقد ورد في الكتاب العزيز ذكرها في آيات كثيرة بألفاظ مختلفة، و كذا ورودها في السّنّة،و قد تكرّر ذكر«البركة»أيضا في العهدين في موارد كثيرة،يذكر فيها إعطاء اللّه سبحانه البركة للنّبيّ الفلانيّ،أو إعطاء الكهنة البركة لغيرهم، و قد كان أخذ البركة في العهد القديم كالسّنّة الجارية.

و قد ظهر ممّا تقدّم بطلان زعم المنكرين لوجود «البركة»كما نقلناه عن الرّاغب فيما تقدّم من عبارته،فقد زعموا أنّ عمل الأسباب الطّبيعيّة في الأشياء لا يدع مجالا لسبب آخر يعمل فيه،أو يبطل أثرها.و قد ذهب عنهم أنّ تأثيره تعالى في الأشياء في طول سائر الأسباب لا في عرضها،حتّى يؤول الأمر إلى تزاحم أو إبطال و نحوهما.(7:280)

عبد الكريم الخطيب: فيه رحمة و هدى و خير لمن آمن به،و اهتدى بهديه.(4:238)

2- وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. الأنعام:155

ابن عبّاس: فيه الرّحمة و المغفرة لمن آمن به.

(تنوير المقباس:122)

الزّجّاج: و«المبارك»ما يأتي من قبله الخير الكثير، و هو من نعت(كتاب).و من قرأ (انزلناه مباركا) جاز ذلك في غير القراءة،لأنّ المصحف لا يخالف البتّة.

(2:306)

الطّوسيّ: البركة:ثبوت الخير بزيادته و نموّه.

و أصله:الثّبوت،و منه(تبارك)أي تعالى بصفة إثبات، لا أوّل له و لا آخر،و هذا تعظيم لا يستحقّه غير اللّه تعالى.

و رفعه بأنّه صفة للكتاب،و لو نصب على الحال كان جائزا،غير أنّ الرّفع يدلّ على لزوم الصّفة للكتاب، و النّصب يجوز أن يكون لحالة عارضة في وقت الفعل.

(4:349)

ابن عطيّة: وصف بما فيه من التّوسّعات،و إزالة أحكام الجاهليّة و تحريماتها،و جمع كلمة العرب،و صلة أيدي متّبعيه،و فتح اللّه على المؤمنين به،و معناه منمي خيره مكثر،و البركة:الزّيادة و النّمو.(2:365)

الفخر الرّازيّ: لا شكّ أنّ المراد هو القرآن، و فائدة وصفه بأنّه مبارك:أنّه ثابت لا يتطرّق إليه النّسخ كما في الكتابين،أو المراد أنّه كثير الخير و النّفع.

(14:5)

نحوه النّيسابوريّ(8:59)،و الخازن(2:166)، و الشّربينيّ(1:459)،و النّهاونديّ(1:493).

ص: 378

ابن عربيّ: بزيادة الهداية إلى محض التّوحيد، و الإرشاد إلى سواء السّبيل،يهدي بأقرب الطّرق إلى أرفع الدّرجات من الكمال.(1:414)

القرطبيّ: نعت،أي كثير الخيرات.و يجوز في غير القرآن«مباركا»على الحال.(7:143)

أبو حيّان: بركة القرآن بما يترتّب عليه من النّفع و النّماء:بجمع كلمة العرب به،و المواعظ و الحكم، و الإعلام بأخبار الأمم السّالفة،و الأجور التّالية، و الشّفاء من الإدواء،و الشّفاعة لقارئه و عدّه من أهل اللّه،و كونه مع المكرمين من الملائكة،و غير ذلك من البركات الّتي لا تحصى.(4:256)

أبو السّعود: أي كثير المنافع دينا و دنيا،صفتان ل(كتاب)و تقديم وصف الإنزال مع كونه غير صريح، لأنّ الكلام مع منكريه،أو خبران آخران لاسم الإشارة،أي أنزلناه مشتملا على فنون الفوائد الدّينيّة و الدّنيويّة الّتي فصّلت عليكم طائفة منها.(2:463)

نحوه الآلوسيّ.(8:60)

البروسويّ: أي كثير النّفع دينا و دنيا.قال في «التّأويلات النّجميّة»:(مبارك)عليك،و بركته أنّه أنزل على قلبك بجعل خلقك القرآن،و مبارك على أمّتك بأنّه حبل بينهم و بين ربّهم،ليوصلهم إليه بالاعتصام.

(3:121)

رشيد رضا: أي و هذا القرآن الّذي يتلى عليكم كتاب عظيم القدر-فتنكيره للتّعظيم-أنزلناه كما أنزلنا الكتاب على موسى-جامع لكلّ أسباب الهداية الثّابتة الدّائمة النّامية،الزّائدة على ما في كتاب موسى-فالمبارك من البركة،و هي:الزّيادة و النّماء في الخير.قيل:إنّها من بركة الماء،و قيل:من برك البعير.(8:204)

نحوه المراغيّ(8:78)،و الحجازيّ(8:30).

عبد الكريم الخطيب: هو دعوة للمسلمين إلى اللّه،و إلفات لهم إلى هذا الكتاب الّذي جاءهم به رسول اللّه من ربّه،يحمل البركة و الخير و الرّحمة،لمن اتّصل به، و أخذ عنه.(4:351)

عبد المنعم الجمّال: الّذي يشار إليه بالبنان:

العظيم القدر،الرّفيع الشّأن،كتاب،هو خير كتاب، جلّ من أنزله،أنزله الحكيم العليم،و نزل به الرّوح الأمين على خير النّبيّين و خاتم المرسلين،بلسان عربيّ مبين،مبارك كثير البركات،عظيم النّفحات،و رحمة و نور،جامع لأحكام الخير و أسباب الهداية،و قد جاء بأكثر و أعظم ممّا جاءت به التّوراة.(2:953)

3- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ...

ص:29

ابن عبّاس: فيه المغفرة و الرّحمة لمن آمن به.

(تنوير المقباس:382)

الطّوسيّ: وصفه بأنّه مبارك،لأنّ به يستديم النّاس ما أنعم اللّه عليهم به.(8:558)

القشيريّ: (مبارك)و هو القرآن،و(مبارك)أي كبير النّفع،و يقال:(مبارك)أي دائم باق لا ينسخه كتاب،من قولهم:برك الطّير على الماء.و يقال:(مبارك) لمن آمن به و صدّق.ثمّ إنّه بيّن أنّ البركة في تدبّره و التّفكّر في معانيه.(5:253)

ص: 379

الرّاغب: أي موضع الخيرات الإلهيّة.(44)

البغويّ: كثير خيره و نفعه.(4:67)

مثله الخازن(6:45)،و النّيسابوريّ(23:88)، و نحوه القاسميّ(14:5097).

ابن عطيّة: هذا كتاب لمن أراد التّمسّك بالإيمان و القربة إلينا.و في هذه الآيات اقتضاب و إيجاز بديع حسب إعجاز القرآن العزيز و وصفه بالبركة،لأنّ أجمعها فيه،لأنّه يورث الجنّة و ينقذ من النّار،و يحفظ المرء في حال الحياة الدّنيا،و يكون سبب رفعة شأنه في الحياة الآخرة.(4:502)

الطّبرسيّ: أي كثير نفعه و خيره فإنّ في التّديّن به يستبين النّاس ما أنعم اللّه عليهم.(4:473)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قالت المعتزلة:دلّت الآية على أنّه تعالى إنّما أنزل هذا القرآن لأجل الخير و الرّحمة و الهداية، و هذا يفيد أمرين:أحدهما:أنّ أفعال اللّه معلّلة برعاية المصالح،و الثّاني:أنّه تعالى أراد الإيمان و الخير و الطّاعة من الكلّ،بخلاف قول من يقول:إنّه أراد الكفر من الكافر.(26:201)

البيضاويّ: نفّاع،و قرئ بالنّصب على الحال.

(2:309)

نحوه الكاشانيّ.(4:297)

أبو السّعود: خبر ثان للمبتدإ،أو صفة ل(كتاب) عند من يجوّز تأخير الوصف الصّريح عن غير الصّريح.

و قرئ(مباركا)على أنّه حال من مفعول أنزلنا،و معنى المبارك:الكثير المنافع الدّينيّة و الدّنيويّة.(5:360)

نحوه الآلوسيّ.(23:189)

المراغيّ: أي أنزلنا إليك هذا الكتاب النّافع للنّاس،المرشد لهم إلى ما فيه خيرهم و سعادتهم،في دينهم و دنياهم،الجامع لوجوه المصالح.(23:116)

الطّباطبائيّ: المعنى هذا كتاب أنزلناه إليك كثير الخيرات و البركات للعامّة و الخاصّة،ليتدبّره النّاس فيهتدوا به،أو تتمّ لهم الحجّة،و ليتذكّر به أولو الألباب، فيهتدوا إلى الحقّ باستحضار حجّته،و تلقّيها من بيانه.

(17:197)

عبد الكريم الخطيب: أي فيه البركة الّتي تنال كلّ من يلقاه،و يتلقّى منه الحكمة و الموعظة الحسنة.

(12:1078)

طه الدّرّة: كثير الخيرات و المنافع الدّينيّة و الدّنيويّة.(12:288)

الحجازيّ: كتاب أنزلناه إليك يا محمّد كثير الخيرات عظيم البركات،فيه شفاء للنّاس و نور و موعظة للمؤمنين.(23:51)

4- وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.

الأنبياء:50

ابن عبّاس: فيه الرّحمة و المغفرة لمن آمن به.

(272)

الفرّاء: «المبارك»رفع من صفة الذّكر،و لو كان نصبا على قولك:أنزلناه مباركا،كان صوابا.(2:206)

الرّاغب: تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهيّة.(44)

ص: 380

البغويّ:يعني القرآن،و هو ذكر لمن تذكّر به.

(مبارك)لمن يتبرّك به،و يطلب منه الخير.(3:291)

نحوه الخازن.(4:241)

الزّمخشريّ: هو القرآن،و بركته:كثرة منافعه و غزارة خيره.(2:575)

الطّبرسيّ: أراد به القرآن،إنّه ذكر ثابت نافع، دائم نفعه إلى يوم القيامة.

و قيل:سمّاه مباركا لوفور فوائده من المواعظ و الزّواجر،و الأمثال الدّاعية إلى مكارم الأخلاق و الأفعال.لمّا وصف التّوراة أتبعه ذكر القرآن الّذي آتاه نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله.(4:51)

ابن الجوزيّ:كثير الخير.(5:356)

نحوه البيضاويّ(2:74)،و النّسفيّ(3:81)، و الشّربينيّ(2:507)،و الكاشانيّ(3:342)، و القاسميّ(11:4278).

الفخر الرّازيّ: بركته:كثرة منافعه و غزارة علومه.(22:179)

النّيسابوريّ: أي كثير البركة.(17:29)

أبو حيّان: أي كثير منافعه،غزير خيره.و جاء هنا الوصف بالاسم ثمّ بالجملة جريا على الأشهر.

(6:317)

أبو السّعود: كثير الخير غزير النّفع،يتبرّك به.

(4:343)

نحوه الآلوسيّ.(17:58)

شبّر: ثابت نافع،دائم نفعه إلى القيامة،أو كثير الفوائد من المواعظ و الزّواجر و الأمثال،أنزلناه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(4:201)

المراغيّ: هو كثير النّفع و الخير لمن اتّبع أوامره، و انتهى بنواهيه.(17:41)

الطّباطبائيّ: الإشارة ب(هذا)إلى القرآن،و إنّما سمّي ذكرا مباركا لأنّه ثابت دائم كثير البركات،ينتفع به المؤمن به و الكافر في المجتمع البشريّ،و تتنعّم به الدّنيا، سواء عرفته أو أنكرته،أقرّت بحقّه أو جحدته.

يدلّ على ذلك تحليل ما نشاهد اليوم من آثار الرّشد و الصّلاح في المجتمع العامّ البشريّ،و الرّجوع بها القهقرى إلى عصر نزول القرآن فما قبله،فهو الذّكر المبارك الّذي يسترشد بمعناه،و إن جهل الجاهلون لفظه، و أنكر الجاحدون حقّه،و كفروا بعظيم نعمته،و أعانهم على ذلك المسلمون بإهمالهم في أمره: وَ قالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً الفرقان:

30.(14:296)

الحجازيّ: (و هذا)ذكر و نور و مبارك،فيه الخير و الهدى و العلم و المعرفة،و فيه النّجاة و السّعادة،و الفوز و الفلاح.

فيه أسباب سعادة الدّنيا و الآخرة؛إذ فيه علاج لكلّ داء،و دواء لكلّ مرض،و قد أثبتت الحوادث ذلك فيما نرى.(17:20)

مباركا

1- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ. آل عمران:96

ابن عبّاس: يعني موضع الكعبة،فيه المغفرة

ص: 381

و الرّحمة.(52)

يضاعف فيه ثواب العبادة.(الطّبرسيّ 1:478)

الطّبريّ: قيل:(مباركا)لأنّ الطّواف به مغفرة للذّنوب.

فأمّا نصب قوله:(مباركا)فإنّه على الخروج من قوله:(وضع)لأنّ في(وضع)ذكرا من البيت،هو به مشغول،و هو معرفة،و مبارك نكرة لا يصلح أن يتبعه في الإعراب.

و أمّا على قول من قال:هو أوّل بيت وضع للنّاس، على ما ذكرنا في ذلك قول من ذكرنا قوله،فإنّه نصب على الحال،من قوله: لَلَّذِي بِبَكَّةَ لأنّ معنى الكلام على قولهم:إنّ أوّل بيت وضع للنّاس،البيت ببكّة مباركا،فالبيت عندهم من صفته(الّذى ببكّة)،و الّذي بصلته معرفة،و المبارك نكرة،فنصب على القطع منه في قول بعضهم،و على الحال في قول بعضهم.(4:10)

الزّجّاج: نصب(مباركا)على الحال،المعنى الّذي بمكّة في حال بركته.(1:245)

الجصّاص: يعني أنّه ثابت الخير و البركة،لأنّ البركة هي ثبوت الخير و نموّه و تزيّده،و البرك هو الثّبوت،يقال:برك بركا و بروكا،إذا ثبت على حاله.

(2:20)

نحوه الميبديّ.(2:214)

الشّريف الرّضيّ: قوله تعالى:(مباركا)ينتصب من وجهين:

أحدهما:ب وُضِعَ لِلنّاسِ على الحال من الضّمير الّذي فيه،و في هذا الوجه يجوز أن يكون قد تقدّمه بيوت غيره،فاختصّ به هو و تميّز،بأنّه وضع مباركا.

و الوجه الآخر:ينتصب بالظّرف من(بكّة)على معنى الّذي استقرّ ببكّة مباركا.و في هذا الوجه لا يجوز أن يكون قد وضع قبله بيت غيره،كما جاز في الوجه الأوّل،لأنّ الوضع هاهنا لا تعلّق له بالحال الّتي هي قوله:(مباركا)فكأنّه أوّل بيت وضع للنّاس على الإطلاق،فلا حال تميّزه من غيره.

و معنى قوله تعالى:(مباركا)أي ثابت النّفع للنّاس، لأنّ أصل«البركة»مأخوذ من الاستقرار و الثّبوت[إلى أن قال:]

و قد يمكن أن يكون معنى كونه مباركا ثبوت العبادة فيه و لزومها و استمرارها و اتّصالها،على ما يحكى من أنّ الطّواف به لا يكاد ينقطع ليلا و لا نهارا،أو التّوجّه إليه في الصّلاة متّصل على وجه الدّهر،لا انقطاع له و لا زوال.

(حقائق التّأويل:296)

الطّوسيّ: نصب قوله:(مباركا)يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون حالا من الضّمير الّذي فيه.

الثّاني:على الظّرف من(بكّة)على معنى الّذي استقرّ ببكّة مباركا.و على هذا القول لا يكون قد وضع قبله بيت،كما يجوز في التّقدير الأوّل.

و أصل البركة:الثّبوت،من قولك:برك بركا و بروكا،إذا ثبت على حاله.فالبركة:ثبوت الخير بنموّه و تزايده.

و منه البركاء:الثّبوت في الحرب،و منه البركة شبه حوض يمسك الماء،لثبوته فيه،و منه قول النّاس:

«تبارك اللّه»لثبوته لم يزل،و لا يزال وحده،و منه البرك:

ص: 382

الصّدر،لثبوت الحفظ فيه.(2:535)

القشيريّ: بركاته:اتّصال الألطاف و الكشوفات، فمن قصده بهمّته و نزل عليه بقصده،هداه إلى طريق رشده.(1:274)

الزّمخشريّ: كثير الخير لما يحصل لمن حجّه و اعتمره،و عكف عنده و طاف حوله،من الثّواب و تكفير الذّنوب.

و انتصابه على الحال من المستكنّ في الظّرف،لأنّ التّقدير:للّذي ببكّة هو،و العامل فيه المقدّر في الظّرف من فعل الاستقرار.(1:447)

نحوه النّسفيّ(1:170)،و الشّربينيّ(1:233)، و أبو السّعود(2:5)،و البروسويّ(7:285)،و القاسميّ (4:894)،و النّهاونديّ(1:242).

الطّبرسيّ: يعني كثير الخير و البركة.

و قيل:(مباركا)لثبوت العبادة فيه دائما،حتّى يحكى على أنّ الطّواف به لا ينقطع أبدا.

و قيل:لأنّه يضاعف فيه ثواب العبادة،عن ابن عبّاس،و رووا فيه حديثا طويلا.

و قيل:لأنّه يغفر فيه الذّنوب.و يجوز حمله على الجميع؛إذ لا تنافي.(1:478)

أبو البركات: مُبارَكاً وَ هُدىً منصوبان على الحال من الضّمير.

و يجوز فيه الرّفع على التّقدير:هو مبارك.و يجوز فيه أيضا الجرّ على الوصف ل(بيت).(1:212)

ابن الجوزيّ: أمّا بركته،ففيه تغفر الذّنوب، و تضاعف الحسنات و يأمن من دخله.(1:426)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:انتصب(مباركا)على الحال، و التّقدير:الّذي استقرّ هو ببكّة مباركا.

المسألة الثّانية:البركة لها معنيان:أحدهما:النّموّ و التّزايد،و الثّاني:البقاء و الدّوام.يقال:«تبارك اللّه» لثبوته،لم يزل و لا يزال.و البركة:شبه الحوض،لثبوت الماء فيه.و برك البعير،إذا وضع صدره على الأرض و ثبت و استقرّ.

فإن فسّرنا البركة بالتّزايد و النّموّ،فهذا البيت مبارك من وجوه:أحدها:أنّ الطّاعات إذا أتي بها في هذا البيت ازداد ثوابها،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«فضل المسجد الحرام على مسجدي،كفضل مسجدي على سائر المساجد».

ثمّ قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه»فهذا في الصّلاة.

و أمّا الحجّ فقال عليه الصّلاة و السّلام:«من حجّ و لم يرفث و لم يفسق،خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه».

و في حديث آخر:«الحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة»و معلوم أنّه لا أكثر بركة ممّا يجلب المغفرة و الرّحمة.

و ثانيها:قال القفّال رحمه اللّه تعالى:و يجوز أن يكون بركته ما ذكر في قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57،فيكون كقوله: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ الإسراء:1.

و ثالثها:أنّ العاقل يجب أن يستحضر في ذهنه أنّ الكعبة كالنّقطة،و ليتصوّر أنّ صفوف المتوجّهين إليها في الصّلوات كالدّوائر المحيطة بالمركز.

ص: 383

و ليتأمّل كم عدد الصّفوف المحيطة بهذه الدّائرة حال اشتغالهم بالصّلاة،و لا شكّ أنّه يحصل فيما بين هؤلاء المصلّين أشخاص أرواحهم علويّة،و قلوبهم قدسيّة، و أسرارهم نورانيّة،و ضمائرهم ربّانيّة.

ثمّ إنّ تلك الأرواح الصّافية إذا توجّهت إلى كعبة المعرفة،و أجسادهم توجّهت إلى هذه الكعبة الحسّيّة، فمن كان في الكعبة يتّصل أنوار أرواح أولئك المتوجّهين بنور روحه،فتزداد الأنوار الإلهيّة في قلبه،و يعظم لمعان الأضواء الرّوحانيّة في سرّه.و هذا بحر عظيم و مقام شريف،و هو ينبّهك على معنى كونه مباركا.

و أمّا إن فسّرنا«البركة»بالدّوام،فهو أيضا كذلك، لأنّه لا تنفكّ الكعبة من الطّائفين و العاكفين و الرّكّع السّجود.

و أيضا الأرض كرة،و إذا كان كذلك،فكلّ وقت يمكن أن يفرض،فهو صبح لقوم،و ظهر لثان،و عصر لثالث،و مغرب لرابع،و عشاء لخامس،و متى كان الأمر كذلك لم تكن الكعبة منفكّة قطّ عن توجّه قوم إليها من طرف من أطراف العالم،لأداء فرض الصّلاة،فكان الدّوام حاصلا من هذا الجهة.

و أيضا بقاء الكعبة على هذا الحالة ألوفا من السّنين دوام أيضا؛فثبت كونه مباركا من الوجهين.(8:158)

نحوه النّيسابوريّ(4:12)،و الآلوسيّ(5:4).

ابن عربيّ: ذا بركة إلهيّة،من الفيض المتّصل منه بجميع الوجود،و القوّة،و الحياة.(1:203)

القرطبيّ: جعله مباركا لتضاعف العمل فيه، فالبركة:كثرة الخير.

و نصب على الحال من المضمر في(وضع)،أو بالظّرف من(بكّة)،المعنى الّذي استقرّ بِبَكَّةَ مُبارَكاً.

و يجوز في غير القرآن مبارك،على أن يكون خبرا ثانيا،أو على البدل من(الّذى)أو على إضمار مبتدإ.[إلى أن قال:]

و يجوز في غير القرآن«مبارك»بالخفض،يكون نعتا للبيت.(4:139)

رشيد رضا: هو بيان لحاله الحسنة الحسّيّة و حاله الشّريفة المعنويّة.

أمّا الأولى:فهي ما أفيض عليه من بركات الأرض و ثمرات كلّ شيء،على كونه بواد غير ذي زرع،فترى الأقوات و الثّمار في مكّة أكثر و أجود،و أقلّ ثمنا منها في مثل مصر و كثير من بلاد الشّام.

و أمّا الثّانية:فهي هوى أفئدة النّاس إليه،و إتيانه للحجّ و العمرة،مشاة و ركبانا من كلّ فجّ،و تولية وجوههم شطره في الصّلاة.و لعلّه لا تمرّ ساعة و لا دقيقة من ليل أو نهار و ليس فيها أناس متوجّهون إلى ذلك البيت الحرام يصلّون.

فأيّ هداية للعالمين أظهر من هذه الهداية،تلك دعوة إبراهيم رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ إبراهيم:37.

و قد أشير إلى الواصفين في قوله تعالى حكاية عن المشركين: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ

ص: 384

كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ القصص:57.

و قال بعضهم: إنّ(مباركا)يشمل البركات الحسّيّة و المعنويّة،و ما اخترناه هو المتبادر.(4:7)

نحوه المراغيّ.(4:7)

الطّباطبائيّ: المباركة«مفاعلة»من البركة،و هي الخير الكثير.فالمباركة:إفاضة الخير الكثير عليه و جعله فيه.

و هي و إن كانت تشمل البركات الدّنيويّة و الأخرويّة،إلاّ أنّ ظاهر مقابلتها مع قوله: هُدىً لِلْعالَمِينَ أنّ المراد بها إفاضة البركات الدّنيويّة، و عمدتها:وفور الأرزاق،و توفّر الهمم،و الدّواعي إلى عمرانه بالحجّ إليه،و الحضور عنده،و الاحترام له و إكرامه.

فيؤول المعنى إلى ما يتضمّنه قوله تعالى في دعوة إبراهيم: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ... الآية(3:350)

الحجازيّ: هو مبارك كثير الخيرات؛إذ هو بصحراء جرداء،و تجبى إليه ثمرات كلّ شيء،ففيه الفواكه و من خيرات اللّه الشّيء الكثير،و لا مانع أن يكون كثير البركة في الثّواب و الأجر.(4:5)

2- وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا. مريم:31

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: نفّاعا حيث كنت.

(الزّمخشريّ 2:508)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 16:80)

ابن عبّاس: معلما للخير.(255)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 16:81)،و الضّحّاك(ابن عطيّة 4:14)،و الزّجّاج(3:328).

الضّحّاك: قاضيا للحوائج.(الآلوسيّ 16:89)

الحسن: أكمله اللّه تعالى عقلا و استنبأه طفلا.

(الآلوسيّ 16:89)

الثّوريّ: معلم الخير،آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر.(الآلوسيّ 16:89)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك،فقال بعضهم:معناه:و جعلني نفّاعا.

و قال آخرون: كانت بركته الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.

و قال آخرون: معنى ذلك:جعلني معلم الخير.

(16:80)

الفرّاء: يتعلّم منّي حيثما كنت.(2:167)

الطّوسيّ: قيل:نفّاعا،و البركة:نماء الخير، و المبارك:الّذي ينمى الخير به.

و التّبرّك:طلب البركة بالشّيء،و أصله:التّبرّك من البرك،و هو ثبوت الطّير على الماء.(7:124)

القشيريّ: أي نافعا للخلق،يرشدهم إلى أمور دينهم،و يمنعهم من ارتكاب الزّلّة الّتي فيها هلاكهم،و من استضاء بنوره نجا.فهذه بركاته الّتي كانت تصل إلى الخلق.

و من بركاته إغاثة الملهوف،و إعانة الضّعيف، و نصرة المظلوم،و مواساة الفقير،و إرشاد الضّالّ، و النّصيحة للخلق،و كفّ الأذى عنهم،و حمل الأذى

ص: 385

منهم.(4:99)

الرّاغب: أي موضع الخيرات الإلهيّة.(44)

الميبديّ: أي آمرا بالمعروف،ناهيا عن المنكر، معلما للخير.

و قيل:ثابتا على دين اللّه،و أصل البركة:الثّبات.

و قيل:بركته:أنّه كان يحيى الموتى،و يشفي المرضى حيث كان.(6:37)

أبو البركات: منصوب لأنّه مفعول ثان ب«جعل».

(2:125)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:كيف جعله (مباركا)و النّاس كانوا قبله على الملّة الصّحيحة،فلمّا جاء صار بعضهم يهودا،و بعضهم نصارى قائلين بالتّثليث،و لم يبق على الحقّ إلاّ القليل.

و الجواب ذكروا في تفسير«المبارك»وجوها:

أحدها:أنّ البركة في اللّغة هي الثّبات،و أصله من بروك البعير،فمعناه:جعلني ثابتا على دين اللّه مستقرّا عليه.

و ثانيها:أنّه إنّما كان(مباركا)لأنّه كان يعلّم النّاس دينهم،و يدعوهم إلى طريق الحقّ،فإن ضلّوا فمن قبل أنفسهم لا من قبله.

و روى الحسن عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «أسلمت أمّ عيسى عليها السّلام عيسى إلى الكتّاب،فقالت للمعلّم:أدفعه إليك على أن لا تضربه.

فقال له المعلّم:اكتب،فقال:أيّ شيء أكتب، فقال:اكتب أبجد،فرفع عيسى عليه السّلام رأسه فقال:هل تدري ما أبجد؟فعلاه بالدّرّة ليضربه،فقال:يا مؤدّب لا تضربني،إن كنت لا تدري فاسألني فأنا أعلّمك الألف من آلاء اللّه،و الباء من بهاء اللّه،و الجيم من جمال اللّه، و الدّال من أداء الحقّ إلى اللّه».

و ثالثها:البركة:الزّيادة و العلوّ،فكأنّه قال:جعلني في جميع الأحوال غالبا مفلحا منجحا،لأنّي ما دمت أبقى في الدّنيا أكون على الغير مستعليا بالحجّة،فإذا جاء الوقت المعلوم يكرمني اللّه تعالى بالرّفع إلى السّماء.

و رابعها:مبارك على النّاس؛بحيث يحصل بسبب دعائي:إحياء الموتى،و إبراء الأكمه و الأبرص.

عن قتادة أنّه رأته امرأة و هو يحيي الموتى و يبرئ الأكمه و الأبرص،فقالت:طوبى لبطن حملك و ثدي أرضعت به،فقال عيسى عليه السّلام مجيبا لها:طوبى لمن تلا كتاب اللّه و اتّبع ما فيه،و لم يكن جبّارا شقيّا.

(21:214)

نحوه الشّربينيّ.(2:425)

القرطبيّ: أي ذا بركات و منافع في الدّين و الدّعاء إليه و معلّما له.(11:103)

البيضاويّ: نفّاعا معلما للخير.(2:33)

نحوه النّسفيّ(3:34)،و مثله أبو السّعود(4:239)، و نحوه البروسويّ(5:331)،و شبّر(4:117).

الآلوسيّ: [بعد نقل قول مجاهد و الضّحّاك و الثّوريّ قال:]

و الأوّل أولى لعمومه.(16:89)

القاسميّ: أي كثير الخير حيثما وجدت.أبلّغ وحي ربّي لتقويم النّفوس،و كبح الشّهوات،و الأخذ بما هو مناط السّعادات.(11:4136)

ص: 386

المراغيّ:نفّاعا للنّاس،أو ثابتا في دين اللّه.

(16:47)

أي سيجعلني نفّاعا للنّاس،هاديا لهم إلى سبيل الرّشاد،في أيّ مكان كنت،و قد جعل هذه الصّفات كأنّها حدثت له فعلا،و هي لم تحصل بعد،من قبل أنّها لمّا كانت واقعة حتما نزّلت منزلة ما قد حصل.

(16:48)

النّهاونديّ: ثابتا على الحقّ و الدّين،أو مستعليا بالحجّة و غالبا مفلحا،أو معلّما للبشر دينهم و جميع ما فيه خيرهم.(3:49)

الطّباطبائيّ: كونه عليه السّلام(مباركا)أينما كان،هو كونه محلاّ لكلّ بركة-و البركة:نماء الخير-كان نفّاعا للنّاس يعلّمهم العلم المنافع،و يدعوهم إلى العمل الصّالح و يربّيهم تربية زاكية،و يبرئ الأكمه و الأبرص، و يصلح القويّ و يعين الضّعيف.(14:47)

عبد المنعم الجمّال: و جعلني ربّي فعّالا للخير، هاديا النّاس إلى الصّراط المستقيم،في أيّ مكان كنت، و جعلني ثابتا على دين الحقّ.(3:1845)

3- وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. المؤمنون:29

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ إذا نزلت منزلا فقل:اللّهمّ أنزلني منزلا مباركا و أنت خير المنزلين،ترزق خيره و يدفع شرّه.(الكاشانيّ 3:399)

ابن عبّاس: بالماء و الشّجر.(286)

مجاهد :أي إنزالا مباركا،أو نزولا مباركا بعد الخروج من السّفينة،و ذلك تمام النّجاة.

(الطّبرسيّ 4:104)

الكلبيّ:أنزلني مكانا مباركا بالماء و الشّجر.

(الطّبرسيّ 4:104)

مقاتل:معنى البركة أنّهم توالدوا و كثروا.

(الطّبرسيّ 4:104)

القشيريّ: الإنزال المبارك:أن يكون باللّه و للّه، و على شهود اللّه من غير غفلة عن اللّه،و لا مخالفا لأمر اللّه.

و يقال:الإنزال المبارك:الاستيعاب بشهود الوصف عنك،ثمّ الاستغراق باستيلاء سلطان القرب عليك،ثمّ الاستهلاك بإحداق أنوار التّجلّي،حتّى لا تبقى عين و لا أثر.فإذا تمّ هذا و دام هذا فهو نزول بساحات الحقيقة مبارك،لأنّك بلا أنت،بكلّيّتك من غير بقيّة،أو أثر عنك.(4:248)

الرّاغب: أي حيث يوجد الخير الإلهيّ.(44)

البغويّ: البركة في السّفينة:النّجاة،و في النّزول بعد الخروج:كثرة النّسل من أولاده الثّلاثة.(3:364)

نحوه الميبديّ(6:434)،و النّسفيّ(3:118)، و الخازن(5:30).

الزّمخشريّ: طلب أن ينزله في السّفينة،أو في الأرض عند خروجه منها منزلا يبارك له فيه،و يعطيه الزّيادة في خير الدّارين،و أن يشفع الدّعاء بالثّناء عليه المطابق لمسألته،و هو قوله: وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.

(3:31)

نحوه النّيسابوريّ.(18:15)

ص: 387

ابن عربيّ: وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً هو مقام القلب،الّذي بارك اللّه فيه بالجمع بين العالمين، و إدراك المعاني الكلّيّة و الجزئيّة،و أمنه من طوفان بحر الهيولى،و طغيان مائه.(2:122)

القرطبيّ: قال ابن عبّاس و مجاهد:هذا حين خرج من السّفينة،مثل قوله تعالى: اِهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ هود:48.

و قيل:حين دخلها،فعل هذا يكون قوله:(مباركا) يعني بالسّلامة و النّجاة.

قلت:و بالجملة،فالآية تعليم من اللّه عزّ و جلّ لعباده إذا ركبوا و إذا نزلوا أن يقولوا هذا،بل و إذا دخلوا بيوتهم و سلّموا قالوا.

و روي عن عليّ رضي اللّه عنه أنّه كان إذا دخل المسجد قال: اللّهمّ أنزلنى منزلا مباركا و أنت خير المنزلين.(12:120)

البيضاويّ: يتسبّب لمزيد الخير في الدّارين.

(2:106)

نحوه شبّر(4:273)،و الآلوسيّ(18:28)، و الشّربينيّ(2:578).

أبو السّعود: أي إنزالا أو موضع إنزال،يستتبع خيرا كثيرا.(4:412)

النّهاونديّ: إنزالا مستتبعا لكلّ خير.قيل:

الإنزال المبارك:هو الورود في منزل مأمون من الهواجس النّفسانيّة و الوساوس الشّيطانيّة.(3:167)

الطّباطبائيّ: ذا خير كثير ثابت،فإنّه خير المنزلين.(15:30)

الحجازيّ: فيه الخير و البركة.(18:11)

4- وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ. ق:9

ابن عبّاس: بالنّبات و المنفعة،فيه حياة كلّ شيء.

(تنوير المقباس:438)

الطّوسيّ: يعني مطرا و غيثا.(9:360)

نحوه الطّبرسيّ.(5:142)

الرّاغب: فبركة ماء السّماء هي ما نبّه عليه بقوله:

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ الزّمر:21، و بقوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ المؤمنون:18.

و لمّا كان الخير الإلهيّ يصدر من حيث لا يحسّ، و على وجه لا يحصى و لا يحصر،قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة:هو مبارك،و فيه بركة،و إلى هذه الزّيادة أشير بما روي:«أنّه لا ينقص مال من صدقة».

لا إلى النّقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين، حيث قيل له ذلك،فقال:بيني و بينك الميزان.(44)

البغويّ: كثير الخير،و فيه حياة كلّ شيء،و هو المطر.(4:271)

نحوه الخازن(6:194)،و ابن الجوزيّ(8:7)، و شبّر(6:68).

الميبديّ: أي مطرا يلبث في أجزاء الأرض فينبع طول السّنة.و قيل:مباركا للخلق،فيه بركات و منافع.(9:277)

ص: 388

الزّمخشريّ: كثير المنافع.(4:4)

نحوه البيضاويّ(2:413)،و النّسفيّ(4:176)، و أبو حيّان(8:119)،و ابن كثير(6:398)، و الكاشانيّ(5:59)،و القاسميّ(15:5486)، و المراغيّ(26:155).

ابن عطيّة: قيل:يعني جميع المطر،كلّه يتّصف بالبركة و إن ضرّ بعضه أحيانا،ففيه مع ذلك الضّرّ الخاصّ البركة العامّة.

و قال أبو هريرة: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جاء المطر فسالت الميازيب قال:«لا محل عليكم العام».

و قال بعض المفسّرين: ماءً مُبارَكاً يريد به ماء مخصوصا خالصا للبركة،ينزله اللّه كلّ سنة،و ليس كلّ المطر يتّصف بذلك.(5:158)

القرطبيّ: كثير البركة.(17:6)

نحوه السّيوطيّ(الجلالين 2:413)،و الحجازيّ (26:72).

ابن جزّيّ: يعني المطر كلّه،و قيل:الماء المبارك:

ماء مخصوص ينزله اللّه كلّ سنة،و ليس كلّ المطر يتّصف بالمبارك،و هذا ضعيف.(4:63)

أبو السّعود: أي كثير المنافع.شروع فى بيان كيفيّة إنبات ما ذكر من كلّ زوج بهيج،و هو عطف على (انبتنا)و ما بينهما على الوجه الأخير اعتراض مقرّر لما قبله،و منبّه على ما بعده.(6:123)

نحوه الآلوسيّ.(26:176)

البروسويّ: أي كثير المنافع؛حياة الأناسيّ و الدّوابّ و الأرض الميتة.(9:108)

سيّد قطب: الماء النّازل من السّماء آية تحيي موات القلوب قبل أن تحيي موات الأرض،و مشهده ذو أثر خاصّ في القلب لا شكّ فيه.و ليس الأطفال وحدهم هم الّذين يفرحون بالمطر و يطيرون له خفافا،فقلوب الكبار الحسّاسين تستروح هذا المشهد و تصفّق له كقلوب الأطفال الأبرياء،القريبي العهد بالفطرة.

و يصف الماء هنا بالبركة،و يجعله في يد اللّه سببا لإنبات جنّات الفاكهة و حبّ الحصيد-و هو النّبات المحصود-و ممّا ينبته به النّخل.(6:3360)

محمّد جواد مغنيّة: وصف سبحانه الماء بالبركة، لأنّه لا حياة للأرواح و الأجسام بلا ماء.(7:130)

الطّباطبائيّ: الماء المبارك:المطر،وصف بالمباركة:لكثرة خيراته العائدة إلى الأرض و أهلها.

(18:341)

عبد الكريم الخطيب: في وصف الماء بأنّه مبارك،إشارة إلى ما يحمل هذا الماء الّذي كثيرا ما تستخفّ به العيون،و لا تتملاّه الأبصار،من خيرات و نعم،و لا يحصيها المحصون،و لا يدرك أسرارها إلاّ أولو الأبصار،من عباد اللّه.

إنّ قطرات هذا الماء المنزل من السّماء هي أرواح تلبس الأرض،كما تلبس الأرواح عالم الأجساد، فيكون منها هذا الإنسان الّذي يبلغ به الغرور إلى أن يكون إلها في الأرض،يأبى أن يعطي ولاءه للّه ربّ العالمين..!!(13:471)

المصطفويّ: أي محلّ نزول البركة و مورده.

(1:245)

ص: 389

مباركة

1- اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ... يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ... النّور:35

البغويّ: أراد بالشّجرة المباركة:الزّيتونة،و هي كثيرة البركة و فيها منافع كثيرة،لأنّ الزّيت يسرج به، و هو أضوأ و أصفى الأدهان،و هو إدام و فاكهة.و لا يحتاج في استخراجه إلى إعصار،بل كلّ أحد يستخرجه.

(3:416)

نحوه الخازن.(5:64)

الزّمخشريّ: كثيرة المنافع،أو لأنّها تنبت في الأرض الّتي بارك فيها للعالمين.و قيل:بارك فيها سبعون نبيّا،منهم إبراهيم عليه السّلام.(3:67)

نحوه الآلوسيّ.(18:167)

ابن عطيّة: المنماة.(4:184)

الطّبرسيّ: تحقيق هذه الجملة يقتضي أنّ الشّجرة المباركة المذكورة في الآية هي:دوحة التّقى و الرّضوان، و عترة الهدى و الإيمان،شجرة أصلها النّبوّة،و فرعها الإمامة،و أغصانها التّنزيل،و أوراقها التّأويل،و خدمها جبرائيل و ميكائيل.(4:144)

ابن عربيّ: الشّجرة الّتي توقد منها هذه الزّجاجة هي النّفس القدسيّة،المزكّاة الصّافية.شبّهت بها لتشعّب فروعها،و تفنّن قواها،نابتة من أرض الجسد، و متعالية أغصانها في فضاء القلب،إلى سماء الرّوح.

وصفت بالبركة لكثرة فوائدها،و منافعها من ثمرات الأخلاق و الأعمال و المدركات،و شدّة نمائها بالتّرقّي في الكمالات،و حصول سعادة الدّارين،و كمال العالمين بها، و توقّف ظهور الأنوار و الأسرار،و المعارف و الحقائق، و المقامات و المكاسب،و الأحوال و المواهب عليها.

(2:140)

القرطبيّ: المباركة:المنماة،و الزّيتون من أعظم الثّمار نماء،و الرّمّان كذلك،و العيان يقتضي ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:من بركتهما أنّ أغصانهما تورق من أسفلها إلى أعلاها.(12:258)

الشّربينيّ: أي ابتداء توقّده من شجرة الزّيتون المتكاثر نفعه،بأن رويت فتيلة المصباح بزيت الشّجرة.

و هي شجرة كثيرة البركة،و فيها منافع كثيرة،لأنّ الزّيت يسرج به،و يدهن به،و هو إدام،و هو أصفى الأدهان و أضوؤها.(2:622)

أبو السّعود: أي كثيرة المنافع،بأن رويت ذبالته بزيتها.و قيل:إنّما وصفت بالبركة لأنّها تنبت في الأرض الّتي بارك اللّه تعالى فيها للعالمين.(4:462)

البروسويّ: أي كثيرة المنافع،لأنّ الزّيت يسرج به،و هو إدام و دهان و دباغ،و يوقد بحطب الزّيتون، و بثفله و رماده يغسل به الأبريسم،و لا يحتاج في استخراج دهنه إلى عصار.و فيه زيادة الإشراق و قلّة الدّخان،و هو مصحّة من الباسور.(6:155)

النّهاونديّ: عظيمة النّفع،أو النّامية في الأرض المباركة.(3:203)

2- ...فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً... النّور:61

ص: 390

ابن عبّاس: (مباركة)بالثّواب.(طيّبة)بالمغفرة.

(299)

حسنة جميلة.(البغويّ 3:432)

الضّحّاك: معنى البركة فيه:تضعيف الثّواب.

(الفخر الرّازيّ 24:38)

مقاتل: (مباركة)بالأجر.(ابن الجوزيّ 6:67)

الزّجّاج: أعلم اللّه أنّ السّلام مبارك ثابت،لما فيه من الأجر و الثّواب،و أنّه إذا أطاع اللّه فيه أكثر خيره و أجزل أجره.(الفخر الرّازيّ 24:38)

البغويّ: قيل:ذكر البركة و الطّيّبة هاهنا لما فيه من الثّواب و الأجر.(3:432)

الزّمخشريّ: وصفها(تحيّة)بالبركة و الطّيّب، لأنّها دعوة مؤمن لمؤمن،يرجى بها من اللّه زيادة الخير و طيّب الرّزق.(3:78)

نحوه النّيسابوريّ.(18:131)

الطّبرسيّ: أي إذا ألزمتموها كثر خيركم و طاب أجركم.

قيل:إنّما قال:(مباركة)لأنّ معنى السّلام عليكم:

حفظكم اللّه و سلّمكم اللّه من الآفات،فهو دعاء بالسّلامة من آفات الدّنيا و الآخرة.(4:157)

أبو السّعود: مستتبعة لزيادة الخير و الثّواب و دوامهما.(4:486)

نحوه البروسويّ(6:182)،و القاسميّ(12:

4556)،و النّهاونديّ(3:216).

شبّر: لأنّها دعاء بالسّلامة من آفات الدّارين.

(4:337)

الطّباطبائيّ: أي حال كون السّلام تحيّة من عند اللّه،برّعها اللّه و أنزل حكمها ليحيّي بها المسلمون،و هو مبارك ذو خير كثير باق،و طيّب يلائم النّفس،فإنّ حقيقة هذه التّحيّة بسط الأمن و السّلامة على المسلّم عليه،و هو أطيب أمر يشترك فيه المجتمعان.

(15:165)

طه الدّرّة: لأنّها ترجى بها زيادة الخير،و تكثير الحسنات،و رفع الدّرجات في الجنّة.(6:559)

الحجازيّ: نامية كثيرة الخيرات و البركات.

(18:80)

3- إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ.

الدّخان:3

الطّوسيّ: البركة:نماء الخير،و ضدّه الشّؤم و هو نماء الشّرّ،فاللّيلة الّتي أنزل فيها كتاب اللّه مباركة،فإنّ الخير ينمى فيها،على ما دبّره اللّه لها من علوّ الخير الّذي قسّمه فيها.(9:224)

الزّمخشريّ: المباركة:الكثيرة الخير،لما يتيح اللّه فيها من الأمور الّتي يتعلّق بها منافع العباد في دينهم و دنياهم،و لو لم يوجد فيها إلاّ إنزال القرآن وحده لكفى به بركة.(3:500)

نحوه أبو حيّان.(8:33)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ المقصود منها تعظيم القرآن من ثلاثة أوجه:

أحدها:بيان تعظيم القرآن بحسب ذاته.

الثّاني:بيان تعظيمه بسبب شرف الوقت الّذي

ص: 391

نزل فيه.

و الثّالث:بيان تعظيمه بحسب شرف منزله.

أمّا بيان تعظيمه بحسب ذاته فمن ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه تعالى أقسم به،و ذلك يدلّ على شرفه.

و ثانيها:أنّه تعالى أقسم به على كونه نازلا في ليلة مباركة،و قد ذكرنا أنّ القسم بالشّيء على حالة من أحوال نفسه يدلّ على كونه في غاية الشّرف.

و ثالثها:أنّه تعالى وصفه بكونه مبيّنا،و ذلك يدلّ أيضا على شرفه في ذاته.

و أمّا بيان شرفه لأجل شرف الوقت الّذي أنزل فيه فهو قوله: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ و هذا تنبيه على أنّ نزوله في(ليلة مباركة)يقتضي شرفه و جلالته.

ثمّ نقول:إنّ قوله: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ يقتضي أمرين:أحدهما:أنّه تعالى أنزله،و الثّاني:كون تلك اللّيلة(مباركة)فذكر تعالى عقيب هذه الكلمة ما يجري مجرى البيان لكلّ واحد منهما.

أمّا بيان أنّه تعالى لم أنزله،فهو قوله: إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ يعني الحكمة في إنزال هذه السّورة:أنّ إنذار الخلق لا يتمّ إلاّ به.

و أمّا بيان أنّ هذه اللّيلة ليلة مباركة فهو أمران:

أحدهما:أنّه تعالى فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ الدّخان:4.

و الثّاني:أنّ ذلك الأمر الحكيم يكون مخصوصا بشرف أنّه إنّما يظهر من عنده،و إليه الإشارة بقوله:

أَمْراً مِنْ عِنْدِنا الدّخان:5.(27:239)

النّسفيّ: المباركة:الكثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير و البركة،و يستجاب من الدّعاء،و لو لم يوجد فيها إلاّ إنزال القرآن وحده لكفى به بركة.(4:126)

نحوه النّيسابوريّ.(25:65)

أبو السّعود: وصفها بالبركة لما أنّ نزول القرآن مستتبع للمنافع الدّينيّة و الدّنيويّة بأجمعها،أو لما فيها من تنزّل الملائكة و الرّحمة،و إجابة الدّعوة،و قسم النّعمة،و فصل الأقضية،و فضيلة العبادة،و إعطاء تمام الشّفاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:يزيد في هذه اللّيلة ماء زمزم زيادة ظاهرة.

(6:47)

نحوه الآلوسيّ.(25:112)

البروسويّ: قال بعض المفسّرين:المراد من اللّيلة المباركة:ليلة النّصف من شعبان،و لها أربعة أسماء:

الأوّل:اللّيلة المباركة،لكثرة خيرها و بركتها على العالمين،فيها الخير،و إنّ بركات جماله تعالى تصل إلى كلّ ذرّة من العرش إلى الثّرى،كما في ليلة القدر.و في تلك اللّيلة اجتماع جميع الملائكة في حظيرة القدس.

(8:402)

القاسميّ: البركة:اليمن.و لا ريب أنّها كانت أبرك ليلة و أيمنها على العالمين،بتنزيل ما فيه الحكمة و الهدى،و النّجاة من الضّلال و الرّدى.

قال القاشانيّ: و وصفها بالمباركة،لظهور الرّحمة و البركة،و الهداية و العدالة في العالم بسببها،و ازدياد رتبته صلّى اللّه عليه و سلّم و كماله بها،كما سمّاها ليلة القدر لأنّ قدره و كماله إنّما ظهر بها.(14:5293)

الطّباطبائيّ: المراد باللّيلة المباركة الّتي نزل فيها

ص: 392

القرآن:ليلة القدر،على ما يدلّ عليه قوله تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر:1،و كونها مباركة ظرفيّتها للخير الّذي ينبسط على الخلق من الرّحمة الواسعة،و قد قال تعالى: وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ القدر:2،3.(18:130)

4- فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ. القصص:30

راجع«ب ق ع».

بركات

1- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... الأعراف:96

ابن عبّاس: بالمطر.(تنوير المقباس:133)

الزّجّاج: أي أتاهم الغيث من السّماء،و النّبات من الأرض.و جعل ذلك زاكيا كثيرا.(2:360)

الطّوسيّ: هي الخيرات النّامية،و أصله:الثّبوت، فنموّ الخير يكون كناية عن ثبوته بدوامه؛فبركات السّماء:بالقطر،و بركات الأرض:بالنّبات و الثّمار.كما وعد نوح بذلك أمّته،فقال: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً... هود:52.

و قيل:بركات السّماء:إجابة الدّعاء،و بركات الأرض:تيسير الحوائج.(4:508)

البغويّ: يعني المطر من السّماء،و النّبات من الأرض.و أصل البركة:المواظبة على الشّيء،أي تابعنا عليهم المطر و النّبات،و رفعنا عنهم القحط و الجدب.

(2:216)

الزّمخشريّ: لآتيناهم بالخير من كلّ وجه.و قيل:

المراد:المطر و النّبات.(2:98)

نحوه البيضاويّ(1:36)،و النّسفيّ(2:66)، و النّيسابوريّ(9:14).

الفخر الرّازيّ: بركات السّماء:بالمطر،و بركات الأرض:بالنّبات و الثّمار،و كثرة المواشي و الأنعام، و حصول الأمن و السّلامة؛و ذلك لأنّ السّماء تجري مجرى الأب،و الأرض تجري مجرى الأمّ،و منهما يحصل جميع المنافع و الخيرات بخلق اللّه تعالى و تدبيره.(14:185)

الخازن: فبركات السّماء:المطر،و بركات الأرض:

النّبات و الثّمار،و جميع ما فيها من الخيرات و الأنعام و الأرزاق و الأمن و السّلامة من الآفات،و كلّ ذلك من فضل اللّه تعالى و إحسانه على عباده.

و أصل البركة:ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء،و سمّي المطر بركة السّماء،لثبوت البركة فيه،و كذا ثبوت البركة في نبات الأرض،لأنّه نشأ عن بركات السّماء و هي المطر.(2:218)

نحوه الشّربينيّ.(1:496)

أبو السّعود: لوسّعنا عليهم الخير و يسّرناه لهم من كلّ جانب،مكان ما أصابهم من فنون العقوبات الّتي بعضها من السّماء و بعضها من الأرض.(3:9)

نحوه الكاشانيّ(2:221)،و البروسويّ(3:206).

رشيد رضا: المعنى لفتحنا عليهم أنواعا من بركات السّماء و الأرض،لم يعهدوها مجتمعة و لا متفرّقة.

فإذا أريد ببركات السّماء:معارف الوحي العقليّة،

ص: 393

و أنوار الإيمان الرّوحانيّة،و نفحات الإلهامات الرّبّانيّة، فالمعنى:أنّ فائدة الإيمان و اتّباع الرّسل عليهم السّلام تكون تكميل الفطرة البشريّة روحا و جسدا،و غايته سعادة الدّارين؛الدّنيا و الآخرة.

و إذا أريد ببركات السّماء:المطر،و ببركات الأرض:

النّبات-كما قيل-فالمعنى:أنّها أبواب نعم تكون بركات لهم،غير الّتي عهدوا في صفتها و نمائها و ثباتها،و حالتهم فيها و أثرها فيهم،و بذلك تكون بركات.فإنّ مادّة البركة تدلّ على السّعة و الزّكاء من:بركة الماء،و على الثّبات و الاستقرار من:برك البعير.

أ لم تقرأ أو تسمع قوله تعالى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ هود:48، فخصّ المؤمنين بالبركات،و جعل نعمة الدّنيا متاعا موقّتا للكافرين يتلوه العذاب،و لذلك لم يعطفهم على من قبلهم.

روي عن محمّد بن كعب القرظيّ: أنّه دخل في تلك البركات كلّ مؤمن و مؤمنة،و في ذلك المتاع و العذاب الأليم كلّ كافر و كافرة.

و عن الضّحّاك قال: وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يعني ممّن لم يولد أوجب لهم البركات،لما سبق لهم في علم اللّه من السّعادة وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ يعني متاع الحياة الدّنيا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ لما سبق لهم في علم اللّه من الشّقاوة.

فالقاعدة المقرّرة في القرآن:أنّ الإيمان الصّحيح و دين الحقّ سبب لسعادة الدّنيا و نعمتها بالحقّ و الاستحقاق.

و أنّ الكفّار قد يشار كونهم في المادّيّ منها،كما قال تعالى فيهم: فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ الأنعام:44،فذلك الفتح ابتلاء و اختبار لحالهم،كان أثره فيهم فرح البطر و الأشر،بدلا من الشّكر،و ترتّب عليه العقاب الإلهيّ،فكان نقمة لا نعمة،و فتنة لا بركة.

و أمّا المؤمنون فإنّ ما يفتح عليهم يكون بركة و نعمة، و يكون أثره فيهم الشّكر للّه عليه،و الرّضا منه، و الاغتباط بفضله،و استعماله في سبيل الخير دون الشّرّ، و في الإصلاح دون الإفساد،و يكون جزاؤهم عليه من اللّه تعالى زيادة النّعم و نموّها في الدّنيا،و حسن الثّواب عليها في الآخرة.

فالفارق بين الفتحين يؤخذ من جعل هذا من البركات الرّبّانيّة،و من تنكيره الدّالّ على أنواع لم يعهدها الكفّار.

و ممّا ورد في الآيات الأخرى الدّالّة على أنّ غاية هداية الإيمان الجمع بين سعادة الدّنيا و الآخرة،كقوله تعالى خطابا للبشر موجّها لأبويهم من قصّة آدم في سورة طه: فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى* وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى طه:123، 124.

و قوله في خطاب بني آدم من هذه السّورة،بعد ذكر قصّته المبيّنة لخواصّ هذا النّوع و حكم اللّه في خلقه، و الأصول العامّة لدين الرّسل الّذين يبعثهم لهدايته:

ص: 394

يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. الأعراف:31، 32.

فراجع تفسيرهما في الجزء الثّامن من التّفسير،فهذا بيان لكون أصل الدّين يقتضي سعادة الدّنيا قبل الآخرة،من أوّل النّشأة البشريّة في عهد آدم،و تقدّم آنفا ما أنزله تعالى على نوح،و هو الأب الثّاني للبشر، و قال تعالى حكاية عن هود: وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ هود:52.

و هذه الآيات كلّها حجج على أعداء الإسلام من المنتمين إليه و من غيرهم،الزّاعمين أنّه-و كذا كلّ دين إلهيّ-سبب للضّعف و الفقر.(9:24)

نحوه المراغيّ(9:14)

النّهاونديّ: كثيرة(من السّماء)بالأمطار النّافعة،و من(الارض)بإنبات النّباتات الكثيرة و الثّمار و الزّروع،و إكثار المواشي،و إدامة الأمن و السّلامة، و لوسّعنا عليهم جميع الخيرات،و يسّرناها لهم من كلّ جانب.(2:32)

سيّد قطب: التّعبير القرآنيّ بعمومه و شموله يلقي ظلال الفيض الغامر،الّذي لا يتخصّص بما يعهده البشر من الأرزاق و الأقوات.

و أمام هذا النّصّ-و النّصّ الّذي قبله-نقف أمام حقيقة من حقائق العقيدة و حقائق الحياة البشريّة و الكونيّة سواء.و أمام عامل من العوامل المؤثّرة في تاريخ الإنسان،تغفل عنه المذاهب الوضعيّة و تغفله كلّ الإغفال،بل تنكره كلّ الإنكار.

إنّ العقيدة الإيمانيّة في اللّه و تقواه،ليست مسألة منعزلة عن واقع الحياة،و عن خطّ تاريخ الإنسان.إنّ الإيمان باللّه و تقواه،ليؤهّلان لفيض من بركات السّماء و الأرض.وعدا من اللّه.و من أوفى بعهده من اللّه؟

و نحن-المؤمنين باللّه-نتلقّى هذا الوعد بقلب المؤمن، فنصدّقه ابتداء،لا نسأل عن علله و أسبابه،و لا نتردّد لحظة في توقّع مدلوله.نحن نؤمن باللّه-بالغيب-و نصدّق بوعده بمقتضى هذا الإيمان،ثمّ ننظر إلى وعد اللّه نظرة التّدبّر-كما يأمرنا إيماننا كذلك-فنجد علّته و سببه.

إنّ الإيمان باللّه دليل على حيويّة في الفطرة؛و سلامة في أجهزة الاستقبال الفطريّة،و صدق في الإدراك الإنسانيّ،و حيويّة في البنية البشريّة،و رحابة في مجال الإحساس بحقائق الوجود،و هذه كلّها من مؤهّلات النّجاح في الحياة الواقعيّة.

و الإيمان باللّه قوّة دافعة دافقة،تجمع جوانب الكينونة البشريّة كلّها،و تتّجه بها إلى وجهة واحدة، و تطلقها تستمدّ من قوّة اللّه،و تعمل لتحقيق مشيئته في خلافة الأرض و عمارتها،و في دفع الفساد و الفتنة عنها، و في ترقية الحياة و نمائها.و هذه كذلك من مؤهّلات النّجاح في الحياة الواقعيّة.

و الإيمان باللّه تحرّر من العبوديّة للهوى و من العبوديّة للعبيد،و ما من شكّ أنّ الإنسان المتحرّر

ص: 395

بالعبوديّة للّه،أقدر على الخلافة في الأرض خلافة راشدة صاعدة،من العبيد للهوى و لبعضهم بعضا.

و تقوى اللّه يقظة واعية تصون من الاندفاع و التّهوّر و الشّطط و الغرور،في دفعة الحركة و دفعة الحياة،و توجّه الجهد البشريّ في حذر و تحرّج،فلا يعتدي،و لا يتهوّر، و لا يتجاوز حدود النّشاط الصّالح.

و حين تسير الحياة متناسقة بين الدّوافع و الكوابح، عاملة في الأرض،متطلّعة إلى السّماء،متحرّرة من الهوى و الطّغيان البشريّ،عابدة خاشعة للّه،تسير سيرة صالحة منتجة تستحقّ مدد اللّه بعد رضاه.فلا جرم تحفّها البركة،و يعمّها الخير،و يظلّها الفلاح.و المسألة-من هذا الجانب-مسألة واقع منظور-إلى جانب لطف اللّه المستور-واقع له علله و أسبابه الظّاهرة،إلى جانب قدر اللّه الغيبيّ الموعود.

و البركات الّتي يعد اللّه بها الّذين يؤمنون و يتّقون، في توكيد و يقين،ألوان شتّى لا يفصلها النّصّ و لا يحدّدها.

و إيحاء النّصّ القرآنيّ يصوّر الفيض الهابط من كلّ مكان،النّابع من كلّ مكان،بلا تحديد و لا تفصيل و لا بيان.فهي البركات بكلّ أنواعها و ألوانها و بكلّ صورها و أشكالها،ما يعهده النّاس و ما يتخيّلونه،و ما لم يتهيّأ لهم في واقع و لا خيال!

و الّذين يتصوّرون الإيمان باللّه و تقواه مسألة تعبّديّة بحتة،لا صلة لها بواقع النّاس في الأرض، لا يعرفون الإيمان و لا يعرفون الحياة.و ما أجدرهم أن ينظروا هذه الصّلة قائمة يشهد بها اللّه-سبحانه-و كفى باللّه شهيدا،و يحقّقها النّظر بأسبابها الّتي يعرفها النّاس وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ الأعراف:96.

و لقد ينظر بعض النّاس فيرى أمما-يقولون:إنّهم مسلمون-مضيّقا عليهم في الرّزق،لا يجدون إلاّ الجدب و المحق،و يرى أمما لا يؤمنون و لا يتّقون،مفتوحا عليهم في الرّزق و القوّة و النّفوذ،فيتساءل:و أين إذن هي السّنّة الّتي لا تتخلّف؟و لكن هذا و ذلك و هم تخيّله ظواهر الأحوال.

إنّ أولئك الّذين يقولون:إنّهم مسلمون،لا مؤمنون و لا متّقون،إنّهم لا يخلصون عبوديّتهم للّه،و لا يحقّقون في واقعهم شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.إنّهم يسلّمون رقابهم لعبيد منهم،يتألّهون عليهم،و يشرّعون لهم سواء القوانين أو القيم و التّقاليد،و ما أولئك بالمؤمنين.

فالمؤمن لا يدع عبدا من العبيد يتألّه عليه،و لا يجعل عبدا من العبيد ربّه الّذي يصرف حياته بشرعه و أمره.

و يوم كان أسلاف هؤلاء الّذين يزعمون الإيمان مسلمين حقّا،دانت لهم الدّنيا،و فاضت عليهم بركات من السّماء و الأرض،و تحقّق لهم وعد اللّه.

فأمّا أولئك المفتوح عليهم في الرّزق،فهذه هي السّنّة: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ الأعراف:95،فهو الابتلاء بالنّعمة الّذي مرّ ذكره،و هو أخطر من الابتلاء بالشّدّة.و فرق بينه و بين البركات الّتي يعدها اللّه من يؤمنون و يتّقون،فالبركة قد تكون مع القليل إذا أحسن الانتفاع به،و كان معه الصّلاح و الأمن و الرّضى

ص: 396

و الارتياح.و كم من أمّة غنيّة قويّة و لكنّها تعيش في شقوة،مهدّدة في أمنها،مقطّعة الأواصر بينها،يسود النّاس فيها القلق،و ينتظرها الانحلال.فهي قوّة بلا أمن، و هو متاع بلا رضى،و هي وفرة بلا صلاح،و هو حاضر زاه يترقّبه مستقبل نكد،و هو الابتلاء الّذي يعقبه النّكال.

إنّ البركات الحاصلة مع الإيمان و التّقوى،بركات في الأشياء،و بركات في النّفوس،و بركات في المشاعر، و بركات في طيّبات الحياة،بركات تنمي الحياة و ترفعها في آن،و ليست مجرّد وفرة مع الشّقوة،و التّردّي و الانحلال.(3:1338)

الطّباطبائيّ: البركات:أنواع الخير الكثير،ربّما يبتلي الإنسان بفقده كالأمن و الرّخاء و الصّحّة و المال و الأولاد و غير ذلك.

و قوله: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:96،فيه استعارة بالكناية،فقد شبّهت البركات بمجاري تجري منها عليهم كلّ ما يتنعّمون به من نعم اللّه،لكنّها سدّت دونهم فلا يجري عليهم منها شيء،لكنّهم لو آمنوا و اتّقوا لفتحها اللّه سبحانه،فجرى عليهم منها بركات السّماء من الأمطار و الثّلوج و الحرّ و البرد،و غير ذلك كلّ في موقعه، و بالمقدار النّافع منه،و بركات الأرض من النّبات و الفواكه و الأمن و غيرها.

ففي الكلام استعارة المجاري للبركات،ثمّ ذكر بعض لوازمه و آثاره،و هو الفتح للمستعار له.(8:201)

عبد الكريم الخطيب: هو تعقيب على ما حلّ بالظّالمين من بلاء و نكال،ثمّ هو وعيد للمشركين من أهل مكّة،و ما حولها من القرى.

فهؤلاء الّذين أخذوا بظلمهم،لو أنّهم آمنوا باللّه، و صدّقوا رسله،و اتّقوا محارم اللّه،و أقاموا شريعته، لكانوا في عافية من أمرهم،و في سعة من رزقهم،و لفتح اللّه عليهم بركات من السّماء الّتي رمتهم بالصّواعق، و بركات من الأرض الّتي زلزلت بهم،و رجفت،و فغرت أفواهها لابتلاعهم.أ فلا يكون في هؤلاء القوم عبرة لمعتبر،و ذكرى لمن يتذكّر؟و ما ذا تنتظر أمّ القرى و من حولها،و قد استغلظ فيها الشّرك،و عاث فيها المشركون؟

و السّؤال هنا:هل من مقتضى الإيمان و التّقوى أن تفتح على المؤمن التّقيّ بركات من السّماء و الأرض؟أو بمعنى آخر:هل المؤمنون الأتقياء هم أكثر النّاس رزقا و أوفرهم مالا؟و كيف؟

و المشاهد أنّ الّذين يجتمع إلى أيديهم الغنى و الجاه و السّلطان،هم الّذين لا يؤمنون باللّه،أو الّذين يؤمنون به و لكن لا يتّقونه و لا يوقّرون حرماته!

فما تأويل قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... الأعراف:96.

و الجواب:أنّ المؤمن باللّه،المتّقي لحرماته،هو أكثر النّاس غنى في قلبه،و قناعة في نفسه،و رضى بقدره.

فالقليل في يد المؤمن التّقيّ هو كثير مبارك فيه،يسدّ حاجته،و يجلي عن نفسه هموم الدّنيا،و يقيمه على رضى دائم و اطمئنان متّصل،و سلام مقيم مع نفسه و مع

ص: 397

النّاس،و مع الوجود كلّه.

و هذا هو السّرّ في وصف الرّزق المنزل من السّماء، و النّابت من الأرض بالبركة.فهو رزق ممسوس بنفحات البركة الّتي تجعل القليل كثيرا،ينمو على الإنفاق،كما تنمو النّبتة المباركة في الأرض الطّيّبة.

فالمجتمع المؤمن التّقيّ،مجتمع مثاليّ في حياته.

و ما يرفّ عليها من أرواح السّلام،و الأمن و الاستقرار؛ حيث لا ظلم و لا بغي و لا عدوان،و حيث النّاس إخوان على طريق اللّه،و على التّناصح و التّواصي بالحقّ و الخير.

فأيّ بركة أعظم من تلك البركة،و أيّ حياة أطيب و أكرم من هذه الحياة،الّتي يجتمع فيها الإنسان إلى الإنسان،بقلب سليم،و نفس مطمئنّة،لا يحمل لأحد شرّا،و لا يتربّص له أحد بسوء؟

و في هذا يقول الشّاعر العربيّ:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها

و لكنّ أخلاق الرّجال تضيق

فحيث كان الإيمان و التّقى،كان الإخاء و الأمن و السّلام و العافية.(5:439)

المصطفويّ: أي فيوضات مادّيّة و معنويّة.

(1:245)

2- قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ... هود:48

ابن عبّاس: سعادات.(186

نحوه الفرّاء.(2:18)

الطّبريّ: و على قرون تجيء من ذرّيّة من معك من ولدك،فهؤلاء المؤمنون من ذرّيّة نوح،الّذين سبقت لهم من اللّه السّعادة،و بارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمّهاتهم و أصلاب آبائهم.(12:55)

الطّوسيّ: معناه و نعم دائمة و خير ثابت حالا بعد حال.و أصله الثّبوت،فمنه البروك و البركة،لثبوت الماء فيها.[ثمّ استشهد بشعر](5:569)

نحوه الطّبرسيّ(3:168)،و شبّر(3:222).

الزّمخشريّ: مباركا عليك.و البركات:الخيرات النّامية.و قرئ(و بركة)على التّوحيد.(2:274)

نحوه أبو حيّان(5:231)،و الكاشانيّ(2:451).

ابن عطيّة: الخير و النّموّ في كلّ الجهات.

(3:179)

ابن الجوزيّ: قال المفسّرون:البركات عليه:أنّه صار أبا للبشر جميعا،لأنّ جميع الخلق من نسله.

(4:115)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى لمّا وعده بالسّلامة أردفه بأن وعده بالبركة،و هي عبارة عن الدّوام و البقاء، و الثّبات و نيل الأمل.و منه بروك الإبل،و منه البركة لثبوت الماء فيه،و منه تبارك و تعالى،أي ثبت تعظيمه، ثمّ اختلف المفسّرون في تفسير هذا الثّبات و البقاء.

فالقول الأوّل:أنّه تعالى صيّر نوحا أبا البشر،لأنّ جميع من بقي كانوا من نسله.و عند هذا قال هذا القائل:

إنّه لمّا خرج نوح من السّفينة مات كلّ من كان معه ممّن لم يكن من ذرّيّته،و لم يحصل النّسل إلاّ من ذرّيّته، فالخلق كلّهم من نسله و ذرّيّته.و قال آخرون:لم يكن في سفينة نوح عليه السّلام إلاّ من كان من نسله و ذرّيّته.

ص: 398

و على التّقديرين فالخلق كلّهم إنّما تولّدوا منه و من أولاده،و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ الصّافّات:77؛فثبت أنّ نوحا عليه السّلام كان آدم الأصغر،فهذا هو المراد من«البركات»الّتي وعده اللّه بها.

و القول الثّاني:أنّه تعالى لمّا وعده بالسّلامة من الآفات،و عده بأنّ موجبات السّلامة و الرّاحة و الفراغة، يكون في التّزايد و الثّبات و الاستقرار.(18:6)

نحوه الشّربينيّ.(2:62)

ابن عربيّ: بتقنين قوانين الشّرع،و تأسيس قواعد العدل الّذي ينمو به كلّ شيء و يزيد.(1:567)

القرطبيّ: أي نعم ثابتة،مشتقّ من:بروك الجمل، و هو ثبوته و إقامته.(9:48)

البيضاويّ: مباركا عليك،أو زيادات في نسلك، حتّى تصير آدما ثانيا.و قرئ(اهبط)بالضّمّ،(و بركة) على التّوحيد،و هو الخير النّامي.(1:470)

النّسفيّ: هي الخيرات النّامية،و هي في حقّه بكثرة ذرّيّته و أتباعه،فقد جعل أكثر الأنبياء من ذرّيّته، و أئمّة الدّين في القرون الباقية من نسله.(2:192)

أبو السّعود: أي خيرات نامية في نسلك،و ما يقوم به معاشك و معاشهم من أنواع الأرزاق.

و قرئ(بركة)و هذا إعلام و بشارة من اللّه تعالى بقبول توبته،و خلاصه من الخسران،بفيضان أنواع الخيرات عليه،في كلّ ما يأتي و ما يذر.(3:320)

نحوه البروسويّ.(4:141)

الآلوسيّ: أي خيرات نامية في نسلك،و ما يقوم به معاشك و معاشهم من أنواع الأرزاق،أو مباركا عليك، أي مدعوّا لك بالبركة،بأن يقال:بارك اللّه تعالى فيك، و هو مناسب لكون السّلام بمعنى التّسليم،فيكون كقوله:

السّلام عليك و رحمة اللّه تعالى و بركاته.[إلى أن قال:]

و حكى عبد العزيز بن يحيى عن الكسائيّ أنّه قرأ (و بركة)بالتّوحيد،و في الآية على القراءتين صنعة الاحتباك،لأنّه حذف من الثّاني ما ذكر في الأوّل،و ذكر فيه ما حذف من الأوّل،و التّقدير:سلام منّا عليك و بركات،أو بركة منّا عليك.

و هذا منه تعالى إعلام و بشارة بقبول توبته عليه السّلام، و خلاصه من الخسران،مع الإشارة إلى عود الأرض إلى حالها من الإنبات و غيره.(12:73)

الطّباطبائيّ: تبديل البركة في آخر الآية إلى التّمتّع،يدلّ على أنّ المراد ب«البركات»ليس مطلق النّعم و أمتعة الحياة،بل النّعم من حيث تسوق الإنسان إلى الخير و السّعادة و العاقبة المحمودة.(10:239)

بركاته

قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. هود:73

ابن عبّاس: سعاداته.(تنوير المقباس:188)

مثله الفرّاء.(2:23)

الطّبريّ: رحمة اللّه و سعادته لكم أهل بيت إبراهيم.(12:77)

الأزهريّ: البركات:السّعادة.

و كذلك قوله في التّشهّد:السّلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللّه و بركاته،لأنّ من أسعده اللّه بما أسعد به

ص: 399

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقد نال السّعادة،المباركة الدّائمة.

(10:231)

القشيريّ: البركة:الزّيادة،فقد اتّصل النّسل من الخليل،و بنو إسرائيل منهم و هم خلق كثير،و العرب من أولاد إسماعيل و هم الجمّ الغفير.(3:147)

الزّمخشريّ: قيل:الرّحمة:النّبوّة،و البركات:

الأسباط من بني إسرائيل،لأنّ الأنبياء منهم،و كلّهم من ولد إبراهيم.(2:281)

نحوه ابن الجوزيّ(4:133)،و النّسفيّ(2:197).

الفخر الرّازيّ: المقصود من هذا الكلام ذكر ما يزيل ذلك التّعجّب،و تقديره:إنّ رحمة اللّه عليكم متكاثرة،و بركاته لديكم متوالية متعاقبة،و هي النّبوّة و المعجزات القاهرة،و التّوفيق للخيرات العظيمة.

(18:28)

القرطبيّ: البركة:النّموّ و الزّيادة.و من تلك البركات أنّ جميع الأنبياء و المرسلين كانوا في ولد إبراهيم و سارة.(9:71)

أبو حيّان: قيل:رحمته:تحيّته،و بركاته:فواضل خيره بالخلّة و الإمامة.(5:244)

أبو السّعود: أي خيراته النّامية المتكاثرة-في كلّ باب-الّتي من جملتها هبة الأولاد.(3:334)

نحوه البروسويّ(4:164)،و الآلوسيّ(12:

101).

تبارك

1- ...أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

الأعراف:54

ابن عبّاس: تَبارَكَ اللّهُ: ذو بركة،و يقال:

تعالى اللّه،و يقال:تبرّأ.(تنوير المقباس:129)

جاء بكلّ بركة.(البغويّ 2:198)

تفاعل من البركة.(ابن الجوزيّ 3:214)

نحوه الفرّاء(ابن الجوزيّ 3:214)،و الزّجّاج (الأزهريّ 10:230)

الحسن: تجيء البركة من عنده.

(البغويّ 2:198)

اللّيث:تمجيد و تعظيم.(الأزهريّ 10:230)

المبرّد: تبارك:ارتفع،و المتبارك:المرتفع.

(ابن الجوزيّ 3:214)

أبو مالك:«افتعل»من البركة.

(ابن الجوزيّ 3:214)

حسين بن فضل: تبارك في ذاته،و بارك في خلقه.

(أبو الفتوح 2:402)

ابن الأنباريّ: أنّ المعنى:باسمه يتبرّك في كلّ شيء.أنّ معنى(تبارك):تقدّس،أي تطهّر.

(ابن الجوزيّ 3:214)

الأزهريّ: تعالى و تعاظم و ارتفع.

(القرطبيّ 7:223)

الطّوسيّ: معناه تبارك تعالى بالوحدانيّة فيما لم يزل و لا يزال،و أصله:الثّبات.[ثمّ استشهد بشعر]فهو بمعنى تعالى بدوام الثّبات.و يحتمل تعالى بالبركة في ذكر اسمه.(4:454)

القشيريّ: تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هذه

ص: 400

الكلمة مجمع الدّعاء،لاشتمالها على إفادة معنى قدمه و دوام ثبوته؛من حيث يقال:برك الطّير على الماء.

و أفادت معنى جلاله الّذي هو استحقاقه،لنعوت العزّ لأنّه قد تبارك،أي تعظّم.و أشارت إلى إسداد النّعم و إتاحة الإحسان؛من حيث أنّ البركة هي الزّيادة،فهي مجمع الثّناء و المدح للحقّ سبحانه.(2:235)

الرّاغب: قوله تعالى: فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ المؤمنون:14، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ الفرقان:1، تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنّاتٍ الفرقان:10، تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ الأعراف:54، تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ الملك:

1.

كلّ ذلك تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة،مع ذكر(تبارك).(44)

ابن عطيّة: معناه عظم و تعالى و كثرت بركاته، و لا يوصف بها إلاّ اللّه تعالى.

و(تبارك)لا يتصرّف في كلام العرب،لا يقال منه:

يتبارك،و هذا منصوص عليه لأهل اللّسان.و علّة ذلك أنّ(تبارك)لمّا لم يوصف بها غير اللّه تعالى لم تقتض مستقبلا؛إذ اللّه قد تبارك في الأزل.

و قد غلط بها أبو عليّ القاليّ،فقيل له:كيف المستقبل من تبارك؟فقال:يتبارك،فوقف على أنّ العرب لم تقله.

(2:409)

الطّبرسيّ:أي تعالى بالوحدانيّة فيما لم يزل و لا يزال،فهو بمعنى تعالى بدوام الثّبات.و قيل معناه:

تعالى عن صفات المخلوقين و المحدثين.و قيل:تعالى بدوام البركة،أي البركة في ذكر اسمه.(2:428)

الفخر الرّازيّ: «البركة»لها تفسيران:أحدهما:

البقاء و الثّبات،و الثّاني:كثرة الآثار الفاضلة و النّتائج الشّريفة،و كلا التّفسيرين لا يليق إلاّ بالحقّ سبحانه.

فإن حملته على الثّبات و الدّوام؛فالثّابت و الدّائم هو اللّه تعالى،لأنّه الموجود الواجب لذاته،العالم لذاته، القائم بذاته،الغنيّ في ذاته و صفاته و أفعاله و أحكامه، عن كلّ ما سواه،فهو سبحانه مقطع الحاجات و منهى الافتقارات،و هو غنيّ عن كلّ ما سواه في جميع الأمور.

و أيضا إن فسّرنا«البركة»بكثرة الآثار الفاضلة، فالكلّ بهذا التّفسير من اللّه تعالى،لأنّ الموجود إمّا واجب لذاته،و إمّا ممكن لذاته.

و الواجب لذاته ليس إلاّ هو،و كلّ ما سواه ممكن، و كلّ ممكن فلا يوجد إلاّ بإيجاد الواجب لذاته.و كلّ الخيرات منه،و كلّ الكمالات فائضة من وجوده و إحسانه،فلا خير إلاّ منه،و لا إحسان إلاّ من فيضه، و لا رحمة إلاّ و هي حاصلة منه.

فلمّا كان الخلق و الأمر ليس إلاّ منه،لا جرم كان الثّناء المذكور بقوله: تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ لا يليق إلاّ بكبريائه،و كمال فضله،و نهاية جوده و رحمته.

(14:119)

نحوه النّيسابوريّ.(8:141)

القرطبيّ: «تفاعل»من البركة،و هي الكثرة و الاتّساع.(7:223)

البيضاويّ: تعالى بالوحدانيّة في الألوهيّة، و تعظّم بالتّفرّد في الرّبوبيّة.(1:352)

ص: 401

نحوه أبو السّعود(2:498)،و الكاشانيّ(2:205).

النّسفيّ: كثر خيره أو دام برّه،من البركة:

النّماء،أو من البروك:الثّبات،و منه البركة.(2:56)

ابن جزّيّ: (تبارك)من البركة،و هو فعل غير منصرف،لم تنطق له العرب بمضارع.(2:34)

أبو حيّان: أي علا و عظم.(4:310)

البروسويّ: أي تعالى بالوحدانيّة في الألوهيّة، و تعظّم بالتّفرّد في الرّبوبيّة.قال ابن الشّيخ:«أي تعاظم الإله الواحد الموجد للكلّ،المتصرّف فيه بالرّبوبيّة،ردّ به على الكفرة الّذين كانوا يتّخذون أربابا،فدعاهم إلى التّوحيد بالحكمة و الحجّة.

و صدّر الآية ب(انّ)ردّا لإنكارهم،فقال:(انّ ربّكم)المستحقّ للرّبوبيّة ليس إلاّ واحدا،و هو اللّه الموجد للكلّ على التّرتيب المحكم المتقن،الدّالّ على كمال العلم و الحكمة و القدرة،و هو الّذي أنشأ ملكه على ما يشاهد،ثمّ أخذ في تدبيره كالملك المتمكّن في مملكته بتدبير ملكه»انتهى.

يروى أنّ الصّاحب ابن عبّاد كان يتردّد في معنى:

«الرّقيم،و تبارك،و المتاع»،و يدور على قبائل العرب، فسمع امرأة تسأل أين المتاع؟و يجيب ابنها الصّغير بقوله:جاء الرّقيم،أي الكلب،و أخذ المتاع،و تبارك الجبال.

فاستفسر منهم،و عرف:أنّ«الرّقيم»هو الكلب، و أنّ«المتاع»هو ما يبلّ بالماء فيمسح به القصاع،و أنّ (تبارك)بمعنى صعد و تعالى.(3:176)

الآلوسيّ: أي تقدّس و تنزّه عن كلّ نقص، و يدخل في ذلك تنزّهه تعالى عن نقص في الخلق،أو في الأمر،دخولا أوّليّا،ففي ذلك إشارة إلى أنّهما طبق الحكمة و في غاية الكمال.و لا يقال ذلك في غيره تعالى، بل هو صفة خاصّة به سبحانه كما في«القاموس (1)».

و قال الإمام (2):إنّ«البركة»لها تفسيران:أحدهما:

البقاء و الثّبات،و الثّاني:كثرة الآثار الفاضلة.فإن حملته على الأوّل فالثّابت الدّائم هو اللّه تعالى،و إن حملته على الثّاني فكلّ الخيرات و الكمالات من اللّه تعالى،فهذا الثّناء لا يليق إلاّ بحضرته جلّ و علا.

و اختار الزّجّاج أنّه من البركة،بمعنى الكثرة من كلّ خير.و لم يجئ منه مضارع و لا أمر و لا اسم فاعل مثلا.

و قال البيضاويّ: المعنى تعالى بالوحدانيّة و الألوهيّة و تعظّم بالتّفرّد بالرّبوبيّة،و على هذا فهو ختام لوحظ فيه مطلعه،ثمّ حقّق الآية بما لا يخلو عن دغدغة،و مخالفة لما عليه سلف الأمّة.ثمّ إنّه تعالى بعد أن بيّن التّوحيد و أخبر أنّه المتفرّد بالخلق و الأمر،أمر عباده أن يدعوه مخلصين متذلّلين.(8:138)

القاسميّ: أي تقدّس و تنزّه و تعالى و تعاظم.

(7:2571)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(4:416)

رشيد رضا: أي تعاظمت و تزايدت بركات اللّه ربّ العالمين كلّهم و مدبّر أمورهم،و الحقيق وحده بعبادتهم.

و(تبارك)من مادّة البركة،و هي الخير الكثيرّ.

ص: 402


1- للفيروزآباديّ.
2- الفخر الرّازيّ.

الثّابت،فهي هنا تنبيه على ما في هذا العالم من الخيرات و النّعم،الّتي توجب له الشّكر و العبادة على عباده دون ما عبدوه معه،و ليس لهم من الخلق و لا من الأمر شيء.(8:455)

نحوه المراغيّ.(8:175)

حسنين مخلوف: كثر خيره و إحسانه،من البركة بمعنى الكثرة من كلّ خير،و أصلها:النّماء و الزّيادة.

أو ثبت و دام كما لم يزل و لا يزال،من البركة بمعنى الثّبوت؛يقال:برك البعير،إذا أناخ في موضعه فلزمه و ثبت فيه،و كلّ شيء ثبت و دام فقد برك.

أو تعالى و تعظّم و ارتفع،أو تقدّس و تنزّه عن كلّ نقص.(1:264)

الطّباطبائيّ: أي كان ذا بركات،ينزلها على مربوبيه،من جميع من في العالمين،فهو ربّهم.

(8:153)

محمّد جواد مغنيّة: أي تعالى بعظمته،و هو فعل غير منصرف،لا يصاغ منه أمر و لا مضارع.(3:337)

المصطفويّ: أي استمرّ و دام مقام فضله و إحسانه و فيضه،فهو مبدأ الفضل،و فيه الفضل.

(1:245)

2- اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ. المؤمن:64

ابن عبّاس: (فتبارك اللّه):ذو بركة.(398)

الطّوسيّ:أي جلّ بأنّه الثّابت الدّائم الّذي لم يزل و لا يزال.(9:91)

مثله الطّبرسيّ.(4:530)

أبو الفتوح: المتعالي و الباقي.(17:45)

الفخر الرّازيّ: تفسير(تبارك)إمّا الدّوام و الثّبات،و إمّا كثرة الخيرات.(27:84)

البيضاويّ: فإنّ كلّ ما سواه مربوب،مفتقر بالذّات معرض للزّوال.(2:340)

مثله الكاشانيّ.(4:347)

ابن كثير :أي فتعالى و تقدّس و تنزّه ربّ العالمين كلّهم.(6:152)

الشّربينيّ: أي ثبت ثباتا عظيما مع اليمن و الخير و حسن المدد و الفيض.(3:494)

أبو السّعود: أي تعالى بذاته.(5:426)

مثله الآلوسيّ.(24:83)

البروسويّ: صفة خاصّة باللّه تعالى،أي تقدّس و تنزّه و تعالى بذاته،عن أن يكون له شريك في العبادة، إذ لا شريك له في شيء من تلك النّعم.(8:206)

شبّر:دام خيره؛إذ لا ربّ و لا إله غيره.

(5:357)

القاسميّ: أي الّذي لا تصلح الرّبوبيّة إلاّ له.

(14:5178)

المراغيّ: أي ذلكم الّذي أنعم عليكم بهذه النّعم، هو الّذي لا تنبغي الألوهة إلاّ له،و لا تصلح الرّبوبيّة لغيره،لا من لا ينفع و لا يضرّ،فتقدّس سبحانه و تنزّه

ص: 403

و هو ربّ العالمين.(24:90)

الطّباطبائيّ: ثناء عليه عزّ و جلّ بربوبيّته لجميع العالمين.و قد فرّعه على ربوبيّته.و تدبيره للإنسان إشارة إلى أنّ الرّبوبيّة واحدة،و تدبيره لأمر الإنسان عين تدبيره لأمر العالمين جميعا،فإنّ النّظام الجاري نظام واحد،روعي في انطباقه على كلّ،انطباقه على الكلّ، فهو سبحانه متبارك منشأ للخير الكثير،فتبارك اللّه ربّ العالمين.(17:346)

عبد الكريم الخطيب: أي علا و عظم ربّكم هذا، إنّه ربّ العالمين.(12:1261)

طه الدّرّة: أي تنزّه اللّه عن كلّ ما لا يليق به.و في سورة الفرقان:تكاثر خيره من البركة،و هي كثرة الخير و زيادته،أو تزايد عن كلّ شيء،و تعالى عنه في صفاته و أفعاله.

و هي كلمة تقديس و تعظيم،لم تستعمل إلاّ للّه وحده،و هو ملازم للماضي،لا يأتي منه مضارع و لا أمر.

[ثمّ استشهد بشعر](12:605)

الحجازيّ: تبارك اللّه و تزايد فضله،و تكامل خيره.(24:38)

3- ...ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. المؤمنون:14

الطّوسيّ: معنى(تبارك)استحقّ التّعظيم،بأنّه قديم لم يزل و لا يزال.و هو مأخوذ من البروك،و هو الثّبوت.(7:354)

الزّمخشريّ: فتعالى أمره في قدرته و علمه.

(3:28)

نحوه البيضاويّ(2:103)،و النّسفيّ(3:155)، و البروسويّ(6:72)،و النّهاونديّ(3:165).

ابن عطيّة: (تبارك):مطاوع بارك،فكأنّها بمنزلة تعالى و تقدّس،من معنى البركة.(4:138)

الطّبرسيّ: أي تعالى اللّه،و دام خيره و ثبت.

(4:101)

نحوه شبّر.(4:268)

ابن الجوزيّ: أي استحقّ التّعظيم و الثّناء.

(5:465)

الفخر الرّازيّ: أي فتعالى اللّه.فإنّ البركة يرجع معناها إلى الامتداد و الزّيادة،و كلّ ما زاد على الشّيء فقد علاه.و يجوز أن يكون المعنى:و البركات و الخيرات كلّها من اللّه تعالى.

و قيل:أصله من:البروك،و هو الثّبات،فكأنّه قال:و البقاء و الدّوام.و البركات كلّها منه،فهو المستحقّ للتّعظيم و الثّناء.(23:85)

نحوه النّيسابوريّ.(18:10)

أبو حيّان: (تبارك)فعل ماض لا يتصرّف،و معناه:

تعالى و تقدّس.(6:398)

الشّربينيّ: أي تنزّه عن كلّ شائبة نقص،و حاز جميع صفات الكمال.(2:573)

أبو السّعود: فتعالى شأنه في علمه الشّامل، و قدرته الباهرة،و الالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة،و إدخال الرّوعة،و الإشعار بأنّ ما ذكر من الأفاعيل العجيبة من أحكام الألوهيّة،و للإيذان بأنّ

ص: 404

حقّ كلّ من سمع ما فصّل من آثار قدرته عزّ و علا،أو لاحظه،أن يسارع إلى التّكلّم به إجلالا،و إعظاما لشئونه تعالى.(4:405)

نحوه الآلوسيّ.(18:15)

الطّريحيّ: أي ثبت الخير عنده و في خزائنه.

و قيل:(تبارك)أي علا.

و يقال:تبارك و تعظّم و اتّسعت رحمته و كثرت نعمته«تفاعل»من البركة،و لا يجيء من هذا خاصّة الفعل المضارع.

و قيل: تَبارَكَ اللّهُ: بارك اللّه،مثل قابل و تقابل، إلاّ أنّ«فاعل»يتعدّى،و«تفاعل»لا يتعدّى.

و يقال: تَبارَكَ اللّهُ: تقدّس،و القدس:الطّهارة.

(5:258)

القاسميّ: أي تعاظم قدرة و حكمة و تصرّفا.

(12:4391)

المراغيّ: أي فتنزّه ربّنا جلّت قدرته،و هو أحسن المقدّرين المصوّرين.(18:9)

الطّباطبائيّ: التّبارك منه تعالى:اختصاصه بالخير الكثير،الّذي يجود به و يفيضه على خلقه.

و قد تقدّم أنّ الخلق في أصله بمعنى التّقدير،فهذا الخير الكثير كلّه في تقديره،و هو إيجاد الأشياء، و تركيب أجزائها؛بحيث تتناسب فيما بين أنفسها و تناسب ما وراءها،و من ذلك ينتشر الخير الكثير.(15:21)

عبد الكريم الخطيب: هو تمجيد للّه،و تسبيح بجلاله و عظمته،يقولها الحقّ سبحانه و تعالى ممجّدا ذاته، و يقولها الوجود كلّه تسبيحا و صلاة و حمدا،للخالق المبدع المصوّر.(9:1122)

طه الدّرّة: معنى(تبارك):تقدّس و تعظّم و تعالى و تنزّه،و هو ملازم للماضي،لا يأتي منه مضارع و لا أمر.(9:287)

عبد المنعم الجمّال: تنزّه و تعالت قدرته الباهرة أن يكون له ندّ في ألوهيّته.(3:2089)

الحجازيّ: تعالى اللّه خالق هذا الإنسان، فالبركات و الخيرات و النّعم كلّها منه سبحانه و تعالى، و هو المستحقّ للثّناء و التّعظيم و العبادة،لا إله غيره، و لا معبود سواه.(8:18)

4- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً. الفرقان:1

ابن عبّاس: يقول:ذو بركة،و يقال:(تبارك) تعالى و ارتفع،و تبرّأ عن الولد و الشّريك.(300)

لم يزل و لا يزول.(أبو حيّان 6:480)

هو من البركة و هو التّزايد في الخير من قبله.

مثله الحسن و النّخعيّ.(أبو حيّان 6:480)

تفاعل من البركة.(الطّبريّ 18:179)

نحوه الطّبريّ.(18:179)

النّخعيّ: خالق البركة.(الماورديّ 4:130)

الضّحّاك: تعظّم.(أبو حيّان 6:480)

الحسن:أنّه الّذي يجيء البركة من قبله

(الماورديّ 4:130)

ص: 405

الفرّاء:هو من البركة،و هو في العربيّة كقولك:

تقدّس ربّنا.

البركة و التّقدّس:العظمة،و هما بعد سواء.

(2:262)

الزّجّاج: معناه«تفاعل»من البركة،كذلك يقول أهل اللّغة،و كذلك روي عن ابن عبّاس،و معنى البركة:الكثرة في كلّ ذي خير.(4:57)

النّحّاس: «تفاعل»من البركة،و هي حلول الخير.

و منه:فلان مبارك،أي الخير يحلّ بحلوله،مشتقّ من:

البرك و البركة،و هما المصدر.(5:8)

الثّعلبيّ: يقال:تبارك اللّه،و لا يقال:متبارك و لا مبارك،لأنّه ينتهي في أسمائه و صفاته إلى حيث ورد التّوقيف.(القرطبيّ 13:1)

القيسيّ: هو«تفاعل»من البركة،و البركة:

الكثرة من كلّ خير.و معناه تبارك عطاؤه،أي زاد و كثر.و قيل:معناه دام و ثبت إنعامه،و هو من:برك الشّيء،إذا ثبت.(2:192)

الماورديّ: في«البركة»ثلاثة أقاويل:أحدها:

العلوّ،الثّاني:الزّيادة،الثّالث:العظمة.فيكون تأويله على الوجه الأوّل:تعالى،و على الوجه الثّاني:تزايد، و على الوجه الثّالث:تعاظم.(4:130)

الطّوسيّ: معنى(تبارك)تقدّس و جلّ،بما لم يزل عليه من الصّفات،و لا يزال كذلك،و لا يشاركه فيها غيره.و أصله من بروك الطّير على الماء،فكأنّه قال:

ثبت فيما لم يزل و لا يزال الّذي نزّل الفرقان على عبده.

و قال ابن عبّاس:(تبارك)«تفاعل»من البركة، فكأنّه قال:ثبت بكلّ البركة،أو حلّ بكلّ بركة.

(7:470)

القشيريّ: و(تبارك)على وزن«تفاعل»تفيد دوام بقائه و استحقاقه،لقدم ثبوته و بقاء وجوده،لا عن استفتاح و لا إلى انقطاع.

و في التّفاسير(تبارك)أي تعظّم و تكبّر.و عند قوم أنّه من«البركة»و هي الزّيادة و النّفع،فدوامه:وجوده، و تكبّره:استحقاق ذاته لصفاته العليّة،و البركة أو الزّيادة تشير إلى فضله و إحسانه و لطفه.

فوجوه الثّناء عليه تنحصر بهذه الأوجه الثّلاثة:

ثناء عليه بذكر ذاته و حقّه،و ثناء بذكر وصفه و عزّه، و ثناء بذكر إحسانه و فضله.فكلمة(تبارك)مجمع الثّناء عليه سبحانه.(4:298)

الكرمانيّ: هذه لفظة لا تستعمل إلاّ للّه، و لا تستعمل إلاّ بلفظ الماضي.و جاء في هذه السّورة في ثلاثة مواضع: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ و تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ الفرقان:10 و تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الفرقان:61،تعظيما لذكر اللّه.

و خصّت هذه المواضع بالذّكر لأنّ ما بعدها عظائم:

الأوّل:ذكر الفرقان،و هو القرآن المشتمل على معاني جميع كتب اللّه.

و الثّاني:ذكر النّبيّ،و اللّه خاطبه بقوله:لولاك يا محمّد ما خلقت الكائنات.

و الثّالث:ذكر البروج و السّيّارات و الشّمس و القمر و اللّيل و النّهار،و لولاها ما وجد في الأرض حيوان

ص: 406

و لا نبات.

و مثلها: فَتَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ المؤمن:64، و فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ المؤمنون:14، و تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ الملك:1.(141)

الزّمخشريّ: البركة:كثرة الخير و زيادته،و منها (تبارك اللّه)و فيه معنيان:تزايد خيره و تكاثر،أو تزايد عن كلّ شيء،و تعالى عنه في صفاته و أفعاله.(3:80)

ابن عطيّة: وزنه«تفاعل»و هو مطاوع«بارك» من البركة،و بارك«فاعل»من واحد معناه:زاد.

(تبارك)فعل مختصّ باللّه تعالى،لم يستعمل في غيره، و لذلك لم يصرف منه مستقبل و لا اسم فاعل،و هو صفة فعل،أي كثرت بركاته.(4:199)

الفخر الرّازيّ: البركة:كثرة الخير و زيادته،و فيه معنيان:أحدهما:تزايد خيره و تكاثر،و هو المراد من قوله: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إبراهيم:34.

و الثّاني:تزايد عن كلّ شيء،و تعالى عنه في ذاته و صفاته و أفعاله،و هو المراد من قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11.

و أمّا تعاليه عن كلّ شيء في ذاته،فيحتمل أن يكون المعنى جلّ بوجوب وجوده و قدمه عن جواز الفناء و التّغيّر عليه،و أن يكون المعنى جلّ بفردانيّته و وحدانيّته عن مشابهة شيء من الممكنات.

و أمّا تعاليه عن كلّ شيء في صفاته،فيحتمل أن يكون المعنى جلّ أن يكون علمه ضروريّا أو كسبيّا أو تصوّرا أو تصديقا،و في قدرته أن يحتاج إلى مادّة و مدّة و مثال،و جلب غرض و منال.

و أمّا في أفعاله فجلّ أن يكون الوجود و البقاء و صلاح حال الوجود إلاّ من قبله.

و قال آخرون:أصل الكلمة تدلّ على البقاء،و هو مأخوذ من:بروك البعير،و من:بروك الطّير على الماء، و سمّيت البركة بركة لثبوت الماء فيها.

و المعنى أنّه سبحانه و تعالى باق في ذاته أزلا و أبدا، ممتنع التّغيّر،و باق في صفاته ممتنع التّبدّل.و لمّا كان سبحانه و تعالى هو الخالق لوجوه المنافع و المصالح و المبقي لها،وجب وصفه سبحانه بأنّه:تبارك و تعالى.

(24:44)

نحوه البيضاويّ.(2:137)

القرطبيّ: اختلف في معناه،فقال الفرّاء:هو في العربيّة و«تقدّس»واحد،و هما للعظمة،و قال الزّجّاج:

(تبارك)«تفاعل»من البركة.قال:و معنى البركة:الكثرة من كلّ ذي خير و قيل:(تبارك)تعالى،و قيل:تعالى عطاؤه،أي زاد و كثر.

و قيل:المعنى دام و ثبت إنعامه.

قال النّحّاس: و هذا أولاها في اللّغة.و الاشتقاق من:برك الشّيء،إذا ثبت،و منه:برك الجمل و الطّير على الماء،أي دام و ثبت.فأمّا القول الأوّل فمخلّط،لأنّ التّقديس إنّما هو من الطّهارة،و ليس من ذا في شيء.(13:1)

النّسفيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و هي كلمة تعظيم لم تستعمل إلاّ للّه وحده، و المستعمل منه الماضي.(3:157)

نحوه ابن جزّيّ(3:74)،و أبو حيّان(6:480).

ص: 407

ابن كثير: هو«تفاعل»من البركة المستقرّة الثّابتة الدّائمة.(5:133)

أبو السّعود: البركة:النّماء و الزّيادة،حسّيّة كانت أو معنويّة،و كثرة الخير و دوامه أيضا.

و نسبتها إلى اللّه عزّ و جلّ على المعنى الأوّل،و هو الأليق بالمقام،باعتبار تعاليه عمّا سواه،في ذاته و صفاته و أفعاله،الّتي من جملتها تنزيل القرآن الكريم المعجز، النّاطق بعلوّ شأنه تعالى و سموّ صفاته،و ابتناء أفعاله على أساس الحكم و المصالح،و خلوّها عن شائبة الخلل بالكلّيّة.

و صيغة«التّفاعل»للمبالغة فيما ذكر،فإنّ ما لا يتصوّر نسبته إليه سبحانه حقيقة من الصّيغ كالتّكبّر و نحوه، لا تنسب إليه تعالى إلاّ باعتبار غايتها.

و على المعنى الثّاني باعتبار كثرة ما يفيض منه على مخلوقاته،لا سيّما على الإنسان،من فنون الخيرات، الّتي من جملتها تنزيل القرآن،المنطوي على جميع الخيرات الدّينيّة و الدّنيويّة.

و الصّيغة حينئذ يجوز أن تكون لإفادة نماء تلك الخيرات،و تزايدها شيئا فشيئا و آنا فآنا،بحسب حدوثها أو حدوث متعلّقاتها.و لاستقلالها بالدّلالة على غاية الكمال،و تحقّقها بالفعل،و الإشعار بالتّعجّب المناسب للإنشاء و الإنباء عن نهاية التّعظيم،لم يجز استعمالها في حقّ غيره تعالى،و لا استعمال غيرها من الصّيغ في حقّه تعالى.(4:491)

البروسويّ: أي تكاثر خير الّذي إلخ،فالمضاف محذوف.من البركة،و هي كثرة الخير و ترتيبه على تنزيل الفرقان،لما فيه من كثرة الخير دينيّا و دنيويّا.أو معناه تزايد على كلّ شيء،و تعالى عنه في صفاته و أفعاله،فإنّ البركة تتضمّن معنى الزّيادة،فترتيبه عليه لدلالته على تعاليه.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم: البركة:ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء.و سمّي محبس الماء بركة،لدوام الماء فيها و ثبوته، فمعنى تبارك:دام دواما ثابتا لا انتقال له،و لهذا لا يقال له:يتبارك مضارعا،لأنّه للانتقال.

قال في«برهان القرآن»:هذه لفظة لا تستعمل إلاّ للّه،و لا تستعمل إلاّ بلفظ الماضي.

و خصّ هذا الموضع بالذّكر لأنّ ما بعده أمر عظيم، و هو القرآن المشتمل على معاني جميع كتب اللّه.

(6:187)

الآلوسيّ: أي تعالى جلّ شأنه في ذاته و صفاته و أفعاله،على أتمّ وجه و أبلغه،كما يشعر به إسناد صيغة «التّفاعل»إليه تعالى.

و هذا الفعل لا يسند في الأغلب إلى غيره تعالى و مثله-تعالى-و لا يتصرّف.فلا يجيء منه مضارع و لا أمر،و لا و لا في الأغلب أيضا،و إلاّ فقد قرأ أبيّ،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى: (تباركت الأرض و من حولها) و جاء كما في«الكشف»تباركت النّخلة،أي تعالت.

و حكى الأصمعيّ أنّ أعرابيّا صعد رابية فقال لأصحابه:

تباركت عليكم.[ثمّ استشهد بشعر،و بعد نقل قول الخليل و الضّحّاك قال:]

و عن الحسن و النّخعيّ: أنّ المعنى تزايد خيره و عطاؤه و تكاثر،و هي إحدى روايتين عن ابن عبّاس

ص: 408

رضي اللّه تعالى عنهما.

ثانيتهما:أنّ المعنى لم يزل،و لا يزال.

و تحقيق ذلك أنّ(تبارك)من البركة،و هي في الأصل مأخوذة من:برك البعير،و هو صدره و منه برك البعير،إذا ألقى بركه على الأرض.

و اعتبر فيه معنى اللّزوم فقيل:براكاء الحرب، و بروكاؤها للمكان الّذي يلزمه الأبطال.و سمّي محبس الماء بركة كسدرة،ثمّ أطلقت على ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء ثبوت الماء في البركة.[و بعد نقل كلام الرّاغب قال:]

فمن اعتبر معنى«اللّزوم»كابن عبّاس-بناء على الرّواية الثّانية عنه-قال:المعنى لم يزل و لا يزال،أو نحو ذلك.و من اعتبر معنى«التّزايد»انقسم إلى طائفتين:

فطائفة جعلوه باعتبار كمال الذّات في نفسها.

و نقصان ما سواها،ففسّروا ذلك بالتّعالي و نحوه.

و طائفة جعلوه باعتبار كمال الفعل،ففسّروه بتزايد الخير و تكاثره.

و لا اعتبار للتّغيّر المبنيّ على اعتبار معنى اللّزوم، لقلّة فائدة الكلام عليه،و عدم مناسبة ذلك المعنى لما بعد،و من هنا ردّد الجمهور المعنى بين ما ذكرناه أوّلا، و ما روي عن الحسن و من معه.

و ترتيب وصفه تعالى بقوله سبحانه:(تبارك) بالمعنى الأوّل على إنزاله جلّ شأنه(الفرقان)لما أنّه ناطق بعلوّ شأنه سبحانه،و سموّ صفاته،و ابتناء أفعاله على أساس الحكم و المصالح،و خلوّها عن شائبة الخلل بالكلّيّة.

و ترتيب ذلك بالمعنى الثّاني عليه،لما فيه من الخير الكثير،لأنّه هداية و رحمة للعالمين،و فيه ما ينتظم به أمر المعاش و المعاد،و كلا المعنيين مناسب للمقام.

و رجّح الأوّل بأنّه أنسب به،لمكان قوله تعالى:

لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً الفرقان:1.

فقد قال الطّيّبيّ: في اختصاص«النّذير»دون «البشير»سلوك طريقة براعة الاستهلال،و الإيذان بأنّ هذه السّورة مشتملة على ذكر المعاندين،المتّخذين للّه تعالى ولدا و شريكا،و الطّاعنين في كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ النّساء:136.

و هذا المعنى يؤيّد تأويل(تبارك)بتزايد عن كلّ شيء،و تعالى عنه في صفاته و أفعاله جلّ و علا،لإفادته صفة الجلال و الهيبة،و إيذانه من أوّل الأمر بتعاليه سبحانه،عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا،و هو من الحسن بمكان.(18:230)

الطّباطبائيّ: البركة بفتحتين:ثبوت الخير في الشّيء،كثبوت الماء في البركة بالكسر فالسّكون مأخوذ من:برك البعير،إذا ألقى صدره على الأرض و استقرّ عليها،و منه التّبارك معنى ثبوت الخير الكثير و في صيغته دلالة على المبالغة على ما قيل،و هو كالمختصّ به تعالى،لم يطلق على غيره إلاّ على سبيل النّدرة.(15:173)

عبد الكريم الخطيب:عظمت بركته و كثر خيره و فضله.

و المراد بهذا الخبر:الثّناء على اللّه سبحانه و تعالى، و هو ثناء من ذاته لذاته جلّ و علا،و من حقّه على عباده أن يثنوا عليه،كما أثنى سبحانه على نفسه.

ص: 409

و قد كان من دعاء الرّسول صلوات اللّه عليه، و تسبيحه بحمد ربّه،قوله:«سبحانك،لا أحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت على نفسك..»و الثّناء على اللّه سبحانه من ذاته،أو من مخلوقاته في هذا المقام،إنّما هو شعور بعظم المنّة العظيمة،الّتي كانت بنزول القرآن، و ما في هذا القرآن من رحمة و هدى للعالمين.

(9:1343)

عبد المنعم الجمّال: تعالى و تنزّه و كثر خيره و عظم برّه.

تعاظمت بركة اللّه على عباده،و من مظاهر هذه البركة النّامية أنّه أنزل القرآن،الّذي يفرّق بين الحقّ و الباطل،بأحكامه الجامعة،و شرائعه العظيمة على رسوله الكريم محمّد صلوات اللّه و سلامه عليه،ليكون للإنس و الجنّ منذرا و مخوّفا من بأسه و عذابه.

(3:2201)

الحجازيّ: البركة:الزّيادة في الخير و كثرته.

البركة للّه وحده،و الحمد له،فقد تزايد خيره و تكاثرت نعمه وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إبراهيم:34،و قد تعالى و تزايد عن الكلّ ذاتا و صفة و فعلا،فالحمد للّه تبارك و تعالى،و كيف لا؟و هو اَلَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً الفرقان:1.(19:3)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً الفرقان:10

5- وَ تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما... الزّخرف:85

ابن عبّاس: تعالى و تبرّأ عن الولد و الشّريك.

(416)

الطّوسيّ: هو مأخوذ من البرك،و هو الثّبوت، و معناه جلّ الثّابت الّذي لم يزل و لا يزال.و قيل:معناه جلّ الّذي عمّت بركة ذكره.(9:220)

ابن عطيّة: «تفاعل»من البركة،أي تزيّدت بركاته.(5:66)

الطّبرسيّ: أي دامت بركته،فمنه البركات و إيصال السّعادات.و جلّ عن أن يكون له ولد أو شبيه، من له التّصرّف في السّماوات و الأرض،و فيما بينهما بلا دافع و لا منازع.(5:58)

الفخر الرّازيّ: إمّا أن يكون مشتقّا من الثّبات و البقاء،و إمّا أن يكون مشتقّا من كثرة الخير.و على التّقديرين فكلّ واحد من هذين الوجهين ينافي كون عيسى ولدا للّه تعالى،لأنّه إن كان المراد منه الثّبات و البقاء،فعيسى عليه السّلام لم يكن واجب البقاء و الدّوام،لأنّه حدث بعد أن لم يكن.

و إن كان المراد بالبركة كثرة الخيرات،مثل كونه خالقا للسّماوات و الأرض و ما بينهما،فعيسى لم يكن كذلك،بل كان محتاجا إلى الطّعام.(27:232)

الشّربينيّ: أي و ثبت ثباتا لا يشبهه ثبات،لأنّه لا زوال له مع اليمن و البركة و كلّ كمال،فلا شبيه له حتّى يدّعى أنّه ولد له أو شريك،ثمّ وصفه تعالى بما يبيّن تباركيّته و اختصاصه بالألوهيّة.(3:577)

البروسويّ:تعالى عن الولد و الشّريك،و جلّ عن

ص: 410

الزّوال و الانتقال،و عمّت بركة ذكره و زيادة شكره.(8:398)

سيّد قطب: أي تعاظم اللّه و تسامى عمّا يزعمون و يتصوّرون.(5:3204)

الطّباطبائيّ: ثناء عليه تعالى بالتّبارك،و هو مصدريّته للخير الكثير.(18:126)

عبد المنعم الجمّال: تعاظمت قدرة اللّه، و تزايدت عن كلّ شيء،و تنزّه سبحانه عن مماثلة المخلوقين.(4:2838)

الحجازيّ: تعالى و تعاظم،و زادت بركاته و خيراته.(25:51)

6- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ.

الرّحمن:78

ابن عبّاس: ذو بركة و رحمة،و يقال:تعالى و تبرّأ عن الولد و الشّريك.(تنوير المقباس:453)

الماورديّ:فيه وجهان:

أحدهما:معناه ثبت اسم ربّك و دام.

الثّاني:أنّ ذكر اسمه يمن و بركة،ترغيبا في مداومة ذكره.(5:444)

الطّوسيّ: معناه تعاظم و تعالى اسم ربّك،لأنّه يستحقّ أن يوصف بما لا يوصف به أحد،من كونه قديما و إلها،و قادرا لنفسه،و عالما حيّا لنفسه،و غير ذلك.

(9:486)

نحوه الطّبرسيّ.(5:211)

الفخر الرّازيّ: أصل التّبارك:من البركة،و هي الدّوام و الثّبات،و منها بروك البعير،و بركة الماء،فإنّ الماء يكون فيها دائما.و فيه وجوه:

أحدها:دام اسمه و ثبت.

و ثانيها:دام الخير عنده،لأنّ البركة و إن كانت من الثّبات لكنّها تستعمل في الخير.

و ثالثها:تبارك بمعنى علا و ارتفع شأنا لا مكانا.

(29:137)

أبو حيّان: و ناسب هنا ذكر ما اشتقّ من البركة و هي النّموّ و الزّيادة؛إذ جاء ذلك عقب ما امتنّ به على المؤمنين،و ما آتاهم في دار كرامته من الخير و زيادته و ديمومته.(8:200)

الشّربينيّ: قال ابن برّجان:«تفاعل»من البركة، و لا يكاد يذكره جلّ ذكره إلاّ عند أمر معجب إلى آخره، و معناه ثبت ثباتا لا تسع العقول وصفه.(4:177)

الطّباطبائيّ: ثناء جميل له تعالى بما امتلات النّشأتان-الدّنيا و الآخرة-بنعمه و آلائه،و بركاته النّازلة من عنده برحمته الواسعة.و بذلك يظهر أنّ المراد باسمه المتبارك هو الرّحمن،المفتتحة به السّورة، و التّبارك:كثرة الخيرات و البركات الصّادرة.

(19:111)

7- تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ... الملك:1

ابن عبّاس: يقول:ذو بركة،و يقال:تعالى و تعظّم و تقدّس و ارتفع،و تبرّأ عن الولد و الشّريك.

(تنوير المقباس:478)

التّبارك:«تفاعل»من البركة.(الماورديّ 6:49)

ص: 411

ابن عطاء: أي تبارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة.(الماورديّ 6:49)

يحيى بن سلاّم: معناه علا و ارتفع.

(الماورديّ 6:49)

الطّبريّ: تعاظم و تعالى.(29:1)

نحوه الزّجّاج.(5:197)

الماورديّ: هو أبلغ من المبارك،لاختصاص اللّه بالتّبارك،و اشتراك المخلوقين في المبارك.(6:49)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى مخبرا عن عظمته و علوّ شأنه: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ فمعنى(تبارك)بأنّه الثّابت،الّذي لم يزل و لا يزال.

و أصل الصّفة من الثّبوت من البرك،و هو ثبوت الطّائر على الماء.و منه البركة:ثبوت الخير بمائه.

و قيل:معناه تعاظم بالحقّ من لم يزل و لا يزال،و هو راجع إلى معنى الثّابت الدّائم.

و قيل:المعنى تبارك من ثبوت الأشياء به؛إذ لولاه لبطل كلّ شيء،لأنّه لا يصحّ شيء سواه إلاّ مقدوره أو مقدور مقدوره،الّذي هو القدرة،لأنّ اللّه تعالى هو الخالق لها.

و قيل:إنّ معناه(تبارك)لأنّ جميع البركات منه:إلاّ أنّ هذا المعنى مضمّن في الصّفة غير مصرّح به،و إنّما المصرّح به تعالى باستحقاق التّعظيم.(10:57)

ابن عطيّة: «تفاعل»من البركة،و هي التّزيّد في الخيرات،و لم يستعمل بيتبارك و لا متبارك.(5:337)

القرطبيّ: قيل:دام،فهو الدّائم الّذي لا أوّل لوجوده،و لا آخر لدوامه.(18:205)

الشّربينيّ: أي تكبّر و تقدّس و تعالى و تعاظم، و ثبت ثباتا لا مثل له مع اليمن و البركة.(4:336)

أبو السّعود: [قال مثل كلامه في تفسير الآية الرّابعة و أضاف:]

و إسنادها إلى الموصول للاستشهاد بما في حيّز الصّلة على تحقّق مضمونها...أي تعالى و تعاظم بالذّات عن كلّ ما سواه،ذاتا و صفة و فعلا،الّذي بقبضة قدرته التّصرّف الكلّيّ فيّ كلّ الأمور.(6:273)

نحوه الآلوسيّ.(3:29)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و المعنى:تعالى و تعاظم بالذّات عن كلّ ما سواه،ذاتا و صفة و فعلا،الّذي بقبضة قدرته التّصرّف الكلّيّ في كلّ الأمور،لا بقبضة غيره.

فيأمر و ينهى،و يعطي و يمنع،و يحيى و يميت،و يعزّ و يذلّ،و يفقر و يغني،و يمرض و يشفي،و يقرّب و يبعّد و يعمّر و يخرّب و يفرق و يصل،و يكشف و يحجب،إلى غير ذلك من شئون العظمة،و آثار القدرة الإلهيّة و السّلطنة الأزليّة و الأبديّة.

و قال بعضهم: البركة:كثرة الخير و دوامه،فنسبتها إلى اللّه تعالى باعتبار كثرة ما يفيض منه على مخلوقاته من فنون الخيرات،أي تكاثر خير الّذي بيده الملك،و تزايد نعمه و إحسانه،كما قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها النّحل:18.

و في«الكواشيّ»معنى(تبارك)تعالى عن صفات المحدثين،و جميع المستعمل من«ب ر ك»و بعكسه يشتمل على معنى،أي ثبت الثّبوت الخير في خزائن

ص: 412

الّذي (1).

و قال سهل قدّس سرّه:تعالى من تعظّم عن الأشباه و الأولاد و الأضداد و الأنداد،بيده الملك يقلّبه بحوله و قوّته،يؤتيه من يشاء،و ينزعه ممّن يشاء.

و قيل:يريد به النّبوّة،يعزّ بها من اتّبع،و يذلّ بها من خالف.

و قال جعفر قدّس سرّه: هو المبارك على من انقطع إليه أو كان له،أي فإنّه وارث النّبيّ عليه السّلام و خليفته و قد قيل في حقّه:و بارك عليه.(10:72)

شبّر: تعالى و تكاثر خير من بقبضته و قدرته التّصرّف في الأمور كلّها.(6:249)

سيّد قطب: هذه التّسبيحة في مطلع السّورة توحي بزيادة بركة اللّه و مضاعفتها،و تمجيد هذه البركة الرّابية الفائضة.و ذكر(الملك)بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا الملك،و تمجيدها في الكون بعد تمجيدها في جناب الذّات الإلهيّة.

و هي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود.و يعمر بها قلب كلّ موجود،و هي تنطلق من النّطق الإلهيّ في كتابه الكريم،من الكتاب المكنون،إلى الكون المعلوم.

(6:3631)

الطّباطبائيّ: تبارك الشّيء:كثرة صدور الخيرات و البركات عنه.(19:348)

عبد الكريم الخطيب: معنى(تبارك)أي تمجّد و تعظّم،و كثر خيره و بركته على مخلوقاته.فهو خبر يراد به إظهار ما أفاض اللّه سبحانه على هذا الوجود من خير و بركة.(15:1045)

عبد المنعم الجمّال: تنزّه سبحانه عن صفات ما سواه.(4:3143)

الحجازيّ: تعالى و تعاظم جلّ شأنه عمّا سواه، ذاتا و صفة و فعلا،الكامل الإحاطة،التّامّ الاستيلاء على كلّ المخلوقات.و تكاثر خيره و برّه على جميع خلقه،فهو صاحب التّصرّف التّامّ في الموجودات،على مقتضى إرادته و مشيئته بلا منازع،و هو على كلّ شيء قدير، و هو الحكيم الخبير.

و لفظ(تبارك)يدلّ على غاية الكمال،و نهاية التّعظيم و الإجلال،و لذا لا يجوز استعماله في حقّ غيره سبحانه و تعالى.(29:4)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: و قد وردت«البركة»في القرآن في أربعة عشر شيئا:

الأوّل:في الكعبة الّتي هي قبلة العالمين: لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً آل عمران:96.

الثّاني:في المطر الّذي به حياة المتنفّسين: وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً ق:9.

الثّالث:في السّلام الّذي هو شعار المسلمين:

تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً النّور:61.

الرّابع:في أولاد إبراهيم خليل ربّ العالمين:

وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ الصّافّات:113،

ص: 413


1- كذا،و الظّاهر:الّذي في خزائنه.

رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود:73. (1)

السّادس:في أولاد نوح شيخ المرسلين: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ هود:48.

السّابع:في الأرض الّتي هي مقرّ الآدميّين: وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فصّلت:10.

الثّامن:في البقعة الّتي هي محلّ موسى،حيث ناداه ربّ العالمين فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ القصص:30.

التّاسع:في نار موسى ليلة طور سينين أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ النّمل:8،أي في طلب النّار.

العاشر:في شجرة الزّيتون،الممثّل بنور معرفة العارفين يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ النّور:35.

الحادي عشر:في المسجد الأقصى الّذي هو ممرّ سيّد الرّسل إلى أعلى علّيّين إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ الإسراء:1.

الثّاني عشر:في ليلة القدر الّتي هي موسم الرّحمة و الغفران للعاصين و المذنبين إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ الدّخان:3.

الثّالث عشر:في القرآن الّذي هو أعظم معجزات البشر وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ الأنبياء:50.

الرّابع عشر:في المنزل الّذي قصد،لا على التّعيين رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً المؤمنون:29،أي حيث يوجد الخير الإلهيّ.

و البركة معناها ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء، و المادّة موضوعة للّزوم و الثّبوت،و قوله تعالى: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:96، سمّي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة.

و المبارك:ما فيه ذلك الخير.و قوله تعالى: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ الأنبياء:50،تنبيه على ما يفيض من الحياة الإلهيّة.

و لمّا كان الخير الإلهيّ يصدر من حيث لا يحسّ، و على وجه لا يحصى و لا يحصر،قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة:هو مبارك،و فيه بركة.و إلى هذه الزّيادة أشير بما روي:«لا ينقص مال من صدقة».

لا إلى النّقصان المحسوس،حيث ما قال بعض الملاحدة الخاسرين،حيث قيل له ذلك،فقال له:بيني و بينك الميزان،على أنّ عمّي و كان من أكابر الصّالحين أخبرني:أنّه كال كدسا من الطّعام،ثمّ أخرج منه الزّكاة، ثمّ إنّه كاله ثانية عند النّقل إلى المنزل،فوجده لم ينقص شيئا من الكيل الأوّل.(بصائر ذوي التّمييز 2:208)

الأصول اللّغويّة

الأصل في هذه المادّة عند ابن فارس«الثّبات» و تتفرّع منه فروع يقارب بعضها بعضا.

و يبدو أنّ الأصل فيها هو«صدر البعير»و منه اشتقّت سائر المعاني،يقال:أبركت الجمل فبرك،أي ثبت على صدره،و المبرك:ما يبرك عليه البعير.ثمّ تجاوز هذا المعنى إلى كلّ دابّة،فأطلق على جماعة الإبل،لأنّها تشرب الماء ثمّ تبرك في العطن.

و يقال:البروك،لنوء من أنواء الجوزاء،لأنّ أنواءها لا تسقط حتّى يكون فيها يوم و ليلة تبرك الإبل فيهما،

ص: 414


1- الخامس سقط في الأصل.

من شدّة برده و مطره.

و لدلالة«البرك»على الثّبات نشأ منه الثّبات، و لا سيّما في الحرب،و منه:البركان و البركة،و البرك:

الصّهاريج في طريق مكّة،سمّيت بها لأنّ الإبل تبرك عندها للشّرب.

كما نشأ منه الجهد،يقال:أبرك الفرس في عدوه،أي اجتهد.و كذلك العلوّ،و هو أحد معاني تبارك اللّه،أي تعالى على كلّ شيء.

و نشأ منه أيضا الزّيادة،و هي البركة،و استعمل منها المبارك،و التّبريك،قول:بارك اللّه لك،و يقال لذي الحجّة:برك،لبركتها.

و منه:برك السّحاب:ألحّ بالمطر،و يقال للشّاة الحلوب:البركة،و البروك من النّساء:الّتي تتزوّج و لها ولد كبير،فهي مبروكة في زواجها و تمتّع الرّجال بها.

كما نشأ من الثّبات«الاشتداد»فيقال:هذا أمر لا يبرك عليه،إذا تفاقم و اشتدّ،و لعلّ منه قولهم:ابترك الرّجل في الآخر،إذا اجتهد في ذمّه.

و نشأ منه أيضا:الجلال و العظمة في وصف اللّه تعالى به.هكذا ينبغي أن ترتّب المعاني،و يتفرّع بعضها من بعض،و اللّه أعلم.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

وردت هذه المادّة في القرآن بمعنيين:

أ-التّقديس و التّجليل:

1- أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ

الأعراف:54

2- ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ المؤمنون:14

3- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً الفرقان:1

4- تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ

الفرقان:10

5- تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً الفرقان:61

6- ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ

المؤمن:64

7- وَ تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما الزّخرف:85

8- تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الملك:1

9- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ

الرّحمن:78

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات كلّها-عدا الأخيرة- ثناء و مدح للّه تعالى بلفظ(تبارك).و هذا اللّفظ مختصّ بتقديس اللّه و تبجيله،لا يشاركه فيه أحد.و قد أثنى اللّه على نفسه بهذا اللّفظ عند مواقف عظيمة،و هي:

خلق السّماوات و الأرض و الكواكب في(1)،و خلق الإنسان في(2)،و تنزيل القرآن على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في(3)، و مشيئته في خلق جنّات ذات أنهار و قصور في(4)، و جعل البروج و السّراج و القمر المنير في السّماء في(5)، و جعل الأرض قرارا و السّماء بناء،و حسن تصوير البشر و رزقهم من الطّيّبات في(6)،و ملك السّماوات و الأرض

ص: 415

و ما بينهما في(7)،و مطلق الملك في(8).

ثانيا:أنّه تعالى أثنى على اسمه في الأخيرة بلفظ (تبارك)أيضا،و قد جاء اسمه بدل ذاته،كما جاء «وجهه»و غيره في آيات،أو أنّ(تبارك)فيها جاء بمعنى البركة،أي اسمه مبارك.و لكنّه تعالى أمر عباده بمدح اسمه بلفظ(سبحان)في أربعة مواضع من القرآن الكريم:

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ

الواقعة:74 و 96 و الحاقّة:52

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الأعلى:1

ثالثا:و هذه الآيات كلّها مكّيّة،سوى ما قيل في (الرّحمن):إنّها مدنيّة،و هذا يكشف عن أنّ اللّه تعالى وصف نفسه في المكّيّات فقط بهذا الوصف.

ب-الزّيادة و النّماء:
اشارة

1- فَلَمّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ وَ مَنْ حَوْلَها النّمل:8

2- وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها

فصّلت:10

3- وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها

الأعراف:137

4- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ

الإسراء:1

5- وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ الأنبياء:71

6- وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها الأنبياء:81

7- وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً سبأ:18

8- وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ* وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ الصّافّات:112،113

9- وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ

الأنعام:92،155

10- وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ الأنبياء:50

11- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ ص:29

12- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ آل عمران:96

13- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا* وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ مريم:30،31

14- قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ المؤمنون:29

15- وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9

16- اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ النّور:35

17- فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً النّور:61

18- فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ القصص:30

19- إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ الدّخان:3

20- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:96

ص: 416

21- قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ هود:48

22- رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

هود:73

يلاحظ أوّلا:أنّ بركة اللّه شملت في هذه الآيات جميع المخلوقات،سواء الكائنات الحيّة منها أم الجمادات، و هي:

1-الإنسان:

أ-نوح و ذرّيّته(21).

ب-إبراهيم و ذرّيّته(8)و(22).

ج-عيسى بن مريم(13).

د-من في النّار و من حولها(1)،و في ذلك أقوال:

1-في النّار اللّه،و حولها موسى.

2-فيها نور اللّه أو قدرته و سلطانه،و حولها موسى.

3-فيها الملائكة،و حولها موسى.

4-فيها موسى،و حولها الملائكة.

5-البركة للنّار،و حولها موسى،استنادا إلى قراءة أبيّ بن كعب (بوركت النّار و من حولها) .

و أشهرها القول الرّابع،و هو اختيارنا هنا في النّصوص.

2-النّبات:

شجرة الزّيتون(16).

3-الماء:

أ-المطر(15).

ب-ماء المطر و الأنهار(20).

4-الجماد:

أ-الأرض مطلقا(2).

ب-أرض الشّام(3)و(4)و(5)و(6)و(7).

ج-أرض الطّور(18).

د-القرآن(9)و(10)و(11).

ه-البيت الحرام(12).

5-اسم معنى:

أ-المنزل(14).

ب-التّحيّة(17).

ج-ليلة القدر(19).

ثانيا:كما أنّ(تبارك)في المجموعة(أ)بمعنى نوع خاصّ من التّبجيل و التّقديس قد اختصّ باللّه تعالى، كذلك اختصّت(البركة)في المجموعة(ب)باللّه،لأنّه هو الّذي يبارك الأشياء و الأشخاص،و البركة فيها جاءت بصيغة المفعول وصفا لما ذكر،و الفاعل هو اللّه،و قد صرّح به في(13): وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ، و كذلك في(3)إلى(8)،حيث جاء فيها(باركنا).

ثالثا:جاءت أفعال هذه المادّة في المجموعة(أ)من التّفاعل لازمة،و في المجموعة(ب)من المفاعلة متعدّية؛ إمّا بنفسها-معلومة و مجهولة،حسب ما ذكر-أو ب(في) كما في(3)و(5)و(6)و(7)،أو ب(على)كما في(8).

و السّرّ في هذا الاختلاف-و اللّه أعلم-أنّ ما تعدّى ب(في) و(على)فيه البركة أشدّ و أعظم.

رابعا:لقد جاءت«البركة»جمعا(بركات)في(20) إلى(22)متعدّية ب(على): وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ، وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ، و نظيرهما قوله: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ، إلاّ أنّ(على)فيها متعلّقة ب(فتحنا)دون (بركات)،و المعنى واحد.

ص: 417

ص: 418

ب ر م

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورة مكّيّة

أبرموا 1:1 مبرمون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرم:الّذي لا يياسر القوم و لا يدخل معهم في الميسر،و جمعه:أبرام.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرم:ثمر الأراك،و شبهه من الأشجار.

و برمت بكذا:أي ضجرت منه برما،و منه:التّبرّم.

و أبرمني فلان إبراما،أي أضجرني.

و الإبرام:إحكام الشّيء،و أبرمت الأمر،أي أحكمته.

و البرام:جمع البرمة،و هو قدر من حجر.

و البريم:خيط ينظم فيه خرز،فتشدّه المرأة على حقويها.

و البرم:قنان صغار من الجبال،الواحدة:برمة، يعني جبال الرّمل،فافهم.

و البريم:كلّ ذي لونين.

و النّضر بن بريم:كان من سادات حمير.

(8:272)

يقول العرب: هؤلاء بريم قوم،أي لفيفهم من كلّ لون.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:232)

الأخفش: البرم:حبوب العنب إذا زادت على الزّمع،أمثال رءوس الذّرّ.

و شذّ عن هذه الأصول:البرام،و هو القراد الكبير، يقول العرب:«هو ألزق من برام»و كذلك:البرمة،و هي القدر.(ابن فارس 1:233)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أبرم الطّلح،و ذلك أوّل ما يخرج ثمرته.(ابن فارس 1:233)

البرم:ثمر الطّلح،واحدته:برمة.

(الأزهريّ 15:222)

أبو عبيدة: يقال:اشو لنا من بريميها،أي من الكبد و السّنام.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:220)

ص: 419

المبرم:الغثّ الحديث الّذي يحدّث النّاس بالأحاديث الّتي لا فائدة فيها و لا معنى لها،أخذ من المبرم:الّذي يجني البرم،و هو ثمر الأراك،لا طعم له و لا حلاوة و لا حموضة،و لا معنى له.

(الأزهريّ 15:221)

يقال:اشو لنا من بريميها،أي من الكبد و السّنام، يقدّان طولا و يلفّان بخيط أو غيره؛سمّيا بذلك لبياض السّنام و سواد الكبد.(الجوهريّ 5:1870)

البيرم: عتلة النّجّار أو العتلة:يبرم النّجّار.

(ابن منظور 12:45)

أبو زيد: يقال:هذه غنم بريم،إذا خلط بين الضّأن البيض و السّود.و إذا اللّونان من شيء واحد فهو أيضا بريم.(218)

الأصمعيّ: المبرم:الّذي هو كلّ على أصحابه، لا نفع عنده و لا خير،بمنزلة«البرم»الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر،و يأكل معهم من لحمه.

(الأزهريّ 15:221)

أبو عبيد: البريم:خيط فيه ألوان،تشدّه المرأة على حقويها.(الأزهريّ 15:220)

البريم:الحبل المفتول،يكون فيه لونان،و ربّما شدّته المرأة على وسطها و عضدها.(الجوهريّ 5:1870)

تقول:اشو لنا من بريميها،أي من الكبد و السّنام.

و البريم:القطيع من الظّباء،و البريم:شيء تشدّ به المرأة وسطها،منظّم بخرز.(ابن فارس(1:232)

ابن الأعرابيّ: البريمان:الجيشان،عرب و عجم.

و البرم:القوم السّيّئو الأخلاق.(الأزهريّ 15:220)

البريم:خيطان يكونان من لونين.

و البريم:ضوء الشّمس مع بقيّة سواد اللّيل.

و البريم:القطيع من الغنم من ضأن و معزى.

و البريم:ثوب فيه قزّ و كتّان.

و البريم:خيط يفتل على طاقين.

يقال:برمته و أبرمته.

و المبرم:الّذي يسوّي البرام و ينحتها و يقطعها.

(الأزهريّ 15:221)

البيرم:البرطيل.

العلقة من الطّلح:ما أخلف بعد البرمة،و هو شبه اللّوبيا.(الأزهريّ 15:222)

ابن السّكّيت: في قوله:

*و البائعات بشطّي نخلة البرما*

البرم:يريد البرام.

يقال:برمة و برم،إذا كنّ قليلا.فإذا كنّ كثيرا،فهي برم.مثل:حرف،و حرف.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرم:ثمر الأراك،فإذا أدرك فهو مرد،و إذا اسود فهو كباث،و برير.

و البرام:القراد،و هو القرشام.

و البرم:الكحل المذاب.(الأزهريّ 15:221)

البرم:الضّجر،و البرم:المصدر.

و البرم:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر.

و البرم:برم العضاه،و هي هنة مدحرجة،و برمة كلّ العضاه صفراء إلاّ العرفط تأتي بيضاء.و يقال:برمة السّلم أطيب البرم ريحا.(إصلاح المنطق:101)

الدّينوريّ: أبرم الحبل:جعله طاقين،ثمّ

ص: 420

فتله.(ابن سيدة 10:271)

ثعلب :البرام:هي القدور،الواحدة:برمة، و لا تقل:قدور برام.(ذيل الفصيح:4)

و البرم:حبّ العنب إذا كان فوق الذّرّ،و قد أبرم الكرم.(ابن منظور 12:43)

ابن دريد :البرم:الّذي لا يأخذ في الميسر، و الجمع:الأبرام،و هو عيب.

رجل برم و رجال أبرام،و ضدّه يسر و رجال أيسار.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرم:الّذي يتبرّم بالنّاس.

و البرم:ثمر العلف،و العلف ضرب من شجر العضاه.

و البرمة،و الجمع:برم و برم و برام:قدور من حجارة معروفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البرام:القراد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبرمت الأمر إبراما،إذا أحكمته،و أبرمت الحبل فهو مبرم.

و الإبرام:خلاف النّقض،و في التّنزيل: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ الزّخرف:79.

و البريم:خيط يبرم من صوف أبيض و أسود،يشدّ على أحقي الصّبيان،يدفع به العين.

و تبرّمت بالشّيء تبرّما،إذا استثقلته.و الرّجل المبرم:الّذي يثقل على قلبك،و هو مأخوذ من إبرام الحبل أيضا،كأنّه قد ضيّق عليك.

و قطيع بريم،إذا كان فيه خلطين ضأن و معزى.

و كلّ لونين اجتمعا فهو بريم،مثل البياض و السّواد و ما أشبههما.[ثمّ استشهد بشعر](1:276)

قال زهير:

يمينا لنعم السّيّدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل و مبرم

فالسّحيل:خلاف المبرم،فالمبرم:الشّديد الفتل و السّحيل:الرّخو.(2:155)

و قالت ليلى الأخيليّة:

يا أيّها السّدم الملوّي رأسه

ليسوق من أهل الحجاز بريما

البريم هاهنا:خلطان من ضأن و معز،و كلّ لونين اختلطا فهما بريم،و أكثر ما يخصّ بذلك الحبل إذا كان فيه سواد و بياض.(2:265)

ابن الأنباريّ: فلان يبرم.المبرم:الثّقيل الّذي كأنّه يقتطع من الّذين يجالسهم شيئا،من استثقالهم إيّاه،بمنزلة«المبرم»الّذي يقتطع حجارة البرام من جبلها.(الأزهريّ 15:221)

الصّاحب: البرم:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر،و هي البرمة أيضا،و برمة:لغة في البرمة.

و الّذي لا يصبر على النّوائب،و الّذي لا يبتاع اللّحم.و في المثل:«أبرما قرونا»أي يقرن بين البضعتين.

و ثمر الأراك.

و أبرمت العضاه إبراما:أثمرت.و طلح مبرم.

و البرمة:قدر من حجارة.

و البريم:شيء تشدّه الجارية في وسطها منظّم بخرز، و الحبل المفتول من لونين.

و البريمة:سير ينوّطون عليه التّمائم و الخرز، و يتبرّمون على أحقابهم.

ص: 421

و البريمان:النّوعان من كلّ ذي خلطين،كسواد اللّيل و بياض النّهار.و كذلك الدّمع مع الإثمد:بريم.

و هؤلاء بريم قوم،أي لفيف قوم مختلفون.

و كلّ شيء خلطت بعضه ببعض فقد برمته،و هو بريم.

و اشو لنا من بريمي جزورك-مثنّى-يعني الكبد و السّنام.

و أبرمت الأمر إبراما:أحكمته.

و البرمة:اسم من إبرام الحبل،و برمت الحبل و أبرمته.و المبرم:شيء كالمغزل.

و برم الشّرّ بينهم،أي نشب بينهم.

و برم بحجّته يبرم،إذا نواها فلم تحضره،و رجل برمة.

و برمت بكذا:ضجرت به برما،و منه التّبرّم.

و رجل برمة:يتبرّم بالنّاس.

و البرام:القراد،و في المثل:«ألزق من برام».

و برمة:من أسماء جبال بني سليم.

و بريمة:اسم راع،في قول الرّاعيّ:

و أصبح راعينا بريمة*

و البرم:الكحل،و ليس بثقة.

و ناقة يقال لها:البرم،قيل فيها:إذا درّت اللّقاح فلا درّت البرم.(10:242)

القاليّ: البرم:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر، و هو ذمّ،و جمعه:أبرام.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:كان رجل برما فجاء إلى امرأته و هي تأكل لحما،فجعل يأكل بضعتين بضعتين،فقالت له امرأته:

أبرما قرونا،فأرسلتها مثلا.(1:20)

البريم:خيط فيه لونان.(1:94)

البريم:الخيط فيه سواد و بياض،و يقال للقطيع من الغنم إذا كان فيه معز:بريم.(1:253)

الأزهريّ: أبرمت الأمر،إذا أحكمته.و الأصل فيه:

إبرام الفتل،إذا كان ذا طاقين.(15:222)

الجوهريّ: البرم بالتّحريك:مصدر قولك:برم به بالكسر،إذا سئمه.و تبرّم به مثله.و أبرمه،أي أملّه و أضجره.

و البرم أيضا:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر، و الجمع:أبرام.و قال (1):

*و لا برما تهدى النّساء لعرسه*

و في المثل:«أبرما قرونا»أي هو برم و يأكل مع ذلك تمرتين تمرتين.

و البرم أيضا:ثمر العضاه.الواحدة:برمة.و برمة كلّ العضاه صفراء إلاّ العرفط فإنّ برمته بيضاء.و برمة السّلم أطيب البرم ريحا.

و أبرمت الشيء،أي أحكمته.

و المبرم و البريم:الحبل الّذي جمع بين مفتولين ففتلا حبلا واحدا،مثل ماء مسخن و سخين،و عسل معقد و عقيد،و ميزان مترص و تريص.

و منه قيل للجيش:بريم،لألوان شعار القبائل فيه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و المبرم من الثّياب:المفتول الغزل طاقين،و منه سمّي المبرم،و هو جنس من الثّياب.ّ.

ص: 422


1- الشّعر لمتمّم بن نويرة اليربوعيّ.

و البرام بالكسر:جمع برمة،و هي القدر.

و البرام بالضّمّ:القراد.

و بيرم النّجّار:فارسيّ معرّب.(5:1869)

البريم:حبل فيه لونان أسود و أبيض،و كذلك الأخصف و الخصيف،يشبّه به الفجر الكاذب أيضا،و هو ذنب السّرحان.[ثمّ استشهد بشعر]

و البريم أيضا:الماء الّذي خالط غيره.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 12:44)

ابن فارس: الباء و الرّاء و الميم يدلّ على أربعة أصول:إحكام الشّيء،و الغرض به،و اختلاف اللّونين، و جنس من النّبات.

فأمّا الأوّل قال أبو زياد:المبارم:مغازل ضخام تبرم عليها المرأة غزلها،و هي من السّمر.و يقال:أبرمت الحبل،إذا فتلته متينا.و المبرم:الغزل،و هو ضدّ السّحيل؛و ذلك أنّ المبرم على طاقين مفتولين، و السّحيل على طاق واحد.

و أمّا الغرض فيقولون:برمت بالأمر:عييت به، و أبرمني:أعياني،قال[أبو زياد]:و يقولون:أرجو أن لا أبرم بالسّؤال عن كذا،أي لا أعيا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أبرمني إبراما.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا اختلاف اللّونين فيقال:إنّ البريمين:النّوعان من كلّ ذي خلطين،مثل سواد اللّيل مختلطا ببياض النّهار،و كذلك الدّمع مع الإثمد:بريم.[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو زياد: و لذلك سمّي الصّبح أوّل ما يبدو بريما، لاختلاط بياضه بسواد اللّيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الرّابع:البرم،و أطيبها ريحا برم السّلم، و أخبثها ريحا برمة العرفط،و هي بيضاء كبرمة الآس.

قال أبو زياد:البرمة:الزّهرة الّتي تخرج فيها الحبلة.

(1:231)

أبو هلال: الفرق بين إحكام الشّيء و إبرامه:أنّ إبرامه:تقويته،و أصله في تقوية الحبل،و هو في غيره مستعار.

الفرق بين الإبرام و التّأريب:أنّ التّأريب شدّة العقد،يقال:أرّب العقد،إذا جعل عقدا فوق عقد،و هو خلاف النّشط.يقال:نشطه،إذا عقده بأنشوطة،و هو عقد ضعيف.و أرّبه،إذا أحكم عقده.و أنشطه،إذا حلّ الأنشوطة.(175)

ابن سيدة: البرم:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر،و الجمع:أبرام.

فأمّا ما أنشده ابن الأعرابيّ من قول أحيحة،أو عمرو بن الإطنابة:

إن ترد حربي تلاق فتى غير مملوك و لا برمه

فإنّه عنى بالبرمة البرم،و الهاء مبالغة.

و قد يجوز أن يؤنّث على معنى العين،و النّفس، و التّفسير لنا نحن،إذ لا يتّجه فيه غير ذلك.

و البرمة:ثمرة العضاه.و هي-أوّل وهلة-فتلة،ثمّ بلّة،ثمّ برمة.و قد أخطأ أبو حنيفة في قوله:إنّ الفتلة فوق البرمة.

و برم العضاه كلّه أصفر،إلاّ برمة العرفط،فإنّها بيضاء،كأنّ هيادبها قطن،و هي مثل زرّ القميص،أو أشفّ.

ص: 423

و برمة السّلم أطيب البرم ريحا،و هي صفراء تؤكل، طيّبة.

و قد تكون البرمة للأراك.

و الجمع:برم،و برام.

و المبرم:مجتني البرم،و خصّ بعضهم به مجتني برم الأراك.

و البرم:حبّ العنب إذا كان فوق رءوس الذّرّ.

و قد أبرم الكرم،عن ثعلب.

و برم بالأمر برما،فهو برم:ضجر.

و قد أبرمه فبرم،و تبرّم.

و أبرم الأمر،و برمه:أحكمه.

و أبرم الحبل:أجاد فتله.

و المبارم:المغازل الّتي يبرم بها.

و البريم:خيطان مختلفان،أحمر و أصفر،و كذلك كلّ شيء فيه لونان مختلفان.

و البريم:الصّبح؛لما فيه من سواد اللّيل،و بياض النّهار.

و قيل:بريم الصّبح:خيطه المختلط بلونين.

و كلّ شيئين اختلطا،و اجتمعا:بريم.

و البريم:حبل فيه لونان،مزيّن بجوهر،تشدّه المرأة على وسطها،و عضدها،قال:

*إذا المرضع العوجاء جال بريمها*

و البريم:القطيع من الغنم،يكون فيه ضربان من الضّأن،و المعز.

و البريم:الدّمع مع الإثمد.

و بريم القوم:لفيفهم.

و البريم:الجيش فيه أخلاط من النّاس.

و البريم:العوذة.

و البرم:قنان من الجبال،واحدتها برمة.

و البرمة:قدر من حجارة،و الجمع:برم،و برام، و برم،قال طرفة:

جاءوا إليك بكلّ أرملة شعثاء تحمل منقع البرم

و المبرم:الّذي يقتلع حجارة البرام من الجبل.

و رجل مبرم:ثقيل،منه،كأنّه يقتطع من جلسائه شيئا.

و قيل:الغثّ الحديث،من المبرم،و هو المجتني ثمر الأراك.

و البيرم:العتلة.و خصّ بعضهم به عتلة النّجّار.

و هو بالفارسيّة بتفخيم الباء.

و البرام:القراد،و الجميع:أبرمة،عن كراع.

و برمة:موضع.قال كثّير عزّة:

رجعت بها عنّي عشيّة برمة

شماتة أعداء شهود و غيّب

و أبرم:موضع.و قيل:نبت،مثّل به سيبويه، و فسّره السّيرافيّ.

و برام:موضع.[ثمّ استشهد بشعر](10:273)

الرّاغب: الإبرام:إحكام الأمر،قال تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ الزّخرف:79،و أصله من:

إبرام الحبل،و هو ترديد فتله.[ثمّ استشهد بشعر]

و البريم:المبرم،أي المفتول فتلا محكما،يقال:

أبرمته فبرم،و لهذا قيل للبخيل الّذي لا يدخل في الميسر:برم،كما يقال للبخيل:مغلول اليد.

ص: 424

و المبرم:الّذي يلحّ و يشدّد في الأمر تشبيها بمبرم الحبل،و البرم كذلك.

و يقال لمن يأكل تمرتين تمرتين:برم،لشدّة ما يتناوله بعضه على بعض.

و لمّا كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين،سمّي كلّ ذي لونين به،من جنس مختلط،أسود و أبيض، و لغنم مختلط و غير ذلك.

و البرمة في الأصل هي القدر المبرمة،و جمعها:برام، نحو حضرة و حضار،و جعل على بناء المفعول،نحو ضحكة و هزأة.(44)

الزّمخشريّ: أنا برم بهذا الأمر،و قد برمت به، و خيط مبرم،و فلان برم ما فيه كرم،و في الحديث:

«أ أبرام بنو المغيرة».

و من المجاز:أبرم الأمر،و أمر مبرم،و برم فلان بحجّته،إذا لم تحضره.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو برم اللّسان:للعييّ.و أمر سحيل و مبرم.

و قال رؤبة:

بات يصادي أمره أ مبرمه

أعصمه أم السّحيل أعصمه

و الأصل:الخيط السّحيل،و هو ما كان طاقا واحدا، و المبرم:طاقان يفتلان حتّى يصيرا واحدا.

(أساس البلاغة:21)

من استمع إلى حديث قوم و هم له كارهون صبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة.

و روي:«ملأ اللّه مسامعه من البرم»،و روي:«ملأ اللّه سمعه من البيرم».

البرم و البيرم:الكحل المذاب.(الفائق 1:60)

ابن الشّجريّ: البرم:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر،و لا يتحمّل غرما لإصلاح حال.(1:142)

قولهم:أبرمت الأمر،أي أحكمته،و أبرمت الحبل، إذا ضفرته فأجدت ضفره.(1:248)

ابن الأثير: فيه:«من استمع إلى حديث قوم و هم له كارهون صبّ في أذنيه البرم»هو الكحل المذاب.

و يروى البيرم،و هو هو،بزيادة الياء،و قيل:البيرم:

عتلة النّجّار.

و في حديث وفد مذحج: «كرام غير أبرام»الأبرام:

اللّئام،واحدهم:برم بفتح الرّاء،و هو في الأصل:الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر،و لا يخرج فيه معهم شيئا.

و منه حديث عمرو بن معدي كرب:«قال لعمر:

أ أبرام بنو المغيرة؟قال:و لم؟قال:نزلت فيهم فما قروني غير قوس و ثور و كعب،فقال عمر:إنّ في ذلك لشبعا».

القوس:ما يبقى في الجلّة من التّمر،و الثّور:قطعة عظيمة من الأقط (1)،و الكعب:قطعة من السّمن.

و في حديث خزيمة السّلميّ: «أينعت العنمة و سقطت البرمة»هي زهر الطّلح،و جمعها:برم،يعني أنّها سقطت من أغصانها للجدب.

و في حديث الدّعاء: «السّلام عليك غير مودّع برما»هو مصدر برم به بالكسر يبرم برما بالتّحريك،إذا سئمه و ملّه.

و في حديث بريرة:«رأى برمة تفور»البرمة:القدر مطلقا،و جمعها:برام،و هي في الأصل المتّخذة من الحجرن.

ص: 425


1- الجبن.

المعروف بالحجاز و اليمن،و قد تكرّرت في الحديث.

(1:121)

الفيّوميّ: البرمة:القدر من الحجر،و الجمع:برم، مثل غرفة و غرف،و برام.

و برم بالشّيء برما أيضا فهو برم،مثل ضجر ضجرا فهو ضجر وزنا و معنى،و يتعدّى بالهمزة،فيقال:أبرمته به.و تبرّم:مثل برم.

و أبرمت العقد إبراما:أحكمته فانبرم هو،و أبرمت الشّيء:دبّرته.(1:45)

الفيروزآباديّ: البرم محرّكة:من لا يدخل مع القوم في الميسر،و في المثل«أبرما قرونا»أي ثقيل، و يأكل مع ذلك تمرتين تمرتين،جمعه:أبرام،و السّآمة و الضّجر،و قد برم به كفرح،و ثمر العضاه،و مجتنيه:

المبرم كمحسن،و حبّ العنب،إذا كان مثل رءوس الذّرّ،و قد أبرم الكرم،و قنان من الجبال،و ناقة.و جمع البرمة للأراك كالبرام.

و أبرمه فبرم كفرح،و تبرّم:أملّه فملّ.

و أبرم الحبل:جعله طاقين ثمّ فتله،و الأمر:أحكمه كبرمه برما.

و المبارم:المغازل الّتي يبرم بها.

و البريم كأمير:الصّبح،و خيطان مختلفان أحمر و أبيض تشدّه المرأة على وسطها و عضدها،و كلّ ما فيه لونان مختلطان،و حبل للمرأة فيه لونان مزيّن بجوهر، و الدّمع المختلط بالإثمد،و لفيف القوم و الجيش،لأنّ فيه أخلاطا من النّاس،أو لألوان شعار القبائل،و العوذة، و قطيع الغنم ضأن و معزى،و المتّهم.

و اشو لنا من بريميها،أي كبدها و سنامها يقدّان طولا و يلفّان بخيط أو غيره،سمّيا لبياض السّنام و سواد الكبد.

و البرمة بالضّمّ:قدر من حجارة،جمعه:برم بالضّمّ، و كصرد و جبال.

و كمحسن:صانعها أو من يقتلع حجارتها من الجبال،و الثّقيل كأنّه يقتطع من جلسائه شيئا،و الغثّ الحديث.

و كمكرم:الثّوب المفتول الغزل طاقين،و جنس من الثّياب.

و البيرم:العتلة أو عتلة النّجّار خاصّة،و الكحل المذاب كالبرم محرّكة،و البرطيل.

و كغراب:القراد،جمعه:أبرمة.

و برم بحجّته كعلم،إذا نواها فلم تحضره.

و أبرم كأحمد:بلدة،أو نبت،و برم بالضّمّ:موضع، و بهاء:اسم،و كسحاب و قطام:موضع،و كجهينة:

اسم.(4:79)

الطّريحيّ: و أبرم الحبل،إذا أحكم فتله،و منه القضاء المبرم.

و في حديث وداع شهر رمضان: «غير مودّع برما» هو بالتّحريك مصدر برم بالكسر،يقال:برم برما فهو برم،مثل ضجر ضجرا فهو ضجر وزنا و معنى،إذا سئمه و ملّه.

و منه حديث وصف المؤمن:«لا يتبرّم و لا يتسخّط» أي لا يسأم و لا يتضجّر من أعمال الخير،و يقال:أبرمه، أي أملّه و أضجره.

ص: 426

و أبرمت إبراما،أي أحكمته فأبرم.

و أبرمت الشّيء و برمته.

و في الدّعاء:«يا مدبّر الإبرام و النّقض».الإبرام في الأصل:فتل الحبل،و النّقض بالضّاد المعجمة نقيضه، و الكلام استعارة.

و المراد تدبير أمور العالم على ما تقتضيه حكمته البالغة من الإبقاء و الإفناء،و الإعزاز و الإذلال، و التّقوية و الإضعاف،و غير ذلك.

و البرمة:القدر من الحجر،و الجمع:برم،كغرفة و غرف،و برام ككتاب.(6:16)

مجمع اللّغة: أبرم الحبل:جعله طاقين،ثمّ فتله.

و أبرم الأمر:استعمال مجازيّ،بمعنى أحكمه،فهو مبرم و هو مبرمون.(1:94)

العدنانيّ:برم شاربيه:

و يخطّئون من يقول:برم فلان شاربيه،و يقولون:إنّ كلمة«برم»عامّيّة،و يرون أنّ الصّواب هو:فتل شاربيه.

و الحقيقة هي أنّ كلا الفعلين برم و فتل فصيح.

و معظم اللّغة العامّيّة فصيح أو له صلة بالفصحى من قريب أو بعيد.

و أنا أرى أن نقبل على استعمال الكلمات الفصيحة، الّتي تستعملها العامّة أكثر من إقبالنا على استعمال مترادفاتها الفصيحة،الّتي لم تتسرّب في اللّغة العامّيّة، لكي نجذب العامّة إلى الفصحى،بدلا من أن تجذب العامّيّة الفصحى إليها.

البرّيمة أو البزال:جاء في المجلّد التّاسع من مجموعة المصطلحات العلميّة و الفنّيّة،الّتي أقرّتها لجنة ألفاظ الحضارة،بمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،و وافق عليها مؤتمر المجمع،بالاشتراك مع المجمع العلميّ العراقيّ،في الجلسة الخامسة للمؤتمر،بتاريخ 4 شباط 1967،في المادّة رقم(103)أنّ المؤتمر وافق على أن يطلق على الفتّاحة بأداة لولبيّة،لإخراج السّدادات من الزّجاجات،اسم البرّيمة أو البزال.

و عند ما ظهرت الطّبعة الثّانية من المعجم الوسيط، عام 1972،ذكرت فيها البرّيمة و البزال،دون أن يقال:

إنّهما مجمعيّتان.و ذكرت فيها لهما كلمتان مترادفتان، هما:البرّامة و المبزال.(55)

محمود شيت: 1-أ-برم الحبل برما:فتله،و أبرم الشّيء:أحكمه.

ب-برم بالشّيء برما:سئمه و ضجر به،فهو برم.

ج-الإبرام:إحكام الأمر.

د-البريمة:أداة ذات لولب معدنيّ،تستعمل في الثّقب،و في نزع السّدّادة من القارورة.

البرمائيّ:حيوان أو نبات يعيش في البرّ و البحر.

و يقال:طائرة برمائيّة تهبط في البرّ و البحر.

و-البرمة:القدر من الحجارة،جمعها:برم و برم و برام.

ز-المبرم:المغزل،جمعه:مبارم.

2-أ-إبرام الحكم:تصديقه،و إبرام شروط المعاهدة:إحكامها،و إبرام المعاهدة:التّصديق عليها، و إبرام وقف إطلاق النّار:إقراره.

ب-البريمة:أداة ذات لولب معدنيّ من أدوات

ص: 427

الحدّادين و النّجّارين في الجيش.

ج-البرمائيّ:طائرة برمائيّة:تستعمل في البرّ و البحر،جنود برمائيّون:يقاتلون في البرّ و البحر.

د-البرمة:قدر من الحجارة يستعمله الجنود في معسكرات العراء.

ه-المبرم:المغزل،و آلة للبرم من آلات النّجّارين و الحدّادين في معامل الجيش.(1:83)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:الإحكام بالفتل،و خلط الجنسين،و نظيرهما.

و ليس مطلق الإحكام و لا مطلق الفتل مفهوما لها.

و أمّا الضّجر و العيّ فهما من آثار الفتل و التّحويل و الانطواء بشيء.و هذا المفهوم أعمّ من أن يكون فتل أمرين محسوسين أو معقولين،فيشمل انفتال الحبل، و التواء النّور و الظّلمة.و انطواء العملين أو الحادثتين توجبان الضّجر و السّأم.

و أمّا زهرة العضاه فلعلّ الإطلاق بمناسبة التوائها أو إحكامها.(1:245)

النّصوص التّفسيريّة

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ. الزّخرف:79

ابن عبّاس: أحكموا أمرا في شأن محمّد،فإنّا مبرمون أمرا بهلاكهم.(تنوير المقباس:416)

مجاهد :مجمعون،إن كادوا شرّا كدنا مثله.

(الطّبريّ 25:100)

قتادة: أم أجمعوا أمرا فإنّا مجمعون على الجزاء بالبعث.(القرطبيّ 16:118)

الكلبيّ: أم قضوا أمرا فإنّا قاضون عليهم بالعذاب.

(القرطبيّ 16:118)

ابن زيد: أم أحكموا أمرا فإنّا محكمون لأمرنا.

(الطّبريّ 25:100)

الفرّاء: يريد:أبرموا أمرا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم فَإِنّا مُبْرِمُونَ: معذّبوهم.(3:38)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمرا فأحكموه،يكيدون به الحقّ الّذي جئناهم به،فإنّا محكمون لهم ما يخزيهم و يذلّهم من النّكال.(25:100)

الزّجّاج: أي أم أحكموا عند أنفسهم أمرا من كيد أو شرّ فَإِنّا مُبْرِمُونَ محكمون مجازاتهم كيدا بكيدهم و شرّا بشرّهم.(4:420)

الهرويّ: أي محكمون أمرا يزيل كيدهم.

(1:159)

الطّوسيّ: أي أجمعوا على التّكذيب،أي عزموا عليه،فإنّا مجمعون على الجزاء لهم بالتّعذيب،و هو قول قتادة.

و يكون ذلك على وجه الازدواج،لأنّ العزم لا يجوز عليه تعالى،و مثله وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.

و قيل:معناه أم أحكموا أمرا في المخالفة،فإنّا محكمون أمرا في المجازاة.(9:218)

ابن عطيّة: أي فإنّا محكمو نصره و حمايته.

و الإبرام:أن تجمع خيطين ثمّ تفتلهما فتلا متقنا،و البريم:

خيط فيه لونان.(5:65)

ص: 428

الطّبرسيّ: أي بل أحكموا أمرا في كيد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و المكر به فَإِنّا مُبْرِمُونَ أي محكمون أمرا في مجازاتهم.

(5:57)

مثله النّسفيّ(4:24)،و الخازن(6:118).

و نحوه الفخر الرّازيّ(27:228)،و النّيسابوريّ (25:59)

أبو الفتوح: إنّهم عزموا على الكفر،و نحن عزمنا على عقابهم.و العزم مجاز في حقّ اللّه تعالى،فيفسّر بالإرادة.

أمّا في الزّواج فيستعمل لفظا عزم و إبرام.و الإبرام في اللّغة:الإحكام،يقال:أبرمت عزمي و صمّمته.

و معنى الآية أنّهم بالغوا في المعصية،فنبالغ نحن أيضا في عذابهم.(17:191)

القرطبيّ: (ابرموا)أحكموا.و الإبرام:الإحكام، أبرمت الشّيء:أحكمته.و أبرم الفتّال،إذا أحكم الفتل، و هو الفتل الثّاني؛و الأوّل سحيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:(ام ابرموا)عطف على قوله: أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ الزّخرف:45.

و قيل:أي و لقد جئناكم بالحقّ فلم تسمعوا،أم سمعوا فأعرضوا،لأنّهم في أنفسهم أبرموا أمرا آمنوا به العقاب.(16:118)

نحوه أبو حيّان(8:4)،و الحجازيّ(25:48).

الشّربينيّ: أي أحكم كفّار مكّة أمرا،أي في المكر برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و في ردّ أمرنا و معاداة أوليائنا،مع علمهم بأنّا مطّلعون عليهم فَإِنّا مُبْرِمُونَ أي محكمون أمرا في مجازاتهم،أي مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم،كقوله تعالى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ الطّور:42.(3:575)

البروسويّ: الإبرام:إحكام الأمر،و أصله:من إبرام الحبل،و هو ترديد فتله.

و هو كلام مبتدأ،و(أم)منقطعة و ما فيها من معنى «بل»للانتقال من توبيخ أهل النّار إلى حكاية جناية هؤلاء،و الهمزة للإنكار.

فإن أريد بالإبرام:الإحكام حقيقة،فهي لإنكار الوقوع و استبعاده،و إن أريد الإحكام صورة،فهي لإنكار الواقع و استقباحه.

أي أبرم و أحكم مشركو مكّة أمرا من كيدهم و مكرهم برسول اللّه فَإِنّا مُبْرِمُونَ كيدنا حقيقة لا هم،أو فَإِنّا مُبْرِمُونَ بهم حقيقة كما أبرموا كيدهم صورة،كقوله تعالى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ الطّور:42،و كانوا يتناجون في أنديتهم و يتشاورون في أموره عليه السّلام.

قال في«فتح الرّحمن»:كما فعلوا في اجتماعهم على قتله عليه السّلام في دار النّدوة إلى غير ذلك.(8:394)

نحوه الآلوسيّ.(25:102)

المراغيّ: أي بل هم تحيّلوا في ردّ الحقّ بالباطل بوجوه من الحيل و المكر،فكادهم اللّه تعالى و ردّ عليهم سوء كيدهم،بتخليدهم في النّار معذّبين فيها أبدا.

و قصارى ذلك أحكموا كيد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّا محكمون لهم كيدا،قاله مجاهد و قتادة و ابن زيد.

و نحو الآية قوله: وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ النّمل:50،و قوله: أَمْ يُرِيدُونَ

ص: 429

كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ الطّور:42.

(25:111)

عزّة دروزة:أبرموا:بيّتوا و قرّروا و أحكموا.

(5:231)

الطّباطبائيّ: الإبرام:خلاف النّقض،و هو الإحكام،و(أم)منقطعة.(18:124)

عبد الكريم الخطيب: هو إضراب عن هذا الخطاب الّذي وجّه إليهم،و الّذي كان من شأنه أن يحدث لهم ذكرا،و أن ينقادوا للحقّ و يذعنوا له.

و أمّا و لم يكن لهم من هذا الحديث عبرة و عظة،فقد كان من التّدبير الحكيم أن يطوي عنهم هذا الحديث، و أن يواجهوا بهذا الواقع الّذي هم فيه.و هو أنّهم قد أبرموا أمرهم و أحكموه على هذا الضّلال،و اللّه سبحانه قد أحكم أمره،على أن يأخذ المجرمين بجرمهم.

و في هذا وعيد لهم بما سيلقون من عذاب أليم،يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا،و لا هم ينصرون.

(13:169)

عبد المنعم الجمّال: (أم)منقطعة بمعنى«بل» الانتقاليّة،و همزة الإنكار و التّوبيخ.و أبرم إبراما:

أتقن،و أبرم العقد:أمضاه،و أبرم الأمر:أحكم تدبيره.

(4:2836)

المصطفويّ: أي يحكمون أمرهم و يتمسّكون بأيّ وسيلة ممكنة في تحكيم أعمالهم و أفكارهم الباطلة،بفتل و التواء و انطواء و خلط و مغالطة،و لكنّ اللّه هو المبرم القويّ الشّديد لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ الزّخرف:78، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ الزّخرف:80.(1:246)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البريم»و هو الحبل أو الخيط المفتول من لونين،ثمّ عمّم في كلّ ذي خلطين، يقال:ثوب بريم،إذا كان فيه قزّ و كتّان.و غنم بريم،إذا خلط فيه بين ضأن و معزى،أي بين الضّأن البيض و السّود.و يقال للجيش:بريم أيضا،لما تلوح فيه ألوان شعائر القبائل،يقال:هؤلاء بريم قوم،أي لفيفهم من كلّ لون،و يقال لجيشي العرب و العجم:البريمان،و بريما الجزور:الكبد و السّنام،لسواد الكبد و بياض السّنام، يقال:اشو لنا من بريميها.

و البريم أيضا:خيط ينظم فيه خرز،فتشدّه المرأة على حقويها،و كذا خيط يبرم من صوف أبيض و أسود، يشدّ على أحقاء الصّبيان،يدفع به العين.و البريم:

خليط الدّمع و الإثمد،و كذا الماء الّذي يخالط غيره.

و يطلق على سير تناط عليه التّمائم و الخرز:البريمة.

و منه:برم الحبل يبرمه برما:جعله طاقين ثمّ فتله، و كذا أبرمه إبراما،و الاسم منه البرمة،و المبرم:المغزل.

و البرمة:القدر من الحجر،فكأنّ حجره أبرم إبراما.

و نشأ من الفتل الشّدّ و الإحكام،يقال:أبرمت الأمر،أي أحكمته،و برم الشّرّ بينهم،أي نشب و استحكم.

و نشأ منه السّأم أيضا،يقال:برم بالأمر برما:

سئمه،فهو برم.و أبرمه فلان إبراما،أي أملّه و أضجره،

ص: 430

يقال:لا تبرمني بكثرة فضولك.و تبرّم تبرّما:ملّ و سئم،و رجل برمة:يتبرّم بالنّاس،و كذا برم.

و منه أيضا:المبرم،أي مجتني البرمة،و هي ثمرة العضاه،و ثمره لا طعم له.و شبّهوا به الغثّ الحديث الّذي يضجر النّاس بأحاديث لا فائدة فيها و لا معنى،يخلط بعضها ببعض،و يكون كلاّ عليهم.و هو كالبرم،أي الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر-و هو الجزور الّتي كان أهل الجاهليّة يتقامرون عليها-و يأكل معهم من لحمه، و هو ذمّ عندهم،و في المثل:«أبرما قرونا»،أي هو برم و يأكل مع ذلك بضعتين بضعتين.

و البرام:القراد الكبير،و هو ضرب من الحشرات، يتطفّل على الحيوانات،فيمتصّ دمها،و يكون كلاّ عليها،كما يكون المبرم كلاّ على أصحابه.

و من المجاز:البريم:الصّبح،لاختلاط بياضه بسواد اللّيل.

2-و لعلّ بيرم النّجّار،أي عتلته الّتي يثقب بها الخشب،من البرم و الفتل؛إذ كان النّجّار قديما يديرها بيده أو بسير يربطه بها،و يقوم ببرمها مرارا و تكرارا حتّى ينثقب الخشب.

و تلحق ياء«فيعل»غالبا بألفاظ تدلّ على الكثرة و الشّدّة و ما بمعناهما،مثل:عيلم و هيكل و صيهد و عيهل و هلمّ جرّا،و لا شكّ أنّ عمل البيرم و استعماله يدلّ على هذا المعنى.

و لعلّه أعجميّ أيضا،كما ذهب إليه الجواليقيّ، و فارسيّ الأصل خاصّة،كما صرّح به الجوهريّ،فيكون على غرار ألفاظ ألحقت بهذا الوزن،مثل:بيدق و قيصر.

و لا يبعد أن يكون معرّب لفظ«برما»الفارسيّ،أي المثقب،فهو يضارعه معنى،و يكاد يقاربه لفظا.

الاستعمال القرآنيّ

ورد لفظان من هذه المادّة في آية واحدة:

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ الزّخرف:79.

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآية جاءت ضمن آيات متفرّقة من سورة الزّخرف المكّيّة،و هي تنحي باللاّئمة على قريش و عتاتها المشركين،ابتداء من قوله:

أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ، و انتهاء بقوله: وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ الزّخرف:5-8،ثمّ انكفأت السّورة إلى سرد النّعم الّتي أنعمها اللّه عليهم في الآيات(9-14)،و ذكر المواعظ و العبر و البراهين على توحيد اللّه بأسلوب التّرغيب و التّرهيب،من قوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ إلى قوله: وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

و رجعت السّورة عودا على بدء بلومهم و عذلهم في الآيات(15-22)؛و ذلك من قوله: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إلى وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ ثمّ عمّمت اللّوم للأمم السّالفة،و خصّت بالذّكر منهم قوم إبراهيم و عيسى،فبيّنت ما أصابهم من الثّواب و العذاب في الآيات(23-78)،ابتداء بقوله: وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ، و انتهاء بقوله: وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ

ثمّ عادت أيضا إلى لومهم في الآيات(79-83)،

ص: 431

اعتبارا من قوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ إلى قوله: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ و أخيرا ذكرت بعض النّعم،ثمّ انتهت بقوله: وَ قِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ* فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 88،89

و قد تشابكت الأمور في هذه السّورة على المشركين بلومهم و ذكر ما أنعم اللّه عليهم و سرد العبر لهم.كما تصدّرت السّورة و تخلّلتها آيات بشأن القرآن(1-4) و(31)و(43)و(44): حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ...

وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ...، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ...

ثانيا:و سياق آيات هذه السّورة الّذي يمتاز بالتّجانس الموضوعيّ المتمثّل بمكافحة الشّرك و مقارعة المشركين،و التّجانس اللّفظيّ المتمثّل بوحدة الرّويّ -كما هو شأن السّور المكّيّة-يحملنا على القول بأنّ كلمة(أم)في صدر الآية هي متّصلة،كما ذهب إليه بعض المفسّرين،فتكون عطفا على آخر آية تنحي باللاّئمة عليهم،و هو قوله تعالى: بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ الزّخرف:22، و لا يمنع ذلك وقوع آيات متباينة الموضوع بينهما،و مثله كثير في القرآن.

و هذا الّذي اخترناه أولى من قول القرطبيّ بأنّه عطف على قوله: أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ الزّخرف:45،أو تعقيب لقوله قبله: لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ الزّخرف:

78،أي و لقد جئناكم بالحقّ فلم تسمعوا،أم سمعوا فأعرضوا،لأنّهم في أنفسهم أبرموا أمرا أمنوا به العقاب.

كما أنّه أولى من قول بعضهم:إنّ(أم)منقطعة بمعنى «بل»للإضراب عمّا قبلها من الخطاب الّذي وجّه إليهم،و الّذي كان من شأنه أن يحدث لهم ذكرا،و أن ينقادوا للحقّ و يذعنوا له،و لكنّهم أبرموا أمرا على الضّلال فلا ينتفعون به.

ثالثا:ورد سياق الآية على نمط الازدواج،و هو بين (ابرموا)و(مبرمون)،أي أحكموا أمرا في شأن الرّسول، فإنّا محكمون بمجازاتهم.و هذا نظير قوله تعالى:

وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً النّمل:50،و قوله:

وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40،و قوله:

أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ الطّور:42،و كلّ هذه الآيات مكّيّة أيضا.

رابعا:تعتبر هذه الآية آخر خطاب لهم في السّورة، فلا مجال بعد ذلك لمحاجّتهم،و يتلوها قوله في نهاية السّورة: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.

الزّخرف:89.

ص: 432

ب ر ه ن

اشارة

3 ألفاظ،8 مرّات:6 مكّيّة،2 مدنيّة

في 7 سور:5 مكّيّة،2 مدنيّة

برهان 3:2-1 برهانكم 4:3-1

برهانان 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البرهان:بيان الحجّة و إيضاحها.

و البرهرهة:الجارية البيضاء،و برهها:ترارتها و بضاضتها.و تصغير البرهرهة:بريهة،و من أتمّها قال:

بريرهة.و أمّا بريهرهة فقبيحة،قلّما يتكلّم بها.

و أبرهة:اسم أبي يكسوم الحبشيّ ملك اليمن،الّذي ساق الفيل إلى البيت فأهلكه اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:49)

نحوه الصّاحب.(3:483)

الأصمعيّ: البرهرهة:الّتي كأنّها ترعد من الرّطوبة.(الأزهريّ 6:295)

برهوت،على مثال رهبوت:بئر بحضرموت، يقال:فيها أرواح الكفّار.و في الحديث:«خير بئر في الأرض زمزم،و شرّ بئر في الأرض برهوت».

و يقال:برهوت مثل سبروت.

(الجوهريّ 6:2227)

أبو عبيد: البرهة:الزّمان،يقال:أقمت عنده برهة من الدّهر،كقولك:أقمت عنده سبّة من الدّهر.

(الأزهريّ 6:295)

ابن الأعرابيّ: بره الرّجل،إذا ثاب جسمه بعد تغيّر من علّة.

و أبره الرّجل:غلب النّاس،و أتى بالعجائب.

(الأزهريّ 6:294)

البرهرهة:الّتي لها بريق من صفائها.

(الأزهريّ 6:295)

ابن السّكّيت: أقمت عنده برهة من الدّهر،و برهة من الدّهر.(الأزهريّ 6:295)

ص: 433

الزّجّاج: يقال للّذي لا يبرهن حقيقته:إنّما أنت متمنّ،فجعل«يبرهن»بمعنى يبيّن.و جمع البرهان:

براهين،و قد برهن عليه:أقام الحجّة.

(ابن منظور 13:51)

ابن دريد :برهان:معروف،من قولهم:هذا برهان هذا،أي إيضاحه.(3:416)

الأزهريّ: قال اللّيث:البرهان:الحجّة،و إيضاحها.

قلت:و نون البرهان ليست أصليّة،و قولهم:

برهن فلان،إذا جاء بالبرهان،مولّد،و الصّواب أن يقال:أبره،إذا جاء بالبرهان،كما قاله ابن الأعرابيّ إن صحّ عنه،و هي في رواية أبي عمرو.

و يجوز أن تكون النّون في«البرهان»نون جمع على «فعلان»ثمّ جعلت كالنّون الأصليّة،كما جمعوا:مصادا على مصدان،و مصيرا على مصران،ثمّ جمعوا مصران على مصارين،على توهّم أنّها أصليّة.

و قيل:[البرهرهة]هي الرّقيقة الجلد،كأنّ الماء يجري فيها من النّعمة.(6:294)

الرّمّانيّ: [الفرق بين الدّلالة و البرهان أنّ]

«الدّلالة»قد تنبئ عن معنى فقط لا يشهد بمعنى آخر،و قد تنبئ عن معنى يشهد بمعنى آخر.و«البرهان» ليس كذلك،لأنّه بيان عن معنى آخر.

(الطّبرسيّ 1:186)

«الدّليل»يكون وضعيّا،قد يمكن أن يجعل على خلاف ما جعل عليه،نحو دلالة الاسم على المسمّى.و أمّا «دلالة البرهان»فلا يمكن أن توضع دلالة على خلاف ما هي دلالة عليه،نحو دلالة الفعل على الفاعل،لا يمكن أن تجعل دلالة على أنّه ليس بفاعل.(أبو هلال:55)

الجوهريّ: البرهان:الحجّة،و قد برهن عليه،أي أقام الحجّة.(5:2078)

أتت عليه برهة من الدّهر و برهة،أي مدّة طويلة من الزّمان.

و البرهرهة:المرأة الّتي كأنّها ترعد رطوبة،و هي فعلعلة،كرّر فيه العين و اللاّم.(6:2227)

أبو هلال: الفرق بين الدّلالة و البرهان:أنّ البرهان لا يكون إلاّ قولا يشهد بصحّة الشّيء،و الدّلالة تكون قولا،تقول:العالم دلالة على القديم و ليس العالم قولا.

و تقول:دلالتي على صحّة مذهبي كذا،فتأتي بقول تحتجّ به على صحّة مذهبك.

و قال بعض العلماء:البرهان:بيان يشهد بمعنى آخر حقّ في نفسه،و شهادته مثال ذلك:أنّ الإخبار بأنّ الجسم محدث هو بيان بأنّ له محدثا،و المعنى الأوّل حقّ في نفسه.و الدّليل:ما ينبئ عن معنى من غير أن يشهد بمعنى آخر،و قد ينبئ عن معنى يشهد بمعنى آخر، فالدّليل أعمّ.

و سمعت من يقول:البرهان:ما يقصد به قطع حجّة الخصم.فارسيّ معرّب،و أصله:بران،أي اقطع ذاك، و منه«البرهة»و هي القطعة من الدّلالة،و لا يعرف صحّة ذلك.(55)

الهرويّ: البرهان:البيان،يقال:برهن قوله،أي بيّنه بحجّة.(1:160)

ابن سيدة:البرهة و البرهة جميعا:الحين الطّويل من الدّهر.

ص: 434

و البره:التّرارة،و امرأة برهرهة:تارّة،و تكاد ترعد من الرّطوبة.و قيل:بيضاء.

و البرهان:بيان الحجّة و اتّضاحها،و في التّنزيل قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ البقرة:111،الأنبياء:24، النّمل:64.(4:313)

البرهان:الحجّة على صحّة الدّعوى.و النّون زائدة، مصدر:بره يبره برها،إذا ابيضّ،سمّيت به الحجّة لنصوع دلالتها على المطلوب.

أو من البره و هو القطع،و منه البرهة،و هي القطعة من الزّمان،سمّيت به الحجّة،لأنّ بها قطع دعوى الخصم.

أو من البرهنة،بمعنى البيان.

و أبره و برهن على كذا:أتى بالبرهان،و أبره:غلب النّاس.(الإفصاح 1:247)

الطّوسيّ: البرهان و الحجّة و الدّلالة و البيان بمعنى واحد،و هو ما أمكن الاستدلال به على ما هو دلالة عليه،مع قصد فاعله إلى ذلك.

و فرّق الرّمّانيّ بين الدّلالة و البرهان.[و بعد نقل قوله الّذي تقدّم قال:]

و هذا الّذي ذكره لا يسلّم له،لأنّه محض الدّعوى.

(1:411)

و البرهان:إظهار المعنى للنّفس بما يدعو إلى أنّه حقّ ممّا هو حقّ في نفسه.(8:128)

الرّاغب: البرهان:بيان للحجّة،و هو«فعلان» مثل الرّجحان و الثّنيان.و قال بعضهم:هو مصدر:بره يبره،إذا ابيضّ.و رجل أبره و امرأة برهاء و قوم بره، و برهرهة:شابّة بيضاء.

و البرهة:مدّة من الزّمان.

فالبرهان:أوكد الأدلّة،و هو الّذي يقتضي الصّدق أبدا،لا محالة؛و ذلك أنّ الأدلّة خمسة أضرب:

دلالة تقتضي الصّدق أبدا،و دلالة تقتضي الكذب أبدا،و دلالة إلى الصّدق أقرب،و دلالة إلى الكذب أقرب،و دلالة هي إليهما سواء.قال تعالى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:111، قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ الأنبياء:24، قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ النّساء:174.(45)

الزّمخشريّ: أقمت عنده برهة من الدّهر،و أقام عندنا بريه بريهة:يريد مصغّر إبراهيم على التّرخيم، حكي عن الفرّاء.

و أبره فلان:جاء بالبرهان،و برهن:مولّد.

و البرهان:بيان الحجّة و إيضاحها من«البرهرهة»و هي البيضاء من الجواري،كما اشتقّ السّلطان من«السّليط» لإضاءته.

و تقول:لا تشبّه العدليّة بالمشبّهة،و افصل بين إبراهيم و أبرهة.(أساس البلاغة:21)

ابن عطيّة: البرهان:الدّليل الّذي يوقع اليقين.

(1:198)

الطّبرسيّ: البرهان:الشّاهد بالحقّ.و قيل:

البرهان:البيان،يقال:برهن قوله،أي بيّنه بحجّة.

(2:147)

ابن الأثير: في حديث عليّ:«شرّ بئر في الأرض برهوت»هي بفتح الباء و الرّاء:بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النّزول إلى قعرها.و يقال:«برهوت»بضمّ

ص: 435

الباء و سكون الرّاء،فتكون تاؤها على الأوّل زائدة، و على الثّاني أصليّة.

«الصّدقة برهان»البرهان:الحجّة و الدّليل،أي أنّها حجّة لطالب الأجر،من أجل أنّها فرض يجازي اللّه به و عليه.

و قيل:هي دليل على صحّة إيمان صاحبها،لطيب نفسه بإخراجها؛و ذلك لعلاقة ما بين النّفس و المال.

في حديث المبعث:«فأخرج منه علقة سوداء،ثمّ أدخل فيه البرهرهة»قيل:هي سكّينة بيضاء جديدة صافية،من قولهم:امرأة برهرهة:كأنّها ترعد رطوبة.

و يروى رهرهة،أي رحرحة واسعة.

قال الخطّابيّ: «قد أكثرت السّؤال عنها فلم أجد فيها قولا يقطع بصحّته».ثمّ اختار أنّها السّكّين.

(1:122)

الفيّوميّ: برهة من الزّمان بضمّ الباء و فتحها،أي مدّة،و الجمع:بره،و برهات،مثل غرفة و غرفات في وجوهها (1).

و البرهان:الحجّة و إيضاحها.قيل:النّون زائدة، و قيل:أصليّة.[ثمّ ذكر أقوال المتقدّمين فلاحظ.]

(1:46)

الفيروزآباديّ: البرهان بالضّمّ:الحجّة،و برهن عليه:أقام البرهان.(4:203)

البرهة و يضمّ:الزّمان الطّويل،أو أعمّ.

و البرهرهة:المرأة البيضاء الشّابّة و النّاعمة،أو الّتي ترعد رطوبة و نعومة.

و البره محرّكة:التّرارة.

و برهوت،محرّكة و بالضّمّ:بئر أو واد أو بلدة.

و بره كسمع برها:ثاب جسمه بعد علّة،و ابيضّ جسمه،و هو أبره،و هي برهاء.

و أبره:أتى بالبرهان أو بالعجائب،و غلب النّاس.

و بريه:مصغّر إبراهيم،و نهر بريه:بالبصرة.

(4:283)

الطّريحيّ: في الحديث:«شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت»بالباء الموحّدة المفتوحة على الأفصح،و قيل بالضّمّ:بئر بحضرموت تردها هامّة الكفّار.و في رواية أخرى:ترده أرواح الكفّار.

و البرهة:بالضّمّ الموحّدة و فتحها:المدّة الطّويلة، يقال:أتى عليه برهة من الدّهر بالوجهين،أي مدّة طويلة و زمان كثير،و الجمع:برهات،كغرفة و غرفات.

(6:342)

العدنانيّ: أبره،برهن.

و يخطّئون من يقول:برهن رشاد على أنّه شجاع، و يقولون:إنّ الصّواب هو أبره رشاد على أنّه شجاع.

و الحقيقة هي أنّ كلا الفعلين:أبره و برهن، صحيحان،و معناهما:أتى بالبرهان.

فممّن ذكر الفعل«أبره»ابن الأعرابيّ،و التّهذيب، و الأساس،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ذكر ابن الأعرابيّ و المصباح أنّ الفعل«أبره»هو الفعل الصّحيح.

و ممّن ذكر الفعل«برهن»اللّيث بن سعد،و التّهذيبا.

ص: 436


1- أي بضمّ الرّاء و سكونها و فتحها.

مولّد،و الحريريّ في المقامة الإسكندرانيّة،و الأساس و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و قال بعض هؤلاء: إنّ الفعل«برهن»مولّد:اللّيث ابن سعد،و التّهذيب،و الأساس،و اللّسان،و المصباح، و التّاج،و المتن.

و هنالك من اكتفى بذكر«البرهان»كقوله تعالى في الآية(111)من سورة البقرة: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و قد ذكرت كلمة«برهان»سبع مرّات أخرى في القرآن الكريم..

و ممّن ذكر«البرهان»أيضا و أهمل ذكر الفعل «برهن»معجم ألفاظ القرآن الكريم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و النّهاية.(56)

المصطفويّ: لا يبعد أن نقول:إنّ كلمة«البرهان» مأخوذ من:بره يبره،إذا ابيضّ،و هو في الأصل مصدر كغفران و عدوان و نقصان.و معناه الابيضاض،ثمّ أطلق على الكلام الجليّ الّذي لا إبهام فيه،أو أمر بيّن لا خفاء فيه.

ثمّ اشتقّ من هذه الكلمة أفعال،فيقال:برهن يبرهن برهنة،فهو مبرهن.

و هذا النّحو يسمّى بالاشتقاق الانتزاعيّ،كما في سلطن يسلطن من السّلطان،و هو من«السّلط»فالنّون زائدة من جهة المادّة الأصليّة،و أصيلة بالنّسبة إلى الاشتقاق الثّانويّ الانتزاعيّ.و لعلّ هذا معنى قولهم:

برهن مولّد.

قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ النّساء:174،أي أمر بيّن محكم،لا ريب فيه و لا ظلمة.

وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ يوسف:24،أي ما تبيّن به الحقّ و الهدى،و يتّضح به سبيل الرّشد من الغوى،و هو النّور،يهدي اللّه لنوره من يشاء.

وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ المؤمنون:

117،أي ليس لهم أمر بيّن محكم،يبيّن دعواهم و يثبت قولهم،فهم في ظلمة و ريب يتردّدون.

فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ القصص:32،أي أمران نيّران و آيتان بيّنتان من جانب الرّبّ لإثبات دعوتك.

و أمّا البرهان بمعنى الدّليل فهو اصطلاح منطقيّ خارج عن اللّغة.(1:247)

النّصوص التّفسيريّة

برهان

1- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً. النّساء:174

ابن عبّاس: المراد بالبرهان هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

مثله الثّوريّ.(الآلوسيّ 6:42)

مجاهد :حجّة.

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 6:39)

قتادة: بيّنة من ربّكم.

مثله ابن جريج.(الطّبريّ 6:39)

الإمام الصّادق عليه السّلام: البرهان:محمّد صلّى اللّه عليه و آله،

ص: 437

و النّور:عليّ عليه السّلام.[و هذا تأويل](العروسيّ 1:579)

الطّبريّ: قد جاءتكم حجّة من اللّه تبرهن لكم بطول ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم و مللكم،و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،الّذي جعله اللّه عليكم حجّة،قطع بها عذركم،و أبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم،مع تعريفه إيّاكم صحّة نبوّته،و تحقيق رسالته.(6:39)

نحوه الطّوسيّ.(3:406)

الميبديّ: البرهان هاهنا:المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم،و النّور هو القرآن،كما قال: وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ الأعراف:157.(2:786)

الزّمخشريّ: البرهان و النّور المبين:القرآن،أو أراد بالبرهان:دين الحقّ أو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و بالنّور المبين:ما يبيّنه و يصدّقه من الكتاب المعجز.(1:589)

ابن عطيّة: الآية إشارة إلى محمّد رسول اللّه، و البرهان:الحجّة النّيّرة الواضحة الّتي تعطي اليقين التّامّ،و المعنى قد جاءكم-مقترنا بمحمّد-برهان من اللّه على صحّة ما يدعوكم إليه،و فساد ما أنتم عليه من النّحل.(2:141).

الفخر الرّازيّ: البرهان هو محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و إنّما سمّاه برهانا،لأنّ حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحقّ و إبطال الباطل.و النّور المبين هو القرآن،و سمّاه نورا لأنّه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب.(11:119)

القرطبيّ: يعني محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،عن الثّوريّ.و سمّاه برهانا لأنّ معه البرهان،و هو المعجزة.

و قال مجاهد:البرهان هاهنا:الحجّة.و المعنى متقارب،فإنّ المعجزات حجّته صلّى اللّه عليه و سلّم.و النّور المنزل:

القرآن.(6:27)

النّيسابوريّ: يحتمل أن يراد بالبرهان و النّور كليهما:القرآن،و يحتمل أن يراد بالبرهان:محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّه يقيم البرهان على تحقيق الحقّ و إبطال الباطل، و النّور المبين:القرآن،لأنّه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب.(6:25)

أبو حيّان: قيل:البرهان:الإسلام،و النّور المبين هو القرآن.(3:405)

أبو السّعود: البرهان:ما يبرهن به على المطلوب، و المراد به:القرآن الدّالّ على صحّة نبوّة النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،المثبت لما فيه من الأحكام الّتي من جملتها ما أشير إليه،ممّا أثبتته الآيات الكريمة،من حقّيّة الحقّ و بطلان الباطل.

و روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما: أنّ النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام عبّر عنه به،لما معه من المعجزات الّتي تشهد بصدقه.

و قيل:هو المعجزات الّتي أظهرها،و قيل:هو دين الحقّ الّذي أتى به.(2:229)

البروسويّ: عنى بالبرهان:المعجزات،و بالنّور:

القرآن،أي جاءكم دلائل العقل و شواهد النّقل،و لم يبق لكم عذر و لا علّة.و البرهان:ما يبرهن به المطلوب.

(1:333)

الآلوسيّ: أي حجّة قاطعة،و المراد بها:المعجزات على ما قيل.

و أخرج ابن عساكر عن سفيان الثّوريّ عن أبيه عن

ص: 438

رجل لا يحفظ اسمه:إنّ المراد بالبرهان هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و روي ذلك عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما، و عبّر عنه عليه الصّلاة و السّلام بذلك لما معه من المعجزات الّتي تشهد بصدقه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.

و قيل:المراد بذلك:دين الحقّ الّذي جاء به النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.

و التّنوين للتّفخيم،و(من)لابتداء الغاية مجازا، و هي متعلّقة ب(جاء)أو بمحذوف وقع صفة مشرفة ل(برهان)مؤكّدة لما أفاده التّنوين.

و جوّز أن تكون تبعيضيّة بحذف المضاف،أي كائن من براهين ربّكم،و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين،لإظهار اللّطف بهم، و الإيذان بأنّ مجيء ذلك لتربيتهم و تكميلهم.(6:42)

رشيد رضا: أي قد جاءكم من قبل ربّكم- بفضله و عنايته بتربيتكم و تزكية نفوسكم-برهان عظيم أو جليّ يبيّن لكم حقيقة الإيمان الصّحيح باللّه عزّ و جلّ، و جميع ما تحتاجون إليه من أمر دينكم،مؤيّدا لكم ذلك بالدّلائل و البيّنات و الحكم،و هو محمّد النّبيّ العربيّ الأمّيّ،الّذي يظهر لكلّ من عرف سيرته في نشأته و تربيته،و حاله في بعثته و سنّته.

أنّه هو نفسه برهان على حقّيّة ما جاء به،أمّيّ لم يتعلّم شيئا من الكتب قطّ،و لم يعن في طفوليّته و لا في شبابه بشيء ممّا كان يسمّى علما عند قومه الأمّيّين، كالشّعر و النّسب و أيّام العرب.

قام في كهولته يعلّم الأمّيّين و المتعلّمين حقائق العلوم الإلهيّة،و صفات الرّبوبيّة،و ما يجب لتلك الذّات العليّة،و ما تتزكّى به النّفس البشريّة،و تصلح به الحياة الاجتماعيّة.

و يكشف ما اشتبه على أهل الكتاب من أصول دينهم،و ما اضطرب فيه نظّار الفلسفة العليا من مسائل فلسفتهم،و يرفع قواعد الإيمان على أساس الحجج الكونيّة العقليّة،و يسلك هذا المسلك في بيان الشّرائع العمليّة،و الحكمة الأدبيّة،و السّياسة الحربيّة و الاجتماعيّة،كلّ ذلك كان على طريق الحجّة و البرهان،فلا غرو أن يسمّى هو نفسه برهانا.

و هو برهان بسيرته العمليّة،كما أنّه برهان في دعوته العلميّة الشّرعيّة،فقد نشأ يتيما لم يعن بتربيته عالم و لا حكيم و لا سياسيّ،بل ترك كما كان ولدان المشركين يتركون و شأنهم،و كان في سنّ التّعليم و تكوّن الأخلاق و الملكات يرعى الغنم نهارا و ينام من أوّل اللّيل،فلا يحضر سمّار قومه(مواضع السّمر في اللّيل)و لا معاهد لهوهم،و اتّجر قليلا في شبابه مع قومه من أبناء الجاهليّة و أترابه.

فهو لم يصادف من التّربية المنزليّة و التّأديب الاجتماعيّ في أوّل نشأته،ما يؤهّله للمنصب الّذي تصدّى له في كهولته،و هو تربية الأمم تربية دينيّة اجتماعيّة سياسية حربيّة،و لكنّه قام بهذه التّربية أكمل قيام،و ما زال يعجز عن مثل ما قام به من يستعدّون له بالعلوم و الأعمال،فكان بهذا«برهانا»على عناية اللّه به، و تأييده إيّاه بوحيه و توفيقه.(6:98)

عبد الكريم الخطيب: بعد أن كشف اللّه سبحانه و تعالى ما عليه أهل الكتاب من عمى و ضلال،و من غلوّ

ص: 439

في جانب،و تقصير من جوانب أخرى،جاء هذا النّداء الكريم من قبل الحقّ،دعوة عامّة للنّاس جميعا،أن ينظروا في أنفسهم،و أن يدعوا هذا الضّلال الّذي هم فيه،و أن يتلفّتوا إلى هذا الرّسول الكريم،الّذى هو برهان مبين،و حجّة مشرقة لا يزيغ عنها إلاّ ضالّ، و لا يجحد بها إلاّ هالك،فإنّها تحمل بين يديها هذا النّور السّماويّ،الّذي فيه تبصرة لأولي الألباب،و هدى للمتّقين.

و وصف الرّسول الكريم بأنّه برهان من عند اللّه،لما يحمل من الأمارات الدّالّة على أنّه رسول ربّ العالمين، تحدّثت به التّوراة،و تحدّث به الإنجيل،و عرف أهل الكتاب من اليهود و النّصارى صفته،فجاء على الوصف الّذي يعرفونه،ثمّ جحدوه و أنكروه،فهو حجّة قائمة عليهم،و دينونة معلّقة في أعناقهم.(3:1019)

مكارم الشّيرازيّ: لقد توجّه الخطاب أوّلا إلى عامّة النّاس،مبيّنا أنّ اللّه قد بعث من جانبه نبيّا يحمل معه الدّلائل و البراهين الواضحة،و بعث معه النّور المبين المتجسّد في القرآن الكريم الّذي يهدي إلى طريق السّعادة الأبديّة،حيث تقول الآية الأولى: يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً النّساء:174.

و يعتقد بعض العلماء أنّ كلمة(برهان)المشتقّة من المصدر«بره»على وزن«فرح»تعني الابيضاض-و لمّا كانت الأدلّة الواضحة تجلي للسّامع وجه الحقّ و تجعله واضحا مشرقا أبيض لذلك سمّيت ب«البرهان».

و المقصود ب«البرهان»الوارد في الآية موضوع البحث-و كما يقول جمع من المفسّرين و تؤكّد ذلك القرائن-هو شخص نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله.

و أنّ المقصود ب«النّور»هو القرآن المجيد الّذي عبّرت عنه آيات أخرى بالنّور أيضا.

و قد فسّرت الأحاديث المتعدّدة المنقولة عن أهل البيت عليهم السّلام-و الّتي أوردتها تفاسير«نور الثّقلين» و«عليّ بن إبراهيم»و«مجمع البيان»-أنّ«البرهان»هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و«النّور»هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

و لا يتنافى هذا التّفسير مع ذلك الّذي أوردناه قبله، حيث يمكن أن يقصد بعبارة«النّور»معان عديدة لتشمل «القرآن»و«أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام»الّذي يعتبر حافظا و مفسّرا للقرآن و مدافعا عنه.

و توضح الآية الثّانية عاقبة أنواع هذا البرهان و هذا النّور،فتؤكّد على أنّ الّذين آمنوا باللّه و تمسّكوا بهذا الكتاب السّماويّ،سيدخلهم اللّه عاجلا في رحمته الواسعة،و يجزل لهم الثّواب من فضله و رحمته،و يهديهم إلى الطّريق المستقيم.تقول الآية: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً النّساء:175.

(3:496)

2- وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ. يوسف:24

ابن عبّاس: نودي يا يوسف أ تزني؟فتكون كالطّير

ص: 440

وقع ريشه فذهب يطير،فلا ريش له.

(الطّبريّ 12:185)

نحوه أبو مليكة و ابن أبي بزّة(الطّبريّ 12:188)، و السّدّيّ(الميبديّ 5:51).

البرهان الّذي رآه:أنّه رأى صورة يعقوب عاضّا على أنامله.

مثله الحسن،و سعيد بن جبير،و مجاهد.

(الطّوسيّ 6:124)

نحوه مجاهد،و عكرمة،و ابن عبد الرّحمن، و الحسن،و ابن سيرين،و أبو صالح،و شمر بن عطيّة، و الضّحّاك،و ابن إسحاق،و ابن جريج(الطّبريّ 12:

186-189)

آيات ربّه،رأى تمثال الملك.(الطّبريّ 12:187)

مثّل له يعقوب،فضرب في صدره،فخرجت شهوته من أنامله.(الطّبريّ 12:187)

نحوه ابن أبي جعفر.(الطّبريّ 12:189)

سعيد بن جبير: رأى صورة فيها وجه يعقوب عاضّا على أصابعه،فدفع في صدره،فخرجت شهوته من أنامله،فكلّ ولد يعقوب ولد له اثنا عشر رجلا إلاّ يوسف إنّه نقص بتلك الشّهوة،و لم يولد له غير أحد عشر.(الطّبريّ 12:187)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: أنّه كان في البيت صنم فألقت المرأة عليه ثوبا،فقال عليه السّلام:إن كنت تستحين من الصّنم فأنا أحقّ أن أستحي من الواحد القهّار.

(الطّبرسيّ 3:225)

نحوه عن الإمام الباقر عليه السّلام.(العروسيّ 2:421)

ابن كعب القرظيّ:إنّه حجّة اللّه سبحانه في تحريم الزّنى،و العلم بالعذاب الّذي يستحقّه الزّاني.

مثله الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 2:225)

رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ،فرأى كتابا في حائط البيت وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً الإسراء:32.(الطّبريّ 12:190)

لو لا ما رأى في القرآن من تعظيم الزّنى.

البرهان الّذي رأى يوسف:ثلاث آيات من كتاب اللّه: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ الانفطار:

10،11،و قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً... يونس:61،و قوله: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ الرّعد:33.

(الطّبريّ 12:190)

قتادة: نودي يوسف،فقيل:أنت مكتوب في الأنبياء،تعمل عمل السّفهاء.(الطّبريّ 12:186)

نحوه ابن سيرين.(الطّبريّ 12:190)

رأى صورة يعقوب،فقال:يا يوسف تعمل عمل الفجّار،و أنت مكتوب في الأنبياء؟فاستحيا منه.

(الطّبريّ 12:189)

رأى آية من آيات ربّه،حجزه اللّه بها عن معصيته، ذكر لنا أنّه مثّل له يعقوب حتّى كلّمه،فعصمه اللّه و نزعت كلّ شهوة كانت في مفاصله.

(الطّبريّ 12:189)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 12:190)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّه النّبوّة المانعة من ارتكاب

ص: 441

الفواحش،و الحكمة الصّارفة عن القبائح.

(الطّبرسيّ 3:225)

الطّبريّ: أمّا البرهان الّذي رآه يوسف،فترك من أجله مواقعة الخطيئة،فإنّ أهل العلم مختلفون فيه،فقال بعضهم:نودي بالنّهي عن مواقعة الخطيئة.

و قال آخرون: البرهان الّذي رأى يوسف،فكفّ عن مواقعة الخطيئة من أجله:صورة يعقوب عليهما السّلام يتوعّده.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن همّ يوسف و امرأة العزيز كلّ واحد منهما بصاحبه،لو لا أن رأى يوسف برهان ربّه؛و ذلك آية من آيات اللّه،زجرته عن ركوب ما همّ به يوسف من الفاحشة.

و جائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب،و جائز أن تكون صورة الملك،و جائز أن يكون الوعيد في الآيات الّتي ذكرها اللّه في القرآن على الزّنى،و لا حجّة للعذر قاطعة بأيّ ذلك من أيّ.

و الصّواب أن يقال في ذلك،ما قاله اللّه تبارك و تعالى،و الإيمان به،و ترك ما عدا ذلك إلى عالمه.

(12:185)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّه ما آتاه اللّه سبحانه من آداب الأنبياء و أخلاق الأصفياء،في العفاف و صيانة النّفس عن الأدناس.(الطّبرسيّ 3:225)

الطّوسيّ: [قال بعد نقل أقوال ابن عبّاس و الحسن و سعيد بن جبير و مجاهد:]

و هذا الّذي ذكروه كلّه غير صحيح،لأنّ ذلك يقتضي الإلجاء و زوال التّكليف،و لو كان ذلك لما استحقّ يوسف على امتناعه من الفاحشة مدحا و لا ثوابا؛ و ذلك ينافي ما وصفه اللّه تعالى من أنّه صرف عنه السّوء و الفحشاء و أنّه من عبادنا المخلصين.

و يحتمل أن يكون«البرهان»لطفا لطّف اللّه تعالى له في تلك الحال أو قبلها،اختار عنده الامتناع من المعاصي،و هو الّذي اقتضى كونه معصوما.و يجوز أن تكون الرّؤية بمعنى العلم.

و قال قوم:«البرهان»هو ما دلّ اللّه تعالى يوسف على تحريم ذلك الفعل،و على أنّ من فعله استحقّ العقاب،لأنّ ذلك صارف عن الفعل و مقوّ لدواعي الامتناع،و هذا أيضا جائز.(6:124)

الزّمخشريّ: فسّر«البرهان»بأنّه سمع صوتا:

إيّاك و إيّاها،فلم يكترث له،فسمعه ثانيا فلم يعمل به، فسمع ثالثا:أعرض عنها،فلم ينجع فيه،حتّى مثّل له يعقوب عاضّا على أنملته.[ثمّ نقل بعض أقوال المفسّرين إلى أن قال:]

و هذا و نحوه ممّا يورده أهل الحشو و الجبر الّذين دينهم بهت اللّه تعالى و أنبيائه،و أهل العدل و التّوحيد، ليسوا من مقالاتهم و رواياتهم بحمد اللّه بسبيل.و لو وجدت من يوسف عليه السّلام أدنى زلّة لنعيت عليه و ذكرت توبته و استغفاره،كما نعيت على آدم زلّته و على داود و على نوح و على أيّوب و على ذي النّون،و ذكرت توبتهم و استغفارهم.

كيف و قد أثني عليه و سمّي مخلصا،فعلم بالقطع أنّه ثبت في ذلك المقام الدّحض،و أنّه جاهد نفسه مجاهدة

ص: 442

أولي القوّة و العزم،ناظرا في دليل التّحريم و وجه القبح، حتّى استحقّ من اللّه الثّناء فيما أنزل من كتب الأوّلين،ثمّ في القرآن الّذي هو حجّة على سائر كتبه،و مصداق لها، و لم يقتصر إلاّ على استيفاء قصّته،و ضرب صورة كاملة عليها،ليجعل له لسان صدق في الآخرين.(2:312)

نحوه الآلوسيّ.(12:215)

ابن عطيّة: [و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و«البرهان»في كلام العرب:الشّيء الّذي يعطي القطع و اليقين،كان ممّا يعلم ضرورة أم بخبر قطعيّ أو بقياس نظريّ،فهذه الّتي رويت فيما رآه يوسف براهين.

(3:235)

الطّبرسيّ: فأمّا«البرهان»الّذي رآه،فقد اختلف فيه على وجوه:

أحدها:[قول محمّد بن كعب القرظيّ الّذي تقدّم]

ثانيها:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ]

ثالثها:[قول الإمام الصّادق عليه السّلام الّذي مضى]

رابعها:[قول الإمام السّجّاد عليه السّلام و قد تقدّم]

خامسها:إنّه اللّطف الّذي لطّف اللّه تعالى به في تلك الحال أو قبلها،فاختار عنده الامتناع عن المعاصي،و هو ما يقتضي كونه معصوما،لأنّ العصمة هي اللّطف الّذي يختار عنده التّنزّه عن القبائح و الامتناع من فعلها.

و يجوز أن يكون«الرّؤية»هاهنا بمعنى العلم كما يجوز أن يكون بمعنى الإدراك.

فأمّا ما ذكر في«البرهان»من الأشياء البعيدة،بأن قيل:إنّه سمع قائلا يقول:يا ابن يعقوب لا تكوننّ كالطّير له ريش،فإذا زنى ذهب ريشه.و قيل:رأى صورة يعقوب عاضّا على أنامله.و قيل:إنّه رأى كفّا بدت فيما بينهما مكتوبا عليها النّهي عن ذلك فلم ينته،فأرسل اللّه سبحانه جبريل عليه السّلام،و قال:أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة،فرآه عاضّا على إصبعه.

فكلّ هذا سوء ثناء على الأنبياء،مع أنّ ذلك ينافي التّكليف،و يقتضي أن لا يستحقّ على الامتناع من القبيح مدحا و لا ثوابا؛و هذا من أقبح القول فيه عليه السّلام.(3:225)

الفخر الرّازيّ: إنّ المراد بذلك«البرهان»ما هو؟ أمّا المحقّقون المثبتون للعصمة فقد فسّروا رؤية «البرهان»بوجوه:

الأوّل:أنّه حجّة اللّه تعالى في تحريم الزّنى،و العلم بما على الزّاني من العقاب.

و الثّاني:أنّ اللّه تعالى طهّر نفوس الأنبياء عليهم السّلام عن الأخلاق الذّميمة،بل نقول:إنّه تعالى طهّر نفوس المتّصلين به عنها،كما قال: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33.

فالمراد برؤية البرهان:هو حصول تلك الأخلاق، و تذكير الأحوال الرّادعة لهم عن الإقدام على المنكرات.

و الثّالث:أنّه رأى مكتوبا في سقف البيت وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلاً الإسراء:32.

و الرّابع:أنّه النّبوّة المانعة من ارتكاب الفواحش.

و الدّليل عليه أنّ الأنبياء عليهم السّلام بعثوا لمنع الخلق عن القبائح و الفضائح،فلو أنّهم منعوا النّاس عنها،ثمّ أقدموا على أقبح أنواعها و أفحش أقسامها،لدخلوا تحت قوله

ص: 443

تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ الصّفّ:2،3.

و أيضا أنّ اللّه تعالى عيّر اليهود بقوله: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ البقرة:44،و ما يكون عيبا في حقّ اليهود كيف ينسب إلى الرّسول المؤيّد بالمعجزات!

و أمّا الّذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليه السّلام فقد ذكروا في تفسير ذلك«البرهان»أمورا:

الأوّل:قالوا:إنّ المرأة قامت إلى صنم مكلّل بالدّرّ و الياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب،فقال يوسف:

لم فعلت ذلك؟قالت:أستحيي من إلهي هذا أن يراني على معصية.

فقال يوسف:أ تستحيين من صنم لا يعقل و لا يسمع و لا أستحيي من إلهي القائم على كلّ نفس بما كسبت، فو اللّه لا أفعل ذلك أبدا.قالوا:فهذا هو البرهان.

الثّاني:نقلوا عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّه تمثّل له يعقوب فرآه عاضّا على أصابعه،و يقول له:

أ تعمل عمل الفجّار و أنت مكتوب فى زمرة الأنبياء، فاستحى منه.

الثّالث:قالوا:إنّه سمع في الهواء قائلا يقول:يا ابن يعقوب لا تكن كالطّير يكون له ريش،فإذا زنى ذهب ريشه.

الرّابع:نقلوا عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ يوسف عليه السّلام لم ينزجر برؤية صورة يعقوب حتّى ركضه جبريل عليه السّلام،فلم يبق فيه شيء من الشّهوة إلاّ خرج.

و لمّا نقل الواحديّ هذه الرّوايات تصلّف،و قال:

«هذا الّذي ذكرناه قول أئمّة التّفسير الّذين أخذوا التّأويل عمّن شاهد التّنزيل».

فيقال له:إنّك لا تأتينا البتّة إلاّ بهذه التصلّفات الّتي لا فائدة فيها،فأين هذا من الحجّة و الدّليل،و أيضا فإنّ ترادف الدّلائل على الشّيء الواحد جائز،و أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان ممتنعا عن الزّنى بحسب الدّلائل الأصليّة،فلمّا انضاف إليها هذه الزّواجر قوي الانزجار و كمل الاحتراز.

و العجب أنّهم نقلوا:أنّ جروا دخل حجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و بقي هناك بغير علمه،قالوا:فامتنع جبريل عليه السّلام من الدّخول عليه أربعين يوما.و هاهنا زعموا:أنّ يوسف عليه السّلام حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبريل عليه السّلام.

و العجب أنّهم زعموا:أنّه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبريل عليه السّلام،و لو أنّ أفسق الخلق و أكفرهم كان مشتغلا بفاحشة،فإذا دخل عليه رجل على زيّ الصّالحين استحيا منه و فرّ،و ترك ذلك العمل.

و هاهنا أنّه رأى يعقوب عليه السّلام عضّ على أنامله فلم يلتفت إليه،ثمّ إنّ جبريل عليه السّلام على جلالة قدره دخل عليه فلم يمتنع أيضا عن ذلك القبيح بسبب حضوره، حتّى احتاج جبريل عليه السّلام إلى أن يركضه على ظهره.

فنسأل اللّه أن يصوننا عن الغيّ في الدّين،و الخذلان في طلب اليقين،فهذا هو الكلام الملخّص في هذه المسألة و اللّه أعلم.(18:119)

أبو حيّان:[و بعد نقل أقوال المتقدّمين قال:]

و أمّا أقوال السّلف فنعتقد أنّه لا يصحّ عن أحد منهم

ص: 444

شيء من ذلك،لأنّها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا،مع كونها قادحة في بعض فسّاق المسلمين،فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة.

و الّذي روي عن السّلف لا يساعد عليه كلام العرب،لأنّهم قدّروا جواب«لو لا»محذوفا،و لا يدلّ عليه دليل،لأنّهم لم يقدّروا لهم بها،و لا يدلّ كلام العرب إلاّ على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشّرط،لأنّ ما قبل الشّرط دليل عليه،و لا يحذف الشّيء لغير دليل عليه.

و قد طهّرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التّفسير ممّا لا يليق ذكره،و اقتصرنا على ما دلّ عليه لسان العرب.

و مساق الآيات الّتي في هذه السّورة،ممّا يدلّ على العصمة و براءة يوسف عليه السّلام من كلّ ما يشين؛و من أراد أن يقف على ما نقل عن المفسّرين في هذه الآية،فليطالع ذلك في تفسير الزّمخشريّ و ابن عطيّة و غيرهما.

و البرهان الّذي رآه يوسف هو ما آتاه اللّه تعالى من العلم الدّالّ على تحريم ما حرّمه اللّه،و اللّه لا يمكن الهمّ به فضلا عن الوقوع فيه.(5:295)

الشّربينيّ:أي الّذي آتاه إيّاه من الحكم و العلم، أي لهمّ بها،لكنّه كان البرهان حاضرا لديه حضور من يراه بالعين،فلم يهمّ أصلا،مع كونه في غاية الاستعداد لذلك،لما آتاه اللّه تعالى من القوّة مع كونه في سنّ الشّباب.فلو لا المراقبة لهمّ بها لتوفّر الدّاعي،غير أنّ نور الشّهود محاها أصلا.

و هذا التّقدير هو اللاّئق بمثل مقامه عليه السّلام مع أنّه الّذي تدلّ عليه أساليب هذه الآيات،من جعله من المخلصين و المحسنين،المصروف عنهم السّوء،و أنّ السّجن أحبّ إليه من ذلك.(2:101)

أبو السّعود:أي حجّته الباهرة الدّالّة على كمال قبح الزّنى و سوء سبيله.

و المراد برؤيته لها:كمال إيقانه بها،و مشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين،الّذي تتجلّى هناك حقائق الأشياء بصورها الحقيقيّة،و تنخلع عن صورها المستعارة الّتي بها تظهر في هذه النّشأة،على ما نطق به قوله عليه السّلام:«حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النّار بالشّهوات».

و كأنّه عليه السّلام قد شاهد الزّنى بموجب ذلك البرهان النّيّر،على ما هو عليه في حدّ ذاته أقبح ما يكون، و أوجب ما يجب أن يحذر منه،و لذلك فعل ما فعل من الاستعصام و الحكم بعدم إفلاح من يرتكبه.(3:380)

الكاشانيّ:قد نسبت العامّة إلى يوسف في هذا المقام أمورا،و رووا بها روايات مختلفة،لا يليق للمؤمن نقلها فكيف باعتقادها.[و قد رأينا كيف فنّدها الرازيّ و غيره]

و نعم ما قيل:إنّ الّذين لهم تعلّق بهذه الواقعة هم:

يوسف و المرأة و زوجها و النّسوة و الشّهود و ربّ العالمين و إبليس،و كلّهم قالوا:ببراءة يوسف عن الذّنب،فلم يبق لمسلم توقّف في هذا الباب.

أمّا يوسف فقوله: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي يوسف:26،و قوله: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ يوسف:33.

و أمّا المرأة فلقولها: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ

ص: 445

فَاسْتَعْصَمَ يوسف:32، قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ يوسف:51.

و أمّا زوجها فلقوله: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يوسف:28.

و أمّا النّسوة فلقولهنّ: اِمْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ يوسف:30،و قولهنّ: حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ يوسف:51.

و أمّا الشّهود قوله تعالى: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها يوسف:26.

و أمّا شهادة اللّه بذلك فقوله عزّ من قائل: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24.

و أمّا إقرار إبليس بذلك فلقوله: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ص:

82،83،فأقرّ بأنّه لا يمكنه إغواء العباد المخلصين،و قد قال اللّه تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:

24،فقد أقرّ إبليس بأنّه لم يغوه.

و عند هذا نقول:إنّ هؤلاء الجهّال الّذين نسبوا إلى يوسف الفضيحة إن كانوا من أتباع دين اللّه فليقبلوا شهادة اللّه بطهارته،و إن كانوا من أتباع إبليس و جنوده فليقبلوا إقرار إبليس بطهارته.(3:14)

البروسويّ: [قال مثل أبي السّعود و أضاف:]

و هو نور القناعة الّتي من نتائج نظر العناية إلى قلوب الصّادقين.(4:239)

رشيد رضا: و لكنّه رأى من برهان ربّه في سريرة نفسه ما هو مصداق قوله تعالى: وَ اللّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ يوسف:21،و هو إمّا النّبوّة الّتي تلي الحكم و العلم اللّذين آتاه اللّه إيّاهما بعد بلوغ الأشدّ،و شاهده قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً النّساء:174.

و إمّا معجزتها،كما قال تعالى لموسى في آيتي العصا و اليد: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ القصص:32.

و إمّا مقدّمتها من مقام الصّدّيقيّة العليا،و هي مراقبته للّه تعالى و رؤية ربّه متجلّيا له ناظرا إليه،وفاقا لما قاله أخوه محمّد خاتم النّبيّين في تفسير الإحسان:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

فيوسف قد رأى هذا البرهان في نفسه،لا صورة أبيه متمثّلة في سقف الدّار،و لا صورة سيّده العزيز في الجدار، و لا صورة ملك يعظه بآيات من القرآن،و أمثال هذه الصّور الّتي رسّمتها أخيلة بعض رواة التّفسير المأثور،بما لا يدلّ عليه دليل من اللّغة و لا العقل و لا الطّبع و لا الشّرع،و لم يرو في خبر مرفوع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في الصّحاح،و لا فيما دونها.

و ما قلناه هو المتبادر من اللّغة و وقائع القصّة، و مقتضى ما وصف اللّه به يوسف في هذا السّياق و غيره من السّورة،و لا سيّما قوله في أوّله: وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف:22،و ما فسّر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم به «الإحسان».

و قوله في تعليله: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ أي كذلك فعلنا و تصرّفنا في أمره لنصرف عنه دواعي ما أرادته به أخيرا من السّوء،و ما راودته عليه قبله من الفحشاء،بحصانة أو عصمة منّا تحول دون

ص: 446

تأثير دواعيهما الطّبيعيّة في نفسه،فلا يصيبه شيء يخرجه من جماعة المحسنين الّذين شهدنا له بأنّه منهم إلى جماعة الظّالمين الّذين ذمّهم،و شهد هو في ردّه عليها بأنّهم لا يفلحون،و شهادته حقّ.(12:278)

الطّباطبائيّ: البرهان هو السّلطان،و يراد به السّبب المفيد لليقين،لتسلّطه على القلوب كالمعجزة.

قال تعالى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ القصص:32،و قال: يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ النّساء:174،و قال: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ النّمل:64،و هو الحجّة اليقينيّة الّتي تجلي الحقّ و لا تدع ريبا لمرتاب.

و الّذي رآه يوسف عليه السّلام من برهان ربّه و إن لم يوضحه كلامه تعالى كلّ الإيضاح،لكنّه-على أيّ حال-كان سببا من أسباب اليقين،لا يجامع الجهل و الضّلال بتاتا.

و يدلّ على أنّه كان من قبيل العلم قول يوسف عليه السّلام فيما يناجي ربّه: وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33.

و يدلّ على أنّه ليس من العلم المتعارف بحسن الأفعال و قبحها و مصلحتها و مفسدتها أنّ هذا النّوع من العلم قد يجامع الضّلال و المعصية،و هو ظاهر قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ الجاثية:23،و قال: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14.

فالبرهان الّذي أراه به و هو الّذي يريه اللّه عباده المخلصين،نوع من العلم المكشوف و اليقين المشهود، تطيعه النّفس الإنسانيّة طاعة لا تميل معها إلى معصية أصلا،و سنورد فيه بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.

[و تمام الكلام في«ه م م»](11:128)

مكارم الشّيرازيّ: ما المراد من بُرْهانَ رَبِّهِ؟

«البرهان»في الأصل مصدر«بره»و معناه الابيضاض،ثمّ أطلق هذا اللّفظ على كلّ دليل محكم قويّ يوجب وضوح المقصود،فعلى هذا يكون برهان اللّه الّذي نجّى يوسف نوعا من الأدلّة الإلهيّة الواضحة، و قد احتمل فيه المفسّرون احتمالات كثيرة،من جملتها:

1-العلم و الإيمان و التّربية الإنسانيّة و الصّفات البارزة.

2-معرفته بحكم تحريم الزّنى.

3-مقام النّبوّة و عصمته من الذّنب.

4-نوع من الإمداد الإلهيّ الّذي تداركه في هذه اللّحظة الحسّاسة بسبب أعماله الصّالحة.

5-هناك رواية يستفاد منها أنّه كان في قصر امرأة عزيز مصر صنم تعبده،و فجأة وقعت عيناها عليه، فكأنّها أحسّت بأنّ الصّنم ينظر إلى حركاتها الخيانيّة...في حيرة و غضب نهضت و ألقت عليه سترا فاهتزّ يوسف لهذا المنظر،و قال:أنت تستحين من هذا العمل من الصّنم الّتي لا تملك عقلا و لا شعورا و لا إحساسا،فكيف لا أستحيي من ربّي الخبير بكلّ شيء،و الّذي لا تخفى عليه خافية!

فهذا الإحساس منح يوسف قوّة جديدة،و أعانه على الصّراع الشّديد في أعماق نفسه بين الغريزة و العقل،ليتمكّن من التّغلّب على أمواج الغريزة في نفسه.

ص: 447

و في الوقت ذاته لا مانع أن تكون جميع هذه المعاني في مكان واحد،لأنّ مفهوم البرهان العامّ يجمعها جميعا، و قد وردت في آيات القرآن كلمة البرهان على كثير من المعاني المتقدّمة.

أمّا الرّوايات الّتي لا سند لها و الّتي ينقلها بعض المفسّرين،و الّتي مؤدّاها أنّ يوسف صمّم على الذّنب، و لكنّه لاحظ فجأة حالة من المكاشفة بين جبرئيل و يعقوب و هو يعضّ على إصبعه،فرأى يوسف هذا المنظر و تخلّف عن إقدامه...على هذا الذّنب..فهذه الرّوايات ليس لها أيّ سند معتبر..و هي روايات إسرائيليّة أنتجتها العقول الإنسانيّة الضّيّقة الّتي لم تدرك مقام النّبوّة أبدا.(7:165)

3- وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ. المؤمنون:117

مجاهد : لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ: بيّنة.

(الطّبريّ 18:64)

حجّة.(الطّبريّ 18:64)

ابن قتيبة: أي لا حجّة له به و لا دليل.(300)

الطّبريّ: لا حجّة له بما يقول و يعمل من ذلك، و لا بيّنة.(18:64)

نحوه الميبديّ.(6:474)

الزّمخشريّ: لا برهان له به،كقوله: ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً الأعراف:33،و هي صفة لازمة نحو قوله:

وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38.

جيء بها للتّوكيد،لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان.و يجوز أن يكون اعتراضا بين الشّرط و الجزاء،كقولك:من أحسن إلى زيد-لا أحقّ بالإحسان منه-فاللّه مثيبه.(3:45)

نحوه أبو السّعود.(4:434)

ابن عطيّة: البرهان:الحجّة.و ظاهر الكلام أنّ (من)شرط،و جوابه في قوله: فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، و قوله: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ في موضع الصّفة.

و ذهب قوم إلى أنّ الجواب في قوله: لا بُرْهانَ. و هذا هروب من دليل الخطاب،من أن يكون ثمّ داع له البرهان.و هذا تحفّظ ممّا لا يلزم،و يلحقه حذف الفاء من جواب الشّرط،و هو غير فصيح،قاله سيبويه.

(4:159)

الطّبرسيّ: أي لا حجّة له فيما يدّعيه،يعني أنّ من صفته أنّه لا حجّة له به.(4:122)

أبو حيّان: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ صفة لازمة،لا للاحتراز من أن يكون ثمّ آخر يقوم عليه برهان،فهي مؤكّدة كقوله: يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38.

و يجوز أن تكون جملة اعتراض؛إذ فيها تشديد و تأكيد،فتكون لا موضع لها من الإعراب،كقولك:من أساء إليك لا أحقّ بالإساءة منه فأسيء إليه.

و من ذهب إلى أنّ جواب الشّرط هو لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ هروبا من دليل الخطاب،من أن يكون ثمّ داع له برهان.فلا يصحّ،لأنّه يلزم منه حذف الفاء في جواب الشّرط،و لا يجوز إلاّ في الشّعر.و قد خرّجناه على الصّفة اللاّزمة،أو على الاعتراض،و كلاهما تخريج صحيح.

(6:424)

ص: 448

الكاشانيّ: إنّ الباطل لا برهان به،نبّه بذلك على أنّ التّديّن بما لا دليل عليه ممنوع،فضلا عمّا دلّ الدّليل على خلافه.(3:413)

الطّباطبائيّ: قوله: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ قيد توضيحيّ ل إِلهاً آخَرَ؛ إذ لا إله آخر يكون به برهان، بل البرهان قائم على نفي الإله الآخر مطلقا.(15:74)

عبد الكريم الخطيب:في قوله تعالى: لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ دعوة صريحة إلى تحرير العقل،و إطلاقه من قيد الأسر للأوهام،و من الانقياد للآخرين،من غير أن يكون له نظر و اقتناع،عن برهان قاطع،و حجّة واضحة.(9:1194)

عزّة دروزة: من تحصيل الحاصل أن يقال:إنّ تعبير لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ يعني أنّ هناك شركا قد يكون قائما على برهان و سائغا.

و إنّما هو تعبير أسلوبيّ،يتضمّن نفي قيام أيّ برهان على ذلك أوّلا،و التّشديد في التّنديد،لأنّ شرك المشركين لا يستند إلى أيّ تعليل،في أيّة شبهة،من حقّ و منطق ثانيا.و قد تكرّر هذا الأسلوب كثيرا و مرّت منه أمثلة عديدة.(6:218)

برهانكم

...قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

البقرة:111

مجاهد :حجّتكم.(الطّبريّ 1:493)

قتادة: هاتوا بيّنتكم.(الطّبريّ 1:493)

[و قد جاءت كلمة«برهانكم»بهذين المعنيين في كلام أكثر المفسّرين،نظير:الحسن البصريّ و السّدّيّ و الرّبيع و الزّمخشريّ،و غيرهم من المتقدّمين و المتأخّرين،فلنترك ذكر أقوالهم حذرا عن التّكرار و التّطويل بلا طائل]

برهانان

...فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ.

القصص:32

مجاهد :تبيانان من ربّك.(الطّبريّ 20:73)

السّدّيّ: العصا و اليد آيتان.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 20:73)

ابن قتيبة: أي حجّتان.(333)

الطّبريّ: فهذان اللّذان أريتكهما يا موسى من تحوّل العصا حيّة،و يدك-و هي سمراء-بيضاء تلمع من غير برص،برهانان؛يقول:آيتان و حجّتان.

و أصل البرهان:البيان،يقال للرّجل-يقول القول إذا سئل الحجّة عليه-:هات برهانك على ما تقول،أي هات تبيان ذلك و مصداقه.(20:73)

الزّجّاج: برهانان:آيتان بيّنتان.(4:143)

الزّمخشريّ: إن قلت:لم سمّيت الحجّة برهانا؟

قلت:لبياضها و إنارتها،من قولهم للمرأة البيضاء:

برهرهة،بتكرير العين و اللاّم معا.و الدّليل على زيادة «النّون»قولهم:أبره الرّجل،إذا جاء بالبرهان،و نظيره تسميتهم إيّاها سلطانا من«السّليط»و هو الزّيت لإنارتها.(3:175)

ص: 449

ابن عطيّة: برهانان:حجّتان و معجزتان.

(4:287)

الطّبرسيّ: معناه فاليد و العصا حجّتان من ربّك على نبوّتك.(4:253)

نحوه القرطبيّ.(13:285)

الآلوسيّ: قيل:الإشارة إلى انقلاب العصا حيّة بعد إلقائها،و خروج اليد بيضاء بعد إدخالها في الجيب،فأمر التّذكير ظاهر.

و البرهان:الحجّة النّيّرة،و هو«فعلان»لقولهم:أبره الرّجل،إذا جاء بالبرهان،من:بره الرّجل،إذا ابيضّ، و يقال للمرأة البيضاء:برهاء و برهرهة.

و قال بعضهم: هو«فعلان»من البره؛بمعنى القطع، فيفسّر بالحجّة القاطعة.

و قيل:هو«فعلال»لقولهم:برهن،و نقل عن الأكثر:أنّ برهن مولّد،بنوه من لفظ البرهان.

(20:76)

عبد الكريم الخطيب: و خصّ البرهانان هنا -و هما العصا و اليد-خصّا بالذّكر،لأنّهما الآيتان اللّتان يلقى بهما موسى فرعون و حاشيته أوّل الأمر،و يتحدّى بهما تكذيب فرعون له،و لهذا كانت المعركة المتحدّية بين موسى و فرعون في لقاء العصا بالسّحرة الّذين جمعهم فرعون لموسى.

أمّا الآيات الأخرى فقد كانت بلاء متحدّيا لفرعون و قومه جميعا.و لعلّ هذا-و اللّه أعلم-هو السّرّ في اختلاف النّظم هنا،في قوله تعالى: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ و ما جاء في سورة النّمل في قوله تعالى: فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ النّمل:12.(10:343)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير«برهان»على وجهين:

فوجه منها:برهان يعني حجّة،فذلك قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ الأنبياء:

24،يعني حجّتكم بأنّ معه آلهة.

و قال في النّمل:64: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ يعني حجّتكم بأنّ مع اللّه آلهة.

و الوجه الثّاني:برهان يعني آية،فذلك قوله:

فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ القصص:32،يعني آيتين من ربّك،و قال: لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ يوسف:24، يعني آية من ربّه.(314)

مثله هارون الأعور(354)،و الدّامغانيّ(153).

الفيروزآباديّ: و جاء«البرهان»في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأوّل:بمعنى المعجزة،و الولاية فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ القصص:32.

الثّاني:بمعنى الدّليل،و الحجّة قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ البقرة:111، وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ المؤمنون:117.

الثّالث:بمعنى القرآن،و النّبوّة يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ النّساء:174،أي كتاب و رسول.(بصائر ذوي التّمييز 2:242)

ص: 450

الأصول اللّغويّة

1-في«برهان»خلاف،أ هو رباعيّ من(ب ر ه ن)، أم ثلاثيّ من(ب ر ه)،و النّون زائد،و هو نون المصدر، مثل:الرّجحان من(ر ج ح)،و السّلطان من(س ل ط)؟ و هذا القول هو الأرجح.أو هو نون الجمع كفعلان؟ و ليس بشيء.

2-و من قال بزيادة النّون ذهب إلى أنّ«برهن» مولّد و ليس له أصل في اللّغة،و يشهد له أوّلا:أنّ«أبره» بمعنى أتى بالبرهان،و ثانيا:أنّ أصله-كما سيأتي- القطع،و منه:البرهمة،و هي القطعة.

3-و هناك قول شاذّ حكاه أبو هلال،قال:إنّه فارسيّ معرّب،أصله«بران».قال:و لا يعرف صحّة ذلك.

4-و الأصل فيه البياض،يقال:بره يبره،إذا ابيضّ،و رجل أبره،و امرأة برهاء،و قوم بره.و امرأة برهرهة:شابّة بيضاء،و تكرّر الرّاء و الهاء للتّأكيد، و مثله كثير في اللّغة.ثمّ سمّيت الحجّة برهانا،لوضوح المعنى به ناصعا كالبياض.

و قيل:هو من:البره،و هو القطع،و منه:البرهة:

القطعة من الزّمان،و سمّيت به الحجّة،لأنّ قطع الدّعوى بها.و يمكن إرجاع القطع إلى المعنى الأوّل،لأنّ الشّيء إذا قطع وضح و بان.

5-ثمّ انتقل من المصدر إلى اسم المصدر،و البرهان -بهذا المعنى-لغة:ما وضح به الشّيء،أمّا اصطلاحا فقد اختلف في حدّه المتكلّمون،و في الفرق بينه و بين الدّليل كما جاء في النّصوص،إلاّ أنّ القرآن استعمله بالمعنى اللّغويّ،أي ما يثبت به الشّيء و يتّضح،و لم يستعمله بالمعنى الاصطلاحيّ،و إن يصدق عليه أحيانا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء«البرهان»في ثماني آيات:

1- يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً النّساء:174

2- وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ

يوسف:24

3- وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ

المؤمنون:117

4- وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:111

5- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ

الأنبياء:24

6- أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ النّمل:64

7- وَ نَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

القصص:75

8- فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ القصص:32

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين(1)و(4)مدنيّة و سائر الآيات مكّيّة،فغلبت عليهما الصّبغة المكّيّة تناسقا مع

ص: 451

مسلك المكّيّات،و هي الدّعوة إلى أصول الإيمان الّتي تستدعي إقامة البرهان عليها.

ثانيا:أنّ أربعا منها،و هي(3)و(5)و(6)و(7) -و كلّها مكّيّة-جاء فيها الحديث عن التّوحيد و رفض الشّرك بطريقين:إمّا بإعلان أنّ من يشرك باللّه لا برهان له كما في(3)،أو بمطالبته البرهان على شركه،و هذا بدوره يتناسق مع المكّيّات،فإنّ الدّعوة إلى التّوحيد و إدانة الشّرك أساس دعوتها.

ثالثا:أنّ آية النّساء-و هي مدنيّة-تخاطب النّاس جميعا في مجيئهم برهان من ربّهم و نور مبين،و ليس المراد بالبرهان الحجّة حسب اصطلاح المتكلّمين،بل المراد به النّبيّ عند أكثر المفسّرين،بدعوى أنّ النّبيّ بنفسه برهان بماله من آثار الصّدق و أمارات النّبوّة،كما أوضحه رشيد رضا،أو بما لديه من المعجزات و البيّنات،كما قال به آخرون.

ثمّ اختلفوا في تفسير (نُوراً مُبِيناً) ،أ هو القرآن-و هو الأقرب-كما يشهد له(انزلنا)،أم المعجزات،أم ولاية عليّ و آل البيت،كما جاء في الرّوايات التّأويليّة عند الشّيعة؟فلاحظ.

رابعا:جاء اثنتان منها-و هي(2)و(8)-بشأن نبيّين من أنبياء بني إسرائيل،و واحد-و هي(4)-بشأن ادّعائهم بأنّه لا يدخل الجنّة غيرهم.

أمّا النّبيّان فأوّلهما يوسف عليه السّلام؛حيث رأى برهان ربّه،فتأبّى على الإثم،و استمسك عن ارتكاب الفاحشة.و قد اختلفوا في هذا البرهان اختلافا فاحشا حسب الرّوايات و الأقوال،فعند المعتزلة و من قال بقولهم أنّه العصمة و اللّطف الخاصّ الّذي أحاط بيوسف من اللّه،و عند أهل الحديث ما ورد في الأحاديث.

و ثانيهما موسى عليه السّلام حين قدم من مدين إلى مصر في الوادي الأيمن؛حيث أراه اللّه معجزة العصا و اليد البيضاء،فقال له: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ، فالمراد بالبرهان هنا:المعجزتان، ليس غير.

و أمّا في الثّالثة فالمراد بالبرهان:الحجّة على ادّعائهم الباطل.

خامسا:و قد ظهر ممّا بيّنّا أنّ«البرهان»في خمس من الآيات-و هي(3)إلى(7)-جاء بمعنى الحجّة،و في سائر الآيات بمعنى النّبيّ و المعجزات.

ص: 452

ب ز غ

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورة مكّيّة

بازغا 1:1 بازغة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بزغت الشّمس بزوغا،أي بدأ طلوعها.

و نجوم بوازغ:طوالع.

و البزغ و التّبزيغ:تشريط شعر الدّابّة بمبزغ من حديد.(4:385)

نحوه الصّاحب.(5:28)

الفرّاء: يقال للبرك:مبزغة،و ميزغة.

(الأزهريّ 8:54)

ابن السّكّيت: يقال للشّمس إذا طلعت:بزغت.

(392)

و إذا طلع القمر باللّيل قيل:قد بزغ.(401)

ابن دريد :بزغت الشّمس تبزغ بزغا و بزوغا،إذا شرقت.

و بزّغ البيطار الدّابّة،إذا شرط قوائمها.و الحديدة الّتي يفعل بها ذلك«المبزغ».

و بزيغ:اسم فرس معروف من خيل العرب.

و يقال:نجوم بوازغ،من قولهم:بزغ النّجم،إذا طلع.(1:281)

بقل و بزغ و صبأ،بمعنى واحد.(3:460)

الزّجّاج: بزغت الشّمس:ابتدأت في الطّلوع.

(ابن سيدة 5:450)

الأزهريّ: يقال:بزغت الشّمس بزوغا:ابتداء طلوعها.و بزغ النّجم و القمر:في ابتداء طلوعهما،كأنّه مأخوذ من«البزغ»و هو الشّقّ،كأنّها تشقّ بنورها الظّلمة شقّا.

و من هذا يقال:بزغ البيطار أشاعر الدّابّة و رهصها،إذا شقّ ذلك المكان منها بمبضعه.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال لذلك الحديد:مبزغ،و مبضع.و يقال للسّنّ:

بازغة،و بازمة.(8:54)

ص: 453

الجوهريّ: بزغت الشّمس بزوغا،أي طلعت.

و بزغ ناب البعير:طلع.و ابتزغ الرّبيع:جاء أوّله.

و المبزغ:المشرط،و بزغ الحاجم و البيطار،أي شرط.[ثمّ استشهد بشعر](4:1315)

نحوه الرّازيّ.(64)

ابن فارس: الباء و الزّاء و الغين أصل واحد،و هو طلوع الشّيء و ظهوره.يقال:بزغت الشّمس و بزغ ناب البعير،إذا طلع.

و يقولون للبيطار إذا أودج الدّابّة:قد بزغه،و هو قياس الباب.(1:244)

أبو هلال: الفرق بين الطّلوع و البزوغ و الشّروق:

أنّ البزوغ:أوّل الطّلوع،و لهذا قال تعالى: فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً الأنعام:78،أي لمّا رآها في أوّل أحوال طلوعها تفكّر فيها،فوقع له أنّها ليست بإله.

و لهذا سمّي الشّرط تبزيغا،لأنّه شقّ خفيّ،كأنّه أوّل الشّقّ يقال:بزغ قوائم الدّابّة،إذا شرطها،و اسم ما يبزغ به:المبزغ.

و قيل:البزوغ نحو البروز.و بزغ قوائم الدّابّة،إذا شرطها ليبرز الدّم.

و الشّروق:الطّلوع،تقول:طلعت،و لا يقال:شرق الرّجل،كما يقال:طلع الرّجل،فالطّلوع أعمّ.(254)

ابن سيدة: بزغت الشّمس تبزغ بزغا و بزوغا:

شرقت.و بزغ ناب البعير:طلع،و قيل:ابتدأ في الطّلوع.

و البزغ،و التّبزيغ:التّشريط،و قد بزّغه.و اسم الآلة:المبزغ.

و بزيغ:اسم فرس معروف.(5:450)

البزغ:بزغ الجلد يبزغه بزغا و بزّغه:شرطه فأسال دمه.و المبزغ:المشرط.(الإفصاح 1:538)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً الأنعام:78، فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً الأنعام:77،أي طالعا،منتشر الضّوء؛و بزغ النّاب تشبيها به،و أصله من:بزغ البيطار الدّابّة:أسال دمها، فبزغ هو،أي سال.(45)

الزّمخشريّ: بزغ البيطار الدّابّة بزغا و بزّغها تبزيغا،إذا شقّ أشعرها بمبزغه.

و بزغ النّاب،إذا شقّ اللّحم فخرج؛أ لا ترى إلى قولهم:شقّ النّاب و فطر.

و منه بزغت الشّمس و بزغ القمر،و نجوم بوازغ.

(أساس البلاغة:21)

ابن الأثير: «حين بزغت الشّمس»البزوغ:

الطّلوع،يقال:بزغت الشّمس و بزغ القمر و غيرهما،إذا طلعت.

«إن كان في شيء شفاء ففي بزغة الحجّام»البزغ و التّبزيغ:الشّرط بالمبزغ،و هو المشرط،و بزغ دمه:

أساله.(1:125)

الفيّوميّ: بزغ البيطار و الحاجم بزغا،من باب «قتل»:شرط،و أسال الدّم.

و بزغ ناب البعير بزوغا،و بزغت الشّمس:طلعت فهي بازغة.(1:48)

الفيروزآباديّ: بزغت الشّمس بزغا و بزوغا:

شرقت،أو البزوغ:ابتداء الطّلوع.و ناب البعير:طلع، و الحاجم و البيطار:شرط.

ص: 454

و كمنبر:المشرط،و كأمير:فرس معروف.

و ابتزغ الرّبيع:جاء أوّله.(3:106)

المصطفويّ: الظّاهر من هذه الكلمات و ما يضاهيها أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:الشّقّ و الطّلوع،و هذان القيدان مأخوذان في مفهومها؛و بهذين القيدين يظهر الفرق بينها و بين مادّة:الشّقّ،و البضع، و الطّلوع.

فبزوغ الشّمس:عبارة عن ابتداء طلوعها،حين شقّت الشّمس ظلمة اللّيل فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي الأنعام:78،إذا شقّت الظّلمة و طلعت.

فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً الأنعام:77،أي إذا انشقّت الظّلمة و طلع القمر.(1:250)

النّصوص التّفسيريّة

بازغا

فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي. الأنعام:77

أبو عبيدة:أي طالعا.(1:200)

مثله السّجستانيّ(59)،و القرطبيّ(7:27).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فلمّا طلع القمر، فرآه إبراهيم طالعا،و هو بزوغه؛يقال منه:بزغت الشّمس تبزغ بزوغا،إذا طلعت،و كذلك القمر قالَ هذا رَبِّي. (7:251)

نحوه الطّوسيّ.(4:196)

الزّمخشريّ: مبتدئا في الطّلوع.(2:31)

نحوه البيضاويّ(1:317)،و الشّربينيّ(1:43)، و أبو السّعود(2:406)،و البروسويّ(3:57).

الآلوسيّ: أي مبتدئا في الطّلوع،منتشر الضّوء.

و لعلّه كما قال الأزهريّ:مأخوذ من«البزغ»و هو الشّقّ،كأنّه بنوره يشقّ الظّلمة شقّا.

و على هذا فيمكن أن يكون بزوغ القمر مشبها بما ذكر،و كلام الرّاغب صريح فيه.و ظاهر الآية أنّ هذه الرّؤية بعد غروب الكواكب.(7:200)

نحوه حسنين مخلوف.(1:230)

رشيد رضا: و قد استعملت العرب هذا الحرف في التّعبير عن ابتداء طلوع النّيّرات،و أوّل طلوع النّاب، و في بزغ البيطار و الحاجم للجلد،و هو تشريطه بالمبزغ، و لذلك قالوا:إنّ معنى البزغ:الشّقّ؛فالنّيّرات تشقّ الظّلام بطلوعها.

و جعله بعضهم تشبيها بشقّ النّاب و السّنّ للّثة، و شقّ البيطار و الحجّام للجلد.(7:560)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(بازغة)في سورة الأنعام:78

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة«البزغ»و هو طلوع ناب البعير خاصّة،يقال:بزغ ناب البعير يبزغ بزغا و بزوغا، أي طلع،ثمّ عمّم في شرط قوائم الدّابّة،يقال:بزغ البيطار قوائم الدّابّة و بزّغها،أي شرطها ليبرز الدّم، و يقال لما يبزغ به:المبزغ،و منه الحديث:«إن كان في شيء شفاء ففي بزغة الحجّام».

و قد استعمل«البزوغ»في طلوع النّيّرات مجازا،

ص: 455

يقال:بزغت الشّمس،فهي بازغة،و بزغ القمر و النّجم، و نجوم بوازغ،أي طوالع.

و يحتمل أن يراد به أوّل طلوعها،و هو حين شقّها الظّلمة،و لذا يقال:ابتزغ الرّبيع،أي جاء أوّله.

2-قال ابن دريد:«بقل و بزغ و صبأ بمعنى واحد»؛ إذ بينها اشتقاق أكبر،يقال:بقل النّبت و ناب البعير،أي طلع،و صبأت سنّ الغلام و النّجوم،أي طلعت.

3-و يبدو أنّ هذا الجذر يتضمّن معنى الشّقّ،فهو بيّن في جميع استعمالاته.فبزغ البيطار قوائم الدّابّة-كما تقدّم-أي شقّها،و بزغ ناب البعير،أي شقّ اللّثة و خرج،و بزغت الشّمس و سائر النّيّرات،أي كأنّها شقّت الظّلمة بنورها،و منه:بزغ الحاجم،أي شقّ الجلد ليخرج الدّم.

4-ما قلناه في البزوغ بمعنى«الشّقّ»يجري في «الفلق»و«الفجر»،فإنّهما في الأصل بمعنى الشّقّ،فقد جاءت لفظة(فالق)مرّتين في سورة الأنعام إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى الأنعام:95، فالِقُ الْإِصْباحِ الأنعام:96،و كلاهما بمعنى الشّقّ.

و قريب من بزغ«بزق»و«بضع»لفظا و معنى، يقال:بضع اللّحم و الجلد،إذا قطعه أو شقّه.

5-و يبدو بين:بزغ و بزق و بضع و غيرها-ممّا ذكر-اشتقاق أكبر،إلاّ أنّ الأزهريّ احتمل أن يكون «بزق»لغة في«بزغ»،فأبدل الغين قافا لقرب مخرجيهما.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من البزوغ لفظان في القرآن:

1- فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ

الأنعام:77

2- فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ

الأنعام:78

يلاحظ أوّلا:أنّهما جاءا بصيغة اسم الفاعل حالا، و ليس بصيغة الفعل،لأنّ اسم الفاعل يدلّ على الثّبات و الدّوام،يعني أنّ هذه الحالة-أي البزوغ-وصف دائم للشّمس و القمر،منذ أن خلقهما اللّه إلى يوم القيامة.أمّا سرّ مجيئهما حالا هو أنّهما مسبوقان ب(رأى)أي أنّ إبراهيم رآهما بازغتين.

ثانيا:البزوغ هنا هو الشّقّ-كما سبق-و يلازمه الطّلوع،و هو المتبادر منه في الآيتين،كما دلّ عليه الحال.

أمّا كونه،بمعنى انتشار النّور-كما قيل-فلا يصحّ الاحتجاج به لإبراهيم على قومه،فلا يفهم منه.

و ليس الاحتجاج موقوفا عليه،بل يتمّ بمجرّد الطّلوع،لأنّه حادث عظيم.لكن ذلك ملازم للسّياق و المقام،لا أنّ«البزوغ»بمعنى انتشار نور الشّمس و القمر.

ثالثا:اختار القرآن في الآيتين لفظي(بازغ) و(بازغة)بدل«طالع»و«طالعة»،مع أنّه أطلق الطّلوع على طلوع الشّمس و القمر في عدّة آيات:

1- وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ الكهف:17

2- حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ

ص: 456

عَلى قَوْمٍ الكهف:90

3- وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها طه:130

4- وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ق:39

5- سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ القدر:5

فما هو السّرّ في ذلك؟السّرّ في رأينا-و اللّه أعلم-أنّ البزوغ هو شقّ الظّلمة،و هو نعمة كبرى و حادث يجلب الأبصار.و هو أبلغ و أوفى بالاحتجاج من الطّلوع،أمّا تلك الآيات فليس فيها احتجاج،بل الأولى حكاية قصّة أصحاب الكهف،و الثّانية حكاية ذي القرنين، و(3)و(4)تعيين وقت التّسبيح و التّحميد،و(5)بيان غاية ليلة القدر.

رابعا:جاء الأفول(افل)و(افلت)عقيب البزوغ في الآيتين،لسببين:

أحدهما:الاحتجاج لإبراهيم على قومه الّذين كانوا يعبدون الشّمس و القمر تسجيلا عليهم أنّ الآفل ليس إلها،و العاقل لا يتّخذه معبودا.

و ثانيهما:تأكيدا على معنى البزوغ،فإنّه يعني شقّ الظّلمة بقدرة و سلطان و الأفول عكسه تماما.و بهذا يزاح السّتار عن أمر،و هو أنّ هذه القدرة ليست للشّمس و القمر نفسهما،بل للّه الّذي سخّرهما وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى الزّمر:5.

خامسا:جاء«البزوغ»بشأن الشّمس و القمر مرّتين بصيغة اسم الفاعل،لكلّ منهما مرّة،و جاء «الأفول»بشأنهما كذلك بصيغة الفعل الماضي مقابل البزوغ،مع أنّ كلاّ من البزوغ و الأفول حالتان طارئتان على الشّمس و القمر دائمين،لا ينفكّان عنهما ما داما موجودين،فما هو الوجه في تبديل اسم الفاعل بالفعل الماضي في الأفول؟

و الجواب عنه:أنّ إبراهيم رأى الشّمس و القمر لكونهما بازغين،و أمّا الأفول فقد حدث من دون أن يكون حالا للفعل(رأى)،مع أنّ المقام-و هو بصدد الاحتجاج-لا يساعد التّعبير عن الأفول بصيغة اسم الفاعل الدّالّ على الدّوام و البقاء،بل يقتضي التّعبير عنه بلفظ يدلّ على وقوعه و حدوثه فقط،و هو الفعل الماضي(افل)و(افلت).

سادسا:رغم أنّ«الأفول»جاء في كلّ من الآيتين مرّة مقابل(بازغ)و(بازغة)فيهما،إلاّ أنّ القرآن لم يكتف به حتّى جاء به مرّة أخرى بشأن الكوكب مرّتين:مرّة بصيغة الماضي مفردا،و أخرى بصيغة اسم الفاعل جمعا فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76.أمّا البزوغ فلم يتكرّر في غير الآيتين احتفاظا بشأنه،لاحظ «أ ف ل»و«ج ن ن»و«ك و ك ب».

ص: 457

ص: 458

ب س ر

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

بسر 1:1 باسرة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البسر:الإعجال،و بسر الفحل قلوصا، أي ضربها قبل حينها.

و الباسر:القاهر بسرا،أي قهرا.

و ابتسر الفحل النّاقة،أي قهرها على نفسها حتّى ينزو عليها.

و البسور:العبوس،و يبسر فهو باسر من همّ أو فكر.

و البسر من التّمر:قبل أن يرطب،و الواحدة:

بسرة.و أبسر النّخل:صار بسرا بعد ما كان بلحا،و في الحديث:«لا تبسروا»أي لا تخلطوا البسر بالتّمر للنّبيذ،و قد بسره بسرا.

و البسرة:ما قد ارتفع من النّبات عن وجه الأرض شيئا و لم يطل،و هو غضّ،أطيب ما يكون.و قيل:

البسرة:البهمى خاصّة،تخرج في فرعها في وسط الرّبيع،ثمّ يمسكها البرد فتصمع تلك البسرة،ثمّ تتفقّأ عن السّفى الّذي يكون للبسرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البياسرة:قوم من أهل السّند،يؤاجرون أنفسهم من أهل السّفن لمحاربة عدوّهم،و هو رجل بيسريّ.

و البسار:مطر يصيب أهل السّند أيّام الصّيف لا يقلع عنهم ساعة،فتلك أيّام البسار.

و الباسور:معرّبة.(7:250)

اللّيث: عبس يعبس فهو عابس،إذا قطّب ما بين عينيه،فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قيل:كلح،فإن اهتمّ لذلك و فكّر فيه قيل:بسر،فإن غضب مع ذلك قيل:بسل.(الفخر الرّازيّ 30:201)

الفرّاء: البسر:الماء الطّريّ ساعة ينزل من المزن، و البسر:حفر الأنهار إذا عرا الماء أوطانه.

(الأزهريّ 12:412)

أبو عبيدة: إذا همّت الفرس بالفحل،و أرادت أن

ص: 459

تستودق،فأوّل وداقها المباسرة،و هي مباسرة،ثمّ تكون وديقا.و المباسرة الّتي همّت بالفحل قبل تمام وداقها،فإذا ضربها الحصان في تلك الحال فهي مبسورة.

إذا همّت الفرس بالفحل و لم تستودق فهو مباسرة، ثمّ تكون وديقا،فإذا سفدها الحصان في تلك الحال قيل:

تبسّرها و بسرها.(الأزهريّ 12:411)

الأصمعيّ: إذا ضربت النّاقة على غير ضبعة فذلك البسر،و قد بسرها الفحل،فهي مبسورة.

إذا اخضرّ حبّه[النّخل]و استدار فهو جدال،فإذا عظم فهو البسر،فإذا احمرّت فهي شقحة.

(الأزهريّ 12:411)

ابن الأعرابيّ: البسرة:رأس قضيب الكلب، و المبسور:طالب الحاجة في غير موضعها.و بسر النّهر، إذا حفر فيه بئرا و هو جافّ.[ثمّ استشهد بشعر]

انبسر و بسر،إذا خلط البسر بالتّمر أو الرّطب فنبذهما.و أبسر و بسر،إذا عصر الحبن قبل إقرافه.

و أبسر،إذا حفر في أرض مظلومة.

(الأزهريّ 12:413)

ابن السّكّيت: عبس يعبس عبوسا بسر يبسر بسورا،و هو باسر،قال اللّه عزّ و جلّ: عَبَسَ وَ بَسَرَ المدّثّر:22.(441)

و البسر:مصدر بسر الرّجل،إذا كلح.و البسر أيضا:أن يضرب الفحل النّاقة على غير ضبعة.و البسر:

أن ينكأ الحبن قبل أن ينضج.

الحبن:ما يعتري في الجسد فيقيح و يرم،و الجميع:

الحبون.و البسر:الماء الطّريّ،الحديث العهد بالمطر.

(إصلاح المنطق:127)

شمر: [بعد نقل قول الأصمعيّ قال:]

و منه يقال:بسرت غريمي،إذا تقاضيته قبل محلّ المال.و بسرت الدّمّل،إذا عصرته قبل أن يتقيّح،و كأنّ البسر منه.و بسرت النّبات أبسره بسرا،إذا رعيته غضّا،و كنت أوّل من رعاه.(الأزهريّ 12:411)

ابن دريد :و البسر:الغضّ من كلّ شيء؛و به سمّي الرّجل بسرا،و كذلك بسر النّخل.و يقال للبهمى قبل أن يتفقّأ:بسرة.

و ماء بسر:قريب عهد بالسّحاب.و رجل بسر:

كريه الوجه و المنظر،و كذلك بسير و بسور.

و بسرت النّاقة،إذا حملت عليها من غير ضبعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:امرأة بسرة و غلام بسر،إذا كانا شابّين طريّين.

و البسور:العبوس،بسر الرّجل بسورا،إذا قطّب وجهه و كرّهه،و في التّنزيل ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ المدّثّر:

22.

فأمّا الدّاء الّذي يسمّى«الباسور»فقد تكلّمت به العرب،و أحسب أنّ أصله معرّب.(1:255)

و بسرت حاجتي و أبسرتها،إذا طلبتها من غير موضعها.(3:440)

الهمذانيّ: يقال:رأيت الرّجل عابس الوجه و كاشرا و كاسفا و باسرا و مكفهرّا و مقطّبا و قاطبا و كالحا.

هو العبوس و القطوب و الكلوح و الكثور و البسور و الكسف.(231)

ص: 460

الأزهريّ: عن الفرّاء قال:«البسر:الماء الطّريّ ساعة ينزل من المزن،و البسر:حفر الأنهار،إذا عرا الماء أوطانه».

قلت:و هو التّبسّر،قال الرّاعي:

إذا احتجبت بنات الأرض عنه

تبسّر يبتغي فيها البسارا

و يقال للشّمس بسرة،إذا كانت حمراء لم تصف.

و روي عن الأشجع العبديّ أنّه قال:لا تبسروا و لا تثجروا.

فأمّا البسر فهو خلط البسر بالرّطب،و انتباذهما معا.

و الثّجر:أن يؤخذ ثجير البسر فيلقى مع التّمر.

و كره هذا حذار الخليطين،لنهي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عنهما.

و البسر:ما لوّن و لم ينضج،و إذا نضج فقد أرطب.

و الباسور:داء معروف،و هو معرّب،و يجمع:

البواسير.

و أبسر و بسر،اذا عصر الحبن قبل إقرافه.و أبسر، إذا حفر في أرض مظلومة.(12:412)

الصّاحب:البسر:الإعجال،بسر الفحل قلوصا:

ضربها قبل حينها.و هو القهر أيضا،و الباسر:القاهر.

و تبسّر الرّجل:طلب حاجته في غير موضعها، و بسرها:مثله.

و أوّل وداق الفرس:المباسرة.

و البسور:العبوس،و رجل باسر من همّ أو فكر.

و ابتسر لونه،أي انتقع.

و تبسّرت:خدرت.

و المتبسّر،في قول ابن مقبل:«خارج متبسّر»هو الباسر القبيح،يعني الطّريق.

و البسر من التّمر:قبل أن يرطب،و الواحدة:

بسرة،و أبسر النّخل.

و البسر:الماء الطّريّ،الحديث العهد بالمطر،و قيل:

هو البارد.

و تبسّر النّهار،إذا برد.

و ابتسر الرّجل المرأة:اقتضّها قبل أن تدرك.

و البسر:الغضّ من كلّ شيء.

و الشّمس بسرة،إذا كانت حمراء لم تصف بعد.

و البسرة من النّبات:ما ارتفع عن وجه الأرض شيئا و لم يطل،غضّ أطيب ما يكون،و قيل:هو يبيس البقل.

و بسرت النّبات أبسره:رعيته غضّا.

و تبسّر الثّور:أتى عروق النّبات اليابس فأكلها.

و البسار:البلل في بطون الأرض من الأحساء.

و البسار:مطر يدوم على أهل السّند في الصّيف.

و الباسور:أعجميّة.

و البياسرة:قوم من أهل السّند يحاربون عن أهل السّفن بأجرة،و رجل بيسريّ.(8:313)

الجوهريّ: البسر أوّله طلع،ثمّ خلال،ثمّ بلح،ثمّ بسر،ثمّ رطب ثمّ تمر.الواحدة بسرة و بسرة،و الجمع:

بسرات و بسرات.و أبسر النّخل:صارما عليه بسرا.

و يقال للشّمس في أوّل طلوعها:بسرة.

و البسرة من النّبات:أوّلها البارض،و هو كما يبدو في الأرض،ثمّ الجميم،ثمّ البسرة،ثمّ الصّمعاء ثمّ الحشيش

[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 461

و البسر:الماء الطّريّ،الحديث العهد بالمطر.

و الجمع:بسار،مثل رمح و رماح.

و تبسّرته،إذا طلبته.[ثمّ استشهد بشعر]

و بسر الرّجل الحاجة بسرا،إذا طلبها في غير موضع الطّلب.

و البسر:أن ينكأ الحبن قبل أن ينضج،أي يقرف عنه قشره.

و البسر:ظلم السّقاء.

و البسر:أن تخلط البسر مع غيره في النّبيذ،و في الحديث:«لا تبسروا و لا تثجروا».

و بسر الفحل النّاقة و ابتسرها،إذا ضربها من غير ضبعة.

و بسر الرّجل وجهه بسورا،أي كلح،يقال:عبس و بسر.

و الباسور:واحد البواسير،و هي علّة تحدث في المقعدة،و في داخل الأنف أيضا.

و أبسر المركب في البحر،أي وقف.(2:589)

ابن فارس: الباء و السّين و الرّاء أصلان:أحدهما:

الطّراءة و أن يكون الشّيء قبل إناه،و الأصل الآخر:

وقوف الشّيء،و قلّة حركته.

فالأوّل:قولهم لكلّ شيء غضّ:بسر.و نبات بسر،إذا كان طريّا.و ماء بسر:قريب عهد بالسّحاب.

و ابتسر الفحل النّاقة،إذا ضربها على غير ضبعة.و يقال للشّمس في أوّل طلوعها:بسرة.

و من هذا قولهم:بسر الرّجل الحاجة،إذا طلبها من غير موضع الطّلب.و قياسه صحيح،لأنّه كأنّه طلبها قبل إناها.

و البسر:ظلم السّقاء،و ذلك شربه قبل روبه.

(1:249)

الهرويّ: و في الحديث:«فكانت تلقاني مرّة بالبشر و مرّة بالبسر»أي بالقطوب،يقال:بسر وجهه يبسره.

و في الحديث:«أنّه كان في سفره فإذا نهض قال:

اللّهمّ بك ابتسرت و إليك توجّهت».

قوله:«ابتسرت»أي ابتدأت سفري،و كلّ شيء أخذته غضّا فقد بسرته.

و البسر:ضرب الفحل النّاقة على غير ضبعة، و البسر:تقاضي المال قبل محلّه،و عصر الدّمّل قبل تفتّحه.

و منه قول الحسن للوليد التّيّاس:«لا تبسر»يقول:

لا تحمل على الشّاة و ليست بصارف،و لا على النّاقة و ليست بضبعة.

رواه أبو منصور الأزهريّ:«ابتسرت»و رواه غيره:

«انتشرت».(1:163)

ابن سيدة: البسر:الإعجال.

و بسر الفحل النّاقة يبسرها بسرا:ضربها قبل الضّبعة.و بسر حاجته يبسرها بسرا و بسارا، و أبسرها،و ابتسرها،و تبسّرها:طلبها في غير أوانها أو غير موضعها،أنشد ابن الأعرابيّ:

إذا احتجبت بنات الأرض عنه

تبسّر يبتغي منها البسارا

بنات الأرض:النّبات.و تبسّر:طلب النّبات،أي

ص: 462

حفر عنه قبل أن يخرج،أخبر أنّ الحرّ انقطع و جاء القيظ.

و بسر النّخلة و ابتسرها:لقّحها قبل أوان التّلقيح، [ثمّ استشهد بشعر]

و بسر الحبن بسرا:نكأه قبل وقته.و بسر القرحة يبسرها بسرا:نكأها قبل النّضج.

و البسر:القهر.و بسر يبسر بسرا و بسورا:عبس.

و وجه بسر:باسر،وصف بالمصدر.

و تبسّر النّهار:برد.و البسر:الغضّ من كلّ شيء.

و البسر:التّمر قبل أن يرطب لغضاضته،واحدته بسرة؛و قد قيل:إنّه مشتقّ من البسر الّذي هو الإعجال،لأنّه أخذ قبل أوانه،و هذا ضعيف،و هو البسر،واحدته بسرة؛قال سيبويه:و لا تكسّر البسرة إلاّ أن تجمع بالألف و التّاء لقلّة هذا المثال في كلامهم، و أجاز بسران و تمران،يريد بهما نوعين من التّمر و البسر.

و قد أبسرت النّخلة،و نخلة مبسر بغير هاء،كأنّه على النّسب،و مبسار:لا يرطب تمرها.

و بسر التّمر يبسره بسرا،و بسّره:إذا نبذ فخلط البسر بالتّمر.

و البسرة من النّبت:ما ارتفع و لم يطل،لأنّه حينئذ غضّ.و البسرة:الغضّ من البهمى،[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بسر،و امرأة بسرة:شابّان طريّان.

و البسر و البسر:الماء الطّريّ الحديث العهد بالمطر.

و ابتسر الشّيء:أخذه غضّا طريّا.

و البياسرة:قوم بالسّند يؤاجرون أنفسهم من أهل السّفن لحرب عدوّهم.

و البسار:مطر يوم في الصّيف يدوم على البياسرة و لا يقلع.

و المبسرات:رياح يستدلّ بهبوبها على المطر.

و الباسور:كالنّاسور،أعجميّ.

و بسرة:اسم،و بسر:اسم.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:488)

البسر:ضرب من الخرز،واحدته:بسرة.

(الإفصاح 1:351)

البسر:الخلال إذا عظم.و قيل:إذا أخذ في الطّول و التّلوّن إلى الحمرة أو الصّفرة،الواحدة:بسرة و بسرة.

أبسر النّخل:صار ما عليه بسرا.(الإفصاح 1:1144)

الإبسار:أبسر النّخل:صار ما عليه بسرا،و هو البلح إذا أخذ في الطّول و التّلوّن إلى الحمرة و الصّفرة، الواحدة:بسرة.(2:1145)

الطّوسيّ: البسور:بدوّ التّكرّه الّذي يظهر في الوجه.و أصله من قولهم:بسر بالأمر،إذا عجل به قبل حينه،و منه البسر لتعجيل حاله قبل الإرطاب.[ثمّ استشهد بشعر](10:177)

نحوه الطّبرسيّ.(5:386)

و البسور:ظهور حال الغمّ في الوجه معجّلا قبل الإخبار عنه،و مثله العبوس إلاّ أنّه ليس فيه معنى التّعجيل.(10:199)

الرّاغب: البسر:الاستعجال بالشّيء قبل أوانه، نحو بسر الرّجل الحاجة:طلبها في غير أوانها.و بسر الفحل النّاقة:ضربها قبل الضّبعة.و ماء بسر:متناول من غديره قبل سكونه.و قيل للقرح الّذي ينكأ قبل

ص: 463

النّضج:بسر،و منه قيل لما لم يدرك من التّمر:بسر.

(46)

الزّمخشريّ: هو بسرا أطيب منه رطبا،و قد أبسرت النّخلة.

و من المجاز ابتسر الحاجة:طلبها قبل وقتها.و ابتسر الفحل النّاقة:ضربها من غير ضبعة.و ابتسر الجارية و ابتكرها و اختضرها:افتضّها قبل الإدراك.و غلام بسر و جارية بسرة:غضّا الشّباب.

و يقولون:صبّحته و الشّمس حمراء بسرة:لمّا يصف شعاعها.[ثمّ استشهد بشعر]

و إن خرجت بك بثرة فلا تبسرها،أي لا تفقأها و هي بسرة غضّة.(أساس البلاغة:22)

ابن الأثير: و في الحديث،في شرط مشتري النّخل على البائع:«ليس له مبسار»و هو الّذي لا يرطب بسره.

و في حديث عمران بن حصين في صلاة القاعد:

«و كان مبسورا»أي به بواسير،و هي المرض المعروف.

(1:126)

الفيّوميّ: البسر:من ثمر النّخل معروف؛و به سمّي الرّجل،الواحدة:بسرة؛و بها سمّيت المرأة،و منه بسرة بنت صفوان،صحابيّة.

قال ابن فارس: البسر من كلّ شيء:الغضّ.و نبات بسر،أي طريّ.

و الباسور قيل:ورم تدفعه الطّبيعة إلى كلّ موضع من البدن،يقبل الرّطوبة من المقعدة و الأنثيين و الأشفار،و غير ذلك.فإن كان في المقعدة لم يكن حدوثه دون انفتاح أفواه العروق.

و قد تبدّل السّين صادا،فيقال:باصور.و قيل:غير عربيّ.(1:48)

الفيروزآباديّ: بسر:أعجل،و عبس،و قهر، و القرحة:نكأها قبل النّضج كأبسر،و النّخلة:لقّحها قبل أوانه كابتسرها،و الفحل النّاقة:ضربها قبل الضّبعة،و الحاجة:طلبها في غير أوانها كأبسر و ابتسر و تبسّر،و التّمر:نبذه فخلط البسر به كابسر، و السّقاء:شرب منه قبل أن يروب ما فيه،و الدّين:

تقاضاه قبل محلّه.

و البسر:الماء البارد،و ابتداء الشّيء كالابتسار.

و بالضّمّ:الغضّ من كلّ شيء،و الماء الطّريّ،جمعه:

بسار،و الشّابّ و الشّابّة،و التّمر قبل إرطابه.

و البسرة:واحدتها،و تضمّ السّين،و الشّمس في أوّل طلوعها،و رأس قضيب الكلب،و خرزة.

و البسارة بالكسر:مطر يدوم على السّند و الهند في الصّيف،لا يقلع ساعة.

و الباسور:علّة موضع،جمعه:البواسير.

و البياسرة:جيل بالسّند،تستأجرهم النّواخذة لمحاربة العدوّ،الواحد:بيسريّ.

و نخلة مبسار:لا تنضج البسر.

و أبسر:حفر في أرض مظلومة،و المركب في البحر:

وقف.

و ابتسر الشّيء:أخذه طريّا،و رجله:خدرت كتبسّرت.

و ابتسر لونه بضمّ التّاء:تغيّر.

ص: 464

و المبسّرات:رياح يستدلّ بهبوبها على المطر.

و البسور:الأسد.

و تبسّر النّهار:برد،و الثّور:أتى عروق النّبات اليابس فأكلها.

و المباسرة:الّتي تهمّ بالفحل قبل تمام وداقها.

وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ القيمة:24،متكرّهة متقطّبة.

و قول الجوهريّ:أوّل البسر طلع ثمّ خلال إلخ،غير جيّد.

و الصّواب أوّله طلع،فإذا انعقد فسياب،فإذا اخضرّ و استدار فجدال و سراد و خلال،فإذا كبر شيئا فبغو،فإذا عظم فبسر ثمّ مخطّم ثمّ موكّت ثمّ تذنوب ثمّ جمسة ثمّ ثعدة و خالع و خالعة،فإذا انتهى نضجه فرطب و معو ثمّ تمر.

و بسطت ذلك في«الرّوض المسلوف»فيما له اسمان إلى ألوف فلينظر إن شاء اللّه تعالى.(1:385)

مجمع اللّغة: بسر ككتب يبسر بسرا:نظر بكراهة شديدة،أو كلح و تغيّر،فهو باسر،و هي باسرة.(1:95)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بسر:قطّب وجهه و تغيّر شكله و قبح منظره،و نظر بكراهة.و الباسرة:

الكالحة،القبيحة المنظر.(1:67)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو حصول أمر أو وقوع عمل قبل أوانه.

و يختلف هذا المفهوم باختلاف الموارد و الموضوعات:كمقام الطّراوة في النّبات،و الغضاضة في الإنسان و غيره،و السّرعة في القهر،و الكراهة و العجلة في عصر الدّمّل قبل بلوغ أوانه،و القطوب و الكلوح و العبوس من دون رويّة.فهذا القيد:الحصول قبل الأوان،مأخوذ في جميع الموارد.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ* وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ القيمة:22-25،فقد ذكر البسر في مقابل النّضرة، و هي التّنعّم و حسن الحال.

ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ المدّثّر:21،22، فالبسر حالة حاصلة بعد العبوس،فإنّ العبوس يتعقّبه شدّة الكلوح،و يتعجّل في كشف الضّرّ و العبوس عنه.

فالبسر في الآيتين في مقابل:البشر و النّضر، و عبارة عن حالة عبوس تلازم التّفصّي و التّخلّص بالاستعجال،كعصر الدّمّل قبل بلوغ أوانه،و هذا في مقابل حالة الاطمئنان الحاصلة من البشر و النّضر.

ففي«البسر»كمون ضعف و نقص،يراد الرّفع و التّكميل،أو كمون ابتلاء و علّة يراد التّفصّي و النّجاة عنها بالاستعجال.

فالباسر يدرك أوّلا نقصا و ابتلاء في نفسها،ثمّ يحصل له حالة القطوب و العبوس،ففي الثّالثة يريد التّفصّي و يستعجل في النّجاة،فيعلم أنّ الطّريّ و الغضّ بسر من جهة كمون النّقص فيه،لا مطلقا.(1:251)

ص: 465

النّصوص التّفسيريّة

بسر

ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ. المدّثّر:22

قتادة: قبّض ما بين عينيه و كلح.

(الطّبريّ 29:157)

الفرّاء: كلح مستكبرا عن الإيمان.(3:202)

أبو عبيدة: كرّه وجهه.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:275)

الزّجّاج: نظر بكراهة شديدة.(5:247)

الرّاغب: أظهر العبوس قبل أوانه و في غير وقته.

(46)

البغويّ: كلح و قطّب وجهه،فنظر بكراهيّة شديدة كالمهتمّ المتفكّر في شيء.(5:177)

مثله الطّبرسيّ(5:388)،و الخازن(7:147).

الطّبريّ: كلح وجهه.[ثمّ استشهد بشعر]

(29:156)

القرطبيّ: قيل:إنّ ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة،و ظهور البسور في الوجه قبل المحاورة.

و قال قوم:(بسر):وقف لا يتقدّم و لا يتأخّر،قالوا:

و كذلك يقول أهل اليمن إذا وقف المركب فلم يجئ و لم يذهب:قد بسر المركب و أبسر،أي وقف،و قد أبسرنا.

و العرب تقول:وجه باسر بيّن البسور،إذا تغيّر و اسودّ.(19:76)

البيضاويّ: إتباع ل(عبس).(2:518)

مثله أبو السّعود(6:329)،و نحوه شبّر(6:413).

النّسفيّ: زاد في التّقبّض و الكلوح.(4:309)

نحوه الشّربينيّ.(4:431)

البروسويّ: إتباع ل(عبس).

قال سعدي المفتي: لكن عطف الاتباع على المتبوع غير معروف.و الظّاهر أنّ كلاّ منهما له معنى مغاير لمعنى الآخر،ف(عبس)بمعنى قطّب وجهه،و(بسر)بمعنى قبّض ما بين عينيه من السّوء،و اسودّ وجهه منه.ذكره الحلبيّ،و العهدة عليه.(10:230)

الآلوسيّ: أي أظهر العبوس قبل أوانه،و في غير وقته.[إلى أن قال:]

و بهذا فسّره الرّاغب هنا.و فسّره بعضهم بأشدّ العبوس من بسر،إذا قبّض ما بين عينيه كراهة للشّيء، و اسودّ وجهه منه.و يستعمل بمعنى العبوس.[ثمّ استشهد بشعر]

فحينئذ يكون ذكر«بسر»كالتّأكيد ل(عبس).

و لعلّه مراد من قال:إتباع له،و أهل اليمن يقولون:بسر المركب و أبسر،إذا وقف.

و لم أر من جوّز إرادة ذلك هنا و لو على بعد.و في النّفس من ثبوت ذلك لغة صحيحة توقّف.(29:124)

باسرة

وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. القيمة:24

مجاهد :كاشرة.(الطّبريّ 29:193)

قتادة: أي كالحة.(الطّبريّ 29:193)

مثله الفرّاء.(3:212)

عابسة.(الطّبريّ 29:193)

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 29:193)

ص: 466

السّدّيّ: متغيّرة.(الشّربينيّ 4:444)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:وجوه يومئذ متغيّرة الألوان،مسودّة كالحة،يقال:بسرت وجهه أبسره بسرا،إذا فعلت ذلك،و بسر وجهه فهو باسر بيّن البسور.(29:193)

الزّجّاج: كريهة مقطّبة،قد أيقنت بأنّ العذاب نازل بها.(5:253)

الرّاغب: قوله عزّ و جلّ: ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ المدّثّر:22،أي أظهر العبوس قبل أوانه و في غير وقته.

فإن قيل:فقوله: وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ليس يفعلون ذلك قبل الوقت،و قد قلت:إنّ ذلك يقال فيما كان قبل الوقت؟

قيل:إنّ ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النّار،فخصّ لفظ«البسر»تنبيها أنّ ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التّكلّف،و مجرى ما يفعل قبل وقته، و يدلّ على ذلك قوله عزّ و جلّ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ القيمة:25.(46)

البغويّ: عابسة كالحة مغيّرة مسودّة.(5:186)

نحوه الطّبرسيّ(5:399)،و القرطبيّ(19:110)، و الخازن(7:155).

الزّمخشريّ: الباسر:شديد العبوس،و الباسل:

أشدّ منه،و لكنّه غلب في الشّجاعة إذا اشتدّ كلوحه.

(4:192)

نحوه البيضاويّ.(2:523)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّها عابسة كالحة قد أظلمت ألوانها و عدمت آثار السّرور و النّعمة منها،لما أدركها من الشّقاء و اليأس من رحمة اللّه،و لما سوّدها اللّه حين ميّز اللّه أهل الجنّة و النّار.(30:229)

الشّربينيّ: أي شديدة العبوس و الكلوح و التّكرّه لما هي فيه من الغمّ،كأنّها قد غرقت فيه.(4:444)

نحوه أبو السّعود(6:337)،و البروسويّ(10:

253)،و شبّر(6:324).

الآلوسيّ: أي شديدة العبوس.و«باسل»أبلغ من «باسر»فيما ذكر،لكنّه غلب في«الشّجاع»إذا اشتدّت كلوحته فعدل عنه،لإيهامه غير المراد.(29:146)

الطّباطبائيّ: فسّر البسور بشدّة العبوس[إلى أن قال:]

و المعنى وجوه يومئذ شديدة العبوس،تعلم أنّه يفعل بها فعلة تقصم ظهورها أو تسم أنوفها بالنّار.

(20:112)

المراغيّ: أي وجوه الفجّار تكون يوم القيامة عابسة كالحة مستيقنة،إنّها ستصاب بداهية عظيمة تقصم فقار ظهرها و تهلكها.(29:153)

بنت الشّاطئ: الكلمة من آية القيامة:24، وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ و معها الفعل الماضي في آية المدّثّر ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ و ليس في القرآن من المادّة غيرهما.

و تفسير(باسرة)بكالحة تقريب،يؤنس إليه سياق الآية بعد(ناضرة)على وجه التّقابل،كما يؤنس إليه اقتران(بسر)ب(عبس)في آية المدّثّر:22.

و تأوّلها الرّاغب على وجه آخر،فردّها إلى «الابتسار»بمعنى التّعجّل قبل الأوان.[ثم ذكرت قوله

ص: 467

و قد سبق]

و فسّره ابن الأثير بالقطوب في حديث سعد:«لمّا أسلمت راغمتني أمّي فكانت تلقاني مرّة بالبشر،و مرّة بالبسر»البشر بالمعجمة:الطّلاقة،و بالمهملة:القطوب.

و المعاجم تذكر في البسر:التّعجّل و العبوس و القهر، و منه الابتسار:تعجّل الشّيء قبل أوانه،منقولا إليه من:

البسر للتّمر قبل نضجه،أو من:بسر القرحة:نكأها قبل النّضج.

و لعلّ دلالة العبوس جاءت من ملحظ الغضاضة في بسر التّمر،و ما يقترن بنكء القرحة قبل نضجها،من ضيق و ألم و انقباض.

في«الأساس»: و إن خرجت بثرة فلا تبسرها،أي لا تفقأها،و هي بسرة غضّة.

و لعلّ دلالة العبوس،و انقباض الملامح في«وجوه باسرة»و فيمن«عبس و بسر»هي الأولى بالسّياق، دون أن تمنع ملحظ التّعجّل بالعبوس،و البسر قبل ميقاته الموعود،فلا تكون الكلمتان مترادفتين،بل يكون البسر عبوسا قبل أوانه،يأتي بعده ما هو أدعى للعبوس و القهر.

و يكون الوجه في فهم الآية:أنّ موقف الحشر أرهق المكذّبين؛فغشي وجوههم ما غشيها من كلاحة و عبوس و قطوب،من قبل أن تلقى هول العذاب الأكبر،في نار جهنّم.(الإعجاز البيانيّ للقرآن:460)

الأصول اللّغويّة

1-قالوا:الأصل فيه:الإعجال،و أن يكون الشّيء قبل أوانه،و هذا المعنى محفوظ في أكثر موارد هذه المادّة، و إليه ترجع سائر مشتقّاتها.فبسر الفحل:ضرب النّاقة قبل حينها على غير ضبعة،أي قبل أن تهيج شهوتها، و اشتقّ منه المباسرة و المباسرة و غيرهما.

و يقال للتّمر قبل أن ينضج:بسر،و لعلّه الأصل لهذه المادّة،و منه:أبسر النّخل،أي صار بسرا،و في الحديث:«لا تبسروا»،أي لا تخلطوا البسر بالتّمر.

و منه:بسرت غريمي،إذا تقاضيته قبل محلّ المال،و يقال له:المبسور.و بسرت الدّمّل،إذا عصرته قبل أن يتقيّح،و يقال للشّمس:بسرة،إذا كانت حمراء لم تصف.و أبسر الرّجل المرأة:افتضّها قبل أن تدرك، و أبسر الرّجل:حفر الأرض في غير محلّها،و تبسّر الرّجل:طلب حاجته في غير موضعها.

2-ثمّ نقل الإعجال إلى أخذ الشّيء غضّا طريّا، و منه:بسرت النّبات،إذا رعيته غضّا،و كنت أوّل من رعاه.و ماء بسر:قريب عهد بالسّحاب،و امرأة بسرة و غلام بسر،إذا كانا شابّين طريّين.و لعلّ منه:تبسّر النّهار،إذا برد،كأنّه صار طريّا.و البسرة من النّبات:

ما ارتفع عن وجه الأرض شيئا و لم يطل،كأنّه غضّ طريّ.و منه ابتسرت،أي ابتدأت سفري،كأنّه ابتدأ غضّا طريّا غير شاقّ.

3-و أمّا البسور الّذي يظهر في الوجه-نظير العبوس-فقد ردّه الطّوسيّ إلى الإعجال قبل الأوان، فقال:«بسر بالأمر،إذا عجل به قبل حينه»،«و البسور:

ظهور الغمّ في الوجه معجّلا قبل الإخبار عنه،و مثله العبوس،إلاّ أنّه ليس فيه معنى التّعجيل».و لعلّه أخذ

ص: 468

من البسر،و هو التّمر قبل أن يرطب،لأنّ من أكله يقطّب وجهه.

و على كلّ حال فقد تفرّع منه معنيان:

أحدهما:ذمّ،و هو قبح المنظر،لأنّ من يقطّب وجهه يظهر منظره قبيحا،و ينظر بكراهة،و منه:بسر،أي نظر بكراهة شديدة.

و ثانيهما:مدح،و يقال للأسد:باسل،لأنّ وجهه المقطّب يحكي عن غضبه و شجاعته،و قد يوصف به الرّجل الشّجاع،فيقال له:الباسل.

4-و قد ذكر ابن فارس أصلا ثانيا للمادّة،و هو وقوف الشّيء و قلّة حركته،و منه:أبسر المركب في البحر،أي وقف.و قد نسب القرطبيّ هذه اللّغة إلى أهل اليمن،و كذلك الآلوسيّ،ثمّ قال:«و في النّفس من ثبوت ذلك لغة صحيحة توقّف».

و نقول:لو ثبتت صحّته فلعلّه متفرّع من«البسور» أي التّجهّم و العبوس،لأنّ صاحبه يبقى مفكّرا بلا حراك، أو لأنّ فيه ضعفا و نقصا،كما قال المصطفويّ،فلاحظ.

5-و إذا تجاوزنا ذلك،فكلّ ما ذكر من الباسور، و جمعه بواسير:مرض معروف،و البياسرة،جمع بيسريّ،جيل بالسّند،و البسار:مطر يدوم طويلا بالهند،هي ألفاظ أعجميّة دخيلة،و ليست عربيّة،إلاّ أنّهم اشتقّوا من الباسور لفظ مبسور،و هو من أصيب به.

الاستعمال القرآنيّ

جاء من هذه المادّة لفظا(بسر)و(باسرة)في سورتين مكّيّتين من السّور القصار:

1- ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ

المدّثّر:21-23

2- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ القيمة:24،25

يلاحظ أوّلا:أنّ أولاهما وصف لمن أنكر القرآن أشدّ الإنكار،و ثانيتهما وصف لوجه الكفّار في الآخرة، فانقسمت المادّة بين الدّنيا و الآخرة وصفا للكافر العنيد، و الآخرة هي انعكاس الدّنيا و محصولها.

ثانيا:اختصّت السّور المكّيّة بذلك لما كان فيها من الإنكار المؤكّد،و ما في سورها من الاسترسال و تناسب الفواصل.فالفاصلة في جملة الآيات الأولى(فعل)مختوم ب«راء»،فجاء(بسر)،و في الثّانية(فاعلة)مختومة ب«راء»أيضا،فجاءت(باسرة).فلرعاية الفواصل دخل في اختيار هاتين الصّيغتين في السّورتين.

ثالثا:جاءت(بسر)في الأولى بعد(عبس)، و(عبس)،بعد(نظر)،و(نظر)بعد(فكّر و قدّر)، و الفاصل بين كلّ آية و أخرى الحرف(ثمّ)على النّحو التّالي: إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ المدّثّر:18-23،فقد فصلت هذه الأفعال بعضها عن بعض ب(ثمّ)،و لم يفصل بها بعض عن بعض آخر،فلم يفصل(قدّر)عن(فكّر)،و لا(بسر)عن(عبس)،و لا (استكبر)عن(ادبر).

و قد أتى في صدرها بجملتين مكرّرتين معترضتين دعاء على هذا المنكر العنيد،ممّا يحكي شدّة السّخط عليه،و شدّة إدانته جرّاء عناده.

ص: 469

رابعا:هناك بحث طويل لغة و تفسيرا في الفرق بين (عبس)و(بسر)،فعن اللّيث:«إنّه إذا قطّب ما بين عينيه فقد عبس،فإن أبدى أسنانه في عبوسه فقد كلح،فإن اهتمّ و فكّر فيه فقد بسر،فإن غضب مع ذلك فقد بسل».فقد جعل«اهتمّ»و«فكّر»و«بسر»بمعنى واحد،مع أنّ القرآن جعله معنى مستقلاّ متأخّرا عن (فكّر و قدّر)و عن(نظر)و قرينا مع(عبس)،و هذا ما يحكي قرب معنييهما،كما سبق.

و رتّبها الهمذانيّ بقوله:«هو العبوس و القطوب و الكلوح و الكثور و البسور و الكسف»،و شرحه بعضهم بقوله:قطّب و قبّض ما بين عينيه،و قال بعض آخر:

بأنّه كلح أو كرّه وجهه،أو نظر بكراهة شديدة.و فسّره الرّاغب و غيره ب«أظهر العبوس قبل أوانه».

و بعضهم جمع بينهما،قال البغويّ:«كلح و قطّب وجهه،فنظر بكراهيّة شديدة كالمهتمّ المتفكّر في شيء».

و قال آخرون:بأنّه وقف لا يتقدّم و لا يتأخّر،و قالوا أيضا:بأنّه إتباع ل(عبس)؛إذ قال المصطفويّ:«فالبسر حالة حاصلة بعد العبوس،فإنّ العبوس يتعقّبه شدّة الكلوح،و يتعجّل في كشف الضّرّ و العبوس عنه».

و عندنا أنّ الفرق و التّرتيب بين هذه المعاني أمر عسير،و الّذي يعلم أنّ البسر هو شدّة العبوس الواقعة في غير محلّها،و لبنت الشّاطئ و المصطفويّ بحث طويل في ذلك،فلاحظ.

خامسا:جاءت(باسرة)في الثّانية مقابلة ل(ناضرة)و(ناظرة)،و متّصفة ب(فاقرة): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ* وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ* تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ.

1-فسّروها ب«كاشرة»و«كالحة»و«عابسة» و«متغيّرة»و«كريهة مقطّبة»،و قد جمعها البغويّ و تبعه آخرون،فقال:«عابسة مغيّرة مسودّة».

و الّذي نختاره فيها هو شدّة العبوس في الوجه،و هو تجسيم حالتهم في الدّنيا أمام الحقّ،لكنّها كانت في غير محلّها،و ستكون في الآخرة طبعا في محلّها.

2-يقابلها(ناضرة)و هي شدّة الفرح و السّرور في وجه المؤمنين،و(ناظرة)تحكي كمال نضرتها بالنّظر إلى ربّها،أي إلى رحمة ربّها،و عند الأشاعرة و المتصوّفة إلى وجه ربّها حقيقة بمعنيين:ظاهريّ و معنويّ.

3-أمّا وصفها ب(فاقرة)-و هي من الفقر-فيحكي نهاية ذلّها و اضطرابها،كما هو شأن الفقراء،لاحظ «ف ق ر».

ص: 470

ب س س

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورة مكّيّة

بسّت 1:1 بسّا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بس:زجر للحمار،تقول منه:بس بس.

و بسست و أبسست و هم يبسّون و يبسّون.

و المبسّ:المتلطّف للنّاقة المسكّنها بكلام حتّى يحلبها.

و بسبس:اسم رجل.

و انبسّت الحيّات،إذا تفرّقت في الأرض.

و البسبس:شجر تتّخذ منها الرّحال.

و البسابس:الكذب الّذي ليس له أصل،و كذلك التّرّهات.

و البسباسة:بقلة.

و أبسّ بالنّاقة إبساسا:دعاها للحلب.و إذا درّت على الإبساس قيل:ناقة بسوس.

و البسوس:كانت ناقة ترعى،فرماها كليب التّغلبيّ فقتلها.و يقال:بل اسم المرأة الّتي كانت النّاقة لها، و بذلك السّبب هاجت الحروب بين بكر و تغلب حتّى تفانوا،فيقال:«أشأم من البسوس».(7:205)

الكسائيّ: يقال:جئ به من حسّك و بسّك»،أي ائت به على كلّ حال من حيث شئت.

(الجوهريّ 3:909)

أبسست بالنّعجة،إذا دعوتها للحلب.

(ابن منظور 6:28)

أبو عمرو الشّيبانيّ: بسّ الشّيء،إذا فتّته.

(الأزهريّ 12:316)

يقال:جاء به من حسّه و بسّه،أي من جهده.

و لأطلبنّه من حسّي و بسّي،أي من جهدي.

(الجوهريّ 3:909)

أبو عبيدة: البسيسة:خبز يجفّف و يدقّ،فيشرب كالسّويق.(الأزهريّ 12:316)

أبو زيد: أبسّ بالغنم،إذا أشلاها إلى الماء.و أبسّ

ص: 471

بالإبل عند الحلب،إذا دعا الفصيل إلى أمّه،أو أبسّ بأمّه له.

نحوه ابن السّكّيت.(الأزهريّ 12:315)

البسيسة: كلّ شيء خلطته بغيره،مثل السّويق بالأقط،ثمّ تبلّه بالرّبّ،أو مثل الشّعير بالنّوى للإبل، يقال:بسسته أبسّه بسّا.(الأزهريّ 12:317)

مثله الأصمعيّ.(الفيّوميّ 1:48)

البسّ:السّوق اللّيّن،و قد بسست الإبل أبسّها -بالضّمّ-بسّا.(الجوهريّ 3:908)

أبسست بالمعز،إذا أشليتها إلى الماء.

(الجوهريّ 3:909)

الأصمعيّ: لم أسمع الإبساس إلاّ في الإبل.

(الأزهريّ 12:316)

اللّحيانيّ: و انبسّ في الأرض:ذهب.

(ابن سيدة 8:427)

من أمثالهم«لا أفعل كذا ما أبسّ عبد بناقة»هو طوفانه حولها ليحلبها،و يقال:أبسّ بالنّعجة،إذا دعاها للحلب.(الأزهريّ 12:315)

انبسّت الحيّات انبساسا،إذا جرت على الأرض.

و انبسّ الرّجل،إذا ذهب.و يقال:بسّهم عنك، أي اطردهم.(الأزهريّ 12:316)

بسّ فلان في ماله بسّة،و وزم وزمة،إذا ذهب شيء من ماله.(الأزهريّ 12:318)

أبسّ بالنّاقة:دعاها للحلب.(ابن سيدة 8:426)

البسيسة:هي الّتي تلتّ بسمن أو زيت،و لا تبلّ.

(ابن سيدة 8:426)

أبو عبيد: بسست الإبل و أبسست؛لغتان،إذا زجرتها،و قلت:بس بس.(الجوهريّ 3:909)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «يخرج قوم من المدينة إلى الشّام و اليمن و العراق يبسّون،و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون».

قوله:«يبسّون»هو أن يقال في زجر الدّابّة إذا سقت حمارا أو غيره:بس بس و بس بس-بفتح الباء و كسرها،و أكثر ما يقال بالفتح-و هو صوت الزّجر للسّوق،و هو من كلام أهل اليمن.

و فيه لغتان:بسستها و أبسستها،إذا سقتها و زجرتها و قلت لها:بس بس،فيقال على هذا:يبسّون و يبسّون.

(ابن منظور 6:27)

ابن الأعرابيّ: البسبس:الرّعاة،و البسس:النّوق الإنسيّة،و البسس:الأسوقة الملتوتة.

(الأزهريّ 12:316)

أبو سعيد البغداديّ:[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]

«يبسّون»أي يسبّحون في الأرض.و انبسّ الرّجل، إذا ذهب.و بسّهم عنك،أي اطردهم.

(الأزهريّ 12:315)

ابن السّكّيت: ما له حسّ و لا بسّ،أي حركة.

(489)

و البسيسة:أن يؤخذ طحين البرّ و طحين الأقط فيبسّ بالسّمن،أي يخلط،ثمّ يؤكل نيئا،يقال:بسبست لهم أبسّ بسّا.(636)

بسبست السّويق و الدّقيق أبسّه بسّا،إذا بللته بشيء من الماء،و هو أشدّ من اللّتّ.و بسّ الرّجل

ص: 472

عقاربه،إذا أرسل نمائمه.(الأزهريّ 12:316)

المبرّد: أمّا الإبساس فأن تدعو النّاقة باسمها أو تليّن لها الطّريق إلى الحلب،بقول أو مسح أو ما أشبه ذلك.فإذا كانت النّاقة تدرّ على الدّعاء و الملق،قيل:

ناقة بسوس؛و ذلك من صفاتها في حسن الخلق.

(1:352)

الزّجّاج: بسّ سويقه،إذا خلطه بشيء أو بسمن حتّى يجتمع،و بسّ الرّجل الشّيء،إذا فرّقه.و أبسست فلانا سرّي،إذا جعلت سرّك عنده،يجمعه و يحفظه.

(كتاب فعلت و أفعلت:5)

ابن دريد :بسّ السّويق يبسّه بسّا،إذا لتّه بسمن أو زيت أو نحوه.(1:30)

المبسّ:الّذي يداري النّاقة بالإبساس،أي بالكلام حتّى يحلبها.(2:420)

بسست الغنم:قلت لها:بس بس.

(ابن سيدة 8:427)

بسّ بالنّاقة و أبسّ بها دعاها للحلب،و العرب تقول:لا أفعله ما أبسّ عبد بناقته.(ابن سيدة 8:427)

القاليّ: البسّ،من قولهم:أبسست بالنّاقة،إذا قلت لها:بس بس لتدرّ،و كسروا الباء ليكون على مثال «حسّ».(1:91)

الأزهريّ: يقال:بسست الإبل أبسّها بسّا،إذا سقتها سوقا لطيفا.

و قيل:في قوله:«لا تخبزا خبزا و بسّا بسّا»البسّ:

السّوق اللّطيف،و الخبز:السّوق الشّديد بالضّرب.

و قيل:البسّ:بلّ الدّقيق،ثمّ يأكله،و الخبز:أن يخبز المليل.

و الإبساس:بالشّفتين دون اللّسان،و النّقر:

باللّسان دون الشّفتين.

و الجمل لا يبسّ،إذا استصعب،و لكن يشلى باسمه و اسم أمّه فيسكن.

و قيل:الإبساس:أن يمسح ضرع النّاقة يسكّنها لتدرّ،و كذلك يبسّ الرّيح بالسّحابة.

قال اللّيث:البسبس:شجر يتّخذ منه الرّحال.

قلت:الّذي قاله لا أعرفه،و أراه أراد السّيسب.

و قد روى سلمة عن الفرّاء أنّه قال:السّيسبان:اسم شجر،و هو السّيسبيّ،يذكّر و يؤنّث،يؤتى به من بلاد الهند.و ربّما قالوا:السّيسب،قال طلق بن عديّ:

*و عنق مثل عمود السّيسب*

(12:316)

الصّاحب: بس:زجر للبغل و الحمار،يقال منه:

بسست و أبسست.

و المبسّ:الّذي يتلطّف للنّاقة و يسكّنها حتّى يحتلبها.و إذا لم تدرّ إلاّ على الإبساس قيل:ناقة بسوس، و في المثل:«لا آتيك ما أبسّ عبد بناقة».

و أبسست بالغنم:و هو إشلاؤك إيّاها إلى الماء.

و البسّ:السّوق اللّطيف.

و بسّ سويقه،إذا خلطه بسمن حتّى يجتمع، و الاسم:البسيسة.

و البسيسة:الإيكال بين القوم و السّعاية،و جمعها:

بسائس.

و بسّ عليّ عقاربه،أي أذاه و شرّه.

ص: 473

و البسّ:بسّ الأفاعي إذا انسابت على وجه الأرض في رمل.

و بسبس:لغة في سبسب.

و انبسّ الرّجل:ذهب،و بسّهم عنك،أي اطردهم.

و بسّت الجبال:فتّت.

و بسّ (1)فلان في ماله بسّة،أي ذهب من ماله شيء.

و بسوس:اسم امرأة،هاجت بسببها حرب البسوس.

و بسبست المال،إذا بثثته في البلاد فتفرّق فيها، و كذلك الإبل.

و بسبست النّاقة:دامت على الشّيء.

و يقال للهرّة الأهليّة:البسّة،و الذّكر بسّ،و جمعه:

بساس.

و لا أفعل ذاك آخر باسوس الدّهر،أي أبدا.

«و جاء بالمال من عسّه و بسّه»

و البسّ:الطّلب و الجهد.«و جئ به من حسّك و بسّك»أي من حيث شئت.«و جئ به عسّا و بسّا»،أي لا محالة.

و النّاس بسّة واحدة و بسبسة،أي خليطة.

و ما أعطاه بسيسا،أي شيئا قليلا من الطّعام.

و المتبسبس من الماء:كالمتسبسب،أي المنحدر المنساب.

و جئت بالتّرّهات البسابس،أي ما لا نظام له.

و بسّ:اسم موضع.

و ضربه فما قال:حسّ و لا بسّ.(8:255)

الجوهريّ:البسّ:اتّخاذ البسيسة،و هو أن يلتّ السّويق أو الدّقيق أو الأقط المطحون،بالسّمن أو بالزّيت،ثمّ يؤكل و لا يطبخ.قال يعقوب:هو أشدّ من اللّتّ بللا.[ثمّ استشهد بشعر]

و البسبس:القفر.

و التّرّهات البسابس:هي الباطل.و ربّما قالوا:

ترّهات البسابس،بالإضافة.(3:908)

ابن فارس: الباء و السّين أصلان:

أحدهما:السّوق،و الآخر:فتّ الشّيء و خلطه.

فالأوّل:قوله تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الواقعة:5،يقال:سيقت سوقا.

و جاء في الحديث:«يجيء قوم من المدينة يبسّون، و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون».[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الآخر قولهم:بسّت الحنطة و غيرها أي فتّت.و فسّر قوله تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا على هذا الوجه أيضا.و يقال لتلك:البسيسة.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا قولهم:بسّ بالنّاقة و أبسّ بها،إذا دعاها للحلب فهو من الأوّل.و في أمثال العرب:«لا أفعل ذلك ما أبسّ عبد بناقة»،أي ما دعاها للحلب.[ثمّ استشهد بشعر](1:181)

ابن سيدة: بسّ السّويق و الدّقيق و غيرهما يبسّه بسّا:خلطه بسمن أو زيت،و هي البسيسة،و البسيسة:

خبز يجفّف و يدقّ و يشرب كما يشرب السّويق،قالس.

ص: 474


1- ذكره الأزهريّ عن اللّحيانيّ بالمبنيّ للمعلوم،و هكذا صاحب القاموس.

ابن دريد: و أحسبه الّذي يسمّى الفتوت.

و جاء بالأمر من حسّه و بسّه،و من حسّه و بسّه، أي:من حيث كان و لم يكن.

و بسّ بسّ:ضرب من زجر الإبل.و قد أبسّ بها.

و بس بس و بس بس:من زجر الدّابّة.بسّ بها يبسّ و أبسّ.و قال اللّحيانيّ:أبسّ بالنّاقة:دعاها للحلب، و قيل:معناه دعا ولدها لتدرّ على حالبها.

البسوس:النّاقة الّتي لا تدرّ إلاّ بالإبساس؛و حرب البسوس منه،لأنّ أصل هذه الحرب إنّما كانت لناقة عقرها جسّاس بن مرّة.

و بسّ:زجر للحافر.

و بس بمعنى حسب،فارسيّة.و قد بسبس به و أبسّ به،و أبسّ به إلى الطّعام:دعاه.و بسّ الإبل بسّا:ساقها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بسّ الرّجل يبسّه بسّا:طرده و نحّاه.

و انبسّ:تنحّى.

و بسّ عقاربه:أرسل نمائمه.

و انبسّت الحيّة:انسابت على وجه الأرض،قال:

*و انبسّ حيّات الكثيب الأهيل*

و انبسّ في الأرض:ذهب،عن اللّحيانيّ وحده، حكاه في باب انبسّت الحيّات،و المعروف عند أبي عبيد و غيره:اربسّ.و البسّ:شجر،و البسبس لغة في السّبسب،و زعم يعقوب أنّه من المقلوب.

و البسابس:الكذب.

و بسبس بوله:كسبسب.

و البسباس:بقلة.قال أبو حنيفة:البسباس أيضا من النّبات:الطيّب الرّيح،و زعم بعض الرّواة أنّه النّانخواه، قال:و أمّا أبو زياد فقال:البسباس:طيّب الرّيح يشبه طعمه طعم الجزر،واحدته بسباسة.و بسباسة:اسم امرأة،و البسوس كذلك.

و بسّ:موضع عند حنين.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:426)

البسبس:الأرض الواسعة،الجمع:البسابس.

(الإفصاح 2:1048)

الزّمخشريّ: بسّت الجبال:فتّتت كالدّقيق و السّويق،و منه قيل للسّويق الملتوت:البسيسة.

و أبسّ الحالب بالنّاقة:مسحها و سكّنها بلسانه.

و لا أفعل ذلك ما أبسّ عبد بناقة.و جئ به من حسّك و بسّك.و تقول:أكلت ابني وائل البسوس،كما يأكل الحبّ السّوس.

و من المجاز:بسّ عليه عقاربه،إذا أرسل عليه نمائمه.

و جاء بالتّرّهات البسابس،أي بالأباطيل.

(أساس البلاغة:22)

البسّ:السّوق و الطّرد،يقال:بسّ القوم عنك،أي اطردهم،و منه بسّ عليه عقاربه،إذا بثّ نمائمه.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:107)

ابن الأثير: و في حديث المتعة:«و معي بردة قد بسّ منها»أي نيل منها و بليت.

و في حديث مجاهد: «من أسماء مكّة الباسّة»سمّيت بها لأنّها تحطم من أخطأ فيها.و البسّ:الحطم،و يروى بالنّون من النّسّ:الطّرد.

و في حديث المغيرة: «أشأم من البسوس»هي ناقة

ص: 475

رماها كليب بن وائل فقتلها،و بسببها كانت الحرب المشهورة بين بكر و تغلب،و صارت مثلا في الشّؤم.

و البسوس في الأصل:النّاقة الّتي لا تدرّ حتّى يقال لها:بسّ بسّ،بالضّمّ و التّشديد،و هو صويت للرّاعي يسكّن به النّاقة عند الحلب،و قد يقال ذلك لغير الإبل.

و في حديث الحجّاج: «قال للنّعمان بن زرعة:أ من أهل الرّسّ و البسّ أنت»؟البسّ:الدّسّ،يقال:بسّ فلان لفلان من يتخبّر له خبره و يأتيه به،أي دسّه إليه.

و البسبسة:السّعاية بين النّاس.(1:127)

الفيّوميّ: بسست الحنطة و غيرها بسّا،من باب «قتل»و هو الفتّ،فهي بسيسة«فعيلة»بمعنى«مفعولة».

(48)

الفيروزآباديّ: البسّ:السّوق اللّيّن،و اتّخاذ البسيسة:بأن يلتّ السّويق أو الدّقيق أو الأقط المطحون بالسّمن أو الزّيت،و زجر للإبل ببس بس كالإبساس، و إرسال المال في البلاد و تفريقها،و الطّلب و الجهد، و الهرّة الأهليّة-و العامّة تكسر الباء-الواحدة بهاء.

و جاء به من حسّه و بسّه،مثلّثي الأوّل:من جهده و طاقته،و لأطلبنّه من حسّي و بسّي:جهدي و طاقتي.

و بس بمعنى حسب،أو هو مسترذل،و بطن من حمير.

و البسوس:النّاقة الّتي لا تدرّ إلاّ على الإبساس،أي التّلطّف بأن يقال لها:بس بس تسكينا لها.

و امرأة مشئومة،أعطي زوجها ثلاث دعوات مستجابات،فقالت:اجعل لي واحدة،قال:فلك،فما ذا تريدين؟

قالت:ادع اللّه أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل،ففعل.فرغبت عنه،فأرادت سيّئا؛فدعا اللّه تعالى عليها أن يجعلها كلبة نبّاحة.فجاء بنوها فقالوا:

ليس لنا على هذا قرار يعيّرناها النّاس،ادع اللّه أن يردّها إلى حالها،ففعل،فذهبت الدّعوات بشؤمها.

و بسّ في ماله بسّا:ذهب شيء من ماله.

و بس بس،مثلّثين:دعاء للغنم.

و بسّ بالضّمّ:جبل قرب ذات عرق،و أرض لبني نصر بن معاوية،و بيت لغطفان بناه ظالم بن أسعد لمّا رأى قريشا يطوفون بالكعبة،و يسعون بين الصّفا و المروة، فذرع البيت و أخذ حجرا من الصّفا و حجرا من المروة، فرجع إلى قومه فبنى بيتا على قدر البيت،و وضع الحجرين،فقال:هذان الصّفا و المروة،فأجتزءوا به عن الحجّ،فأغار زهير بن جناب الكلبيّ فقتل ظالما و هدّم بناءه.

و البسبس:القفر الخالي،و شجر تتّخذ منه الرّحال.

أو الصّواب السّبسب.

و التّرّهات البسابس و بالإضافة:الباطل.

و البسباسة:شجرة تعرفها العرب،و تأكلها النّاس و الماشية،تذكر بها ريح الجزر و طعمه إذا أكلتها.و أوراق صفر تجلب من الهند،و هذه هي الّتي تستعملها الأطبّاء.

و الباسّة و البسّاسة:مكّة شرّفها اللّه تعالى.

وَ بُسَّتِ الْجِبالُ الواقعة:5،فتّتت،فصارت أرضا.

و البسيس:القليل من الطّعام،و بهاء:الخبز يجفّف و يدقّ و يشرب،و الإيكال بين النّاس بالسّعاية.

ص: 476

و البسس بضمّتين:الأسوقة الملتوتة،و النّوق الآنسة،و الرّعاة.

و بسبس:أسرع،و بالغنم أو النّاقة:دعاها،فقال:

بس بس،و النّاقة:دامت على الشّيء.

و تبسبس الماء:جرى.و الانبساس:الانسياب.

و أبسّ بالمعز إبساسا:أشلاها إلى الماء.(2:207)

الزّبيديّ: و ممّا يستدرك عليه،يقولون:معي بردة قد بسّ منها،أي نيل منها و بليت.

قال اللّحيانيّ: أبسّ بالنّاقة:دعاها للحلب،و قيل:

معناها دعا ولدها لتدرّ على حالبها.

و اقتصر المصنّف على معنى الزّجر،و الصّحيح أنّه يستعمل فيه،و في الدّعاء للحلب.

و بسّه بسّا:نحّاه،و أبسّ الرّجل:تنحّى،و بسبس به و أبسّ به:قال له:بس،بمعنى حسب.

و أبسّ به إلى الطّعام:دعاه.

و بسّ عقاربه:أرسل نمائمه،و أرسل أذاه،و هو مجاز.

و البسّ:الدّسّ،يقال:أبسّ فلان لفلان من يتخبّر له خبره و يأتيه به،أي دسّه إليه.

و يقال:لا أفعل ذلك آخر باسوس الدّهر،أي أبدا.(4:110)

العدنانيّ: البسّ.

و يطلقون على الهرّة الأهليّة اسم«البسّ»، و الصّواب هو«البسّ»كما قال ابن عبّاد،و الزّمخشريّ، و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن الّذي قال:إنّها حجازيّة،و الوسيط.

و ذكر القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و المتن:أنّ العامّة تكسر الباء و تقول:بسّ.

و يجمع البسّ:على بساس.

و يخطّئون من يستعمل كلمة«بس»و يقولون:إنّ الصّواب هو«حسب».

و لكن:ذكر أنّ«بس»تعني حسب كلّ من ابن فارس،و اللّسان،و القاموس،و المزهر،و الكشكول لبهاء الدّين العامليّ،و التّاج،و محيط المحيط،و دوزيّ، و ذيل أقرب الموارد،و المتن،و الإسلام الصّحيح، و الوسيط.

و قد ذكر أنّ أصل«بس»فارسيّ:اللّسان و الكشكول،و التّاج،و محيط المحيط،و الإسلام الصّحيح،و الوسيط.

و ذكر أنّها ليست بعربيّة:المزهر،و المتن.

و قال ابن فارس:إنّ استعمالها مسترذل،و قال القاموس:أو هو مسترذل.

و قال الكشكول: تقولها العامّة.

و عثر محيط المحيط حين أوردها مبنيّة على الضّمّ، و مضعّفة السّين:«بسّ».

و قال الكشكول،و دوزيّ،و الإسلام الصّحيح: إنّ العرب تصرّفوا في«بس»،فقالوا:بسّك و بسّي،و جملة دوزيّ:«بسّك تتهزّأ عليّ».

و قال التّاج: ليس للفرس بمعنى«حسب»سوى «بس»،و للعرب:حسب،و بجل،و قط،و أمسك و اكفف،و ناهيك،و مه،و مهلا،و اقطع،و اكتف.

و أنا أرى أن نضرب عن استعمال«بس»الفارسيّة الأصل،ما دام لدينا هذا العدد الكبير من الكلمات

ص: 477

العربيّة الّتي تؤدّي المعنى نفسه.(59)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:الكسر و الفتّ،و هذا المعنى يختلف بالموضوعات.

فبسّ الحنطة:بالدّقّ و السّحق.

و بسّ السّويق و الدّقيق:بالتّفريق بالخلط،فإنّ الخلط يوجب الكسر و الفتّ بين المجموع،من حيث إنّه مجموع.

و بسّ الإبل:يحصل بسوق الأفراد و الآحاد، و تفريقها عن حالة الجماعة،سوقا ليّنا حتّى يصدق الفتّ.

و بسّ المال:إنّما يحصل بالتّفريق.

و لا يخفى أنّ«البسّ»قريب المفهوم من«البثّ» و الفرق بينهما:أنّ البثّ كما سبق معناه:التّفريق،و قلنا:

إنّ البسّ هو:الكسر و الفتّ.و قد يجتمعان في بعض الموارد،و الفرق بينهما اختلاف الجهة و اللّحاظ.

(1:253)

النّصوص التّفسيريّة

وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. الواقعة:5

ابن عبّاس: فتّتت فتّا.

مثله أبو صالح،و مجاهد و عكرمة.

(الطّبريّ 27:168)

و مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:214)

ابن السّكّيت: معناه كسرت كسرا.

(الطّبرسيّ 5:214)

الحسن: قلعت من أصلها.(الطّبرسيّ 5:214)

الكلبيّ:سيّرت عن وجه الأرض تسييرا.

(الطّبرسيّ 5:214)

ابن زيد: صارت كثيبا مهيلا.

(الطّبريّ 27:168)

الفرّاء: صارت كالدّقيق؛و ذلك قوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ النّبأ:20.(3:121)

أبو عبيدة: مجازها كمجاز السّويق المبسوس أي المبلول و العجين،قال لصّ من غطفان و أراد أن يخبز فخاف أن يعجّل عن الخبز فبلّ الدّقيق فأكله عجينا.و قال:

*لا تخبزا خبزا و بسّا بسّا*

(2:247)

صارت ترابا تربا.(ابن سيدة 8:426)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فتّت الجبال فتّا، فصارت كالدّقيق المبسوس،و هو المبلول،كما قال جلّ ثناؤه: وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14، و البسيسة عند العرب:الدّقيق و السّويق تلتّ و تتّخذ زادا.(27:167)

الزّجّاج: (بسّت):لتّت و خلطت،و(بسّت)أيضا:

سيقت.(5:108)

ابن كيسان: جعلت كثيبا مهيلا بعد أن كانت شامخة طويلة.(الطّبرسيّ 5:214)

الرّاغب: (بسّت)أي فتّتت،من قولهم:بسست الحنطة و السّويق بالماء:فتّته به،و هي البسيسة.

و قيل:معناه سقت سوقا سريعا،من قولهم:انبسّت الحيّات:انسابت انسيابا سريعا،فيكون كقوله

ص: 478

عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ الكهف:47،و كقوله:

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88.و بسست الإبل:زجرتها عند السّوق، و أبسست بها عند الحلب،أي رقّقت لها كلاما تسكن إليه،و ناقة بسوس:لا تدرّ إلاّ على الإبساس.(46)

مثله الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:245)

الزّمخشريّ: و فتّت حتّى تعود كالسّويق،أو سيقت من:بسّ الغنم،إذا ساقها،كقوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20.(4:52)

نحوه أبو حيّان.(8:200)

ابن عطيّة: بسّطت بسطا.كالرّمل و التّراب.

(الطّبرسيّ 5:214)

الطّباطبائيّ: البسّ:الفتّ،و هو عود الجسم بدقّ و نحوه أجزاء صغارا متلاشية كالدّقيق.

و قيل:البسّ هو التّسيير،فهو في معنى قوله:

وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ النّبأ:20.(19:116)

عبد الكريم الخطيب:أي طحنت طحنا.

(14:706)

المصطفويّ: أي كسرت و فتّت،حتّى تكون الاجزاء المفتوتة المكسورة كالهباء المنثور،فيتحقّق التّناسب و النّظم المعنويّ بين هذه الآيات.

و أمّا التّفسير بالسّير و السّوق-مضافا إلى كونه معنى مجازيّا أنّ السّوق لا يناسب ما قبلها و ما بعدها-فإنّ صيرورتها هباء إنّما هو نتيجة الفتّ و الكسر لا السّوق و السّير،و المناسب بتحريك الأرض إنّما هو الفتّ لا السّوق ثانيا.(1:253)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البسّ-و هو الفتّ- و صوت لترويض النّاقة عند الحلب.

فمن الأوّل:بسّ السّويق و الدّقيق و غيرهما يبسّه بسّا:خلطه بسمن أو زيت،و هي البسيسة.

و من الثّاني:بسّ بالنّاقة و أبسّ بها:دعاها للحلب، أو دعا ولدها لتدرّ على حالبها،و هي ناقة بسوس،أي تدرّ عند الإبساس،و هو أن يقال لها:بسّ بسّ،أو بس بس.و الإبساس:مسح ضرع النّاقة لتسكينها حتّى تدرّ.

2-و أمّا قولهم:انبسّت الحيّات في الأرض،إذا تفرّقت،و بسّ المال في البلاد فانبسّ،أي تفرّق،فهو إمّا من الأصل الأوّل،و إمّا من«ب ث ث»؛إذ إبدال السّين بالثّاء شائع في اللّغة،مثل:ساخت رجله في الأرض و ثاخت،أي دخلت،و ناقة فاسج و فاثج،و هي الفتيّة الحامل،و أتيته ملس الظّلام و ملث الظّلام،أي اختلاط الظّلام.

و يخطر بالبال أنّ هذه المادّة من الأضداد،فهي تعني التّفريق و الخلط معا،فيصدر عنها المعنى سلبا و إيجابا، و بذلك يتيسّر الرّبط بين الأصلين؛فالأوّل تفتيت، و الثّاني جمع و إيلاف.

و حكى اللّحيانيّ:انبسّ في الأرض،إذا ذهب،و هو ممّا انفرد بروايته.فعقّبه بعض اللّغويّين-كما ذكر ابن منظور-بقوله:و المعروف عند أبي عبيد و غيره:اربسّ.

ص: 479

و لعلّ ما جاء هنا بمعنى:سوق الدّوابّ و زجرها،هو من مادّة«ن س س»يقال منه:نسّ الإبل ينسّها نسّا و نسنسها أيضا،أي ساقها،و نسّ النّاقة و الشّاة:

زجرها،فقال لها:إس إس،و كذا أسسها.أو لعلّ بين هذه الموادّ-و هي«أ س س»و«ب س س» و«ن س س»و«ن س ن س»-اشتقاق أكبر،فهي إذا أصول برءوسها.

3-و ممّا تواردت فيه«ب س س»و«ن س س» تسميتهم لمكّة الباسّة و النّاسّة،قال ابن الأثير في «ب س س»:سمّيت بها لأنّها تحطم من أخطأ فيها.و قال في«ن س س»:من بغى فيها أو أحدث فيها حدثا أخرج عنها،فكأنّها ساقته و دفعته عنها.

و نحسب أحدهما تصحيفا للآخر،لأنّ المتقدّمين كانوا يكتبون الألفاظ بدون تنقيط،فاشتبه الأمر على من جاء بعدهم،و تردّدوا في فاء هذا اللّفظ بين الباء و النّون.

4-و من ذلك أيضا قول الحجّاج للنّعمان بن زرعة:

«أ من أهل الرّسّ و البسّ أنت»؟و روي بالنّون أيضا، و قد ذكر ابن الأثير كلا الرّوايتين،فقال في«ب س س»:

البسّ:الدّسّ،يقال:بسّ فلان لفلان من يتخبّر له خبره و يأتيه به،أي دسّه إليه.و قال في«ن س س»:يقال:

نسّ فلان لفلان،إذا تخبّر،و النّسيسة:السّعاية.

و يبدو واضحا هنا أنّ«البسّ»مصحّف«النّسّ»، لأنّ هذا المعنى-أي السّعاية بين النّاس-محفوظ في «ن س س»،و منه:النّسيسة،أي السّعي بين النّاس و الإيكال بينهم،و النسائس:النّمائم،و مثله:أسّ بينهم يؤسّ أسّا،و رجل أسّاس:نمّام مفسد،و كذا البسبسة، أي السّعاية بين النّاس،فبين«أ س س»و«ن س س» و«ب س ب س»اشتقاق أكبر.

و أمّا ما قيل:بسّ عقاربه،أي أرسل نمائمه و أذاه،فهو تصحيف«ن س س».

5-و لفظ«بس»بمعنى«حسب»فارسيّ،و لقد جاء في الفارسيّة القديمة«الفهلويّة»بلفظ«وس»بالواو.

الاستعمال القرآنيّ

جاء البسّ في القرآن بمعنى«الفتّ»مرّتين،في آية واحدة:

إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا

الواقعة:4،5

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآية درجت في آيات سورة مكّيّة تتحدّث عن موضوعين متلازمين:

الأوّل:قيام السّاعة،و تصنيف النّاس في يوم القيامة ثلاثة أصناف:و هم السّابقون،و أصحاب اليمين، و أصحاب الشّمال،و وصف حال كلّ صنف في ذلك اليوم العصيب،و هو بمثابة مقدّمة للموضوع الثّاني.

الثّاني:محاججة الكافرين و تعنيفهم،ثمّ تختم السّورة بتكرار ما يؤول إليه مصير الأصناف الآنفة الذّكر بصورة موجزة.

ثانيا:عبّر القرآن عن تلاشي الجبال و اضمحلاله عند قيام السّاعة بالألفاظ التّالية:

1-التّسيير: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً الكهف:47

ص: 480

يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً* وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً

الطّور:9،10

2-النّسف: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً طه:105،106

وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ المرسلات:10

3-البسّ: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الواقعة:4،5

4-الدّكّ: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ* وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً

الحاقّة:13،14

5-صيرورتها عهنا: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ المعارج:8،9

يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة:4،5

6-رجوفها و صيرورتها كثيبا: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:14

ثالثا:تمرّ الجبال خلال زوالها بثلاث مراحل:

الأولى:الإزالة و الإقلاع بالتّسيير.

الثّانية:السّحق و التّهشيم بالبسّ و الدّكّ،فتصير كثيبا مهيلا و كعهن منفوش.

الثّالثة:النّسف و التّذرية،فتصير هباء منبثّا و قاعا صفصفا.

ص: 481

ص: 482

ب س ط

اشارة

12 لفظا،25 مرّة:13 مكّيّة،12 مدنيّة

في 15 سورة:11 مكّيّة،4 مدنيّة

بسط 1:-1 باسط 3:1-2

بسطت 1:-1 باسطوا 1:-1

يبسط 10:7-3 مبسوطتان 1:-1

يبسطه 1:1 بساطا 1:1

يبسطوا 2:-2 بسطة 2:1-1

تبسطها 1:1 البسط 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البسط:نقيض القبض.و البسيطة من الأرض كالبساط من المتاع،و جمعه:بسط.

و البسطة:الفضيلة على غيرك،قال اللّه جلّ و عزّ:

وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247.

و البسيط:الرّجل المنبسط اللّسان،و المرأة بسيطة، و قد بسط بساطة،و الصّاد لغة.

و بسط إلينا فلان يده بما نحبّ و نكره.

و إنّه ليبسطني ما بسطك و يقبضني ما قبضك،أي يسرّني ما سرّك،و يسوءني ما ساءك.

و الأبساط من النّوق:الّتي معها أولادها،و الواحد:

بسط.

و البسيط:نحو من العروض.(7:218)

ابن شميّل: البساط و البسيطة:الأرض العريضة.

(الأزهريّ 12:346)

الفرّاء: أرض بساط و بساط:مستوية لا نبك فيها.

(الأزهريّ 12:346)

البساط من الأرض بالكسر:لغة في البساط بالفتح.

بسط بالضّمّ،مثل بسط،لغة تميم.

(الصّغانيّ 4:107)

أبو زيد:حفر الرّجل قامة باسطة،إذا حفر مدى قامته،و قد مدّ يده.(الأزهريّ 12:346)

ص: 483

أبو عبيد: البساط:الأرض العريضة الواسعة.

(الأزهريّ 12:346)

ابن الأعرابيّ: التّبسّط:التّنزّه،يقال:خرج يتبسّط،مأخوذ من«البساط»و هي الأرض ذات الرّياحين.(الأزهريّ 12:346)

ابن السّكّيت: البسيط:الّذي إذا رأيته انبسط إليك،و رأيته يتهلّل وجهه،و عرفت السّرور في وجهه.(204)

فرش لي فلان فراشا لا يبسطني،إذا ضاق عنه.و هذا فراش يبسطني،إذا كان سابغا.

سرنا عقبة جوادا،و عقبة باسطة،و عقبة حجوفا، أي بعيدة طويلة.(الأزهريّ 12:346)

ابن دريد :بسطت الشّيء أبسطه بسطا،إذا مددته على الأرض.

و تبسّط الرّجل على الأرض،إذا استلقى و امتدّ.

و البساط بكسر الباء:ما بسطته،و البساط بفتحها:

الأرض الواسعة.

و ناقة بسط،و الجمع:أبساط،و هي الّتي معها ولدها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البسيطة:الأرض بعينها،يقال:ما على البسيطة مثل فلان،و يقال:فلان أبسط قومه باعا بالمعروف،إذا كان أوسعهم رحلا،يقال:ضربه حتّى انبسط،أي تمدّد.(1:284)

الأزهريّ: البسطة:الزّيادة،و البصطة بالصّاد:لغة في البسطة.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه كتب لوفد كلب كتابا فيه:

«في الهمولة الرّاعية البساط الظّؤار،في كلّ خمسين من الإبل ناقة غير ذات عوار».

الهمولة:الإبل الرّاعية،و الحمولة:الّتي يحمل عليها.

و البساط:جمع بسط،و هي النّاقة الّتي تركت و ولدها لا يمنع منها،أولا تعطف على غيره،و هي عند العرب بسط و بسوط.و جمع بسط:بساط،و جمع بسوط:بسط،و هكذا حفظته عن العرب.[ثمّ استشهد بشعر و بعد نقل قول ابن الأعرابيّ قال:]

قلت:بسوط«فعول»بمعنى«مفعولة»كما يقال:

حلوب و ركوب للّتي تحلب و تركب.

و بسط،بمعنى مبسوطة،كالطّحن بمعنى المطحون، و القطف بمعنى المقطوف.

و سمعت غير واحد من العرب يقول:بيننا و بين الماء ميل بساط،أي ميل متّاح.[ثمّ استشهد بشعر]

الباسوط من الأقتاب:ضدّ المفروق،و يقال أيضا:

قتب مبسوط،و يجمع:مباسيط،كما يجمع المفروق:

مفاريق.(12:345)

الصّاحب: البسط:نقيض القبض،و البسيطة من الأرض كالبساط من المتاع،و الجميع:البسط.

و البسطة:الفضيلة على غيره،له بسطة في الجسم و المال،و بسطني اللّه على فلان،أي فضّلني عليه.

و البسيط:الرّجل المنبسط اللّسان،و المرأة بسيطة، و الفعل بسط بساطة.

و بسط إلينا فلان يده بما نحبّ و نكره.

و فرش لي فراشا لا يبسطني،و ذلك إذا كان ضيّقا لا يتّسع عليه.

و الأبساط من النّوق:الّتي معها أولادها،الواحدة:

ص: 484

بسط،يقال:أبسطت الإبل،أي خلّيتها و أولادها ترضعها.

و إذا ألقح الرّجل إبله عاما و تركها عاما قيل:أبسطها إبساطا.

و قطا (1)أبساط أيضا.

و البسيطة كالنّشيطة:للرّئيس،و هي النّاقة معها ولدها،فتكون هي و ولدها في ربع الرّئيس،و جمعها:

بسط.

و المبسوطة من الرّحال:الّتي يفرق بين الحنوين حتّى يكون بينهما قريب من ذراع.

و خمس باسط،أي بائص.

و حفر قامة باسطة،إذا حفر قامته و طول يده.

و بلاد باسطة:بمنزلة بساط من الأرض،و هي الأرض الواسعة.

و ذهب فلان في بسيطة:أي في الأرض،فلم يصرفها.

و بيني و بينه بسيط النّبل،أي مدّه.

و البساط:القدر العظيمة.(8:272)

الجوهريّ: بسط الشّيء:نشره،و بالصّاد أيضا.

و بسط العذر:قبوله.

و البسطة:السّعة،و انبسط الشّيء على الأرض.

و الانبساط:ترك الاحتشام،يقال:بسطت من فلان فانبسط.

و تبسّط في البلاد،أي سار فيها طولا و عرضا.

و البساط:ما يبسط،و البساط،بالفتح:الأرض الواسعة،يقال:مكان بسيط و بساط.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان بسيط الجسم و الباع.

و البسط بكسر الباء:النّاقة تخلّى مع ولدها لا يمنع منها،و الجمع:بساط و أبساط،مثل ظئر و ظؤار و أظآر.

و قد أبسطت النّاقة،أي تركت مع ولدها.

و يد بسط أيضا،أي مطلقة.(3:1116)

نحوه الرّازيّ.(65)

ابن فارس: الباء و السّين و الطّاء أصل واحد،و هو امتداد الشّيء في عرض أو غير عرض؛فالبساط:

ما يبسط،و البساط:الأرض،و هي البسيطة،يقال:

مكان بسيط و بساط.[ثمّ استشهد بشعر]

و يد فلان بسط،إذا كان منفاقا،و البسطة في كلّ شيء:السّعة.(1:247)

الهرويّ: و في الحديث،في صفة الغيث:«فوقع بسيطا متداركا»أي انبسط في الأرض و اتّسع.

و المتدارك:المتتابع.(1:167)

الطّوسيّ: و البسط:خلاف القبض،تقول:بسط يبسط بسطا،و انبسط انبساطا،و بسّطه تبسيطا،و تبسّط تبسّطا.

و البساط بكسر الباء:ما بسطته،و البساط بفتح الباء:الأرض الواسعة.

و ناقة بسط:معها ولدها لانبساطه.

و البسطة:الفضيلة في الجسم أو المال،و نحو ذلك.

(2:286)

نحوه الطّبرسيّ.(1:348)ة.

ص: 485


1- نوع من الحمام،واحدتها:قطاة.

ابن سيدة:البسط:نقيض القبض،بسطه يبسطه بسطا فانبسط.و بسّطه فتبسّط.[ثمّ استشهد بشعر]

و البساط:ما بسط،و الجمع:بسط.و أرض بساط و بسيطة:منبسطة مستوية.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:البسيطة:الأرض،اسم لها.

و البساط:ورق السّمر يبسط له ثوب ثمّ يضرب فينحتّ عليه.

و هذا بساط يبسطك،أي يسعك.

و رجل بسيط منبسط بلسانه،و قد بسط بساطة.

و رجل بسيط اليدين:منبسط بالمعروف،و بسيط الوجه:متهلّل،و جمعها:بسط،[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّه ليبسطني ما بسطك،أي يسرّني ما سرّك.

و البسيط من العروض:سمّي به لانبساط أسبابه، قال أبو إسحاق:انبسطت فيه الأسباب فصار أوّله مستفعلن ففيه سببان متّصلان في أوّله.

و بسط إليّ يده بما أحبّ و أكره يبسطها:مدّها،و في التّنزيل: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي المائدة:28.

و أذن بسطاء:عريضة عظيمة.

و انبسط النّهار و غيره:امتدّ و طال.

و البسطة:الفضيلة.و في التّنزيل: وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247.

و مرأة بسطة:حسنة الجسم سهلته.و ظبية بسطة كذلك.

و البسط و البسط:النّاقة المتروكة مع ولدها لا تمنع، و الجمع:أبساط و بساط،الأخيرة من الجمع العزيز، و حكى ابن الأعرابيّ في جمعها بسط،[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:البسط هنا المنبسطة على أولادها،و ليس هذا بقويّ،و رواجع،مرجعة على أولادها،كأنّه توهّم طرح الزّائد و لو أتمّ لقال:مراجع.و عقبة باسطة:بينها و بين الماء ليلتان.

و ماء باسط:بعيد من الكلإ،و هو دون المطلب.

و بسيطة:موضع،و كذلك بسيّطة.[ثمّ استشهد بشعر](8:440)

البساط:كلّ ما يبسط،أي يفرش.و ضرب من الفرش،ينسج من الصّوف و نحوه،الجمع:بسط.

بسط البساط يبسطه بسطا:فرشه و نشره،فانبسط و تبسّط،أي انتشر.و هذا بساط يبسطك،أي يسعك.

(الإفصاح 1:577)

الرّاغب: بسط الشّيء:نشره و توسّعه،فتارة يتصوّر منه الأمران،و تارة يتصوّر منه أحدهما.

و يقال:بسط الثّوب:نشره،و منه البساط،و ذلك اسم لكلّ مبسوط،قال اللّه تعالى: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً نوح:19،و البساط:الأرض المتّسعة، و بسيط الأرض:مبسوطه.

و استعار قوم«البسط»لكلّ شيء لا يتصوّر فيه تركيب و تأليف و نظم،قال اللّه تعالى: وَ اللّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ البقرة:245،و قال تعالى: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ الشّورى:27،أي لو وسّعه وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247،أي سعة.قال بعضهم:بسطته في العلم هو أن انتفع هو به و نفّع غيره، فصار له به بسطة،أي جود.

و بسط اليد:مدّها،قال عزّ و جلّ: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ

ص: 486

ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ الكهف:18.

و بسط الكفّ يستعمل تارة للطّلب،نحو: كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ الرّعد:14.

و تارة للأخذ،نحو: وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ الأنعام:93.

و تارة للصّولة و الضّرب،قال تعالى: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ الممتحنة:2.

و تارة للبذل و الإعطاء،نحو بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ المائدة:64.

و البسط:النّاقة الّتي تترك مع ولدها كأنّها المبسوط،نحو النّكث و النّقض،في معنى المنكوث و المنقوض.و قد أبسط ناقته،أي تركها مع ولدها.

(46)

الزّمخشريّ: «يدا اللّه بسطان»لمسيء النّهار حتّى يتوب باللّيل،و لمسيء اللّيل حتّى يتوب بالنّهار.

يقال:يد فلان بسط،إذا كان منفاقا منبسط الباع، و مثله في الصّفات:روضة أنف،و مشية سجح،ثمّ يخفّف فيقال:بسط كعنق و أذن،جعل بسط اليد كناية عن الجود،حتّى قيل للملك الّذي يطلق عطاياه بالأمر و بالإشارة:مبسوط اليد،و إن كان لم يعط منها شيئا بيده،و لا يبسطها به البتّة.

و كذلك المراد بقوله:«يدا اللّه بسطان»،و بقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ المائدة:64،الجواد و الإنعام لا غير،من غير تصوّر يد و لا بسطها،لأنّ قولهم:مبسوط اليد و جواد،عبارتان معتقبتان على معنى واحد،و المعنى إنّ اللّه جواد بالغفران للمسيء التّائب، رزقنا اللّه التّوبة و مغفرة الذّنوب.

و في قراءة ابن مسعود (بل يداه بسطان) .

و في حديث عروة،مكتوب في الحكمة:«ليكن وجهك بسطا تكن أحبّ إلى النّاس ممّن يعطيهم العطاء» أي منبسطا منطلقا.(الفائق 1:107)

بسط الثّوب و الفراش،إذا نشره.

و من المجاز:بسط رجله و قبضها.و إنّه ليبسطني ما بسطك و يقبضني ما قبضك،أي يسرّني و يطيّب نفسي ما سرّك و يسوءني ما ساءك.و بسط عليهم العذاب.

و زاده اللّه بسطة في العلم و الجسم،أي فضلا.و بسطني اللّه عليه:فضّلني.و نحن في بساط واسعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و مكان بسيط:واسع.و فلان بسيط الباع و اللّسان و قد بسط بساطة.و بسط إلينا يده و لسانه بما نحبّ أو بما نكره.و بلاد باسطة.[ثمّ استشهد بشعر]

و حفر قامة باسطة و بسطة،و هو أن يمدّ يده رافعها.

و فرش لي فراشا لا يبسطني،و هذا فراش يبسطك،إذا كان واسعا لا يقبضه.و فلان مركبه المبسوطة،و هي الرّحالة البعيدة ما بين الحنوين.و وردنا بعد خمس باسط (1)،و انبسط إليه،و باسطه و بينهما مباسطة.

و يده بسط بالعطاء،و في الحديث:«يدا اللّه بسطان».

و ما على البسيطة مثله.و ذهب في بسيطة،غير مصروفة،كما تقول:ذهب في الأرض.

(أساس البلاغة:22)ا.

ص: 487


1- هكذا جاء في«الأساس»خلافا لما ذكره الصّاحب و غيره:«خمس»بكسر الخاء،و«باسط»معربا مصروفا.

المدينيّ:في الحديث:«يد اللّه بسطان»أي مبسوطة،كما قال تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ.

سألت بعض الأدباء عن هذه الكلمة،فقال:هي بفتح الباء،لأنّ«فعلان»في الصّفات كالرّحمن و الغضبان،فأمّا«فعلان»بالضّمّ ففي المصادر.و يد بسط أيضا،إذا كان منفاقا.

و في الحديث: «لا تبسط ذراعيك انبساط الكلب» خرج بالمصدر إلى غير لفظه،أي لا تبسطهما فتنبسطا انبساط الكلب.

في حديث عروة: «ليكن وجهك بسطا،أي منبسطا منطلقا.(1:158)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الباسط»هو الّذي يبسط الرّزق لعباده،و يوسّعه عليهم بجوده و رحمته، و يبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة.(1:127)

الصّغانيّ: و خمس باسط،أي بائص،و ذهب في بسيطة:في الأرض،مصغّرة غير مصروفة.

و البساط:القدر العظيمة.

و البسيطة:كالنّشيطة للرّئيس.

و بسطة:من أعمال جيّان بالأندلس.

و بسيطة:أرض ببادية الشّام.و ركيّته قائمة باسطة، و قامة باسطة مضافة غير مجراة،كأنّهم جعلوها معرفة، يعني أنّها قامة و بسطة.(4:107)

الفيّوميّ: بسط الرّجل الثّوب بسطا،و بسط يده:

مدّها منشورة،و بسطها في الإنفاق:جاوز القصد،و بسط اللّه الرّزق:كثّره و وسّعه.

و البساط معروف،و هو«فعال»بمعنى«مفعول» و مثله كتاب بمعنى مكتوب،و فراش بمعنى مفروش،و نحو ذلك،و الجمع:بسط.

و البسطة:السّعة،و البسيطة:الأرض.(1:48)

الفيروزآباديّ: بسطه:نشره،كبسّطه فانبسط و تبسّط،و يده:مدّها،و فلانا:سرّه،و المكان القوم:

وسعهم،و اللّه فلانا عليّ:فضّله،و فلان من فلان:أزال منه الاحتشام،و العذر:قبله.

و هذا فراش يبسطني،أي واسع عريض.

و الباسط:اللّه تعالى،يبسط الرّزق لمن يشاء:

يوسّعه،و من الماء:البعيد من الكلإ،و خمس باسط:

بائص وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ الأنعام:93،أي مسلّطون عليهم،كما يقال:بسطت يده عليه،أي سلّط عليه كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ الرّعد:14، أي كالدّاعي الماء يومئ إليه ليجيبه.

و البساط بالكسر:ما بسط،جمعه:بسط،و ورق السّمر يبسط له ثوب،ثمّ يضرب فينحتّ عليه.

و بالفتح:المنبسطة المستوية من الأرض كالبسيطة، و الأرض الواسعة،و تكسر كالبسيط،و القدر العظيمة.

و البسيطة:الأرض،و موضع ببادية الشّام؛و يصغّر، و النّاقة مع ولدها.

و ذهب في بسيطة ممنوعة مصغّرة،أي في الأرض.

و البسيط المنبسط بلسانه،و هي بهاء،و قد بسط ككرم.و ثالث بحور العروض و وزنه مستفعلن فاعلن، ثماني مرّات.

و بسيط الوجه:متهلّل،و اليدين:مسماح،جمعه:

ص: 488

بسط.

و أذن بسطاء:عظيمة عريضة.

و انبسط النّهار:امتدّ و طال.

و البسطة:الفضيلة،و في العلم:التّوسّع،و في الجسم:الطّول و الكمال،و يضمّ في الكلّ.

و البسط بالكسر و الضّمّ و بضمّتين:النّاقة المتروكة مع ولدها لا تمنع،جمعه:أبساط و بسط و بساط بالكسر، و بالضّمّ شاذّ.

و المبسط:المتّسع،و عقبة باسطة:بينها و بين الماء ليلتان.

و الباسوط و المبسوط من الأقتاب:ضدّ المفروق.

و بسطة و يصرف:موضع بجيّان الأندلس.و ركيّته قامة باسطة،و قامة باسطة،مضافة غير مجراة كأنّهم جعلوها معرفة،أي قامة و بسطة.

و يده بسط و بسط و يكسر:مطلقة،و منه:«يدا اللّه بسطان»لمسيء النّهار.و قرئ (بل يداه مبسوطتان) ، بالكسر و الضّمّ.(2:363)

مجمع اللّغة: 1-بسط الشّيء كنصر يبسطه بسطا:ضدّ قبضه،فهو باسط،و اسم المفعول مبسوط، و مؤنّثه مبسوطة.

و بسط اللّه الرّزق:وسّعه،و بسط الشّيء:نشره.

و بسط اليد:مدّها طلبا لشيء،و تارة يستعمل للصّولة و الضّرب،و تارة يستعمل في مدّها للبذل و الإعطاء،يقال:بسط فلان يده بما يحبّ و يكره،و بسط إليّ يده بما أحبّ و أكره.

2-البسطة في العلم:التّوسّع،و في الجسم:الطّول و الكمال.

3-البساط بالكسر:ما يبسط،أي يفرش.

(1:95)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:67)

العدنانيّ: البسط:و يخطّئون من يستعمل «البسط»بمعنى السّرور،و يقولون:إنّها من أقوال العامّة.

و لكن قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«فاطمة بضعة منّي يبسطني ما يبسطها،و يقبضني ما يقبضها».

و روى الخفاجيّ أنّه جاء في«المشارق»: «معناه يسرّني ما يسرّها و يسوءني ما يسوءها»لأنّ الإنسان إذا سرّ انبسط وجهه و استبشر،و لذا يقال:انبسط إليه،إذا هشّ و أظهر البشر،و في ضدّه يقال:انقبض.

و ذكر البسط بمعنى السّرور أيضا كلّ من المحكم، و مجاز الأساس،و النّهاية،و اللّسان،و القاموس، و الخفاجيّ،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن«مجاز»و الوسيط.

و فعله:بسط فلانا يبسطه بسطا.

و من معاني بسط:

1-بسط الشّيء:نشره.

2-بسط يده أو ذراعه:فرشها.

3-بسط كفّه:نشر أصابعها.

4-بسط يده في الإنفاق:جاوز القصد«مجاز».

5-بسط يده إليه بما يحبّ و يكره:مدّها.

6-بسط لسانه إليه بالخير أو الشّرّ:أوصله إليه «مجاز».

7-بسط اللّه الرّزق لعباده:كثّره و وسّعه«مجاز».

ص: 489

8-بسط المكان القوم أو الفراش النّائم:وسعه «مجاز».

9-بسط فلانا على فلان:(أ)سلّطه(ب)فضّله «مجاز».

10-بسط العذر:قبله.

11-بسط من فلان:أزال احتشامه«مجاز».

12-بسط عليه:ضربه«مجاز».(60)

محمود شيت: 1-أ-بسط الشّيء بسطا:نشره، و بسط يده أو ذراعه:فرشها.و يقال:بسط كفّه:نشر أصابعها،و بسط يده في الإنفاق:جاوز القصد،و بسط إليه بما يحبّ و يكره:مدّها،و بسط اللّه الرّزق لعباده:

كثّره و وسّعه،و بسط فلانا:سرّه،و بسط العذر:قبله.

ب-بسط وجهه بساطة:تلألأ،و بسط لسانه:

انطلق،و بسط يده:انبسطت بالمعروف،جمعه:بسط.

ج-باسطه:لاطفه.

د-بسّط الشّيء:نشره،و بسّط الشّيء:جعله بسيطا لا تعقيد فيه.

ه-تبسّط:انتشر،و يقال:تبسّط في كلامه:فصّل و أوضح،و تبسّط:تنزّه،و تبسّط في البلاد:سار فيها طولا و عرضا.

و-البساط:كلّ ما يبسط،جمعه:بسط.

ز-البسيط:المنبسط،و ضدّ المركّب،و ما لا تعقيد فيه.

2-أ-بسّط الخطّة:جعلها بسيطة،لا تعقيد فيها.

ب-تبسّط في التّدريب:فصّل موضوعه و أوضحه.

ج-البساط:من تجهيزات العسكريّ يفرش تحت فراش نومه.(1:83)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو «الامتداد»و مفهوم الامتداد يختلف باختلاف الممتدّ و ما يتعلّق الممتدّ إليه،أي الفاعل و المفعول و المتعلّق، فبسط المكان:اتّساعه،و بسط اليد:قد يكون للعطاء و البذل،و قد يكون للأخذ،بسط يده إليه،و بسط الفراش:نشره.

و البسط في الجسم:طوله و كماله و عظمه،و البسط في العلم:التّوسّع و الإحاطة فيه،و في الوجه:بشره و فرحه،و في اللّسان:انطلاقه.

و البسيط ما قلّ حدّه،و لم يتقيّد بحدود التّركّب.

(1:254)

النّصوص التّفسيريّة

بسط

وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ. الشّورى:27

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى بأنّه لو وسّع رزقه على عباده و سوّى بينهم لبطروا النّعمة و تنافسوا و تغالبوا.

(9:162)

نحوه الطّبرسيّ(5:30،و البروسويّ(8:319).

البغويّ: وسّع اللّه الرّزق لعباده.(4:147)

نحوه الخازن.(6:104)

القرطبيّ: معناه وسّع،و بسط الشّيء:نشره، و بالصّاد أيضا.(16:27)

ص: 490

الطّباطبائيّ: معنى الآية لو وسّع اللّه الرّزق على عباده،فأشبع الجميع بإيتائه لظلموا في الأرض،لما أنّ من طبع سعة المال الأشر و البطر و الاستكبار و الطّغيان، كما قال تعالى: كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى العلق:7.(18:56)

بسطت

لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. المائدة:28

ابن عبّاس: لا أنا بمنتصر،و لأمسكنّ يدي عنك.

(الطّبريّ 6:191)

مجاهد :كان كتب اللّه عليهم:إذا أراد الرّجل أن يقتل رجلا،تركه و لا يمتنع منه.(الطّبريّ 6:192)

مثله الحسن(الجصّاص 2:401)،و نحوه ابن جريج (الآلوسيّ 6:112).

أبو عبيدة: أي مددت.(1:161)

مثله البغويّ(2:39)،و النّسفيّ(1:280).

الطّبريّ: يقول:مددت الىّ يدك لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ يقول:ما أنا بمادّ يدي إليك لأقتلك.

و قد اختلف في السّبب الّذي من أجله قال المقتول ذلك لأخيه،و لم يمانعه ما فعل به،فقال بعضهم:قال ذلك إعلاما منه لأخيه القاتل،أنّه لا يستحلّ قتله،و لا بسط يده إليه،بما لم يأذن اللّه به.

و قال آخرون: لم يمنعه ممّا أراد من قتله،و قال ما قال له،ممّا قصّ اللّه في كتابه:إنّ اللّه عزّ ذكره فرض عليهم ألاّ يمتنع من أريد قتله ممّن أراد ذلك منه.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه عزّ ذكره قد كان حرّم عليهم قتل نفس بغير نفس ظلما، و أنّ المقتول قال لأخيه:ما أنا بباسط يدي إليك إن بسطت إليّ يدك،لأنّه كان حراما عليه من قتل أخيه، مثل الّذي كان حراما على أخيه القاتل من قتله.

فأمّا الامتناع من قتله،حين أراد قتله،فلا دلالة على أنّ القاتل حين أراد قتله و عزم عليه،كان المقتول عالما بما هو عليه عازم منه و محاول من قتله،فترك دفعه عن نفسه.بل قد ذكر جماعة من أهل العلم أنّه قتله غيلة،اغتاله و هو نائم،فشدخ رأسه بصخرة.

فإذا كان ذلك ممكنا،و لم يكن في الآية على أنّه كان مأمورا بترك منع أخيه من قتله،لم يكن جائزا ادّعاء ما ليس في الآية،إلاّ ببرهان يجب تسليمه.(6:191)

الجصّاص: [بعد نقل قول ابن عبّاس و مجاهد قال:]

و جائز في العقل ورود العبادة بمثله،فإن كان التّأويل هو الأوّل،فلا دلالة فيه على جواز ترك الدّفع عن نفسه،بقتل من أراد قتله،و إنّما فيه أنّه لا يبدأ بقتل غيره.

و إن كان التّأويل هو الثّاني،فهو منسوخ لا محالة.

و جائز أن يكون نسخه بشريعة بعض الأنبياء المتقدّمة، و جائز أن يكون نسخه بشريعة نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الّذي يدلّ على أنّ هذا الحكم غير ثابت في شريعة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و أنّ الواجب على من قصده إنسان بالقتل أنّ عليه قتله إذا أمكنه،و أنّه لا يسعه ترك قتله مع الإمكان،قوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 491

اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9.

فأمر اللّه بقتال الفئة الباغية،و لا بغي أشدّ من قصد إنسان بالقتل بغير استحقاق؛فاقتضت الآية قتل من قصد قتل غيره بغير حقّ.[إلى أن قال:]

و ذهب قوم من الحشويّة إلى أنّ على من قصده إنسان بالقتل أن لا يقاتله و لا يدفعه عن نفسه حتّى يقتله،و تأوّلوا فيه هذه الآية.

و قد بيّنّا أنّه ليس في الآية دلالة على أنّه كفّ يده عن قتله حين قصده بالقتل،و إنّما الآية تدلّ على أنّه لا يبدأ بالقتل-على ما روي عن ابن عبّاس-و لو ثبت حكم الآية على ما ادّعوه لكان منسوخا بما ذكرنا من القرآن و السّنّة،و اتّفاق المسلمين.(2:401)

الطّوسيّ: في هذه الآية إخبار عن ولد آدم المقتول،و هو هابيل أنّه قال لأخيه حين هدّده بالقتل -لمّا تقبّل قربانه و لم يتقبّل قربان أخيه-فقال: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ معناه لئن مددت إليّ يدك-و البسط هو المدّ و هو ضدّ القبض-(لتقتلنى)،معناه لأن تقتلني، ما أنا باسط يدي إليك لأن أقتلك.

فإن قيل:لم قال ذلك و قد وجب بحكم العقل الدّفع عن النّفس و إن أدّى إلى قتل المدفوع؟

قلنا:عنه جوابان:

أحدهما:أنّ معناه لئن بدأتني بقتل لم أبدأك،لا على أنّي لا أدفعك عن نفسي إذا قصدت قتلي،هذا قول ابن عبّاس و جماعة.و قيل:إنّه قتله غيلة بأن ألقى عليه -و هو نائم-صخرة شدخه بها.

الثّاني:قال الحسن و مجاهد و الجبّائيّ:إنّه كان كتب عليهم إذا أراد الرّجل قتل رجل تركه و لم يمتنع منه.

و كان عمرو بن عبيد يجيز الوجهين،و هو الأقوى،لأنّ كلا الأمرين جائز.

فإن قيل:كيف يجوز الوجه الأخير و فيه إطماع في النّفس؟

قلنا:ليس فيه شيء من ذلك،لأنّه يجري مجرى قول القائل لغيره:لئن ظلمتني لم أظلمك،و لئن قبحت في أمري لم أقبح في أمرك.بل في ذلك غاية الزّجر و الرّدع عن القبيح،لأنّ القبيح منفر عن نفسه صارف عن فعله.

و اللاّم في قوله:(لئن)لام القسم،و تقديره:أقسم لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ، و جوابه ما أَنَا بِباسِطٍ، و لا تقع(ما)جوابا للشّرط،و الفرق بينهما أنّ ل(ما) صدر الكلام،و القسم لا يخرجها عن ذلك.

كما جاز أن يكون جواب القسم ب(أن)و لام الابتداء،و لم يجز بالفاء،لأنّ المقسم عليه ليس يجب بوجوب القسم،و إنّما القسم يؤكّده،و جواب الشّرط يجب بوجوبه،و إذا اجتمع القسم و الجزاء كان جواب القسم أولى من جواب الجزاء،لأنّه لمّا تقدّم و صار الجزاء في حشو الكلام،غلبه على الجواب فصار له، و اكتفى به من جواب الجزاء،لدلالته عليه.(3:493)

نحوه الطّبرسيّ.(2:183)

القرطبيّ: أي لئن قصدت قتلي فأنا لا أقصد قتلك،فهذا استسلام منه.

و قيل:أراد لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ ظلما فما أنا

ص: 492

بظالم.(6:136)

الخازن: يعني لئن مددت إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ يعني ما أنا بمنتصر لنفسي بل أستسلم لأمر اللّه.

و قيل:معناه ما كنت بمبتدئك بالقتل؛و ذلك أنّ اللّه كان قد حرّم عليهم قتل نفس بغير نفس ظلما.

قيل:إنّ المقتول كان أقوى من القاتل و أبطش منه، و لكنّه تحرّج عن قتل أخيه،فاستسلم له،خوفا من اللّه.

(2:32)

الآلوسيّ: قال بعض المحقّقين:و اختلف في هذه الآية على ما بسطه الإمام الجصّاص،فالصّحيح من المذهب:أنّه يلزم الرّجل دفع الفساد عن نفسه و غيره، و إن أدّى إلى القتل،و لذا قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما و غيره:إنّ المعنى في الآية لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ على سبيل الظّلم و الابتداء لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ على وجه الظّلم و الابتداء،و تكون الآية على ما قاله مجاهد و ابن جريج:منسوخة-و هل نسخت قبل شريعتنا أم لا؟فيه كلام-و الدّليل عليه قوله تعالى:

فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ الحجرات:9،و غيرها من الآيات و الأحاديث.

و قيل:إنّه لا يلزم ذلك بل يجوز،و استدلّ بما أخرجه ابن سعد في الطّبقات،عن خبّاب بن الأرتّ،عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه ذكر«فتنة القاعد فيها خير من القائم؛و القائم فيها خير من الماشي،و الماشي فيها خير من السّاعي،فإن أدركت ذلك فكن عبد اللّه المقتول و لا تكن عبد اللّه القاتل».

و أوّلوه بترك القتال في الفتنة و اجتنابها،و أوّل الحديث يدلّ عليه.

و أمّا من منع ذلك الآن مستدلاّ بحديث«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النّار».فقد ردّ بأنّ المراد به أن يكون كلّ منهما عزم على قتل أخيه و إن لم يقاتله،و تقابلا بهذا القصد،انتهى بزيادة.

و عن السّيّد المرتضى: أنّ الآية ليست من محلّ النّزاع،لأنّ اللاّم الدّاخلة على فعل القتل لام«كي» و هي منبئة عن الإرادة و الغرض،و لا شبهة في قبح ذلك أوّلا و آخرا،لأنّ المدافع إنّما يحسن منه المدافعة للظّالم طلبا للتّخلّص،من غير أن يقصد إلى قتله،فكأنّه قال له:لئن ظلمتني لم أظلمك.و إنّما قال سبحانه: ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ في جواب لَئِنْ بَسَطْتَ للمبالغة،في أنّه ليس من شأنه ذلك و لا ممّن يتّصف به،و لذلك أكّد النّفي بالباء و لم يقل:و ما أنا بقاتل،بل قال:(بباسط) للتّبرّي عن مقدّمات القتل فضلا عنه.و قدّم الجارّ و المجرور المتعلّق ب(بسطت)إيذانا على ما قيل من أوّل الأمر برجوع ضرر البسط و غائلته إليه.و يخطر لي أنّه قدّم لتعجيل تذكيره بنفسه،المنجرّ إلى تذكيره بالأخوّة المانعة عن القتل.(6:122)

المراغيّ: أي إن مددت يدك لتقتلني فما أنا بالمجازي لك على السّيّئة بسيّئة مثلها،فذاك لا يتّفق مع شمائلي و صفاتي،إذ لست ممّن يتّصف بهذه الصّفة المنكرة الّتي تنافي تقوى اللّه،و الخوف من عذابه،و هذا ما عناه بقوله: إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. (6:99)

الطّباطبائيّ: اللاّم للقسم،و بسط اليد إليه:كناية عن الأخذ بمقدّمات القتل و إعمال أسبابه.و قد أتى في

ص: 493

جواب الشّرط بالنّفي الوارد على الجملة الاسميّة، و بالصّفة(بباسط)دون الفعل،و أكّد النّفي بالباء ثمّ الكلام بالقسم،كلّ ذلك للدّلالة على أنّه بمراحل من البعد من إرادة قتل أخيه،لا يهمّ به،و لا يخطر بباله.(5:301)

يبسط

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. الإسراء:30

الطّبريّ: يوسّع عليه.(15:78)

نحوه الطّوسيّ(6:471)،و البغويّ(3:131)، و الطّبرسيّ(3:413)،و الخازن(4:128)،و الشّربينيّ (2:301)،و أبو السّعود(4:126)،و القاسميّ(10:

3924)،و بقيّة التّفاسير.

و بهذا المعنى جاء كلمة(يبسط)في سورة البقرة:

245،و الرّعد:26،و الرّوم:37،و سبأ:39،و الزّمر:

52،و الشّورى:12.

يبسطوا

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. المائدة:11

الزّمخشريّ: يقال:بسط إليه لسانه،إذا شتمه، و بسط إليه يده،إذا بطش به وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ الممتحنة:2،و معنى بسط اليد:

مدّها إلى المبطوش به،أ لا ترى إلى قولهم:فلان بسيط الباع و مديد الباع،بمعنى.(1:599)

مثله الفخر الرّازيّ(11:183)،و النّسفيّ(1:

274)،و نحوه النّيسابوريّ(6:61)،و الخازن(2:21)، و أبو حيّان(3:442)،و الشّربينيّ(1:361).

أبو السّعود: تقديم الجارّ و المجرور على المفعول الصّريح للمسارعة إلى بيان رجوع ضرر البسط و غائلته إليهم حملا لهم من أوّل الأمر على الاعتداد بنعمة دفعه، كما أنّ تقديم(لكم)في قوله عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ البقرة:29،للمبادرة إلى بيان كون المخلوق من منافعهم،تعجيلا للمسرّة.(2:244)

نحوه الآلوسيّ.(6:84)

الطّباطبائيّ: هذا المضمون يقبل الانطباق على وقائع متعدّدة مختلفة وقعت بين الكفّار و المسلمين كغزوات بدر و أحد و الأحزاب و غير ذلك،فالظّاهر أنّ المراد به مطلق ما همّ به المشركون من قتل المؤمنين و إمحاء أثر الإسلام و دين التّوحيد.

و ما ذكره بعض المفسّرين أنّ المراد به ما همّ بعض المشركين من قتل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أو ما همّ به بعض اليهود من الفتك به-و سيجيء قصّتهما-فبعيد من ظاهر اللّفظ كما لا يخفى.(5:238)

لا تبسطها

وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. الإسراء:29

ابن عبّاس: يقول:لا تبسطها بالخير وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ يعني التّبذير.(الطّبريّ 15:77)

الحسن: تبذّر بسرف.(الطّبريّ 10:77)

لا تطفّف برزقي عن غير رضاي،و لا تضعه في سخطي،فاسلبك ما في يديك،فتكون حسيرا،ليس في

ص: 494

يديك منه شيء.(الطّبريّ 15:77)

قتادة: يقول:لا تنفقها في معصية اللّه،و لا فيما (1)يصلح لك،و لا ينبغي لك،و هو الإسراف.(الطّبريّ 15:77)

لا تبذّر تبذيرا.(الطّبريّ 15:77)

الكلبيّ: لا تعط ما عندك جميعا،فيجيء الآخرون يسألونك،فلا تجد ما تعطيهم فيلومونك.

(الطّبرسيّ 3:411)

ابن جريج: لا تمسك عن النّفقة فيما أمرتك به من الحقّ.(الطّبريّ 15:77)

ابن زيد: في الحقّ و الباطل،فينفد ما معك و ما في يديك،فيأتيك من يريد أن تعطيه فيحسر بك،فيلومك حين أعطيت هؤلاء،و لم تعطهم.(الطّبريّ 15:77)

الطّبريّ: يقول:و لا تبسطها بالعطيّة كلّ البسط فتبقى لا شيء عندك،و لا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك.(15:76)

الطّوسيّ: أي و لا تعط جميع ما عندك،فتكون بمنزلة من بسط يده حتّى لا يستقرّ فيها شيء،و ذلك كناية عن الإسراف.(6:470)

مثله الطّبرسيّ.(3:411)

الزّمخشريّ: هذا تمثيل لمنع الشّحيح و إعطاء المسرف،و أمر بالاقتصاد الّذي هو بين الإسراف و التّقتير.(2:447)

نحوه الآلوسيّ.(15:65)

الفخر الرّازيّ: أي و لا تتوسّع في الإنفاق توسّعا مفرطا؛بحيث لا يبقى في يدك شيء.

و حاصل الكلام أنّ الحكماء ذكروا في كتب الأخلاق:أنّ لكلّ خلق طرفي إفراط و تفريط،و هما مذمومان.فالبخل:إفراط في الإمساك،و التّبذير:إفراط في الإنفاق،و هما مذمومان،و الخلق الفاضل هو العدل و الوسط،كما قال: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً البقرة:143.(20:195)

ابن كثير :أي لا تسرف في الإنفاق،فتعطي فوق طاقتك،و تخرج أكثر من دخلك.(4:303)

القاسميّ: أي بالتّبذير و السّرف.

و في النّهيين استعارتان تمثيليّتان،شبّه في الأولى:

فعل الشّحيح في منعه بمن يده مغلولة لعنقه؛بحيث لا يقدر على مدّها.

و في الثّانية:شبّه السّرف ببسط الكفّ؛بحيث لا تحفظ شيئا،و هو ظاهر.(10:3923)

الطّباطبائيّ: و بسط اليد كلّ البسط:كناية عن إنفاق الإنسان كلّ ما في وجده؛بحيث لا يبقى شيئا،كمن يبسط يده كلّ البسط بحيث لا يستقرّ عليها شيء،ففي الكلام نهي بالغ عن التّفريط و الإفراط في الإنفاق.(13:83)

باسط

1- لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. المائدة:28

لاحظ«بسطت».

2- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ

ص: 495


1- كذا،و الظّاهر أنّها«فيما لا يصلح لك».

لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ.

الرّعد:14

الإمام عليّ عليه السّلام: كالرّجل العطشان يمدّ يده إلى البئر،ليرتفع الماء إليه،و ما هو ببالغه.

(الطّبريّ 13:129)

ابن عبّاس: هذا مثل المشرك مع اللّه غيره،فمثله كمثل الرّجل العطشان الّذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد،فهو يريد أن يتناوله و لا يقدر عليه.

(الطّبريّ 13:130)

مثل الأوثان الّذين يعبدون من دون اللّه كمثل رجل قد بلعه العطش،حتّى كربه الموت،و كفّاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه،يقول اللّه:لا تستجيب الآلهة، و لا تنفع الّذين يعبدونها،حتّى يبلغ كفّا هذا فاه،و ما هما ببالغتين فاه أبدا.(الطّبريّ 13:130)

مجاهد :يدعو الماء بلسانه و يشير إليه بيده، فلا يأتيه أبدا.(الطّبريّ 13:130)

يدعوه لأن يأتيه و ما هو بآتيه،كذلك لا يستجيب من هو دونه.(الطّبريّ 13:129)

الضّحّاك: كمن بسط يديه إلى الماء ليصل إليه بلا اغتراف.(أبو حيّان 5:376)

الحسن: معناه كباسط كفّيه إلى الماء،فمات قبل أن يصل إليه.(الطّوسيّ 6:233)

عطاء: كالعطشان الجالس على شفير البئر و هو يمدّ يديه إلى البئر،فلا هو يبلغ إلى قعر البئر ليخرج الماء، و لا الماء يرتفع إليه،فلا ينفعه بسطه الكفّ إلى الماء و دعاؤه له،و لا هو يبلغ فاه،كذلك الّذين يدعون الأصنام لا ينفعهم ذلك.(الخازن 4:10)

قتادة: ليس ببالغه حتّى يتمزّع (1)عنقه،و يهلك عطشا.

و ليس الماء ببالغ فاه ما دام باسطا كفّيه لا يقبضهما وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ

هذا مثل ضربه اللّه لمن اتّخذ من دون اللّه إلها أنّه غير نافعة،و لا يدفع عنه سوء،حتّى يموت على ذلك.

(الطّبريّ 13:130)

ابن زيد: لا ينفعونهم بشيء إلاّ كما ينفع هذا بكفّيه،يعني بسطهما إلى ما ينال أبدا.

(الطّبريّ 13:130)

الفرّاء: وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الرّعد:14، يعني الأصنام لا تجيب داعيها بشيء إلاّ كما ينال الظّمآن المسرف على ماء ليس معه ما يستقى به؛و ذلك قوله عزّ و جلّ: إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ.

ثمّ بيّن اللّه عزّ و جلّ ذلك فقال: لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ. (2:61)

أبو عبيدة: مجازه:أنّ الّذي يبسط كفّه ليقبض على الماء حتّى يؤدّيه إلى فيه،لا يتمّ له ذلك و لا تسقه أنامله، أي تجمعه.[ثمّ استشهد بشعر](1:327)

الطّبريّ: يقول:لا ينفع داعي الآلهة دعاؤه إيّاها إلاّ كما ينفع باسط كفّيه إلى الماء،بسطه إيّاهما إليه من غير أن يرفعه إليه في إناء،و لكن ليرتفع إليه بدعائه إيّاه،و إشارته إليه و قبضه عليه.و العرب تضرب لمنع.

ص: 496


1- يتقطّع.

سعى فيما لا يدركه مثلا ب«القابض على الماء».[ثمّ استشهد بشعر](13:129)

نحوه الطّوسيّ.(6:223)

البغويّ: أي إلاّ كباسط كفّيه ليقبض على الماء.

و القابض على الماء لا يكون في يده شيء و لا يبلغ إلى فيه منه شيء،كذلك الّذي يدعو الأصنام و هي لا تضرّ و لا تنفع لا يكون بيده شيء.(3:13)

الزّمخشريّ: إلاّ استجابة كاستجابة باسط كفّيه، أي كاستجابة الماء من بسط كفّيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه،و الماء جماد لا يشعر ببسط كفّيه و لا بعطشه و حاجته إليه،و لا يقدر أن يجيب دعاءه و يبلغ فاه،و كذلك ما يدعونه جماد لا يحسّ بدعائهم،و لا يستطيع إجابتهم، و لا يقدر على نفعهم.

و قيل:شبّهوا في قلّة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه،فبسطهما ناشرا أصابعه،فلم تلق كفّاه منه شيئا،و لم يبلغ طلبته من شربه.

و قرئ (تدعون) بالتّاء (كباسط كفّيه) بالتّنوين.

(2:354)

نحوه الخازن(4:10)،و أبو السّعود(3:446).

ابن عطيّة: و معنى الكلام:و الّذين يدعوهم الكفّار في حوائجهم و منافعهم لا يجيبون بشيء.

ثمّ مثّل تعالى مثالا لإجابتهم بالّذي يبسط كفّيه نحو الماء،و يشير إليه بالإقبال إلى فيه،فلا يبلغ فمه أبدا، فكذلك إجابة هؤلاء و الانتفاع بهم لا يقع.

و قوله:(هو)يراد به الماء،و هو البالغ،و الضّمير في (بالغه)للفم.و يصحّ أن يكون(هو)يريد به«الفم»و هو البالغ أيضا،و الضّمير في(بالغه)للماء،لأنّ الفم لا يبلغ الماء أبدا على تلك الحال.(3:305)

مثله الفخر الرّازيّ.(19:19)

العكبريّ: إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ التّقدير:إلاّ استجابة كاستجابة باسط كفّيه.و المصدر في هذا التّقدير مضاف إلى المفعول،كقوله تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ فصّلت:49،و فاعل هذا المصدر مضمر، و هو ضمير الماء،أي لا يجيبونهم إلاّ كما يجيب الماء باسط كفّيه إليه.

و الإجابة هنا كناية عن الانقياد.(2:755)

القرطبيّ: ضرب اللّه عزّ و جلّ الماء مثلا ليأسهم من الإجابة لدعائهم،لأنّ العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض الماء باليد.[ثمّ استشهد بشعر، و نقل قول مجاهد و ابن عبّاس و أبي عبيدة]

(9:300)

أبو حيّان: و«الكاف»في موضع نصب،أي مثل استجابة،و استجابة مضافة في التّقدير إلى(باسط)و هي إضافة المصدر إلى المفعول.و فاعل المصدر محذوف، تقديره:كإجابة الماء من يبسط كفّيه إليه.فلمّا حذف أظهر في قوله:(الى الماء)،و لو كان ملفوظا به لعاد الضّمير إليه،فكان يكون التّركيب:كفّيه إليه.

هذا الّذي يقدّر من كلام الزّمخشريّ في هذا التّشبيه، و تبعه أبو البقاء.(5:377)

الآلوسيّ: أي لا يستجيبون شيئا من الاستجابة و طرفا منها،إلاّ استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفّيه

ص: 497

إليه من بعيد يطلبه و يدعوه.

و الحاصل أنّه شبّه آلهتهم حين استكفائهم إيّاهم ما أهمّهم بلسان الاضطرار في عدم الشّعور،فضلا عن الاستطاعة للاستجابة،و بقائهم لذلك في الخسار بحال ماء بمرأى من عطشان باسط كفّيه إليه يناديه عبارة و إشارة،فهو لذلك في زيادة الكباد و البوار.

و التّشبيه على هذا من المركّب التّمثيليّ في الأصل أبرز في معرض التّهكّم حيث أثبت أنّهما استجابتان زيادة في التّخسير و التّحسير،فالاستثناء مفرّغ من أعمّ عامّ المصدر،كما أشرنا إليه.

و الظّاهر أنّ«الاستجابة»هناك مصدر من المبنيّ للفاعل،و هو الّذي يقتضيه الفعل الظّاهر.و جوّز أن يكون من المبنيّ للمفعول،و يضاف إلى«الباسط»بناء على استلزام المصدر من المبنيّ للفاعل للمصدر من المبنيّ للمفعول وجودا و عدما،فكأنّه قيل:لا يستجيبون لهم بشيء فلا يستجاب لهم استجابة كائنة كاستجابة من بسط كفّيه إلى الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبو البقاء يجعل«الاستجابة»مصدر المبنيّ للمفعول،و إضافته إلى(باسط)من باب إضافة المصدر إلى مفعوله،كما في قوله تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ فصّلت:49،و الفاعل ضمير(الماء)على الوجه الثّاني في الموصول.

و قد يراد من بسط الكفّين إلى الماء:بسطهما،أي نشر أصابيعهما و مدّها لشربه،لا للدّعاء و الإشارة إليه، كما أشرنا إليه فيما تقدّم.و على هذا قيل:شبّه الدّاعون لغير اللّه تعالى بمن أراد أن يغرف الماء بيديه فبسطهما ناشرا أصابعه،في أنّهما لا يحصلان على طائل.

و جعل بعضهم وجه الشّبه:قلّة الجدوى،و لعلّه أراد عدمها،لكنّه بالغ بذكر القلّة،و إرادة العدم دلالة على هضم الحقّ و إيثار الصّدق،و لإشمام طرف من التّهكّم.

و التّشبيه على هذا من تشبيه المفرد المقيّد،كقولك لمن لا يحصل من سعيه على شيء:هو كالرّاقم على الماء، فإنّ المشبّه هو السّاعي مقيّدا بكون سعيه كذلك،و المشبّه به هو الرّاقم مقيّدا بكونه على الماء،كذلك فيما نحن فيه، و ليس من المركّب العقليّ في شيء على ما توهّم.

نعم وجه الشّبه عقليّ اعتباريّ و الاستثناء مفرّغ عن أعمّ عامّ الأحوال،أي لا يستجيب الآلهة لهؤلاء الكفرة الدّاعين إلاّ مشبّهين،أعني الدّاعين بمن بسط كفّيه و لم يقبضهما و أخرجهما كذلك فلم يحصل على شيء،لأنّ الماء يحصل بالقبض لا بالبسط.

و روي عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه: أنّ ذلك تشبيه بعطشان على شفير بئر بلا رشاء،و لا يبلغ قعر البئر و لا الماء يرتفع إليه،و هو راجع إلى الوجه الأوّل و ليس مغايرا له،كما قيل.

و عن أبي عبيدة: أنّ ذلك تشبيه بالقابض على الماء في أنّه لا يحصل على شيء،ثمّ قال:و العرب تضرب المثل في السّاعي فيما لا يدركه بذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو راجع إلى الوجه الثّاني خلا أنّه لا يظهر من (باسط)معنى قابض،فإنّ بسط الكفّ ظاهر في نشر الأصابيع ممدودة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كيفما كان فالمراد ب(باسط)شخص باسط،أيّ شخص كان.و ما يقتضيه ظاهر ما روي عن بكير بن

ص: 498

معروف من أنّه قابيل؛حيث إنّه لمّا قتل أخاه جعل اللّه تعالى عذابه أن أخذ بناصيته في البحر،ليس بينه و بين الماء إلاّ إصبع،فهو يريده و لا يناله،ممّا لا ينبغي أن يعوّل عليه.

و قرئ (كباسط كفّيه) بالتّنوين،أي كشخص يبسط كفّيه.(13:124)

الطّباطبائيّ: مثل من يدعو غير اللّه سبحانه مثل هذا الباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه،و ليس له من الدّعاء إلاّ صورته الخالية من المعنى،و اسمه من غير مسمّى، فهؤلاء المدعوّون من دون اللّه لا يستجيبون للّذين يدعونهم بشيء و لا يقضون حاجتهم،إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء،ليبلغ فاه و يقضي حاجته،أي لا يحصل لهم إلاّ صورة الدّعاء،كما لا يحصل لذلك الباسط إلاّ صورة الطّلب ببسط الكفّين.

و من هنا يعلم أنّ هذا الاستثناء إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلخ،لا ينتقض به عموم النّفي في المستثنى منه،و لا يتضمّن إلاّ صورة الاستثناء،فهو يفيد تقوية الحكم في جانب المستثنى منه.

فإنّ مفاده:أنّ الّذين يدعون من دون اللّه لا يستجاب لهم،إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء و لن يستجاب له.و بعبارة أخرى لن ينالوا بدعائهم إلاّ أن لا ينالوا شيئا،أي لن ينالوا شيئا البتّة.

و هذا من لطيف كلامه تعالى،و يناظر من وجه قوله تعالى الآتي: قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا الرّعد:16،و آكد منه كما سيجيء إن شاء اللّه.

و قد تبيّن بما تقدّم أنّ الاستثناء من قوله:

لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ، و في الكلام حذف و إيجاز، و المعنى لا يستجيبون لهم بشيء و لا ينيلونهم شيئا،إلاّ كما يستجاب لباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه و ينال من بسطه.و لعلّ الاستجابة مضمّن معنى النّيل و نحوه.

(11:318)

باسطوا

...وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ... الأنعام:93

ابن عبّاس: الملائكة باسطوا أيديهم يضربون وجوههم و أدبارهم.

نحوه السّدّيّ(الطّبريّ 7:275)

الضّحّاك: بالعذاب و مطارق الحديد.

مثله الحسن.(القرطبيّ 7:41)

الفرّاء: يقال: باسِطُوا أَيْدِيهِمْ بإخراج أنفس الكفّار،هو مثل يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ الأنفال:50،و لو كانت(باسطون)كانت(ايديهم)،و لو كانت«باسطوا أيديهم أن أخرجوا»كان صوابا.

(1:345)

الطّبريّ: أمّا بسط الملائكة أيديهم فإنّه مدّها.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في سبب بسطها أيديها عند ذلك،فقال بعضهم بنحو الّذي قلنا في ذلك.

و قال آخرون: بل بسطها أيديها بالعذاب.

و كان بعض نحويّي الكوفيّين يتأوّل ذلك بمعنى

ص: 499

باسطوا أيديهم بإخراج أنفسهم.(7:275)

البغويّ: بالعذاب و الضّرب،يضربون وجوههم و أدبارهم.و قيل:بقبض الأرواح.(2:145)

مثله الطّبرسيّ(2:335)،و الخازن(2:133).

القرطبيّ: وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ ابتداء و خبر،و الأصل«باسطون»قيل:بالعذاب و مطارق الحديد،عن الحسن و الضّحّاك.و قيل:لقبض أرواحهم، و في التّنزيل: وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ الأنفال:50، فجمع هذه الآية القولين،يقال:بسط إليه يده بالمكروه.

(7:41)

النّسفيّ: أي يبسطون إليهم أيديهم،يقولون:

هاتوا أرواحكم،أخرجوها إلينا من أجسادكم.و هذه عبارة عن التّشديد في الإزهاق،من غير تنفيس و إمهال.(2:23)

البروسويّ: بقبض أرواحهم كالمتقاضي الملظّ،أي كالغريم الملازم الملحّ الّذي يبسط يده إلى من عليه الحقّ، و يعنّفه عليه في المطالبة و لا يمهله،و يقول له:أخرج إليّ ما لي عليك السّاعة،و لا أزال من مكاني حتّى أنزعه من كبدك و حدقتك،أو باسطوها بالعذاب.(3:67)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و في«الكشف»أنّه كناية عن العنف في السّياق، و الإلحاح و التّشديد في الإزهاق،من غير تنفيس و إمهال،و لا بسط و لا قول حقيقة هناك.

و استظهر ابن المنير:أنّهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة على الصّور المحكيّة،و إذا أمكن البقاء على الحقيقة فلا معدل عنها.(7:224)

الطّباطبائيّ: و بسط اليد معناه واضح،غير أنّ المراد به معنى كنائيّ.و يختلف باختلاف الموارد؛فبسط الغنيّ يده:جوده بماله و إحسانه لمن يستحقّه،و بسط الملك يده:إدارته أمور مملكته من غير أن يزاحمه مزاحم،و بسط المأمور الغليظ الشّديد يده على المجرم المأخوذ به،هو نكاله و إيذاؤه بضرب و زجر،و نحوه.

فبسط الملائكة أيديهم،هو شروعهم بتعذيب الظّالمين.و ظاهر السّياق أنّ الّذي تفعله الملائكة بهؤلاء الظّالمين هو الّذي يترجم عنه قوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ إلخ،فهذه الجمل محكيّة عن الملائكة لا من قول اللّه سبحانه،و التّقدير:يقول الملائكة لهم:أخرجوا أنفسكم...،فهم يعذّبونهم بقبض أرواحهم قبضا يذوقون به أليم العذاب.

و هذا عذابهم حين الموت و لمّا ينتقلوا من الدّنيا إلى ما وراءها،و لهم عذاب بعد ذلك،و لمّا تقم عليهم القيامة،كما يشير إليه قوله تعالى: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ المؤمنون:100.(7:284)

مبسوطتان

وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ... المائدة:64

الفرّاء: و في حرف عبد اللّه(بل يداه بسطان) و العرب تقول:الق أخاك بوجه مبسوط،و بوجه بسط.

(1:315)

الطّوسيّ: تكذيب منه تعالى لما قالوا،و إخبار بأنّ

ص: 500

يديه مبسوطتان،أي نعمه مبسوطة.(3:581)

الفخر الرّازيّ: غلّ اليد و بسطها:مجاز مشهور عن البخل و الجود،و منه قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الإسراء:29.

قالوا:و السّبب فيه أنّ اليد آلة لأكثر الأعمال لا سيّما لدفع المال و لإنفاقه،فأطلقوا اسم السّبب على المسبّب، و أسندوا الجود و البخل إلى اليد و البنان و الكفّ و الأنامل،فقيل للجواد:فيّاض الكفّ مبسوط اليد، و بسط البنان:تره (1)الأنامل.و يقال للبخيل:كزّ الأصابع مقبوض الكفّ جعد الأنامل.(12:41)

أبو حيّان: و قرأ عبد اللّه (بسيطتان) يقال:يد بسيطة:مطلقة بالمعروف.و في مصحف عبد اللّه (بسطان) يقال:يده بسط بالمعروف،و هو على«فعل»كما تقول:

ناقة صرح،و مشية سجح.(3:524)

المراغيّ: عبّر عن سعة الجود ببسط اليدين،لأنّ الجواد السّخيّ إذا أراد أن يبالغ في العطاء جهد استطاعته،يعطي بكلتا يديه.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:153)

و هناك أمور أخرى راجع«ى د ى»

بساطا

وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً. نوح:19

الطّبريّ: تستقرّون عليها و تمتهدونها.(29:97)

نحوه القاسميّ.(16:5936)

الطّوسيّ: أي مبسوطة يمكنكم المشي عليها، و الاستقرار عليها.(10:138)

مثله الطّبرسيّ.(5:363)

البغويّ: فرشها و بسطها لكم.(5:157)

الزّمخشريّ: مبسوطة تتقلّبون عليها كما يتقلّب الرّجل على بساطه.(4:163)

نحوه أبو السّعود(6:310)،و الخازن(7:129).

أبو حيّان: بساطا تتقلّبون عليها كما يتقلّب الرّجل على بساطه.و ظاهره أنّ الأرض ليست كرويّة،بل هي مبسوطة.(8:340)

البروسويّ: مبسوطة متّسعة كالبساط و الفراش، تتقلّبون عليها تقلّبكم على بسطكم في بيوتكم.

قال أبو حيّان: ظاهره أنّ الأرض ليست كرويّة بل هي مبسوطة.قال سعدي المفتي:و إنّما هو في التّقلّب عليها على ما فسّروه،انتهى.و قد مرّ مرارا أنّ كرويّة الأرض لا تنافي الحرث و الغرس و نحوهما،لعظم دائرتها، كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة و بيضة النّعامة.

(10:179)

الآلوسيّ: تتقلّبون عليها كالبساط.و ليس فيه دلالة على أنّ الأرض مبسوطة غير كرويّة،كما في «البحر»و غيره،لأنّ الكرة العظيمة يرى كلّ من عليها ما يليه مسطّحا،ثمّ إنّ اعتقاد الكرويّة أو عدمها ليس بأمر لازم في الشّريعة،لكن كرويّتها كالأمر اليقينيّ، و إن لم تكن حقيقة.(29:76)

الطّباطبائيّ: أي كالبساط يسهل لكم التّقلّب من جانب إلى جانب،و الانتقال من قطر إلى قطر.

(20:33)

ص: 501


1- الظّاهر:تري،يعني تراخي.
بسطة-بصطة

1- ...قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ. البقرة:247

وهب بن منبّه: و اجتمع بنو إسرائيل،فكان طالوت فوقهم من منكبيه فصاعدا.(الطّبريّ 2:605)

السّدّيّ: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعصا تكون مقدارا على طول الرّجل الّذي يبعث فيهم ملكا،فقال:إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا،فقاسوا أنفسهم بها،فلم يكونوا مثلها،فقاسوا طالوت بها،فكان مثلها.(الطّبريّ 2:605)

الطّبريّ: فإنّه يعني بذلك أنّ اللّه بسط له في العلم و الجسم،و آتاه من العلم فضلا على ما أتى غيره من الّذين خوطبوا بهذا الخطاب؛و ذلك أنّه ذكر أنّه أتاه وحي من اللّه.(2:605)

الطّبرسيّ: أي فضيلة و سعة.(1:352)

الفخر الرّازيّ: قال بعضهم:المراد بالبسطة في الجسم:طول القامة،و كان يفوق النّاس برأسه و منكبه، و إنّما سمّي طالوت لطوله.

و قيل:المراد من البسطة في الجسم:الجمال،و كان أجمل بني إسرائيل.و قيل:المراد القوّة.و هذا القول عندي أصحّ،لأنّ المنتفع به في دفع الأعداء هو القوّة و الشّدّة،لا الطّول و الجمال.

إنّه تعالى قدّم البسطة في العلم على البسطة في الجسم،و هذا منه تعالى تنبيه على أنّ الفضائل النّفسانيّة أعلى و أشرف و أكمل من الفضائل الجسمانيّة.

(6:186)

نحوه الآلوسيّ.(2:167)

أبو حيّان: قيل:في العلم بالحروب،و الظّاهر علم الدّيانات و الشّرائع،و قيل:قد أوحي إليه و نبّئ.

و أمّا البسطة في الجسم فقيل:أريد بذلك معاني الخير و الشّجاعة و قهر الأعداء،و الظّاهر أنّه الامتداد و السّعة في الجسم.(2:258)

الطّباطبائيّ: و البسطة هي السّعة و القدرة.

(2:287)

2- ...وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً... الأعراف:69

أبو هريرة: أن كان الرّجل من قوم عاد يتّخذ المصراعين من حجارة،لو اجتمع عليها خمسمائة رجل من هذه الأمّة لم يطيقوه،و أن كان أحدهم ليغمز برجله الأرض،فتدخل فيها.(القرطبيّ 7:237)

ابن عبّاس: ثمانون ذراعا.(البغويّ 2:203)

أي طولا و قوّة.(الطّبرسيّ 2:437)

مثله البغويّ.(2:203)

كان أطولهم مائة ذراع،و أقصرهم ستّين ذراعا.

(القرطبيّ 7:236)

نحوه السّدّيّ،و الكلبيّ.(البغويّ 2:203)

وهب بن منبّه: كان رأس أحدهم مثل القبّة العظيمة،و كان عين الرّجل يفرخ فيها الضّباع و كذلك مناخرهم.(البغويّ 2:203)

الإمام الباقر عليه السّلام: كانوا كأنّهم النّخل الطّوال، كان الرّجل منهم ينحو الجبل بيديه،فيهدم منه

ص: 502

قطعة.(الطّبرسيّ 2:437)

قتادة: ذكر لنا أنّهم كانوا اثني عشر ذراعا.

(الآلوسيّ 8:156)

نحوه مقاتل.(البغويّ 2:203)

أبو حمزة الثّماليّ: سبعون ذراعا.

(البغويّ 2:203)

الطّبريّ: زاد في أجسامكم طولا و عظما على أجسام قوم نوح،و في قوامكم على قوامهم نعمة منه بذلك عليكم.(9:206)

الطّبرسيّ: قيل:معناه زاد في خلقكم بسطة، فكانوا أطول من غيرهم،بمقدار أن يمدّ الإنسان يده فوق رأسه باسطا.(2:437)

القرطبيّ: و يجوز(بصطة)بالصّاد لأنّ بعدها طاء، أي طولا في الخلق و عظم الجسم.(7:236)

أبو حيّان: ظاهر التّواريخ أنّ البسطة:الامتداد و الطّول و الجمال،في الصّور و الأشكال.فيحتمل إذ ذاك أن يكون الخلق بمعنى المخلوقين،و يحتمل أن يكون مصدرا،أي و زادكم في خلقكم بسطة،أي مدّ و طوّل و حسّن خلقكم.

و إذا كان الخلق بمعنى المخلوقين،فالخلق قوم نوح،أو أهل زمانهم،أو النّاس كلّهم،أقوال.

و قيل:الزّيادة في الأجرام،و هي ما تصل إليه يد الإنسان إذا رفعها.

و قيل:الزّيادة هي في القوّة و الجلادة لا في الأجرام.

و قيل:زيادة البسطة كونهم من قبيلة واحدة مشاركين في القوّة متناصرين،يحبّ بعضهم بعضا.

و يحتمل أن يكون المعنى و زادكم بسطة،أي اقتدارا في المخلوقين و استيلاء.(4:325)

الآلوسيّ: عن بعضهم:أنّ أحدهم كان أطول من سائر الخلق بمقدار ما يمدّ الإنسان يده فوق رأسه باسطا لها،فطول كلّ منهم قامة و بسطة.و هذا أقرب عند ذوي العقول القصيرة،عن إدراك طول يد القدرة.

و نصب(بسطة)على أنّه مفعول به للفعل قبله، و قيل:تمييز.(8:157)

رشيد رضا: أي و اذكروا فضل اللّه عليكم و نعمه؛ إذ جعلكم خلفاء الأرض من بعد قوم نوح،و زادكم في المخلوقات بسطة و سعة في الملك و الحضارة،أو زادكم بسطة في خلق أبدانكم؛إذ كانوا طوال الأجسام أقوياء الأبدان.

و في«التّفسير المأثور»روايات إسرائيليّة الأصل، في المبالغة في طولهم و قوّتهم،لا يعتمد عليها و لا يحتجّ بشيء منها.و لكن نصّ على قوّتهم و جبروتهم في سورة هود،و الشّعراء،و فصّلت.(8:498)

الطّباطبائيّ: «البصطة»هي البسطة قلبت السّين صادا لمجاورتها الطّاء،و هو من حروف الإطباق، كالصّراط و السّراط.(8:178)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: «البسط»على ستّة أوجه:الضّرب، السّعة،الفتح،المهد،القوّة،مدّ اليد.

فوجه منها،البسط:الضّرب،قوله تعالى:

وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ الأنعام:93،أي

ص: 503

ضاربوا أيديهم إلى أرواح الكفّار،و كقوله: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ الممتحنة:2،يعني الضّرب.

و الوجه الثّاني:(يبسط)يعني يوسّع،قوله: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ الشّورى:27،أي وسّع، كقوله: اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ الرّعد:

26،مثلها: وَ اللّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ البقرة:245،أي يوسّع،مثلها: اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ العنكبوت:62،مثلها في سورة سبأ:34،36،39.

و الوجه الثّالث:البسط:الفتح،قوله: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الإسراء:29،أي،لا تفتح يدك،كقوله:

بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ المائدة:64،يعني مفتوحتان.

و الوجه الرّابع:البسط:يعني الفرش و المهد،كقوله:

وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً نوح:19،أي فراشا و مهدا.

و الوجه الخامس:البسط:الفضل و القوّة،قوله:

وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247،يعني فضّله في العلم و القوّة.

و الوجه السّادس:البسط:مدّ اليد من البعد،قوله:

كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ الرّعد:14،أي من البعد.(160)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:السّعة و البسطة في الأجسام،و منه:البساط و البسيطة،أي الأرض الواسعة،و الجمع:بسط.و مكان بسيط:واسع، و البساط:القدر العظيمة،و أذن بسطاء:عظيمة عريضة.

و بسط المكان القوم،و الفراش النّائم:وسعه،يقال:

فرش لي فراشا لا يبسطني،إذا ضاق عنه.و بسط الشّيء:نشره و توسيعه،و بسط كفّه:نشر أصابعه.

2-ثمّ استعمل مجازا في المعنويّات،و منه:البسط، بمعنى التّفضيل،يقال:بسط فلان فلانا على غيره بسطة:

فضّله عليه،و هو نوع توسّع في الفضيلة.

و منه:بسط اليد،كناية عن الجود،و يد فلان بسط، إذا كان منفاقا،و هو باعتبار السّعة في الإنفاق،أو أنّ المنفق يبسط يده عند الإنفاق،كما يقبض البخيل يده عن الإنفاق،و هو الأنسب.و الباسط:صفة للّه تعالى؛إذ يبسط الرّزق لعباده،و يوسّعه عليهم.

و منه:بسط العذر:قبله،كأنّه تكرّر العذر من المذنب و توسّع حتّى أوجب القبول منه،أو بسط عفوه حتّى شمل عذره المذنب،و هو الأنسب.

و البسط و الانبساط:السّرور،كقولهم:إنّه ليبسطني ما بسطك و يقبضني ما قبضك،أي يسرّني ما سرّك، و يسوءني ما ساءك،لأنّ الوجه ينبسط في حالة السّرور.

و التبسّط:التّنزّه و السّير في البلاد،و هو باعتبار السّعة في المشي و في الطّريق.

و البسطة:الزّيادة و الكمال،كقوله تعالى: وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247.

و البسطة في اللّسان:انطلاقه،يقال:رجل بسيط و امرأة بسيطة،و هو باعتبار تعمّقه في كلامه و تمكّنه من إلقاء الكلام الكثير،و المبسوط في زمان محدود.

و البسط:التّسلّط،كقولهم:بسط فلانا على فلان:

سلّطه عليه،كأنّه وسّع قدرته و سلطانه عليه.

ص: 504

و منه:البسط:النّاقة الّتي تركت مع ولدها لم يمنع منها،لأنّها في سعة فيما تحبّ،و الجمع:بساط و أبساط.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت هذه المادّة في القرآن فعلا ماضيا مرّتين، و مضارعا(14)مرّة،و اسم الفاعل مفردا و جمعا(4) مرّات،و اسم مفعول مرّة واحدة،و مصدرا مرّتين، و اسما مرّة واحدة:

1- وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

الشّورى:27

2- لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ المائدة:28

3- وَ اللّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

البقرة:245

4- اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ

الرّعد:26

5- إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ

الإسراء:30

6- وَيْكَأَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ القصص:82

7- اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ العنكبوت:62

8- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ الرّوم:37

9- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ

سبأ:36

10- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ سبأ:39

11- أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ الزّمر:52

12- يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الشّورى:12

13- اَللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ الرّوم:48

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ المائدة:11

15- إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ

الممتحنة:2

16- وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً

الإسراء:29

17- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ

الرّعد:14

18- وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ

الكهف:18

19- وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الأنعام:93

ص: 505

20- وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ

المائدة:64

21- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً نوح:19

22- قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247

23- وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً الأعراف:69

يلاحظ أوّلا ما يلي:

1-إنّ إحدى عشرة آية منها-(1)و(3)،إلى (12)-جاءت في بسط الرّزق و قبضه،مع التّركيز على قدر الرّزق مقابلا لبسطه في عشر،منها:(1)و(4)إلى (12)،و تعليقا بالمشيئة بسياق واحد،أي بلفظ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ.

2-و في الآيات تفاوت في غير هذا اللّفظ:

فجاء في(4)و(7): (اللّهُ يَبْسُطُ) ،و في(6)و(8) و(11):ان اَللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ، و في(9)و(10):

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ، و في(5): إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ، و في(12): لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ.

كما جاء في آيتين منها فقط(7)و(10): يَقْدِرُ لَهُ بزيادة(له)،و في(3)وحدها: وَ اللّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ، أي(يقبض)بدل(يقدر)،مع تقديم (يقبض)و حذف(الرّزق)بخلاف سائر الآيات،و جاء في(4)و(5)و(11)و(12):(لمن يشاء)،و في(6)و(7) و(10): لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بزيادة(من عباده).

3-و لا نرى فرقا جوهريّا بين هذه الآيات سوى أنّ سياق الأولى متفاوت مع سائر الآيات الّتي جاء البسط و القدر فيها بشكل قطعيّ،و في هذه بشكل معلّق في البسط: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ، و بشكل قطعيّ في القدر،مع تبديل(يقدر)ب يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ، و مع تكرار (بعباده)فيها مرّتين:مرّة في البسط،و مرّة في القدر.

4-و سياق الآيات مع كلّ هذه الفروق سياق عاطفيّ،يحمل في طيّاته صورا من لطف اللّه بالعباد:

بألفاظ مثل:(بعباده)و(ربّك)و(ربّى)-مع(قل)الّذي يوجّه الخطاب إلى العباد-و(ويكأنّ)،الّذي يحكي التّعجّب و النّدم و الاستبعاد.

أو بتعليق رزق كلّ نفس على مشيئته تعالى:(لمن يشاء)الحاكي علاقته بالفرد كعلاقته بالجماعة،فكلّ نفس لها حساب خاصّ عند اللّه،و لها ارتباط خاصّ ترتبط به،و لربّها عناية خاصّة بها،و مع ذلك فهو ربّ الجميع.

أو بالتّعبير عن اللّه في(5)ب(ربّك)،و الخطاب للنّبيّ في(6)،و في الآيتين(9)و(10)ب(ربّى)أي ربّ النّبيّ.

و هذا يصوّر لنا أنّ اللّه يرزق العباد بوصفه ربّ النّبيّ،أي بماله من الرّأفة البالغة و العناية الواسعة بنبيّه الّذي هو أشرف بريّته و سيّد أنبيائه.فاللّه ينظر إلى كلّ نفس بسطا للرّزق و قبضا من منظور له خاصّ بالنّبيّ،و فيه بركة واسعة لا يعبّر عنه بلفظ آخر سوى(ربّك)و(ربّى).

أو بقوله جلبا للعجب و الاعتراف: أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ... في(11).

أو بتعليل البسط و القدر بقوله: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ في(12)،و بقوله: إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ في(1).

ص: 506

5-و مغزى جملة«يبسط الرزق و يقدر»أو يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ -كما يفصح عنه سياق الآيات-أنّ أزمّة العباد في أرزاقهم الّتي بها قوام حياتهم بسطا و قبضا بيد اللّه تعالى و ليس بيدهم،و إن كانوا مأمورين بالسّعي و العمل،و هذا من فضل اللّه على العباد،حيث أناط معيشتهم بمشيئته،ليتوجّهوا إليه في جميع الحالات، فالرّزق رباط وثيق بين اللّه و عباده،يقودهم به طوعا أو كرها إلى طاعته.

ثانيا:هناك أربع آيات جاء«البسط»فيها بمعنى بسط القدرة و البطش بالآخرين،و هي(2)و(14) و(15)و(19)،فالآية الأولى(2)حكاية لحال ابني آدم؛حيث بسط أحدهما يده إلى الآخر و قتله،و هو لم يبسط يده إلى أخيه،و فيها بحثان:

الأوّل:أنّ الطّريف فيها الفرق بين الجملتين بأمرين:

1-أنّ الأخ المقتول ينسب البسط إلى القاتل بلفظ الفعل(بسطت)إيجابا،و إلى نفسه بلفظ اسم فاعل ما أَنَا بِباسِطٍ نفيا.و وجهه ظاهر،فإنّ القتل يقع مرّة و لا يستمرّ،أمّا عدم القتل فيدوم،فأتى باسم الفاعل الدّالّ على الثّبات مقترنا بالنّفي و مؤكّدا بالباء ما أَنَا بِباسِطٍ، و بالقسم في أوّله(لئن)،فإنّ اللاّم للقسم، فالأخ المقتول يؤكّد على أنّه ليس ذلك الرّجل الّذي يبسط يده إلى قتل أخيه إطلاقا،و أنّ ذلك ليس من شأنه،و أنّه ليس ممّن يوصم به؛و ذلك ليتبرّأ من مقدّمات القتل فضلا عن القتل.

2-تقديم(الى)في بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ و تأخيره في ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ إيذانا من أوّل الأمر بوقوع القتل عليه بيد أخيه،ليثير فيه عاطفة الأخوّة،أو تأكيدا لحرص أخيه على الإضرار به،خلافا لما هو عليه،فلا حرص له و لا عزم على قتل أخيه،بل لا يخطر بباله ذلك.

الثّاني:أثيرت في النّصوص الشّبهة التّالية:لما ذا لم يدافع الأخ المقتول عن نفسه؟فهو استسلم لأخيه القاتل ليقتله،رغم أنّ الدّفاع عن النّفس واجب عقلا و شرعا؟و أجابوا عنها بوجوه:

1-ليس في الآية أنّه قال:لا أدافع عن نفسي،بل قال:لا أبتدئك بالقتل،أو لا أقتلك ظلما كما تقتلني ظلما، أو أنّ«اللاّم»في(لاقتلك)هي«لام»كي،و هي منبئة عن الإرادة و الغرض،و إرادة القتل و اتّخاذه غرض قبيح أوّلا و آخرا،إلى غير ذلك ممّا قيل.

2-ما كان الدّفاع عن النّفس واجبا يوم ذاك،بل كان الحكم الاستسلام للقاتل،فنسخت بالشّرائع بعده و لا سيّما في الإسلام.

و الصّواب عندنا أنّها لا تتضمّن حكم الدّفاع،بل حكم القتل ابتداء ظلما و إثما،لقوله في آخرها: إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ... المائدة:28،29،و يؤيّده ما سبق من الفرق بين الجملتين و في وجه التّقديم و التّأخير.

و الآية الثّانية إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ...، و قد اختلفت الأقوال و الرّوايات في شأن نزول هذه الآية،و قد جمعها الطّبرسيّ في مجمع البيان (3:343)،و تردّد فيها الطّباطبائيّ،فلاحظ.و ما يهمّنا

ص: 507

في الآية أمور:

1-إنّ تقديم الجارّ و المجرور على المفعول في أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، و تأخيرهما عنهما في فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، يحمل نكتة بلاغيّة،نظير ما تقدّم في الآية الأولى،فتقديمهما على المفعول الصّريح-كما عبّر عنه أبو السّعود-للمسارعة إلى بيان ضرر البسط و غائلته لهم،و حرص الأعداء على الإضرار بهم،حملا لهم من أوّل الأمر على الاعتداد بنعمته،و على القيام بدفع عدوان عدوّهم.كما أنّ تقديم(لكم)في هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً البقرة:29،تعجيل لمسرّتهم بأنّها مخلوقة لهم.

و أمّا وجه تأخيرهما عنه في فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ هو المسارعة في بيان خطر أيديهم و عظم نعمة كفّها عنهم.

2-جاء فيها الكفّ في قبال البسط؛إذ في بسط اليد هنا معنى التّعدّي و التّجاوز،و دفعها بكفّها.أمّا في آيات بسط الرّزق فجاء القبض و التّقدير دون الكفّ قبال البسط.

3-نسب الهمّ ببسط اليد إلى الأعداء.و هو مستور في القلوب،لم يطّلع عليه المؤمنون،و نسب الكفّ إلى اللّه و عدّها نعمة منه عليهم،و أيّ نعمة!إذ اطّلع على ما في ضمائرهم من نوايا سيّئة،فكفّها عنهم.

4-أتى ب(ايديهم)جمعا و مضافة إلى العدوّ مرّتين، تعظيما لخطرها و تنبيها على أنّ كلمتهم واحدة،و كونهم يدا واحدة على المؤمنين،و تشجيعا للمؤمنين على أن يقتدوا بهم في وحدة الكلمة،و يصيروا يدا واحدة أمام الأعداء.

5-تعدّى البسط ب«إلى»،و الكفّ ب«عن»إعلاما بتلك المقابلة،فالآية-جملة-فيها ترغيب في مقابلة الأعداء بمثل كيدهم للمسلمين.

6-و ختم ذلك كلّها كضمان لفوزهم بتقوى اللّه و التّوكّل عليه بأسلوب مؤكّد؛إذ قال: وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

7-كرّر كلمة(اللّه)في الآية ثلاث مرّات:مرّة في صدرها و مرّتين في ذيلها،ضمانا لتأييده إيّاهم،و للّه الحجّة البالغة في آياته.

و الآية الثّالثة(15): وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ

1-قدّم فيها(الى)على(ايديهم)أيضا لما ذكر في الآيتين السّابقتين،و ليس فيها مقابلة كما كان فيهما،إلاّ أنّ فيها زيادة،و هي عطف(السنتهم)على(ايديهم)، فقال: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ.

قال الطّباطبائيّ:«و بسط الأيدي بالسّوء كناية عن القتل و السّبي و سائر أنحاء التّعذيب،و بسط الألسن بالسّوء كناية عن السّبّ و الشّتم»الميزان(19:228).

و نحوه الطّبرسيّ إلاّ أنّه أضاف:«و لا يتركون غاية في إلحاق السّوء بكم باليد و اللّسان».مجمع البيان(2:

270)

2-الجمع بين(ايديهم)و(السنتهم)مع قيد (بالسّوء)تجسيم بليغ لعداوتهم للمؤمنين.

3-قد أكّدها بقوله: وَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ، أي أنّ عداوتهم لكم بلغت مبلغا بحيث إنّهم يودّون أن ترجعوا

ص: 508

إلى ملّتهم و تكفروا بدينكم،فهم في الحقيقة أعداء لدينكم و أعداء لكم من أجل دينكم.

و الآية الرّابعة(19): وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ:

1-البسط فيها بمعنى مدّ اليد للعذاب،و يحتمل فيها وجهان:

الأوّل:أنّ الملائكة يعذّبوهم،كما جاء في وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ الأنفال:50.

الثّاني:يمدّون أيديهم إليهم لقبض أرواحهم،فجملة أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ تفسير لبسط أيديهم إليهم،أو أنّ الملائكة يقبضون أرواحهم مع تقريعهم بهذا القول، فيجمعون بين التّعذيب الجسديّ و النّفسيّ،و هو أبلغ في تشديد العذاب.

2-الإتيان بالوصف و الإضافة باسِطُوا أَيْدِيهِمْ بدل«يبسطوا أيديهم»أو«باسطون أيديهم» فيه تأكيد على شدّة العمل و دوامه،كأنّ هذا شأن الملائكة دائما أمام الكفّار،و هذا كما يقال:«فلان قائم اللّيل،صائم النّهار»،فإنّه أبلغ من أن يقال:«يقوم في اللّيل و يصوم في النّهار»،أو«هو قائم في اللّيل و صائم في النّهار».

3-فسياقها عنف و إلحاح و تشديد في عذاب الكفّار عند الفزع.

ثالثا:و هناك آيتان جاء بسط اليد فيهما بمعنى الجود و السّخاء:

أحدهما(16): وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ.

ثانيهما(20): بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ.

جاءت الأولى بشأن النّبيّ و الثّانية بشأن اللّه،و فيهما نكات:

1-جاء غلّ اليد فيهما مقابلا لبسط اليد،و هو-كما قال الرّازيّ-مجاز مشهور عن البخل و الجود؛إذ اليد آلة لأكثر الأعمال،و لا سيّما لإعطاء المال و إنفاقه،فأطلق اسم السّبب على المسبّب،فأسندوا الجود و البخل إلى اليد،كما أسندوهما إلى البنان و الكفّ و الأنامل.

2-أمّا الغلّ فلقبض اليد،يقال للبخيل:مقبوض اليد و مقبوض الكفّ،و قد رموا اللّه بقولهم: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ أي مقبوضة،أو لأنّ يده مغلولة إلى عنقه،كما قال:

وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ.

و أمّا البسط فلأنّ الجواد يده مبسوطة بالمعنيين،أي ليست مقبوضة،أو ليست مغلولة إلى عنقه،بل هي مبسوطة بكلا المعنيين.

3-و الآية الأولى تنهى النّبيّ عن الإفراط و التّفريط في الإنفاق،و الثّانية تنفي عن اللّه ما قالت اليهود فيه من البخل،و أنّه جواد،كما قال: يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ.

رابعا:هناك آية واحدة(17)جاء بسط اليد فيها بمعنى مدّها لأخذ شيء إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ، و هذا مثل ضربه اللّه للّذين يدعون الأصنام فلا تستجيب لهم و لا تنفعهم،و ظلّ سعيهم خائبا.و فيه مواقع للنّظر جاءت في النّصوص:

1-تفسير المثل:يمدّ العطشان يده إلى بئر ليرتفع

ص: 509

ماؤها و لا يرتفع،أو يرى خياله في الماء من بعيد فلا يصل إليه،أو بلغ به العطش مبلغا فيموت و كفّاه في الماء لا يبلغان فاه،أو يدعو الماء بلسانه و يشير إليه بكفّه فلا يأتيه؛إذ الماء جماد لا يشعر ببسط كفّيه و لا بعطشه،أو من بسط كفّيه إلى الماء بلا اغتراف و لا قبض،أو من بسط كفّيه إلى الماء دون أن يكون معه إناء،أو يقبض الماء بيده و الماء يخرج من بين أصابعه،و العرب تضرب المثل لمن يسعى فيما لا يدركه بالقابض على الماء،أو الرّاقم على الماء.

و كلّ ذلك وجوه في تفسير هذا المثل،بعضها أقرب من بعض و ألطف،و المتيقّن منها عدم وصول كفّيه إلى الماء لبعده منه،و هذا معنى(و ما هو ببالغه)،أي الباسط كفّيه إلى الماء لا يبلغ الماء،و لا يصل إليه لبعده.

و من قال:إنّ دعاءه الماء لا ينفعه،أراد تطبيق المثل على الممثّل به،أي دعاء الكفّار للآلهة فلا تلبّي دعوتهم، لأنّها لا تشعر،كالمستغيث بالماء من العطش فلا يغيثه، لأنّه جماد لا يشعر.

و لا داعي لهذا التّطبيق الشّامل،و إنّما يكفي في المثل انطباقه على الممثّل به في جهة دون انطباقه عليه في جميع الجهات.فقولنا:«زيد أسد»،أي شجاع،لا يستوجب أن يكون له براثن أو ذنب أو صفة الضّواري كالافتراس،لأنّ وجه الشّبه هو الشّجاعة فقط.و وجه الشّبه في الآية:خيبة سعيهم،و عدم بلوغهم ما يريدون.

كما أنّ من قال:إنّ معناه من مات و كفّاه في الماء،أو بسط كفّيه بلا اغتراف و لا قبض و لا إناء،أو من قبض الماء و خرج من بين أصابعه إلى غير ذلك،لا شاهد له في الآية،جرّه إليها مثل آخر للعرب«كالقابض على الماء» أو«كالرّاقم على الماء».

2-الاستثناء في لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ قيل:إنّه مفرّغ،أي استجابة كاستجابة الماء لباسط كفّيه إليه،و الإضافة إلى المفعول و الفاعل الماء،كقوله: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ فصّلت:49،أو إضافة إلى الفاعل و هو«باسط»،و هو يستلزم الإضافة إلى المفعول،أي كاستجابة الماء لمن يبسط كفّيه إليه.قالوا:و التّشبيه على هذا من المركّب التّمثيليّ،في الأصل أبرز في معرض التّهكّم؛حيث أثبت أنّهما استجابتان زيادة في التّحسير و التّخسير.

و هذا مبنيّ على التّشبيه الشّامل للدّعاء،و قد رفضناه،و عليه فالاستثناء منقطع و التّشبيه مفرد،أي لا يستجيبون لهم بشيء،و لا ينفعهم كما لا ينفع من يبسط يده إلى الماء،و لا يصل إليه منه شيئا.

قال الطّباطبائيّ:«أي لا يحصل لهم إلاّ صورة الدّعاء،كما لا يحصل لذلك الباسط إلاّ صورة الطّلب ببسط الكفّين...و لا يتضمّن إلاّ صورة الاستثناء،أي لا ينالوا بدعائهم إلاّ أن لا ينالوا شيئا،و الاستثناء مفرّغ.

و لعلّ الاستجابة تتضمّن معنى النّيل و نحوه»،انتهى ملخّصا.

فإذا قدّر أو ضمّن معنى النّيل فالاستثناء منقطع كما قلنا،و لا تقدّر الاستجابة حتّى تضاف إلى الفاعل أو المفعول،بل التّشبيه و التّمثيل مركّزان في بطلان سعيهم و صفر أيديهم.

3-قيل في وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ: الماء لا يبلغ فاه،أو

ص: 510

الفم لا يبلغ الماء،و الأظهر الباسط لا يبلغ الماء.

4-الإتيان بالوصف في المصدر و الذّيل:«باسط»و «بالغ»بنبإ عن حرصه في الحالتين بسطا و بلوغا،حتّى يتمنّى الثّبات و الدّوام فيهما،أي يتمنّى أن يكون باسطا و بالغا دائما،إلاّ أنّه خاسر فيهما،فمهما بسط يده لم يبلغ الماء.على أنّ تناسق التّعبيرين من المحسنات البديعيّة.

خامسا:و هناك أربع آيات جاء«البسط»فيها بمعناه اللّغويّ،و هو بسط الأجسام(13)و(18)و(22) و(23):

يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ

وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ

وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ

وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً

و فيها بحوث:

1-الآية الأولى صريحة في أنّ الرّياح تثير السّحاب و تبسطها في السّماء،و هذا باب من العلم جديد،لاحظ كتاب«باد و باران در قرآن»للمهندس بازرگان باللّغة الفارسيّة.

و قوله: فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ عطف على (يرسل الرّياح)،أي اللّه يرسل الرّياح،و يبسط السّحاب بالرّياح.

2-الثّانية تفيد أنّ كلب أصحاب الكهف يبسط ذراعيه بالوصيد-أي الباب-دائما،فجاء(باسط)بدل «بسط»لاستمراره على هذا المنوال.

3-الثّالثة ضمّت بسط العلم-و هو أمر معنويّ-إلى بسط الجسم،و الآية جاءت بشأن طالوت الّذي بعثه اللّه ملكا لبني إسرائيل.و الإماميّة تحتجّ بقوله: إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً، بأنّ الحاكم يجب أن يعيّنه اللّه دون النّاس،و بقوله: زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ، على أن يشترط فيه العلم و الشّجاعة،أي وجود القدرة العلميّة و الجسميّة في الإمام.

سادسا:جاء(بساط)في آية واحدة(20): وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً، و البساط:الفراش يجلس عليه الإنسان و ينام،و هو كناية مثل: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً* وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً النّبأ:10،11،لأنّ الإنسان يعيش على الأرض،و يستقرّ عليها،و يتقلّب فيها.و قد يستفاد منها أنّ الأرض مسطّحة و ليست كرويّة،و هو بعيد،لأنّ سياق الآية يفيد أنّ الأرض معدّة للعيش مهيّأة للحياة،دون الإشارة إلى هيئتها، فلاحظ النّصوص و المطوّلات.

ص: 511

ص: 512

ب س ق

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بسق و بصق و بزق لغات.

و بساق:جبل بالحجاز ممّا يلي الغور.

و بسقت النّخلة بسوقا:طالت و كملت،و قوله تعالى: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ ق:10،أي طويلات.

و أبسقت الشّاة فهي مبسق.و بسوق و مبساق،أي أنزلت اللّبن قبل الولاد بشهر و أكثر فتحلب،و ربّما بسقت و ليس بحامل فأنزلت اللّبن.و قد سمعت أنّ الجارية تبسق و هي بكر،و يصير في ثديها لبن.

(5:85)

نحوه الصّاحب.(5:298)

اليزيديّ: أبزقت النّاقة و أبسقت،إذا أنزلت اللّبن.

(الأزهريّ 8:419)

أبو عبيدة: المبساق:الّتي تدرّ قبل نتاجها.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:248)

أبو زيد: غمامة باسقة،أي بيضاء عالية.و بواسق السّحاب،أعاليه.(ابن فارس 1:247)

الأصمعيّ: إذا أشرق ضرع النّاقة و وقع فيه اللّبن فهي مضرع،فإذا وقع فيه اللّبأ قبل النّتاج فهي مبسق، فإذا دنا نتاجها فهي مدنية.(الأزهريّ 8:418)

ابن الأعرابيّ: البسق:علوّ ذكر الرّجل في الفضل.

(الهرويّ 1:167)

ابن السّكّيت: نخلة باسقة و نخيل بواسق،المصدر:

البسوق.و يقال:بسق الرّجل:طال،و بسق في علمه:

علا.(ابن فارس 1:247)

تقول:قد بصق الرّجل،و هو البصاق،و قد بزق، و هو البزاق.و لا تقل:بسق،إنّما البسوق في الطّول، و يقال:نخلة باسقة،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ ق:10.

و قد بسق الرّجل،إذا طال،و قد بسق في علمه،إذا علا.و يقال لحجر أبيض يتلألأ:بصاقة القمر.

(إصلاح المنطق:184)

ص: 513

الدّينوريّ:بواسق السّحاب:أوائله.

(ابن سيدة 6:246)

ابن دريد :بسق النّبت بسوقا،إذا ارتفع و تمّ.و كلّ شيء تمّ طوله:فقد بسق،و منه بسقت النّخلة.و كثر ذلك حتّى قالوا:بسق فلان على قومه،إذا علاهم كرما.

و أتان مبسق،إذا أشرق ضرعها و استبان حملها، و كلّ شيء ظهر و برق:فقد بسق.

و حسب باسق،إذا كان عاليا مرتفعا.(1:286)

القاليّ:بواسقها(السّحاب):ما علا منها و ارتفع، واحدتها:باسقة.

و كلّ شيء ارتفع و طال:فقد بسق،يقال:قد بسقت النّخلة،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ ق:10،و كذلك بسق النّبت.

فكثر في كلامهم حتّى قالوا:بسق فلان على قومه، أي علاهم في الشّرف و الكرم.(10)

الجوهريّ: البساق:البصاق،و قد بسق بسقا.

و بسق النّخل بسوقا:أي طال،و منه قوله تعالى:

وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ ق:10،و يقال:بسق فلان على أصحابه،أي علاهم.

و أبسقت النّاقة،إذا وقع في ضرعها اللّبأ قبل النّتاج،فهي مبسق،و نوق مباسيق.(4:1450)

نحوه الرّازيّ.(65)

ابن فارس: الباء و السّين و القاف أصل واحد، و ارتفاع الشّيء و علوّه.[و بعد نقل أقوال الخليل و ابن السّكّيت و أبي زيد قال:]

فإن قال قائل:فقد جاء بسق،و ليس من هذا القياس؟

قيل له:هذا ليس أصلا،لأنّه من باب الإبدال؛ و ذلك أنّ السّين فيه مقام الصّاد،و الأصل:بصق.

ثمّ حمل على هذا شيء آخر،و هو قولهم:أبسقت الشّاة فهي مبسق،إذا أنزلت لبنا من قبل الولادة بشهر و أكثر من ذلك،فيحلب.

و هذا إذا صحّ فكأنّها جاءت ببساق،تشبيها له ببساق الإنسان.و الدّليل على ذلك أنّهم يقولون:

الجارية و هي بكر،يصير في ثديها لبن،فهل ذلك إلاّ كالبساق.(1:248)

أبو سهل الهرويّ: و بصق الرّجل بالصّاد،إذا رمى بريقه من فيه و هو البصاق.و لا يسمّى بصاقا إلاّ إذا ألقي من الفم،فأمّا إذا كان فيه،فهو ريق.

و بسق النّخل بالسّين،إذا طال،و منه قوله تعالى:

وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ق:10.(100)

ابن سيدة: و بسق الشّيء يبسق بسوقا:تمّ طوله.

و بسق على قومه:علاهم في الفضل.

و بسق:لغة في بصق.

و بساقة القمر:حجر أبيض يتلألأ.

و أبسقت الشّاة و النّاقة،و هي مبسق و مبساق و بسوق،الأخيرة على طرح الزّائد:وقع اللّبأ في ضرعها،و كذلك:الجارية البكر إذا جرى اللّبن في ثديها.

و البسقة:الحرّة،و جمعها:بساق.[ثمّ استشهد بشعر](6:246)

البصاق:الرّيق و نحوه إذا لفظه الإنسان من فمه،

ص: 514

بصق الرّجل يبصق بصقا:لفظ البصاق.

البساق:البصاق،بسق يبسق بسقا و بساقا:

بصق.(الإفصاح 1:54)

الرّاغب: قال اللّه عزّ و جلّ: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ق:10،أي طويلات.و الباسق هو الذّاهب طولا من جهة الارتفاع،و منه بسق فلان على أصحابه:علاهم.

و بسق و بصق أصله:بزق.

و بسقت النّاقة:وقع في ضرعها لبن قليل كالبساق، و ليس من الأول.(46)

الزّمخشريّ: بسقت النّخلة،و نخلة باسقة،و لفلان البواسق.

و من المجاز:بسق على أصحابه:طالهم و فضلهم.

و يقولون:لا تبسّق علينا،أي لا تطوّل.و لفلان سوابق، و على بواسق.(أساس البلاغة:22)

ابن الأثير: في حديث قطبة بن مالك:صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى قرأ وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ الباسق:

المرتفع في علوّه.

و منه الحديث في صفة السّحاب: «كيف ترون بواسقها»أي ما استطال من فروعها.

و منه حديث قسّ: «من بواسق أقحوان».

و حديث ابن الزّبير: «و ارجحنّ بعد تبسّق»أي ثقل و مال بعد ما ارتفع و طال.

و في حديث ابن الحنفيّة: «كيف بسق أبو بكر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»أي كيف ارتفع ذكره دونهم، و البسوق:علوّ ذكر الرّجل في الفضل.

و في حديث الحديبيّة: «فقعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جبا الرّكيّة فإمّا دعا و إمّا بسق فيه»بسق:لغة في بزق و بصق.(1:128)

الفيّوميّ: بسقت النّخلة بسوقا،من باب قعد:

طالت،فهي باسقة،و الجمع:باسقات و بواسق.و بسق الرّجل في علمه:مهر.

و بسق بساقا بمعنى بصق،و هو إبدال منه.

و منعه بعضهم،و قال:لا يقال:بسق بالسّين إلاّ في زيادة الطّول كالنّخلة و غيرها،و عزاه إلى الخليل.

(1:49)

الفيروزآباديّ:البساق كغراب:البصاق البزاق، و جبل بعرفات،و بلد بالحجاز.

و بسق:بصق،و النّخل بسوقا:طال،و عليهم:

علاهم.

و البسقة:الحرّة،الجمع كقصاع.

و البسوق كصبور و مصباح:الطّويلة الضّرع من الشّاة.

و الباسق كصاحب:ثمرة طيّبة صفراء،و قرية ببغداد.

و بهاء:السّحابة البيضاء الصّافية،و الدّاهية.

و أبسقت النّاقة:وقع في ضرعها اللّبأ قبل النّتاج فهي مبسق،الجمع:مباسق.

و لا تبسّق علينا تبسيقا:لا تطوّل.(3:220)

الطّريحيّ: قولهم:بسق النّخل بسوقا،من باب قعد:طال.

و بسق فلان على أصحابه،أي علاهم.

ص: 515

و الباسق:المرتفع في علوّ.

و في حديث وصف السّحابة للصّحابة: «كيف ترون قواعدها و بواسقها و جونها و رحاها و جفوها و وميضها».

فالقواعد:أصولها المعترضة في آفاق السّماء.

و البواسق:فروعها المستطيلة في وسط السّماء إلى الأفق الآخر،و كذلك كلّ طويل باسق.

و البساق،بالضّمّ:البصاق.(5:139)

العدنانيّ:و يخطّئون من يستعمل الفعل«بسق» بمعنى«بصق»و كلا الفعلين فصيح؛جاء في«النّهاية»و في حديث الحديبيّة:«فقعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جبا الرّكيّة -ما حول البئر من تراب-فإمّا دعا و إمّا بسق فيه».

بسق:لغة في بزق و بصق،و قال ابن الأثير:إنّ الفعلين كليهما فصيحان أيضا.

و ممّن قال أيضا إنّ كلا الفعلين فصيح:التّهذيب، و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و ذيل أقرب الموارد، و المتن.

و فعله:بسق يبسق بسقا.

و من معاني بسق:

1-بسقت النّاقة تبسق بسقا:وقع في ضرعها لبن قليل.

2-بسق الشّيء يبسق بسوقا:تمّ ارتفاعه.

3-بسق الرّجل يبسق بسوقا:علا ذكره في الفضل «مجاز».

4-بسق في الشّيء:مهر.

5-بسقت الشّمس:بزغت،جاء في معجم مقاييس اللّغة:«الباء و السّين و القاف أصل واحد،و هو ارتفاع الشّيء و علوّه».(61)

المصطفويّ: إنّ البسوق بمعنى العلوّ و الطّول مادّيّا أو معنويّا.و أمّا اللّبن فهو من البصق أو البزق،تشبيها ببزاق الإنسان.(1:255)

النّصوص التّفسيريّة

وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. ق:10

ابن عبّاس: طوال النّخل.

مثله مجاهد و قتادة.(الطّوسيّ 9:360)

و مثله عكرمة.(القرطبيّ 17:7)

سعيد بن جبير: مستويات.(القرطبيّ 17:6)

الحسن: مواقير حوامل.

مثله عكرمة،و الفرّاء.(القرطبيّ 17:7)

قتادة: بسوقها:استقامتها في الطّول.

مثله عبد اللّه بن شدّاد.(القرطبيّ 17:7)

الطّوسيّ: باسقات،أي عاليات.(9:360)

الزّمخشريّ: طوالا في السّماء،و في قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم(باصقات)بإبدال السّين صادا،لأجل القاف.

(4:5)

الشّربينيّ: أي طوالا،حال مقدّرة لأنّها وقت الإنبات لم تكن طوالا.

و البسوق:الطّول،يقال:بسق فلان على أصحابه، أي طال عليهم في الفضل.(4:81)

الآلوسيّ:أي طوالا،أو حوامل من أبسقت الشّاة،

ص: 516

إذا حملت،فيكون على هذا من«أفعل»فهو فاعل، و القياس«مفعل»فهو من النّوادر كالطّوائح و اللّواقح في أخوات لها شاذّة،و يافع من أيفع،و باقل من أبقل، و نصبه على أنّه حال مقدّرة.(26:176)

المصطفويّ: أي مرتفعات.

و أمّا التّعبير بصيغة الجمع المؤنّث في وصف النّخل فهو باعتبار الجماعة،فإنّ النّخل جنس،و واحده:

النّخلة،كتمر و تمرة،كما في أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ الحاقّة:7،و يجوز فيه التّذكير باعتبار الجنس،و لفظه:

نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ القمر:20.(1:255)

و قد جاءت كلمة«باسقات»بمعنى الطّوال في أقوال المفسّرين جلّهم،و لذا اقتصرنا في النّصوص التّفسيريّة بهذا المقدار حذرا من التّكرار.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الارتفاع و العلوّ في النّبات و نحوه،و كلّ شيء ظهر و برق فقد بسق،و منه بسقت الشّمس،إذا طلعت و ارتفعت.

2-بسق و بصق و بزق بمعنى،باعتبار الظّهور في كلّ منها.إلاّ أنّ أكثر استعمال البسوق في الطّول،يقال:نخلة باسقة،إذا كملت في الارتفاع و الطّول.بخلاف«بصق» و«بزق»،فإنّهما يستعملان في ظهور الشّيء فقط،يقال:

بصق الرّجل،إذا رمى بريقه من فيه،و هو البصاق.

3-و جاء من هذه المادّة بسوق و مبسق و مبساق، و هو وقوع اللّباء في ضرع النّاقة أو الشّاة قبل النّتاج،أو جري اللّبن في ثدي الجارية البكر،لظهور الثّدي و الضّرع و ارتفاعهما.

4-و استعملت في المعنويّات مجازا،كقولهم:بسق الرّجل على قومه،إذا علاهم في الشّرف و الفضل،و بسق الرّجل في الشّيء:مهر فيه و ارتفعت خبرته،و حسب باسق:عال مرتفع.

5-و يبدو أنّ هناك اشتقاقا أكبر بين مادّتي (ب س ق)و(س ب ق)،يقال من الأخيرة:سبق فلان على قومه،إذا علاهم كرما،و سبق على الأمر:غلب.

الاستعمال القرآنيّ

ما جاء من هذه المادّة في القرآن سوى لفظ واحد (باسقات)،حالا للنّخل في قوله تعالى: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ق:10،و يلاحظ فيها:

أوّلا:أنّ(باسقات)جمع،و(النّخل)اسم جنس جمعيّ،واحده«نخلة»مثل:نحل و نحلة.و يخطر بالبال أنّ هذه الآية قرينة لما قبلها وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ فجاءت (باسقات)جمعا مؤنّثا منكّرا موازيا ل(جنّات)فيما قبلها، و لم تأت:و النّخل الباسقات،أو و النّخل باسقة.

ثانيا:(باسقات)تناسب وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كأنّها ردّ فعل لها،أي أنزل الماء من السّماء فارتفعت النّخل باسقات إلى السّماء.

ثالثا:مجيء الحال بدل الوصف فيه نكتة أخرى، و هي أنّ النّخل مرغوب فيها حال كونها باسقات،أي مجموعة باسقة نحو السّماء في زيادة ثمرها و جمال هيئتها و حسن منظرها.

ص: 517

رابعا:ما هي النّكتة في مجيئها مرّة واحدة في القرآن؟ فإنّ أمثال هذه الألفاظ الأحاديّة لها سبب،إمّا لقلّة استعمالها و أنّها لا تستعمل إلاّ لضرورة الفواصل-كما قلنا في نظائرها مثل(ابّا)-أو لعلّة أخرى.

و الجواب:أنّ الآية مكّيّة،و كانت النّخل فيها قليلة، و لا سيّما الباسقات منها،على الرّغم من عدم مجيء «النّخل»إلاّ في المكّيّات،مع مجيء«النّخيل»في المكّيّات و المدنيّات معا،لاحظ«ن خ ل».

ص: 518

ب س ل

اشارة

لفظان مرّتان،في سورة مكّيّة

أبسلوا 1:1 تبسل 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بسل يبسل بسولا،فهو باسل،و هو عبوسة الشّجاعة و الغضب،و أسد باسل.

و استبسل الرّجل،إذا وطّن نفسه عليه و استيقن به.

و أبسل نفسه للموت:وطّنها عليه و استيقن به.

و الإنسان يبسل بعمله إبسالا،أي يخذل و يوكل إليه،و يبسل:يسلم.

و البسل:المحرّم الّذي لا تتأوّل حرمته،قال:

*سواد دجوجيّ و بسل محرّم*

و البسل:الحلال،قال:

*دمي إن أسيغت هذه لكم بسل*

و بسلت الرّاقي:أعطيته بسلته،و هو ما يعطى على رقيته،و ابتسل الرّاقي:أخذ على رقيته.

و إذا دعا الرّجل على صاحبه يقول:قطع اللّه مطاك، فيقول الآخر:بسلا،أي آمين.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:263)

الضّبّيّ: يقال:بسل بمعنى آمين،يحلف الرّجل يقول:بسل.(ابن دريد 1:288)

أبو عمرو الشّيبانيّ: البسل:الحلال،و البسل:

الحرام،و البسل:أخذ الشّيء قليلا قليلا،و البسل:

عصارة العصفر و الحنّاء،و البسل:الحبس.

(الأزهريّ 12:440)

الحنظل المبسّل: أن يؤكل وحده،و هو يحرق الكبد.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:441)

الفرّاء: العرب تقول:هذا عليك بسل،أي حرام، و لذلك قيل:أسد باسل،أي لا يقرب.

و العرب تقول: أعط الرّاقي بسلته،و هو أجر الرّقية.

(1:339)

الباسل:الّذي حرّم على قرنه الدّنوّ منه لشجاعته، أي لشدّته لأنّه لا يمهل قرنه،و لا يمكنه من الدّنوّ منه،أخذ

ص: 519

من البسل و هو الحرام.(القاليّ 1:103)

أبو زيد: و البسل:الحلال،و هذا الحرف من الأضداد.[ثمّ استشهد بشعر](4)

مثله أبو حاتم.(الأضداد:103)

الأصمعيّ: الباسل:المرّ،و قد بسل الرّجل يبسل بسالة،إذا صار مرّا.(القاليّ 1:103)

اللّحيانيّ: أعط العامل بسلته.

(ابن سيدة 8:508)

أبو عبيد: البسالة:الشّجاعة،و الباسل:الشّديد.

(الأزهريّ 12:441)

ابن الأعرابيّ: البسل:اللّحي في الملام.

(الأزهريّ 12:440)

ضاف أعرابيّ قوما،فقال:ائتوني بكسع جبيزات، و ببسيل من قطاميّ ناقس.

و البسيل:الفضلة،و القطاميّ:النّبيذ،و النّاقس:

الحامض،و الكسع:الكسر،و الجبيزات:اليابسات.

و تبسّل لي فلان،إذا رأيته كريه المنظر.

قال أبو ذؤيب:

*و كنت ذنوب البئر لما تبسّلت*

أي كرهت،و يجوز:لما تبسّلت.

و بسّل فلان وجهه تبسيلا،إذا كرّهه.

البسل:الشّدّة،و البسل:نخل الشّيء في المنخل، و البسل بمعنى الإيجاب.

و كان عمر يقول في آخر دعائه:آمين و بسلا،معناه يا ربّ إيجابا.(الأزهريّ 12:441)

و البسيلة بهاء:الفضلة من النّبيذ تبقى في الإناء.(الزّبيديّ 7:228)

ابن السّكّيت: و الباسل:الشّجاع،و البسالة:

الشّجاعة.و تبسّل في وجهه،أي كرّه منظره.و إنّما قيل للأسد:باسل لكراهة وجهه و قبحه.و ما أبسل وجه فلان.[ثمّ استشهد بشعر](170)

و البسيل:ما يبقى في الآنية من شراب القوم فيبيت فيها و ذمّ أبو حزام العكليّ رجلا فقال:دعاني إلى بسيل له.(221)

و رجل باسل و بسيل،أي كريه المنظر،و يقال:

تبسّل في عينيه،أي كرهت مرآته.[ثمّ استشهد بشعر]

(441)

أبو حاتم: هي بسل و هما بسل و هنّ بسل.

الواحد و الاثنان و الثّلاثة و الذّكر و الأنثى فيه سواء، كما يقال:رجل عدل،و امرأة عدل،و رجلان عدل، و امرأتان عدل،و قوم عدل.(أبو زيد:3)

أبو الهيثم:يقال:أبسلته بجريرته،أي أسلمته بها،و يقال:جزيته بها.و بسلت الرّاقي:أعطيته بسلته، و هي أجرته.(الأزهريّ 12:440)

يقول الرّجل:بسلا،إذا أراد:آمين،في الاستجابة.

(الهرويّ 1:168)

مثله ابن الهيثم.(الأزهريّ 12:440)

الدّينوريّ: البسيلة:التّرمس،قال:و أحسبها سمّيت بسيلة للعليقمة الّتي فيها.(ابن منظور 11:55)

مفضّل بن سلمة: البسل من الأضداد،و هو الحرام و الحلال جميعا.(الأزهريّ 12:440)

ابن دريد :البسل:الحرام و الحلال،و هو من

ص: 520

الأضداد،و أبسل الرّجل ولده و غيرهم،إذا رهنهم أو عرّضهم لهلكة.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل باسل و بسول،إذا كان شجاعا.و ما أبين البسالة في وجه فلان،أي الشّجاعة.و لغة لقوم من أهل نجد يقولون:أبسلت البسر،إذا طبخته و جفّفته،فهو مبسل.

و ربّما قالوا:بلس في معنى أجل،فيقال في معكوسه:

بسل أي أجل،أي هو كما تقول.(1:288)

الهمذانيّ: يقال للشّجاع:باسل،و الجمع:بسّل.

و باسل بيّن البسالة.

أجناس الشّجاعة:البسالة و...(62:64)

القاليّ: الشّجعان،واحدهم:باسل،و البسالة:

الشّجاعة.

و قيل:الباسل:الكريه المنظر،و إنّما قيل للأسد:

باسل لكراهة وجهه و قبحه.يقال:ما أبسل وجه فلان.

[ثمّ استشهد بشعر](1:103)

أبو طالب: البسل:في الكفاية،و البسل أيضا:في الدّعاء،و يقال:بسلا له،كما يقال:ويلا له.

(الأزهريّ 12:440)

أبو مالك: البسل يكون بمعنى حلال و بمعنى حرام، و بمعنى التّوكيد في الملام،مثل قولك:تبّا.

(الأزهريّ 12:440)

الأزهريّ: سمعت أعرابيّا يقول لابن له عزم عليه، فقال له:عسلا و بسلا،أراد بذلك لحيه و لومه.

(12:440)

الجصّاص: قيل:أصل تبسّل:الارتهان،و قيل:

التّحريم.و يقال:أسد باسل،لأنّ فريسته مرتهنة به لا تفلت منه.و هذا بسل عليك،أي.حرام عليك،لأنّه ممّا يرتهن به.و يقال:أعط الرّاقي بسلته،أي أجرته لأنّ العمل مرتهن بالأجرة.

و المستبسل:المستسلم،لأنّه بمنزلة المرتهن بما أسلم فيه.(3:3)

الصّاحب: بسل الرّجل يبسل؛فهو باسل:و هو عبوسة الغضب و الشّجاعة.و أسد باسل.و تبسّل الرّجل و استبسل:صار باسلا.و أبسل نفسه للموت:إذا وطّن نفسه عليه.

و الإبسال:أن يبسل الرّجل بعمله فيخذل و يوكل إليه،من قوله عزّ و جلّ: أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا، و قيل:

أحرقوا.

و البسل:الشّيء المحرّم الّذي لا يتناول.

و أبسلت المكان:[إذا]حرّمته فلم تقربه،و الرّجل:

إذا خلّيته يفعل ما يشاء.

و بسلا بسلا:أي آمين.

و بسلا:أي تبّا.و هو-أيضا-القبيح الشّديد.

و البسلة:أجر الرّاقي،و قد ابتسل الرّاقي.

و البسيل:الشّراب الّذي يبيت ليلته في الإناء.

و بسل النّبيذ بسولا:إذا جاوز حدّه و حمض.

و أبسلت هذا لذاك:أي تركته من أجله.

و أبسلت البسر:طبخته و جفّفته.

و تبسّلت الأمر تبسّلا:أي كرهته.(8:331)

الجوهريّ: البسل:الحرام،و البسل:الحلال أيضا.

و الإبسال:التّحريم.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 521

و البسلة بالضّمّ:أجرة الرّاقي.

و البسالة:الشّجاعة،و قد بسل بالضّمّ فهو باسل، أي بطل،و قوم بسل مثل بازل و بزل.

و المباسلة:المصاولة في الحرب.

و البسيل:الكريه الوجه.و البسيل أيضا:بقيّة النّبيذ،و هو ما يبقى في الآنية من شراب القوم فيبيت فيها.

و أبسلت فلانا،إذا أسلمته للهلكة،فهو مبسل.[ثمّ استشهد بشعر]

و المستبسل:الّذي يوطّن نفسه على الموت أو الضّرب.و قد استبسل،أي استقتل،و هو أن يطرح نفسه في الحرب،و يريد أن يقتل أو يقتل لا محالة.

(4:1634)

نحوه الرّازيّ.(64)

ابن فارس: الباء و السّين و اللاّم أصل واحد تتقارب فروعه،و هو المنع و الحبس،و ذلك قول العرب للحرام:بسل،و كلّ شيء امتنع فهو بسل.[ثمّ استشهد بشعر]

و البسالة:الشّجاعة من هذا،لأنّها الامتناع على القرن.

و من هذا الباب قولهم:أبسلت الشّيء:أسلمته للهلكة،و منه أبسلت ولدي:رهنته،قال اللّه تعالى:

أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا الأنعام:70.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا البسلة فأجرة الرّاقي،و قد يردّ بدقيق من النّظر إلى هذا.و الأحسن عندي أن يقال:هو شاذّ عن معظم الباب.و كان ابن الأعرابيّ يقول:البسل:الكريه الوجه، و هو قياس صحيح مطّرد على ما أصّلنا.(1:248)

أبو هلال: الفرق بين البسلة و الحلوان و الرّشوة:أنّ البسلة:أجر الرّاقي،و جاء النّهي عنها،و ذلك إذا كانت الرّقية بغير ذكر اللّه تعالى،فأمّا إذا كانت بذكر اللّه تعالى و بالقرآن فليس بها بأس،و يؤخذ الأجر عليها.

و الشّاهد أنّ قوما من الصّحابة رقوا من العقرب فدفعت إليهم ثلاثون شاة،فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك،فقال لهم:اقتسموها و اضربوا لي معكم بسهم.

و الحلوان:أجر الكاهن،و قد نهي عنه،يقال:

حلوته حلوانا،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي كلّ عطيّة حلوانا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحلوان أيضا:أن يأخذ الرّجل مهر ابنته،و ذلك عار عندهم.قال الرّاجز:

*لا نأخذ الحلوان من بناتنا*

و الرّشوة:ما يعطاه الحاكم و قد نهي عنها،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لعن اللّه الرّاشي و المرتشي».(141)

الهرويّ: و في الحديث:«كان عمر يقول في دعائه:

آمين و بسلا»أي إيجابا يا ربّ.

قيل:البسل يكون بمعنى التّوكيد،و بمعنى الحلال و الحرام.(1:168)

ابن سيدة: بسل يبسل بسولا،فهو باسل،و بسل، و بسيل؛و تبسّل،كلاهما:عبس من الغضب أو الشّجاعة،و تبسّل وجهه:كرهت مرآته و فظعت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الباسل:الأسد،لكراهة منظره و قبحه.و الباسل:

ص: 522

الشّجاع،و الجمع:بسلاء و بسل.و قد بسل بسالة و بسالا.[ثمّ استشهد بشعر]

و لبن باسل:كريه الطّعم حامض.و قد بسل، و كذلك النّبيذ إذا اشتدّ و حمض.[ثمّ استشهد بشعر]

و باسل القول:شديده و كريهه.

و يوم باسل:شديد،من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و بسّل الشّيء:كرّهه.

و البسيلة:عليقمة في طعم الشّيء.و البسيلة:

الترمس،حكاه أبو حنيفة،و أحسبها سمّيت بسيلة للعليقمة الّتي فيها.

و حنظل مبسّل:أكل وحده فكره طعمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البسيلة،و البسيل:ما بقي من الشّراب فيبيت في الإناء،قال بعض العرب:دعاني إلى بسيلة له.

و أبسل نفسه للموت،و استبسل:وطّن.

و أبسله لعمله و به:وكله إليه.و أبسله لكذا:رهنه و عرّضه.[ثمّ استشهد بشعر]

و البسل:الحرام و الحلال.الواحد و الجميع و المذكّر و المؤنّث في ذلك سواء.

و البسل:ثمانية أشهر حرم كانت لقوم لهم صيت و ذكر في غطفان و قيس،يقال لهم:الهباءات،من سير محمّد بن إسحاق رحمه اللّه.

و البسل:اللّحي و اللّوم.و قالوا في الدّعاء عن الإنسان:بسلا و أسلا،كقولهم:نعسا و نكسا.

و أبسل البسر:طحنه و جفّفه.

و البسلة:أجرة الرّاقي خاصّة.

و ابتسل:أخذ بسلته.و قال اللّحيانيّ:أعط العامل بسلته،لم يحكها إلاّ هو.

و بسل اللّحم:مثل خمّ،عن أبي حنيفة.

و بسلني عن حاجتي بسلا:أعجلني.و بسل بمعنى أجل.و بسل في الدّعاء:بمعنى آمين.[ثمّ استشهد بشعر]

(8:508)

الباسل بسل على أقرانه،أي حرم.

و استبسل:طرح نفسه في الحرب،يريد أن يقتل أو يقتل.(الإفصاح 1:142)

بسل الطّعام يبسل بسولا:تغيّر و فسد.

(الإفصاح 1:414)

البسل:بسل الشّيء يبسل بسلا:أخذه قليلا قليلا.

(الإفصاح 2:1344)

الرّاغب: البسل:ضمّ الشّيء و منعه.و لتضمّنه لمعنى الضّمّ استعير لتقطيب الوجه،فقيل:هو باسل و مبتسل الوجه.و لتضمّنه لمعنى المنع قيل للمحرّم و المرتهن:بسل،و قوله تعالى: وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ الأنعام:70،أي تحرم الثّواب.

و الفرق بين الحرام و البسل:أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعا منه بالحكم و القهر،و البسل هو الممنوع منه بالقهر،قال عزّ و جلّ: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا أي حرموا الثّواب،و فسّر بالارتهان لقوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ المدّثّر:38.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل للشّجاعة:البسالة،إمّا لما يوصف به الشّجاع من عبوس وجهه،أو لكون نفسه محرّما على أقرانه لشجاعته،أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه.

ص: 523

و أبسلت المكان:حفظته و جعلته بسلا على من يريده.

و البسلة:أجرة الرّاقي،و ذلك لفظ مشتقّ من قول الرّاقي:أبسلت فلانا،أي جعلته بسلا،أي شجاعا قويّا على مدافعة الشّيطان أو الحيّات و الهوامّ،أو جعلته مبسلا أي محرّما عليها،و سمّي ما يعطى الرّاقي بسلة.

و حكي بسلت الحنظل:طيّبته،فإن يكن ذلك صحيحا فمعناه أزلت بسالته،أي شدّته أو بسله،أي تحريمه،و هو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرّما.

و بسل في معنى أجل و بس.(46)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:249)

الزّمخشريّ: فيه بسالة،و ما أبسله!و لقد بسل و تبسّل،إذا تشجّع،و أسد باسل.و له وجه باسر باسل:

شديد العبوس.و أبسله للهلكة:أسلمه.و أبسل بعمله:

أفضح.و استبسل للموت،إذا استسلم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون عند الدّعاء على الرّجل:«آمين و بسلا» أي و أبسله اللّه و لحاه.و هذا بسل:محرّم.

و من المجاز:نبيذ باسل:شديد،و غضب باسل، و يوم باسل.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:22)

المدينيّ: و في حديث عثمان:«أمّا هذا الحيّ من همدان فأنجاد بسل»أي شجعان،و هو جمع باسل، سمّي به لامتناعه ممّن يقصده،و كلّ ممتنع أو ممنوع بسل.

في حديث عمر: «مات أسيد،و أبسل ماله»،أي أسلم بدينه،و كان نخلا،فردّه عمر و باع ثمره ثلاث سنين،و قضى دينه.(1:160)

نحوه ابن الأثير.(1:128)

الفيّوميّ: بسل بسالة مثل ضخم ضخامة،بمعنى شجع،فهو بسيل و باسل.

و أبسلته بالألف:رهنته،و في التّنزيل: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا الأنعام:70.(1:49)

الفيروزآباديّ: البسل:الحرام و الحلال ضدّ، للواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث،و اللّحي و اللّوم، و ثمانية أشهر حرم كانت لقوم من غطفان و قيس، و الإعجال و الشّدّة،و النّخل بالمنخل،و أخذ الشّيء قليلا قليلا،و عصارة العصفر،و الحنّاء،و الرّجل الكريه المنظر كالبسيل،و الحبس.

و بسلا بسلا،أي آمين آمين،و بسلا له:ويلا له، و يقال:بسلا و أسلا:دعاء عليه.

و يقال:بسل بمعنى أجل،أي هو كما تقول.

و الإبسال:التّحريم.

و بسل بسولا فهو باسل و بسل و بسل و بسيل، و تبسّل:عبس غضبا أو شجاعة،أو تبسّل:كرهت مرآته و فظعت.

و الباسل:الأسد كالمتبسّل،و الشّجاع،جمعه:بسلاء و بسل،و قد بسل ككرم بسالة و بسالا،و من القول:

الكريه الشّديد،و من اللّبن و النّبيذ:الشّديد،و قد بسل و بسّله تبسيلا:كرهه.

و كسفينة:علقمة في طعم الشّيء.

و كغرفة:أجرة الرّاقي.و ابتسل:أخذها.

و حنظل مبسّل كمعظّم:أكل وحده فتكرّه طعمه.

ص: 524

و أبسله لكذا:عرّضه و رهنه،أو أبسله:أسلمه للهلكة،و لعمله و به:وكله إليه،و نفسه للموت:وطّنها كاستبسل،و البسر:طبخه و جفّفه.

و استبسل:طرح نفسه في الحرب،يريد أن يقتل أو يقتل.

و كأمير:قرية،و بقيّة النّبيذ في الآنية يبيت فيها، و بهاء الفضلة.(3:345)

الطّريحيّ:و في الدّعاء:«لا تبسلني»بالباء الموحّدة،أي لا توردني الهلاك.

و في الحديث القدسيّ:«استبسل عبدي»أي استسلم لأمري.

و أبسلت الشّخص:أسلمته للهلكة،فهو مبسل.

(5:321)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الوقوع في مورد الضّرر و الخطر و الهلاكة، و يدلّ عليه اتّفاقهم بأنّ معنى«أبسلت»من«أفعل» متعدّيا هو التّسليم للهلاكة،و التّوطين لها.و أنّ معنى المباسلة من«فاعل»لامتداد فعل،هو المصاولة في الحرب.

و يقرب من هذا المعنى:الكراهة في الوجه،فإنّها في أثر الوقوع في مقابل الخطر و الضّرر،و كذلك كراهة الطّعم و الحموضة و الاشتداد،فإنّها من موارد الضّرر بالنّسبة إليها،أي إلى موضوعاتها من اللّبن و النّبيذ، و أمثالهما،و كذلك الارتهان.

و أمّا الشّجاعة:فهي مقيّدة بالقيد المذكور لا مطلقا، كما في المتهوّر.

و أمّا الحرمة و المنع:فلا يخفى التّناسب بينها و بين مورد الضّرر.

فهذه الحيثيّة مأخوذة في جميع مشتقّات المادّة.

(1:257)

النّصوص التّفسيريّة

تبسل

...وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ... الأنعام:70

ابن عبّاس: لكي لا نهلك،و لا توهن و لا تعذّب نفس.(تنوير المقباس:112)

تفضح.(الطّبريّ 7:232)

مجاهد :تسلم.(الطّبريّ 7:232)

نحوه الطّوسيّ.(4:181)

مثله عكرمة و الحسن.(الطّبريّ 7:232)

الضّحّاك: تحرق.(أبو حيّان 4:155)

قتادة: تؤخذ فتحبس.(الطّبريّ 7:232)

نحوه ابن الأعرابيّ.(الأزهريّ 12:440)

الكلبيّ: أن تجزى.(الطّبريّ 7:232)

ابن زيد: أن تؤخذ نفس بما كسبت.

(الطّبريّ 7:232)

الكسائيّ: تجزى،يعني في الكلام.

(الطّوسيّ 4:181)

الفرّاء: أي ترتهن.(1:339)

الأخفش: معنى(تبسل)تجازى،من أبسل إبسالا،

ص: 525

و منه قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا الأنعام:70.

(الطّوسيّ 4:181)

ابن قتيبة: أي تسلم للهلكة.[ثمّ استشهد بشعر]

(155)

نحوه الشّربينيّ.(1:427)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ فقال بعضهم:معنى ذلك أن تسلم.

و قال آخرون: بل معنى ذلك تحبس.

و قال آخرون: معناه تفضح.

و قال آخرون:أن تجزى.[ثمّ ذكر معنى الإبسال في اللّغة إلى أن قال:]

فتأويل الكلام إذن:و ذكّر بالقرآن هؤلاء الّذين يخوضون في آياتنا،و غيرهم ممّن سلك سبيلهم من المشركين،كيلا تبسل نفس بذنوبها،و كفرها بربّها، و ترتهن،فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب اللّه.

(7:231-233)

الزّجّاج: معنى(تبسل)بعملها:تكون غير قادرة على التّخلّص،و المستبسل:المستسلم الّذي يعلم أنّه لا يقدر على التّخلّص.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:(ان تبسل):ترهن،و المعنى واحد.

(2:261)

السّجستانيّ: أي ترتهن و تسلم للهلكة.(58)

الزّمخشريّ: مخافة أن تسلم إلى الهلكة و العذاب و ترتهن بسوء كسبها.و أصل الإبسال:المنع،لأنّ المسلم إليه يمنع المسلم.[ثمّ استشهد بشعر](2:27)

مثله النّسفيّ(2:18)،و نحوه النّيسابوريّ(7:132).

ابن عطيّة: و(ان تبسل)في موضع مفعول،أي لئلاّ تبسل،أو كراهيّة أن تبسل،و معناه تسلم.(2:305)

نحوه الطّبرسيّ(2:318)،و أبو البركات(1:

325).

ابن الجوزيّ: و في قوله:(ان تبسل)قولان:

أحدهما:لئلاّ تبسل نفس كقوله:(ان تضلّوا) النّساء:176.

و الثّاني:ذكّرهم إبسال المبسلين بجناياتهم،لعلّهم يخافون.

و في معنى(تبسل)سبعة أقوال:

أحدها:تسلم،رواه عكرمة عن ابن عبّاس،و به قال الحسن و مجاهد و السّدّيّ.و قال ابن قتيبة:تسلم إلى الهلكة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الزّجّاج: تسلم بعملها غير قادرة على التّخلّص.و المستبسل:المستسلم الّذي لا يعلم أنّه يقدر على التّخلّص.

و الثّاني:تفضح،رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس.

و الثّالث:تدفع،رواه الضّحّاك عن ابن عبّاس.

و الرّابع:تهلك،روي عن ابن عبّاس أيضا.

و الخامس:تحبس و تؤخذ،قاله قتادة و ابن زيد.

و السّادس:تجزى،قاله ابن السّائب و الكسائيّ.

و السّابع:ترتهن،قاله الفرّاء.

و قال أبو عبيدة:ترتهن و تسلم.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:64)

ص: 526

الفخر الرّازيّ: و معنى الآية:و ذكّرهم بالقرآن و مقتضى الدّين،مخافة احتباسهم في نار جهنّم بسبب جناياتهم،لعلّهم يخافون فيتّقون.(13:28)

أبو حيّان: قال أبو بكر:استحسن بعض شيوخنا قول من قال:تسلم بعملها،لا تقدر على التّخلّص،لأنّه يقال:استبسل للموت،أي رأى ما لا يقدر على دفعه.

و اتّفقوا على(ان تبسل)في موضع المفعول من أجله و قدّروا:كراهة أن تبسل و مخافة أن تبسل،و لئلا تبسل.

و يجوز عندي أن يكون في موضع جرّ على البدل من الضّمير (1)،و الضّمير مفسّر بالبدل،و أضمر الإبسال لما في الإضمار من التّفخيم،كما أضمروا ضمير الأمر و الشّأن،و فسّر بالبدل و هو الإبسال،فالتّقدير:و ذكّر بارتهان النّفوس و حبسها بما كسبت.كما قالوا:اللّهمّ صلّ عليه الرّءوف الرّحيم.

و قد أجاز ذلك سيبويه،قال:فإن قلت:ضربت و ضربوني قومك نصبت،إلاّ في قول من قال:أكلوني البراغيث،أو يحمله على البدل من المضمر.و قال أيضا:

فإن قلت:ضربني و ضربتهم قومك،رفعت على التّقديم و التّأخير إلاّ أن تجعل هاهنا البدل كما جعلته في الرّفع انتهى.و قد روي قوله:

«تنخل فاستاكت به عود أسحل»بجرّ عود على أنّه بدل من الضّمير.

و المعنى:أن تبسل نفس تاركة للإيمان بما كسبت من الكفر أو بكسبها السّيّئ.(4:155)

الكاشانيّ: مخافة أن تسلم الى الهلاك و ترتهن بسوء عملها،و أصل البسل:المنع.(2:129)

نحوه القاسميّ(6:2363)،و الطّنطاويّ(4:40).

البروسويّ: أي لئلاّ تسلم إلى الهلاك و ترهن(بما كسبت)بسبب ما عملت من القبائح.

و أصل البسل و الإبسال:المنع،و لذا صحّ استعمال الإبسال في معنى الإسلام الى الهلاك،لأنّ الإسلام إلى الهلاك يستلزم المنع،فإنّه إذا أسلم أحد إلى الهلاك كان المسلم إليه و هو الهلاك يمنع المسلم و هو الشّخص،من الخروج عنه و الخلاص منه.(3:50)

الآلوسيّ: (ان تبسل)يكون بدلا منه (2)،و اختاره أبو حيّان،و على الأوجه الأخر هو مفعول لأجله،أي لئلاّ تبسل،أو مخافة أو كراهة أن تبسل.و منهم من جعله مفعولا به ل(ذكّر).[إلى أن قال:]

مثله في قوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ التّكوير:14،أي لئلاّ تحبس و ترهن كلّ نفس في الهلاك أو في النّار،أو تسلم إلى ذلك أو تفضح أو تحرم الثّواب بسبب عملها السّوء،أو ذكّر بحبس أو حبس كلّ نفس بذلك.و حمل النّكرة على العموم مع أنّها في الإثبات، لاقتضاء السّياق له.

و قيل:إنّها هنا في النّفي معنى،و فيما اختاره أبو حيّان من التّفخيم و زيادة التّقرير ما لا يخفى.(7:186)

المراغيّ: أي و ذكّر النّاس و عظهم بالقرآن اتّقاء أن تبسل كلّ نفس في الآخرة بما كسبت،أي اتّقاء حبسها أو رهنها في العذاب،و تفاديا من ذلك بما بيّنه الذّكر الحكيم من أسباب النّجاة و السّعادة في هذه الدّار،).

ص: 527


1- يقصد الضّمير في(به).
2- يعني من ضمير(به).

كما قال: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ المدّثّر:38،39.(7:161)

عبد الكريم الخطيب: أي أنّ دعوة النّبيّ هي البلاغ و التّذكير بيوم الحساب،و التّخويف من هذا الموقف الّذي تبسل فيه كلّ نفس بما كسبت،أي تعزل و تفرد،ليس معها إلاّ ما كسبت من خير أو شرّ..

و الأصل في الباسل،أنّه الكريه،المخيف،الّذي يتجنّبه النّاس،و منه سمّي الفارس الشّجاع:باسلا،لأنّ المحاربين يتجنّبونه،و يصدّون عن لقائه.[ثمّ استشهد بشعر](4:212)

ابسلوا

...أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ. الأنعام:70

ابن عبّاس: أهلكوا و أوهنوا و عذّبوا،و هم عيينة و النّضر و أصحابهما.(تنوير المقباس:112)

نحوه الكلبيّ.(الأزهريّ 12:439)

فضحوا.(الطّبريّ 7:235)

نحوه مجاهد.(الأزهريّ 12:439)

قتادة: حبسوا.(الأزهريّ 12:439)

السّدّيّ: يقول:أسلموا.(الطّبريّ 7:235)

ابن زيد: أخذوا بما كسبوا.(الطّبريّ 7:235)

الفرّاء: أي ارتهنوا.(الأزهريّ 12:439)

الطّبريّ: يقول:أسلموا لعذاب اللّه،فرهنوا به جزاء بما كسبوا في الدّنيا من الآثام و الأوزار.(7:234)

القمّيّ: أي أسلموا بأعمالهم.(1:205)

السّجستانيّ: أي ارتهنوا و أسلموا للهلكة.(58)

ابن عطيّة: معناه أسلموا بما اجترحوه من الكفر.

(2:306)

الطّبرسيّ: أي أهلكوا،و قيل:أسلموا للهلكة فلا مخلص لهم،و قيل:ارتهنوا،و قيل:جوّزوا.

(2:318)

القرطبيّ: فمن أبسل فقد أسلم و ارتهن.و قيل:

أصله التّحريم،من قولهم:هذا بسل عليك،أي حرام، فكأنّهم حرموا الجنّة،و حرّمت عليهم الجنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإبسال:التّحريم.(7:17)

البيضاويّ: أي أسلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة و عقائدهم الزّائغة.(1:316)

مثله الكاشانيّ(2:129)،و البروسويّ(3:51)، و شبّر(2:274)،و نحوه الخازن(2:121)،و الشّربينيّ (1:428).

الآلوسيّ: أي حرموا الثّواب و سلّموا للعذاب،أو بأحد المعاني الباقية للإبسال.(7:187)

نحوه القاسميّ.(6:2364)

رشيد رضا: أي اولئك الموصوفون بما ذكرهم الّذين أسلموا للهلكة و ارتهنوا،و حبسوا عن دار السّعادة بسبب ما كسبوا من الأوزار و الآثام،حتّى أحاطت بهم خطاياهم،و لم يكن لهم من دينهم الّذي اتّخذوه لعبا و لهوا ما يزجرهم عنها.و ما ذا يكون جزاؤهم بعد الإبسال؟ لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ. (7:521)

ص: 528

الطّنطاويّ: أسلموا إلى العذاب بسبب سوء أعمالهم و انحراف عقولهم.(4:40)

المراغيّ: أي اولئك المتّخذون دينهم هزوا و لعبا،المغترّون بالحياة الدّنيا،هم الّذين حرموا الثّواب، و أسلموا للعذاب،و حبسوا عن دار السّعادة،بسبب ما كسبوا من الأوزار و الآثام،حتّى أحاطت بهم خطاياهم،و لم يكن لهم من دينهم الّذي اتّخذوه زاجر و لا مانع يرشدهم إلى التّحوّل عن تلك الأعمال القبيحة، و يصدّهم عن العقائد الزّائفة.(7:162)

المصطفويّ: أي أسلموا إلى الهلاكة و العذاب، بسبب ما كسبوا من الأعمال القبيحة المحرّمة.

(1:257)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:المنع و الحبس،و لذا قيل للشّيء الحرام:إنّه بسل،إلاّ أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوع منه بالحكم و القهر،و البسل هو الممنوع بالقهر،كما نصّ عليه الرّاغب.و قيل للمرتهن:بسل،لأنّه ممنوع من التّصرّف فيه،و كلّ ممتنع أو ممنوع فهو بسل.و منه:

البسل بمعنى الحبس.و البسالة:الشّجاعة،و الباسل و البسول:الشّجاع،لامتناعه ممّن يقصده،و جمعه:بسل و بسلاء.

2-و جاء منه أيضا:البسل و البسيل،أي الكريه المنظر،كأنّ كراهة وجهه توجب منع النّظر إليه،و لذا قيل للأسد:باسل،لكراهة وجهه أو لشجاعته.

و البسلة:أجرة الرّاقي،لأنّ العمل مرتهن بالأجرة.

و أبسله:أسلمه للهلاك،و المستبسل:المستسلم،فهو محبوس ممنوع،و منه قولهم:أبسل الرّجل للموت و استبسل فهو مستبسل،إذا وطّن نفسه للموت و استيقن به.

و بسل الشّيء يبسله بسلا:أخذه قليلا قليلا.

و أبسل بعمله:فضح به،لأنّ الفضيحة ضرر للإنسان.

و النّبيذ الباسل و البسيل،و هو ما يبقى في الآنية من شراب القوم،فيبيت فيها.

3-و هذه المادّة من الأضداد،كما ذهب إليه كثير من اللّغويّين،لتضمّنها معنى المنع و السّماح،و منه بسلا:

آمين،فالاستجابة قبول و سماح.

4-و منه قولهم:له وجه باسل،و هو رجل متبسّل الوجه،أي شديد العبوس،فكأنّ العابس منع وجهه عن الانبساط،فضمّ أساريره و قطّبها.

5-و البسل-أي الحرام-جاء للواحد و الاثنين و الجمع و للذّكر و الأنثى،يقال:هو و هي بسل،و هما بسل،و هم و هنّ بسل،كما يقال:رجل عدل،و امرأة عدل،و رجلان و امرأتان عدل،و قوم و نساء عدل.

الاستعمال القرآنيّ

جاء في القرآن لفظان من هذه المادّة،في آية واحدة من سورة مكّيّة:

وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ

ص: 529

مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ الأنعام:70

يلاحظ أوّلا:أنّهم اتّفقوا على تفسير(تبسل) و(ابسلوا)بالأخذ بالأعمال،و لكنّه مستفاد من(بما كسبوا)لا من نفس اللّفظ،و إن اختلفت تعبيراتهم عنه بقولهم:إنّه الحبس،أو الارتهان،أو الجزاء،أو التّسليم للهلاك و غيره،إلاّ أنّ معنى الحبس محفوظ في الجميع.

ثانيا:جاء كلا اللّفظين بصيغة المجهول،كأنّهم قهروا على الأخذ بما كسبوا،و هو تشديد لمعنى الحبس، و منبعث عن اقترانه ب لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، فإنّها من دواعي القهر و غلبة الهوى على النّفس.كما أنّه دالّ على أنّ الآخذ بالأعمال ذو قوّة قاهرة،محدق بالعباد و الأعمال.

ثالثا:جاء الفعل الأوّل بصيغة المضارع خبرا عمّا يأتي،و الثّاني بصيغة الماضي رمزا إلى تحقّق وقوعه،فإنّ المحقّق الوقوع في المستقبل كالماضي،و مثله كثير في آيات الآخرة.

رابعا:أنّ مجيئهما في آية مكّيّة-دون أن تكون هناك ضرورة من أجل الفواصل،كما في(ابّا)مثلا-ربّما يشعر بأنّ استعمالهما في مكّة قليل،و في المدينة كالمعدوم.

ص: 530

ب س م

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بسم يبسم بسما:فتح شفتيه كالمكاشر.و رجل بسّام،و امرأة بسّامة.وبسم و ابتسم و تبسّم بمعنى واحد،و في صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أن كان جلّ ضحكه التّبسّم.(7:277)

ابن دريد :بسم الرّجل يبسم،و تبسّم تبسّما، و رجل بسّام،و به سمّي الرّجل بسّاما.(1:289)

الصّاحب: بسم يبسم بسما:إذا فتح شفتيه كالمكاشر.و رجل بسّام و امرأة بسّامة.

و تبسّم الطّلع:إذا تفلّق أطرافه.و تبسّم البرق:لمع.

و ما بسمت فيه أبسم،أي ما ذقته.

و يقولون:بسمك يا هذا،يعني ما اسمك.(8:348)

الجوهريّ: التّبسّم:دون الضّحك،يقال:بسم بالفتح يبسم بسما فهو باسم،و ابتسم و تبسّم.

و المبسم:الثّغر،مثال المجلس،من جلس يجلس.

و رجل مبسام و بسّام:كثير التّبسّم.(5:1872)

مثله الطّريحيّ.(6:17)

ابن فارس: الباء و السّين و الهمزة و الميم أصل واحد،و هو إبداء مقدّم الفم لمسرّة،و هو دون الضّحك، يقال:بسم يبسم و تبسّم و ابتسم.(1:249)

ابن سيدة: بسم يبسم بسما،و تبسّم و ابتسم:

و هو أقلّ الضّحك و أحسنه.و في التّنزيل: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها النّمل:19،قال الزّجّاج:التّبسّم أكثر ضحك الأنبياء عليهم السّلام،و رجل بسّام.

و ابتسم السّحاب عن البرق:أنكل عنه.

(8:536)

الثّعالبيّ: التّبسّم:أوّل مراتب الضّحك.(128)

الزّمخشريّ: بسم:هو أغرّ بسّام،و أوّل مراتب الضّحك التّبسّم،و متى جئته فهو متبسّم،و كأنّ ابتسامتها ومضة برق،و هنّ غرّ المباسم.

و من المجاز:تبسّم البرق،و تبسّم الطّلع:تفلّقت أطرافه.

ص: 531

و يقال:و اللّه ما بسمت فيه،أي ما ذقته.

(أساس البلاغة:22)

أبو حيّان: التّبسّم:ابتداء الضّحك.و«تفعّل»فيه بمعنى المجرّد،و هو بسم.[ثمّ استشهد بشعر](7:51)

الفيّوميّ: بسم بسما،من باب ضرب:ضحك قليلا من غير صوت،و ابتسم و تبسّم كذلك،و يقال:

هو دون الضّحك.(1:49)

الفيروزآباديّ: بسم يبسم بسما و ابتسم و تبسّم،و هو أقلّ الضّحك و أحسنه،فهو باسم و مبسام و بسّام.

و المبسم كمنزل:الثّغر،و كمقعد:التّبسّم.

و ما بسمت في الشّيء:ما ذقته.

و كشدّاد و شدّادة:اسمان.(4:80)

مجمع اللّغة: التّبسّم:مبادئ الضّحك من غير صوت،و الضّحك:انبساط الوجه حتّى تظهر الأسنان من السّرور مع صوت خفيّ.فإن كان فيه صوت يسمع من بعيد فهو القهقهة.

و قد يطلق التّبسّم على أقلّ الضّحك،فيقال:بسم و ابتسم و تبسّم.(1:97)

العدنانيّ: المبسم أو المبسم:و يطلقون على الأنبوبة الصّغيرة المصنوعة من خشب أو معدن و نحوهما، و الّتي توضع فيها لفافة التّدخين،أو تدخّن بها النّارجيلة اسم مبسم.و يرى«المعجم الوسيط»أن نطلق عليها اسم مبسم،و يقول:إنّها كلمة محدثة دون أن يذكر أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة وافق على تلك التّسمية،و أنا أقترح:

1-أن يوافق مجمع القاهرة الّذي أصدر«المعجم الوسيط»أو أحد المجامع الثّلاثة الأخرى على استعمال «مبسم».

2-أو أن يوافق مجمع القاهرة نفسه،أو أشقّاؤه-في دمشق و بغداد و عمّان-على استعمال«مبسم»لأنّ المبسم آلة توصل الدّخان إلى الفم،و لأنّ«مفعل»من صيغ اسم الآلة القياسيّة الثّلاث:مفعل،و مفعلة، و مفعال.و قد ضمّ إليها مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة الصّيغ الآتية:

أ-فعّالة،مثل:ثلاّجة و خرّامة.

ب-فعال،مثل:إراث لما تؤرّث به النّار،أي توقد.

ج-فاعلة،مثل:ساقية.

د-فاعول،مثل:ساطور.

و بهذا تصبح الصّيغ القياسيّة لاسم الآلة سبعا، راجع الصّفحة(250)من مجلّة المجمع اللّغويّ،العدد الخاصّ بالبحوث،و المحاضرات،الّتي ألقيت في مؤتمر الدّورة التّاسعة و العشرين،سنة 1962-1963،فمن هذا نرى أنّ صيغة«مفعل»ليست بين هذه الصّيغ،و أنّ صيغة«مفعل»قياسيّة،يوافق عليها النّحاة كافّة.

و هنالك ألفاظ مسموعة شذّت صيغتها عن القياس،مثل:منخل،و مدقّ و مكحلة،و مسعط:الأداة الّتي يوضع بها الدّواء في أنف العليل،و مدهن:الأداة الّتي تستخدم في الدّهان،و ليس بينها ما هو على صيغة «مفعل».

و قد جاء في«النّحو الوافي»أنّه يجوز الاشتقاق من مصدر الفعل الثّلاثيّ المتصرّف اللاّزم و المتعدّي كليهما.

ص: 532

لذا أوثر أن يختار المجمع،أو المجامع صيغة«مفعل:

مبسم»و أرجو مجمع القاهرة إعادة النّظر في صيغ:فعال، و فاعلة،و فاعول،لأنّ ذلك يحدث فوضى نحن في غنى عنها.

و أرى مع صاحب«النّحو الوافي»أنّنا يمكننا الاستغناء عن الصّور الجديدة كلّها،باختيار صيغة من الصّيغ القديمة تستعمل أداة موصلة إلى المعنى المراد من كلّ صيغة من هذه الصّيغ المستحدثة.

و من معاني المبسم:الثّغر،و الجمع:مباسم.(61)

النّصوص التّفسيريّة

فتبسّم

فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها... النّمل:19

الزّجّاج: لأنّ أكثر ضحك الأنبياء عليهم السّلام التّبسّم، و(ضاحكا)منصوب حال مؤكّدة،لأنّ تبسّم بمعنى ضحك.(4:112)

الزّمخشريّ: و معنى فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً تبسّم شارعا في الضّحك و آخذا فيه،يعني أنّه قد تجاوز حدّ التّبسّم إلى الضّحك،و كذلك ضحك الأنبياء عليهم السّلام.

و أمّا ما روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ضحك حتّى بدت نواجذه،فالغرض المبالغة في وصف ما وجد منه من الضّحك النّبويّ،و إلاّ فبدوّ النّواجذ على الحقيقة إنّما يكون عند الاستغراب.(3:142)

القرطبيّ: قد قيل:إنّ تبسّم سليمان سرور بهذه الكلمة منها،و لذلك أكّد التّبسّم بقوله:(ضاحكا)إذ قد يكون التّبسّم من غير ضحك و لا رضا،أ لا تراهم يقولون:تبسّم تبسّم الغضبان،و تبسّم تبسّم المستهزئين.و تبسّم الضّحك إنّما هو عن سرور، و لا يسرّ نبيّ بأمر دنيا،و إنّما سرّ بما كان من أمر الآخرة و الدّين.(13:170)

و المعنى تبسّم مقدار الضّحك،لأنّ الضّحك يستغرق التبسّم،و التّبسّم دون الضّحك و هو أوّله،يقال:بسم بالفتح يبسم بسما فهو باسم،و ابتسم و تبسّم.

و المبسم:الثّغر،مثل المجلس من جلس يجلس.و رجل مبسام و بسّام:كثير التّبسّم.

فالتّبسّم:ابتداء الضّحك،و الضّحك عبارة عن الابتداء و الانتهاء،إلاّ أنّ الضّحك يقتضي مزيدا على التّبسّم،فإذا زاد و لم يضبط الإنسان نفسه قيل:قهقهة.

و التّبسّم:ضحك الأنبياء عليهم السّلام في غالب أمرهم.

(13:175)

أبو حيّان: لمّا كان التّبسّم يكون للاستهزاء و للغضب كما يقولون:تبسّم تبسّم الغضبان و تبسّم تبسّم المستهزئ،و كان الضّحك إنّما يكون للسّرور و الفرح،أتى بقوله:(ضاحكا).(7:62)

الآلوسيّ: قال ابن حجر:التّبسّم:مبادئ الضّحك من غير صوت،و الضّحك:انبساط الوجه حتّى تظهر الأسنان من السّرور مع صوت خفيّ،فإن كان فيه صوت يسمع من بعيد فهو القهقهة.و كأنّ من ذهب إلى اتّحاد التّبسّم و الضّحك خصّ ذلك بما كان من الأنبياء عليهم السّلام،فإنّ ضحكهم تبسّم.(19:179)

المصطفويّ:فتبسّم تعجّبا من قولها،و قد بلغ

ص: 533

تبسّمه إلى حال الضّحك،فكلمة(ضاحكا)حال.

(1:258)

[و في الآية أمور آخر راجع«ض ح ك»]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:تفلّق أطراف الطّلع،من قولهم:تبسّم الطّلع،ثمّ استعير في لمعان البرق،يقال:

تبسّم البرق،و في ضحك الإنسان،و هو أوّل مراتبه لديه،يقال:تبسّم الرّجل و ابتسم،و كذابسم يبسم بسما،و رجل بسّام و مبسام،و امرأة بسّامة.

2-و المبسم،بفتح السّين:التّبسّم،فهو مصدر ميميّ،و المبسم،بكسر السّين:الثّغر،لأنّه موضع التّبسّم،و أضاف إليه صاحب«المعجم الوسيط»معنى آخر،فقال:«أنبوبة من خشب أو معدن أو نحوهما، توضع فيها لفافة التّدخين،أو تدخّن بها النّارجيلة».

و هو خلاف القياس،لأنّ ما ذكره يدلّ على آلة، و وزن الآلة فيه على(مفعل)،بكسر الميم و فتح السّين، و ليس العكس فيهما،و هو ما اقترحه العدنانيّ صاحب «معجم الأغلاط اللّغويّة المعاصرة».

3-و قد وردت هذه المادّة في سائر اللّغات السّاميّة (1)بمعنى الفرح و العذوبة و سطوع العطر،و هو يقارب ما ذكر في العربيّة،لأنّه يبعث على الابتسام و الضّحك.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد في آية مكّيّة فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها النّمل:19،و يلاحظ فيها:

أوّلا:أنّه انحصر مجيئه مرّة واحدة في هذا اللّفظ،مع مجيء الضّحك-و هو بمعناه-عشر مرّات بصيغ مختلفة، و هل هذا شاهد على قلّة استعماله عند العرب،أو إشارة إلى أنّه لا يصدر عن النّاس إلاّ قليلا،و أنّهم لا يكتفون في إظهار السّرور بالتّبسّم-و هو أوّل الضّحك-بل يتجاوزونه فينفجرون ضاحكين،أو هو إشارة إلى أنّه خاصّ بالأنبياء و العقلاء،و هم قلّة؟

ثانيا:قد جمع التّبسّم و الضّحك في الآية،و له عند المفسّرين أسباب:

1-أنّه تبسّم شارعا في الضّحك و آخذا فيه،أي تجاوز حدّ التّبسّم و انتقل إلى الضّحك.

2-أنّ المتبسّم قد يكون ضاحكا و قد يكون غاضبا أو ممتعضا،فقيّد هنا ب(ضاحكا)حذرا من غيره.

3-ما يخطر بالبال أنّ اللّه لا يحبّ أن يسند الضّحك إلى نبيّه؛إذ هو فعل الجهلاء،فبدأ بالتّبسّم و انتهى بالضّحك، و هذا تكريم للنّبيّ سليمان عليه السّلام.

ثالثا:أنّ(ضاحكا)حال من التّبسّم،كأنّه قال:

تبسّم حال كونه ضاحكا من قولها،فالتّركيز في التّبسّم، و الضّحك لاحق به متفرّع منه،لاحظ«ض ح ك».

ص: 534


1- انظر قاموس سريانيّ عربيّ(32).و المعجم المقارن(1: 68).

ب ش ر

اشارة

33 لفظا،123 مرّة:84 مكّيّة،39 مدنيّة

في 47 سورة:36 مكّيّة،11 مدنيّة

بشرا 3:3 يبشّرهم 1:-1

بشرى 14:11-3 لتبشّر 1:1

بشراكم 1:-1 تبشّرون 1:1

بشير 5:3-2 نبشّرك 2:2

بشيرا 4:3-1 بشر 21:16-5

أبشروا 1:1 البشر 5:5

بشّروه 1:1 بشّر 13:3-10

بشّرتموني 1:1 بشّره 3:3

بشّرناه 2:2 بشّرهم 3:1-2

فاستبشروا 1:-1 مبشّرا 5:2-3

مستبشرة 1:1 مبشّرين 4:2-2

بشّرناها 1:1 مبشّرات 1:1

بشّرناك 1:1 تباشروهنّ 1:1

بشّر 3:3 باشروهنّ 1:-1

يبشّر 3:1-2 يستبشرون 6:3-3

يبشّرك 2:-2 بشرين 1:1

بشرا 10:10

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البشر:الإنسان الواحد،رجلا كان أو امرأة.هو بشر و هي بشر،و هما بشر،و هم بشر، لا يثنّى و لا يجمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و البشرة:أعلى جلد الوجه و الجسد من الإنسان، و هو البشر إذا جمعته،و إذا عنيت به اللّون و الرّقّة،و جمع الجمع:أبشار.و منه اشتقّت مباشرة الرّجل المرأة،لتضامّ أبشارهما.و مباشرة الأمر:أن تحضره بنفسك.

و البشر،بجزم الشّين:قشرك البشرة عن الجلد، و قد يقال لجميع الجلود:بشرته،إذا قشرت عنه قشرته الّتي ينبت فيها الشّعر،و القطعة منه بشرة.

و البشارة:ما بشّرت به،و البشير:المبشّر بخير أو شرّ،و البشارة:حقّ ما يعطى على ذلك،و البشرى:

الاسم.

و البشارة:الجمال،و امرأة بشيرة.[ثمّ استشهد

ص: 535

بشعر]

و البشارة:تباشر القوم بأمر.

و بشّرته:فأبشر و تبشّر و استبشر،و لغة:بشرته أبشره.

و تباشير الصّبح:أوائله،و أوائل كلّ أمر،و لم أسمع له فعلا.

و استبشر القوم:تباشروا.

و المبشّرات:الرّياح تهبّ بالسّحاب و الغيث.

(6:259)

الفرّاء: البشارة:الجمال.(الأزهريّ 11:359)

اللّيث: يقال للطّرائق الّتي تراها على وجه الأرض من آثار الرّياح الّتي تهبّ بالسّحاب إذا هي جرّته:

التّباشير.

و يقال لآثار جنب الدّابّة من الدّبر:التّباشير.

(الأزهريّ 11:359)

أبو زيد: من أمثالهم:«إنّما يعاتب الأديم ذو البشرة»أي يعاد في الدّباغ،يقول:إنّما يعاتب من يرجى و من له مسكة عقل.

و فلانة مؤدمة مبشرة،إذا كانت تامّة في كلّ وجه.

(الأزهريّ 11:358)

أبشرت الأرض،إذا أخرجت نباتها،و ما أحسن بشرة الأرض!

أبشرت الأرض إبشارا،إذا بذرت فخرج بذرها، فيقال عند ذلك:ما أحسن بشرة الأرض!

(الأزهريّ 11:360)

اللّحيانيّ: ناقة بشيرة:ليست بمهزولة و لا سمينة.

(الأزهريّ 11:360)

البشارة:ما قشرت من بطن الأديم.و التّحلى:

ما قشرت عن ظهره.(ابن منظور 4:60)

ابن الأعرابيّ: يقال:بشرته و بشّرته و بشرته و أبشرته،و بشرت بكذا،و بشرت و أبشرت،إذا فرحت به.

و رجل بشير الوجه،إذا كان جميلة،و امرأة بشيرة الوجه.(الأزهريّ 11:359)

المبشورة:الجارية الحسنة الخلق و اللّون،و ما أحسن بشرها!

هم البشار و القشار و الخشار:لسقّاط النّاس.

(الأزهريّ 11:360)

ابن السّكّيت: البشر:مصدر بشرت الأديم أبشره بشرا،و يقال:بشرت فلانا أبشره بشرا،إذا بشّرته،و يقال:إنّ فلانا لحسن البشر.

(إصلاح المنطق:21)

البشر:بشر الأديم،و هو أن يؤخذ باطنه بشفرة، يقال:بشرت الأديم أبشره بشرا.

و البشر:جمع بشرة،و هو ظاهر الجلد،و البشر أيضا:الخلق.(إصلاح المنطق:41)

يقال:قد أبشرت الأرض؛عند أوّل نبتها، و ما أحسن بشرتها!و قد بشرت الأديم أبشره بشرا،إذا أخذت باطنه بشفرة أو بسكّين.(إصلاح المنطق:277)

أبو حاتم: بشرت الرّجل و أبشرته و بشّرته،في معنى.(ابن دريد 1:257)

ابن دريد :البشر:طلاقة الوجه،فلان حسن

ص: 536

البشر.و البشر:موضع معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و البشرة:ظاهر الجلد،عنان مبشر،إذا أخرج ظاهر جلده.و من ذلك قولهم:باشر الرّجل المرأة،إذا ألصق بشرته ببشرتها.و بشرت الأديم،إذا قشرت بشرته.

و البشر:اسم يقع على النّاس،أسودهم و أحمرهم، يقال:هذا بشر،للرّجل،و هما بشران،للرّجلين.و في التّنزيل: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا المؤمنون:47،و لم يقولوا:ثلاثة بشر.

بشرت الرّجل و بشّرته بما يسرّ به.

و البشرى و البشارة:اسم لما بشّرت به.

و البشارة:الجمال و حسن الهيئة،و هي مصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بشير،و امرأة بشيرة.

و بشارة الأديم:ما سقط منه إذا بشر.

و تباشير الصّبح:أوّله،و كذلك تباشير النّخل:أوّل ما يرطب،و يقال:رأى النّاس التّباشير في النّخل،إذا رأوا الحمرة و الصّفرة.

و قد سمّت العرب:بشرا و مبشّرا و بشيرا و بشيرا.

(1:257)

نفطويه:سمّيت البشارة بشارة،لأنّها تبيّن في بشرة من بشّر بها.(الهرويّ 1:169)

الأزهريّ: بشر الجراد الأرض يبشرها،إذا أكل ما عليها.

أبو عبيد،عن أبي زيد: أبشرت الأرض،إذا أخرجت نباتها،و ما أحسن بشرة الأرض!

و قال أبو زياد و الأحمر: ما أحسن مشرتها!

و قال أبو الهيثم: مشّرتها،بالتّثقيل.

و قال أبو خيرة: مشرتها:ورقها.

و حكي عن أبي هلال قال: هي[النّاقة]الّتي ليست بالكريمة و لا الخسيسة.

و يقال:أبشرت النّاقة،إذا لقحت،فكأنّها بشّرت باللّقاح.

و أبشرت الأديم فهو مبشر،إذا ظهرت بشرته الّتي تلي اللّحم،و آدمته،إذا أظهرت أدمته الّتي ينبت عليها.

(11:360)

الصّاحب:و البشارة:بوزن البراية.

و بشار الطّراثيث:ما يؤخذ منها فيلقى في برمة و يطبخ.

و عنان مبشر،إذا ظهرت بشرته،و مبشور:

قشرت بشرته.

و البشارة:ما بشّرت به،و هو تباشير القوم.

و البشير:الّذي يبشّر القوم بخيرهم و شرّهم.

و البشرى:الاسم.

بشّرته فأبشر و بشر و تبشّر،و بشرته أبشره.

و قرئ (يبشرهم ربّهم) التّوبة:21،و هي البشارة و-تضمّ الباء و تفتح-و بشر يبشر،بمعنى أبشر.

و البشر في الوجه:الطّلاقة و الفرح.و استبشر القوم:تباشروا.

و البشارة:الجمال،امرأة بشيرة.

و أبشر الرّجل و بشّر و استبشر:فرح،و بشر:

مثله.

ص: 537

و تباشير الصّبح و كلّ شيء:أوائله،و كذلك أثر الرّكوب في ظهر البعير،و لا واحد له.

و التّبشّر:الصّعوة.

و أبشرت الأرض:خرج نباتها،و ما أحسن بشرتها!و أرض ذات بشرة،أي نبت فيها بقل كثير و عشب.

و النّاقة البشيرة:الّتي بين الكريمة و الخسيسة،و بين المهزولة و السّمينة.

و إذا همّت الفرس بالفحل و أرادت أن تستودق فهي مباشرة.

و تباشير النّخل:البواكير منه.

و أبشرت بك:سررت.

و بشّرته فبشر،أي خبّرته فخبر.(7:330)

الجوهريّ: البشرة و البشر:ظاهر جلد الإنسان.

و بشرة الأرض:ما ظهر من نباتها،و قد أبشرت الأرض،و ما أحسن بشرتها!

و البشر:الخلق.

و مباشرة المرأة:ملامستها.

و الحجر (1)المباشر:الّتي تهمّ بالفحل.

و مباشرة الأمور:أن تليها بنفسك.

و بشرت الأديم أبشره بشرا،إذا أخذت بشرته.

و فلان مؤدم مبشر،إذا كان كاملا من الرّجال،كأنّه جمع لين الأدمة و خشونة البشرة.

و بشر الجراد الأرض:أكل ما عليها.

و البشر أيضا:المباشرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بشرت الرّجل أبشره بالضّمّ بشرا و بشورا،من البشرى،و كذلك الإبشار و التّبشير،ثلاث لغات، و الاسم البشارة.

و البشارة بالضّمّ و الكسر،يقال:بشرته بمولود فأبشر إبشارا،أي سرّ.

و تقول:أبشر بخير،بقطع الألف،و منه قوله تعالى:

وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30.

و بشرت بكذا بالكسر،أبشر،أي استبشرت به.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أتاني أمر بشرت به،أي سررت به.

و بشرني فلان بوجه حسن،أي لقيني،و هو حسن البشر بالكسر،أي طلق الوجه.

و البشر أيضا:اسم جبل بالجزيرة،و اسم ماء لبني تغلب.

و بشرى:اسم رجل،لا ينصرف في معرفة و لا في نكرة،للتّأنيث و لزوم حرف التّأنيث له،و إن لم يكن صفة،لأنّ هذه الألف يبنى الاسم لها،فصارت كأنّها من نفس الكلمة،و ليست كالهاء الّتي تدخل على الاسم بعد التّذكير.

و قوله تعالى: يا بُشْرى هذا غُلامٌ يوسف:19، كقولك:عصاي.و تقول في التّثنية:يا بشرتيّ.

و البشارة المطلقة لا تكون إلاّ بالخير،و إنّما تكون بالشّرّ إذا كانت مقيّدة به،كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.

و تباشر القوم،أي بشّر بعضهم بعضا.ة.

ص: 538


1- قوله:و الحجر،بكسر الحاء،أي الأنثى من الخيل كالمهرة.

و التّباشير:البشرى،و تباشير الصّبح:أوائله، و كذلك أوائل كلّ شيء،و لا يكون منه فعل.

و البشير:المبشّر،و المبشّرات:الرّياح الّتي تبشّر بالغيث.و البشير:الجميل،و امرأة بشيرة و ناقة بشيرة، أي حسنة.[ثمّ استشهد بشعر]

و البشارة،بالفتح:الجمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّبشّر:طائر،يقال:هو الصّفاريّة.(2:590)

ابن فارس: الباء و الشّين و الرّاء أصل واحد:

ظهور الشّيء مع حسن و جمال،فالبشرة ظاهر جلد الإنسان،و منه باشر الرّجل المرأة؛و ذلك إفضاؤه ببشرته إلى بشرتها.و سمّي البشر بشرا لظهورهم.

و البشير:الحسن الوجه،و البشارة:الجمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بشّرت فلانا أبشّره تبشيرا،و ذلك يكون بالخير،و ربّما حمل عليه غيره من الشّرّ،و أظنّ ذلك جنسا من التّبكيت.

فأمّا إذا أطلق الكلام إطلاقا،فالبشارة بالخير، و النّذارة بغيره.يقال:أبشرت الأرض،إذا أخرجت نباتها،و يقال:ما أحسن بشرة الأرض!و يقال:بشرت الأديم،إذا قشرت وجهه.

و فلان مؤدم مبشر،إذا كان كاملا من الرّجال،كأنّه جمع لين الأدمة و خشونة البشرة.و يقال:إنّ بحنة بن ربيعة زوّج ابنته،فقال لامرأته:«جهّزيها فإنّها المؤدمة المبشرة».(1:251)

أبو هلال: الفرق بين البشر و البشاشة [و الهشاشة]:أنّ البشر أوّل ما يظهر من السّرور بلقى من يلقاك،و منه البشارة و هي أوّل ما يصل إليك من الخبر السّارّ.فإذا وصل إليك ثانيا لم يسمّ بشارة،و لهذا قالت الفقهاء:إنّ من قال:من بشّرني بمولود من عبيدي فهو حرّ،أنّه يعتق أوّل من يخبره بذلك،و النّغية:هي الخبر السّارّ وصل أوّلا أو أخيرا،و في المثل:«البشر علم من أعلام النّجح».

و الهشاشة:هي الخفّة للمعروف،و قد هششت يا هذا،بكسر الشّين،و هو من قولك:شيء هشّ،إذا كان سهل المتناول.فإذا كان الرّجل سهل العطاء،قيل:

هو هشّ بيّن الهشاشة.

و البشاشة:إظهار السّرور بمن تلقاه،و سواء كان أوّلا أو أخيرا.(218)

الفرق بين السّرور و الاستبشار:أنّ الاستبشار هو السّرور بالبشارة،و الاستفعال للطّلب.و المستبشر بمنزلة من طلب السّرور في البشارة فوجده.و أصل البشرة من ذلك،لظهور السّرور في بشرة الوجه.

(219)

الهرويّ: يقال:وجه بشير،إذا كان حسنا،بيّن البشارة،بفتح الباء.

و في الحديث: «ما من رجل له إبل و بقر لا يؤدّي حقّها إلاّ بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر،ثمّ جاءت كأكثر ما كانت و أبشره»أي أحسنه.

و سمّيت الرّياح مبشّرات،لأنّها تبشّر بالمطر.

و في حديث عبد اللّه: «من أحبّ القرآن فليبشر»أي ليفرح و ليسرّ؛أراد أنّ محبّة القرآن دليل على محض الإيمان.

ص: 539

و من رواه بضمّ الشّين فهو من:بشرت الأديم أبشره،إذا أخذت باطنه بشفرة.

أراد على هذا المعنى:فليضمّر نفسه للقرآن،فإنّ الاستكثار من الطّعام ينسيه إيّاه.

و في الحديث: «أمرنا أن نبشر الشّوارب بشرا»أي نحفّها حتّى تتبيّن بشرتها.(1:169)

ابن سيدة: البشر:الإنسان،و الواحد و الجميع و المذكّر و المؤنّث في ذلك سواء،و قد يثنّى،و في التّنزيل:

أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا المؤمنون:47،و الجمع أبشار.

و البشرة:ظاهر أعلى جلدة الوجه و الرّأس و الجسد من الإنسان،و هي الّتي عليها الشّعر،و قيل:هي الّتي تلي اللّحم.و في المثل:«إنّما يعاتب الأديم ذو البشرة».

قال أبو حنيفة:معناه:أن يعاد إلى الدّباغ،و الجمع:بشر، فأمّا قوله:

تدرّي فوق متنيها قرونا على بشر و آنسة لباب

فقد يكون جمع بشرة،كشجرة و شجر و ثمرة و ثمر، و قد يكون أراد الهاء فحذفها،كقول أبي ذؤيب:

ألا ليت شعري هل تنظّر خالد

عبادي على الهجران أم هو يائس

و أبشار:جمع الجمع.

و بشر الأديم يبشره بشرا و أبشره:قشر بشرته الّتي ينبت عليها الشّعر.و قيل:هو أن يأخذ باطنه بشفرة.

و البشارة:ما بشر منه.

و أبشره:أظهر بشرته.

و رجل مؤدم،أي جمع بين لين الأدمة و خشونة البشرة.

و امرأة مؤدمة مبشرة:تامّة في كلّ وجه.

و بشر الجراد الأرض يبشرها بشرا:قشرها كأنّ ظاهر الأرض بشرتها.

و ما أحسن بشرته،أي:سحناءه و هيئته.

و أبشرت الأرض:بذرت فظهر نباتها حسنا.

و ما أحسن بشرتها.

و البشرة:البقل و العشب،و كلّه من البشرة.

و باشر الرّجل امرأته مباشرة و بشارا:كان معها في ثوب واحد فوليت بشرته بشرتها.و قوله تعالى:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ البقرة:

187،معنى المباشرة:الجماع؛و كان الرّجل يخرج من المسجد و هو معتكف فيجامع ثمّ يعود إلى المسجد.

و باشر الأمر:وليه بنفسه،و هو مثل بذاك لأنّه لا بشرة لأمر إذ ليس بعين.و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«فباشروا روح اليقين»،فاستعاره لروح اليقين، لأنّ روح اليقين عرض،و بيّن أنّ العرض ليست له بشرة.

و البشر:الطّلاقة،و قد بشره بالأمر يبشره بشرا؛ و بشورا،و بشرا،و بشره به،كلّه عن اللّحيانيّ.

و بشر يبشر بشرا و بشورا.

و بشر و تبشّر و استبشر و أبشر:فرح،و في التّنزيل: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ التّوبة:

111،و فيه أيضا: وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30، و استبشره،كبشره.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 540

و التّبشير يكون بالخير و الشّرّ.كقوله تعالى:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،التّوبة:34، الانشقاق:24،و قد يكون هذا على قولهم:«تحيّتك الضّرب و عتابك السّيف»و الاسم:البشرى.و قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يونس:64،جاء في أكثر التّفسير في الدّنيا الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن في منامه أو ترى له.و في الآخرة الجنّة.

و البشارة أيضا:ما يتعاطاه المبشّر بالأمر.

و البشير:المبشّر.

و هم يتباشرون بذلك الأمر،أي:يبشّر بعضهم بعضا.

و المبشّرات:الرّياح الّتي تهبّ بالسّحاب و الغيث، و في التّنزيل: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ الرّوم:46،و فيه: وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً الأعراف:57،الفرقان:48،و بشرا،و بشرى، و بشرا؛فبشرا:جمع بشور،و بشرا مخفّف منه،و بشرى بمعنى بشارة،و بشرا مصدر بشره بشرا:إذا بشّره.

و أبشر الرّجل:فرح.[ثمّ استشهد بشعر]

و بشّرت النّاقة باللّقاح،و هو حين يعلم ذلك عند أوّل ما تلقح.

و تباشير كلّ شيء:أوّله،كتباشير الصّبح و النّور،لا واحد له،و ليس له نظير إلاّ ثلاثة أحرف:تعاشيب الأرض،و تعاجيب الدّهر،و تفاطير النّبات:ما ينفطر منه،و هو أيضا ما يخرج على وجوه الغلمان و الفتيات، [ثمّ استشهد بشعر]

و يروى:تفاطين،بالنّون.

و تباشير النّخل في أوّل ما يرطب.

و البشارة:الحسن،[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بشير،و امرأة بشيرة،و وجه بشير:حسن، [ثمّ استشهد بشعر]

و البشير:الحسن الوجه.

و أبشر الأمر وجهه:حسّنه و نضّره،و عليه وجّه أبو عمرو قراءة من قرأ: (ذلك الّذى يبشر اللّه عباده) الشّورى:23،قال:إنّما قرئت بالتّخفيف لأنّه ليس فيه بكذا،إنّما تقديره ذلك الّذي ينضّر اللّه به وجوههم.

و التّبشّر،و التّبشّر:طائر.و لا نظير له،و سيأتي ذكره.

و قولهم:وقع في وادي تهلّك،و وادي تظلّل، و وادي تخيّب.

و النّاقة البشيرة:الصّالحة الّتي على النّصف من شحمها،و قيل:هي الّتي بين ذلك ليست بالكريمة و لا بالخسيسة.

و بشر،و بشرة:اسمان.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك بشير،و بشير،و بشّار،و مبشّر.

و البشر:اسم جبل.[ثمّ استشهد بشعر](8:57)

البشرة:ظاهر جلدة الرّأس،و ظاهر جلد الإنسان، و هو الّذي ينبت فيه الشّعر.الجمع:بشر،و جمع الجمع:

أبشار.(الإفصاح 1:23)

البشر:بشر الجلد يبشره بشرا:أخذ باطنه بشفرة.

و البشارة:ما بشرته منه.(الإفصاح 2:810)

البشر:طلاقة الوجه،يقال:بشرني فلان بوجه حسن،أي لقيني،و هو حسن البشر،أي طلق الوجه.

ص: 541

بشر به يبشر بشرا:فرح،و بشره بالأمر يبشره بشرا و بشورا،و بشّره و أبشره:فرّحه،فبشر به و تبشّر و أبشر و استبشر:فرح.

و الاسم:البشر و البشارة،سمّيت بذلك لأنّ الّذي يبشّر بما يسرّه تحسن بشرة وجهه،و قد بشر بشارة، إذا حسن و جمل.

و البشير:المبشّر،و البشارة:ما يعطاه المبشّر،و هم يتباشرون بالأمر،أي يبشر بعضهم بعضا.

(الإفصاح 2:1301)

البشر:الإنسان،ذكرا أو أنثى،واحدا أو جمعا،و قد يثنّى،و في التّنزيل: فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا المؤمنون:47،و يجمع:أبشارا.(الإفصاح 2:1338)

الطّوسيّ: و التّبشير:الإخبار بما يسرّ بما يظهر في بشرة الوجه سرورا به،يقال:بشرته أبشره بشارة، و أبشر إبشارا،بمعنى استبشر،و بشّرته تبشيرا.

(6:342)

يقال:استبشر استبشارا و أبشر إبشارا،بمعنى واحد.و ضدّه اكتأب اكتئابا.(6:347)

البشارة:هو الإخبار بما يسرّ المخبر به إذا كان سابقا لكلّ خبر سواه،لأنّ الثّاني لا يسمّى بشارة.

و قد قيل:إنّ الإخبار بما يغمّ أيضا يسمّى بشارة،كما قال تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21، و الأولى أن يكون ذلك مجازا.

و هي مأخوذة من البشرة،و هي ظاهر الجلد، لتغييرها بأوّل الخبر.و منه تباشير الصّبح:أوّله،و كذلك تباشير كلّ شيء.

المبشّرات:الرّياح الّتي تجيء لسحاب.

و البشر:الإنسان.و البشرة:أعلى جلدة الجسد، و الوجه من الإنسان.

و المباشرة:ملاصقة البشرة.و البشر:قشر الجلد.

(1:107)

نحوه الطّبرسيّ.(1:64)

الرّاغب: البشرة:ظاهر الجلد،و الأدمة باطنه، كذا قال عامّة الأدباء.و قال أبو زيد:بعكس ذلك، و غلط أبو العبّاس و غيره.و جمعها:بشر،و أبشار.

و عبّر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشّعر،بخلاف الحيوانات الّتي عليها الصّوف أو الشّعر أو الوبر.

و استوى في لفظ البشر الواحد و الجمع،و ثنّي فقال تعالى: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ المؤمنون:47.

و خصّ في القرآن كلّ موضع اعتبر من الإنسان جثّته و ظاهره بلفظ البشر،نحو: هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الفرقان:54،و قال عزّ و جلّ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ص:71.

و لمّا أراد الكفّار الغضّ من الأنبياء اعتبروا ذلك، فقالوا: إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ المدّثّر:25،و قال تعالى: أَ بَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ القمر:24، ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15، أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا المؤمنون:47، فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا التّغابن:6.

و على هذا قال: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فصّلت:

6،تنبيها أنّ النّاس يتساوون في البشريّة،و إنّما يتفاضلون بما يختصّون به من المعارف الجليلة و الأعمال

ص: 542

الجميلة،و لذلك قال بعده: يُوحى إِلَيَّ تنبيها أنّي بذلك تميّزت عنكم.

قال تعالى: لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ فخصّ لفظ البشر، قوله: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا مريم:17،فعبارة عن الملائكة،و نبّه أنّه تشبّح لها و تراءى لها بصورة بشر، و قوله تعالى: ما هذا بَشَراً يوسف:31،فإعظام له و إجلال،و أنّه أشرف و أكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر.

و بشرت الأديم:أصبت بشرته،نحو أنفت و رجلت،و منه بشر الجراد الأرض،إذا أكلته.

و المباشرة:الإفضاء بالبشرتين،و كنّي بها عن الجماع في قوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ البقرة:187،و قال تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ البقرة:

187.

و«فلان مؤدم مبشر»أصله من قولهم:أبشره اللّه و آدمه،أي جعل له بشرة و أدمة محمودة،ثمّ عبّر بذلك عن الكامل الّذي يجمع بين الفضيلتين:الظّاهرة و الباطنة.و قيل:معناه جمع لين الأدمة و خشونة البشرة.

و أبشرت الرّجل و بشّرته و بشرته:أخبرته بسارّ بسط بشرة وجهه،و ذلك أنّ النّفس إذا سرّت انتشر الدّم فيها انتشار الماء في الشّجر.

و بين هذه الألفاظ فروق،فإنّ بشرته عامّ، و أبشرته نحو أحمدته و بشّرته،على التّكثير.و أبشر يكون لازما و متعدّيا،يقال:بشرته فأبشر أي استبشر و أبشرته.

و قرئ (يبشّرك) و (يبشرك) و (يبشرك) قال عزّ و جلّ: قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ الحجر:53، قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ الحجر:54، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ الحجر:55.

و استبشر،إذا وجد ما يبشّره من الفرح،قال تعالى:

وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ آل عمران:170، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ آل عمران:171،و قال تعالى: وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ الحجر:67.

و يقال للخبر السّارّ:البشارة و البشرى،قال تعالى:

لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يونس:

64،و قال تعالى: لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ الفرقان:22، وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى هود:69، يا بُشْرى هذا غُلامٌ يوسف:19، وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ آل عمران:126.

و البشير:المبشّر،قال تعالى: فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف:96، فَبَشِّرْ عِبادِ الزّمر:17، وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ الرّوم:46،أي تبشّر بالمطر.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«انقطع الوحي و لم يبق إلاّ المبشّرات» و هي الرّؤيا الصّالحة الّتي يراها المؤمن أو ترى له.

و قال تعالى: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ يس:11،و قال:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:34، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً النّساء:138، وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:3،فاستعارة ذلك تنبيه أنّ أسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب.[ثمّ

ص: 543

استشهد بشعر]

و يصحّ أن يكون على ذلك قوله تعالى: قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ إبراهيم:30،و قال عزّ و جلّ: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ الزّخرف:17.

و يقال:أبشر،أي وجد بشارة،نحو أبقل و أمحل وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فصّلت:30.

و أبشرت الأرض:حسن طلوع نبتها،و منه قول ابن مسعود رضي اللّه عنه:«من أحبّ القرآن فليبشر» أي فليسرّ.

قال الفرّاء: إذا ثقّل فمن البشرى،و إذا خفّف فمن السّرور،يقال:بشرته فبشر،نحو جبرته فجبر.و قال سيبويه:فأبشر.

قال ابن قتيبة: هو من بشرت الأديم،إذا رقّقت وجهه،قال:و معناه فليضمّر نفسه،كما روي:«إنّ وراءنا عقبة لا يقطعها إلاّ الضّمّر من الرّجال».

[ثمّ استشهد بشعر]

و تباشير الوجه و بشره:ما يبدو من سروره، و تباشير الصّبح:ما يبدو من أوائله،و تباشير النّخل:

ما يبدو من رطبه،و يسمّى ما يعطى المبشّر:بشرى و بشارة.(47)

الزّمخشريّ: البشارة:الإخبار بما يظهر سرور المخبر به،و من ثمّ قال العلماء:إذا قال لعبيده:أيّكم بشّرني بقدوم فلان فهو حرّ،فبشّروه فرادى عتق أوّلهم،لأنّه هو الّذي أظهر سروره بخبره دون الباقين.

و لو قال مكان بشّرني:أخبرني،عتقوا جميعا، لأنّهم جميعا أخبروه.

و منه البشرة:لظاهر الجلد،و تباشير الصّبح:ما ظهر من أوائل ضوئه.(1:254)

بشرته بكذا و بشّرته و أبشرته،فبشر و أبشر و بشّر و استبشر و تبشّر و تباشروا به.

و تتابعت البشارات و البشائر،و جاء البشراء،و هو حسن البشر،و استقبلني ببشره.

و بشر الأديم و أبشره:قشر وجهه.

و من المجاز:فلان مؤدم مبشر.

و ما أحسن بشرة الأرض!و هي ما يخرج من نباتها فيلبسها.

و طلعت تباشير الصّبح،و هي أوائله الّتي تبشّر به، كأنّها جمع تبشير،و هو مصدر بشّر.و فيه مخايل الرّشد و تباشيره.و رأى النّاس في النّخل التّباشير،و هي البواكير.

و هبّت المبشّرات،و هي الرّياح الّتي تبشّر بالغيث.

و باشر الأمر:حضره بنفسه.و باشره النّعيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الفعل ضربان:مباشر و متولّد.

(أساس البلاغة:22)

ابن عطيّة: بشّر:مأخوذ من البشرة،لأنّ ما يبشّر به الإنسان من خير أو شرّ يظهر عنه أثر في بشرة الوجه.

و الأغلب استعمال«البشارة»في الخير،و قد تستعمل في الشّرّ مقيّدة به،منصوصا على الشّرّ المبشّر به،كما قال تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:

ص: 544

21،التّوبة:34،الانشقاق:24.

و متى أطلق لفظ«البشارة»فإنّما يحمل على الخير.

(1:108)

الطّبرسيّ: البشر:يقع على القليل و الكثير،فهو بمنزلة المصدر،مثل الخلق،تقول:هذا بشر و هؤلاء بشر،كما تقول:هذا خلق و هؤلاء خلق.و إنّما وقع المصدر على القليل و الكثير،لأنّه جنس الفعل،فصار كأسماء الأجناس،مثل الماء و التّراب،و نحوه.

(1:465)

ابن الأثير: في حديث توبة كعب:«فأعطيته ثوبي بشارة»البشارة بالضّمّ:ما يعطى البشير،كالعمالة للعامل.و بالكسر:الاسم،لأنّها تظهر طلاقة الإنسان و فرحه.

و في حديث عبد اللّه بن عمرو: «أمرنا أن نبشر الشّوارب بشرا»أي نحفيها حتّى تبين بشرتها،و هي ظاهر الجلد،و يجمع على أبشار.

و منه الحديث: «لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم».

و منه الحديث: «أنّه يقبّل و يباشر و هو صائم»أراد بالمباشرة:الملامسة،و أصله من لمس بشرة الرّجل بشرة المرأة،و قد تكرّر ذكرها في الحديث.و قد ترد بمعنى الوطء في الفرج و خارجا منه.

و في حديث الحجّاج: «كيف كان المطر و تبشيره» أي مبدؤه و أوّله.(1:129)

القرطبيّ: التّبشير:الإخبار بما يظهر أثره على البشرة-و هي ظاهر الجلد-لتغيّرها بأوّل خبر يرد عليك،ثمّ الغالب أن يستعمل في السّرور مقيّدا بالخير المبشّر به،و غير مقيّد أيضا.و لا يستعمل في الغمّ و الشّرّ إلاّ مقيّدا منصوصا على الشّرّ المبشّر به،قال اللّه تعالى:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.

و يقال:بشّرته و بشرته-مخفّف و مشدّد-بشارة بكسر الياء،فأبشر و استبشر.

و بشر يبشر،إذا فرح.و وجه بشير،إذا كان حسنا بيّن البشارة،بفتح الباء.و البشرى:ما يعطاه المبشّر.

و تباشير الشّيء:أوّله.(1:238)

الفيّوميّ: بشر بكذا يبشر مثل فرح يفرح وزنا و معنى،و هو الاستبشار أيضا،و المصدر:البشور.

و يتعدّى بالحركة،فيقال:بشرته أبشره بشرا من باب«قتل»في لغة تهامة و ما والاها،و الاسم منه:بشر بضمّ الباء،و التّعدية بالتّثقيل لغة عامّة العرب،و قرأ السّبعة باللّغتين.

و اسم الفاعل من المخفّف:بشير،و يكون البشير في الخير أكثر من الشّرّ.و البشرى«فعلى»من ذلك، و البشارة أيضا بكسر الباء و الضّمّ:لغة،و إذا أطلقت اختصّت بالخير.

و البشر بالكسر:طلاقة الوجه.و البشرة:ظاهر الجلد،و الجمع:البشر،مثل قصبة و قصب،ثمّ أطلق على الإنسان واحده و جمعه،لكنّ العرب ثنّوه و لم يجمعوه،و في التّنزيل قالوا: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا المؤمنون:47.

و باشر الرّجل زوجته:تمتّع ببشرتها.و باشر الأمر:

تولاّه ببشرته،و هي يده،ثمّ كثر حتّى استعمل في الملاحظة.

ص: 545

و بشرت الأديم بشرا من باب«قتل»:قشرت وجهه.(1:49)

الفيروزآباديّ: البشر محرّكة:الإنسان،ذكرا أو أنثى،واحدا أو جمعا،و قد يثنّى،و يجمع:أبشارا.

و ظاهر جلد الإنسان،قيل:و غيره،جمع بشرة، و أبشار:جمع الجمع.

و البشر:القشر كالإبشار،و إحفاء الشّارب حتّى تظهر البشرة،و أكل الجراد ما على الأرض.

و المباشرة و التّبشير كالإبشار و البشور و الاستبشار.

و البشارة:الاسم منه كالبشرى،و ما يعطاه المبشّر و يضمّ فيهما،و بالفتح:الجمال،و هو أبشر منه،أي أحسن و أجمل و أسمن.

و البشر بالكسر:الطّلاقة،و كغراب:سقاط النّاس، و البشير:المبشّر و الجميل،و هي بهاء.

و المبشورة:الحسنة الخلق و اللّون.

و التّباشير:البشرى،و أوائل الصّبح،و كلّ شيء [أوائله]،و طرائق على الأرض من آثار الرّياح،و آثار بجنب الدّابّة من الدّبر،و البواكر من النّخل،و ألوان النّخل أوّل ما يرطب.

و أبشر:فرح،و منه أبشر بخير،و الأرض:أخرجت بشرتها،أي ما ظهر من نباتها،و النّاقة:لقحت،و الأمر:

حسّنه و نضّره.

و باشر الأمر:وليه بنفسه.و المرأة:جامعها،أو صارا في ثوب واحد،فباشرت بشرته بشرتها.

و التّبشّر،بضمّ التّاء و الباء و كسر الشّين المشدّدة، و بخطّ الجوهريّ،الباء مفتوحة:طائر يقال له:

الصّفاريّة،الواحدة بهاء.

و بشرت به كعلم و ضرب:سررت،و بشرني بوجه حسن:لقيني.و سمّوا مبشّرا كمحدّث و كتّان و كتابة و كنانة.(1:386)

مجمع اللّغة: 1-التّبشير يكون بالخير،و قد يكون بالشّرّ إذا كان مقيّدا به،يقال:بشّره تبشيرا،إذا أخبره بخبر يظهر أثره على بشرة وجهه.

2-البشير:الّذي يبشّر القوم بأمر خير،و جمع بشير:بشر و بشر.

3-و يقال للخبر السّارّ:بشارة و بشرى.

4-و يقال:بشرته فأبشر،أي خبرته بخبر سارّ فسرّ.

5-و استبشر:وجد ما يبشر،فهو مستبشر و هي مستبشرة.

6-و البشرة:ظاهر الجلد،و جمعها:بشر.

7-و البشر:الخلق،يقع على الذّكر و الأنثى، و الواحد و الاثنين و الجمع،و قد يثنّى.

8-باشر امرأته مباشرة:وليت بشرته بشرتها، و يكنّى به عن الاتّصال الجنسيّ.(1:97)

محمود شيت:1-أ-بشر به بشرا:فرح،بشر فلانا بالأمر:فرّحه به.بشر فلانا بوجه طلق:لقيه به.

ب-بشر بالخير:فرح به و سرّ،و بشر بالشّيء:

استبشر به.

ج-بشر بشارة:حسن و جمل فهو بشير،الجمع:

بشراء و بشائر.

د-باشر زوجه مباشرة و بشارا:لامست بشرته

ص: 546

بشرتها،و باشر زوجه:غشيها،و باشر الفعل:فعله من غير وساطة،و باشر النّعيم فلانا:بدا عليه أثره،و باشر الشّيء بالشّيء مباشرة:جعله ملاصقا له.

ه-بشّرت النّاقة و نحوها:بدأ أوّل نتاجها.

و بشّرت الرّيح بالغيث:ساقت معها مزنا ممطرا.

و-تباشر القوم:بشّر بعضهم بعضا،و يقال:هم يتباشرون بكذا.

ز-تبشّر:فرح و تهلّل.

ح-استبشر:فرح و سرّ.

ط-البشار:بشار النّاس:حثالتهم.

ي-البشارة:الخبر السّارّ لا يعلمه المخبر به، و ما يعطاه المبشّر،الجمع:بشائر.و بشائر الصّبح:أوائله.

ك-البشر:طلاقة الوجه.

ل-البشر:الإنسان،الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث فيه سواء.

م-البشرة:ظاهر الجلد،و بشرة الأرض:ما ظهر من نباتها،الجمع:بشر.

ن-البشرى:ما يبشّر به.و ما يعطاه المبشّر،الجمع:

بشر.

س-البشريّة:طائفة من المعتزلة،ينسبون إلى بشر بن المعتمر.

ع-البشور من الرّياح:الّتي تبشّر بالمطر،الجمع:

بشر.

ف-التّباشير:تباشير كلّ شيء:أوائله،كتباشير الصّبح و الزّهر،و بواكير النّخل.

ص-التّبشير:الدّعوة إلى الدّين.

2-أ-باشر الجيش القتال:بدأ به.

ب-بشير:المخبر بالنّصر على الأعداء،الّذي يخبر انتصار الجيش.(1:85)

العدنانيّ: و يقولون:بشرة الإنسان،أي ظاهر جلده،أو هي أعلى جلدة الرّأس و الوجه و الجسد من الإنسان،و هي الّتي عليها الشّعر.و قيل:هي الّتي تلي اللّحم،كما جاء في«اللّسان».

و الصّواب هي بشرة الإنسان:اللّيث،و الأزهريّ و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم،و الأساس، و المغرب،و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و المتن، و الوسيط.

و الجمع:بشر،و جمع الجمع:أبشار،و في الحديث:

«لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم».

و جاء في«النّهاية»:و في حديث عبد اللّه بن عمرو:

«أمرنا أن نبشر الشّوارب بشرا»أي نحفيها حتّى تبين بشرتها،و هي ظاهر الجلد.

و جاء في«اللّسان»:بشرته فأبشر،و استبشر، و تبشّر،و بشر:فرح.

أمّا بشرة الأرض،فهي ما ظهر من نباتها-البقل و العشب-و في المثل:«إنّما يعاتب الأديم ذو البشرة»أي إنّما يعاتب من فيه رجاء و مستعتب.

و تستعار البشرة لقشر الشّجر،«مجاز».

و يقولون:البثّ الإذاعيّ المباشر،و الصّواب:البثّ الإذاعيّ المباشر،لأنّ الفعل هو:باشر الأمر يباشره مباشرة و بشارا يعني تولاّه بنفسه.

و نحن نباشر البثّ الإذاعيّ،أي نتولاّه بأنفسنا،

ص: 547

فنحن مباشرون،و البثّ مباشر من قبل المذيع،الّذي يكون للبثّ مباشرا.

و من معاني الفعل«باشر»:

1-باشر الفعل:فعله من غير وساطة.

2-باشر النّعيم فلانا:بدا عليه أثره.

3-باشر الشّيء بالشّيء مباشرة:جعله ملاصقا له.

و في الحديث:«اللّهمّ إنّي أسألك إيمانا تباشر به قلبي».(61)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو:الانبساط المخصوص الطّبيعيّ،و الطّلاقة في السّيماء لوجوههم تكوينا،و يمكن أن يقال:إنّ البشر حالة طبيعيّة للإنسان من الانبساط،و هي قبل التّبسّم.

و بهذه الحالة يمتاز الإنسان في الظّاهر عن سائر الحيوانات،فالبشر كحسن صفة مشبّهة،و هو من كان منبسطا طلقا تكوينا،ثمّ صار اسما لنوع الإنسان.

و يدلّ على ما ذكرنا من الأصل قولهم:بشرة الأرض:ما ظهر من نباتها،و هو حسن البشر،أي طلق الوجه،و بشر بكذا كفرح لفظا و معنى،و البشر:ظهور الشّيء مع حسن و جمال،و البشير:الحسن الوجه، و البشارة:الجمال.

و أمّا البشرة بمعنى الجلد،فمعنى مجازيّ،باعتبار كون البشر،و ظهوره في الجلد و ظاهر البدن.

و أمّا المباشرة فإنّ«المفاعلة»للامتداد و الطّول، و امتداد الطّلاقة و الانبساط بالنّسبة إلى الزّوجة يدلّ على الملامسة.أو أنّ هذا المعنى مستفاد من الاشتقاق الانتزاعيّ من البشرة بمعنى الجلد،و كذلك مباشرة الأمور على الوجهين.

و أمّا التّبشير فهو إيصال الانبساط و الطّلاقة إلى الغير و الإيجاد فيه،كما هو مقتضى التّعدية.

و قد سبق في«أنس»أنّ الإنسان باعتبار معنى الظّهور في مفهومه يذكر في مقابل الجنّ،و لم يذكر البشر في مقابله.(1:259)

النّصوص التّفسيريّة

بشرا

هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ...

الأعراف:57

الطّبريّ: و النّشر بفتح النّون و سكون الشّين:في كلام العرب من الرّياح الطّيّبة اللّيّنة الهبوب،الّتي تنشئ السّحاب،و كذلك كلّ ريح طيّبة عندهم فهي نشر،[ثمّ استشهد بشعر]

و بهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين،خلا عاصم بن أبي النّجود،فإنّه كان يقرؤه(بشرا)على اختلاف عنه فيه.فروى ذلك بعضهم عنه(بشرا)بالباء و ضمّها و سكون الشّين،و بعضهم بالباء و ضمّها و ضمّ الشّين،و كان يتأوّل في قراءته ذلك،كذلك قوله:

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ الرّوم:46، تبشّر بالمطر،و أنّه جمع بشير بشرا،كما يجمع النّذير نذرا.

و أمّا قرّاء المدينة و عامّة المكّيّين و البصريّين،فإنّهم قرءوا ذلك (هو الّذى يرسل الرّياح نشرا) بضمّ النّون

ص: 548

و الشّين،بمعنى جمع نشور جمع نشر،كما يجمع الصّبور صبرا و الشّكور شكرا.

و كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:معناها إذا قرئت كذلك:إنّها الرّيح الّتي تهبّ من كلّ ناحية و تجيء من كلّ وجه.

و كان بعضهم يقول: إذا قرئت بضمّ النّون فينبغي أن تسكّن شينها،لأنّ ذلك لغة بمعنى«النّشر»بالفتح.

و قال:العرب تضمّ النّون من النّشر أحيانا،و تفتح أحيانا،بمعنى واحد،قال:فاختلاف القرّاء في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه،و كان يقول:هو نظير الخسف و الخسف،بفتح الخاء و ضمّها.

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ قراءة من قرأ ذلك (نشرا) و (نشرا) بفتح النّون و سكون الشّين، و بضمّ النّون و الشّين،قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار،فلا أحبّ القراءة بها،و إن كان لها معنى صحيح،و وجه مفهوم في المعنى و الإعراب،لما ذكرنا من العلّة.(8:209)

أبو زرعة: قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو: (نشرا بين) بضمّ النّون و الشّين،جمع نشور،كقولك:صبور، و صبر،و عجوز و عجز،و رسول و رسل.

قال اليزيديّ: العرب تقول:هذه رياح نشر،مثل قولك:نساء صبر.قال أبو عبيد:الرّيح النّشور:الّتي تهبّ من كلّ جانب،و تجمع السّحابة الممطرة.و قال غيره:

الرّيح النّشور:الّتي تنشر السّحاب.

و قرأ الباقون (نشرا) بضمّ النّون و سكون الشّين، أراد (نشرا) فخفّف مثل رسل و رسل.

و قرأ حمزة و الكسائيّ (نشرا) بفتح النّون و سكون الشّين.قال الفرّاء:النّشر من الرّياح:الطّيّبة اللّيّنة الّتي تنشئ السّحاب.فكأنّ الفرّاء ذهب إلى أنّ «النّشر» صنف من صنوف الرّياح،و نوع من أنواعها.

و قال آخرون: يجوز أن يكون قوله:(نشرا) مصدر:نشرت الرّيح السّحاب نشرا،فكأنّ معنى ذلك على هذا التّأويل:و هو الّذي يرسل الرّياح ناشرة للسّحاب،ثمّ اكتفى بالمصدر عن الفاعل،كما تقول العرب:رجل صوم و رجل فطر،أي صائم.

قال أبو عبيدة: و حجّته في هذه القراءة قوله:

وَ النّاشِراتِ نَشْراً المرسلات:3.

و قرأ عاصم (بشرا) بالباء و إسكان الشّين،أخذه من«البشارة»و حجّته قوله: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ الرّوم:46،و ذلك أنّ الرّيح تبشّر بالمطر،و كان عاصم ينكر أن تكون الرّيح تنشر،و كان يقول:المطر ينشر،أي يحيي الأرض بعد موتها،يقال:

نشر و أنشر،إذا أحيا.(285)

نحوه أبو البركات(1:365)،و الطّوسيّ(4:459)، و الطّبرسيّ(2:430).

الزّمخشريّ: قرئ (نشرا) هو مصدر نشر، و انتصابه إمّا لأنّ أرسل و نشر متقاربان،فكأنّه قيل:

نشرها نشرا،و إمّا على الحال بمعنى منتشرات.

و(نشرا)جمع نشور،و(نشرا)تخفيف(نشرا) كرسل و رسل.

و قرأ مسروق (نشرا) بمعنى منشورات،فعل بمعنى مفعول كنقض و حسب،و منه قولهم:ضمّ نشره.

ص: 549

و(بشرا)جمع بشير،و(بشرا)بتخفيفه.

و(بشر)بفتح الباء مصدر من بشره بمعنى بشّره،أي باشرات و(بشرى).(2:83)

ابن عطيّة: هذه آية اعتبار و استدلال.و قرأ نافع و أبو عمرو: (الرّياح) بالجمع، (نشرا) بضمّ النّون و الشّين.قال أبو حاتم:و هي قراءة الحسن و أبي عبد الرّحمن و أبي رجاء.و اختلف عنهم الأعرج و أبو جعفر و نافع و أبو عمرو و عيسى بن عمرو و أبو يحيى و أبو نوفل الأعرابيّين.

و قرأ ابن كثير: (الرّيح) واحدة، (نشرا) بضمّها أيضا.

و قرأ ابن عامر: (الرّياح) جمعا، (نشرا) بضمّ النّون و سكون الشّين.قال أبو حاتم:و رويت عن الحسن و أبي عبد الرّحمن و أبي رجاء و قتادة و أبي عمرو.

و قرأ حمزة و الكسائيّ: (الرّيح) واحدة، (نشرا) بفتح النّون و سكون الشّين.قال أبو حاتم:و هي قراءة ابن مسعود،و ابن عبّاس و زرّ بن حبيش و ابن وثّاب و إبراهيم و طلحة و الأعمش و مسروق بن الأجدع.

و قرأ ابن جنّيّ قراءة مسروق: (نشرا) بفتح النّون و الشّين.

و قرأ عاصم: (الرّياح) جماعة (بشرا) بالباء المضمومة و الشّين السّاكنة،و روي عنه (بشرا) بضمّ الباء و الشّين،و قرأ بها ابن عبّاس و السّلميّ و ابن أبي عبلة.

و قرأ محمّد بن السّميفع و أبو قطيب: (بشرى) على وزن(فعلى»بضمّ الباء،و رويت عن أبي يحيى و أبي نوفل.

و قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ: (بشرا) بفتح الباء و سكون الشّين،قال الزّهراويّ:و رويت هذه عن عاصم.

و أمّا (نشرا) بضمّ النّون و الشّين فيحتمل أن يكون جمع«ناشر»على النّسب،أي ذات نشر من الطّيّ،أو نشور من الحياة.

و يحتمل(نشرا)أن يكون جمع«نشور»بفتح النّون و ضمّ الشّين،كرسول و رسل و صبور و صبر و شكور و شكر.

و يحتمل(نشرا)أن يكون كالمفعول بمعنى منشور، كركوب بمعنى مركوب،و يحتمل أن يكون من أبنية اسم الفاعل،لأنّها تنشر الحساب.

و أمّا مثال الأوّل في قولنا:ناشر و نشر،فشاهد و شهد،و نازل و نزل،و قاتل و قتل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا من قرأ (نشرا) بضمّ النّون و سكون الشّين فإنّما خفّف الشّين من قوله:(نشرا).

و أمّا من قرأ (نشرا) بفتح النّون و سكون الشّين فهو مصدر في موضع الحال من الرّيح،و يحتمل في المعنى أن يراد به من النّشر الّذي هو خلاف الطّيّ،كلّ بقاء الرّيح دون هبوب طيّ،و يحتمل أن يكون من أنّ النّشر الّذي هو الإحياء،كما قال الأعشى:

*يا عجبا للميّت النّاشر*

و أمّا من قرأ (نشرا) بفتح النّون و الشّين-و هي قراءة شاذّة-فهو اسم،و هو على النّسب،قال أبو الفتح:

أي ذوات نشر،و النّشر أن تنتشر الغنم باللّيل فترعى، فشبّه السّحاب،في انتشاره و عمومه بذلك.

ص: 550

و أمّا(بشرا)بضمّ الباء و الشّين فجمع بشير كنذير و نذر،و(بشرا)بسكون الشّين مخفّف منه،و(بشرا) بفتح الباء و سكون الشّين مصدر،و(بشرى)مصدر أيضا في موضع الحال.(2:411)

نحوه الفخر الرّازيّ(14:183)،و أبو حيّان(4:

316)،و الآلوسيّ(8:144).

القرطبيّ: [ذكر القراءات السّابقة و أضاف:]

و قراءة سابعة (بشرى) بضمّ الباء و الشّين.

(7:229)

و قد قرأت بهذه القراءات: وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الفرقان:48 و وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ النّمل:63.

بشرى

1- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ.

البقرة:97

الطّبريّ: و أمّا«البشرى»فإنّها البشارة.أخبر اللّه عباده المؤمنين جلّ ثناؤه أنّ القرآن لهم بشرى منه،لأنّه أعلمهم بما أعدّ لهم من الكرامة عنده في جنّاته،و ما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه؛و ذلك هو البشرى الّتي بشّر اللّه بها المؤمنين في كتابه،لأنّ البشارة في كلام العرب:هي إعلام الرّجل بما لم يكن به عالما ممّا يسرّه من الخير قبل أن يسمعه من غيره،أو يعلمه من قبل غيره.(1:438)

ابن عطيّة: «البشرى»أكثر استعمالها في الخير، و لا تجيء في الشّرّ إلاّ مقيّدة به،و مقصد هذه الآية:

تشريف جبريل عليه السّلام و ذمّ معاديه.(1:184)

الطّبرسيّ: معنى«البشرى»أنّ فيه البشارة لهم بالنّعيم الدّائم،و إن جعلت(مصدّقا و هدى و بشرى) حالا لجبريل،فالمعنى بأنّه يصدّق بكتب اللّه الأولى، و يأتي بالهدى و البشرى.(1:167)

الفخر الرّازيّ: قوله:(و هدى)فالمراد به أنّ القرآن مشتمل على أمرين:

أحدهما:بيان ما وقع التّكليف به،من أعمال القلوب و أعمال الجوارح،و هو من هذا الوجه(هدى).

و ثانيهما:بيان أنّ الآتي بتلك الأعمال كيف يكون ثوابه،و هو من هذا الوجه(بشرى)و لمّا كان الأوّل مقدّما على الثّاني في الوجود،لا جرم قدّم اللّه لفظ «الهدى»على لفظ«البشرى».(3:197)

أبو حيّان: (هدى و بشرى)معطوفان على (مصدّقا)فهما حالان،فيكون من وضع المصدر موضع اسم الفاعل،كأنّه قال:و هاديا و مبشّرا،أو من باب المبالغة،كأنّه لمّا حصل به الهدى و البشرى جعل نفس الهدى و البشرى.و الألف في(بشرى)للتّأنيث كهي في «رجعى»و هو مصدر،و قد تقدّم الكلام على المعنى في قوله: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا في أوائل هذه السّورة.

و المعنى أنّه وصف القرآن بتصديقه لما تقدّمه من الكتب الإلهيّة،و إنّه(هدى)إذ فيه بيان ما وقع التّكليف به من أعمال القلوب و الجوارح،و إنّه(بشرى)لمن حصل له الهدى.فصار هذا التّرتيب اللّفظيّ في هذه الأحوال لكون مدلولاتها ترتّبت ترتيبا وجوديّا.

ص: 551

فالأوّل كونه مصدّقا للكتب؛و ذلك لأنّ الكتب كلّها من ينبوع واحد.

و الثّاني:أنّ الهداية حصلت به بعد نزوله على هذه الحال من التّصديق.

و الثّالث:أنّه بشرى لمن حصلت له به الهداية.

خصّ الهدى و البشرى بالمؤمنين،لأنّ غير المؤمنين لا يكون لهم هدى به و لا بشرى،كما قال: وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى فصّلت:44،و لأنّ المؤمنين هم المبشّرون فَبَشِّرْ عِبادِ الزّمر:17، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ التّوبة:21.(1:321)

المصطفويّ: و أمّا البشر:اسم مصدر من البشر هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الفرقان:48،فهو حال من(الرّياح)يدلّ على الماهيّة من حيث هي هي،و يطلق على المفرد و الجمع،و يمكن أن يكون جمع بشير.

و أمّا البشرى:فهي اسم لما بشّرت به من خير، كالبهمى اسم نبت،أو أنّها مصدر كالرّجعى،بمعنى البشر لازما أو متعدّيا مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ البقرة:97، وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ الأنفال:10، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يونس:64، وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى هود:69،فيصحّ المعنى على التّقديرين.(1:261)

2- وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ. آل عمران:126

الإسكافيّ:[ذكر الآية و أضاف:]

قوله تعالى: وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ...

آل عمران:126،و قال في سورة الأنفال:10 وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ للسّائل أن يسأل فيقول:ما في الآية الأولى ممّا يوجب أن يأتي فيها بقوله:(لكم)و ليس في الآية الثّانية،و ما بال قوله:

(به)قد أخّر في الآية الأولى عن قوله:(قلوبكم)و قدّم في الآية الأخرى عليه؟

و الجواب أن يقال:أمّا قوله:(لكم)في هذه الآية و حذفه من الثّانية-مع العلم بأنّ اللّه تعالى جعل إخباره بإنزال الملائكة لنصرهم بشارة لهم،و أنّ(لكم)مضمرة في سورة الأنفال،كما هي مظهرة في هذه السّورة-فلأنّ الأولى جاءت على الأصل و الثّانية قد تقدّمتها(لكم) فأغنت عن إعادتها بلفظها و معناها،و هي في قوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ الأنفال:9،فلمّا قال: فَاسْتَجابَ لَكُمْ علم أنّه جعل بشرى لهم،فأغنت(لكم)الأولى بلفظها و معناها على الثّانية،و في الآية الأولى لم يتقدّم ما يقوم هذا المقام،فأتى بقوله:(لكم)على الأصل.

(71)

نحوه الكرمانيّ.(46)

الطّبرسيّ: بُشْرى لَكُمْ أي بشارة لكم لتستبشروا به و لتطمئنّ قلوبكم به،أي و لتسكن قلوبكم فلا تخافوا كثرة عدد العدوّ،و قلّة عددكم.

(1:499)

ص: 552

أبو حيّان: (إِلاّ بُشْرى) مستثنى من المفعول له،أي ما جعله اللّه لشيء إلاّ بشرى لكم،فهو استثناء فرّغ له العامل.و(بشرى)مفعول من أجله،و شروط نصبه موجودة،و هو أنّه مصدر متّحد الفاعل و الزّمان، و(لتطمئنّ)معطوف على موضع(بشرى)إذ أصله:

لبشرى.

و لمّا اختلف الفاعل في(و لتطمئنّ)أتى باللاّم،إذ فات شرط اتّحاد الفاعل،لأنّ فاعل(بشرى)هو اللّه، و فاعل(تطمئنّ)هو(قلوبكم).(و تطمئنّ)منصوب بإضمار«أن»بعد لام«كي»فهو من عطف الاسم على توهّم موضع اسم آخر،و(جعل)على هذا التّقدير متعدّية إلى واحد.

و قال الحوفيّ: (الاّ بشرى)في موضع نصب على البدل من الهاء،و هي عائدة على الوعد بالمدد.و قيل:

(بشرى)مفعول ثان ل(جعله اللّه)؛فعلى هذين القولين تتعلّق اللاّم في(لتطمئنّ)بمحذوف؛إذ ليس قبله عطف يعطف عليها،قالوا:تقديره:و لتطمئنّ قلوبكم به بشركم.

و(بشرى)«فعلى»مصدر كرجعى،و هو مصدر من «بشر»الثّلاثيّ المجرّد.(3:51)

عبد الكريم الخطيب: [ذكر الآيتين و زيادة (لكم)في الأولى،ثمّ قال:]

قوله تعالى: وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ و قوله في سورة الأنفال:10 وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى بزيادة (لكم)هناك لاختلاف المقامين؛حيث إنّ الخطاب في آية الأنفال كان و المسلمون يواجهون الحدث مواجهة واقعيّة،و يتلقّون بشريات السّماء،و هم مشتبكون مع العدوّ،فلا حاجة إلى تعيينهم بقوله سبحانه:(لكم).

على خلاف ما جاء في آية آل عمران؛إذ كان نزولها و المسلمون مقدمون على حرب المشركين فى أحد، فجاءت هذه الآية مع أخواتها لتذكّرهم بفضل اللّه عليهم في يوم بدر،فكان التّعيين بقوله:(لكم)هنا لازما؛إذ كان كثير من المسلمين الّذين يشهدون أحدا اليوم لم يشهدوا بدرا بالأمس.(2:577)

3- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ. يونس:63،64

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: هي الرّؤيا الصّالحة يراها الرّجل المسلم،أو ترى له بشراه في الحياة الدّنيا،و بشراه في الآخرة،الجنّة.(الطّبريّ 11:134)

الرّؤيا الصّالحة،يراها العبد،أو ترى له،و هي جزء من أربعة و أربعين جزء أو سبعين جزء من النّبوّة.

(الطّبريّ 11:135)

في«من لا يحضره الفقيه»: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجل من أهل البادية،له جسم و جمال،فقال:يا رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ.

فقال:أمّا قوله: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فهي الرّؤيا الحسنة،يراها المؤمن فيبشّر بها في دنياه.

و أمّا قوله عزّ و جلّ: فِي الْآخِرَةِ فإنّها بشارة المؤمن يبشّر بها عند موته:إنّ اللّه عزّ و جلّ قد غفر لك و لمن يحملك إلى قبرك.(العروسيّ 2:309)

ص: 553

ابن عبّاس: إنّ اَلْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هي قوله تعالى لنبيّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً الأحزاب:

47.(الآلوسيّ 11:151)

ابن مسعود: ذهبت النّبوّة،و بقيت المبشّرات.

قيل:و ما المبشّرات؟قال:الرّؤيا الصّالحة،يراها الرّجل أو ترى له.

نحوه ابن عبّاس و مجاهد.(الطّبريّ 11:137)

أبو هريرة: الرّؤيا الحسنة بشرى من اللّه،و هي المبشّرات.(الطّبريّ 11:135)

الضّحّاك: هو بشارة الملائكة إنّها الرّؤيا الصّادقة الصّالحة يراها الرّجل أو يرى له.

مثله قتادة و الزّهريّ و الجبّائيّ.

(الطّوسيّ 5:462)

يعلم أين هو قبل الموت.(الطّبريّ 11:138)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّما أحدكم حين تبلغ نفسه هاهنا فينزل عليه ملك الموت،فيقول له:أمّا ما كنت ترجو فقد أعطيته،و أمّا ما كنت تخافه فقد أمنت منه.

و يفتح له باب إلى منزله من الجنّة،و يقال له:انظر إلى مسكنك من الجنّة،و انظر هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و عليّ و الحسن و الحسين عليهم السّلام رفقاؤك،و هو قول اللّه: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ. (العيّاشيّ 2:280)

البشرى في الدّنيا:الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن أو يرى له في الآخرة،الجنّة.(الطّوسيّ 5:462)

عطاء: هي رؤيا الرّجل المسلم يبشّر بها في حياته.(الطّبريّ 11:137)

لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني عند الموت تأتيهم الملائكة بالرّحمة و البشارة من اللّه،و تأتي أعداء اللّه بالغلظة و الفظاظة.

وَ فِي الْآخِرَةِ عند خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى اللّه،كما تزفّ العروس يبشّر برضوان من اللّه،قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ النّحل:

32.(الميبديّ 4:311)

قتادة: هي البشارة عند الموت في الحياة الدّنيا.

(الطّبريّ 11:138)

نحوه الزّهريّ.(الطّبرسيّ 3:120)

الإمام الصّادق عليه السّلام: عن عليّ بن عقبة عن أبيه، قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا عقبة لا يقبل اللّه من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الّذي أنتم عليه،و ما بين أحدكم و بين أن يرى ما تقرّ به عينه إلاّ أن تبلغ نفسه إلى هذه،ثمّ أهوى بيده إلى الوريد ثمّ اتّكأ.

و كان معي المعلّى فغمزني أن أسأله،فقلت:يا ابن رسول اللّه،فإذا بلغت نفسه هذه،أيّ شيء يرى؟فقلت له بضع عشرة مرّة:أيّ شيء؟فقال في كلّها:يرى، و لا يزيد عليها.

ثمّ جلس في آخرها،فقال:يا عقبة،فقلت:لبّيك و سعديك،فقال:أبيت إلاّ أن تعلم؟فقلت:نعم يا ابن رسول اللّه إنّما ديني مع دينك فإذا ذهب ديني كان ذلك، كيف لي بك يا ابن رسول اللّه كلّ ساعة؟و بكيت فرقّ لي، فقال:يراهما و اللّه،فقلت:بأبي و أمّي من هما؟قال:

ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و عليّ عليه السّلام،يا عقبة لن تموت نفس

ص: 554

مؤمنة أبدا حتّى تراهما،قلت:فإذا نظر إليهما المؤمن أ يرجع إلى الدّنيا؟فقال:لا،يمضي أمامه.إذا نظر إليهما مضى أمامه.

فقلت له:يقولان شيئا؟قال:نعم يدخلان جميعا على المؤمن،فيجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند رأسه و عليّ عليه السّلام عند رجليه،فيكبّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فيقول:يا وليّ اللّه أبشر أنا رسول اللّه إنّي خير لك ممّا تركت من الدّنيا،ثمّ ينهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فيقوم عليّ عليه السّلام حتّى يكبّ عليه،فيقول:يا وليّ اللّه أبشر أنا عليّ بن أبي طالب الّذي كنت تحبّه أما لأنفعنّك.

ثمّ قال:إنّ هذا في كتاب اللّه عزّ و جلّ،قلت:أين جعلني اللّه فداك هذا من كتاب اللّه؟قال في يونس قول اللّه عزّ و جلّ هاهنا: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يونس:64.

(الكلينيّ 3:128)

و في هذا المعنى روايات كثيرة فراجع التّفاسير الرّوائيّة.

الفرّاء: و ذكر[الكسائيّ]أنّ اَلْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى له، وَ فِي الْآخِرَةِ: الجنّة.و قد يكون قوله: لَهُمُ الْبُشْرى ما بشّرهم به في كتابه من موعوده،فقال: وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ الكهف:2،في كثير من القرآن.(1:471)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في(البشرى)الّتي بشّر اللّه بها هؤلاء القوم ما هي،و ما صفتها؟

فقال بعضهم:هي الرّؤية الصّالحة،يراها الرّجل المسلم،أو ترى له،و(فى الآخرة):الجنّة.

و قال آخرون:هي بشارة يبشّر بها المؤمن في الدّنيا عند الموت.

و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ لأوليائه المتّقين البشرى في الحياة الدّنيا.

و من البشارة في الحياة الدّنيا:الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم،أو ترى له،منها:بشرى الملائكة إيّاه عند خروج نفسه برحمة اللّه،كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الملائكة الّتي تحضره عند خروج نفسه،تقول لنفسه:

اخرجي إلى رحمة اللّه و رضوانه».

و منها:بشرى اللّه إيّاه ما وعده في كتابه،و على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم من الثّواب الجزيل،كما قال جلّ ثناؤه:

وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الآية.

و كلّ هذه المعاني من بشرى اللّه إيّاه في الحياة الدّنيا، بشّره بها،و لم يخصّص اللّه من ذلك معنى دون معنى، فذلك ممّا عمّه جلّ ثناؤه أنّ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

و أمّا(فى الآخرة)فالجنّة.(11:133،137)

الزّجّاج: جاء في أكثر التّفسير(البشرى):الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن في منامه،(و فى الآخرة):الجنّة، و هو-و اللّه أعلم-أنّ(البشرى)ما بشّرهم اللّه به،و هو قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ التّوبة:21،و هذا يدلّ عليه:

ص: 555

لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ. (3:26)

ابن كيسان: هي ما بشّرهم اللّه في الدّنيا بالكتاب و الرّسول أنّهم أولياء اللّه،و يبشّرهم في قبورهم و في كتبهم الّتي فيها أعمالهم بالجنّة.(الميبديّ 4:311)

الماورديّ: قوله عزّ و جلّ: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ فيه تأويلان:

أحدهما:أنّ اَلْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هي البشارة عند الموت:بأن يعلم أين هو من قبل أن يموت، وَ فِي الْآخِرَةِ الجنّة،قاله قتادة و الضّحّاك.و روى عليّ بن أبي طالب،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:«إنّ لخديجة بنت خويلد بيتا من قصب لا صخب فيه و لا نصب».

الثّاني:أنّ اَلْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: الرّؤيا الصّالحة يراها الرّجل الصّالح أو ترى له، وَ فِي الْآخِرَةِ: الجنّة،روى ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أبو الدّرداء و أبو هريرة و عبادة بن الصّامت.

و يحتمل تأويلا ثالثا:أنّ اَلْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: الثّناء الصّالح، وَ فِي الْآخِرَةِ: إعطاؤه كتابه بيمينه.(2:441)

الطّوسيّ: ذكر اللّه تعالى أنّ الّذين وصفهم في الآية الأولى من أنّهم يؤمنون باللّه و يتّقون معاصيه لَهُمُ الْبُشْرى و هي الخبر بما يظهر سروره في بشرة الوجه.

و البشرى و البشارة واحدة.(5:462)

الزّمخشريّ: البشرى في الدّنيا:ما بشّر اللّه به المؤمنين المتّقين في غير مكان من كتابه.[إلى أن قال:]

و أمّا البشرى في الآخرة فتلقّي الملائكة إيّاهم مسلمين مبشّرين بالفوز و الكرامة،و ما يرون من بياض وجوههم و إعطاء الصّحائف بأيمانهم،و ما يقرءون منها، و غير ذلك من البشارات.(2:243)

ابن عطيّة: أمّا بشرى الآخرة،فهي بالجنّة قولا واحدا،و تلك هي الفضل الكبير الّذي في قوله: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً الأحزاب:47.

و أمّا بشرى الدّنيا فتظاهرت الأحاديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّها الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن،أو ترى له.

[إلى أن قال:]

و يصحّ أن تكون بشرى الدّنيا في القرآن من الآيات المبشّرات،و يقوى ذلك بقوله في هذه الآية: لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ يونس:64.

و إن كان ذلك كلّه يعارضه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«هي الرّؤيا»إلاّ أن قلنا:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أعطى مثالا من البشرى،و هي تعمّ جميع النّاس.(3:129)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ ففيه أقوال:

الأوّل:المراد منه الرّؤيا الصّالحة،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه قال:«البشرى هي الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى له».

و عنه عليه الصّلاة و السّلام: «ذهبت النّبوّة و بقيت المبشّرات».

و عنه عليه الصّلاة و السّلام: «الرّؤيا الصّالحة من اللّه،و الحلم من الشّيطان،فإذا حلم أحدكم حلما يخافه، فليتعوّذ منه،و ليبصق عن شماله ثلاث مرّات،فإنّه لا يضرّه».

و عنه صلّى اللّه عليه و سلّم:«الرّؤيا الصّالحة جزء من ستّة و أربعين

ص: 556

جزء من النّبوّة».

و عن ابن مسعود: الرّؤيا ثلاثة:الهمّ يهمّ به الرّجل من النّهار فيراه في اللّيل،و حضور الشّيطان،و الرّؤيا الّتي هي الرّؤيا الصّادقة.

و عن إبراهيم: الرّؤيا ثلاثة:فالمبشّرة من اللّه جزء من سبعين جزء من النّبوّة،و الشّيء يهمّ به أحدكم بالنّهار فلعلّه يراه باللّيل،و التّخويف من الشّيطان.فإذا رأى أحدكم ما يحزنه فليقل:أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه من شرّ رؤياي الّتي رأيتها أن تضرّني في دنياي أو في آخرتي.

و اعلم أنّا إذا حملنا قوله: لَهُمُ الْبُشْرى على الرّؤيا الصّادقة،فظاهر هذا النّصّ يقتضي أن لا تحصل هذه الحالة إلاّ لهم،و العقل أيضا يدلّ عليه؛و ذلك لأنّ وليّ اللّه هو الّذي يكون مستغرق القلب و الرّوح بذكر اللّه.و من كان كذلك فهو عند النّوم لا يبقى في روحه إلاّ معرفة اللّه،و من المعلوم أنّ معرفة اللّه و نور جلال اللّه لا يفيده إلاّ الحقّ و الصّدق.

و أمّا من يكون متوزّع الفكر على أحوال هذا العالم الكدر المظلم،فإنّه إذا نام يبقى كذلك فلا جرم لا اعتماد على رؤياه،فلهذا السّبب قال: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا على سبيل الحصر و التّخصيص.

القول الثّاني:في تفسير(البشرى)أنّها عبارة عن محبّة النّاس له،و عن ذكرهم إيّاه بالثّناء الحسن.عن أبي ذرّ قال:قلت:يا رسول اللّه إنّ الرّجل يعمل العمل للّه و يحبّه النّاس،فقال:«تلك عاجل بشرى المؤمن».[إلى أن قال:]

و القول الثّالث في تفسير(البشرى):أنّها عبارة عن حصول البشرى لهم عند الموت،قال تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30.

و أمّا البشرى في الآخرة فسلام الملائكة عليهم،كما قال تعالى: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ الرّعد:24،25،و سلام اللّه عليهم كما قال: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس:58،و يندرج في هذا الباب ما ذكره اللّه في هذا الكتاب الكريم من بياض وجوههم و إعطاء الصّحائف بأيمانهم،و ما يلقون فيها من الأحوال السّارّة،فكلّ ذلك من المبشّرات.

و القول الرّابع:إنّ ذلك عبارة عمّا بشّر اللّه عباده المتّقين في كتابه،و على ألسنة أنبيائه من جنّته و كريم ثوابه،و دليله قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ.

و اعلم أنّ لفظ«البشارة»مشتقّ من خبر سارّ،يظهر أثره في بشرة الوجه،فكلّ ما كان كذلك دخل في هذه الآية،و مجموع الأمور المذكورة مشتركة في هذه الصّفة، فيكون الكلّ داخلا فيه،فكلّ ما يتعلّق من هذه الوجوه بالدّنيا فهو داخل تحت قوله: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و كلّ ما يتعلّق بالآخرة فهو داخل تحت قوله:

وَ فِي الْآخِرَةِ. (17:127)

أبو السّعود: و قوله عزّ و جلّ: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا تفسيرا لتولّيه تعالى إيّاهم،و لا ريب في أنّ اعتبار القيد الأخير في مفهوم الولاية غير مناسب لمقام ترغيب المؤمنين في تحصيلها و الثّبات عليها

ص: 557

و بشارتهم بآثارها و نتائجها مخلّ بذلك إذ التّحصيل إنّما يتعلّق بالمقدور و الاستبشار لا يحصل إلاّ بما علم بوجود سببه و القيد المذكور ليس بمقدور لهم حتّى يحصّلوا الولاية بتحصيله و لا بمعلوم لهم عند حصوله حتّى يعرفوا حصول الولاية لهم و يستبشروا بمحاسن آثارها بل التّولّي بالكرامة عين نتيجة الولاية فاعتباره في عنوان الموضوع ثمّ الإخبار بعدم الخوف و الحزن ممّا لا يليق بشأن التّنزيل الجليل،فالّذي يقتضيه نظمه الكريم أنّ الأوّل تفسير للأولياء حسبما شرح و الثّاني بيان لما أولاهم من خيرات الدّارين بعد بيان إنجائهم من شرورهما و مكارههما،و الجملة مستأنفة كما سبق كأنّه قيل:هل لهم وراء ذلك من نعمة و كرامة؟فقيل لهم ما يسرّهم في الدّارين،و تقديم الأوّل لما أنّ التّخلية سابقة على التّحلية مع ما فيه من مراعاة حقّ المقابلة بين حسن حال المؤمنين و سوء حال المفترين،و تعجيل إدخال المسرّة بتبشير الخلاص عن الأهوال و توسيط البيان السّابق بين بشارة الخلاص عن المحذور و بشارة الفوز بالمطلوب لإظهار كمال العناية بتفسير الأولياء مع الإيذان بأنّ انتفاء الخوف و الحزن لاتّقائهم عمّا يؤدّي إليهما من الأسباب،و البشرى مصدر أريد به المبشّر به من الخيرات العاجلة كالنّصر و الفتح و الغنيمة و غير ذلك و الآجلة الغنيّة عن البيان،و إيثار الإبهام و الإجمال للإيذان بكونه وراء البيان و التّفصيل،و الظّرفان في موقع الحال منه و العامل ما في الخبر من معنى الاستقرار أي لهم البشرى حال كونها في الحياة الدّنيا و حال كونها في الآخرة أي عاجلة و آجلة،أو من الضّمير المجرور أي حال كونهم في الحياة إلخ.و من البشرى العاجلة:الثّناء الحسن و الذّكر الجميل و محبّة النّاس.

عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قلت:يا رسول اللّه الرّجل يعمل العمل للّه و يحبّه النّاس فقال عليه السّلام:«تلك عاجل بشرى المؤمنين»هذا و قيل:البشرى مصدر و الظّرفان متعلّقان به.

أمّا البشرى في الدّنيا فهي البشارات الواقعة للمؤمنين المتّقين في غير موضع من الكتاب المبين.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«هي الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن أو ترى له» و عنه عليه الصّلاة و السّلام:«ذهبت النّبوّة و بقيت المبشّرات»و عن عطاء:لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرّحمة قال اللّه تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30.

و أمّا البشرى في الآخرة فتلقّي الملائكة إيّاهم مسلمين مبشّرين بالفوز و الكرامة و ما يرون من بياض وجوههم و إعطاء الصّحائف بأيمانهم و ما يقرءون منها و غير ذلك من البشارات فتكون هذه بشارة بما سيقع من البشارات العاجلة و الآجلة المطلوبة لغاياتها لا لذواتها، و لا يخفى أنّ صرف البشارة النّاجزة عن المقاصد بالذّات إلى وسائلها ممّا لا يساعده جلالة شأن التّنزيل الكريم لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ لا تغيير لأقواله الّتي من جملتها مواعيده الواردة بشارة للمؤمنين المتّقين فتدخل فيها البشارات الواردة هاهنا دخولا أوّليّا و يثبت امتناع الإخلاف فيها ثبوتا قطعيّا،و على تقدير كون المراد بالبشرى الرّؤيا الصّالحة فالمراد بعدم تبديل كلماته تعالى

ص: 558

ليس عدم الخلف بينهما و بين نتائجها الدّنيويّة و الأخرويّة بل عدم الخلف بينهما و بين ما دلّ على ثبوتها و وقوعها فيما سيأتي بطريق الوعد من قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى فتدبّر.(ذلك)إشارة إلى ما ذكر من أنّ لهم البشرى في الدّارين هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الّذي لا فوز وراءه و فيه تفسير فيما سبق،و هاتيك الجملة و الّتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشّر و تعظيم شأنه،و ليس من شرطه أن يكون بعده كلام متّصل بما قبله،أو هذه تذييل و السّابقة اعتراض.(3:256)

البروسويّ: [قال مثل أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:(البشرى)مصدر،و الظّرفان متعلّقان به.أمّا «البشرى في الدّنيا»فهي البشارات الواقعة للمؤمنين المتّقين،في غير موضع من الكتاب المبين.

و عن النّبيّ عليه السّلام: «هي الرّؤيا الصّالحة يراها المؤمن أو ترى له»أي يراها مسلم لأجل مسلم آخر.و لا يخفى أنّ كون الرّؤيا الصّالحة مبشّرة للمؤمن يمنع أن تكون بنبوّة،فتكون بوجه آخر من صلاح و تنبيه غفلة و فرح و غيرها،كما في«شرح المشارق»لابن الملك.

و هذه البشارة لا تحصل إلاّ لأولياء اللّه،لأنّهم مستغرقوا القلب و الرّوح في ذكر اللّه و معرفة اللّه،فمنامهم كاليقظة لا يفيد إلاّ الحقّ و اليقين.و أمّا من يكون متوزّع الخاطر على أحوال هذا العالم الكدر المظلم،فإنّه لا اعتماد على رؤياه.

و في«التّأويلات النّجميّة»: لهم المبشّرات الّتي هي تلو النّبوّة من الوقائع الّتي يرون بين النّوم و اليقظة و الإلهامات و الكشوف،و ما يرد عليهم من المواهب و المشاهدات،كما قال عليه السّلام:«لم يبق من النّبوّة إلاّ المبشّرات»انتهى.

و في الحديث: «الرّؤيا الصّادقة من الرّجل الصّالح جزء من ستّة و أربعين جزء من النّبوّة».و معناه أنّ النّبيّ عليه السّلام حين بعث أقام بمكّة ثلاث عشرة سنة و بالمدينة عشر سنين،فمدّة الوحي إليه في اليقظة ثلاث و عشرون سنة،و مدّة الوحي في المنام ستّة أشهر من ثلاث و عشرين سنة،فهي جزء من ستّة و أربعين جزء.

و إنّما ابتدئ رسول اللّه بالرّؤيا لئلاّ يفجأه الملك بالرّسالة فلا تتحمّلها القوى البشريّة،فكانت الرّؤيا تأنيسا له.

و قال بعضهم: لَهُمُ الْبُشْرى عند الموت،تأتيهم الملائكة بالرّحمة.

و أمّا البشرى في الآخرة فتلقّي الملائكة إيّاهم مسلمين مبشّرين بالفوز و الكرامة،و ما يرون من بياض وجوههم،و إعطاء الصّحف بأيمانهم،و ما يقرءون منها، و غير ذلك من البشارات في كلّ موطن من المواطن الأخرويّة،فتكون هذه بشارة بما سيقع من البشارات العاجلة و الآجلة المطلوبة لغاياتها لا لذواتها.

و في«التّأويلات النّجميّة»:بشراهم في الآخرة بكشف القناع عن جمال العزّة،عند سطوات نور القدم، و زهق ظلمة الحدوث،و بلقاء الحقّ رحمة منه،كما قال:

يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ التّوبة:21.(4:60)

الآلوسيّ: [و بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

فالأولى أن يحمل«البشرى في الدّارين»على البشارة بما يحقّق نفي الخوف و الحزن كائنا ما كان،و يرشد إلى ذلك السّياق؛و من أجل ذلك بشرى الملائكة لهم

ص: 559

بذلك وقتا فوقتا حتّى يدخلوا الجنّة.

و قد نطق الكتاب العزيز في غير موضع بهذه البشرى من اللّه تعالى علينا،بها برحمته و كرمه لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ أي لا تغيير لأقواله الّتي من جملتها مواعيده الواردة بشارة للمؤمنين المتّقين،فيدخل فيها البشارات الواردة هاهنا دخولا أوّليّا،و يثبت امتناع الخلاف فيها لطفا و كرما ثبوتا قطعيّا.

و أريد من عدم تبديل كلماته سبحانه،على تقدير أن يراد من البشرى:الرّؤيا الصّالحة،عدم الخلف بينها و بين ما دلّ على ثبوتها و وقوعها-فيما سيأتي-بطريق الوعد،من قوله تبارك اسمه: لَهُمُ الْبُشْرى لا عدم الخلف بينها و بين نتائجها الدّنيويّة و الأخرويّة.

و لم يظهر لي وجهه بعد التّدبّر،و المشهور أنّ«الرّؤيا الصّالحة»لا يتخلّف ما تدلّ عليه،و قد جاء من حديث الحكيم التّرمذيّ و غيره،عن عبادة رضي اللّه تعالى عنه أنّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم قال له:في الرّؤيا الصّالحة كلام يكلّم به ربّك عبده في المنام.(11:152)

رشيد رضا: البشرى:الخبر السّارّ الّذي تنبسط به بشرة الوجه فيتهلّل،و تبرق أساريره.و هذه البشرى مبيّنة في مواضع من كتاب اللّه تعالى،و قد يراد بها متعلّقها الّذي يبشّرون به،و لم يذكر هنا ليشمل كلّ ما بشّروا به في كتاب اللّه تعالى،و على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.

فأمّا اَلْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فأهمّها البشارة بالنّصر،و بحسن العاقبة في كلّ أمر،و باستخلافهم في الأرض،ما أقاموا شرع اللّه و سننه،و نصروا دينه، و أعلوا كلمته.

و أمّا فِي الْآخِرَةِ فمن أكملها و أجمعها لمعاني الآية لأكملهم قوله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ* نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ فصّلت:30-32.

المشهور في تنزّل الملائكة عليهم أنّه يكون عند البعث،و كذا عند الموت،و لا مانع من شموله لما في الدّنيا من تثبيت قلوبهم،و تقوية إلهام الحقّ و الخير فيهم،كما قال تعالى في الملائكة الّذين أمدّ بهم أصحاب رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم في غزوة بدر وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ الأنفال:10.(11:417)

الطّباطبائيّ: يبشّرهم اللّه تعالى بشارة إجماليّة، بما تقرّ به أعينهم.

فإن كان قوله: لَهُمُ الْبُشْرى إنشاء للبشارة،كان معناه وقوع ما بشّر به في الدّنيا و في الآخرة كلتيهما،و إن كان إخبارا بأنّ اللّه سيبشّرهم بشرى،كانت البشارة واقعة في الدّنيا و في الآخرة.

و أمّا المبشّر به فهل يقع في الآخرة فقط أو في الدّنيا و الآخرة معا؟الآية ساكتة عن ذلك.

و قد وقع في كلامه تعالى بشارات للمؤمنين بما ينطبق على أوليائه تعالى،كقوله تعالى: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الرّوم:47،و قوله: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ المؤمن:51،و قوله: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ

ص: 560

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الحديد:12،إلى غير ذلك.

(10:93)

عبد الكريم الخطيب: و البشريات الّتي يبشّر بها أولياء اللّه في الدّنيا كثيرة:

منها:ذكرهم في النّاس،بالكلمة الطّيّبة تقال فيهم:

لحسن سيرتهم،و استقامة طريقهم،و حفظ جوارحهم من المحارم و المظالم؛إذ لا شكّ أنّ رضا النّاس عن إنسان، و حسن ظنّهم به،هو دليل على أنّه من أهل الخير و التّوفيق،و أنّه على طريق الاستقامة و التّقوى.

و منها:ما يملأ اللّه به قلوبهم من رضا و سكينة،في السّرّاء و الضّرّاء على السّواء،بل إنّ كثيرا منهم ليجد فيما يبتليه اللّه به من ضرّ،هو أمانة عنده للّه،و أنّ أداء هذه الأمانة للّه هو الصّبر عليها،و الرّضا بها،و أنّ الضّجر بالبلاء،و الجزع منه،هو خيانة لتلك الأمانة.

و من البشريات الّتي يبشّر بها أولياء اللّه في الدّنيا، أنّهم حين يشرفون على الموت،لا يجدون له ما يجد غيرهم من كرب و جزع،بل يستقبلونه في غبطة و رضا؛ و ذلك لما يرون في ساعة الاحتضار ممّا لهم عند اللّه من فضل و إحسان،و هذا ما يشهد له قوله سبحانه و تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ فصّلت:30،31.

و أمّا بشريات أولياء اللّه في الآخرة فكثيرة،تبدأ من مغادرتهم هذه الدّنيا إلى يوم القيامة و ما بعد يوم القيامة،و هم في روضات الجنّات يحبرون.ففي كلّ مرحلة من مراحل هذه الرّحلة المسعدة،تطّلع عليهم البشريات الّتي تزفّهم إلى الجنّة،كما تزفّ العروس في موكب من الفرح و البهجة.و في هذا يقول اللّه تبارك و تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الحديد:12.(6:1041)

4- وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً... هود:69

عكرمة: بشّروه بنبوّته.(الماورديّ 2:482)

الحسن: بإسحاق.(الماورديّ 2:482)

مثله السّدّيّ و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:179)

بأنّ اللّه تعالى يهب له إسحاق ولدا،و يجعله رسولا إلى عباده.(الطّوسيّ 6:26)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ هذه البشارة كانت بإسماعيل.(الطّبرسيّ 3:179)

قتادة: بشّروه بهلاك قوم لوط.

(الماورديّ 2:482)

الطّبريّ: و اختلفوا في تلك البشارة الّتي أتوه بها، فقال بعضهم:هي البشارة بإسحاق،و قال بعضهم:هي البشارة بهلاك قوم لوط.(12:68)

الماورديّ: بشّروه بإخراج محمّد صلّى اللّه عليه و آله من صلبه، و أنّه خاتم الأنبياء.(2:482)

الزّمخشريّ: هي البشارة بالولد،و قيل:بهلاك

ص: 561

قوم لوط،و الظّاهر الولد.(2:280)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد(بالبشرى)على وجهين:

الأوّل:أنّ المراد ما بشّره اللّه بعد ذلك بقوله:

فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ هود:

71.

الثّاني:أنّ المراد منه أنّه بشّر إبراهيم عليه السّلام بسلامة لوط و بإهلاك قومه.(18:23)

القرطبيّ:قيل:بالولد،و قيل:بإهلاك قوم لوط، و قيل:بشّروه بأنّهم رسل اللّه عزّ و جلّ،و أنّه لا خوف عليه.(9:62)

أبو السّعود:أي ملتبسين بها،قيل:هي مطلق البشرى المنتظمة للبشارة بالولد من سارة،لقوله تعالى:

فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ هود:71،و قوله تعالى:

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101،و قوله:

وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ الذّاريات:28.

و للبشارة بعدم لحوق الضّرر به،لقوله تعالى:

فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى هود:74،لظهور تفرّع المجادلة على مجيئها،كما سيأتي.

و قيل:هي البشارة بهلاك قوم لوط،و يأباه مجادلته عليه السّلام في شأنهم.

و الأظهر أنّها البشارة بالولد،و ستعرف سرّ تفرّع المجادلة على ذلك،و لمّا كان الإخبار بمجيئهم بالبشرى مظنّة لسؤال السّامع بأنّهم ما قالوا،أجيب بأنّهم قالُوا سَلاماً. (3:332)

مثله الآلوسيّ.(12:93)

البروسويّ: أي ملتبسين بالبشارة بالولد من سارة،بدليل ذكره في سور أخرى،و لأنّه أطلق (البشرى)هنا و قيّد في قوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ هود:71،و المطلق محمول على المقيّد.(4:161)

الطّباطبائيّ: و البشرى الّتي جاءت بها الرّسل إبراهيم عليه السّلام،لم يذكر بلفظها في القصّة،و الّتي ذكرت فيها منها هي البشارة لامرأته،و إنّما ذكرت بشارة إبراهيم نفسه في غير هذا المورد كسورتي الحجر و الذّاريات،و لم يصرّح فيهما باسم من بشّر به إبراهيم أ هو إسحاق أم إسماعيل عليهم السّلام،أو أنّهم بشّروه بكليهما؟و ظاهر سياق القصّة في هذه السّورة أنّها البشارة بإسحاق،و سيأتي البحث المستوفى عن ذلك في آخر القصّة.[فراجع]

(10:320)

عبد الكريم الخطيب: و البشرى الّتي جاءوه بها،هي ما بشّر به من الولد،بعد أن بلغ من الكبر عتيّا، و يمكن أن تكون(البشرى)ما حمله الملائكة إليه من أمر ربّه بهلاك قوم لوط؛إذ لا شكّ أنّ في هذا انتصارا للحقّ، و خزيا و خذلانا لأهل الضّلال و الزّيغ؛و ذلك ممّا يفرح له المؤمنون،و تنشرح به صدورهم وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ الرّوم:4.(6:1169)

5- فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ. هود:74

قتادة:جاءته البشرى بإسحاق.

(الطّبريّ 12:77)

حين أخبروه أنّهم أرسلوا إلى قوم لوط،و أنّهم

ص: 562

ليسوا إيّاه يريدون.(الطّبريّ 12:77)

ابن إسحاق: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى بإسحاق،و يعقوب ولد من صلب إسحاق،و أمن ممّا كان يخاف،قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ... ابراهيم:39.

(الطّبريّ 12:77)

نحوه القرطبيّ.(9:72)

الطّوسيّ: بالولد.(6:35)

مثله الطّبرسيّ(3:180)،و أبو حيّان(5:245).

البروسويّ: بنجاة قومه،كما قالُوا لا تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ هود:70،أو بالولد إسحاق، كما قال: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ هود:71،و إبراهيم أصل في التّبشير،كما قال في سورة أخرى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101.(4:164)

6- وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ. يوسف:19

قتادة: بشّرهم(واردهم)حين وجد يوسف.

(الطّبريّ 12:167)

فتشبّث الغلام بالدّلو،فلمّا خرج قال: يا بُشْرى هذا غُلامٌ. (الطّبريّ 12:167)

السّدّيّ: نادى رجلا من أصحابه يقال له:بشرى.

(الطّبريّ 12:167)

اسم الغلام بشرى،قال:يا بشرى،كما تقول:

يا زيد.(الطّبريّ 12:167)

الفرّاء: و(يا بشراي)بنصب الياء،و هي لغة في بعض قيس.و هذيل:(يا بشريّ).كلّ ألف أضافها المتكلّم إلى نفسه جعلتها ياء مشدّدة.

و من قرأ(يا بشري)بالسّكون فهو كقولك:يا بني لا تفعل،يكون مفردا في معنى الإضافة.و العرب تقول:

يا نفس اصبري و يا نفس اصبري،و هو يعني نفسه في الوجهين،و(يا بشراي)في موضع نصب.و من قال:(يا بشريّ)فأضاف و غيّر الألف إلى الياء،فإنّه طلب الكسرة الّتي تلزم ما قبل الياء من المتكلّم في كلّ حال، أ لا ترى أنّك تقول:هذا غلامي،فتخفض الميم في كلّ جهات الإعراب،فحطّوها إذا أضيفت إلى المتكلّم،و لم يحطّوها عند غير الياء،في قولك:هذا غلامك و غلامه، لأنّ(يا بشرى)من البشارة،و الإعراب يتبيّن عند كلّ مكنيّ إلاّ عند الياء.(2:39)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة (يا بشريّ) بإثبات ياء الإضافة،غير أنّه أدغم الألف في الياء طلبا للكسرة الّتي تلزم ما قبل ياء الإضافة من المتكلّم،في قولهم:

غلامي و جاريتي،في كلّ حال،و ذلك في لغة طيّ.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين (يا بُشْرى) بإرسال الياء و ترك الإضافة.

و إذا قرئ ذلك كذلك احتمل وجهين من التّأويل:

أحدهما:ما قاله السّدّيّ،و هو أن يكون اسم رجل دعاه المستقي باسمه،كما يقال:يا زيد،و يا عمرو،فيكون (بشرى)في موضع رفع بالنّداء.

و الآخر:أن يكون أراد إضافة البشرى إلى نفسه، فحذف الياء و هو يريدها،فيكون مفردا،و فيه نيّة

ص: 563

الإضافة،كما تفعل العرب في النّداء،فتقول:يا نفس اصبري،و يا نفسي اصبري،و يا بنيّ لا تفعل،و يا بنيّ لا تفعل،فتفرد و ترفع،و فيه نيّة الإضافة،و تضيف أحيانا فتكسر،كما تقول:يا غلام أقبل،و يا غلامي أقبل.

و أعجب القراءة في ذلك إليّ قراءة من قرأه بإرسال الياء و تسكينها،لأنّه إن كان اسم رجل بعينه،كان معروفا فيهم،كما قال السّدّيّ،فذلك هي القراءة الصّحيحة لا شكّ فيها،و إن كان من التّبشير فإنّه يحتمل ذلك إذا قرئ كذلك على ما بيّنت.

و أمّا التّشديد و الإضافة في الياء فقراءة شاذّة، لا أرى القراءة بها-و إن كانت لغة معروفة-لإجماع الحجّة من القرّاء على خلافها.(12:167)

الزّجّاج: [قال مثل الفرّاء و أضاف:]

و معنى النّداء في هذه الأشياء الّتي لا تجيب و لا تعقل إنّما هو على تنبيه المخاطبين،و توكيد القصّة،إذا قلت يا عجباه،فكأنّك قلت:أعجبوا،و يا أيّها العجب هذا من حينك.و كذلك إذا قال:يا بشراي،فكأنّه قال:

أبشروا،و كأنّه قال:يا أيّتها البشرى هذا من إبّانك و أوانك.(3:97)

أبو زرعة: قرأ عاصم و حمزة و الكسائيّ:

(يا بشرى) بترك الإضافة،فيها وجهان:[و ذكرهما كما تقدّم عن الطّبريّ]

و قرأ الباقون: (يا بشراي) بإثبات ياء الإضافة و فتحها،أضاف(البشرى)إلى نفسه.و إنّما فتحوا الياء على أصلها لئلاّ يلتقي ساكنان،فجرت مجرى«عصاي».

و(بشراي)في موضع نصب،كما تقول:يا غلام زيد.(357)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة (يا بُشْرى) بغير ألف، الباقون بالألف و الياء.و كان يجوز أن يقرأ بياء مشدّدة (بشريّ)و هي لغة هذيل،غير أنّه لم يقرأ به أحد.

قال أبو عليّ: من قرأ (يا بشراي) فأضافه إلى الياء الّتي للمتكلّم،كأنّ للألف الّتي هي حرف الإعراب موضعان من الإعراب:أحدهما:أن تكون في موضع نصب لأنّه منادى مضاف،و الآخر:أن تكون في موضع كسر،لأنّه بمنزلة حرف الإعراب في غلامي.

و من قرأ (يا بُشْرى) احتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون في ضمّ،مثل يا رجل بالنّداء، لاختصاصه كاختصاص الرّجل،و الآخر:أن يكون في موضع النّصب لأنّك أشبعت النّداء و لم تخصّ به،كما فعلت في الوجه الأوّل.(6:113)

نحوه الطّبرسيّ.(3:218)

الزّمخشريّ: نادى البشرى،كأنّه يقول تعالى:

فهذا من آونتك.و قرئ (يا بشراى) على إضافتها إلى نفسه.

و في قراءة الحسن و غيره (يا بشريّ) بالياء مكان الألف،جعلت الياء بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة، و هي لغة للعرب مشهورة،سمعت أهل السّروات يقولون في دعائهم:يا سيّدي و موليّ.

و عن نافع (يا بشراي) بالسّكون،و ليس بالوجه، لما فيه من التقاء السّاكنين على غير حدّه،إلاّ أن يقصد الوقف.(2:308)

نحوه أبو السّعود(3:374)،و البروسويّ(4:228).

ص: 564

ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و ابن عامر (يا بشراي) بإضافة البشرى إلى المتكلّم،و بفتح الياء على نداءها،كأنّه يقول:احضري فهذا وقتك، و هذا نحو قوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يس:30.

و روى ورش عن نافع(يا بشراي)بسكون الياء.

قال أبو عليّ:و فيها جمع بين ساكنين على حدّ:دابّة و شابّة،و وجه ذلك أنّه يجوز أن تختصّ بها الألف لزيادة المدّ الّذي فيها على المدّ الّذي في أختيها،كما اختصّت في القوافي بالتّأسيس،و اختصّت في تخفيف الهمزة نحو هبأة،و ليس شيء من ذلك في الياء و الواو.

و قرأ أبو الطّفيل و الجحدريّ و ابن أبي إسحاق و الحسن (يا بشريّ) تقلب الألف ياء،ثمّ تدغم في ياء الإضافة،و هي لغة فاشية.

و قرأ حمزة و الكسائيّ (يا بشري) و يميلان و لا يضيفان.و قرأ عاصم كذلك إلاّ أنّه يفتح الرّاء و لا يميل.

و اختلف في تأويل هذه القراءة،فقال السّدّيّ:كان في أصحاب هذا الوارد رجل اسمه بشرى،فناداه و أعلمه بالغلام،و قيل:هو على نداء البشرى،كما قدّمنا.

(3:228)

أبو البركات: قرئ (يا بشرايّ) بتشديد الياء، و (يا بشرى) بغير ياء.

فمن قرأ: (يا بشرايّ) كان منادى مضافا،و كذلك قراءة من قرأ: (بشريّ) بتشديد الياء،لأنّ أصله:

(يا بشراي) إلاّ أنّه لمّا كانت ياء الإضافة لا يكون ما قبلها إلاّ مكسورا قلبت الألف ياء،و أدغمت الياء في الياء، و مثله قراءة من قرأ: (فمن اتّبع هدى) ،في هداي،و ذكر أنّها قراءة النّبيّ عليه السّلام.

و من قرأ: (يا بشرى) بغير ياء،كان منادى مفردا، كأنّه جعل(بشرى)اسم المنادى،نحو قولك:يا زيد.

و يجوز أن يكون نادى البشرى،كأنّه قال:يا أيّتها البشرى.

و البشرى صفة«أيّة»فحذف الموصوف،و«ها» الّتي للتّنبيه،و الألف و اللاّم من الصّفة،فصار(يا بشرى) و كذلك،يا«سكرى»و تقديره:يا أيّتها السّكرى،ففعل به ما ذكرنا.و كذلك تقول:يا رجل،و أصله:يا أيّها الرّجل،فتحذف«أيّ»الموصوف،و«ها»الّتي للتّنبيه، و الألف و اللاّم،فيبقى يا رجل.

و لهذه الحذوف لا يجوز حذف النّداء من هذا النّحو، فإنّك لو قلت:بشرى في«يا بشرى»،و سكرى في «يا سكرى»و رجل في«يا رجل»،لم يجز،لما فيه من الإفراط في الحذف،و كان هو أولى بالتبقية لما فيه من الدّلالة على غيره من المحذوف،و ليس في غيره ما يدلّ على حذفه،و كأنّه قال:يا أيّتها البشرى،هذا أوانك.

(2:36)

الفخر الرّازيّ: في قوله:(يا بشرى)قولان:

القول الأوّل:أنّها كلمة تذكر عند البشارة،و نظيره قولهم:يا عجبا من كذا،و قوله: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ يوسف:84،و على هذا القول ففي تفسير النّداء وجهان:

الأوّل:قال الزّجّاج:معنى النّداء في هذه الأشياء

ص: 565

الّتي لا تجيب تنبيه المخاطبين و توكيد القصّة،فإذا قلت:

يا عجباه،فكأنّك قلت:أعجبوا.

الثّاني:قال أبو عليّ:كأنّه يقول:يا أيّتها البشرى هذا الوقت وقتك،و لو كنت ممّن يخاطب لخوطبت الآن، و لأمرت بالحضور.

و اعلم أنّ سبب البشارة هو أنّهم وجدوا غلاما في غاية الحسن،و قالوا:نبيعه بثمن عظيم،و يصير ذلك سببا لحصول الغنى.

و القول الثّاني:و هو الّذي ذكره السّدّيّ أنّ الّذي نادى صاحبه و كان اسمه،فقال:يا بشرى،كما تقول:

يا زيد.و عن الأعمش أنّه قال:دعا امرأة اسمها بشرى (يا بشرى).

قال أبو عليّ الفارسيّ: إن جعلنا(البشرى)اسما للبشارة-و هو الوجه-جاز أن يكون في محلّ الرّفع،كما قيل:يا رجل،لاختصاصه بالنّداء،و جاز أن يكون في موضع النّصب على تقدير:أنّه جعل ذلك النّداء شائعا في جنس البشرى،و لم يخصّ،كما تقول:يا رجلا و يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يس:30.(18:105)

القرطبيّ: (يا بشراي هذا غلام) هذه قراءة أهل المدينة و أهل البصرة،إلاّ ابن أبي إسحاق فإنّه قرأ (يا بشريّ هذا غلام) فقلب الألف ياء،لأنّ هذه الياء يكسر ما قبلها،فلمّا لم يجز كسر الألف كان قلبها عوضا.

و قرأ أهل الكوفة (يا بشرى) غير مضاف،و في معناه قولان:

أحدهما:اسم الغلام،و الثّاني:معناه يا أيّتها البشرى هذا حينك و أوانك.

قال قتادة و السّدّيّ: لمّا أدلى المدلي دلوه تعلّق بها يوسف،فقال: يا بُشْرى هذا غُلامٌ.

قال قتادة: بشّر أصحابه بأنّه وجد عبدا،و قال السّدّيّ:نادى رجلا اسمه(بشرى).

قال النّحّاس: قول قتادة أولى،لأنّه لم يأت في القرآن تسمية أحد إلاّ يسيرا،و إنّما يأتي بالكناية،كما قال عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ الفرقان:27،و هو عقبة بن أبي معيط،و بعده يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً الفرقان:28،و هو أميّة بن خلف،قاله النّحّاس.

و المعنى في نداء البشرى:التّبشير لمن حضر،و هو أوكد من قولك:تبشّرت،كما تقول:يا عجباه،أي يا عجب هذا من أيّامك و من آياتك،فاحضر،و هذا مذهب سيبويه،و كذا قال السّهيليّ.

و قيل:هو كما تقول:وا سروراه.و أنّ«البشرى» مصدر من الاستبشار،و هذا أصحّ،لأنّه لو كان اسما علما لم يكن مضافا إلى ضمير المتكلّم،و على هذا يكون (بشراي)في موضع نصب،لأنّه نداء مضاف،و معنى النّداء هاهنا التّنبيه،أي انتبهوا لفرحتي و سروري.

و على قول السّدّيّ يكون في موضع رفع،كما تقول:

يا زيد هذا غلام.و يجوز أن يكون محلّه نصبا،كقولك:

يا رجلا،و قوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يس:30، و لكنّه لم ينوّن(بشرى)لأنّه لا ينصرف.(9:153)

الآلوسيّ: نادى«البشرى»بشارة لنفسه أو لقومه و رفقته،كأنّه نزّلها منزلة شخص فناداه،فهو استعارة مكنيّة و تخييليّة،أي يا بشرى تعالي،فهذا أوان

ص: 566

حضورك.

و قيل:المنادى محذوف،كما في ليت،أي يا قومي انظروا و اسمعوا بشراي،و قيل:إنّ هذه الكلمة تستعمل للتّبشير،من غير قصد إلى النّداء.

و زعم بعضهم: أنّ(بشرى)اسم صاحب له،ناداه ليعينه على إخراجه،و روي هذا عن السّدّيّ-و ليس بذاك-و قرأ غير الكوفيّين (يا بشراي) بالإضافة،و أمال فتحة الرّاء حمزة و الكسائيّ،و قرأ ورش بين اللّفظين.

و روي عن نافع أنّه قرأ (يا بشراي) بسكون ياء الإضافة،و يلزمه التقاء السّاكنين على غير حدّه، و اعتذر بأنّه أجرى الوصل مجرى الوقف،و نظائر ذلك كثيرة في القرآن و غيره.و قيل:جاز ذلك،لأنّ الألف لمدّها تقوم مقام الحركة.

و قرأ أبو الطّفيل و الحسن و ابن أبي إسحاق و الجحدريّ (يا بشريّ) بقلب الألف ياء و إدغامها في الإضافة و هي لغة لهذيل،و لناس غيرهم.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ قول الوارد يا بُشْرى هذا غُلامٌ كان عند رؤيته،و قيل:إنّه حين وروده على أصحابه صاح بذلك.(12:203)

الطّباطبائيّ: إيراده بالفصل-مع أنّه متفرّع- وقوعا على إدلاء الدّلو،للدّلالة على أنّه كان أمرا غير مترقّب الوقوع.فإنّ الّذي يترقّب وقوعه عن الإدلاء هو خروج الماء دون الحصول على غلام،فكان مفاجئا لهم،و لذا قال: قالَ يا بُشْرى.

و نداء البشرى كنداء الأسف و الويل و نظائرهما، للدّلالة على حضوره و جلاء ظهوره.(11:106)

المصطفويّ: قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ يوسف:19،المنادى محذوف،و هو من حضر عنده من قومه أو من غيرهم.و(بشرى)خبر مبتدإ محذوف، و التّقدير:يا قوم أو يا نفسي هذا بشرى،أو بشرى هذا، أو أنّ المنادى هو البشرى،و التّقدير:يا بشرى، و الانبساط قد ظهرت و تحقّقت و توجّهت إليّ.

(1:261)

7- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً. الفرقان:22

أبو حيّان: و احتمل(بشرى)أن يكون مبنيّا مع (لا)،و احتمل أن يكون في نيّة التّنوين منصوب اللّفظ، و منع من الصّرف للتّأنيث اللاّزم.

فإن كان مبنيّا مع(لا)،احتمل أن يكون الخبر (يومئذ)،و(للمجرمين)خبر بعد خبر،أو نعت ل(بشرى)أو متعلّق بما تعلّق به الخبر،و أن يكون (يومئذ)صفة ل(بشرى)و الخبر(للمجرمين)و يجيء خلاف سيبويه و الأخفش:هل الخبر لنفس(لا)أو الخبر للمبتدإ الّذي هو مجموع(لا)و ما بني معها؟

و إن كان في نيّة التّنوين و هو معرب جاز أن يكون (يومئذ)معمولا ل(بشرى)و أن يكون صفة،و الخبر من الخبر،و أجاز أن يكون(يومئذ)و(للمجرمين)خبر، و جاز أن يكون(يومئذ)خبرا و(للمجرمين)صفة، و الخبر إذا كان الاسم،ليس مبنيّا لنفس(لا)بإجماع.

(6:492)

مثله الآلوسيّ.(19:4)

ص: 567

أبو السّعود: إنّه في معنى لا يبشّر يومئذ المجرمون، و العدول إلى نفي الجنس للمبالغة في نفي البشرى.

و ما قيل:من أنّه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها، تهوين للخطب في مقام التّهويل،فإنّ منع البشرى و فقدانها مشعران بأنّ هناك بشرى يمنعونها أو يفقدونها.

و أين هذا من نفيها بالكلّيّة؛و حيث كان نفيها كناية عن إثبات ضدّها،كما أنّ نفي المحبّة في مثل قوله تعالى:

فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ آل عمران:32،كناية عن البغض و المقت دلّ على ثبوت النّذرى لهم،على أبلغ وجه و آكده.(5:4)

8- تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ* هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. النّمل:1،2

الطّبريّ: و في قوله: هُدىً وَ بُشْرى وجهان من العربيّة:الرّفع على الابتداء،بمعنى هو هدى و بشرى.و النّصب على القطع من(آيات القرآن)فيكون معناه تلك آيات القرآن الهدى و البشرى للمؤمنين،ثمّ أسقطت الألف و اللاّم من الهدى و البشرى،فصارا نكرة،و هما صفتان للمعرفة،فنصبا.(19:131)

الطّوسيّ: و المعنى أنّ ما فيه من البيان و البرهان يهديهم إلى الحقّ،و ما لهم في وجه كونه معجزا الّذي فيه من اللّطف ما يؤدّيهم إلى الثّواب و يبشّرهم بالجنّة.

(8:74)

الميبديّ: يعني أنّها آيات هادية و مبشّرة.و قيل:

(هدى)لجميع الخلق(و بشرى)للمؤمنين خاصّة، و قيل:(هدى)للمذنبين(و بشرى)للمؤمنين.

(7:179)

الزّمخشريّ: هُدىً وَ بُشْرى في محلّ النّصب على الحال،أي هادية و مبشّرة،و العامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة.

و الرّفع على ثلاثة أوجه:على هي هدى و بشرى، و على البدل من«الآيات»،و على أن يكون خبرا بعد خبر،أي جمعت أنّها آيات،و أنّها هدى و بشرى.

(3:135)

مثله الفخر الرّازيّ.(24:177)

أبو السّعود: هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ في حيّز النّصب على الحاليّة من«الآيات»على أنّهما مصدران أقيما مقام الفاعل للمبالغة،كأنّهما نفس الهدى و البشارة، و العامل معنى الإشارة،أي هادية و مبشّرة.

أو الرّفع على أنّهما بدلان من«الآيات»،أو خبران آخران ل(تلك)أو لمبتدإ محذوف.

و معنى هدايتها لهم و هم مهتدون أنّها تزيدهم هدى،قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ التّوبة:124.

و أمّا معنى تبشيرها إيّاهم فظاهر،لأنّها تبشّرهم برحمة من اللّه و رضوان،و جنّات لهم فيها نعيم مقيم.

(5:68)

الطّباطبائيّ: المصدران،أعني(هدى و بشرى) بمعنى اسم الفاعل،أو المراد بهما المعنى المصدريّ للمبالغة.(15:340)

9- وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا

ص: 568

إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى... الزّمر:17

الطّبريّ: لهم البشرى في الدّنيا،بالجنّة في الآخرة.

(23:206)

الزّمخشريّ: لَهُمُ الْبُشْرى هي البشارة بالثّواب،كقوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يونس:64.

اللّه عزّ و جلّ يبشّرهم بذلك في وحيه على ألسنة رسله،و تتلقّاهم الملائكة عند حضور الموت مبشّرين، و حين يحشرون.(3:393)

نحوه الآلوسيّ.(23:252)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى

و اعلم أنّ هذه الكلمة تتعلّق بجهات:

أحدها:أنّ هذه البشارة متى تحصل؟فنقول:إنّها تحصل عند القرب من الموت،و عند الوضع في القبر، و عند الوقوف في عرصة القيامة،و عند ما يصير فريق في الجنّة و فريق في السّعير،و عند ما يدخل المؤمنون الجنّة، ففي كلّ موقف من هذه المواقف تحصل البشارة بنوع من الخير و الرّوح و الرّاحة و الرّيحان.

و ثانيها:أنّ هذه البشارة فبما ذا تحصل؟فنقول:إنّ هذه البشارة تحصل بزوال المكروهات و بحصول المرادات.

أمّا زوال المكروهات فقوله تعالى: أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا فصّلت:30،و الخوف إنّما يكون من المستقبل،و الحزن إنّما يكون بسبب الأحوال الماضية، فقوله: أَلاّ تَخافُوا يعني لا تخافوا فيما تستقبلونه من أحوال القيامة،و لا تحزنوا بسبب ما فاتكم من خيرات الدّنيا.

و لمّا أزال اللّه عنهم هذه المكروهات بشّرهم بحصول الخيرات و السّعادات،فقال: وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ و قال أيضا في آية أخرى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الحديد:12،و قال أيضا: وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ الزّخرف:71.

و الثّالث:أنّ المبشّر من هو؟

فنقول:يحتمل أن يكون هم الملائكة،إمّا عند الموت فقوله: اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ النّحل:32،و إمّا بعد دخول الجنّة،فقوله:

اَلْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:24،و يحتمل أن يكون هو اللّه سبحانه،كما قال: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ الأحزاب:44.

و اعلم أنّ قوله: لَهُمُ الْبُشْرى فيه أنواع من التّأكيدات:

أحدها:أنّه يفيد الحصر،فقوله: لَهُمُ الْبُشْرى أي لهم لا لغيرهم،و هذا يفيد أنّه لا بشارة لأحد إلاّ إذا اجتنب عبادة غير اللّه تعالى،و أقبل بالكلّيّة على اللّه تعالى.

و ثانيها:أنّ الألف و اللاّم في لفظ(البشرى)مفيد للماهيّة،فيفيد أنّ هذه الماهيّة بتمامها لهؤلاء،و لم يبق منها نصيب لغيرهم.

و ثالثها:أن لا فرق بين الإخبار و بين البشارة،

ص: 569

فالبشارة هو الخبر الأوّل بحصول الخيرات.

إذا عرفت هذا فنقول:كلّ ما سمعوه في الدّنيا من أنواع الثّواب و الخير-إذا سمعوه عند الموت أو في القبر- فذاك لا يكون إلاّ إخبارا؛فثبت أنّ هذه البشارة لا تتحقّق إلاّ إذا حصل الإخبار بحصول أنواع أخر من السّعادات، فوق ما عرفوها و سمعوها في الدّنيا،نسأل اللّه تعالى الفوز بها،قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ السّجدة:17.

و رابعها:أنّ المخبر بقوله: لَهُمُ الْبُشْرى هو اللّه تعالى،و هو أعظم العظماء و أكمل الموجودات.

و الشّرط المعتبر في حصول هذه البشارة شرط عظيم،و هو الاجتناب عمّا سوى اللّه تعالى،و الإقبال بالكلّيّة على اللّه و السّلطان العظيم إذا ذكر شرطا عظيما.

ثمّ قال لمن أتى بذلك الشّرط العظيم:أبشر،فهذه البشارة الصّادرة من السّلطان العظيم المرتّبة على حصول ذلك الشّرط العظيم،تدلّ على أنّ الّذي وقعت البشارة به قد بلغ في الكمال و الرّفعة إلى حيث لا يصل إلى شرحها العقول و الأفكار،فثبت أنّ قوله: لَهُمُ الْبُشْرى يدلّ على نهاية الكمال و السّعادة،من هذه الوجوه.(26:259)

البروسويّ: لهم البشرى بالثّواب و الرّضوان الأكبر على ألسنة الرّسل،بالوحي في الدّنيا،أو الملائكة عند حضور الموت،و حين يحشرون،و بعد ذلك.

و قال بعض الكبار:لهم البشرى بأنّهم من أهل الهداية و الفضل من اللّه،و هي الكرامة الكبرى.

(8:89)

بشريكم

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... الحديد:12

الطّبريّ: يقال لهم:بشارتكم اليوم أيّها المؤمنون الّتي تبشّرون بها جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فأبشروا بها.(27:223)

الميبديّ: أي بشارتكم من اللّه اليوم جنّات، فيكون مبتدأ و خبرا.(9:482)

القرطبيّ: التّقدير:يقال لهم:بشراكم اليوم دخول جنّات.و لا بدّ من تقدير حذف المضاف،لأنّ البشرى حدث و الجنّة عين،فلا تكون هي هي. تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحتهم أنهار اللّبن و الماء و الخمر و العسل من تحت مساكنها.(خالدين فيها)حال من الدّخول المحذوف.

التّقدير:بشراكم اليوم دخول جنّات تجري من تحتها الأنهار مقدّرين الخلود فيها.و لا تكون الحال من (بشريكم)لأنّ فيه فصلا بين الصّلة و الموصول.

و يجوز أن يكون ممّا دلّ عليه البشرى،كأنّه قال:

تبشّرون خالدين،و يجوز أن يكون الظّرف الّذي هو (اليوم)خبرا عن(بشريكم)،و(جنّات)بدلا من «البشرى»على تقدير حذف المضاف،كما تقدّم، و(خالدين)حال،حسب ما تقدّم.

و أجاز الفرّاء نصب(جنّات)على الحال،على أن

ص: 570

يكون(اليوم)خبرا عن(بشريكم)و هو بعيد؛إذ ليس في(جنّات)معنى الفعل.

و أجاز أن يكون(بشريكم)نصبا على معنى يبشّرونهم بشرى،و ينصب(جنّات)بالبشرى،و فيه تفرقة بين الصّلة و الموصول.(17:244)

أبو السّعود:مقدّر بقول هو حال أو استئناف،أي يقال لهم:بشراكم،أي ما تبشّرون به جنّات،أو بشراكم دخول جنّات.(6:202)

الآلوسيّ: و المراد ب«البشرى»ما يبشّر به دون التّبشير،و الكلام على حذف مضاف،أي ما تبشّرون به دخول جنّات،يصحّ بدونه،أي ما تبشّرون به جنّات.

و ما قيل:البشارة لا تكون بالأعيان،فيه نظر، و تقدير المضاف لا يغني عن تأويل البشرى،لأنّ التّبشير ليس عين الدّخول.(27:174)

الطّباطبائيّ: المراد بالبشرى:ما يبشّر به و هو الجنّة،و الباقي ظاهر.(19:155)

بشير

1- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ. المائدة:19

الطّبريّ: يعني بالبشير:المبشّر من أطاع اللّه، و آمن به و برسوله،و عمل بما آتاه من عند اللّه،بعظيم ثوابه في آخرته.

و بالنّذير:المنذر من عصاه،و كذّب رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، و عمل بغير ما أتاه من عند اللّه،من أمره و نهيه،بما لا قبل له به،من أليم عقابه في معاده،و شديد عذابه في قيامته.

(6:167)

الطّوسيّ: و البشير هو المبشّر لكلّ مطيع بالثّواب.

و النّذير هو المنذر المخوّف كلّ عاص للّه بالعقاب؛ليتمسّك المطيع بطاعته و يجتنب العاصي لمعصيته.(3:480)

الميبديّ: جاء إليكم المصطفى و هو بشير و نذير، بشير بالجنّة نذير من النّار،بشير بالمؤمنين و نذير للجاحدين.(3:73)

الطّبرسيّ: و هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله يبشّر كلّ مطيع بالثّواب،و يخوّف كلّ عاص بالعقاب.(2:177)

القرطبيّ: (من بشير)أي مبشّر،(و لا نذير)أى منذر.و يجوز:«من بشير و لا نذير»على الموضع.

(6:122)

أبو السّعود: زيادة(من)في الفاعل للمبالغة في نفي المجيء،و تنكير(بشير)و(نذير)للتّقليل،و هذا كما ترى يقتضي أنّ المقدّر أو المنويّ فيما سبق هو الشّرائع و الأحكام لا كيفما كانت،بل مشفوعة بما ذكر من الوعد و الوعيد.

فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ متعلّق بمحذوف ينبئ عنه الفاء الفصيحة،و تبيّن أنّه معلّل.و تنوين(بشير) و(نذير)للتّفخيم،أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم بشير و نذير.(2:254)

نحوه الآلوسيّ.(6:104)

المصطفويّ: إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ الأعراف:188، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ المائدة:

19، وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً

ص: 571

سبأ:28.

و قد ذكر«البشير»في هذه الآيات و في غيرها،في مقابل«النّذير»،و البشير من البشر متعدّيا بمعنى المبشّر،كما أنّ النّذير بمعنى المنذر.

و الفرق بين البشير و المبشر و المبشّر:اختلاف صيغها،فإنّ«فعيلا»يدلّ على ثبوت النّسبة،فالبشير من ثبت له البشر و من شأنه البشر.

و المنظور في الإبشار نسبة الفعل إلى الفاعل،و قيامه به أوّلا،ثمّ تعلّقه بالمفعول قهرا،كما هو مقتضى صيغة «إفعال».و مقتضى هيئة«تفعيل»تعلّق الفعل بالمفعول، و وقوعه فيه أوّلا،و القيام بالفاعل تبعيّ قهريّ.

ففي كلّ مورد استعمل لفظ البشير،فالنّظر فيها إلى جهة الثّبوت،أي من ثبت له هذه الصّفة،و من شأنه أن يكون مبشّرا،كما في الآيات المذكورة.

و في كلّ مورد يستعمل لفظ الإبشار،فالنّظر فيها إلى جهة قيام الفعل،و لا نظر فيها إلى جهة الوقوع أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30، فالمقصود هنا قيام التّبشير وجهة تحقّقه و صدوره.

و في كلّ مورد يستعمل لفظ التّبشير،فالنّظر فيها إلى جهة الوقوع و إيصال النّسبة إلى المفعول فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ البقرة:213، وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ البقرة:155، وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ البقرة:223، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21، فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ يس:11، وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا البقرة:25، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ النّساء:138، إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ الحجر:53، بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ الحجر:55، يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى آل عمران:39، فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ هود:71،فالنّظر في هذه الآيات و نظائرها إلى جهة التّبليغ و الوقوع.

و لمّا كان البشر فعلا مطلوبا يوجب الانبساط و الفرح و الطّلاقة،فقد عبّر عنه بصيغة التّبشير،و هذا بخلاف الإنذار،و هو تخويف العباد،فعبّر عنه بصيغة الإنذار رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ و في هذا كمال لطف منه تعالى.(1:261)

2- وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. الأعراف:188

الطّوسيّ: معناه لست إلاّ مخوّفا من العقاب محذّرا من المعاصي،و مبشّرا بالجنّة،حاثّا عليها،غير عالم بالغيب.(5:59)

الفخر الرّازيّ: النّذير:مبالغة في الإنذار بالعقاب على فعل المعاصي و ترك الواجبات،و البشير:مبالغة في البشارة بالثّواب على فعل الواجبات و ترك المعاصي.

(15:85)

رشيد رضا: [راجع نذر-نذير](9:514)

3- أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ.

هود:2

الطّبريّ: إنّني لكم من عند اللّه نذير ينذركم عقابه على معاصيه و عبادة الأصنام،و بشير يبشّركم بالجزيل من الثّواب على طاعته،و إخلاص العبادة و الألوهة له.

(11:180)

ص: 572

الطّوسيّ: إخبار أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مخوّف من مخالفة اللّه و عصيانه بأليم عقابه،مبشّر بثواب اللّه على طاعاته و اجتناب معاصيه.

و النّذارة:إعلام موضع المخافة ليتّقي،و نذير بمعنى منذر،كأليم بمعنى مؤلم.و البشارة:إعلام بما يظهر في بشرة الوجه به المسرّة،و بشير بمعنى مبشر.(5:513)

نحوه الطّبرسيّ.(3:141)

الفخر الرّازيّ: إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ و فيه مباحث:

البحث الأوّل:أنّ الضّمير في قوله:(منه)عائد إلى «الحكيم الخبير»،و المعنى إنّني لكم نذير و بشير من جهته.

و البحث الثّاني:أنّ قوله: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ مشتمل على المنع عن عبادة غير اللّه،و على التّرغيب في عبادة اللّه تعالى،فهو عليه الصّلاة و السّلام نذير على الأوّل بإلحاق العذاب الشّديد لمن لم يأت بها،و بشير على الثّاني بإلحاق الثّواب العظيم لمن أتى بها.

و اعلم أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ما بعث إلاّ لهذين الأمرين،و هو الإنذار على فعل ما لا ينبغي،و البشارة على فعل ما ينبغي.(17:181)

4- فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً... يوسف:96

ابن عبّاس: البشير:البريد.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 13:63)

إنّه مالك بن ذعر.(الطّبرسيّ 3:263)

مجاهد: يهوذا بن يعقوب.

مثله ابن جريج و الضّحّاك.(الطّبريّ 13:62)

الطّبريّ: فلمّا أن جاء يعقوب البشير من عند ابنه يوسف،و هو المبشّر برسالة يوسف،و ذلك بريد فيما ذكر،كان يوسف يردّه إليه.و كان البريد فيما ذكر، و البشير يهوذا بن يعقوب أخا يوسف لأبيه.(13:62)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى إنّه لمّا جاء المبشّر بيوسف إلى يعقوب ألقى القميص على وجهه فرجع بصيرا.

و البشير:الّذي يأتي بالبشارة العظيمة،و جاء على لفظ«فعيل»لما فيه من المبالغة،يقال:بشّره تبشيرا، و معنى أبشرته:قلت له:استبشر.(6:194)

الميبديّ: أي المبشّر و هو يهوذا،و هو سبط الملك من بني إسرائيل،جاء مع بريد ليوسف إلى يعقوب.

و قيل:إنّ البشير مالك بن ذعر،و الأوّل أصحّ.

(5:135)

القرطبيّ: البشير قيل:هو شمعون،و قيل:

يهوذا.(9:261)

الطّباطبائيّ: البشير:حامل البشارة،و كان حامل القميص.(11:245)

بشيرا

1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ. البقرة:119

الطّبريّ: مبشّرا من اتّبعك فأطاعك،و قبل منك ما دعوته إليه من الحقّ،بالنّصر في الدّنيا،و الظّفر

ص: 573

بالثّواب في الآخرة،و النّعيم المقيم فيها،و منذرا من عصاك فخالفك.(1:515)

الميبديّ: أي بشيرا بالجنّة لمن أطاع اللّه،و نذيرا بالنّار لمن عصاه.(1:337)

الزّمخشريّ: إنّا أرسلناك لأن تبشّر و تنذر، لا لتجبر على الإيمان.و هذه تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و تسرية عنه،لأنّه كان يغتمّ و يضيق صدره، لإصرارهم و تصميمهم على الكفر.(1:308)

الطّبرسيّ: أي بشيرا لمن اتّبعك بالثّواب و نذيرا لمن خالفك بالعقاب.(1:196)

الفخر الرّازيّ: أي أرسلناك بالقرآن،حال كونه بشيرا لمن أطاع اللّه بالثّواب،و نذيرا لمن كفر بالعقاب.

و الأولى أن يكون البشير و النّذير صفة للرسول عليه الصّلاة و السّلام،فكأنّه تعالى قال:إنّا أرسلناك يا محمّد بالحقّ لتكون مبشّرا لمن اتّبعك و اهتدى بدينك، و منذرا لمن كفر بك و ضلّ عن دينك.(4:33)

أبو حيّان:و انتصاب بَشِيراً وَ نَذِيراً على الحال من الكاف،و يحتمل أن يكون حالا من(الحقّ)لأنّ ما جاء به من الحقّ يتّصف أيضا بالبشارة و النّذارة، و الأظهر الأوّل.

و عدل إلى«فعيل»للمبالغة،لأنّ«فعيلا»من صفات السّجايا.و العدل في«بشير»للمبالغة مقيس عند سيبويه إذا جعلناه من«بشر»لأنّهم قالوا:«بشر» مخفّفا،و ليس مقيسا في«نذير»لأنّه من أنذر.

و لعلّ محسن العدل فيه كونه معطوفا على ما يجوز ذلك فيه،لأنّه قد يسوّغ في الكلمة مع الاجتماع مع ما يقابلها ما لا يسوّغ فيها لو انفردت،كما قالوا:أخذه ما قدم و ما حدث و شبهه.(1:367)

نحوه الآلوسيّ.(1:370)

أبو السّعود: حال من المفعول باعتبار تقييده بالحال الأولى،أي أرسلناك ملتبسا بالقرآن،حال كونك بشيرا لمن آمن بما أنزل عليك و عمل به،و نذيرا لمن كفر به.

و أرسلناك صادقا،حال كونك(بشيرا)لمن صدّقك بالثّواب(و نذيرا)لمن كذّبك بالعذاب،ليختاروا لأنفسهم ما أحبّوا،لا قاسر لهم على الإيمان فلا عليك إن أصرّوا و كابروا.(1:189)

البروسويّ: حال كونك مبشّرا لمن اتّبعك بما لا عين رأت،و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر.

(و نذيرا)أي منذرا و مخوّفا لمن كفر بك و عصاك.

و المعنى أنّ شأنك بعد إظهار صدقك في دعوى الرّسالة بالدّلائل و المعجزات ليس إلاّ الدّعوة و الإبلاغ بالتّبشير و الإنذار،لا أن تجبرهم على القبول و الإيمان، فلا عليك إن أصرّوا على الكفر و العناد،فإنّ الأحوال أوصاف لذي الحال،و الأوصاف مقيّدة للموصوف.

(1:216)

رشيد رضا: (بشيرا)لمن يتّبع الحقّ بالسّعادتين، (و نذيرا)لمن لا يأخذ به بشقاء الدّنيا و خزي الآخرة.

(1:442)

2- وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً...

سبأ:28

ص: 574

الطّبريّ: (بشيرا)من أطاعك،(و نذيرا)من كذّبك.(22:96)

الطّوسيّ: (بشيرا)لهم بالجنّة،أي مبشّرا بها، (و نذيرا)أي مخوّفا بالنّار.(8:396)

نحوه الطّبرسيّ.(4:391)

الفخر الرّازيّ: (بشيرا)أي تحثّهم بالوعد،(نذيرا) تزجرهم بالوعيد.(25:285)

القرطبيّ: (بشيرا)أي بالجنّة لمن أطاع(و نذيرا) من النّار لمن كفر.(14:301)

الآلوسيّ: (بشيرا)لمن أسلم بالثّواب،(و نذيرا) لمن لم يسلم بالعقاب.

و الوصفان حالان من مفعول(ارسلناك)،و قد يجعلان على بعض الأوجه السّابقة بدلا من(كافّة)نحو بدل المفصّل من المجمل،فتأمّل.(22:143)

3- كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَ نَذِيراً... فصّلت:3،4

الطّبريّ: بَشِيراً وَ نَذِيراً على أنّه صفة،و إن شئت جعلت نصبه على المدح،كأنّه حين ذكره أقبل في مدحته،فقال:ذكرنا قرآنا عربيّا بشيرا و نذيرا.

(24:91)

الميبديّ: بَشِيراً وَ نَذِيراً صفتان للقرآن،أي يبشّر المؤمنين و ينذر الكافرين بما فيه من البشارة و النّذارة.(8:508)

الزّمخشريّ: قرئ (بشير و نذير) صفة ل(كتاب) أو خبر مبتدإ محذوف.(3:441)

الفخر الرّازيّ: يعني(بشيرا)للمطيعين بالثّواب، (و نذيرا)للمجرمين بالعقاب،و الحقّ أنّ القرآن بشارة و نذارة،إلاّ أنّه أطلق اسم الفاعل عليه للتّنبيه على كونه كاملا في هذه الصّفة،كما يقال:شعر شاعر و كلام قائل.

(27:94)

أبو السّعود: صفتان أخريان ل(قرانا)أي(بشيرا) لأهل الطّاعة،(و نذيرا)لأهل المعصية،أو حالان من (كتاب)أو من(آياته).

و قرئا بالرّفع على الوصفيّة ل(كتاب)أو الخبريّة لمحذوف.(5:434)

نحوه أبو حيّان(7:483)،و الآلوسيّ(24:95).

البروسويّ: (بشيرا)صفة أخرى ل(قرانا)أي (بشيرا)لمن صدّقه و عرف قدره،و أدّى حقّه بالجنّة و الوصول،(و نذيرا)لمن كذّبه،و لم يعرف قدره،و لم يؤدّ حقّه بالنّار و الفراق.

أو(بشيرا)لمن أقبل إلى اللّه بنعت الشّوق،(و نذيرا) لمن أقبل إلى نفسه و نظر إلى طاعته.

أو(بشيرا)لأوليائه بنيل المقامات،(و نذيرا)لهم يحذّرهم من المخالفات،لئلاّ يسقطوا من الدّرجات.

أو(بشيرا)بمطالعة الرّجاء،(و نذيرا)بمطالعة الخوف.

أو(بشيرا)للعاصين بالشّفاعة و الغفران،(و نذيرا) للمطيعين ليستعملوا الأدب و الأركان في طاعة الرّحمن.

أو(بشيرا)لمن اخترناهم و اصطفيناهم،(و نذيرا) لمن أغويناهم.(8:226)

عبد الكريم الخطيب: حال أخرى،من هذا الكتاب،تكشف عن موضوعه،بعد أن كشفت الحال

ص: 575

الأولى (قُرْآناً عَرَبِيًّا) عن صفته،فهو بشير و نذير.بشير لأهل الإيمان و التّقوى،بالفوز برضوان اللّه،و الخلود في جنّات النّعيم،و نذير للكافرين و الضّالّين و المكذّبين، و نذير لهم بسخط اللّه،و الخلود في نار الجحيم.

(12:1281)

ابشروا

...أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. فصّلت:30

ابن الجرّاح: بشرى المؤمن تكون في ثلاثة مواطن:عند الموت،و في القبر،و عند البعث.

(الميبديّ 8:525)

الطّبريّ: و سرّوا بأنّ لكم في الآخرة الجنّة الّتي كنتم توعدونها في الدّنيا،على إيمانكم باللّه،و استقامتكم على طاعته.(24:116)

نحوه أبو السّعود(5:444)،و البروسويّ(8:

255).

الطّوسيّ: و أبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون بها في دار الدّنيا،جزاء على الطّاعات.(9:123)

الميبديّ: في الدّنيا على لسان الرّسل.(8:525)

نحوه الطّبرسيّ.(5:12)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:البشارة عبارة عن الخبر الأوّل بحصول المنافع،فأمّا إذا أخبر الرّجل بحصول منفعة ثمّ أخبر ثانيا بحصولها،كان الإخبار الثّاني إخبارا و لا يكون بشارة.و المؤمن قد يسمع بشارات الخير،فإذا سمع المؤمن هذا الخبر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخبارا و لا يكون بشارة،فما السّبب في تسمية هذا الخبر بالبشارة؟

قلنا:المؤمن يسمع أنّ من كان مؤمنا تقيّا كان له الجنّة،أمّا من لم يسمع-البتّة-أنّه من أهل الجنّة،فإذا سمع هذا الكلام من الملائكة كان هذا إخبارا بنفع عظيم، مع أنّه هو الخبر الأوّل بذلك،فكان بذلك بشارة.

(27:122)

الطّباطبائيّ: إخبار عمّا سيستقبلهم به الملائكة من تقوية قلوبهم،و تطييب نفوسهم،و البشرى بالكرامة.(17:389)

بشّروه

فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ. الذّاريات:28

الطّبريّ: عني به إسحاق لأنّ البشارة كانت بالولد من سارة،و إسماعيل لهاجر لا لسارة.(26:208)

الطّوسيّ: قال مجاهد:المبشّر به إسماعيل،و قال غيره:هو إسحاق لأنّه من سارة.و هذه القصّة لها،لا لهاجر.سمعت البشارة امرأته سارة.(9:388)

الفخر الرّازيّ:حيث فهّموه أنّهم ليسوا ممّن يأكلون،و لم يقولوا:لا يصلح لنا الطّعام و الشّراب،ثمّ أدب آخر في«البشارة»:أن لا يخبر الإنسان بما يسرّه دفعة فإنّه يورث مرضا:يدلّ عليه أنّهم جلسوا و استأنس بهم إبراهيم عليه السّلام،ثمّ قالوا:نبشّرك،ثمّ ذكروا أشرف النّوعين،و هو الذّكر،و لم يقتنعوا به حتّى وصفوه بأحسن الأوصاف،فإنّ الابن قد يكون دون البنت إذا

ص: 576

كانت البنت كاملة الخلقة حسنة الخلق،و الابن بالضّدّ.

ثمّ إنّهم تركوا سائر الأوصاف من الحسن و الجمال و القوّة و السّلامة و اختاروا العلم،إشارة إلى أنّ العلم رأس الأوصاف و رئيس النّعوت.

و قد ذكرنا فائدة تقديم«البشارة»على الإخبار عن إهلاكهم قوم لوط،ليعلم أنّ اللّه تعالى يهلكهم إلى خلف، و يأتي ببدلهم خيرا منهم.(28:214)

أبو حيّان:وقعت البشارة بعد التّأنيس و الجلوس، و كانت البشارة بذكر،لأنّه أسرّ للنّفس و أبهج.

(8:139)

أبو السّعود: و في سورة الصّافّات: فَبَشَّرْناهُ أي بواسطتهم بِغُلامٍ هو إسحاق عليه السّلام.(6:137)

مثله البروسويّ.(9:162)

و تمام البحث في«غ ل م-غلام»فراجع.

بشّرناه

1- فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ. الصّافّات:101

راجع«غ ل م-غلام حليم»

2- وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ.

الصّافّات:112

ابن عبّاس: بشّر بنبوّته.(الطّبريّ 23:89)

إنّما بشّره به نبيّا حين فداه من الذّبح،و لم تكن البشارة بالنبوّة عند مولده.(الطّبريّ 23:89)

قتادة:بشّر به بعد ذلك نبيّا،بعد ما كان هذا من أمره،لمّا جاد للّه بنفسه.(الطّبريّ 23:89)

الزّمخشريّ: (نبيّا)حال مقدّرة،كقوله تعالى:

فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73.

فإن قلت:فرق بين هذا و بين قوله: فَادْخُلُوها خالِدِينَ، و ذلك أنّ المدخول موجود مع وجود الدّخول،و الخلود غير موجود معهما،فقدّرت:مقدّرين الخلود،فكان مستقيما،و ليس كذلك المبشّر به فإنّه معدوم وقت وجود البشارة،و عدم المبشّر به أوجب عدم حاله،لا محالة،لأنّ الحال حلية و الحلية لا تقوم إلاّ بالمحلّى،و هذا المبشّر به الّذي هو إسحاق حين وجد لم توجد النّبوّة أيضا بوجوده بل تراخت عنه مدّة متطاولة،فكيف يجعل«نبيّا»حالا مقدّرة،و الحال صفة الفاعل أو المفعول عند وجود الفعل منه أو به،فالخلود و إن لم يكن صفتهم عند دخول الجنّة فتقديرها صفتهم، لأنّ المعنى:مقدّرين الخلود،و ليس كذلك النّبوّة،فإنّه لا سبيل إلى أن تكون موجودة أو مقدّرة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق؟

قلت:هذا سؤال دقيق السّلك ضيق،و الّذي يحلّ الإشكال أنّه لا بدّ من تقدير مضاف محذوف،و ذلك قولك:و بشّرناه بوجود إسحاق نبيّا،أي بأن يوجد مقدّرة نبوّته،فالعامل في الحال الوجود لا فعل البشارة، و بذلك يرجع نظير قوله تعالى: فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73 مِنَ الصّالِحِينَ حال ثانية و ورودها على سبيل الثّناء و التّقريظ،لأنّ كلّ نبيّ لا بدّ أن يكون من الصّالحين.

و عن قتادة:بشّره اللّه بنبوّة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه،و هذا جواب من يقول:الذّبيح إسحاق،لصاحبه

ص: 577

عن تعلّقه بقوله: وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ قالوا:و لا يجوز أن يبشّره اللّه بمولده و نبوّته معا،لأنّ الامتحان بذبحه لا يصحّ مع علمه بأنّه سيكون نبيّا.(3:351)

الفخر الرّازيّ:معناه أنّه بشّره بكونه نبيّا من الصّالحين.و ذكر هذه البشارة عقيب حكاية تلك القصّة،يدلّ على أنّه تعالى إنّما بشّره بهذه النّبوّة،لأجل أنّه تحمّل هذه الشّدائد في قصّة الذّبيح.(26:154)

القرطبيّ: قال ابن عبّاس:بشّر بنبوّته.و ذهب إلى أنّ البشارة كانت مرّتين،فعلى هذا الذّبيح هو إسحاق بشّر بنبوّته،جزاء على صبره و رضاه بأمر ربّه، و استسلامه له.(15:112)

الآلوسيّ: «نبيّا»حال من إسحاق.[إلى أن قال:]

و المراد كونه«نبيّا»و كونه(من الصّالحين)في قضاء اللّه تعالى و تقديره،أي مقضيّا كونه«نبيّا»مقضيّا كونه (من الصّالحين)و إن شئت فقل مقدّرا،و لا يكونان بذلك من الحال المقدّرة الّتي تذكر في مقابلة المقارنة،بل هما بهذا الاعتبار حالان مقارنان للعامل،و هو فعل البشارة أو شيء آخر محذوف،أي بشّرناه بوجود إسحاق نبيّا إلخ.(23:133)

الطّباطبائيّ: و اعلم أنّ هذه الآية المتضمّنة للبشرى بإسحاق بوقوعها بعد البشرى السّابقة،بقوله:

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ المتعقّبة بقوله: فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ الصّافّات:102،إلى آخر القصّة،ظاهرة كالصّريحة،أو هي صريحة في أنّ الذّبيح غير إسحاق و هو إسماعيل عليهما السّلام،و قد فصّلنا القول في ذلك في قصص إبراهيم عليه السّلام من سورة الأنعام.(17:153)

عبد الكريم الخطيب:[راجع«ذ ب ح»]

(12:1015)

بشّرناها

وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ. هود:71

الطّوسيّ: قرأ ابن عبّاس و حمزة و حفص و يعقوب (فبشّرناها) بنصب الباء،الباقون بالرّفع.

قال أبو عليّ: من رفع فبأحد أمرين:أحدهما:

بالابتداء،و الآخر:بالظّرف على مذهب من رفع،و ذلك بيّن.

و من فتح احتمل ثلاثة أشياء:

أحدها:أن يكون في موضع جرّ،و المعنى فبشّرناها بإسحاق و يعقوب.

و قال أبو الحسن: و هو قويّ في المعنى،لأنّها قد بشّرت به،قال:و في إعمالها ضعف،لأنّك فصلت بين الجارّ و المجرور بالظّرف،كما لا يجوز:مررت بزيد في الدّار،و البيت عمرو.

و قال الرّمّانيّ: لا يجوز ذلك،لأنّه يجب منه العطف على عاملين،و ذلك لا يجوز،لأنّه أضعف من العامل الّذي يقوم مقامه،و هو لا يجرّ و لا ينصب.

الثّاني:بحمله على موضع الجارّ و المجرور،كقراءة من قرأ (حورا عينا) بعد قوله: (يطاف عليهم) بكذا.

الثّالث:أن تحمله على فعل مضمر،كأنّه قال:

فبشّرناها بإسحاق،و وهبنا له يعقوب.

قال أبو عليّ الفارسيّ:و الوجه الأوّل،نصّ سيبويه

ص: 578

في فتح مثله،نحو مررت بزيد أوّل أمس و أمس عمرو، و كذلك قال أبو الحسن.

قال:لو قلت:مررت بزيد اليوم و أمس عمرو،كان حسنا،و لم يحسن الحمل على الموضع على حدّ مررت بزيد و عمرا،فالفصل فيها أيضا قبيح،كما قبح الحمل على الجارّ و غير الجارّ،فهذا في القياس مثل الجارّ في القبح،لأنّ الفعل يصل بحرف العطف و حرف العطف هو الّذي يشرك في الفعل،و به يصل الفعل إلى المفعول به كما يصل الجارّ،فإذا قبح الأمران وجب أن تحمل قراءة من قرأ بالنّصب على تقدير فعل آخر مضمر،يدلّ عليه (بشّرنا).(6:29)

الميبديّ: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ إنّما خصّت بالبشارة جزاء على خدمتها للضّيف،و قيل:لأنّ النّساء أعظم سرورا بالولد من الرّجال،و قيل:لأنّ سارة لم يكن لها ولد،و كان لإبراهيم ولد هو إسماعيل.

و قالوا:و بشرى الملائكة لسارة هو أن قالوا:أيّتها الضّاحكة ستلدين غلاما.(4:415)

أبو حيّان: و المعنى(فبشّرناها)على لسان رسلنا.

بشّرتها الملائكة بإسحاق و بأنّ إسحاق سيلد يعقوب.

قال ابن عطيّة: أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم اللّه تعالى؛إذ كان ذلك بأمره و وحيه.

و قال غيره: لمّا ولد لإبراهيم إسماعيل عليهما السّلام من هاجر تمنّت سارة أن يكون لها ابن،و أيست لكبر سنّها، فبشّرت بولد يكون نبيّا و يلد نبيّا،فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.و إنّما بشّروها دونه،لأنّ المرأة أعجل فرحا بالولد،و لأنّ إبراهيم قد بشّروه و أمنوه من خوفه،فأتبعوا بشارته ببشارتها.(5:243)

أبو السّعود: أي عقّبنا سرورها بسرور أتمّ منه، على ألسنة رسلنا.(3:333)

مثله الآلوسيّ.(12:98)

البروسويّ: قال في«التّأويلات النّجميّة»:هذه البشارة لها ما كانت بشارة تتعلّق ببشريّتها و حيوانيّتها، و ما كان ضحكها للسّرور بحصول الابن الّذي هو من زينة الدّنيا،و إنّما كان ضحكها لسرور نجاة القوم من العذاب،و كانت بشارتها بنبوّة ابنها إسحاق بعد إبراهيم، و من وراء إسحاق يعقوب،أي بعد إسحاق يكون يعقوب نبيّا،و تكون النّبوّة في عقبهم إلى عهد خاتم النّبيّين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه يكون من عقب إسماعيل.

(4:163)

الطّباطبائيّ: إسحاق هو ابنها من إبراهيم، و يعقوب هو ابن إسحاق عليهما السّلام،فالمراد أنّ الملائكة بشّروها بأنّها ستلد إسحاق،و إسحاق سيولد له يعقوب ولد بعد ولد،هذا على قراءة يعقوب بالفتح،و هو منزوع الخافض.و قرئ برفع يعقوب،و هو بيان لتتمّة البشارة،و الأولى أرجح.(10:324)

بشّر

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ. النّحل:58

الميبديّ: أي و إذا أخبر أحدهم بولادة بنت،تغيّر لونه من الغمّ.(5:400)

مثله القرطبيّ.(10:116)

ابن عطيّة: لمّا صرّح بالشّيء المبشّر به حسن ذكر

ص: 579

البشارة،و إلاّ فالبشارة مطلقة لا تكون إلاّ في خير.

(3:401)

الفخر الرّازيّ: التّبشير-في عرف اللّغة-مختصّ بالخبر الّذي يفيد السّرور،إلاّ أنّه بحسب أصل اللّغة:

عبارة عن الخبر الّذي يؤثّر في تغيّر بشرة الوجه، و معلوم أنّ السّرور كما يوجب تغيّر البشرة فكذلك الحزن يوجبه؛فوجب أن يكون لفظة«التّبشير»حقيقة في القسمين،و يتأكّد هذا بقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.

و منهم من قال:المراد بالتّبشير هاهنا:الإخبار، و القول الأوّل أدخل في التّحقيق.(20:54)

أبو حيّان:المشهور أنّ البشارة أوّل خبر يسرّ، و هنا قد يراد به مطلق الإخبار.أو تغيّر البشرة،و هو القدر المشترك بين الخبر السّارّ أو المخبرين.

(5:504)

البروسويّ: البشارة بمعنى الإخبار على الوضع الأصليّ،و المضاف مقدّر،أي أخبر بولادتها.(5:44)

الآلوسيّ: أي أخبر بولادتها.و أصل البشارة:

الإخبار بما يسرّ،لكن لمّا كانت ولادة الأنثى تسؤهم حملت على مطلق الإخبار.

و جوّز أن يكون ذلك بشارة باعتبار الولادة،بقطع النّظر عن كونها أنثى.و قيل:إنّه بشارة حقيقة،بالنّظر إلى حال المبشّر به في نفس الأمر.و أيّا ما كان فالكلام على تقدير مضاف،كما أشرنا إليه.(14:168)

يبشّر

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً.

الإسراء:9

الميبديّ: قرأ حمزة و الكسائيّ (يبشر) بفتح الياء و تخفيف الشّين و ضمّها،و قرأ الباقون (يُبَشِّرُ) بضمّ الياء و فتح الباء و تشديد الشّين و كسرها،و قد سبق الكلام فيه.(5:521)

ابن عطيّة: و في هذه البشارة وعيد للكفّار بالمعنى،هذا الّذي تقتضيه ألفاظ الآية.و قرأ الجمهور (وَ يُبَشِّرُ) بضمّ الياء و فتح الباء و كسر الشّين،و قرأ ابن مسعود و يحيى بن وثّاب و طلحة (و يبشر) بفتح الياء و سكون الباء و ضمّ الشّين.(3:441)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه تعالى بشّر المؤمنين بنوعين من البشارة:بثوابهم،و بعقاب أعدائهم،و نظيره قوله:بشّرت زيدا أنّه سيعطى و بأنّ عدوّه سيمنع.

فإن قيل:كيف يليق لفظ البشارة بالعذاب؟

قلنا:مذكور على سبيل التّهكّم،أو يقال:إنّه من باب إطلاق اسم الضّدّين على الآخر،كقوله: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.(20:161)

أبو حيّان: و قرأ الجمهور (وَ يُبَشِّرُ) مشدّدا،مضارع «بشّر»المشدّد.و قرأ عبد اللّه و طلحة و ابن وثّاب و الأخوان(و يبشر)مضارع«بشر»المخفّف.(6:13)

أبو السّعود: و الجملة: وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ الإسراء:10،معطوفة على جملة(يبشّر) بإضمار«يخبر»أو على قوله تعالى: أَنَّ لَهُمْ داخلة معه تحت التّبشير،المراد به مجازا مطلق الإخبار المنتظم للإخبار بالخبر السّارّ،و بالنّبإ الضّارّ حقيقة،فيكون ذلك

ص: 580

بيانا لهداية القرآن بالتّرغيب و التّرهيب.

و يجوز كون التّبشير بمعناه،و المراد تبشير المؤمنين ببشارتين:تولّيهم،و عقاب أعدائهم.(4:113)

الآلوسيّ: و العطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً فيكون إعداد العذاب الأليم للّذين لا يؤمنون بالآخرة:

مبشّرا به،كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين الّذين يعملون الصّالحات،و مصيبة العدوّ سرور يبشّر به،فكأنّه قيل:

يبشّر المؤمنين بثوابهم و عقاب أعدائهم.

و يجوز أن تكون البشارة مجازا مرسلا،بمعنى مطلق الإخبار الشّامل للإخبار بما فيه سرور،و للإخبار بما ليس كذلك.و ليس فيه الجمع بين معنى المشترك أو الحقيقة و المجاز،حتّى يقال:إنّه من عموم المجاز،و إن كان راجعا لهذا.

أو العطف على(يبشّر)أو(يهدى)بإضمار«يخبر» فيكون من عطف الجملة على الجملة،و لا يخفى ما في الآية من ترجيح الوعد على الوعيد.(15:22)

يبشّرهم

اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ...

التّوبة:20،21

الميبديّ: (يُبَشِّرُهُمْ) قرأ عامّة القرّاء بالتّشديد إلاّ حمزة فإنّه قرأ بالتّخفيف،يقال:بشّرته فأبشر و استبشر،و بشّرته فتبشّر.و البشارة بفتح الباء:

مصدر،و بكسر الباء:اسم يستعمل في الخير،و استعماله في الشّرّ مجاز،و قيل:يستعمل فيها حقيقة.

و اعلم أنّ في القرآن بشّر ثلاثة أقوام بالعذاب و العقوبة،و بشّر عشرة أقوام بالثّواب و الرّحمة.

أمّا المبشّرون بالعذاب:

أحدهم:المشركون،كما قال: بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:3.

ثانيهم:المنافقون، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً النّساء:138.

ثالثهم:المانعون من الزّكاة، وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:34.

و أمّا العشرة الّذين يبشّرونهم بالكرامة و المثوبة:

الأوّل:المؤمنون،كما قال اللّه: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً الأحزاب:47، وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ يونس:2.

الثّاني:المحسنون وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ الحجّ:37.

الثّالث:المنيبون وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى الزّمر:17.

الرّابع:المتواضعون وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34، أي المتواضعين.

الخامس:الأولياء و الأحبّة أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ يونس:62،قوله:

لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يونس:64.

السّادس:المستقيمون في طريق الحقّ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30.

ص: 581

السّابع:المستمعون لكلام الحقّ فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:17.

الثّامن:المتّقون لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ مريم:97.

التّاسع:الصّابرون وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ البقرة:

155.

العاشر:المجاهدون في سبيل اللّه يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ التّوبة:21،يبشّرهم في هذا العالم أن يعدّ لهم في ذاك العالم،الرّحمة و الرّضوان،و النّعيم و الجنان،و الكرامة الخالدة،خالدين فيها أبدا دائما سرمدا.(4:105)

الزّمخشريّ: قرئ (يُبَشِّرُهُمْ) بالتّخفيف و التّثقيل،و تنكير المبشّر به لوقوعه وراء صفة الواصف،و تعريف المعرّف.(2:180)

الفخر الرّازيّ:و اعلم أنّ هذه الإشارة اشتملت على أنواع من الدّرجات العالية،و أنّه تعالى ابتدأ فيها بالأشرف فالأشرف،نازلا إلى الأدون فالأدون.و نحن نفسّرها تارة على طريق المتكلّمين و أخرى على طريقة العارفين.

أمّا الأوّل فنقول:فالمرتبة الأولى منها-و هي أعلاها و أشرفها-كون تلك البشارة حاصلة من ربّهم بالرّحمة و الرّضوان،و هذا هو التّعظيم و الإجلال من قبل اللّه.

و قوله: وَ جَنّاتٍ لَهُمْ إشارة إلى حصول المنافع العظيمة،و قوله: فِيها نَعِيمٌ إشارة إلى كون المنافع خالصة عن المكدّرات،لأنّ النّعيم مبالغة في النّعمة، و لا معنى للمبالغة في النّعمة إلاّ خلوّها عن ممازجة الكدورات.و قوله:(مقيم)عبارة عن كونها دائمة غير منقطعة.

ثمّ إنّه تعالى عبّر عن دوامها بثلاث عبارات:أوّلها:

(مقيم)،و ثانيها:قوله: خالِدِينَ فِيها، و ثالثها:قوله:

(ابدا).فحصل من مجموع ما ذكرنا أنّه تعالى يبشّر هؤلاء المؤمنين المهاجرين المجاهدين بمنفعة خالصة دائمة مقرونة بالتّعظيم؛و ذلك هو حدّ الثّواب.

و فائدة تخصيص هؤلاء المؤمنين بكون هذا الثّواب كامل الدّرجة عالي الرّتبة،بحسب كلّ واحد من هذه القيود الأربعة.

و من المتكلّمين من قال:قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ المراد منه خيرات الدّنيا،و قوله:

«و رضوان لهم»المراد منه كونه تعالى راضيا عنهم، حال كونهم في الحياة الدّنيا،و قوله:(و جنّات)المراد منه المنافع،و قوله: لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ المراد منه كون تلك النّعم خالصة عن المكدّرات،لأنّ النّعيم مبالغة في النّعمة، و قوله: مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً المراد منه الإجلال و التّعظيم الّذي يجب حصوله في الثّواب.

و أمّا تفسير هذه الآية على طريقة العارفين المحبّين المشتاقين فنقول:المرتبة الأولى من الأمور المذكورة في هذه الآية قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ.

و اعلم أنّ الفرح بالنّعمة يقع على قسمين:

أحدهما:أن يفرح بالنّعمة لأنّها نعمة،و الثّاني:أن يفرح بها لا من حيث هي،بل من حيث إنّ المنعم خصّه بها و شرّفه.

و إن عجز ذهنك عن الوصول إلى الفرق بين القسمين،فتأمّل فيما إذا كان العبد واقفا في حضرة

ص: 582

السّلطان الأعظم و سائر العبيد كانوا واقفين في خدمته، فإذا رمى ذلك السّلطان تفّاحة إلى أحد اولئك العبيد، عظم فرحه بها.فذلك الفرح العظيم ما حصل بسبب حصول تلك التّفّاحة بل بسبب أنّ ذلك السّلطان خصّه بذلك الإكرام،فكذلك هاهنا قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ منهم من كان فرحهم بسبب الفوز بتلك الرّحمة،و منهم من لم يفرح بالفوز بتلك الرّحمة، و إنّما فرح لأنّ مولاه خصّه بتلك الرّحمة،و حينئذ يكون فرحه لا بالرّحمة بل بمن أعطى الرّحمة.

ثمّ إنّ هذا المقام يحصل فيه أيضا درجات،فمنه من يكون فرحه بالرّاحم،لأنّه رحم،و منهم من يتوغّل في الخلوص فينسى الرّحمة،و لا يكون فرحه إلاّ بالمولى، لأنّه هو المقصد؛و ذلك لأنّ العبد ما دام مشغولا بالحقّ من حيث إنّه راحم فهو غير مستغرق في الحقّ،بل تارة مع الحقّ و تارة مع الخلق،فإذا تمّ الأمر انقطع عن الخلق و غرق في بحر نور الحقّ،و غفل عن المحبّة و المحنة،و النّقمة و النّعمة،و البلاء و الآلاء.

و المحقّقون وقفوا عند قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ فكان ابتهاجهم بهذا و سرورهم به و تعويلهم عليه و رجوعهم إليه.و منهم من لم يصل إلى تلك الدّرجة العالية فلا تقنع نفسه إلاّ بمجموع قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ فلا يعرف أنّ الاستبشار بسماع قول ربّهم،بل إنّما يستبشر بمجموع كونه مبشّرا بالرّحمة.

و المرتبة الثّانية:هي أن يكون استبشاره بالرّحمة، و هذه المرتبة هي النّازلة عند المحقّقين.

و اللّطيفة الثّانية من لطائف هذه الآية هي أنّه تعالى قال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ و هي مشتملة على أنواع من الرّحمة و الكرامة:

أوّلها:أنّ البشارة لا تكون إلاّ بالرّحمة و الإحسان.

و الثّاني:أنّ بشارة كلّ أحد يجب أن تكون لائقة بحاله،فلمّا كان المبشّر هنا هو أكرم الأكرمين،وجب أن تكون البشارة بخيرات تعجز العقول عن وصفها، و تتقاصر الأفهام عن نعتها.

و الثّالث:أنّه تعالى سمّى نفسه هاهنا بالرّبّ و هو مشتقّ من التّربية،كأنّه قال:الّذي ربّاكم في الدّنيا بالنّعم الّتي لا حدّ لها و لا حصر لها يبشّركم بخيرات عالية و سعادات كاملة.

و الرّابع:أنّه تعالى قال:(ربّهم)فأضاف نفسه إليهم،و ما أضافهم إلى نفسه.

و الخامس:أنّه تعالى قدّم ذكرهم على ذكر نفسه، فقال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ.

و السّادس:أنّ البشارة هي الإخبار عن حدوث شيء ما كان معلوم الوقوع،أمّا لو كان معلوم الوقوع لم يكن بشارة،أ لا ترى أنّ الفقهاء قالوا:لو أنّ رجلا قال:من يبشّرني من عبيدي بقدوم ولدي فهو حرّ، فأوّل من أخبر بذلك الخبر يعتق،و الّذين يخبرون بعده لا يعتقون.

و إذا كان الأمر كذلك فقوله:(يبشّرهم)لا بدّ أن يكون إخبارا عن حصول مرتبة من مراتب السّعادات ما عرفوها قبل ذلك،و جميع لذّات الجنّة و خيراتها و طيّباتها قد عرفوه في الدّنيا من القرآن،و الإخبار عن حصول بشارة،فلا بدّ و أن تكون هذه البشارة بشارة عن

ص: 583

سعادات لا تصل العقول إلى وصفها البتّة.

و اعلم أنّه تعالى لمّا قال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بيّن الشّيء الّذي به يبشّرهم،و هو أمور:أوّلها:قوله:

بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، و ثانيها:قوله: وَ رِضْوانٍ.

و أنا أظنّ-و العلم عند اللّه-أنّ المراد بهذين الأمرين ما ذكره في قوله: اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً الفجر:28،و الرّحمة كون العبد راضيا بقضاء اللّه؛و ذلك لأنّ من حصلت له هذه الحالة كان نظره على المبلي و المنعم لا على النّعمة و البلاء.و من كان نظره على المبلي و المنعم لم يتغيّر حاله،لأنّ المبلي و المنعم منزّه عن التّغيّر.

فالحاصل أنّ حاله يجب أن يكون منزّها عن التّغيّر.

أمّا من كان طالبا لمحض النّفس كان أبدا في التّغيّر من الفرح إلى الحزن،و من السّرور إلى الغمّ،و من الصّحّة إلى الجراحة،و من اللّذّة إلى الألم؛فثبت أنّ الرّحمة التّامّة لا تحصل إلاّ عند ما يصير العبد راضيا بقضاء اللّه.

فقوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ هو أنّه يزيل عن قلبه الالتفات إلى غير هذه الحالة،و يجعله راضيا بقضائه،ثمّ إنّه تعالى يصير راضيا،و هو قوله:

(و رضوان)،و عند هذا تصير هاتان الحالتان المذكورتان في قوله: راضِيَةً مَرْضِيَّةً و هذه هي الجنّة الرّوحانيّة النّورانيّة العقليّة القدسيّة الإلهيّة.ثمّ إنّه تعالى بعد أن ذكر هذه الجنّة العالية المقدّسة ذكر الجنّة الجسمانيّة،و هي قوله: وَ جَنّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها أَبَداً التّوبة:21.(16:15)

القرطبيّ:أي يعلمهم في الدّنيا ما لهم في الآخرة من الثّواب الجزيل و النّعيم المقيم.(8:93)

أبو حيّان: أسند التّبشير إلى قوله:(ربّهم)لما في ذلك من الإحسان إليهم بأنّ مالك أمرهم،و النّاظر في مصالحهم هو الّذي يبشّرهم،فذلك على تحقيق عبوديّتهم لربّهم.(5:21)

الآلوسيّ: قرأ حمزة (يبشرهم) بفتح الياء، و سكون الباء،و ضمّ الشّين و التّخفيف،على أنّه من «بشر»الثّلاثي،و أخرجها أبو الشّيخ عن طلحة بن مصرّف،و في التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضمير«هم»و كونه سبحانه هو المبشّر،ما لا يخفي من اللّطافة و اللّطف.(10:69)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ ما يعدّه من الفضل في حقّهم بيان و تفصيل لما ذكر في الآية السّابقة من فوزهم،جيء به بلسان التّبشير،فالمعنى:(يبشّرهم)أي هؤلاء المؤمنين رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ عظيمة لا يقدّر قدرها.(9:206)

يبشّرك

1- فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً... آل عمران:39

و أمّا قوله: يُبَشِّرُكَ فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بتشديد الشّين،و ضمّ الياء،على وجه تبشير اللّه زكريّا بالولد،من قول النّاس:بشرت فلانا البشرى بكذا و كذا،أي أتته بشارات البشرى بذلك.

و قرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفة و غيرهم (انّ اللّه يبشرك) بفتح الياء و ضمّ الشّين و تخفيفها،بمعنى أنّ اللّه

ص: 584

يسرّك بولد يهبه لك،من قول الشّاعر:

بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة

أتتك من الحجّاج يتلى كتابها

[إلى أن قال:]

و قد روي عن حميد بن قيس أنّه كان يقرأ (يبشرك) بضمّ الياء،و كسر الشّين و تخفيفها.

عن معاذ الكوفيّ،قال:من قرأ (يبشّرهم) مثقّلة، فإنّه من البشارة،و من قرأ (يبشرهم) مخفّفة بنصب الياء،فإنّه من السّرور يسرّهم.

و القراءة الّتي هي القراءة عندنا في ذلك:ضمّ الياء و تشديد الشّين،بمعنى التّبشير،لأنّ ذلك هي اللّغة السّائرة،و الكلام المستفيض المعروف في النّاس،مع أنّ جميع قرّاء الأمصار مجمعون في قراءة (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) الحجر:54،على التّشديد.و الصّواب في سائر ما في القرآن من نظائره،أن يكون مثله في التّشديد و ضمّ الياء.

و أمّا ما روي عن معاذ الكوفيّ،من الفرق بين معنى التّخفيف و التّشديد في ذلك،فلم نجد أهل العلم بكلام العرب يعرفونه من وجه صحيح،فلا معنى لما حكي من ذلك عنه،و قد قال جرير بن عطيّة:

يا بشر حقّ لبشرك التّبشير

هلاّ غضبت لنا و أنت أمير

فقد علم أنّه أراد بقوله:التّبشير:الجمال و النّضارة و السّرور،فقال:التّبشير،و لم يقل:البشر،فقد بيّن ذلك أنّ معنى التّخفيف و التّثقيل في ذلك واحد.

(3:250)

الطّوسيّ: في بشره من«البشرى»ثلاث لغات:

بشّره يبشّره،و بشره يبشره بشرا،و أبشره إبشارا عن أبي العبّاس.و قرأ حميد: (يبشرك) من أبشر،و كلّ ذلك لظهور السّرور في بشرة الوجه.و قيل:إنّ المثقّل من البشارة،و المخفّف من السّرور،و المعنيان متقاربان.

(2:451)

الفخر الرّازيّ: و في قوله: يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وجهان:

الأوّل:أنّه تعالى كان قد عرّف زكريّا أنّه سيكون في الأنبياء رجل اسمه يحيى،و له ذرّيّة عالية.فإذا قيل:إنّ ذلك النّبيّ المسمّى بيحيى هو ولدك،كان ذلك بشارة له بيحيى عليه السّلام.

و الثّاني:أن يكون المعنى أنّ اللّه يبشّرك بولد اسمه يحيى.(8:37)

القرطبيّ: (يبشّرك) بالتّشديد قراءة أهل المدينة.

و قرأ حمزة (يبشرك) مخفّفا،و كذلك حميد بن القيس المكّيّ إلاّ أنّه كسر الشّين و ضمّ الياء و خفّف الباء،قال الأخفش:هي ثلاث لغات بمعنى واحد:

دليل الأولى:هي قراءة الجماعة أنّ ما في القرآن من هذا من فعل ماض أو أمر فهو بالتّثقيل،كقوله تعالى:

فَبَشِّرْ عِبادِ الزّمر:17، فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ هود:

71، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ الحجر:55.

و أمّا الثّانية:هي قراءة عبد اللّه بن مسعود فهي من بشر يبشر،و هي لغة تهامة.

و أمّا الثّالثة:فهي من أبشر يبشر إبشارا.(4:75)

أبو حيّان: و تبليغ البشارة على لسان الرّسول إلى

ص: 585

المرسل إليه ليست بشارة من الرّسول بل من المرسل، أ لا ترى إضافة ذلك إليه في قوله:(يبشّرك)و قد قال في سورة مريم:7، يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ فأسند ذلك إليه تعالى.

و قرأ حمزة و الكسائيّ: (يبشرك) في الموضعين،في قصّة زكريّا و قصّة مريم.و في الإسراء و في الكهف و في الشّورى من«بشر»مخفّفا،وافقهما ابن كثير،و أبو عمرو في«الشّورى»زاد حمزة في الحجر إلاّ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ و مريم.

و قرأ الباقون (يبشّر) من بشّر المضعّف العين،و قرأ عبد اللّه (يبشر) في جميع القرآن من أبشر،و هي لغى ثلاث،ذكرها غير واحد من اللّغويّين.(2:446)

أبو السّعود:و قرئ (يبشرك) من الإبشار، و (يبشرك) من الثّلاثيّ.

و أيّا ما كان ينبغي أن يكون هذا الكلام إلى آخره محكيّا بعبارته عن اللّه عزّ و جلّ،على منهاج قوله تعالى:

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ الزّمر:53،كما يلوح من مراجعته عليه الصّلاة و السّلام في الجواب إليه تعالى بالذّات،لا بواسطة الملك.و العدول عن إسناد التّبشير إلى نون العظمة -حسبما وقع في سورة مريم-للجري على سنن الكبرياء،كما في قول الخلفاء:أمير المؤمنين يرسم لك بكذا،و للإيذان بأنّ ما حكي هناك من النّداء و التّبشير و ما يترتّب عليه من المحاورة،كان كلّ ذلك بتوسّط الملك،بطريق الحكاية عنه سبحانه لا بالذّات،كما هو المتبادر،و بهذا يتّضح اتّحاد المعنى في السّورتين الكريمتين،فتأمّل.(1:364)

الآلوسيّ: [بعد نقل قول أبي السّعود قال:]

و كان الدّاعي إلى اعتبار ما هنا محكيّا بعبارة من اللّه تعالى،ظهور عدم صحّة كون ما في سورة مريم من عبارة الملك غير محكيّ من اللّه تعالى،و أنّ الظّاهر اتّحاد الدّعاءين،و إلاّ فما هنا ممّا لا يجب حمله على ما ذكر لو لا ذلك،و الملوّح غير موجب كما لا يخفى،و لا بدّ في الموضعين من تقدير مضاف كالولادة.إذ التّبشير لا يتعلّق بالأعيان،و يؤول في المعنى إلى ما هناك،أي إنّ اللّه يبشّرك بولادة غلام اسمه يحيى.(3:146)

رشيد رضا: قرأ ابن عامر و حمزة(إنّ)بكسر الهمزة،لأنّ النّداء قول،و الباقون بفتحها على تقدير الباء،أي نادته بأنّ اللّه يبشّره.و فيه إشعار بأنّ البشارة محكيّة بالمعنى لا باللّفظ،فما هنا لا ينافي ما في سورة مريم من التّفصيل.(3:297)

2- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. آل عمران:45

الطّبريّ: و التّبشير:إخبار المرء بما يسرّه من خبر، و قوله:(بكلمة منه)يعني برسالة من اللّه،و خير من عنده،و هو من قول القائل:ألقى فلان إليّ كلمة سرّني بها،بمعنى أخبرني خبرا فرحت به،كما قال جلّ ثناؤه:

وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ النّساء:171،يعني بشرى اللّه مريم بعيسى ألقاها إليها.

فتأويل الكلام:و ما كنت يا محمّد عند القوم؛إذ قالت الملائكة لمريم:يا مريم إنّ اللّه يبشّرك ببشرى من عنده،

ص: 586

و هي ولد لك،اسمه المسيح عيسى بن مريم.

(3:269)

الطّبرسيّ: يخبرك بما يسرّك.(1:442)

تبشّرون

قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ.

الحجر:54

مجاهد :عجب من كبره،و كبر امرأته.

(الطّبريّ 14:40)

الطّوسيّ: قرأ نافع (تبشرون) بكسر النّون مع التّخفيف بمعنى تبشّرونني،و حذف النّون استثقالا، لاجتماع المثلين،و بقيت الكسرة الدّالّة على الياء المفعولة.و النّون الثّانية محذوفة،لأنّ التّكرير بها وقع، و لم تحذف الأولى لأنّها علامة الرّفع.(6:340)

الميبديّ: أي فبأيّ شيء تبشّروني،أعلى حالي هذه من الكبر أم يعاد إليّ شبابي؟(5:322)

الزّمخشريّ: هي«ما»الاستفهاميّة دخلها معنى التّعجّب،كأنّه قال:فبأيّ أعجوبة تبشّروني،أو أراد إنّكم تبشّروني بما هو غير متصوّر في العادة،فبأيّ شيء تبشّرون،يعني لا تبشرونني في الحقيقة بشيء،لأنّ البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء.

و يجوز أن لا يكون صلة لبشر،و يكون سؤالا عن الوجه و الطّريقة،يعني بأيّ طريقة تبشّرونني بالولد، و البشارة به لا طريقة لها في العادة.(2:392)

ابن عطيّة: تقرير على جهة التّعجّب و الاستبعاد لكبرهما،أو على جهة الاحتقار و قلّة المبالاة بالمسرّة الدّنيويّة،لمضيّ العمر و استيلاء الكبر.(3:366)

الفخر الرّازيّ: لفظ«ما»هاهنا استفهام بمعنى التّعجّب،كأنّه قال:بأيّ أعجوبة تبشّروني؟

فإن قيل:في الآية إشكالان:

الأوّل:أنّه كيف استبعد قدرة اللّه تعالى على خلق الولد منه في زمان،و إنكار قدرة اللّه تعالى في هذا الموضع كفر؟

الثّاني:كيف قال: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ مع انّهم قد بيّنوا ما بشّروه به،و ما فائدة هذا الاستفهام؟

قال القاضي: أحسن ما قيل في الجواب عن ذلك أنّه أراد أن يعرف أنّه تعالى يعطيه الولد مع أنّه يبقيه على صفة الشّيخوخة أو يقلبه شابّا،ثمّ يعطيه الولد؟و السّبب في هذا الاستفهام أنّ العادة جارية بأنّه لا يحصل الولد حال الشّيخوخة التّامّة،و إنّما يحصل في حال الشّباب.

فإن قيل:فإذا كان معنى الكلام ما ذكرتم فلم قالوا:

بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ الحجر:55؟

قلنا:إنّهم بيّنوا أنّ اللّه تعالى بشّره بالولد مع إبقائه على صفة الشّيخوخة،و قولهم: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ لا يدلّ على أنّه كان كذلك،بدليل أنّه صرّح في جوابهم بما يدلّ على أنّه ليس كذلك،فقال: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ الحجر:56.

و فيه جواب آخر:و هو أنّ الإنسان إذا كان عظيم الرّغبة في شيء،وفاته الوقت الّذي يغلب على ظنّه حصول ذلك المراد فيه،فإذا بشّر بعد ذلك بحصوله، عظم فرحه و سروره،و يصير ذلك الفرح القويّ

ص: 587

كالمدهش له و المزيل لقوّة فهمه و ذكائه،فلعلّه يتكلّم بكلمات مضطربة من ذلك الفرح في ذلك الوقت.

و قيل أيضا:إنّه يستطيب تلك البشارة،فربّما يعيد السّؤال ليسمع تلك البشارة مرّة أخرى و مرّتين و أكثر، طلبا للالتذاذ بسماع تلك البشارة،و طلبا لزيادة الطّمأنينة و الوثوق،مثل قوله: وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة:260.

و قيل أيضا:أستفهم أ بأمر اللّه تبشّرون أم من عند أنفسكم و اجتهادكم؟(19:196)

أبو السّعود: أي بأيّ أعجوبة تبشّرونني؟فإنّ البشارة بما لا يتصوّر وقوعه عادة بشارة بغير شيء،أو بأيّ طريقة تبشّرونني؟(4:25)

نحوه الآلوسيّ.(14:61)

الطّباطبائيّ: قوله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ تقريع على قوله: مَسَّنِيَ الْكِبَرُ و هو استفهام عمّا بشّروه به، كأنّه يشكّ في كون بشارتهم بشرى بالولد،مع تصريحهم بذلك،لاستبعاد ذلك،فيسأل ما هو الّذي تبشّرون به؟

فإنّ الّذي يدلّ عليه ظاهر كلامكم أمر عجيب، و هذا شائع في الكلام،يقول الرّجل إذا أخبر بما يستبعده أو لا يصدّقه:ما تقول؟و ما تريد؟و ما ذا تصنع؟

(12:181)

عبد الكريم الخطيب: إنكار من إبراهيم لهذه البشرى بالولد أن يجيئه،و قد بلغ من الكبر حدّا انقطع فيه الأمل من الولد،و انصرفت الرّغبة عنده عن طلبه؛ إذ فات الأوان الّذي تهفو فيه النّفس إلى الولد،و يشتدّ الطّلب له.[إلى أن قال:]

و هنا سؤال هو:كيف يقع من إبراهيم هذا الدّهش الّذي يبلغ حدّ الإنكار من أن يكون له ولد،و هو الّذي كان له ولد،و هو إسماعيل عليه السّلام الّذي سبق مولده مولد إسحاق؟

و الجواب على هذا:أنّ إبراهيم كان ينتظر الولد من امرأته سارة،و أنّه إذ طال انتظاره حتّى مسّه الكبر، و بلغت سارة سنّ اليأس الّذي لا يولد فيه لمثلها،اتّجه إلى أن ينجب الولد من امرأة غيرها،فكان له من زوجته هاجر ولده إسماعيل،الّذي انتقل به و أمّه إلى البيت الحرام،و أسكنه و أمّه هناك؛حيث المكان الّذي هو مكّة الآن.

و إذ لم يكن لإبراهيم غير سارة الّتي يعيش معها، فإنّه أنكر أن يكون له ولد منها،بعد أن وصلا إلى هذه المرحلة من العمر.(7:243)

نبشّرك

يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى... مريم:7

الطّبرسيّ: يا زكريّا إنّا نخبرك على ألسنة الملائكة بخبر يرى السّرور به في وجهك.(3:504)

الفخر الرّازيّ: إن قيل:إن كان الدّعاء بإذن فما معنى البشارة،و إن كان بغير إذن فلما ذا أقدم عليه؟

و الجواب:هذا أمر يخصّه،فيجوز أن يسأل بغير إذن،و يحتمل أنّه أذن له فيه و لم يعلم وقته،فبشّر به.

(21:186)

القرطبيّ: تضمّنت هذه البشرى ثلاثة أشياء:

ص: 588

أحدها:إجابة دعائه و هي كرامة،الثّاني:إعطاؤه الولد و هو قوّة،الثّالث:أن يفرد بتسميته.(11:82)

بشّر

1- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... البقرة:25

الطّبريّ: يعني أخبرهم.و البشارة أصلها:الخبر بما يسرّ المخبر به،إذا كان سابقا به كلّ مخبر سواه.و هذا أمر من اللّه نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم بإبلاغ بشارته خلقه الّذين آمنوا به،و بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بما جاء به من عند ربّه،و صدّقوا إيمانهم ذلك،و إقرارهم بأعمالهم الصّالحة،فقال له:

يا محمّد بشّر من صدّقك أنّك رسولي.(1:169)

الزّمخشريّ: إن قلت:من المأمور بقوله تعالى:

(و بشّر)؟

قلت:يجوز أن يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أن يكون كلّ أحد،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:«بشرا لمشّاءين إلى المساجد في الظّلم،بالنّور التّامّ يوم القيامة».لم يأمر بذلك واحدا بعينه،و إنّما كلّ أحد مأمور به.و هذا الوجه أحسن و أجزل،لأنّه يؤذن بأنّ الأمر لعظمه و فخامة شأنه محقوق بأن يبشّر به كلّ من قدر على البشارة به.

فإن قلت:علام عطف هذا الأمر و لم يسبق أمر و لا نهي يصحّ عطفه عليه؟

قلت:ليس الّذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتّى يطلب له كلّ من أمر أو نهي بعطف عليه،إنّما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين،فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين،كما تقول:زيد يعاقب بالقيد و الإرهاق،و بشّر عمرا بالعفو و الإطلاق؛ و ذلك أن تقول:هو معطوف على قوله:(فاتّقوا)،كما تقول:يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم،و بشّر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم.

و في قراءة زيد بن عليّ رضي اللّه عنه (و بشّر) على لفظ المبنيّ للمفعول عطفا على أعدّت.

و البشارة:الإخبار بما يظهر سرور المخبر به،و من ثمّ قال العلماء:إذا قال لعبيده:أيّكم بشّرني بقدوم فلان فهو حرّ،فبشّروه فرادى،عتق أوّلهم،لأنّه هو الّذي أظهر سروره بخبره دون الباقين.و لو قال مكان «بشّرني»:«أخبرني»عتقوا جميعا،لأنّهم جميعا أخبروه،و منه البشرة لظاهر الجلد،و تباشير الصّبح:

ما ظهر من أوائل ضوئه.

و أمّا فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فمن العكس في الكلام الّذي يقصد به الاستهزاء الزّائد في غيظ المستهزأ به و تألّمه و اغتمامه،كما يقول الرّجل لعدوّه:أبشر بقتل ذرّيّتك و نهب مالك،و منه قوله:فأعتبوا بالصّيلم.

(1:253)

نحوه الفخر الرّازيّ.(2:126)

أبو حيّان: و المأمور بالتّبشير قيل:النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و قيل:كلّ من يصلح للبشارة من غير تعيين.قال الزّمخشريّ:و هذا أحسن و أجزل،لأنّه يؤذن بأنّ الأمر لعظمه و فخامة شأنه محقوق بأن يبشّر به كلّ من قدر على البشارة به،انتهى كلامه.

و الوجه الأوّل عندي أولى،لأنّ أمره صلّى اللّه عليه و سلّم لخصوصيّته بالبشارة أفخم و أجزل،و كأنّه ما اتّكل على

ص: 589

أن يبشّر المؤمنين كلّ سامع بل نصّ على أعظمهم و أصدقهم،ليكون ذلك أوثق عندهم و أقطع في الإخبار بهذه البشارة العظيمة؛إذ تبشيره صلّى اللّه عليه و سلّم تبشير من اللّه تعالى،و الجملة من قوله:(و بشّر)معطوفة على ما قبلها، و ليس الّذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتّى يطلب مشاكل من أمر أو نهي.[إلى أن قال:]

و تلخّص من هذا أنّ عطف الجمل بعضها على بعض ليس من شرطه أن تتّفق معاني الجمل،فعلى هذا يجوز عطف الجملة الخبريّة على الجملة غير الخبريّة.

و هذه المسألة فيها اختلاف،ذهب جماعة من النّحويّين إلى اشتراط اتّفاق المعاني.و الصّحيح أنّ ذلك ليس بشرط،و هو مذهب سيبويه،فعلى مذهب سيبويه يتمشّى إعراب الزّمخشريّ و أبي البقاء.

و أجاز الزّمخشريّ و أبو البقاء أن يكون قوله:

(و بشّر)معطوفا على قوله: فَاتَّقُوا النّارَ ليكون عطف أمر على أمر.قال الزّمخشريّ:كما تقول:يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم،و بشّر يا فلان بني أسد بإحسان إليهم.

و هذا الّذي ذهبا إليه خطأ،لأنّ قوله:(فاتّقوا) جواب للشّرط و موضعه جزم،و المعطوف على الجواب جواب.و لا يمكن في قوله:(و بشّر)أن يكون جوابا -لأنّه أمر بالبشارة-و مطلقا،لا على تقدير:إن لم تفعلوا،بل أمر أن يبشّر الّذين آمنوا أمرا ليس مترتّبا على شيء قبله،و ليس قوله:(و بشّر)على إعرابه مثل ما مثّل به من قوله:يا بني تميم إلخ،لأنّ قوله:«احذروا» لا موضع له من الإعراب،بخلاف قوله:(فاتّقوا)فلذلك أمكن فيما مثّل به العطف،و لم يمكن في(و بشّر).

و قرأ زيد بن عليّ(و بشّر)فعلا ماضيا مبنيّا للمفعول،قال الزّمخشريّ:عطفا على(اعدّت)انتهى.

و هذا الإعراب لا يتأتّى على قول من جعل(اعدّت) جملة في موضع الحال،لأنّ المعطوف على الحال حال، و لا يتأتّى أن يكون(و بشّر)في موضع الحال،فالأصحّ أن تكون جملة معطوفة على ما قبلها،و إن لم تتّفق معاني الجمل،كما ذهب إليه سيبويه،و هو الصّحيح.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجاز سيبويه: جاءني زيد و من أخوك العاقلان، على أن يكون العاقلان خبر ابتداء مضمر،و قد تقدّم لنا أنّ الزّمخشريّ يخصّ البشارة بالخبر الّذي يظهر سرور المخبر به.

و قال ابن عطيّة: الأغلب استعماله في الخير،و قد يستعمل في الشّرّ مقيّدا به،منصوصا على الشّرّ للمبشّر به،كما قال تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:

21،و متى أطلق لفظ«البشارة»فإنّما يحمل على الخير، انتهى كلامه.

و تقدّم لنا ما يخالف قوليهما من قول سيبويه و غيره، و أنّ«البشارة»أوّل خبر يرد على الإنسان من خير كان أو شرّ،قالوا:و سمّي بذلك لتأثيره في البشرة،فإن كان خيرا أثّر المسرّة و الانبساط،و إن كان شرّا أثّر القبض و الانكماش،قال تعالى: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ التّوبة:21،و قال تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،التّوبة:34،الانشقاق:24.

و جعل الزّمخشريّ هذا العكس في الكلام الّذي

ص: 590

يقصد به استهزاء الزّائد في غيظه المستهزأ به و تألّمه.

و قيل:معناه ضع هذا موضع البشارة منهم،قالوا:

و الصّحيح أنّ كلّ خبر غيّر البشرة خيرا كان أو شرّا بشارة.

و التّضعيف في(بشّر)من التّضعيف الدّالّ على التّكثير-فيما قال بعضهم-و لا يتأتّى التّكثير في(بشّر) إلاّ بالنّسبة إلى المفاعيل،لأنّ«البشارة»أوّل خبر يسرّ أو يحزن على المختار،و لا يتأتّى التّكثير فيه بالنّسبة إلى المفعول الواحد،فبالنّسبة إليه يكون فعل فيه مغنيا عن فعل،لأنّ الّذي ينطق به مشدّدا غير العرب الّذين ينطقون به مخفّفا،كما بيّنّا قبل.و كون مفعول(بشّر) موصولا بجملة فعليّة ماضية و لم يكن اسم فاعل،دلالة على أنّ مستحقّ التّبشير بفضل اللّه من وقع منه الإيمان و تحقّق به و بالأعمال الصّالحة.(1:110)

أبو السّعود: أي بأنّه منزل من عند اللّه عزّ و جلّ، و هو معطوف على الجملة السّابقة.لكن لا على أنّ المقصود عطف نفس الأمر حتّى يطلب له مشاكل يصحّ عطفه عليه،بل على أنّه عطف قصّة المؤمنين بالقرآن، و وصف ثوابهم على قصّة الكافرين به،و كيفيّة عقابهم جريا على السّنّة الإلهيّة من شفع التّرغيب بالتّرهيب و الوعد بالوعيد،و كان تغيير السّبك لتخييل كمال التّباين بين حالي الفريقين.

و قرئ (و بشّر) على صيغة الفعل مبنيّا للمفعول عطفا على(اعدّت)فيكون استئنافا،و تعليق التّبشير بالموصول للإشعار بأنّه معلّل بما في حيّز الصّلة من الإيمان و العمل الصّالح،لكن لا لذاتهما فإنّهما لا يكافئان النّعم السّابقة،فضلا من أن يقتضيا ثوابا فيما يستقبل،بل بجعل الشّارع و مقتضى وعده.

و جعل صلته فعلا مفيدا للحدوث بعد إيراد الكفّار بصيغة الفاعل،لحثّ المخاطبين بالاتّقاء على إحداث الإيمان،و تحذيرهم من الاستمرار على الكفر.(1:93)

الآلوسيّ: لمّا ذكر سبحانه و تعالى فيما تقدّم الكفّار و ما يؤول إليه حالهم في الآخرة-و كان في ذلك أبلغ التّخويف و الإنذار-عقّب بالمؤمنين و ما لهم جريا على السّنّة الإلهيّة من شفع التّرغيب بالتّرهيب و الوعد بالوعيد،لأنّ من النّاس من لا يجديه التّخويف و لا يجديه و ينفعه اللّطف،و منهم عكس ذلك،فكأنّ هذا و ما بعده معطوف على سابقه عطف القصّة على القصّة.

و التّناسب بينهما باعتبار أنّه بيان لحال الفريقين المتباينين،و كشف عن الوصفين المتقابلين،و هل هو معطوف على(و ان كنتم)البقرة:23 إلى(اعدّت)أو على فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا البقرة:24 الآية؟قولان:

اختار السّيّد أوّلهما،و ادّعى بعضهم أنّه أقضى لحقّ البلاغة،و أدعى لتلائم النّظم،لأنّ يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا البقرة:21،خطاب عامّ يشمل الفريقين، (و ان كنتم)إلخ،مختصّ بالمخالف و مضمونه الإنذار، (و بشّر)إلخ مختصّ بالموافق و مضمونه البشارة،كأنّه تعالى أوحى إلى نبيّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أن يدعو النّاس إلى عبادته،ثمّ أمر أن ينذر من عاند و يبشّر من صدّق.

و السّعد اختار ثانيهما،لأنّ السّوق لبيان حال الكفّار و وصف عقابهم.

ص: 591

و قيل:عطف على(فاتّقوا)،و تغاير المخاطبين لا يضرّ ك يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِي يوسف:29،و ترتّبه على الشّرط بحكم العطف باعتبار أنّ(اتّقوا)إنذار و تخويف للكفّار(و بشّر)تبشير للمؤمنين،و كلّ منهما مترتّب على عدم المعارضة بعدم التّحدّي،لأنّ عدم المعارضة يستلزم ظهور إعجازه و هو يستلزم-استيجاب منكره-العقاب و مصدّقه الثّواب، لأنّ الحجّة تمّت و الدّعوة كملت،و استيجابهما إيّاهما يقتضي الإنذار و التّبشير،فترتّب الجملة الثّانية على الشّرط ترتّب الأولى عليه بلا فرق.

و قد يقال:إنّ الجزاء(فامنوا)محذوفا،و المذكور قائم مقامه،فالمعنى إن لم تأتوا بكذا فآمنوا وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أي فليوجد إيمان منهم و بشارة منك،و وضع الظّاهر موضع الضّمير،و فيه حثّ لهم على الإيمان، و لعلّه أقلّ مئونة.

و اختار صاحب«الإيضاح»عطفه على«أنذر» مقدّرا بعد جملة(اعدّت).و قيل:عطف على«قل»قبل فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، و تقديره:قبل يا ايها الناس يحوج إلى إجراء مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا على طريقة كلام العظماء.أو تقدير:قال اللّه بعد«قل».

و البشارة بالكسر و الضّمّ،اسم من بشر بشرا و بشورا،و تفتح الباء،فتكون بمعنى الجمال.

و في الفعل لغتان:التّشديد و هي العلياء،و التّخفيف و هي لغة أهل تهامة،و قرئ بهما في المضارع في مواضع، و التّكثير في المشدّد بالنّسبة إلى المفعول،فإنّ واحدا كان فعل فيه مغنيا عن فعل،و فسّروها في المشهور،و صحّح بالخبر السّارّ الّذي ليس عند المخبر علم به.

و اشترط بعضهم أن يكون صدقا و عن سيبويه إنّها خبر يؤثّر في البشرة حزنا أو سرورا،و كثر استعماله في الخير،و صحّحه في«البحر» فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ظاهر عليه،و من باب التّهكّم على الأوّل.

و المأمور بالتّبشير البشير النّذير صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و قيل:كلّ من يتأتّى منه ذلك،كما في قوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«بشّر المشّائين إلى المساجد» الحديث،ففيه رمز إلى أنّ الأمر لعظمته حقيق بأن يتولّى التّبشير به كلّ من يقدر عليه.و يكون هناك مجاز إن كان الضّمير موضوعا لجزئيّ بوضع كلّيّ و إلاّ ففي الحقيقة و المجاز كلام في محلّه.

و لم يخاطب المؤمنون كما خوطب الكفرة تفخيما لشأنهم،و إيذانا تامّا بأنّهم أحقّاء بأن يبشّروا و يهنّئوا بما أعدّ لهم.و قيل:تغيير للأسلوب لتخييل كمال التّباين بين حال الفريقين.

و عندي أنّه سبحانه لمّا كسى رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم حلّة عبوديّته،في قوله: مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا ناسب أن يطرزها بطراز التّكليف بما يزيد حبّ أحبابه له، فيزدادوا إيمانا إلى إيمانهم،و في ذلك من اللّطف به صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و بهم ما لا يخفى.[و بعد نقل قول أبي السّعود الّذي تقدّم آنفا قال:]

ثمّ لا يخفى أنّ كون مناط البشارة مجموع الأمرين لا يقتضي انتفاء البشارة عند انتفائه،فلا يلزم من ذلك أن لا يدخل بالإيمان المجرّد الجنّة كما هو رأي المعتزلة،على أنّ مفهوم المخالفة ظنّيّ،لا يعارض النّصوص الدّالّة على

ص: 592

أنّ الجنّة جزاء مجرّد الإيمان.(1:200)

2- وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ* اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ... البقرة:155،156

البروسويّ: الخطاب للرّسول أو لمن يتأتّى منه البشارة،لتعظيم الصّبر و تفخيمه،لأنّه فضيلة عظيمة الثّواب،و خصلة من خصال الأنبياء و الأولياء، فيستحقّ صاحبه أن يبشّره كلّ أحد.(1:260)

الآلوسيّ: خطاب للنّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،أو لكلّ من تتأتّى منه البشارة.و الجملة عطف على ما قبلها عطف المضمون على المضمون،من غير نظر إلى الخبريّة و الإنشائيّة-و الجامع ظاهر-كأنّه قيل:

الابتلاء حاصل لكم-و كذا البشارة-و لكن لمن صبر منكم.و قيل:على محذوف،أي أنذر الجازعين،و بشّر.

(2:23)

3- ...وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. البقرة:223

أبو السّعود: الّذين تلقّوا ما خوطبوا به من الأوامر و النّواهي بحسب القبول و الامتثال،بما يقصر عنه البيان من الكرامة و النّعيم المقيم،أو بكلّ ما يبشّر به من الأمور الّتي تسرّ بها القلوب و تقرّ بها العيون.و فيه مع ما في تلوين الخطاب و جعل المبشّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من المبالغة في تشريف المؤمنين ما لا يخفى.(1:269)

الآلوسيّ:الّذين تلقّوا ما خوطبوا به بالقبول و الامتثال،بما لا تحيط به عبارة من الكرامة و النّعيم.

و حمل بعضهم(المؤمنين)على الكاملين في الإيمان بناء على أنّ الخطابات السّابقة كانت للمؤمنين مطلقا، فلو كانت هذه البشارة لهم كان مقتضى الظّاهر و(بشّرهم)،فلمّا وضع المظهر موضع المضمر،علم أنّ المراد غير السّابقين،و هم المؤمنون الكاملون.و لا يخفى أنّه يجوز أن يكون العدول إلى الظّاهر للدّلالة على العلّيّة،و لكونه فاصلة فلا يتمّ ما ذكره.

و الواو للعطف،(و بشّر)عطف على(قل)المذكور سابقا،أو على(قل)مقدّرة قبل(قدّموا)و هي معطوفة على المذكورة.(2:126)

4- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

النّساء:138

الطّبريّ: أخبر المنافقين.(5:329)

الطّوسيّ: جعل موضع بشارتهم:لهم العذاب، و العرب تقول:تحيّتك الضّرب و عقابك السّيف،أي بدلا من ذلك.(3:360)

نحوه الميبديّ.(2:733)

الزّمخشريّ: وضع(بشّر)مكان أخبر،تهكّما بهم.(1:572)

نحوه الفخر الرّازيّ(11:80)،و البروسويّ(2:

304)

ابن عطيّة: جاءت البشارة هنا مصرّحا بقيدها، فلذلك حسن استعمالها في المكروه،و متى جاءت مطلقة فإنّما عرفها في المحبوب.(2:125)

أبو حيّان: الخطاب للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و معنى(بشّر)

ص: 593

أخبر.و جاء بلفظ(بشّر)على سبيل التّهكّم بهم،نحو قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي القائم لهم مقام البشارة هو الإخبار بالعذاب،كما قال:«تحيّة بينهم ضرب وجيع».(3:373)

الآلوسيّ: و وضع(بشّر)موضع أنذر،تهكّما بهم، ففي الكلام استعارة تهكّميّة.و قيل:موضع أخبر،فهناك مجاز مرسل تهكّميّ.(5:171)

رشيد رضا: الغالب في استعمال«البشارة»أن تكون في الإخبار بما يسرّ،فهي إذا مأخوذة من انبساط بشرة الوجه،كما أنّ السّرور مأخوذ من انبساط أساريره،و على هذا يقولون:إنّ استعمالها فيما يسوء-كما هنا-يكون من باب التّهكّم.

و قيل:إنّ البشارة تستعمل فيما يسرّ و فيما يسوء استعمالا حقيقيّا،لأنّ أصلها الإخبار بما يظهر أثره في بشرة الوجه في الانبساط و التّمدّد،أو الانقباض و التّغضّن (1).(5:462)

5- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. التّوبة:3

الطّبرسيّ: أي أخبرهم مكان البشارة بعذاب موجع،و هو عذاب النّار في الآخرة.(3:5)

الفخر الرّازيّ: لفظ«البشارة»ورد هاهنا على سبيل استهزاء،كما يقال:تحيّتهم الضّرب و إكرامهم الشّتم.(15:223)

أبو حيّان: جعل الإنذار بشارة على سبيل الاستهزاء بهم.(5:8)

أبو السّعود: تلوين للخطاب،و صرف له عنهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ البشارة بعذاب أليم،و إن كانت بطريق التّهكّم إنّما تليق بمن يقف على الأسرار الإلهيّة.

(3:122)

نحوه البروسويّ.(3:385)

الآلوسيّ: و التّعبير بالبشارة للتّهكّم،و صرف الخطاب عنهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم، قيل:لأنّ البشارة إنّما تليق بمن يقف على الأسرار الإلهيّة.و قد يقال:لا يبعد كون الخطاب لكلّ من له حظّ فيه،و فيه من المبالغة ما لا يخفى.(10:48)

6- اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

التّوبة:112

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر هذه الصّفات التّسعة قال: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ و المقصود منه أنّه قال في الآية المتقدّمة: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ التّوبة:111،فذكر هذه الصّفات التّسعة،ثمّ ذكر عقيبها قوله: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ تنبيها على أنّ البشارة المذكورة في قوله: فَاسْتَبْشِرُوا لم تتناول إلاّ المؤمنين الموصوفين بهذه الصّفات.

(16:207)

7- وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِج.

ص: 594


1- التّشنّج.

اَلْمُؤْمِنِينَ. يونس:87

القرطبيّ: قيل:الخطاب لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قيل:

لموسى عليه السّلام،و هو أظهر،أي بشّر بني إسرائيل بأنّ اللّه سيظهرهم على عدوّهم.(8:373)

أبو حيّان: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يعني بالنّصر في الدّنيا،و بالجنّة في الآخرة.و هو أمر لموسى عليه السّلام[و أخيه] أن يتبوّءا لقومهما و يختاراها للعبادة؛و ذلك ممّا يفوّض إلى الأنبياء.

ثمّ نسّق الخطاب عامّا لهما و لقومهما باتّخاذ المساجد و الصّلاة فيها،لأنّ ذلك واجب على الجمهور.ثمّ خصّ موسى عليه السّلام بالتّبشير الّذي هو الغرض،تعظيما له و للمبشّر به.(5:186)

أبو السّعود: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بالنّصرة في الدّنيا إجابة لدعوتهم،و الجنّة في العقبى.و إنّما ثنّي الضّمير أوّلا،لأنّ التّبوّؤ للقوم،و اتّخاذ المعابد ممّا يتولاّه رؤساء القوم بتشاور،ثمّ جمع لأنّ جعل البيوت مساجد، و الصّلاة فيها ممّا يفعله كلّ أحد،ثمّ وحّد لأنّ بشارة الأمّة وظيفة صاحب الشّريعة.و وضع المؤمنين موضع ضمير القوم،لمدحهم بالإيمان،و الإشعار بأنّه المدار في التّبشير.(3:269)

نحوه الآلوسيّ.(11:172)

رشيد رضا: بحفظ اللّه إيّاهم من فتنة فرعون و ملئه الظّالمين لهم،و تنجيتهم من ظلمهم.خصّ اللّه موسى بهذا الأمر،التّبشير،لأنّه من أمر الوحي و التّبليغ المنوط به،و أشرك هارون معه في الأمر الّذي قبله،لأنّه تدبير عمليّ،هو وزيره المساعد له على تنفيذه.

(11:471)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ فالسّياق يدلّ على أنّ المراد به البشارة بإجابة ما سألوه في دعائهم المذكور آنفا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً يونس:85، إلى آخر الآيتين.(10:115)

8- وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً.

الأحزاب:47

الزّمخشريّ: و لقائل أن يقول:وصفه اللّه بخمسة أوصاف و قابل كلاّ منها بحساب مناسب له:قابل الشّاهد بقوله: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ لأنّه يكون شاهدا على أمّته،و هم يكونون شهداء على سائر الأمم،و هو الفضل الكبير.(3:266)

الفخر الرّازيّ: و قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عطف على مفهوم،تقديره:إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا فاشهد و بشّر،و لم يذكر«فاشهد» للاستغناء عنه،و أمّا البشارة فإنّها ذكرت إبانة للكرم، و لأنّها غير واجبة لو لا الأمر.(25:218)

نحوه أبو حيّان.(7:238)

أبو السّعود: عطف على مقدّر يقتضيه المقام و يستدعيه النّظام،كأنّه قيل:فراقب أحوال النّاس و بشّر المؤمنين منهم.(5:230)

مثله البروسويّ.(7:199)

الآلوسيّ:عطف على مقدّر يقتضيه المقام و يستدعيه النّظام،كأنّه قيل:فراقب أحوال النّاس و بشّر المؤمنين.و جوّز عطفه على الخبر السّابق،عطف

ص: 595

القصّة على القصّة.

و قيل:هو معطوف عليه،و يجعل في معنى الأمر، لأنّه في معنى ادعهم شاهدا و مبشّرا و نذيرا إلخ و بشّر المؤمنين.(22:46)

عبد الكريم الخطيب: هو معطوف على محذوف، تقديره:هذا فضل اللّه عليك،فاهنأ به،و بشّر المؤمنين.

كذلك بأنّ لهم من اللّه فضلا كبيرا،فهم أتباعك و أولياؤك.فإذا كان لك-أيّها النّبيّ-هذا العطاء الجزيل من ربّك،فإنّ للمؤمنين حظّا من عطاء ربّهم،و ما كان عطاء ربّك محظورا.(11:731)

9- وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. الصّفّ:13

الزّمخشريّ: إن قلت:علام عطف قوله: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ؟

قلت:على(تؤمنون)لأنّه في معنى الأمر،كأنّه قيل:

آمنوا و جاهدوا يثبكم اللّه و ينصركم،و بشّر يا رسول اللّه المؤمنين بذلك.(4:100)

مثله الفخر الرّازيّ.(29:318)

البروسويّ: عطف على محذوف مثل«قل» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الصّفّ:10،و بشّرهم يا أكمل الرّسل بأنواع البشارة الدّنيويّة و الأخرويّة،فلهم من اللّه فضل و إحسان في الدّارين.(9:510)

الآلوسيّ: عطف على«قل»مقدّرا قبل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الصّفّ:10،و قيل:على «أبشر»مقدّرا أيضا،و التّقدير:فأبشر يا محمّد و بشّر.

و قال الزّمخشريّ:هو عطف على(تؤمنون)لأنّه في معنى الأمر،كأنّه قيل:آمنوا و جاهدوا يثبكم اللّه تعالى و ينصركم،و بشّر يا رسول اللّه المؤمنين بذلك.

و تعقّبه في«الإيضاح»بأنّ فيه نظرا،لأنّ المخاطبين في(تؤمنون)هم المؤمنون،و في(بشّر)هو النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،ثمّ قوله تعالى:(تؤمنون)بيان لما قبله على طريق الاستئناف،فكيف يصحّ عطف وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه؟

و أجيب بما خلاصته:أنّ قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا للنّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم و أمّته كما تقرّر في أصول الفقه،و إذا فسّر ب(آمنوا و بشّر)دلّ على تجارته عليه الصّلاة و السّلام الرّابحة و تجارتهم الصّالحة، و قدّم(آمنوا)لأنّه فاتحة الكلّ.

ثمّ لو سلم فلا مانع من العطف على جواب السّائل بما لا يكون جوابا إذا ناسبه فيكون جوابا للسّؤال و زيادة كيف و هو داخل فيه،كأنّهم قالوا:دلّنا يا ربّنا،فقيل:

آمنوا يكن لكم كذا،و بشّرهم يا محمّد بثبوته لهم،و فيه من إقامة الظّاهر مقام المضمر،و تنويع الخطاب ما لا يخفى نبل موقعه.

و اختاره صاحب«الكشف»فقال:إنّ هذا الوجه من وجه العطف على«قل»و وجه العطف على«فابشر» لخلوّهما عن الفوائد المذكورة يعني ما تضمّنه الجواب.(28:90)

الطّباطبائيّ: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ معطوف على الأمر المفهوم من سابق الكلام كأنّه قيل:«قل» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ... الصّفّ:10،

ص: 596

و وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

و تحاذي هذه البشرى ما في قوله: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ -إلى أن قال -فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ التّوبة:

111،و به يظهر أنّ الّذي أمر أن يبشّروا به مجموع ما يؤتيهم اللّه من الأجر في الآخرة و الدّنيا،لا خصوص النّصر و الفتح.

هذا كلّه ما يعطيه السّياق في معنى الآية و إعراب أجزائها،و قد ذكر فيها أمور أخرى لا يساعد عليها السّياق تلك المساعدة أغمضنا عن ذكرها.و احتمل أن يكون قوله:(و بشّر)إلخ استئنافا.(19:260)

عبد الكريم الخطيب: و قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ هو أمر سماويّ من اللّه سبحانه و تعالى للنّبيّ الكريم أن يبشّر المؤمنين بهذا الوعد الّذي وعدهم اللّه إيّاه،و أن يكشف لهم عن مواقع هذا النّصر و الفتح القريب،و قد بشّر النّبيّ الكريم أصحابه بما سيلقاهم على طريق الإسلام من نصر و فتح،و في هذا ما يدخل الطّمأنينة و الرّضاء على قلوب المؤمنين،و يمدّهم بأمداد السّكينة و الصّبر على ما كانوا يعانون من شدّة و ضيق، و ما كانوا يلقون من كيد و بلاء.(14:938)

مبشّرا

1- وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً. الفرقان:56

الطّبريّ: (مبشّرا)بالثّواب الجزيل من آمن بك و صدّقك،و آمن بالّذي جئتهم به من عندي،و عملوا به، (و نذيرا)من كذّبك و كذّب ما جئتهم به من عندي،فلم يصدّقوا به،و لم يعملوا.(19:27)

نحوه الطّوسيّ(7:501)،و الميبديّ(7:51)، و البروسويّ(6:233).

ابن عطيّة: الآية تسلية لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أي لا تهتمّ بهم و لا تذهب نفسك حسرات حرصا عليهم،فإنّما أنت رسول تبشّر المؤمنين بالجنّة و تنذر الكفرة النّار،و لست بمطلوب بإيمانهم أجمعين.(4:215)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً فتعلّق ذلك بما تقدّم،هو أنّ الكفّار يطلبون العون على اللّه تعالى و على رسوله،و اللّه تعالى بعث رسوله لنفعهم،لأنّه بعثه ليبشّرهم على الطّاعة، و ينذرهم على المعصية،فيستحقّوا الثّواب و يحترزوا عن العقاب.فلا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء شخص استفرغ جهده في إصلاح مهمّاته دينا و دنيا،و لا يسألهم على ذلك البتّة أجرا.(24:102)

القرطبيّ: يريد بالجنّة مبشّرا و نذيرا من النّار، و ما أرسلناك وكيلا و لا مسيطرا.(13:62)

الطّباطبائيّ: أي لم نجعل لك في رسالتك إلاّ التّبشير و الإنذار،و ليس لك وراء ذلك من الأمر شيء، فلا عليك إن كانوا معاندين لربّهم مظاهرين لعدوّه عليه، فليسوا بمعجزين للّه،و ما يمكرون إلاّ بأنفسهم،هذا هو الّذي يعطيه السّياق.

و عليه فقوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً هذا الفصل من الكلام،نظير قوله: أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً الفرقان:43،في الفصل السّابق.

و منه يظهر أنّ أخذ بعضهم الآية تسلية منه تعالى

ص: 597

لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله؛حيث قال:و المراد ما أرسلناك إلاّ مبشّرا للمؤمنين و نذيرا للكافرين،فلا تحزن على عدم إيمانهم.

غير سديد.(15:230)

عبد الكريم الخطيب: هو عزاء للنّبيّ الكريم،لما يلقى في تبليغ رسالته من عنت هؤلاء المشركين، و ضلالهم،و ما يسوءه من خلافهم عليه،و هم في هذا الضّلال الّذي لن يسلمهم إلاّ إلى الهلاك و البوار.

و ما ذا يفعل الرّسول أكثر ممّا فعل مع هؤلاء المعاندين الضّالّين،إنّه لا يملك بين يديه قوّة تحرّكهم على أن يركبوا سفينة النّجاة معه،و إنّ كلّ ما يملكه هو كلمات اللّه،يبشّر بها المؤمنين بأنّ لهم من اللّه فضلا كبيرا،و ينذر الضّالّين المكذّبين،بأنّ لهم عذابا أليما فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ الغاشية:21،22.

(10:48)

2- وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...

الصّفّ:6

الإمام الباقر عليه السّلام: لم تزل الأنبياء تبشّر بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله حتّى بعث اللّه تبارك و تعالى المسيح عيسى ابن مريم فبشّر بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،و ذلك قوله تعالى:

(يجدونه)يعني اليهود و النّصارى(مكتوبا)يعني صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،(عندهم)يعني في التّوراة و الإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ الأعراف:157، و هو قول اللّه عزّ و جلّ يخبر عن عيسى وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ و بشّر موسى و عيسى بمحمّد،كما بشّر الأنبياء صلوات اللّه عليهم بعضهم ببعض حتّى بلغت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله.

(الكليني 8:117)

الطّوسيّ: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ عطف على قوله:

(مصدّقا)و هو أيضا نصب على الحال.(9:593)

الميبديّ: بشّر كلّ نبيّ قومه بنبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم،و اللّه أفرد عيسى بالذّكر في هذا الموضع،لأنّه آخر نبيّ قبل نبيّنا، فبيّن أنّ البشارة به عمّ جميع الأنبياء واحدا بعد واحد حتّى انتهى إلى عيسى عليه السّلام.و يروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:أنا دعوة أبي إبراهيم،و بشارة أخي عيسى.

(10:86)

الطّبرسيّ: قد تضمّنت الآية أنّ عيسى بشّر قومه بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و بنبوّته و أخبرهم برسالته،و في هذه البشرى معجزة لعيسى عليه السّلام عند ظهور محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و أمر لأمّته أن يؤمنوا به عند مجيئه.(5:280)

الفخر الرّازيّ: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يصدّق بالتّوراة على مثل تصديقي،فكأنّه قيل له:ما اسمه؟ فقال:اسمه أحمد.[إلى أن قال:]

و لنذكر الآن بعض ما جاء به عيسى عليه السّلام بمقدم سيّدنا محمّد عليه السّلام في الإنجيل،في عدّة مواضع:

أوّلها:في الإصحاح الرّابع عشر من إنجيل يوحنّا هكذا:«و أنا أطلب لكم إلى أبي حتّى يمنحكم و يعطيكم الفارقليط حتّى يكون معكم إلى الأبد،و الفارقليط هو روح الحقّ اليقين»هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربيّ.

و ذكر في الإصحاح الخامس عشر هذا اللّفظ«و أمّا الفارقليط روح القدس يرسله أبي باسمي،و يعلّمكم و يمنحكم جميع الأشياء،و هو يذكّركم ما قلت لكم».ثمّ

ص: 598

ذكر بعد ذلك بقليل«و إنّي قد خبّرتكم بهذا قبل أن يكون حتّى إذا كان ذلك تؤمنون».

و ثانيها:ذكر في الإصحاح السّادس عشر هكذا «و لكن أقول لكم الآن حقّا يقينا انطلاقي عنكم خير لكم،فإن لم أنطلق عنكم إلى أبي لم يأتكم الفارقليط، و إن انطلقت أرسلته إليكم،فإذا جاء هو يفيد أهل العالم، و يدينهم و يمنحهم و يوقفهم على الخطيئة و البرّ و الدّين».

و ثالثها:ذكر بعد ذلك بقليل هكذا«فإنّ لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم،و لكن لا تقدرون على قبوله و الاحتفاظ له،و لكن إذا جاء روح الحقّ،إليكم يلهمكم و يؤيّدكم بجميع الحقّ لأنّه ليس يتكلّم بدعة من تلقاء نفسه»هذا ما في الإنجيل.

فإن قيل:المراد بفارقليط إذا جاء يرشدهم إلى الحقّ و يعلّمهم الشّريعة هو عيسى يجيء بعد الصّلب؟

نقول:ذكر الحواريّون في آخر الإنجيل أنّ عيسى لمّا جاء بعد الصّلب ما ذكر شيئا من الشّريعة،و ما علّمهم شيئا من الأحكام،و ما لبث عندهم إلاّ لحظة،و ما تكلّم إلاّ قليلا مثل أنّه قال:«أنا المسيح فلا تظنّوني ميّتا،بل أنا ناج عند اللّه ناظر إليكم،و إنّي ما أوحي بعد ذلك إليكم» فهذا تمام الكلام.(29:313)

أبو حيّان: (مصدّقا و مبشّرا)حالان،و العامل (رسول)أي مرسل و(ياتى)و(اسمه)جملتان في موضع الصّفة لرسول،أخبر أنّه مصدّق لما تقدّم من كتب اللّه الإلهيّة و لمن تأخّر من النّبيّ المذكور،لأنّ التّبشير بأنّه رسول تصديق لرسالته.(8:262)

أبو السّعود: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ... معطوف على (مصدّقا)أي داع إلى تصديقه عليه الصّلاة و السّلام مثله من حيث إنّ البشارة به واقعة في التّوراة،و العامل فيهما ما في الرّسول من معنى الإرسال لا الجارّ،فإنّه صلة للرّسول.(6:243)

مثله البروسويّ.(9:497)

الآلوسيّ: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ... معطوف على (مصدّقا)و هو داع أيضا إلى تصديقه عليه السّلام،من حيث إنّ البشارة بهذا الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم واقعة في التّوراة،كقوله تعالى في الفصل العشرين من السّفر الخامس:منها:أقبل اللّه من سينا و تجلّى من ساعير و ظهر من جبال فاران معه الرّبوات الأطهار عن يمينه.

و قوله سبحانه في الفصل الحادي عشر من هذا السّفر:يا موسى إنّي سأقيم لبني إسرائيل نبيّا من إخوتهم مثلك،أجعل كلامي في فيه،و يقول لهم ما آمره فيه، و الّذي لا يقبل قول ذلك النّبيّ الّذي يتكلّم باسمي أنا أنتقم منه و من سبطه،إلى غير ذلك.و يتضمّن كلامه عليه السّلام أنّ دينه التّصديق بكتب اللّه تعالى و أنبيائه عليهم السّلام جميعا،من تقدّم و من تأخّر.(28:86)

الطّباطبائيّ: قوله: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ إشارة إلى الشّطر الثّاني من رسالته عليه السّلام،و قد أشار إلى الشّطر الأوّل بقوله:

مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ.

و من المعلوم أنّ البشرى هي الخبر الّذي يسرّ المبشّر و يفرحه،و لا يكون إلاّ بشيء من الخير يوافيه و يعود إليه.و الخير المترقّب من بعثة النّبيّ و دعوته هو انفتاح باب من الرّحمة الإلهيّة على النّاس،فيه سعادة

ص: 599

دنياهم و عقباهم،من عقيدة حقّة أو عمل صالح أو كليهما.

و البشرى بالنّبيّ بعد النّبيّ و بالدّعوة الجديدة بعد حلول دعوة سابقة و استقرارها و الدّعوة الإلهيّة واحدة، لا تبطل بمرور الدّهور و تقضّي الأزمنة و اختلاف الأيّام و اللّيالي،إنّما تتصوّر إذا كانت الدّعوة الجديدة أرقى فيما تشتمل عليه من العقائد الحقّة و الشّرائع المعدلة لأعمال المجتمع،و أشمل لسعادة الإنسان في دنياه و عقباه.

و بهذا البيان يظهر أنّ معنى قوله عليه السّلام: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي إلخ،يفيد كون ما أتى به النّبيّ أحمد صلّى اللّه عليه و آله أرقى و أكمل ممّا تضمّنته التّوراة و بعث به عيسى عليه السّلام،و هو عليه السّلام متوسّط رابط بين الدّعوتين.

(19:252)

عبد الكريم الخطيب: جاء في هذه السّورة -سورة الصّفّ:6-قوله تعالى على لسان المسيح:

وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.

هذا ما جاء به القرآن،على لسان المسيح إلى بني إسرائيل،مبشّرا إيّاهم بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ و هو اسم«محمّد»رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ كلا الاسمين مشتقّ من الحمد،فهو صلوات اللّه و سلامه عليه أحمد،و محمود،و محمّد.

و إذا كانت الأناجيل الأربعة المتداولة اليوم قد خلت من هذه البشرى على وجه صريح،فإنّ ذلك لا ينقض ما جاء به القرآن الكريم،في الآية السّابقة؛إذ القرآن هو الحجّة القائمة على ما سبقه من الكتب السّماويّة،لأنّه آخرها،و ضابط محكمها،و المهيمن عليها،كما يقول سبحانه و تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ المائدة:48.

و الإنجيل الّذي يتحدّث عنه القرآن هو كتاب واحد،و لكنّ الّذي في أيدي النّاس اليوم ليس إنجيلا واحدا،و إنّما هو أربعة أناجيل،و قد كان في وقت ما خمسة و سبعين إنجيلا.

و قد وقع خلاف فيما بينها،لأنّها لا تعتمد على أصل واحد،و لا ترجع إلى الإنجيل الّذي أنزل على المسيح عليه السّلام،و إنّما هي مرويّات تتحدّث عن السّيّد المسيح،و عن سيرته و أخباره،فيما يرويه عنه بعض حواريّيه،أو من اتّصل بحواريّيه و سمع منهم و تتلمّذ عليهم،و في هذه السّيرة عبارات من عظات السّيّد المسيح و وصاياه،و قد يكون فيها بعض آيات من الإنجيل السّماويّ،كان السّيّد المسيح يضمّنها عظاته و وصاياه.

و إذن فالأناجيل الّتي ذكرت سيرة السّيّد المسيح، تختلف في تشخيص شخصيّة السّيّد المسيح،و في تناول مواقفه،و في نقل عباراته و كلماته،باختلاف الكتّاب الّذي كتبوا هذه السّيرة،و نفضوا عليها من عواطفهم و مشاعرهم،و من ألوان ثقافاتهم،ما جعل الأناجيل تختلف هذا الاختلاف،كما يختلف إنسان عن إنسان في تفكيره،و في تصوّره للأحداث.

و ليس من همّنا هنا دراسة الأناجيل دراسة تاريخيّة،محقّقة للإنجيل السّماويّ،أو الأناجيل الّتي

ص: 600

جاءت محدّثة عنه.

و إنّما الّذي نقف عنده منها،هو أنّ القرآن الكريم قد ذكر آية صريحة تذكر على لسان السّيّد المسيح،تلك البشرى الّتي أعلنها في بني إسرائيل،مبشّرا برسول يأتي من بعده اسمه«أحمد».

ثمّ نبحث في الأناجيل الأربعة،فلا نجد هذه البشرى صريحة تلك الصّراحة الّتي تقطع بأنّ نبيّا اسمه«أحمد» سيجيء بعد المسيح،و إنّما الّذي جاء في بعض الأناجيل الّتي اعتمدتها المسيحيّة إشارات،يمكن أن تؤوّل إلى ما يفهم منه ظهور نبيّ عربيّ،يأتي من بعد المسيح موصوفا بصفات الحمد،و هو كلمة«بارقليط»الّذي وعد المسيح بأنّه سيأتي من بعده.

و إنّه لكي نفهم هذه الإشارة الّتي جاءت على لسان المسيح،كما رواها«يوحنّا»في إنجيله،ينبغي أن نقف وقفة قصيرة مع السّيّد المسيح،و مع الظّروف الّتي ولد فيها،و ما كان بينه و بين اليهود من مواقف؛فذلك من شأنه أن يحلّ لنا كثيرا من رموز هذه الكلمات الّتي رويت عن السّيّد المسيح عليه السّلام.

في حياة المسيح عليه السّلام أكثر من حدث أثار تضارب الآراء فيه،و اختلاف النّاس عليه.

فأوّلا:ميلاده من عذراء...[بعد أن بحث بحثا مستوفى في شأن السّيّد المسيح قال:]

و إذا كان القرآن الكريم قد قال على لسان المسيح:

يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ نقول:إذا كان القرآن قد قال هذا على لسان السّيّد المسيح،فإنّ هذا القول يوافق تماما ما سجّلته الأناجيل عنه،من قوله الّذي أشرنا إليه من قبل،و الّذي يقول فيه مخاطبا أتباعه:«إنّه خير لكم أن أنطلق،لأنّه إذا لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي».و كلمة«المعزّي»هي إحدى المعاني الّتي فسّرت بها كلمة«باركليت»اليونانيّة،و الّتي فسّرت أيضا بمعنى:المحامي،أو مستشار الدّفاع.

و القرآن يصرّح بأنّ المسيح بشّر في الإنجيل باسم هذا الّذي سيجيء من بعده،لا بصفته؛إذ يقول:

وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ و أحمد صفة من الحمد يشتقّ منها محمّد،و محمود،و حامد، و حمّاد.(14:922)

مبشّرين

1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ... البقرة:213

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ اللّه تعالى وصف النّبيّين بصفات ثلاث:

الصّفة الأولى:كونهم مبشّرين.

و الثّانية:كونهم منذرين،و نظيره قوله تعالى:

رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ النّساء:165.

و إنّما قدّم البشارة على الإنذار،لأنّ البشارة تجري مجرى حفظ الصّحّة،و الإنذار يجري مجرى إزالة المرض، و لا شكّ أنّ المقصود بالذّات هو الأوّل دون الثّاني، فلا جرم وجب تقديمه في الذّكر.

و الصّفة الثّالثة:قوله: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ البقرة:213.

ص: 601

فإن قيل:إنزال الكتاب يكون قبل وصول الأمر و النّهي إلى المكلّفين،و وصول الأمر و النّهي إليهم يكون قبل التّبشير و الإنذار،فلم قدّم ذكر التّبشير و الإنذار على إنزال الكتب؟

أجاب القاضي عنه،فقال:لأنّ الوعد و الوعيد منهم قبل بيان الشّرع ممكن فيما يتّصل بالعقليّات من المعرفة باللّه،و ترك الظّلم و غيرهما.

و عندي فيه وجه آخر،و هو أنّ المكلّف إنّما يتحمّل النّظر في دلالة المعجز على الصّدق،و في الفرق بين المعجز و السّحر إذا خاف أنّه لو لم ينظر فربّما ترك الحقّ فيصير مستحقّا للعقاب،و الخوف إنّما يقوى و يكمل عند التّبشير و الإنذار،فلا جرم وجب تقديم البشارة و النّذارة على إنزال الكتاب في الذّكر.(6:15)

القرطبيّ: مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ نصب على الحال.(3:32)

أبو حيّان: أي أرسل النّبيّين مبشّرين بثواب من أطاع،و منذرين بعقاب من عصى.

و قدّم البشارة،لأنّها أبهج للنّفس و أقبل لما يلقى النّبيّ،و فيها اطمئنان المكلّف،و الوعد بثواب ما يفعله من الطّاعة،و منه فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا مريم:97،و انتصاب مبشّرين و منذرين على الحال المقارنة.(2:135)

البروسويّ: مبشّرين بالثّواب لمن آمن و أطاع، و منذرين محذّرين بالعقاب لمن كفر و عصى.(1:329)

2- رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ... النّساء:165

الميبديّ: (مبشّرين)يعني بالثّواب على الطّاعة، (و منذرين)بالعقاب على المعصية.

يقول:و أرسلنا الرّسل بالبشارة و النّذارة حتّى لا يقولون غدا: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ المائدة:

19.(2:771)

الزّمخشريّ: الأوجه أن ينتصب على المدح، و يجوز انتصابه على التّكرير.(1:582)

أبو حيّان: أي يبشّرون بالجنّة من أطاع،و ينذرون بالنّار من عصى.[إلى أن قال:]

و قوله:(لئلاّ)هو كالتّعليل لحالتي التّبشير و الإنذار، و التّبشير هو بالجنّة و الإنذار هو بالنّار،و ليس الثّواب و العقاب حاكما بوجوبهما العقل،و إنّما هو مجوّز لهما،و جاء السّمع فصارا واجبا وقوعهما،و لم يستفد وجوبهما إلاّ من البشارة و النّذارة.

فلو لم يبشّر الرّسل بالجنّة لمن امتثل التّكاليف الشّرعيّة،و لم ينذروا بالنّار من لم يمتثل،و كانت تقع المخالفة المترتّب عليها العقاب بما لا شعور للمكلّف بها، من حيث إنّ اللّه لا يبعث إليه من يعلمه بأنّ تلك معصية لكانت له الحجّة؛إذ عوقب على شيء لم يتقدّم إليه في التّحذير من فعله،و أنّه يترتّب عليه العقاب.

(3:398)

عبد الكريم الخطيب: أي أرسلنا رسلا إلى النّاس،مبشّرين و منذرين،يبشّرونهم بمغفرة و رضوان إذا هم استجابوا لرسل اللّه،و آمنوا باللّه،و ينذرونهم بما يلقون من سخط اللّه و عذابه،إذا هم كذّبوا رسل اللّه

ص: 602

و كفروا باللّه.(3:1011)

3- وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ...

الأنعام:48

القرطبيّ: أي بالتّرغيب و التّرهيب.قال الحسن:

مبشّرين بسعة الرّزق في الدّنيا و الثّواب في الآخرة،يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الأعراف:96.

و معنى(منذرين)مخوّفين عقاب اللّه،فالمعنى إنّما أرسلنا المرسلين لهذا لا لما يقترح عليهم من الآيات،و إنّما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم و صدقهم.

(6:429)

أبو حيّان: أي مبشّرين بالثّواب و منذرين بالعقاب.و انتصب مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ على الحال، و فيهما معنى العلّيّة،أي أرسلناهم للتّبشير و الإنذار لا لأن تقترح عليهم الآيات بعد وضوح ما جاءوا به و تبيين صحّته.(4:132)

أبو السّعود: حالان مقدّرتان من المرسلين،أي ما نرسلهم إلاّ مقدّرا تبشيرهم و إنذارهم،ففيهما معنى العلّة الغائيّة قطعا،أي ليبشّروا قومهم بالثّواب على الطّاعة و ينذروهم بالعقاب على المعصية،أي ليخبروهم بالخبر السّارّ و الخبر الضّارّ دنيويّا كان أو أخرويّا،من غير أن يكون لهم دخل ما في وقوع المخبر به أصلا.

و عليه يدور القصر و الإلزام أن لا يكون بيان الشّرائع و الأحكام من وظائف الرّسالة.(2:384)

مثله البروسويّ.(3:32)

الآلوسيّ: (مبشّرين)من أطاع منهم بالثّواب (و منذرين)من عصى منهم بالعذاب.و اقتصر بعضهم على الجنّة و النّار،لأنّهما أعظم ما يبشّر به و ينذر به.

و المتعاطفان منصوبان على أنّهما حالان مقدّرتان مفيدتان للتّعليل،و صيغة المضارع للإيذان بأنّ ذلك أمر مستمرّ جرت عليه العادة الإلهيّة.

و الآية مرتبطة بقوله سبحانه: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ الأنعام:37،أي ما نرسل المرسلين إلاّ لأجل أن يبشّروا قومهم بالثّواب على الطّاعة، و ينذروهم بالعذاب على المعصية،و لم نرسلهم ليقترح عليهم و يسخر بهم.(7:154)

رشيد رضا: أي تلك سنّتنا في إهلاك المكذّبين للرّسل:ما نرسل المرسلين إليهم إلاّ مبشّرين من آمن و أصلح عملا بالجزاء الحسن اللاّئق بهم،و منذرين من أصرّ على الشّرك و الإفساد في الأرض بالجزاء السّيّئ الّذي يستحقّونه.(7:418)

مبشّرات

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ... الرّوم:46

الطّبريّ: بالغيث و الرّحمة.(21:52)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى:إنّ من الأدلّة الدّالّة على توحيدي و وجوب إخلاص العبادة لي إرسال الرّياح مبشّرات بالغيث و المطر..

و إنّما سمّاها(مبشّرات)لأنّها بمنزلة النّاطقة إذا

ص: 603

بشّرت بأنّه يجيء مطر و غيث يحيي به الأرض،لما فيها من إظهار هذا المعنى و دلالتها على ذلك بجعل جاعل، لأنّه من طريق العادة الّتي أجراها اللّه تعالى.(8:260)

الميبديّ: مبشّرات بالمطر،و قيل:تبشّر بصحّة الأبدان و خصب الزّمان.

و قيل:(مبشّرات)يستبشر بها الخلق،لأنّهم يرجون معها مجيء المطر.

و قيل:مهيّجات للسّحاب،ملقّحات للأشجار، مسيّرات للسّفن.(7:467)

الزّمخشريّ: و قد عدّد الأغراض في إرسالها،و أنّه أرسلها للبشارة بالغيث و لإذاقة الرّحمة،و هي نزول المطر و حصول الخصب الّذي يتبعه.(3:225)

الطّبرسيّ: مبشّرات بالمطر،فكأنّها ناطقات بالبشارة لما فيها من الدّلالة عليه.(4:309)

الفخر الرّازيّ: يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ قيل:

بالمطر،كما قال تعالى: بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الأعراف:57،أي قبل المطر.و يمكن أن يقال:مبشّرات بصلاح الأهوية و الأحوال،فإنّ الرّياح لو لم تهبّ لظهر الوباء و الفساد.(25:131)

أبو حيّان: ذكر من أعلام قدرة إرسال الرّياح مبشّرات بالمطر،لأنّها متقدّمة.و المبشّرات:رياح الرّحمة الجنوب و الشّمال و الصّبا،و أمّا الدّبور فريح العذاب،و ليس تبشيرها مقتصرا به على المطر بل لها تبشيرات بسبب السّفن،و السّير بها إلى مقاصد أهلها، و كأنّه بدأ أوّلا بشيء عامّ و هو التّبشير.

و قرأ الأعمش (الرّيح) مفردا و أراد معنى الجمع، و لذلك قرأ (مبشّرات) ثمّ ذكر من أعظم تباشيرها إذاقة الرّحمة و هي نزول المطر،و يتبعه حصول الخصب،و الرّيح الّذي معه الهبوب و إزالة العفونة من الهواء،و تذرية الحبوب و غير ذلك.(7:178)

البروسويّ: أي حال كون تلك الرّياح مبشّرات للخلق بالمطر.(7:49)

الطّباطبائيّ: المراد بكون(الرّياح مبشّرات) تبشيرها بالمطر؛حيث تهبّ قبيل نزوله.(16:199)

تباشروهنّ

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ...

البقرة:187

ابن عبّاس: في رمضان أو في غير رمضان،فحرّم اللّه أن ينكح النّساء ليلا و نهارا حتّى يقضي اعتكافه.

(الطّبريّ 2:180)

من خرج من بيته إلى بيت اللّه فلا يقرب النّساء.

(الطّبريّ 2:180)

كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرّجل إلى الغائط جامع امرأته،ثمّ اغتسل ثمّ رجع إلى اعتكافه،فنهوا عن ذلك.

و نحوه قتادة و الرّبيع.(الطّبريّ 2:181)

مجاهد :الجوار،فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت اللّه فلا يقرب النّساء.(الطّبريّ 2:180)

نهوا عن جماع النّساء في المساجد؛حيث كانت الأنصار تجامع،فقال: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ. (الطّبريّ 2:181)

الضّحّاك: كان الرّجل إذا اعتكف فخرج من

ص: 604

المسجد جامع إن شاء،فقال اللّه: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ يقول:لا تقربوهنّ ما دمتم عاكفين في مسجد أو غيره.(الطّبريّ 2:180)

عطاء: قال ابن جريج:قلت لعطاء:الجماع:

المباشرة؟قال:الجماع نفسه.

فقلت له:فالقبلة في المسجد و المسّة؟

فقال:أمّا ما حرم فالجماع،و أنا أكره كلّ شيء من ذلك في المسجد.(الطّبريّ 2:181)

السّدّيّ: من اعتكف فإنّه يصوم،و لا يحلّ له النّساء ما دام معتكفا.(الطّبريّ 2:180)

مالك: لا يمسّ المعتكف امرأته و لا يباشرها، و لا يتلذّذ منها بشيء،قبلة و لا غيرها.

(الطّبريّ 2:181)

ابن زيد: المباشرة:الجماع و غير الجماع،كلّه محرّم عليه.المباشرة بغير الجماع:إلصاق الجلد بالجلد.

(الطّبريّ 2:181)

الطّبريّ: قد اختلف أهل التّأويل في معنى «المباشرة»الّتي عنى اللّه بقوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ فقال بعضهم:معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني المباشرة.و قال آخرون:معنى ذلك على جميع معاني المباشرة من لمس و قبلة و جماع.

و أولى القولين عندي بالصّواب قول من قال:معنى ذلك الجماع،أو ما قام مقام الجماع،ممّا أوجب غسلا إيجابه،و ذلك أنّه لا قول في ذلك إلاّ أحد قولين.

أمّا من جعل حكم الآية عامّا،أو جعل حكمها في خاصّ من معاني المباشرة،و قد تظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ نساءه كنّ يرجّلنّه و هو معتكف،فلمّا صحّ ذلك عنه،علم أنّ الّذي عنى به من معاني المباشرة البعض دون الجميع.

و عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجّله (1).(2:180)

الجصّاص: قد اختلف الفقهاء في مباشرة المعتكف،فقال أصحابنا:لا بأس بها إذا لم تكن بشهوة و أمن على نفسه.و لا ينبغي أن يباشرها بشهوة ليلا و لا نهارا،فإن فعل فأنزل،فسد اعتكافه،فإن لم ينزل لم يفسد،و قد أساء.

و قال ابن القاسم عن مالك: إذا قبّل امرأته فسد اعتكافه.و قال المزنيّ عن الشّافعيّ:إن باشر فسد اعتكافه،و قال في موضع آخر:لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلاّ ما يوجب الحدّ.

قد بيّنّا أنّ مراد الآية في المباشرة هو الوطء دون المباشرة باليد و القبلة،و كذلك قال أبو يوسف:إنّ قوله:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ إنّما هو على الجماع.

و روي عن الحسن البصريّ قال: المباشرة:

النّكاح،و قال ابن عبّاس:إذا جامع المعتكف فسد اعتكافه.

و قال الضّحّاك: كانوا يجامعون و هم معتكفون حتّى نزل وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ.

و قال قتادة: كان النّاس إذا اعتكفوا خرج الرّجل منهم فباشر أهله ثمّ رجع إلى المسجد،فنهاهم اللّه عنه.

ص: 605


1- أي ألامس شعره و أسرّحه.

ذلك بقوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ، و هذا من قولهم يدلّ على أنّهم عقلوا من مراد الآية الجماع،دون اللّمس و المباشرة باليد.

و يدلّ على أنّ المباشرة لغير شهوة مباحة للمعتكف حديث الزّهريّ عن عروة عن عائشة:أنّها كانت ترجّل رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو معتكف،فكانت لا محالة تمسّ بدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بيدها،فدلّ على أنّ المباشرة لغير شهوة غير محظورة على المعتكف.

و أيضا لمّا ثبت أنّ الاعتكاف بمعنى الصّوم في باب حظر الجماع،و لم يكن الصّوم مانعا من المباشرة أو القبلة لغير شهوة إذا أمن على نفسه-و روي ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في آثار مستفيضة-وجب أن لا يمنع الاعتكاف القبلة لغير شهوة.

و لمّا كانت المباشرة و القبلة لشهوة محظورتين في الصّوم،وجب أن يكون ذلك حكمهما في الاعتكاف.و لمّا كانت المباشرة في الصّوم إذا حدث عنها إنزال فسد الصّوم،وجب أن يفسد الاعتكاف،لأنّ الاعتكاف و الصّوم قد جريا مجرى واحدا في اختصاصهما بحظر الجماع،دون دواعيه من الطّيب و دون اللّباس.

(1:246)

الطّوسيّ: قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ قيل:

في معناه قولان هاهنا:

قال ابن عبّاس،و الضّحّاك،و الحسن،و قتادة، و غيرهم: أراد به الجماع.

و قال ابن زيد و مالك: أراد الجماع،و كلّما كان دونه من قبلة و غيرها،و هو مذهبنا.(2:135)

مثله الطّبرسيّ.(1:281)

الزّمخشريّ: المراد بالمباشرة:الجماع لما تقدّم من قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ...

فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ.

و قيل:معناه و لا تلامسوهنّ بشهوة.و الجماع يفسد الاعتكاف،و كذلك إذا لمس أو قبّل فأنزل.(1:339)

ابن العربيّ:فإن قيل:قلتم في قوله تعالى:

فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ إنّ المراد به الجماع،و قلتم في قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ إنّه اللّمس و القبلة،فكيف هذا التّناقض؟

قلنا:كذلك نقول في قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ إنّها المباشرة بأسرها صغيرها و كبيرها.

و لو لا أنّ السّنّة قضت على عمومها ماروت عائشة و أمّ سلمة في جواز القبلة للصّائم من فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قوله:

و بإذن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لعمر بن أبي سلمة في القبلة و هو صائم، فخصّصناها.

فأمّا قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ فقد بقيت على عمومها و عضدتها أدلّة سواها،و هي أنّ الاعتكاف مبنيّ على ركنين:أحدهما:ترك الأعمال المباحة بإجماع.

الثّاني:ترك سائر العبادات سواه ممّا يقطعه و يخرج به عن بابه،فإذا كانت العبادات تؤثّر فيه،و المباحات لا تجوز معه،فالشّهوات أحرى أن تمنع فيه.

قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ فحرّم اللّه تعالى المباشرة في المسجد،و ذلك يحرم خارج المسجد،لأنّ معنى الآية:و لا تباشروهنّ و أنتم ملتزمون الاعتكاف في المسجد معتقدون له،فهو

ص: 606

إذا خرج لحاجة الإنسان-و هو ملتزم للاعتكاف في المسجد معتقد له-رخّص له في حاجة الإنسان، للضّرورة الدّاعية إليه،و بقي سائر أفعال الاعتكاف كلّها على أصل المنع.(1:96)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن الصّوم،و بيّن أنّ من حكمه تحريم المباشرة،كان يجوز أن يظنّ في الاعتكاف أنّ حاله كحال الصّوم في أنّ الجماع يحرم فيه نهارا لا ليلا،فبيّن تعالى تحريم المباشرة فيه نهارا و ليلا، فقال: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ.

لو لمس الرّجل المرأة بغير شهوة جاز،لأنّ عائشة رضي اللّه عنها كانت ترجّل رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو معتكف.و أمّا إذا لمسها بشهوة أو قبّلها أو باشرها فيما دون الفرج،فهو حرام على المعتكف.

و هل يبطل بها اعتكافه؟للشّافعيّ رحمه اللّه فيه قولان:الأصحّ أنّه يبطل.و قال أبو حنيفة:لا يفسد الاعتكاف إذا لم ينزل.

احتجّ من قال بالإفساد أنّ الأصل في لفظ «المباشرة»ملاقاة البشرتين،فقوله:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ منع من هذه الحقيقة،فيدخل فيه الجماع و سائر هذه الأمور،لأنّ مسمّى المباشرة حاصل في كلّها.

فإن قيل:لم حملتم المباشرة في الآية المتقدّمة على الجماع؟

قلنا:لأنّ ما قبل الآية يدلّ على أنّه هو الجماع،و هو قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ و سبب نزول تلك الآية يدلّ على أنّه هو الجماع،ثمّ لمّا أذن في الجماع كان ذلك إذنا فيما دون الجماع بطريق الأولى.أمّا هاهنا فلم يوجد شيء من هذه القرائن،فوجب إبقاء لفظ المباشرة على موضعه الأصليّ.

و حجّة من قال:إنّها لا تبطل الاعتكاف،أجمعنا على أنّ هذه المباشرة لا تفسد الصّوم و الحجّ،فوجب أن لا تفسد الاعتكاف،لأنّ الاعتكاف ليس أعلى درجة منهما.

و الجواب:أنّ النّصّ مقدّم على القياس.(5:124)

القرطبيّ: بيّن جلّ تعالى أنّ الجماع يفسد الاعتكاف،و أجمع أهل العلم على أنّ من جامع امرأته و هو معتكف عامدا لذلك في فرجها أنّه مفسد لاعتكافه.

و اختلفوا فيما عليه إذا فعل ذلك،فقال الحسن البصريّ و الزّهريّ:عليه ما على المواقع أهله في رمضان.

فأمّا المباشرة من غير جماع فإن قصد بها التّلذّذ فهي مكروهة،و إن لم يقصد لم يكره،لأنّ عائشة كانت ترجّل رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو معتكف،و كانت لا محالة تمسّ بدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بيدها،فدلّ بذلك على أنّ المباشرة بغير شهوة غير محظورة،هذا قول عطاء و الشّافعيّ و ابن المنذر.

قال أبو عمر: و أجمعوا على أنّ المعتكف لا يباشر و لا يقبّل.

و اختلفوا فيما عليه إن فعل،فقال مالك و الشّافعيّ:

إن فعل شيئا من ذلك فسد اعتكافه،قاله المزنيّ.و قال في موضع آخر من مسائل الاعتكاف:لا يفسد الاعتكاف من الوطء إلاّ ما يوجب الحدّ،و اختاره المزنيّ قياسا على أصله في الحجّ و الصّوم.(2:332)

ص: 607

الفاضل المقداد: إنّ الاعتكاف يبطل مع المباشرة المذكورة،أمّا أوّلا فلأنّ النّهي في العبادة مبطل، كما قرّر في الأصول.و أمّا ثانيا فلأنّها تبطل الصّوم، و الصّوم عندنا شرط في الاعتكاف،و بطلان الشّرط مستلزم لبطلان المشروط.(1:217)

أبو السّعود: و المراد بالمباشرة:الجماع.و عن قتادة:كان الرّجل يعتكف فيخرج إلى امرأته فيباشرها ثمّ يرجع،فنهوا عن ذلك.و فيه دليل على أنّ الاعتكاف يكون في المسجد غير مختصّ ببعض دون بعض،و أنّ الوطء فيه حرام و مفسد له،لأنّ النّهي في العبادات يوجب الفساد.(1:244)

الآلوسيّ: النّهي عطف على أوّل الأوامر، و المباشرة فيه كالمباشرة فيه.و قد تقدّم أنّ المراد بها:

الجماع،إلاّ أنّه لزم من إباحة الجماع إباحة اللّمس و القبلة و غيرهما،بخلاف النّهي فإنّه لا يستلزم النّهي عن الجماع النّهي عنهما،فهما إمّا مباحان اتّفاقا بأن يكونا بغير شهوة،و إمّا حرامان بأن يكونا بها«يبطل الاعتكاف ما لم ينزل»و صحّح معظم أصحاب الشّافعيّ البطلان.

و قيل:المراد من المباشرة:ملاقاة البشرتين،ففي الآية منع عن مطلق المباشرة،و ليس بشيء.[إلى أن قال:]

و استدلّ بها أيضا على أنّ الوطء يفسد الاعتكاف، لأنّ النّهي للتّحريم،و هو في العبادات يوجب الفساد.

و فيه أنّ المنهيّ عنه هنا المباشرة حال الاعتكاف، و هو ليس من العبادات،لا يقال:إذا وقع أمر منهيّ عنه في العبادة-كالجماع في الاعتكاف-كانت تلك العبادة منهيّة باعتبار اشتمالها على المنهيّ،و مقارنتها إيّاه؛إذ يقال:فرق بين كون الشّيء منهيّا عنه باعتبار ما يقارنه، و بين كون المقارن منهيّا في ذلك الشّيء،و الكلام في الأوّل،و ما نحن فيه من قبيل الثّاني.(2:68)

رشيد رضا: هذا استثناء من عموم إباحة المباشرة،و المقام مقام بيان و إيضاح لا يبقى معه للإبهام و لا للإيهام مجال،أي و لا تباشروا النّساء حال عكوفكم في المساجد للعبادة،فالمباشرة تبطل الاعتكاف و لو ليلا،كما تبطل الصّيام نهارا.(2:178)

عبد الكريم الخطيب: هو صيانة لتلك الفترة الّتي نوى فيها المسلم الاعتكاف في بيت من بيوت اللّه، و الانقطاع للعبادة الخالصة للّه،من أن يدخل عليها شيء من لهو النّفس الّذي يذهب بثمرة هذه الرّياضة الّتي أخذ الإنسان بها نفسه لفترة محدودة من الزّمن،فهي أشبه بيوم من أيّام الصّوم-فرضا أو تطوّعا-لا يحلّ للمرء فيه أن يتحلّل من صومه،فللعبادات حرمتها،فإذا أوجب الإنسان على نفسه شيئا منها،وجب أن يؤدّيه على الوجه الأكمل له،و إلاّ أثم،من حيث يطلب الأجر و المثوبة.(1:206)

باشروهنّ

...عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ... البقرة:187

ابن عبّاس: انكحوهنّ.(الطّبريّ 2:168)

عطاء: الجماع،و كلّ شيء في القرآن من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه.(الطّبريّ 2:168)

ص: 608

السّدّيّ:جامعوهنّ.(الطّبريّ 2:168)

مجاهد :المباشرة في كتاب اللّه:الجماع.

(الطّبريّ 2:168)

الطّبريّ: فأمّا المباشرة في كلام العرب:فإنّه ملاقاة بشرة ببشرة،و بشرة الرّجل:جلدته الظّاهرة،و إنّما كنّى اللّه بقوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ عن الجماع،يقول:

فالآن إذ أحللت لكم الرّفث إلى نسائكم،فجامعوهنّ في ليالي شهر رمضان حتّى يطلع الفجر.(2:168)

الطّوسيّ: أي جامعوهنّ،و معناه الإباحة دون الأمر.و المباشرة:إلصاق البشرة بالبشرة،و هي ظاهر أحد الجلدين بالآخر.(2:133)

الميبديّ: يقول لكلّ الأمّة على سبيل الإباحة لا على سبيل الوجوب كما في الخبر:«تناكحوا تكثروا» «تناكحوا»أمر إباحة لا أمر وجوب،و كذلك (باشروهنّ).(1:504)

الطّبرسيّ: أي جامعوهنّ،لفظه أمر،و معناه الإباحة.(1:281)

نحوه الطّباطبائيّ.(2:47)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ففيه مسألتان:

الأولى:هذا أمر وارد عقب الحظر،فالّذين قالوا:

الأمر الوارد عقيب الحظر ليس إلاّ للإباحة،كلامهم ظاهر.و أمّا الّذين قالوا:مطلق الأمر للوجوب،قالوا:

إنّما تركنا الظّاهر و عرفنا كون هذا الأمر للإباحة بالإجماع.

الثّانية:المباشرة فيها قولان:

أحدهما:و هو قول الجمهور أنّها الجماع،سمّي بهذا الاسم لتلاصق البشرتين و انضمامهما،و منه ما روي أنّه عليه السّلام نهى أن يباشر الرّجل الرّجل،و المرأة المرأة.

و الثّاني:و هو قول الأصمّ:أنّه الجماع،فما دونه، و على هذا الوجه اختلف المفسّرون في معنى قوله:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ فمنهم من حمله على كلّ المباشرات و لم يقصره على الجماع.

و الأقرب أنّ لفظ المباشرة لمّا كان مشتقّا من تلاصق البشرتين،لم يكن مختصّا بالجماع،بل يدخل فيه الجماع فيما دون الفرج،و كذا المعانقة و الملامسة.إلاّ أنّهم إنّما اتّفقوا في هذه الآية على أنّ المراد به هو«الجماع»لأنّ السّبب في هذه الرّخصة كان وقوع الجماع من القوم، و لأنّ الرّفث المتقدّم ذكره لا يراد به إلاّ الجماع.

إلاّ أنّه لمّا كان إباحة الجماع تتضمّن إباحة ما دونه، صارت إباحته دالّة على إباحة ما عداه،فصحّ هاهنا حمل الكلام على الجماع فقط.و لمّا كان في الاعتكاف المنع من الجماع لا يدلّ على المنع ممّا دونه،صلح اختلاف المفسّرين فيه،فهذا هو الّذي يجب أن يعتمد عليه،على ما لخّصه القاضي.(5:118)

القرطبيّ:كناية عن الجماع،أي قد أحلّ لكم ما حرّم عليكم،و سمّي الوقاع مباشرة،لتلاصق البشرتين فيه.(2:317)

أبو حيّان: هذا أمر يراد به الإباحة،لكونه ورد بعد النّهي،و لأنّ الإجماع انعقد عليه.و المباشرة في قول الجمهور:الجماع،و قيل:الجماع فما دونه،و هو مشتقّ من تلاصق البشرتين،فيدخل فيه المعانقة و الملامسة.

ص: 609

و إن قلنا:المراد به هنا الجماع،لقوله:(الرّفث) و لسبب النّزول،فإباحته تتضمّن إباحة ما دونه.

(2:49)

يستبشرون

فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ...

آل عمران:170،171

قتادة: يقول لإخوانهم الّذين فارقوهم على دينهم و أمرهم لما قدموا عليه من الكرامة و الفضل و النّعيم الّذي أعطاهم.(الطّبريّ 4:174)

ابن جريج: يقول:إخواننا يقتلون كما قتلنا، يلحقون فيصيبون من كرامة اللّه تعالى ما أصبنا.

(الطّبريّ 4:174)

ابن إسحاق: أي و يسرّون بلحوق من لحق بهم من إخوانهم،على ما مضوا عليه من جهادهم، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب اللّه الّذي أعطاهم، و أذهب اللّه عنهم الخوف و الحزن.(الطّبريّ 4:175)

الطّبريّ: و يفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم، الّذين فارقوهم،و هم أحياء في الدّنيا على مناهجهم.

(4:174)

الطّوسيّ: و معنى(يستبشرون)أي يسرّون بالبشارة.و أصل الاستفعال طلب الفعل،فالمستبشر بمنزلة من طلب السّرور في البشارة،فوجده،و أصل البشارة من البشرة؛و ذلك لظهور السّرور بها في بشرة الوجه،و منه البشر لظهور بشرته.

و معنى قوله: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ أي هم بمنزلة من قد بشّر في صاحبه بما يسرّ به.

و لأهل التّأويل فيه قولان:

أحدهما:[ما قاله ابن جريج،و قتادة،و قد مرّ]

و الآخر:أنّه يؤتى الشّهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه يبشّر ذلك فيستبشر،كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدّنيا،ذكره السّدّيّ.[إلى أن قال:]

قيل في تكراره هاهنا قولان:أحدهما:لأنّها ليست نعمة مضيّقة على قدر الكفاية،من غير مضاعفة السّرور و اللّذّة.و الآخر:للتّأكيد لتمكين المعنى في النّفس، و المبالغة.(3:48)

مثله الطّبرسيّ.(1:537)

الزّمخشريّ: و المعنى:و يستبشرون بما تبيّن لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين،و هو أنّهم يبعثون آمنين يوم القيامة،بشّرهم اللّه بذلك،فهم مستبشرون به.

و في ذكر حال الشّهداء و استبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم،على ازدياد الطّاعة و الجدّ في الجهاد،و الرّغبة في نيل منازل الشّهداء و إصابة فضلهم، و إحماد لحال من يرى نفسه في خير فيتمنّى مثله لإخوانه في اللّه،و بشرى للمؤمنين بالفوز في المآب.

و كرّر يَسْتَبْشِرُونَ ليعلّق به ما هو بيان لقوله:

أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ من ذكر النّعمة و الفضل،و أنّ ذلك أجر لهم على إيمانهم،يجب في عدل اللّه و حكمته أن يحصل لهم و لا يضيع.(1:479)

ص: 610

ابن عطيّة: يَسْتَبْشِرُونَ معناه يسرّون و يفرحون.و ليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة،بل هي بمعنى استغنى اللّه و استمجد المرخ و العفار.

و ذهب قتادة و الرّبيع و ابن جريج و غيرهم:إلى أنّ هذا الاستبشار إنّما هو بأنّهم يقولون:إخواننا الّذين تركناهم خلفنا في الدّنيا يقاتلون في سبيل اللّه مع نبيّهم فيستشهدون،فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه فيسرّون لهم بذلك؛إذ يحصلون،لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

و ذهب فريق من العلماء،و أشار إليه الزّجّاج و ابن فورك:إلى أنّ الإشارة في قوله: بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا إلى جميع المؤمنين،أي لم يلحقوا بهم في فضل الشّهادة، لكن الشّهداء لمّا عاينوا ثواب اللّه،وقع اليقين بأنّ دين الإسلام هو الحقّ الّذي يثيب اللّه عليه،فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم اللّه من فضله وَ يَسْتَبْشِرُونَ للمؤمنين بأنّهم لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

(1:541)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:

الأولى:الاستبشار:السّرور الحاصل بالبشارة، و أصل الاستفعال طلب الفعل،فالمستبشر بمنزلة من طلب السّرور،فوجده بالبشارة.

الثّانية:اعلم أنّ الّذين سلموا كون الشّهداء أحياء قبل قيام القيامة ذكروا لهذه الآية تأويلات أخر:

أمّا الأوّل:فهو أن يقال:إنّ الشّهداء يقول بعضهم لبعض:تركنا إخواننا فلانا و فلانا في صفّ المقاتلة مع الكفّار فيقتلون إن شاء اللّه فيصيبون من الرّزق و الكرامة ما أصبنا،فهو قوله: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ.

و أمّا الثّاني:فهو أن يقال:إنّ الشّهداء إذا دخلوا الجنّة بعد قيام القيامة يرزقون فرحين بما آتاهم اللّه من فضله.و المراد بقوله: لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ هم إخوانهم من المؤمنين الّذين ليس لهم مثل درجة الشّهداء،لأنّ الشّهداء يدخلون الجنّة قبلهم،دليله قوله تعالى: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً النّساء:95، 96،فيفرحون بما يرون من مأوى المؤمنين و النّعيم المعدّ لهم،و بما يرجونه من الاجتماع بهم،و تقرّ بذلك أعينهم، هذا اختيار أبي مسلم الأصفهانيّ و الزّجّاج.

و اعلم أنّ التّأويل الأوّل أقوى من الثّاني؛و ذلك لأنّ حاصل الثّاني يرجع إلى استبشار بعض المؤمنين ببعض بسبب اجتماعهم في الجنّة،و هذا أمر عامّ في حقّ كلّ المؤمنين،فلا معنى لتخصيص الشّهداء بذلك.

و أيضا فهم كما يستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم،فكذلك يستبشرون بمن تقدّمهم في الدّخول، لأنّ منازل الأنبياء و الصّدّيقين فوق منازل الشّهداء، قال تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ النّساء:69، و على هذا التّقدير لا يبقى فائدة في التّخصيص.

أمّا إذا فسّرنا الآية بالوجه الأوّل،ففي تخصيص المجاهدين بهذه الخاصّيّة أعظم الفوائد،فكان ذلك أولى،و اللّه أعلم.[إلى أن قال:]

ص: 611

إنّه تعالى بيّن أنّهم كما يستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم على ما ذكر،فهم يستبشرون لأنفسهم بما رزقوا من النّعيم،و إنّما أعاد لفظ(يستبشرون)لأنّ الاستبشار الأوّل كان بأحوال الّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، و الاستبشار الثّاني كان بأحوال أنفسهم خاصّة.

فإن قيل:أ ليس أنّه ذكر فرحهم بأحوال أنفسهم و الفرح عين الاستبشار؟

قلنا:الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّ الاستبشار هو الفرح التّامّ،فلا يلزم التّكرار.

و الثّاني:لعلّ المراد حصول الفرح بما حصل في الحال،و حصول الاستبشار بما عرفوا أنّ النّعمة العظيمة تحصل لهم في الآخرة.[إلى أن قال:]

الآية تدلّ على أنّ استبشارهم بسعادة إخوانهم أتمّ من استبشارهم بسعادة أنفسهم،لأنّ الاستبشار الأوّل في الذّكر هو بأحوال الإخوان،و هذا تنبيه من اللّه تعالى على أنّ فرح الإنسان بصلاح أحوال إخوانه و متعلّقيه، يجب أن يكون أتمّ و أكمل من فرحه بصلاح أحوال نفسه.(9:95)

أبو حيّان: هم جميع المؤمنين،أي يحصل لهم البشرى بانتفاء الخوف و الحزن عن إخوانهم المؤمنين، الّذين لم يلحقوا بهم في الشّهادة،فهم فرحون بما حصل لهم،مستبشرون بما يحصل لإخوانهم المؤمنين،قاله الزّجّاج و ابن فورك و غيرهما.

و قال قتادة: و ابن جريج و الرّبيع و غيرهم:هم الشّهداء الّذين يأتونهم بعد من إخوانهم المؤمنين الّذين تركوهم يجاهدون فيستشهدون،فرحوا لأنفسهم و لمن يلحق بهم من الشّهداء؛إذ يصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة اللّه تعالى.

قال ابن عطيّة: و ليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة،بل هي بمعنى استغنى اللّه و استمجد المرخ و العفار،انتهى كلامه.

أمّا قوله:ليست بمعنى طلب البشارة،فصحيح،و أمّا قوله:بل هي بمعنى استغنى اللّه و استمجد المرخ و العفار، فيعني أنّها تكون بمعنى الفعل المجرّد،كاستغنى بمعنى غنى و استمجد بمعنى مجد.و نقل أنّه يقال:بشر الرّجل، بكسر الشّين،فيكون استبشر بمعناه.

و لا يتعيّن هذا المعنى بل يجوز أن يكون مطاوعا لأفعل،و هو الأظهر،أي أبشره اللّه فاستبشر،كقولهم:

أكانه فاستكان،و أشلاه فاستشلى،و أراحه فاستراح، و أحكمه فاستحكم،و أكنّه فاستكنّ،و أمرّه فاستمرّ، و هو كثير.

و إنّما كان هذا الأظهر هنا،لأنّه من حيث المطاوعة يكون منفعلا عن غيره،فحصلت له البشرى بإبشار اللّه له بذلك،و لا يلزم هذا المعنى إذا كان بمعنى المجرّد،لأنّه لا يدلّ على المطاوعة.(3:114)

كرّر الفعل على سبيل التّوكيد إن كانت النّعمة و الفضل بيانا لمتعلّق الاستبشار الأوّل،قاله الزّمخشريّ.

[و بعد نقل قول الزّمخشريّ قال:]

و هو على طريقة الاعتزال في ذكره وجوب الأجر و تحصيله على إيمانهم.و سلك ابن عطيّة طريقة أهل السّنّة فقال:أكّد استبشارهم بقوله:(يستبشرون)ثمّ

ص: 612

بيّن بقوله:و فضل إدخالهم الجنّة الّذي هو فضل منه لا بعمل أحد،و أمّا النّعمة في الجنّة و الدّرجات فقد أخبر أنّها على قدر الأعمال،انتهى.

و قال غيرهما: هو بدل من الأوّل،فلذلك لم يدخل عليه واو العطف.و من ذهب إلى أنّ الجملة حال من الضّمير في(يحزنون)و(يحزنون)هو العامل فيها،فبعيد عن الصّواب،لأنّ الظّاهر اختلاف المنفيّ عنه الحزن و المستبشر،و لأنّ الحال قيد،و الحزن ليس بمقيّد.

و الظّاهر أنّ قوله:(يستبشرون)ليس بتأكيد للأوّل بل هو استئناف متعلّق بهم أنفسهم،لا بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ فقد اختلف متعلّق الفعلين فلا تأكيد،لأنّ هذا المستبشر به هو لهم،و هو نعمة اللّه عليهم و فضله، و في التّنكير دلالة على بعض غير معيّن،و إشارة إلى إبهام المراد تعظيما لأمره و تنبيها على صعوبة إدراكه، كما جاء فيها:ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.(3:116)

أبو السّعود: كرّر لبيان أنّ الاستبشار المذكور ليس بمجرّد عدم الخوف و الحزن،بل به و بما يقارنه من نعمة عظيمة لا يقادر قدرها،و هي ثواب أعمالهم.و قد جوّز أن يكون الأوّل متعلّقا بحال إخوانهم،و هذا بحال أنفسهم بيانا لبعض ما أجمل في قوله تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ. (2:64)

البروسويّ: معطوف على قوله:(فرحين)عطف الفعل على الاسم،لكون الفعل في تأويل الاسم،كأنّه قيل:فرحين و مستبشرين.و بناء استفعل ليس للطّلب بل هو بمعنى المجرّد،نحو استغنى اللّه،أي غني.و قد سمع:

بشر الرّجل بكسر العين،فيكون استبشر بمعناه.

و قيل:هو مطاوع أبشر،نحو أراحه فاستراح،فإنّ البشرى حصلت لهم بإبشار اللّه تعالى،و إليه أشار الزّمخشريّ في«الكشّاف»بقوله:بشّرهم اللّه بذلك فهم مستبشرون به،و البيضاويّ بقوله:يسرّون بالبشارة.

(2:124)

الآلوسيّ: يَسْتَبْشِرُونَ مكرّر للتّأكيد و ليتعلّق به قوله تعالى: بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ فحينئذ يكون بيانا و تفسيرا لقوله سبحانه: أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

قيل:الاستبشار الأوّل بدفع المضارّ و لذا قدّم، و الثّاني بوجود المسارّ،أو الأوّل لإخوانهم،و الثّاني لهم أنفسهم.و من النّاس من أعرب(يستبشرون)بدلا من الأوّل،و لذا لم تدخل واو العطف عليه.(4:124)

محمّد عبده: ذكر في الآية السّابقة استبشارهم بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم،و أنّهم فرحون بما آتاهم اللّه من فضله،ثمّ ذكر هنا أنّهم يستبشرون بنعمة من اللّه و فضل.

فالّذي آتاهم من فضله مجمل تفصيله ما بعده،و هو قسمان:فضل عليهم في إخوانهم الّذين وراءهم،و فضل عليهم في أنفسهم،و هو نعمة اللّه عليهم و فضله الخاصّ بهم في دار الكرامة.و قد أبهمه فلم يعيّنه،للدّلالة على عظمه و على كونه غيبا لا يكتنه كنهه في هذه الدّار.

ثمّ اختتم الكلام بفضله على إخوانهم كما افتتحه به، و ترك العطف لتنزيل الاستبشار الثّاني منزلة الاستبشار الأوّل،حتّى كأنّه هو.(رشيد رضا 4:237)

ص: 613

الطّباطبائيّ: و البشارة و البشرى ما يسرّك من الخبر،و الاستبشار:طلب السّرور بالبشرى،و المعنى أنّهم فرحون بما وجدوه من الفضل الإلهيّ الحاضر المشهود عندهم،و يطلبون السّرور بما يأتيهم من البشرى،بحسن حال من لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

و من ذلك يظهر أوّلا:أنّ هؤلاء المقتولين في سبيل اللّه يأتيهم و يتّصل بهم أخبار خيار المؤمنين الباقين بعدهم في الدّنيا.

و ثانيا:أنّ هذه البشرى هي ثواب أعمال المؤمنين، و هو أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، و ليس ذلك إلاّ بمشاهدتهم هذا الثّواب في دارهم الّتي هم فيها مقيمون،فإنّما شأنهم المشاهدة دون الاستدلال،ففي الآية دلالة على بقاء الإنسان بعد الموت ما بينه و بين يوم القيامة.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ الآية،هذا الاستبشار أعمّ من الاستبشار بحال غيرهم و بحال أنفسهم،و الدّليل عليه قوله: وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ فإنّه بإطلاقه شامل للجميع.و لعلّ هذه هي النّكتة في تكرار الاستبشار،و كذا تكرار الفضل،فتدبّر في الآية.(4:60)

عبد الكريم الخطيب: بيان لكمال هذا النّعيم الّذين ينعم به هؤلاء الشّهداء،و أنّهم ليسوا مجرّد أحياء حياة باهتة،بل هم في حياة قويّة كاملة؛بحيث تشمل عالمهم العلويّ الّذي نقلوا إليه،و عالمهم الأرضيّ الّذي انتقلوا منه.

فهم في هذا العالم العلويّ؛إذ ينظرون إلى أنفسهم، فيجدون أنّهم في فضل من اللّه و نعمة،و أنّهم إنّما نالوا هذا الفضل و تلك النّعمة بجهادهم في سبيل اللّه.

و باستشهادهم في هذا السّبيل يعودون فينظرون إلى إخوانهم المؤمنين الّذين لم يلحقوا بهم بعد،و أنّهم على طريق الجهاد و الاستشهاد،فيستبشرون لذلك، و تتضاعف فرحتهم؛إذ سيلقى إخوانهم هذا الجزاء الّذي جوّزوا هم به،و ينعمون بهذا النّعيم الّذي هم فيه،و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فكما وفّى اللّه هؤلاء الّذين استشهدوا في سبيل اللّه، سيوفّي الّذين لم يستشهدوا بعد أجرهم،فاللّه سبحانه و تعالى لا يضيع أجر المؤمنين،و لا يبخس ثواب المجاهدين.(2:642)

بشر

1- قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ...

آل عمران:47

الطّوسيّ: إن قيل:كيف سألت مريم عن خلق الولد من غير مسيس،مع أنّها لا تنكر ذلك في مقدور اللّه تعالى؟

قلنا:فيه وجهان:

أحدهما:أنّها استفهمت أ يكون ذلك،و هي على حالتها من غير بشر أم على مجرى العادة من بشر،كما يقول القائل:كيف تبعث بفلان في هذا السّفر،و ليس معه ما يركبه،معنا لأنّه قويّ أم هناك مركوب؟

ص: 614

الثّاني:أنّ في البشرة التّعجّب ممّا خرج عن المعتاد، فتعجّبت من عظم قدرة اللّه،كما يقول القائل عند الآية يراها:ما أعظم اللّه!و كما يقول القائل لغيره:كيف تهب ضيعتك،و هي أجلّ شيء لك؟!و ليس يشكّ في هبته، و إنّما يتعجّب من جوده.(2:464)

الميبديّ: البشر هو النّاس سمّي بشرا،لأنّه من المباشرة،لأن يصل به بالحسّ و الرّؤية،لا كالملك و الجنّ،و لذلك يقول اللّه: ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف:31.(2:121)

أبو حيّان: هذا نفي عامّ أن يكون باشرها أحد بأيّ نوع كان من تزوّج أو غيره،و البشر يطلق على الواحد و الجمع،و المراد هنا النّفيّ العامّ.و سمّي بشرا لظهور بشرته و هو جلده.(2:462)

الآلوسيّ: و البشر يطلق على الواحد و الجمع، و التّنكير للعموم،و المراد عموم النّفي لا نفي العموم.و سمّي بشرا لظهور بشرته،أو لأنّ اللّه تعالى باشر أباه،و خلقه بيديه.(3:164)

المصطفويّ: البشر باعتبار معنى الطّلاقة و الانبساط قد ذكر في الموارد المناسبة له:

أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آل عمران:

47، أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ مريم:20، وَ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً يوسف:31، فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا مريم:17، وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً الفرقان:54.

و بهذا الاعتبار أيضا يستعمل في مقابل سائر الموجودات الحيّة و الملائكة: إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا إبراهيم:10، لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ الحجر:

33، ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ المؤمنون:33، إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ المدّثّر:25، قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً الحجر:28، فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا مريم:17.

و قد يذكر في مقام عظمة خلقته،من جهة مادّته التّرابيّة و المائيّة،و بالنّسبة إليها:

إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ص:71، خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الفرقان:54، إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ الحجر:28، أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ الرّوم:20.

فهذا بشر حسن الهيئة و طلق الوجه و منبسط الصّورة،و قد خلق من التّراب.

و قد يذكر في مقام نسبته إلى المراتب الرّوحانيّة المعنويّة:

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ آل عمران:79، وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً الشّورى:51، وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ المؤمنون:34.

فطلاقة الوجه و حسن الصّورة و انبساطها لا تقتضي تحقّق النّبوّة و الرّوحانيّة،و لا تلازم بينهما،فالبشر أمر مادّيّ،و النّبوّة أمر معنويّ.(1:260)

2- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ... آل عمران:79

ابن عبّاس: الإشارة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

ص: 615

مثله الرّبيع و ابن جريج.(أبو حيّان 2:504)

و عطاء.(الميبديّ 2:177)

الضّحّاك: البشر هنا:عيسى.

مثله السّدّيّ(القرطبيّ 4:121)

و مقاتل(الميبديّ 2:177)

الطّبريّ: و البشر:جمع بني آدم،لا واحد له من لفظه،مثل القوم و الخلق،و قد يكون اسما لواحد.

(3:324)

الطّوسيّ: و قوله:(لبشر)فإنّه يقع على القليل و الكثير،و هو بمنزلة المصدر،مثل الخلق و غيره،تقول:

هذا بشر و هؤلاء بشر،هذا خلق و هؤلاء خلق.و إنّما وقع المصدر على القليل و الكثير،لأنّه جنس الفعل،كما وجب في أسماء الأجناس كالماء و التّراب و نحوه.

(2:510)

القرطبيّ: و البشر يقع للواحد و الجمع،لأنّه بمنزلة المصدر،و المراد به هنا عيسى،في قول الضّحّاك و السّدّيّ.(4:121)

أبو حيّان: و اختلف المفسّرون إلى من هي الإشارة بقوله: ما كانَ لِبَشَرٍ، فقال ابن عبّاس و الرّبيع و ابن جريج و جماعة:الإشارة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذكروا سبب النّزول المذكور.

و قال النّقّاش و غيره: الإشارة إلى عيسى،و الآية رادّة على النّصارى الّذين قالوا:عيسى إله،و ادّعوا أنّ عبادته هي شرعة مستندة إلى أوامره.(2:504)

أبو السّعود: بيان لافترائهم على الأنبياء عليهم السّلام؛ حيث قال نصارى نجران:إنّ عيسى عليه السّلام أمرنا أن نتّخذه ربّا،حاشاه عليه السّلام،و إبطال له إثر بيان افترائهم على اللّه سبحانه،و إبطاله،أي ما صحّ و ما استقام لأحد.و إنّما قيل:(لبشر)،إشعارا بعلّة الحكم،فإنّ البشريّة منافية للأمر الّذي أسنده الكفرة إليهم.(1:384)

الطّباطبائيّ: البشر:مرادف للإنسان،و يطلق على الواحد و الكثير،فالإنسان الواحد بشر،كما أنّ الجماعة منه بشر.

و قوله: ما كانَ لِبَشَرٍ اللاّم للملك،أي لا يملك ذلك،أي ليس له بحقّ،كقوله تعالى: ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا النّور:16،و قوله: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ آل عمران:161.(3:274)

عبد الكريم الخطيب: في ذكر(بشر)بدل«نبيّ» ما يشير إلى أنّ النّبيّ بشر من البشر،و أنّه إذا جاز على البشر الكذب و الافتراء على اللّه و على النّاس،فإنّ النّبيّ -و هو بشر-لا يكون منه أبدا الكذب و الافتراء على اللّه،أو على النّاس.(2:506)

3- وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. الحجر:28

الطّوسيّ: و المراد بالبشر آدم،و سمّي بشرا لأنّه ظاهر الجلد،لا يرى فيه شعر،و لا صوف،كسائر الحيوان.(6:332)

نحوه الطّبرسيّ.(3:335)

الفخر الرّازيّ: ما تفسير كونه بشرا؟فالمراد منه كونه جسما كثيفا يباشر و يلاقي،و الملائكة و الجنّ لا يباشرون للطف أجسامهم عن أجسام البشر،

ص: 616

و البشرة:ظاهر الجلد من كلّ حيوان.(19:181)

أبو السّعود: أي إنسانا،قيل:ليس هذا عين العبارة الجارية وقت الخطاب،بل الظّاهر أن يكون قد قيل لهم:إنّي خالق خلقا من صفته كيت و كيت،و لكن اقتصر عند الحكاية على الاسم.

و قيل:جسما كثيفا يلاقي و يباشر.

و قيل:خلقا بادي البشر بلا صوف و لا شعر.

(4:17)

الآلوسيّ: أي إنسانا،و عبّر به عنه اعتبارا بظهور بشرته،و هي ظاهر الجلد عكس الأدمة-خلافا لأبي زيد حيث عكس،و غلّطه في ذلك أبو العبّاس-و غيره من الصّوف و الوبر و نحوهما.

و لبعض أكابر الصّوفيّة وجه آخر في التّسمية، سنذكره إن شاء اللّه تعالى في باب الإشارة،و يستوي فيه الواحد و الجمع.(14:36)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: [البشر]قد ورد في القرآن على ثلاثة عشر وجها:

الأوّل:بمعنى أبينا آدم الصّفيّ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ص:71، إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الحجر:28.

الثّاني:بمعنى شيخ المرسلين نوح ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ المؤمنون:24.

الثّالث:بمعنى صالح النّبيّ أَ بَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ القمر:24.

الرّابع:بمعنى يوسف الصّدّيق ما هذا بَشَراً يوسف:31.

الخامس:بمعنى موسى و هارون فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا المؤمنون:47.

السّادس:بمعنى جبريل فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا مريم:17،أي ملكا،و نبّه أنّه تشبّح لها بصورة بشر.

السّابع:بمعنى ابن ماثان لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ مريم:

20.

الثّامن:بمعنى شخص من الإسرائيليّين فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً مريم:26،أي من بني إسرائيل.

التّاسع:بمعنى الغلامين العجميّين اللّذين قال كفّار مكّة:إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم يتعلّم القرآن و أخبار الماضين منهما يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ النّحل:103،إنّما يعنون جبرا و يسارا.

العاشر:بمعنى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فصّلت:6،و فيه تنبيه أنّ النّاس يتساوون في البشريّة،و إنّما يتفاضلون بما يختصّون به من المعارف الجليلة،و الأعمال الجميلة،و لذلك قال بعده: يُوحى إِلَيَّ تنبيها أنّي بذلك تميّزت عنكم.

الحادي عشر:بمعنى جملة المرسلين فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا التّغابن:6.

الثّاني عشر:بمعنى جمع البشرة لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ المدّثّر:29.

الثّالث عشر:بمعنى جملة الآدميّين ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ الرّوم:20،و لها نظائر.

و قد ورد:البشير،و البشرى،و التّبشير،و المبشّر،

ص: 617

في القرآن على أوجه:

فالبشير في ثلاثة مواضع:

الأوّل:في حقّ القرآن المجيد بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فصّلت:4.

الثّاني:في يهوذا فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ يوسف:

96.

الثّالث:بمعنى سيّد المرسلين وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً سبأ:28.

و بشرى في ثلاثة:

الأوّل:بشرى في مالك بن دعر لغلامه بأحسن الحسان: يا بُشْرى هذا غُلامٌ يوسف:19.

الثّاني:بشارة المطيعين بخلود الجنان بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ الحديد:12.

الثّالث:منع الملائكة البشرى عن المجرمين و الكفّار لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ الفرقان:22.

و التّبشير في أربعة مواضع:

الأوّل:في حال ولادة البنات وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا النّحل:58.

الثّاني:لإبراهيم الخليل بإسحاق وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ الصّافّات:112،و بأولاد آخرين فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101،يعني إسماعيل وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ الذّاريات:28، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ الحجر:55.

الثّالث:لزكريّا بيحيى أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً آل عمران:

39.

الرّابع:لمريم بعيسى إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ آل عمران:45.

و المبشّر في ثلاثة مواضع:

الأوّل:عامّة الرّسل رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ النّساء:165.

الثّاني:تبشير عيسى بمقدم سيّد المرسلين وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ الصّفّ:

6.

الثّالث:تبشير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم للعاصين برحمة أرحم الرّاحمين إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً الأحزاب:45.(بصائر ذوي التّمييز 2:203)

و البشارة وردت في القرآن على اثني عشر وجها، لاثني عشر قوما،باثنتي عشرة كرامة.

الأوّل:بشارة أرباب الإنابة بالهداية وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى إلى قوله: هَداهُمُ اللّهُ الزّمر:18.

الثّاني:بشارة المخبتين و المخلصين بالحفظ و الرّعاية وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحجّ:34.

الثّالث:بشارة المستقيمين بثبات الولاية إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا إلى قوله:

وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ فصّلت:30.

الرّابع:بشارة المتّقين بالفوز و الحماية اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى يونس:63،64.

الخامس:بشارة الخائفين بالمغفرة و الوقاية إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ إلى قوله: فَبَشِّرْهُ يس:11.

السّادس:بشارة المجاهدين بالرّضا و العناية اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا إلى قوله:

ص: 618

يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ التّوبة:20، 21.

السّابع:بشارة العاصين بالرّحمة و الكفاية نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إلى قوله: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ الحجر:49-56.

الثّامن:بشارة المطيعين بالجنّة و السّعادة وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ البقرة:25.

التّاسع:بشارة المؤمنين بالعطاء و الشّفاعة وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ يونس:2.

العاشر:بشارة المنكرين بالعذاب و العقوبة بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً النّساء:138، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21.و هذه استعارة،و لكن تنبيه أنّ أسرّ (1)ما يسمعونه الخبر (2)بما ينالهم من العذاب.[ثمّ استشهد بشعر]

الحادي عشر:بشارة الصّابرين بالصّلوات و الرّحمة وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ إلى قوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ البقرة:155-157.

الثّاني عشر:بشارة العارفين باللّقاء و الرّؤية وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً الأحزاب:47.(بصائر ذوي التّمييز 2:200)

الأصول اللّغويّة

1-يبدو أنّ الأصل فيه:أعلى الوجه و الجلد،و هو أوّل ما يظهر من الإنسان.و بهذا الاعتبار أطلق على جنس البشر لظهور جلده،بخلاف الحيوانات المستور جلدها بالشّعر أو الصّوف أو الوبر.و استوى فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث،و قد يطلق على الفرد فيثنّى، كقوله تعالى: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ المؤمنون:47.

و الأصل في المباشرة و ما اشتقّ منها:ملاصقة الجلد للجلد،ثمّ توسّع فيها،فأطلقت على مباشرة الأمور،أي التّصدّي لها.كما أطلقت على وجه الأرض و نباتها،في قولهم:ما أحسن بشرة الأرض!و بشر الجراد الأرض، أي أكل ما عليها حتّى ظهرت بشرتها،و بشّرت النّاقة، أي بدا أوّل نتاجها،تشبيها لها بالجلد.و تباشير كلّ شيء:أوائله،كتباشير الصّبح،و تباشير النّخل و نحوهما.

2-ثمّ انتقل هذا المعنى إلى ما يظهر على الوجه من السّرور إثر خبر سارّ،و اشتقّ منه الفعل«بشّر»، و المبشّرات،أي الرّياح الّتي تبشّر بالغيث،و الرّؤية الصّالحة الّتي تبشّر الإنسان بالخير،و منه:البشارة:

ما يعطاه المبشّر.

ثمّ انتقل إلى الجمال الّذي يظهر في الوجه،فيقال:

امرأة بشرة،أي جميلة.و البشر:طلاقة الوجه،و لعلّ منه النّاقة البشيرة،و هي الّتي بين الكريمة و الخسيسة، لجمالها و اعتدال قامتها،أو هي على أصلها،لظهور جلدها.

و البشرى:إمّا مصدر كالرّجعى،بمعنى البشر لازما أو متعدّيا،أو هو اسم لما بشّر به من خير،كالبهمى:

اسم نبت.و البشارة بفتح الباء:مصدر،و بكسرها:اسم لما يستعمل في الخير و الشّرّ،و استعماله في الشّرّ مجاز.

3-و قد سبق في«الإنسان»ذكر الفرق بينه و بين

ص: 619


1- جاء في الهامش أ،ب«أبشر»و ما أثبت عن الرّاغب.
2- أ،ب«من الخبر ممّا»و ما أثبت عن الرّاغب.

«البشر»،و أنّ الأوّل يطلق عليه باعتبار الرّوح،و الثّاني باعتبار الجسم،فلاحظ.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت هذه المادّة في القرآن بثلاثة محاور:البشر، و هو أقربها من المعنى الأصليّ،و أوسطها عددا؛ و البشرى و التّبشير،بصيغ و أوزان مختلفة،و هي أبعدها من المعنى الأصليّ،و أكثرها عددا؛ثمّ المباشرة،من «المفاعلة»،فقط،و هي بين الأوّل و الثّاني بالنّسبة إلى المعنى الأصليّ،أو أقربها منه و أقلّها عددا،و إليك التّفصيل:

المحور الأوّل:البشر:جاء(36)مرّة مفردا، و مرّة واحدة مثنّى،في أساليب شتّى:

الأوّل:أسلوب إنكار الأنبياء من قبل الأمم بحجّة أنّهم بشر،و جواب الأنبياء للمنكرين،و هو أكثرها:

1- وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً الأنعام:91

2- قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ* قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

إبراهيم:10،11

3- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ الكهف:110

4- لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ* قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ* ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ* وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ الأنبياء:3-7

5- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ* فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ* إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ المؤمنون:23-25

6- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ* فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ* وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ* وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ* أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ* هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ* إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ* إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً وَ ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ المؤمنون:31-38

7- قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* ما أَنْتَ إِلاّ

ص: 620

بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

الشّعراء:153-155

8- قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* وَ ما أَنْتَ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ* فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ* قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ الشّعراء:185-188

9- قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَكْذِبُونَ* قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ* وَ ما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يس:15-17

10- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ اسْتَغْفِرُوهُ وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ

فصّلت:6

11- ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَ تَوَلَّوْا وَ اسْتَغْنَى اللّهُ وَ اللّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ التّغابن:6

12- فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ... إلى قوله: نَذِيراً لِلْبَشَرِ

المدّثّر:24-36

13- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ* فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ* قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ هود:25-28

14- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقالُوا أَ بَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ* أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌ* سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ* إِنّا مُرْسِلُوا النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَ اصْطَبِرْ

القمر:23-27

15- وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً* وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً

الإسراء:90-94

16- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ* فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ* فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ

المؤمنون:45-48

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات كلّها مكّيّة،لأنّ مكّة كانت دار المنكرين للنّبوءات عامّة و للنّبيّ خاصّة،بحجّة أنّهم بشر،فساق اللّه تعالى قصص الأنبياء و أممهم من لدن نوح عليه السّلام إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و أنّهم جميعا أنكروا الأنبياء محتجّين عليهم بأنّهم بشر مثلهم.

و أمّا المدينة فكانت مأوى أهل الكتاب و لا سيّما

ص: 621

اليهود،و كان المشركون فيها و ما حولها لا ينكرون النّبوءات جملة و تفصيلا،و إن كفروا بالنّبيّ،كيف و أصحاب النّبوءات يعيشون بين ظهرانيهم؟و قد احتجّ القرآن على المنكرين للنّبوءات بأهل الكتاب في الآية (1): قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى، و في (4): وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، و أهل الذّكر هنا -حسب السّياق-هم أهل الكتاب،لاحظ(أهل الذّكر) في«أ ه ل».

ثانيا:أنّ القرآن جعلها حجّة متداولة لكلّ الأقوام السّالفة المنكرة للأنبياء،بدء بقوم نوح و من بعده عاد و ثمود و غيرهما.و انتهاء إلى قوم نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله في(2) و(5)و(6)و(11)و(13)،مع التّأكيد و التّشديد على ثمود قوم صالح ثلاث مرّات:(2)و(7)و(14)،لأنّ عنادهم كان أعظم.و خصّ كلاّ من أصحاب الأيكة و قوم شعيب في(8)و أصحاب القرية في(9)و قوم فرعون في(16)بذكرهم مرّة واحدة.

ثمّ أسهب في قصّة النّبيّ محمّد و المشركين،فذكرها (7)مرّات:(1)و(3)و(4)و(10)و(11)و(13)و (15)،تأكيدا أنّ عنادهم أكثر و أعتى،رغم أنّ كلّ القصص السّابقة كانت مقدّمة و تمهيدا لقصّتهم و سلوكهم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فطبيعيّ أن تكون قصّتهم أوفى حظّا بالذّكر من قصص هؤلاء الأمم.

ثالثا:جاء في قصص المنكرين ذكر«الملأ»منهم أربع مرّات:(5)و(6)و(13)لقوم نوح و من تلاهم،و(16) خاصّة لقوم فرعون.و الملأ من الأقوام هم أرباب القدرة و الثّروة و السّلطان،و سائر النّاس تبع لهم.فهم عماد و دعامة لإنكار الأنبياء و النّاصبين لهم العداء و الطّغيان، و هذا يعزى إلى استكبارهم،كما صرّحت به بعض الآيات،لاحظ«م ل أ».

رابعا:جاء في هذه الآيات أقوال و صفات للمنكرين تدعوهم إلى الإنكار،و بإزائها أجوبة الأنبياء،فما صدر عن المنكرين:

1-الاستكبار و التّولّي و الغلوّ:(11)و(16).

2-تحقير الأنبياء و المؤمنين:(13)و(16).

3-وصم الأنبياء بالافتراء و الكذب على اللّه:(6)و (8)و(9)و(13)و(14)و(16).

4-اتّهام الأنبياء بقصد التّفضّل على النّاس:(5).

5-و قصدهم صدّ النّاس عمّا كان يعبد آباؤهم:

(2).

6-و أنّهم يأكلون و يشربون ممّا يأكله و يشربه النّاس:(6).

7-تخسير من يطيع بشرا سويّا:(6).

8-إخفاء ما أنزل اللّه:(1).

9-عدم قدر اللّه حقّ قدره:(1).

10-إنكار سماع الرّسالات في أسلافهم:(5).

11-إنكار الآخرة:(6).

12-الاستعجال بالعذاب:(8).

13-طلب إنزال كتاب عليهم يقرءونه:(15).

14-قولهم:لو شاء اللّه لأنزل ملائكة:(5).

15-رمي الأنبياء بالجنون:(5).

16-و رميهم بالسّحر أو بتسحير عقولهم:(4)و

ص: 622

(7)و(8)و(12).

17-طلب الآيات و المعجزات:(2)و(7)و(15).

و ما صدر عن الأنبياء:

1-الاستشهاد بما أنزل على الأنبياء السّابقين:(1) و(5).

2-الاستدلال بإرسال رجال أوحي إليهم سالفا:

(4).

3-الاعتراف بأنّهم بشر أوحي إليهم:(2)و(3) و(10)و(15).

4-الرّسالة منّة من اللّه على الأنبياء:(2).

5-الأنبياء على بيّنة من ربّهم:(13).

6-إرسال الأنبياء إلى النّاس بعلم اللّه:(9).

7-علم اللّه بما يعمل النّاس:(8).

8-يجب على الأنبياء البلاغ المبين:(9).

9-استغناء اللّه عن النّاس و هو غنيّ حميد:(11).

10-التّسويف بالعلم يوم القيامة من الكذّاب الأشر:(14).

11-إهلاك من كذّب الأنبياء:(16).

12-إخبار النّاس بأنّ الآيات عند اللّه:(2).

13-قيام الأنبياء فعلا بإتيان المعجزات:(7)و (14).

الثّاني:اتّهام النّبيّ بأنّه إنّما يعلّمه بشر،و جوابه عن ذلك:

وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103

الثّالث:بيان أقسام الوحي إلى البشر:

وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ الشّورى:51

و هذه الآية تستدعي بحثا وافيا،و سيأتي في «و ح ي»إن شاء اللّه.

الرّابع:ليس للنّبيّ أن يدعو النّاس إلى عبادته بل إلى عبادة اللّه تعالى:

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ آل عمران:79

الخامس:إنكار كون اليهود و النّصارى أبناء اللّه و أحبّاءه:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ المائدة:18

السّادس:ما جعل اللّه لبشر الخلد:

وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ الأنبياء:34

السّابع:القرآن ذكرى و نذير للبشر:

1- وَ ما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ المدّثّر:31

2- إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيراً لِلْبَشَرِ

المدّثّر:35،36

الثّامن:وصف جهنّم:

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي

ص: 623

وَ لا تَذَرُ* لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ

المدّثّر:26-30

التّاسع:الإنسان بشر،خلقه من تراب أو من طين أو من ماء أو من صلصال،و سجود الملائكة له إلاّ إبليس:

1- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ الرّوم:20

2- وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ* قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

الحجر:28-33

3- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ... ص:71-76

4- وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً الفرقان:54

يلاحظ:أنّ حجّة إبليس في إبائه السّجود لآدم تشاطر حجّة المنكرين للأنبياء،فإنّهم جميعا استكبروا في أنفسهم،و استحقروا الأنبياء بأنّهم بشر مثلهم،و زاد إبليس أنّ آدم بشر خلق من تراب،و هو خلق من نار.

العاشر:ولادة عيسى من مريم و لم يمسسها بشر، و قولها لمن رأته من البشر:إنّي نذرت صوما:

1- قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ آل عمران:47

2- فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا* قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا* قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا* قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا* قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَ رَحْمَةً مِنّا وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا مريم:17-21

3- فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً مريم:26

الحادي عشر:إعجاب نساء مصر بحسن يوسف:

وَ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف:31

يلاحظ أوّلا:أنّ«البشر»جاء نكرة في جميع الآيات سوى خمس،منها أربع في سورة المدّثّر،و واحدة في سورة مريم.أمّا مجيئها نكرة في آيات إنكار الأنبياء من قبل الأمم فإنّها للتّحقير؛حيث إنّهم قالوا للأنبياء تحقيرا لهم:أنتم بشر،فكيف تدّعون النّبوّة؟و في غير ذلك إمّا للتّحقير أيضا،أو للتّعميم مثل: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، أو للتّعجيب مثل: ما هذا بَشَراً.

و أمّا تعريفها في آيات المدّثّر فهو لتعريف العهد، مثل: إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ يراد به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله محمّد، أو للجنس كما في الثّلاث الأخر.هذا و أنّ للرّويّ دخلا في ذلك؛حيث إنّ الآيات(18)إلى(38)من هذه السّورة رويّها الرّاء بلا تنوين،فلو كان«البشر»نكرة لما تناسق مع باقي الآيات،و قد تكلّمنا حول ذلك،لاحظ «أ ن س».

ص: 624

ثانيا:أنّ الآيات كلّها مكّيّة إلاّ ثلاثا منها،و قد سبق توجيه ذلك في آيات إنكار الأنبياء بحجّة أنّهم بشر، و مثله يقال في آيات خلق الإنسان و غيرها.أمّا الثّلاث المدنيّات فهي آيتان من آل عمران و آية من المائدة:

1- أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ

آل عمران:47

2- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ

آل عمران:79

3- بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ المائدة:18

فالأخيرتان ترتبطان بالحوار مع النّصارى و اليهود الّذين كانوا في المدينة و ما حولها،و الأولى جاءت في قصّة مريم الّتي تكرّرت في المكّيّ و المدنيّ.

ثالثا:قد مضى البحث مستوفى في الفرق بين «إنسان»و«بشر»في«أ ن س»فلاحظ.

المحور الثّاني:البشارة:جاءت من باب «التّفعيل»ماضيا معلوما(6)مرّات،و مجهولا(3) مرّات،و مضارعا(10)مرّات،و أمرا(19)مرّة،و اسم فاعل مفردا(5)مرّات،و جمعا(5)مرّات.و جاء من باب«الإفعال»أمرا مرّة واحدة،و من باب«الاستفعال» مضارعا(6)مرّات،و أمرا مرّة واحدة،و اسم فاعل مرّة واحدة،و من«المجرّد»مصدرا أو اسم مصدر(17)مرّة، و صيغة فعيل(9)مرّات،فالمجموع(64)مرّة على النّحو التّالي:

البشارة:و قد تعلّقت بأمور:

أ-البشارة بالولد:

بشارة إبراهيم بإسحاق:

1- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ* وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ* وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ

الصّافّات:109-113

2- وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ* قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ* قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ* قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ

الحجر:51-56

3- وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ* فَلَمّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ* وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ* قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ* قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ* فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ* إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ

هود:69-75

4- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ* فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَ لا تَأْكُلُونَ* فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَ بَشَّرُوهُ

ص: 625

بِغُلامٍ عَلِيمٍ* فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ* قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الذّاريات:24-30

5- وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ

العنكبوت:31

بشارة إبراهيم بإسماعيل:

وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ* رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ* فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ* فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ* فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ* وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (1) الصّافّات:99-111

بشارة زكريّا بيحيى:

1- كهيعص* ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّا* إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا* قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا* يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا* قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا* قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً* قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا* فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا مريم:1-11

2- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ* فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ* قالَ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ* قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ آل عمران:38-41

بشارة مريم بعيسى:

إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَ يُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلاً وَ مِنَ الصّالِحِينَ* قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ* وَ رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَص.

ص: 626


1- لم يصرّح في هذه الآية بإسماعيل،إلاّ أنّها وقعت في سورة الصّافّات،قبل آية التّبشير بإسحاق المذكورة هنا في صدر الآيات،فدلّت على أنّ المراد بها البشارة بإسماعيل،لاحظ قول الطّباطبائيّ في النّصوص.

فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ* إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ آل عمران:45-51

ب-بشارة الوارد بغلام هو يوسف:

قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ يوسف:19

ج-بشارة البشير ليعقوب:

فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ

يوسف:96

د-بشارة عيسى بأحمد:

وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ الصّفّ:6

ه-البشارة بالأنثى:

1- وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ النّحل:58،59

2- وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ* أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ* وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ الزّخرف:17-19

و-تبشير الأنبياء الأمم:و هذا أكثرها ورودا في القرآن.

الأنبياء يبشّرون و ينذرون النّاس:

1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ البقرة:213

2- إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسى وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً* وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً* رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً النّساء:163-165

3- وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ الأنعام:48،49

4- وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً الكهف:56

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بشير و نذير:

ص: 627

1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً

البقرة:119

2- وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً

سبأ:28

3- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ فاطر:24

4- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المائدة:19

5- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللّهُ وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

الأعراف:188

6- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ هود:1،2

النّبيّ مبشّر و نذير:

1- وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً الإسراء:105

2- وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً

الفرقان:56

3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً

الأحزاب:45،46

4- إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ وَ تُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفتح:8،9

تبشير المؤمنين:

أ-الّذين يعملون الصّالحات:

1-اللّه: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ الشّورى:23

2-القرآن: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً* وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الإسراء:9،10

قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ البقرة:97

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً* ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً* وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً... الكهف:1-4

طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ* هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ* اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ النّمل:1-3

3-النّبيّ: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:25

ص: 628

ب-دون ذكر الّذين يعملون الصّالحات:

1- وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ البقرة:223

2- اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ التّوبة:112

3- أَ كانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ

يونس:2

4- وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يونس:87

5- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً* وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً

الأحزاب:45-47

6- وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الصّفّ:13

7- وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ الزّمر:17،18

8- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ يس:11

9- بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ* وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

آل عمران:125،126

10- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:9،10

11- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يونس:63،64

12- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الحديد:12

تبشير المتّقين:

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا مريم:97

تبشير الصّابرين:

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ

البقرة:155

تبشير المخبتين:

وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا

ص: 629

وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ* اَلَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الحجّ:34،35

تبشير المحسنين:

1- لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ الحجّ:37

2- وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ الأحقاف:12

تبشير المسلمين:

1- وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:89

2- قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:102

تبشر المهاجرين و المجاهدين:

اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ التّوبة:20-22

تبشير الكفّار و المنافقين بالعذاب تهكّما

و سخريّة:

1- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِ* خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

لقمان:7-9

2- يَسْمَعُ آياتِ اللّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الجاثية:8

3- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ آل عمران:21،22

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ

التّوبة:34،35

5- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ* وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ* فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ الانشقاق:22-25

6- وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:3

7- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً* اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً النّساء:138،139

لا بشرى للمجرمين:

يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً* وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ

ص: 630

عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً* أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً الفرقان:22-24

يلاحظ أوّلا:أنّ الوعيد بالعذاب بلفظ التّبشير أوقع في النّفوس و أبلغ في الإنذار من غيره،ففيه وعيد و سخريّة؛إذ كأنّ الكفّار و المنافقين يتوقّعون الأجر الحسن على أعمالهم،فجاءهم العذاب بدل الأجر،و هو خلاف ما توقّعوه.

ثانيا:أنّ«العذاب»جاء نكرة في جميع الآيات، موصوف بلفظ«أليم»،و فيه من التّأكيد و الإحكام ما لا يخفى.و أضيف إليه في آية التّوبة قوله: فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ، و هو تهكّم آخر،و مثله كثير في القرآن،لاحظ«ع ذ ب»و«ذ و ق».

ثالثا:أنّ اللّه جعل المنافقين شركاء الكفّار في التّبشير بالعذاب الأليم في(6).

الرّياح مبشّرات و بشرا:

1- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الرّوم:46

2- وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الأعراف:57

3- وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً* لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِيَّ كَثِيراً

الفرقان:48،49

4- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ تَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ النّمل:63

يلاحظ أوّلا:أنّ الرّياح الّتي تعقبها الأمطار هي مبشّرات رحمة اللّه،و رحمته هي المطر،و ليس جميع الرّياح كذلك،ففيها ريح صرصر عاتية،كما أنّ للرّياح فوائد أخرى،مثل جري الفلك و تلقيح الأشجار و النّبات و غيرهما،لاحظ«ر و ح».

ثانيا:عبّر عنها في(1)باسم الفاعل جمعا،و في سائر الآيات بالمصدر مفردا«بشرا»،و هذا آكد،مثل:

زيد عدل.

ثالثا:جاء قوله: بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ بعد(بشرا) دائما،و هو تأكيد آخر و بيان أوضح ل(بشرا)،و جاء مكانه قوله: وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ بعد(مبشّرات)، و شتّان ما بينهما عند من يتذوّق العربيّة.

رابعا:أنّ في الإتيان بلفظ«الرّياح»في موضع الرّحمة و بلفظ«الرّيح»في العذاب سرّا،و هو أنّ المختصّين بالأنواء الجوّيّة يقولون:إنّ الأمطار إنّما تنبعث من الرّياح الّتي تحيط بالسّحاب،فتجمعها و تضغط عليها حتّى ينشأ منها«المزن»فتمطر،لاحظ كتاب«باد و باران در قرآن»للمهندس بازرگان،و أمّا الرّيح فهي عقيم مسخّرة للدّمار و الخراب،كما صرّح به القرآن:

وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ الذّاريات:

41،و هي صرصر أيضا: وَ أَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ الحاقّة:6.

الإبشار:

ص: 631

خامسا:و تأتي نكات أخرى لهذه الآيات في الفرق بين(بشرى)و(بشرا).

إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فصّلت:30

الاستبشار:

1- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

آل عمران:169-171

2- وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ

التّوبة:124،125

3- وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ الحجر:67،68

4- اَللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ الرّوم:48،49

5- وَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ الزّمر:45

6- إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة:111

البشرى:

1- لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يونس:64

2- وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً هود:69

3- فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ هود:74

4- وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ العنكبوت:31

5- وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى الزّمر:17

6- مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ البقرة:97

7- وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ آل عمران:126

8- وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ الأنفال:10

9- قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً

يوسف:19

ص: 632

10- تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:89

11- لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:102

12- هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ* اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ النّمل:2،3

13- لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ

الأحقاف:12

14- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ الفرقان:22

15- بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الحديد:12

البشر:فيه ثلاث آيات تقدّمت في«الرّياح مبشّرات»و«بشرا».

تلك هي آيات المحور الثّاني،أي البشارة و التّبشير بجميع صيغها.

و يلاحظ أوّلا:أنّ البشارة جاءت في الآيات بصيغة «التّفعيل»و هي أكثرها،و«الإفعال»و هي أقلّها، و«الاستبشار»و«الاستفعال»و هي أوسطها،و مثلها جاء المصدر بوزن«فعلى»و«فعل»و الصّفة بوزن «فعيل»و«مفعل»و«مستفعل»فما هو الفارق بينها؟ و الجواب:

1-أنّ التّبشير عرفا خبر يفيد المخبر السّرور،و هو في الأصل ما يؤثّر في انبساط الوجه،هكذا جاء في النّصوص.و يبدو أنّه ليس مجرّد خبر،بل فيه لمحة من الإنشاء و إيجاد السّرور.و هو متعدّ بنفسه إلى المخاطب المبشّر،و أمّا ما بشّر به فمتعدّ بالباء.

2-و أمّا الإبشار فقد جاء مرّة واحدة،و هو لازم معناه التّلبّس بالسّرور بما بشّر به،و هو قوله:

وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. قال الطّبريّ (24:116):«و سرّوا بأنّ لكم في الآخرة الجنّة».و مع ذلك فلا بدّ أن يكون بينه و بين التّبشير فرق آخر، فلاحظ.

3-و أمّا الاستبشار ففيه خلاف،فعند الفخر الرّازيّ (9:95،20:45)هو السّرور الحاصل بالبشارة، و أصل«الاستفعال»طلب الفعل،و المستبشر بمنزلة من طلب السّرور فوجده بالبشارة.أمّا البروسويّ(1:

541)فنفى أن يكون«استفعل»هنا للطّلب،بل هو بمعنى المجرّد،نحو:استغنى اللّه،أي غني.و عند الزّمخشريّ و كذا البيضاويّ أنّه مطاوعة لفعل«بشّر»،أي بشّرهم فاستبشروا به.

و أمّا الطّباطبائيّ(4:61)فقال:«الاستبشار:طلب السّرور بالبشرى،و المعنى أنّهم فرحون بما وجدوه من الفضل،و يطلبون السّرور بما يأتيهم من البشرى،بحسن حال من لم يلحقوا بهم».

فالأمر في«الاستبشار»يدور بين كونه بمعنى المجرّد، أي وجدان السّرور،أو مطاوعة للتّبشير،فكأنّه طلب السّرور فوجده،أو بمعنى طلب السّرور رأسا.

و المرجّح عندنا أنّ فيه لمحة من الطّلب و الانتظار للسّرور،فلا يعبّر به إلاّ في حالة التّوقّع و الانتظار للسّرور،و هذا ما يستظهر من الآيات،و هو الفارق بين المبشّر و المستبشر أيضا.

ص: 633

ثانيا:جاء المصدر بلفظ«بشرى»و«بشر»،و فيه بحوث:

1-قد تقدّم في الأصول اللّغويّة أنّ البشرى مصدر كالرّجعى،بمعنى البشر،أو اسم لما يبشّر به من خير، و قد جاءت(15)مرّة:5 مرّات معرّفة باللاّم(1-5)، و 9 مرّات نكرة(6-14)،و مرّة مضافة(15).

و يستدعي التّأمّل فيها أنّها في الجميع مصدر بمعنى البشارة و التّبشير،و هذا المعنى كالمصرّح به في الآيات الّتي جاءت فيها(بشرى)معطوفة على(هدى)(6)و (10)و(11)و(12)،من أجل أنّ(هدى)مصدر، فكذلك ما عطف عليه.

نعم قوله: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ في(18)أيضا كالصّريح في أنّ الجنّات هي المبشّر بها،فهي اسم و ليس مصدرا،فيسوغ لنا القول بأنّ(بشرى)في عرف القرآن إذا جاء مضافا فهو اسم لما يبشّر به،و إذا جاء غير مضاف فهو محتمل للأمرين،و الغالب عليه هو المصدر.

2-أمّا وجه التّعريف في الخمس الأولى فيبدو أنّه للعهد الذّهنيّ،ففي(1)إشارة إلى أنّ بشرى المؤمنين في الدّنيا و الآخرة معهود معروف،و هو الجنّة في الآخرة و الحياة السّعيدة في الدّنيا،و هو الفوز العظيم.و عليه لا يبعد أن تكون«البشرى»هنا اسما لما يبشّر به و ليس مصدرا،و هذا الوجه محتمل في(5)أيضا.

أمّا سائر الآيات(2)إلى(4)فكلّها ترجع إلى تبشير إبراهيم بالولد،و كان أمرا معهودا في القرآن،فاللاّم فيها للعهد أيضا.و البشرى مصدر،و ليس اسما لما بشّر به، لأنّ الرّسل بشّروا بإسحاق،و جاءوا بخبره إلى إبراهيم، كما صرّح به في الآيات،و لم يأتوا بالولد نفسه.

3-أمّا الفرق بين«البشرى»و«البشر»،فالبشرى إذا جاء مصدرا فهو بمعنى التّبشير،و قد جاء التّبشير و البشرى معا في بشارة إبراهيم و امرأته بالولد،و قد تقدّم،و فيها: وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ، إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ، فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ، و جاء في نفس الآية فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى، فلا ريب أنّ(البشرى)فيها بمعنى التّبشير،إلاّ فيما فصّلنا من الآيات أنّها بمعنى ما يبشّر به.

أمّا البشر فهو مصدر من المجرّد،يقال:بشر يبشر بشرا و بشرا و بشرا و بشارة،أي فرح،فالبشر:الفرح و السّرور،و هو لازم،و بهذا جاء في القرآن.و قد يأتي متعدّيا،يقال:بشر فلانا،أي فرّحه،و هو غير التّبشير، أي إخبار الغير بما يسرّه.

4-و الّذي يلفت النّظر أنّ(بشرا)جاء في ثلاث آيات بسياق واحد:إرسال الرّياح بشرا بين يدي رحمته،و معناها أنّها فرح و سرور للنّاس،لا تبشير و إخبار بما يسرّهم.و عليه ف(المبشّرات)الّتي جاءت في آية واحدة أيضا بمعنى المفرّحات،و اللّه أعلم بسرّ كتابه.

5-و جاء«بشرا»نكرة في تلك الآيات إشعارا بعظيم النّعمة و جزيل المنّة.

ثالثا:جاء البشير(4)مرّات،و المبشّر مفردا و جمعا (10)مرّات،لاحظ الآيات.و البحث هنا في الفرق بينهما،فنقول:

إنّ البشير صفة مشبّهة تدلّ على الاستمرار و الثّبوت،و قد تأتي صيغة مبالغة،و بهذا المعنى جاءت

ص: 634

صفات اللّه تعالى،حسب ما اختاره الشّيخ محمّد عبده، فإنّها كلّها عنده صيغ مبالغة،أمّا المبشّر فإنّه يعني التّبشير عمليّا.و عليه فالفرق بينهما أنّ«البشير»يعني الطّبيعة المستمرّة للنّبيّ،و«المبشّر»يعني عمليّة التّبشير له.قال الفخر الرّازيّ كما جاء في النّصوص:«النّذير:

مبالغة في الإنذار بالعقاب على فعل المعاصي..و البشير:

مبالغة في البشارة بالثّواب».

فلاحظ الآيات الّتي جاءت بشأن النّبيّ،ففي أربع منها أنّه بشير و نذير،و في أربع أخرى أنّه مبشّر و نذير بسياق واحد،أي بعد قوله:(ارسلناك).فاللّفظان يفيدان أنّ النّبيّ كثير التّبشير بطبيعته،و أنّه يتصدّى له عمليّا.

هذا ما يخطر بالبال،إلاّ أنّ وحدة السّياق لعلّها تقنعنا بأنّه لا فرق بينهما،و تؤيّده آيات الأنبياء بأنّهم (مبشّرون)و(منذرون)،فإنّها بسياقها تعني أنّ الأنبياء شأنهم ذلك دائما و بكثرة.

و جدير بالذّكر أنّ كلاّ من«المبشّرين»بشأن الأنبياء،و«المبشّر»و«البشير»بشأن النّبيّ،جاء أربعا أربعا،و هذا يعني أنّ تبشير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعادل تبشير الأنبياء قاطبة.

رابعا:جاء التّبشير و الإنذار في هذه الآيات الثّماني معا،و كذلك في كثير من آيات التّبشير،سوى القليل، فلاحظ.

و هذا يعني أنّ الأنبياء يبشّرون النّاس بالخيرات، و ينذرونهم السّيّئات و لا يكتفون بأحدهما.إذن لا يكفي التّبشير بالخيرات دون الإنذار للشّرور مع شيوع السّيّئات و القبائح بين الأمم و هذا نظير آيات الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،فإنّ معظمها جمع فيه الأمران.

خامسا:في معظم آيات التّبشير و الإنذار جاء التّبشير مقدّما على الإنذار،كما هو الحال في آيات «المعروف و المنكر»إلاّ القليل؛و ذلك لأنّ الأنبياء و كذلك الآمرون بالمعروف و النّاهون عن المنكر ينبغي أن يواجهوا النّاس-قبل تقطيب الوجه بالإنذار للعذاب- بطلاقة الوجه و البشارة بالخير و الفلاح،و أن يمثّلوا -أوّلا-أمام النّاس الطّريق الأمثل،ثمّ يحوّلوهم إليه عن السّيّئات و القبائح،ففيه مصلحة نفسيّة و عاطفيّة و اجتماعيّة،لاحظ«ع ر ف».

سادسا:هناك آيات متعدّدة جاء فيها التّبشير و الإنذار مفردا حسب مقتضى المقام،أو جاء النّذير مقدّما على البشير،كقوله تعالى: أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ هود:2

وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

الأعراف:188

و لا نعلم وجها لذلك في الأولى سوى أنّ«البشير» فيهما أنسب و أوفق للرّويّ،فقبلها«خبير»و بعدها «كبير»فلفظ«بشير»أقرب إليهما من لفظ«نذير».أمّا في الثّانية فلعلّ المقام اقتضى تقديم«نذير»لصعوبة موقف المخاطبين أمام النّبيّ،أو لأنّ«بشير»أقرب من المؤمنين،فأخّر عن«نذير».

سابعا:قد جاء ضمن آيات«النّبيّ مبشّر و نذير»في

ص: 635

(3): شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً، و في(4): شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً، فضمّ إليهما في الأولى ثلاث صفات:(شاهدا)مقدّما عليها،و(داعيا)و(سراجا منيرا)مؤخّرا عنها.و في الثّانية(شاهدا)مقدّما عليهما،و سنبحث ذلك في «ش ه د»و«ن ب أ»إن شاء اللّه.

ثامنا:جاء«نذير»دون«منذر»في الآيات الخاصّة بالنّبيّ مع«بشير»و«مبشّر»،و جاء«منذرين»في آيات «الأنبياء مبشّرون»،و ذلك لأنّ«مبشّرين»جمع، فيناسقه الجمع دون المفرد،مع أنّ«النّذير»-كما سبق- يفيد الاستمرار و الكثرة،و النّبيّ أنسب لذلك،فدعوته أوفى و أبلغ من جميع الأنبياء،و اللّه العالم.

تاسعا:أنّ هذه الملاحظات ترجع إلى آيات تبشير النّبيّ و الأنبياء،و أمّا سائر الآيات فهي تحت عنوان «الرّياح مبشّرات»،و قد ذيّلناها بملاحظات.

المحور الثّالث:المباشرة:جاءت مرّتين في آية واحدة مدنيّة:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ البقرة:187

يلاحظ أوّلا:أنّ المراد بالمباشرة هنا«الجماع»بعد ملاحظة أمرين:

1-قوله في صدر الآية: اَلرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، فإنّه الجماع،و قوله: أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، فإنّهم كانوا يعصون اللّه،و يجامعونهنّ.

2-قوله بعد(باشروهنّ): وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ، أي ما قدّر لكم من الأولاد،و قوله:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ.

ثانيا:ما سرّ اختصاص هذه الآية النّازلة في شأن الصّيام بالتّعبير عن الجماع بالمباشرة؟

فلعلّها كانت دارجة في عرف أهل المدينة،أو أنّها أقرب إلى الاستتار و الاحتراز عن القبيح من غيرها،أو أنّها تعني الجماع و ما تنتهي إليه من المقدّمات،كالمسّ و ملاصقة الجسم للجسم،و هذا نظير ما يقال في آية الحيض: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة:

222،فمنع عن قربها تأكيدا لئلاّ ينجرّ إلى الجماع.و هذا أحسن الوجوه.و لقد قلنا آنفا:إنّ المباشرة أقرب المحاور الثّلاثة من المعنى اللّغويّ بهذه المادّة.

ثالثا:و جاء ما يضارع المباشرة في القرآن:

الإتيان:

1- إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ

الأعراف:81

2- أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ الشّعراء:165

3- أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ

النّمل:55

4- أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ

العنكبوت:29

ص: 636

5- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223

6- فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ

البقرة:222

الرّفث:

1- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ

البقرة:187

2- فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ

البقرة:197

الاستمتاع،على وجه:

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً

النّساء:24

المسّ:

1- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ البقرة:236

2- وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ البقرة:237

3- إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها

الأحزاب:49

4- قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آل عمران:47

5- قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ

مريم:20

6- وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا المجادلة:3

7- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا المجادلة:4

الدّخول: وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ النّساء:23

القرب: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ البقرة:222

و أمّا النّكاح فقد جاء في القرآن بمعنى الزّواج دون الجماع،إلاّ ما قيل بأنّه الجماع من أحد وجهين في قوله:

فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ البقرة:230.

و الّذي يلفت النّظر أنّ هذه الألفاظ تدلّ على الجماع بالكناية مثل المباشرة،و أنّه لم يذكر في القرآن لفظ صريح في هذا الأمر كالجماع و الوطء،حياء و استقباحا له و تأديبا للنّاس،لاحظ«أ ت ي»و«ر ف ث» و«م س س»و«ن ك ح»و«ج م ع».

ص: 637

ص: 638

ب ص ر

اشارة

33 لفظا،148 مرّة:106 مكّيّة،42 مدنيّة

في 62 سورة:44 مكّيّة،18 مدنيّة

بصرت 1:1 أبصارهم 14:9-5

بصرت 1:1 أبصارها 1:1

يبصروا 1:1 أبصارهنّ 1:-1

بصير 27:6-21 أبصاركم 2:2

البصير 9:7-2 أبصارنا:1:1

بصيرا 15:10-5 يبصّرونهم 1:1

بصيرة 2:2 تبصرة 1:1

بصائر 5:5 أبصر 1:1

البصر 8:8 أبصرنا 1:1

بصره 1:1 يبصر 1:1

مبصرون 1:1 يبصرون 12:11-1

مبصرة 3:3 تبصر 1:1

بصرك 1:1 تبصرون 9:9

أبصار 1:1 أبصر 3:3

الأبصار 17:10-7 أبصرهم 1:1

أبصارا 1:1 مبصرا 3:3

مستبصرين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البصر:العين،مذكّر.

و البصر:نفاذ في القلب.

و البصارة:مصدر البصير،و قد بصر.و أبصرت الشّيء و تبصّرت به و تبصّرته:شبه رمقته.

و استبصر في أمره و دينه،إذا كان ذا بصيرة.

و البصيرة:اسم لما اعتقد في القلب من الدّين، و حقيق الأمر.

و يقال:رأى فلان لمحا باصرا،أي أمرا مفزعا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و بصّر الجرو تبصيرا:فتح عينه.

ص: 639

و البصيرة:الدّرع،يقال:ما لبس من السّلاح فهو:

بصائر السّلاح.

يقال للفراسة الصّادقة:فراسة ذات بصيرة.

و البصيرة:العبرة،يقال:أمالك بصيرة في هذا؟أي عبرة تعتبر بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و بصائر الدّماء:طرائقها على الجسد.

و البصر:غلظ الشّيء،نحو بصر الجبل،و بصر السّماء و الحائط،و نحوه.

و البصرة:أرض،حجارتها جصّ،و هكذا أرض البصرة فقد نزلها المسلمون أيّام عمر بن الخطّاب،و كتبوا إليه:إنّا نزلنا أرضا بصرة؛فسمّيت بصرة.و فيها ثلاث لغات:بصرة،و بصرة،و بصرة،و أعمّها البصرة.

و البصرة:نعت،و كلّ قطعة بصرة.

و قيل:البصرة:الحجارة الّتي فيها بعض اللّين.[ثمّ استشهد بشعر](7:117)

سيبويه: و إذا أراد رجل أن يدخل نفسه في أمر حتّى يضاف إليه،و يكون من أهله فإنّك تقول:«تفعّل» و ذلك تشجّع و تبصّر و تحلّم و تجلّد.(4:71)

بصر:صار مبصرا،و أبصره،إذا أخبر بالّذي وقعت عينه عليه.(ابن منظور 4:64)

الكسائيّ: إنّ فلانا لمغضوب البصر،إذا أصاب جلده غضاب،و هو داء يخرج به.

(الأزهريّ 12:177)

و بصر كلّ شيء:غلظه،و بصره و بصره:جلده.

(ابن سيدة 8:316)

ابن شميّل: البصرة:أرض كأنّها جبل من جصّ، و هي الّتي بنيت بالمربد،و إنّما سمّيت البصرة بصرة بها.

(الأزهريّ 12:175)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أرض فلان بصرة،بضمّ الباء،إذا كانت حمراء طيّبة.و أرض بصرة،إذا كانت فيها حجارة تقطع حوافر الدّوابّ.

و بصر الأرض:غلظها.

مثله الفرّاء.(الأزهريّ 12:175)

البصر:أن يضمّ أديم إلى أديم يخاطان،كما يخاط حاشيتا الثّوب.

و البصر:الحجارة إلى البياض،فإذا جاءوا بالهاء قالوا:البصرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 12:175)

البصرة و الكذّان:كلاهما الحجارة الّتي ليست بصلبة.(الأزهريّ 12:175)

البصيرة من الدّم:ما استدلّ به على الرّميّة.

(إصلاح المنطق:350)

مثله الأصمعيّ.(الجوهريّ 2:592)

البصيرة:ما بين شقّتي البيت،و هي البصائر.

(الجوهريّ 2:592)

يقال:هذه بصيرة من دم،و هي الجديّة منها على الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:175)

الفرّاء: البصر و البصرة:الحجارة البرّاقة.

(الأزهريّ 12:175)

الباصر:القتب الصّغير،و هي البواصر.

(الأزهريّ 12:176)

ص: 640

أبو عبيدة: البصيرة:التّرس،و البصيرة:الحلقة من حلق الدّرع.فيجوز أن يقال للدّرع كلّها:بصيرة.

و البصيرة من الدّم:الّذي بمنزلة الورق الرّشاش منه،و الجديّة أوسع من البصيرة،و البصيرة مثل فرسن البعير،فهو بصيرة،و الجديّة أعظم من ذلك.(1:238)

أبو زيد:البنصر:إصبع معروفة،النّون فيها زائدة.

(ابن دريد 1:259)

البصيرة من الدّم:ما كان على الأرض،و الجديّة:

ما لزق بالجسد.(الجوهريّ 2:592)

الأصمعيّ: قولهم:أراه لمحا باصرا،أي نظرا بتحديق شديد.

و مخرج باصر مخرج رجل تامر:ذو تمر،و لابن، ذو لبن،و خابز:ذو خبز،و رامح:ذو رمح،فمعنى باصر:

ذو بصر،و هو من أبصرت،مثل موت مائت و هو من أمتّ.(إصلاح المنطق:362)

اللّحيانيّ: بصر به بكسر الصّاد،أي أبصره.

(ابن سيدة 8:315)

و إنّه لذو بصر،و بصيرة في العبادة.و إنّه لبصير بالأشياء،أي عالم بها.(ابن سيدة 8:316)

و البصيرة:الشّاهد.اجعلني بصيرة عليهم،بمنزلة الشّهيد.

و قوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ القيمة:14،له معنيان:إن شئت كان الإنسان هو البصيرة على نفسه،أي الشّاهد،و إن شئت جعلت «البصيرة»هنا غيره،فعنيت به يديه و رجليه و لسانه، لأنّ كلّ ذلك شاهد عليه يوم القيامة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيدة 8:316)

و البصر،و البصر،و البصر:الحجر الغليظ الشّديد.

(ابن سيدة 8:317)

البصر:الطّين العلك الجيّد الّذي فيه حصى.

(ابن سيدة 8:317)

ابن الأعرابيّ: «راحوا بصائرهم» (1)،يعني ثقل دمائهم على أكتافهم،لم يثأروا بها.

البصيرة:الدّية،و البصيرة:مقدار الدّرهم من الدّم.

البصيرة:التّرس،و البصيرة:الثّبات في الدّين.

و البصائر:الدّيات في البيت،أخذوا الدّيات فصارت عارا.

و بصيرتي،أي ثأري قد حملته على فرسي لأطالب به،فبيني و بينهم فرق.(الأزهريّ 12:176)

أبصر الرّجل،إذا خرج من الكفر إلى بصيرة الإيمان.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبصر،إذا علّق على باب رحله بصيرة،و هو شقّة من قطن أو غيره.(الأزهريّ 12:178)

الباصر:الملفّق بين شقّتين أو خرقتين،يقال:رأيت عليه بصيرة من الفقر،أي شقّة ملفّقة.

و البصيرة أيضا:الشقّة الّتي تكون على الخباء.

(الأزهريّ 12:175)

البصيرة:الفطنة،تقول العرب:أعمى اللّه بصائره أي فطنه.(ابن سيدة 8:316)

شمر:في الحديث:«فأمر به فبصّر رأسه»أي قطع،أى

ص: 641


1- راحوا بصائرهم على أكتافهم و بصيرتي يعدو بها عتد و أى

يقال:بصّره بسيفه.[ثمّ استشهد بشعر](الهرويّ 1:174)

المبرّد: أبصرته و بصرت به،بمعنى واحد.

(الفخر الرّازيّ 24:230)

ابن دريد :و البصر:معروف،أبصر يبصر إبصارا،فهو مبصر و بصير.

و يقال:لقيت من فلان لمحا باصرا،أي أمرا واضحا.و فلان حسن البصيرة،إذا كان مستبصرا في دينه.

و البصيرة:القطعة من الدّم،تستدير على الأرض أو على الثّوب كالتّرس الصّغير.[ثمّ استشهد بشعر]

و البصرة:حجارة رخوة،و به سمّيت البصرة،لأنّ أرضها الّتي بين العقيق و أعلى المربد كذلك،و هو الموضع الّذي يسمّى الحزيز.[ثمّ استشهد بشعر]

و بصر كلّ شيء:جلده الظّاهر.و ثوب ذو بصر،إذا كان كثيفا كثير الغزل.و ربّما قيل:جمل ذو بصر،إذا كان غليظا وثيجا.

و قد سمّت العرب بصيرا،و يكنّون الضّرير أبا بصير تفاؤلا.

و الأباصر:موضع معروف،و بصرى:موضع بالشّام،و قد تكلّمت به العرب،و أحسبه دخيلا.و نسبوا إليه السّيوف،فقالوا:سيف بصريّ.(1:259)

الأزهريّ: قال اللّيث:رأى فلان لمحا باصرا، أي أمرا مفروغا منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال غيره:رأيت فلانا لمّاحا باصرا،أي نظر بتحديق.

قلت:و القول هو الأوّل.

و يقال:أعمى اللّه بصائره،أي فطنه.

و يقال:بصّر فلان تبصيرا،إذا أتى البصرة.[ثمّ استشهد بشعر](12:176)

الصّاحب: البصر:العين-مذكّر-و نفاذ في القلب.

و البصارة:مصدر البصير،أبصر يبصر،و أبصرت الشّيء،و بصرت به،و بصرت.و أبصر الطّريق و الصّبح و النّهار،إذا أبصرته.و تبصّرته،أي رمقته.

و استبصر في أمره و دينه،إذا كان ذا بصيرة و تحقيق من أمره.

و اجعلني بصيرة عليهم،أي شهيدا.

و رأى لمحا باصرا،أي أمرا مفزعا.

و إذا فتح الجرو عينه قلت:بصّر تبصيرا.

و يقال للفراسة الصّادقة:ذات البصائر،و ذات البصيرة.

و البصر:القطن،و القشر أيضا.

و التّبصّر:العين نفسها؛في قول أبي زبيد:

*كالجمرتين التّبصّر*

و يقولون:لقيته بين سمع الأرض و بصرها،أي بأرض خلاء ما بها أحد.

و يسمّون اللّحم الباصور،أي أنّه جيّد للبصر،يزيد فيه.

و المبصر:الّذي يوكّل بحفظ الثّمار.

و البصيرة:الدّرع.

و بصائر الدّم:طرائقها على الجسد.

و البصيرة:ما بين شقيّ الباب،و جمعها:بصائر.

و هي العبرة أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 642

و هي الفراسة أيضا.

و البصر:غلظ الشّيء؛كبصر الجبل و السّماء.و هو جلد كلّ شيء،و جمعه:أبصار.و يقال:إنّه لغليظ البصر، أي جلد الوجه.و هو مغضوب البصر و البصر.

و البصر:أن يضمّ أديم إلى أديمين يخاطان،يقال:

بصرت الأديمين أبصرهما.

و بصره بالسّيف:قطعه.

و البصرة:أرض حجارتها جصّ،و هي البصرة و البصرة أيضا،و جمعها:بصار.فإذا حذفت الهاء قلت:

بصر بالكسر،و بصر:لغة فيه.

و أرض بني فلان بصرة،إذا كانت طيّبة حمراء.

و المبصرات:الأرضون ذات البصرة.و أرض بصرة:فيها حجارة بيض.

و بصّرت و أبصرت:أتيت البصرة.

و البصرتان:الكوفة و البصرة.

و الباصور:رحل دون القطع؛و هي عيدان تقابل، شبيهة بأقتاب البخت.

و الباصر:قتب صغير،و يجمع:بواصر.(8:135)

الجوهريّ: البصر:حاسّة الرّؤية،و أبصرت الشّيء:رأيته.

و البصير:خلاف الضّرير.

و باصرته،إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد.

و البصر:العلم،و بصرت بالشّيء:علمته،قال اللّه تعالى: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ طه:96.

و البصير:العالم،و قد بصر بصارة.

و التّبصّر:التّأمّل و التّعرّف.و التّبصير:التّعريف و الإيضاح.[ثمّ استشهد بشعر]

و المبصرة:المضيئة،و منه قوله تعالى: فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً النّمل:13.

قال الأخفش: إنّها تبصّرهم،أي تجعلهم بصراء.

و المبصرة،بالفتح:الحجّة.

و البصرة:حجارة رخوة إلى البياض ما هي،و بها سمّيت البصرة.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا أسقطت منه الهاء قلت:بصر بالكسر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البصرتان:الكوفة و البصرة.و بصّر القوم تبصيرا،أي صاروا إلى البصرة.

و البصيرة:الحجّة و الاستبصار في الشّيء،و قوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ القيمة:14.

قال الأخفش:جعله هو البصيرة،كما يقول الرّجل للرّجل:أنت حجّة على نفسك.

و البصر:أن يضمّ أديم إلى أديم فيخرزان،كما تخاط حاشيتا الثّوب،فتوضع إحداهما فوق الأخرى،و هو خلاف خياطة الثّوب قبل أن يكفّ.

و قولهم:أريته لمحا باصرا،أي نظرا بتحديق شديد،و مخرجه مخرج رجل لابن و تامر،أي ذو لبن و تمر.

فمعنى باصر،أي ذو بصر،و هو من أبصرت،مثل موت مائت،و هو من أمتّ.

أي أريته أمرا شديدا يبصره.

و البنصر:إصبع يلي الخنصر،و الجمع:البناصر.

و البصر بالضّمّ:الجانب،و الحرف من كلّ شيء، و في الحديث:«بصر كلّ سماء مسيرة كذا»يريد غلظها.

ص: 643

و بصرى:موضع بالشّام.[ثمّ استشهد بشعر]

و تنسب إليها السّيوف،[ثمّ استشهد بشعر]

(2:591)

ابن فارس: الباء و الصّاد و الرّاء أصلان:

أحدهما:العلم بالشّيء،يقال:هو بصير به،و من هذه البصيرة.

و القطعة من الدّم إذا وقعت بالأرض استدارت.[ثمّ استشهد بشعر]

و البصيرة:التّرس فيما يقال.و البصيرة:البرهان.

و أصل ذلك كلّه وضوح الشّيء.

و يقال:رأيته لمحا باصرا،أي ناضرا بتحديق شديد،و يقال:بصرت بالشّيء،إذا صرت به بصيرا عالما،و أبصرته،إذا رأيته.

و أمّا الأصل الآخر:فبصر الشّيء:غلظه،و منه البصر،هو أن يضمّ أديم إلى أديم،يخاطان كما تخاط حاشية الثّوب.

و البصيرة:ما بين شقّتي البيت،و هو إلى الأصل الأوّل أقرب.

فأمّا البصرة:فالحجارة الرّخوة،فإذا سقطت الهاء قلت:بصر بكسر الباء،و هو من هذا الأصل الثّاني.

(1:253)

أبو هلال:الفرق بين البصير و المستبصر:أنّ البصير على وجهين:

أحدهما:المختصّ بأنّه يدرك المبصر إذا وجد، و أصله:البصر،و هو صحّة الرّؤية،و يؤخذ منه صفة مبصر بمعنى رأى،و الرّأي هو المدرك للمرئيّ،و القديم رأي بنفسه.

و الآخر:البصير،بمعنى العالم،تقول منه:هو بصير، و له به بصر و بصيرة،أي علم.

و المستبصر هو العالم بالشّيء بعد تطلّب العلم،كأنّه طلب الإبصار،مثل المستفهم و المستخبر:المتطلّب للفهم و الخبر،و لهذا يقال:إنّ اللّه بصير،و لا يقال:مستبصر.

و يجوز أن يقال:إنّ الاستبصار هو أن يتّضح له الأمر حتّى كأنّه يبصره.و لا يوصف اللّه تعالى به،لأنّ الاتّضاح لا يكون إلاّ بعد الخفاء.

الفرق بين البصر و العين:أنّ العين آلة البصر،و هي الحدقة.و البصر:اسم للرّؤية،و لهذا يقال:إحدى عينيه عمياء،و لا يقال:أحد بصريه أعمى.و ربّما يجري البصر على العين الصّحيحة مجازا و لا يجري على العين العمياء؛فيدلّك هذا على أنّه اسم للرّؤية على ما ذكرنا.

و يسمّى العلم بالشّيء إذا كان جليّا:بصرا،يقال:

لك فيه بصر،يراد أنّك تعلمه كما يراه غيرك.(64)

الهرويّ: و في الحديث:«فأرسلت أمّ معبد إليه شاة فرأى فيها بصرة من لبن»يريد أثرا قليلا يبصره النّاظر إليه.

و في الحديث:«بصر جلد الكافر أربعون ذراعا» قال سفيان:هو الغلظ.و بصر السّماء:غلظها.

و منه حديث عبد اللّه:«و بصر كلّ سماء مسيرة خمسمائة عام».

و في الحديث:«صلاة المغرب يقال لها:صلاة البصر».قيل لها ذلك،لأنّها تؤدّى قبل ظلمة اللّيل الحائلة بين الإبصار و الشّخوص.

ص: 644

[و في حديث]أحمد بن سعيد يقول:صلاة البصر:

صلاة الفجر.

[و في حديث عن أبي طريف]أنّه كان شاهد النّبيّ عليه السّلام و هو محاصر لأهل الطّائف«كان يصلّي بنا صلاة البصر حتّى لو أنّ إنسانا رمى بنبله،أبصر مواضع نبله».(1:175)

ابن سيدة: البصر:حسّ العين،و الجمع:أبصار.

بصر به بصرا،و بصارة،و بصارة،و أبصره،و تبصّره:

نظر إليه هل يبصره.

و باصره:نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه.و باصره أيضا:أبصره.[ثمّ استشهد بشعر]

و تباصر القوم:أبصر بعضهم بعضا.

و رجل بصير:مبصر،«فعيل»بمعنى«مفعل»، و جمعه:بصراء.

و حكى اللّحيانيّ:إنّه لبصير بالعينين.

و أراه لمحا باصرا،أي نظرا بتحديق.فإمّا أن يكون على طرح الزّائد،و إمّا أن يكون على النّسب، و الآخر مذهب يعقوب.

«و لقي منه لمحا باصرا»أي أمرا واضحا،و قوله تعالى: فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً النّمل:13، قال الزّجّاج:معناه واضحة،قال:و يجوز مبصرة،أي متبيّنة تبصر و ترى.

و بصّر الجرو:فتح عينيه.

و لقيه بصرا،أي حين تباصرت الأعيان و رأى بعضها بعضا.و قيل:هو في أوّل الظّلام إذا بقي من الضّوء قدر ما تتباين به الأشباح،لا يستعمل إلاّ ظرفا.

و بصر القلب:نظره و خاطره.

و البصيرة:عقيدة القلب،و في حديث ابن عبّاس:

«أنّ معاوية لمّا قال لهم:يا بني هاشم تصابون في أبصاركم،قالوا له:و أنتم يا بني أميّة تصابون في بصائركم».

و فعل ذلك على بصيرة،أي على عمد،و على غير بصيرة،أي على غير يقين.

و إنّه لبصير بالأشياء،أي عالم بها،و رجل بصير بالعلم كذلك.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «اذهب بنا إلى فلان البصير»و كان أعمى،قال أبو عبيد:يريد به المؤمن.و عندي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما ذهب إلى التّفاؤل،لأنّ لفظ«البصر»أحسن من لفظ العمى،أ لا ترى إلى قول معاوية:و البصير خير من الأعمى.

و استبصر في رأيه و تبصّر:تبيّن ما يأتيه من خير و شرّ،أي اتوا ما أتوه،و هم قد تبيّن لهم أنّ عاقبته عذابهم.

و بصر بصارة،صار ذا بصيرة.

و بصّره الأمر تبصيرا و تبصرة:فهّمه إيّاه.

و البصر:النّاحية،مقلوب عن الصّبر.و بصر الكماة و بصرها:حمرتها،قال:

*و نقّض الكمء فأبدى بصره*

و بصر كلّ شيء:غلظه،و بصره و بصره:جلده، حكاه جميعا اللّحيانيّ عن الكسائيّ،و قد غلب على جلد الوجه.

و ثوب جيّد البصر:قويّ وثيج.[ثمّ استشهد

ص: 645

بشعر]

و البصر:أن تضمّ حاشيتا أديمين يخاطان كما يخاط الثّوب.

و البصر،و البصرة:الحجر الأبيض الرّخو،و قيل:

و هو الكذّان.فإذا جاءوا بالهاء قالوا:بصرة لا غير، و جمعها:بصار.

و البصرة:الأرض الطّيّبة الحمراء.

و البصرة:و البصرة،و البصرة:أرض حجارتها جصّ،و به سمّيت البصرة،و البصرة أعمّ،و البصرة كأنّها صفة.و النّسب إلى البصرة بصريّ و بصريّ، الأولى شاذّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و بصّر القوم:أتوا البصرة،[ثمّ استشهد بشعر]

و البصرة:الطّين العلك.

و البصيرة:التّرس.و البصيرة من الدّم:ما استدار منه فصار على شكل التّرس.و قيل:هو ما استطال منه، و قيل:هو ما لزق بالأرض دون الجسد،و قيل:هو قدر فرسن البعير منه،و قيل:هو ما استدلّ به على الرّميّة.

و قيل:البصيرة من الدّم:ما لم يسل،و قيل:هو الدّفعة منه.و قيل:البصيرة:دم البكر،[ثمّ استشهد بشعر]

يقول:تركوا دم أبيهم خلفهم و لم يثأروا به و طلبته أنا.

و البصيرة:الدّرع،و كلّ ما لبس جنّة:بصيرة.

و الباصر:قتب صغير مستدير،مثّل به سيبويه، و فسّره السّيرافيّ عن ثعلب.

و أبو بصير:الأعشى،على التّطيّر.

و بصير:اسم رجل.

و بصرى:موضع بالشّام،و النّسب إليه بصريّ، قال ابن دريد:أحسبه دخيلا.

و الأباصير:موضع معروف.(8:315)

الباصرة:العين،و البصر:حاسّة الرّؤية،و النّور الّذي تدرك به الجارحة المبصرات.(الإفصاح 1:40)

البصر:قشر أعلى الجلد.(الإفصاح 1:107)

البصر:هو من القلب نظره و خاطره،و قيل:

البصر:نفاذ في القلب،بصر بالشّيء كعلم و كرم بصرا و بصارة:علم،فهو بصير به،أي عالم.

و البصيرة:عقيدة القلب و الفطنة.

(الإفصاح 1:147)

سمع الأرض و بصرها:طولها و عرضها،يقال:

لقيته بين سمع الأرض و بصرها،أي حيث لا يسمع و لا يرى شخص.(الإفصاح 2:1020)

البصرة:الحجارة الرّخوة فيها بياض،و الجمع:

بصار.و أرض بصرة:فيها حجارة ناتئة،و إنّما سمّيت البصرة بالحجارة الّتي في المربد.(الإفصاح 2:1031)

الطّوسيّ: و البصر:مصدر بصر به يبصر بصرا، بمعنى أبصره إبصارا.

و البصيرة:الإبصار للحقّ بالقلب.

و البصائر:قطع الدّم،لأنّها ترى كثيرة للغسل.

(1:65)

و الإبصار:إدراك المبصر بما به يكون مبصرا،كما أنّ السّمع إدراك المسموع بما به يكون مسموعا.

(5:439)

و البصيرة:المعرفة الّتي يميّز بها بين الحقّ و الباطل في الدّين و الدّنيا،يقال:«فلان على بصيرة من أمره،أي

ص: 646

كأنّه يبصره بعينه.(6:205)

و البصائر:جمع بصيرة،و هي البراهين الواضحة و الحجج النّيّرة.و تكون البصائر جمع بصيرة،و هي طريق الدّم.و البصيرة:الرّأس أيضا،و جمعها:بصائر، و معناها ظهور الشّيء و بيانه.(5:79)

نحوه الطّبرسيّ.(2:513)

البصائر:جمع بصيرة،و هي الدّلالة الّتي توجب العلم الّذي يبصر به نفس الشّيء على ما هو به.

(4:244)

الرّاغب: البصر يقال للجارحة النّاظرة،نحو قوله تعالى: كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر:50، وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ الأحزاب:10،و للقوّة الّتي فيها.

و يقال لقوّة القلب المدركة:بصيرة و بصر،نحو قوله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22،و قال: ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى النّجم:17.

و جمع البصر:أبصار،و جمع البصيرة:بصائر،قال تعالى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ الأحقاف:26،و لا يكاد يقال للجارحة:بصيرة.

و يقال من الأوّل:أبصرت،و من الثّاني:أبصرته و بصرت به.و قلّما يقال:بصرت في الحاسّة،إذا لم تضامّه رؤية القلب.

و قال تعالى في«الأبصار»: لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ مريم:42، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا السّجدة:12، وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ يونس:43، وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ الصّافّات:179، بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ طه:96،و منه: أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي يوسف:108، أي على معرفة و تحقّق،و قوله: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ القيامة:14،أي تبصره فتشهد له، و عليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له،و عليه يوم القيامة كما قال: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ النّور:24.

و الضّرير يقال له:بصير على سبيل العكس، و الأولى أنّ ذلك يقال لما له من قوّة بصيرة القلب لا لما قالوه،و لهذا لا يقال له:مبصر و باصر،و قوله عزّ و جلّ:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الأنعام:

103،حمله كثير من المسلمين على الجارحة.

و قيل:ذلك إشارة إلى ذلك و إلى الأوهام و الأفهام، كما قال أمير المؤمنين رضي اللّه عنه:«التّوحيد أن لا تتوهّمه،و قال:كلّ ما أدركته فهو غيره».

و الباصرة:عبارة عن الجارحة النّاظرة،يقال:

رأيته لمحا باصرا،أي ناظرا بتحديق،قال عزّ و جلّ:

فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً النّمل:13، وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12،أي مضيئة للأبصار، و كذلك قوله عزّ و جلّ: وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً الإسراء:59.

و قيل:معناه صار أهله بصراء،نحو قولهم:رجل مخبث و مضعف،أي أهله خبثاء و ضعفاء وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ القصص:43.[إلى أن قال:]

و يقال:بصّر الجرو:تعرّض للإبصار بفتحة العين.

و البصرة:حجارة رخوة تلمع كأنّها تبصر،أو

ص: 647

سمّيت بذلك لأنّ لها ضوء تبصر به من بعد،و يقال له:

بصر.

و البصيرة:قطعة من الدّم تلمع،و التّرس اللاّمع.

و البصر:النّاحية،و البصيرة:ما بين شقّتي الثّوب و المزادة و نحوها الّتي يبصر منها،ثمّ يقال:بصرت الثّوب و الأديم،إذا خطت ذلك الموضع منه.(49)

الزّمخشريّ: أبصر الشّيء و بصر به و قد بصر بعمله،إذا صار عالما به،و هو بصير به و ذو بصر و بصارة،و هو من البصراء بالتّجارة.

و بصّرته كذا و بصّرته به،إذا علّمته إيّاه.و تبصّر لي فلانا.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو مستبصر في دينه و عمله.و عمى الأبصار أهون من عمى البصائر.و بصّر فلان و كوّف.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما في البصرتين مثله،و هما البصرة و الكوفة.

و ما أثخن بصر هذا الثّوب!و هذا ثوب ما له بصر.و بصر كلّ سماء:مسيرة خمسمائة عام،و هو الثّخن و الغلظ.

و من المجاز:هذه آية مبصرة.و أبصر الطّريق:

استبان و وضح.

و رتّبت في بستاني مبصرا،أي ناظرا و هو الحافظ.

و أريته لمحا باصرا،أي أمرا مفزعا،و أراني الزّمان لمحا باصرا.

و اجعلني بصيرة عليهم،أي رقيبا و شاهدا،كقولك:

عينا عليهم.

و أمالك بصيرة في هذا؟أي عبرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و له فراسة ذات بصيرة و ذات بصائر،و هي الصّادقة.و رأيت عليك ذات البصائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتيته بين سمع الأرض و بصرها،أي بأرض خلاء ما يبصرني و لا يسمع بي إلاّ هي.

و بصّرته بالسّيف:ضربته فبصر بحاله،و عرف قدره.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:23)

الطّبرسيّ: و الأبصار:جمع بصر،و هو الحاسّة الّتي يدرك بها المبصر.و قد يستعمل بمعنى المصدر،و يقال:له بصر بالأشياء،أي علم بها،و هو بصير بالأمور أي عالم.

(2:422)

و بصر بالشّيء يبصر،إذا صار عليما به.و أبصر يبصر،إذا رأى.(4:25)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«البصير»هو الّذي يشاهد الأشياء كلّها ظاهرها و خافيها بغير جارحة.

و البصر في حقّه:عبارة عن الصّفة الّتي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات.

و فيه:«فأمر به فبصّر رأسه»أي قطع،يقال:بصّره بسيفه،إذا قطعه.

و منه الحديث:«كان يصلّي بنا صلاة البصر،حتّى لو أنّ إنسانا رمى بنبلة أبصرها».

قيل:هي صلاة المغرب،و قيل:صلاة الفجر،لأنّهما يؤدّيان و قد اختلط الظّلام بالضّياء.و البصر-هاهنا- بمعنى الإبصار،يقال:بصر به بصرا.

و منه الحديث:«بصر عيني و سمع أذني»و قد تكرّر هذا اللّفظ في الحديث،و اختلف في ضبطه،فروي بصر

ص: 648

و سمع،و بصّر و سمّع،و بصر و سمع،على أنّهما اسمان.

و في حديث الخوارج: «و ينظر في النّصل فلا يرى بصيرة»أي شيئا من الدّم يستدلّ به على الرّميّة، و يستبينها به.

و في حديث عثمان: «و لتختلفنّ على بصيرة»أي على معرفة من أمركم و يقين.

و منه حديث أمّ سلمة: «أ ليس الطّريق يجمع التّاجر و ابن السّبيل و المستبصر و المجبور»أي المستبين للشّيء، يعني أنّهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم،أرادت أنّ تلك الرّفقة قد جمعت الأخيار و الأشرار.(1:131)

أبو حيّان: البصر:نور العين،و هو ما تدرك به المرئيّات.(1:46)

الفيّوميّ: البصرة،و زان تمرة:الحجارة الرّخوة، و قد تحذف الهاء،مع فتح الباء و كسرها،و بها سمّيت البلدة المعروفة.و أنكر الزّجّاج فتح الباء مع الحذف، و يقال في النّسبة:بصريّ بالوجهين.

و هي محدثة إسلاميّة،بنيت في خلافة عمر سنة ثماني عشرة من الهجرة،بعد وقف السّواد،و لهذا دخلت في حدّه دون حكمه.

و البصر:النّور الّذي تدرك به الجارحة المبصرات، و الجمع:أبصار،مثل سبب و أسباب.يقال:أبصرته برؤية العين إبصارا،و بصرت بالشّيء-بالضّمّ و الكسر لغة-بصرا بفتحتين:علمت،فأنا بصير به.

يتعدّى بالباء في اللّغة الفصحى،و قد يتعدّى بنفسه.

و هو ذو بصر و بصيرة،أي علم و خبرة.و يتعدّى بالتّضعيف إلى ثان،فيقال:بصّرته به تبصيرا.

و الاستبصار بمعنى البصيرة.

و أبو بصير،مثال كريم:من أسماء الكلب،و به كنّي الرّجل،و منه أبو بصير الّذي سلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لطالبيه على شرط الهدنة،و اسمه عتبة بن أسيد الثّقفيّ،و أسيد مثل كريم.

و البنصر بكسر الباء و الصّاد:الإصبع الّتي بين الوسطى و الخنصر،و الجمع:البناصر.(1:50)

الفيروزآباديّ: البصر:محرّكة:حسّ العين، جمعه:أبصار،و من القلب:نظره و خاطره.

و بصر به ككرم و فرح بصرا و بصارة و يكسر:صار مبصرا.

و أبصره و تبصّره:نظر هل يبصره.

و باصرا:نظرا أيّهما يبصر قبل،و تباصروا:أبصر بعضهم بعضا.

و البصير:المبصر،جمعه:بصراء،و العالم.

و بالهاء:عقيدة القلب و الفطنة،و ما بين شقّتي البيت و الحجّة،كالمبصر و المبصرة بفتحهما،و شيء من الدّم يستدلّ به على الرّميّة،و دم البكر،و التّرس و الدّرع، و العبرة يعتبر بها،و الشّهيد.

و لمح باصر:ذو بصر و تحديق.

و البصرة:بلدة معروف،و يكسر و يحرّك،و يكسر الصّاد،أو هو معرّب«بس راه»أي كثير الطّرق.و بلدة بالمغرب خربت بعد الأربعمائة،و الأرض الغليظة، و حجارة رخوة فيها بياض.

و بالضّمّ:الأرض الحمراء الطّيّبة،و الأثر القليل من اللّبن.

ص: 649

و بصرى كحبلى:بلدة بالشّام،و قرية ببغداد قرب عكبراء،منها محمّد بن محمّد بن خلف الشّاعر البصرويّ.

و بوصير:أربع قرى بمصر،و نبت.

و البصر:القطع كالتّبصير،و أن تضمّ حاشيتا أديمين يخاطان.

و بالضّمّ:الجانب،و حرف كلّ شيء،و القطن، و القشر،و الجلد و يفتح،و الحجر الغليظ و يثلّث.

و كصرد:موضع.

و الباصر بالفتح:القتب الصّغير،و الباصور:اللّحم، و رحل دون القطع.

و المبصر:الوسط من الثّوب و من المنطق و المشي، و من علّق على بابه بصيرة للشّقّة،و الأسد يبصر الفريسة من بعد فيقصدها.

و أبصر و بصّر تبصيرا:أتى البصرة.

و الأباصر:موضع.

و التّبصّر:التّأمّل و التّعرّف.

و استبصر:استبان،و بصّره تبصيرا:عرّفه و أوضحه،و اللّحم:قطع كلّ مفصل،و ما فيه من اللّحم، و الجرو:فتح عينيه،و رأسه:قطعه.

و قوله تعالى: وَ النَّهارَ مُبْصِراً يونس:67،أي يبصر فيه، وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:

12،أي بيّنة واضحة، وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً الإسراء:59،أي آية واضحة بيّنة، فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً النّمل:13،أي تبصّرهم،أي تجعلهم بصراء.(1:387)

الطّريحيّ: و في حديث الدّنيا:«من أبصر بها بصّرته و من أبصر إليها أعمته».

قوله:«من أبصر بها بصّرته»أي من جعلها سبب هدايته و محلّ إبصاره بعين عقله،استفاد منها البصر.

و«من أبصر إليها أعمته»أي من مدّ إليها بصر بصيرته محبّة لها،أعمته عن إدراك أنوار اللّه تعالى.

و في حديث مدح الإسلام:«و جعله تبصرة لمن عزم»أي من عزم على أمر كان في الإسلام تبصرة و هداية إلى كيفيّة فعله.

و أبصرته برؤية العين إبصارا،و بصرت بالشّيء -بالضّمّ و الكسر لغة-بصرا بفتحتين:علمت،فأنا بصير.يتعدّى بالباء و بنفسه،و هو ذو بصيرة،أي علم و خبرة؛و يتعدّى بالتّضعيف إلى ثان.

و الاستبصار من البصيرة،و المستبصر:المستبين للشّيء.

و«يبصرهم النّاظر»أي يحيط بهم نظرة لا يخفى عليه منهم شيء.

و في الخبر: «بصر كلّ سماء مسيرة كذا»أي سمكها.

و البصرة و زان تمرة:بلدة إسلاميّة بنيت في خلافة الخليفة الثّاني في ثماني عشرة من الهجرة،سمّيت بذلك، لأنّ البصرة:الحجارة الرّخوة،و هي كذلك فسمّيت بها.

و في كلام عليّ عليه السّلام«البصرة مهبط إبليس و مغرس الفتن».

و البصرتان:البصرة و الكوفة.(3:225)

مجمع اللّغة: بصر به:رآه،فهو بصير.

و يطلق البصر على العلم القويّ المضاهي لإدراك

ص: 650

الرّؤية،فيقال:بصر بالشّيء:علمه عن عيان،فهو بصير به.

أبصر يبصر إبصارا أي رأى.

و بصير:صفة من بصر به،بمعنى رآه أو علمه،و هو أيضا من أسماء اللّه تعالى.

البصيرة:نور القلب الّذي به يستبصر،كما أنّ البصر نور العين الّذي به تبصر.

و من المجاز:البصيرة:البيان،و الحجّة الواضحة، و العبرة يعتبر بها،و الشّاهد.و جمع بصيرة:بصائر.

بصّره بالشّيء تبصيرا و تبصرة:علّمه إيّاه أو عرّفه،و أوضحه له حتّى يبصره.

و من المجاز:نهار مبصر،أي مضيء يبصر فيه.و آية مبصرة:بيّنة واضحة.

و يقال:هو مستبصر،إذا كان عاقلا،يمكنه التّمييز بين الحقّ و الباطل بالاستدلال و النّظر.

البصر:حاسّة الرّؤية،و جمعه:أبصار.(1:100)

محمّد إسماعيل إبراهيم: بصر و أبصر:رأى بالعين،و البصر:العين،و قوّة الإبصار،و قوّة الإدراك.

و بصر بالشّيء:علم به،و بصر الأمر:عرفه و وضحه،و أبصر به و أسمع:ما أبصره و ما أسمعه.

و البصير:الخبير.

و البصيرة:نور القلب،و هي للقلب كالبصر للعين، أو هي العقل و الفطنة و الحجّة،و جمعها:بصائر.

و النّهار المبصر:المضيء.

و استبصر:استبان.و فلان على بصيرة:على يقين و صحّة عقيدة.

و الآيات المبصرة:البيّنة الواضحة.

و أولي الأبصار:أصحاب العقول.و تبصرة و تبصيرا و تبيينا.

و بصّرته بالشّيء:أوضحته له حتّى يبصره،ثمّ ضمّن معنى التّعريف.(1:69)

محمود شيت: 1-أ-بصر بصرا:صار مبصرا.

و بصر به:أبصره،و بصر به:علمه.

ب-بصر بصرا،و بصارة:صار بصيرا.و بصر:

صار ذا بصيرة،فهو بصير.و بصر بالشّيء:علم به.

و بصر به بصرا:أبصره.

ج-أبصر فلان:نظر ببصره فرأى،و رأى ببصيرته فاهتدى.

و أبصر:أتى البصرة،و أبصر النّهار:أضاء،و أبصر الطّريق:استبان و وضح.

د-باصره:باراه في الإبصار،و باصر الشّيء:

أشرف ينظر إليه من بعيد.

ه-بصّر:أتى البصرة.

و بصّر فلانا الأمر و به تبصيرا،و تبصرة:علّمه إيّاه، و وضّحه له.

و-تباصر القوم:أبصر بعضهم بعضا.

ز-تبصّر:تأمّل،و تعرّف.

ح-الباصر،يقال:لمح باصر:نظر ذو تحديق، و لقي منه لمحا باصرا:أمرا واضحا.

ط-الباصرة:مؤنّث الباصر،و الباصرة:قوّة الإبصار.

ي-البصر:العين،و قوّة الإبصار،و الإدراك،

ص: 651

جمعه:أبصار.

ك-البصيرة:قوّة الإدراك و الفطنة،و العلم، و الخبرة،و الحجّة،و الرّقيب،و العبرة،و كلّ ما اتّخذ جنّة كالدّرع و التّرس و غيرهما.

ل-المبصر:المشرف على الشّيء،المحافظ عليه.

2-البصر؛يقال:التّدريب البصريّ ما يرى بالعين بوسائل الإيضاح الملموسة،و التّدريب الّذي يجري لتقوية البصر على الرّؤية ليلا.

و وسائط المخابرة البصريّة:الأعلام،و القناديل اللّيليّة،و القناديل الشّمسيّة الّتي تعكس ضوء الشّمس،و هي من وسائط صنف المخابرة«سلاح الإشارة».(1:86)

العدنانيّ: بصريّ و بصريّ.

و يخطّئون من ينسب إلى مدينة البصرة العربيّة العراقيّة بقوله:بصريّ،و يقولون:إنّ الصّواب هو بصريّ،كما جاء في معجم البلدان،و همع الهوامع، و محيط المحيط.

و ذكر البصريّ و البصريّ كليهما: اللّسان، و المصباح،و التّاج،و المتن.و استشهد اللّسان بقول عذافر:

بصريّة تزوّجت بصريّا

يطعمها المالح و الطّريّا

و ذكر محيط المحيط أنّ هذه المدينة تسمّى:بصرة، و بصرة،و بصرة،و بصرة.

و اكتفى الوسيط بفتح الباء بقوله:البصرة مدينة إلخ و نحاة البصرة.(63)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو العلم بنظر العين،أو بنظر القلب،كما أنّ الرّؤية و النّظر:مطلق النّظر غير مقيّد بقيد العلم،و العلم مطلق غير مقيّد بقيد النّظر وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ الأعراف:198.

فالبصير:من له البصارة،أي النّظر و العلم، و تستعمل«البصيرة»في التّأنيث،فيقال:نفس بصيرة، و قوّة بصيرة.و جمعها:بصائر كصحيفة و صحائف، و ظريفة و ظرائف.

و البصر يستعمل مصدرا،و اسما باعتبار كونه بمعنى «الفاعل»أي الباصرة.و إطلاق المصدر على«الفاعل» للإشارة إلى أنّ النّظر إلى جهة الحدث و الفعل لا الذّات، و جمعه:أبصار.

و الفرق بين الإبصار و التّبصير،هو ما ذكرنا في فرق صيغة«إفعال و تفعيل»من جهة الصّدور و الوقوع.

و أمّا معنى الثّخن و الغلظ،فباعتبار كونه أوّل ما يتراءى من الجسم؛فبصر الثّوب:ما يبصر منه، و قريب منه معنى«الجانب».

و أمّا معنى الدّم المستدار على الأرض،فباعتبار ثبوته و بقائه حتّى يبصر،و يستدلّ به على الرّميّة،فهو ما يبصر من أثر الرّميّة.فكذلك معنى التّرس:فإنّ الجنّة أوّل ما يبصر من السّلاح بل ممّن يحارب و يبارز.

و أمّا البرهان،فهو ما يقدّم و يرى في مقام الاحتجاج.

و أمّا الحجارة الرّخوة،فباعتبار ما فيها من البياض.

(1:264)

ص: 652

النّصوص التّفسيريّة

بصرت

وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ. القصص:11

ابن عبّاس: أبصرته.(الفخر الرّازيّ 24:230)

مثله النّسفيّ(3:228)،و الشّربينيّ(3:85).

قتادة: يقول:بصرت به،و هي محاذيته لم تأته.

(الطّبريّ 20:39)

جعلت تنظر إليه كأنّها لا تريده.

(الطّبريّ 20:40)

الطّبريّ: يقول:فبصرت بموسى عن بعد لم تدن منه و لم تقرب،لئلاّ يعلم أنّها منه بسبيل،يقال منه:

بصرت به و أبصرته،لغتان مشهورتان،و أبصرت عن جنب،و عن جنابة.(20:39)

الطّوسيّ: فبصرت به:رأته،و هو لا يتعدّى إلاّ بحرف الجرّ،و الرّؤية تتعدّى بنفسها.(8:134)

البغويّ: في القصّة أنّها كانت تمشي جانبا و تنظر اختلاسا،ترى أنّها لا تنظره.(3:525)

مثله الخازن.(5:137)

الطّبرسيّ: في الكلام حذف و اقتصار،تقديره:

فذهبت أخت موسى فوجدت آل فرعون قد أخرجوا التّابوت و أخرجوا موسى،فبصرت به.

و هذا من الإيجاز الدّالّ على الإعجاز باللّفظ القليل المعنى على المعنى الكثير،أي فرأت أخاها موسى عن جنب.(4:242)

الآلوسيّ: أي أبصرته،و الفاء فصيحة،أي فقصّت أثره فبصرت.

و قرأ قتادة (فبصرت) بفتح الصاد،و عيسى بكسرها.(20:50)

عبد الكريم الخطيب: و في قوله تعالى:

فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ إعجاز من إعجاز النّظم القرآنيّ،الّذي تشخّص فيه الكلمة ألطف المعاني و أرقّها،فإذا شعاعات هذا النّور كيان شاخص، يمسك باليد،و يصوّر بالعين.

ففي كلمة(بصرت)نرى أنّ قلب تلك الأخت كان أمام عينيها،فلم تبحث عن أخيها بعينيها،و لم تتسمّع أخباره بأذنيها،و إنّما كانت كيانا من الحذر و الحيطة؛ بحيث تقرأ الحركات و الإشارات،و تتأوّل الرّموز و الألغاز.

فالبصر هنا بصر علم،أقرب ما يكون إلى الإلهام، كما يقول سبحانه و تعالى: قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ* قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ طه:95،96.

(10:317)

بصرت

قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي. طه:96

أبو عبيدة: (قال بصرت بما لم تبصروا به)أي علمت ما لم تعلموه.و بصرت(فعلت)من البصيرة، فصرت بها عالما بصيرا.

ص: 653

و لها موضع آخر قوم يقولون:بصرت و أبصرت سواء،بمنزلة سرعت و أسرعت ما شئت.(2:26)

نحوه الزّجّاج.(3:374)

الطّبريّ: يقول:قال السّامريّ:علمت ما لم يعلموه،و هو«فعلت»من البصيرة،أي صرت بما علمت بصيرا عالما.

و قال آخرون: هي بمعنى أبصرت ما لم يبصروه، و قالوا:يقال:بصرت بالشّيء و أبصرته،كما يقال:

أسرعت و سرعت ما شئت.

و اختلف القرّاء في قراءة هذين الحرفين،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ بالياء،بمعنى قال السّامريّ:بصرت بما لم يبصر به بنو إسرائيل.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة:(بصرت بما لم تبصروا به)بالتّاء على وجه المخاطبة لموسى عليه السّلام و أصحابه،بمعنى قال السّامريّ لموسى:بصرت بما لم تبصر به أنت و أصحابك.

و القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان معروفتان،قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء،مع صحّة معنى كلّ واحدة منهما؛و ذلك أنّه جائز أن يكون السّامريّ رأى جبرئيل فكان عنده ما كان،بأن حدّثته نفسه بذلك أو بغير ذلك من الأسباب،أنّ تراب حافر فرسه الّذي كان عليه،يصلح لما حدّث عنه حين نبذه في جوف العجل،و لم يكن علم ذلك عند موسى،و لا عند أصحابه من بني إسرائيل،فلذلك قال لموسى:(بصرت بما لم تبصروا به)أي علمت بما لم تعلموا به.

و أمّا إذا قرئ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ بالياء فلا مئونة فيه،لأنّه معلوم أنّ بني إسرائيل لم يعلموا ما الّذي يصلح له ذلك التّراب.(16:204)

الهرويّ: أي علمت ما لم يعلموا،يقال:بصر يبصر،إذا صار عليما بالشّيء،فإذا نظرت قلت:

أبصرت أبصر.(1:173)

الطّوسيّ: قرأ حمزة و الكسائيّ (ما لم تبصروا) بالتّاء،الباقون بالياء المعجمة من أسفل.

من قرأ بالتّاء حمله على خطابه لجميعهم،و من قرأ بالياء أراد بصرت بما لم يبصروا بنو إسرائيل،و المعنى رأيت ما لم يروه.

فمن قرأ بالياء أراد ما لم يبصروا هؤلاء،و من قرأ بالتّاء حمله على الخطاب.و«بصر»لا يتعدّى و إن كانت الرّؤية متعدّية،لأنّ ما كان على وزن«فعل»بضمّ العين لا يتعدّى،غير أنّه و إن كان غير متعدّ،فإنّه يتعدّى بحرف الجرّ،كما عدّاه هنا بالباء.

و قيل:(بصرت)هاهنا بمعنى علمت من البصيرة، يقال:بصر يبصر،إذا علم.و أبصر إبصارا،إذا رأى.

(7:203)

البغويّ: رأيت ما لم يروا،و عرفت ما لم يعرفوا.

(3:273)

الزّمخشريّ: و المعنى علمت ما لم تعلموه،و فطنت ما لم تفطنوا له.(2:551)

الطّبرسيّ: أي رأيت ما لم يروه.و قيل:معناه علمت ما لم يعلموا من البصيرة.(4:27)

أبو السّعود: بضمّ الصّاد فيهما.و قرئ بكسرها في

ص: 654

الأوّل و فتحها في الثّاني،و قرئ بالتّاء على الوجهين، على خطاب موسى عليه السّلام و قومه،أي علمت ما لم يعلمه، القوم و فطنت لما لم يفطنوا له،أو رأيت ما لم يروه،و هو الأنسب بما سيأتي من قوله،و كذلك(سوّلت لى نفسى) لا سيّما على القراءة بالخطاب.

فإنّ ادّعاء علم ما لم يعلمه موسى عليه السّلام جرأة عظيمة لا تليق بشأنه و لا بمقامه،بخلاف ادّعاء رؤية ما لم يره عليه السّلام فإنّها ربّما تقع بحسب ما يتّفق.(4:304)

البروسويّ: في«التّأويلات النّجميّة»:(بصرت) يعني خصّص بكرامة فيما رأيت من أثر فرس جبريل و ألهمت بأنّ له شأنا ما خصّ به أحد منكم.(5:421)

الآلوسيّ: بضمّ الصّاد فيهما،أي علمت ما لم يعلمه القوم و فطنت لما لم يفطنوا له.و قيل:بصره و أبصره بمعنى واحد.

و قرأ الأعمش و أبو السّمال: (بصرت) بكسر الصّاد (بما لم يبصروا) بفتح الصّاد،و قرأ عمرو بن عبيد:

(بصرت) بضمّ الباء و كسر الصّاد (بما لم تبصروا) بضمّ التّاء المثنّاة من فوق و فتح الصّاد،على البناء للمفعول.

و قرأ الكسائيّ و حمزة و أبو بحريّة و الأعمش و طلحة و ابن أبي ليلى و ابن مناذر و ابن سعدان و قعنب(بما لم تبصروا)بالتّاء الفوقانيّة المفتوحة و بضمّ الصّاد، و الخطاب لموسى عليه السّلام و قومه.

و قيل:له عليه السّلام وحده،و ضمير الجمع للتّعظيم،كما قيل في قوله تعالى: رَبِّ ارْجِعُونِ المؤمنون:99، و هذا منقول عن قدماء النّحاة،و قد صرّح به الثّعالبيّ في سرّ العربيّة.

فما ذكره الرّضيّ من أنّ التّعظيم إنّما يكون في ضمير المتكلّم مع الغير كفعلنا،غير مرتضى و إن تبعه كثير.

(16:253)

المراغيّ: أي قال السّامريّ:إنّي عرفت ما لم يعرفه القوم و لم تعرفه أنت،و عرفت أنّ ما أنتم عليه ليس بالحقّ.(16:145)

الطّباطبائيّ: المراد بقوله: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ إبصاره جبريل حين نزل راجلا أو راكبا رآه و عرفه،و لم يره غيره من بني إسرائيل.

(14:195)

المصطفويّ: إنّ انتخاب صيغة المجرّد في مورد بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ للدّلالة على التّأكيد و ثبوت البصارة و التّحقيق الزّائد،و حصول العلم و اليقين.(1:267)

بصير

1- ..وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ. البقرة:96

الطّبريّ: و اللّه ذو إبصار بما يعملون،لا يخفى عليه شيء من أعمالهم،بل هو بجميعها محيط،و لها حافظ ذاكر حتّى يذيقهم بها العقاب جزاءها.

و أصل بصير:مبصر،من قول القائل:أبصرت فأنا مبصر،و لكن صرف إلى«فعيل»كما صرف مسمع إلى سميع.(1:431)

الطّوسيّ: أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم،بل هو بجميعها محيط،و لها حافظ حتّى يذيقهم بها العذاب.

و معنى بصير:مبصر-عند أهل اللّغة-و سميع بمعنى

ص: 655

مسمع،لكنّه صرف إلى«فعيل»في بصير و سميع،و مثله عَذابٌ أَلِيمٌ البقرة:10،بمعنى مؤلم،و بَدِيعُ السَّماواتِ البقرة:117،بمعنى مبدع.

و عند المتكلّمين: المبصر هو المدرك للمبصرات، و البصير هو الحيّ الّذي لا آفة به،لأنّه يجب أن يبصر المبصرات إذا وجدت.و ليس أحدهما هو الآخر، و كذلك سميع و مسمع.(1:360)

مثله الطّبرسيّ.(1:165)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ البصر قد يراد به العلم، يقال:إنّ لفلان بصرا بهذا الأمر،أي معرفة.و قد يراد به أنّه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها.

و كلا الوصفين يصحّان عليه سبحانه،إلاّ أنّ من قال:إنّ في الأعمال ما لا يصحّ أن يرى،حمل على البصر على العلم لا محالة،و اللّه أعلم.(3:194)

نحوه النّيسابوريّ.(1:179)

القرطبيّ: أي بما يعمل هؤلاء الّذين يودّ أحدهم أن يعمّر ألف سنة.و من قرأ بالتّاء فالتّقدير عنده:قل لهم يا محمّد:اللّه بصير بما تعملون.

و قال العلماء: وصف اللّه عز و جلّ نفسه بأنّه بصير، على معنى أنّه عالم بخفيّات الأمور.و البصير في كلام العرب:العالم بالشّيء،الخبير به.

و منه قولهم:فلان بصير بالطّبّ،و بصير بالفقه، و بصير بملاقاة الرّجال.[ثمّ استشهد بشعر]

قال الخطّابيّ: البصير:العالم،و البصير:المبصر.

و قيل:وصف تعالى نفسه بأنّه بصير على معنى جاعل الأشياء المبصرة ذوات إبصار،أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة و القوّة،فاللّه بصير بعباده،أي جاعل عباده مبصرين.(2:35)

أبو حيّان: هذه الجملة تتضمّن التّهديد و الوعيد، و أتى هنا بصفة(بصير)و إن كان اللّه تعالى متنزّها عن الجارحة إعلاما،بأنّ علمه بجميع الأعمال علم إحاطة و إدراك للخفيّات.(1:316)

أبو السّعود: البصير في كلام العرب:العالم بكنه الشّيء الخبير به،و منه قولهم:فلان بصير بالفقه،أي عليم بخفيّات أعمالهم،فهو مجازيهم بها لا محالة.

(1:168)

نحوه البروسويّ.(1:186)

الآلوسيّ: أي عالم بخفيّات أعمالهم،فهو مجازيهم لا محالة.و حمل البصر على العلم هنا،و إن كان بمعنى الرّؤية،صفة للّه تعالى أيضا،لأنّ بعض الأعمال لا يصحّ أن يرى،على ما ذهب إليه بعض المحقّقين.و في هذه الجملة من التّهديد و الوعيد ما هو ظاهر.(1:331)

القاسميّ: ما ذكره بعض المفسّرين من أنّ البصير في اللّغة بمعنى العليم لا يخفى فساده،فإنّ العليم و البصير اسمان متباينا المعنى لغة.نعم لو حمل أحدهما على الآخر مجازا لم يبعد،و لا ضرورة إليه هنا.

و دعوى أنّ بعض الأعمال ممّا لا يصحّ أن يرى،فلذا حمل هذا البصر على العلم،هو من باب قياس الغائب على الشّاهد،و هو بديهيّ البطلان.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:197)

المراغيّ: أي و اللّه عليم بخفيّات أعمالهم،و بجميع ما يصدر منهم،و هو مجازيهم به.فطول العمر لا يخرجهم

ص: 656

من قبضته،و لا ينجيهم من عقابه،فالمرجع إليه،و الأمر كلّه بيديه.(1:174)

الطّباطبائيّ: البصير من أسمائه الحسنى،و معناه العلم بالمبصرات،فهو من شعب اسم العليم.(1:229)

2- وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. البقرة:110

الطّبريّ: هذا خبر من اللّه جلّ ثناؤه للّذين خاطبهم،بهذه الآيات من المؤمنين،أنّهم مهما فعلوا من خير و شرّ سرّا و علانية،فهو به بصير،لا يخفى عليه منه شيء،فيجزيهم بالإحسان جزاءه،و بالإساءة مثلها.

و هذا الكلام و إن كان خرج مخرج الخبر،فإنّ فيه وعدا و وعيدا و أمرا و زجرا؛و ذلك أنّه أعلم القوم أنّه بصير بجميع أعمالهم،ليجدّوا في طاعته؛إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده،حتّى يثيبهم عليه،كما قال: وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ و ليحذروا معصيته؛إذ كان مطّلعا على راكبها،بعد تقدّمه إليه فيها بالوعيد عليها.و ما أوعد عليه ربّنا جلّ ثناؤه فمنهيّ عنه، و ما وعد عليه فمأمور به.

أمّا قوله:(بصير)فإنّه مبصر،صرف إلى بصير كما صرف مبدع إلى بديع،و مؤلم إلى أليم.(1:491)

نحوه الطّوسيّ(1:409)،و الطّبرسيّ(1:185).

الزّمخشريّ: عالم لا يضيع عنده عمل عامل.

(1:304)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ«البصر»قد يراد به العلم،يقال:إنّ لفلان بصرا لهذا الأمر،أي معرفة،و قد يراد به أنّه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها، و كلا الوصفين يصحّان عليه سبحانه.إلاّ أنّ من قال:إنّ في الأعمال ما لا يصحّ أن يرى،حمل هذا البصر على العلم لا محالة،و اللّه أعلم.(3:194)

أبو حيّان: و هذه جملة خبريّة،ظاهرة التّناسب في ختم ما قبلها بها،تتضمّن الوعد و الوعيد.و كنّى بقوله:

(بصير)عن علم المشاهد،أي لا يخفى عليه عمل عامل، و لا يضيّعه.و من كان مبصرا لفعلك لم يخف عليه هل هو خير أو شرّ؟

و أتى بلفظ(بصير)دون«مبصر»إمّا لأنّه من بصر، فهو يدلّ على التّمكّن و السّجيّة في حقّ الإنسان،أو لأنّه«فعيل»للمبالغة،بمعنى«مفعل»الّذي هو للتّكثير.

و يحتمل أن يكون«فعيل»بمعنى«مفعل»كالسّميع بمعنى المسمع.(1:349)

البروسويّ: أي عالم لا يخفى عليه القليل و لا الكثير من الأعمال.(1:204)

الآلوسيّ: حيث جعل جميع ما يعملون مبصرا له تعالى،فعبّر عن علمه تعالى بالبصر،مع أنّ قليلا ممّا يعملون من المبصرات،و كأنّه لهذا فسّر الزّمخشريّ البصير بالعالم.

و أمّا قول العلاّمة: «إنّه إشارة إلى نفي الصّفات،و أنّه ليس معنى السّمع و البصر في حقّه تعالى إلاّ تعلّق ذاته بالمعلومات»ففيه أنّ التّفسير لا يفيد،إلاّ أنّ المراد من «البصير»هاهنا العالم،و لا دلالة على كونه نفس الذّات أو زائدا عليه،و لا على أن ليس معنى السّمع و البصر في

ص: 657

حقّه تعالى سوى التّعلّق المذكور.(1:358)

المراغيّ: فهو عالم بجميع أعمالكم كثيرها و قليلها،لا تخفى عليه خافية من أمركم،خيرا كانت أو شرّا،و هو مجازيكم عليها.(1:192)

و بهذا المعنى جاء كلمة(البصير)في سورة البقرة:

233 و 237 و 265،و آل عمران:15 و 20 و 165، و الأنفال:39،و هود:112،و الحجّ:61 و 75، و لقمان:28،و سبأ:11،و فاطر:31،و المؤمن:44، و فصّلت:40،و الشّورى:27،و الحجرات:98، و الحديد:4،و المجادلة:1،و الممتحنة:3،و التّغابن:2، و الملك:19،في أكثر التّفاسير فلاحظ.

3- وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. البقرة:237

أبو حيّان: ختم هذه الآية بهذه الصّفة الدّالّة على المبصرات،لأنّ ما تقدّمه من العفو من المطلّقات و المطلّقين،و هو أن يدفع شطر ما قبضن أو يكملون لهنّ الصّداق،هو مشاهد مرئيّ،فناسب ذلك المجيء بالصّفة المتعلّقة بالمبصرات.

و لمّا كان آخر قوله: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ -إلى قوله - فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ البقرة:

234،ممّا يدرك بلطف و خفاء،ختم ذلك بقوله: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، و في ختم هذه الآية بقوله: أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة:233،وعد جميل للمحسن، و حرمان لغير المحسن.(2:238)

المراغيّ: ختم سبحانه الآية بالتّذكير باطّلاعه و إحاطة بصره بما يعامل به الأزواج بعضهم بعضا، ترغيبا في المحاسنة و الفضل،و ترهيبا لأهل المخاشنة و الجهل،لتكون مقرونة بالموعظة الّتي تغذّي الإيمان، و تبعث على الامتثال.(2:199)

4- هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

آل عمران:163

الطّبريّ: يقول:إنّ اللّه لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته.(4:162)

الطّوسيّ: معناه عليم،و فيه تحذير من أن يتّكل على الأسرار في الأعمال،ظنّا بأنّ ذلك يخفى على اللّه، لأنّ أسرار العباد عند اللّه علانية.و فيه توثيق بأنّه لا يضيع للعامل لربّه شيء،لأنّه لا يخفى عليه جميعه.(3:37)

نحوه الطّبرسيّ.(1:531)

الزّمخشريّ: عالم بأعمالهم و درجاتها،فمجازيهم على حسبها.(1:476)

الفخر الرّازيّ: و المقصود أنّه تعالى لمّا ذكر أنّه يوفّي لكلّ أحد بقدر عمله جزاء،و هذا لا يتمّ إلاّ إذا كان عالما بجميع أفعال العباد على التّفصيل،الخالي عن الظّنّ و الرّيب و الحسبان،أتبعه ببيان كونه عالما بالكلّ،تأكيدا لذلك المعنى،و هو قوله: وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

(9:77)

الآلوسيّ: و«البصير»كما قال حجّة الإسلام:هو الّذي يشاهد و يرى حتّى لا يعزب عنه ما تحت الثّرى، و أبصاره أيضا منزّه عن أن يكون بحدقة و أجفان،

ص: 658

و مقدّس عن أن يرجع إلى انطباع الصّور و الألوان في ذاته،كما ينطبع في حدقة الإنسان،فإنّ ذلك من التّغيير و التّأثّر المقتضي للحدثان.و إذا نزّه عن ذلك كان البصر في حقّه تعالى عبارة عن الصّفة الّتي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات،و ذلك أوضح و أجلى ممّا نفهمه من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيّات،انتهى.

و يفهم منه أنّ«البصر»صفة زائدة على العلم،و هو الّذي ذهب إليه الجمهور منّا،و من المعتزلة.و الكراميّة قالوا:لأنّا إذا علمنا شيئا علما جليّا ثمّ أبصرناه نجد فرقا بين الحالتين بالبديهة،و أنّ في الحالة الثّانية حالة زائدة هي الإبصار.

و قال الفلاسفة و الكعبيّ،و أبو الحسين البصريّ، و الغزاليّ عند بعض،و ادّعى أنّ كلامه هذا مشير إليه أنّ بصره تعالى عبارة عن علمه تعالى بالمبصرات،و مثل هذا الخلاف في السّمع.

و الحقّ أنّهما زائدان على صفة العلم،و أنّهما لا يكيّفان و لا يحدّان،و الإقرار بهما واجب كما وصف بهما سبحانه نفسه،و إلى ذلك ذهب السّلف الصّالح،و إليه ينشرح الصّدر.(4:112)

المراغيّ: فلا يخفي عليه شيء من أعمالهم الّتي لها التّأثير العظيم في تزكية نفوسهم و فوزها و فلاحها، و ارتقائها إلى أرفع الدّرجات،أو في تدسيتها الّتي يترتّب عليها الخيبة و الخسران،و الهبوط إلى أسفل الدّركات، كما قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:9،10.(4:112)

البصير

1- ..قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ. الأنعام:50

مجاهد :الضّالّ و المهتدي.(الطّبريّ 7:199)

الحسن: أي هل يستوي العارف باللّه تعالى و بدينه العالم به،مع الجاهل به و بدينه.فجعل الأعمى مثلا للجاهل،و البصير مثلا للعارف باللّه و نبيّه.

مثله الجبّائيّ.(الطّوسيّ 4:152)

قتادة: (و البصير):العبد المؤمن الّذي أبصر بصرا نافعا،فوحّد اللّه وحده،و عمل بطاعة ربّه،و انتفع بما آتاه اللّه.(الطّبريّ 7:199)

نحوه الطّبريّ.(7:199)

البلخيّ: معناه هل يستوي من صدق على نفسه و اعترف بحاله الّتي هو عليها من الحاجة و العبوديّة لخالقه،و من ذهب عن البيان و عمي عن الحقّ.

(الطّوسيّ 4:152)

الزّمخشريّ: مثل للضّالّ و المهتدي.و يجوز أن يكون مثلا لمن اتّبع ما يوحى إليه و من لم يتّبع،أو لمن ادّعى المستقيم و هو النّبوّة و المحال و هو الإلهيّة أو الملكيّة.

(2:20)

مثله البيضاويّ(1:311)،و النّسفيّ(2:13)، و نحوه أبو السّعود(2:387).

الفخر الرّازيّ: العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى،و العمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى عمل البصير.(12:232)

الشّربينيّ: أي هل يكونون سواء من غير مزيّة، فإن قالوا:نعم كابروا الحسّ،و إن قالوا:لا،قيل:فمن

ص: 659

تبع هذه الآيات الجليّات فهو البصير،و من أعرض فهو الأعمى.

و قيل:المراد بالأوّل الكافر،و بالثّاني المؤمن.

و قيل:الضّالّ و المهتدي،و قيل:الجاهل و العالم.

(1:421)

البروسويّ: مثال للضّالّ و المهتدي،فإنّه عليه السّلام لمّا وصف نفسه بكونه متّبعا للوحي الإلهيّ،لزم منه أن يصف نفسه بالاهتداء،و يصف من عانده و استبعد دعواه بالضّلال.فالعمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى،و العمل بمقتضى الوحي يجري مجرى عمل البصير.(3:34)

الطّباطبائيّ: فإنّ مدلوله بحسب ما يعطيه السّياق:أنّي و إن ساويتكم في البشريّة و العجز لكن ذلك لا يمنعني عن دعوتكم إلى اتّباعي،فإنّ ربّي جعلني على بصيرة بما أوحي إليّ دونكم.فأنا و أنتم كالبصير و الأعمى،و لا يستويان في الحكم و إن كانا متساويين في الإنسانيّة.فإنّ التّفكّر في أمرهما يهدي الإنسان إلى القضاء:بأنّ البصير يجب أن يتبعه الأعمى،و العالم يجب أن يتبعه الجاهل.(7:97)

2- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَ السَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَ فَلا تَذَكَّرُونَ. هود:24

ابن عبّاس: (البصير و السّميع):المؤمن.

(الطّبريّ 12:25)

نحوه مجاهد و قتادة(الطّبريّ 12:25)،و مثله الضّحّاك(القرطبيّ 9:22).

الطّبريّ: فالأعمى و الأصمّ و البصير و السّميع في اللّفظ أربعة،و في المعنى اثنان،و لذلك قيل:(هل يستويان).

و قيل:(كالاعمى و الاصمّ)و المعنى كالأعمى و الأصمّ،و كذلك قيل:(و البصير و السّميع)و المعنى البصير السّميع،كقول القائل:قام الظّريف و العاقل، و هو ينعت بذلك شخصا واحدا.(12:25)

الخازن: (البصير)هو الّذي يبصر الأشياء على ماهيّتها.(3:185)

القرطبيّ: المعنى هل يستوي الأعمى و البصير، و هل يستوي الأصمّ و السّميع.(9:22)

البروسويّ: (البصير):الّذي يرى الحقّ حقّا و يتّبعه،و الباطل باطلا و يجتنبه.(4:114)

و هناك مطالب أخرى راجع:«ف رق،م ث ل».

3- ..قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ... الرّعد:16

ابن عبّاس: يعني المشرك و المؤمن.

(الخازن 4:11)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 13:133)،و البغويّ(3:

13).

مجاهد :(الاعمى)الّذي هو المشرك الجاهل بالعبادة و مستحقّها،(و البصير)الّذي هو الموحّد العالم بذلك.(الآلوسيّ 13:128)

الطّوسيّ: أم هل يتساوى الأعمى عن طريق الحقّ و العادل عنه إلى الضّلال،و البصير الّذي اهتدى

ص: 660

إلى الحقّ،فإنّهما لا يتساويان أبدا،كما لا يتساوى الظّلمات و النّور.(6:236)

الطّبرسيّ: أي كما لا يستوي الأعمى و البصير كذلك لا يستوي المؤمن و الكافر،لأنّ المؤمن يعمل على بصيرة،و يعبد اللّه الّذي يملك النّفع و الضّرّ،و الكافر يعمل على عمى و يعبد من لا يملك النّفع و الضّرّ.

(3:285)

القرطبيّ: قيل:(الاعمى)مثل لما عبدوه من دون اللّه(و البصير)مثل اللّه تعالى.(9:303)

النّسفيّ: أي الكافر و المؤمن،أو من لا يبصر شيئا و من لا يخفى عليه شيء.(2:246)

البروسويّ: وارد على التّشبيه،أي فكما لا يستوي الأعمى و البصير في الحسّ،كذلك لا يستوي المشرك الجاهل بعظمة اللّه و ثوابه و عقابه و قدرته مع الموحّد العالم بذلك.

قال في«التّأويلات النّجميّة»: (الاعمى):من يرى غير اللّه مالكا و متصرّفا في الوجود(و البصير)من لا يرى مالكا و لا متصرّفا في الوجود غير اللّه.

و أيضا(الاعمى)هو النّفوس،لأنّها تتعلّق بغير اللّه و تحبّ غيره،(و البصير):القلوب لأنّها تتعلّق باللّه و تحبّه،فالأعمى من عمي بالحقّ و أبصر بالباطل، و البصير من أبصر بالحقّ و عمي بالباطل.

و أيضا(الاعمى):من أبصر بظلمات الهوى، (و البصير)من أبصر بأنوار المولى.(4:358)

الآلوسيّ: في الكلام (1)عليه استعارة تصريحيّة، و كذا على ما قيل:إنّ المراد بالأوّل الجاهل بمثل هذه الحجّة،و بالثّاني العالم بها.

و قيل:إنّ الكلام على التّشبيه،و المراد لا يستوي المؤمن و الكافر كما لا يستوي الأعمى و البصير،فلا مجاز.

و من النّاس من فسّر الأوّل بالمعبود الغافل،و الثّاني بالمعبود العالم بكلّ شيء،و فيه بعد.(13:128)

العامليّ: يعني المؤمن و الكافر.و ما في«المناقب» عن ابن عبّاس أنّه قال في الآية المذكورة:إنّ(البصير) أمير المؤمنين عليه السّلام.و في الأخبار الكثيرة:أنّهم هم و شيعتهم أولو الأبصار.

و قد صرّح الصّادق عليه السّلام بذلك و بعلّته فيما روي عنه،حيث قال:إنّ اللّه خلق للنّاس أربعة أعين؛عينان ظاهرتان يرى بهما أمور الدّنيا،و عينان باطنتان يرى بهما أمور الآخرة،و إنّ شيعتنا أصحاب أربعة أعين، و مخالفينا أعمى اللّه منهم العينين الباطنتين.

و لهذا ورد في بعض الرّوايات-كما مرّ عن«كنز الفوائد»و غيره في الفصل الرّابع من المقالة الأولى من هذه المقدّمة الثّالثة-تأويل قوله تعالى:(لا تبصرون) بلا تعرفون.و سيأتي في«الغشاوة»ما يدلّ على أنّ تأويل (اغشيناهم)بأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى،لتركهم الولاية.

و يظهر من رواية تأويل المستبصر و من أبصر و نحوهما بمن ليس بشاكّ في التّوحيد و النّبوّة و الولاية و عرفان حقّ الأئمّة عليهم السّلام،كما يأتي مؤيّده في الأعمى أيضا.

و بالجملة المراد ب(البصير)و ما يفيد مفاده في كثيرق.

ص: 661


1- يعني في كلام مجاهد السّابق.

من آيات القرآن:صاحب البصيرة،و لا شكّ أنّه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة و شيعتهم،فتأمّل و لا تغفل عن دلالة ما ذكر على تأويل ما ورد من كونه تعالى بصيرا مهما يناسب بأنّه بصير بما فعل بالنّسبة إلى النّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام و شيعتهم و أعدائهم،و كذا يبصر و يعلم ما يفعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام،و كذا الموالي و المعادي بالنّسبة إلى اللّه تعالى و النّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام،و ولايتهم و طاعتهم و معاداتهم و معصيتهم...(97)

4- ..إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. الإسراء:1

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث طويل]و بصير لا بأداة.(العروسيّ 3:134)

بصير إذ لا منظور إليه من خلقه.

(نهج البلاغة الخطبة:1)

و كلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات و يصمّه كبيرها و يذهب عنه ما بعد منها،و كلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان و لطيف الأجسام.

(نهج البلاغة الخطبة:64)

السّميع لا بأداة،و البصير لا بتفريق آلة.

(نهج البلاغة الخطبة:152)

بصير لا يوصف بالحاسّة.

(نهج البلاغة الخطبة:178)

الإمام الباقر عليه السّلام: محمّد بن مسلم قال:قلت جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغير الّذي يبصر و يبصر بغير الّذي يسمع؟قال:فقال:

كذبوا و ألحدوا و شبّهوا تعالى اللّه عن ذلك أنّه سميع بصير يسمع بما يبصر و يبصر بما يسمع.

قال:قلت:يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه؟ قال:فقال:تعالى اللّه إنّما يعقل ما كان بصفة المخلوق، و ليس اللّه كذلك.(العروسيّ 3:135)

الإمام الصّادق عليه السّلام: لم يزل اللّه عزّ و جلّ ربّنا و العلم ذاته و لا معلوم،و السّمع ذاته و لا مسموع، و البصر ذاته و لا مبصر،و القدرة ذاته و لا مقدور.فلمّا أحدث الأشياء و كان المعلوم،وقع العلم منه على المعلوم و السّمع على المسموع،و البصر على المبصر،و القدرة على المقدور.(العروسيّ 3:133)

قد سأله بعض الزّنادقة عن اللّه تعالى،و فيه قال السّائل:فيقول:إنّه سميع بصير؟

قال:و هو سميع بصير،سميع بغير جارحة،و بصير بغير آلة،بل يسمع بنفسه و يبصر بنفسه،ليس قولي:إنّه يسمع بنفسه و يبصر بنفسه إنّه شيء و النّفس شيء آخر،و لكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولا، و إفهاما لك إذ كنت سائلا.

و أقول:يسمع بكلّه لا أنّ الكلّ له بعض،و لكن أردت إفهامك و التّعبير عن نفسي،و ليس مرجعي في ذلك إلاّ إلى أنّه السّميع البصير العالم الخبير،بلا اختلاف الذّات و لا اختلاف المعنى.(العروسيّ 3:134)

الإمام الرّضا عليه السّلام:سمّي ربّنا سميعا لا بجزء فيه يسمع به الصّوت لا يبصر به،كما أنّ جزءنا الّذي به نسمع لا يقوى على النّظر به.و لكن أخبر أنّه لا تخفى عليه الأصوات،ليس على حدّ ما سمّينا نحن،فقد جمعنا الاسم بالسّميع و اختلف المعنى.

ص: 662

و هكذا البصر لا بجزء به أبصر كما إنّا نبصر بجزء منّا لا ننتفع به في غيره،و لكنّ اللّه بصير لا يجهل شخصا منظورا إليه،فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.

(العروسيّ 3:134)

[في حديث طويل قال:]

و قلنا:إنّه سميع لا تخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثّرى،من الذّرّة إلى أكبر منها،في برّها و بحرها.و لا تشتبه عليه لغاتها،فقلنا عند ذلك:سميع لا بأذن،و قلنا:إنّه بصير لا ببصر،لأنّه يرى أثر الذّرّة السّمحاء في اللّيلة الظّلماء على الصّخرة السّوداء،و يرى دبيب النّمل في اللّيلة الدّجيّة،و يرى مضارّها و منافعها،و أثر سفادها و فراخها و نسلها،فقلنا عند ذلك:إنّه بصير،لا كبصر خلقه.(العروسيّ 3:135)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه يجب أن يدرك المبصرات و المسموعات إذا وجدت،لأنّه حيّ، و لا يجوز عليه الآفات.(6:447)

الزّمخشريّ: بأفعاله العالم بتهذّبها و خلوصها، فيكرمه و يقرّبه على حسب ذلك.(2:437)

نحوه النّسفيّ(2:306)،و أبو السّعود(4:110)، و المراغيّ(15:5)،و الطّنطاويّ(9:5).

5- وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ. فاطر:19

ابن عبّاس: هو مثل ضربه اللّه لأهل الطّاعة و أهل المعصية،يقول:و ما يستوي الأعمى و الظّلمات و الحرور و لا الأموات،فهو مثل أهل المعصية،و لا يستوي البصير و لا النّور و لا الظّلّ و الأحياء،فهو مثل أهل الطّاعة.

(الطّبريّ 22:129)

قتادة: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ... خلقا، فضّل بعضه على بعض.فأمّا المؤمن فعبد حيّ،حيّ الأثر،حيّ البصر،حيّ النّيّة،حيّ العمل.و أمّا الكافر فعبد ميّت،ميّت البصر،ميّت القلب،ميّت العمل.

(الطّبريّ 22:129)

ابن زيد: هذا مثل ضربه اللّه،فالمؤمن بصير في دين اللّه،و الكافر أعمى.(الطّبريّ 22:129)

نحوه القمّيّ.(2:208)

الطّوسيّ: معناه لا يتساوى الأعمى عن طريق الحقّ و العادل عنها،و البصير الّذي يهتدي إليها قطّ،لأنّ الأوّل يستحقّ العقاب،و الثّاني يستحقّ الثّواب.

(8:423)

مثله الطّبرسيّ.(4:405)

الفخر الرّازيّ: المؤمن بصير حيث أبصر الطّريق الواضح،و الكافر أعمى،و في تفسير الآية مسائل:

المسألة الأولى:ما الفائدة في تكثير الأمثلة هاهنا حيث ذكر الأعمى و البصير و الظّلمة و النّور،و الظّلّ و الحرور و الأحياء و الأموات.

فنقول:الأوّل:مثل المؤمن و الكافر،فالمؤمن بصير و الكافر أعمى،ثمّ إنّ البصير و إن كان حديد البصر و لكن لا يبصر شيئا إن لم يكن في ضوء،فذكر للإيمان و الكفر مثلا،و قال:الإيمان نور و المؤمن بصير،و البصير لا يخفى عليه النّور.و الكفر ظلمة،و الكافر أعمى،فله صادّ فوق صادّ.(26:16)

البيضاويّ:الكافر و المؤمن،و قيل:هما مثلان للصّنم و اللّه عزّ و جلّ.(2:271)

ص: 663

أبو حيّان: هي طعن على الكفرة و تمثيل، ف(الاعمى):الكافر،(و البصير):المؤمن،أو(الاعمى):

الصّنم،(و البصير):اللّه عزّ و جلّ،و علا،أي لا يستوي معبودهم و معبود المؤمنين و الظّلمات و النّور.[إلى أن قال:]

و ذكر(الاعمى و البصير)مثلا للمؤمن و الكافر،ثمّ البصير و لو كان حديد النّظر لا يبصر إلاّ في ضوء،فذكر ما هو فيه الكافر من ظلمة الكفر و ما هو فيه المؤمن من نور الإيمان،ثمّ ذكر مآلهما و هو الظّلّ،و هو أنّ المؤمن بإيمانه في ظلّ و راحة،و الكافر بكفره في حرّ و تعب.

ثمّ ذكر مثلا آخر في حقّ المؤمن و الكافر فوق حال الأعمى و البصير،إذ الأعمى قد يشارك البصير في إدراك ما،و الكافر غير مدرك إدراكا نافعا فهو كالميّت،و لذلك أعاد الفعل فقال:و ما يستوي الأحياء و لا الأموات، كأنّه جعل مقام سؤال،و كرّر(لا)فيما ذكر لتأكيد المنافاة،فالظّلمات تنافي النّور و تضادّه،و الظّلّ و الحرور كذلك.و الأعمى و البصير ليس كذلك،لأنّ الشّخص الواحد قد يكون بصيرا ثمّ يعرض له العمى،فلا منافاة إلاّ من حيث الوصف.و المنافاة بين الظّلّ و الحرور دائمة، لأنّ المراد من الظّلّ عدم الحرّ و البرد،فلمّا كانت المنافاة أتمّ أكّد بالتّكرار.[إلى أن قال:]

و أفرد الأعمى و البصير،لأنّه قابل الجنس بالجنس؛ إذ قد يوجد في أفراد العميان ما يساوي به بعض أفراد البصراء،كأعمى عنده من الذّكاء ما يساوي به البصير البليد،فالتّفاوت بين الجنسين مقطوع به،لا بين الأفراد.(7:308)

البروسويّ: تمثيل للكافر و المؤمن،فإنّ المؤمن من أبصر طريق الفوز و النّجاة و سلكه بخلاف الكافر،فكما لا يستوي الأعمى و البصير من حيث الحسّ الظّاهر إذ لا بصر للأعمى،كذلك لا يستوي الكافر و المؤمن من حيث الإدراك الباطنيّ،و لا بصيرة للكافر بل الكافر أسوأ حالا من الأعمى المدرك للحقّ؛إذ لا اعتبار بحاسّة البصر لاشتراكها بين جميع الحيوانات.

و فيه إشارة إلى حال المحجوب و المكاشف،فإنّ المحجوب أعمى عن مطالعة الحقّ،فلا يستوي هو و المكاشف الّذي كوشف له عن وجه السّرّ المطلق.

و قال الكاشفيّ: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى أي الكافر أو الجاهل أو الضّالّ،(و البصير)أي المؤمن أو العالم أو المهتدي.(7:338)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّه عطف على قوله: وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ فاطر:18،تعليل في صورة التّمثيل، لعدم مساواة هؤلاء المتزكّين لأولئك المكذّبين.و قيل:

عطف على قوله السّابق: وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ فاطر:12.(17:36)

6- وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. المؤمن:20

الطّبريّ: يقول:إنّ اللّه هو السّميع لما تنطق به ألسنتكم أيّها النّاس،البصير بما تفعلون من الأفعال، محيط بكلّ ذلك محصيه عليكم،ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء.(24:54)

الطّوسيّ: أي يجب أن يبصر المبصرات إذا

ص: 664

وجدت المبصرات،و حقيقتهما (1)يرجع إلى كونه حيّا لا آفة به،و قال قوم:معناه العالم بالمسموعات العالم بالمبصرات.(9:66)

الزّمخشريّ: تقرير لقوله: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ المؤمن:19،و وعيد لهم بأنّه يسمع ما يقولون و يبصر ما يعملون،و أنّه يعاقبهم عليه.

و تعريض بما يدعون من دون اللّه،و أنّها لا تسمع و لا تبصر.(3:421)

مثله البيضاويّ(2:333)،و أبو السّعود(5:

414)،و أبو حيّان(7:45).

الطّبرسيّ: أي الّذي يجب أن يسمع المسموعات و يبصر المبصرات إذا وجدتا،و هاتان الصّفتان في الحقيقة ترجعان إلى كونه حيّا لا آفة به.

و قال قوم:معناهما العالم بالمسموعات و العالم بالمبصرات،و الأوّل هو الصّحيح.(4:519)

البروسويّ: تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين و قضائه بالحقّ،فإنّ من يسمع ما يقولون و يبصر ما يفعلون إذا قضى قضى بالحقّ،و وعيد لهم على ما يفعلون و يقولون،و تعريض بحال ما يدعون من دونه، فإنّهم عريانون عن التّلبّس بهاتين الصّفتين،فكيف يكونون معبودين.

و في الآية إشارة إلى أنّ اللّه يقضي للأجانب بالبعاد، و بالوصال لأهل الوداد،و يخرج السّالكين من تعلّقات أوصافهم على ما قضى به و قدّر في الأزل،و إن كان بواسطة إيمانهم و أعمالهم الصّالحة،إنّ اللّه قد سمع سؤال الحوائج في الأزل و هم بعد في العدم،و كذا سمع أنين نفوس المذنبين و حنين قلوب المحبّين،و أبصر بحاجاتهم.

(8:172)

الآلوسيّ: تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين و ما تخفي الصّدور،و قضاؤه سبحانه بالحقّ،و وعيد لهم على ما يقولون و يفعلون،و تعريض بحال ما يدعون من دونه عزّ و جلّ.و فيه إشارة إلى أنّ القاضي ينبغي أن يكون سميعا بصيرا.(24:60)

الطّباطبائيّ: أي له حقيقة العلم بالمسموعات و المبصرات لذاته،و ليس لغيره من ذلك إلاّ ما ملّكه اللّه و أذن فيه،لا لذاته.(17:320)

7- وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ لاَ الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ.

المؤمن:58

الطّبريّ: الّذي يرى بعينيه ما شخص لهما و يبصره،و ذلك مثل للمؤمن الّذي يرى بعينيه حجج اللّه،فيتفكّر فيها و يتّعظ،و يعلم ما دلّت عليه من توحيد صانعه،و عظيم سلطانه و قدرته على خلق ما يشاء، يقول جلّ ثناؤه:كذلك لا يستوي الكافر و المؤمن.

(24:77)

الطّوسيّ: و البصير الّذي أبصرها و اهتدى إليها.

(9:89)

الزّمخشريّ: ضرب(الاعمى و البصير)مثلا للمحسن و المسيء.(3:433)

الطّبرسيّ: أي لا يستوي من أهمل نفسه و منر.

ص: 665


1- أي السّمع و البصر.

تفكّر فعرف الحقّ،شبّه الّذي لا يتفكّر في الدّلائل بالأعمى،و الّذي يستدلّ بها بالبصير.(4:529)

الفخر الرّازيّ: يعني و ما يستوي المستدلّ و الجاهل المقلّد.(27:79)

نحوه الشّربينيّ.(3:49)

البيضاويّ: الغافل و المستبصر.(2:339)

نحوه البروسويّ.(8:199)،و الآلوسيّ(24:

79)،و شبّر(5:354).

الطّباطبائيّ: لمّا ذكر أنّ أكثر النّاس لا يعلمون، أكّده بأنّهم ليسوا على وتيرة واحدة،فإنّ منهم الأعمى و البصير و لا يستويان،و عطف عليهما: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ و(المسيء)فالطّائفة الأولى أولو بصيرة يتذكّرون بها،و الثّانية أعمى اللّه قلوبهم فلا يتذكّرون.(17:342)

8- ..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

الشّورى:11

الطّبريّ: (البصير)لأعمالهم،لا يخفى عليه من ذلك شيء،و لا يعزب عنه علم شيء منه،و هو محيط بجميعه محص صغيره و كبيره.(25:13)

الطّوسيّ: معناه أنّه على صفة يجب أن يسمع المسموعات إذا وجدت،و يبصر المبصرات إذا وجدت، و ذلك يرجع إلى كونه حيّا لا آفة به.

و فائدة ذكره هاهنا هو أنّه لمّا نفى أن يكون له شبه على وجه الحقيقة و المجاز و على وجه من الوجوه،بيّن أنّه مع ذلك سميع بصير،لئلاّ يتوهّم نفي هذه الصّفة له على الحقيقة فقط،فإنّه لا مدحة في كونه ممّا لا مثل له على الانفراد،لأنّ القدرة لا مثل لها،و إنّما المدحة في أنّه لا مثل له مع كونه سميعا بصيرا،و ذلك يدلّ على التّفرّد الحقيقيّ.

(9:149)

نحوه الطّبرسيّ.(5:26)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يدلّ على كونه تعالى سامعا للمسموعات مبصرا للمرئيّات.

فإن قيل:يمتنع إجراء هذه اللّفظ على ظاهره،و ذلك لأنّه إذا حصل قرع أو قلع انقلب الهواء من بين ذينك الجسمين انقلابا بعنف،فيتموّج الهواء بسبب ذلك، و يتأدّى ذلك التّموّج إلى سطح الصّماخ،فهذا هو السّماع،و أمّا الإبصار فهو عبارة عن تأثّر الحدقة بصورة المرئيّ؛فثبت أنّ السّمع و البصر عبارة عن تأثّر الحاسّة، و ذلك على اللّه محال؛فثبت أنّ إطلاق السّمع و البصر على علمه تعالى بالمسموعات و المبصرات غير جائز.

و الجواب:الدّليل على أنّ السّماع مغاير لتأثّر الحاسّة،إنّا إذا سمعنا الصّوت علمنا أنّه من أيّ الجوانب جاء،فعلمنا أنّا أدركنا الصّوت حيث وجد ذلك الصّوت في نفسه،و هذا يدلّ على أنّ إدراك الصّوت حالة مغايرة لتأثّر الصّماخ عن تموّج ذلك الهواء.و أمّا الرّؤية فالدّليل على أنّها حالة مغايرة لتأثّر الحدقة،فذلك لأنّ نقطة النّاظر جسم صغير،فيستحيل انطباع الصّورة العظيمة فيه.

فنقول:الصّورة المنطبعة صغيرة و الصّورة المرئيّة في نفس العالم عظيمة،و هذا يدلّ على أنّ الرّؤية حالة

ص: 666

مغايرة لنفس ذلك الانطباع،و إذا ثبت هذا فنقول:

لا يلزم من امتناع التّأثّر في حقّ اللّه امتناع السّمع و البصر في حقّه.

فإن قالوا:هب أنّ السّمع و البصر حالتان مغايرتان لتأثّر الحاسّة إلاّ أنّ حصولهما مشروط بحصول ذلك التّأثّر،فلمّا كان حصول ذلك التّأثّر في حقّ اللّه تعالى ممتنعا،كان حصول السّمع و البصر في حقّ اللّه ممتنعا.

فنقول:ظاهر قوله: وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يدلّ على كونه سميعا بصيرا،فلم يجز لنا أن نعدل عن هذا الظّاهر إلاّ إذا قام الدّليل على أنّ الحاسّة المسمّاة بالسّمع و البصر مشروطة بحصول التّأثّر،و التّأثّر في حقّ اللّه تعالى ممتنع،فكان حصول الحاسّة المسمّاة بالسّمع و البصر ممتنعا،و أنتم المدّعون لهذا الاشتراط،فعليكم الدّلالة على حصوله،و إنّما نحن متمسّكون بظاهر اللّفظ إلى أن تذكروا ما يوجب العدول عنه.

فإن قال قائل:قوله: وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يفيد الحصر،فما معنى هذا الحصر مع أنّ العباد أيضا موصوفون بكونهم سميعين بصيرين؟

فنقول:السّميع و البصير لفظان مشعران بحصول هاتين الصّفتين على سبيل الكمال،و الكمال في كلّ الصّفات ليس إلاّ للّه،فهذا هو المراد من هذا الحصر.

(27:153)

النّسفيّ: وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لجميع المرئيّات بلا حدقة،و كأنّه ذكرهما لئلاّ يتوهّم أنّه لا صفة له،كما لا مثل له.(4:102)

البروسويّ: المبالغ في العلم بكلّ ما يسمع و يبصر.

قال الزّروقيّ:(السّميع):الّذي انكشف كلّ موجود لصفة سمعه،فكان مدركا لكلّ مسموع من كلامه و غيره،و(البصير)الّذي يدرك كلّ موجود برؤيته.

و السّمع و البصر صفتان من صفاته المنعوتة،ثابتتان له تعالى،كما يليق بوصفه الكريم،و ردّه بعضهم للعلم، و لا يصحّ،انتهى.

قال الغزاليّ رحمه اللّه: السّمع في حقّه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات،و البصر عبارة عن الوصف الّذي به ينكشف كمال نعوت المبصرات.(8:294)

الآلوسيّ: المدرك إدراكا تامّا لجميع المبصرات أو الموجودات،لا على سبيل التّخيّل و التّوهّم،و لا على طريق تأثّر حاسّة،و لا وصول شعاع،فالسّمع و البصر صفتان غير العلم،على ما هو الظّاهر،و أرجعهما بعضهم إلى صفة العلم،و تمام الكلام على ذلك في«الكلام».

و قدّم سبحانه نفي المثل على إثبات السّمع و البصر، لأنّه أهمّ في نفسه،و بالنّظر إلى المقام.(25:20)

المراغيّ: أي و هو السّميع لما ينطق به خلقه من قول،البصير بأعمالهم،لا يخفى عليه شيء ممّا كسبت أيديهم من خير أو شرّ.(25:22)

الطّباطبائيّ: أي السّميع لما يرفع إليه من مسائل خلقه،البصير لأعمال خلقه.قال تعالى: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الرّحمن:29،و قال: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ إبراهيم:34،و قال: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الحديد:4.(18:26)

ص: 667

بصيرا

1- ..إِنَّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً. النّساء:58

الطّوسيّ: إخبار بأنّه كان سميعا بصيرا فيما مضى؛ و ذلك يرجع إلى كونه حيّا لا آفة به.فإذا كان لا يجوز خروجه عن كونه حيّا،فلا يجوز خروجه عن كونه سميعا بصيرا.(3:235)

الطّبرسيّ: و هو السّميع البصير بجميع المبصرات، و قيل:معناه عالم بأقوالكم و أفعالكم.و أدخل(كان) تنبيها على أنّ هذه الصّفة واجبة له فيما لم يزل.

(2:64)

الفخر الرّازيّ: أي اعملوا بأمر اللّه و وعظه،فإنّه أعلم بالمسموعات و المبصرات،يجازيكم على ما يصدر منكم.

و فيه دقيقة أخرى و هي أنّه تعالى لمّا أمر في هذه الآيات بالحكم على سبيل العدل و بأداء الأمانة،قال:

إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً أي إذا حكمت بالعدل فهو سميع لكلّ المسموعات يسمع ذلك الحكم،و إن أدّيت الأمانة فهو بصير لكلّ المبصرات يبصر ذلك.

و لا شكّ أنّ هذا أعظم أسباب الوعد للمطيع،و أعظم أسباب الوعيد للعاصي،و إليه الإشارة بقوله عليه الصّلاة و السّلام:«اعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

و فيه دقيقة أخرى،و هي أنّ كلّما كان احتياج العبد أشدّ كانت عناية اللّه أكمل،و القضاة و الولاة قد فوّض اللّه إلى أحكامهم مصالح العباد،فكان الاهتمام بحكمهم و قضائهم أشدّ،فهو سبحانه منزّه عن الغفلة و السّهو و التّفاوت في إبصار المبصرات و سماع المسموعات.

و لكن لو فرضنا أنّ هذا التّفاوت كان ممكنا لكان أولى المواضع بالاحتراز عن الغفلة و النّسيان هو وقت حكم الولاة و القضاة،فلمّا كان هذا الموضع مخصوصا بمزيد العناية لا جرم قال في خاتمة هذه الآية: إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً. فما أحسن هذه المقاطع الموافقة لهذه المطالع.(10:143)

القرطبيّ: وصف اللّه تعالى نفسه بأنّه سميع بصير يسمع و يرى،كما قال تعالى: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَ أَرى طه:46.

فهذا طريق السّمع،و العقل يدلّ على ذلك،فإنّ انتفاء السّمع و البصر يدلّ على نقيضيهما من العمى و الصّمم؛إذ المحلّ القابل للضّدّين لا يخلو من أحدهما، و هو تعالى مقدّس عن النّقائص،و يستحيل صدور الأفعال الكاملة من المتّصف بالنّقائص،كخلق السّمع و البصر ممّن ليس له سمع و لا بصر.

و أجمعت الأمّة على تنزيهه تعالى عن النّقائص، و هو أيضا دليل سمعيّ يكتفى به مع نصّ القرآن،في مناظرة من تجمعهم كلمة الإسلام،جلّ الرّبّ تبارك و تعالى عمّا يتوهمّه المتوهّمون،و يختلقه المفترون الكاذبون سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ الصّافّات:180.(5:258)

البروسويّ: بما تعمله الأمناء،أي اعملوا بأمر اللّه و وعظه فإنّه أعلم بالمسموعات و المبصرات،يجازيكم على ما يصدر منكم.(2:227)

ص: 668

المراغيّ: أي عليكم أن تعملوا بأمر اللّه و وعظه، فإنّه أعلم منكم بالمسموعات و المبصرات.فإذا حكمتم بالعدل فهو سميع لذلك الحكم،و إن أدّيتم الأمانة فهو بصير بذلك.(5:71)

2- ..وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً. النّساء:134

الطّبريّ: يعني و كان ذا بصر بهم و بما هم عليه منطوون للمؤمنين فيما يكتمونه،و لا يبدونه لهم من الغشّ و الغلّ الّذي في صدورهم.(5:320)

الطّوسيّ: يعني أنّه كان لم يزل على صفة يجب أن يسمع المسموعات إذا وجدت،و يبصر المبصرات إذا وجدت،و هذه الصّفة هي كونه حيّا لا آفة فيه.و الصّفة حاصلة له في الأزل،و الآفات مستحيلة عليه،فوجب وصفه بأنّه سميع بصير.

و إنّما ذكر هاهنا ذلك ليبيّن أنّ ما يقوله المنافقون إذا لقوا المؤمنين،فإنّ اللّه يسمعه و يعلمه،و هو قولهم:إنّا مؤمنون،بصيرا بما يضمرونه و ينطوون عليه من النّفاق.

(3:5)

نحوه الطّبرسيّ.(2:122)

الشّربينيّ: أي بالغ البصر لكلّ ما يبصر،و إن خفي.(1:338)

أبو السّعود: عالما بجميع المسموعات و المبصرات، فيندرج فيها ما صدر عنهم من الأقوال و الأعمال المتعلّقة بمراداتهم اندراجا أوّليّا.(1:206)

نحوه البروسويّ.(2:300)

الآلوسيّ: تذييل لمعنى التّوبيخ،أي كيف يرائي المرائي و أنّ اللّه تعالى لسميع بما يهجس في خاطره، ما تأمر به دواعيه،بصير بأحواله كلّها ظاهرها و باطنها، فيجازيه على ذلك.

و قد يقال:ذيّل بذلك،لأنّ إرادة الثّواب إمّا بالدّعاء و إمّا بالسّعي،و الأوّل مسموع و الثّاني مبصر.و قيل:

السّمع و البصر عبارتان عن اطّلاعه تعالى على غرض المريد للدّنيا أو الآخرة،و هو عبارة عن الجزاء.

و لا يخفى أنّه و إن كان لا يخلو عن حسن إلاّ أنّه يوهم إرجاع صفة السّمع و البصر إلى العلم،و هو خلاف المقرّر في الكلام.(5:167)

3- فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً... يوسف:96

الضّحّاك: عاد إليه بصره بعد العمى،و قوّته بعد الضّعف،و شبابه بعد الهرم،و سروره بعد الحزن.(الطّبرسيّ 3:263)

الطّوسيّ: و البصير:من كان على صفة يجب لأجلها أن يبصر المبصرات إذا وجدت.(6:194)

الفخر الرّازيّ: أي صيّره اللّه بصيرا،كما يقال:

طالت النّخلة،و اللّه تعالى أطالها.

و اختلفوا فيه،فقال بعضهم:إنّه كان قد عمى بالكلّيّة فاللّه تعالى جعله بصيرا في هذا الوقت.

و قال آخرون: بل كان قد ضعف بصره من كثرة البكاء و كثرة الأحزان،فلمّا ألقوا القميص على وجهه و بشّر بحياة يوسف عليه السّلام،عظم فرحه و انشرح صدره و زالت أحزانه،فعند ذلك قوي بصره،و زالت النّقصان

ص: 669

عنه.(18:309)

نحوه الشّربينيّ.(2:135)

البيضاويّ:عاد بصيرا لما انتعش فيه من القوّة.(1:508)

مثله أبو السّعود.(3:427)

أبو حيّان: قيل:فانتصب(بصيرا)على الحال.

و المعنى أنّه رجع إلى حالته الأولى من سلامة البصر.ففي الكلام ما يشعر أنّ بصره عاد أقوى ممّا كان عليه و أحسن،لأنّ«فعيلا)من صيغ المبالغة،و ما عدل من «مفعل»إلى«فعيل»إلاّ لهذا المعنى،انتهى.

و ليس كذلك،لأنّ«فعيلا»هنا ليس للمبالغة؛إذ «فعيل»الّذي للمبالغة هو معدول عن«فاعل»لهذا المعنى.و أمّا(بصيرا)هنا فهو اسم من بصر بالشّيء،فهو جار على قياس«فعل»نحو ظرف فهو ظريف.و لو كان- كما زعم-بمعنى«مبصر»لم يكن للمبالغة أيضا،لأنّ «فعيلا»بمعنى«مفعل»ليس للمبالغة،نحوه:أليم و سميع بمعنى مؤلم و مسمع.(5:346)

البروسويّ: يشير إلى أنّ الرّوح كان بصيرا في بدو الفطرة ثمّ عمى،لتعلّقه بالدّنيا و تصرّفه فيها،ثمّ ارتدّ بصيرا بوارد من القلب.

و فيه إشارة إلى أنّ القلب في بدو الأمر كان محتاجا إلى الرّوح في الاستكمال،فلمّا كمل و صلح لقبول فيضان الحقّ بين الإصبعين،و نال مملكة الخلافة بمصر القربة،في النّهاية صار الرّوح محتاجا إليها لاستتارته بأنوار الحقّ.

و ذلك لأنّ القلب بمثابة المصباح في قبول نار نور الإلهيّة،و الرّوح بمثابة الزّيت،فيحتاج المصباح في البداية إلى الزّيت في قبول النّار،و لكنّ الزّيت يحتاج إلى المصباح و تركيبه في النّهاية ليقبل بواسطته النّار.فإنّ الزّيت بلا مصباح و آلاته ليس قابلا للنّار،فافهم جدّا.

(4:317)

شبّر: بعد العمى،و قويّا بعد الضّعف،و شابّا بعد الهرم،و فرحا بعد الحزن.(3:308)

الآلوسيّ: [ذكر مثل أبي حيّان و أضاف:]

و أيّا ما كان فالظّاهر أنّ عوده عليه السّلام بصيرا بإلقاء القميص على وجهه ليس إلاّ من باب خرق العادة، و ليس الخارق بدعا في هذه القصّة.

و قيل:إنّ ذاك لمّا أنّه عليه السّلام انتعش حتّى قوي قلبه و حرارته الغريزيّة فأوصل نوره إلى الدّماغ و أدّاه إلى البصر،و من هذا الباب استشفاء العشّاق بما يهبّ عليهم من جهة أرض المعشوق.[ثمّ استشهد بشعر]

(13:54)

5- إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. الإسراء:30

الطّبريّ: يقول:هو ذو بصر بتدبيرهم و سياستهم.

(15:78)

الطّبرسيّ: أي عالما بأحوالهم،بصيرا بمصالحهم، فيبسط على واحد و يضيق على آخر،يدبّرهم على ما يراه من الصّلاح.(3:412)

أبو السّعود: تعليل لما سبق،أي يعلم سرّهم و علنهم،فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم.(4:126)

ص: 670

نحوه البروسويّ.(5:152،و شبّر(4:20)، و الآلوسيّ(15:66)،و القاسميّ(10:3924).

المراغيّ:أي إنّ ربّك ذو خبرة بعبادة،فيعلم من الّذي تصلحه السّعة في الرّزق،و من الّذي تفسده،و من الّذي يصلحه الإقتار و الضّيق،و من الّذي يفسده،و هو البصير بتدبيرهم و سياستهم.

فعليك أن تعمل بما أمرك به أو نهاك عنه،من بسط يدك فيما تبسط فيه،و فيمن تبسطها له،و من كفّها عمّن تكفّها عنه،فهو أعلم بمصالح العباد منك،و من جميع الخلق،و أبصرهم بتدبير شئونهم.(15:41)

و بهذا المعنى جاء كلمة(بصيرا)في سورة الإسراء:

96،و طه:35،و الأحزاب:9،و فاطر:45،و الفتح:

24.

6- قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً.

طه:125

مجاهد :عالما بحجّتي.(الطّبريّ 16:229)

قتادة:كان بعيد البصر،قصير النّظر،أعمى عن الحقّ.(الطّبريّ 16:229)

الطّبريّ: و الصّواب من القول في ذلك عندنا أنّ اللّه عزّ شأنه و جلّ ثناؤه عمّ بالخبر عنه بوصفه نفسه بالبصر،و لم يخصّص منه معنى دون معنى؛فذلك على ما عمّه.فإذا كان ذلك كذلك،فتأويل الآية:قال ربّ لم حشرتني أعمى عن حجّتي و رؤية الأشياء،و قد كنت في الدّنيا ذا بصر بذلك كلّه.(16:229)

الطّوسيّ: حكاية عمّا يقول الّذي يحشره أعمى:لم حشرتني أعمى ذاهب البصر و قد كنت بصيرا أبصر بها.و هذا يقوى أنّه أراد عمى البصر دون عمى البصيرة،لأنّ الكافر لم يكن بصيرا في الدّنيا إلاّ على وجه صحّة الحاسّة.

و قيل: معناه كنت بصيرا بحجّتي عند نفسي.

(7:220)

النّسفيّ: في الدّنيا.(3:69)

نحوه البروسويّ.(5:442)

الآلوسيّ: أي في الدّنيا،كما هو الظّاهر.و لعلّ هذا باعتبار أكثر أفراد من أعرض،لأنّ من أفراده من كان أكمه في الدّنيا.

و الظّاهر أنّ هذا سؤال عن السّبب الّذي استحقّ به الحشر أعمى،لأنّه جهل أو ظنّ أن لا ذنب له يستحقّ به ذلك.(16:278)

شبّر: في الدّنيا و عند البعث.قيل:يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره.(4:177)

المراغيّ: أي قال ربّ لم حشرتني أعمى عن حجّتي و عن رؤية الأشياء على حقيقة،و قد كنت في الدّنيا ذا بصر بذلك كلّه؟و نحو الآية: وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا الإسراء:

97.(16:161)

الطّباطبائيّ: يسبق إلى الذّهن أنّ عمى يوم القيامة يتعلّق ببصر الحسّ،فإنّ الّذي يسأل عنه هو ذهاب البصر الّذي كان له في الدّنيا،و هو بصر الحسّ دون بصر القلب الّذي هو البصيرة.

فيشكل عليه ظاهر ما دلّ على أنّ المجرمين يبصرون

ص: 671

يوم القيامة أهوال اليوم و آيات العظمة و القهر،كقوله تعالى: وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا السّجدة:12،و قوله: اِقْرَأْ كِتابَكَ الإسراء:14،و لذلك ذكر بعضهم أنّهم يحشرون أوّلا مبصرين ثمّ يعمون،و بعضهم أنّهم يحشرون مبصرين ثمّ عميا ثمّ مبصرين.

و هذا قياس أمور الآخرة و أحوالها،بما لها من نظير في الدّنيا،و هو قياس مع الفارق.فإنّ من الظّاهر المسلّم من الكتاب و السّنّة أنّ النّظام الحاكم في الآخرة غير النّظام الحاكم في الدّنيا الّذي نألفه من الطّبيعة،و كون البصير مبصرا لكلّ مبصر،و الأعمى غير مدرك لكلّ ما من شأنه أن يرى،كما هو المشهود في النّظام الدّنيويّ، لا دليل على عمومه للنّظام الأخرويّ.

فمن الجائز أن يتبعّض الأمر هناك،فيكون المجرم أعمى لا يبصر ما فيه سعادة حياته،و فلاحه و فوزه بالكرامة،و هو يشاهد ما يتمّ به الحجّة عليه،و ما يفزعه من أهوال القيامة،و ما يشتدّ به العذاب عليه من النّار و غيرها،قال تعالى: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ المطفّفين:15.(14:226)

و هناك مطالب أخرى راجع«ع م ي».

7- ..وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً. الفرقان:20

ابن جريج: إنّ ربّك لبصير بمن يجزع و من يصبر.

(الطّبريّ 18:195)

نحوه الطّبريّ(18:195)،و الطّوسيّ(7:481)، و القرطبيّ(13:19).

الغزاليّ: البصير هو الّذي يشاهد و يرى حتّى لا يعزب عنه ما تحت الثّرى،و إبصاره أيضا منزّه عن أن يكون بحدقة و أجفان،و مقدّس أن يرجع إلى انطباع الصّور و الألوان في ذاته،كما تنطبع في حدقة الإنسان، فإنّ ذلك من التّغيّر و التّأثّر المقتضي للحدوث.

و إذا نزه عن ذلك كان البصير في حقّه عبارة عن الوصف الّذي به ينكشف كمال نعوت المبصرات،و ذلك أوضح و أجلى ممّا يفهم من إدراك البصر من ظواهر المرئيّات.

و حظّ العبد من حيث الحسّ من وصف البصر ظاهر،و لكنّه ضعيف قاصر؛إذ لا يمتدّ إلى ما بعد، و لا يتغلغل إلى باطن ما قرب،بل يتناول الظّواهر، و يقصر عن البواطن و السّرائر.

و إنّما حظّه الدّينيّ منه أمران:

أحدهما:أن يعلم أنّه خلق البصر لينظر إلى الآيات و عجائب الملكوت و السّماوات،فلا يكون نظره إلاّ عبرة.قيل لعيسى عليه السّلام:هل أحد من الخلق مثلك؟فقال:

من كان نظره عبرة و صمته فكرة و كلامه ذكرا فهو مثلي.

و الثّاني:أن يعلم أنّه بمرأى من اللّه تعالى و مسمع، فلا يستهين بنظره إليه و اطّلاعه عليه،و من أخفى عن غير اللّه ما لا يخفيه عن اللّه فقد استهان بنظر اللّه.و المراقبة إحدى ثمرات الإيمان،بهذه الصّفة فمن قارب معصية فهو يعلم أنّ اللّه يراه،فما أجسره فأخسره!و من ظنّ أنّه لا يراه فما أكفره!(البروسويّ 6:198)

الطّبرسيّ: أي عليما فيغني من أوجبت الحكمة

ص: 672

إغناءه،و يفقر من أوجبت الحكمة إفقاره.(4:165)

البروسويّ:بمن يصبر و بمن يجزع.[إلى أن قال:]

إنّ العبد لا بدّ له من السّكون إلى قضاء اللّه تعالى في حال فقره و غناه،و من الصّبر على كلّ أمر يرد عليه من مولاه،فإنّه تعالى بصير بحاله،مطّلع عليه في كلّ فعاله، و ربّما يشدّد المحنة عليه بحكمته،و يمنع مراده عنه مع كمال قدرته.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحكاية إشارة إلى الفناء عن المرادات،و أنّ النّفس ما دامت مغضوبة باقية بعض أوصافها الذّميمة و أخلاقها القبيحة،فإنّ فيض رحمة اللّه و إن كان يجري عليها لكن لا كما يجري عليها إذا كانت مرحومة مطهّرة عن الرّذائل،هذا حال أهل السّلوك.

و أمّا من كان من أهل النّفس الأمّارة،و قد جرى عليه مراده بالكلّيّة،فهو في يد الاستدراج،و للّه تعالى حكمة عظيمة في إغنائه و تنعيمه و إغراقه في بحر نعيمه، فمثل هذا هو الفتنة الكبيرة لطلاّب الحقّ،الباعثة لهم على الصّبر المطلق،و اللّه المعين،و عليه التّكلان.(6:198)

شبّر: بالصّواب فيما يبتلي به و غيره،أو فيمن يصبر و غيره.(4:351)

الآلوسيّ: أي عالما بالصّواب فيما يبتلي به و غيره، فلا يضيّقنّ صدرك و لا تستخفّنّك أقاويلهم.

و قيل: تصبير له عليه الصّلاة و السّلام على ما قالوه و استبدعوه من أكله الطّعام و مشيه في الأسواق،بعد الاحتجاج عليهم بسائر الرّسل.

و الكلام من تلوين الخطاب بتعميمه لسائر الرّسل عليهم السّلام،بطريق التّغليب على ما اختاره بعضهم.

(18:254)

الطّباطبائيّ: أي عالما بالصّواب في الأمور،فيضع كلّ أمر في الموضع المناسب له،و يجري بذلك أتمّ النّظام.

فهدف النّظام الإنسانيّ كمال كلّ فرد،بقطعه طريق السّعادة أو الشّقاوة،على حسب ما يستعدّ له و يستحقّه.

و لازمه بسط نظام الامتحان بينهم،و لازمه ارتفاع التّمايز بين الرّسل و غيرهم.

و في الجملة التفات من التّكلّم مع الغير إلى الغيبة، و النّكتة فيه نظيرة ما في قوله السّابق: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ الفرقان:10.(15:195)

8- إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. الدّهر:2

الطّبريّ: فجعلناه ذا سمع يسمع به،و ذا بصر يبصر به،إنعاما من اللّه على عباده بذلك،و رأفة منه لهم، و حجّة له عليهم.(29:205)

نحوه القرطبيّ.(19:122)

الطّبرسيّ: و المراد فأعطيناه آلة السّمع و البصر ليتمكّن من السّمع و البصر و معرفة ما كلّف.(5:407)

الفخر الرّازيّ: و السّمع و البصر هما كنايتان عن الفهم و التّمييز،كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السّلام:

لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ مريم:42،و أيضا قد يراد بالسّميع:المطيع،كقوله:سمعا و طاعة،و بالبصير:

العالم،يقال:فلان بصير في هذا الأمر.

و منهم من قال:بل المراد بالسّمع و البصر:الحاسّتان المعروفتان،و اللّه تعالى خصّهما بالذّكر،لأنّهما أعظم

ص: 673

الحواسّ و أشرفها.(3:237)

نحوه الخازن(7:158)،و الشّربينيّ(4:449)، و أبو حيّان(8:394)،و البروسويّ(10:290).

المراغيّ: أي جعلناه كذلك ليتمكّن من استماع الآيات،و مشاهدة الدّلائل،و التّعقّل و التّفكّر.

(29:160)

الطّباطبائيّ: سياق الآيات،و خاصّة قوله: إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إلخ،الدّهر:3،يفيد أنّ ذكر جعله (سَمِيعاً بَصِيراً) للتّوسّل به في التّدبير الرّبوبيّ إلى غايته، و هي أن يرى آيات اللّه الدّالّة على المبدإ و المعاد،و يسمع كلمة الحقّ الّتي تأتيه من جانب ربّه،بإرسال الرّسل و إنزال الكتب،فيدعوه البصر و السّمع إلى سلوك سبيل الحقّ،و السّير في مسير الحياة بالإيمان و العمل الصّالح، فإن لزم السّبيل الّذي هدي إليه أدّاه إلى نعيم الأبد،و إلاّ فإلى عذاب مخلّد.

و ذكر الإنسان في الآية من وضع الظّاهر موضع الضّمير،و النّكتة فيه تسجيل أنّه تعالى هو خالقه و مدبّر أمره.و المعنى:إنّا خلقنا الإنسان من نطفة هي أجزاء مختلطة ممتزجة،و الحال أنّا ننقله من حال إلى حال و من طور إلى طور فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ليسمع ما يأتيه من الدّعوة الإلهيّة،و يبصر الآيات الإلهيّة الدّالّة على وحدانيّته تعالى،و النّبوّة و المعاد.(20:121)

9- بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً. الانشقاق:15

عطاء: (بصيرا)بما سبق عليه في أمّ الكتاب من الشّقاء.(الفخر الرّازيّ 31:108)

الكلبيّ: كان بصيرا به من يوم خلقه إلى أن بعثه.

(الفخر الرّازيّ 31:108)

مقاتل: (بصيرا)متى يبعثه.

(الفخر الرّازيّ 31:108)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:إنّ ربّ هذا الّذي ظنّ أن لن يحور كان به بصيرا،إذ هو في الدّنيا بما كان يعمل فيها من المعاصي و ما إليه يصير أمره في الآخرة عالم بذلك كلّه.(30:119)

الزّجّاج: قبل أن يخلقه عالما بأنّ مرجعه إليه عزّ و جلّ.(5:305)

القفّال: [في معنى البصير وجهان:]

الأوّل:أنّ ربّه كان عالما بأنّه سيجزيه.

و الثّاني:أنّ ربّه كان عالما بما يعمله من الكفر و المعاصي،فلم يكن يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله.و هذا زجر لكلّ المكلّفين عن جميع المعاصي.(الفخر الرّازيّ 31:108)

الطّوسيّ: معناه أنّه يخبر عن أنّه لن يحور،بلى، و يقطع اللّه عليه بأنّه يحور على أنّه بصير به و بجميع الأمور.(10:311)

الزّمخشريّ: (بصيرا)بأعماله لا ينساها،و لا تخفى عليه،فلا بدّ أن يرجعه و يجازيه عليها.(4:235)

الفخر الرّازيّ: [بعد نقل قول الكلبيّ و عطاء و الزّجّاج قال:]

لا فائدة في هذه الأقوال،إنّما الفائدة في وجهين ذكرهما القفّال[المتقدّم قوله].(31:108)

أبو السّعود: تحقيق و تعليل له،أي بلى ليحورنّ

ص: 674

البتّة،أنّ ربّه الّذي خلقه كان به و بأعماله الموجبة للجزاء بصيرا؛بحيث لا يخفى منها خافية،فلا بدّ من رجعه و حسابه و جزائه عليها حتما.(6:402)

نحوه الآلوسيّ.(30:81)

البروسويّ: بحيث لا تخفى منها خافية،فلا بدّ من رجعه و حسابه و جزائه عليها حتما؛إذ لا يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله،و هذا زجر لجميع المكلّفين عن المعاصي كلّها.

و قال الواسطيّ رحمه اللّه: كان بصيرا به إذ خلقه، لما ذا خلقه و لأيّ شيء أوجده،و ما قدر عليه من السّعادة أو الشّقاوة،و ما كتب له و عليه من أجله و رزقه.(10:379)

المراغيّ: أي بلى ليحورنّ و ليرجعنّ إلى ربّه، و ليحاسبنّه على عمله،فيجزى على الخير خيرا و على الشّرّ شرّا.فإنّ الّذي يخلق الإنسان مستعدّا لما لا يتناهى من الكمال بما وهبه من العقل لا ينشئه هذه النّشأة الرّفيعة لتكون غايته غاية سائر الحيوان،بل تقضي حكمته أن يجعل له حياة بعد هذه الحياة،يثمر فيها أعماله،و يوافي فيها كماله.(30:92)

نحوه الطّباطبائيّ.(20:244)

بصيرة

1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي... يوسف:108

الطّبريّ: (على بصيرة)بذلك و يقين علم منّي به.

(13:80)

البغويّ: على يقين،و«البصيرة»هي المعرفة الّتي يميّز بها بين الحقّ و الباطل.(2:518)

مثله الخازن.(3:261)

الزّمخشريّ: أي أدعو إلى دينه مع حجّة واضحة غير عمياء.(2:346)

مثله البيضاويّ(1:510)،و النّسفيّ(2:240)، و أبو حيّان(5:353)،و أبو السّعود(3:432)، و الآلوسيّ(13:83).

الطّبرسيّ: أي أدعو إلى توحيد اللّه و عدله و دينه، على يقين و معرفة و حجّة قاطعة،لا على وجه التّقليد.

(3:268)

الفيروزآباديّ: أي على معرفة و تحقّق.

(بصائر ذوي التّمييز 2:222)

البروسويّ: بيان و حجّة بصيرة،أي واضحة مرشدة إلى المطلوب.فإنّ الدّليل إذا كان بصيرا يتمكّن من الإرشاد و الهداية،بخلاف ما إذا كان أعمى.

(4:330)

شبّر: (على بصيرة)كائنا على حجّة بيّنة.

(3:313)

2- بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. القيمة:14

ابن عبّاس: يقول:سمعه و بصره و يداه و رجلاه و جوارحه.(الطّبريّ 29:185)

يقول الإنسان شاهد على نفسه وحده.

(الطّبريّ 29:185)

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 29:185)

ص: 675

أي أنّ جوارحه تشهد عليه بما عمل فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه.

مثله عكرمة،و مقاتل.(الطّبرسيّ 5:396)

الضّحّاك: المراد بالبصيرة:الكاتبان اللّذان يكتبان ما يكون منه من خير أو شرّ،يدلّ عليه قوله تعالى:

وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ القيمة:15،فيمن جعل المعاذيرة:السّتور.

مثله السّدّيّ.(القرطبيّ 19:100)

الحسن: يعني:بصير بعيوب غيره،جاهل بعيوب نفسه.(القرطبيّ 19:100)

قتادة: شاهد عليها بعملها إذا شئت،و اللّه رأيته بصيرا بعيوب النّاس و ذنوبهم،غافلا عن ذنوبه.و كان يقال:إنّ في الإنجيل مكتوبا:يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك و لا تبصر الجذل المعترض في عينك.

(الطّبريّ 29:185)

الإمام الصّادق عليه السّلام: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسرّ سيّئا،أ ليس يرجع إلى نفسه فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك،و اللّه عزّ و جلّ يقول: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. إنّ السّريرة إذا صحّت،قويت العلانية.

(الكلينيّ 2:295)

يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى النّاس بخلاف ما يعلم اللّه منه،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول:من أسرّ سريرة ألبسه اللّه رداءها،إن خيرا فخير،و إن شرّا فشرّ.(الكلينيّ 2:296)

[في جواب سؤال قال:]

ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه صاحبه،و المرض الّذي يدع صاحبه الصّلاة قائما؟قال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ و قال:ذاك إليه،هو أعلم بنفسه.

(الكلينيّ 4:118)

أبو عبيدة:جاءت هذه الهاء في صفة الذّكر،كما جاءت في راوية و علاّمة و طاغية.(2:277)

الأخفش: فجعله هو البصيرة،كما تقول للرّجل:

أنت حجّة على نفسك.(2:721)

ابن قتيبة:أقام جوارحه مقام نفسه،و لذلك أنّث،لأنّ المراد ب(الانسان)هاهنا الجوارح.

(الطّبرسيّ 5:395)

الفرّاء: يقول:على الإنسان من نفسه رقباء، يشهدون عليه بعمله:اليدان،و الرّجلان،و العينان، و الذّكر.[ثمّ استشهد بشعر](3:211)

الطّبريّ: بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله و يشهدون عليه به.

[و بعد نقل أوّل القولين عن ابن عبّاس قال:]

و البصيرة على هذا التّأويل،ما ذكره ابن عبّاس:من جوارح ابن آدم،و هي مرفوعة بقوله:(على نفسه) و(الانسان)مرفوع بالعائد من ذكره في قوله:(نفسه).

و قال آخرون:بل معنى ذلك:بل الإنسان شاهد على نفسه وحده.و من قال هذا القول جعل البصيرة خبرا للإنسان،و رفع الإنسان بها.

و قال ابن زيد في قوله: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ قال:هو شاهد على نفسه،و قرأ: اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14.

و من قال هذه المقالة يقول:أدخلت الهاء في قوله:

ص: 676

(بصيرة)و هي خبر ل(لانسان)كما يقال للرّجل:أنت حجّة على نفسك.و هذا قول بعض نحويّي البصرة،و كان بعضهم يقول:أدخلت هذه الهاء في(بصيرة)و هي صفة للذّكر،كما أدخلت في راوية و علاّمة.(29:184)

الزّجّاج: معناه بل الإنسان تشهد عليه جوارحه، قال اللّه عزّ و جلّ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ النّور:24،و قال في موضع آخر: حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فصّلت:20، فأعلم اللّه أنّ هذه الجوارح الّتي يتصرّفون بها شواهد عليهم.

(5:252)

الطّوسيّ: و الهاء في(بصيرة)مثل الهاء في علاّمة للمبالغة.و قيل:شهادة نفسه عليه أولى من اعتذاره، و قيل:تقديره:بل الإنسان على نفسه بصيرة،جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة،و لو اعتذر كان شاهدا عليه من يكذّب عذره.(10:195)

نحوه الطّبرسيّ.(5:394)

الزّمخشريّ: حجّة بيّنة،وصفت بالبصارة على المجاز،كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله: فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً النّمل:13،أو عين بصيرة.

و المعنى أنّه ينبّأ بأعماله،و إن لم ينبّأ ففيه ما يجزي عن الإنباء،لأنّه شاهد عليها بما عملت،لأنّ جوارحه تنطق بذلك، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ النّور:24.(4:191)

نحوه البيضاويّ(2:522)،و أبو السّعود(6:

336)،و البروسويّ(10:247).

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون خبرا عن الإنسان، و لحقته هاء التّأنيث كما لحقت علاّمة و نسّابة،و المعنى فيه و في عقله و فطرته حجّة و طليعة،و شاهد مبصر على نفسه.و الهاء للتّأنيث،و يراد ب«البصيرة»:جوارحه أو الملائكة الحفظة،و هذا تأويل ابن عبّاس.(5:404)

القرطبيّ: قال بعض أهل التّفسير:المعنى بل على الإنسان من نفسه بصيرة،أي شاهد،فحذف حرف الجرّ.و يجوز أن يكون(بصيرة)نعتا لاسم مؤنّث،على نفسه عين بصيرة.[ثمّ استشهد بشعر](19:100)

النّسفيّ: (بصيرة)شاهد،و الهاء للمبالغة كعلاّمة، أو أنّثه لأنّه أراد به جوارحه؛إذ جوارحه تشهد عليه، أو هو حجّة على نفسه،و البصيرة:الحجّة،قال اللّه تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ الأنعام:104، و تقول لغيرك:أنت حجّة على نفسك.

و(بصيرة)رفع بالابتداء،و خبره(على نفسه) تقدّم عليه،و الجملة خبر(الانسان)كقولك:زيد على رأسه عمامة.و البصيرة على هذا يجوز أن يكون الملك الموكّل عليه.(4:314)

نحوه أبو حيّان.(8:386)

الفيروزآباديّ: أي عليه من جوارحه بصيرة، فتبصره و تشهد عليه يوم القيامة.

و قال الأخفش: جعله في نفسه بصيرة.و كما يقال:

فلان جود و كرم،فهاهنا أيضا كذلك،لأنّ الإنسان ببديهة عقله يعلم أنّ ما يقرّبه إلى اللّه هو السّعادة، و ما يبعّده عن طاعته الشّقاوة.

ص: 677

و تأنيث«البصير»لأنّ المراد ب(الانسان)هنا:

جوارحه.و قيل:الهاء للمبالغة كعلاّمة و راوية.

(بصائر ذوي التّمييز 2:222)

شبّر: حجّة واضحة لشهادته بما عملت،أو بصير، أي عليم بها،و الهاء للمبالغة.(6:323)

الآلوسيّ: أي حجّة بيّنة واضحة على نفسه، شاهدة بما صدر عنه من الأعمال السّيّئة،كما يؤذن به كلمة(على)و الجملة الحاليّة بعد،ف(الانسان)مبتدأ، و(على نفسه)متعلّق ب(بصيرة)بتقدير:أعمال،أو المعنى«عليه»من غير تقدير.و(بصيرة)خبر،و هي مجاز عن الحجّة البيّنة الواضحة،أو بمعنى بيّنة،و هي صفة لحجّة مقدّرة هي الخبر.

و جعل الحجّة بصيرة،لأنّ صاحبها بصير بها، فالإسناد مجازيّ،أو هي بمعنى دالّة مجازا.و جوّز أن يكون هناك استعارة مكنيّة و تخييليّة.و التّأنيث للمبالغة أو لتأنيث الموصوف،أعني حجّة.

و قيل ذلك لإرادة الجوارح،أي جوارحه على نفسه بصيرة،أي شاهدة،و نسب إلى القتبيّ.و جوّز أن يكون التّقدير:عين بصيرة،و إليه ذهب الفرّاء.[ثمّ استشهد بشعر](29:140)

المراغيّ: بل الإنسان حجّة بيّنة على نفسه، فلا يحتاج إلى أن ينبّئه غيره،لأنّ نفسه شاهدة على ما فعل،فسمعه و بصره و يداه و رجلاه و جوارحه شاهدة عليه،و سيحاسب عليه مهما أتى بالمعاذير و جادل عنها، كما قال: اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14.(29:150)

الطّباطبائيّ: و البصيرة:رؤية القلب و الإدراك الباطنيّ،و إطلاقها على الإنسان من باب:زيد عدل،أو التّقدير:الإنسان ذو بصيرة على نفسه.

و قيل:المراد بالبصيرة:الحجّة،كما في قوله تعالى:

ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ الإسراء:102.

و الإنسان نفسه حجّة على نفسه يومئذ؛حيث يسأل عن سمعه و بصره و فؤاده،و يشهد عليه سمعه و بصره و جلده،و يتكلّم يداه و رجلاه،قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:

36،و قال: شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ فصّلت:20،و قال: وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ يس:65.(20:106)

عبد الكريم الخطيب: هو إضراب على ما سبق، و أنّ الإنسان ليس في حاجة إلى من ينبّئه بما قدّم و أخّر، بل إنّ كلّ إنسان يقوم عليه شاهد من نفسه و من جوارحه،فهو و الحال كذلك إنّما ينبّأ بأعماله من ذات نفسه،كما يقول سبحانه: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14.

و أنّث لفظ(بصيرة)على تقدير مضاف،أي ذو بصيرة؛و ذلك حين ينكشف له يوم القيامة كلّ شيء، فيرى الأمور على حقائقها،و يبصر كلّ ما قدّمته يداه، كما يقول سبحانه: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22.(15:1318)

بصائر

1- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ

ص: 678

فَلِنَفْسِهِ... الأنعام:104

قتادة: أي بيّنة.(الطّبريّ 7:305)

نحوه الطّبرسيّ.(2:345)

الكلبيّ: البصائر:آيات القرآن الّتي فيها الإيضاح و البيّنات،و التّنبيه على ما يجوز عليه و على ما يستحيل.

(أبو حيّان 4:196)

ابن زيد: البصائر:الهدى،بصائر في قلوبهم لدينهم،و ليست ببصائر الرّءوس.و قرأ فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:

46.إنّما الّذي بصره و سمعه في هذا القلب.

(الطّبريّ 7:305)

أبو عبيدة: واحدتها:بصيرة،مجازها:حجج بيّنة واضحة ظاهرة.(1:203)

نحوه الحوفيّ.(أبو حيّان 4:194)

الطّبريّ: أي ما تبصرون به الهدى من الضّلال، و الإيمان من الكفر،و هي جمع بصيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

يعني بالبصير الحجّة البيّنة الظّاهرة.(7:304)

الطّوسيّ: البصائر:جمع بصيرة،و هي الدّلالة الّتي توجب العلم الّذي يبصر به نفس الشّيء ما هو به.

و المراد هاهنا قد جاءكم القرآن الّذي فيه الحجج و البراهين.[ثمّ استشهد بشعر](4:244)

نحوه الطّبرسيّ.(2:345)

البغويّ: يعني الحجج البيّنة الّتي تبصرون بها الهدى من الضّلالة،و الحقّ من الباطل.(2:149)

الميبديّ: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ و قال في موضع آخر: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يونس:57،و قال في موضع آخر أيضا: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ النّساء:174.

و قال أيضا في آية أخرى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ المائدة:15،جاء إليكم من ربّكم مصباح منير،وعظ بليغ،و نور تامّ،و حجّة واضحة، و خطاب بيّن،و مصباح ينير القلوب،و نور يشرح القلوب،و ذكر يزيّن سرّ العباد،و خطاب يتباهى بها الخلائق.

و خطاب أيّ خطاب،به يضاء طريق العبد و يعطى الإنصاف،و يرسخ دينه و يوصل حبله،و يقوّم فؤاده، و يستر عيبه،و يستنفد وسع دينه،و يفتح سمعه،و يظفر بسعادته و فوزه.

خطاب هو سراج القلوب،و ممحاة الذّنوب،و شفاء الأوصاب و العيوب،و شفاء لما في الصّدور،و مصباح المحذور.مصباح الحياء الّذي يزهق الظّلام من قلوب المسيئين،مصباح العلم الّذي يزيل الدّياجي من أفئدة الجاهلين.

خطاب يذوق العبد به في الدّنيا حلاوة الطّاعة، و يظفر عند الموت بالفوز و السّلامة،و يلقّن الحجّة في القبر،و يحشر يوم القيامة حفيف الميزان محفوفا بالرّحمة و الغفران،و يحظى في الجنّة برضا الدّيّان،و لقاء الرّحمن.

(3:456)

الزّمخشريّ: هو وارد على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لقوله:

وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. (الأنعام:104)

و البصيرة:نور القلب الّذي به يستبصر،كما أنّ

ص: 679

البصر نور العين الّذي به تبصر،أي جاءكم من الوحي و التّنبيه،على ما يجوز على اللّه و ما لا يجوز،ما هو للقلوب كالبصائر.(2:42)

نحوه النّسفيّ(2:37)،و أبو السّعود(2:425)، و القاسميّ(6:2455)،و أبو حيّان(4:196).

ابن عطيّة: البصيرة هي ما يتّفق عن تحصيل العقل للأشياء المنظور فيها بالاعتبار،فكأنّه قال:قد جاءكم في القرآن و الآيات طرائق إبصار الحقّ و المعينة عليه.

و البصيرة للقلب مستعارة من إبصار العين.(2:331)

الفخر الرّازيّ:و البصائر:جمع البصيرة.و كما أنّ البصر اسم للإدراك التّامّ الكامل الحاصل بالعين الّتي في الرّأس،فالبصيرة اسم للإدراك التّامّ الحاصل في القلب، قال تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ القيمة:

14،أي له من نفسه معرفة،و أراد بقوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ الآيات المتقدّمة،و هي في أنفسها ليست بصائر إلاّ أنّها لقوّتها و جلالتها توجب البصائر لمن عرفها،و وقف على حقائقها.فلمّا كانت هذه الآيات أسبابا لحصول البصائر،سمّيت هذه الآيات أنفسها بالبصائر.(13:133)

نحوه الخازن.(2:139)

البيضاويّ: البصائر:جمع بصيرة،و هي للنّفس كالبصر للبدن،سمّيت بها الدّلالة لأنّها تجلي لها الحقّ و تبصّرها به.(1:325)

البروسويّ: و البصائر:جمع بصيرة،و هي نور تبصر به النّفس،كما أنّ البصر نور تبصر به العين.

فاستعير لفظ البصيرة من القوّة المودعة في القلب لإدراك المعقولات للحجّة البيّنة،لكون كلّ واحدة منهما سبب الإدراك.

و الإشارة أنّ اللّه تعالى أعطى لكلّ عبد بصيرة لقلبه، يبصر بها الحقائق المودعة في الغيوب،و الكمالات المعدّة لأرباب القلوب،كما أعطى بصرا لقالبه يبصر به الأعيان في الشّهادة،و ما أعدّ لهم فيها من المأكول و المشروب و الملبوس و المنكوح.

فمن نظر ببصر البصيرة إلى المراتب العلويّة الأخرويّة الباقية،و أبصر كمالات القرب و ما أعدّ اللّه ممّا لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، فيشتغل بتحصيله،و يقبل على اللّه بسلوك سبيله، و يعرض عن الدّنيا الدّنيّة،و يترك زينتها و شهواتها الفانية؛فذلك تحصيل سعادة و كرامة لنفسه،فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين.

و من عمي عن النّظر بالبصيرة،و غير هذه الكمالات لما أبصر ببصر القالب إلى الدّنيا و زينتها، و استلذّ بشهواتها،و استحلى مراتعها الحيوانيّة؛فعميت بصيرته،فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور،فذلك تحصيل شقاوة و خسارة على نفسه، كذا في«التّأويلات النّجميّة».(3:81)

الآلوسيّ:استئناف وارد على لسان الرّسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،ف«قل»مقدّرة،كما قاله بعض المحقّقين.

و البصائر:جمع بصيرة،و هي للقلب كالبصر للعين، و المراد بها الآيات الواردة هاهنا،أو جميع الآيات، و يدخل ما ذكر دخولا أوّليّا.(7:248)

ص: 680

رشيد رضا: البصائر:جمع بصيرة،و لها معان، منها:عقيدة القلب،و المعرفة الثّابتة باليقين،أو اليقين في العلم بالشّيء،و العبرة و الشّاهد أو الشّهيد المثبت للأمر،و الحجّة أو الفطنة أو القوّة الّتي تدرك بها الحقائق العلميّة،و هذا يقابل البصر الّذي تدرك به الأشياء الحسّيّة،و منه قول معاوية لبعض بني هاشم:إنّكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم.و قول الهاشميّ له:و أنتم يا بني أميّة تصابون في بصائركم،أي قلوبكم و عقولكم.

و المراد بالبصائر هنا:الآيات الواردة في هذه السّورة،أو في هذا السّياق الّذي أوّله إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى الأنعام:95،أو هي و ما في معناها من الآيات المثبتة لحقائق الدّين،أو القرآن بجملته،و ربّما يرجّح هذا بتذكير الفعل(جاءكم)إذ لا بدّ له من نكتة في الكلام البليغ،لأنّه خلاف الأصل و إن كان جائزا.

و أقوى النّكت وقوع اللّفظ المؤنّث على معنى مذكّر، و الخطاب وارد على لسان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم كما قال ابن جرير و غيره.

فالمعنى قد جاءكم في هذه الآيات الجليّة،بصائر من الحجج العقليّة و الكونيّة،تثبت لكم عقائد الحقّ اليقينيّة الّتي يتوقّف عليها نيل السّعادة الأبديّة،جاءكم ذلك من ربّكم الّذي خلقكم و سوّاكم،و ربّى أجسادكم و مشاعركم و سائر قواكم،ليربّي بها أرواحكم بأحسن ممّا ربّى به أشباحكم.(7:657)

الطّباطبائيّ: قيل:البصيرة للقلب كالبصر للعين.و الأصل في الباب-على أيّ حال-هو الإدراك بحاسّة البصر الّذي يعدّ أقوى الإدراكات،و نيلا من خارج الشّيء المشهود.

و الإبصار و العمى في الآية هو العلم و الجهل،أو الإيمان و الكفر توسّعا.و كأنّه تعالى يشير بقوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ إلى ما ذكره في الآيات السّابقة من الحجج الباهرة على وحدانيّته،و انتفاء الشّريك عنه،و المعنى أنّ هذه الحجج بصائر قد جاءتكم من جانب اللّه بالوحي إليّ،و الخطاب من قبل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

ثمّ ذكر للمخاطبين و هم المشركون أنّهم على خيرة من أمر أنفسهم إن شاءوا أبصروا بها،و إن شاءوا عموا عنها،غير أنّ الإبصار لأنفسهم و العمى عليها.

(7:302)

2- ...قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. الأعراف:203

الجبّائيّ: قوله: هذا بَصائِرُ إشارة إلى الأدلّة الدّالّة على توحيده و صفاته و عدله و حكمته،و صحّة نبوّة النّبيّ،و صحّة ما أتى بها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

(الطّوسيّ 5:79)

الطّبريّ: يقول:هذا القرآن و الوحي الّذي أتلوه عليكم بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ يقول:حجج عليكم و بيان لكم من ربّكم،واحدتهما:بصيرة،كما قال جلّ ثناؤه:

هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

و إنّما ذكر(هذا)و وحّد في قوله: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ لما وصفت من أنّه مراد به القرآن و الوحي.

(9:162)

ص: 681

الزّجّاج: أي هذا القرآن الّذي أتيت به بصائر من ربّكم.واحدة البصائر:بصيرة،و البصيرة و البصائر:

طرائق الدّم (1).[ثمّ استشهد بشعر]

و البصيرة:التّرس،و جمعها:بصائر.و جميع هذا أيضا معناه ظهور الشّيء و بيانه.(2:397)

البغويّ: حجج و بيان و برهان من ربّكم، واحدتها:بصيرة.و أصلها:ظهور الشّيء و استحكامه حتّى يبصره الإنسان فيهتدي به.يقول:هذه دلائل تقودكم إلى الحقّ.(2:263)

الزّمخشريّ: هذا القرآن بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أي حجج بيّنة يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى،أو هو بمنزلة بصائر القلوب.(2:139)

ابن عطيّة: أي علامات هدى و أنوار تضيء القلوب.و قالت فرقة:المعنى هذا ذو بصائر،و يصحّ الكلام دون أن يقدّر حذف مضاف،لأنّ المشار إليه ب(هذا)إنّما هو سور و آيات و حكم.و جازت الإشارة إليه ب(هذا)من حيث اسمه مذكّر،و جاز وصفه ب(بصائر)من حيث هو سور و آيات.(2:493)

الطّبرسيّ: هذا القرآن دلائل ظاهرة و حجج واضحة و براهين ساطعة من ربّكم يبصر الإنسان بها أمور دينه.(2:514)

الفخر الرّازيّ: أصل البصيرة:الإبصار،و لمّا كان القرآن سببا لبصائر العقول في دلائل التّوحيد و النّبوّة و المعاد،أطلق عليه لفظ«البصيرة»تسمية للسّبب باسم المسبّب.(15:101)

نحوه الخازن.(2:271)

القرطبيّ: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ يعني القرآن، جمع بصيرة،هي الدّلالة و العبرة،أي هذا الّذي دللتكم به على أنّ اللّه عزّ و جلّ واحد بصائر،أي يستبصر بها.

و قال الزّجّاج:(بصائر)أي طرق،و البصائر:طرق الدّين.(7:353)

البيضاويّ: هذا القرآن بصائر للقلوب،بها يبصر الحقّ و يدرك الصّواب.(1:383)

أبو حيّان: أي هذا الموحى إليّ الّذي أنا أتّبعه لا أبتدعه،و هو القرآن بصائر،أي حجج و بيّنات يبصر بها و تتّضح الأشياء الخفيّات،و هي جمع بصيرة،كقوله:

على بصيرة أنا و من اتّبعني،أي على أمر جليّ منكشف.

و أخبر عن المفرد بالجمع،لاشتماله على سور و آيات.و قيل:هو على حذف مضاف،أي ذو بصائر.(4:451)

نحوه المراغيّ.(9:153)

أبو السّعود: بمنزلة البصائر للقلوب،بها تبصر الحقّ و تدرك الصّواب.و قيل:حجج بيّنة و براهين نيّرة.

و(من)متعلّقة بمحذوف هو صفة ل(بصائر)مفيدة لفخامتها،أي بصائر كائنة منه تعالى.(3:72)

نحوه البروسويّ.(3:302)

الآلوسيّ: أي بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحقّ و تدرك الصّواب،أو حجج بيّنة و براهين نيّرة تغني عن غيرها.

فالكلام خارج مخرج التّشبيه البليغ،و قد حقّقتع.

ص: 682


1- خطوطه و بقعه.و قد ذكر القرطبيّ عن الزّجّاج: و البصائر:طرق الدّين.أوردناه عند القرطبيّ لمن يراجع.

ما فيه على الوجه الأتمّ في«الطّراز المذهّب»أو فيه مجاز مرسل؛حيث أطلق المسبّب على السّبب،و جوّز أن تكون«البصائر»مستعارة لإرشاد القرآن الخلق إلى إدراك الحقائق.

و(هذا)مبتدأ و(بصائر)خبره،و جمع خبر المفرد لاشتماله على آيات و سور،جعل كلّ منها بصيرة.و(من) متعلّقة بمحذوف وقع صفة ل(بصائر)مفيدة لفخامتها، أي بصائر كائنة منه تعالى.(9:150)

3- قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً.

الإسراء:102

الطّبريّ: يعني بالبصائر الآيات،أنّهنّ بصائر لمن استبصر بهنّ،و هدى لمن اهتدى بهنّ يعرف بهنّ،من رآهنّ أنّ من جاء بهنّ فمحقّ،و أنّهنّ من عند اللّه لا من عند غيره؛إذ كنّ معجزات لا يقدر عليهنّ و لا على شيء منهنّ سوى ربّ السّماوات و الأرض،و هو جمع بصيرة.

(15:174)

الطّوسيّ: أي حججا واضحة،واحدها:بصيرة.

(6:528)

البغويّ: جمع بصيرة،أي يبصر بها.(3:166)

مثله الخازن.(4:153)

الزّمخشريّ: بيّنات مكشوفات،و لكنّك معاند مكابر،و نحوه وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.(2:468)

نحوه أبو السّعود(4:161)،و البروسويّ(5:

208)،و القاسميّ(10:4007).

ابن عطيّة: جمع بصيرة و هي الطّريقة،أي طرائق يهتدى بها.و كذلك غلب على البصيرة أنّها تستعمل في الطّريقة النّفس في نظرها و اعتقادها،و نصب(بصائر) على الحال.(3:489)

الطّبرسيّ: أي أنزلها حججا و براهين للنّاس، يبصرون بها أمور دينهم.

و قيل:أدلّة على نبوّتي لأنّك تعلم أنّها ليست من السّحر.(3:444)

الفخر الرّازيّ: [الصّفة الأولى]قوله:(بصائر):أي حججا بيّنة،كأنّها بصائر العقول.

و تحقيق الكلام أنّ المعجزة فعل خارق للعادة،فعله فاعله لغرض تصديق المدّعي،و معجزات موسى عليه الصّلاة و السّلام كانت موصوفة بهذين الوصفين،لأنّها كانت أفعالا خارقة للعادة.

و صرائح العقول تشهد بأنّ قلب العصا حيّة معجزة عظيمة لا يقدر عليها إلاّ اللّه،ثمّ إنّ تلك الحيّة تلقّفت حبال السّحرة و عصيّهم على كثرتها،ثمّ عادت عصا كما كانت،فأصناف تلك الأفعال لا يقدر عليها أحد إلاّ اللّه.

و كذا القول في فرق البحر و إظلال الجبل،فثبت أنّ تلك الأشياء ما أنزلها إلاّ ربّ السّماوات.

الصّفة الثانية:أنّه تعالى إنّما خلقها لتدلّ على صدق موسى في دعوة النّبوّة،و هذا هو المراد من قوله:

ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ حال كونها بصائر،أي دالّة على صدق موسى في دعواه.

(21:65)

ص: 683

أبو حيّان: و معنى(بصائر)دلالات على وحدانيّة اللّه و صدق رسوله،و الإشارة ب(هؤلاء)إلى الآيات التّسع.

و انتصب(بصائر)على الحال،في قول ابن عطيّة و الحوفيّ و أبي البقاء،و قالوا:حال من(هؤلاء)و هذا لا يصحّ إلاّ على مذهب الكسائيّ و الأخفش،لأنّهما يجيزان:ما ضرب هندا هذا إلاّ زيد ضاحكة.و مذهب الجمهور أنّه لا يجوز،فإن ورد ما ظاهره ذلك أوّل على إضمار فعل يدلّ عليه،ما قبله،التّقدير:ضربها ضاحكة.

و كذلك يقدّرون هنا:أنزلها بصائر.و عند هؤلاء، لا يعمل ما قبل«الاّ»فيما بعدها إلاّ أن يكون مستثنى منه، أو تابعا له.(6:86)

نحوه الآلوسيّ.(15:185)

شبّر: حججا تبصرك صدقي،و لكنّك تعاند.

(4:52)

الطّباطبائيّ: و المعنى:قال موسى مخاطبا لفرعون:لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البيّنات إلاّ ربّ السّماوات و الأرض،أنزلها بصائر يتبصّر بها،لتمييز الحقّ من الباطل،و إنّي لأظنّك يا فرعون هالكا بالآخرة،لعنادك و جحودك.(13:218)

4- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ... القصص:43

الطّوسيّ: هي جمع بصيرة،يتبصّرون بها و يعتبرون بها.(8:156)

نحوه البغويّ.(3:536)

الزّمخشريّ: (بصائر)نصب على الحال.

و البصيرة:نور القلب الّذي يستبصر به،كما أنّ البصر نور العين الّذي تبصر به،يريد آتيناه التّوراة أنوارا للقلوب،لأنّها كانت عمياء لا تستبصر و لا تعرف حقّا من باطل و إرشادا،لأنّهم كانوا يخبطون في ضلال.

(3:181)

نحوه النّسفيّ.(3:238)

ابن عطيّة: نصب على الحال،أي طرائق هادية.(4:289)

نحوه أبو حيّان.(7:121)

الفخر الرّازيّ: وصفه تعالى بأنّه بصائر للنّاس، من حيث يستبصر به في باب الدّين.(24:255)

الطّبرسيّ: أي حججا و براهين للنّاس،و عبرا يبصرون بها أمر دينهم،و أدلّة يستدلّون بها في أحكام شريعتهم.(4:356)

البيضاويّ: أنوارا لقلوبهم تبصر بها الحقائق، و تميّز بين الحقّ و الباطل.(2:195)

نحوه أبو السّعود(5:125)،و شبّر(5:25).

البروسويّ: (بصائر)حال من(الكتاب)على أنّه نفس البصائر،و كذا ما بعده.

و البصائر:جمع بصيرة،و هي نور القلب الّذي به يستبصر،كما أنّ البصر نور العين الّذي به تبصر، و المعنى حال كون ذلك الكتاب أنوارا لقلوب بني إسرائيل تبصر بها الحقائق و تميّز بين الحقّ و الباطل؛ حيث كانت عمياء عن الفهم و الإدراك بالكليّة.

(6:408)

ص: 684

نحوه الآلوسيّ(20:84)،و الطّنطاويّ(14:27).

5- هذا بَصائِرُ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. الجاثية:20

ابن زيد: القرآن،هذا كلّه إنّما هو في القلب، و السّمع و البصر في القلب،و قرأ فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:

46،و ليس ببصر الدّنيا و لا بسمعها.(25:147)

الطّوسيّ: أي ما يتبصّرون به،واحدها:بصيرة.

(9:256)

البغويّ: معالم(للنّاس)في الحدود و الأحكام، يبصرون بها.(4:186)

مثله الخازن(6:127)،و نحوه القرطبيّ(16:

165).

الزّمخشريّ: جعل ما فيه من معالم الدّين و الشّرائع بمنزلة البصائر في القلوب،كما جعل روحا و حياة،و هو هدى من الضّلالة،و رحمة من العذاب،لمن آمن و أيقن.و قرئ (هذه بصائر) أي هذه الآيات.

(3:511)

نحوه أبو حيّان(8:46)،و النّسفيّ(4:136).

ابن عطيّة: و البصائر:جمع بصيرة،و هي المعتقد الوثيق في الشّيء،كأنّه مصدر من إبصار القلب، فالقرآن فيه بيانات ينبغي أن تكون بصائر.و البصيرة في كلام العرب:الطّريقة من الدّم.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:84)

الطّبرسيّ: أي هذا الّذي أنزلته عليك من القرآن بصائر،أي معالم في الدّين و عظات و عبر للنّاس، يبصرون بها من أمور دينهم.(5:76)

البيضاويّ:بيّنات تبصرهم وجه الفلاح.

(2:381)

البروسويّ: فإنّ ما فيه[:القرآن]من معالم الدين و الشّرائع بمنزلة البصائر في القلوب،كأنّه بمنزلة الرّوح و الحياة.فمن عري من القرآن فقد عدم بصره و بصيرته، و صار كالميّت و الجماد الّذي لا حسّ له و لا حياة.

فحمل«البصائر»على القرآن باعتبار أجزائه، و نظيره قوله تعالى: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أي القرآن و آياته،قوله تعالى في حقّ الآيات التّسع لموسى عليه السّلام قال: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ الإسراء:102.

و البصائر:جمع بصيرة،و هو النّور الّذي به تبصر النّفس المعقولات،كما أنّ البصر نور به تبصر العين المحسوسات.و يجوز أن يكون(هذا)إشارة إلى اتّباع الشّريعة،فحمل البصائر عليه،لأنّ المصدر المضاف من صيغ العموم،فكأنّه قيل:جميع اتّباعاتها.(8:444)

الآلوسيّ: (هذا)أي القرآن(بصائر للنّاس)فإنّ ما فيه من معالم الدّين و شعائر الشّرائع بمنزلة البصائر في القلوب.و قيل:الإشارة إلى اتّباع الشّريعة،و الكلام من باب التّشبيه البليغ.

و جمع الخبر على الوجهين باعتبار تعدّد ما تضمّنه المبتدأ،و اتباع مصدر مضاف فيعمّ،و يخبر عنه بمتعدّد أيضا.و قرئ(هذه)أي الآيات.(25:149)

القاسميّ: أي يبصرون به الحقّ من الباطل،

ص: 685

و يعرفون به سبيل الرّشاد.(14:5323)

الطّباطبائيّ: الإشارة ب(هذا)إلى الأمر المذكور الّذي هو الشّريعة،أو إلى القرآن بما يشتمل على الشّريعة.

و البصائر:جمع بصيرة،و هي الإدراك المصيب للواقع،و المراد بها ما يبصر به.(18:169)

البصر

1- ...فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ.

الملك:3،4

ابن عبّاس: أي يرجع إليك بصرك بعيدا عن نيل المراد ذليلا صاغرا.(الطّبرسيّ 5:323)

قتادة: معناه فانظر إلى السّماء.(الماورديّ 6:51)

الطّبرسيّ: أي فردّ البصر و أدره في خلق اللّه، و استقص في النّظر مرّة بعد أخرى.و التّقدير:انظر ثمّ ارجع النّظر في السّماء.[إلى أن قال:]

و التّحقيق:أنّ بصر هذا النّاظر بعد الإعياء يرجع إليه بعيدا عن طلبته،خائبا في بغيته.(5:323)

البروسويّ: أي ردّه إلى رؤية السّماء حتّى يتّضح ذلك بالمعاينة،و لا يبقى عندك شبهة ما.(10:79)

الآلوسيّ: أي إن كنت في ريب من ذلك فارجع البصر حتّى يتّضح الحال،و لا يبقى لك ريب و شبهة في تحقّق ما تضمّنه ذلك المقال،من تناسب خلق الرّحمن و استجماعه ما ينبغي له.[إلى أن قال:]

و أمر برجع البصر إلى السّماء مرّتين،إذ يمكن غلط في الأولى فيستدرك بالثّانية.أو الأولى ليرى حسنها و استواءها،و الثّانية ليبصر كواكبها في سيرها و انتهائها، و ليس بشيء.

و يؤيّد الأوّل قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً فإنّه جواب الأمر،و الجوابيّة تقتضي الملازمة، و ما تضمّنه لا يلزم من المرّتين غالبا.

و المعنى يعد إليك البصر محروما من إصابة ما التمسه من إصابة العيب و الخلل،كأنّه طرد عنه طردا بالصّغار.(29:7)

2- ...وَ ما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ...

النّحل:77

راجع«ل م ح».

3- ...إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً. الإسراء:36

راجع«س م ع».

4- ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى. النّجم:17

راجع«ز ي غ».

5- وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. القمر:50

راجع«ل م ح».

6- لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. ق:22

راجع«ح د د».

ص: 686

الابصار

1- ..وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ. آل عمران:13

الطّوسيّ: معناه لأولي العقول،كما يقال:له بصر بالأمور،و ليس المراد ب(الابصار)الحواسّ الّتي يشترك فيها سائر الحيوان.(2:410)

نحوه الطّبرسيّ(1:416)،و الفخر الرّازيّ(7:

206).

البغويّ: لذوي العقول،و قيل:لمن أبصر الجمعين.

(1:417)

نحوه الخازن.(1:274)

الفخر الرّازي: أي لأولي العقول،كما يقال:لفلان بصر بهذا الأمر،أي علم و معرفة،و اللّه أعلم.

(7:206)

أبو حيّان: إن كانت الرّؤية بصريّة،فالمعنى للّذين أبصروا الجمعين.و إن كانت اعتقاديّة،فالمعنى لذوي العقول السّليمة القابلة للاعتبار.(2:396)

شبّر: لعظة لذوي البصائر.(1:300)

الآلوسيّ: جمع بصر،بمعنى بصيرة مجازا،أو بمعناه المعروف،أي لذوي العقول و البصائر،أو لمن أبصرهم و رآهم بعيني رأسه.

و هذه الجملة إمّا من تمام الكلام الدّاخل تحت القول، مقرّرة لما قبلها بطريق التّذييل.و إمّا واردة من جهته تعالى تصديقا لمقالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(3:98)

رشيد رضا: أي لأصحاب الأبصار الصّحيحة الّتي استعملت فيما خلقت لأجله،من التّأمّل في الأمور،بقصد الاستفادة منها،إلاّ لمن وصفوا بقوله: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الأعراف:179.

و قال بعض المفسّرين: إنّ(الابصار)هنا بمعنى البصائر و العقول،من باب المجاز.و قال بعضهم:يعني ب(اولى الابصار):من أبصروا بأعينهم قتال الفئتين.

(3:235)

المراغيّ: أي إنّ هذا النّصر-مع قلّة عددهم و كثرة عدوّهم-عظة لمن عقل و تدبّر،فعرف الحقّ و ثلج قلبه ببرد اليقين.(3:107)

الطّباطبائيّ: و المراد ب(الابصار)قيل:هو العيون الظّاهريّة،لكون الآية مشتملة على التّصرّف في رؤية العيون.و قيل:هو البصائر،لأنّ العبرة إنّما تكون بالبصيرة القلبيّة دون البصر الظّاهريّ.

و الأمر هيّن فإنّ اللّه سبحانه في كلامه يعدّ من لا يعتبر بالعبر و المثلات أعمى،و يذكر أنّ العين يجب أن تبصر و تميّز الحقّ من الباطل.

و في ذلك دعوى أنّ الحقّ الّذي يدعو إليه ظاهر متجسّد محسوس،يجب أن يبصره البصر الظّاهر،و أنّ البصيرة و البصر في مورد المعارف الإلهيّة واحد،بنوع من الاستعارة،لنهاية ظهورها و وضوحها،و الآيات في ذلك كثيرة جدّا،و من أحسنها دلالة على ما ذكرنا قوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46،أي أنّ الأبصار إنّما هي في

ص: 687

القلوب دون الرّءوس،و قوله تعالى: وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها الأعراف:179،و الآية في مقام التّعجيب،و قوله تعالى: وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:23،إلى غير ذلك من الآيات.

فالمراد ب(الابصار)فيما نحن فيه هو العيون الظّاهريّة،بدعوى أنّها هي الّتي تعتبر و تفهم،فهو من الاستعارة بالكناية،و النّكتة فيه ظهور المعنى،كأنّه بالغ حدّ الحسّ.و يزيد في لطفه أنّ المورد يتضمّن التّصرّف في رؤية العين الظّاهرة.(3:94)

2- ..لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام:103

الزّمخشريّ: البصر هو الجوهر اللّطيف الّذي ركّبه اللّه في حاسّة النّظر،به تدرك المبصرات،فالمعنى أنّ الأبصار لا تتعلّق به و لا تدركه،لأنّه متعال أن يكون مبصرا في ذاته،لأنّ الإبصار إنّما تتعلّق بما كان في جهة أصلا أو تابعا كالأجسام و الهيئات، وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ و هو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللّطيفة الّتي لا يدركها مدرك.(2:41)

و تمام البحث في«د ر ك».

3- ..إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ.

إبراهيم:42

ابن عبّاس: تشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدّة الحيرة،فلا يرمضون.(القرطبيّ 9:376)

الطّوسيّ: شخوص البصر:أن تبقى العين مفتوحة لا تنطبق،لعظم ذلك اليوم.(6:303)

الفرّاء: أي لا تغمض من هول ما ترى في ذلك اليوم.(القرطبيّ 9:378)

البغويّ: قيل:ترتفع و تزول عن أماكنها.

(3:45)

الزّمخشريّ: أي أبصارهم لا تقرّ في أماكنها من هول ما ترى.(2:382)

نحوه الشّربينيّ(2:188)،و القاسميّ(10:

3736).

الفخر الرّازيّ: يقال:شخص بصر الرّجل،إذا بقيت عينه مفتوحة لا يطرفها.و شخوص البصر يدلّ على الحيرة و الدّهشة و سقوط القوّة.(19:141)

البروسويّ: ترتفع فيه أبصار أهل الموقف،أي تبقى أعينهم مفتوحة لا تتحرّك أجفانهم من هول ما يرونه،يعني أنّ تأخيره للتّشديد و التّغليظ لا للغفلة عن أعمالهم و لا لإهمالهم،يقال:شخص بصر فلان كمنع،و أشخصه صاحبه،إذا فتح عينيه و لم يطرف بجفنيه.(4:431)

شبّر: أبصارهم فلا تستقرّ و لا تنطبق،للرّعب من هول المطلع.(3:365)

المراغيّ: أي إنّما يمهلهم و يمتّعهم بكثير من لذّات الحياة،و لا يعجّل عقوبتهم ليوم شديد الهول،ترتفع فيه أبصار أهل الموقف،و تبقى مفتوحة لا تطرف،من الفزع و الاضطراب.(13:165)

الطّباطبائيّ: شخص بصره،أي سكن بحيث لا يطرف جفنه.(12:82)

ص: 688

4- لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. الحجّ:46

مجاهد :لكلّ عين أربع أعين،يعني لكلّ إنسان أربع أعين،عينان في رأسه لدنياه،و عينان في قلبه لآخرته.فإن عميت عينا رأسه و أبصرت عينا قلبه، فلم يضرّه عماه شيئا.و إن أبصرت عينا رأسه و عميت عينا قلبه،فلم ينفعه نظره شيئا.(القرطبيّ 12:77)

قتادة:البصر النّاظر جعل بلغة و منفعة،و البصر النّافع في القلب.(القرطبيّ 12:77)

الطّبريّ: يقول:فإنّها لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص و يروها،بل يبصرون ذلك بأبصارهم.و لكن يبصرون ذلك بأبصارهم.و لكن تعمى قلوبهم الّتي في صدورهم عن أنصار الحقّ و معرفته.(17:182)

الطّوسيّ: و المعنى في الآية أنّ الأبصار و إن كانت عميا فلا تكون في الحقيقة كذلك،إذا كان عارفا بالحقّ.

و إنّما يكون العمى عمى القلب الّذي يجحد معه معرفة اللّه و وحدانيّته.(7:326)

نحوه الطّبرسيّ.(4:89)

الزّمخشريّ: و المعنى أنّ أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها و إنّما العمى بقلوبهم،أو لا يعتدّ بعمى الأبصار، فكأنّه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب.

(3:17)

القرطبيّ: أي أبصار العيون ثابتة لهم.(12:77)

أبو حيّان: و المعنى أنّ أبصارهم سالمة لا عمى بها، و إنّما العمى بقلوبهم.و معلوم أنّ الأبصار قد تعمى،لكن المنفيّ فيها ليس العمى الحقيقيّ و إنّما هو ثمرة البصر،و هو التّأدية إلى الفكرة فيما يشاهد البصر،لكن ذلك متوقّف على العقل الّذي محلّه القلب.(6:378)

الآلوسيّ: و المعنى أنّه لا يعتدّ بعمى الأبصار و إنّما يعتدّ بعمى القلوب،فكأنّ عمى الأبصار ليس بعمى، بالإضافة إلى عمى القلوب.فالكلام تذييل لتهويل ما بهم من عدم فقه القلب،و أنّه العمى الّذي لا عمى بعده،بل لا عمى إلاّ هو.

أو المعنى أنّ أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها، و إنّما العمى بقلوبهم،فكأنّه قيل:أ فلم يسيروا فتكون لهم قلوب ذات بصائر،فإنّ الآفة ببصائر قلوبهم لا بأبصار عيونهم،و هي الآفة الّتي كلّ آفة دونها،كأنّه يحثّهم على إزالة المرض و ينعى عليهم تقاعدهم عنها.

(17:167)

5- وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ. المؤمنون:78

الطّبريّ: الأبصار الّتي تبصرون بها.(18:46)

نحوه الطّبرسيّ.(7:385)

أبو السّعود: لتشاهدوا بها الآيات التّنزيليّة و التّكوينيّة.(4:428)

البروسويّ: (الابصار):جمع بصر،يقال لجارحة النّاظرة و للقوّة فيها.(6:99)

الطّنطاويّ: حاسّة الإبصار مركزها العين، و توجد هذه في تجويف الحجاج،و معها الأوعية

ص: 689

و الأعصاب الّتي تغذّيها،و في مقدّمتها الجفون،و الجهاز الدّمعيّ.

و الجفون في حافّتها الأهداب،و هي تقي العين ليلا و نهارا من الأجسام الغريبة،الّتي تصادفها.و الجهاز الدّمعيّ في الجهة الوحشيّة للحجاج،و يفرز الدّمع منعا لجفاف الملتحمة.

و العين مكوّنة على التّوالي من الطّبقات الآتية، و هي:الصّلبة و القرنيّة و المشيميّة و الشّبكيّة و العين المملوءة بالرّطوبة المائيّة و الجسم الزّجاجيّ و البلّوريّة.

و تجويفها تنقسم بالقزحيّة إلى قسمين،و هي ستار قابل للانقباض و الانبساط،و مثقوبة في وسطها بالحدقة، الّتي وظيفتها تنظيم كمّيّة الضّوء الدّاخل في العين.

و توجد القزحيّة عند ملتقى الصّلبة بالقرنيّة، و وظيفتها إعداد العين للرّؤية،و هي تؤثّر في تحديب البلّوريّة بانقباضها و انبساطها،فترى الأشياء على أبعاد مختلفة،و في الشّبكيّة ينتهي العصب البصريّ.

و العين تماثل صندوق التّصوير الشّمسيّ،فأشعّة الشّيء المرئيّ تمرّ بالقرنيّة و البلّوريّة و الرّطوبة المائيّة و الجسم الزّجاجيّ،فتنطبع صورته معكوسة على الشّبكيّة الّتي تشبه زجاجة التّصوير،فينقل العصب البصريّ هذه الصّورة المعكوسة الشّكل إلى المخّ،فيردّها هذا إلى العين غير معكوسة،فنشعر برؤية الشّيء، و نحكم على شكله و لونه و حجمه.(11:172)

المراغيّ: (و الابصار)لتشاهدوا بها الأضواء و الألوان و الأشكال المختلفة.(18:45)

و هناك مباحث أخرى راجع«س م ع».

6- يُقَلِّبُ اللّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ. النّور:44

الطّبريّ: في تقليبه اللّيل و النّهار لعبرة لمن اعتبر به و عظة لمن اتّعظ به،ممّن له فهم و عقل،لأنّ ذلك ينبئ و يدلّ على أنّ له مدبّرا و مصرّفا و مقلّبا،لا يشبهه شيء.

(18:155)

الطّوسيّ: يعني ذوي العقول الّذين يبصرون بقلوبهم.

و في الآية دلالة على وجوب النّظر،و فساد التّقليد، لأنّه تعالى مدح المعتبرين بعقولهم،بما نبّه من الدّلالات و الآيات الدّالّة على توحيده و عدله،و غير ذلك.

(7:447)

نحوه الطّبرسيّ(4:148)،و الفخر الرّازيّ(24:

15).

البروسويّ: يعني أنّ من له بصيرة يعبر من المذكور إلى معرفة المدبّر،ذلك من القدرة التّامّة و العلم الشّامل،الدّالّ قطعا على الوحدانيّة.(6:167)

الآلوسيّ: أي لكلّ من له بصيرة يراجعها و يعملها.ف(الابصار)هنا جمع بصر،بمعنى البصيرة، بخلافها فيما سبق.

و قيل:هو بمعنى البصر الظّاهر،كما هو المتبادر منه، و التّعبير بذلك دون البصائر،للإيذان بوضوح الدّلالة.

(18:192)

ص: 690

المراغيّ:أي لأهل العقول و البصائر.

(18:117)

7- وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ. ص:45

ابن عبّاس: يقول:الفقه في الدّين.

(الطّبريّ 23:170)

مثله مجاهد و قتادة.(الطّوسيّ 8:571)

مجاهد :البصر في الحقّ.(الابصار):العقول.

(الطّبريّ 23:170)

الإمام الباقر عليه السّلام: أولي القوّة في العبادة و البصر فيها.(القمّيّ 2:242)

السّدّيّ: (الابصار):البصر بعقولهم في دينهم.

(23:170)

قتادة: أعطوا قوّة في العبادة و بصرا في الدّين.

(الطّبريّ 23:170)

الطّبريّ: يعني ب(الابصار):أنّهم أهل أبصار القلوب،يعني به:أولي العقول و الإبصار للحقّ.

فإن قال لنا قائل:ما العقول من الأبصار،و إنّما الأبصار جمع بصر؟

قيل:إنّ ذلك مثل...و أمّا البصر فإنّه عنى به بصر القلب،و به تنال معرفة الأشياء،فلذلك قيل للرّجل العالم بالشّيء:بصير به.(23:170)

النّحّاس: أمّا(الابصار)فمتّفق على تأويلها،أنّها البصائر في الدّين و العلم.(القرطبيّ 15:217)

أبو مسلم:(و الابصار):العلم.

(الطّبرسيّ 4:480)

الزّمخشريّ: يريد أولي الأعمال و الفكر،كأنّ الّذين لا يعملون أعمال الآخرة و لا يجاهدون في اللّه، و لا يفكّرون أفكار ذوي الدّيانات،و لا يستبصرون في الحكم الزّمنيّ الّذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم، و المسلوبي العقول الّذين لا استبصار بهم.

و فيه تعريض بكلّ من لم يكن من عمّال اللّه،و لا من المستبصرين في دين اللّه،و توبيخ على تركهم المجاهدة و التّأمّل،مع كونهم متمكّنين منهما.(3:377)

الفخر الرّازيّ:و اعلم أنّ اليد آلة لأكثر الأعمال، و البصر آلة لأقوى الإدراكات،فحسن التّعبير عن العمل باليد و عن الإدراك بالبصر.

إذا عرفت هذا فنقول:النّفس النّاطقة الإنسانيّة لها قوّتان:عاملة و عالمة:أمّا القوّة العاملة فأشرف ما يصدر عنها طاعة اللّه،و أمّا القوّة العالمة فأشرف ما يصدر عنها معرفة اللّه،و ما سوى هذين القسمين من الأعمال و المعارف فكالعبث و الباطل،فقوله: أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ إشارة إلى هاتين الحالتين.(26:216)

نحوه الخازن.(6:51)

البيضاويّ: أولي القوّة في الطّاعة و البصيرة في الدّين،أو أولي الأعمال الجليلة و العلوم الشّريفة.فعبّر ب(الايدى)عن الأعمال،لأنّ أكثرها بمباشرتها، و ب(الابصار)عن المعارف،لأنّها أقوى مبادئهما.و فيه تعريض بالبطلة الجهّال،إنّهم كالزّمنى و العماة.

(2:312)

نحوه أبو السّعود(5:366)،و المراغيّ(23:127).

البروسويّ: جمع بصر،حمل على بصر القلب،

ص: 691

و يسمّى البصيرة،و هي القوّة الّتي يتمكّن بها الإنسان من إدراك المعقولات.[ثمّ قال:نحو ما نقلناه عن الزّمخشريّ](8:46)

الآلوسيّ: أولي القوّة في الطّاعة،و البصيرة في الدّين،على أنّ(الايدى)مجاز مرسل عن القوّة، (و الابصار):جمع بصر،بمعنى بصيرة،و هو مجاز أيضا، لكنّه مشهور فيه.

أو أولي الأعمال الجليلة و العلوم الشّريفة،على أنّ (الايدى)من ذكر السّبب و إرادة المسبّب،(و الابصار) بمعنى البصائر مجاز عمّا يتفرّع عليها من العلوم،كالأوّل أيضا.

و في ذلك على الوجهين تعريض بالجهلة البطّالين، أنّهم كفاقدي الأيدي و الأبصار،و توبيخ على تركهم المجاهدة و التّأمّل،مع تمكّنهم منهما.(23:210)

نحوه القاسميّ.(14:5110)

الطّباطبائيّ: مدحهم بتوصيفهم بأنّ لهم الأيدي و الأبصار.و يد الإنسان و بصره إنّما يمدحان إذا كانا يد إنسان و بصر إنسان،و استعملا فيما خلقا له،و خدما الإنسان في إنسانيّته.فتكتسب اليد صالح العمل، و يجري منها الخير على الخلق.و يميّز البصر طرق العافية و السّلامة من موارد الهلكة،و يصيب الحقّ،و لا يلتبس عليه الباطل.

فيكون كونهم أولي الأيدي و الأبصار كناية عن قوّتهم في الطّاعة و إيصال الخير،و تبصّرهم في إصابة الحقّ في الاعتقاد و العمل.

و قد جمع المعنيين في قوله تعالى: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ* وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ الأنبياء:73.

فجعلهم أئمّة،و الأمر و الوحي لأبصارهم و فعل الخيرات و إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة لأيديهم.و إليه يؤول ما في الرّواية من تفسير ذلك بأولي القوّة في العبادة و البصر فيها.(17:211)

8- ..فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ. الحشر:2

ابن عبّاس: يريد يا أهل اللّبّ و العقل و البصائر.

(الفخر الرّازيّ 29:282)

الفرّاء: يا أولي العقول،يقال:يا أولي الأبصار:

يا من عاين ذلك بعينه.(3:143)

الطّبريّ: إنّما عنى ب(الابصار)في هذا الموضع:

أبصار القلوب؛و ذلك أنّ الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون.(28:31)

البغويّ:يا ذوي العقول و البصائر.(5:53)

نحوه الخازن.(7:49)

الطّبرسيّ:أي اتّعظوا يا أولي العقول و البصائر، و تدبّروا و انظروا فيما نزل بهم.(5:258)

المراغيّ:أي فاتّعظوا يا ذوي البصائر السّليمة و العقول الرّاجحة،بما جرى لهؤلاء من أمور عظام و بلاء ما كان يخطر لهم ببال،بأسباب تحار في فهمها العقول، و لا يصل إلى كنه حقيقتها ذوو الآراء الحصيفة (1)، و ابتعدوا عن الكفر و المعاصي الّتي أوقعتهم في هذهي.

ص: 692


1- الجيّدة الرّأي.

المهالك،فالسّعيد من وعظ بغيره،و إيّاكم و الغدر، و الاعتماد على غير اللّه،فما اعتمد أحد على غيره إلاّ ذلّ.

(28:35)

9- قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ. الملك:23

الطّبريّ: تبصرون بها.(29:10)

الطّوسيّ: تبصرون بالبصر المبصرات.

(10:69)

نحوه الطّبرسيّ.(5:329)

البيضاويّ: لتنظروا صنائعه.(2:492)

نحوه المراغيّ.(29:22)

البروسويّ: لتنظروا بها إلى الآيات التّكوينيّة الشّاهدة بشئون اللّه تعالى،و لتبصروا جميع مظاهره تعالى في غاية الكمال،و نهاية الإتقان.(10:94)

القاسميّ: أي العقول و الإدراكات.

(16:5888)

الطّباطبائيّ: لا يبعد أن يكون المراد ب(السّمع و البصر)مطلق الحواسّ الظّاهرة،من باب إطلاق الجزء و إرادة الكلّ.(19:363)

ابصارهم

1- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

البقرة:20

الطّبريّ: إنّما خصّ جلّ ذكره«السّمع و الأبصار» بأنّه لو شاء أذهبها من المنافقين دون سائر أعضاء أجسامهم للّذي جرى من ذكرها في الآيتين،أعني قوله:

يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ البقرة:

19،و قوله: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ فجرى ذكرها في الآيتين على وجه المثل.

فإن قال لنا قائل:كيف قيل: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ فوحّد،و قال: وَ أَبْصارِهِمْ فجمع،و قد علمت أنّ الخبر في«السّمع»خبر عن سمع جماعة،كما الخبر في «الأبصار»خبر عن أبصار جماعة؟

قيل:قد اختلف أهل العربيّة في ذلك،فقال بعض نحوييّ الكوفة:وحّد«السّمع»،لأنّه عنى به المصدر، و قصد به الخرق،و جمع«الأبصار»لأنّه عنى به الأعين.

و كان بعض نحوييّ البصرة يزعم أنّ«السّمع»و إن كان في لفظ واحد فإنّه بمعنى جماعة،و يحتجّ في ذلك بقول اللّه: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ إبراهيم:43،يريد:

لا ترتدّ إليهم أطرافهم،و بقوله: وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ القمر:45،يراد به أدبارهم.

و إنّما جاز ذلك عندي،لأنّ في الكلام ما يدلّ على أنّه مراد به«الجمع»فكان فيه دلالة على المراد منه،و أدّى معنى الواحد من السّمع عن معنى جماعة،مغنيا عن جماعة.و لو فعل ب«البصر»نظير الّذي فعل ب«السّمع» أو فعل ب«السّمع»نظير الّذي فعل ب«الأبصار»من الجمع و التّوحيد،كان فصيحا صحيحا،لما ذكرنا من العلّة.[ثمّ استشهد بشعر](1:159)

ص: 693

نحوه الطّوسيّ(1:97)،و الطّبرسيّ(1:58).

البغويّ: أي بأسماعهم و أبصارهم الظّاهرة،كما ذهب بأسماعهم و أبصارهم الباطنة.

و قيل:لذهب بما استفادوا من العزّ و الأمان الّذي لهم بمنزلة السّمع و البصر.(1:92)

نحوه الخازن.(1:32)

2- حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. فصّلت:20

الطّبريّ: (و ابصارهم)بما كانوا يبصرون به، و ينظرون إليه في الدّنيا.(24:106)

الطّبرسيّ: (و ابصارهم)بما رأوا من الآيات الدّالّة على وحدانيّة اللّه.(5:9)

البروسويّ: بما نظرت إلى حرام.(8:247)

القاسميّ: أي بأنّهم رأوا الآيات فلم يعتبروها و رأوا القبائح فاختاروها.(14:5195)

ابصر

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ...

الأنعام:104

الطّبريّ: يقول:فمن تبيّن حجج اللّه و عرفها،و أقرّ بها،و آمن بما دلّته عليه من توحيد اللّه و تصديق رسوله و ما جاء به،فإنّما أصاب حظّ نفسه،و لنفسه عمل و إيّاها بغى الخير.(7:305)

الطّوسيّ: يعني من تبيّن بهذه الحجج بأن نظر فيها حتّى أوجبت له العلم،و تبيّن بها.(4:245)

نحوه الطّبرسيّ.(2:345)

البغويّ: أي فمن عرفها و آمن بها.(2:149)

القرطبيّ: الإبصار هو الإدراك بحاسّة البصر،أي فمن استدلّ و تعرّف،فنفسه نفع.(7:57)

الخازن: يعني فمن عرف الآيات أو اهتدى بها إلى الحقّ.(2:139)

البروسويّ:أي الحقّ بتلك البصائر،و آمن به.

(3:81)

ابصرنا

وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ.

السّجدة:12

الطّبريّ: رَبَّنا أَبْصَرْنا ما كنّا نكذّب به من عقابك أهل معاصيك.(21:98)

الطّوسيّ: معناه أبصرنا الرّشد.و قيل:معناه أبصرنا صدق وعدك،و سمعنا تصديق رسلك.و قيل:

معناه إنّا كنّا بمنزلة العمى،فقد أبصرنا.(8:300)

نحوه الزّمخشريّ(3:242)،و الطّبرسيّ(4:329).

القرطبيّ: (ابصرنا)ما كنّا نكذّب(و سمعنا)ما كنّا ننكر.و قيل:(ابصرنا)صدق وعيدك،(و سمعنا)تصديق رسلك.أبصروا حين لا ينفعهم البصر،و سمعوا حين لا ينفعهم السّمع.

و قيل:أي ربّنا لك الحجّة،فقد(ابصرنا)رسلك و عجائب خلقك في الدّنيا،(و سمعنا)كلامهم،فلا حجّة لنا.فهذا اعتراف منهم ثمّ طلبوا أن يردّوا إلى الدّنيا

ص: 694

ليؤمنوا.(14:95)

البروسويّ: أي صرنا ممّن يبصر و يسمع، و حصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات المبصرة و المسموعة،و كنّا من قبل عميا لا ندرك شيئا.

(7:115)

نحوه الآلوسيّ.(21:127)

القاسميّ: أي علمنا ما لم نعلم،و أيقنّا بما لم نكن به موقنين.(13:4814)

يبصرون

1- ..فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. البقرة:17

ابن عبّاس: أي يبصرون الحقّ و يقولون به،حتّى إذا خرجوا به من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم و نفاقهم فيه،فتركهم في ظلمات الكفر،فهم لا يبصرون هدى، و لا يستقيمون على حقّ.(الطّبريّ 1:142)

الميبديّ: إن قيل:من كان في الظّلمات لا يرى شيئا،فلم قال:(لا يبصرون)بعد ما قال:(فى ظلمات)؟

قلت:إنّ بعض الحيوانات ترى في الظّلمة و لا تحول الظّلمة دون رؤيتها،فنفى اللّه عنهم الرّؤية و البصيرة، لأنّهم أضلّ من تلك الحيوانات،كما قال اللّه تعالى:

أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ الأعراف:179.

(1:86)

الطّبرسيّ:أي لا يبصرون الطّريق.(1:55)

أبو البركات: (لا يبصرون)جملة فعليّة منفيّة في موضع نصب على الحال،من الهاء و الميم في(تركهم)أي تركهم في ظلمات غير مبصرين.(1:60)

الفخر الرّازيّ:لم حذف أحد المفعولين من (لا يبصرون)؟

الجواب:أنّه من قبيل المتروك الّذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال،لا من قبيل المقدّر المنويّ،كأنّ الفعل غير متعدّ أصلا.(2:76)

ابن كثير :لا يهتدون إلى سبيل خير،و لا يعرفونها.

(1:93)

أبو حيّان: (لا يبصرون)جملة حاليّة.و لا يجوز أن يكون(فى ظلمات)في موضع الحال،و(لا يبصرون)جملة في موضع المفعول الثّاني،و إن كان يجوز:ظننت زيدا منفردا لا يخاف،و أنت تريد ظننت زيدا في حال انفراده لا يخاف،لأنّ المفعول الثّاني أصله خبر المبتدإ.

و إذا كان كذلك فلا يأتي الخبر على جهة التّأكيد إنّما ذلك على سبيل بعض الأحوال لا الأخبار.

فإذا جعلت(فى ظلمات)في موضع الحال كان قد فهم منها أنّ من هو في ظلمة لا يبصر،فلا يكون في قوله:

(لا يبصرون)من الفائدة إلاّ التّوكيد؛و ذلك لا يجوز في الأخبار.(1:81)

نحوه الآلوسيّ.(1:167)

رشيد رضا: حذف مفعول(يبصرون)إيذانا بالعموم،أي لا يبصرون مسلكا من مسالك الهداية، و لا يرون طريقا من طرقها،لأنّه صرف عنايته عنهم بتركهم سنّته و إهمالهم هدايته،و وكّلهم إلى أنفسهم.

و يا ويل من وكّله اللّه إلى نفسه و حرمه توفيقه،نسأل اللّه العافية.

ص: 695

هذا المثل مضروب لفريق لا ترجى هدايته،لأنّه سدّ على نفسه جميع أبواب الهداية،فلا يثق بعقله و لا بحواسّه و لا بوجدانه إذا خالفت تقاليده.و عدم الإبصار بذهاب النّور غير كاف لتمثيل هذا اليأس و الحرمان، لجواز أن يلوح بارق أو يذر شارق أو يصيح طارق، فتكون الهداية و تنكشف الغواية.(1:171)

2- ..لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها... الأعراف:179

الطّبريّ: معناه و لهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات اللّه و أدلّته،فيتأمّلوها و يتفكّروا فيها،فيعلموا بها صحّة ما تدعوهم إليه رسلهم،و فساد ما هم عليه مقيمون،من الشّرك باللّه و تكذيب رسله.(7:132)

البغويّ: طريق الحقّ و سبيل الرّشاد.(2:253)

البيضاويّ: أي لا ينظرون إلى ما خلق اللّه نظر اعتبار.(1:378)

الخازن: يعني لا يبصرون بها طريق الحقّ و الهدى،و لا ينظرون بها في آيات اللّه و أدلّة توحيده.(2:261)

أبو حيّان: لمّا كانوا لا يتدبّرون شيئا من الآيات و لا ينظرون إليها نظر اعتبار و لا يسمعونها سماع تفكّر، جعلوا كأنّهم فقدوا الفقه بالقلوب،و الإبصار بالعيون، و السّماع بالآذان.

و ليس المراد نفي هذه الإدراكات عن هذه الحواسّ، و إنّما المراد نفي الانتفاع بها،فيما طلب منهم من الإيمان.

(4:427)

الآلوسيّ: فيقال:المراد لا يبصرون بها شيئا من المبصرات،فيندرج فيه الشّواهد التّكوينيّة الدّالّة على الحقّ اندراجا أوّليّا.[إلى أن قال:]

المراد بالإبصار و السّماع المنفيّين:ما يختصّ بالعقلاء من الإدراك،على ما هو وظيفة الثّقلين،لا ما يتناول مجرّد الاحساس بالشّبح و الصّوت،كما هو وظيفة الأنعام.

(9:119)

القاسميّ: لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ أي دلائل وحدته بصر اعتبار.(7:2908)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى بطلان استعدادهم للوقوع في مجرى الرّحمة الإلهيّة،و الوقوف في مهبّ النّفحات الرّبّانيّة،فلا ينفعهم ما يشاهدونه من آيات اللّه، و ما يسمعونه من مواعظ أهل الحقّ،و ما تلقّنه لهم فطرتهم من الحجّة و البيّنة.(8:335)

3- وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ. الأعراف:198

الحسن: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى يعني المشركين لا يسمعوا و لا يعقلوا ذلك بقلوبهم،و تراهم ينظرون إليك بأعينهم و هم لا يبصرون بقلوبهم.

(البغويّ 2:260)

الطّبريّ: معنى الكلام:و ترى يا محمّد آلهة هؤلاء المشركين-من عبدة الأوثان-يقابلونك و يحاذونك و هم لا يبصرونك،لأنّه لا أبصار لهم.(9:153)

الزّمخشريّ: و هم لا يدركون المرئيّ.(2:138)

الفخر الرّازيّ:فيه قولان:

ص: 696

القول الأوّل:أنّ المراد منه وصف الأصنام بهذه الصّفات.

و القول الثّاني:أنّ هذه الأحوال المذكورة صفات لهؤلاء المشركين،فإن حملنا هذه الصّفات على الأصنام قلنا:المراد من كونها ناظرة:كونها مقابلة بوجهها وجوه القوم،من قولهم:جبلان متناظران،أي متقابلان.

فإن حملناها على المشركين،فالمعنى أنّهم و إن كانوا ينظرون إلى النّاس،إلاّ أنّهم لشدّة إعراضهم عن الحقّ لم ينتفعوا بذلك النّظر و الرّؤية،فصاروا كأنّهم عمي.

و هذه الآية تدلّ على أنّ النّظر غير الرّؤية،لأنّه تعالى أثبت النّظر و نفى الرّؤية؛و ذلك يدلّ على التّغاير.

و أجيب عن هذا الاستدلال،فقيل:معناه تحسبهم أنّهم ينظرون إليك مع أنّهم في الحقيقة لا ينظرون،أي تظنّ أنّهم ينظرونك مع أنّهم لا يبصرونك.و الرّؤية بمعنى الحسبان واردة،قال: وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى الحجّ:2.(15:95)

البروسويّ: حال من فاعل(ينظرون)أي و الحال أنّهم غير قادرين على الإبصار،و هو بيان عجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السّمع.و قيل:ضمير الفاعل في(تريهم)لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و ضمير المفعول للمشركين،على أنّ التّعليل قد تمّ عند قوله تعالى:

(لا يسمعوا)أي و ترى المشركين يا محمّد ينظرون إليك بأعينهم و هم لا يبصرونك ببصائرهم،أي كما أنت عليه،فهم غائبون عنك في الحقيقة إلاّ أن يقرّوا بالتّوحيد و صدق الرّسالة.(3:297)

الآلوسيّ: بيان لعجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السّمع،و بهذا-على ما قيل-تمّ التّعليل لعدم المبالاة،فلا تكرار أصلا.و قال الواحديّ:إنّ ما مرّ للفرق بين من تجوز عبادته و غيره،و هذا جواب ورد لتخويفهم له صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بآلهتهم.

و الرّؤية بصريّة،و جملة(ينظرون)في موضع الحال من المفعول الرّاجع للأصنام،و الجملة الاسميّة حال من فاعل(ينظرون)و الخطاب لكلّ واحد من المشركين.

و المعنى:و ترى الأصنام رأي العين يشبهون النّاظر إليك و يخيّل لك أنّهم يبصرون لما أنّهم صنع لهم أعين مركّبة بالجواهر المتلألئة،و صوّرت بصورة من قلب حدقته إلى الشّيء ينظر إليه،و الحال أنّهم غير قادرين على الإبصار.

و توجيه الخطاب إلى كلّ واحد من المشركين دون الكلّ،من حيث هو كلّ،كالخطابات السّابقة للإيذان، بأنّ رؤية الأصنام على الهيئة المذكورة لا يتسنّى للكلّ معا،بل لكلّ من يواجهها.(9:146).

المراغيّ: أي و تراهم أيّها المخاطب ينظرون إليك بما وضع لهم من أعين صناعيّة و حدق زجاجيّة أو جوهريّة،موجّهة إلى من يدخل عليها،كأنّها تنظر إليه و هم لا يبصرون بها،لأنّ حاسّة الإبصار لا تحصل بالصّناعة،و إنّما هي من خواصّ الحياة الّتي استأثر اللّه بها.(9:146)

4- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ. يونس:43

الفخر الرّازيّ: و من النّاس من قال:البصر أفضل

ص: 697

من السّمع،و يدلّ عليه وجوه (1):

الحجّة الأولى:أنّهم قالوا في المثل المشهور:ليس وراء العيان بيان،و ذلك يدلّ على أنّ أكمل وجوه الإدراكات هو الإبصار.

الحجّة الثّانية:أنّ آلة القوّة الباصرة هو النّور و آلة القوّة السّامعة هي الهواء،و النّور أشرف من الهواء، فالقوّة الباصرة أشرف من القوّة السّامعة.

الحجّة الثّالثة:أنّ عجائب حكمة اللّه تعالى في تخليق العين الّتي هي محلّ الإبصار أكثر من عجائب خلقته في الأذن الّتي هي محلّ السّماع،فإنّه تعالى جعل تمام روح واحد من الأرواح السّبعة الدّماغيّة من العصب آلة للإبصار،و ركّب العين من سبع طبقات،و ثلاث رطوبات،و خلق لتحريكات العين عضلات كثيرة على صور مختلفة؛و الأذن ليس كذلك.و كثرة العناية في تخليق الشّيء تدلّ على كونه أفضل من غيره.

الحجّة الرّابعة:أنّ البصر يرى ما حصل فوق سبع سماوات،و السّمع لا يدرك ما بعد منه على فرسخ؛فكان البصر أقوى و أفضل.و بهذا البيان يدفع قولهم:إنّ السّمع يدرك من كلّ الجوانب،و البصر لا يدرك إلاّ من الجانب الواحد.

الحجّة الخامسة:أنّ كثيرا من الأنبياء سمع كلام اللّه في الدّنيا،و اختلفوا في أنّه هل رآه أحد في الدّنيا أم لا؟ و أيضا فإنّ موسى عليه السّلام سمع كلامه من غير سبق سؤال و التماس،و لمّا سأل الرّؤية قال:(لن ترانى)،و ذلك يدلّ على أنّ حال الرّؤية أعلى من حال السّماع.

الحجّة السّادسة:قال ابن الأنباريّ:كيف يكون السّمع أفضل من البصر و بالبصر يحصل جمال الوجه، و بذهابه عيبه،و ذهاب السّمع لا يورث الإنسان عيبا، و العرب تسمّي العينين:الكريمتين،و لا تصف السّمع بمثل هذا؟و منه الحديث،يقول اللّه تعالى:«من أذهبت كريمته فصبر و احتسب،لم أرض له ثوابا دون الجنّة».

(17:102)

هناك أبحاث أخرى راجع«ع م ي».

5- ..وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ. هود:20

قتادة: صمّ عن الحقّ فما يسمعونه،بكم فما ينطقون به،عمي فلا يبصرونه و لا ينتفعون به.

(الطّبريّ 12:22)

الطّبريّ: أنّهم لا يسمعون الحقّ،و لا يبصرون حجج اللّه،سماع منتفع،و لا إبصار مهتد.(12:22)

الطّبرسيّ: بما كانوا يستطيعون الإبصار فلا يبصرون عنادا و ذهابا عن الحقّ،فأسقطت الباء عن الكلام.(3:151)

نحوه شبّر.(3:208)

الفخر الرّازيّ: و المراد:ما هم عليه في الدّنيا من صمم القلب و عمى النّفس.[إلى أن قال:]

فقيل:المراد منه:البصيرة،و قيل:المراد منه:أنّهم عدلوا عن إبصار ما يكون حجّة لهم.(17:206)

المراغيّ: و ما كانوا يبصرون ما يدلّ على صدقه فيج.

ص: 698


1- هكذا في المتن،و الظّاهر:حجج.

الأنفس و في الآفاق.(12:22)

6- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ. السّجدة:27

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أ فلا يرون ذلك بأعينهم،فيعلموا برؤيتهموه أنّ القدرة الّتي بها فعلت ذلك لا يتعذّر عليّ أن أحيي بها الأموات و أنشرهم من قبورهم،و أعيدهم بهيئاتهم الّتي كانوا بها قبل وفاتهم.(21:115)

نحوه القرطبيّ.(14:111)

الطّوسيّ: بأن يفكّروا في ذلك،فيدلّهم على أنّه لا يقدر على ذلك أحد غير اللّه الّذي لا شريك له.

(8:310)

الخازن: يعني فيعتبروا.(5:189)

أبو السّعود: أي ألا ينظرون؟فلا يبصرون ذلك، ليستدلّوا به على كمال قدرته تعالى و فضله.(5:207)

نحوه البروسويّ.(7:128)

الآلوسيّ: أي ألا يبصرون؟فلا يبصرون ذلك ليستدلّوا به على كمال قدرته تعالى و فضله عزّ و جلّ.

و جعلت الفاصلة هنا(يبصرون)لأنّ ما قبله مرئيّ،و فيما قبله(يسمعون)لأنّ ما قبله مسموع.

و قيل:ترقّيا إلى الأعلى في الاتّعاظ مبالغة في التّذكير و رفع العذر.

و قرأ ابن مسعود (تبصرون) بالتّاء الفوقيّة.

(21:140)

نحوه القاسميّ.(13:4818)

المراغيّ: أي أ فلا يرون ذلك بأعينهم،فيعلموا أنّ القدرة الّتي بها فعلنا ذلك لا يتعذّر عليها أن تحيي الأموات،و تنشرهم من قبورهم،و تعيدهم بهيئاتهم الّتي كانوا عليها قبل موتهم.(21:119)

الطّباطبائيّ: تنبيه و توبيخ.و تخصيص هذه الآية بالإبصار و الآية السّابقة بالسّمع،لما أنّ العلم بإهلاك الأمم الماضين إنّما هو بالأخبار الّتي تنال من طريق السّمع.و أمّا العلم بسوق الأمطار إلى الأرض الجرز و إخراج الزّرع و اغتذاء الأنعام و الإنسان،فالطّريق إليه حاسّة البصر.(16:267)

7- وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. يس:9

قتادة:هدى و لا ينتفعون به.(الطّبريّ 22:152)

نحوه الطّبريّ.(22:152)

السّدّيّ:محمّدا حين ائتمروا على قتله.

(القرطبيّ 15:10)

الطّوسيّ: أي حكمنا عليهم بأنّهم كمن غشي بصره فهم لا يبصرون لذلك.

و قيل:أغشيناهم بظلمة الكفر فهم لا يبصرون الهدى.

و قيل:بظلمة اللّيل فهم لا يبصرون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

(8:446)

الطّبرسيّ:[قال نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:فأغشيناهم العذاب فهم لا يبصرون النّار.

ص: 699

و قيل:معناه أنّهم لمّا انصرفوا عن الإيمان و القرآن لزمهم ذلك حتّى لم يكادوا يتخلّصون منه بوجه، كالمغلول و المسدود عليه طرقه.(4:417)

البغويّ:سبيل الهدى.(4:7)

مثله الخازن.(6:3)

الفخر الرّازيّ: يحتمل أنّهم لا يبصرون شيئا.

و يحتمل أن يكون المراد هو أنّ الكافر مصدود،و سبيل الحقّ عليه مسدود،و هو لا يبصر السّدّ و لا يعلم الصّدّ، فيظنّ أنّه على الطّريقة المستقيمة،و غير ضالّ.

(26:46)

البروسويّ: فأخذ اللّه تعالى أبصارهم عنه عليه السّلام فلم يبصروه.(7:373)

الآلوسيّ: لا يقدرون على إبصار شيء ما أصلا.

(22:215)

الطّنطاويّ: شبّههم بمن أحاط بهم سدّان،فغطّيت أبصارهم بحيث لا يرون ما أمامهم و ما خلفهم،فهم محبوسون في مطمورة الجهالة،ممنوعون عن النّظر في الآيات.و تكون نتيجة ذلك ما بعده و هو وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يس:10،لأنّ من يرد اللّه إضلاله لا ينفع تخويفه.(17:142)

8- وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ. الصّافّات:175

قتادة:حين لا ينفعهم البصر.(الطّبريّ 23:115)

ابن زيد:يقول:انظرهم فسوف يبصرون ما لهم بعد اليوم،يقول:يبصرون يوم القيامة ما ضيّعوا من أمر اللّه و كفرهم باللّه و رسوله و كتابه فأبصرهم،و أبصر واحد.(الطّبريّ 23:115)

الطّبريّ: و انظرهم فسوف يرون ما يحلّ بهم من عقابنا.(23:115)

الطّبرسيّ: قيل:و أبصرهم إذا نزل بهم العذاب فسوف يبصرون.و قيل:و أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة معاينة.

و في هذا إخبار بالغيب،لأنّه وعد نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بالنّصر و الظّفر،فوافق المخبر الخبر و كأنّهم قالوا:متى هذا العذاب؟فأنزل اللّه أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ الصّافّات:

176.(4:463)

الطّوسيّ: أبصر حالهم بقليل.و قيل:أبصرهم في وقت البصر.

و في الآية دلالة على المعجز،لأنّه تعالى وعد نبيّه بالنّصر،فكان الأمر على ما قال.(8:538)

الميبديّ: (و ابصرهم)أي أبصر ما ينالهم يومئذ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ذلك.

و قيل:أبصر حالهم بقلبك فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ معاينة.

و قيل:أعلمهم فسوف يعلمون.

و قيل:أبصر ما ضيّعوا من أمرنا فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ما يحلّ بهم من عذابنا.(8:312)

الزّمخشريّ: (و ابصرهم)و ما يقضي عليهم من الأسر و القتل و العذاب في الآخرة،فسوف ينصرونك و ما يقضي لك من النّصرة و التّأييد و الثّواب في العاقبة.

و المراد بالأمر بإبصارهم-على الحال المنتظرة الموعودة-الدّلالة على أنّها كائنة واقعة لا محالة،و أنّ

ص: 700

كينونتها قريبة،كأنّها قدّام ناظريك،و في ذلك تسلية له و تنفيس عنه.

و قوله: فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ للوعيد كما سلف لا للتّبعيد،مثل العذاب النّازل بهم بعد ما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قومه بعض نصّاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره و لا أخذوا أهبتهم،و لا دبّروا أمرهم تدبيرا ينجّيهم،حتّى أناخ بفنائهم بغتة،فشنّ عليهم الغارة و قطع دابرهم.(3:357)

القرطبيّ: و عبّر بالإبصار عن تقريب الأمر،أي عن قريب يبصرون.و قيل:المعنى فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة.(15:139)

أبو حيّان: (و ابصرهم)أي انظر إلى عاقبة أمرهم، فسوف يبصرونها و ما يحلّ بهم من العذاب و الأسر و القتل،أو سوف يبصرونك و ما يتمّ لك من الظّفر بهم و النّصر عليهم.

و أمره بإبصارهم إشارة إلى الحالة المنتظرة الكائنة لا محالة،و أنّها قريبة كأنّها بين ناظريه؛بحيث هو يبصرها.و في ذلك تسلية و تنفيس عنه عليه السّلام.

(7:380)

البروسويّ: (و ابصرهم)على أسوإ حال و أفظع نكال حلّ بهم من القتل و الأسر.و المراد بالأمر بإبصارهم:الإيذان بغاية قربه،كأنّه بين يديه يبصره في الوقت،و إلاّ فمتعلّق الإبصار لم يكن حاضرا عند الأمر فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ما يقع حينئذ من الأمور.

و في«التّأويلات النّجميّة»:و أبصر أحوالهم (فسوف يبصرون)جزاء ما عملوا من الخير و الشّرّ، انتهى.

و(سوف)للوعيد،ليتوبوا و يؤمنوا دون التّبعيد، لأنّ تبعيد الشّيء المحذر منه كالمنافي لإرادة التّخويف به،و لمّا نزل فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ قالوا استعجالا و استهزاء لفرط جهلهم:متى هذا؟فنزل قوله تعالى:

أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ الصّافّات:176.(7:498)

الآلوسيّ: ما يكون لك من مزيد الثّواب.و(سوف) للوعيد لا للتّسويف و التّبعيد الّذي هو حقيقتها،و قرب ما حلّ بهم مستلزم لقرب ما يكون له عليه الصّلاة و السّلام،فهو قرينة على عدم إرادة التّبعيد منه.

(23:156)

المراغيّ: أي و انظر و ارتقب ما يحلّ بهم من العذاب و النّكال بمخالفتك و تكذيبك(و سوف يبصرون) انتشار دينك و إقبال النّاس عليه أفواجا زرافات و وحدانا،مصداقا لوعده بقوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ* وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:1،2.(23:91)

الطّباطبائيّ: الأمر بالإبصار و الإخبار بإبصارهم عاجلا،و عطف الكلام على الأمر بالتّولّي معجّلا يفيد بحسب القياس أنّ المعنى:انظرهم و أبصر ما هم عليه من الجحود و العناد قبال إنذارك و تخويفك فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ و بال جحودهم و استكبارهم.(17:178)

9- فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ. القلم:5

ابن عبّاس: معناه فستعلم و يعلمون يوم القيامة.(القرطبيّ 18:229)

ص: 701

مقاتل: إنّ ذلك وعيد بعذاب يوم بدر.

(الآلوسيّ 29:26)

الطّوسيّ: معناه فستعلم يا محمّد يوم القيامة و يعلمون،يعني هؤلاء الكفّار الّذين يرمونك بالجنون تارة و بالكهانة أخرى.(10:75)

البغويّ: فسترى يا محمّد و يرون،يعني أهل مكّة إذا أنزل بهم العذاب.(5:135)

نحوه الخازن.(7:110)

الطّبرسيّ: أي فسترى يا محمّد و يرون،يعني الّذين رموه بالجنون.(5:333)

الفخر الرّازيّ: أي فسترى يا محمّد و يرون،يعني المشركين.و فيه قولان:

منهم من حمل ذلك على أحوال الدّنيا،يعني فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ في الدّنيا أنّه كيف يكون عاقبة أمرك و عاقبة أمرهم،فإنّك تصير معظّما في القلوب، و يصيرون ذليلين ملعونين،و تستولي عليهم بالقتل و النّهب.قال مقاتل:هذا وعيد بالعذاب ببدر.

و منهم من حمله على أحوال الآخرة،و هو كقوله:

سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ القمر:26.

(30:82)

القرطبيّ: و قيل:فسترى و يرون يوم القيامة حين يتبيّن الحقّ و الباطل.(18:229)

البروسويّ: يقال:أبصرته و بصرت به:علمته و أدركته.فإنّ«البصر»يقال للجارحة النّاظرة،و لقوّة القلب المدركة،و لا يكاد يقال للجارحة:بصيرة.و في «تاج المصادر»الإبصار:رؤية بالعين و القلب.

فالمعنى فستعلم و يعلمون يوم القيامة حين يتبيّن الحقّ من الباطل.

و قال القاشانيّ: فستبصر و يبصرون عند كشف الغطاء بالموت.

و لذا قال الكاشفيّ:اعلم إذا نزل بهم العذاب علموا أ أنت مجنون أم إيّاهم؟

و هو الأوضح،ففيه وعد لرسول اللّه عليه السّلام بغلبة الإسلام و أهله،و بالانتقام من الأعداء.(10:108)

الآلوسيّ: و قيل:فستبصر و يبصرون في الدّنيا بظهور عاقبة الأمر،بغلبة الإسلام و استيلائك عليهم بالقتل و النّهب،و صيرورتك مهيبا معظّما في قلوب العالمين،و كونهم أذلّة صاغرين،و يشمل هذا ما كان يوم بدر.(29:26)

المراغيّ: أي فستعلم أيّها الرّسول و سيعلم مكذّبوك من المفتون الضّالّ منكم و منهم؟و نحو الآية قوله تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ القمر:26،و قوله: وَ إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ سبأ:24.

و الخلاصة:ستبصر و يبصرون غلبة الإسلام، و استيلاءك عليهم بالقتل و الأسر،و هيبتك في أعين النّاس أجمعين،و صيرورتهم أذلاّء صاغرين.

و هذا يشمل ما كان في بدر،و غيرها من الوقائع الّتي كان فيها النّصر المبين للمؤمنين،و الخزي و الهوان و ذهاب صولة المشركين،ممّا كان عبرة و مثلا للآخرين.(29:29)

الطّباطبائيّ: تقريع على محصّل ما تقدّم،أي فإذا

ص: 702

لم تكن مجنونا بل متلبّسا بالنّبوّة و متخلّقا بالخلق و لك عظيم الأجر من ربّك،فسيظهر أمر دعوتك،و ينكشف على الأبصار و البصائر من المفتون بالجنون أنت أو المكذّبون الرّامون لك بالجنون؟

و قيل:المراد ظهور عاقبة أمر الدّعوة له و لهم في الدّنيا أو في الآخرة.الآية تقبل الحمل على كلّ منها و لكلّ قائل،و لا مانع من الجمع،فإنّ اللّه تعالى أظهر نبيّه عليهم،و دينه على دينهم،و رفع ذكره صلّى اللّه عليه و آله،و محا أثرهم في الدّنيا،و سيذوقون و بال أمرهم غدا،و يعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ* ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ الذّاريات:13، 14.(19:370)

تبصرون

1- يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ.

القصص:72

الطّبريّ: يقول:أ فلا ترون بأبصاركم اختلاف اللّيل و النّهار عليكم،رحمة من اللّه لكم،و حجّة منه عليكم؛فتعلموا بذلك أنّ العبادة لا تصلح إلاّ لمن أنعم عليكم بذلك دون غيره،و لمن له القدرة الّتي خالف بها بين ذلك.(20:103)

الطّوسيّ: معناه أ فلا تتفكّرون فيما ترونه؟لأنّ من لا يتدبّر بما يراه من الحجج و البراهين،فكأنّه لم يرها.

و قيل:معناه أ فلا تعلمون.(8:173)

الزّمخشريّ: و قرن باللّيل(أ فلا تبصرون)لأنّ غيرك يبصر من منفعة الظّلام ما تبصره أنت من السّكون و نحوه.(3:189)

الطّبرسيّ: أي أ فلا تعلمون من البصيرة.و قيل:

أ فلا تشاهدون اللّيل و النّهار،و تتدبّرون فيهما،فتعلموا أنّهما من صنع مدبّر حكيم.(4:263)

الفخر الرّازيّ: معناه أ فلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ و الضّلال.(25:12)

نحوه القرطبيّ.(13:308)

الآلوسيّ: الشّواهد المنصوبة الدّالّة على القدرة الكاملة،لتقفوا على أنّ غير اللّه تعالى لا قدرة له على ذلك،و يعلم ممّا ذكرنا أنّ كلاّ من جملتي:(أ فلا تسمعون) و(أ فلا تبصرون)تذييل للتّوبيخ الّذي يعطيه قوله تعالى: أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ... القصص:71، قبله.(20:107)

الطّباطبائيّ: أي إبصار تفهّم و تذكّر،و إذ لم يبصروا و لم يسمعوا فهم عمي صمّ.

و من اللّطيف تذييل الآيتين بقوله: أَ فَلا تَسْمَعُونَ أَ فَلا تُبْصِرُونَ. و لعلّ آية النّهار خصّ بالإبصار،لمناسبة ضوء النّهار الإبصار،و بقي السّمع لآية اللّيل،و هو لا يخلو من مناسبة معه.(16:71)

2- وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ.

الزّخرف:51

الطّبريّ: (أ فلا تبصرون)أيّها القوم ما أنا فيه من النّعيم و الخير،و ما فيه موسى من الفقر و عيّ اللّسان؟(25:81)

ص: 703

البغويّ: عظمتي،و شدّة ملكي.(4:164)

مثله الخازن.(6:115)

الطّوسيّ: إنّ ما ادّعيه حقّ،و إنّ ما يقوله موسى باطل.(9:207)

الطّبرسيّ: هذا الملك العظيم و قوّتي،و ضعف موسى.(5:51)

نحوه القرطبيّ.(16:99)

الآلوسيّ: على تقدير المفعول،أي أ فلا تبصرون ذلك؟أي ما ذكر.و يجوز أن ينزّل منزلة اللاّزم،و المعنى:

أ ليس لكم بصر أو بصيرة.

و قرأ عيسى (تبصرون) بكسر النّون،فتكون الياء الواقعة مفعولا محذوفة.

و قرأ فهد بن الصّقر (يبصرون) بياء الغيبة،ذكره في «الكامل»للهزليّ و السّاجيّ عن يعقوب،ذكره ابن خالويه.

و لا يخفى ما بين افتخار اللّعين بملك مصر و دعواه الرّبوبيّة من البعد البعيد.(25:88)

الطّباطبائيّ: في معنى تكرير الاستفهام السّابق، في قوله: أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ. (18:110)

3- وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ. الذّاريات:21

مقاتل: أَ فَلا تُبْصِرُونَ كيف خلقكم،فتعرفوا قدرته على البعث.(البغويّ 4:284)

نحوه الخازن.(6:203)

الطّبريّ: يقول:أ فلا تنظرون في ذلك،فتتفكّروا فيه فتعلموا حقيقة وحدانيّة خالقكم.(26:204)

الطّوسيّ: معناه(و فى انفسكم)أ فلا تتفكّرون،بأن تروها مصرّفة من حال إلى حال،و منتقلة من صفة إلى أخرى،فكنتم نطفا فصرتم أحياء،ثمّ كنتم أطفالا فصرتم شبابا،ثمّ صرتم كهولا،و كنتم ضعفاء فصرتم أقوياء.

فهلاّ دلّكم ذلك على أنّ لها صانعا صنعها و مدبّرا دبّرها يصرّفها على ما تقتضيه الحكمة،و يدبّرها بحسب ما توجبه المصلحة.

و قيل:المعنى أَ فَلا تُبْصِرُونَ بقلوبكم نظر من كأنّه يرى الحقّ بعينه.(9:385)

نحوه الطّبرسيّ.(5:156)

القرطبيّ: يعني بصر القلب،ليعرفوا كمال قدرته.

و قيل:إنّه نجح العاجز،و حرمان الحازم.

(17:40)

البروسويّ: أي أ لا تنظرون فلا تبصرون بعين البصيرة،حتّى تعتبروا و تستدلّوا الصّنعة على الصّانع و بالنّقش على النّقّاش،و كذا على صفاته.(9:158)

الآلوسيّ: أي أ لا تنظرون فلا تبصرون بعين البصيرة.و هو تعنيف على ترك النّظر في الآيات الأرضيّة و النّفسيّة.(27:9)

الطّباطبائيّ: أي و في أنفسكم آيات ظاهرة لمن أبصر إليها،و ركّز النّظر فيها،أ فلا تبصرون؟

(18:373)

4- أَ فَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ. الطّور:15

الطّبريّ: يقول تعالى مخبرا عمّا يقول لهؤلاء

ص: 704

المكذّبين الّذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنّم يوم القيامة:أ فسحر أيّها القوم هذا الّذي وردتموه الآن،أم أنتم لا تعاينونه و لا تبصرونه؟و قيل:هذا لهم توبيخا لا استفهاما.(27:23)

الزّمخشريّ: يعني كنتم تقولون للوحي:هذا سحر (أ فسحر هذا)يريد أ هذا المصداق أيضا سحر؟و دخلت الفاء لهذا المعنى أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ كما كنتم لا تبصرون في الدّنيا،يعني أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عميا عن الخبر؟و هذا تقريع و تهكّم.(4:23)

نحوه القرطبيّ(17:64)،و البروسويّ(9:189)، و القاسميّ(15:5543)،و المراغيّ(27:20).

5- وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ.

الواقعة:85

الطّوسيّ: معناه لكن لا تعلمون ذلك،لجهلكم باللّه،و بما يجوز عليه و ما لا يجوز.و يحتمل أن يكون المراد:و لكن لا تبصرون اللّه،لأنّ الرّؤية مستحيلة عليه.

و قيل:معناه و لكن لا تبصرون الملائكة الّتي تتولّى قبض روحه.(9:512)

نحوه الطّبرسيّ.(5:227)

القرطبيّ: أي لا ترونهم.(17:231)

أبو حيّان: (وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ) من البصيرة بالقلب أو أقرب،أي ملائكتنا و رسلنا. (وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ) من البصر بالعين،ثمّ عاد التّوقيف و التّقدير ثانية بلفظ التّخصيص.(8:215)

البروسويّ: لا تدركون كنه ما يجري عليه، لجهلكم بشئوننا.فقوله:(لا تبصرون)من البصيرة لا من البصر،و الأقرب تفسيره بقوله:لا تدركون كوننا أعلم به.(9:340)

شبّر: لا تدركون ذلك ببصر و لا بصيرة،لأنّه عالم آخر لا مدخل له بهذا العالم.(6:151)

الآلوسيّ: لا تدركون كوننا أقرب إليه منكم لجهلكم بشئوننا،و قد علمت أنّ الخطاب للكفّار.

و قيل:لا تدركون كنه ما يجري عليه،على أنّ الاستدراك من تنظرون،و الإبصار من البصر بالعين تجوّز به عن الإدراك،أو هو من البصيرة بالقلب.

و قيل:أريد بأقربيّته تعالى إليه منهم أقربيّة رسوله عزّ و جلّ،أي و رسلنا الّذين يقبضون روحه و يعالجون إخراجها أقرب إليه منكم،و لكن لا تبصرونهم.

(27:158)

القاسميّ: قال جمهور السّلف:يعني ملك الموت أدنى إليه من أهله،و لكن لا تبصرون الملائكة أو لا تدركون كنه ما يقاسيه.(16:5666)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:139)

6- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَ ما لا تُبْصِرُونَ.

الحاقّة:38،39

ابن عبّاس: بما ترون و بما لا ترون.

(الطّبريّ 29:66)

نحوه القرطبيّ.(18:274)

ما تبصرون من آثار القدرة،و ما لا تبصرون من

ص: 705

أسرار القدرة.(أبو حيّان 8:328)

البغويّ: أي بما ترون و بما لا ترون.

و قيل:و ما تبصرون ما على وجه الأرض، و ما لا تبصرون ما في بطنها.

و قيل:ما تبصرون من الأجسام،و ما لا تبصرون من الأرواح.

و قيل:ما تبصرون الإنس،و ما لا تبصرون الملائكة و الجنّ.

و قيل:ما تبصرون ما أظهر للملائكة و اللّوح و القلم،و ما لا تبصرون ما استأثر بعلمه،فلم يطّلع عليه أحدا.(5:149)

نحوه الزّمخشريّ(4:154)،و الخازن(7:122).

الفخر الرّازيّ: يعمّ جميع الأشياء على الشّمول، لأنّها لا تخرج من قسمين:مبصر و غير مبصر،فشمل الخالق و الخلق،و الدّنيا و الآخرة،و الأجسام و الأرواح، و الإنس و الجنّ،و النّعم الظّاهرة و الباطنة.(30:116)

نحوه أبو السّعود(6:297)،و الآلوسيّ(29:52).

شبّر: بالمخلوقات كلّها،أو بها و بخالقها.

(6:276)

البروسويّ: قسم عظيم،لأنّه قسم بالأشياء كلّها،على سبيل الشّمول و الإحاطة،لأنّها لا تخرج عن قسمين:مبصر،و غير مبصر،فالمبصر:المشاهدات، و غير المبصر:المغيبات،فدخل فيهما الدّنيا و الآخرة، و الأجسام و الأرواح،و الإنس و الجنّ،و الخلق و الخالق، و النّعم الظّاهرة و الباطنة،و غير ذلك ممّا يكون لائقا بأن يكون مقسما به،إذ من الأشياء ما لا يليق بأن يكون مقسما به،و إليه الإشارة بقول القاشانيّ:أي الوجود كلّه ظاهرا و باطنا،و بقول ابن عطاء:آثار القدرة و أسرارها،و بقول الشّيخ نجم الدّين:بما تبصرون من المشهودات و المحسوسات بإبصار الظّواهر، و ما لا تبصرون من المغيبات ببصائر البواطن،يعني بالمظاهر الأسمائيّة و المظاهر الذّاتيّة،و بقول الحسين:أي بما أظهر اللّه لملائكته القلم و اللّوح،و بما اختزن في علمه و لم يجر القلم به،و لم تشعر الملائكة بذلك.

و ما أظهر اللّه للخلق من صفاته،و أراهم من صنعه، و أبدى لهم من علمه،في جنب ما اختزن عنهم إلاّ كذرّة في جنب الدّنيا و الآخرة،و لو أظهر اللّه ما اختزن،لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن حمله.

و قال الشّيخ أبو طالب المكّيّ قدّس سرّه في«قوت القلوب»:إذا كان العبد من أهل العلم باللّه و الفهم عنه و السّمع منه و المشاهدة له،شهد ما غاب عن غيره، و أبصر ما عمي عنه سواه،كما قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَ ما لا تُبْصِرُونَ. (10:148)

نحوه القاسميّ.(16:5919)

الطّباطبائيّ: ظاهر الآية أنّه إقسام بما هو مشهود لهم و ما لا يشاهدون،أي الغيب و الشّهادة،فهو إقسام بمجموع الخليقة،و لا يشمل ذاته المتعالية،فإنّ من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق و الخلق في صفّ واحد، و يعظّمه تعالى و ما صنع تعظيما مشتركا في عرض واحد.[إلى أن قال:]

و في اختيار«ما تبصرون»و«ما لا تبصرون» للإقسام به على حقيّة القرآن،ما لا يخفى من المناسبة.فإنّ

ص: 706

النّظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحّده تعالى،و مصير الكلّ إليه،و ما يترتّب عليه من بعث الرّسل و إنزال الكتب.و القرآن خير كتاب سماويّ يهدي إلى الحقّ في جميع ذلك،و إلى طريق مستقيم.

و ممّا تقدّم يظهر عدم استقامة ما قيل:إنّ المراد بِما تُبْصِرُونَ وَ ما لا تُبْصِرُونَ الخلق و الخالق،فإنّ السّياق لا يساعد عليه،و كذا ما قيل:إنّ المراد النّعم الظّاهرة و الباطنة،و ما قيل:إنّ المراد الجنّ و الإنس و الملائكة،أو الأجسام و الأرواح،أو الدّنيا و الآخرة، أو ما يشاهد من آثار القدرة و ما لا يشاهد من أسرارها، فاللّفظ أعمّ مدلولا من جميع ذلك.(19:403)

ابصر

1- قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ... الكهف:26

قتادة: فلا أحد أبصر من اللّه و لا أسمع،تبارك و تعالى.(الطّبريّ 15:232)

ابن زيد: يرى أعمالهم،و يسمع ذلك منهم سميعا بصيرا.(الطّبريّ 15:232)

الفرّاء: قوله: أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ يريد اللّه تبارك و تعالى،كقولك في الكلام:أكرم بعبد اللّه!و معناه:ما أكرم عبد اللّه!و كذلك قوله: «أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ» ما أسمعهم، ما أبصرهم!و كلّ ما كان فيه معنى من المدح و الذّمّ فإنّك تقول فيه:أظرف به و أكرم به!و من الياء و الواو:أطيب به طعاما!و أجود به ثوبا.

و من المضاعف تظهر فيه التّضعيف،و لا يجوز الإدغام،كما لم يجز نقص الياء و لا الواو،لأنّ أصله ما أجوده و ما أشدّه و أطيبه!فترك على ذلك.

و أمّا أشدد به!فإنّه ظهر التّضعيف لسكون اللاّم من الفعل،و ترك فيه التّضعيف فلم يدغم،لأنّه لا يثنّى و لا يؤنّث،لا تقول للاثنين:أشدّا بهما،و لا للقوم أشدّوا بهم،و إنّما استجازت العرب أن يقولوا:مدّ في موضع امدد،لأنّهم قد يقولون في الاثنين:مدّا،و للجميع:

مدّوا،فبني الواحد على الجميع.(2:139)

الطّبريّ: يقول:أبصر باللّه و أسمع!و ذلك بمعنى المبالغة في المدح،كأنّه قيل:ما أبصره و أسمعه!

و تأويل الكلام:ما أبصر اللّه لكلّ موجود!و أسمعه لكلّ مسموع!لا يخفى عليه من ذلك شيء.(15:232)

نحوه البغويّ(3:189)،و الخازن(4:169)

الزّجّاج: أجمعت العلماء أنّ معناه:ما أسمعه و أبصره،أي هو عالم بقصّة أصحاب الكهف و غيرهم.

(3:280)

الطّوسيّ: معناه ما أسمعه و ما أبصره!بأنّه لا يخفى عليه شيء،فخرج التّعجّب على وجه التّعظيم له تعالى.

(7:33)

نحوه الطّبرسيّ.(3:463)

الميبديّ: أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ اللّفظ لفظ الأمر، و المعنى التّعجّب،أي ما أبصر اللّه تعالى لكلّ موجود!و ما أسمعه لكلّ مسموع!(5:679)

ابن عطيّة: أي ما أبصره و أسمعه!قال قتادة:

لا أحد أبصر من اللّه و لا أسمع،و هذه عبارات عن

ص: 707

الإدراك.

و يحتمل أن يكون المعنى:أبصر به!أي بوحيه و إرشاده هداك و حججك و الحقّ من الأمور،و أسمع به العالم!فتكون أمرين لا على وجه التّعجّب.(3:510)

نحوه القرطبيّ.(10:388)

الزّمخشريّ: و جاء بما دلّ على التّعجّب،من إدراكه المسموعات و المبصرات،للدّلالة على أنّ أمره في الإدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك السّامعين و المبصرين،لأنّه يدرك ألطف الأشياء و أصغرها كما يدرك أكبرها حجما و أكثفها جرما،و يدرك البواطن كما يدرك الظّواهر.(2:481)

البيضاويّ: ذكر بصيغة التّعجّب،للدّلالة على أنّ أمره في الإدراك خارج عمّا عليه إدراك السّامعين و المبصرين،؛إذ لا يحجبه شيء،و لا يتفاوت دونه لطيف و كثيف و صغير و كبير و خفيّ و جليّ.

و الهاء تعود إلى اللّه،و محلّه الرّفع على الفاعليّة، و الباء مزيدة عند سيبويه،و كان أصله:أبصر،أي صار ذا بصر.

ثمّ نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء،فبرز الضّمير لعدم لياق الصّيغة له أو لزيادة الباء،كما في قوله تعالى:

وَ كَفى بِهِ النّساء:50،و النّصب على المفعوليّة عند الأخفش،و الفاعل ضمير المأمور،و هو كلّ أحد.و الباء مزيدة إن كانت الهمزة للتّعدية،و معدّية إن كانت للصّيرورة.(2:10)

أبو حيّان: [ذكر مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و الضّمير في(به)عائد على اللّه تعالى.و هل هو في موضع رفع أو نصب؟و هل(اسمع)و(ابصر)أمران حقيقة أم أمران لفظا معناهما إنشاء التّعجّب؟في ذلك خلاف مقرّر في النّحو.

و قال ابن عطيّة: و يحتمل أن يكون المعنى أبصر بدين اللّه و أسمع!أي بصر بهدى اللّه و سمع،فترجع الهاء إمّا على الهدى و إمّا على اللّه،ذكره ابن الأنباريّ.

و قرأ عيسى (أسمع به و أبصر) على الخبر فعلا ماضيا لا على التّعجّب،أي أبصر عباده بمعرفته و أسمع.

(6:117)

أبو السّعود: [ذكر نحو أبي حيّان و البيضاويّ و أضاف:]

و لعلّ تقديم أمر إبصاره تعالى لما أنّ الّذي نحن بصدده من قبيل المبصرات.(3:248)

البروسويّ: [ذكر كلام الزّمخشريّ و البيضاويّ و أضاف:]

قال في«التّأويلات النّجميّة» أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ أي هو البصير بكلّ موجود و هو السّميع بكلّ مسموع فبه أبصر،و به أسمع،انتهى.

قال القيصريّ رحمه اللّه: سمعه تعالى:عبارة عن تجلّيه بعلمه المتعلّق بحقيقة الكلام الذّاتيّ في مقام جمع الجمع،و الأعيانيّ في مقام الجمع،و التّفصيل ظاهرا و باطنا،لا بطريق الشّهود.و بصره:عبارة عن تجلّيه و تعلّق علمه بالحقائق على طريق الشّهود،و كلامه عبارة عن التّجلّي الحاصل من تعلّق الإرادة و القدرة، لإظهار ما في الغيب و إيجاده.(5:236)

الآلوسيّ:صيغتا تعجّب،و الهاء ضميره تعالى،

ص: 708

و الكلام مندرج تحت القول،فليس التّعجّب منه سبحانه ليقال:ليس المراد منه حقيقته لاستحالته عليه تعالى، بل المراد أنّ ذلك أمر عظيم،من شأنه أن يتعجّب منه،كما قيل.و لا يمتنع صدور التّعجّب من بعض صفاته سبحانه و أفعاله عزّ و جلّ حقيقة من غيره تعالى.

و في الحديث: «ما أحلمك عمّن عصاك،و أقربك ممّن دعاك،و أعطفك على من سألك»و لهم في هذه المسألة كلام طويل،فليرجع إليه من أراده،و لابن هشام رسالة في ذلك.

و أيّا ما كان ففيه إشارة إلى أنّ شأن بصره تعالى و سمعه عزّ و جلّ-و هما صفتان غير راجعتين إلى صفة العلم-خارج عمّا عليه بصر المبصرين و سمع السّامعين، فإنّ اللّطيف و الكثيف و الصّغير و الكبير و الجليّ و الخفيّ و السّرّ و العلن على حدّ سواء،في عدم الاحتجاب عن بصره و سمعه تبارك و تعالى،بل من النّاس من قال:إنّ المعدوم و الموجود في ذلك سواء،و هو مبنيّ على شيئيّة المعدوم،و الخلاف في ذلك معلوم.

و لعلّ تقديم ما يدلّ على عظم شأن بصره عزّ و جلّ لما أنّ ما نحن بصدده من قبيل المبصرات،و الأصل:

أبصر و أسمع،و الهمزة للصّيرورة لا للتّعدية،أي صار ذا بصر و صار ذا سمع.

و لا يقتضي ذلك عدم تحقّقهما له تعالى،تعالى عن ذلك علوّا كبيرا،و فيهما ضمير مستتر عائد عليه سبحانه،ثمّ حوّلا إلى صيغة الأمر،و برز الضّمير الفاعل لعدم لياقة صيغة الأمر لتحمّل ضمير الغائب،و جرّ بالباء الزّائدة،فكان له محلاّن:الجرّ لمكان الباء،و الرّفع لمكان كونه فاعلا،و لكونه صار فضلة صورة أعطى حكمها، فصحّ حذفه من الجملة الثّانية مع كونه فاعلا،و الفاعل لا يجوز حذفه عندهم.

و لا تكاد تحذف هذه الباء في هذا الموضع إلاّ إذا كان المتعجّب منه«أن وصلتها»نحو:أحسن أن تقول،و هذا الفعل لكونه ماضيا معنى،قيل:إنّه مبنيّ على فتح مقدّر منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر،و هذا مذهب سيبويه في هذا التّركيب.

قال الرّضيّ: و ضعّف ذلك بأنّ الأمر بمعنى الماضي ممّا لم يعهد،بل جاء الماضي بمعنى الأمر،كما في حديث:اتّقى اللّه امرؤ فعل خيرا يثب عليه،و بأن صار ذا كذا،قليل.

و لو كان ما ذكر منه لجاز:ألحم بزيد و أشحم بزيد،و بأنّ زيادة الباء في الفاعل قليل،و المطّرد زيادتها في المفعول.

و تعقّب بأنّ كون الأمر بمعنى الماضي ممّا لم يعهد،غير مسلّم أ لا ترى أنّ(و كفى به)النّساء:50،بمعنى اكتف به، عند الزّجّاج.و قصد بهذا النّقل الدّلالة على أنّه قصد به معنى إنشائيّ و هو التّعجّب،و لم يقصد ذلك من الماضي، لأنّ الإنشاء أنسب بصيغة الأمر منه،لأنّه خبر في الأكثر،و بأنّ كثرة«أفعل»بمعنى صار ذا كذا،لا تخفى على المتتبّع،و جواز،ألحم بزيد،على معنى التّعجّب لازم و لا محذور فيه،و على معنى آخر غير لازم.

نعم ما ذكر من قلّة زيادة الباء في الفاعل ممّا لا كلام فيه،و الإنصاف أنّ مذهب سيبويه في هذه المسألة لا يخلو عن تعسّف.

و مذهب الأخفش و عزاه الرّضيّ إلى الفرّاء:أنّ «أفعل»في نحو هذا التّركيب أمر لفظا و معنى،فإذا قلت:

ص: 709

أحسن بزيد،فقد أمرت كلّ واحد بأن يجعل زيدا حسنا، و معنى جعله كذلك:وصفه به،فكأنّك قلت:صفة بالحسن كيف شئت.فإنّ فيه منه كلّ ما يمكن أن يكون في شخص.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا المعنى مناسب للتّعجّب بخلاف تقدير «سيبويه»،و أيضا همزة«الجعل»أكثر من همزة:صار ذا كذا و إن لم يكن شيء منهما،على ما قال الرّضيّ قياسا مطّردا.و اعتبر الفاعل ضمير المأمور و هو كلّ أحد،لأنّ المراد أنّه لظهور الأمر يؤمر كلّ أحد،لا على التّعيين بوصفه بما ذكر،و لم يتصرّف في«أفعل»على هذا المذهب فيسند إلى مثنّى أو مجموع أو مؤنّث،لما ذكروا من علّة كون فعل التّعجّب غير متصرّف،و هي مشابهته الحروف في الإنشاء،و كون كلّ لفظ من ألفاظه صار علما لمعنى من المعاني.

و إن كان هناك جملة فالقياس أن لا يتصرّف فيه، احتياطا لتحصيل الفهم كأسماء الأعلام،فلذا لم يتصرّف في«نعم و بئس»في الأمثال،و سهل ذلك هنا انمحاء معنى الأمر فيه،كما انمحى معنى«الجعل»و صار لمحض إنشاء التّعجّب،و لم يبق فيه معنى الخطاب،و الباء زائدة في المفعول.

و أجاز الزّجّاج أن تكون الهمزة للصّيرورة،فتكون الباء للتّعدية،أي صيّره ذا حسن،ثمّ إنّه اعتذر لبقاء «أحسن»في الأحوال على صورة واحدة،لكون الخطاب لمصدر الفعل،أي يا حسن أحسن بزيد.و فيه تكلّف و سماجة.

و أيضا نحن نقول:أحسن بزيد يا عمرو،و لا يخاطب شيئان في حالة إلاّ أن يقول:معنى خطاب الحسن قد انمحى،و ثمرة الخلاف بين«سيبويه»و غيره تظهر فيما إذا اضطرّ إلى حذف الباء،فعلى مذهب سيبويه يلزم رفع مجروره،و على غيره يلزم نصبه.

هذا،و قال ابن عطيّة:يحتمل أن يكون معنى الآية:

أبصر بدين اللّه تعالى و أسمع به،أي بصر بهدى اللّه تعالى و سمع به،فترجع الهاء إمّا على الهدى و إمّا على الاسم الجليل،و نقل ذلك عن ابن الأنباريّ،و ليس بشيء.

و قرأ عيسى (ابصر به و اسمع) بصيغة الماضي فيهما، و خرّج ذلك أبو حيّان على أنّ المراد الإخبار لا التّعجّب، و الضّمير المجرور للّه تعالى،أي أبصر عباده بمعرفته سبحانه و أسمعهم.

و جوّز أن يكون(ابصر)أفعل تفضيل،و كذا(اسمع) و هو منصوب على الحاليّة من ضمير له،و ضمير(به) عائد على الغيب.و ليس المراد حقيقة التّفضيل بل عظم شأن بصره تعالى و سمعه عزّ و جلّ،و لعلّ هذا أقرب ممّا ذكره أبو حيّان.

و حاصل المعنى عليه أنّه جلّ شأنه يعلم غيب السّماوات و الأرض بصيرا به و سميعا على أتمّ وجه و أعظمه.(15:254)

القاسميّ: أي ما أبصره لكلّ موجود،و أسمعه لكلّ مسموع!لا يخفى عليه شيء و لا يجب بصره و سمعه شيء.

قال في«الإكليل»:استدلّ بقوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ المنتخب على جواز إطلاق صيغة التّعجّب في صفات اللّه تعالى،كقولك:ما أعظم اللّه و ما أجلّه!انتهى.

يعني أن يشتقّ من الصّفات السّمعيّة صيغة التّعجّب

ص: 710

قياسا على ما في الآية،و قد يقال:بالوقف،ينبغي التّأمّل.

قال المهايميّ: فيه إشارة إلى أنّ علمهم بهم إمّا من قبيل الغيب فهو مختصّ باللّه،أو من قبيل المسموع فهو أسمع،أو من قبيل البصر فهو أبصر،انتهى.و هو لطيف جدّا.(11:4048)

المراغيّ: هذا أسلوب في اللّغة يدلّ على التّعجّب و المبالغة في الأمر الّذي تتحدّث بشأنه،أي ما أبصر اللّه تعالى بكلّ موجود!و أسمعه بكلّ مسموع!فهو لا يخفى عليه شيء من ذلك.و هذا أمر عظيم من شأنه أن يتعجّب منه.

و قد ورد مثل هذا في الحديث:«ما أحلمك عمّن عصاك و أقربك ممّن دعاك و أعطفك على من سألك».(15:139)

الطّباطبائيّ: هما من صيغ التّعجّب معناهما كمال بصره و سمعه،لتتميم التّعليل،كأنّه قيل:و كيف لا يكون أعلم بلبثهم و هو يملكهم على كونهم من الغيب،و قد أرى حالهم و سمع مقالهم.

و من هنا يظهر أنّ قول بعضهم:إنّ اللاّم في(له غيب)إلخ للاختصاص العلميّ،أي له تعالى ذلك علما، و يلزم منه ثبوت علمه لسائر المخلوقات،لأنّ من علم الخفيّ علم غيره بطريق أولى،انتهى.غير سديد،لأنّ ظاهر قوله: أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ أنّه للتّأسيس دون التّأكيد،و كذا ظاهر اللاّم مطلق الملك دون الملك العلميّ.(13:276)

2- أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. مريم:38

ابن عبّاس: أنّهم أسمع شيء و أبصره.

(أبو حيّان 6:191)

أبو العالية: (اسمع)بحديثهم اليوم(و ابصر)كيف يصنع بهم.(الطّبريّ 16:87)

إنّه أمر حقيقة للرّسول،أي أسمع النّاس اليوم و أبصرهم بهم و بحديثهم،ما ذا يصنع بهم من العذاب إذا أتوا محشورين مغلولين.(أبو حيّان 6:191)

الحسن: المعنى لأن كانوا في الدّنيا صمّا عميا عن الحقّ،فما أسمعهم به و ما أبصرهم به يوم القيامة.

(الطّوسيّ 7:127)

مثله قتادة.(الطّوسيّ 7:127)

قتادة: ذاك و اللّه يوم القيامة،سمعوا حين لا ينفعهم السّمع و أبصروا حين لا ينفعهم البصر.

(الطّبريّ 16:86)

نحوه البغويّ.(3:234)

أسمع قوم و أبصرهم.(الطّبريّ 16:87)

الكلبيّ: لا أحد يوم القيامة أسمع منهم و لا أبصر، حين يقول اللّه تعالى لعيسى: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ الآية المائدة:116.(البغويّ 3:234)

ابن زيد: هذا يوم القيامة،فأمّا الدّنيا فلا،كانت على أبصارهم غشاوة و في آذانهم وقر في الدّنيا،فلمّا كان يوم القيامة أبصروا و سمعوا فلم ينتفعوا.

و قرأ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ السّجدة:12.(الطّبريّ 16:87)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مخبرا عن حال

ص: 711

الكافرين به،الجاعلين له أندادا،و الزّاعمين أنّ له ولدا يوم ورودهم عليه في الآخرة.

لئن كانوا في الدّنيا عميا عن إبصار الحقّ و النّظر إلى حجج اللّه الّتي تدلّ على وحدانيّته،صمّا عن سماع آي كتابه،و ما دعتهم إليه رسل اللّه فيها،من الإقرار بتوحيده و ما بعث به أنبياءه،فما أسمعهم يوم قدومهم على ربّهم في الآخرة!و أبصرهم يومئذ!حين لا ينفعهم الإبصار و السّماع.(16:86)

الطّوسيّ: معناه ما أسمعهم و أبصرهم!على وجه التّعجّب.و المعنى أنّهم حلّوا في ذلك محلّ من يتعجّب منه.و فيه تهدّد و وعيد أن سيسمعون ما يصدع قلوبهم، و يردون ما يهيلهم.(7:127)

نحوه الخازن.(4:200)

الميبديّ: أي ما أبصرهم بالهدى يوم القيامة، و أطوعهم للهدى!و أعلمهم بأنّ عيسى ليس بابن اللّه، و لا ثالث ثلاثة.

و لكن لا ينفعهم ذلك مع ضلالتهم في الدّنيا،و هو قوله: لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ تقديره:

هؤلاء الظّالمون و إن كانوا في الدّنيا صمّا و بكما و عميا، فما أسمعهم و أبصرهم يوم القيامة إذا كشف الغطاء!

(6:40)

الزّمخشريّ: إنّما المراد أنّ أسماعهم و أبصارهم يومئذ جدير بأن يتعجّب منهم بعد ما كانوا صمّا و عميا في الدّنيا.

و قيل:معناه التّهديد بما سيسمعون و يبصرون ممّا يسوءهم و يصدع قلوبهم.(2:509)

ابن عطيّة: أي ما أسمعهم و أبصرهم يوم يرجعون إلينا و يرون ما نصنع بهم من العذاب،فإنّ إعراضهم حينئذ يزول،و يقبلون على الحقيقة حين لا ينفعهم الإقبال عليها،و هم في الدّنيا صمّ عمي؛إذ لا ينفعهم النّظر مع إعراضهم.(4:16)

الطّبرسيّ: قيل:فيه وجهان:

أحدهما:أنّ التّقدير:صاروا ذوي سمع و بصر، و الجارّ و المجرور في موضع رفع،لأنّه فاعل(اسمع)، و المعنى ما أسمعهم و أبصرهم يوم القيامة!و إن كانوا في الدّنيا صمّا و بكما عن الحقّ،عن الحسن.

و معناه الإخبار عن قوّة علومهم باللّه تعالى في تلك الحال،و مثله قوله: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22، لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مريم:38.

يعني أنّ الكافرين في الدّنيا آثروا الهوى على الهدى، فهم في ذهاب عن الدّين،و عدول عن الحقّ.و المراد:

أنّهم في الدّنيا جاهلون،و في الآخرة عارفون؛حيث لا تنفعهم المعرفة.

و قال أبو مسلم: و هذا يدلّ على أنّ قوله سبحانه:

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ البقرة:18.ليس معناه الآفة في الأذن و اللّسان و العين بل هو أنّهم لا يتدبّرون ما يسمعون و يرون،و لا يعتبرون.أ لا ترى أنّه جعل قوله: لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في مقابلته،فأقام السّمع و البصر مقام الهدى؛إذ جعله في مقابلة الضّلال المبين.

و الثّاني:أنّ معناه أسمعهم و أبصرهم،أي بصّرهم

ص: 712

و بيّن لهم أنّهم إذا أتوا مع النّاس إلى موضع الجزاء سيكونون في(ضلال مبين)عن الجنّة و الثّواب،عن الجبّائيّ.

قال:و يجوز أن يكون المعنى:أسمع النّاس بهؤلاء الأنبياء و أبصرهم بهم ليعرفوهم و يعرفوا خبرهم، فيؤمنوا بهم.لكن من كفر بهم من الظّالمين اليوم-يعني يوم القيامة-في ضلال عن الجنّة.

و هذا بعيد و قد استدرك على الجبّائيّ في قوله، و الأولى و الأظهر في الآية الوجه الأوّل.(3:514)

الفخر الرّازيّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:و هو المشهور الأقوى:أنّ معناه ما أسمعهم و ما أبصرهم!و التّعجّب على اللّه تعالى محال،كما تقدّم.

و إنّما المراد:أنّ أسماعهم و أبصارهم يومئذ جدير بأن يتعجّب منهما،بعد ما كانوا صمّا و عميا في الدّنيا.

و قيل:معناه التّهديد ممّا سيسمعون و سيبصرون ممّا يسوء بصرهم و يصدع قلوبهم.

و ثانيها:قال القاضي:و يحتمل أن يكون المراد:

أسمع هؤلاء و أبصرهم،أي عرّفهم حال القوم الّذين يأتوننا،ليعتبروا و ينزجروا.

و ثالثها:قال الجبّائيّ:و يجوز أن أسمع النّاس بهؤلاء و أبصرهم بهم،ليعرفوا أمرهم و سوء عاقبتهم، فينزجروا عن الإتيان بمثل فعلهم.(21:221)

القرطبيّ: قال أبو العبّاس:العرب تقول هذا في موضع التّعجّب،فتقول:أسمع بزيد و أبصر بزيد،أي ما أسمعه و أبصره!قال:فمعناه أنّه عجّب نبيّه منهم.

(11:108)

أبو السّعود: تعجّب من حدّة سمعهم و إبصارهم يومئذ،و معناه أنّ أسماعهم و أبصارهم يَوْمَ يَأْتُونَنا للحساب و الجزاء-أي يوم القيامة-جدير بأن يتعجّب منهما،بعد أن كانوا في الدّنيا صمّا عميا،أو تهديد بما سيسمعون و يبصرون يومئذ.

و قيل:أمر بأن يسمعهم و يبصرهم مواعيد ذلك اليوم و ما يحيق بهم فيه.و الجارّ و المجرور على الأوّل في موقع الرّفع،و على الثّاني في حيّز النّصب.(4:240)

نحوه البروسويّ(5:334)،و الآلوسيّ(16:93).

المراغيّ: أي لئن كان هؤلاء الكفّار الّذين جعلوا للّه أندادا،و زعموا أنّ له ولدا عميا في الدّنيا عن إبصار الحقّ،و النّظر إلى حجج اللّه الّتي أودعها في الكون دالّة على وحدانيّته و عظيم قدرته و بديع حكمته،صمّا عن سماع آي كتبه،و ما دعتهم إليه الرّسل ممّا ينفعهم في دينهم و دنياهم،و يهديهم إلى الصّراط المستقيم،فما أسمعهم يوم قدومهم على ربّهم في الآخرة!و ما أبصرهم حينئذ!حيث لا يجدي السّماع و الإبصار شيئا،و يعضّون على أناملهم حسرة و أسفا،و يتمنّون على اللّه الأمانيّ، فيودّون الرّجوع إلى الدّنيا ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل،و لكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.

(16:52)

الطّباطبائيّ: أي ما أسمعهم و أبصرهم بالحقّ يوم يأتوننا و يرجعون إلينا،و هو يوم القيامة.فيتبيّن لهم وجه الحقّ فيما اختلفوا فيه،كما حكى اعترافهم به في قوله: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ السّجدة:12.(14:50)

ص: 713

3- وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ. الصّافّات:179

الطّبريّ: يقول:و انظرهم فسوف يرون ما يحلّ بهم من عقابنا،في حين لا تنفعهم التّوبة،و ذلك عند نزول بأس اللّه بهم.(23:116)

الطّوسيّ: و قد مضى معناه.و إنّما كرّر لأنّهما عذابان:عذاب الدّنيا،و عذاب الآخرة،فكأنّه قال:

و أبصرهم في عذاب الآخرة،و أبصرهم في عذاب الدّنيا.(8:538)

الميبديّ: ثمّ كرّر ما ذكر تأكيدا لوعد العذاب و تعظيما للتّقريع،فقال: وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْ الصّافّات:178،179،العذاب إذا نزل بهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ.

و قيل:الأوّل في الدّنيا،و الثّاني في الآخرة.

(8:312)

الفخر الرّازيّ: قيل:المراد من هذه الكلمة فيما تقدّم أحوال الدّنيا،و في هذه الكلمة أحوال القيامة، و على هذا التّقدير فالتّكرير زائل.

و قيل:إنّ المراد من التّكرير المبالغة في التّهديد و التّهويل.(26:173)

أبو حيّان: لم يقيّد أمره بالإبصار كما قيّده في الأوّل، إمّا لاكتفائه به في الأوّل فحذفه اختصارا،و إمّا لما في ترك التّقييد من جولان الذّهن فيما يتعلّق به الإبصار منه من صنوف المسرّات،و الإبصار منهم من صنوف المساءات.

و قيل:أريد بالأوّل:عذاب الدّنيا،و بالآخرة:عذاب الآخرة.(7:380)

الفيروزآباديّ: أي انتظر حتّى ترى و يرون.

(بصائر ذوي التّمييز 2:222)

البروسويّ: تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إثر تسلية، و تأكيد لوقوع الميعاد غبّ تأكيد،مع ما في إطلاق الفعلين عن المفعول من الإيذان،بأنّ ما يبصره عليه السّلام من فنون المسارّ و ما يبصرون من أنواع المضارّ لا يحيط به الوصف و البيان.

و في«البرهان»حذف الضّمير من الثّاني اكتفاء بالأوّل.(7:499)

الطّباطبائيّ: تأكيد لما مرّ بتكرار الآيتين على ما قيل.و احتمل بعضهم أن يكون المراد بما تقدّم التّهديد بعذاب الدّنيا،و بهذا التّهديد بعذاب الآخرة،و لا يخلو من وجه.

فإنّ الواقع في الآية(و ابصر)من غير مفعول،كما في الآية السّابقة من قوله:(و ابصرهم)و الحذف يشعر بالعموم،و أنّ المراد إبصار ما عليه عامّة النّاس من الكفر و الفسوق،و يناسبه التّهديد بعذاب يوم القيامة.

(17:178)

مبصرا

1- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً... يونس:67

أبو عبيدة: له مجازان:أحدهما:أنّ العرب وضعوا أشياء من كلامهم في موضع«الفاعل»،و المعنى أنّه «مفعول»لأنّه ظرف يفعل فيه غيره،لأنّ النّهار لا يبصر،و لكنّه يبصر فيه الّذي ينظر،و في القرآن فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة:7،و إنّما يرضى بها الّذي

ص: 714

يعيش فيها.(1:279)

نحوه ابن عطيّة.(3:130)

الطّبريّ: يقول:(و جعل النّهار مبصرا)فأضاف «الإبصار»إلى النّهار،و إنّما يبصر فيه و ليس النّهار ممّا يبصر،و لكن كان مفهوما في كلام العرب معناه،خاطبهم بما في لغتهم و كلامهم.[ثمّ استشهد بشعر](11:140)

نحوه الخازن.(3:163)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة عجيبة،أومأنا إلى نظيرها فيما تقدّم؛و ذلك أنّه سبحانه إنّما سمّى النّهار مبصرا لأنّ النّاس يبصرون فيه،فكان ذلك صفة الشّيء بما هو سبب له،على طريق المبالغة،كما قالوا:ليل أعمى و ليلة عمياء،إذا لم يبصر النّاس فيها شيئا لشدّة إظلامها،و سقوط أكثافها.(تلخيص البيان:43)

الطّوسيّ: و إنّما يبصر فيه تشبيها و مجازا و استعارة في صفة الشّيء بسببه،على وجه المبالغة.[ثمّ استشهد بشعر](5:465)

نحوه القرطبيّ.(8:360)

البغويّ: مضيئا يبصر فيه،كقولهم:ليل نائم، و عيشة راضية.قال قطرب:تقول العرب:أظلم اللّيل و أضاء النّهار و أبصر،أي صار ذا ظلمة و ضياء و بصر.

(2:427)

نحوه أبو حيّان.(5:177)

الميبديّ: يعني أنّ النّهار يبصر فيه،و المعنى جعل النّهار مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم،و تنقلبوا فيه لمعاشكم.(4:312)

الطّبرسيّ: أي و جعل النّهار مبصرا مضيئا تبصرون فيه،و تهتدون به في حوائجكم بالإبصار.

(3:120)

الفخر الرّازيّ: أي مضيئا،لتهتدوا به في حوائجكم بالإبصار.و البصر الّذي يبصر،و النّهار يبصر فيه.و إنّما جعله(مبصرا)على طريق نقل الاسم من السّبب إلى المسبّب.(17:131)

البروسويّ: لتتحرّكوا فيه لتحصيل أسباب معاشكم.فحذف مظلما لدلالة(مبصرا)عليه،و حذف لتتحرّكوا لدلالة(لتسكنوا)عليه.

و إسناد الإبصار إلى النّهار مجازيّ،و المراد يبصر فيه،كقوله:نهاره صائم و ليله قائم،أي صام في نهاره و قام في ليله.(4:63)

الآلوسيّ: تنبيه على تفرّده تعالى بالقدرة الكاملة و النّعمة الشّاملة،ليدلّهم على توحّده سبحانه، باستحقاق العبادة،فتعريف الطّرفين للقصر،و هو قصر تعيين.و في ذلك أيضا تقرير لما سلف من كون جميع الموجودات الممكنة تحت قدرته و ملكته،المفصح عن اختصاص العزّة به سبحانه.

و الجعل إن كان بمعنى الإبداع و الخلق ف(مبصرا) حال،و إن كان بمعنى التّصيير ف(لكم)المفعول الثّاني أو حال،كما في الوجه الأوّل،فالمفعول الثّاني، لِتَسْكُنُوا فِيهِ، أو هو محذوف يدلّ عليه المفعول الثّاني من الجملة الثّانية،كما أنّ العلّة الغائيّة منها محذوفة اعتمادا على ما في الأوّل.

و التّقدير هو الّذي جعل لكم اللّيل مظلما لتسكنوا فيه،و النّهار مبصرا لتتحرّكوا فيه لمصالحكم.فحذف من

ص: 715

كلّ ما ذكر في الآخر اكتفاء بالمذكور عن المتروك،و فيه على هذا صنعة الاحتباك.و الآية شائعة في التّمثيل بها لذلك،و هو الظّاهر فيها،و إن كان أمرا غير ضروريّ.

و من هنا ذهب جمع إلى أنّه لا احتباك فيها،و العدول عن«لتبصروا فيه»الّذي يقتضيه ما قبل إلى ما في النّظم الجليل،للتّفرقة بين الظّرف المجرور و الظّرف الّذي هو سبب يتوقّف عليه في الجملة.و إسناد«الإبصار»إلى النّهار مجازيّ.(11:154)

رشيد رضا: (النّهار)جعله مضيئا ذا إبصار لتنتشروا في لأرض،و تقوموا بجميع أعمال العمران و الكسب،و الشّكر للرّبّ.فالمبصر هنا:معطي الإبصار، سببه حسّيّا كان أو معنويّا،فالأوّل:قوله تعالى:

وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ الإسراء:12.

و الثّاني:قوله: وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً الإسراء:59،أي آية مفيدة للبصيرة و الحجّة على صدق رسولهم،و مثله قوله: فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ النّمل:13.(11:454)

الطّباطبائيّ: الآية تتمّم البيان الّذي أورد في الآية السّابقة لإثبات ربوبيّته تعالى،و الرّبوبيّة-كما تعلم -هي الملك و التّدبير،و قد ذكر ملكه تعالى في الآية السّابقة،فبذكر تدبير من تدابيره العامّة في هذه الآية تصلح به عامّة معيشة النّاس،و تستبقى به حياتهم،يتمّ له معنى الرّبوبيّة.

و للإشارة إلى هذا التّدبير ذكر مع(الليل)سكنهم فيه،و مع(النّهار)إبصارهم فيه،الباعث لهم إلى أنواع الحركات و التّنقّلات لكسب موادّ الحياة،و إصلاح شئون المعاش،فليس يتمّ أمر الحياة الإنسانيّة بالحركة فقط أو بالسّكون فقط،فدبّر اللّه سبحانه الأمر في ذلك بظلمة اللّيل الدّاعية إلى تجديد تجهيز القوى،بعد ما لحقها من العيّ و التّعب و النّصب،و إلى الارتياح و الأنس بالأهل،و التّمتّع ممّا جمع و اكتسب بالنّهار،و الفراغ للعبوديّة،و بضوء النّهار الباعث إلى الرّؤية فالاشتياق فالطّلب.(10:94)

و بهذا المعنى جاء كلمة(مبصرا)في سورة النّمل:

86.

2- اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً... المؤمن:61

الطّبريّ: يقول:و جعل(النّهار مبصرا)من اضطرب فيه لمعاشه،و طلب حاجاته،نعمة منه بذلك عليكم.(24:80)

الطّوسيّ: تبصرون فيه مواضع حاجاتكم، فجعله(مبصرا)لما كان يبصر فيه المبصرون.

(9:91)

الزّمخشريّ: من الإسناد المجازيّ،لأنّ الإبصار -في الحقيقة-لأهل النّار.

فإن قلت:لم قرن(الليل)بالمفعول له(و النّهار) بالحال،و هلاّ كانا حالين أو مفعولا لهما،فيراعى حقّ المقابلة؟

قلت:هما متقابلان من حيث المعنى،لأنّ كلّ واحد منهما يؤدّي مؤدّى الآخر،و لأنّه لو قيل:«لتبصروا

ص: 716

فيه»فاتت الفصاحة الّتي في الإسناد المجازيّ.

(3:434)

ابن عطيّة: مجازه يبصر فيه،كما تقول:نهار صائم،و ليل قائم.(4:566)

الطّبرسيّ: أي و جعل لكم النّهار،و هو ما بين طلوع الفجر الثّاني إلى غروب الشّمس مضيئا،تبصرون فيه مواضع حاجاتكم،فجعل سبحانه(النّهار مبصرا)لما كان يبصر فيه المبصرون.(4:530)

القرطبيّ: أي مضيئا لتبصروا فيه حوائجكم، و تتصرّفوا في طلب معايشكم.(15:328)

البروسويّ: أي مبصرا فيه أو به،يعني يبصر به المبصرون الأشياء،و لكونه حارّا يقوّي الحركات في اكتساب المعاش.

فإسناد الإبصار إلى النّهار مجاز فيه مبالغة،و لقصد المبالغة عدل به عن التّعليل إلى الحال،بأن قال:(مبصرا) دون:لتبصروا فيه.

أو به،يعني أنّ نفس النّهار لمّا جعل(مبصرا)فهم أنّ النّهار لكمال سببيّته للإبصار،و كثرة آثار القوّة الباصرة فيه جعل كأنّه هو المبصر.(8:203)

الآلوسيّ: يبصر فيه أو به،ف(النّهار)إمّا ظرف زمان للإبصار،أو سبب له.

و أيّاما كان فإسناد الإبصار له بجعله مبصرا إسناد مجازيّ،لما بينهما من الملابسة،و فيه مبالغة،و أنّه بلغ الإبصار إلى حدّ سرى في نهار المبصر،و لذا لم يقل:

لتبصروا فيه،على طرز ما وقع في قرينة.(24:82)

الطّباطبائيّ: أي جعل لأجلكم اللّيل مظلما، لتسكنوا فيه من التّعب الّذي عرض لكم وجه النّهار، من جهة السّعي في طلب الرّزق. وَ النَّهارَ مُبْصِراً لتبتغوا من فضل ربّكم،و لتكسبوا الرّزق.و هذا من أركان تدبير الحياة الإنسانيّة.

و قد ظهر بذلك أنّ نسبة الإبصار إلى النّهار من المجاز العقليّ،لكن ليس من المبالغة في شيء،كما ادّعاه بعضهم.(17:345)

مبصرون

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ. الأعراف:201)

ابن عبّاس: يقول:إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر اللّه،عاصون للشّيطان.

(الطّبريّ 9:159)

مقاتل: إنّ المتّقي إذا أصابه نزع من الشّيطان تذكّر و عرف أنّه معصية فأبصر،فنزع عن مخالفة اللّه.

(البغويّ 2:262)

الطّبريّ: فإنّه يعني فإذا هم مبصرون هدى اللّه و بيانه و طاعته فيه،فمنتهون عمّا دعاهم إليه الشّيطان.

(9:159)

ابن عطيّة: من البصيرة،أي فإذا هم قد تبيّنوا الحقّ،و مالوا إليه.(2:492)

الفخر الرّازيّ: معناه أنّه إذا حضرت هذه التّذكّرات في عقولهم ففي الحال يزول مسّ طائف الشّيطان،و يحصل الاستبصار و الانكشاف و التّجلّي، و يحصل الخلاص من وسوسة الشّيطان.(15:100)

ص: 717

القرطبيّ: أي منتهون،و قيل:فإذا هم على بصيرة.(7:350)

أبو السّعود: مواقع الخطإ و مكايد الشّيطان، فيحترزون عنها و لا يتّبعونه.(3:71)

مثله القاسميّ(7:2931)،نحوه البروسويّ(3:

300)،و الآلوسيّ(9:148).

مبصرة

1- وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً... الإسراء:12

قتادة:أي منيرة،و خلق الشّمس أنور من القمر، و أعظم.(الطّبريّ 15:50)

أبو عمرو ابن العلاء: أي يبصر بها.

(القرطبيّ 10:228)

الكسائيّ: تقول العرب:أبصر النّهار،إذا أضاء؛ بحيث يبصر بها.(البغويّ 3:123)

أبو عبيدة: يقال:قد أبصر النّهار،إذا صار النّاس يبصرون فيه،كقوله:رجل مخبث،إذا كان أصحابه خبثاء،و رجل مضعف،إذا كانت ذراريه ضعافا،فكذا قوله: وَ النَّهارَ مُبْصِراً المؤمن:61،أي أهله بصراء.(الفخر الرّازيّ 20:165)

الطّبريّ: و اختلف أهل العربيّة في معنى قوله:

وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فقال بعض نحوييّ الكوفة:معناها مضيئة،و كذلك قوله: وَ النَّهارَ مُبْصِراً معناه مضيئا،كأنّه ذهب إلى أنّه قيل:مبصرا لإضاءته للنّاس البصر.

و قال آخرون: بل هو من أبصر النّهار،إذا صار النّاس يبصرون فيه،فهو مبصر،كقولهم:رجل مجبن، إذا كان أهله و أصحابه جبناء،و رجل مضعف،إذا كانت رواته ضعفاء،فكذلك اَلنَّهارَ مُبْصِراً، إذا كان أهله بصراء.(15:50)

نحوه الطّوسيّ(6:454)،و القرطبيّ(10:228).

الزّجّاج: أي جعلناها تضيء لكم لتبصروا كيف تصرّفون في أعمالكم؟(3:230)

الميبديّ: يعني مبصرا بها.و النّهار لا يبصر لكن يبصر به و فيه.(5:522)

الزّمخشريّ: أي تبصر فيه الأشياء و تستبان.

(2:440)

نحوه الخازن.(4:123)

الطّبرسيّ: أي نيّرة مضيئة للإبصار،يبصر أهل النّهار النّهار بها.(3:402)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجهان:

الأوّل:أنّ معنى كونها(مبصرة)أي مضيئة؛و ذلك لأنّ الإضاءة سبب لحصول الإبصار،فأطلق اسم الإبصار على الإضاءة إطلاقا لاسم المسبّب على السّبب.

و الثّاني:[قول أبي عبيدة و قد تقدّم](20:165)

البيضاويّ:مضيئة أو مبصرة للنّاس،من أبصره فبصر،أو مبصرة أهله،كقولهم:أجبن الرّجل،إذا كان أهله جبناء.(1:579)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:223)

النّيسابوريّ:(مبصرة)ذات إبصار؛و ذلك

ص: 718

باعتبار من فيها،أي تبصر فيها الأشياء و تستبان،أو أريد بالإبصار:الإضاءة،لأنّها سببه.(15:13)

أبو حيّان: أي يبصر فيه الأشياء و تستبان.[إلى أن قال:]

نسب الإبصار إلى آية النّهار،على سبيل المجاز،كما تقول:ليل قائم و نائم،أي يقام فيه و ينام فيه،فالمعنى يبصر فيها.و قيل:معنى(مبصرة)مضيئة.

و قيل:هو من باب«أفعل»و المراد به غير من أسند «أفعل»إليه،كقولهم:أجبن الرّجل،إذا كان أهله جبناء، و أضعف،إذا كان دوابّه ضعافا؛فأبصرت الآية،إذا كان أصحابها بصراء.

و قرأ قتادة و عليّ بن الحسين (مبصرة) بفتح الميم و الصّاد،و هو مصدر أقيم مقام الاسم.و كثر مثل ذلك في صفات الأمكنة،كقولهم:أرض مسبعة،و مكان مضبّة.

(6:15)

نحوه الآلوسيّ.(15:26)

المراغيّ: أي و جعلنا الآية الّتي هي(النّهار) مضيئة و مبصرة،أي يبصر أهلها فيها.(15:19)

الطّباطبائيّ: أي جعلناها مضيئة لتطلبوا فيه رزقا من ربّكم،فإنّ الرّزق فضله و عطاؤه تعالى.(13:51)

2- وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً. الإسراء:59

مجاهد :(مبصرة):آية.(الطّبريّ 15:109)

قتادة: أي بيّنة.(الطّبريّ 15:109)

نحوه البغويّ(3:141)،و الكاشانيّ(3:199).

الفرّاء:جعل الفعل لها.و من قرأ (مبصرة) أراد مثل قول عنترة:

*و الكفر مخبثة لنفس المنعم*

فإذا وضعت«مفعلة»في«فاعل»كفت من الجمع و التّأنيث،فكانت موحّدة مفتوحة العين،لا يجوز كسرها؛العرب تقول:هذا عشب ملبنة مسمنة،و الولد مبخلة مجبنة،فما ورد عليك منه فأخرجه على هذه الصّورة.

و إن كان من الياء و الواو فأظهرهما؛تقول:هذا شراب مبولة،و هذا كلام مهيبة للرّجال و متيهة،و أشباه ذلك.

و معنى(مبصرة):مضيئة،كما قال اللّه عزّ و جلّ:

وَ النَّهارَ مُبْصِراً المؤمن:61،مضيئا.(2:126)

الطّبريّ: جعل الإبصار للنّاقة،كما تقول للشّجة:

موضحة،و هذه حجّة مبيّنة.و إنّما عنى بالمبصرة:المضيئة البيّنة الّتي من يراها كانوا أهل بصر بها إنّها للّه حجّة،كما قيل: وَ النَّهارَ مُبْصِراً. (15:109)

الزّجّاج: و يقرأ (مبصرة) .فمن قرأ (مبصرة) فالمعنى تبصرهم،أي تبيّن لهم.و من قرأ (مبصرة) فالمعنى مبيّنة.(3:247)

الطّوسيّ: معناه (مبصرة) تبصر النّاس بما فيها من العبر،و الهدى من الضّلالة،و الشّقاء من السّعادة.و يجوز أن يكون المراد أنّها ذات إبصار.(6:493)

الميبديّ: أي آية بيّنة ظاهرة مضيئة،خرجت من صخرة صلدة.

و قيل:(مبصرة):متضمّنة لبصائر في الدّين لمن

ص: 719

استبصر.

و قيل:(مبصرة)يبصر بها كيوم صائم،يعني فصام فيه،و ليلة نائمة ينام فيها.

و قيل:(مبصرة)جاعلة إيّاهم ذوي بصائر.

(5:574)

الطّبرسيّ: أي بيّنة،أراد آية مبصرة،كما قال:

وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12،و معناه دلالة واضحة ظاهرة.

و قيل:ذات إبصار،و قيل:تبصرهم و تبيّن لهم حتّى يبصروا بها الهدى من الضّلالة،و هي ناقة صالح المخرجة من الصّخرة على الصّفة الّتي اقترحوها.(3:423)

الفخر الرّازيّ: أي ذات إبصار،أي فيها إبصار لمن تأمّلها يبصر بها رشده،و يستدلّ بها على صدق ذلك الرّسول.(20:234)

القرطبيّ: أي آية دالّة مضيئة نيّرة على صدق صالح،و على قدرة اللّه تعالى،و قد تقدّم ذلك.

(10:281)

البيضاويّ: بيّنة ذات إبصار أو بصائر،أو جاعلتهم ذوي بصائر.و قرئ بالفتح.(1:589)

الخازن: أي بيّنة؛و ذلك لأنّ آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم،يبصرها صادرهم و واردهم.(4:135)

ابن كثير :أي دالّة على وحدانيّة من خلقها، و صدق رسوله الّذي أجيب دعاؤه فيها.(4:323)

البروسويّ: بيّنة ذات إبصار،على أن يكون للنّسبة،فالتّاء للمبالغة.أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازا.(5:177)

الآلوسيّ: على صيغة اسم الفاعل حال من النّاقة، و المراد:ذات إبصار،أو ذات بصيرة يبصرها الغير و يتبصّر بها،فالصّيغة للنّسب.

أو جاعلة النّاس ذوي بصائر،على أنّه اسم فاعل من أبصره،و الهمزة للتّعدية،أي جعله ذا بصيرة و إدراك.و يحتمل أن يكون إسناد الإبصار إليها مجازا، و هو في الحقيقة حال من يشاهدها.

و قرأ قوم (مبصرة) بزنة اسم المفعول،أي يبصرها النّاس،و لا خفاء في ذلك.

و قرأ قتادة (مبصر) بفتح الميم و الصّاد،أي محلّ إبصار،بجعل الحامل على الشّيء بمنزلة محلّه،نحو الولد مبخلة مجبنة.

و قرأ زيد بن عليّ رضي اللّه تعالى عنهما (مبصرة) بزنة اسم الفاعل و الرّفع،على إضمار مبتدإ،أي هي مبصرة.(15:104)

الطّباطبائيّ: و«المبصرة»:الظّاهرة البيّنة،على حدّ ما في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12،و هي صفة النّاقة،أو صفة لمحذوف، و التّقدير:آية مبصرة.

و المعنى و آتينا قوم ثمود النّاقة حال كونها ظاهرة بيّنة،أو حال كونها آية ظاهرة بيّنة،فظلموا أنفسهم بسببها،أو ظلموا مكذّبين بها.(13:136)

3- فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. النّمل:13

ص: 720

ابن جريج: (مبصرة):بيّنة.(الطّبريّ 19:140)

الأخفش: و يجوز(مبصرة)و هو مصدر،كما يقال:

الولد مجبنة.(القرطبيّ 13:163)

الطّبريّ: يقول:يبصر بها من نظر إليها و رآها، حقيقة ما دلّت عليه.(19:140)

الطّوسيّ: قيل في معنى(مبصرة)قولان:

أحدهما:أنّها تبصر الصّواب من الخطإ،يقال:

أبصرته و بصرته بمعنى واحد،كقولك:أكفرته و كفرته، و أكذبته و كذبته.

الثّاني:(مبصرة)للحقّ من الباطل،فهي تهدي إليه،كأنّها تراه.قالوا عند ذلك:إنّ هذه الآيات(سحر مبين)أي ظاهر.(8:81)

البغويّ: بيّنة واضحة،يبصر بها.(3:492)

نحوه الخازن(5:112)،و القرطبيّ(13:163)، و القاسميّ(13:4662).

الميبديّ: أي مستنيرة مبصرة بها،كما تقول:

أبصر النّهار،أي أبصر فيه،و مثله قوله: وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12،أي نيّرة يبصر فيها، نصب على الحال.

و قيل:(مبصرة)تجعلهم بصراء.و قيل:جاعلة لهم بصائر قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. (7:183)

الزّمخشريّ: الظّاهرة البيّنة،جعل الإبصار لها، و هو في الحقيقة لمتأمّليها،لأنّهم لابسوها،و كانوا بسبب منها بنظرهم و تفكّرهم.

و يجوز أن يراد بحقيقة الإبصار:كلّ ناظر فيها من كافّة أولي العقل.و أن يراد إبصار فرعون و ملئه،لقوله:

وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14.

أو جعلت كأنّها تبصر فتهدي،لأنّ العمى لا تقدر على الاهتداء فضلا أن تهدي غيرها.و منه قولهم:كلمة عيناء و كلمة عوراء،لأنّ الكلمة الحسنة ترشد،و السّيّئة تغوي،و نحوه قوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ الإسراء:102، فوصفها بالبصارة،كما وصفها بالإبصار.

و قرأ عليّ بن الحسين رضي اللّه عنهما و قتادة (مبصرة) و هي نحو:مجبنة و مبخلة و مجفرة،أي مكانا يكثر فيه التّبصّر.(3:139)

نحوه الفخر الرّازيّ.(24:184)

ابن عطيّة: معناه معها الإبصار و الوضوح،و هذا على نحو قولهم:نهار صائم و ليل قائم و نائم.

(4:252)

الطّبرسيّ: أي واضحة بيّنة على من أبصر أنّها خارجة عن قدرة البشر،و هو مثل قوله: وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً الإسراء:59.(4:213)

البيضاويّ: (مبصرة):بيّنة،اسم فاعل أطلق للمفعول،إشعارا بأنّها لفرط اجتلائها للأبصار؛بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت ممّا يبصر.أو ذات بصر من حيث إنّها تهدي،و العمى لا تهتدي فضلا عن أن تهدي.

أو مبصرة كلّ من نظر إليها و تأمّل فيها.

(2:172)

نحوه أبو السّعود(5:72)،و النّيسابوريّ(19:

83)،و البروسويّ(6:324)،و شبّر(4:415).

أبو حيّان:و انتصب(مبصرة)على الحال،أي بيّنة

ص: 721

واضحة.و نسب الإبصار إليها على سبيل المجاز،لما كان يبصر بها جعلت(مبصرة)،أو لما كان معها الإبصار و الوضوح.

و قيل:لجعلهم بصراء،من قولك:أبصرته،المتعدّية بهمزة النّقل،من بصر و قيل:فاعل بمعنى مفعول،كماء دافق.

و قرأ قتادة و عليّ بن الحسين (مبصرة) بفتح الميم و الصّاد،و هو مصدر،كما تقول:الولد مجبنة.و أقيم مقام الاسم،و انتصب أيضا على الحال.و كثر هذا الوزن في صفات الأماكن،نحو أرض مسبعة،و مكان مضبّة.

(7:58)

نحوه الآلوسيّ.(19:168)

الطّباطبائيّ: المبصرة،بمعنى الواضحة الجليّة.

(15:346)

يبصّرونهم

وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً* يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. المعارج:10،11

ابن عبّاس: يعرف الكفّار بعضهم بعضا،ثمّ يفرّ بعضهم عن بعض.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 10:118)

يعرف بعضهم بعضا،و يتعارفون بينهم،ثمّ يفرّ بعضهم من بعض.(الطّبريّ 29:74)

يتعارفون ساعة من النّهار،ثمّ لا يتعارفون بعده.

(البغويّ 5:152)

مجاهد :المؤمنون يبصّرون الكافرين.

(الطّبريّ 29:74)

الإمام الباقر عليه السّلام: يقول:يعرفونهم،ثمّ لا يتساءلون.(الكاشانيّ 5:226)

قتادة: يعرفونهم يعلمون،و اللّه ليعرفنّ قوم قوما و أناس أناسا.(الطّبريّ 29:74)

السّدّيّ: يعرفونهم.أمّا المؤمن فببياض وجهه، و أمّا الكافر فبسواد وجهه.(البغويّ 5:152)

ابن زيد: يبصّرون الّذين أضلّوهم الدّنيا النّار.

(الطّبريّ 29:74)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بالهاء و الميم في قوله:(يبصّرونهم)فقال بعضهم:عني بذلك الأقرباء أنّهم يعرّفون أقرباءهم و يعرّف كلّ إنسان قريبه،فذلك تبصير اللّه إيّاهم.

و قال آخرون: بل عني بذلك المؤمنون أنّهم يبصّرون الكفّار.

و قال آخرون: بل عني بذلك الكفّار الّذين كانوا أتباعا لآخرين في الدّنيا على الكفر،أنّهم يعرّفون المتبوعين في النّار.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة قول من قال:معنى ذلك و لا يسأل حميم حميما عن شأنه،و لكنّهم يبصّرونهم فيعرفونهم،ثمّ يفرّ بعضهم من بعض،كما قال جلّ ثناؤه:

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ عبس 34-37.

و إنّما قلنا ذلك أولى التّأويلات بالصّواب،لأنّ ذلك أشبهها بما دلّ عليه ظاهر التّنزيل؛و ذلك أنّ قوله:

ص: 722

(يبصّرونهم)تلا قوله: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً المعارج:

10،فلأن تكون الهاء و الميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم.(29:73)

الطّوسيّ: قال ابن عبّاس و قتادة:يعرف الكفّار بعضهم بعضا،ثمّ يفرّ بعضهم عن بعض،و قال مجاهد:

يعرّفهم المؤمنون،و قال قوم:يعرف أتباع الضّلال رؤساءهم.

و قول ابن عبّاس أظهر،لأنّه عقيب ذكر الكفّار.

و قال:هو كناية ينبغي أن يرجع إليهم.(10:118)

البغويّ: يرونهم.و ليس في القيامة مخلوق إلاّ و هو نصب عين صاحبه من الجنّ و الإنس،فيبصر الرّجل أباه و أخاه و قرابته،فلا يسأله،و يبصر حميمه فلا يكلّمه لاشتغاله بنفسه.

و قيل:(يبصّرونهم)يعرّفونهم،أي يعرّف الحميم حميمه حتّى يعرفه،و مع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.(5:152)

نحوه الخازن.(6:125)

الميبديّ: أي يعرّفون أقاربهم،فيقال لهم:هذا فلان و هذا فلان،زيادة في فضيحتهم.

و قيل:يعرّفونهم،أي يعرّفون الملائكة حتّى يعرفوهم بسيمائهم،فيعذّبونهم بألوان العذاب.

و قيل:يبصّر المؤمنون الكافرين حتّى يعرفوا الكفّار بسيمائهم فيزدادوا شكرا،و يزداد الكفّار حسرة و أسفا.

و قيل:يعرف المؤمن ببياض وجهه و الكافر بسواد وجهه.

و قيل:ليس في القيامة مخلوق إلاّ و هو نصب عين صاحبه،فيبصّر الرّجل أباه و أخاه و أقرباءه و عشيرته، لا يسأله و لا يكلّمه لاشتغاله بما هو فيه.(10:226)

نحوه أبو السّعود.(5:193)

الزّمخشريّ: أي يبصّر الأحمّاء فلا يخفون عليهم،فما يمنعهم من المساءلة أنّ بعضهم لا يبصر بعضا و إنّما يمنعهم التّشاغل.

و قرئ (يبصرونهم) و قرئ (و لا يسأل) على البناء للمفعول،أي لا يقال لحميم:أين حميمك و لا يطلب منه، لأنّهم يبصرونهم فلا يحتاجون إلى السّؤال و الطّلب.

فإن قلت:ما موضع(يبصّرونهم)؟

قلت:هو كلام مستأنف كأنّه لمّا قال: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً قيل:لعلّه لا يبصره،فقيل:(يبصّرونهم)، و لكنّهم لتشاغلهم لم يتمكّنوا من تساؤلهم.

فإن قلت:لم جمع الضّميران في(يبصّرونهم)و هما للحميمين؟

قلت:المعنى على العموم لكلّ حميمين،لا لحميمين اثنين.

و يجوز أن يكون(يبصّرونهم)صفة،أي حميما مبصّرين معرّفين إيّاهم.(4:157)

الطّبرسيّ: لمّا وصف سبحانه القيامة و أخبر أنّ الحميم فيه لا يسأل حميمه لشغله بنفسه،قال:

(يبصّرونهم).

قيل:يعرّف أتباع الضّلالة رؤساءهم.

و قيل:إنّ الضّمير يعود إلى الملائكة.و قد تقدّم ذكرهم،أي يعرّفهم الملائكة،و يجعلون بصراء بهم، فيسوقون فريقا إلى الجنّة،و فريقا إلى النّار.(5:355)

ص: 723

الفخر الرّازيّ: يقال:بصرت به أبصر،قال تعالى: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ طه:96.

و يقال:بصرت زيد بكذا،فإذا حذفت الجارّ قلت:

بصرني زيد كذا،فإذا أثبت الفعل للمفعول به و قد حذفت الجارّ قلت:بصرني زيدا،فهذا هو معنى (يبصّرونهم).

و إنّما جمع فقيل:(يبصّرونهم)لأنّ الحميم و إن كان مفردا في اللّفظ فالمراد به الكثرة و الجمع،و الدّليل عليه قوله تعالى: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ الشّعراء:100.

و معنى(يبصّرونهم)يعرّفونهم،أي يعرّف الحميم الحميم حتّى يعرفه،و هو مع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.

فإن قيل ما موضع(يبصّرونهم)؟

قلنا:فيه وجهان:

الأوّل:أنّه متعلّق بما قبله،كأنّه لمّا قال:

وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً قيل:لعلّه لا يبصره،فقيل:

(يبصّرونهم)و لكنّهم لاشتغالهم بأنفسهم لا يتمكّنون من تساؤلهم.

الثّاني:أنّه متعلّق بما بعده،و المعنى أنّ المجرمين يبصّرون المؤمنين حال ما يودّ أحدهم أن يفدي نفسه، لكلّ ما يملكه.فإنّ الإنسان إذا كان في البلاء الشّديد ثمّ رآه عدوّه على تلك الحالة،كان ذلك في نهاية الشّدّة عليه.(30:126)

القرطبيّ: أي يرونهم.و ليس في القيامة مخلوق إلاّ و هو نصب عين صاحبه من الجنّ و الإنس،فيبصّر الرّجل أباه و أخاه و قرابته و عشيرته و لا يسأله و لا يكلّمه،لاشتغالهم بأنفسهم.

و في بعض الأخبار: أنّ أهل القيامة يفرّون من المعارف مخافة المظالم.

و قال ابن عبّاس: (يبصّرونهم)يبصّر بعضهم بعضا فيتعارفون،ثمّ يفرّ بعضهم من بعض،فالضّمير في (يبصّرونهم)على هذا للكفّار،و الميم للأقرباء.

و قال مجاهد: المعنى يبصّر اللّه المؤمنين الكفّار في يوم القيامة.فالضّمير في(يبصّرونهم)للمؤمنين،و الهاء و الميم للكفّار.

ابن زيد: المعنى يبصّر اللّه الكفّار في النّار الّذين أضلّوهم في الدّنيا.فالضّمير في(يبصّرونهم)للتّابعين، و الهاء و الميم للمتبوعين.

و قيل:إنّه يبصر المظلوم ظالمه و المقتول قاتله.

و قيل:(يبصّرونهم)يرجع إلى الملائكة،أي يعرفون أحوال النّاس،فيسوقون كلّ فريق إلى ما يليق بهم.(18:285)

البروسويّ: استئناف،كأنّه قيل:لعلّه لا يبصره، فكيف يسأل عن حاله،فقل:(يبصّرونهم).و الضّمير الأوّل ل(حميم)أوّل،و الثّاني للثّاني.و جمع الضّميرين لعموم الحميم لكلّ حميمين،لا لحميمين اثنين.

قال في«تاج المصادر»:التّبصير:الإبصار و التّعريف و الإيضاح،و يعدّى إلى المفعول الثّاني بالباء،و قد تحذف الباء،و على هذا(يبصّرونهم)انتهى.يعني عدّي (يبصّرونهم)بالتّضعيف إلى ثان،و قام الأوّل مقام الفاعل.

و الشّائع المتعارف تعديته إلى الثّاني،بحرف الجرّ،

ص: 724

يقال:بصّرته به،و قد يحذف الجارّ.و إذا نسبت الفعل للمفعول به حذفت الجارّ،و قلت:بصّرت زيدا،و ما في الآية من هذا القبيل.

و المعنى يبصّر الأحمّاء الأحمّاء،يعني يبصّرون بالأقرباء،فلا يخفون عليهم،و لا يمنعهم من التّساؤل إلاّ تشاغلهم بحال أنفسهم.و ليس في القيامة مخلوق إلاّ و هو نصب عين صاحبه،فيبصّر الرّجل أباه و أخاه و أقرباءه و عشيرته،و لكن لا يسأله و لا يكلّمه،لاشتغاله بما هو فيه.(10:160)

شبّر: استئناف لبيان أنّ انتقال السّؤال لتشاغلهم لا لعدم الإبصار،و الجمع للمعنى.(6:281)

الآلوسيّ: أي يبصّر الأحمّاء الأحمّاء،فلا يخفون عليهم،و ما يمنعهم من التّساؤل إلاّ اشتغالهم بحال أنفسهم.

و قيل:ما يغني عنه من مشاهدة الحال كبياض الوجه و سواده،و لا يخفى حاله.

و(يبصّرونهم)قيل:من بصّرته بالشّيء،إذا أوضحته له حتّى يبصره،ثمّ ضمّن معنى التّعريف،أو حذف الصّلة إيصالا.و جمع الضّميرين لعموم الحميم، و الجملة استئناف،كأنّه لمّا قيل:(لا يسأل)إلخ.قيل:

لعلّه لا يبصره،فقيل:(يبصّرونهم).

و جوّز أن تكون صفة،أي حميما مبصّرين معرّفين إيّاهم.و أن تكون حالا إمّا من الفاعل أو من المفعول،أو كليهما،و لا يضرّ التّنكير لمكان العموم،و هو مسوغ للحاليّة و رجّحت على الوصفيّة،بأنّ التّقييد بالوصف في مقام الإطلاق و التّعميم غير مناسب،و ليس فيها ذلك، فلا تغفل.(29:59)

المراغيّ: من قولك:بصّرته بالشّيء،إذا أوضحته له حتّى يبصره،أي يتعارفون،ثمّ يفرّ بعضهم من بعض بعد ذلك.(29:68)

الطّباطبائيّ: الضّميران للأحمّاء المعلوم من السّياق،و التّبصير:الإراءة و الإيضاح،أي يرى و يوضح الأحمّاء للأحمّاء فلا يسألونهم عن حالهم اشتغالا بأنفسهم.

و الجملة مستأنفة،في معنى الجواب عن سؤال مقدّر، كأنّه لمّا قيل: لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، سئل فقيل:هل يرى الأحمّاء يومئذ أحمّاءهم؟فأجيب:(يبصّرونهم).

و يمكن أن يكون(يبصّرونهم)صفة(حميما).

و من رديء التّفسير قول بعضهم:إنّ معنى قوله:

(يبصّرونهم)يبصّر الملائكة الكفّار.و ما قيل:إنّ المعنى يبصّر المؤمنون أعداءهم من الكفّار و ما هم فيه من العذاب،فيشمتون بهم.و ما قيل:إنّ المعنى يبصّر أتباع الضّلالة رؤساءهم،و هي جميعا وجوه لا دليل عليها.

(20:9)

المصطفويّ: أي يعرّفون و يبيّنون لهم فيبصّرون أحوالهم و مقاماتهم،و كيفيّات أمورهم و حدود اختيارهم و أعمالهم،فيشاهدونهم،و يعلمون أنّ المسألة عنهم غير مفيدة.فالضّميران يرجعان إلى«الحميم» باعتبار معناه الجمعيّ.(1:267)

تبصرة

تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ. ق:8

ص: 725

مجاهد: بصيرة.(الطّبريّ 26:152)

قتادة: نعمة من اللّه يبصرها العباد.

(الطّبريّ 26:152)

أبو حاتم: نصب على المصدر،يعني جعلنا ذلك تبصيرا و تنبّها على قدرتنا.(القرطبيّ 17:6)

الطّبريّ: يقول:فعلنا ذلك تبصرة لكم أيّها النّاس نبصّركم بها قدرة ربّكم على ما يشاء.(26:152)

الزّجّاج: أي فعلنا ذلك لنبصّر به و ندلّ على القدرة.(5:43)

الطّوسيّ: أي فعلنا ذلك و خلقناه على ما وصفناه، ليتبصّر به و يتفكّر به كلّ مكلّف كامل العقل،يريد الرّجوع إلى اللّه و الإنابة إليه.(9:360)

البغويّ: أي جعلنا ذلك تبصرة.(4:271)

مثله الخازن.(6:194)

الميبديّ: أي جعلنا ذلك(تبصرة و ذكرى)أي تبصيرا و تذكيرا و تنبيها.(9:277)

الزّمخشريّ: لتبصّر به و تذكر كلّ(عبد منيب) راجع إلى ربّه،مفكّر في بدائع خلقه خلقها و قرئ (تبصرة و ذكرى) بالرّفع،أي خلقها تبصرة.(4:4)

الطّبرسيّ: أي فعلنا ذلك تبصيرا،ليبصّر به أمر الدّين و تذكيرا و تذكّرا.(5:143)

نحوه شبّر.(6:68)

الفخر الرّازيّ: يحتمل أن يكون الأمران عائدين إلى الأمرين المذكورين،و هما«السّماء و الأرض»على أنّ خلق السّماء(تبصرة)و خلق الأرض(ذكرى).

و يدلّ عليه أنّ السّماء زينتها مستمرّة غير مستجدّة في كلّ عام،فهي كالشّيء المرئيّ على مرور الزّمان.و أمّا الأرض فهي كلّ سنة تأخذ زخرفها،فذكر السّماء تبصرة و الأرض تذكرة.

و يحتمل أن يكون كلّ واحد من الأمرين موجودا في كلّ واحد من الأمرين،فالسّماء تبصرة و الأرض كذلك.

و الفرق بين:التّبصرة و التّذكرة،هو أنّ فيها آيات مستمرّة منصوبة في مقابلة البصائر،و آيات متجدّدة مذكّرة عند التّناسي.(28:156)

القرطبيّ: أي جعلنا ذلك تبصرة،لندلّ به على كمال قدرتنا.(17:6)

أبو حيّان: قرأ الجمهور (تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى) بالنّصب، و هما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما،أي بصّر و ذكّر، و قيل:مفعول من أجله.

و قرأ زيد بن عليّ (تبصرة) بالرّفع،و (ذكرى) معطوف عليه،أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة،و المعنى يتبصّر بذلك،و يتذكّر كلّ عبد منيب.(8:121)

ابن كثير :أي و مشاهدة خلق السّماوات و الأرض و ما جعل اللّه فيهما من الآيات العظيمة تبصرة و دلالة.(6:397)

الشّربينيّ: أي جعلنا هذه الأشياء كلّها لأجل أن تنظروا بأبصاركم و تتفكّروا ببصائركم،فتعبروا منها إلى صانعها فتعلموا ما له من العظمة.(4:80)

أبو السّعود: علّتان للأفعال المذكورة معنى و إن انتصبتا بالفعل الأخير أو لفعل مقدّر بطريق الاستئناف، أي فعلنا ما فعلنا تبصيرا و تذكيرا.(6:123)

ص: 726

نحوه القاسميّ(15:5486)،و البروسويّ(9:

107).

المراغيّ: أي فعلنا ذلك لتبصرة العبد المنيب، و ادّكاره،فإن رفعنا السّماء أو زيّنّاها بالكواكب فلاستبصاره.و إن بسطنا الأرض أو أرسيناها بالجبال أو أنبتنا النّبات زينة للأرض فلاعتباره..(26:155)

الطّباطبائيّ: مفعول له،أي فعلنا ما فعلنا من بناء السّماء و مدّ الأرض،و عجائب التّدبير الّتي أجريناها فيهما،ليكون تبصرة يتبصّر بها،و ذكرى يتذكّر بها كلّ عبد راجع إلى اللّه سبحانه.(18:341)

المصطفويّ: من بصّره الأمر،أي فهّمه و أوضحه،يتعدّى إلى المفعول الثّاني بنفسه و بالباء.

(1:267)

مستبصرين

...وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ. العنكبوت:38

ابن عبّاس: (مستبصرين)في دينهم.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 20:150)

لهم بصيرة في كفرهم و إعجاب به و إصرار عليه، فذمّهم بذلك.

مثله مجاهد و الضّحّاك.(ابن عطيّة 4:317)

مجاهد :في الضّلالة.(الطّبريّ 20:150)

قتادة: في ضلالتهم معجبين بها.

(الطّبريّ 20:150)

معناه أنّهم كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضّلالة،يحسبون أنّهم على هدى.

مثله الكلبيّ.(الطّبرسيّ 4:283)

نحوه مقاتل(البغويّ 3:557)،و الخازن(5:160).

الفرّاء: في دينهم يقول:ذوو بصائر.(2:317)

الطّبريّ: يقول: وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ في ضلالتهم معجبين بها،يحسبون أنّهم على هدى و صواب،و هم على الضّلال.(20:150)

الطّوسيّ: أي و كانوا عقلاء،يمكنهم تمييز الحقّ من الباطل بإبصارهم له و فكرهم فيه.(8:208)

مثله الطّبرسيّ(4:283)،و نحوه الكاشانيّ(4:

117)،و شبّر(5:62).

الميبديّ: ذوي بصائر،يمكنهم تمييز الحقّ من الباطل.

و قيل: وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ يعني ثمود، و استبصارهم:حذقهم في جوف الصّخر بالوادي بيوتا.

و قال في موضع آخر:(فارهين)الشّعراء:149.

(7:392)

الرّاغب: أي طالبين للبصيرة.و يصحّ أن يستعار الاستبصار للإبصار نحو استعارة الاستجابة للإجابة.

(49)

الزّمخشريّ: عقلاء متمكّنين من النّظر و الافتكار،و لكنّهم لم يفعلوا.أو كانوا متبيّنين أنّ العذاب نازل بهم،لأنّ اللّه تعالى قد بيّن لهم على ألسنة الرّسل عليهم السّلام،و لكنّهم لجّوا حتّى هلكوا.(3:206)

نحوه أبو السّعود(5:152)،و القاسميّ(13:

4749)،و البيضاويّ(2:210)،و الآلوسيّ(20:

ص: 727

158).

ابن عطيّة: قيل:لهم بصيرة في أنّ الرّسالة و الآيات حقّ،لكنّهم كانوا مع ذلك يكفرون عنادا، و يردّهم الضّلالة إلى مجاهله و متالفه،فيجري هذا مجرى قوله تعالى في غيرهم: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14.(4:317)

نحوه أبو حيّان.(7:152)

الفخر الرّازيّ: يعني بواسطة الرّسل،يعني فلم يكن لهم في ذلك عذر،فإنّ الرّسل أوضحوا السّبل.(25:66)

القرطبيّ: فيه قولان:

أحدهما: وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ في الضّلالة،قاله مجاهد.

و الثّاني: وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ قد عرفوا الحقّ من الباطل بظهور البراهين.و هذا القول أشبه،لأنّه إنّما يقال:فلان مستبصر،إذا عرف الشّيء على الحقيقة.

و قيل:أتوا ما أتوا،و قد تبيّن لهم أنّ عاقبتهم العذاب.(13:344)

الفيروزآباديّ:أي طالبين للبصيرة.

(بصائر ذوي التّمييز 2:223)

البروسويّ: يقال:استبصر في أمره،إذا كان ذا بصيرة،أي و الحال أنّهم-أي عادا و ثمود-قد كانوا ذوي بصيرة عقلاء،متمكّنين من النّظر و الاستدلال، و لكنّهم لم يفعلوا ذلك لمتابعتهم الشّيطان،فلم ينتفعوا بعقولهم في تمييز الحقّ من الباطل،فكانوا كالحيوان.

(6:468)

الطّباطبائيّ: قال بعضهم:إنّ المراد بكونهم (مستبصرين)أنّهم كانوا قبل ذلك على الفطرة السّاذجة.لكن الظّاهر-كما تقدّم-في تفسير قوله:

كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ البقرة:

213،أنّ عهد الفطرة السّاذجة كان قبل بعثة نوح عليه السّلام، و عاد و ثمود كانوا بعد نوح،فكونهم(مستبصرين)قبل انصدادهم عن السّبيل،هو كونهم يعيشون على عبادة اللّه و دين التّوحيد،و هو دين الفطرة.(16:126)

الوجوه و النّظائر

1-البصير

مقاتل: تفسير«البصر»على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:البصير بالقلب،فذلك قوله تعالى:

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ يونس:43،يعني الهدى بالقلب.و قال:

وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ فاطر:19،يعني بصير القلب بالإيمان و هو المؤمن.و قال: وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ الأعراف:198،يعني بالقلوب.

و الوجه الثّاني:البصير بالعينين،فذلك قوله:

فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً الدّهر:2،يعني بصيرا بالعينين.و قال في يوسف ليعقوب: فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف:96،يعني بصيرا بالعينين.و قال: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22،يعني بصيرا بالعينين.

و الوجه الثّالث:البصير بالحجّة،فذلك قوله: وَ قَدْ

ص: 728

كُنْتُ بَصِيراً طه:125،يعني بالحجّة في الدّنيا.

(226)

مثله هارون الأعور(232)،و نحوه الدّامغانيّ (156).

2-البصر

الفيروزآباديّ: ورد«البصر»في القرآن على وجوه:

بصر النّظر و الحجّة: فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً الملك:3،4.

و بصر الأدب و الحرمة: ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى النّجم:17.

و بصر للتّعجيل و السّرعة: وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر:50.

و بصر الحيرة و الحسرة: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ القيمة:7.

و بصر للعمى في الكافر و الجهالة: وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:23.

و بصر السّؤال عن المعصية و الطّاعة: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ الإسراء:36.

و بصر في عدم الفائدة و المنفعة فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ الأحقاف:26.

و بصر للغيّ و الغفلة أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ النّحل:108.

و بصر للغطاء و اللّعنة: فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ محمّد:23.

و بصر لإبعاد المنكرين عن اللّقاء و الرّؤية:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ الأنعام:103.

و بصر للختم و الخسارة خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ البقرة:7.

و بصر للنّظر و العبرة: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ الحشر:2.(بصائر ذوي التّمييز 2:224)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البصر،أي العين،يقال:

بصر به بصرا و بصارة و بصارة،إذا نظر إليه،و أبصر الشّيء:رآه،و تبصّر به و تبصّره:رمقه و تأمّله، و باصره:رآه،أو نظر إليه من بعيد،و نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه.و تباصر القوم:أبصر بعضهم بعضا.و بصّر الجرو تبصيرا:فتح عينيه،و من ذلك يطلق البصر على حاسّة الرّؤية و على الرّؤية،و قوّة البصر، و النّور الّذي تدرك به الجارحة المبصرات،و منه:

الباصرة،أي العين.

و يقال أيضا:أراه لمحا باصرا،أي نظرا بتحديق شديد،و لقيت من فلان لمحا باصرا،أي أمرا واضحا.

و لقيه بصرا،أي حين تباصرت الأعيان و رأى بعضها بعضا،و قيل:هو في أوّل الظّلام إذا بقي من الضّوء قدر ما تتباين به الأشباح.

2-ثمّ عمّم استعمال هذه المادّة من استبانة ماهيّة الأشياء بالبصر إلى سبر كنه الأمور بالقلب و الذّهن، يقال:بصر يبصر بصارة:علم فهو بصير،و أبصر

ص: 729

الرّجل:خرج من الكفر إلى بصيرة الإيمان،و استبصر في أمره و دينه:كان ذا بصيرة.

و يقال أيضا:أ ما لك بصيرة في هذا؟أي عبرة تعتبر بها.و أعمى اللّه بصائره،أي فطنه،و إنّه لذو بصر و بصيرة في العبادة،و إنّه لبصير بالأشياء:عالم بها.

و رأى فلان لمحا باصرا،أي أمرا مفروغا منه.

3-و منه أيضا:البصيرة،و هي شقّة من قطن و غيره،تعلّق على باب الرّحل،أو تجعل ما بين شقّتي البيت،أو تكون على الخباء،لأنّها أوّل ما يبصر من البيت أو متاعه،و جمعها:بصائر.

و البصيرة:قدر الدّرهم من الدّم لوضوحها،و دم البكر،إذ به تعلم المرأة أ ثيّب هي أم عذراء؟و شيء من الدّم على الأرض يستدلّ به على الرّميّة.و هي الدّية، و الدّرع،أو حلقة من حلقاته،أو الدّرع اللاّمع خاصّة، لأنّه أوّل ما يبصر من سلاح المحارب.و الرّأس كذلك، و هو أوّل ما يبصر من الجنين حين الولادة،و من الإنسان حين المواجهة.

و البصيرة أيضا:عقيدة القلب،و العبرة،و الفطنة، و يبدو أنّها جميعا متفرّعة من المعنى الثّاني الموسّع، و بعضها من المعنى الأوّل.

و كذا الحجّة الواضحة و الآية المبصرة،و المعرفة الّتي يميّز بها بين الحقّ و الباطل،و الثّبات في الرّأي و الدّين، و منشأ العلم و المعرفة.و منه:المبصر،أي القيّم بأمر البستان،و الصّفّ في المدرسة.

4-أمّا البصر،أي غلظ الشّيء و جانبه،و البصرة، أي الأرض ذات الحجارة اللّيّنة فيها بياض،و البرّاقة، و البصرة:الأرض ذات الحجارة الّتي تقطع حوافر الدّوابّ،فهي ليست من هذه المادّة.

فالبصر مقلوب عن«الصّبر»،و البصرة و البصرة مقلوبان عن«الصّبرة»و«الصّبرة»بالفتح و الكسر.

و هكذا يلحق بمادّة(ص ب ر)ضمّ حاشيتي أديمين و خياطتهما،و حمرة الأرض و الكمأة،و كلّ ما يفيد الغلظة و الثّقل.و لو جعلنا الغلظ من(ب ص ر)لا من(ص ب ر)-كما عليه اللّغويّون-فله وجه ظاهر،لأنّها جميعا فيها معنى الرّؤية أو العلم،فالأرض البيضاء و البرّاقة ترى من بعيد،و كذا الشّيء الغليظ،فلاحظ.

5-و بصرى:موضع في سوريا من محافظة حوران، و بصرى أيضا:موضع في العراق من قرى بغداد،قرب «عكبراء»كما قال ياقوت.

و هذا اللّفظ سريانيّ،أدخل في العربيّة بلفظه، لمجاراته وزن(فعلى)،مثل:كبرى و صغرى و حبلى.

و النّسب إليه«بصريّ»بحذف الألف المقصورة،أو «بصرويّ»،بقلبها واوا،و كلاهما مقيس في العربيّة.

الاستعمال القرآنيّ

تدور المادّة في القرآن على خمسة محاور:1-بصر مجرّدا 2-أبصر مزيدا 3-بصير 4-بصيرة و بصائر و تبصرة 5-البصر جمعا و مفردا:

1-بصر مجرّدا:آيتان:

1- وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ القصص:11

2- قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً

ص: 730

مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ طه:96

يلاحظ أوّلا:أنّ«بصر به»-بضمّ العين و قد يأتي بالفتح و الكسر-في اللّغة بمعنى أبصر،من دون قيد زائد،و قد جاء في التّفاسير:«جعلت أخت موسى تنظر إليه من بعيد كأنّها لا تريده»،«تمشي جانبا و تنظر اختلاسا،ترى أنّها لا تنظره»،إعجاز من إعجاز النّظم القرآنيّ الّذي تشخّص فيه الكلمة ألطف المعاني و أرقّها...

ففي كلمة(بصرت)نرى أنّ قلب تلك الأخت كان أمام عينيها،فلم تبحث عن أخيها بعينيها،و لم تسمع أخباره بأذنيها،و إنّما كانت كيانا من الحذر و الحيطة؛ بحيث تقرأ الحركات و الإشارات،و تتأمّل الرّموز و الألغاز.

فالبصر هنا بصر علم أقرب ما يكون إلى الإلهام، كقوله: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ.

فنرى أنّ«بصر»في الأوّلين فسّر بالنّظر بالبصر اختلاسا،و في الثّالث بمعنى العلم،و أدّعي أنّ فيهما إعجازا بليغا.و نحن مع الاعتراف بهذا اللّطف في المعنيين نقول:إنّ ذلك لا يعدّ معنى للفظ«بصر به»بل هما مستفادان من الجملة،و لا سيّما من قوله: عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

ثانيا:نبّه الطّبرسيّ-و كذا الآلوسيّ-على الإيجاز الدّالّ على الإعجاز باللّفظ القليل المعنى على المعنى الكثير في الآية،و بيانه: وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ، فتبعته أخته،و رأت آل فرعون قد انتشلوا التّابوت من الماء، و أخرجوا موسى منه، فَبَصُرَتْ بِهِ.

و نحن نضيف إلى ذلك:أنّ حذف هذه الجمل لوضوحها يحمل لطيفة أخرى،و هي دلالتها على عجلتها في الاطّلاع على مصير أخيها؛حيث انعكست في حذف هذه المقدّمات عند حكاية القصّة.

ثالثا:في قوله: وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ القائل هو أمّ موسى،و المقول له هو أخته القاصّة، و المقصوص هو موسى الطّفل الحبيب الّذي وقع في قبضة فرعون عدوّه اللّدود.و هذه المفاهيم تبعث العاطفة و الإحساس على ما لا يطيقه البيان،سوى نفس الآيات:

وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ* وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ* فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ القصص:10-13.

رابعا:حمل أكثرهم«بصر»في آية(طه)على العلم، مع حملهم آية القصص على رؤية البصر قولا واحدا و هو ظاهر،أي علمت بما لم يعلموا،و قال آخرون:

فطنت بما لم يفطنوا.و لا نرى وجها لذلك،سوى أنّها كانت رؤية خاصّة به كسرّ،و السّرّ يعلم و لا يرى.

إلاّ أنّه يسوغ لنا أن نحمله كما حملوا«بصر»في آية القصص عليه،من رؤية البصر سرّا و خفية و اختلاسا.

و قد جمع بعضهم بين المعنيين،قال:رأت ما لم يروا، و عرفت ما لم يعرفوا.

و قال الطّباطبائيّ:«إبصاره جبرئيل حين نزل راجلا

ص: 731

أو راكبا،رآه و عرفه،و لم يره غيره من بني إسرائيل» فحملها على رؤية العين لجبرائيل،و به قال الطّبرسيّ، و الكلّ محتمل.

2-أبصر و بصّر و استبصر:

أ-أبصر:جاء فعلا ماضيا مرّتين،و مضارعا(24) مرّة،و أمرا(4)مرّات،و اسما فاعلا(7)مرّات،بثلاثة معان:إبصار عين،و إبصار قلب-أو المردّد بينهما- و الأمر الجليّ:

الإبصار بالعين:1- وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ الواقعة:85

2- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَ ما لا تُبْصِرُونَ

الحاقّة:38،39

3- لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً مريم:42

4- أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها الأعراف:195

5- لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها الأعراف:179

6- وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ

الأعراف:198

7- ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ هود:20

8- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ السّجدة:27

9- وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنّى يُبْصِرُونَ يس:66

10- هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ الأنبياء:3

11- وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ النّمل:54

12- وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ الزّخرف:51

13- يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا* هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ* أَ فَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ الطّور:13،15

14- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ الصّافّات:174،175

الإبصار بالقلب:15- وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ* وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ الصّافّات:178،179

16- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ

الأنعام:104

17- وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ السّجدة:12

18- فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ* بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ

القلم:5

19- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ القصص:72

20- وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَ فِي أَنْفُسِكُمْ

ص: 732

أَ فَلا تُبْصِرُونَ الذّاريات:21،20

21- ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ البقرة:17

22- أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ

يونس:43

23- وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يس:9

24- قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26

25- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ* أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مريم:37،38

26- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ الأعراف:201

المبصر:الجليّ الواضح:27- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً يونس:67

28- أَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً النّمل:86

29- اَللّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً المؤمن:61

30- وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12

31- فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ النّمل:13

32- وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً الإسراء:59

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه القائمة من الآيات قسّمناها إلى رؤية البصر و رؤية القلب،حسب ما يظهر من نفس الآيات،و ما فيها من القرائن.و لكنّ المفسّرين لم يلتزموا بذلك،فلفّقوا بينهما،لاحظ النّصوص.و الضّابط عندنا أنّ ما يرتبط بالمعرفة و الهداية و الضّلالة و الحقّ و الباطل و ما إلى ذلك،فهو محمول على رؤية القلب،و ما سواها على رؤية البصر.

على أنّ في شيء من القسم الأوّل تصريحا بالعين و اليد و الفؤاد،فالإبصار فيها رؤية عين.كما أنّ ما ظاهره الإبصار بالعين جاز بسطه و توسعته لإبصار القلب أيضا مجازا و استعارة،و هكذا فعل المفسّرون.

ثانيا:أنّ السّمع و البصر توأمان في جملة من الآيات،مثل:(3)و(7)و(17)و(24)و(25).و ربّما يستشفّ منها أنّ المراد بالإبصار فيها رؤية العين،و لكنّه ليس شاهدا دائما،فإنّ السّمع كالبصر أيضا كثيرا ما يستعار لاستماع القول و قبول الحقّ و رفضهما،فلاحظ.

ثالثا:جاء في(24)و(25)فعل التّعجّب من مادّتي (ب ص ر)و(س م ع)،و لهذا الفعل صيغتان:«ما أفعله» و«أفعل به».و اتّفقوا أنّ«أفعل به»فعل أمر،إلاّ أنّهم اختلفوا في(ما أفعله)اختلافا فاحشا،أ هو اسم تفضيل أم فعل ماض من باب الإفعال؟و هذا أحد مواقع الخلاف بين البصريّين و الكوفيّين.

فعند البصريّين أنّ(ما أفعله)جملة اسميّة،ما:اسم مبهم مبتدإ،و(أفعله):فعل ماض خبره،و نحوه:

ما أحسن زيدا!أي أيّ شيء صيّر زيدا حسنا.و فاعله

ص: 733

ضمير مستتر راجع إلى«ما»مع ضمير المفعول.

و خالفهم الكوفيّون و احتجّوا عليهم بعشر حجج، ذكرها الإمام الفخر الرّازيّ(5:32)عند قوله تعالى:

فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ البقرة:175،فلاحظ.

و الكلام هنا في«أفعل به»من(ب ص ر)و(س م ع)، فالمشهور عند البصريّين أنّه فعل ماض على سورة الأمر،و المجرور بالباء الزّائدة هو فاعله،و أصله في:

أحسن بزيد!أحسن زيد،أي صار ذا حسن،ثمّ أرادوا أن يدلّوا به على إنشاء التّعجّب،فحوّلوا الفعل إلى صورة الأمر،ليكون بصورة الإنشاء،ثمّ أرادوا أن يسندوه إلى زيد،فاستقبحوا إسناد صورة الأمر إلى الاسم الظّاهر، فزادوا الباء،ليكون على صورة الفضلة،نحو:«امرر بزيد».كذا في هامش شرح ابن عقيل،تصحيح محمّد محيي الدّين عبد الحميد(2:148).

و أمّا الكلام في الآيتين فقد جمع اللّه فيهما بين السّمع و البصر،كغيرهما من الآيات السّابقة مع تفاوت،و هو تقديم البصر على السّمع في(24)،و تأخيره عنه في (25)،و هذا نصّ الآيتين:

1- قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26

2- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ* أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

مريم:37،38

فما سرّ هذا التّقديم و التّأخير؟

لم نطّلع على كلام من المفسّرين في ذلك،و الّذي يخطر بالبال أنّ الآية الأولى جاءت تلو الاختلاف في شأن أصحاب الكهف«كم لبثوا فى كهفهم»؟فقال تعالى:

قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ. فعدد السّنين هو محطّ البصر و السّمع،إلاّ أنّه إلى البصر أقرب من السّمع؛فقدّم عليه،و المراد بهما العلم الكامل،كما قال: لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.

و أمّا الآية الثّانية فجاءت في اختلاف الأحزاب بينهم في شأن عيسى عليه السّلام،و لم يستمعوا إلى القول الحقّ الّذي فيه يمترون،فأنذرهم اللّه بمشهد يوم عظيم،و هو يوم القيامة،و أعلن أنّهم يومئذ يسمعون و يبصرون كلّ شيء جيّدا،و إن أبوا السّمع و البصر في الدّنيا،فقد قدّم «اسمع بهم»ردّا على إبائهم استماع الحقّ في الدّنيا.و ضمّ إليه(أبهر)لأنّ الجملتين معا تعبير شائع عن المعرفة التّامّة.

رابعا:المبصر اسم فاعل من«أبصر»،و معناه الرّائي عينا أو قلبا،و بهذا المعنى جاء في(26): تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، لكنّه جاء في القسم الأخير بمعنى الأمر الجليّ حسّا وصفا للنّهار في(27)إلى(30)،و وصفا للآيات و للنّاقة بمعنى الجليّ معنى في(31)و(32).

و السّرّ فيه-كما جاء في النّصوص-أنّه مجاز،إمّا بوضع المفعول موضع الفاعل،لأنّ النّهار لا يبصر و لكنّه يبصر فيه،فهو من قبيل عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة:7، أي مرضيّة،أو أنّه إسناد مجازيّ،فأسند الإبصار إلى النّهار بدل الإنسان،و هو شائع في كلام العرب،كقولهم:

ص: 734

نهاره صائم و ليله قائم.أو بوضع السّبب موضع المسبّب مبالغة،كقولهم:ليل أعمى.أو أنّ مبصرا جاء بمعنى ذي إبصار،كقولهم:أضاء النّهار و أظلم اللّيل،أي صارا ذا ضياء و ظلمة،و مآل الكلّ إلى أمر واحد،و هو المجاز في الإسناد.

و أحسن ما قيل فيه قول الشّريف الرّضيّ،حيث قال:و هذه استعارة عجيبة و ذلك أنّه سبحانه إنّما سمّى النّهار مبصرا لأنّ النّاس يبصرون فيه،فكان ذلك صفة الشّيء بما هو سبب له على طريق المبالغة،كما قالوا:ليل أعمى و ليلة عمياء،إذا لم يبصر النّاس فيها شيئا لشدّة ظلامها و سقوط أكثافها.

و هناك وجه آخر،و هو أنّ«مبصرا»جاء بمعنى مبصّرا،أي جعله يبصر،و النّهار يجعل الإنسان يبصر الأشياء،و مثله النّاقة-و هي معجزة-في الآيتين(29) و(30)،لأنّها تجعل النّاس يبصرون،أي يعلمون الحقّ.

و كيف كان،فالمراد بالإبصار في الأخيرتين(31) و(32)رؤية القلب،لوضوح الحقّ و البرهان،و في الباقي رؤية البصر.

ب-بصّر:آية واحدة: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً* يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ المعارج:10،11

يلاحظ أوّلا:أنّ(يبصّرونهم)بالبناء للمفعول، و مصدره التّبصير،و هو الإراءة و التّعريف و الإيضاح، و جعل الشّيء بحيث يبصره الغير.و هو متعدّ إلى مفعولين،و المفعول الأوّل هنا«الواو و النّون»،قام مقام الفاعل،و المفعول الثّاني الضّمير«هم».

ثانيا:قد اختلفوا في تعيين الفاعل و المفعولين،أمّا الفاعل فقيل:هو اللّه أو الملائكة،أي اللّه أو الملائكة يعرّفونهم لهم.و الصّواب أنّ الفاعل في مثل هذا السّياق ليس ملحوظا.أمّا المفعولان فقيل:يرجع إلى حَمِيمٌ حَمِيماً، أي أنّ كلّ حميم يرى و يعرف حميمه،و هو الأقرب من الصّواب و المتبادر إلى الذّهن.و جاء الضّميران بلفظ الجمع،لأنّ المراد بالحميمين الجمع دون الآحاد.

و معنى الآية على هذا أنّ كلّ حميم لا يسأل و لا يحدّث حميمه،إلاّ أنّه ليس من أجل أنّهم لا يتعارفون و لا يعرف بعضهم بعضا،أو لا يبصرونهم، كلاّ،بل يبصر و يعرف بعضهم بعضا،إلاّ أنّ بعضهم يفرّ من بعض،كما قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ عبس 34-37.و اختار هذا الوجه الطّوسيّ و أكابر المفسّرين بعده إلى الطّباطبائيّ.

و قيل:يعرف المؤمنون الكفّار،أو الأقرباء بعضهم بعضا،أو أتباع الضّلالة رؤساءهم و نحوهما،و هذه الأقوال بعيدة عن السّياق و لا شاهد عليها.

ثالثا:اختلفوا في موضع(يبصّرونهم)،فالأكثر على أنّه كلام مستأنف متعلّق بما قبله،جواب سؤال مقدّر نشأ من قوله: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، كأنّه قيل:لما ذا يتساءلون؟هل هم لا يرونهم و لا يعرفونهم؟بلى، يبصرونهم و يعرفونهم،إلاّ أنّهم يفرّون منهم.

و قيل:إنّه متعلّق بما بعده،أي أنّ المجرمين يبصرون المؤمنين حال أنّ أحدهم يودّ أن يفدي نفسه بكلّ

ص: 735

ما يملكه،و الأوّل هو الأقرب إلى الصّواب.

ج-استبصر:آية واحدة:

وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ العنكبوت:38.

يلاحظ أوّلا:أنّ الاستبصار في أصل اللّغة فيه معنى الطّلب دون الإبصار،فاستبصر،أي طلب البصيرة،أو اتّضح له الأمر حتّى صار ذا بصيرة.و هذا هو الفارق بين البصير و المستبصر،و الأوّل يطلق على اللّه دون الثّاني.

و عند الخليل استبصر في أمر دينه،إذا كان ذا بصيرة،فالمستبصر:طالب البصيرة،كالمستفهم و المستخبر.أو هو ذو البصيرة،قال الرّاغب:يصحّ أن يستعار الاستبصار للإبصار،نحو استعارة الاستجابة للإجابة،لاحظ النّصوص اللّغويّة.

و قد تجلّى المعنيان في تفسير الآية،فالمفسّرون بين من فسّره بالطّالبين للبصيرة،و ذوي البصيرة.

ثانيا:هناك خلاف آخر بينهم في أنّ المراد بالآية:أنّ هؤلاء الكفّار كانوا مستبصرين في دينهم،معجبين به و مصرّين عليه،أو أنّهم كانوا عقلاء،متمكّنين من تمييز الحقّ عن الباطل،إلاّ أنّهم لم يستثمروا هذه الهبة الإلهيّة، فضلّوا و أضلّوا.و على الثّاني فالآية تقيم الحجّة عليهم:

حيث ضلّوا عن الطّريق مع قيام الحجّة عندهم،فتكون مثل: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14،و مثله كثير في القرآن،و منها اقتبس صاحب المثنويّ قوله:

چشم باز و گوش باز و اين عمى

حيرتم از چشم بندى خدا (1)

و نحن نختار هذا الوجه،فإنّه ألصق بالسّياق و بكرامة القرآن،وفاقا للطّوسيّ-و هو أوّل من فسّر الآية بذلك-و تبعه كبار المفسّرين،و إلاّ فلا وجه للعدول عن البصير إلى المستبصر.و عليه فجملة وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ حاليّة،كفيلة ببيان حالهم حين العدول عن سبيل الحقّ إلى طريق الضّلالة.

ثالثا:حمل الطّباطبائيّ«استبصارهم»على ما كانوا عليه من الفطرة قبل بعثة نوح عليه السّلام،حسب ما فسّر هو كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ البقرة:

213،لاحظ(أ م م).

و نحن لا نوافقه على قوله،لأنّ ظاهر الآية أنّهم كانوا مستبصرين حال ضلالتهم،لا قبل بعثة نوح.

رابعا:و هنا يطرح هذا السّؤال:ما هو الوجه في مجيء الكلمة من بابي الاستفعال و التّفعيل:(مستبصرين) و(يبصّرونهم)مرّة واحدة في القرآن مع كثرتها فيه من بابي المجرّد و الإفعال؟فهل مردّ ذلك إلى قلّة استعمالها لهما عند العرب عامّة و في مكّة خاصّة؟و العنكبوت و المعارج مكّيّتان،أوله سرّ آخر!ربّما يكشف يوما ما.

3-بصير:جاء(42)مرّة وصفا للّه،و(9)مرّات وصفا للنّاس:

أ-وصف اللّه:بصير بما تعملون أو يعملون:

1- وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ البقرة:96ر.

ص: 736


1- بصر سميع بيد هذا العمى تحيرت كيف جعل اللّه الغشاوة على الابصار.

2- إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة:110

3- وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

البقرة:233

4- وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة:237

5- وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة:265

6- وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ آل عمران:156

7- هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ

آل عمران:163

8- وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ المائدة:71

9- فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

الأنفال:39

10- وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الأنفال:72

11- وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

هود:112

12- وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

سبأ:11

13- اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

فصّلت:40

14- إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ الحجرات:18

15- وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الحديد:4

16- يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

الممتحنة:3

17- فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ التّغابن:2

18،19- وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً

الأحزاب:9 و الفتح:24

بعباده بصير:

20- وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ

آل عمران:15

21- وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ آل عمران:20

22- إِنَّ اللّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ فاطر:31

23- وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ

المؤمن:44

24- وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ الشّورى:27

25- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً

الإسراء:30

26- قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً الإسراء:96

27- فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً

فاطر:45

بصير بذنوب عباده:

28- وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً

الإسراء:17

بكلّ شيء بصير:

29- ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ

الملك:19

بنا بصيرا:

ص: 737

30- إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً طه:35

به بصيرا:

31- بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً الانشقاق:15

32- وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً الفرقان:20

سميع بصير:

33- إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الإسراء:1

34- وَ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الحجّ:61

35- إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الحجّ:75

36- ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ لقمان:28

37- إِنَّ اللّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ المؤمن:20

38- فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

المؤمن:56

39- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

الشّورى:11

40- وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

المجادلة:1

41- إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً النّساء:58

42- وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً النّساء:134

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات تعمّ المكّيّات و المدنيّات على السّواء،فاللّه وصف بالبصير في النّوعين.

ثانيا:أنّها جميعا وقعت في آخر الآيات كرويّ لها لفظا،و عمادا لما قبلها،ممّا نسب إلى اللّه معنى،فهو ضمان دائما لمراقبة اللّه عباده فيما يعملون،و كفى حجّة على العباد أنّ اللّه بصير بهم قلبا و قالبا،و نيّة و عملا.

ثالثا:قد يقدّم(بصير)على معموله،مثل:«ان الله بصير بما يعملون،»و قد يؤخّر عنه،مثل:«و كان الله بما يعملون بصيرا»و يخطر بالبال أنّ ذلك مجاراة لرويّ الآيات في كلّ سورة بحسبها،و ليس إفادة للحصر إذا أخّر عن معموله،فلاحظ مواضعها في السّور حتّى تطمئنّ بذلك.و الّذين يضمّنونه إفادة الحصر ينظرون إلى الآية بمفردها دون النّظر إلى ما تقدّمها و تأخّرها.

رابعا:جاء-غالبا-في جملة اسميّة،مثل: إِنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، و جاء(11)مرّة في جملة فعليّة، مثل: وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً، و هي الآيات (18)و(19)و(25)و(26)و(27)و(28)و(30) و(31)و(32)و(41)و(42).و الفعل في الجميع(كان)، إلاّ في(28)،فجاء«كفى)مكان«كان)،و هي الآية الوحيدة الّتي تحصر«البصير»بذنوب العباد وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. و ليس يخفى على البصير جمال التّماسك و التّناسق في(كفى بذنوب عباده)،أي أنّ اللّه يكفي بمحاسبة ذنوب العباد و بمجازاتهم،و لا حاكم أعدل و لا شاهد أعرف منه بحال العباد.

و لا نلمس تفاوتا بين النّوعين،أي الاسميّة و الفعليّة، سوى أنّ الاسميّة تدلّ بهيئتها على الثّبات و كونها وصفا ذاتيّا للّه،و الجملة الفعليّة و إن دلّت بطبيعتها على الزّمان، إلاّ أنّ جملة(كان اللّه)محمولة في القرآن على الاستمرار دائما،و لا يلحظ فيها الزّمان،و فيها إعلام بقدم الأمر الّذي لا تدلّ عليه الجملة الاسميّة،لاحظ«ك و ن».

خامسا:جاء متعلّقا بما يعملون(19)مرّة(1-19)، و بالعباد(8)مرّات(20-27)-و هو أشمل،لإحاطته

ص: 738

بالأعمال و النّيّات و بكلّ ما يتعلّق بعباده-و مرّة بذنوب عباده(28)،و قد تحدّثنا عنه،و مرّة بكلّ شيء(29)- و هو أعمّ و أشمل ممّا قبله-و مرّتين بالشّخص(بنا)(30) و(به)(31)،و مرّة دون ذكر المتعلّق وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً (32)،و لعلّه أعمّ من الجميع؛إذ يدلّ على أنّ اللّه محيط و عالم ذاتا.و حذف المتعلّق هنا أبلغ و أبين من ذكره للتّفخيم.

سادسا:جاء منفردا غالبا،و(10)مرّات«سميعا بصيرا»(33-42)،و(5)مرّات-أي نصفه-«خبيرا بصيرا»،و هي الآيات(22)و(24)و(25)و(26) و(28)،و كلّها تتعلّق بعباده،سوى(28)،فبذنوب عباده.و اثنتان منها-و هما(25)و(26)-مع(كان)، و واحدة-و هي(28)-مع«كفى»،و عند التّأمّل فيها يستشفّ منها نكات.و كيف كان،فوصف«الخبير» مشعر بأنّ المراد ب«السّميع»و«البصير»هو العلم بالمسموعات و المبصرات،كما اختاره المعتزلة و الإماميّة و من نحا نحوهم.

سابعا:جاء في جميع هذه الخمس عشرة كلّ من «خبير»و«سميع»مقدّما على«بصير»،و التّوضيح منوط بمادّتي«س م ع»و«خ ب ر»إن شاء اللّه.

ثامنا:هناك خلاف حادّ عند المتكلّمين و المفسّرين في إسناد الوصفين:السّمع و البصر إلى اللّه،فأهل الحديث و السّلفيّون يثبتونهما بنحو من الأنحاء للّه، و المعتزلة و الإماميّة و الزّيديّة و غيرهم ممّن يعتمدون و يركّزون في الاعتقادات على العقل،و يجعلونه أصلا، و يؤوّلون نصوص الكتاب و السّنّة بما يوافقه،يفسّرونهما بالعالم بالمسموعات و المبصرات أو بنحو ذلك.و نحن هنا لا ندخل في التّفصيل اتّكالا على النّصوص،فلاحظ حتّى تلمس حجم تلك البحوث.

ب-وصف النّاس بالبصير:

1- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ الأنعام:50

2- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَ السَّمِيعِ هود:24

3- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ

الرّعد:16

4- وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ* وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ فاطر:19،20

5- وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ لاَ الْمُسِيءُ... المؤمن:58

6- قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً

طه:125

7- إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً الدّهر:2

8- اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً يوسف:93

9- فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً يوسف:96

يلاحظ أوّلا:البون البعيد بين عدد وصف اللّه ب«البصير»و عدد وصف النّاس به؛إذ النّسبة بينهما الخمس تقريبا،أي9/42،و معلوم أنّ الشّقّة بين الخالق و المخلوق أبعد من ذلك،مع التّفاوت اللاّمحدود بين كيفيّة

ص: 739

الوصفين،فالإنسان بصير يرى الأشياء من زاوية ضيّقة،و هي عينه،و اللّه محيط بما وراء العالم و الجنّ و الإنس،و مطّلع على كلّ صغيرة و كبيرة في الأعيان و في الأذهان.

ثانيا:قورن الأعمى و البصير في ستّ منها،و هي (1)إلى(6)،و هما مع الأصمّ و السّميع في(2)،و مع السّميع في(7)،و مع الظّلمات و النّور في(4)،و مع الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات و المسيء في(5)،و كلّ ذلك تركيزا في البون الشّاسع بينهما كالنّور و الظّلمات و المؤمن و الكافر،و إشارة إلى أنّ المراد بهما ما يعمّ العمى و البصر ظاهرا،و الهداية و الضّلالة باطنا،و تعريفا للأشياء بأضدادها،و هو أبلغ في الوصف.

ثالثا:تختصّ الآيات(6)إلى(9)بالبصر المحسوس، مع اشتمال(8)و(9)على معجزة سيّدنا يوسف عليه السّلام.

4-بصيرة و بصائر و تبصرة:

أ-بصيرة:آيتان:

1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

يوسف:108

2- بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ القيمة:14،15

يلاحظ أوّلا:أنّ«بصيرة»تأتي اسما و صفة، و لا تأتي مصدرا،لأنّ المصدر لم يأت على«فعيلة»،و إنّما جاء على«فعيل»،مثل:رحل رحيلا،و صهل صهيلا.

أمّا الاسم فجاء بمعان محسوسة:كالدّرع و الحلقة منه،و مقدار الدّرهم من الدّم المدوّر على الأرض، و الثّوب الّذي يشبه التّرس،و الدّية تحفظ النّفس بها، و الشّقّ الّذي على الخباء،و ما بين شقّتي البيت،و غيرها ممّا جاء في النّصوص،و جامعها-كما يخطر بالبال-كلّ ما اتّخذ جنّة و سترا.

و جاء بمعان معقولة،مثل:ما اعتقد في القلب من الدّين،و الفراسة الصّادقة،و العبرة،و الثّبات في الدّين، و الحجّة الواضحة،و علم اليقين،و المعرفة الحقّة، و الدّلالة الّتي توجب العلم.و كلّها راجعة إلى معنى واحد،و هو نور في القلب يميّز الحقّ عن الباطل،مثل نور البصر في العين،ترى به الأجسام،و قد أطلقت عليه «البصيرة»لأنّه سبب الإدراك و آلته،كما يطلق البصر على الجارحة،لأنّه آلة الرّؤية.

و البصيرة-على هذا-:اسم آلة كالمبصر و المبصرة بالفتح،و جمع البصيرة:بصائر،كصحيفة و صحائف و ظريفة و ظرائف،و جمع البصر:أبصار.فالفرق بين البصر و البصيرة هو الفرق بين العين و القلب.

قال الزّمخشريّ:«من المجاز البصيرة:البيان و الحجّة الواضحة و العبرة و الشّاهد».و جعلها مجازا،لأنّها في الأصل اسم لما تدرك به هذه الأمور.و قال غيره:

«استعير لفظ«البصيرة»من القوّة المودعة في القلب لإدراك المعقولات لكونها سبب الإدراك».

و أمّا الصّفة فهي مؤنّث«بصير»،و سنتناولها بالبحث.

ثانيا:جاءت البصيرة في الآية الأولى بهذا المعنى دون غيره،و إن اختلفت ألفاظ المفسّرين في تفسيرها، أي إنّي أدعو إلى اللّه على بصيرة،أي على يقين و معرفة،

ص: 740

و حجّة ناطقة،و بيّنة واضحة...

ثالثا:أمّا الآية الثّانية فقد اختلفت كلمات المفسّرين فيها حول لفظ(بصيرة)و معناها،فمنهم من جعلها اسما بنفس معناها في الآية الأولى،و هو المعرفة الحقّة،و جعل حملها على الإنسان من قبيل:زيد عدل،مبالغة.و منهم من جعل الإسناد مجازيّا،أي الإنسان ذو بصيرة على نفسه.و كثير منهم جعلها وصفا،أي إنّ الإنسان شاهد على نفسه،أو بصير بحاله،و بعيوب نفسه إذا رجع إليها.

فالآية سياقها سياق قوله تعالى: اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14.

و هؤلاء وجّهوا تاء«البصيرة»تارة بأنّها للمبالغة كالعلاّمة و النّسّابة،و هذا مبنيّ على مجيء«فعيلة»صفة مبالغة،و هو غير ثابت.و أخرى بأنّها نعت لاسم مؤنّث محذوف،و التّقدير:بل الإنسان على نفسه عين بصيرة.

و ثالثة بأنّها وصف لجوارحه،فوضع الإنسان مكان جوارحه.

و على هذا فالآية سياقها سياق قوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ النّور:24.و كلاهما بعيد عن السّياق جدّا، و لا يساوقهما قوله: وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ.

و لنا رأي جديد نعرضه لمن يتأمّله،و هو أنّ التّاء هنا ليست للتّأنيث حتّى نلجأ إلى توجيهها بما ذكر،بل هي زائدة،جاءت رعاية للفواصل بعدها،فكلّها بالهاء إلى الآية(25)،و ليس هذا غريبا في القرآن،فقد سبق في «إلياس»أن قلنا في سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّات:130،إنّه إلياس،جاء«إلياسين» رعاية للرّويّ،كما جاء وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ القارعة:

10،بزيادة الهاء للرّويّ أيضا.

و الصّواب كونها وصفا خبرا للإنسان،أريد بها أنّ الإنسان بصير بنفسه و بعيوبها و ميولها،فهو القاضي في حقّ نفسه بنفسه.و لكن يشترط أن لا يتشبّث بالمعاذير تحريفا للحقيقة.

و لهم في تركيب الآية آراء غير مقبولة،فلاحظ.

ب-البصائر:(5)مرّات:

1- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ* وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

الأنعام:104،105

2- قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

الأعراف:203

3- هذا بَصائِرُ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ الجاثية:20

4- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً* قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً الإسراء:101،102

5- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص:43

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات كآيتي البصيرة كلّها

ص: 741

مكّيّة،و يخطر بالبال أنّ القرآن في مكّة كان يركّز أسلوبه في إيقاظ الضّمائر و بعث البصائر،و يعتمد على ما أودعه اللّه تعالى في النّفوس من الفطرة السّليمة الصّادقة،و في القلوب من البصيرة الواعية،و هذا هو المناسب لبدء البعثة.

ثانيا:جاءت الثّلاثة الأولى منها بشأن نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و القرآن،و الأخيرتان بشأن موسى عليه السّلام و ما آتاه اللّه من الآيات التّسع و من التّوراة،فقد فضّل النّبيّ و آياته على موسى و آياته بواحدة في البصائر،و أمّا البصيرة فخاصّة بالنّبيّ،و النّسبة بينهما في هذه الموهبة الكبرى كنسبة2/5.

ثالثا:قيّدت«البصائر»في(1)و(2)ب(من ربّكم) -مع سبقها في(2)ب«من ربّى»-و في(4)ب رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، و أطلقت في(3)و(5)فرجّح جانب النّبيّ أيضا على جانب موسى بواحدة،مع البون الشّاسع بين«ربّكم»و«ربّى»و بين«ربّ السّماوات و الارض»،ففضل النّبيّ و النّاس على السّماوات و الأرض واضح،لأنّ النّاس ذوو عقول و النّبيّ عقل كلّه،و هذا هو الفارق بين أمّة محمّد و أمّة موسى عليهما السّلام.

رابعا:جاءت«البصائر»في الجميع نكرة،تنبيها على كبرها،و أنّها لا تقدّر بقدر،مع تفاوت بينها.فما جاء بشأن النّبيّ و القرآن فكلّه مرفوع ركنا في الكلام،إمّا فاعلا للفعل(1)،أو خبرا للمبتدإ(2)و(3).

و ما جاء في شأن موسى(4)و(5)منصوب،إمّا حالا أو مفعولا لأجله،قيدا دون ركن،و في ذلك تفضيل جانب النّبيّ على جانب موسى أيضا.

خامسا:أنّ من جاءته البصائر هو أمّة محمّد مرّتين في(1)و(2)،و بنو إسرائيل مرّة واحدة في(4)،و النّاس مرّتين في(3)و(5)،و فيهما أيضا تفضيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

سادسا:جاء «هُدىً وَ رَحْمَةً» عطفا على«بصائر» مرّتين في شأن النّبيّ:(2)و(3)،و مرّة في شأن موسى:

(5)،و فيه تفضيل للنّبيّ و اعتراف بتوراة موسى بأنّها مثل القرآن:بصائر و هدى و رحمة للنّاس.و هذا إنصاف من اللّه في كتابه للنّبيّين بإعطاء كلّ منهما ما يستحقّه،مع بيان التّفاضل بينهما بأمور:

1-ذكر «هُدىً وَ رَحْمَةً» للنّبيّ مرّتين و لموسى مرّة.

2-تعلّق ما خصّ منهما بالنّبيّ مرّة ب«قوم يؤمنون:»(2)،و أخرى ب«قوم يوقنون:»(3)، و إطلاقهما في ما يختصّ بموسى:(5)،و جاء بدلهما لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، و البون بين ذلك شائع.

3-قران ما جاء في شأن موسى في(4)بذكر فرعون، العدوّ اللّدود لموسى مرّتين،و بالجدال العنيف بينهما بقول فرعون: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً، و بقول موسى: وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً، مثلا بمثل، و لفظا بلفظ.و كذلك قرانه في(5)بقوله: مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى، و كلّ ذلك ممّا يعكّر الجوّ و يثير الفوضى في القول،و يبعث على اضطراب القلب.

أمّا ما جاء في شأن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فليس فيه تشديد و غلظة من هذا النّوع،سوى قوله في(1)بكلام ليّن و أسلوب هادئ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.

سابعا:حمل البصائر على الكتاب و الآيات مجاز،

ص: 742

إطلاقا للمسبّب على السّبب،فالبصيرة نور باطنيّ يدرك به الحقّ،و الآيات تبثّ هذا النّور،كما أنّها قد تطلق على نفس الإدراك و البيان و الحجّة مجازا،إطلاقا للسّبب على المسبّب كما سبق.و من أجل ذلك جاء في(1)بعد (بصائر): فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ تفريعا لأثر البصائر، و هو الإبصار على علّتها و هي الآيات،و كذلك عطف عليها هُدىً وَ رَحْمَةً.

و عليه فاسم الإشارة(هذا)في(2)و(3)راجع إلى الكتاب،و حمل(بصائر)عليه مبالغة،مثل:زيد عدل.

ج-تبصرة:آية واحدة:

وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ق:7،8

يلاحظ أوّلا:أنّ«التّبصرة»مصدر من باب التّفعيل كالتّذكية و التّذكرة و التّخطئة،و قد تقدّم أنّ بصّره متعدّ، أي جعله يبصر،و معنى الآية تبصيرا و تذكيرا لكم، و جعلكم تبصرون و تتذكّرون.هذا ما يقتضيه اللّفظ، و جاء في التّفاسير:أنّ بعضهم فسّره بالبصيرة،و هو تفسير باللاّزم لا بما يوافق اللّفظ.

ثانيا:اختلفوا في إعرابه بين مفعول له-و عليه الأكثر و هو الظّاهر-و منصوب بفعل مقدّر،أي بصّرناهم تبصيرا،و حال من المفعول،أي ذات تبصير، و شذّت قراءة زيد بن عليّ «تبصرة و ذكرى» بالرّفع أي هذه تبصرة.

ثالثا:جاءت قبلهما أفعال من بناء السّماء و زينتها، و خلق الأرض و إلقاء الرّواسي فيها،و إنبات النّبات عليها،فالظّاهر رجوعهما إلى الجميع،أي فعلنا كلّ ذلك تبصرة و تذكرة.و احتمل الفخر الرّازيّ أن يكونا علّتين على التّرتيب،فيكون(تبصرة)علّة لخلق السّماء و ما فيها،و«ذكرى»لخلق الأرض و ما عليها،فيكون خلق السّماء تبصرة،و خلق الأرض ذكرى،بحجّة أنّ السّماء زينتها مستمرّة،فهي كالشّيء المرئيّ مبصرة على مرّ الزّمان.

أمّا الأرض فتأخذ زخرفها في كلّ سنة و تتجدّد، فهي تذكرة لما مرّ عليها في الماضي.فالسّماء و الأرض فيهما آيات مستمرّة منصوبة في مقابلة الأبصار،و آيات متجدّدة مذكّرة عند النّسيان.

و هذه نكتة لطيفة،و كم من نظير لها للإمام الرّازيّ، إلاّ أنّها مبنيّة على إرادة التّبصير بالبصر من(تبصرة) دون القلب،و هو بعيد؛إذ التّبصرة و التّذكرة كلاهما راجع إلى القلب دون البصر.

و كأنّ الشّربينيّ تأثّر بالفخر؛حيث فسّر الآية بقوله:«أي جعلنا هذه الأشياء كلّها لأجل أن تنظروا بأبصاركم،و تتفكّروا ببصائركم،فتعبروا منها إلى صانعها،فتعلموا ما له من العظمة».لكنّه عمّمها لكلّ تلك الأفعال،و لم يخصّ التّبصرة بالسّماء.

5-بصر و أبصار:

أ-بصر:(10)مرّات:

1- وَ لِلّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ النّحل:77

2- إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ* وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ

ص: 743

كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ القمر:49،50

3-5- اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:3،4

6- وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً

الإسراء:36

7- أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ الجاثية:23

8- بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ* يَسْئَلُ أَيّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ* فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ* وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ* يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ

القيمة:5-10

9- لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22

10- ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى* لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى النّجم:17،18

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات كلّها مكّيّة،كأنّ اللّه تعالى ركّز عند بدء البعثة في توجيه النّاس إلى خاصيّة البصر و ما يترتّب عليه من اليقين و البصيرة،و قد سبق مثله في «البصائر».

ثانيا:ليست الآيات على وتيرة واحدة و في مغزى واحد،بل هي في أغراض شتّى:

1-الحثّ على إعمال البصر في ما خلق اللّه من شيء حتّى يرى استحكام صنعه و إتقان حكمته،و هي الآيات (3)إلى(5).حيث أمر اللّه الإنسان بأن ينظر في خلق سبع سماوات طباقا،و هي خلق الرّحمن،حتّى يرى أن ليس فيها من تفاوت و فطور،ثمّ يرجع البصر كرّتين ليقف على خلل فيها،لكنّ البصر يرجع خاسئا،لا يرى فيها عوجا و لا خللا.

و قد كرّر البصر فيها ثلاث مرّات تأكيدا في الاهتمام به،كما كرّر«ليلة القدر»في سورة القدر ثلاث مرّات اهتماما بشأنها،و له نظائر في القرآن.

2-ما دلّ على نفوذ أمر اللّه و تحقّقه فورا و بسهولة «كلمح البصر»،و فيه آيتان(1)و(2)،و جاء فيهما«لمح البصر»كمثل لسرعة العمل و سهولته،و صار مثلا شائعا بين الأنام،اقتباسا من القرآن في الأدب العربيّ، و ترجمته في الفارسيّة«يك چشم به هم زدن»،و ربّما راج في سائر اللّغات الإسلاميّة أيضا،و لا نعلم له وجودا عند العرب قبل نزول القرآن.

و الآيتان-مع اشتراكهما في ذلك-تختلفان؛حيث أنّ الأولى راجعة إلى أمر السّاعة و القيامة،و أنّها تتحقّق بسرعة و سهولة في آن واحد.أمّا الثّانية فتدلّ على أنّ خلق الأشياء ينفّذ بأمر واحد من اللّه تعالى،أي أنّه في تكوين الأشياء لا يحتاج إلى تكرار الأمر،بل أمره هو خلقه بلا تأنّ.فأمر اللّه في الدّنيا و الآخرة نافذ جار دون تفاوت بين العالمين،هذا ما دلّت عليه الآيتان.

و قد حمل الفلاسفة هذه الآية على أنّ للّه إرادة واحدة تكوينيّة قديمة،و طبّقوها على ما عندهم من توجيه ربط الحادث بالقديم و الكثير بالواحد،اعتمادا

ص: 744

على قاعدتهم«الواحد لا يصدر إلاّ عنه إلاّ الواحد» و عكسها،و هو«الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد»،و نحن لا نريد الخوض في أمثال هذه المسائل،لاحظ«ل م ح».

3-مسئوليّة البصر(6)،و هي ترجع إلى الاهتمام بالبصر،و أنّ لها دخلا كالسّمع و الفؤاد في الهداية و الضّلالة،و أنّ الإنسان مسئول عن جوارحه أمام اللّه.

4-الغشاوة على البصر،فإنّ الإنسان إذا لم يراع واجبه أمام البصر و سائر جوارحه،و لم يستثمرها فيما خلقها اللّه لأجله،فسوف يجعل اللّه على بصره غشاوة، كما يختم على سمعه و قلبه(7).

و يلاحظ:أنّ البصر في(6)جاء مع السّمع و الفؤاد، إعلاما بأنّها جميعا مسئول عنها.أمّا في(7)فجاء مع السّمع و القلب وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ، و قد خصّهما بالختم،و خصّ البصر بالغشاوة،و فيها نكات، لاحظ«خ ت م»و«غ ش و»و«ف أ د»و«ق ل ب».

5-البصر بعد الموت(8)و(9)مع تفاوت عكسيّ فيهما،ففي(8)وصف لأمارات ما بعد الموت،ابتداء ببرق البصر فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ، أي أنّ الإنسان بعد الموت يشخص بصره إلى نقطة،لا يتحرّك فيبرق،ثمّ خسف القمر،و جمع الشّمس و القمر،و يومئذ يقول الإنسان من شدّة العناء:أين المفرّ.ف«البصر»في هذه الآية لا يتحرّك و لا يرى شيئا.

بعكسه فى(9)،و هي وصف لحالة الإنسان في القيامة عند الحساب فبصره يرى كلّ شيء صدر عنه في الدّنيا.أو يرى لسان الميزان،ميزان الأعمال أنّه عدل مستقيم.أو يرى الآخرة و كان غافلا عنها و منكرا لها في الدّنيا،على خلاف بينهم.و الحديد:كناية عن كونه نافذ البصر،كما يقال:حديد النّظر،و حديد الفهم،و لسان حديد.

و المفسّرون بين من يجعل البصر هنا بصر العين، و من يجعله بصر القلب،و هم بين من يجعل المخاطب بها الكافر،و كلّ النّاس مؤمنهم و كافرهم،و من يجعلها خطابا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و الأقرب إلى السّياق عندنا أنّ المخاطب هو منكر الآخرة،و أنّ البصر بصر العين،و أنّ المبصر هو ما أنكره في الدّنيا من خبر الآخرة،و هي كقوله: أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا مريم:38، لاحظ النّصوص،و راجع«ح د د».

6-وصف لما رآه النّبيّ ليلة الإسراء(10)،و أنّ بصره ما زاغ و لا طغى،بل رأى بعض آيات ربّه الكبرى.و هذه نظير آية الإسراء لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، فبصره صلّى اللّه عليه و آله حينذاك كان حديدا،رأى ما رأى بإمعان، لا يكذّبه قلبه،و لم يختلجه شكّ ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى* أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى... اَلْكُبْرى النّجم:11-18،إلاّ أنّها مع عظمها كانت بعض آيات ربّه دون جميعها.

ب-أبصار:(38)مرّة في(35)آية:

1- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الأنعام:103

2- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ مَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ

يونس:31

3- وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ

ص: 745

تَشْكُرُونَ النّحل:78

4- وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ المؤمنون:78

5 و 6- وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ الملك:23 و السّجدة:9

7- وَ لَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ الأحقاف:26

8- وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ النّور:43

9- أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46

10- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ

الأنعام:46

11- خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ البقرة:7

12- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَ إِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

البقرة:20

13- وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ الأنعام:

110

14- أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ النّحل:108

15- أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ* أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها محمّد:23،24

16- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا... إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ آل عمران:13

17- يُقَلِّبُ اللّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ النّور:44

18- وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ ص:45

19- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ... فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ الحشر:2

20- وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ الحجر:14

21- وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ* وَ ما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ القلم:51،52

22- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ

النّور:30

23- وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ النّور:31

ص: 746

24- وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا الأحزاب:10

25- وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ إبراهيم:42

26- وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنّا ظالِمِينَ الأنبياء:97

27- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ النّور:37

28- وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ* أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ* إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النّارِ ص:62-64

29- حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فصّلت:20

30- وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ فصّلت:22

31- قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ* أَبْصارُها خاشِعَةٌ

النّازعات:8،9

32- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ* خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:6،7

33- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ* خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ المعارج:43،44

34- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ* خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ

القلم:42،43

35- وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ الأعراف:47

يلاحظ أوّلا:أنّها ليست على وتيرة واحدة،بل هي حسب المغزى عشرة أنواع:

1-تنزيه اللّه،بأنّه لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار(1)،فالأولى تنزيه له عن المادّة و الجسم، و الثّانية مدح له بأنّه يدرك الأبصار،و يعلم أنّها إلام تنظر.و يبدو أنّ الوصفين في ذيل الآية وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ تعليل لهما بأسلوب اللّفّ و النّشر المرتّب،فهو لا يدرك بالأبصار،لأنّه لطيف،و يدرك الأبصار لأنّه خبير.هذا لو أريد باللّطيف:لطافة الذّات،لا العلم بما لطف من المغيّبات،و إلاّ فالوصفان راجعان إلى الكلّ، لاحظ«ل ط ف»و«خ ب ر».

2-نعت له بأنّه يملك السّمع و الأبصار،كما يخرج الحيّ من الميّت،آية واحدة:(2).

3-منّ على العباد بأنّ اللّه جعل لهم السّمع و الأبصار و الأفئدة،و هذه كلّها آلة المعرفة،ستّ آيات:(3)إلى (8)،و فيها نكات سنتحدّث عنها.

4-أخذ اللّه نعمة السّمع و الأبصار و الأفئدة مجازاة للمجرمين،سبع آيات(9)إلى(15)،و قد سبق مثيل لها في(7)من«البصر»،و فيها نكات أيضا سنتحدّث عنها.

5-مدح أولي الأبصار،أربع آيات:(16)

ص: 747

إلى(19).

6-اعتراف الكفّار بأنّهم قد سكّرت أبصارهم و أنّهم مسحورون،آية واحدة:(20).

7-عمليّة السّحر،و الإزلاق بالأبصار،آية واحدة:

(21)،لاحظ«س ح ر».

8-وجوب غضّ الأبصار عن الأجانب على الرّجال و النّساء،آيتان،(22)،و(23)،و جاءت الأبصار و الفروج في كلّ منهما جمعا،تناسقا للمؤمنين المخاطبين،كما جاء حفظ الفروج عقيب غضّ الأبصار مباشرة،تأكيدا للعلاقة المباشرة بين خطر البصر و شهوة الفرج.

9-شخوص الأبصار(25)و(26)و خشوعها و زيغها(24)و(28)و تقلّبها مع القلوب(27) و شهادتها على النّاس في الآخرة:24)إلى(35).و جاء في(24)قوله: وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، و كذا في(27)و(28).

10-رؤية أصحاب الأعراف أهل النّار،آية واحدة:(35).

ثانيا:أنّ(12)آية من هذه راجعة إلى الآخرة:

(24)إلى(35)،و الباقي راجعة إلى الدّنيا،إلاّ(1)و(2) فتعمّان الدّنيا و الآخرة.

ثالثا:ممّا منّ به على العباد بموهبة السّمع و الأبصار و الأفئدة،مذيّلا بأنّ النّاس لا يشكرون اللّه على هذه المواهب إلاّ قليلا و قد صرّح به في(7): فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ و هذا يمهّد السّبيل لحرمانهم منها عقوبة لهم،كما جاء في(4)إلى (9)،و به يحكم العقل و الشّرع،فشكر المنعم واجب عقلا،و قد قال تعالى: وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ النّمل:40.

و قد تحدّث القرآن عن الشّكر و الكفر كثيرا،لاحظ «ش ك ر»و«ك ف ر».و بهذا تندفع شبهة الجبر و الظّلم عن تلك الآيات و عن آيات الهداية و الضّلالة في القرآن،فإنّها جميعا من باب المجازاة و العقوبات في الدّنيا،لاحظ«ه د ي»و«ض ل ل».

رابعا:قد جاءت«الأبصار»جمعا مع«السّمع»مفردا مقدّما على الأبصار في(11)آية:(2)إلى(7)و(10)إلى (12)و(14)و(29)و(30).

أمّا التّقديم فقيل:لكثرة فوائده،فإنّ أكثر أمور الدّين لا تعلم إلاّ من جهته.و قال الفخر في قوله: وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: «إنّما قدّم(السّميع)على(العليم)لأنّه لا بدّ من سماع الكلام أوّلا،ثمّ العلم بمعناه».و منه نقتبس فنقول:السّمع مفتاح المعرفة،و عليه يترتّب الإبصار و التّعقّل،و لا سيّما في صعيد الدّين،لأنّ الوحي لا يعلم إلاّ بالسّماع.

و أمّا الإفراد فلأنّه في الأصل مصدر-أو هو هنا مصدر كما عند جملة من المفسّرين-و المصدر لا يجمع، و إن جمع ما كان بمعنى الجارحة،فروعي فيه الأصل في القرآن كلّه،و لم يأت فيه«الأسماع».و قيل:للإيماء إلى أنّ مدركه نوع واحد و هو الصّوت،بخلاف البصر،فإنّه يدرك الضّوء و اللّون و الشّكل و الحركة و السّكون.

و بخلاف الفؤاد،و قد جاء جمعا مثل الأبصار،فإنّه يدرك مدركات الحواسّ بواسطتها و زيادة على ذلك.

ص: 748

و أضاف الفخر(25:174)-و السّمع عنده مصدر هنا-فقال:«السّمع قوّة واحدة لها فعل واحد،فالإنسان لا يضبط في زمان واحد كلامين،و الأذن محلّه و لا اختيار لها فيه،فإنّ الصّوت من أيّ جانب كان يصل إليها و لا قدرة لها على تخصيص القوّة بإدراك بعض دون بعض.و أمّا الإبصار فمحلّه العين،و لها فيه شبه اختيار، فإنّها تتحرّك إلى جانب مرئيّ دون آخر.و كذلك الفؤاد محلّ الإدراك،و له نوع اختيار،يلتفت إلى ما يريد دون غيره،و إذا كان كذلك فلم يكن للمحلّ في السّمع تأثير و القوّة مستبدّة.فذكر القوّة في الأذن-أي السّمع-و في العين و الفؤاد،للمحلّ نوع اختيار،فذكر المحلّ،لأنّ الفعل يستند إلى المختار».

و اختار الإمام عبده-في المنار(1:144)-هذا الوجه رادّا على الوجه الأوّل:بأنّ البصر أيضا مصدر فلما ذا جمعه؟

فقال بما هو حاصله:بأنّ أسماع النّاس تتساوى في إدراك المسموعات،فلا تتشعّب تشعّب العقول و الأبصار،و إنّ الأبصار أعظم معين للعقول في إدراكها، لأنّ أنواع المبصرات كثيرة،فتعطي للعقل موادّ كثيرة، و السّمع لا يدرك إلاّ الصّوت،و ليس في الكلام عند النّقل طريق من طرق العلم اليقينيّ إلاّ التّواتر،بخلاف ما نقطع فيه بالضّرورة من طريق العقل و البصر،فهو كثير -و ذكر الأوّليّات و التّجربيّات و الحسّيّات-.

و قال:فالقسم الأعظم من المشاهدات سبيل الإدراك فيه البصر،فالعقول و الأبصار بمنزلة ينابيع كثيرة،تنبجس من كلّ منها عيون للعلم مختلفة فجمعت، بخلاف السّمع،فإنّه ينبوع واحد لا اختلاف فيما يصدر عنه فأفرد...»فلاحظ.

خامسا:جاء في خمس منها-(3)إلى(7)-(السّمع و الأبصار و الأفئدة)،بتقديم السّمع على الأبصار و الأفئدة،و تأخير الأفئدة عنهما،و قد تقدّم وجه تقديم السّمع عليهما.أمّا وجه تقديم السّمع و الأبصار على الأفئدة فلأنّها إدراك في الباطن و هما في الظّاهر،و الظّاهر يقدّم على الباطن،أو لأنّهما من خدم الفؤاد و آلاته، و مدركاتهما تنتهي إليه،و هي كثيرة إلى جانب مدركاته، و أنّ له الخيار في الأخذ بمدركاتهما و ردّها،فهو الحاكم فيها و الرّقيب عليهما.

و قيل:لما أثبته الطّبّ أنّ الطّفل في الأيّام الثّلاثة الأولى يسمع و لا يبصر،ثمّ يبدأ الرّؤية بعدئذ،و من الواضح تأخّر العقل عن ذلك.

سادسا:كرّرت الأبصار في ثلاث منها:(1)و(7) و(12)اهتماما بشأنها و مساوقة لسياق الآيات،كما لا يخفى على من تأمّلها.

سابعا:جاء في(1)الأبصار منفردة،و في(2)و(3) و(12)السّمع و الأبصار،و في(3)إلى(7)السّمع و الأبصار و الأفئدة،و في(9)القلوب مرّتين أوّلا و آخرا، و الآذان-بدل السّمع-و الأبصار كلّ منهما مرّة،و في (10)و(11)و(14)السّمع و الأبصار و القلوب،مع تقديم السّمع و الأبصار على القلوب في(10)، و تأخيرها عن القلوب في(11)و(14)،و في(13) الأفئدة و الأبصار،و في(15)الأبصار و القلوب،و لكلّ وجه يعلم بالتّأمّل فيها،لاحظ«ق ل ب»و«ف أ د»

ص: 749

و«س م ع».

ثامنا:نفي في آيات المجازاة العمى عن الأبصار، و نسب إلى القلوب-و كذلك نسب إليها العقل-و نسب السّمع إلى الآذان في(9)،و جاء الأخذ بالسّمع و الأبصار و الختم على القلوب في(10)،و الختم على القلوب و السّمع،و الغشاوة على الأبصار في(11)،و الإذهاب بالسّمع و الأبصار في(12)،و تقليب الأفئدة و الأبصار في(13)،و الطّبع على القلوب و السّمع و الأبصار في (14)،و صمّ السّمع و عمي الأبصار و قفل القلوب في (15)،و لكلّ وجه،لاحظ«ع م ي»و«ع ق ل» و«س م ع»و«غ ش و»و«ذ ه ب»و«ق ل ب»و«ط ب ع»و«ص م م»و«ق ف ل».و هذه كلّها ألوان من المجازاة النّفسانيّة في الدّنيا،لمن انحرف عن الصّراط عمدا.

تاسعا:جاء«اولى الابصار»في أربع آيات:(16) و(17)و(18)و(19)،و المراد بالأبصار فيها العقول دون العيون،إطلاقا للسّبب على المسبّب،لأنّ الأبصار تثير العقول على الإدراك،و حملت العبرة على«اولى الابصار»في(16)و(17)،و وصف إبراهيم و إسحاق و يعقوب ب«اولى الابصار»في(18)،و المراد فيها بالأيدي:القوّة،و بالأبصار:العقول.

و«اولى الابصار»فيها بمنزلة«اولى الالباب»في (16)آية،و لرعاية الرّويّ دخل في التّعبير بأحدهما، فقد جاء«اولى الالباب»في ص:43 مناسقا لما قبلها:

«حساب»،«مآب»،«عذاب»،«شراب»،و لما بعدها:

«اوّاب».و جاء بعدها«اولى الابصار»مناسقا لما بعدها:«الدّار»،«الاخيار».ثمّ رجع الرّويّ إلى «مآب»،«شراب»،«اتراب»،«حساب»،لاحظ سورة«ص».

عاشرا:أريد بالأبصار العيون في الجميع،سوى آيات«اولى الابصار»،فأريد بها القلوب يقينا، و آيات مجازاة المجرمين احتمالا.

الحادي عشر:آيات البصر كلّها-كما سبق-مكّيّة، و كذلك آيات الأبصار،سوى عشر منها فمدنيّة،و هي:

(9)-إن كانت سورة الحجّ مدنيّة-و(11)و(12) و(15)و(16)و(17)و(22)و(23)و(24)و(27).

فالقرآن ركّز اهتمامه في البصر و الأبصار بنسبة 10/33،كما ركّز ذلك في المكّيّات ففاقت المدنيّات بنسبة 10/33 أيضا.

و جاءت ثلاث من المدنيّات في بدء الهجرة و الباقي بعدها،ففي البقرة اثنتان:(11)و(12)،و في آل عمران واحدة:(16)،و في النّور أربع:(17)و(22)و(23) و(27)،و في كلّ من الأحزاب و الحجّ و المؤمنين واحدة:

(24)و(9)و(4)على التّوالي.

الثّاني عشر:جاء«البصر»مفردا و جمعا في القرآن (43)مرّة،و مشتقّاته(148)مرّة،فالجميع(191) مرّة.و جاء السّمع مفردا(22)مرّة،و مشتقّاته(163) مرّة فالجميع(185)مرّة.و جاء القلب و القلوب(132) مرّة،و الفؤاد(5)مرّات.

و هذه الأرقام كأنّها تحاكي واقع هذه المدركات الأربع و موضعها في الإنسان،فالبصر له الحظّ الأوفى:

(191)مرّة،ثمّ السّمع:(185)مرّة،و التّفاوت بينهما (6)،و هو قليل،و هذان يدركان المحسوسات.و يليهما القلب،فيتنازل العدد إلى(132)،ثمّ الفؤاد،و هو

ص: 750

سويداء القلب،و حظّه ضئيل جدّا:(5)مرّات و هما يدركان المعقولات،و هذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على أنّ الإنسان يبصر أكثر ممّا يسمع،و يعقل أقلّ ممّا يبصر و يسمع،أي بنسبة 132/191 في البصر و 132/185 في السّمع،و قلّما تصل المدركات إلى الفؤاد عبر القلب بنسبة 5/132،و اللّه أعلم،لاحظ«ق ل ب»و«ف أ د».

ص: 751

ص: 752

ب ص ل

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة

اشارة

الخليل: البصل:معروف،و البصلة:بيضة الرّأس من حديد،و هي المحدّدة الوسط،شبّهت بالبصلة.[ثمّ استشهد بشعر](7:129)

مثله الأزهريّ.(12:195)

ابن شميّل: البصلة إنّما هي سقيفة واحدة،و هي أكبر من التّرك.و قشر متبصّل:كثيف كثير القشور.

(الأزهريّ 12:195)

الطّبريّ: و البقل و القثّاء و العدس و البصل هو ما قد عرفه النّاس بينهم،من نبات الأرض و حبّها.

(1:310)

ابن دريد :البصل:عربيّ معروف،و قد جاء في التّنزيل و الشّعر الفصيح.(1:298)

الصّاحب:البصل من النّبات:معروف،و في المثل:

«أكسى من بصل».

و البصلة:البيضة من الحديد المحدّدة الوسط.

و بصّلته من ثيابه،أي قشّرته.و قشر متبصّل،أي كثيف.(8:150)

الجوهريّ: البصل:معروف،الواحدة:بصلة، و تشبّه به بيضة الحديد.(4:1635)

ابن فارس: الباء و الصّاد و اللاّم أصل واحد.

البصل:معروف،و به شبّه«لبيد»البيض،فقال:

فخمة ذفراء ترتى بالعرى

قردمانيّا و تركا كالبصل

(1:253)

ابن سيدة: البصل:معروف،واحدته بصلة.

و البصلة:بيضة السّلاح المخدودة الوسط،على التّشبيه.

(8:335)

البصل:

نبات من الفصيلة الزّنبقيّة،مستدير أو قريب للبيضيّ،مركّب من أغشية متراكبة سميكة لحميّة، متميّز بعضها عن بعض،مغطّى من الخارج بأغشية جافّة رقيقة صفراء أو بيضاء.ينمو تحت الثّرى،و له جذور

ص: 753

دقيقة تضرب تحتها،و أغصان ترتفع قليلا فوق سطح الأرض.(الإفصاح 1:432)

الرّاغب: البصل:معروف،في قوله عزّ و جلّ:

وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها: البقرة:61.

و بيضة الحديد:بصل تشبيها به،لقول الشّاعر:

«وتر كالبصل».(50)

الزّمخشريّ: جئت أعرى من المغزل،و رجعت أكسى من البصل.و قد تبصّل الشّيء،إذا تضاعف تضاعف قشر البصلة،و بصّلت الرّجل من ثيابه:

جرّدته.

و من المجاز:خرجوا كأنّهم الأصل،و على رءوسهم البصل،أي البيض.و الأصل:جمع أصلة،و هي حيّة خبيثة.(أساس البلاغة:23)

الفيّوميّ: البصل:معروف،الواحدة:بصلة،مثل قصب و قصبة.(1:50)

الفيروزآباديّ: البصل محرّكة:معروف،واحدته بهاء،و بيضة الحديد.

و البصليّة:محلّة ببغداد،و إقليم البصل:بإشبيليّة.

و قشر متبصّل:كثير القشور كثيف.

و بصلة بالضّمّ:علم،و التّبصيل و التّبصّل:التّجريد، و تبصّلوه:أكثروا سؤاله حتّى نفد ما عنده.(3:345)

البروسويّ: (و بصلها)بقل معروف تطيّب به القدور.(1:150)

مجمع اللّغة: البصل:هو النّبات المعروف الّذي رأسه تحت سطح الأرض،تخرج منه أوراق أنبوبيّة جوفاء كثيرة،و يؤكل نيّئا و مطبوخا،واحدته:بصلة.

(1:104)

المصطفويّ: «إحياء التّذكرة»بصل،الزّنبقيّة (1):

و له جملة أنواع:بحيريّ:يزرع في الوجه البحريّ،و هو أصغر حجما.و صعيديّ:و هو ما يزرع في الوجه القبليّ، و بصلته كبيرة و أكثر عصارة.و روميّ:و هو البصل الأحمر،و هو أحلى طعما و أكثر عصارة.و شاميّ:و بصلته أطول.

و يحوي البصل زيتا طيّارا و كبريتا،و مقدارا من مادّة سكريّة و حمض فسفوريّ و فيتامين و كلسيوم، و كان يستعمل عصيره قديما في الرّمد بقطرة.

و قد ذكر المؤرّخ هيرودوت:أنّ الفراعنة عرفوا البصل منذ أقدم الأزمنة،و كان يعطى مع العدس لبناة الأهرام.

و قد أثبت العلم الحديث أنّ رائحة البصل أو عصارته أو أوراقه تقتل المكروبات السّبحيّة،و مكروب الدّفتريا و الدّوسنتاريا.(1:267)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البصل،و هو النّبات المعروف،واحدته:بصلة.

و به شبّهت بيضة الحديد،أي الخوذة الّتي توضع على الرّأس،فيقال لها:بصلة،لكثافتها،كما شبّه به القشر الكثيف،يقال:قشر متبصّل،لأنّ البصل كثيف الأوراق،و في المثل:«أكسى من بصل».

ص: 754


1- نبات من الفصيلة الزّنبقيّة.

و يقال:بصّلته من ثيابه،أي جرّدته منها،كما يقال:

قشّرت الشّيء،أي نزعت عنه قشره؛إذ من معاني «فعّل»السّلب.

2-و جاء لفظ«البصل»في بعض اللّغات السّاميّة باختلاف يسير لما في العربيّة؛ففي العبريّة«باصال»،و في السّريانيّة«بصلا»،و في الآراميّة«بصلا».

إلاّ أنّ لفظه في العبريّة الحديثة يضارع اللّفظ العربيّ تقريبا،فهم يقولون اليوم:«بصل»،بكسر الباء و الصّاد.

(لاحظ ب ق ل).

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها آية واحدة وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ... البقرة:61

يلاحظ أوّلا:أنّ الآية من جملة آيات كثيرة نزلت في شأن بني إسرائيل في سورة البقرة،و هي حاكية قلّة صبرهم و عدم رشدهم،حتّى سألوا نبيّهم بمثل هذه الأسئلة المتدنّية،و منها أنّهم طلبوا منه أن يدعو اللّه ليخرج لهم هذه النّباتات الّتي وصفها اللّه بأنّها أدنى ممّا رزقهم من المنّ و السّلوى،ناسين ما أنعم اللّه عليهم من الدّين و الخلاص من سلطة الجائرين.

ثانيا:أنّ ما جاء في الآية من النّباتات لم يتكرّر شيء منها في موضع آخر من القرآن،فهذه الآية وحيدة بألفاظها،فما هو الوجه في ذلك؟

لعلّ هذه النّباتات كانت غير ذي بال عند العرب -حسب ما نعلمه-أو تأكيد من اللّه لدناءتها؛بحيث لا يليق ذكرها إلاّ حكاية عن بني إسرائيل.

ثالثا:هناك جناس لفظيّ بين الكلمتين،و تناسب لحنيّ بين حرفي السّين و الصّاد في(عدسها و بصلها)، فجاءتا معا في ذيل تلك النّباتات،و قدّم عليهما ما ليس فيه ذلك.

ص: 755

ص: 756

ب ض ع

اشارة

4 ألفاظ،7 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين

بضاعة 2:2 بضاعتنا 1:1

بضاعتهم 2:2 بضع 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بضعت اللّحم أبضعه بضعا،و بضّعته تبضيعا،أي جعلته قطعا.و البضعة:القطعة،و هي الهبرة.

و فلان شديد البضع و البضعة،أي حسنها إذا كان ذا جسم و سمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و بضعت من صاحبي بضوعا،إذا أمرته بشيء فلم يفعله،فدخلك منه شيء.

و بضعت من الماء بضوعا،أي رويت.

و البضع:اسم باضعتها،أي باشرتها.و بضعتها بضعا،أو بضعا،و هو الجماع.

و البضاعة:ما أبضعت للبيع كائنا ما كان،و منه الإبضاع و الابتضاع.

و الباضعة:شجّة تقطع اللّحم.

و الباضعة:قطعة من الغنم،انقطعت عن الغنم.

يقال:فرق بواضع.

و البضيع:البحر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البضع من العدد،ما بين الثّلاثة إلى العشرة، و يقال:هو سبعة.قال عرّام:ما زاد على عقد فهو بضع، تقول:بضعة عشر،و بضع و عشرون،و ثلاثون و نحوه.

و أبضعته بالكلام إيضاعا،و هو أن تبيّن له ما تنازعه حتّى تشتفي منه،كائنا ما كان.

و بضعته فانبضع،أي قطعته فانقطع.

و بضع الشّيء،أي فهم.(1:285)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الباضع:الّذي يجلب بضائع الحيّ.(ابن فارس 1:256)

بضع بضوعا،كما يقال:نقع.(ابن فارس 1:257)

الفرّاء: بضعة و بضع مثل تمرة،و تمر،و بضعة و بضعات مثل تمرة و تمرات،و بضعة و بضع مثل بدرة

ص: 757

و بدر،و بضعة و بضاع مثل صحفة و صحاف.

(الأزهريّ 1:487)

يقال للسّيوف:بضعة،واحدها:باضع،و للسّياط:

خضعة،واحدها:خاضع.

و الباضع في الإبل مثل الدّلاّل في الدّور.

و اختلف النّاس في«البضع»فقال قوم:هو الفرج، و قال قوم:هو الجماع.(الأزهريّ 1:488)

أبو عبيدة:البضع:ما لم يبلغ العقد و لا نصفه، يريد:ما بين الواحد إلى أربعة.

بضعته بالكلام و أبضعته،و هو أن تبيّن له ما تنازعه حتّى يشتفي،كائنا من كان.(الأزهريّ 1:488)

أبو زيد:بضعت به و منه بضوعا.

(الأزهريّ 1:487)

أقمت عنده بضع سنين.و قال بعضهم:بضع سنين.

يقال:له بضعة و عشرون رجلا،و له بضع و عشرون امرأة.(الأزهريّ 1:488)

إذا شرب حتّى يروى قال:بضعت أبضع،و قد أبضعني.

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 1:487)

الأصمعيّ: أعطيته بضعة من اللّحم،و جمعها:

بضع،إذا أعطاه قطعة مجتمعة،و مثلها الهبرة.

البضيع:الجزيرة في البحر،و البضيع:اللّحم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جبهته تتبضّع،أي تسيل عرقا.و قال أبو ذؤيب:

*إلاّ الحميم فإنّه يتبضّع*

يتبضّع:يتفتّح بالعرق و يسيل متقطّعا.و البضيع:

اسم موضع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:487)

الباضعة:من الشّجاج الّتي تشجّ اللّحم،تبضعه بعد الجلد و بعد المتلاحمة.(الأزهريّ 1:488)

يقال:ملك فلان بضع فلانة،إذا ملك عقدة نكاحها، و هو كناية عن موضع الغشيان.(الأزهريّ 1:488)

سيف باضع،إذا مرّ بشيء بضعه،أي قطع منه بضعة.(الجوهريّ 3:1186)

البضعة:قطعة من اللّحم مجتمعة،و جمعها:بضع،كما تقول:بدرة و بدر،و تجمع على:بضع أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

باضع الرّجل امرأته،إذا جامعها،بضاعا.و في المثل:

«كمعلّمة أمّها البضاع»يضرب للرّجل يعلّم من هو أعلم منه.

و يقال:فلان مالك بضعها،أي تزويجها.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:255)

أبضع الرّجل بضاعة،و منه قولهم:«كمستبضع التّمر إلى هجر»يضرب مثلا لمن ينقل الشّيء إلى من هو أعرف به و أقدر عليه.

و جمع البضاعة:بضاعات و بضائع.يقال:اتّخذ عرضه بضاعة،أي جعله كالشّيء يشترى و يباع.

[الشّجّة الباضعة]هي الّتي تشقّ اللّحم شقّا خفيفا، و منه حديث عمر:«أنّه ضرب الّذي أقسم على أمّ سلمة أن تعطيه،فضربه أدبا له ثلاثين سوطا كلّها تبضع و تحدر»أي تشقّ الجلد و تحدر الدّم.

(ابن فارس 1:256)

ص: 758

شرب فلان فما بضع،أي ما روي،و البضع:الرّيّ.

(ابن فارس 1:257)

اللّحيانيّ: و مرّ بضع من اللّيل،أي وقت.

(ابن سيدة 1:259)

ابن الأعرابيّ: البضع:النّكاح،و البضاع:الجماع.

البضائع:كالعلائق،و هي الجنائب تجنب مع الإبل.

[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:256)

ابن السّكّيت: و منها[أي الشّجاج]الباضعة، و هي الّتي قد جرحت الجلد و أخذت في اللّحم.(97)

شربت ماء ما رويت منه،و ما نقعت به نقوعا، و ما بضعت بالماء بضوعا.(674)

الوذرة:القطعة الصّغيرة[من اللّحم]فإذا كانت أكبر من ذلك فهي بضعة.(605)

البضيع من اللّحم:جمع بضع،كقولك:عبد و عبيد.

فأمّا الباضعة فهي القطعة من الغنم،يقال:فرق بواضع.

(ابن فارس 1:255)

و البضع:جمع بضعة.و البضع:النّكاح،يقال:ملك فلان بضع فلانة.(إصلاح المنطق:128)

أبو سعيد البغداديّ: هو شريكي و بضيعي،و هم بضعائي و شركائي.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:489)

شمر: البضع:لا يكون أقلّ من ثلاث و لا أكثر من عشرة.(الأزهريّ 1:488)

المبرّد: الشّجاج مختلفة الأحكام،فإذا كانت الشّجّة شقيقا يدمى فهي الدّامية،و إذا أخذت من اللّحم شيئا فهي الباضعة.(1:285)

البضاعة:جزء من أجزاء المال.و البضع:من أربع إلى تسع.(الأزهريّ 1:488)

ثعلب :استعمال البضع من الأربعة إلى التّسعة، يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.(الفيّوميّ 1:50)

الزّجّاج: تقول:بضعه بالكلام يبضعه بضعا، و كذلك أبضعه بالكلام إبضاعا؛و ذلك أن يبيّن له ما ينازعه فيه حتّى يستغني،كائنا ما كان،و كذلك أبضعته من الشّراب حتّى بضع،أي حتّى شفى غليله.

(فعلت و أفعلت:4)

ابن دريد :البضعة:القطعة من اللّحم.و فلان بضعة من فلان،إذا أشبهه.و البضاعة:القطعة من المال في التّجارة.و البضيع:اللّحم.[ثمّ استشهد بشعر]

و البضيع:الجزيرة في البحر،و تنقطع من الأرض.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الباضعة:الشّجّة الّتي تبضع اللّحم،أي تشقّه.

و باضع:موضع بساحل البحر.

و ملك فلان بضع فلانة،و هو النّكاح.

و المبضع:الحديدة الّتي يبضع بها اللّحم،يستعملها البيطار.

و البضع من الثّلاث إلى العشر،فإذا جاوزت العشر:ذهب البضع.

و البضعة:السّيوف،و يقال:الخضعة و البضعة، فالخضعة:السّياط،و البضعة:السّيوف،هكذا يقول بعض أهل اللّغة.

و قال آخرون: بل الخضعة:السّيوف،و البضعة:

السّياط.[ثمّ استشهد بشعر](1:301)

ص: 759

الأزهريّ: ابتضع فلان و بضع،إذا تزوّج.

و المباضعة:المباشرة،يقال:باضعها مباضعة،إذا جامعها،و الاسم:البضع.

و يقال:أبضعت بضاعة للبيع،كائنة ما كانت.

(1:489)

الصّاحب: بضع اللّحم بضعا؛و بضّعه:جعله قطعا.

و القطعة:بضعة.

و هو شديد البضع و البضعة:أي ذو جسم و لحم.

و قيل:خاظي البضيع:جمع بضع،كعبد و عبيد.

و بضعت منه بضوعا:أمرته بشيء فلم يفعله فدخلك منه ما سئمت معه أن تأمره بشيء آخر.

و بضع من الماء و الجماع:روي.و بضعها بضعا.

و الاسم:البضع،و أصله ملك العقدة ثمّ صيّر للجماع.

و أبضعتها:زوّجتها.و ابتضع منها في ليلة و ابتضعت منه:

أخذ كلّ واحد بضع صاحبه.

و كان تأبّط شرّا مبتضعا:أي ابن بكرين.

و رجل أبضع:مهزول.

و رأيتهم أجمعين أبضعين،و يوحّد فيقال:أجمع أبضع.

و الباضع:الّذي يحمل بضائع الحيّ و يجلبها،و هي العلائق،و الواحدة:بضيعة.

و البضيع:الجزيرة في البحر.

و ماء بضيع و بضاع:نمير.

و أبضعت البضاعة للبيع،و ابتضعتها أيضا.

و ابتضعته بالكلام:بيّنت له ما تنازعناه حتّى اشتفى.

و الباضعة:القطعة من الغنم انقطعت عنها.

و البضع من العدد:ما بين الثّلاثة إلى العشرة،و قيل في قوله: بِضْعَ سِنِينَ يوسف:42،أنّها سبعة، و حكي البضع بفتح الباء أيضا.

و تبضّعت جلدته:عرقت.

و بئر بضاعة:بالمدينة.

و أبضعة:ملك من كندة.(1:318)

الجوهريّ: البضاعة:طائفة من مالك تبعثها للتّجارة.تقول:أبضعت الشّيء و استبضعته،أي جعلته بضاعة.

و في المثل:«كمستبضع تمر إلى هجر»و ذلك أنّ هجر معدن التّمر.

و الباضعة:الشّجّة الّتي تقطع الجلد و تشقّ اللّحم و تدمي،إلاّ أنّه لا يسيل الدّم،فإن سال فهي الدّامية.

و الباضعة أيضا:الفرق من الغنم.

و بضع:في العدد بكسر الباء،و بعض العرب يفتحها،و هو ما بين الثّلاث إلى التّسع،تقول:بضع سنين،و بضعة عشر رجلا،و بضع عشرة امرأة،فإذا جاوزت لفظ العشر:ذهب البضع.لا تقول:بضع و عشرون.

و البضعة:القطعة من اللّحم،هذه بالفتح،و أخواتها بالكسر،مثل:القطعة،و الفلذة،و الفدرة،و الكسفة، و الخرقة،و الجذوة،و ما لا يحصى.و الجمع:بضع،مثل تمرة و تمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعضهم يقول:جمعها بضع،كبدرة و بدر.

و بضعت اللّحم بضعا بالفتح:قطعته،و بضعت الجرح:شققته.

و المبضع:ما يبضع به العرق و الأديم.

ص: 760

و بضعت من الماء بضعا:رويت،و في المثل:«حتّى متى تكرع و لا تبضع».

و ربّما قالوا:بضعت من فلان،إذا سئمت منه،و هو على التّشبيه.

و أبضعني الماء:أرواني.و ربّما قالوا:سألني فلان عن مسألة فأبضعته،إذا شفيته.

و المباضعة:المجامعة،و هي البضاع،و في المثل:

«كمعلّمة أمّها البضاع».

و البضيع:اللّحم،يقال:دابّة كثيرة البضيع.و رجل خاظي البضيع.

و البضيع:العرق.

و البضيع:مصغّرا:اسم موضع.

و«بئر بضاعة»الّتي في الحديث،تكسر و تضمّ.

(3:1186)

ابن فارس: الباء و الضّاد و العين أصول ثلاثة:

الأوّل:الطّائفة من الشّيء عضوا أو غيره،و الثّاني:بقعة، و الثّالث:أن يشفى شيء بكلام أو غيره.[ثمّ نقل قول الخليل و ابن السّكّيت و الأصمعيّ إلى أن قال:]

البضعة بمعنى القطعة.

و من هذا قولهم:بضعت الغصن أبضعه،أي قطعته.

[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا المباضعة الّتي هي المباشرة فإنّها من ذلك،لأنّها مفاعلة من البضع،و هو من حسن الكنايات.

و ممّا هو محمول على القياس الأوّل:بضاعة التّاجر من ماله:طائفة منه.

قال الأصمعيّ: يقال:«اتّخذ عرضه بضاعة»أي جعله كالشّيء يشترى و يباع.و قد أفصح الأصمعيّ بما قلناه،فإنّ في نصّ قوله:إنّما سمّيت البضاعة بضاعة، لأنّها قطعة من المال تجعل في التّجارة.

و من باب الأعضاء الّتي هي طوائف من البدن قولهم:الشّجّة الباضعة،و هي الّتي تشقّ اللّحم، و لا توضح عن العظم.

و من أمثالهم:«تشرط البضاعة»،يقول:إذا احتاج بذل بضاعته و ما عنده.

و أمّا البقعة فالبضيع بلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الدّريديّ:البضيع:جزيرة تقطع من الأرض في البحر.

فإن كان ما قاله ابن دريد صحيحا فقد عاد إلى القياس الأوّل.

و أمّا الأصل الثّالث فقولهم:بضعت من الماء:رويت منه.و ماء بضيع،أي نمير.(1:254)

الهرويّ: و في حديث عمر:«أنّه ضرب رجلا ثلاثين سوطا كلّها يبضع و يحدر»أي يشقّ الجلد و يقطع.

و يحدر،أي يرم.

و يقال:بضعه و بضّعه،مخفّف و مشدّد.

و في الشّجاج: «الباضعة»و هي الّتي تأخذ في اللّحم.

و في الحديث: «أنّه أمر بلالا يوم صبّح خيبر،فقال:

ألا من أصاب حبلى فلا يقربنّها،فإنّ البضع يزيد في السّمع و البصر»قال الأزهريّ:هذا كقوله:«لا يسقي ماءه زرع غيره».

و البضع:الجماع،و قال بعضهم:البضع:الفرج.

و منه قول عائشة: «و له حصّنني ربّي-تعني

ص: 761

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم-من كلّ بضع»أي من كلّ نكاح.و كان تزوّجها بكرا من بين نسائه.

و في الحديث: «تستأمر النّساء في إبضاعهنّ»يقال:

أبضعت المرأة،إذا زوّجتها،كما تقول:أنكحتها.

و الاستبضاع:نوع من نكاح أهل الجاهليّة،و منه الحديث:«أنّ عبد اللّه بن عبد المطّلب مرّ بامرأة فدعته أن يستبضع منها».

و في الحديث: «فلمّا تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خديجة دخل عليها عمرو بن أسد،فلمّا رآه قال:هذا البضع لا يقرع أنفه»يريد:هذا الكفء الّذي لا يردّ.و أصل ذلك في الإبل؛و ذلك أنّ الفحل الهجين إذا أراد أن يضرب كرائم الإبل ضربوا أنفه بعصا أو غيرها،ليرتدّ عنها و يتركها،و لا يتعرّض لها.(1:177)

الثّعالبيّ: البضع بين الثّلاث و العشر.(96)

البضع و الهبر و اللّحب:قطع اللّحم.(232)

أبو سهل الهرويّ: تقول:هي بضعة من لحم بالفتح،أي قطعة واحدة منه.و هم بضعة عشر رجلا بالكسر،لما بين اثني عشر إلى تسعة عشر.(58)

ابن سيدة: بضع اللّحم يبضعه بضعا،و بضّعه:

قطّعه،و البضعة:القطعة منه.و الجمع:بضع،و بضع، و بضيع،و هو نادر.و نظيره الرّهين:جمع الرّهن.

و البضيع أيضا:اللّحم.و البضيع:ما انماز من لحم الفخذ،الواحدة:بضيعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان بضعة من فلان؛يذهب به إلى الشّبه.

و بضع الشّيء يبضعه:شقّه،و في حديث عمر في ذكر السّياط:«كلّها يبضع و يحدر»أي يحدر الدّم،و قيل:

يحدر:يورّم.

و البضعة:السّياط،و قيل:السّيوف.

و الباضعة من الشّجاج:الّتي تشقّ اللّحم.و المبضع:

المشرط.

و بضع من الماء،و به يبضع بضوعا و بضعا:روي و امتلأ.و أبضعني:أرواني.و ماء باضع و بضيع:نمير.

و أبضعه الكلام،و بضعه به:بيّنه له،و بضع هو يبضع بضوعا:فهم،و بضع الكلام فابتضع:بيّنه فتبيّن.

و بضع من صاحبه يبضع بضوعا،إذا لم يأتمر له، فسئم أن يأمره.

و بضع المرأة بضعا،و باضعها مباضعة و بضاعا:

جامعها،و الاسم:البضع،و جمعه:بضوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و البضع:ملك الوليّ للمرأة.

و البضاعة:القطعة من المال،و قيل:اليسير منه.

و البضاعة:ما حمّلت آخر بيعه و إدارته.

و أبضعه البضاعة:أعطاه إيّاها.

و ابتضع منه:أخذ،و الاسم:البضاع،كالقراض.

و استبضع الشّيء:جعله بضاعته،و في مثل:

كمستبضع التّمر إلى هجر».

قال حسّان:

*كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا*

و البضع و البضع:ما بين الثّلاث إلى العشر،و بالهاء:

من الثّلاثة إلى العشرة،يضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، كقوله تعالى: فِي بِضْعِ سِنِينَ الرّوم:4،و قوله تعالى:

فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ يوسف:42.

ص: 762

و يبنى مع العشرة،كما يبنى سائر الآحاد،و ذلك ثلاثة إلى تسعة،فيقال:بضعة عشر رجلا،و بضع عشرة امرأة،و لم تسمع بضعة عشر،و لا بضع عشرة، و لا يمتنع ذلك.

و قيل:البضع:من الثّلاث إلى التّسع،و قيل:هو ما بين الواحد إلى الأربعة.

و الباضعة:قطعة من الغنم.

و تبضّع الشّيء:سال.

و البضيع:البحر،و البضيع:الجزيرة في البحر،و قد غلب على بعضها.[ثمّ استشهد بشعر]

و البضيع،و البضيع،و باضع:مواضع.(1:418)

البضع:عقد الزّواج،و التّزويج.و أبضع المرأة:

زوّجها.و البضع:التّزوّج،و قد بضع يبضع بضعا.

(الإفصاح 1:337)

البضع:المهر.(الإفصاح 1:342)

البضعة:أكبر من الوذرة،الجمع:بضع و بضع و بضاع و بضعات.

بضع كمنع:قطع.(الإفصاح 1:401)

البضع:بضع الجرح يبضعه بضعا:شقّه،و المبضع:

ما يبضع به العرق و الأديم.(الإفصاح 1:538)

البضع:بضع العود يبضعه بضعا و بضّعه:قطعه فانبضع.(الإفصاح 2:1187)

البضع:هو في العدد من الثّلاثة أو من الأربعة إلى التّسعة،أو من الواحد إلى الأربعة.و قيل:هو ما بين العقدين:من واحد إلى عشرة،و من أحد عشر إلى عشرين،أو من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر.و هو مع المذكّر بهاء،و معها بغير هاء.

و لا يستعمل فيما زاد على العشرين.و قيل:يجوز، فيقال:بضعة و عشرون رجلا،و بضع و عشرون امرأة.

و قيل:يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،فيقال:بضع رجال و بضع نساء.

و قيل:«لا يذكر البضع إلاّ مع العشرة و العشرين إلى التّسعين،و لا يقال:فيما بعد ذلك،يعني أنّه يقال:

مائة و نيّف،و لا يقال:بضع و مائة،و لا بضع و ألف.

(الإفصاح 2:1255)

و بضّعه:شقّه،و المبضع:المشرط،الجمع:مباضع.

(الإفصاح 2:1358)

الزّمخشريّ: بضع من الشّاة بضعة،إذا قطع قطعة، و بضع الخشبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان جيّد البضعة،إذا كان لحيما،كقولك:جيّد الكدنة (1).و هو خاظي البضيع،أي سمين.

و عندي بضعة عشر من الرّجال و بضع عشرة من النّساء،الذّكور بالتّاء و الإناث بطرحها،على سنن حكم العدد.و أقمت عنده بضع سنين،و هو ما بين الثّلاث و العشر.

و شجّة باضعة،و هي الّتي تبلغ اللّحم.و سمعت للسّيوف بضعة،و للسّياط خضعة،أي صوت قطع و صوت وقع.

و هذه بضاعة مزجاة.و تقول:قد نعّشت ضائعنا، و نفّقت بضائعنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبضعته كذا،إذا جعلته بضاعة له.و استبضعتم.

ص: 763


1- الكدنة:كثرة اللّحم و الشّحم.

كذا،إذا جعلته بضاعة لك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون:هو باضع الحيّ:لمن يحمل بضائعهم.

و من المجاز:من رضع معك رضعه،فهو منك بضعه، أي هو بعضك.

و من الكناية:بضع المرأة بضعا،و باضعها بضاعا و ملك بضعها،إذا عقد عليها.

و بضعت من الماء:رويت،لأنّك تقطع الشّرب عند الرّيّ،يقال:حتّى متى تكرع و لا تبضع.

و بضعت من فلان،إذا سئمت من تكرير النّصح عليه فقطعته.(أساس البلاغة:24)

و روي:أنّه لمّا خطب خديجة استأذنت أباها و هو ثمل،فقال:هو الفحل لا يقرع أنفه،فنحرت بعيرا و خلّقت أباها بالعبير.

البضع:مصدر بضع المرأة،إذا جامعها.و مثله فيما حكاه سيبويه:قرعها قرعا،و ذقطها (1)ذقطا.و«فعل»في المصادر غير غريب،منه الشّغل و السّكر و الكفر، و أخوات لها.

و يقال لعقد النّكاح:بضع أيضا،كما استعمل النّكاح في المعنيين،و أراد هاهنا صاحب البضع،فحذف.

(الفائق 1:115)

الرّاغب: البضاعة:قطعة وافرة من المال تقتنى للتّجارة،يقال:أبضع بضاعة و ابتضعها،قال تعالى:

هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا يوسف:65،و قال تعالى:

بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ يوسف:88.

و الأصل في هذه الكلمة:البضع،و هو جملة من اللّحم تبضع،أي تقطع،يقال:بضعته و بضّعته فابتضع و تبضّع،كقولك:قطعته و قطّعته فانقطع و تقطّع.

و المبضع:ما يبضع به،نحو المقطع.

و كنّي بالبضع عن الفرج،فقيل:ملكت بضعها،أي تزوّجتها،و باضعها بضاعا،أي باشرها.

و فلان حسن البضع و البضيع و البضعة و البضاعة:

عبارة عن السّمن.

و قيل للجزيرة المنقطعة عن البرّ:بضيع.

و فلان بضعة منّي،أي جار مجرى بعض جسدي لقربه منّي.

و الباضعة:الشّجّة الّتي تبضع اللّحم.

و البضع بالكسر:المنقطع من العشرة،و يقال ذلك لما بين الثّلاث إلى العشرة،و قيل:بل هو فوق الخمس و دون العشرة،قال تعالى: فِي بِضْعِ سِنِينَ الرّوم:4.

(50)

ابن الأثير: فيه«تستأمر النّساء في أبضاعهنّ»، يقال:أبضعت المرأة إبضاعا إذا زوّجتها.

و الاستبضاع:نوع من نكاح الجاهليّة،و هو «استفعال»من البضع:الجماع؛و ذلك أن تطلب المرأة جماع الرّجل لتنال منه الولد فقط.كان الرّجل منهم يقول لأمته أو امرأته:أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه.

و يعتزلها فلا يمسّها حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرّجل، و إنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد.

و منه الحديث: «و بضعه أهله صدقة»أي مباشرته.

و منه حديث أبي ذرّ: «و بضيعته أهله صدقة».

و منه الحديث: «عتق بضعك فاختاري»أي صارا.

ص: 764


1- ذقط الطّائر أنثاه:سفدها.

فرجك بالعتق حرّا،فاختاري الثّبات على زوجك،أو مفارقته.

و في الحديث: «فاطمة بضعة منّي»البضعة بالفتح:

القطعة من اللّحم،و قد تكسر،أي أنّها جزء منّي،كما أنّ القطعة من اللّحم جزء من اللّحم.

و منه الحديث: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الواحد ببضع و عشرين درجة».البضع في العدد بالكسر،و قد يفتح،ما بين الثّلاث إلى التّسع،و قيل:ما بين الواحد إلى العشرة،لأنّه قطعة من العدد.

و فيه:«المدينة كالكير تنفي خبثها و تبضع طيبها» كذا ذكره الزّمخشريّ،و قال:هو من أبضعته بضاعة،إذا دفعتها إليه.يعني أنّ المدينة تعطي طيبها ساكنها.

و المشهور بالنّون و الصّاد المهملة،و قد روي بالضّاد و الخاء المعجمتين،و بالحاء المهملة من النّضح و النّضخ، و هو رشّ الماء.

و فيه:«أنّه سئل عن بئر بضاعة»هي بئر معروفة بالمدينة،و المحفوظ ضمّ الباء،و أجاز بعضهم كسرها، و حكى بعضهم بالصّاد المهملة.

و فيه ذكر«أبضعة»هو ملك من كندة،بوزن أرنبة، و قيل:هو بالصّاد المهملة.(1:132)

الصّغانيّ: بضع،و ابتضع،إذا تزوّج.و أبضع،إذا زوّج.

و يقال:بضعته فابتضع و بضع،أي بيّنته فتبيّن.

و يقال:هو شريكي و بضيعي،و هم شركائي و بضعائي.

و البضيع:البحر نفسه،و البضيع أيضا:مرسى دون جدّة،ممّا يلي اليمن.

و البضع،بالضّمّ:الفرج نفسه،و البضع أيضا:

الكفء.

و باضع:موضع بساحل الحجاز.

و بضعة اللّحم:تجمع على بضاع أيضا،مثل صحفة و صحاف،و جفنة و جفان،و على بضعات مثل تمرة و تمرات.

و قال الجوهريّ: «فإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع،لا تقول:بضع و عشرون»،و هذا غلط،بل يقال ذلك.

و البضع من العدد في الأصل غير محدود،و إنّما صار مبهما،لأنّه بمعنى القطعة،و القطعة غير محدودة.

الباضع:الّذي يحمل بضائع الحيّ و يجلبها، و ابتضعت البضاعة.

و أبضعة:ملك من ملوك كندة.(4:215)

الفيّوميّ: البضعة:القطعة من اللّحم،و الجمع:

بضع و بضعات و بضع و بضاع،مثل تمرة و تمر و سجدات، و بدر و صحاف.

و بضع:في العدد بالكسر،و بعض العرب يفتح، و استعماله من الثّلاثة إلى التّسعة،و عن ثعلب من الأربعة إلى التّسعة.يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،فيقال:بضع رجال و بضع نسوة.

و يستعمل أيضا من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر، لكن تثبت الهاء في بضع مع المذكّر و تحذف مع المؤنّث كالنّيّف،و لا يستعمل فيما زاد على العشرين.و أجازه بعض المشايخ فيقول:بضعة و عشرون رجلا،و بضع

ص: 765

و عشرون امرأة،و هكذا قاله أبو زيد.و قالوا:على هذا معنى البضع و البضعة في العدد:قطعة مبهمة غير محدودة.

و البضع بالضّمّ:جمعه أبضاع،مثل قفل و أقفال، يطلق على الفرج و الجماع،و يطلق على التّزويج أيضا كالنّكاح يطلق على العقد و الجماع.

و قيل:البضع مصدر أيضا،مثل السّكر و الكفر.

و أبضعت المرأة إبضاعا:زوّجتها.

«و تستأمر النّساء في أبضاعهنّ»يروى بفتح الهمزة و كسرها،و هما بمعنى،أي في تزويجهنّ،فالمفتوح جمع،و المكسور مصدر،من أبضعت.

و يقال:بضعها يبضعها بفتحتين،إذا جامعها،و منه يقال:ملك بضعها،أي جماعها.و البضاع:الجماع وزنا و معنى،و هو اسم من باضعها مباضعة.

و البضاعة بالكسر:قطعة من المال تعدّ للتّجارة.

و بئر بضاعة:بئر قديمة بالمدينة بكسر الباء و ضمّها، و الضّمّ أكثر.

و استبضعت الشّيء:جعلته بضاعة لنفسي، و أبضعته غيري بالألف:جعلته له بضاعة،و جمعها:

بضائع.

و بضعت اللّحم بضعا،من باب نفع:شققته،و منه الباضعة،و هي الشّجّة الّتي تشقّ اللّحم و لا تبلغ العظم و لا يسيل منها دم،فإن سال فهي الدّامية.

و بضعه بضعا:قطعه،و بضّعه تبضيعا مبالغة و تكثير.

(1:50)

الفيروزآباديّ: البضع كالمنع:القطع،كالتّبضيع، و الشّقّ،و تقطيع اللّحم،و التّزوّج.

و المجامعة كالمباضعة و البضاع.

و التّبيين كالإبضاع و التبيّن،بضعه الكلام و أبضعه الكلام:بيّنه له،فبضع هو بضوعا:فهم.

و في الدّمع:أن يصير في الشّفر و لا يفيض.

و بالضّمّ:الجماع أو الفرج نفسه،و المهر،و الطّلاق، و عقد النّكاح ضدّ،و موضع.

و بالكسر و يفتح:الطّائفة من اللّيل،و ما بين الثّلاث إلى التّسع أو إلى الخمس،أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع،أو هو سبع.و إذا جاوزت لفظ العشر:ذهب البضع،لا يقال:بضع و عشرون أو يقال ذلك.

الفرّاء: لا يذكر مع العشرة و العشرين إلى التّسعين و لا يقال:بضع و مائة،و لا ألف.

مبرمان (1):البضع:ما بين العقدين:من واحد إلى عشرة،و من أحد عشر إلى عشرين.

و مع المذكّر بهاء و معها بغير هاء:بضعة و عشرون رجلا و بضع و عشرون امرأة،و لا يعكس،أو البضع غير معدود،لأنّه بمعنى القطعة.

و البضعة و قد تكسر:القطعة من اللّحم،جمعه:بضع بالفتح،و كعنب و صحاف و تمرات.

و كمنبر:ما يبضع به العرق.

و الباضعة:الشّجّة الّتي تقطع الجلد و تشقّ اللّحم شقّا خفيفا و تدمى إلاّ أنّها لا تسيل،و الفرق من الغنم أو القطعة الّتي انقطعت عن الغنم.

و الباضع في الإبل كالدّلاّل في الدّور،أو من يحملّ.

ص: 766


1- هو لقب محمّد بن عليّ بن إسماعيل اللّغويّ.

بضائع الحيّ و يجلبها،و السّيف القطّاع،جمعه:بضعة محرّكة.و باضع:موضع بساحل بحر اليمن،أو جزيرة فيه.

و بضعت به كمنع بضوعا،إذا أمرته بشيء فلم يفعله فدخلك منه.

و من الماء بضعا و بضوعا و بضاعا:رويت.

و البضيع كأمير:الجزيرة في البحر،و مرسى دون جدّة ممّا يلي اليمن،و العرق،و جبل،و البحر،و الماء النّمير كالباضع،و الشّريك،جمعه:بضع.

و كسفينة:الجنيبة تجنب مع الإبل.

و كزبير:موضع أو جبل بالشّام،و موضع عن يسار الجار.

و بئر بضاعة بالضّمّ و قد تكسر بالمدينة؛قطر رأسها ستّة أذرع.

و أبضعة:ملك من ملوك كندة أخو مخوس،و تقدّم في السّين.

و الأبضع:المهزول.

و أبضعها:زوّجها،و الشّيء جعله بضاعة كاستبضعه،و الماء فلانا:أرواه،و عن المسألة:شفاه، و الكلام:بيّنه بيانا شافيا.

و تبضّع العرق:تبصّع،و بالمعجمة أصحّ،و انبضع:

انقطع،و ابتضع:تبيّن.(3:5)

الطّريحيّ: و قوله: فِي بِضْعِ سِنِينَ الرّوم:4، البضع بالكسر و قد يفتح:يقال لما بين الثّلاثة إلى التّسع، و قيل:ما بين الثّلاثة إلى العشرة.و هو قطعة من العدد يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،تقول:بضع سنين و بضع عشر رجلا و بضع عشرة امرأة.

و في الخبر:«أهدي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هريسة من هرائس الجنّة،فزادت في قوّته صلّى اللّه عليه و آله بضع و أربعين رجلا».

و فيه:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الواحد ببضع و عشرين درجة».

و البضع بالضّمّ:يطلق على عقد النّكاح و على الجماع و على الفرج،و الجمع:أبضاع،مثل قفل و أقفال.

و المباضعة:المجامعة،و منه«الكحل يزيد في المباضعة».

و في الحديث المشهور: «فاطمة بضعة منّي»بفتح الباء،أي أنّها جزء منّي كما أنّ القطعة من اللّحم جزء من اللّحم.

و الباضعة:من الشّجاج،و هي الّتي تشقّ اللّحم و تبضعه بعد الجلد و تدمى إلاّ أنّها لا تسيل الدّم.و منه الحديث:«و في الباضعة بعيران».

و«أبضعة»وزان أرنبة:ملك من كندة،و قيل:

أبصعة بالمهملة،و منه الحديث:«لعن اللّه الملوك الأربعة» و ذكر منهم أبضعة.

و بئر بضاعة:بئر بالمدينة لقوم من خزرج.

و«بضاعة»:اسم رجل أو امرأة،و أهل اللّغة يفتحون الباء و يكسرونها،و المحفوظ من الحديث الضّمّ، و قد حكي عن بعضهم بالصّاد المهملة،و ليس بمحفوظ.

و الإبضاع:هو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليبتاع به متاعا،و لا حصّة له في ربحه،بخلاف المضاربة.

(4:300)

الجزائريّ:البضع و النّيّف:

ص: 767

النّيّف:من واحد إلى ثلاثة،و البضع:من أربعة إلى تسعة.

و لا يقال:نيّف،إلاّ بعد عقد،نحو عشرة و نيّف و مائة نيّفة،بخلاف«البضع»فإنّه يستعمل مستقلاّ،و منه قوله تعالى: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ يوسف:

42.(72)

العدنانيّ: بضع و ثلاثون غرفة،و يخطّئون من يقول:في المدرسة بضع و ثلاثون غرفة،معتمدين على قول الصّحاح:«بضع في العدد بكسر الباء،و بعض العرب يفتحها،و هو ما بين الثّلاث إلى التّسع،تقول:

بضع سنين،و بضعة عشر رجلا،و بضع عشرة امرأة، فإذا جاوزت لفظ العشر:ذهب البضع،فلا تقول:بضع و عشرون».

و كان اللّيث بن سعد و شمر بن حمدويه قد قالا:

«البضع لا يكون أقلّ من ثلاث و لا أكثر من عشرة».

و لكن:

كان الكرمانيّ قد أجاز ذلك في«الجامع»و قال:«إنّ أفصح الفصحاء الّذي هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تكلّم به».

و جاء في الحديث:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الواحد ببضع و عشرين درجة».

و جاء في حديث آخر: «بضعا و ثلاثين ملكا».

و قال الفرّاء:«إنّ البضع لا يذكر إلاّ مع العشرة و العشرين إلى التّسعين،و لا يقال فيما بعد ذلك»يعني أنّه يقال:مائة و نيّف.و لا يقال:بضع و مائة،و لا بضع و ألف.

و نقل«التّهذيب»عن أبي زيد الأنصاريّ أنّه قال:

«يقال:له بضعة و عشرون رجلا،و له بضع و عشرون امرأة».[ثمّ استشهد بشعر]

و خطّأ الصّاغانيّ ما قاله الجوهريّ في الصّحاح،و أيّد الخفاجيّ الكرمانيّ في رأيه،و ذكر التّاج:أنّ فتح الباء في «بضع و بضعة»أفصح.

و أنا أرى أنّ كسرها«بضع»أفصح،لأنّها وردت في القرآن الكريم مرّتين مكسورة الباء،إحداهما في الآية (42)من سورة يوسف: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ.

و أورد الرّاغب الأصفهانيّ في مفرداته،و المغرب، و الوسيط،الباء مكسورة.

و روى اللّسان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الفرّاء،و أبي عبيدة،و أبي زيد الأنصاريّ،و أبي تمّام كلمة«بضع» مكسورة الباء.

و قال الصّحاح،و المختار،و المصباح:تكسر الباء، و بعض العرب يفتحها،و هذا يعني أنّ كسر باء«بضع» أعلى من فتحها.(64)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القطع و الإبانة،فيقال:بضعة،أي قطعة.

و البضع من العدد:قطعة منه،و يطلق على الحدّ القليل منه،و هو ما دون العشرة.

و البضع،يطلق على قطعة مخصوصة من البدن، و يكنّى عن الفرج،و يشتقّ منه الفعل بالاشتقاق الانتزاعيّ،فيقال:باضعتها.

و البضع:الرّيّ،و هو قطع مقدار من الماء،و تناوله بالشّرب.(1:269)

ص: 768

النّصوص التّفسيريّة

بضاعة

1- ...قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ. يوسف:19

ابن عبّاس: يعني إخوة يوسف أسرّوا شأنه، و كتموا أن يكون أخاهم،فكتم يوسف شأنه مخافة أن تقتله إخوته،و اختار البيع،فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه.(الطّبريّ 12:169)

مجاهد :صاحب الدّلو و من معه قالوا لأصحابهم:

إنّما استبضعناه،خيفة أن يشركوهم فيه إن علموا بثمنه، و تبعهم إخوته يقولون للمدلي و أصحابه:استوثق منه لا يأبق،حتّى وقفوه بمصر،فقال:من يبتاعني و يبشّر، فاشتراه الملك،و الملك مسلم.

(الطّبريّ 12:169)

أسرّه التّجّار بعضهم من بعض.

(الطّبريّ 12:169)

قالوا لأهل الماء:إنّما هو بضاعة.

(الطّبريّ 12:168)

أسرّه المدلي،و من معه من باقي التّجّار،لئلاّ يسألوهم الشّركة فيه.(الطّوسيّ 6:114)

قتادة: أسرّوا بيعه.(الطّبريّ 12:169)

السّدّيّ: لمّا اشتراه الرّجلان فرقا من الرّفقة أن يقولوا:اشتريناه،فيسألوهم الشّركة،فقالا:إن سألونا ما هذا؟قلنا:بضاعة استبضعناه أهل الماء،فذلك قوله:

وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً بينهم.(الطّبريّ 12:169)

ابن قتيبة: أي أسرّوا في أنفسهم أنّه بضاعة و تجارة.(214)

الطّبريّ: و أمّا قوله: وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله،فقال بعضهم:و اسرّه الوارد المستقي و أصحابه من التّجّار الّذين كانوا معهم،و قالوا لهم:هو بضاعة استبضعناها بعض أهل مصر،لأنّهم خافوا إن علموا أنّهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشّركة.

و قال آخرون: بل معنى ذلك:و أسرّه التّجّار بعضهم من بعض.

و قال آخرون: معنى ذلك:و أسرّوا بيعه.

و قال آخرون: إنّما عنى بقوله: وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً إخوة يوسف،أنّهم أسرّوا شأن يوسف أن يكون أخاهم،قالوا:هو عبد لنا.

و أولى الأقوال بالصّواب،قول من قال:و أسرّ وارد القوم المدلي دلوه،و من معه من أصحابه-من رفقته السّيّارة أمر يوسف-أنّهم اشتروه خيفة منهم أن يستشركوهم،و قالوا لهم:هو بضاعة أبضعها معنا أهل الماء؛و ذلك أنّه عقيب الخبر عنه،فلأن يكون ما وليه من الخبر خبرا عنه،أشبه من أن يكون خبرا عمّن هو بالخبر عنه غير متّصل.(12:169)

الزّجّاج: لمّا وجدوه و أحبّوا أن لا يعلم بأنّه موجود،و أن يوهموا أنّه بضاعة دفعها إليهم أهل الماء (و بضاعة)منصوب على الحال،كأنّه قال:و أسرّوه.

جاعليه بضاعة.(3:98)

نحوه الطّوسيّ.(6:114)

ص: 769

البغويّ: قيل:أراد أنّ إخوة يوسف أسرّوا شأن يوسف،و قالوا:هذا عبد لنا،أبق منّا.(2:481)

الميبديّ: (بضاعة)منصوب على الحال،يعني أسرّه مالك بن ذعر و أصحابه،فقالوا للسّيّارة:هو بضاعة أبضعناها أهل الماء لنبيعه بمصر،لئلاّ يستشركهم فيه النّاس.(5:31)

الزّمخشريّ: (بضاعة)نصب على الحال،أي أخفوه متاعا للتّجارة.و البضاعة:ما بضع من المال للتّجارة،أي قطع.(2:309)

نحوه البيضاويّ(1:49)،و أبو حيّان(5:290).

ابن عطيّة: و(بضاعة)حال،و البضاعة:القطعة من المال يتّجر فيها بغير نصيب من الرّبح،مأخوذة من قولهم:بضعت،أي قطعت.

و قيل:إنّهم أسرّوا في أنفسهم يتّخذونه بضاعة لأنفسهم،أي متّجرا،و لم يخافوا من أهل الرّفقة شيئا.ثمّ يكون الضّمير في قوله:(و شروه)لهم أيضا،أي باعوه، بثمن قليل؛إذ لم يعرفوا حقّه و لا قدره،بل كانوا زاهدين فيه.و روي على هذا أنّهم باعوه من تاجر.

و قال مجاهد: الضّمير في(اسرّوه)لأصحاب الدّلو، و في(شروه)لإخوة يوسف الأحد عشر.و قال ابن عبّاس:بل الضّمير في(اسرّوه)و(شروه)لإخوة يوسف.

و ذلك أنّه روي أنّ إخوته لمّا رجعوا إلى أبيهم و أعلموه رجع بعضهم إلى الجبّ ليتحقّقوا أمر يوسف، و يقفوا على الحقيقة من فقده،فلمّا علموا أنّ الورّاد قد أخذوه،جاءوهم فقالوا:هذا عبد أبق لأمّنا و وهبته لنا و نحن نبيعه منكم.فقارّهم يوسف على هذه المقالة خوفا منهم،و لينفذ اللّه أمره،فحينئذ أسرّه إخوته إذ جحدوا اخوته فأسرّوها،و اتّخذوه(بضاعة)أي متّجرا و مكسبا.(3:229)

أبو الفتوح: يعني عدّوه(بضاعة)،و نصب على المفعول له.و يجوز أن يكون حالا على تقدير:و أعدّوه بضاعة.(3:117)

الفخر الرّازيّ: الضّمير في(و اسرّوه)إلى من يعود؟ففيه قولان:

الأوّل:أنّه عائد إلى الوارد و أصحابه أخفوا من الرّفقة أنّهم وجدوه في الجبّ؛و ذلك لأنّهم قالوا:إن قلنا للسّيّارة:التقطناه شاركونا فيه،و إن قلنا:اشتريناه:

سألونا الشّركة.فالأصوب أن نقول:إنّ أهل الماء جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه لهم بمصر.

و الثّاني:نقل عن ابن عبّاس أنّه قال:(و اسرّوه) يعني إخوة يوسف أسرّوا شأنه،و المعنى:أنّهم أخفوا كونه أخا لهم،بل قالوا:إنّه عبد لنا أبق منّا،و تابعهم على ذلك يوسف،لأنّهم توعّدوه بالقتل بلسان العبرانيّة.

و الأوّل أولى لأنّ قوله: وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً يدلّ على أنّ المراد أسرّوه حال ما حكموا بأنّه بضاعة؛و ذلك إنّما يليق بالوارد لا بإخوة يوسف.(18:106)

الآلوسيّ:نصب قوله سبحانه:(بضاعة)على الحال،أي أخفوه حال كونه متاعا للتّجارة.

و في«الفرائد»أنّه ضمّن(اسرّوه)معنى جعلوه،أي جعلوه بضاعة مسرّين إيّاه،فهو مفعول به.

و قال ابن الحاجب:يحتمل أن يكون مفعولا له،أي

ص: 770

لأجل التّجارة.و ليس شرطه مفقودا لاتّحاد فاعله و فاعل الفعل المعلّل به؛إذ المعنى كتموه لأجل تحصيل المال به،و لا يجوز أن يكون تمييزا.(12:204)

مثله القاسميّ.(9:3522)

2- ...وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. يوسف:88

راجع«زجو-مزجاة».

بضع

1- وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ. يوسف:42

ابن عبّاس: دون العشرة.(الطّبريّ 12:225)

مجاهد :ما بين الثّلاث إلى التّسع.

مثله قتادة.(الطّبريّ 12:224)

و مثله الأصمعيّ.(الزّجّاج 3:112)

من الثّلاثة إلى السّبعة.(ابن عطيّة 3:247)

الضّحّاك: البضع:أربع عشرة سنة.

مثله طاوس.(الآلوسيّ 12:248)

قتادة: لبث يوسف في السّجن سبع سنين.

مثله ابن جريج.(الطّبريّ 12:224)

و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(الكاشانيّ 3:22)

قطرب: البضع:ما بين الثّلاث إلى السّبع.

(الزّجّاج 3:112)

الفرّاء: ذكروا أنّه لبث سبعا بعد خمس.و البضع:

ما دون العشرة.(2:46)

أبو عبيدة: البضع:لا يبلغ العقد و لا نصف العقد، و إنّما هو من الواحد إلى الأربعة.(ابن عطيّة 3:247)

الأخفش: البضع:من الواحد إلى العشرة.

(ابن عطيّة 3:247)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في قدر البضع الّذي لبث يوسف في السّجن،فقال بعضهم:سبع سنين.

و قال آخرون: البضع:ما بين الثّلاث إلى التّسع.

و قال آخرون: بل هو ما دون العشر.

و زعم الفرّاء أنّ البضع لا يذكر إلاّ مع عشر،و مع العشرين إلى التّسعين،و هو نيّف ما بين الثّلاثة إلى التّسعة،و قال:كذلك رأيت العرب تفعل،و لا يقولون:

بضع و مائة،و لا بضع و ألف،و إذا كانت للذّكر،قيل:

بضع.

و الصّواب في البضع:من الثّلاث إلى التّسع إلى العشر،و لا يكون دون الثّلاث،و كذلك ما زاد على العقد إلى المائة،و ما زاد على المائة فلا يكون فيه بضع.

(12:224)

الزّجّاج: اختلفوا في البضع فقال بعضهم:البضع ما بين الثّلاث إلى الخمس.

و اشتقاق البضع و البضعة من:قطعت الشّيء،فمعناه القطعة من العدد؛فجعل لما دون العشرة:من الثّلاث إلى التّسع.(3:112)

الطّوسيّ: و البضع:قطعة من الدّهر.(6:145)

الميبديّ: أي سبع سنين،و قيل:سبع سنين بعد

ص: 771

الرّؤيا،و كان فيه خمس سنين قبل ذلك،و هو ما جاء في الخبر.و قيل:البضع:ما بين الثّلاث إلى التّسع.(5:70)

نحوه الفخر الرّازيّ.(18:146)

الزّمخشريّ: البضع:ما بين الثّلاث إلى التّسع، و أكثر الأقاويل على أنّه لبث فيه سبع سنين.

(2:322)

ابن عطيّة: و«بضع»في كلام العرب اختلف فيه، فالأكثر على أنّه من الثّلاثة إلى العشرة،قاله ابن عبّاس؛ و على هذا هو فقه مذهب مالك رحمه اللّه في الدّعاوي و الأيمان.

[و بعد نقل قول أبي عبيدة و الأخفش و قتادة قال:]

و يقوّي هذا ما روي من أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لأبي بكر الصّدّيق،في قصّة خطره مع قريش في غلبة الرّوم لفارس:«أ ما علمت أنّ البضع من الثّلاث إلى التّسع».

و قال مجاهد: من الثّلاثة إلى السّبعة.

قال الفرّاء: و لا يذكر البضع إلاّ مع العشرات، لا يذكر مع مائة و لا مع ألف.

و الّذي روي في هذه الآية أنّ يوسف عليه السّلام سجن خمس سنين،ثمّ نزلت له قصّة الفتيين.(3:247)

القرطبيّ: قوله تعالى: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ البضع:قطعة من الدّهر مختلف فيها؛قال يعقوب عن أبي زيد:يقال:بضع و بضع بفتح الباء و كسرها،قال أكثرهم:و لا يقال:بضع و مائة،و إنّما هو إلى التّسعين.

و قال الهرويّ:العرب تستعمل«البضع»فيما بين الثّلاث إلى التّسع.و البضع و البضعة واحد،و معناهما القطعة من العدد.

و حكى أبو عبيدة أنّه قال:البضع ما دون نصف العقد،يريد ما بين الواحد إلى أربعة،و هذا ليس بشيء.

و في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لأبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه: «و كم البضع»؟فقال:ما بين الثّلاث إلى السّبع،فقال:«اذهب فزائد في الخطر».

و على هذا أكثر المفسّرين،أنّ البضع سبع،حكاه الثّعلبيّ.قال الماورديّ:و هو قول أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه و قطرب.

و قال مجاهد: من ثلاث إلى تسع،و قاله الأصمعيّ.

ابن عبّاس: من ثلاث إلى عشرة.و حكى الزّجّاج أنّه ما بين الثّلاث إلى الخمس.

قال الفرّاء: و البضع لا يذكر إلاّ مع العشرة و العشرين إلى التّسعين،و لا يذكر بعد المائة.

و في المدّة الّتي لبث فيها يوسف مسجونا ثلاثة أقاويل:أحدها:سبع سنين،قاله ابن جريج و قتادة و وهب بن منبّه،قال وهب:أقام أيّوب في البلاء سبع سنين،و أقام يوسف في السّجن سبع سنين.الثّاني:اثنتا عشرة سنة،قاله ابن عبّاس.الثّالث:أربع سنين،قاله الضّحّاك.

و قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عبّاس قال:مكث يوسف في السّجن خمسا و بضعا.و اشتقاقه من بضعت الشّيء،أي قطعته،فهو قطعة من العدد،فعاقب اللّه يوسف بأن حبس سبع سنين أو تسع سنين بعد الخمس الّتي مضت،فالبضع:مدّة العقوبة لا مدّة الحبس كلّه.

قال وهب بن منبّه:حبس يوسف في السّجن سبع سنين،و مكث أيّوب في البلاء سبع سنين،و عذّب

ص: 772

بخت نصّر بالمسخ سبع سنين.

و قال عبد اللّه بن راشد البصريّ عن سعيد بن أبي عروبة:إنّ البضع ما بين الخمس إلى الاثنتي عشرة سنة.

(9:197)

أبو حيّان: (و بضع سنين)مجمل،فقيل:سبع، و قيل:اثنا عشر.و الظّاهر أنّ قوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ إخبار عن مدّة مقامه في السّجن منذ سجن إلى أن أخرج.

و قيل:هذا اللّبث هو ما بعد خروج الفتيين و ذلك سبع،و قيل:سنتان.(5:311)

الآلوسيّ: البضع:ما بين الثّلاث إلى التّسع،كما روي عن قتادة.و عن مجاهد أنّه من الثّلاث إلى السّبع.

و قال أبو عبيدة:من الواحد إلى العشرة.

و لا يذكر على ما قال الفرّاء:إلاّ مع العشرات دون المائة و الألف،و هو مأخوذ من«البضع»بمعنى القطع.

و المراد به هنا في أكثر الأقاويل سبع سنين،و هي مدّة لبثه كلّها فيما صحّحه البعض،و سنتان منها كانت مدّة لبثه بعد ذلك القول،و لا يأبى ذلك فاء السّببيّة،لأنّ لبث هذا المجموع مسبّب عمّا ذكر.

و قيل:إنّ هذه السّبع مدّة لبثه بعد ذلك القول،و قد لبث قبلها خمسا،فجميع المدّة اثنتا عشرة سنة،و يدلّ عليه خبر«رحم اللّه تعالى أخي يوسف لو لم يقل:

اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ لما لبث في السّجن سبعا بعد خمس».

و تعقّب بأنّ الخبر لم يثبت بهذا اللّفظ،و إنّما الثّابت في عدّة روايات«ما لبث في السّجن طول ما لبث»و هو لا يدلّ على المدّعى.

و روى ابن حاتم عن طاوس و الضّحّاك تفسير «البضع»هاهنا بأربع عشرة سنة،و هو خلاف المعروف في تفسيره.و الأولى أن لا يجزم بمقدار معيّن،كما قدّمنا.

(12:247)

رشيد رضا: و قد اختلف المفسّرون في مدّة لبث يوسف في السّجن،بناء على الاختلاف في تفسير «البضع»و اختلاف الرّواة؛فالتّحقيق أنّ«البضع»من ثلاث إلى التّسع،و أكثر ما يطلق على السّبع.و عليه الأكثرون في مدّة سجن يوسف من أوّلها إلى آخرها.

و ما قالوه:من أنّ السّبع كانت بعد وصيّته للسّاقي، و أنّه لبث قبلها خمس سنين،فلا دليل عليه.

(12:315)

2- فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. الرّوم:4

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّما البضع ما بين الثّلاث إلى التّسع.

(الطّبريّ 21:20)

ابن عبّاس: عند رأس سبع سنين.

(تنوير المقباس:338)

أبو عبيدة:من الثّلاث إلى الخمس.

(ابن عطيّة 4:328)

المبرّد: البضع:ما بين العقدين في جميع الأعداد.

(الطّوسيّ 8:229)

الطّوسيّ: البضع:القطعة من العدد ما بين الثّلاث إلى العشر.(8:229)

ص: 773

البغويّ: و البضع:ما بين الثّلاث إلى السّبع،و قيل:

ما بين الثّلاث إلى التّسع،و قيل:ما دون العشرة.(3:571)

مثله الخازن.(5:168)

الميبديّ: و البضع:اسم للثّلاث و الخمس و السّبع و التّسع.(7:425)

ابن عطيّة: أي من الثّلاثة إلى التّسعة،على مشهور قول اللّغويّين،كأنّه تبضيع العشرة،أي تقطيعها.و قال أبو عبيدة:من الثّلاث إلى الخمس،و قوله مردود.(4:328)

الفخر الرّازيّ: قيل:هي ما بين الثّلاثة و العشرة.

(25:96)

مثله النّسفيّ.(3:265)

البروسويّ: البضع بالفتح:قطع اللّحم،و بالكسر المنقطع عن العشرة،و يقال ذلك لما بين الثّلاث إلى العشر،و قيل:بل هو فوق الخمس دون العشر.(7:5)

القاسميّ: البضع:و هو ما بين الثّلاث إلى التّسع.

(13:4765)

نحوه الطّباطبائيّ.(16:155)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: البضاعة على أربعة أوجه:البضاعة:

الدّراهم،متاع الأكراد،البضاعة من كلّ شيء،بضع سنين.

فوجه منها:بضاعة الدّراهم،قوله: وَ لَمّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ يوسف:65،يعني دراهمهم،كقوله: ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا يوسف:65.

و الوجه الثّاني:البضاعة يعني متاع الأكراد الجبن و السّجن،قوله: وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ يوسف:88.

و الوجه الثّالث:البضاعة:المال المنتفع،قوله عزّ و جلّ حكاية عن أهل القافلة: وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً يوسف:19.

و الوجه الرّابع:بضع سنين،قوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ يوسف:42.(159)

الفيروزآباديّ: و ورد في التّنزيل من هذه المادّة على وجوه:

الأوّل:اسم لمال التّجارة وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ يوسف:65، هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا يوسف:65.

الثّاني:اسم للمأكولات،و أسباب المعيشة: وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ.

الثّالث:اسم لحقيقة البضاعة وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً يوسف:19.

الرّابع:لمدّة من الزّمان فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ يوسف:42.(2:250)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البضعة،أي القطعة من اللّحم خاصّة،يقال:أعطيته بضعة من اللّحم،إذا أعطيته قطعة مجتمعة.و بضعت اللّحم أبضعه بضعا فانبضع،و بضّعته تبضيعا:جعلته قطعا.و فلان شديد البضع و البضعة،أي ذو جسم و سمن.و المبضع:الحديدة الّتي يبضع بها اللّحم،و البضيع:اللّحم،يقال:دابّة كثيرة

ص: 774

البضيع،و ساعد خاظي البضيع:ممتلئ اللّحم.

و تجمع البضعة على بضع مثل:تمرة و تمر،و بضعات مثل:تمر و تمرات،و بضع مثل:بذرة و بذر،و بضاع مثل:

صحفة و صحاف.

ثمّ توسّع في هذا المعنى،فقيل لجزء المال:بضاعة -و هي عند الرّاغب قطعة وافرة من المال تقتنى للتّجارة-يقال:أبضعت الشّيء و استبضعته،أي جعلته بضاعة،و أبضعه البضاعة:أعطاه إيّاها،و ابتضع منه:

أخذ،و الاسم:البضاع،و في المثل«كمستبضع التّمر إلى هجر»،و الباضع:من يجلب بضائع الحيّ.

و من المجاز:اتّخذ عرضه بضاعة،أي جعله كالشّيء يشرى و يباع.و قيل لقطعة الغنم المقطوعة عنها:

باضعة،و الباضعة أيضا:شجّة تقطّع اللّحم.و قيل للجزيرة في البحر:البضيع،لانقطاعها من الأرض.

و منه:البضع و البضع،و هو من العدد ما بين الثّلاثة إلى العشرة،و قيل:ما بين الأربعة إلى التّسعة،أو ما بين الواحد إلى الأربعة،إلاّ أنّ المشهور فيه ما لا يكون أقلّ من ثلاثة و لا أكثر من عشرة،يقال:بضع عشرة امرأة، و بضعة عشر رجلا.

و منه أيضا:البضع و البضع:أي المباشرة و الجماع؛إذ الرّجل يبضع المرأة حينما يفضّ بكارتها،ثمّ أطلق على مباشرة الثّيّب و على الفرج و عقد النّكاح توسّعا،يقال:

ملك فلان بضع فلانة،أي ملك عقدة نكاحها،فبضعها بضعا و بضعا و باضعها بضاعا،و في المثل:«كمعلّمة أمّها البضاع»،يضرب للرّجل يعلّم من هو أعلم منه.

و بضع فلان و ابتضع:تزوّج،و الاستبضاع:نوع من نكاح أهل الجاهليّة،و هو أن تطلب المرأة جماع الرّجل لتنال منه الولد فقط،و منه ما ورد أنّ عبد اللّه أبا النّبيّ مرّ بامرأة،فدعته أن يستبضع منها.

و قالوا على التّشبيه:فلان بضعة من فلان،و منه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«فاطمة بضعة منّي»،و قوله في الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام المدفون في مدينة مشهد مركز محافظة خراسان:«ستدفن بضعة منّي بأرض خراسان».

و ماء باضع و بضيع:نمير،أي عذب يقطع العطش، كقولهم:سيف باضع،إذا مرّ بشيء بضعه،يقال:بضعت من الماء بضوعا،أي رويت،و قد أبضعني،و شرب فلان فما بضع:ما روي،و في المثل«حتّى متى تكرع و لا تبضع»،أي تشرب و لا تروى.

2-و قد جاء البضع-كما تقدّم-مفتوحا و مضموما و مكسورا،و تدلّ كلّ حركة من هذه الحركات الثّلاث على معنى يحاكيها.

فالبضع المفتوح يعني القطع و الشّقّ،و هذا يدلّ على فتح الشّيء المقطوع و كشفه.

و البضع المضموم يعني الفرج و النّكاح و ما يتعلّق بالمرأة،و هذا يدلّ على الضّمّ و التّغطية و عدم الكشف كالأوّل.

و البضع المكسور يعني العدد الّذي يكون ما بين الثّلاثة إلى العشرة،و هذا يدلّ على كسر العقد و اخترامه.

3-و أغلب نظائر البضعة مكسورة الفاء في اللّغة، مثل:القطعة و الفلذة و الفدرة و الكسفة و الخرقة و الجزلة و الحذية و القسمة و الحصّة و الصّرمة و البتكة.كما جاءت

ص: 775

مفتوحة و مضمومة،و هي قليلة مثل:الوذرة و الهبرة، و الحزّة و النتفة و الخبرة.

4-و أمّا قولهم:مرّ بضع من اللّيل،فلعلّه قطعة منه، أو هو مقلوب عن«بعض»،أي جزء.و قولهم:جبهته تتبضّع-أي تسيل عرقا-تصحيف«تتبصّع»بالصّاد، من البصيع،أي العرق الرّاشح.

5-و هناك اشتقاق أكبر بين(ب ض ع)و(ب ع ض)، فبعض الشّيء:جزء و قطعة منه كالبضعة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء لفظان من هذه المادّة في سورتين مكّيّتين(7) مرّات،ستّ منها في سورة يوسف:

أ-بضع(مرّتين):

1- فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ يوسف:42.

2- غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ الرّوم:2-4

ب-بضاعة(خمس مرّات):

1- قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً

يوسف:19

2- مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ

يوسف:88

3- هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا يوسف:65

4- وَ قالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ

يوسف:62

5- وَ لَمّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ يوسف:65

يلاحظ أوّلا:أنّ مكث يوسف في السّجن،و فترة توقّف الحرب بعد انتصار الفرس على الرّوم كان سبع سنين،إن قلنا بأنّ«البضع»ما بين ثلاث إلى عشر،كما ذهب إليه أغلب اللّغويّين و المفسّرين،فتخرج الثّلاث من العدد،كقولك:جلست بين زيد و عمرو،فإنّك خارج منهما،و تدخل العشر فيه،كقوله تعالى: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الإسراء:1، حيث دخل المسجدان في الإسراء.

ثانيا:لقد أبهمت المدّة في القرآن مع لفظ(سنين) بثلاثة أنماط:

الأوّل:القلّة: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ طه:

40.

الثّاني:الكثرة: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ المؤمنون:112.

الثّالث:الحصر:و هو استعمال«بضع»كما في الآيتين،لاحظ«س ن و».

ثالثا:أنّ«البضاعة»في القرآن انحصرت في سورة يوسف،و هي نفسها بضاعة رائجة.و كيف لا تكون كذلك و قد كانت«البضاعة»في الآية الأولى يوسف نفسه،و في سائر الآيات مال أبيه يعقوب من الذّهب أو الفضّة.فبارك اللّه في يوسف حتّى أصبح إليه حلّ الأمور و عقدها،و بسطها و قبضها،و أصبحت خيرات مصر في قبضته و حوزته.كما بارك اللّه أيضا في مال يعقوب رغم قلّته،فدرّ عليه رزقا وفيرا من الميرة أي الطّعام،و عاد إليه دون أن ينقص منه شيئا.

ص: 776

رابعا:أنّ إخوة يوسف استبضعوا أخاهم،فباعوه بثمن بخس،و أبضعهم ميرة-(نمير اهلنا)-بدون ثمن، إظهارا لكرامته،و إشارة إلى هوان ما صبوا إليه،إذ باعوه بمال حقير،و شراهم بقوت يسير،فكانت صفقة رابحة، نفّست بها الكروب،و برئ النّبيّ يعقوب و أخصب جنابهم،و التأم شملهم.

خامسا:اختلفوا في إعراب(بضاعة)في(و اسرّوه بضاعة)في(1)،هل هي حال-كما عليه الأكثر-أي أخفوا يوسف حال كونه بضاعة لهم و متاعا للتّجارة.أو مفعول له،أي أسرّوه ليكون بضاعة لهم.أو مفعول لفعل مقدّر،أي أسرّوه و اتّخذوه بضاعة؟

و اختلفوا كذلك اختلافا كثيرا في ضمير الجمع في (اسرّوه)و في وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يوسف:20،إلى من يرجعان؟إلى إخوة يوسف،أي أنّهم أسرّوا أنّه أخاهم-و قالوا:إنّه عبد لنا قد أبق-ليتّخذوه بضاعة،ثمّ شروه بثمن بخس من السّيّارة بعد ما خرج من البئر.

و هذا يوافق كون(بضاعة)مفعولا له أو مفعولا به.

أو إلى الوارد و من معه من التّجّار،أي هؤلاء أخفوا أمر يوسف عن رفقتهم السّيّارة بأنّهم أخرجوه من البئر.

أو اشتروه بثمن بخس من إخوة يوسف،لو فرضنا أنّهم هم الّذين شروه بثمن بخس،لئلاّ يسألوهم الشّركة فيه،و أسرّوا في أنفسهم أنّه بضاعة،أو ليبقى لهم بضاعة.

أو ادّعوا أنّهم استبضعوه من صاحب المال بضاعة يبيعوها لهم في مصر،فجعلوها بضاعة و أمانة،ثمّ شروه هؤلاء بمصر بثمن بخس.و هذا يوافق أيضا كونها مفعولا له أو مفعولا به،و اختاره الطّبريّ و الطّوسيّ و غيرهما بتفاوت قليل،بحجّة أنّ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً جاء عقيب وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ، فلأن يكون ما وليه خبرا له أولى من أن يكون خبرا لإخوة يوسف المنفصلين عنه.

و عندنا أنّ هذا أوفق بالسّياق،لأنّ الأوّل يستدعي تكلّف أنّ الإخوة-بعد أن خلص يوسف من الجبّ على يد الوارد-ادّعوا أنّه عبد لهم أبق،ليتيسّر لهم بيعه للسّيّارة،و الوجه الثّاني خال عن هذا التّكلّف.و عليه فالّذين شروه بثمن بخس هم السّيّارة دون إخوة يوسف،و المشتري هو الّذي جاء فيه بعدها وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ....

ففي القصّة شراء و اشتراء واحد ليس مرّتين؛ أحدهما:شراءه الإخوة للسّيّارة،و ثانيهما:شراءه السّيّارة للّذي اشتراه من مصر.

و كأنّ الّذين اختاروا الوجه الأوّل عمدوا إلى الرّوايات و القصص الّتي هي أشبه بالأساطير في قصّة يوسف خاصّة،و في سائر القصص القرآنيّة عامّة، و أكثرها إسرائيليّات سرت إلى تفاسير المسلمين في الصّدر الأوّل فما بعده،يلتذّ بسردها و يتمتّع بنقلها القاصّون و من ينسج على منوالهم،من الوعّاظ و المتصوّفة و الشّعراء.

سادسا:من شدّة حلاوة قصّة يوسف و ما فيها من نكات بلاغيّة لطيفة-و لا سيّما بشأن يوسف حين ألقي في البئر و حين خلص منها-صارت(بضاعة)في آيتين منها مثلا سائرا: بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ، هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ

ص: 777

إِلَيْنا.

و ليست(بضاعة)وحيدة بهذه المزيّة،بل في سورة يوسف جملة من الأمثال السّائرة لفظا أو معنى،ففي صدرها:حسن يوسف و عفّته و صبره،و سماحته أمام إخوته،و أمانته تجاه الملك،و نجاته من ضيق الجبّ و تسنّمه عرش الملك،و نحوها.

أمّا سوى ذلك من الأمثال فكلّها لها علاقة بيوسف، مثل:إخوة يوسف و حسدهم و كيدهم له،ذئب يوسف، قميص يوسف و شهادته على كذب أكل الذّئب إيّاه، و براءته من تهمة الفاحشة بشقّه من دبره،و ردّ بصر أبيه من أجله،عشق امرأة العزيز ليوسف،قطع النّسوة أيديهنّ إعجابا بيوسف،سجن يوسف،تعبيره الرّؤيا، قول امرأة العزيز: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51، في شأن براءة يوسف و قولها: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ يوسف:53،قول يعقوب والد يوسف:

وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ يوسف:87،قوله لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يوسف:92، سجودهم جميعا ليوسف،استغفار يعقوب لإخوة يوسف،لفظة«البشير»و غيرها قد أثّرت تأثيرا بالغا في الأدب الإسلاميّ عموما و في الأدب الفارسيّ خصوصا.

فلو جمعت تلك الآثار الّتي تأثّرت بسورة يوسف و قصّته لكوّنت موسوعة أدبيّة كبيرة،لاحظ«يوسف».

ص: 778

ب ط أ

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البطء:الإبطاء،بطؤ في مشيه يبطؤ بطء و بطاء،فهو بطيء.

و يقال:ما أبطأ بك عنّا.و قوم بطاء،و فلان بطوء، مثل بطوع.

و باطية:اسم،مجهول أصله.(7:462)

اللّيث: ما أبطأ بك يا فلان عنّا،و بطّأ فلان بفلان، إذا ثبّطه عن أمر عزم عليه.(الأزهريّ 14:38)

أبو زيد: أبطأ القوم،إذا كانت دوابّهم بطاء.

(الجوهريّ 1:37)

ابن السّكّيت: قد استبطأتك و قد أبطأت علينا؛ و لا تقل:أبطيت.و قد بطؤ مجيئك.

و يقال:بطآن ذا خروجا،و بطآن ذا خروجا.

(إصلاح المنطق:148)

الزّجّاج: أبطأ القوم:صارت إبلهم بطاء.

(فعلت و أفعلت:45)

ابن دريد: أبطأ يبطئ إبطاء،و الاسم:البطء يا هذا،و تباطأ في مشيته تباطؤا،إذا تثاقل فيها،و فرس بطيء من خيل بطاء.(3:208)

عبد الرّحمن الهمذانيّ: و تقول في ضدّه [الإسراع]:تباطأ الرّجل في سيره،و تلبّث،و تمكّث في مكان،و تصرّع في طريقه،و تأرّض بمكان كذا،و تريّث في مسيره،و تلوّم،و غضّ من سيره،و تمهّل في سيره، و يقال:سار متمكّنا،و متباطئا،و متلوّما،و متريّثا، و متربّثا،و متمهّلا.(83)

الأزهريّ: الباطية:النّاجود الّذي يجعل فيه الشّراب،و جمعه:البواطي،و قد جاء في أشعارهم.

(14:38)

الصّاحب: البطء:الإبطاء،هو بطيء و هم بطآء، و بطؤ يبطؤ بطء،و التّباطؤ:منه.

و لم أفعله بطء يا هذا و بطأى،أي لم أفعله الدّهر،في لغة بني يربوع.

ص: 779

و باطية:اسم،مجهول أصله.(9:227)

الجوهريّ: البطء:نقيض السّرعة،تقول منه:بطؤ مجيئك،و أبطأت فأنت بطيء؛و لا تقل:أبطيت.و قد استبطأتك.

و يقال:ما أبطأ بك،و ما بطّأ بك،بمعنى.و تباطأ الرّجل في مسيره.

و يقال:بطآن ذا خروجا،و بطآن ذا خروجا،أي بطؤ ذا خروجا،فجعلت الفتحة الّتي في بطؤ على نون بطآن، حين أدّت عنه،لتكون علما لها،و نقلت ضمّة الطّاء إلى الباء.و إنّما صحّ فيه النّقل،لأنّ معناه التّعجّب،أي ما أبطأه!(1:36،37)

نحوه الرّازي(مختار الصّحاح:68)

ابن فارس: الباء و الطّاء و الهمزة أصل واحد،و هو البطء في الأمر؛أبطأ إبطاء و بطء،و رجل بطيء،و قوم بطاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:260)

ابن سيدة: البطء:نقيض الإسراع،بطؤ بطأ و بطاء،و أبطأ و تباطأ و هو بطيء و الجمع:بطاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبطأ الرّجل:إذا كان دوابّه بطاء.

و أبطأ عليه الأمر:تأخّر.

و بطّأ عليه بالأمر،و أبطأ به،كلاهما:أخّره.

و ما بطّأ بك عنّا؟أي ما أبطأ.[ثمّ استشهد بشعر]

و بطآن ما يكون ذلك،و بطآن أي بطؤ،جعلوه اسما للفعل،كسرعان.(9:208)

بطؤ بطء و بطاء،و أبطأ و تباطأ:توانى و تأخّر،ضدّ أسرع،فهو بطيء و مبطئ و متباطئ.

و بطّأه:ثبّطه عن أمر عزم عليه،و أبطأ به:أخّره، و أبطأ عليه:تأخّر،و استبطأه:طلب منه أن يبطئ و عدّه بطيئا.(الإفصاح 1:281)

الطّوسيّ: الإبطاء:إطالة مدّة العمل لقلّة الانبعاث،و ضدّه الإسراع،و هو قصر مدّة العمل، للتّدبير فيه.و الأناة:إطالة الإحكام الّذي لا سبيل إليه إلاّ بالتّثبّت فيه،و ضدّها العجلة و هي قصر المدّة من غير إحكام الصّنعة.

تقول:بطؤ في مشيه يبطؤ بطء،إذا ثقل،و تباطأ تباطؤا،و بطّأه تبطيئا،و استبطأ استبطاء،و أبطأ إبطاء:إذا تأخّر.(3:255)

نحوه الطّبرسيّ.(3:74)

الرّاغب: البطء:تأخّر الانبعاث في السّير،يقال:

بطؤ و تباطأ و استبطأ و أبطأ فبطؤ،إذا تخصّص بالبطء.

و تباطأ:تحرّى و تكلّف ذلك،و استبطأ طلبه،و أبطأ:

صار ذا بطء.

و يقال:بطّأه و أبطأه.و قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ النّساء:72،أي يثبّط غيره.

و قيل:يكثر هو التّثبّط في نفسه،و المقصد من ذلك أنّ منكم من يتأخّر و يؤخّر غيره.(52)

الزّمخشريّ: أبطأ عليّ فلان،و بطؤ في مشيته، و تباطأ في أمره،و تباطأ عنّي،و فيه بطء،و ما كنت بطيئا و لقد بطؤت،و فرس بطيء من خيل بطاء،و ما أبطأ بك عنّا؟و ما بطّأ بك،و ما بطّأك؟[ثمّ استشهد بشعر]

و استبطأته،و استبطأت عطاءه،و كتب إليّ كتاب استزادة و استبطاء،و كتب إليّ يستزيدني

ص: 780

و يستبطئني.(أساس البلاغة:24)

المدينيّ: بطّأ تعدية لبطؤ،و مبالغة فيه،يقال:بطؤ عن الأمر و بطّأ،إذا بالغ فيه،ثمّ يعدّى بالباء،فيقال:بطّأ به و بطّأته أنا.(1:167)

ابن الأثير: «من بطّأ به عمله لم ينفعه نسبه»أي من أخّره عمله السّيّئ و تفريطه في العمل الصّالح لم ينفعه في الآخرة شرف النّسب،يقال:بطّأ به و أبطأ به، بمعنى.(1:134)

الفيّوميّ: أبطأ الرّجل:تأخّر مجيئه،و بطؤ مجيئه بطء،من باب قرب،و بطاءة بالفتح و المدّ،فهو بطيء، على«فعيل».(1:52)

الفيروزآباديّ: بطؤ ككرم بطء بالضّمّ و بطاء ككتاب،و أبطأ:ضدّ أسرع.

و البطيء كأمير:لقب.

و ابطئوا،إذا كانت دوابّهم بطاء.و لم أفعله بطء يا هذا.

و كبشرى،أي الدّهر.

و بطآن ذا خروجا و يفتح،أي بطؤ.

و بطّأ عليه بالأمر تبطيئا،و أبطأ به:أخّره.(1:8)

الزّبيديّ: تبطّأ الرّجل في مسيره،و ما أبطأ بك و ما بطّأك؟و استبطأته،و كتب إليّ يستبطئني.

و بيطاء:اسم سفينة.(1:46)

مجمع اللّغة: بطؤ يبطؤ بطء،من باب قرب:

تثاقل و لم يسرع،و كذلك:أبطأ.

و بطّأ بالأمر تبطيئا:أبطأ،و بطّأ فلان بفلان تبطيئا:

ثبّطه عن أمر عزم عليه.(1:104)

النّصوص التّفسيريّة

ليبطّئنّ

وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً.

النّساء:72

الفرّاء: اللاّم الّتي في(من)دخلت لمكان(انّ)كما تقول:إنّ فيها لأخاك.و دخلت اللاّم في(ليبطّئنّ)و هي صلة ل(من)على إضمار شبيه باليمين،كما تقول في الكلام:

هذا الّذي ليقومنّ،و أرى رجلا ليفعلنّ ما يريد.

و اللاّم في النّكرات إذا وصلت أسهل دخولا منها في «من و ما و الّذي»لأنّ الوقوف عليهنّ لا يمكن.و المذهب في«الرّجل و الّذي»واحد إذا احتاجا إلى صلة.و قوله:

وَ إِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ هود:111،من ذلك، دخلت اللاّم في«ما»لمكان(انّ)و دخلت في الصّلة كما دخلت في(ليبطّئنّ).

و لا يجوز ذلك في عبد اللّه،و زيد أن تقول:إنّ أخاك ليقومنّ،لأنّ الأخ و زيدا لا يحتاجان إلى صلة،و لا تصلح اللاّم أن تدخل في خبرهما و هو متأخّر،لأنّ اليمين إذا وقعت بين الاسم و الخبر بطل جوابها،كما تقول:زيد و اللّه يكرمك،و لا تقول:زيد و اللّه ليكرمك.(1:275)

الزّجّاج: أي ممّن أظهر الإيمان لمن يبطئ عن القتال، يقال:قد أبطأ الرّجل و بطؤ بمعنى.

أبطأ:تأخّر،و معنى بطؤ:ثقل إبطاء،و بطء.

و اللاّم الأولى الّتي في(لمن)لام(انّ)و اللاّم الّتي في (ليبطّئنّ)لام القسم،و من موصولة بالجالب للقسم،

ص: 781

كأنّ هذا لو كان كلاما لقلت:إنّ منكم لمن أحلف:و اللّه ليبطّئنّ.

و النّحويّون يجمعون على أنّ«من و ما و الّذي» لا يوصلنّ بالأمر و النّهي إلاّ بما يضمر معها من ذكر الخبر، و أنّ لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم و ما أشبه لفظه مضمر معها.(2:75)

الطّوسيّ: قال الحسن و مجاهد و قتادة و ابن جريج و ابن زيد:نزلت هذه الآية في المنافقين الّذين كانوا يثبّطون النّاس عن الجهاد،فإذا أصابتهم مصيبة فيه من قتل أو هزيمة،قالوا قول الشّامت بهم في تلك الحال:قد أنعم اللّه علينا إذ لم نكن معهم شهداء،أي حضورا.و قال أبو جعفر عليه السّلام:«من يتمنّى التّأخّر عن جماعة المسلمين، لا يكون إلاّ كافرا».

فقوله: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ.. خطاب للمؤمنين،و إنّما أضاف المنافقين إليه لأمرين:

أحدهما:إنّ من عدادكم و دخلائكم.

الثّاني:أي منكم في الحال الظّاهرة،أو حكم الشّريعة من حقن الدّم،و نحو ذلك من الموارثة، و المناكحة.

و اللاّم الأولى لام الابتداء بدلالة دخولها على الاسم،و الثّانية لام القسم بدلالة دخولها على الفعل مع نون التّأكيد،و تقديره:إنّ منكم لمن حلف باللّه ليبطّئنّ.

و إنّما جاز صلة«من»بالقسم،و لم يجز بالأمر و النّهي،لأنّ القسم خبر يوضح الموصول،كما يوضح الموصوف في قولك:مررت برجل لتكرمنّه،لأنّه خصّصه بوقوع الإكرام به في المستقبل من كلّ رجل غيره،و ليس كذلك الأمر في قولك:مررت برجل أضربه،لأنّه لا يتخصّص بالضّرب في الأمر كما تخصّص في الخبر.

قال الفرّاء: تدخل اللاّم في النّكرات و في«من و ما و الّذي»فإذا جئت بالمعرفة الموقّتة لم يجز إدخال اللاّم فيها،لا تقول:إنّ عبد اللّه ليقومنّ و إنّ زيدا ليذهبنّ،لأنّ زيدا،و عبد اللّه،لا يحتاجان إلى صلة.(3:254)

الزّمخشريّ: معنى(ليبطّئنّ)ليتثاقلنّ و ليتخلّفنّ عن الجهاد.

و بطأ بمعنى أبطأ،كعتم بمعنى أعتم،إذا أبطأ.و قرئ (ليبطئنّ) بالتّخفيف،يقال:بطأ عليّ فلان و أبطأ عليّ، و بطؤ نحو ثقل،و يقال:ما بطّأ بك؟فيعدّى بالباء.

و يجوز أن يكون منقولا من«بطؤ»نحو ثقل من «ثقل»فيراد:ليبطّئنّ غيره و ليثبّطنّه عن الغزو.

كان هذا ديدن المنافق عبد اللّه بن أبيّ و هو الّذي ثبّط النّاس يوم أحد.(1:541)

نحوه النّيسابوريّ.(5:82)

ابن عطيّة: اللاّم الدّاخلة على(يبطّئنّ)لام قسم عند الجمهور،تقديره:(و انّ منكم لمن)و اللّه(ليبطّئنّ).

و قيل:هي لام تأكيد،و(يبطّئنّ)معناه يبطّئ غيره، أي يثبّطه و يحمله على التّخلّف عن مغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قرأ مجاهد (ليبطئنّ) بالتّخفيف في الطّاء.(2:77)

الطّبرسيّ: يبطّئ و يبطئ بالتّشديد و التّخفيف معناهما واحد،أي من يتأخّر عن الخروج مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(2:74)

ص: 782

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ قوله:(و انّ منكم)يجب أن يكون راجعا إلى المؤمنين الّذين ذكرهم اللّه بقوله:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:71، و اختلفوا على قولين:

الأوّل:المراد منه المنافقون،كانوا يثبّطون النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن قيل:قوله: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ تقديره:يا أيّها الّذين آمنوا إنّ منكم لمن ليبطّئنّ،فإذا كان هذا المبطّئ منافقا فكيف جعل المنافق قسما من المؤمن في قوله:(و انّ منكم)؟

و الجواب من وجوه:

الأوّل:أنّه تعالى جعل المنافق من المؤمنين من حيث الجنس و النّسب و الاختلاط.

الثّاني:أنّه تعالى جعلهم من المؤمنين بحسب الظّاهر، لأنّهم كانوا في الظّاهر متشبّهين بأهل الإيمان.

الثّالث:كأنّه قيل:يا أيّها الّذين آمنوا في زعمكم و دعواكم،كقوله: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ الحجر:6.

القول الثّاني:إنّ هؤلاء المبطّئين كانوا ضعفة المؤمنين،و هو اختيار جماعة من المفسّرين قالوا:

و التّبطئة بمعنى الإبطاء أيضا،و فائدة هذا التّشديد تكرّر الفعل منه،و حكى أهل اللّغة أنّ العرب تقول:ما أبطأ بك يا فلان عنّا؟و إدخالهم الباء يدلّ على أنّه في نفسه غير متعدّ.

فعلى هذا معنى الآية أنّ فيهم من يبطئ عن هذا الغرض و يتثاقل عن هذا الجهاد،فإذا ظفر المسلمون تمنّوا أن يكونوا معهم ليأخذوا الغنيمة،و إن أصابتهم مصيبة سرّهم أن كانوا متخلّفين.

قال:و هؤلاء هم الّذين أرادهم اللّه بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38،قال:و الّذي يدلّ على أنّ المراد بقوله:(ليبطّئنّ)الإبطاء منهم،لا تثبيط غيرهم، ما حكاه تعالى من قولهم: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ النّساء:

73،عند الغنيمة،و لو كان المراد منه تثبيط الغير لم يكن لهذا الكلام معنى.

و طعن القاضي في هذا القول،و قال:إنّه تعالى حكى عن هؤلاء المبطّئين أنّهم يقولون عند مصيبة المؤمنين:

قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً النّساء:72، فيعدّ قعوده عن القتال نعمة من اللّه تعالى.

و مثل هذا الكلام إنّما يليق بالمنافقين لا بالمؤمنين، و أيضا لا يليق بالمؤمنين أن يقال لهم: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ النّساء:73،يعني الرّسول(مودّة)فثبت أنّه لا يمكن حمله على المؤمنين،و إنّما يمكن حمله على المنافقين.

ثمّ قال:فإن حمل على أنّه من الإبطاء و التّثاقل صحّ في المنافقين،لأنّهم كانوا يتأخّرون عن الجهاد و يتثاقلون و لا يسرعون إليه،و إن حمل على تثبيط الغير صحّ أيضا فيهم،فقد كانوا يثبّطون كثيرا من المؤمنين بما يوردون عليهم من أنواع التّلبيس،فكلا الوصفين موجود في المنافقين.

و أكثر المفسّرين حمله على تثبيط الغير،فكأنّهم

ص: 783

فصلوا بين أبطأ و بطّأ،فجعلوا الأوّل لازما،و الثّاني متعدّيا،كما يقال:في أحبّ و حبّ،فإنّ الأوّل لازم و الثّاني متعدّ.

المسألة الثّانية:قال الزّجّاج:(من)في قوله:(لمن ليبطّئنّ)موصولة بالحال للقسم،كأنّ هذا لو كان كلاما لك لقلت:إنّ منكم لمن حلف باللّه ليبطّئنّ.(10:178)

القرطبيّ:يعني المنافقين.و التّبطئة و الإبطاء:

التّأخّر،تقول:ما أبطأك عنّا؟فهو لازم،و يجوز:بطأت فلانا عن كذا،أي أخّرته،فهو متعدّ.

و المعنيان مراد في الآية،فكانوا يقعدون عن الخروج و يقعدون غيرهم،و المعنى:إنّ من دخلائكم و جنسكم (1)و ممّن أظهر إيمانه لكم.فالمنافقون في ظاهر الحال من أعداد المسلمين بإجراء أحكام المسلمين عليهم.

و اللاّم في قوله:(لمن)لام توكيد،و الثّانية لام قسم،و(من)في موضع نصب،وصلتها(ليبطّئنّ)لأنّ فيه معنى اليمين،و الخبر(منكم).

و قرأ مجاهد و النّخعيّ و الكلبيّ (و إنّ منكم لمن ليبطّئنّ) بالتّخفيف،و المعنى واحد.

و قيل:المراد بقوله: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ بعض المؤمنين،لأنّ اللّه خاطبهم بقوله:(و انّ منكم)و قد فرّق اللّه تعالى بين المؤمنين و المنافقين بقوله: وَ ما هُمْ مِنْكُمْ.

و هذا يأباه سياق الكلام و ظاهره.و إنّما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس و النّسب كما بيّنّا،لا من جهة الإيمان.هذا قول الجمهور،و هو الصّحيح إنّ شاء اللّه تعالى،و اللّه أعلم.(5:275)

البيضاويّ:الخطاب لعسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المؤمنين منهم و المنافقين.

و المبطئون:منافقوهم،تثاقلوا و تخلّفوا عن الجهاد، من بطأ بمعنى أبطأ،و هو لازم،أو ثبّطوا غيرهم كما ثبّط ابن أبيّ ناسا يوم أحد،من بطأ منقولا من«بطؤ»كثقل من«ثقل».

و اللاّم الأولى للابتداء،دخلت اسم(انّ)للفصل بالخبر،و الثّانية جواب قسم محذوف،و القسم بجوابه صلة(من)،و الرّاجع إليه ما استمكن في(ليبطّئنّ)، و التّقدير:و إنّ منكم لمن أقسم باللّه ليبطّئنّ.(1:229)

نحوه أبو السّعود(2:162)،و البروسويّ(2:

325)،و الطّنطاويّ(3:65).

أبو حيّان: البطء:التّثبّط عن الشّيء،يقال:أبطأ و بطؤ مثل أسرع و سرع مقابله.و بطآن:اسم فعل بمعنى بطؤ.(3:282)

قال ابن عطيّة: اللاّم في(ليبطّئنّ)لام قسم عند الجمهور،و قيل:هي لام تأكيد بعد تأكيد،انتهى.و هذا القول الثّاني خطأ.

و قرأ الجمهور (لَيُبَطِّئَنَّ) بالتّشديد،و قرأ مجاهد (ليبطّئنّ) بالتّخفيف.

و القراءتان يحتمل أن يكون الفعل فيهما لازما، لأنّهم يقولون:أبطأ و بطأ،في معنى بطؤ.و يحتمل أن يكون متعدّيا بالهمزة أو التّضعيف من«بطؤ».

فعلى اللّزوم:المعنى أنّه يتثاقل و يثبّط عن الخروجم.

ص: 784


1- في ج:جيشكم.

للجهاد.و على التّعدّي يكون قد ثبّط غيره و أشار له بالقعود؛و على التّعدّي أكثر المفسّرين.(3:291)

الآلوسيّ: أي ليتثاقلنّ و ليتأخّرنّ عن الجهاد،من بطأ بمعنى أبطأ،كعتم بمعنى أعتم،إذا أبطأ.و الخطاب لعسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مؤمنيهم و منافقيهم،و المبطئون هم المنافقون منهم.

و جوّز أن يكون منقولا لفظا و معنى من«بطؤ»نحو ثقل،من«ثقل»فيراد(ليبطّئنّ)غيره و ليثبّطنّه عن الجهاد،كما ثبّط ابن أبيّ ناسا يوم أحد،و الأنسب بما بعده.(5:80)

نحوه القاسميّ(5:1392)،و المراغيّ(5:86).

رشيد رضا: الخطاب لمجموع المؤمنين في الظّاهر، و فيهم المنافقون و ضعاف الإيمان و الجبناء،و هم الأقلّ.

فالمنافقون يرغبون عن الحرب،لأنّهم لا يحبّون بقاء الإسلام و أهله فيدافعوا عنه و يحموا بيضته،فكان هؤلاء يبطئون عن القتال،و يبطّئون غيرهم عن النّفر إليه، و الآخرون يبطئون بأنفسهم فقط.

و التّبطّؤ يطلق على الإبطاء و على الحمل على البطء معا،و البطء:التّأخّر عن الانبعاث في السّير.

قال الأستاذ: أي يبطّئ هو عن السّير لضعف في إيمانه.و الإتيان بصيغة التّشديد للمبالغة في الفعل و تكراره.و ليس معناه أن يحمل غيره على البطء.

فإنّ الخطاب للمؤمنين،و هذا لا يصدر عن مؤمن، و يقال في اللّغة:بطّأ،بالتّشديد لازم،بمعنى أبطأ.و قد شرح اللّه حال هذا القسم من الضّعفاء توبيخا لهم، و إزعاجا إلى تطهير نفوسهم و تزكيتها.(5:254)

سيّد قطب: لفظة(ليبطّئنّ)مختارة هنا بكلّ ما فيها من ثقل و تعثّر،و إنّ اللّسان ليتعثّر في حروفها و جرسها،حتّى يأتي على آخرها،و هو يشدّها شدّا، و إنّها لتصوّر الحركة النّفسيّة المصاحبة لها تصويرا كاملا بهذا التّعثّر و التّثاقل في جرسها؛و ذلك من بدائع التّصوير الفنّي في القرآن الّذي يرسم حالة كاملة بلفظة واحدة.

و كذلك يشي تركيب الجملة كلّها: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ بأنّ هؤلاء المبطّئين-و هم معدودون من المسلمين-منكم يزاولون عمليّة التّبطئة كاملة، و يصرّون عليها إصرارا،و يجتهدون فيها اجتهادا، و ذلك بأسلوب التّوكيد بشتّى المؤكّدات في الجملة.ممّا يوحي بشدّة إصرار هذه المجموعة على التّبطئة،و شدّة أثرها في الصّفّ المسلم،و شدّة ما يلقاه منها.

و من ثمّ يسلّط السّياق الأضواء الكاشفة عليهم، و على دخيلة نفوسهم،و يرسم حقيقتهم المنفرة،على طريقة القرآن التّصويريّة العجيبة...(2:705)

الطّباطبائيّ: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ قيل:

إنّ اللاّم الأولى لام الابتداء لدخولها على اسم(انّ) و اللاّم الثّانية لام القسم لدخولها على الخبر،و هي جملة فعليّة مؤكّدة بنون التّأكيد الثّقيلة.و التّبطئة و الإبطاء بمعنى،و هو التّأخير في العمل.

و قوله: وَ إِنَّ مِنْكُمْ يدلّ على أنّ هؤلاء من المؤمنين المخاطبين في صدر الآية،بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا على ما هو ظاهر كلمة(منكم)،كما يدلّ عليه ما سيأتي من قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا

ص: 785

أَيْدِيَكُمْ النّساء:77.

فإنّ الظّاهر أنّ هؤلاء أيضا كانوا من المؤمنين،مع قوله تعالى بعد ذلك: فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ النّساء:77،و قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... النّساء:78،إلخ.و كذا قوله:

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ... النّساء:74،و قوله:

وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ... النّساء:75، و قوله: اَلَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ...

النّساء:76،كلّ ذلك تحريض و استنهاض للمؤمنين، و فيهم هؤلاء المبطئون،على ما يلوح إليه اتّصال الآيات.

على أنّه ليس في الآيات ما يدلّ بظاهره على أنّ هؤلاء المبطئين من المنافقين الّذين لم يؤمنوا إلاّ بظاهر من القول،مع أنّ في بعض ما حكى اللّه عنهم دلالة ما على إيمانهم في الجملة،كقوله تعالى: فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ النّساء:72،و قوله تعالى: رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ... النّساء:77،نعم ذكر المفسّرون أنّ المراد بقوله: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ المنافقون، و أنّ معنى كونهم منهم دخولهم في عددهم،أو اشتراكهم في النّسب فهم منهم نسبا،أو اشتراكهم مع المؤمنين في ظاهر حكم الشّريعة بحقن الدّماء و الإرث و نحو ذلك لتظاهرهم بالشّهادتين،و قد عرفت أنّ ذلك تصرّف في ظاهر القرآن من غير وجه.

و إنّما دعاهم إلى هذا التّفسير حسن الظّنّ بالمسلمين في صدر الإسلام كلّ من لقي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و آمن به.

و البحث التّحليليّ فيما ضبطه التّاريخ من سيرتهم و حياتهم مع النّبيّ و بعده يضعّف هذا الظّنّ،و الخطابات القرآنيّة الحادّة في خصوصهم توهن هذا التّقدير.

و لم تسمح الدّنيا حتّى اليوم بأمّة أو عصابة طاهرة تألّفت من أفراد طاهرة من غير استثناء،مؤمنة واقفة على قدم صدق من غير عثرة قطّ،إلاّ ما نقل في حديث الطّفّ.بل مؤمنو صدر الإسلام كسائر الجماعات البشريّة،فيهم:المنافق،و المريض قلبه،و المتّبع هواه، و الطّاهر سرّه.

و الّذي يمتاز به الصّدر الأوّل من المسلمين هو أنّ مجتمعهم كان مجتمعا فاضلا يقدّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و يغشاهم نور الإيمان،و يحكم فيهم سيطرة الدّين.

هذا حال مجتمعهم من حيث إنّه مجتمع،و إن كان يوجد بينهم من الأفراد الصّالح و الطّالح جميعا،و في صفاتهم الرّوحيّة الفضيلة و الرّذيلة معا،و كلّ لون من ألوان الأخلاق و الملكات.

و هذا هو الّذي يذكره القرآن من حالهم،و يبيّنه من صفاتهم،قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ -إلى أن قال -: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً الفتح:

29،فقد بدأ تعالى بذكر صفاتهم و فضائلهم الاجتماعيّة مطلقة،و ختم بذكر المغفرة و الأجر لأفرادهم مشروطة.

(4:417،418)

المصطفويّ: (ليبطّئنّ)أي ليؤخّرنّ،أخذ الحذر و النّفر إلى الجهاد المأمور بها في السّابقة خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا... النّساء:71.(1:270)

ص: 786

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البطء،أي التّأخّر و التّواني،يقال:بطؤ في مشيه يبطؤ بطء و بطاء،و أبطأ و تباطأ،فهو بطيء و هم بطاء.و ما أبطأك و بطّأك عنّا؟

و أبطأ عليه الأمر:تأخّر،و أبطأ الرّجل:صار ذا بطء،و أبطأ به و بطّأ عليه بالأمر:أخّره،و بطّأ به:ثبّطه عن أمر عزم عليه.

و أبطأ الرّجل و استبطأ:كانت دوابّه بطاء،و تباطأ الرّجل في مسيره تباطؤا:تثاقل فيه،و قد استبطأته،و في الحديث«من بطّأ به عمله لم ينفعه نسبه».

2-و الباطئة أو الباطية:إناء تصفّى فيه الخمر،قال الخليل:اسم مجهول أصله.و قال الأزهريّ في «التّهذيب»:جمعه:البواطي،و قد جاء في أشعارهم.

و زاد صاحب«اللّسان»نقلا عنه:و لا أدري أ معرّب أم عربيّ؟

و الحقّ أنّه يونانيّ،استعمل في السّريانيّة بلفظ «بطيتا»و«بديا»،ثمّ أخذ العرب اللّفظ الأوّل و عرّبوه بلفظ«باطية»،و أخذ الفرس القدماء اللّفظ الثّاني، و استعملوه بلفظ«باديا» (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاء لفظ واحد من هذه المادّة(ليبطّئنّ):

وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً النّساء:72

يلاحظ أوّلا:أنّ لفظ(ليبطّئنّ)وحيد الجذر في القرآن،مثل: فَلَيُبَتِّكُنَّ النّساء:119،و قد جاء على غراره وزنا و صياغة في سورة واحدة مدنيّة، و لا ثالث لهما على هذا النّمط،و تقدّم الكلام حولهما في «ب ت ك».

ثانيا:عدّ سيّد قطب(ليبطّئنّ)بما لها من الجرس الصّوتيّ الثّقيل على اللّسان،و تصويرها الحركة النّسبيّة الحرجة المصاحبة لها،من بدائع التّصوير الفنّيّ في القرآن،فلاحظ.

ثالثا:هل هؤلاء المبطّئون كانوا مؤمنين،استنادا إلى صدر الآية و الآيات قبلها،فإنّها خطاب للمؤمنين، و لكنّهم كانوا من ضعافهم إيمانا؟أو كانوا منافقين بحجّة أنّهم قالوا: إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً، و عدّوا من المؤمنين لكونهم في زمرتهم ظاهرا؟و قد أيّد الطّباطبائيّ هذا القول راميا القائلين بالأوّل إلى حسن ظنّهم بالمسلمين في الصّدر الأوّل،فناقشهم طويلا.

و عندنا أنّ ضعفة الإيمان ربّما عدّوا من المنافقين،فإنّ النّفاق كالإيمان له درجات،فيتداخلان في بعض الدّرجات،و له نظائر و شواهد في القرآن.

رابعا:هل المراد بها تثاقلهم عن القتال،مثل:

ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38،و هذا يناسب كونهم مؤمنين؟أو تثبيطهم الآخرين،و هو شاهد على نفاقهم،لأنّ عملا كهذا لا يصدر عن مؤمن و لو كان ضعيف الإيمان،و هذا ألصق بالسّياق،لاحظ كلام الفخر الرّازيّ في النّصوص.

ص: 787


1- المعجم المقارن 1:74.

خامسا:للمفسّرين كلام طويل في لام(ليبطّئنّ)، هل هي للقسم أو للتّأكيد،جوابا للام الابتداء في«و ان منهم لمن ؟»و لكلّ وجه،إلاّ أنّ القسم شاهدا على كونهم منافقين أقوى من التّأكيد.و الحقّ أنّ هذه الأمور الثّلاثة-أي كونهم منافقين،مثبّطين للآخرين،مقسما عليهم-متناسقة مع بعضها بعضا و مع السّياق أيضا.و اللّه أعلم.

سادسا و هناك نظائر أخرى للبطء في القرآن، جاءت في أمور شتّى:

1-التّواني(مرّة واحدة): اِذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي طه:42

2-المهلة(ثلاث مرّات): فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً الطّارق:17

وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلاً

المزّمّل:11

3-التّأجيل(ثلاث مرّات): وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا الأنعام:128

لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ المرسلات:12

وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً آل عمران:145

4-الإملاء(ستّ مرّات)و منه: اَلشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ محمّد:25

فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الرّعد:32

5-النّظر(عشرين مرّة)و منه: اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ الحديد:13

قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ الأعراف:14،15

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ

البقرة:280

لاحظ«و ن ي»و«م ه ل».

ص: 788

ب ط ر

اشارة

لفظان،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

بطرت 1:1 بطرا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البطر في معنى:كالحيرة و الدّهش،يقال:

لا يبطرنّ جهل فلان حلمك،أي لا يدهشك.

و في معنى:كالأشر و غمط النّعمة،يقال:بطر فلان نعمة اللّه،أي كأنّه مرح حتّى جاوز الشّكر،فتركه وراءه.

و البيطرة:معالجة البيطار الدّوابّ من الدّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو يبيطر الدّوابّ،أي يعالجها.

و رجل بطرير،و امرأة بطريرة،و أكثر ما يقال للمرأة.قال أبو الدّقيش:هي الّتي قد بطرت حتّى تمادت في الغيّ.(7:422)

الكسائيّ: يقال:رشدت أمرك،و بطرت عيشك، و غنيت رأيك.

أوقعت العرب هذه الأفعال على هذه المعارف الّتي خرجت مفسّرة لتحويل الفعل عنها،و هولها.

(الأزهريّ 13:336)

ذهب دمه خضرا مضرا،و ذهب بطرا،أي هدرا.

ذهب دمه بطرا،إذا ذهب باطلا،و على هذا المعنى:

بطر الحقّ:أن يراه باطلا.(الأزهريّ 13:337)

الأصمعيّ: بطر الرّجل و بهت؛بمعنى واحد.

(الأزهريّ 13:336)

البطر:الحيرة:و معناه أن يتحيّر عند الحقّ،فلا يراه حقّا.(الهرويّ 1:180)

ابن الأعرابيّ: البطر:سوء احتمال الغنيّ.

(الهرويّ 1:180)

أبطره:قطع عليه معاشه،و أبلى بدنه.

(ابن منظور 4:69)

ص: 789

ابن السّكّيت: قد بطر بطرا،و البطر أيضا أن يبقى الإنسان متحيّرا.[ثمّ استشهد بشعر](505)

شمر: يقال للبيطار:مبيطر و بيطر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال سلمة بن عاصم:البيطر:الخيّاط،في قول الرّاجز:

باتت تجيب أدعج الظّلام جيب البيطر مدرع الهمام

صيّر البيطار خيّاطا،كما صيّروا الرّجل الحاذق إسكافا.(الأزهريّ 13:337)

الحربيّ: أبطرت ناقتك ذرعها،إذا حملت عليها أكثر ممّا عندها.(1:278)

الزّجّاج: البطر:أن يطغى،أي يتكبّر عند الحقّ، فلا يقبله.(الهرويّ 1:180)

ابن دريد :البطر:الشّقّ في جلد أو غيره،بطرت الجرح أبطره و أبطره بطرا،و هو أصل بناء البيطار.

و قالوا:رجل بيطر و بيطر و مبيطر،و كلّه راجع إلى ذلك،و كلّ مشقوق فهو مبطور و بطير.

و البطر:إفراط الأشر،يبطر بطرا.(1:262)

أبو سعيد البغداديّ: [بعد نقل كلام الكسائيّ قال:]أصله أن يكون طلاّبه حرّاصا باقتدار و بطر؛ فيحرموا إدراك الثّأر.(الأزهريّ 13:337)

الأزهريّ: يقال للبعير القطوف إذا جارى بعيرا و ساع الخطو فقصرت خطاه عن مباراته:قد أبطره ذرعه،أي حمّله على أكثر من طوقه.و الهبع،إذا ماشى الرّبع أبطره ذرعه فهبع،أي استعان بعنقه ليلحقه.

و يقال لكلّ من أرهق إنسانا فحمّله ما لا يطيقه:قد أبطره ذرعه.

البطر:الشّقّ و به سمّي البيطار بيطارا.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «الكبر بطر الحقّ و غمض النّاس»و بطر الحقّ:ألاّ يراه حقّا،و يتكبّر عن قبوله،من قولهم:بطر فلان هدية أمره،إذا لم يهتد له، و جهله و لم يقبله.و البطر:الطّغيان عند النّعمة،و على هذا بطر الحقّ:أن يطغى عند الحقّ،أي يتكبّر عند قبوله.

و يقال:بطر فلان،إذا تحيّر و دهش،و على هذا المعنى أن يتحيّر في الحقّ فلا يراه حقّا.(13:337)

الصّاحب: البطر:الحيرة و الدّهش،و هو الأشر و غمط النّعمة،من قولهم:بطر نعمة اللّه.

و امرأة بطريرة:قد بطرت حتّى تمادت في الغيّ.

و أبطرتني ذرعي،أي جهدتني حتّى ضاق ذرعي، و كلّفتني أكثر من طوقي.

و البيطار:الّذي يعالج الدّوابّ و هو البيطر أيضا.

و البيطر:الخيّاط،و هو البيطار أيضا.

و البطر:الشّقّ،بطرت الجرح بطرا.

و ذهب دمه بطرا،أي باطلا.(9:168)

الجوهريّ: البطر:الأشر،و هو شدّة المرح،و قد بطر بالكسر يبطر،و أبطره المال.

يقال:بطرت عيشتك،كما قالوا:رشدت أمرك، و قد فسّرناه.

و البطر أيضا:الحيرة و الدّهش،و أبطره،أي أدهشه.

و أبطرت فلانا ذرعه،إذا كلّفته أكثر من طوقه.

و بطرت الشّيء أبطره بطرا:شققته،و منه سمّي

ص: 790

البيطار،و هو المبيطر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قالوا:بيطر،مثال هزبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و معالجته البيطرة.

و ذهب دمه بطرا بالكسر،أي هدرا.(2:592)

ابن فارس: الباء و الطّاء و الرّاء أصل واحد و هو الشّقّ.[إلى أن قال:]

و أمّا قولهم:ذهب دمه بطرا،فقد يجوز أن يكون شاذّا عن الأصل،و يمكن أن يقال:إنّه شقّ مجراه شقّا فذهب،و ذلك إذا أهدر.(1:262)

أبو هلال: الفرق بين قولك:كفر النّعمة،و قولك:

بطر النّعمة،أنّ قولك:بطرها يفيد أنّه غمطها و بغى فيها، و كفرها يفيد أنّه غمطها فقط.

و أصل البطر:الشّقّ،و منه قيل للبيطار:بيطار،و قد بطرت الشّيء،أي شققته.

و أهل اللّغة يقولون: البطر:سوء استعمال النّعمة، و كذلك جاء في تفسير قوله تعالى: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها... القصص:58، وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ الأنفال:47.

(191)

ابن سيدة: البطر:النّشاط،و قيل:التّحيّر،و قيل:

قلّة احتمال النّعمة،و قيل:الدّهش،و قيل:البطر:

الطّغيان بالنّعمة،بطر بطرا،فهو بطر.

و قوله عزّ و جلّ: وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَ كُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ القصص:58،أراد بطرت في معيشتها،فحذف و أوصل.

و بطر بالأمر:بعل به و دهش،فلم يدر ما يقدّم، و لا ما يؤخّر.

و أبطره حلمه:أدهشه،و بهته عنه.

و أبطره ذرعه:حمّله فوق ما يطيق،و قيل:قطع عليه معاشه،و أبلى بدنه،و هكذا فسّره ابن الأعرابيّ، و زعم أنّ الذّرع:البدن.

و بطر النّعمة بطرا،فهو بطر:لم يشكرها و أشر.و في التّنزيل: وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها القصص:58.

و قال بعضهم: بطرت عيشك ليس على التّعدّي، و لكن على قولهم:ألمت بطنك،و رشدت أمرك،و سفهت نفسك،و نحوها ممّا لفظه لفظ الفاعل،و معناه معنى المفعول.

و ذهب دمه بطرا،أي:هدرا.

و بطر الشّيء يبطره و يبطره بطرا،فهو مبطور، و بطير:شقّه.

و البطير و البيطر،و البيطار و البيطر،و المبيطر:معالج الدّوابّ،من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يروى:«البطير»[ثمّ استشهد بشعر]

و البيطر:الخيّاط.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل بطرير:متماد في غيّه،و الأنثى بطريرة،و أكثر ما يستعمل في النّساء.(9:160)

البطر:الأشر و المرح،و البطر:قلّة احتمال النّعمة، و قيل:هو الطّغيان بالنّعمة أو عند النّعمة،و البطر:

كراهيّة الشّيء من غير أن يستحقّ الكراهية.و فعل الكلّ:بطر يبطر بطرا.

ص: 791

و بطر الحقّ:أن يتكبّر عنه فلا يقبله.

(الإفصاح 2:1300)

الطّوسيّ: و البطر:الخروج عن موجب النّعمة-من شكرها،و القيام بحقّها-إلى خلافه.

و أصله:الشّقّ،فمنه البيطار:الّذي يشقّ اللّحم بالمبضع.و بطر الإنسان بطرا،و أبطره كثرة النّعمة عليه إبطارا و بطّره تبطيرا.(5:155)

نحوه الطّبرسيّ.(2:548)

البطر و الأشر واحد،و هو شقّ العصا بتضييع حقّ نعم اللّه،و الطّغيان فيها بجحدها،و الكفر بها.(8:165)

الرّاغب: البطر:دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النّعمة،و قلّة القيام بحقّها،و صرفها إلى غير وجهها،قال عزّ و جلّ: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ الأنفال:47،و قال:

وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها القصص:

58،أصله:بطرت معيشته،فصرف عنه الفعل و نصب.

و يقارب البطر الطّرب،و هو خفّة أكثر ما يعتري من الفرح،و قد يقال ذلك في التّرح.

و البيطرة:معالجة الدّابّة.(50)

الزّمخشريّ: فيه طرب و بطر،و هو مجاوزة الحدّ في المرح،و خفّة النّشاط و الزّعل،و رجل أشر بطر، أبطره الغنى.و فقر مخطر خير من غنى مبطر.و ما أمطرت حتّى أبطرت،يعني السّماء.و إن الخصب يبطر النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة بطيرة:شديدة البطر.و بيطر الدّابّة بيطرة.

«و أشهر من راية البيطار».و الدّنيا قحبة:يوما عند عطّار.و يوما عند بيطار.و عهدي به و هو لدوابّنا مبيطر، فهو اليوم علينا مسيطر.

و من المجاز:لا يبطرنّ جهل فلان حلمك،أي لا يجعله بطرا خفيفا.و لا تبطرنّ صاحبك ذرعه،أي لا تقلق إمكانه و لا تستفزّه بأن تكلّفه غير المطاق؛و«ذرعه»من بدل الاشتمال.

و بطر فلان نعمة اللّه:استخفّها فكفرها،و لم يسترجحها فيشكرها،و منه وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها القصص:58،و ذهب دمه بطرا،أي مبطورا مستخفّا حيث لم يقتصّ به،و هو بهذا الأمر عالم بيطار.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:24)

ابن الأثير: «لا ينظر اللّه يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا»البطر:الطّغيان عند النّعمة و طول الغنى.

و منه الحديث: «الكبر بطر الحقّ»هو أن يجعل ما جعله اللّه حقّا من توحيده و عبادته باطلا.

و قيل:هو أن يتجبّر عند الحقّ فلا يراه حقّا،و قيل:

هو أن يتكبّر عن الحقّ فلا يقبله.(1:135)

الصّاغانيّ: رجل بطرير:صخّاب طويل اللّسان، و امرأة بطريرة،«فعليل»و«فعليلة»من البطر.

(2:421)

الفيّوميّ: بطر بطرا فهو بطر،من باب«تعب»بمعنى أشر أشرا،و تقدّم في الألف.

و البطر:الشّقّ وزنا و معنى،و سمّي البيطار من ذلك، و فعله:بيطر بيطرة.(51)

الفيروزآباديّ: البطر محرّكة:النّشاط،و الأشر، و قلّة احتمال النّعمة،و الدّهش و الحيرة أو الطّغيان

ص: 792

بالنّعمة،و كراهية الشّيء من غير أن يستحقّ الكراهة؛ فعل الكلّ كفرح.

و بطر الحقّ:أن يتكبّر عنه فلا يقبله.

و بطره كنصره و ضربه:شقّه،و البطير:المشقوق.

و معالج الدّوابّ كالبيطر و البيطار و البيطر كهزير و المبيطر،و صنعته:البيطرة.

و كهزبر:الخيّاط،و بهاء:ثلاثة مواضع بالمغرب.

و البطرير كخنزير:الصّخّاب الطّويل اللّسان، و المتمادي في الغيّ،و هي بهاء.

و أبطره أدهشه،و جعله بطرا.

و أبطره ذرعه:حمّله فوق طاقته،أو قطع عليه معاشه،و أبلى بدنه.

و ذهب دمه بطرا بالكسر:هدرا.(1:388)

الطّريحيّ: و قد تكرّرت في الحديث ذكر«البطر» و هو-كما قيل-سوء احتمال الغنى،و الطّغيان عند النّعمة.

و يقال:هو التّجبّر و شدّة النّشاط،و قد بطر بالكسر، يبطر بالفتح و أبطره المال.

و البيطار بفتح الباء:هو الّذي يعالج الدّوابّ،و منه حديث أحمد بن الحرث القزوينيّ:«و كان أبي يتعاطى البيطرة».

و البطر:الشّقّ،و منه سمّي البيطار.

و غيث صوته مستبطر:أي ممتدّ،و مثله سحاب مستبطر.(3:226)

الزّبيديّ: و ممّا يستدرك عليه[بطر]قولهم:و ما أمطرت حتّى أبطرت،يعني السّماء،و الخصب يبطر النّاس.و فقر مخطر خير من غنى مبطر.و امرأة بطيرة:

شديدة البطر.

و من المجاز:لا يبطرنّ جهل فلان حلمك،أي لا يجعله بطرا خفيفا.و هو بهذا عالم بيطار.(3:53)

مجمع اللّغة: بطر فلان-من باب تعب-يبطر بطرا:جاوز الحدّ في الزّهو.

و بطر النّعمة يبطر بطرا:كفرها و لم يشكرها،أو طغى بها.(1:104)

المصطفويّ: قد سبق في«أشر»أنّه حقيقة في الحدّة و الشّدّة في البطر،فهو أبلغ من البطر.و البطر:

عبارة عن تجاوز الحدّ و الاعتدال في الطّرب،فهو أبلغ من الطّرب؛و بينهما اشتقاق أكبر.

و الدّهشة باعتبار الخروج عن الاعتدال و التّجاوز عن الحدّ الممدوح.

و بهذا اللّحاظ أيضا يستعمل بمعنى«الشّقّ»فكأنّ الإنسان بسبب الطّرب و المرح الشّديد و التّجاوز عن حالة الاعتدال يطغى عن الحقّ و يشقّه.

و أمّا البيطار فهو في مقابل الطّبيب و الحكيم و العالم، و كان شغل البيطرة في السّابق مخصوصا لأفراد خارجين عن محيط العلم و الحكمة.و البيطار هو المعالج للدّوابّ بتجربيّاته العمليّة.و لا مناسبة بينه و بين الشّقّ،نعم قد يحتاج العلاج إلى العمل و الشّقّ كالجرّاح.(1:271)

النّصوص التّفسيريّة

بطرت

وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ

ص: 793

مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَ كُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ. القصص:58

عطاء: عاشوا في البطر،فأكلوا رزق اللّه و عبدوا الأصنام.(البغويّ 3:540)

ابن زيد: البطر:أشر أهل الغفلة و أهل الباطل، و الرّكوب لمعاصي اللّه،و ذلك البطر في النّعمة.

(الطّبريّ 20:95)

سفهت و أشرت و طغت.(ابن عطيّة 4:293)

مثله البغويّ.(3:540)

الفرّاء: بطرتها:كفرتها و خسرتها،و نصبك «المعيشة»من جهة قوله: إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ البقرة:

130.

إنّما المعنى-و اللّه أعلم-أبطرتها معيشتها،كما تقول:

أبطرك مالك و بطرته،و أسفهك رأيك فسفهته.فذكرت «المعيشة»لأنّ الفعل كان لها في الأصل،فحوّل إلى ما أضيفت إليه،و كأنّ نصبه كنصب قوله: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً النّساء:4.

أ لا ترى أنّ الطّيب كان للنّفس،فلمّا حوّلته إلى صاحب النّفس خرجت النّفس منصوبة لتفسّر معنى الطّيب.و كذلك«ضقنا به ذرعا»إنّما المعنى ضاق به ذرعنا.(2:308)

ابن قتيبة: أي أشرت،و كأنّ المعنى أبطرتها معيشتها،كما تقول:أبطرك مالك فبطرت.(334)

الطّبريّ: و كم أهلكنا من قرية أبطرتها معيشتها، فبطرت و أشرت و طغت،فكفرت ربّها.

و قيل:بطرت معيشتها،فجعل الفعل للقرية،و هو في الأصل للمعيشة،كما يقال:أسفهك رأيك فسفهته، و أبطرك مالك فبطرته.(20:95)

الزّجّاج: مَعِيشَتَها منصوبة بإسقاط«في» و عمل الفعل،و تأويله بطرت في معيشتها،و البطر:

الطّغيان بالنّعمة.(4:150)

نحوه المازنيّ.(القرطبيّ 13:301)

القيسيّ: نصبت«المعيشة»عند المازنيّ على تقدير حرف جرّ محذوف،معناه بطرت في معيشتها.

و قال الفرّاء:هي نصب على التّفسير.و هو بعيد، لأنّها معرفة،و التّفسير لا يكون إلاّ نكرة لتوقّع المخاطب ما لم يعرفه.

و قيل:هي نصب ب(بطرت)و بطرت بمعنى جهلت، أي جهلت القرية-أي أهل القرية-شكر معيشتها،ثمّ حذف المضاف.(2:163)

نحوه القرطبيّ.(13:300،301)

الزّمخشريّ: هذا تخويف لأهل مكّة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم،من إنعام اللّه عليهم بالرّقود،في ظلال الأمن و خفض العيش،فغمطوا النّعمة و قابلوها بالأشر و البطر،فدمّرهم اللّه و خرّب ديارهم.

و انتصبت مَعِيشَتَها إمّا بحذف الجارّ و إيصال الفعل كقوله تعالى: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ الأعراف:

155.

و إمّا على الظّرف بنفسها،كقوله:زيد ظنّي مقيم،أو بتقدير حذف الزّمان المضاف،أصله:بطرت أيّام معيشتها،كخفوق (1)النّجم،و مقام الحاجّ.).

ص: 794


1- كقولك:جئت خفوق النّجم،ذكره أبو حيّان(7:126).

و إمّا بتضمين بطرت معنى كفرت و غمطت.

و قيل:البطر:سوء احتمال الغنى،و هو أن لا يحفظ حقّ اللّه فيه.(3:186)

نحوه النّيسابوريّ(17:56)،و النّسفيّ(3:240)، و أبو حيّان(7:126).

الطّبرسيّ: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها أي في معيشتها بأن أعرضت عن الشّكر و تكبّرت،و المعنى أعطيناهم المعيشة الواسعة فلم يعرفوا حقّ النّعمة و كفروا؛ فأهلكناهم.(4:260)

البيضاويّ: أي و كم من أهل قرية كانت حالهم كحالكم في الأمن و خفض العيش حتّى أشروا؛فدمّر اللّه عليهم و خرّب ديارهم.(2:197)

مثله أبو السّعود(5:130)،و الآلوسيّ(20:98).

البروسويّ: البطر:الطّغيان في النّعمة.

قال بعضهم: البطر و الأشر واحد،و هو دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النّعمة،و قلّة القيام بحقّها،و صرفها إلى غير وجهها.و يقاربه الطّرب،و هو خفّة أكثر ما يعتري من الفرح.

و انتصاب(معيشتها)بنزع الخافض،أي في معيشتها،كما في«الوسيط».

و المعنى و كم من أهل قرية كانت حالهم كحال أهل مكّة في الأمن وسعة العيش،حتّى أطغتهم النّعمة و عاشوا في الكفران؛فدمّرنا عليهم و خرّبنا ديارهم.(6:418)

بطرا

وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ... الأنفال:47

ابن عبّاس: هم قريش،لمّا خرجت لتحمي العير، فلمّا نجا أبو سفيان أرسل إليهم أن ارجعوا،فقد سلمت عيركم،و هم بالجحفة،فقال أبو جهل:و اللّه لا نرجع حتّى نرد بدرا،و ننحر جزرا،و نشرب خمرا،و تعزف علينا القيان،و يرانا من غشينا من أهل الحجاز.

مثله مجاهد،و عروة بن الزّبير،و ابن إسحاق.(الطّوسيّ 5:155)

مثله الزّمخشريّ(2:162)،و نحوه أبو حيّان(4:

504)،و البيضاويّ(1:397)،و الكاشانيّ(2:307).

القيسيّ: مصدر في موضع الحال،و البطر:أن يتقوّى بنعم اللّه على المعاصي.(1:348)

الطّبرسيّ: أي بطرين،يعني قريشا خرجوا من مكّة ليحموا عيرهم،فخرجوا معهم بالقيان و المعازف، يشربون الخمور،و يعزف عليهم القيان.(2:548)

ابن عطيّة: البطر:الأشر و غمط النّعمة،و الشّغل بالمرح فيها عن شكرها.(2:537)

الفخر الرّازيّ: قال الزّجّاج:البطر:الطّغيان في النّعمة.

و التّحقيق:أنّ النّعم إذا كثرت من اللّه على العبد، فإن صرفها إلى مرضاته و عرف أنّها من اللّه تعالى،فذاك هو الشّكر.و أمّا إن توسّل بها إلى المفاخرة على الأقران، و المكاثرة على أهل الزّمان،فذاك هو البطر.

(15:173)

نحوه الخازن.(3:32)

القرطبيّ: البطر:التّقوية بنعم اللّه عزّ و جلّ

ص: 795

و ما ألبسه من العافية على المعاصي،و هو مصدر في موضع الحال،أي خرجوا بطرين مراءين صادّين، و صدّهم إضلال النّاس.(8:25)

البروسويّ: مفعول له،أي افتخارا بمآثر الأصول من الآباء و الأمّهات،و أشرا و هو مقابلة النّعمة بالتّكبّر و الخيلاء.(3:354)

المراغيّ: البطر:إظهار الفخر و الاستعلاء بنعمة القوّة،أو الغنى أو الرّئاسة،و يعرف ذلك في الحركات المتكلّفة،و الكلام الشّاذّ.(10:11)

الطّباطبائيّ: الآية نهي عن اتّخاذ طريقة هؤلاء البطرين المرائين الصّادّين عن سبيل اللّه،و هم على ما يفيده سياق الكلام في الآيات:كفّار قريش،و ما ذكره من أوصافهم،أعني البطر و رئاء النّاس و الصّدّ عن سبيل اللّه،هو الّذي أوجب النّهي عن التّشبّه بهم،و اتّخاذ طريقتهم بدلالة السّياق.

و قوله: وَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ الأنفال:47، ينبئ عن إحاطته تعالى بأعمالهم و سلطنته عليها و ملكه لها،و من المعلوم أنّ لازم ذلك كون أعمالهم داخلة في قضائه،متمشّية بإذنه و مشيئته،و ما هذا شأنه لا يكون ممّا يعجز اللّه سبحانه.فالجملة كالكناية عمّا يصرّح به بعد عدّة آيات،بقوله: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ الأنفال:59.

و ظاهر أنّ أخذ هذه القيود،أعني قوله: بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ... الأنفال:47، يوجب تعلّق النّهي بها،و التّقدير:و لا تخرجوا من دياركم إلى قتل أعداء الدّين بطرين و مرائين بالتّجمّلات الدّنيويّة،و صدّ النّاس عن سبيل اللّه بدعوتهم بأقوالكم و أفعالكم إلى ترك تقوى اللّه،و التّوغّل في معاصيه و الانخلاع عن طاعة أوامره و دساتيره،فإنّ ذلك يحبط أعمالكم و يطفئ نور الإيمان،و يبطل أثره عن جمعكم.

فلا طريق إلى نجاح السّعي و الفوز بالمقاصد الهامّة إلاّ سويّ الصّراط الّذي يمهّده الدّين القويم،و تسهّله الملّة الفطريّة،و اللّه لا يهدي القوم الفاسقين إلى مقاصدهم الفاسدة.(9:96)

المصطفويّ: أي بحالة الطّرب و الهوى،خارجين عن الحقّ و صراط العدل مرائين.(1:272)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البطر،و هو الحيرة و الدّهش،يقال:بطر الرّجل يبطر بطرا فهو بطر،و أبطره غيره،يقال:لا يبطرنّ جهل فلان حلمك.

و البطر أيضا:الأشر و غمط النّعمة،فكأنّ البطر يتحيّر في الحقّ فلا يراه حقّا و لا يقبله،فيطغى و يمرح، يقال:بطر فلان نعمة اللّه.

و أبطره المال و بطر بالأمر:ثقل به و دهش فلم يدر ما يقدّم و لا ما يؤخّر،و أبطره ذرعه:حمله فوق ما لا يطيق.

2-و أمّا البيطار-معالج الدّوابّ من الدّاء-فهو لفظ يونانيّ،انتقل إلى العربيّة بواسطة اللّغة السّريانيّة،و جاء فيها بلفظ«بيطورا»و«بيطرا»و يضارع الأخير لفظ «البيطرة»،أي صنعة البيطار،و«البيطر»و«البيطر»،أي البيطار،و يقال له أيضا:مبيطر.ثمّ اشتقّ منه فعلا،يقال:

بيطر الدّوابّ يبيطرها بيطرة.

ص: 796

و قد زعم ابن دريد أنّ البيطار مشتقّ من البطر، فقال:«البطر:الشّقّ في جلد أو غيره،بطرت الجرح أبطره و أبطره بطرا،و هو أصل البيطار».و نسج على منواله من تلاه فجعله أصلا،حتّى حدا ذلك ابن فارس على القول:«الباء و الطّاء و الرّاء أصل واحد و هو الشّقّ»،و هو مولّد كما رأيت.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت هذه المادّة مرّتين مصدرا و فعلا ماضيا،في سورة مكّيّة و أخرى مدنيّة:

1- وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً القصص:58

2- وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ الأنفال:47

يلاحظ أوّلا:أنّ سياق الآيتين ذمّ لأقوام أفرطوا في الأشر و الغفلة،و انحرفوا عن جادّة الحقّ و تجاوزوا الحقّ،و لم يؤدّوا حقّ النّعمة.و لم يأت البطر في القرآن إلاّ ذمّا،و هو في الأصل صفة ذمّ كما سبق.

ثانيا:جاء الإخبار عن تلك الأقوام عبرة في سورة القصص كنتيجة لأعمالهم،كأنّه بيّن تعالى قانونا في المجتمع الإنسانيّ بدون أمر أو نهي؛إذ لم تكن حينئذ في مكّة أرضيّة للأمر و النّهي،إلاّ أنّه جاء في سورة الأنفال المدنيّة-و المدينة موطن التّشريع-بسياق النّهي.

ثالثا:جاء في الأولى بَطِرَتْ مَعِيشَتَها بنصب مَعِيشَتَها و الضّمير يرجع إلى القرية،إمّا مفعولا للفعل،لأنّه بمعنى«أبطرت»أو ظرف منصوب بنزع الخافض،أي في معيشتها،أو ذكرت المعيشة تفسيرا للفاعل،لأنّها الفاعل في الأصل،فهو كقوله: إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، إلى غيرها ممّا قيل فيها،لاحظ النّصوص.

رابعا:أنّ(بطرا)في الثّانية مصدر في موضع الحال،أو مفعول لأجله،و هو الأقرب،و عطف عليه رِئاءَ النّاسِ، و المعنى خرجوا مفرطين في الطّرب و مفتخرين على النّاس،صادّين عن سبيل اللّه.و ليس فيه معنى كفران النّعمة،و إن استلزمه.

و أمّا البطر في الأولى فقد فسّر بكفران النّعمة من أجل ذكر مَعِيشَتَها، و إلاّ فالإفراط في الطّرب محتمل فيه أيضا.

خامسا:هناك من فسّر البطر بالأشر،و لا ريب في وجود العلاقة بينهما،كوجودها بينهما و بين الطّرب،و قد بيّنّا ذلك في«أش ر»فلاحظ.

و العجيب أنّ«الأشر»جاء مرّتين في القرآن كالبطر.

ص: 797

ص: 798

ب ط ش

اشارة

8 ألفاظ،10 مرّات مكّيّة في 8 سور مكّيّة

بطشتم 2:2 بطش 1:1

يبطش 1:1 بطشا 2:2

يبطشون 1:1 البطشة 1:1

نبطش 1:1 بطشتنا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل: البطش:التّناول عند الصّولة.و الأخذ الشّديد في كلّ شيء:بطش به.

و اللّه ذو البطش الشّديد،أي ذو البأس و الأخذ لأعدائه.(6:240)

ابن دريد :بطش يبطش بطشا،و هو الأخذ الشّديد،و في التّنزيل: وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ القمر:36،و رجل شديد البطش، و قد سمّت العرب بطاشا و مباطشا.(1:291)

تقول العرب يفسقون و يفسقون...و يبطشون و يبطشون.(3:449)

نحوه أبو عبيدة.(الحربيّ 5:1163)

أبو مالك: يقال:بطش فلان من الحمّى،إذا أفاق منها،و هو ضعيف.و بطش يبطش بطشا.

(الأزهريّ 11:318)

الصّاحب: البطش:التّناول عند الصّولة و الأخذ الشّديد و بطش من الحمىّ:افاق منها.و الرّكاب تبطّش بأحمالها،أي تزحّف بها،لا تكاد تحرّك (1).(7:297)

الجوهريّ: البطشة:السّطوة،و الأخذ بالعنف.

و قد بطش به يبطش و يبطش بطشا،و باطشه مباطشة.

(3:996)

مثله القرطبيّ.(13:124)

ابن فارس: الباء و الطّاء و الشّين أصل واحد،و هو أخذ الشّيء بقهر و غلبة و قوّة،قال اللّه تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ البروج:12،و يد باطشة.(1:262)

ص: 799


1- الظّاهر إسقاط(تاء المضارع)من:تبطّش،تزحّف، تحرّك؛و الأصل:تتبطّش،تتزحّف،تتحرّك،و هو جائز.

الهرويّ: و في الحديث:«فإذا أنا بموسى باطش بجانب العرش»أي متعلّق به بقوّة.(1:180)

ابن سيدة: البطش:التّناول بشدّة.بطش يبطش و يبطش بطشا.و في التّنزيل: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130.و باطش كبطش،[ثمّ استشهد بشعر]

ليست«به»من قولنا«باطشنا به»ك«به»من «سطونا به»إذا أردت ب«سطونا»معنى قوله تعالى:

يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ الحجّ:72،و إنّما هي مثل به من قولك:استعنّا به و تعاونّا به،فافهم.

و بطش به يبطش بطشا:سطا عليه في سرعة،و في التّنزيل: فَلَمّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما القصص:19.

و بطاش،و مباطش:اسمان.(8:22)

الطّوسيّ: البطش:الأخذ بشدّة وقع الألم،بطش به يبطش بطشا-و مثله:عرش يعرش و يعرش-و هو باطش.

و أكثر ما يكون بوقوع الضّرب المتتابع،فأجري إفراغ الألم المتتابع مجراه.(9:228)

الرّاغب: البطش:تناول الشّيء بصولة،يقال:يد باطشة.(50)

الزّمخشريّ: بطش به بطشة شديدة،و أصابته يد باطشة.

و من المجاز:فلان يبطش في العلم بباع بسيط.

و بطشت بهم أهوال الدّنيا.و سلكوا أرضا بعيدة المسالك،قريبة المهالك،وقذوا بمباطشها،و ما أنقذوا من معاطشها.و جاءت الرّكاب تبطش بالأحمال،أي ترجف بها.و بطش من الحمّى:أفاق منها.

(أساس البلاغة:24)

القرطبيّ: يقال:بطش يبطش و يبطش،و الضّمّ أقيس،لأنّه فعل لا يتعدّى.(13:265)

الفيّوميّ: بطش به بطشا،من باب«ضرب»و في لغة من باب«قتل»،و البطش هو الأخذ بعنف.و بطشت اليد،إذا عملت،فهي باطشة.(51)

الفيروزآباديّ: بطش به يبطش و يبطش:أخذه بالعنف و السّطوة كأبطشه.أو البطش:الأخذ الشّديد في كلّ شيء،و البأس.

و البطيش:الشّديد البطش.

و بطش من الحمّى:أفاق منها،و هو ضعيف.

و بطاش و مباطش:اسمان.

و المباطشة:المعالجة،و أن يمدّ كلّ منهما يده إلى صاحبه ليبطش به.

و الرّكاب تبطّش (1)بأحمالها تبطّشا:تزحف بها لا تكاد تتحرّك.(2:273)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ ثمّ أضاف:]

و في الحديث القدسيّ: «كنت يده الّذي يبطش بها» هو بالكسر و الضّمّ،أي يأخذ بها.

و في حديث الصّادق عليه السّلام لأبان بن تغلب: «كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين».

قال بعض شرّاح الحديث: «كأنّه إشارة إلى وقعة عسكر السّفيانيّ بين المسجدين،و إلى الفتنة الّتي منش.

ص: 800


1- على إسقاط(تاء المضارع)أي تتبطّش.

عسكره في عراق العرب.

و ظهور رجل مترفّع من الشّيعة في العراق دلالة عسكر السّفيانيّ على الشّيعة،و المراد من الحديث كلّه ظهور المهديّ عليه السّلام.(4:130)

مجمع اللّغة: بطش به-من بابي ضرب و قتل- يبطش بطشا:أخذه بعنف و شدّة.

و البطشة:اسم مرّة من بطش.(1:105)

محمود شيت: 1-أ-بطش به بطشا:أخذه بالعنف،و بطش بالشّيء:أمسكه بقوّة،و بطش عليه:

سطا بسرعة؛فهو باطش،و بطّاش و بطيش.

ب-باطش فلان فلانا مباطشة،و بطاشا:مدّ كلّ منهما يده إلى صاحبه ليبطش به.

2-بطش الجيش بالأعداء:أخذهم بالعنف، و كبّدهم خسائر فادحة.(1:88)

المصطفويّ: البطش هو العمل بالقهر و الصّولة و الشّدّة،و مفهومه أعمّ من الأخذ.(1:272)

النّصوص التّفسيريّة

بطشتم

وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ. الشّعراء:130

ابن عبّاس: البطش:العسف،قتلا بالسّيف و ضربا بالسّوط.(الطّوسيّ 8:45)

مثله مجاهد.(القرطبيّ 13:124)

الحسن: بطش الجبريّة هو المبارزة من غير ثبت و لا توقّف.(الطّوسيّ 8:45)

الكلبيّ: معناه تقتلون عند الغضب.

(الأزهريّ 11:318)

ابن جريج: البطش:القتل بالسّيف و السّياط.

(الطّبريّ 19:96)

الطّبريّ: إذا سطوتم سطوتم قتلا بالسّيوف، و ضربا بالسّياط.(19:96)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّ بطشهم كان بالسّوط و السّيف،و إنّما أنكر ذلك عليهم،لأنّه ظلم.فأمّا في الحقّ فالبطش بالسّوط و السّيف جائز.(4:96)

نحوه الزّمخشريّ(3:122)،و ابن الجوزيّ(6:

136).

القمّيّ: تقتلون بالغضب من غير استحقاق.

(2:123)

البغويّ: وَ إِذا بَطَشْتُمْ: أخذتم و سطوتم، بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ أي قتلا بالسّيف و ضربا بالسّوط.

(3:475)

نحوه الخازن(5:101)،و النّسفيّ(3:191).

ابن العربيّ: قال مالك بن أنس:قال نافع:قال ابن عمر في قوله: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ قال:

يعني به السّوط،و قال غيره بالقتل.و يؤيّد ما قال مالك قول اللّه تعالى ذكره عن موسى: فَلَمّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي... القصص:19.

و ذلك أنّ موسى لم يسلّ عليه سيفا،و لا طعنه برمح، و إنّما وكزه؛فكانت ميتته في وكزته.و البطش يكون باليد،و أقلّه الوكز و الدّفع،و يليه السّوط و العصا،و يليه

ص: 801

الحديد؛و الكلّ مذموم إلاّ بحقّ.(3:1437)

الطّبرسيّ: البطش:الأخذ باليد،أي إذا بطشتم بأخذ تريدون إنزال عقوبة به،عاقبتموه عقوبة من يريد التّجبّر بارتكاب العظائم،كما قال: إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي الْأَرْضِ القصص:19.(4:198)

الفخر الرّازيّ: بيّن أنّهم مع ذلك السّرف و الحرص فإنّ معاملتهم مع غيرهم معاملة الجبّارين.

و قد بيّنّا في غير هذا الموضع أنّ هذا الوصف في العباد ذمّ،و إن كان في وصف اللّه تعالى مدحا.فكان من يقدّم على الغير لا على طريق الحقّ،و لكن على طريق الاستعلاء يوصف بأنّ بطشه بطش جبّار.(24:157)

القرطبيّ: قال ابن عبّاس و مجاهد:البطش:

العسف قتلا بالسّيف و ضربا بالسّوط،و معنى ذلك:

فعلتم ذلك ظلما.[و بعد ذكر قول الكلبيّ و الحسن و غيرهما أضاف:]

و كلّه يرجع إلى قول ابن عبّاس.

و قيل:إنّه المؤاخذة على العمد و الخطأ من غير عفو و لا إبقاء.(13:124)

أبو حيّان: أي أردتم البطش،و حمل على الإرادة لئلاّ يتّحد الشّرط و جوابه،كقوله:

*متى تبعثوها تبعثوها ذميمة*

أي متى أردتم بعثها.

و قيل:المعنى إنّكم كفّار الغضب،لكم السّطوات المفرطة و البوادر.(7:33)

الشّربينيّ: أي أردتم البطش بأحد بضرب أو قتل بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ أي من غير رأفة.(3:25)

أبو السّعود: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بسوط أو سيف بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ متسلّطين غاشمين بلا رأفة و لا قصد تأديب،و لا نظر في العاقبة.(5:54)

مثله الكاشانيّ(4:45)،و البروسويّ(6:296)، و شبّر(4:397).

الآلوسيّ: أي أردتم البطش.[أدام مثل أبي السّعود ثمّ قال:]

و أوّل الشّرط بما ذكر ليصحّ التّسبّب،و تقييد الجزاء بالحال لا يصحّحه،لأنّ المطلق ليس سببا للمقيّد.

و قيل:لا يضرّ الاتّحاد لقصد المبالغة،و قيل:

الجزائيّة باعتبار الإعلام و الإخبار،و هو كما ترى.و نظير الآية قوله:

*متى تبعثوها تبعثوها ذميمة*

و دلّ توبيخه عليه السّلام إيّاهم بما ذكر على استيلاء حبّ الدّنيا،و الكبر على قلوبهم حتّى أخرجهم ذلك عن حدّ العبوديّة.(19:110)

سيّد قطب: فهم عتاة غلاظ،يتجبّرون حين يبطشون،و لا يتحرّجون من القسوة في البطش،شأن المتجبّرين المعتزّين بالقوّة المادّيّة الّتي يملكون.

(5:2610)

الطّباطبائيّ: المعنى و إذا أظهرتم شدّة في العمل و بأسا،بالغتم في ذلك كما يبالغ الجبابرة في الشّدّة.

(15:301)

المصطفويّ: أي إذا عملتم بالقهر و الشّدّة.

(1:272)

ص: 802

نبطش-البطشة الكبرى

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى. الدّخان:16

راجع«ي و م»

يبطشون

...أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها... الأعراف:195

الطّبرسيّ:قرأ أبو جعفر وحده (يبطشون) هاهنا، و في القصص و الدّخان بضمّ الطّاء،و الباقون بكسرها.

بطش يبطش و يبطش،و الكسر أفصح،أي يأخذون بها في الدّفع عنكم.و معنى البطش التّناول و الأخذ بشدّة.(2:511)

أبو السّعود: البطش:الأخذ بقوّة.و قرئ (يبطشون)بضمّ الطّاء،و هي لغة فيه.و المعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أخذه.(3:69)

راجع أيضا«ر ج ل».

بطش

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ. البروج:12

ابن عبّاس: إنّ أخذه بالعذاب إذا أخذ الظّلمة لشديد.(البغويّ 5:237)

الطّوسيّ: البطش:الأخذ بالعنف،و إذا وصف بالشّدّة فقد تضاعف مكروهه،و تزايد إيلامه.

(10:320)

نحوه الزّمخشريّ(4:239)،و الطّبرسيّ(5:468)، و الفخر الرّازيّ(31:123)،و النّسفيّ(4:346).

أبو السّعود: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ استئناف خوطب به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إيذانا بأنّ لكفّار قومه نصيبا موفورا من مضمونه،كما ينبئ عنه التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة مع الإضافة إلى ضميره عليه الصّلاة و السّلام.

و هو بطشه بالجبابرة و الظّلمة،و أخذه إيّاهم بالعذاب و الانتقام،كقوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود:

102.(6:407)

نحوه البروسويّ(10:391)،و الآلوسيّ(30:

91).

الطّنطاويّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه أضاف في شرح كيفيّة بطش الرّبّ تعالى بالأمم الماضية و غيرها، فقال:]

قد ذكرت لك أنّ الغلبة و الإنعام هما الصّفتان اللّتان لا يقوم العرش و لا يبقى إلاّ بهما،و قلت لك:إنّ العزّة و الحمد هما الصّفتان المذكورتان،و أنّ ما جاء بعد ذلك إنّما هو شرح للعزّة و الحمد.

أ لا ترى أنّ البطش الشّديد الّذي أكّده بالقدرة على البدء و الإعادة هو معنى العزيز،أ لا ترى أنّ الغفران و الودّ يرجعان لمعنى الحمد لأنّه لا حمد إلاّ على نعمة،و الغفران و الودّ يستوجبان النّعم من الغفور الودود،أ لا ترى أنّ ذكر العرش يذكّر بالملك،أو لا ترى أنّ قوله: فَعّالٌ لِما يُرِيدُ هود:107،شامل للنّوعين الإنعام و الانتقام؛ إذن يتجلّى لك في هذه الأوصاف أبّهة الملك الإلهيّ من عرش و إنعام و انتقام،فإذا كان لصاحب العروش الأرضيّة جيوش جرّارة فاللّه يبدئ و يعيد،و إذا كانوا يعطون فجميع النّعم من اللّه،فهو يستر عيوب المخلوقين، و يفعل معهم من الإحسان ما يفوق الوصف،كما يأتي

ص: 803

شرحه.

و إذا كان هذا شأنه فمن فرعون و جنوده و ثمود و جنودهم،أ لم يهلكهم اللّه ببطشه،هذا ملخّص هذه الآيات،إذن فلنشرع في ذكر جمال هذا القول فنقول و من اللّه التّوفيق:

اعلم أنّ النّاس يعيشون على الأرض غارقين في النّعم،مغمورين في الخير تحيط بهم الأنوار الكوكبيّة و الهواء الجوّيّ.و لا حياة للنّاس إلاّ بالأضواء و لا بقاء لهم دقائق إلاّ بالهواء،و لا ترى أحدا من النّاس يفكّر في نعمة الهواء،و لا في نعمة الأضواء الشّمسيّة و القمريّة و الكوكبيّة.و لا حياة أيضا للنّاس إلاّ بماء و بنبات و حيوان.

فالنّاس غارقون في النّعم الهوائيّة و المائيّة و الضّوئيّة و الغذائيّة و الدّوائيّة،و نعم الملابس،و نعم الدّول و الممالك،و نعم العلوم و الدّيانات.لكن كثرة النّعم توجب إنكارها،لأنّها لشدّة ظهورها زادت خفاء كثرة النّعم على النّاس حتّى صارت منكورة لأنّهم غرقوا فيها.

هذا هو قوله تعالى: اَلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ و قوله:

اَلْغَفُورُ الْوَدُودُ فانظر ما ذا فعل لتعرف إحسانه بالنّقم كما عرفت إحسانه بالنّعم.انظر أ لست ترى أنّ الإنسان له روح و جسم،فهذه النّعم لحياة الجسم و حياته قصيرة.

فانظر كيف أراد اللّه أن يرينا ذلك،فما ذا فعل؟سلّط الحرّ و القرّ و القحط و المرض و الوباء و الجدريّ و التّيفوس و التّيفود و الموت و الفراق و القتل و الخنق و الضّرب و الحرب و المدافع و الطّيّارات و الغازات الخانقة و عداوات الأمم لأجل الغذاء و الملك.

فهذه هي النّقم المذكورة في قوله:«العزيز»و في قوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، فبينما ينظر الإنسان في السّماء ذات البروج فيرى جمالا و إشراقا و حسنا و بهجة تأخذ بالألباب؛إذا به قد فجع بموت عظيم أو قريب أو حبيب،أو فوجئ بخطب جسيم كأنّه يقال له:أنت لم تخلق للبقاء هنا،فاذهب إلى ذلك الجمال.

هذه النّقم هي الموقظات للأمم و الأفراد فتجعلهم يفكّرون فيما حولهم،و ينظرون في أمرهم،فالمريض يعرف نعمة الصّحّة.و الجائع يعرف قيمه نعمة الغذاء.

و الّذي عطش يعرف نعمة الماء،و الأمم الّتي وقعت في حرب تعرف نعمة الاجتماع.

فالنّاس يعيشون مذهولين من كثرة النّعم حتّى يحسد بعضهم بعضا على الصّحّة و القوّة و الغنى و الثّروة.

فإذا جاءت الحرب عرفوا أنّ هؤلاء نعمة عليهم لا نقمة.

و هناك تأخذ تلك المصائب تفتّح العقول المقفلة، و الأبواب الموصدة،و الأفهام الخامدة.و النّفوس الجامدة،و تطلق الأرواح المسجونة،و يقول العلماء:

«لا يظهر الفلاسفة في أمّة إلاّ أيّام محنتها»فالمحن تظهر مواهب هؤلاء الفلاسفة.

شذرة عامّة من التّاريخ

لقد قدّمت لك في هذا التّفسير ما خاطب به أرسطاطاليس الفيلسوف اليونانيّ تلميذه الإسكندر قائلا:«إيّاك أن تنيم الشّعب على فراش الرّاحة الوثير فإنّ النّاس لا يتحمّلون النّعم كما يتحمّلون النّقم».

و نصحه أن يشغل النّاس بأعمال و إلاّ ذهبت منهم النّخوة و بطروا و شرهوا،فاستولى عليهم الذّلّ و الهوان و قهر

ص: 804

الأمم المحيطة بهم.و ضرب له مثلا بالأمم الّتي هلكت بالنّعيم.

و قد أذاع فلاسفة الألمان في عصرنا كتبا نشروها قبيل الحرب الكبرى:إنّ الدّولة إذا لم تصب بحروب مهلكة فإنّها تغرق في النّعيم و تنسى كمالها و عظمتها،فمن أراد أن يوقظ دولة فليبتدع لها حربا تنشطها و تلمّ شعثها.ثمّ إنّنا نرى اللّه عزّ و جلّ جعل هذا قاعدة عامّة.

فالأمم البدويّة الّتي ترحل من مكان إلى مكان في تتبّع مساقط المطر تكون أقوى أبدانا و أصحّ نفوسا و أقرب إلى الشّجاعة،و الأمم الّتي أتاها الخير و النّعيم من كلّ جانب فهم يزرعون و يأكلون و يشربون لا يخافون الفقر و القحط.فهؤلاء يكثر نسلهم كما قلّ نسل من قبلهم.

و لكن انظر ما ذا ترى،ترى الأوّلين أعزّاء أقوياء لا يتغلّب عليهم متغلّب إلاّ قليلا.و إن تغلّب لا يقدر على كسر شكيمتهم،و ترى الآخرين قد رخصت الأسعار عندهم،و كثر الّذين يعطونهم بالرّبا الفاحش و رخصت أجورهم في العمل لكثرة عددهم.و فوق ذلك يأتي لهم العدوّ بالمدافع و الجيوش فيتسلّط عليهم ليشاركهم في رزقهم.

فانظر كيف أيقظ اللّه النّاس على الأرض.قوم خلقهم في أرض قفراء فعلّمهم الشّجاعة و الهمّة،و قوم منحهم سعة الرّزق و سلّط عليهم الذّلّ.

انظر إلى أمّتنا الإسلاميّة،جاء الإسلام لعرب في بادية الحجاز و حضره،فلمّ شعثهم و كانوا متفرّقين،إنّما كانت بلادهم قد علّمتهم الجلد و الصّبر و شظف العيش.

و هذه آثار صفات العزّة و صفات البطش الشّديد؛ فتعلّموا قبل النّبوّة تعلّما طبيعيّا مرنهم على الصّبر و مكارم الأخلاق،كما تراه في أشعارهم.

جاء الإسلام و أمروا بالفتح،و لكن صاحب الشّريعة صلّى اللّه عليه و سلّم-كما جاء في الصّحيح و ذكرته في هذا التّفسير سابقا-قال لهم ما معناه:إنّ أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زينة الدّنيا و زخرفها،فقال له أعرابيّ:أو يأتي الشّرّ من الخير؟فأجابه صلّى اللّه عليه و سلّم ضاربا المثل بالمطر و النّبات،فالمطر خير و لكن الشّرّ عارض.

فهو صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا انتصر الإسلام لم تفته هذه،فأفهمهم أنّ كثرة النّعم أخافته صلّى اللّه عليه و سلّم على المسلمين.و قد تمّ ذلك بعد وفاته،فإنّهم فتحوا البلاد شرقا و غربا،فاتّسعت دائرة الحسد و العداوة بينهم و كان ما كان،حتّى عظم الملك و تداخل فيه الفرس و التّرك،و ذهبت الدّولة بسبب البطنة و النّعيم،كما أخبر صلّى اللّه عليه و سلّم في«البخاريّ»أنّه يخاف ذلك.و كما قال تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ الأحقاف:20.

هنالك جاء التّتار و المغول في القرن السّادس و السّابع و ما بعدهما و ضربوا دولة الإسلام من جهة الشّرق،و لم يكن عند قطب أرسلان الّذي هجم عليه جنكيز خان هو و لا علماء الإسلام علم بقوّة المغول و التّتار،كما تقدّم في سورة الكهف عند ذكر يأجوج و مأجوج،هذا في جهة الشّرق،و ترى نظيره في بلاد الأندلس فذهبت الدّولة الأمويّة هناك،ثمّ تفرّقت

ص: 805

المملكة إلى ممالك صغيرة.

و لمّا سلّطت عليهم البطنة و الإسراف تفرّقت القلوب و صار كلّ منهم يتقرّب إلى ملوك الأسبان و هم في خمرهم و لهوهم و لعبهم و تفريحهم و شعرهم الغزليّ و خيالهم مغمورون،قد تركوا العلوم العقليّة و فرحوا بالغزل.و أضحى كتاب«الأغانيّ»هو دائرة معارفهم و ما فيه من الخمر و الغزل و الشّهوات،و حكايات أبناء الملوك الفاسقين،حتّى خرّ عليهم السّقف من فوقهم، و طرد الأسبان المفكّرون هؤلاء الخياليّين النّائمين في أوائل القرن العاشر الهجريّ،و هم نحو خمسة عشر مليونا غرق منهم قوم في البحر،و قتل آخرون،و تنصّر بعض،و نزح إلى مراكش و تونس و الجزائر جماعة.

فما ذا حصل،ها هم أولاء الآن يحاربون الأسبان الّذين لحقوهم هم و الفرنسيّون،و دخلوا بلادهم في هذا القرن،و ما ذا حصل،رأينا أيّام كتابة هذه السّطور أنّ النّار المحرقة و شظف العيش في نحو أربعة قرون ربى هؤلاء المطرودين من أسبانيا،فها هم أولاء الآن يطردونهم من بلادهم و يأسرونهم.

فأمّا الأسبان فإنّ الدّرس الّذي أعطي لأبناء العرب درس لهم بنفسه،فإنّهم ورثوا أرض الأندلس فوقعوا في النّعيم،و ها هم أولاء اليوم يفرّون من وجه من كانوا أخرجوهم بالأمس،و قد أسر الأمير عبد الكريم منهم مليونا و بضعة آلاف،و شركات الأسبان أنفسها تبيع له الذّخيرة و الآلات الحربيّة.

هذا هو تفسير«بطش ربّك»بطش بأمّتنا الإسلاميّة في الشّرق و في الأندلس،و سيبطش بجميع الأمم الظّالمة في الشّرق و الغرب.و هذه مصر و سوريا و العراق و بلاد جاوه،كلّ هذه رازحة تحت سيطرة الأمم الغربيّة،و إنّ بطش ربّك لا بدّ منه،و سينقذ هؤلاء كما أنقذ الرّوس من حكم القياصرة،و جعل التّرك و إيران و الأفغان مستقلاّت و هذا أمر قريب الحصول.

أقسم اللّه بالسّماء ذات النّجوم العظيمة،و لا جرم أنّ السّماء هي العوالم جميعها،إنّ الإنسان ينظر و هو فوق الكرة الأرضيّة فيرى قبّة زرقاء فيها جميع العوالم الكونيّة،و معلوم أنّ في السّماء أسباب رزقنا من مطر و نور و حرارة بأشعّة الكواكب و الشّمس،فإن لم تكن هذه فلا رزق في الدّنيا،و هذه العوالم مدبّرة بملائكة طبقا عن طبق،و تحت هؤلاء كلّهم نفوسنا الأرضيّة،و معلوم أنّ المقصود من هذا كلّه النّفوس و ترقّيها،و ذلك يظهر في اليوم الموعود حين يحضر هناك الشّاهد و المشهود،و هما جميع الأمم كما عرفت.

أقسم اللّه بهذا كلّه:أنّ الظّالمين يلعنون قديما و حديثا،و قد شرحت ذلك تفصيلا قبل هذا.

(25:108)

الطّباطبائيّ: الآية إلى تمام سبع آيات تحقيق و تأكيد لما تقدّم من الوعيد و الوعد.

و في إضافة«البطش»إلى«الرّبّ»و إضافة«الرّبّ» إلى الكاف تطييب لنفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالتّأييد و النّصر، و إشارة إلى أنّ لجبابرة أمّته نصيبا من الوعيد المتقدّم.

(20:252)

المصطفويّ: أي بطشه في صورة المقتضي له.

(1:272)

ص: 806

بطشا

وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً...

ق:36

الطّوسيّ: أشدّ قوّة من هؤلاء،و أكثر عدّة كقوم عاد و غيرهم،فلم يتعذّر علينا ذلك.(9:373)

نحوه الطّبرسيّ(5:149)،و أبو السّعود(6:130)، و البروسويّ(8:133).

الشّربينيّ: أي قوّة و أخذا لما يريدونه بالعنف و السّطوة و الشّدّة.(4:90)

بطشتنا

وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ. القمر:36

الهرويّ: حذّرهم إيقاعنا بهم.(1:180)

الزّمخشريّ: أخذتنا بالعذاب.(4:40)

نحوه الطّبرسيّ(5:192)،و أبو حيّان(8:182)، و أبو السّعود(6:170)،و البروسويّ(9:280)، و الطّباطبائيّ(19:81).

الفخر الرّازيّ: و في قوله:(بطشتنا) وجهان:

أحدهما:المراد البطشة الّتي وقعت و كان يخوّفهم بها،و يدلّ عليه قوله تعالى: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً القمر:34،فكأنّه قال:إنّا أرسلنا عليهم ما سبق،ذكرها للإنذار بها و التّخويف.

و ثانيهما:المراد بها ما في الآخرة،كما في قوله تعالى:

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى الدّخان:16،و ذلك لأنّ الرّسل كلّهم كانوا ينذرون قومهم بعذاب الآخرة، كما قال تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى اللّيل:14، و قال: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ المؤمن:18،و قال تعالى: إِنّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً النّبأ:40،إلى غير ذلك.

و على ذلك ففيه لطيفة و هي أنّ اللّه تعالى قال: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ البروج:12،و قال هاهنا:

(بطشتنا)و لم يقل:«بطشنا»و ذلك لأنّ قوله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ بيان لجنس بطشه،فإذا كان جنسه شديدا فكيف الكبرى منه.

و أمّا لوط عليه السّلام فذكر لهم اَلْبَطْشَةَ الْكُبْرى لئلاّ يكون مقصّرا في التّبليغ.(29:59)

الشّربينيّ:أي أخذتنا المقرونة من الشّدّة بما لنا من العظمة،و هي العذاب الّذي نزل بهم.

و قيل:هي عذاب الآخرة،لقوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى الدّخان:16.(4:151)

الآلوسيّ:أخذتنا الشّديدة بالعذاب؛فجوّز أن يراد بها نفس العذاب.(27:90)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير:«البطش»على وجهين:

فوجه منهما:البطش يعني العقوبة،و ذلك قوله:

وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا القمر:36،يعني عقوبتنا، كقوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى الدّخان:16، يعني نعاقب العقوبة الكبرى،و قال: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ البروج:12:يعني إنّ عقاب ربّك لشديد.

و الوجه الثّاني:البطش يعني قوّة،فذلك قوله:

وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ق:

ص: 807

36،يعني قوّة،و قال: فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً الزّخرف:8،يعني قوّة.(325)

مثله هارون الأعور(370)،و الدّامغانيّ(169).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:البطش،و هو الأخذ بالقوّة و الشّدّة و العنف،يقال:بطش يبطش و يبطش بطشا، و بطش به بطشا:سطا عليه في سرعة،و باطشه مباطشة.و اللّه ذو البطش الشّديد،و رجل شديد البطش.و في الحديث:«فإذا موسى باطش بجانب العرش»أي متعلّق به بقوّة،و يقال أيضا:بطش فلان من الحمّى،إذا أفاق منها و هو ضعيف،أي خلص من البطش،ففيه معنى النّفي،مثل:القسط،فهو العدل،و قد يأتي بمعنى نفيه،مثل: وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً الجنّ:15،أي الظّالمون.

2-و قد نسب البطش إلى اليد كما نسب إليها القوّة و القدرة و السّلطان،و منه قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها، و قولهم:يد باطشة،إذ بها يتمّ الأخذ الشّديد و التّناول عند الصّولة.و هو مذموم شرعا،لما ورد في«مسند ابن حنبل»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«و اليد زناها البطش»،إلاّ ما نسب إليه تعالى،كقوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ البروج:12،و قوله في السّنّة النّبويّة كما نقله البرقيّ في«المحاسن»و البخاري في«صحيحه»:

«فإذا أحببته(أي المؤمن)كنت سمعه الّذي يسمع به، و بصره الّذي يبصر به،و لسانه الّذي ينطق به،و يده الّتي يبطش بها،و رجله الّتي يمشي بها».و قول عليّ عليه السّلام في«النّهج»:«فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه،و تهاونا ببطشه».

3-و من المجاز قولهم:فلان يبطش في العلم بباع بسيط،أي يتناوله و يحوزه إليه،و بطشت بهم أهوال الدّنيا،أي أخذتهم بشدّة و عنف،و جاءت الرّكاب تبطش بالأحمال،أي ترجف بها.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها في القرآن عشر مرّات:فعل ماض مرّتين،و فعل مضارع ثلاث مرّات،و مصدر أو اسم مصدر خمس مرّات،في ثماني آيات:

أ-بطش اللّه:

1- يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ

الدّخان:16

2- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ البروج:12

3- وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ

القمر:36

ب-بطش العباد:

4- وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ الشّعراء:130

5- فَلَمّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي القصص:19

6- أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها

الأعراف:195

7- فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ الزّخرف:8

ص: 808

8- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ق:36

يلاحظ أوّلا:أنّ بطش اللّه هو مؤاخذته و مجازاته للمستحقّين لها إمّا في الآخرة:(1)و(2)،أو في الدّنيا:

(3)،لأنّ ما قبلها في قوم نوح: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً، فليس فيها تجاوز و ظلم،بل كلّها عدل.

بخلاف بطش النّاس،فإنّه في الدّنيا و باليد غالبا،و قد صرّح به في(6): أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها، أو ما يعمّ اليد،كما هو ظاهر سائر الآيات،و ليس فيه مجازاة،بل كلّها تجاوز و ظلم وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ، و سياقها ذمّ.

ثانيا:سياق الآيات إضافة إلى لفظ«البطش» تجسيم و تصوير للشّدّة في الموردين:(البطشة الكبرى)، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا، بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ، أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً.

ثالثا:جاء في اللّه«البطشة»اسم مصدر مرّتين:(1) و(3)،و المراد بها ما عاقبهم اللّه به،و«بطش»مصدرا مرّة في(2)،و في النّاس مصدرا مرّتين بسياق واحد: أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً.

رابعا:جاء للّه فعلا مضارعا مرّة: يَوْمَ نَبْطِشُ، و للنّاس فعلا ماضيا مرّتين: وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ، و مضارعا مرّتين: فَلَمّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ، أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها، فنسب البطش إلى اللّه فعلا و مصدرا و اسم مصدر أربعا،و إلى النّاس فعلا و مصدرا ستّا،مع البون الشّاسع بينهما،فإنّ بطش الرّبّ-كما سبق-مجازاة و عدل،و هو مجاز،و بطش النّاس تجاوز و ظلم،و هو حقيقة.

خامسا:جاء«الأخذ»في القرآن مكان«البطش» منسوبا إلى اللّه بكثرة في الدّنيا،مثل: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ هود:102،أو إلى «العذاب»مثل وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:94، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:78.و في الدّنيا و الآخرة،مثل: فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى النّازعات:25.

و كذلك«المؤاخذة»في الدّنيا،مثل: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ النّحل:61، و في الآخرة،مثل: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا البقرة:286.و لم يرد«الأخذ»في القرآن بهذا المعنى منسوبا إلى النّاس،فهذا فارق بين«البطش» و«الأخذ»في عرف القرآن.

و هناك فرق آخر،و هو أنّ«البطش»أخذ فيه القوّة و الشّدّة كما سبق،أمّا«الأخذ»و«المؤاخذة»فمطلق غير محدّد بهما،اللّهمّ إلاّ أن يدلّ عليه السّياق،مثل: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود:102.

و قد اجتمع«الأخذ»منسوبا إلى اللّه،مع«القوّة» منسوبة إلى النّاس في قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ ما كانَ لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ واقٍ المؤمن:21، لاحظ«أ خ ذ»و الآيات في«المعجم المفهرس».

ص: 809

ص: 810

ب ط ل

اشارة

8 ألفاظ،36 مرّة:21 مكّيّة،15 مدنيّة

في 23 سورة:15 مكّيّة،8 مدنيّة

بطل 1:1 باطل 2:2

يبطل 1:-1 الباطل 22:11-11

سيبطله 1:1 باطلا 2:1-1

تبطلوا 2:-2 المبطلون 5:5

النّصوص اللّغويّة

الخليل: بطل الشّيء يبطل بطلا،أي ذهب باطلا، و الباطل:نقيض الحقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبطلته:جعلته باطلا،و أبطلت:جئت بكذب، و ادّعيت غير الحقّ.

و التّبطّل:فعل البطالة،و هو اتّباع اللّهو و الجهالة.

و البطل:الشّجاع الّذي يبطل جراحته و لا يكترث لها،و لا تكفّه عن نجدته،و إنّه لبطل بيّن البطولة.

و بطّلني فلان:منعني عملي.

و تقول:البطل الرّجل هذا،أي إنّه بطل.و البطل الشّيء هذا،أي إنّه باطل.

و جمع البطل:أبطال.(7:430)

سيبويه: الباطل:نقيض الحقّ،و الجمع:أباطيل، على غير قياس،كأنّه جمع إبطال أو إبطيل.

(ابن منظور 11:56)

الأحمر:بطل بيّن البطالة و البطولة.و بطّال بيّن البطالة.(الأزهريّ 13:354)

نحوه الهمذانيّ.(64)

الفرّاء: [في مراتب الشّجاعة]

رجل شجاع،ثمّ بطل،ثمّ صمّة،ثمّ بهمة،ثمّ ذمر، ثمّ حلس و حلبس،ثمّ أهيس أليس،ثمّ نكل،ثمّ نهيك و محرب،ثمّ غشمشم و أيهم.

مثله ابن الأعرابيّ.(الثّعالبيّ:87)

أبو زيد: يقال:رجل بطل،و لا يقال:امرأة بطلة.

(ابن دريد 1:308)

ص: 811

اللّحيانيّ: و تبطّلوا بينهم:تداولوا الباطل و بينهم أبطولة يتبطّلون بها،أي يقولونها و يتداولونها.

(ابن سيدة 9:178)

ابن الأعرابيّ: بطّال بيّن البطالة،بالفتح،يعني به البطل.و امرأة بطلة،و الجمع بالألف و التّاء،و لا يكسّر على«فعال»لأنّ مذكّرها لم يكسّر عليه.

(ابن منظور 11:57)

أبو حاتم: واحدة الأباطيل:أبطولة.

(ابن منظور 11:56)

شمر: بطّال بيّن البطالة و البطالة و بطل البطالة.

و بطل الأجير يبطل بطالة،و في الباطل أيضا:بطل الشّيء يبطل بطالة.(الأزهريّ 13:354)

ابن دريد :بطل الشّيء يبطل بطولا،إذا تلف، و أبطلته إبطالا،و البطل و الباطل واحد.

و بطل الرّجل بطولة،إذا صار بطلا.

و بطل بطالة،إذا هزل و كان بطّالا.

و البطلان:مصدر بطل الشّيء بطلانا أيضا.

و الأباطيل:جمع إبطالة و أبطولة،و يقال:جاء فلان بالأباطيل.(1:308)

الصّاحب: البطل:مصدر الشّيء الباطل،بطل يبطل بطلا و باطلا.

و أبطلته:جعلته باطلا،و أبطل:جاء بباطل،و هو مبطل.

و بينهم أبطولة،أي يتبطّلون.و جاءنا بالبطّلات،نحو التّرّهات.و التّبطيل:فعل البطالة و الجهالة.

و البطل:الشّجاع الّذي تبطل جراحته،بطل بيّن البطولة و البطالة،و امرأة بطلة من نساء بطلات،و الجمع:

الأبطال.(9:181)

الأزهريّ: قال أبو خيرة:إنّما سمّي البطل بطلا،لأنّه يبطل العظائم بسيفه فيبهرجها.

و قال غيره:سمّي بطلا،لأنّ الأشدّاء يبطلون عنده.

و يقال:الدّماء تبطل عنده.فلا يدرك عنده ثأر.

و قال:البطلة:السّحرة،و جاء في الحديث:

«لا تستطيعه البطلة».(13:354)

الجوهريّ: الباطل:ضدّ الحقّ،و الجمع:أباطيل على غير قياس،كأنّهم جمعوا إبطيلا.

و قد بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا،و أبطله غيره.

و يقال:ذهب دمه بطلا،أي هدرا.

و البطل:الشّجاع،و المرأة بطلة،و قد بطل الرّجل بالضّمّ يبطل بطولة و بطالة،أي صار شجاعا.

و بطل الأجير بالفتح بطالة،أي تعطّل فهو بطّال.

(4:1635)

نحوه مختار الصّحاح.(56)

أبو هلال: الفرق بين قولك:أبطل،و بين قولك:

أدحض:أنّ أصل الإبطال:الإهلاك،و منه سمّي الشّجاع بطلا لإهلاكه قرنه،و أصل الإدحاض:الإذلال؛فقولك:

أبطله يفيد أنّه أهلكه،و قولك:أدحضه يفيد أنّه أزاله (1).

و منه:مكان دحض،إذا لم يثبت عليه الأقدام، و قد دحض،إذا زلّ (2)،و منه قوله تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌل.

ص: 812


1- كذا،و الظّاهر،أذلّه.
2- كذا و الظّاهر،ذلّ،أو زال.

عِنْدَ رَبِّهِمْ الشّورى:16.(196)

ابن فارس: الباء و الطّاء و اللاّم أصل واحد،و هو ذهاب الشّيء،و قلّة مكثه و لبثه،يقال:بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا.

و سمّي الشّيطان الباطل،لأنّه لا حقيقة لأفعاله،و كلّ شيء منه فلا مرجوع له و لا معوّل عليه.

و البطل:الشّجاع،قال أصحاب هذا القياس:سمّي بذلك لأنّه يعرّض نفسه للمتالف.و هو صحيح،يقال:

بطل بيّن البطولة و البطالة،و قد قالوا:امرأة بطلة.

فأمّا قولهم في المثل:«مكره أخوك لا بطل»فقد اختلف فيه.(1:258)

الهرويّ: في الحديث:«لا يستطيعه البطلة»يعني السّحرة،يقال:أبطل،إذا جاء بالباطل.(181)

الثّعالبيّ: لا يقال للشّجاع:كميّ،إلاّ إذا كان شاكي السّلاح،و إلاّ فهو بطل.(51)

إذا كان[الإنسان]يبطل الأشدّاء و الدّماء فلا يدرك عنده ثأر،فهو بطل.(86)

أبو سهل الهرويّ: تقول:رجل بطّال بيّن البطالة، أي فارغ لا عمل له،و قد بطل بفتح الطّاء.

و رجل بطل،أي شجاع بيّن البطولة،و قد بطل بضمّ الطّاء،أي صار شجاعا،أي شديد القلب ثابتا عند القتال و الحرب.

و بطل الشّيء بفتح الطّاء يبطل بضمّها بطلا بسكونها و ضمّ الباء و بطولا إذا ذهب و زال و فسد و لم يثبت.

(34)

ابن سيدة: بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا:

ذهب ضياعا و خسرانا،و أبطله هو.

و بطل في حديثه بطالة،و أبطل:هزل.

و الاسم:البطل.

و الباطل:نقيض الحقّ،و الجمع:أباطيل،على غير قياس،كأنّه جمع إبطال أو إبطيل،هذا مذهب سيبويه.

و قال أبو حاتم:واحدة الأباطيل أبطولة،و قال ابن دريد:واحدتها إبطالة.

و دعوى باطل،و باطلة،عن الزّجّاج.

و أبطل:جاء بالباطل.

و رجل بطّال:ذو باطل.

و قالوا:باطل بيّن البطول.

و قوله عزّ و جلّ: قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ سبأ:49،قيل:الباطل هنا:إبليس،أراد:

ذو الباطل،أي:صاحب الباطل،و هو إبليس.

و رجل بطل،بيّن البطالة و البطولة:شجاع تبطل جراحته فلا يكترث لها،و لا تبطل نجادته،و قيل:هو الّذي تبطل عنده دماء الأقران،من قوم أبطال.

و بطّال بيّن البطالة،و قد بطل و تبطّل،قال أبو كبير الهذليّ:

ذهب الشّباب و فات منه ما مضى

و نضا زهير كريهتي و تبطّلي

و جعله أبو عبيد من المصادر الّتي لا أفعال له.

و حكى ابن الأعرابيّ:بطّال بيّن البطالة،بالفتح، يعني به البطل.و امرأة بطلة،و الجمع بالألف و التّاء،و لا تكسّر على فعال؛لأنّ مذكّرها لم يكسّر عليه.

(9:177)

ص: 813

البطولة:الشّجاعة،بطل بطولة و بطالة فهو بطل، و الجمع:أبطال.

و البطل:الّذي يبطل الأشدّاء و الدّماء فلا يدرك عنده ثأر لشجاعته،و تبطّل:تشجّع.(الإفصاح 1:142)

البطلان:بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا:

ذهب ضياعا و خسرا،و أبطلته أنا.

و ذهب دمه بطلا:قتل و لم يؤخذ له ثأر و لا دية.

(الإفصاح 2:1353)

الطّوسيّ: البطلان و الفساد و الكذب و الزّور و البهتان،نظائر.و ضدّ الحقّ:الباطل؛يقال:بطل بطولا و بطلا و بطلانا،إذا تلف،و أبطلته إبطالا،إذا أتلفته.

و البطل و الباطل،واحد.

و بطل الرّجل بطولة،إذا صار بطلا.و يقال:رجل بطل،و لا يقال:امرأة بطلة.

و بطل،بطالة،إذا هزل،و كان بطّالا.و الأباطل:

جمع إبطالة و أبطولة.و الباطل:ضدّ الحقّ.

و أبطلته:جعلته باطلا.و أبطل فلان،إذا جاء بباطل.

و البطل:الشّجاع الّذي يبطل جراحاته،لا يكترث لها،و لا تكفّه عن نجدته.

و أصل الباطل:الخبر الكذب،ثمّ كثر حتّى قيل لكلّ فاسد.

و يقال:فعل باطل،أي قبيح،و بناء باطل،أي منتقض،و زرع باطل،أي محترق تالف.(1:190)

نحوه الطّبرسيّ.(1:95)

الرّاغب: الباطل:نقيض الحقّ،و هو ما لا ثبات له عند الفحص عنه،قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ لقمان:30.

و قد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال و الفعال،يقال:

بطل بطولا و بطلا و بطلانا و أبطله غيره،قال عزّ و جلّ:

فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:118، و قال تعالى: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ آل عمران:

71.

و يقال للمستقلّ عمّا يعود بنفع دنيويّ أو أخرويّ:

بطّال:و هو ذو بطالة بالكسر.

و بطل دمه،إذا قتل و لم يحصل له ثأر و لا دية.

و قيل للشّجاع المتعرّض للموت:بطل،تصوّرا لبطلان دمه،كما قال الشّاعر:

فقلت لها لا تنكحيه فإنّه

لأوّل بطل أن يلاقي مجمعا

فيكون«فعلا»بمعنى«مفعول»أو لأنّه يبطل دم المتعرّض له بسوء،و الأوّل أقرب.

و قد بطل الرّجل بطولة:صار بطلا و بطّالا نسب إلى البطالة.و يقال:ذهب دمه بطلا،أي هدرا.

و الإبطال يقال في إفساد الشّيء و إزالته،حقّا كان ذلك الشّيء أو باطلا،قال اللّه تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ الأنفال:8.

و قد يقال فيمن يقول شيئا لا حقيقة له،نحو:

وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ الرّوم:58،و قوله تعالى: وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ المؤمن:78،أي الّذين يبطلون الحقّ.

(50)

الزّمخشريّ: هو باطل بيّن البطلان،و بطّال بيّن

ص: 814

البطالة بالكسر،و قد بطل بالفتح.

و بطل بيّن البطالة بالفتح،و قد بطل بالضّمّ.

و يقال:لبطل الرّجل،هذا في التّعجّب من البطل، و لبطل القول،هذا في التّعجّب من الباطل.

و قال فلان قولا بطلا،و ساق كلمات خطلا من الخطل.

و أعوذ باللّه من البطلة:و هم الشّياطين.

و أبطل فلان:جاء بالباطل،و جاء بالأضاليل و الأباطيل،و لقد تبطّل ولدك.

و شرّ الفتيان المتبطّل المتعطّل،و بطّله فلان.

و كانت فلانة شجاعة بطلة.

و ذهب دمه بطلا.(أساس البلاغة:25)

ابن الشّجريّ:البطل:الشّجاع،و ألزموه في الجمع مثال«أفعال»كما قالوا في الاسم:أرسان و أقلاب و أقلام و أقتاب،فلم يجاوزوا ذلك.

و مصدره:البطولة و البطالة.و فعله بطل،مثل ظرف.و اشتقاقه-فيما زعموا-من البطلان،قالوا:لأنّه الّذي تبطل عنده الدّماء.(1:195)

الطّبرسيّ:الباطل:الذّاهب الزّائل،يقال:بطل، إذا ذهب.

و قيل:الباطل هو ما تعلّق بالشّيء على خلاف ما هو به،خبرا كان أو اعتقادا أو ظنّا أو تخيّلا.(1:282)

الباطل:الكائن بحيث يؤدّي إلى الهلاك،و هو نقيض الحقّ،فإنّ الحقّ كون الشّيء بحيث يؤدّي إلى النّجاة.(2:462)

ابن الاثير:في حديث الأسود بن سريع:«كنت أنشد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا دخل عمر قال:اسكت إنّ عمر لا يحبّ الباطل»أراد بالباطل:صناعة الشّعر و اتّخاذه كسبا بالمدح و الذّمّ.

فأمّا ما كان ينشده النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فليس من ذلك،و لكنّه خاف أن لا يفرق الأسود بينه و بين سائره،فأعلمه ذلك.

و فيه:«شاكي السّلاح بطل مجرّب»البطل:

الشّجاع،و قد بطل بالضّمّ بطالة و بطولة.(1:136)

الفخر الرّازيّ: الباطل في اللّغة:الزّائل الذّاهب، يقال:بطل الشّيء بطولا فهو باطل،و جمع الباطل:

بواطل.و أباطيل:جمع أبطولة.

و يقال:بطل الأجير يبطل بطالة،إذا تعطّل و اتّبع اللّهو.(5:129)

الفيّوميّ: بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا بضمّ الأوائل:فسد أو سقط حكمه فهو باطل،و جمعه:

بواطل.

و قيل:يجمع أباطيل،على غير قياس.

و رجل بطل،أي شجاع،و الجمع:أبطال،مثل سبب و أسباب.و الفعل منه بطل بالضّمّ وزان حسن،فهو حسن.

و في لغة: بطل يبطل من باب«قتل»فهو بطل بيّن البطالة بالفتح و الكسر،سمّي بذلك لبطلان الحياة عند ملاقاته،أو لبطلان العظائم به.

قال بعض شارحي الحماسة: يقال:رجل بطل و امرأة بطلة،كما يقال:شجاعة.(1:52)

الفيروزآباديّ: بطل بطلا و بطولا و بطلانا بضمّهنّ:ذهب ضياعا و خسرا،و أبطله،و في حديثه

ص: 815

بطالة:هزل كأبطل،و الأجير:تعطّل.

و الباطل:ضدّ الحقّ،جمعه:أباطيل،و أبطل:جاء به (1)،و إبليس،و منه وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ سبأ:49.

و رجل بطّال:ذو باطل بيّن البطول.

و تبطّلوا بينهم:تداولوا الباطل.

و رجل بطل محرّكة،و كشدّاد بيّن البطالة و البطولة:

شجاع،تبطل جراحته فلا يكترث لها،أو تبطل عنده دماء الأقران،جمعه:أبطال،و هي بهاء،و قد بطل ككرم،و تبطّل.

و البطّلات كسكّر:التّرّهات،و بينهم أبطولة بالضّمّ و إبطالة بالكسر:باطل.

و البطلة:السّحرة.(3:345)

الطّريحيّ: الباطل:خلاف الحقّ،و الجمع:

أباطيل،على خلاف القياس.

و الباطل:الشّرك أيضا.

و أبطل الرّجل،إذا جاء بالباطل.

و بطل من العمل بطالة بالفتح،و حكي الكسر،و هو أفصح.

و ربّما قيل:بطّالة حملا على العمّالة.

و بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا،و قول الشّاعر: *ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل*

أي فان،أو غير ثابت أو خارج عن حدّ الانتفاع، أي ما خلا اللّه و صفاته،و ما كان له من الصّالحات كالإيمان و الثّواب.

و ذهب دمه بطلا،أي هدرا.

و بطل الأجير بطالة،أي تعطّل.(5:322)

الجزائريّ:الباطل و الفاسد.

الأوّل:ما لم يشرع بالكلّيّة،كبيع ما في بطون الأمّهات.

و الثّاني:ما يشرع أصله،و لكن امتنع لاشتماله على وصف كالرّبا،كذا قاله الشّهيد في«تمهيد القواعد».

(66)

مجمع اللّغة: بطل الشّيء كنصر،يبطل بطلا و بطولا و بطلانا:ذهب ضياعا.

و أبطل الشّيء يبطله:جعله يذهب ضياعا.

الباطل:هو العبث الّذي لا فائدة فيه،كما يطلق الباطل على نقيض الحقّ،و هو ما لا ثبات له عند الفحص.

و يقال:أبطل فلان،إذا دعا باطلا،فهو مبطل،و هم مبطلون.(1:106)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:71)

محمود شيت: 1-أ-بطل الشّيء بطلا و بطولا و بطلانا:ذهب ضياعا،يقال:بطل دم القتيل،و ذهب دمه بطلا،إذا قتل و لم يؤخذ له ثأر،و لا دية.

و بطل:فسد و سقط حكمه،يقال:بطل البيع،و بطل الدّليل،فهو باطل.

و بطل العامل بطالة:تعطّل،فهو بطّال.

ب-بطل في حديثه بطالة:هزل،فهو بطل.

ج-بطل الشّيء بطولة:شجع،فهو بطل،جمعه:

أبطال.

د-الباطل:ما وقع غير صحيح من أصله.ل.

ص: 816


1- يعني:بالباطل.

2-البطل:الشّجاع المقدام،جمعه:أبطال،يقال:

أظهر بطولة في المعركة.(1:88)

العدنانيّ: البطالة،البطالة،البطالة.

يقول الشّيخ عبد القادر المغربيّ في كتابه«عثرات الأقلام في اللّغة»:صاحب بطالة،أي عاطل من العمل، و يعثرون فيفتحون الباء.

و الحقيقة هي أنّنا نستطيع أن نقول:

أ-البطالة:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و المدّ،و معجم كنز اللّغة لابن معروف(عربيّ فارسيّ) و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ب-و البطالة:اللّسان،و المصباح(أفصح) و مستدرك التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن، و المغربيّ،و الوسيط.

ج-و البطالة:المصباح،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

و فعله:بطل من العمل يبطل بطالة،أو بطالة،أو بطالة،فهو بطّال.(65)

المصطفويّ: الباطل:مقابل الحقّ،أي ما لا ثبات له و لا واقعيّة.و لا محالة إنّه يزول و يمحو و لا يلبث وجوده.

و البطلان إمّا في الوجود،أو في العمل،أو في القول، أو في الرّأي و النّظر.

و التّعريف الصّحيح للباطل هو ما يقال:إنّ الباطل ما يقابل الحقّ،فما ليس بحقّ فهو باطل.

و الإبطال في مقابل الإحقاق،أي إزالة ما يزول و محوه.

و إطلاق البطل على الشّجاع باعتبار أنّ عنوانه و قدرته و قوّته و جميع تظاهراته غير ثابتة،لا يعتمد عليها،و ليس لها ثبات و بقاء و حقيقة.(1:273)

النّصوص التّفسيريّة

الباطل
لبس الحقّ بالباطل

1- وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة:42

ابن عبّاس: لا تخلطوا الصّدق بالكذب.

(الطّبريّ 1:254)

لا تخلطوا ما عندكم من الحقّ في الكتاب بالباطل، و هو التّغيير و التّبديل.(القرطبيّ 1:342)

أبو العالية: لا تخلطوا الحقّ بالباطل،و أدّوا النّصيحة لعباد اللّه في أمر محمّد عليه الصّلاة و السّلام.

(الطّبريّ 1:255)

مثله سعيد بن جبير،و الرّبيع.(ابن كثير 1:146)

قالت اليهود:محمّد مبعوث و لكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثه حقّ،و جحدهم أنّه بعث إليهم باطل.

(القرطبيّ 1:342)

مجاهد : وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ [لا تخلطوا] اليهوديّة و النّصرانيّة بالإسلام.

(الطّبريّ 1:255)

الحسن: كتموا صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و دينه،و هو الحقّ، و أظهروا دين اليهوديّة و النّصرانيّة.(الطّوسيّ 1:191)

ص: 817

قتادة:و لا تلبسوا اليهوديّة و النّصرانيّة بالإسلام، و أنتم تعلمون أنّ دين اللّه الإسلام،و أنّ اليهوديّة و النّصرانيّة بدعة ليست من اللّه.(ابن كثير 1:146)

ابن زيد: (الحقّ):التّوراة الّذي أنزل اللّه على موسى،و(الباطل):الّذي كتبوه بأيديهم.

(الطّبريّ 1:255)

المراد ب(الحقّ):التّوراة،و(الباطل):ما بدّلوا فيها من ذكر محمّد عليه السّلام و غيره.(القرطبيّ 1:432)

الطّبريّ: إن قال لنا قائل:و كيف كانوا يلبسون الحقّ بالباطل و هم كفّار،و أيّ حقّ كانوا عليه مع كفرهم باللّه؟

قيل:إنّه كان فيهم منافقون،منهم يظهرون التّصديق بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يستبطنون الكفر به،و كان أعظمهم يقولون:محمّد نبيّ مبعوث إلاّ أنّه مبعوث إلى غيرنا.

فكان لبس المنافق منهم الحقّ بالباطل إظهاره الحقّ بلسانه و إقراره لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بما جاء به جهارا،و خلطه ذلك الظّاهر من الحقّ بالباطل الّذي يستبطنه.

و كان لبس المقرّ منهم بأنّه مبعوث إلى غيرهم الجاحد،أنّه مبعوث إليهم،إقراره بأنّه مبعوث إلى غيرهم و هو الحقّ،و جحوده أنّه مبعوث إليهم و هو الباطل.و قد بعثه اللّه إلى الخلق كافّة؛فذلك خلطهم الحقّ بالباطل،و لبسهم إيّاه به.(1:254)

الطّوسيّ: معنى لبسهم الحقّ بالباطل:أنّهم آمنوا ببعض الكتاب،و كفروا ببعض،فخلطوا الحقّ بالباطل، لأنّهم جحدوا صفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله؛فذلك الباطل،و أقرّوه بغيره ممّا في الكتاب على ما هو به؛و ذلك حقّ.

و قال بعضهم: (الحقّ):إقرارهم بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله مبعوث إلى غيرهم،و(الباطل):إنكارهم أن يكون بعث إليهم.

و هذا ضعيف،لأنّه إن جاز ذلك على نفر يسير، لم يجز على الخلق الكثير،مع إظهار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تكذيبهم فيه،و إقامة الحجّة عليهم.(1:191)

الزّمخشريّ: الباء الّتي في(بالباطل)ان كانت صلة،مثلها في قولك:لبست الشّيء بالشّيء خلطته به، كان المعنى و لا تكتبوا فى التّوراة ما ليس منها،فيختلط الحقّ المنزل بالباطل الّذي كتبتم،حتّى لا يميّز بين حقّها و باطلكم.

و إن كانت باء الاستعانة كالّتي في قولك:كتبت بالقلم،كان المعنى و لا تجعلوا الحقّ ملتبسا مشتبها بباطلكم الّذي تكتبونه.(1:276)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ ثمّ أضاف:]

و قيل:معناه لا تحرّفوا الكلم عن مواضعه، فالتّحريف هو الباطل،و تركهم ما في الكتاب على ما هو به و هو الحقّ.(1:96)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله سبحانه: وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ البقرة:41،أمر بترك الكفر و الضّلال، و قوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ أمر بترك الإغواء و الإضلال.

و اعلم أنّ إضلال الغير لا يحصل إلاّ بطريقين؛و ذلك لأنّ ذلك«الغير»إن كان قد سمع دلائل الحقّ فإضلاله لا يمكن إلاّ بتشويش تلك الدّلائل عليه.و إن كان

ص: 818

ما سمعها،فإضلاله إنّما يمكن بإخفاء تلك الدّلائل عنه، و منعه من الوصول إليها.

فقوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ إشارة إلى القسم الأوّل و هو تشويش الدّلائل عليه،و قوله:

وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ إشارة إلى القسم الثّاني و هو منعه من الوصول إلى الدّلائل.

و اعلم أنّ الأظهر في«الباء»الّتي في قوله:(بالباطل) أنّها باء الاستعانة،كالّتي في قولك:كتبت بالقلم،و المعنى و لا تلبسوا الحقّ بسبب الشّبهات الّتي توردونها على السّامعين؛و ذلك لأنّ النّصوص الواردة في التّوراة و الإنجيل في أمر محمّد عليكم كانت نصوصا خفيّة،يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال.

ثمّ إنّهم كانوا يجادلون فيها و يشوّشون وجه الدّلالة على المتأمّلين فيها بسبب إلقاء الشّبهات،فهذا هو المراد بقوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ فهو المذكور في قوله: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:

5.(3:43)

القرطبيّ: الباطل في كلام العرب:خلاف الحقّ، و معناه الزّائل.[إلى أن قال:]

و اختلف أهل التّأويل في المراد بقوله:الحق بالباطل فروي عن ابن عبّاس و غيره:لا تخلطوا ما عندكم من الحقّ في الكتاب بالباطل،و هو التّغيير و التّبديل.

و قال أبو العالية: قالت اليهود:محمّد مبعوث و لكن إلى غيرنا،فإقرارهم ببعثه حقّ،و جحدهم أنّه بعث إليهم باطل.

و قال ابن زيد: المراد ب(الحقّ):التّوراة،و(الباطل):

ما بدّلوا فيها من ذكر محمّد عليه الصّلاة و السّلام و غيره.

و قال مجاهد: لا تخلطوا اليهوديّة و النّصرانيّة بالإسلام،و قاله قتادة،و قد تقدّم.

قلت:و قول ابن عبّاس أصوب،لأنّه عامّ فيدخل فيه جميع الأقوال،و اللّه المستعان.(1:341)

أبو حيّان: [بعد نقل أقوال ابن عبّاس،و مجاهد، و ابن زيد،و أبو العالية،قال:]

أو إيمان منافقي اليهود بإبطان كفرهم،أو صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بصفة الدّجّال.

و ظاهر هذا التّركيب أنّ«الباء»في قوله:(بالباطل) للإلصاق كقولك:خلطت الماء باللّبن،فكأنّهم نهوا عن أن يخلطوا الحقّ بالباطل،فلا يتميّز الحقّ من الباطل.

و جوّز الزّمخشريّ أن تكون«الباء»للاستعانة كهي في:كتبت بالقلم،قال:كان المعنى و لا تجعلوا الحقّ ملتبسا مشتبها بباطلكم.و هذا فيه بعد عن هذا التّركيب، و صرف عن الظّاهر بغير ضرورة تدعوا إلى ذلك.

(1:179)

2- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. آل عمران:71

ابن عبّاس: بإظهار الإسلام،و إبطان النّفاق،و في قلوبهم من اليهوديّة و النّصرانيّة مأمنا،لأنّهم يدعون إلى إظهار الإسلام في صدر النّهار و الرّجوع عنه في آخره،لتشكيك النّاس فيه.

مثله قتادة.الطّوسيّ 2:497)

ص: 819

(الحقّ):إقرارهم ببعض أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و(الباطل):

كتمانهم لبعض أمره.(أبو حيّان 2:491)

(الحقّ):إسلامهم بكرة و(الباطل):كفرهم عشيّة.(ابن عطيّة 1:453)

الحسن: بتحريف التّوراة و الإنجيل.

مثله ابن زيد.(الطّوسيّ 2:497)

قتادة: لم تلبسون اليهوديّة و النّصرانيّة بالإسلام، و قد علمتم أنّ دين اللّه-الّذي لا يقبل غيره-الإسلام، و لا يجزى إلاّ به.

مثله ابن جريج.(الطّبريّ 3:310)

الرّبيع: [مثل قتادة إلاّ أنّه أضاف:]

الّذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام،و لم يقبل و لا يجزى إلاّ به.(الطّبريّ 3:310)

ابن زيد: (الحقّ):التّوراة الّتي أنزل اللّه على موسى،و(الباطل):الّذي كتبوه بأيديهم.

(الطّبريّ 3:310)

الجبّائيّ: أنّ المراد:ما يعلمونه في قلوبهم من أنّ محمّدا أحقّ،بما يظهرونه من تكذيبه.

مثله أبو مسلم.(الطّبرسيّ 1:459)

يتأوّلون الآيات الّتي فيها الدّلالة على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم على خلاف تأويلها،ليظهر منها للعوامّ خلاف ما هي عليه.(أبو حيّان 2:491)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:يا أهل التّوراة و الإنجيل،(لم تلبسون)يقول:لم تخلطون الحقّ بالباطل، و كان خلطهم الحقّ بالباطل:إظهارهم بألسنتهم من التّصديق بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ما جاء به من عند اللّه،غير الّذي في قلوبهم من اليهوديّة و النّصرانيّة.

(3:310)

الماورديّ:فيه ثلاثة تأويلات:

[نقل قول الحسن و ابن عبّاس ثمّ قال:]

و الثّالث:الإيمان بموسى و عيسى،و الكفر بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:400)

مثله الطّوسيّ(2:497)،و نحوه الطّبرسيّ(1:

459).

الفخر الرّازيّ: هاهنا وجوها:[و بعد نقل قول الحسن و ابن زيد و ابن عبّاس و قتادة قال:]

و ثالثها:أن يكون في التّوراة ما يدلّ على نبوّته صلّى اللّه عليه و سلّم، من البشارة و النّعت و الصّفة،و يكون في التّوراة أيضا ما يوهم خلاف ذلك،فيكون كالمحكم و المتشابه، فيلبسون على الضّعفاء أحد الأمرين بالآخر،كما يفعله كثير من المشبّهة،و هذا قول القاضي.

و رابعها:أنّهم كانوا يقولون:إنّ محمّدا معترف بأنّ موسى عليه السّلام حقّ،ثمّ إنّ التّوراة دالّة على أنّ شرع موسى عليه السّلام لا ينسخ،و كلّ ذلك إلقاء للشّبهات.

(8:98)

أبو حيّان: و قيل:(الحقّ):إقرارهم بنبوّته و رسالته و(الباطل):قول أحبارهم:ليس رسولا إلينا بل شريعتنا مؤبّدة.(2:491)

البروسويّ: المراد ب(الحقّ):كتاب اللّه الّذي أنزله على موسى و عيسى عليهما السّلام،و(بالباطل):ما حرّفوه و كتبوه بأيديهم،و بخلط أحدهما بالآخر إبراز باطلهم في صورة الحقّ،بأن يقولوا:الكلّ من عند اللّه تعالى.(2:49)

ص: 820

رشيد رضا: أي تخلطون الحقّ الّذي جاء به الأنبياء و نزلت به الكتب،و هو عبادة اللّه وحده،و عمل البرّ و الخير،و البشارة بنبيّ من بني إسماعيل يعلّم النّاس الكتاب و الحكمة،لم تخلطون هذا بالباطل الّذي ألحقه به أحباركم و رهبانكم من التّأويلات و الآراء،و تجعلون كلّ ذلك دينا يجب اتّباعه،و يحسب أنّه من عند اللّه،كما قال اللّه تعالى في آية أخرى تأتي: وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ آل عمران:78،فلبس(الحقّ بالباطل)عامّ يشمل كلّ ما ذكر.

و قيل:هو خاصّ بالعقائد و الأحكام.(3:332)

أكل المال بالباطل

1- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة:188

قتادة: كان يقال:من مشى مع خصمه و هو له ظالم فهو آثم،حتّى يرجع إلى الحقّ.و اعلم يا ابن آدم أنّ قضاء القاضي لا يحلّ لك حراما،و لا يحقّ لك باطلا،و إنّما يقضي القاضي بنحو ما يرى و يشهد به الشّهود،و القاضي بشر يخطأ و يصيب.(الطّبريّ 2:184)

السّدّيّ: أمّا(الباطل)يقول:يظلم الرّجل منكم صاحبه،ثمّ يخاصمه ليقطع ماله،و هو يعلم أنّه ظالم؛ فذلك قوله: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ.

(الطّبريّ 2:184)

الكلبيّ:أنّه ما يؤخذ بشهادة الزّور.

(الطّبرسيّ 1:282)

ابن زيد: يكون أجدل منه،و أعرف بالحجّة، فيخاصمه في ماله بالباطل،ليأكل ماله بالباطل،و قرأ:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ النّساء:29.

هذا القمار الّذي كان يعمل به أهل الجاهليّة.

(الطّبريّ 2:184)

الزّجّاج: معنى(بالباطل)أي بالظّلم.

(1:258)

الماورديّ:فيه تأويلان:

أحدهما:بالغصب و الظّلم.

و الثّاني:بالقمار و الملاهي.(1:248)

الزّمخشريّ: بالوجه الّذي لم يبحه اللّه و لم يشرعه.

(1:340)

ابن عطيّة: أي في الملاهي و القيان و الشّراب و البطالة،فتجيء على هذا إضافة المال إلى ضمير المالكين.(1:260)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّهم مثّلوا قوله تعالى:

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بقوله: وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ... الحجرات:11،و هذا مخالف لها،لأنّ أكله لمال نفسه بالباطل يصحّ كما يصحّ أكله مال غيره.

قال الشّيخ أبو حامد الغزاليّ في كتاب«الإحياء»:

المال إنّما يحرم لمعنى في عينه،أو لحال في جهة اكتسابه؛ و القسم الأوّل:الحرام لصفة في عينه.

و اعلم أنّ الأموال إمّا أن تكون من المعادن أو من النّبات،أو من الحيوانات.

أمّا المعادن و هي أجزاء الأرض،فلا يحرم شيء منها

ص: 821

إلاّ من حيث يضرّ بالآكل،و هو ما يجري مجري السّمّ.

و أمّا النّبات فلا يحرم منه إلاّ ما يزيل الحياة و الصّحّة أو العقل،فمزيل الحياة السّموم،و مزيل الصّحّة الأدوية في غير وقتها،و مزيل العقل الخمر و البنج و سائر المسكرات.

و أمّا الحيوانات فتنقسم إلى ما يؤكل و إلى ما لا يؤكل، و ما يحلّ،إنّما يحلّ إذا ذبح ذبحا شرعيّا.ثمّ إذا ذبحت فلا تحلّ بجميع أجزائها بل يحرم منها الفرث و الدّم،و كلّ ذلك مذكور في كتب الفقه.

القسم الثّاني:ما يحرم لخلل من جهة إثبات اليد عليه،فنقول:أخذ المال إمّا يكون باختيار المتملّك،أو بغير اختياره كالإرث.

و الّذي باختياره إمّا أن لا يكون مأخوذا من المالك كأخذ المعادن،و إمّا أن يكون مأخوذا من مالك؛و ذلك إمّا أن يؤخذ قهرا أو بالتّراضي.

و المأخوذ قهرا إمّا أن يكون لسقوط عصمة الملك كالغنائم،أو لاستحقاق الآخذ كزكوات الممتنعين و النّفقات الواجبة عليهم.

و المأخوذ تراضيا إمّا أن يؤخذ بعوض كالبيع و الصّداق و الأجرة،و إمّا أن يؤخذ بغير عوض كالهبة و الوصيّة؛فيحصل من هذا التّقسيم أقسام ستّة:

الأوّل:ما يؤخذ من غير مالك كنيل المعادن، و إحياء الموات،و الاصطياد،و الاحتطاب،و الاستقاء من الأنهار،و الاحتشاش؛فهذا حلال بشرط أن لا يكون المأخوذ مختصّا بذي حرمة من الآدميّين.

الثّاني:المأخوذ قهرا ممّن لا حرمة له،و هو الفيء، و الغنيمة،و سائر أموال الكفّار المحاربين؛و ذلك حلال للمسلمين إذا أخرجوا منه الخمس،و قسّموه بين المستحقّين بالعدل،و لم يأخذوه من كافر له حرمة و أمان و عهد.

الثّالث:ما يؤخذ قهرا بالاستحقاق عند امتناع من عليه فيؤخذ دون رضاه؛و ذلك حلال إذا تمّ سبب الاستحقاق،و تمّ وصف المستحقّ،و اقتصر على القدر المستحقّ.

الرّابع:ما يؤخذ تراضيا بمعاوضة؛و ذلك حلال إذا روعي شرط العوضين،و شرط العاقدين،و شرط اللّفظين،أعني الإيجاب و القبول،ممّا يعتدّ الشّرع به من اجتناب الشّرط المفسد.

الخامس:ما يؤخذ بالرّضا من غير عوض،كما في الهبة و الوصيّة و الصّدقة إذا روعي شرط المعقود عليه، و شرط العاقدين،و شرط العقد،و لم يؤدّ إلى ضرر بوارث أو غيره.

السّادس:ما يحصل بغير اختياره كالميراث،و هو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب المال من بعض الجهات الخمس على وجه حلال،ثمّ كان ذلك بعد قضاء الدّين،و تنفيذ الوصايا،و تعديل القسمة بين الورثة، و إخراج الزّكاة و الحجّ و الكفّارة إن كانت واجبة.

فهذا مجامع مداخل الحلال،و كتب الفقه مشتملة على تفاصيلها،فكلّ ما كان كذلك كان مالا حلالا،و كلّ ما كان بخلافه كان حراما.إذا عرفت هذا فنقول:

المال إمّا أن يكون لغيره أو له،فإن كان لغيره كانت حرمته لأجل الوجوه السّتّة المذكورة،و إن كان له،

ص: 822

فأكله بالحرام أن يصرف إلى شرب الخمر و الزّنى و اللّواط و القمار،أو إلى السّرف المحرّم،و كلّ هذه الأقسام داخلة تحت قوله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ. (5:128)

القرطبيّ:فيه مسائل:

الأولى:الخطاب بهذه الآية يتضمّن جميع أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و المعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حقّ، فيدخل في هذا:القمار و الخداع و الغصوب،و جحد الحقوق،و ما لا تطيب به نفس مالكه،أو حرّمته الشّريعة و إن طابت به نفس مالكه،كمهر البغيّ،و حلوان الكاهن،و أثمان الخمور و الخنازير،و غير ذلك.

و لا يدخل فيه الغبن في البيع مع معرفة البائع بحقيقة ما باع،لأنّ الغبن كأنّه هبة،على ما يأتي بيانه في سورة النّساء.

و أضيفت الأموال إلى ضمير المنهيّ لما كان كلّ واحد منهما منهيّا و منهيّا عنه،كما قال: تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ...

البقرة:85،و قال قوم:المراد بالآية وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ أي في الملاهي و القيان و الشّرب، و البطالة،فيجيء على هذا إضافة المال إلى ضمير المالكين.

الثّانية:من أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشّرع فقد أكله بالباطل،و من الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك و أنت تعلم أنّك مبطل،فالحرام لا يصير حلالا بقضاء القاضي،لأنّه إنّما يقضي بالظّاهر،و هذا إجماع في الأموال.[إلى أن قال:]

الثّالثة:و هذه الآية متمسّك كلّ مؤالف و مخالف في كلّ حكم يدعونه لأنفسهم بأنّه لا يجوز،فيستدلّ عليه بقوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ؛ فجوابه أن يقال له:لا نسلّم أنّه باطل حتّى تبيّنه بالدّليل، و حينئذ يدخل في هذا العموم،فهي دليل على أنّ الباطل في المعاملات لا يجوز،و ليس فيها تعيين الباطل.

(2:337-339)

أبو حيّان: مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، و ذلك أنّ من يعبد اللّه تعالى بالصّيام فحبس نفسه عمّا تعوّده من الأكل و الشّرب و المباشرة بالنّهار،ثمّ حبس نفسه بالتّقييد في مكان تعبّد اللّه تعالى صائما له ممنوعا من اللّذّة الكبرى باللّيل و النّهار،و جدير أن لا يكون مطعمه و مشربه إلاّ من الحلال الخالص الّذي ينوّر القلب و يزيده بصيرة،و يفضي به إلى الاجتهاد في العبادة، فلذلك نهى عن أكل الحرام المضيّ به إلى عدم قبول عبادته من صيامه و اعتكافه.

و تخلّل أيضا بين آيات الصّيام آية إجابة سؤال الدّاعي و سؤال العباد اللّه تعالى،و قد جاء في الحديث:أنّ من كان مطعمه حراما و ملبسه حراما.و مشربه حراما،ثمّ سأل اللّه،أنّى يستجاب له.فناسب أيضا النّهي عن أكل المال الحرام.

و يجوز أن تكون المناسبة أنّه لمّا أوجب عليهم الصّوم كما أوجبه على من كان قبلهم،ثمّ خالف بين أهل الكتاب و بينهم،فأحلّ لهم الأكل و الشّرب و الجماع في ليالي الصّوم،أمرهم أن لا يوافقوهم في أكل الرّشاء من ملوكهم و سفلتهم،و ما يتعاطونه من الرّبا،

ص: 823

و ما يستبيحونه من الأموال بالباطل،كما قال تعالى:

وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً البقرة:174، لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ آل عمران:75، أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ المائدة:42.

و أن يكونوا مخالفيهم قولا و فعلا و صوما و فطرا و كسبا و اعتقادا،و لذلك ورد:لما ندب إلى السّحور خالفوا اليهود.

و كذلك أمرهم في الحيض مخالفتهم؛إذ عزم الصّحابة على اعتزال الحيض إذ نزل فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة:222،لاعتزال اليهود بأن لا يؤاكلوهنّ و لا يناموا معهنّ في بيت،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

افعلوا كلّ شيء إلاّ النّكاح.

فقالت اليهود:ما يريد هذا الرّجل أن يترك من أمرنا شيئا إلاّ خالفنا فيه.(2:55)

البروسويّ: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ بهوى النّفس و الحرص و الشّهوة و الإسراف على الغفلة،و كلوا بالحقّ و القناعة و التّقوية على الطّاعة و القيام بالعبوديّة.(1:303)

الآلوسيّ: المراد من(الباطل)الحرام كالسّرقة و الغصب،و كلّ ما لم يأذن بأخذه الشّرع.(2:70)

رشيد رضا: (الباطل)هو ما لم يكن في مقابلة شيء حقيقيّ،و هو من البطل و البطلان،أي الضّياع و الخسار،فقد حرّمت الشّريعة أخذ المال بدون مقابلة حقيقيّة يعتدّ بها،و رضاء من يؤخذ منه،و كذلك إنفاقه في غير وجه حقيقيّ نافع.

قال الأستاذ الإمام: و من ذلك تحريم الصّدقة على القادر على كسب يكفيه،و إن تركه حتّى نزل به الفقر اعتمادا على السّؤال.

و نقول:إنّها كما حرّمت إعطاءه حرّمت عليه الأخذ إذا هو أعطاه معط،فلا يحلّ لمسلم أن يقبل صدقة و هو غير مضطرّ إليها،و لا للمضطرّ إلاّ إذا كان عاجزا عن إزالة اضطراره بسعيه و كسبه.

أقول:و أبلغ من هذا و ذاك ما ذكره الفقهاء من أنّه لا يجب على العاري الّذي لا يجد ما يستر عورته في الصّلاة أن يستعير ثوبا يصلّي فيه أو يقبله صدقة ممّن يبذله له،لما في ذلك من المنّة الّتي لا يكلّفه الإسلام احتمالها،و له أن يصلّي عاريا.

قال:و منه تحريم الرّبا،لأنّه أكل لأموال النّاس بدون مقابل من صاحب المال المعطي،و مثّل لذلك بما يقع في النّاس كثيرا من أكل الرّبا أضعافا مضاعفة،و فرق بينه و بين السّلم.

و قال:إنّ روح الشّريعة تعلّمنا بمثل هذه الآية أنّه يطلب من الإنسان أن يكتسب المال من الطّرق الصّحيحة المشروعة الّتي لا تضرّ أحدا،و إنّما أجمل و أوجز القرآن في الباطل،لأنّه من الأمور المعروفة للنّاس بوجوهه الكثيرة،و حسب المسلم أن يكفّ عن كلّ ما يعتقد أنّه باطل.

على أنّه بيّن هذا الإجمال في أمور قد تخفى على النّاس كالإدلاء إلى الحكّام الآني،و كتحريم الرّبا،أي ربا الفضل المنهيّ عنه في الحديث دون ربا النّسيئة المحرّم بنصّ القرآن،فهو لا خفاء في بطلانه،لأنّه زيادة في المال لأجل التّأخير،في أجل الدّين الّذي استهلك لا لمنفعة

ص: 824

جديدة.

و يدخل في هذا الباب التّعدّي على النّاس بغصب المنفعة،بأن يسخّر بعضهم بعضا في عمل لا يعطيه عليه أجرا،أو ينقصه من الأجر المسمّى أو أجر المثل،و يدخل فيه سائر ضروب التّعدّي و الغشّ و الاحتيال.

كما يقع من السّماسرة فيما يذهبون فيه من مذاهب التّلبيس و التّدليس؛إذ يزيّنون للنّاس السّلع الرّديئة، و البضائع المزجاة،و يسوّلون لهم فيورّطونهم،و كلّ من باع أو اشترى مستعينا بإيهام الآخر ما لا حقيقة له و لا صحّة؛بحيث لو عرف الخفايا و انقلب وهمه علما لما باع أو لما اشترى،فهو آكل لماله بالباطل.

و من هؤلاء الموهمين باعة التّولات و التّناجيس و التّمائم (1)،و كذا العزائم (2)و ختمات القرآن و العدد المعلوم من سورة(يس)أو بعض الأذكار.

و قد بلغ من هزؤ هؤلاء بالدّين أن كان بعض المشهورين منهم يبيع سورة(يس)لقضاء الحاجات أو لرحمة الأموات،يقرؤها مرّات كثيرة،و يعقد لكلّ مرّة عقدة في خيط يحمله حتّى إذا ما جاءه طالب ابتياع القراءة و أخذ منه الثّمن بعد المساومة،يحلّ له من تلك العقد،بقدر ما يطلب من العدد.

ذكر هذه الواقعة الأستاذ الإمام في الدّرس،و قد كنّا نسمع عن رؤساء بعض النّصارى نحو هذا في بيع العبادة الّتي يسمّونها القداديس فنسخر منهم،حتّى علمنا أنّنا قد اتّبعنا سنّتهم شبرا بشبر،حتّى دخلنا في جحر الضّبّ الّذي دخلوه.

قال الأستاذ: إن كلّ أجر يؤخذ على عبادة فهو أكل لأموال النّاس بالباطل،و قد مضى الصّدر الأوّل (3)و لم يكن أخذ الأجر على عبادة ما معروفا،و لا يوجد في كلام أهل القرن الأوّل و الثّاني كلمة تشعر بذلك،ثمّ لا يعقل أن تحقّق العبادة و تحصل بالأجرة،لأنّ تحقّقها إنّما يكون بالنيّة و إرادة وجه اللّه تعالى و ابتغاء مرضاته بامتثال أمره،و متى شاب هذه النّيّة شائبة من حظّ الدّنيا خرج العمل عن كونه عبادة خالصة للّه،و اللّه تعالى لا يقبل إلاّ ما كان خالصا من الحظوظ و الشّوائب.

أقول:و قد ورد على لسان الشّارع تسمية مثل هذا العمل«شركا»ففي حديث مسلم و غيره،قال اللّه تعالى:

أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك،من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته و شركه،إذا كان يوم القيامة أتي بصحف مختمة،فتنصبّ بين يدي اللّه تعالى،فيقول اللّه لملائكته:اقبلوا هذا و ألقوا هذا،فتقول الملائكة:و عزّتك ما رأينا إلاّ خيرا،فيقول:نعم،لكن كان لغيري،و لا أقبل اليوم إلاّ ما ابتغي به وجهي.و في رواية يقولون:ما كتبنا إلاّ ما عمل...إلخ.

و في حديث أحمد و التّرمذيّ و ابن ماجة:إذا جمع اللّه الأوّلين و الآخرين ليوم لا ريب فيه،نادى مناد:من كان أشرك في عمل عمله للّه أحدا فليطلب ثوابه من عنده، فإنّ اللّه أغنى الشّركاء عن الشّرك.

و إنّما يظهر تأويل مثل هذا فيمن قصد العبادة و الأجر معا؛بحيث لو لم يستأجر للقراءة مثلا لقرأ.و أمّام.

ص: 825


1- كلّها السّحر أو خرز السّحر و ما أشبهها.
2- مفردها:العزيمة و هي الرّقية.
3- يعني عصر صدر الإسلام.

من لا يقصد إلاّ الأجرة،فإذا لم تكن لا يقرأ تلك الختمة أو العدد من السّورة أو الذّكر فأمره أقبح،و ذنبه أكبر، و عمله باطل لا يعتدّ به شرعا،فدافع الأجر عليه خاسر لماله،و آخذه منه خاسر لمآله،و مثل قصد الأجرة الماليّة الرّياء،فإنّه منفعة معنويّة.

و قد فرّق بعض الفقهاء بين قراءة القرآن و تعليمه، فأجاز أخذ الأجرة على تعليمه كتعليم العلم،لأنّ الاشتغال بالتّعليم يصدّ عن التّفرّغ للكسب من الوجوه الأخرى،فإذا لم نجز المعلّم يتعسّر علينا أن نجد من يتصدّى لتعليم الأولاد،و ليس زمننا كزمان السّلف يتفرّغ فيه النّاس لنشر العلم و إفادته،تعبّدا للّه و تقرّبا إليه.

قال الأستاذ الإمام: من علّم العلم و الدّين بالأجرة فهو كسائر الصّنّاع و الأجراء،لا ثواب له على أصل العلم بل على إتقانه و الإخلاص فيه و النّصح لمن يعلّمهم.

و أذكر أنّني سمعته في وقت آخر يقول:ينبغي للمعلّم الّذي يعطي راتبا من الأوقاف الخيريّة أن يأخذ إذا كان محتاجا لأجل سدّ الحاجة،لا يقصد الأجرة على التّعليم؛ و بذلك يكون عابدا للّه تعالى بالتّعليم نفسه،و علامته أن يستعفف إذا هو استغنى،فلا يأخذ من الوقف شيئا.

و قالوا في المؤذّن مثل ما قالوا في معلّم القرآن،و يأتي فيه من القصد و النّيّة ما ذكر في المعلّم.

و لا خلاف في عدم جواز أخذ الأجرة على جواب السّائل عن مسألة دينيّة تعرض له؛إذ الإجابة فريضة على العارفين،و كتمان العلم محرّم عليهم،و لبسط هذه الأحكام موضع آخر.

و جملة القول:إنّ أكل أموال النّاس بالباطل يتحقّق في كلّ أخذ للمال بغير رضى من المأخوذ منه،لا شائبة للجهل أو الوهم أو الغشّ أو الضّرر فيه.و ممّا تعرض فيه هذه الشّوائب كلّها أو أكثرها قراءة القرآن بالأجرة لأجل الموتى،أو دفع ضرر الجنّ،أو غيره عن الأحياء.

و الّذي يعطي الأجرة عليها يجهل ذلك،و يتوهّم أنّها تكون سببا لنفع الميّت أو الحيّ،أو دفع ضرر العذاب في الآخرة،أو الجنّ في الدّنيا مثلا،و الجاهل بالشّرع في المسألة عرضة لقبول الإيهام و الغشّ من الدّجّالين و المحتالين.

و ليس كذلك إقراء القرآن في البيوت لأجل اتّعاظ أهلها و تقوية شعور الإيمان بسماعه،بل هذا كتعليم العلم الّذي بسّطناه آنفا،و ينبغي أن يكون كرام القرّاء بغير صفة الأجرة.

ذكر«الأكل»مجملا عامّا ثمّ بيّن نوعا منه خصّه بالنّهي عنه مع دخوله في العامّ،لما يقع من الشّبهة فيه لبعض النّاس؛إذ يعتقد بعضهم أنّ الحاكم الّذي هو نائب الشّارع في بيان الحقّ و منفّذ الشّرع إذا حكم الإنسان بشيء و لو بغير حقّ،فإنّه يحلّ له و لا يكون من الباطل.

(2:195-199)

الطّباطبائيّ: (الباطل):يقابل الحقّ الّذي هو الأمر الثّابت بنحو من الثّبوت.(2:52)

محمّد حسنين مخلوف: (الباطل):الذّاهب الزّائل.و المراد هنا:كلّ ما لم يبح الشّرع أخذه من المال و إن طابت به النّفس،كالرّبا و الميسر،و ثمن الخمر و الرّشوة،و شهادة الزّور،و اليمين الكاذبة،و الغشّ

ص: 826

و الخيانة و السّرقة و الغصب،و نحو ذلك.

و الباء للسّببيّة،و الجارّ و المجرور متعلّق بالفعل قبله، أي لا يأخذ بعضكم مال بعض بالسّبب الباطل.(62)

لاحظ«أكل».

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ...

النّساء:29

ابن عبّاس: العقود الفاسدة.(الماورديّ 1:474)

الحسن:إنّه نهى أن يأكل الرّجل طعام قرى و أمر أن يأكله شرى،ثمّ نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النّور: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ إلى قوله: أَوْ أَشْتاتاً النّور:61،

و مثله عكرمة.(الماورديّ 1:474)

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 5:30)

إنّه القمار و السّحت و الرّبا و الأيمان.

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّه الرّبا و القمار و البخس و الظّلم.(الطّبرسيّ 2:37)

مثله الإمام الصّادق عليه السّلام.(البحرانيّ 1:364)

الإمام الصّادق عليه السّلام: عن سماعة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرّجل منّا يكون عنده الشّيء يتبلّغ به و عليه دين،أ يطعمه عياله حتّى يأتي اللّه جلّ و عزّ بميسرة فيقضي دينه،أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان و شدّة المكاسب،أو يقبل الصّدقة؟

قال:«يقضي بما عنده دينه،و لا يأكل أموال النّاس إلاّ و عنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، و لا يستقرض على ظهره إلاّ و عنده وفاء،و لو طاف على أبواب النّاس فردّوه باللّقمة و اللّقمتين و التّمرة و التّمرتين إلاّ أن يكون له وليّ يقضي دينه من بعده،ليس منّا من ميّت إلاّ جعل اللّه له وليّا يقوم في عدته و دينه،فيقضي عدته و دينه».

(العروسيّ 1:471)

عن أسباط بن سالم: قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فجاءه رجل،فقال له:أخبرني عن قول اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ قال:

عنى بذلك القمار،و أمّا قوله: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ...

النّساء:29،عنى بذلك الرّجل من المسلمين،يشدّ على المشركين وحده،يجيء في منازلهم فيقتل،فنهاهم اللّه عن ذلك.(العيّاشيّ 1:235)

الطّوسيّ: فيه قولان:

[و ذكر قول السّدّيّ و الحسن ثمّ قال:]

و الأوّل أقوى،لأنّ ما أكل على وجه مكارم الأخلاق فليس هو أكل بالباطل.

و قيل:معناه التّخاون،و لذلك قال:(بينكم).

(3:178)

القشيريّ: كلّ نفقة كانت لغير اللّه فهي أكل مال بالباطل.

و يقال:القبض إذا كان عن غفلة،و البذل إذا لم يكن بمشهد الحقيقة،فكلّ ذلك باطل.(2:22)

الميبديّ: أي بالحرام،كالرّبا،و القمار و القطع، و الغصب،و السّرقة و الخيانة.

ص: 827

و قيل:و هو الرّجل يجحد حقّ أخيه المسلم أو يقتطعه بيمينه.(2:480)

الزّمخشريّ: بما لم تبحه الشّريعة من نحو السّرقة و الخيانة و الغصب و القمار و عقود الرّبا.(1:521)

أبو حيّان: تقدّم شرح نظير هذه الجملة في قوله:

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا... البقرة:

188،و مناسبة هذه الآية لما قبلها:أنّه تعالى لمّا بيّن كيفيّة التّصرّف في النّفوس بالنّكاح،بيّن كيفيّة التّصرّف في الأموال الموصلة إلى النّكاح و إلى ملك اليمين،و أنّ المهور و الأثمان المبذولة في ذلك لا تكون ممّا ملكت بالباطل.

و الباطل هو كلّ طريق لم تبحه الشّريعة؛فيدخل فيه السّرقة و الخيانة و الغصب و القمار و عقود الرّبا، و أثمان البياعات الفاسدة؛فيدخل فيه بيع العربان و هو أن يأخذ منك السّلعة و يكري الدّابّة و يعطي درهما مثلا عربانا،فإن اشترى أو ركب فالدّرهم من ثمن السّلعة أو الكراء،و إلاّ فهو للبائع.

فهذا لا يصحّ و لا يجوز عند جماهير الفقهاء،لأنّه من باب أكل المال بالباطل.و أجاز قوم منهم ابن سيرين و مجاهد و نافع بن عبيد و زيد بن أسلم بيع العربان على ما وصفناه،و الحجج في كتب الفقه.

و قد اختلف السّلف في تفسير قوله: (بالباطل)فقال ابن عبّاس و الحسن:هو أن يأكله بغير عوض.و على هذا التّفسير قال ابن عبّاس:هي منسوخة؛إذ يجوز أكل المال بغير عوض إذا كان هبة أو صدقة أو تمليكا أو إرثا أو نحو ذلك،ممّا أباحت الشّريعة أخذه بغير عوض.

و قال السّدّيّ: هو أن يأكل بالرّبا و القمار و البخس و الظّلم و غير ذلك،ممّا لم يبح اللّه تعالى أكل المال به؛ و على هذا تكون الآية محكمة،و هو قول ابن مسعود و الجمهور.

و قال بعضهم: الآية مجملة،لأنّ معنى قوله:

(بالباطل)بطريق غير مشروع،و لمّا لم تكن هذه الطّريق المشروعة مذكورة هنا على التّفصيل صارت الآية مجملة.

و إضافة الأموال إلى المخاطبين معناه أموال بعضكم، كما قال تعالى: ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّساء:3،و قوله:

وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ... النّساء:29،و قيل:يشمل قوله(اموالكم)مال الغير و مال نفسه،فنهى أن يأكل مال غيره إلاّ بطريق مشروع،و نهى أن يأكل مال نفسه بالباطل،و هو إنفاقه في معاصي اللّه تعالى.

و عبّر هنا عن أخذ المال بالأكل،لأنّ الأكل من أغلب مقاصده،و ألزمها.(3:230)

أبو السّعود: و المراد(بالباطل)ما يخالف الشّرع كالغصب و السّرقة و الخيانة و القمار و عقود الرّبا و غير ذلك،ممّا لم يبحه الشّرع،أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بغير طريق شرعيّ.(2:128)

البروسويّ: أي بوجه غير شرعيّ كالغصب و السّرقة و الخيانة و القمار و عقود الرّبا و الرّشوة و اليمين الكاذبة و شهادة الزّور و العقود الفاسدة،و نحوها.

(2:194)

رشيد رضا: أمّا(الباطل)فقد قلنا هنالك:إنّه ما لم يكن في مقابلة شيء حقيقيّ،و هو من البطل و البطلان،

ص: 828

أي الضّياع و الخسار،فقد حرّمت الشّريعة أخذ المال بدون مقابلة حقيقيّة يعتدّ بها و رضى من يؤخذ منه، و كذا إنفاقه في غير وجه حقيقيّ نافع.

قال الأستاذ الإمام هنا: فسّر«الجلال»و غيره (الباطل)بالمحرّم،و هو إحالة للشّيء على نفسه،فإنّ اللّه حرّم الباطل بهذه الآية،فقولهم:إنّ الباطل هو المحرّم يجعل حاصل معنى الآية إنّني جعلت المال المحرّم محرّما.

و الصّواب:أنّ الباطل هو ما يقابل الحقّ و يضادّه، و الكتاب يطلق الألفاظ كالحقّ و المعروف و الحسنات أو الصّالحات،و ما يقابلها و هو الباطل و المنكر و السّيّئات، و يكل فهمها إلى أهل الفطرة السّليمة من العارفين باللّغة،و من ذلك قوله في اليهود: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ البقرة:61.

فحقّ فلان في المال هو الثّابت له في العرف،و هو ما إذا عرض على العقلاء المنصفين أصحاب الفطرة السّليمة يقولون:إنّه له،فيدخل في الباطل:الغصب و الغشّ و الخداع و الرّبا و الغبن و التّغرير.

و قوله:(بينكم)للإشعار بأنّ المال المحرّم-لأنّه باطل-هو ما كان موضع التّنازع في التّعامل بين المتعاملين،كأنّه واقع بين الآكل و المأكول منه،كلّ منهما يريد جذبه لنفسه،فيجب أن يكون المرجّح للمال بين اثنين يتنازعان فيه هو الحقّ،فلا يجوز لأحد أن يأخذه بالباطل.(5:40)

المراغيّ: الباطل:من البطل و البطلان،و هو الضّياع و الخسار،و في الشّرع:أخذ المال بدون عوض حقيقيّ يعتدّ به،و لا رضا ممّن يؤخذ منه،أو إنفاقه في غير وجه حقيقيّ نافع،فيدخل في ذلك:النّصب و الغشّ و الخداع و الرّبا و الغبن،و إنفاق المال في الوجوه المحرّمة، و الإسراف بوضع المال فيما لا يرضى به العقلاء.

(5:16)

و هناك نصوص أخرى تقدّمت في«أكل»فراجع.

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ... التّوبة:34

الزّمخشريّ: معنى أكلهم بالباطل أنّهم كانوا يأخذون الرّشى في الأحكام،و التّخفيف و المسامحة في الشّرائع.(2:186)

ابن عطيّة: صورة هذا«الأكل»هي بأنّهم يأخذون من أموال أتباعهم ضرائب و فروضا باسم الكنائس،و البيع،و غير ذلك ممّا يوهمونهم،أنّ النّفقة فيه،من الشّرع و التّزلّف إلى اللّه،و هم خلال ذلك يحتجنون تلك الأموال كالّذي ذكره سلمان في كتاب «السّير»عن الرّاهب الّذي استخرج كنزه.

و قيل:كانوا يأخذون منهم من غلاّتهم و أموالهم ضرائب باسم حماية الدّين و القيام بالشّرع.

و قيل:كانوا يرتشون في الأحكام،و نحو ذلك.

و قوله تعالى:(بالباطل)يعمّ هذا كلّه.(3:27)

نحوه القرطبيّ.(8:122)

أبو حيّان:لمّا ذكر أنّهم اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه،ذكر ما هو كثير منهم تنقيصا من شأنهم و تحقيرا لهم،و أنّ مثل هؤلاء لا ينبغي تعظيمهم

ص: 829

فضلا عن اتّخاذهم أربابا،لما اشتملوا عليه من أكل المال بالباطل،و صدّهم عن سبيل اللّه.

و اندرجوا في عموم الّذين يكنزون الذّهب و الفضّة، فجمعوا بين الخصلتين المذمومتين،أكل المال بالباطل، ؟؟؟المال أن ضنّوا أن ينفقوها في سبيل اللّه.

و أكلهم المال بالباطل:هو أخذهم من أموال أتباعهم ضرائب باسم الكنائس و البيع و غير ذلك،ممّا يوهمونهم به أنّ النّفقة فيه من الشّرع و التّقرّب إلى اللّه، و هم يحجبون تلك الأموال،كالرّاهب الّذي استخرج سلمان كنزه،و كما يأخذونه من الرّشى في الأحكام كإيهام حماية دينهم.(5:35)

البروسويّ: يأخذونها بطريق الرّشوة لتغيير الأحكام و الشّرائع و التّخفيف و المسامحة فيها،و يوهمون النّاس أنّهم حذّاق مهرة في تأويل الآية،و بيان مراد اللّه تعالى منها.

و هكذا يفعل المفتون الماجنون و القضاة الجائرون في هذا الزّمان،يفتون على مراد المستفتي طمعا لماله، و يقضون بمرجوح الأقوال بل على خلاف الشّرع، و يرون أنّ لهم في ذلك سندا قويّا،قاتلهم اللّه.

و إنّما عبّر عن الأخذ ب«الأكل»مع أنّ المذموم منهم مجرّد أخذها بالباطل،أي بطريق الارتشاء سواء أكلوا ما أخذوه أو لم يأكلوا،بناء على أنّ«الأكل»معظم الغرض من الأخذ.(3:417)

رشيد رضا: المعنى العامّ لأكل أموال النّاس بالباطل هو أخذها بغير وجه شرعيّ،من الوجوه الّتي يبذل النّاس فيها هذه الأموال بحقّ يرضاه اللّه عزّ و جلّ، و هو أنواع:

منها:ما يبذله كثير من النّاس لمن يعتقدون أنّه عابد قانت للّه زاهد في الدّنيا،ليدعو لهم و يشفع لهم عند اللّه، في قضاء حاجاتهم و شفاء مرضاهم،لاعتقادهم أنّ اللّه يستجيب دعاءه و لا يردّ شفاعته.و الدّعاء مشروع دون أخذ المال به أو عليه،و الرّجاء باستجابته حسن، و اعتقاده بالجزم جهل.

أو لظنّهم أنّ اللّه تعالى أعطاه سلطانا و تصرّفا في الكون،فهو يقضي الحاجات من دفع الضّرّ عمّن يشاء، و جلب الخير لمن شاء،متى شاء،كما هو المعهود من الوثنيّين في الأصل،و ممّن طرأت عليهم العقائد الوثنيّة من أتباع الأنبياء عليهم السّلام.

و تأوّلها لهم الرّؤساء الدّينيّون المضلّون بأنّها لا تنافي التّوحيد الّذي جاء به الرّسل،و قد بيّنّا فساد هذه النّزعات الشّركيّة في مواضع كثيرة من هذا التّفسير، و منه أنّ غير أتباع الرّسل من المشركين يقولون بمثل هذه الأقوال.

و منها:ما يأخذ سدنة قبور الأنبياء و الصّالحين و المعابد الّتي بنيت بأسمائهم،من الهدايا و النّذور الّتي يحملها إلى تلك المواضع،أمثال من ذكرنا ممّن لا يعقلون معنى التّوحيد المجرّد.

و النّصارى يبنون الكنائس و الأديار بأسماء القدّيسين و القدّيسات،فتحبس عليها الأراضي و العقارات،و تقدّم لها النّذور و الهدايا،تقرّبا إلى تلك الأسماء أو المسمّيات.و هذا و ما قبله ممّا اتّبع المسلمون فيه سننهم شبرا بشبر و ذراعا بذراع،مصداقا للحديث

ص: 830

النّبويّ الصّحيح.

و الوقف على الدّير أو الكنيسة عندهم كالوقف على المسجد عندنا قربة حقيقيّة،فأخذ المال و إعطاؤه في بناء المعابد حقّ في أصل كلّ دين سماويّ.

و إنّما البدع الوثنيّة في المعابد هي المتعلّقة بعبادة من ينسب إليه المعبد و يوضع له فيه قبر أو صورة أو تمثال فيدعى فيه مع اللّه تارة و من دونه تارة،و ينذر له وحده آونة و مع اللّه آونة،فهذه بدع تتبرّأ منها أديان الأنبياء الموحاة إليهم من اللّه عزّ و جلّ.و النّفقة فيها كلّها من الباطل،و آكلوها من رؤساء الدّين و سدنة المعابد من الّذين يأكلون أموال النّاس بالباطل.

و منها:ما هو خاصّ بالنّصارى بل ببعض فرقهم كالأرثوذكس و الكاثوليك،و هو ما يأخذونه جعلا على مغفرة الذّنوب،أو ثمنا لها،و يتوسّلون إليها بما يسمّونه سرّ الاعتراف.

و هو أن يأتي الرّجل أو المرأة القسّيس أو الرّاهب المأذون له من الرّئيس الأكبر بسماع أسرار الاعتراف و مغفرة الذّنوب،فيخلو به أو بها،فيقصّ عليه الخاطئ ما عمل من الفواحش و المنكرات بأنواعها،لأجل أن يغفرها له،لأنّ من عقائد الكنيسة أنّ ما يغفره هؤلاء يغفره اللّه تعالى.

و قد كان لبيع البابوات للغفران نظام متّبع في القرون الوسطى للنّصرانيّة-أعني الوسطى في الزّمن لا في الاعتدال-و كان الثّمن يتفاوت بقدر ثروة المشترين من الملوك و الأمراء و النّبلاء و كبّار الأغنياء فمن دونهم، و كانوا يعطون بالمغفرة صكوكا يحملونها ليلقوا اللّه تعالى بها.

و كان هذا الخطب الكبير من غلوّ الكاثوليك في استغلال سلطتهم الدّينيّة أعظم أسباب الخروج عليهم، و الانقلاب الكبير الّذي يسمّونه الإصلاح البروتستانت؛إذا ترتّب عليه فساد كبير في استباحة الفواحش و كبائر المعاصي.

و الاعتراف في الأصل لم يوضع له ثمن،و لكن سوء استعمال بعض رجال الدّين له أغراهم بجعله وسيلة لسلب المال.و في القوانين السّرّيّة لبعض الرّهبنات الكاثوليكيّة موادّ صريحة في ذلك.

و منها:ما يؤخذ على فتاوي تحليل الحرام و تحريم الحلال،فأولو المطامع و الأهواء يفتون الملوك و الأمراء و كبار الأغنياء بما يساعدهم على إرضاء شهواتهم، و الانتقام من أعدائهم،أو ظلم رعاياهم و معامليهم، بضروب من الحيل و التّأويل،يصوّرون به النّوازل بغير صورها،و يلبسون به المسائل أثوابا من الزّور تلتبس بحقيقتها.

و في المادّة الثّانية من الفصل الثّاني من التّعاليم السّرّيّة للرّهبنة-المشار إليها آنفا-وجوب التّساهل مع الملوك و عشائرهم في الزّواج غير الشّرعيّ،و غفران أمثال هذه الخطيئة و غيرها لهم،و استخراج براءة من البابا لهم بالمغفرة،بل في تلك المادّة نصّ في وجوب التّساهل في الاعتراف و المغفرة حتّى لخدم الملوك و الأمراء.

و من هذا النّوع ما خاطب اللّه تعالى به أحبار اليهود خطاب الاحتجاج و التّوبيخ،بقوله تعالى: قُلْ مَنْ

ص: 831

أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَ لا آباؤُكُمْ... الأنعام:91.

و منها:ما يتيسّر لهم سلبه من أموال المخالفين لهم في جنسهم أو دينهم من خيانة و سرقة و غيرها،كما قال تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ آل عمران:

75،يعنون أنّ اللّه حرّم عليهم أكل أموال إخوانهم الإسرائيليّين بالباطل دون الأمّيّين،و هم العرب،و كذا سائر الطّوائف،و قد سبق تفسيره من سورة آل عمران (1).

و في هؤلاء يقول البوصيريّ في سرد ما خالف اليهود فيه الحقّ؛و ادّعوا أنّه مشروع لهم:

و بان أموال الطّوائف حلّلت

لهم ربّا و خيانة و غلولا

و منها:الرّشوة،و هو ما يأخذه صاحب السّلطة الدّينيّة أو المدنيّة،رسميّة أو غير رسميّة من المال و غيره، لأجل الحكم أو المساعدة على إبطال حقّ أو إحقاق باطل،و هو في معنى«الأخذ»على الفتوى،و هما ممّا اتّبع فيه بعض فقهاء المسلمين و حكّامهم سنن أهل الكتاب أيضا.

و منها:الرّبا حتّى الفاحش منه،و هو فاش عند اليهود و النّصارى.و لكن منه ما يحلّه لهم رجال الدّين، و منه ما يحرّمونه في الفتوى و كتب الشّرع.

و اليهود أساتذة المرابين في العالم كلّه،و أحبارهم يفتونهم بأكل الرّبا من غير إخوتهم الإسرائيليّين، و يأكلونه معهم مستحلّين له بنصّ في توراتهم المحرّفة، بدلا من نهيهم عنه.و قد تكرّر في التّوراة النّهي عن أخذ الرّبا و المرابحة و إقراض النّقد و الطّعام بالرّبا مطلقا.

و ذكر«الأخ»في نصوص النّهي سببه أنّه نصّ في المعاملة مع الخاضعين لشريعتهم،و هم لا يكونون إلاّ منهم،لأنّها خاصّة بهم،و في سفر تثنية الاشتراع:«23:

19،لا تقرض أخاك بربا فضّة أو ربا طعام أو ربا شيء ممّا يقرض بربا،30،للأجنبيّ تقرض بربا،و لكن لأخيك لا تقرض بربا،لكي يباركك الرّبّ إلهك في كلّ ما تمتدّ إليه يدك في الأرض الّتي أنت داخل إليها لتمتلكها».

فالمراد بالأجنبيّ هنا إن كان من الأصل:هو العدوّ الحربيّ الّذي كانوا مأذونين في شريعتهم بقتاله لامتلاك بلاده.و هذا قد مضى و لا يصدق على كلّ من كان غير إسرائيليّ في أيّ بلد من بلاد اللّه تعالى خلافا لما يجرون عليه إلى اليوم.

و الظّاهر أنّهم يعدّون عرب فلسطين المالكين لمعظم أرضها أعداء حربيّين كالّذين كانوا فيها عند مقاتلة يوشع لهم،و يستحلّون سلب أموالهم و سفك دمائهم إن استطاعوا،لأنّهم يزعمون أنّ أنبياءهم و عدوهم بأنّ هذه البلاد كلّها و ما فيها من موضع هيكل سليمان،ستعود إليهم كما وعد الرّبّ أجدادهم من قبل بجعلها لهم.س.

ص: 832


1- راجع ص 38 ج 3 تفسير ففيه فوائد في استحلال اليهود أموال النّاس.

و لكن وعد أنبيائهم مقيّد بإتيان المسيح،و قد أتى و كذّبه أكثرهم،فإن كانوا ينتظرون غيره فليصبروا إلى أن يأتي و يصدّق بشارات الأنبياء.

و أمّا التّعدّي على أهل البلاد و محاولة سلب أرضهم و عقارهم منهم،بتسخير بعض الدّول-الّتي تعبد المال- بمالهم لمساعدتهم على هذا الظّلم،فليس له شبهة في تلك البشارات.و لكن عند المسلمين بشارة أصحّ و أصرح من بشاراتهم و هو إخباره صلّى اللّه عليه و سلّم لهم بأنّ اليهود يقاتلونهم، فيظهرهم اللّه تعالى عليهم: اِنْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ الأنعام:158.

على أنّ اليهود لم يقفوا في الرّبا عند حدّ،فقد صاروا يأكلون الرّبا من إخوتهم الفقراء،و هم منهيّون في التّوراة عنه بلفظ«شعبي الفقير»كما يرى في سفر الخروج 22:

25.

و قد وبّخهم على ذلك نحميا الّذي كان صاحب السّعي الأوّل لإطلاقهم من السّبي،و المعيد لبناء أورشليم بعد خرابها،و الحاكم فيها،و المقيم للسّبت و سائر الشّرائع الّتي كتبها لهم رفيقه العزير(عزرا)كما تقدّم في تفسير: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30،من أوّل هذا السّياق،فراجع الفصل الخامس من سفر نحميا.

و في نبوّة حزقيال نهي لهم عن الرّبا تارة بالإطلاق، و تارة بتخصيص الفقير،كما ترى في الإصحاح 18 منه، و كذلك داود عليه السّلام أطلق القول في ذمّ الرّبا و الرّشوة في آخر المزمور الخامس عشر.

و أمّا النّصارى فقد وضع لهم الأساقفة أحكاما للرّبا و القروض فيما يسمّونه«اللاّهوت الأدبيّ»يبيحون فيها بعض الرّبا دون بعض،و هم كاليهود في المعاملات الرّبويّة الرّسميّة.و ليس من موضوعنا بيان هذا بالتّفصيل،و إنّما موضوعنا أنّ الرّبا المحرّم عند اللّه تعالى على ألسنة أنبيائه،لضرره ممّا يأكله رهبانهم أفرادا و جماعات.

و أنّ لبعض رهبناتهم جمعيّات غنيّة،معظم ثروتها من الرّبا،منها جمعيّة كانت قد أسّست بأرض فرنسة مصرفا ماليّا بنكا،جمعوا فيه من الأمانات ألوف الألوف،ثمّ ادّعوا إفلاسه،فضاعت تلك الأمانات الكثيرة على مودعيها في مصرفهم،فهاج عليهم النّاس هيجة شؤميّ،فكانوا يهجمون عليهم في أديارهم و يقتلونهم تقتيلا،ثمّ طردتهم فرنسة من بلادها،و إنّما تساعدهم في مستعمراتها و غيرها من بلاد الشّرق، لترويجهم لسياستها.

و قد اطّلعت على نظام في الطّرق الخفيّة الّتي يجمعون بها الأموال من أهل دينهم و مذهبهم،و من أهمّها حمل الأغنياء و لا سيّما المثريات من النّساء على الوصيّة لجمعيّتهم أو بعض أديارهم و كنائسهم أو الوقف عليها، ممّا لا حاجة في هذا التّفسير إلى تفصيله.

و حسبنا ما ذكرناه في بيان صدق كتاب اللّه تعالى، و هو ما حضر في الذّهن و خطر في البال عند الكتابة،ممّا علمناه من التّاريخ،و كلّه حقّ و إن فات أكثره جميع من عرفنا كتبهم من المفسّرين،لأنّهم لا يستمدّون مثل هذا إلاّ من الرّوايات و الإسرائيليّات،فعلى القارئ أن يعتبر به،و يعجب من وقاحة أمثال هؤلاء الرّؤساء،كيف لا يخجلون من بثّ الدّعاة في البلاد الإسلاميّة لدعوة

ص: 833

المسلمين إلى دينهم.

و من أراد التّفصيل في الرّدّ عليهم فليرجع إلى كتب أحرار أوربّة و الكتب الّتي يردّ بها بعضهم على بعض، و كلّ هذا الفساد الّذي طرأ على دين المسيح الحقّ فهو من غلوّ أهل أوربّة في الدّين،ثمّ في الكفر و التّعطيل،فهم غلاة مسرفون في كلّ شيء،و صاحب هذا الخلق يتقن كلّ ما يأخذ به من خير و شرّ،لأنّه لا يرضى منه بما دون غايته.

و من ثمّ أتقنت رهبناتهم جمع المال ثمّ اتقنت الانتفاع به في دينها التّقليديّ و دنياها،و أخذت رهبنات الشّرق النّظام عنها،و ما ذا فعل المسلمون في أوقافهم و خدمة دينهم؟(10:396-401)

الطّباطبائيّ:إيضاح قوله تعالى: وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ... التّوبة:29،بقوله: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ... التّوبة 34،فهو إيضاح بأوضح المصاديق و أهمّها تأثيرا في إفساد المجتمع الإنسانيّ الصّالح،و إبطال غرض الدّين.

فالقرآن الكريم يعدّ لأهل الكتاب و خاصّة لليهود جرائم و آثاما كثيرة مفصّلة في سورة البقرة و النّساء و المائدة و غيرها،لكنّ الجرائم و التّعدّيات الماليّة شأنها غير شأن غيرها،و خاصّة في هذا المقام الّذي تعلّق الغرض بإفساد أهل الكتاب المجتمع الإنسانيّ الصّالح لو كانوا مبسوطي اليد،و استقلالهم الحيويّ قائما على ساق، و لا مفسد للمجتمع مثل التّعدّي المالي.

فإنّ أهمّ ما يقوم به المجتمع الإنسانيّ على أساسه هو الجهة الماليّة الّتي جعل اللّه لهم قياما،فجلّ المآثم و المساوئ و الجنايات و التّعدّيات و المظالم تنتهي بالتّحليل إمّا إلى فقر مفرط،يدعو إلى اختلاس أموال النّاس،بالسّرقة و قطع الطّرق و قتل النّفوس،و البخس في الكيل و الوزن و الغصب،و سائر التّعدّيات الماليّة.

و إمّا إلى غنى مفرط،يدعو إلى الإتراف و الإسراف في المأكل و المشرب و الملبس و المنكح و المسكن، و الاسترسال في الشّهوات و هتك الحرمات،و بسط التّسلّط على أموال النّاس و أعراضهم و نفوسهم.

و تنتهي جميع المفاسد النّاشئة من الطّريقين كليهما بالتّحليل إلى ما يعرض من الاختلال على النّظام الحاكم في حيازة الأموال و اقتناء الثّروة،و الأحكام المشرّعة لتعديل الجهات المملّكة المميّزة لأكل المال بالحقّ من أكله بالباطل.

فإذا اختلّ ذلك و أذعنت النّفوس بإمكان القبض على ما تحتها من المال،و تتوّق إليه من الثّروة بأيّ طريق ممكن،لقّن ذلك إيّاها أن يظفر بالمال و يقبض على الثّروة بأيّ طريق ممكن حقّ أو باطل،و أن يسعى إلى كلّ مشتهى من مشتهيات النّفس مشروع أو غير مشروع أدّى إلى ما أدّى.

و عند ذلك تقوم البلوى بفشوّ الفساد و شيوع الانحطاط الأخلاقيّ في المجتمع،و انقلاب المحيط الإنسانيّ إلى محيط حيوانيّ رديء لا همّ فيه إلاّ البطن و ما دونه، و لا يملك فيه إرادة أحد بسياسة أو تربية،و لا تفقّه فيه لحكمة،و لا إصغاء إلى موعظة.

و لعلّ هذا هو السّبب الموجب لاختصاص أكل المال

ص: 834

بالباطل بالذّكر،و خاصّة من الأحبار و الرّهبان الّذين إليهم تربية الأمّة و إصلاح المجتمع.

و قد عدّ بعضهم من أكلهم أموال النّاس بالباطل ما يقدّمه النّاس إليهم من المال حبّا لهم،لتظاهرهم بالزّهد و التّنسّك،و أكل الرّبا و السّحت،و ضبطهم أموال مخالفيهم،و أخذهم الرّشى على الحكم،و إعطاء أوراق المغفرة و بيعها،و نحو ذلك.

و الظّاهر أنّ المراد بها أمثال أخذ الرّشوة على الحكم، كما تقدّم من قصّتهم في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ...

المائدة:41،في الجزء الخامس من الكتاب.

و لو لم يكن من ذلك إلاّ ما كانت تأتي به الكنيسة من بيع أوراق المغفرة،لكفى به مقتا و لوما.

و أمّا ما ذكره من تقديم الأموال إليهم لتزهّدهم، و كذا تخصيصهم بأوقاف و وصايا و مبرّات عامّة،فليس بمعدود من أكل المال بالباطل،و كذا ما ذكره من أكل الرّبا و السّحت فقد نسبه تعالى في كلامه إلى عامّة قومهم، كقوله تعالى: وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ...

النّساء:161،و قوله: سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ... المائدة:42،و إنّما كلامه تعالى في الآية الّتي نحن فيها فيما يخصّ أحبارهم و رهبانهم من أكل المال بالباطل،لا ما يعمّهم و عامّتهم.

إلاّ أنّ الحقّ أنّ زعماء الأمّة الدّينيّة و مربّيهم في سلوك طريق العبوديّة المعتنين بإصلاح قلوبهم و أعمالهم إذا انحرفوا عن طريق الحقّ إلى سبيل الباطل كان جميع ما أكلوه لهذا الشّأن و استدرّوه من منافعه سحتا محرّما لا يبيحه لهم شرع و لا عقل.(9:248)

و هناك نصوص أخرى تقدّم في«أكل»فراجع.

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ النّساء:161.

الحقّ و الباطل

1- لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. الأنفال:8

الطّوسيّ: أي يبطل ما جاء به المشركون.

(5:96)

الطّبرسيّ:أي الكفر بإهلاك أهله.(2:521)

ابن الجوزيّ: أمّا الباطل فهو الشّرك و المجرمون هاهنا:المشركون.(3:324)

الفخر الرّازيّ: الحقّ حقّ لذاته و الباطل باطل لذاته،و ما ثبت للشّيء فإنّه يمتنع تحصيله بجعل جاعل و فعل فاعل،فما المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل؟

و الجواب:المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل، بإظهار كون ذلك الحقّ حقّا،و إظهار كون ذلك الباطل باطلا،و ذلك تارة يكون بإظهار الدّلائل و البيّنات، و تارة بتقوية رؤساء الحقّ و قهر رؤساء الباطل.

(15:128)

2- وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً. الإسراء:81

ابن مسعود: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مكّة،و حول البيت ثلاثمائة و ستّون صنما،فجعل يطعنها و يقول: جاءَ

ص: 835

اَلْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

(الطّبريّ 15:152)

نحوه الكلبيّ.(الطّبرسيّ 3:435)

مجاهد :الشّيطان.(القرطبيّ 10:315)

مثله قتادة.(الطّبريّ 15:152)

السّدّيّ: هو الشّرك.(الطّبرسيّ 3:435)

الإمام الباقر عليه السّلام: إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل.(العروسيّ 3:212)

مقاتل: عبادة الأصنام.(الماورديّ 3:267)

ابن جريج:الشّرك و ما هم فيه.

(الطّبريّ 15:152)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى(الحقّ) الّذي أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يعلم المشركين أنّه قد جاء، و(الباطل)الّذي أمره أن يعلمهم أنّه قد زهق،فقال بعضهم:(الحقّ)هو القرآن في هذا الموضع و(الباطل)هو الشّيطان.

قال آخرون: بل عنى ب(الحقّ)جهاد المشركين، و ب(الباطل)الشّرك.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:أمر اللّه تبارك و تعالى نبيّه عليه الصّلاة و السّلام أن يخبر المشركين أنّ(الحقّ)قد جاء،و هو كلّ ما كان للّه فيه رضا و طاعة،و أنّ(الباطل)قد زهق.

يقول:و ذهب كلّ ما كان لا رضا للّه فيه و لا طاعة،ممّا هو له معصية،و للشّيطان طاعة.

و ذلك أنّ(الحقّ)هو كلّ ما خالف طاعة إبليس، و أنّ(الباطل)هو كلّ ما وافق طاعته،و لم يخصّص اللّه عزّ ذكره بالخبر عن بعض طاعاته و لا ذهاب بعض معاصيه، بل عمّ الخبر عن مجيء جميع الحقّ و ذهاب جميع الباطل.

و بذلك جاء القرآن و التّنزيل،و على ذلك قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أهل الشّرك باللّه،أعني على إقامة جميع الحقّ،و إبطال جميع الباطل.(15:152)

الطّوسيّ: باطلا هالكا لا ثبات له،و إنّه يضمحلّ و يتلاشى.(6:512)

الزّمخشريّ: لمّا نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبريل عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:خذ مخصرتك ثمّ ألقها، فجعل يأتي صنما صنما و هو ينكث بالمخصرة (1)في عينه، و يقول: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ... فينكبّ الصّنم لوجهه حتّى ألقاها جميعا.

و بقي صنم خزاعة فوق الكعبة،و كان من قوارير صفر،فقال:يا عليّ ارم به،فحمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى صعد فرمى به فكسره،و جعل أهل مكّة يتعجّبون، و يقولون:ما رأينا رجلا أسحر من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الباطل:الشّرك.(2:463)

ابن عطيّة: قال قتادة:(الباطل):الشّيطان، و قالت فرقة:الكفر،و قال ابن جريج:الشّرك،و قيل غير ذلك.

و الصّواب تعميم اللّفظ بالغاية الممكنة،فيكون التّفسير:جاء الشّرع بجميع ما انطوى فيه،و الباطل:كلّ ما لا تنال به غاية نافعة.(3:480)

مثله القرطبيّ.(10:315)

الفخر الرّازيّ:هو كلّ ما سواه من الأديانا.

ص: 836


1- المخصرة:ما يتوكّأ عليها كالعصا.

و الشّرائع.(21:33)

الطّباطبائيّ: في الآية دلالة على أنّ(الباطل) لا دوام له،كما قال تعالى في موضع آخر: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ إبراهيم:26.(13:177)

3- بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ. الأنبياء:18

مجاهد :(الباطل):الشّيطان،و كلّ ما في القرآن من الباطل فهو الشّيطان.(القرطبيّ 11:277)

قتادة: (الحقّ):كتاب اللّه،و(الباطل):إبليس.

(الطّبريّ 17:11)

الطّبريّ: لكن ننزّل الحقّ من عندنا،و هو كتاب اللّه،و تنزيله على الكفر به و أهله.(17:10)

البغويّ: (بالحقّ):بالإيمان(على الباطل):على الكفر.

و قيل:(الحقّ):قول اللّه،فإنّه لا ولد له،و(الباطل) قولهم: اِتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً... البقرة:116.(3:285)

الميبديّ: يعني بالإسلام على الشّرك،و بالحجّة على الشّبهة،و بالوعظ على المعاصي.

و قيل:(الحقّ):القرآن،و(الباطل):إبليس، و التّقدير في اللّغة:على ذي الباطل.(6:217)

نحوه القرطبيّ.(11:277)

الطّبرسيّ: بل نورد الأدلّة القاهرة على الباطل، و قيل:نرمي بالحجّة على الشّبهة،و قيل:بالإيمان على الكفر.(4:42)

ابن الجوزيّ: أي نسلّط الحقّ و هو القرآن،(على الباطل)و هو كذبهم.(5:344)

البروسويّ: أن نغلب(الحقّ)الّذي من جملته:

الجد و الإيمان و القرآن و نحوها،على(الباطل)الّذي من جملته:اللّهو و الكفر و الأباطيل الأخر.(5:461)

نحوه الآلوسيّ.(17:20)

الطّباطبائيّ: «الحقّ و الباطل»مفهومان متقابلان،ف(الحقّ)هو الثّابت العين،و(الباطل):ما ليس له عين ثابتة،لكنّه يتشبّه بالحقّ تشبّها،فيظنّ أنّه هو، حتّى إذا تعارضا بقي الحقّ و زهق الباطل،كالماء الّذي هو حقيقة من الحقائق،و السّراب الّذي ليس بالماء حقيقة، لكنّه يتشبّه به في نظر النّاظر،فيحسبه الظّمآن ماء،حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا.

و قد عدّ سبحانه في كلامه أمثلة كثيرة من«الحقّ و الباطل»فعدّ الاعتقادات المطابقة للواقع من الحقّ، و ما ليس كذلك من الباطل،و عدّ الحياة الآخرة حقّا، و الحياة الدّنيا-بجميع ما يراه الإنسان لنفسه فيها و يسعى له سعيه من ملك و مال،و جاه و أولاد و أعوان و نحو ذلك-باطلا،و عدّ ذاته المتعالية حقّا،و سائر الأسباب الّتي يغترّ بها الإنسان و يركن إليها من دون اللّه باطلا، و الآيات في ذلك كثيرة،لا مجال لنقلها في المقام.

و الّذي يستند إليه تعالى بالأصالة هو الحقّ دون الباطل،كما قال: اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ آل عمران:60، و قال: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ص:27،و أمّا الباطل من حيث إنّه باطل فليس ينتسب إليه بالاستقامة،و إنّما هو لازم نقص

ص: 837

بعض الأشياء إذا قيس النّاقص منها إلى الكامل، فالعقائد الباطلة لوازم نقص الإدراك،و سائر الأمور الباطلة لوازم الأمور إذا قيس إلى ما هو أكمل منها،و هي تنتسب إليه تعالى بالإذن بمعنى أنّ خلقه تعالى الأرض السّبخة الصّيقليّة بحيث يتراءى للنّاظر في لون الماء و صفائه إذن منه تعالى في أن يتخيّل عنده ماء،و هو تحقّق السّراب تحقّقا تخيّليّا باطلا.

و من هنا يظهر أن لا شيء في الوجود إلاّ و فيه شوب بطلان إلاّ اللّه سبحانه،فهو الحقّ الّذي لا يخالطه بطلان و لا سبيل له إليه،قال: أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ النّور:25.

و يظهر أيضا أنّ الخلقة على ما فيها من النّظام بامتزاج من الحقّ و الباطل،قال تعالى يمثّل أمر الخلقة:

أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ الرّعد:17،و تحت هذا معارف جمّة.

و قد جرت سنّة اللّه تعالى أن يمهل الباطل،حتّى إذا اعترض الحقّ ليبطله و يحلّ محلّه قذفه بالحقّ فإذا هو زاهق،فالاعتقاد الحقّ لا يقطع دابره و إن قلّت حملته أحيانا أو ضعفوا،و الكمال الحقّ لا يهلك من أصله و إن تكاثرت أضداده،و النّصر الإلهيّ لا يتخطّأ رسله،و إن كانوا ربّما بلغ بهم الأمر إلى أن استيأسوا و ظنّوا أنّهم قد كذّبوا.

و هذا معنى قوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ فإنّه إضراب عن عدم خلق العالم لعبا،أو عن عدم إرادة اتّخاذ اللّهو المدلول عليه بقوله: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً إلخ.

و في قوله:(نقذف)المفيد للاستمرار،دلالة على كونه سنّة جارية،و في قوله:(نقذف...فيدمغه)دلالة على علوّ الحقّ على الباطل،و في قوله: فَإِذا هُوَ زاهِقٌ دلالة على مفاجأة القذف و مباغتته،في حين لا يرجى للحقّ غلب و لا للباطل انهزام.و الآية مطلقة غير مقيّدة بالحقّ و الباطل في الحجّة،أو في السّيرة و السّنّة،أو في الخلقة،فلا دليل على تقييدها بشيء من ذلك.

و المعنى ما خلقنا العالم لعبا أو لم نرد اتّخاذ اللّهو بل سنّتنا أن نرمي بالحقّ على الباطل رميا بعيدا فيهلكه، فيفاجئه الذّهاب و التّلف،فإن كان الباطل حجّة أو عقيدة فحجّة الحقّ تبطلها،و إن كان عملا و سنّة كما في القرى المسرفة الظّالمة،فالعذاب المستأصل يستأصله، و يبطله،و إن كان غير ذلك فغير ذلك.(14:262)

4- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. الحجّ:62

ابن جريج: الشّيطان.(الطّبريّ 17:196)

الطّبريّ: إنّ الّذي يدعوه هؤلاء المشركون إلها من دونه هو الباطل الّذي لا يقدر على صنعة شيء بل هو المصنوع.(17:196)

الطّوسيّ: ما يدعونه من دون اللّه من الأصنام و الأوثان هو الباطل على الحقيقة.(7:335)

ابن عطيّة: الإشارة بما يدعى من دونه،قالت

ص: 838

فرقة:هي إلى الشّيطان،و قالت فرقة:هي إلى الأصنام، و العموم هنا حسن.(4:131)

الطّبرسيّ: لأنّه ليس عنده نفع و لا ضرّ.

(4:94)

البيضاويّ: المعدوم في حدّ ذاته،أو باطل الألوهيّة.(2:98)

مثله أبو السّعود.(4:394)

الآلوسيّ: أي المعدوم في حدّ ذاته أو باطل الإلهيّة.

و الحصر يحتمل أن يكون غير مراد و إنّما جيء به للمشاكلة،و يحتمل أن يكون مرادا على معنى أنّ جميع ما يدعون من دونه(هو الباطل)لا بعضه دون بعض و قيل:هو باعتبار كمال بطلانه.

و زيادة(هو)هنا دون(ما)في سورة لقمان من نظير هذه الآية،لأنّ(ما)هنا وقع بين عشر آيات كلّ آية مؤكّدة مرّة أو مرّتين،و لهذا أيضا زيدت اللاّم في قوله تعالى الآتي: وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الحجّ:64، دون نظيره في تلك السّورة.

و يمكن أن يقال:تقدّم في هذه السّورة ذكر الشّيطان، فلهذا ذكرت هذه المؤكّدات بخلاف سورة لقمان،فإنّه لم يتقدّم ذكر الشّيطان هناك،بنحو ما ذكر هاهنا.

و يجوز أن يكون زيادة(هو)في هذا الموضع،لأنّ المعلّل فيه أزيد منه في ذلك الموضع.(17:191)

الطّباطبائيّ: و الحصران في قوله: بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ و قوله: (وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) إمّا بمعنى أنّه تعالى حقّ لا يشوبه باطل وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ و هي الأصنام باطل لا يشوبه حقّ،فهو قادر على أن يتصرّف في تكوين الأشياء،و أن يحكم لها و عليها بما شاء.

و إمّا بمعنى أنّه تعالى حقّ بحقيقة معنى الكلمة مستقلاّ بذلك،لا حقّ غيره إلاّ ما حقّقه هو،و أنّ ما يدعون من دونه و هي الأصنام بل كلّ ما يركن إليه و يدعى للحاجة من دون اللّه هُوَ الْباطِلُ لا غيره؛إذ مصداق غيره هو اللّه سبحانه-فافهم ذلك-و إنّما كان باطلا إذ كان لا حقّيّة له باستقلاله.(14:402)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ لقمان:30.

5- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ.

سبأ:49

ابن مسعود: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكّة،و حول البيت ثلاثمائة و ستّون صنما،فجعل يطعنها بعود في يده، و يقول: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81، وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ.

(الطّبرسيّ 4:397)

و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الرّضا عليه السّلام.

(الكاشانيّ 4:226)

الضّحّاك: أنّه الأصنام لا تبدئ خلقا و لا تحيي.

(ابن الجوزيّ 6:466)

الحسن: ما يبدئ الباطل لأهله خيرا في الدّنيا، و لا يعيد خيرا في الآخرة.(الطّبرسيّ 4:396)

قتادة: (الباطل):إبليس،أي ما يخلق إبليس أحدا،و لا يبعثه.(الطّبريّ 22:106)

ص: 839

مثله الكلبيّ و مقاتل.(البغويّ 3:686)

أبو سليمان الدّمشقيّ: لا يبتدئ الصّنم من عنده كلاما فيجاب،و لا يردّ ما جاء من الحقّ بحجّة.

(ابن الجوزيّ 6:466)

الطّبريّ: يقول:و ما ينشئ الباطل خلقا.

و(الباطل)هو فيما فسّره أهل التّأويل:إبليس، (و ما يعيد)يقول:و لا يعيده حيّا بعد فنائه.(22:106)

الزّجّاج: أي قل جاء أمر اللّه الّذي هو الحقّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ، (ما)في موضع نصب على معنى و أيّ شيء يبدئ الباطل،و أيّ شيء يعيد.

و الأجود أن يكون(ما)نفيا،على معنى ما يبدئ الباطل و ما يعيد،و(الباطل)هاهنا:إبليس.

و المعنى و ما يعيد إبليس و ما يفيد،أي لا يخلق و لا يبعث،و اللّه عزّ و جلّ الخالق و الباعث.

و يجوز أن يكون(الباطل):صاحب الباطل و هو إبليس.(4:258)

الطّوسيّ: لأنّ الحقّ إذا جاء أذهب الباطل،فلم يبق له بقيّة يبدئ بها و لا يعيد.

و قيل:إنّ المراد به كلّ معبود من دون اللّه بهذه الصّفة.(8:407)

نحوه الطّبرسيّ.(4:396)

القشيريّ:(الباطل)على ممرّ الأيّام لا يزيد إلاّ زهوقا،و(الحقّ)على ممرّ الأيّام لا يزداد إلاّ قوّة و ظهورا.

(5:188)

البغويّ: أي ذهب الباطل و زهق،فلم يبق منه بقيّة يبدئ شيئا أو يعيد،كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ الأنبياء:18.(3:685)

الزّمخشريّ: قيل:(الباطل)إبليس لعنه اللّه،أي ما ينشئ خلقا و لا يعيده.المنشئ و الباعث هو اللّه تعالى.

و قيل للشّيطان:الباطل،لأنّه صاحب الباطل،أو لأنّه هالك،كما قيل له:الشّيطان؛من شاط،إذا هلك.

(3:295)

ابن عطيّة: قالت فرقة:(الباطل)هو غير الحقّ من الكذب و الكفر و نحوه،استعار له الإبداء و الإعادة و نفاهما عنه،كأنّه قال:و ما يصنع الباطل شيئا.

و قالت فرقة: (الباطل)الشّيطان،و المعنى ما يفعل الشّيطان شيئا مفيدا،أي ليس يخلق و لا يرزق.

و قالت فرقة: (ما)استفهام،كأنّه قال:و أيّ شيء يصنع الباطل؟(4:426)

ابن الجوزيّ: إنّه الباطل الّذي يضادّ الحقّ، فالمعنى ذهب الباطل بمجيء الحقّ،فلم يبق منه بقيّة يقبل بها أو يدبر،أو يبدئ أو يعيد،ذكره جماعة من المفسّرين.(6:466)

الفخر الرّازيّ: أي الباطل لا يفيد شيئا في الأولى و لا في الآخرة،فلا إمكان لوجوده أصلا،و الحقّ المأتيّ به لا عدم له أصلا.و قيل:المراد لا يبدئ الشّيطان و لا يعيده.

و فيه معنى لطيف،و هو أنّ قوله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ سبأ:48،لمّا كان فيه معنى قوله تعالى:

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ الأنبياء:18، كان يقع لمتوهّم أنّ الباطل كان،فورد عليه الحقّ فأبطله و دمغه،فقال هاهنا:ليس للباطل تحقّق أوّلا و آخرا،

ص: 840

و إنّما المراد من قوله: فَيَدْمَغُهُ أي فيظهر بطلانه الّذي لم يزل كذلك.

و إليه الإشارة بقوله تعالى في موضع آخر: وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً يعني ليس أمرا متجدّدا زهوق الباطل.

فقوله: وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ أي لا يثبت في الأوّل شيئا خلاف الحقّ،(و لا يعيد)أي لا يعيد في الآخرة شيئا خلاف الحقّ.(25:270)

أبو حيّان: و قيل:(الباطل)الّذي يضادّ الحقّ، فالمعنى ذهب الباطل بمجيء الحقّ،فلم يبق منه بقيّة؛ و ذلك أنّ الجائي إذا هلك لم يبق له إبداء و لا إعادة،فصار قولهم:«لا يبدئ و لا يعيد»مثلا في الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الظّاهر أنّ(ما)نفي،و قيل:استفهام،و مآله إلى النّفي،كأنّه قال:أيّ شيء يبدئ الباطل،أي إبليس، و يعيده،قاله الزّجّاج و فرقة معه.(7:292)

نحوه الشّربينيّ(3:206)،و أبو السّعود(5:266)، و البروسويّ(7:308).

الآلوسيّ: أي ذهب و اضمحلّ بحيث لم يبق له أثر مأخوذ من هلاك الحيّ،فإنّه إذا هلك لم يبق له إبداء أيّ فعل أمر ابتداء و لا إعادة،أي فعله ثانيا،كما يقال:

لا يأكل و لا يشرب،أي ميّت.

فالكلام كناية عمّا ذكر،أو مجاز متفرّع على الكناية.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قال جماعة: (الباطل):إبليس،و إطلاقه عليه لأنّه مبدؤه و منشؤه،و لا كناية في الكلام عليه.

و المعنى لا ينشئ خلقا و لا يعيد،أو لا يبدئ خيرا لأهله و لا يعيد،أي لا ينفعهم في الدّنيا و الآخرة.و قيل:

هو الصّنم،و المعنى ما سمعت.

و عن أبي سليمان: أنّ المعنى إنّ الصّنم لا يبتدئ من عنده كلاما فيجاب،و لا يردّ ما جاء من الحقّ بحجّة.

و(ما)على جميع ذلك نافية.و قيل:هي على ما عدا قول الأوّل للاستفهام الإنكاريّ منتصبة بما بعدها،أي أيّ شيء يبدئ الباطل،و أيّ شيء يعيد،و مآله النّفي.

و الكلام جوّز أن يكون تكميلا لما تقدّم،و أن يكون من باب العكس و الطّرد،و أن يكون تذييلا مقرّرا لذلك فتأمّل.(22:156)

الطّباطبائيّ: أي ما يظهر أمرا ابتدائيّا جديدا بعد مجيء الحقّ،و ما يعيد أمرا كان قد أظهره من قبل إظهارا ثانيا بنحو الإعادة،فهو كناية عن بطلان الباطل و سقوطه عن الأثر من أصله بالحقّ الّذي هو القرآن.(16:389)

عبد الكريم الخطيب: إشارة إلى أنّ الباطل قد أصيب في مقاتله (1)،و أنّه لن تقوم له بعد اليوم قائمة،و لن يكون له بعد اليوم صوت يسمع.فالمراد بنفي البدء، و الإعادة لازمها و هو عدم التأثير،أي أنّه الباطل يفقد كلّ آثاره و أفعاله بعد أن يقذف بالحقّ،كما يقول سبحانه: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ الأنبياء:18.(11:844)

6- ..وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ. المؤمن:5ه.

ص: 841


1- كذا،و الظّاهر،مقابله.

يحيى بن سلاّم: جادلوا الأنبياء بالشّرك ليبطلوا به الإيمان.(القرطبيّ 15:293)

الطّبرسيّ: أي خاصموا رسلهم بأن قالوا:ما أنتم إلاّ بشر مثلنا و هلاّ أرسل اللّه إلينا ملائكة!و بأمثال هذا من القول.(4:514)

أبو حيّان: أي بما هو مضمحلّ ذاهب لا ثبات له.

و قيل:(الباطل):الكفر،و قيل:الشّيطان،و قيل:

بقولهم ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15.(7:449)

أبو السّعود: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ الّذي لا أصل له و لا حقيقة له أصلا.(5:408)

البروسويّ: الّذي لا أصل له و لا حقيقة له أصلا، قال في«فتح الرّحمن»:(الباطل):ما كان فائت المعنى من كلّ وجه مع وجود الصّورة،إمّا لانعدام الأهليّة أو لانعدام المحلّيّة،كبيع الخمر و بيع الصّبيّ.(8:154)

الآلوسيّ: بما لا حقيقة له،قيل:هو قولهم:

ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15.

و الأولى أن يقال:هو كلّ ما يذكرونه لنفي الرّسالة و تحسين ما هم عليه.و تفسيره بالشّيطان ليس بشيء.

(24:44)

7- ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ. محمّد:3

مجاهد :(الباطل):الشّيطان.(الطّبريّ 26:40)

الزّجّاج: أي الأمر ذلك بأنّ الّذين كفروا اتّبعوا الباطل،و جائز أن يكون ذلك الإضلال لاتّباعهم الباطل،و تلك الهداية و الكفّارات باتّباع المؤمنين الحقّ.

(5:5)

الطّوسيّ: فعلنا ذلك بهم و حكمنا بإبطال أعمالهم جزاء على أنّهم اتّبعوا الباطل و المعاصي،و فعلنا بالمؤمنين من تكفير سيّئاتهم،لأنّهم اتّبعوا الحقّ الّذي أمر اللّه باتّباعه.

و قيل:الباطل هو الشّيطان هاهنا،و الحقّ هو القرآن.(9:290)

الميبديّ: (الباطل)هو الشّرك.(9:177)

الزّمخشريّ: ما لا ينتفع به،و عن مجاهد:الشّيطان.

و هذا الكلام يسمّيه علماء البيان:التّفسير.

(3:530)

الطّبرسيّ: أي ذلك الإضلال و الإصلاح:باتّباع الكافرين الشّرك و عبادة الشّيطان،و اتّباع المؤمنين التّوحيد و القرآن،و ما أمر اللّه سبحانه باتّباعه.(5:97)

نحوه القرطبيّ(16:225)،و الآلوسيّ(26:38).

الفخر الرّازيّ: في(الباطل)وجوه:

الأوّل:ما لا يجوز وجوده،و ذلك لأنّهم اتّبعوا إلها غير اللّه،و إله غير اللّه محال الوجود،و هو الباطل و غاية الباطل،لأنّ الباطل هو المعدوم،يقال:بطل كذا،أي عدم.

و المعدوم الّذي لا يجوز وجوده و لا يمكن أن يوجد، و لا يجوز أن يصير حقّا موجودا،فهو في غاية البطلان؛ فعلى هذا ف(الحقّ)هو الّذي لا يمكن عدمه و هو اللّه تعالى؛و ذلك لأنّ الحقّ هو الموجود،يقال:تحقّق الأمر، أي وجد و ثبت،و الموجود الّذي لا يجوز عدمه،هو في

ص: 842

غاية الثّبوت.

الثّاني:(الباطل):الشّيطان بدليل قوله تعالى:

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18،فبيّن أنّ الشّيطان متبوع و أتباعه هم الكفّار و الفجّار،و على هذا ف(الحقّ)هو اللّه،لأنّه تعالى جعل في مقابلة حزب الشّيطان:حزب اللّه.

الثّالث:(الباطل):هو قول كبرائهم و دين آبائهم، كما قال تعالى عنهم: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ الزّخرف:22،و مقتدون، فعلى هذا(الحقّ)ما قاله النّبيّ عليه السّلام عن اللّه.

الرّابع:(الباطل):كلّ ما سوى اللّه تعالى،لأنّ الباطل و الهالك بمعنى واحد كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88،و على هذا ف(الحقّ)هو اللّه تعالى أيضا.

(28:41)

أبو السّعود: أي ذلك كائن بسبب أنّ الأوّلين اتّبعوا الشّيطان-كما قاله مجاهد-ففعلوا ما فعلوا من الكفر و الصّدّ.فبيان سببيّة اتّباعه للإضلال المذكور،متضمّن لبيان سببيّتهما له،لكونه أصلا مستتبعا لهما قطعا،و بسبب أنّ الآخرين اتّبعوا الحقّ الّذي لا محيد عنه كائنا من ربّهم، ففعلوا ما فعلوا من الإيمان به و بكتابه و من الأعمال الصّالحة.

فبيان سببيّة اتّباعه لما ذكر من التّكفير و الإصلاح بعد الإشعار بسببيّة الإيمان و العمل الصّالح له،متضمّن لبيان سببيّتهما له،لكونه مبدأ أو منشأ لهما حتما،فلا تدافع بين الإشعار و التّصريح في شيء من الموضعين.

و يجوز أن يحمل(الباطل)على ما يقابل(الحقّ)و هو الزّائل الذّاهب الّذي لا أصل له أصلا،فالتّصريح بسببيّة اتّباعه لإضلال أعمالهم و إبطالها،لبيان أنّ إبطالها لبطلان مبناها و زواله.

و أمّا حمله على ما لا ينتفع به فليس كما ينبغي لما أنّ الكفر و الصّدّ أفحش منه،فلا وجه للتّصريح بسببيّته لما ذكر من إضلال أعمالهم بطريق القصر بعد الإشعار بسببيّتهما له،فتدبّر.

و يجوز أن يراد ب(الباطل)نفس الكفر و الصّدّ، و ب(الحقّ)نفس الإيمان و الأعمال الصّالحة،فيكون التّنصيص على سببيّتهما لما ذكر من الإضلال و من التّكفير و الإصلاح تصريحا بالسّببيّة المشعر بها في الموقعين.(6:83)

نحوه البروسويّ.(9:497)

الطّباطبائيّ: تعليل لما في الآيتين السّابقتين من إضلال أعمال الكفّار و إصلاح حال المؤمنين مع تكفير سيّئاتهم.

و في الآية إشارة إلى أنّ الملاك كلّ الملاك في سعادة الإنسان و شقائه:اتّباع الحقّ و اتّباع الباطل،و السّبب في ذلك انتساب الحقّ إليه تعالى دون الباطل.(18:224)

باطل

1- إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأعراف:139

الطّوسيّ: البطلان انتفاء المعنى بعدمه،و بأنّه لا يصحّ في عدم و لا وجود.و المعنى في بطلان عملهم أنّه لا يعود عليهم بنفع و لا يدفع ضررا،فكأنّه بمنزلة

ص: 843

ما لم يكن من هذا الوجه.(4:562)

الزّمخشريّ: أي ما عملوا شيئا من عبادتها فيما سلف إلاّ و هو باطل مضمحلّ لا ينتفعون به،و إن كان في زعمهم تقرّبا إلى اللّه،كما قال تعالى: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23.

(2:110)

ابن عطيّة: معناه فاسد ذاهب مضمحلّ.

(2:448)

نحوه القرطبيّ(7:274)،و البروسويّ(3:225).

الطّبرسيّ: أي باطل عملهم،لا يجدي عليهم نفعا و لا يدفع عنهم ضرّا،فكأنّه بمنزلة من لم يكن من هذا الوجه.

فالبطلان انتفاء المعنى بعدمه أو بأنّه لا يصحّ معتقده.

فالأوّل كبطلان البناء بالهدم،و الثّاني كبطلان إله آخر مع اللّه،لأنّه لا يصحّ في عدم و لا وجود.(2:472)

الفخر الرّازيّ: قيل:البطلان:عدم الشّيء،إمّا بعدم ذاته أو بعدم فائدته و مقصوده،فالمراد من بطلان عملهم:أنّه لا يعود عليهم من ذلك العمل نفع و لا دفع ضرر.

و تحقيق القول في هذا الباب:أنّ المقصود من العبادة أن تصير المواظبة على تلك الأعمال سببا لاستحكام ذكر اللّه تعالى في القلب،حتّى تصير تلك الرّوح سعيدة بحصول تلك المعرفة فيها،فإذا اشتغل الإنسان بعبادة غير اللّه تعالى،تعلّق قلبه بغير اللّه،و يصير ذلك التّعلّق سببا لإعراض القلب عن ذكر اللّه تعالى.

و إذا ظهر هذا التّحقيق ظهر أنّ الاشتغال بعبادة غير اللّه متبّر و باطل،و ضائع،و سعي في تحصيل ضدّ هذا الشّيء و نقيضه،لأنّا بيّنّا أنّ المقصود من العبادة:رسوخ معرفة اللّه تعالى في القلب،و الاشتغال بعبادة غير اللّه يزيل معرفة اللّه عن القلب،فكان هذا ضدّا للغرض و نقيضا للمطلوب،و اللّه أعلم.(14:224)

نحوه الخازن.(2:230)

الآلوسيّ: أي مضمحلّ بالكلّيّة،و هو أبلغ من حمله على خلاف الحقّ.(9:41)

المراغيّ: أي هالك و زائل،لا بقاء له.(9:50)

زائل ما كانوا يعملون من عبادة غير اللّه ذي الجلال، فإنّما بقاء الباطل:في ترك الحقّ له،و بعده عنه.

(9:53)

2- أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. هود:16

الطّبريّ: كانوا يعملون لغير اللّه،فأبطله اللّه، و أحبط عامله أجره.(12:14)

الطّوسيّ: قوله: وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ بعد قوله: وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها يحقّق ما نقوله:إنّ نفس الأعمال تبطل بأن توقع على خلاف الوجه الّذي يستحقّ به الثّواب.(5:527)

مثله الطّبرسيّ.(3:148)

الزّمخشريّ: أي كان عملهم في نفسه باطلا لأنّه لم يعمل لوجه صحيح،و العمل الباطل لا ثواب له.

و قرئ (و بطل) على الفعل.

و عن عاصم: (و باطلا)بالنّصب،و فيه وجهان:

ص: 844

أن تكون(ما)إبهاميّة،و ينتصب ب(يعملون)و معناه و باطلا،أي باطل كانوا يعملون.

و أن تكون بمعنى المصدر على:و بطل بطلانا ما كانوا يعملون.(2:262)

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس (وَ باطِلٌ) بالرّفع على الابتداء و الخبر.

و قرأ أبيّ و ابن مسعود (و باطلا) بالنّصب؛قال أبو حاتم:ثبتت في أربعة مصاحف،و العامل فيه (يعملون)و(ما)زائدة،التّقدير:و باطلا كانوا يعملون.

و الباطل:كلّ ما تقتضي ذاته أن لا تنال به غاية في ثواب و نحوه،و باللّه التّوفيق.(3:157)

القرطبيّ: وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ابتداء و خبر.قال أبو حاتم:و حذف الهاء.قال النّحّاس:هذا لا يحتاج إلى حذف،لأنّه بمعنى المصدر،أي و باطل عمله.

و في حرف أبيّ و عبد اللّه و باطلا ما كانوا يعملون و تكون(ما)زائدة،أي و كانوا يعملون باطلا.

(9:15)

أبو حيّان: (باطل)و ما بعده توكيد لقوله: وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا (و باطل)خبر مقدّم إن كان من عطف الجمل،و(ما كانوا)هو المبتدأ.و إن كان خبرا بعد خبر ارتفع(ما)ب(باطل)على الفاعليّة.

و قرأ زيد بن علي (و بطل) جعله فعلا ماضيا.

و قرأ أبيّ و ابن مسعود( و باطلا) بالنّصب،و خرّجه صاحب«اللّوامح»على أنّه مفعول ل(يعملون)فهو معمول خبر كان متقدّما،و(ما)زائدة،أي و كانوا يعملون باطلا.

و في جواز هذا التّركيب خلاف بين النّحويّين،و هو أن يتقدّم معمول الخبر على الجملة بأسرها من كان اسمها و خبرها،و يشهد للجواب قوله تعالى أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ سبأ:40،و من منع تأوّل.

و أجاز الزّمخشريّ أن ينتصب(باطلا)على معنى المصدر على بطل بطلانا ما كانوا يعملون،فتكون(ما) فاعلة،و تكون من إعمال المصدر الّذي هو بدل من الفعل في غير الاستفهام و الأمر.و حقّ أن يبطل أعمالهم،لأنّها لم تعمل لوجه صحيح،و العمل الباطل لا ثواب له.

(5:210)

أبو السّعود: (و باطل)أي في نفسه ما كانُوا يَعْمَلُونَ في أثناء تحصيل المطالب الدّنيويّة،و لأجل أنّ الأوّل من شأنه استتباع الثّواب و الأجر،و أنّ عدمه لعدم مقارنته للإيمان و النّيّة الصّحيحة،و أنّ الثّاني ليس له جهة صالحة قطّ،علّق بالأوّل الحبوط المؤذن بسقوط أجره،بصيغة الفعل المنبئ عن الحدوث،و بالثّاني البطلان المفصح عن كونه،بحيث لا طائل تحته أصلا بالاسميّة الدّالّة على كون ذلك وصفا لازما له،ثابتا فيه.

و في زيادة«كان»في الثّاني دون الأوّل إيماء إلى أنّ صدور البرّ منهم و إن كان لغرض فاسد ليس في الاستمرار و الدّوام،كصدور الأعمال الّتي هي من مقدّمات مطالبهم الدّنيئة.

و قرئ (و بطل) على الفعل،أي ظهر بطلانه،حيث علم هناك أنّ ذلك و ما يستتبعه من الحظوظ الدّنيويّة ممّا لا طائل تحته،أو انقطع أثره الدّنيويّ فبطل مطلقا.

و قرئ (و باطلا ما كانوا يعملون) على أنّ(ما)إبهاميّة

ص: 845

أو في معنى المصدر كقوله:

عليّ حلفة لا أشتم الدّهر مسلما

و لا خارجا من فيّ زور كلام

(3:295)

البروسويّ: وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الأعمال و إن كانت حقّا،لأنّهم عملوها لغير وجه اللّه و هو باطل،و به يشير إلى أنّ كلّ من يعمل عملا يطلب به غير اللّه فإنّ عمله و مطلوبه باطل،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ أصدق كلمة قالتها العرب:

*ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل*

قال حضرة الشّيخ الأكبر قدّسنا اللّه بسرّه الأطهر:

اعلم أنّ الموجودات كلّها و إن وصفت بالباطل فهي حقّ من حيث الوجود،و لكنّ سلطان المقام إذا غلب على صاحبه يرى ما سوى اللّه تعالى باطلا؛من حيث إنّه ليس له وجود من ذاته،فحكمه حكم العدم،و هذا معنى قولهم:قوله باطل،أي كالباطل،لأنّ العالم قائم باللّه لا بنفسه،فهو من هذا الوجه باطل.

و العارف إذا وصل إلى مقامات القرب في بداية عرفانه ربّما تلاشت هذه الكائنات،و حجب عن شهودها بشهود الخلق،لأنّها زالت من الوجود بالكلّيّة، ثمّ إذا كمل عرفانه شهد الحقّ تعالى و الخلق معا في آن واحد.

و ما كلّ أحد يصل إلى هذا المقام،فإنّ غالب النّاس إن شهد الخلق لم يشهد الحقّ،و إن شهد الحقّ لم يشهد الخلق،و لا يدرك الوحدة إلاّ من أدرك اجتماع الضّدّين.

و لعلّ من المشهد الأوّل قول الأستاذ الشّيخ أبي الحسن البكريّ قدّس سرّه:استغفر اللّه ممّا سوى اللّه تعالى،لأنّ الباطل يستغفر من إثبات وجوده لذاته.[ثمّ استشهد بشعر]

نسأل اللّه سبحانه أن يكشف القناع عن وجه المقصود،و يتجلّى لنا بجماله في وجه كلّ مظهر و موجود، و هو الرّحيم الودود ذو الفضل و الفيض الجود.

(4:109)

الآلوسيّ: قال أبو حيّان:هو تأكيد لقوله سبحانه:

(حبط)إلخ،و الظّاهر أنّه حمل ما كانُوا يَعْمَلُونَ على معنى(ما صنعوا)و البطلان على عدم النّفع،و هو راجع إلى معنى الحبوط.

و لمّا رأى بعضهم أنّ التّأسيس أولى من التّأكيد أبقى (ما يعملون)على ذلك المعنى،و حمل بطلان ذلك على فساده في نفسه،لعدم شرط الصّحّة.و قال:كأنّ كلاّ من الجملتين علّة لما قبلها،على معنى ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار،لحبوط أعمالهم و عدم ترتّب الثّواب عليها لبطلانها،و كونها ليست على ما ينبغي.

و الأولى ما صنعه المولى أبو السّعود عليه الرّحمة؛ حيث حمل البطلان على الفساد في نفسه، ما كانُوا يَعْمَلُونَ على أعمالهم في أثناء تحصيل المطالب الدّنيويّة.

[ثمّ نقل كلام أبي السّعود و أضاف:]

و يحتمل عندي-على بعد-أن يراد ب(ما كانوا يعملون)هو ما استمرّوا عليه من إرادة الحياة الدّنيا،و هو غير ما صنعوه من الأعمال الّتي نسب إليها الحبوط.

و إطلاق مثل ذلك على الإرادة ممّا لا بأس به،لأنّها من أعمال القلب،و وجه الإتيان ب«كان»فيه موافقته لما

ص: 846

أشار هو إليه،و في الجملة تصريح باستمرار بطلان تلك الإرادة،و شرح حالها بعد شرح حال المريد و شرح أعماله،أراد بها الحياة الدّنيا و زينتها.

و أيّا ما كان فالظّاهر أنّ(باطل)خبر مقدّم، و(ما كانوا)هو المبتدأ.و جوّز في«البحر»كون(باطل) خبرا بعد خبر،و(ما)مرتفعة به على الفاعليّة.

و قرئ (و بطل) بصيغة الفعل،أي ظهر بطلانه حيث علم هناك أنّ ذاك و ما يستتبعه من الحظوظ الدّنيويّة ممّا لا طائل تحته،أو انقطع أثره الدّنيويّ فبطل مطلقا.

و قرأ أبيّ،و ابن مسعود (و باطلا) بالنّصب،و نسب ذلك إلى عاصم،و خرّجه صاحب«اللّوامح»على أنّ(ما) سيف خطيب،(و باطل)مفعول ل(يعملون)و فيه تقديم معمول(كان)،و فيه-كتقديم الخبر-خلاف.و الأصحّ الجواز لظاهر قوله تعالى: أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ سبأ:40،و من منع تأوّل.

و جوّز أن يكون منصوبا ب(يعملون)و(ما)إبهاميّة صفة له،أي باطلا أيّ باطل،و نظير ذلك حديث«ما» على قصره:و لأمر ما جدع قصير أنفه.

و أن يكون مصدرا بوزن«فاعل»و هو منصوب بفعل مقدّر،و(ما)اسم موصول فاعله،أي بطل بطلانا الّذي كانوا يعملونه،و نظيره«خارجا»في قول الفرزدق:

أ لم ترني عاهدت ربّي و أنّني

لبين رتاج قائما و مقام

عليّ حلفة لا أشتم الدّهر مسلما

و لا خارجا من فيّ زور كلام

فإنّه أراد:و لا يخرج من فيّ زور كلام خروجا،و في ذلك على ما في«البحر»إعمال المصدر الّذي هو بدل من الفعل في غير الاستفهام و الأمر.

هذا،و الظّاهر أنّ الآية في مطلق الكفرة الّذين يعملون البرّ،لا على الوجه الّذي ينبغي.

و أخرج ابن جرير و ابن حاتم و غيرهما عن أنس رضي اللّه تعالى عنه أنّها نزلت في اليهود و النّصارى.

و لعلّ المراد-كما قال ابن عطيّة-أنّهم سبب النّزول، فيدخلون فيها،لا أنّها خاصّة بهم و لا يدخل فيها غيرهم.

و قال الجبّائيّ:هي في الّذين جاهدوا من المنافقين مع رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،جعل اللّه تعالى حظّهم من ذلك سهمهم في الغنائم،و فيه أنّ ذلك إنّما كان بعد الهجرة،و الآية مكّيّة.

و قيل:في أهل الرّياء،يقال لقارئ القرآن منهم:

أردت أن يقال:فلان قارئ،فقد قيل:اذهب فليس لك عندنا شيء،و هكذا لغيره من المتصدّق،و المقتول في الجهاد،و غيرهما ممّن عمل من أعمال البرّ لا لوجه اللّه تعالى.

و ربّما يؤيّد ذلك ما روي عن معاوية حين حدّثه أبو هريرة بما تضمّن ذلك فبكى،و قال:صدق اللّه و رسوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها... هود:15،إلى قوله سبحانه:

وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

و عليه فلا بدّ من تقييد قوله عزّ و جلّ: لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ... هود:16،بأن ليس لهم بسبب أعمالهم الرّيائيّة إلاّ ذلك.

ص: 847

و هو خلاف الظّاهر،و السّياق يقتضي أنّها في الكفرة مطلقا و برّهم كما قلنا،و من هنا اشتهر أنّ الكافر يعجل له ثواب أعماله في الدّنيا بتوسعة الرّزق و صحّة البدن و كثرة الولد و نحو ذلك،و ليس لهم في الآخرة من نصيب.

لكن ذهب جماعة إلى أنّه يخفّف بها عنه عذاب الآخرة،و يشهد له قصّة أبي طالب.

و ذهب آخرون إلى أنّ ما يتوقّف على النّيّة من الأعمال لا ينتفع الكافر به في الآخرة أصلا لفقدان شرطه؛إذ لم يكن من أهل النّيّة لكفره،و ما لا ينتفع به و يخفّف به عذابه،و بذلك يجمع بين الظّواهر المقتضي بعضها للانتفاع في الجملة و بعضها لعدمه أصلا فتدبّر.

(12:24-26)

رشيد رضا: أي و باطل في نفسه ما كانوا يعملونه في الدّنيا،لأنّه لا ثمرة له و لا أجر في الآخرة،و إنّما الأعمال بمقاصدها،و النّتائج تابعة لمقدّماتها،فإن كان في عملهم خير و نيّة حسنة يجازون عليه في الدّنيا.

قال تعالى في تفصيل هذا الإجمال: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً الإسراء:18، وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:19، كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20، اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً الإسراء:21.

و قال معلّم الخير الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم: «إنّما الأعمال بالنّيّات، و إنّما لكلّ امرئ مانوى،فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله فهجرته إلى اللّه و رسوله،و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».رواه البخاريّ في سبعة مواضع من صحيحه مختلفة الألفاظ،و مسلم و غيرهما،من حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه.

الدّين يبيح الطّيّبات من المآكل و المشارب غير الضّارّة،و يبيح الزّينة في غير إسراف و لا خيلاء،و إنّما يذمّ من يحتقر المواهب الإنسانيّة من عقليّة و روحانيّة، فيجعل كلّ همّه و حظّه من وجوده في الشّهوات الحيوانيّة الّتي تفضله بها الأنعام و الحشرات،فيفضله الثّور في كثرة الأكل،و البعير في كثرة الشّرب، و العصفور في كثرة السّفاد،و الطّاوس في زينة الألوان و لمعان اللّباس.

و من اختبر أهل أمصارنا في هذا العصر علم من إسرافهم في هذه الشّهوات و الزّينة،ما هو مفسد لصحّتهم و أخلاقهم و بيوتهم،حتّى نسائهم و أطفالهم، و ما حق لثروتهم،و مضعف لأمّتهم و دولتهم،و ما بعد ذلك إلاّ إضاعة آخرتهم.

و ترى مع هذا أنّ حكومتهم و مدارسهم لا تقيم للتّربية الدّينيّة وزنا،و تجعل الصّلاة الّتي هي عماد الدّين اختياريّة،لا يلزمها أحد من معلّميها،و لا من تلاميذها.

و من العجيب أن تختلف الرّوايات في الآيتين،هل نزلتا في المشركين أم في كفّار أهل الكتاب أم في المنافقين؟و ما نزلتا منفردتين في طائفة خاصّة،بل في ضمن سورة مكّيّة؛حيث لا منافقون و لا أهل كتاب،

ص: 848

و موضوعهما عامّ،فيمن لا يؤمن بالآخرة و لا يعملون لأجلها.(12:49،50)

3- ...أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.

النّحل:72

ابن عبّاس: الأصنام.(ابن الجوزيّ 4:470)

مثله الميبديّ.(5:416)

عطاء: الشّريك و الصّاحبة و الولد.

(ابن الجوزيّ 4:470)

الكلبيّ: طاعة الشّيطان في الحلال و الحرام.

(أبو حيّان 5:515)

مقاتل: (الباطل):الشّيطان،(و نعمة اللّه):

محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(أبو حيّان 5:515)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:يحرّم عليهم أولياء الشّيطان من البحائر و السّوائب و الوصائل،فيصدّق هؤلاء المشركون باللّه.(14:147)

الطّوسيّ: (أ فبالباطل):يعني عبادة الأوثان و الأصنام،و ما حرّم عليهم الشّيطان من البحائر و السّائبة و الوصيلة يصدّقون.(6:407)

نحوه البغويّ(3:88)،و الطّبرسيّ(3:374).

القشيريّ: هو حسبان حصول شيء من الأغيار، و تعلّق القلب بهم استكفاء منهم أو استدفاعا لمحذور،أو استجلابا لمحبوب.(3:309)

الزّمخشريّ: و هو ما يعتقدون من منفعة الأصنام و بركتها و شفاعتها،و ما هو إلاّ و هم باطل،لم يتوصّلوا إليه بدليل و لا أمارة،فليس لهم إيمان إلاّ به،كأنّه شيء معلوم مستيقن.(2:419)

نحوه البيضاويّ(1:563)،و النّسفيّ(2:293)، و النّيسابوريّ(14:98)،و الآلوسيّ(14:191).

ابن الجوزيّ:فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّه الأصنام،قاله ابن عبّاس.

و الثّاني:أنّه الشّريك و الصّاحبة و الولد،فالمعنى يصدّقون أنّ للّه ذلك،قاله عطاء.

و الثّالث:أنّه الشّيطان،أمرهم بتحريم البحيرة و السّائبة،فصدّقوا.(4:470)

أبو حيّان: قيل:ما يرجى من شفاعة الأصنام و بركتها.(5:515)

البروسويّ: و هو أنّ الأصنام تنفعهم،و أنّ البحائر و نحوها حرام، وَ بِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ حيث يضيفونها إلى الأصنام،أو المراد(بالباطل):الأصنام و ما يفضي إلى الشّرك،(و بنعمة اللّه):الإسلام و القرآن و ما فيه من التّوحيد و الأحكام.

و(الباطل)عند أهل الحقيقة قسمان:

باطل حقيقيّ،و هو ما لا تحقّق و لا وجود و لا ثبوت له،بأن لم يقع التّجلّي الإلهيّ في عالمه أصلا.

و قسم باطل مجازيّ،و هو التّعيّنات الموجودة كلّها.

أمّا بطلانه فلكونه عدما في نفسه.

*ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل*

و أمّا مجازيّته فلكونه مجلى و مرآة للوجود الإضافيّ و الحقّ المجازيّ،و المؤمن بالباطل مطلقا كافر باللّه تعالى.

(5:58)

الطّباطبائيّ: و هي الأصنام و الأوثان،و من ذلك

ص: 849

القول بالبنات للّه،و الأحكام الّتي يشرّعها لهم أئمّة الضّلال.(12:297)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ العنكبوت:67.

4- قُلْ كَفى بِاللّهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. العنكبوت:52

ابن عبّاس: أي صدّقوا بغير اللّه.

(الطّبرسيّ 4:289)

قتادة: الشّرك.(الطّبريّ 21:7)

مقاتل: بعبادة الشّيطان.(الطّبرسيّ 4:289)

يحيى بن سلاّم:بإبليس.(الماورديّ 4:289)

الطّبريّ: صدّقوا بالشّرك،فأقرّوا به.(21:7)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:بإبليس،قاله يحيى بن سلاّم.

الثّاني:بعبادة الأوثان و الأصنام،قاله ابن شجرة.

(4:289)

الطّوسيّ: إنّما وصفهم بالإيمان مقيّدا بالباطل،كما يقال:فلان كافر بالطّاغوت مقيّدا،و إنّما الإطلاق لا يجوز فيهما.(8:219)

الزّمخشريّ: هو ما تعبدون من دون اللّه.

(3:209)

مثله الكاشانيّ.(4:120)

ابن عطيّة: يريد بالأصنام و الأوثان و ما يتبع أمرها من المعتقدات.و الباطل هو أن يفعل فعل يراد به أمرها،و ذلك الأمر لا يكون عن ذلك الفعل.

و الأصنام أريد بأمرها الأكمل و الأنجح في زعم عبّادها،و ليس الأكمل و الأنجح إلاّ رفضها،فهي إذا باطل.(4:323)

الفخر الرّازيّ: إنّ اللّه تعالى لمّا بيّن الطّريقين في إرشاد الفريقين المشركين و أهل الكتاب،عاد إلى الكلام الشّامل لهما و الإنذار العامّ،فقال تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي الّذين آمنوا بما سوى اللّه،لأنّ ما سوى اللّه باطل،لأنّه هالك بقوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:

88،و كلّ ما هلك فقد بطل،فكلّ هالك باطل،و كلّ ما سوى اللّه باطل،فمن آمن بما سوى اللّه فقد آمن بالباطل،و فيه مسائل:

الأولى:قوله: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ يقتضي الحصر،أي من أتى بالإيمان بالباطل و الكفر باللّه فهو خاسر،فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسرا.

فنقول:يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتيا بالآخر.أمّا الآتي بالإيمان بما سوى اللّه فلأنّه أشرك باللّه،فجعل غير اللّه مثل غيره،لكن غيره عاجز جاهل ممكن باطل،فيكون اللّه كذلك،فيكون إنكارا للّه و كفرا به.

و أمّا من كفر به و أنكره فيكون قائلا:بأنّ العالم ليس له إله موجد،فوجود العالم من نفسه،فيكون قائلا:بأنّ العالم واجب،و الواجب إله،فيكون قائلا:بأنّ غير اللّه إله،فيكون إثباتا لغير اللّه و إيمانا به.

ص: 850

المسألة الثّانية:إذا كان الإيمان بما سوى اللّه كفرا به، فيكون كلّ من آمن(بالباطل)فقد كفر باللّه،فهل لهذا العطف فائدة غير التّأكيد الّذي هو في قول القائل:قم و لا تقعد و اقرب منّي و لا تبعد؟

نقول:نعم،فيه فائدة غيرها،و هو أنّه ذكر الثّاني لبيان قبح الأوّل،كقول القائل:أ تقول بالباطل و تترك الحقّ،لبيان أنّ القول باطل قبيح.

المسألة الثّالثة:هل يتناول هذا أهل الكتاب،أي هل هم آمنوا بالباطل و كفروا باللّه؟

نقول:نعم،لأنّهم لمّا صحّ عندهم أنّ معجزة النّبيّ من عند اللّه و قطعوا بها،و عاندوا و قالوا:إنّها من عند غير اللّه،يكون كمن رأى شخصا يرمي حجارة،فقال:

إنّ رامي الحجارة زيد،يقطع بأنّه قائل:بأنّ هذا الشّخص زيد حتّى لو سئل عن عين ذلك الشّخص، و قيل له:من هذا الرّجل؟يقول:زيد،فكذلك هم لمّا قطعوا بأنّ مظهر المعجزة هو اللّه،و قالوا:بأنّ محمّدا مظهر هذا،يلزمهم أن يقولوا:محمّد هو اللّه تعالى،فيكون إيمانا بالباطل.

و إذا قالوا:بأنّ من أظهر المعجزة ليس بإله مع أنّهم قطعوا بخصوص مظهر المعجزة،يكونون قائلين:بأنّ ذلك المخصوص الّذي هو اللّه ليس بإله،فيكون كفرا به.

و هذا لا يرد علينا فيمن يقول:فلعلّ العبد مخلوق اللّه تعالى أو مخلوق العبد،فإنّه أيضا ينسب فعل اللّه إلى الغير،كما أنّ المعجزة فعل اللّه و هم نسبوها إلى غيره، لأنّ هذا القائل جهل النّسبة.

كمن يرى حجارة رميت و لم ير عين راميها،فيظنّ أنّ راميها زيد،فيقول:زيد هو رامي هذه الحجارة،ثمّ إذا رأى راميها بعينه و يكون غير زيد،لا يقطع بأن يقول:

هو زيد.

و أمّا إذا رأى عينه و رميه للحجارة،و قال:رامي الحجارة زيد،يقطع بأنّه يقول:هذا الرّجل زيد،فظهر الفرق من حيث إنّهم كانوا معاندين،عالمين بأنّ اللّه مظهر تلك المعجزة،و يقولون:بأنّها من عند غير اللّه.

(25:80)

ابن كثير :أي يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا، و يقابلهم على ما صنعوا في تكذيبهم بالحقّ و اتّباعهم الباطل،كذّبوا برسل اللّه مع قيام الأدلّة على صدقهم، و آمنوا بالطّواغيت و الأوثان بلا دليل،فسيجزيهم على ذلك إنّه حكيم عليم.(5:333)

البروسويّ: الّذي لا يجوز الإيمان به كالصّنم و الشّيطان و غيرهما،و فيه إشارة إلى أنّ من أبصر بعين النّفس لا يرى إلاّ الباطل فيؤمن به.(6:483)

5- لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. فصّلت:42

ابن عبّاس: معناه لا يأتيه الباطل من أوّل تنزيله و لا من آخره.(الطّوسيّ 9:131)

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 5:15)

أنّه لا يأتيه ما يبطله مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي من الكتب الّتي قبله، وَ لا مِنْ خَلْفِهِ أي لا يجيء من بعده كتاب يبطله،أي ينسخه.

مثله الكلبيّ و مقاتل.(الطّبرسيّ 5:15)

ص: 851

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ من اللّه تعالى، وَ لا مِنْ خَلْفِهِ يريد من جبريل،و لا من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(القرطبيّ 15:367)

سعيد بن جبير: النّكير مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ. (الطّبريّ 24:125)

التّكذيب.(ابن الجوزيّ 7:262)

التّعذيب.(الماورديّ 5:185)

مجاهد :التّبديل.(الماورديّ 5:185)

لا يدخل فيه ما ليس منه.(ابن الجوزيّ 7:262)

الشّيطان.(ابن الجوزيّ 7:262)

الضّحّاك: لا يأتيه كتاب من بين يديه يبطله، و لا من خلفه،أي و لا حديث من بعده يكذّبه.

(الطّوسيّ 9:131)

الإمام الباقر عليه السّلام: معناه أنّه ليس في إخباره عمّا مضى باطل و لا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتها.

مثله الإمام الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 5:15)

قتادة: معناه لا يقدر الشّيطان أن ينقص منه حقّا و لا يزيد فيه باطلا.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 9:131)

الكلبيّ: أي لا يكذبه شيء ممّا أنزل اللّه من قبل، و لا ينزل من بعده كتاب يبطله و ينسخه.

(القرطبيّ 15:367)

مقاتل: لا يأتيه التّكذيب من الكتب الّتي قبله، و لا يجيء من بعده كتاب فيبطله.(الميبديّ 8:538)

ابن جريج: لا يأتيه الباطل فيما أخبر عمّا مضى، و لا فيما أخبر عمّا يكون.(القرطبيّ 15:367)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويله،فقال بعضهم:معناه لا يأتيه النّكير من بين يديه و لا من خلفه.

و قال آخرون: معنى ذلك لا يستطيع الشّيطان أن ينقص منه حقّا،و لا يزيد فيه باطلا،قالوا:و(الباطل) هو الشّيطان.

و قال آخرون: معناه أنّ الباطل لا يطيق أن يزيد فيه شيئا من الحروف،و لا ينقص منه شيئا منها.

و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب،أن يقال:

معناه لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده،و تبديل شيء من معانيه عمّا هو به؛و ذلك هو الإتيان مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ و لا إلحاق ما ليس منه فيه،و ذلك إتيانه(من خلفه).(24:125)

الزّجّاج: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ الكتب الّتي تقدّمت لا تبطله،و لا يأتي بعده كتاب يبطله.

و الوجه الثّاني:أنّه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه،أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه،و الدّليل على هذا قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.(4:388)

الماورديّ:هنا أربعة أقاويل:

أحدها:أنّه إبليس،قاله قتادة.

الثّاني:أنّه الشّيطان،قاله ابن جريج.

الثّالث:التّبديل،قاله مجاهد.

الرّابع:التّعذيب،قاله سعيد.

و يحتمل خامسا:أنّ(الباطل)التّناقض

ص: 852

و الاختلاف.

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:لا يأتيه الباطل من كتاب قبله،و لا يأتيه من كتاب بعده،قاله قتادة.

الثّاني:لا يأتيه الباطل من أوّل التّنزيل و لا من آخره.

الثّالث:لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدّم و لا في إخباره عمّا تأخّر،قاله ابن جريج.

و يحتمل رابعا:ما بين يديه:لفظه،و ما خلفه:

تأويله،فلا يأتيه الباطل في لفظ و لا تأويل.(5:185)

الطّوسيّ: قيل:في معناه أقوال خمسة:

أحدها:أنّه لا تعلّق به الشّبهة من طريق المشاكلة، و لا الحقيقة من جهة المناقضة و هو الحقّ المخلص،و الّذي لا يليق به الدّنس.

الثّاني:[و هو قول قتادة و قد تقدّم]

الثّالث:أنّ معناه لا يأتي بشيء يوجب بطلانه ممّا وجد قبله و لا معه،و لا ممّا يوجد بعده.

الرّابع:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

الخامس:إنّ معناه لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدّم،و لا من خلفه و لا عمّا تأخّر.(9:131)

القشيريّ:أي لا ينقضه كتاب آخر لا ممّا تقدّمه من الكتب،و لا ممّا يأتي من بعده،أي لا كتاب بعده، و لا نسخ له.

و يقال:لا يدفع معناه لفظه،و لا يخالف لفظه معناه.

و يقال:لا يقدر أحد أن يأتي بمثله.(5:335)

الزّمخشريّ: مثل كأنّ الباطل لا يتطرّق إليه، و لا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات،حتّى يصل إليه و يتعلّق به.

فإن قلت:أما طعن فيه الطّاعنون و تأوّله المبطلون؟

قلت:بلى،و لكنّ اللّه قد تقدّم في حمايته عن تعلّق الباطل به،بأن قيّض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم و إفساد أقاويلهم،فلم يخلو طعن طاعن إلاّ ممحوقا، و لا قول مبطل إلاّ مضمحلاّ،و نحوه قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.(3:455)

ابن عطيّة: قال قتادة و السّدّيّ:يريد الشّيطان، و ظاهر اللّفظ يعمّ الشّيطان،و أن يجيء أمر يبطل منه شيئا.

و قوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ معناه ليس فيما تقدّمه من الكتب ما يبطل شيئا منه.

و قوله: وَ لا مِنْ خَلْفِهِ أي ليس يأتي بعده من نظر ناظر و فكرة عاقل ما يبطل أشياء منه.و المراد باللّفظ على الجملة:لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات.

(5:19)

الطّبرسيّ: [نقل الأقوال الأربعة المتقدّمة و أضاف:]

خامسها:لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات، فلا تناقض في ألفاظه،و لا كذب في أخباره،و لا يعارض و لا يزاد فيه،و لا يغيّر بل هو محفوظ حجّة على المكلّفين إلى يوم القيامة،و يؤيّده قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.(5:15)

الفخر الرّازيّ:و فيه وجوه:

الأوّل:لا تكذّبه الكتب المتقدّمة عليه كالتّوراة

ص: 853

و الإنجيل و الزّبور،و لا يجيء كتاب من بعده يكذّبه.

الثّاني:ما حكم القرآن بكونه حقّا لا يصير باطلا، و ما حكم بكونه باطلا لا يصير حقّا.

الثّالث:معناه أنّه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه،أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه،و الدّليل عليه قوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ فعلى هذا(الباطل)هو الزّيادة و النّقصان.

الرّابع:يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضا له،و لم يوجد فيما تقدّم كتاب يصلح جعله معارضا له.

و اعلم أنّ لأبي مسلم الأصفهانيّ أن يحتجّ بهذه الآية على أنّه لم يوجد النّسخ فيه،لأنّ النّسخ إبطال،فلو دخل النّسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه،و إنّه على خلاف هذه الآية.(27:131)

أبو حيّان:و المعنى أنّ(الباطل)لا يتطرّق إليه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تمثيل،أي لا يجد الطّعن سبيلا إليه من جهة من الجهات،فيتعلّق به.

و أمّا ما ظهر من بعض الحمقى من الطّعن فيه على زعمهم،و من تأويل بعضهم له كالباطنيّة،فقد ردّ عليهم ذلك علماء الإسلام و أظهروا حماقاتهم.

و قال قتادة:(الباطل):الشّيطان،و اللّفظ لا يخصّ الشّيطان.

و قال ابن جبير و الضّحّاك: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي كتاب من قبله فيبطله و لا من بعده؛فيكون على هذا (الباطل)في معنى المبطل،نحو:أورس النّبات فهو وارس،أي مورس.أو يكون(الباطل)بمعنى المبطل مصدرا،فيكون كالعافية.

و قيل: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي قبل أن يتمّ نزوله، وَ لا مِنْ خَلْفِهِ من بعد نزوله،و قيل:عكس هذا.

و قيل: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قبل أن ينزّل،لأنّ الأنبياء بشّرت به،فلم يقدر الشّيطان أن يدحض ذلك وَ لا مِنْ خَلْفِهِ بعد أن أنزل.(7:501)

الشّربينيّ: لأنّه يمتنع منه بمتانة و صفة و جزالة نظمه و حلاوة معانيه،فلا يلحقه تغيير مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ أي لا يتطرّق إليه الباطل من جهة من الجهات،لأنّ قدّام أوضح ما يكون و خلف أخفى ما يكون،فما بين ذلك من باب أولى.

فالعبارة كناية عن ذلك،لأنّ صفة اللّه تعالى لا وراء لها و لا أمام لها على الحقيقة،و مثل ذلك ليس وراء اللّه تعالى مرمى و لا دونه منتهى.(3:521)

البروسويّ:صفة أخرى ل(كتاب)أي لا يتطرّق إليه الباطل و لا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات،حتّى يصل إليه و يتعلّق به.

أي متى راموا فيه أن يكون ليس حقّا ثابتا من عند اللّه و إبطالا له لم يصلوا إليه،ذكر أظهر الجهات و أكثرها في الاعتبار،و هو جهة القدّام و الخلف،و أريد الجهات بأسرها؛فيكون قوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ إلخ استعارة تمثيليّة،شبّه«الكتاب»في عدم تطرّق الباطل إليه بوجه من الوجوه،بمن هو محميّ بحماية غالب قاهر، يمنع جاره من أن يتعرّض له العدوّ من جهة من جهاته.

ثمّ أخرجه مخرج الاستعارة بأن عبّر عن المشبّه بما عبّر به عن المشبّه به،فقال:(لا يأتيه)إلخ أو لا يأتيه

ص: 854

الباطل فيما أخبر عمّا مضى،و لا فيما أخبر عن الأمور الآتية،أو(الباطل)هو الشّيطان لا يستطيع أن يغيّره بأن يزيد فيه أو ينقص منه،أو لا يأتيه التّكذيب من الكتب الّتي قبله،و لا يجيء بعده كتاب يبطله أو ينسخه.

(8:270)

الآلوسيّ: صفة أخرى ل(كتاب)،و ما بين يديه و ما خلفه كناية عن جميع الجهات،كالصّباح و المساء كناية عن الزّمان كلّه،أي لا يتطرّق إليه الباطل من جميع جهاته.

و فيه تمثيل لتشبيه بشخص حميّ من جميع جهاته، فلا يمكن أعداؤه الوصول إليه لأنّه في حصن حصين من حماية الحقّ المبين.

و جوّز أن يكون المعنى لا يأتيه الباطل من جهة ما أخبر به من الأخبار الماضية و الأمور الآتية.

قيل:(الباطل)بمعنى المبطل كوارس بمعنى مورس، أو هو مصدر كالعافية،بمعنى مبطل أيضا.(24:127)

سيّد قطب:و أنّى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب،و هو صادر من اللّه الحقّ،يصدع بالحقّ و يتّصل بالحقّ الّذي تقوم عليه السّماوات و الأرض.

و أنّى يأتيه الباطل و هو عزيز محفوظ بأمر اللّه الّذي تكفّل بحفظه،فقال: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

و المتدبّر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحقّ الّذي نزل به،و الّذي نزل ليقرّه،يجده في روحه و يجده في نصّه، يجد في بساطة و يسر حقّا مطمئنّا فطريّا يخاطب أعماق الفطرة،و يطبعها و يؤثّر فيها التّأثير العجيب.

(5:3127)

محمّد عزّة دروزة: و التّقرير الّذي احتوته جملة لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ هو في صدد كون القرآن في محكماته و أحكامه و أهدافه و مبادئه و تلقيناته متساوق كلّ التّساوق،كلّه حقّ ليس فيه أي تناقض و لا اختلاف،فضلا عن أنّه مبرأ من كلّ باطل أو شبهة باطل.

و كلّ من أمعن النّظر في فصوله بأناة و تدبّر و مقارنة و مقابلة،و ربط بعض فصوله ببعض،و تفسير بعض فصوله ببعض،و كان منصفا بعيدا عن الهوى و المكابرة، يظهر على هذه المعجزة العظمى الّتي تقرّرها هذه الجملة.

(5:153)

الطّباطبائيّ: إتيان الباطل إليه:وروده فيه، و صيرورة بعض أجزائه أو جميعها باطلا،بأن يصير ما فيه من المعارف الحقّة أو بعضها غير حقّة،أو ما فيه من الأحكام و الشّرائع،و ما يلحقها من الأخلاق أو بعضها، لغى لا ينبغي العمل به.

و عليه فالمراد بقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ زمانا الحال و الاستقبال،أي زمان النّزول و ما بعده إلى يوم القيامة.

و قيل:المراد بما بين يديه و من خلفه:جميع الجهات كالصّباح و المساء،كناية عن الزّمان كلّه،فهو مصون من البطلان من جميع الجهات،و هذا العموم على الوجه الأوّل مستفاد من إطلاق النّفي في قوله:(لا يأتيه).

و المدلول على أيّ حال أنّه لا تناقض في بياناته، و لا كذب في أخباره،و لا بطلان يتطرّق إلى معارفه

ص: 855

و حكمه و شرائعه،و لا يعارض و لا يغيّر بإدخال ما ليس منه فيه،أو بتحريف آية من وجه إلى وجه،فالآية تجري مجرى قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.(17:398)

باطلا

1- اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ. آل عمران:191

الطّبريّ: يقول:لم تخلق هذا الخلق عبثا و لا لعبا، و لم تخلقه إلاّ لأمر عظيم،من ثواب و عقاب،و محاسبة و مجازاة.(4:210)

الطّوسيّ: في الآية دلالة على أنّ الكفر و الضّلال و جميع القبائح ليست خلقا للّه،لأنّ هذه الأشياء كلّها باطلة بلا خلاف.و قد نفى اللّه تعالى بحكايته عن أولي الألباب الّذين رضي أقوالهم بأنّه لا باطل فيما خلقه، فيجب بذلك القطع على أنّ القبائح كلّها من فعل غيره، و أنّه لا يجوز إضافتها إليه تعالى.(3:82)

الزّمخشريّ: على إرادة القول،أي يقولون ذلك و هو في محلّ الحال،بمعنى يتفكّرون قائلين.

و المعنى ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة،بل خلقته لداعي حكمة عظيمة،و هو أن تجعلها مساكن للمكلّفين و أدلّة لهم على معرفتك و وجوب طاعتك،و اجتناب معصيتك.(1:488)

نحوه الطّبرسيّ.(1:556)

الفخر الرّازيّ: في نصب قوله:(باطلا)وجوه:

الأوّل:أنّه نعت لمصدر محذوف،أي خلقا باطلا.

الثّاني:أنّه بنزع الخافض،تقديره:بالباطل أو للباطل.

الثّالث:قال صاحب«الكشّاف»:يجوز أن يكون (باطلا)حالا من(هذا).

و قالت المعتزلة:إنّ كلّ ما يفعله اللّه تعالى فهو إنّما يفعله لغرض الإحسان إلى العبيد و لأجل الحكمة، و المراد منها رعاية مصالح العباد.

و احتجّوا عليه بهذه الآية،لأنّه تعالى لو لم يخلق السّماوات و الأرض لغرض،لكان قد خلقها باطلا، و ذلك ضدّ هذه الآية.

قالوا:و ظهر بهذه الآية أنّ الّذي تقوله المجبّرة:إنّ اللّه تعالى أراد بخلق السّماوات و الأرض صدور الظّلم و الباطل من أكثر عباده و ليكفروا بخالقها،و ذلك ردّ لهذه الآية.قالوا:و قوله:(سبحانك)تنزيه له عن خلقه لهما باطلا،و عن كلّ قبيح.

و ذكر الواحديّ كلاما يصلح أن يكون جوابا عن هذه الشّبهة،فقال:(الباطل)عبارة عن الزّائل الذّاهب الّذي لا يكون له قوّة و لا صلابة و لا بقاء،و خلق السّماوات و الأرض خلق متقن محكم،أ لا ترى إلى قوله:

ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ الملك:3،و قال: وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً النّبأ:12،فكان المراد من قوله: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً هذا المعنى،لا ما ذكره المعتزلة.

فان قيل:هذا الوجه مدفوع بوجوه:

الأوّل:لو كان المراد بالباطل الرّخو المتلاشي لكان

ص: 856

قوله:(سبحانك)تنزيها له عن أن يخلق مثل هذا الخلق، و معلوم أنّ ذلك باطل.

الثّاني:أنّه إنّما يحسن وصل قوله: فَقِنا عَذابَ النّارِ به إذا حملناه على المعنى الّذي ذكرناه،لأنّ التّقدير:ما خلقته باطلا بغير حكمة بل خلقته بحكمة عظيمة،و هي أن تجعلها مساكن للمكلّفين الّذين اشتغلوا بطاعتك و تحرّزوا عن معصيتك، فَقِنا عَذابَ النّارِ لأنّه جزاء من عصى و لم يطع؛فثبت إنّا إذا فسّرنا قوله:

ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً بما ذكرنا،حسن هذا النّظم.أمّا إذا فسّرناه بأنّك خلقته محكما شديد التّركيب،لم يحسن هذا النّظم.

الثّالث:أنّه تعالى ذكر هذا في آية أخرى،فقال:

وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ص:27،و قال في آية أخرى:

وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ... الدّخان:38،39،و قال في آية أخرى: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً إلى قوله: فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المؤمنون:115، 116،أي فتعالى الملك الحقّ عن أن يكون فعله عبثا، و إذا امتنع أن يكون عبثا،فبأن يمتنع كونه باطلا أولى.

و الجواب:اعلم أنّ بديهة العقل شاهدة بأنّ الموجود إمّا واجب لذاته،و إمّا ممكن لذاته،و شاهده أنّ كلّ ممكن لذاته فإنّه لا بدّ و أن ينتهي في رجحانه إلى الواجب لذاته، و ليس في هذه القضيّة تخصيص بكون ذلك الممكن مغايرا لأفعال العباد،بل هذه القضيّة على عمومها قضيّة يشهد العقل بصحّتها.

و إذا كان كذلك وجب أن يكون الخير و الشّرّ بقضاء اللّه،و إذا كان كذلك امتنع أن يكون المراد من هذه الآية تعليل أفعال اللّه تعالى بالمصالح.

إذا عرفت هذا فنقول:لم لا يجوز أن يكون تأويل الآية ما حكيناه عن الواحديّ قوله:و لو كان كذلك لكان قوله:(سبحانك)تنزيها له عن فعل ما لا شدّة فيه و لا صلابة،و ذلك باطل؟

قلنا:لم لا يجوز أن يكون المراد:ربّنا ما خلقت هذا رخوا فاسد التّركيب بل خلقته صلبا محكما،و قوله:

(سبحانك)معناه أنّك و إن خلقت السّماوات و الأرض صلبة شديدة باقية فأنت منزّه عن الاحتياج إليه و الانتفاع به،فيكون قوله:(سبحانك)معناه هذا.

قوله ثانيا:إنّما حسن وصل قوله: فَقِنا عَذابَ النّارِ به إذا فسّرناه بقولنا.

قلنا:لا نسلم بل وجه النّظم،إنّه لمّا قال:(سبحانك) اعترف بكونه غنيّا عن كلّ ما سواه،فعند ما وصفه بالغنى أقرّ لنفسه بالعجز و الحاجة إليه في الدّنيا و الآخرة،فقال:

فَقِنا عَذابَ النّارِ و هذا الوجه في حسن النّظم إن لم يكن أحسن ممّا ذكرتم،لم يكن أقلّ منه.

و أمّا سائر الآيات الّتي ذكرتموها فهي دالّة على أنّ أفعاله منزّهة عن أن تكون موصوفة بكونها عبثا و لعبا و باطلا.

و نحن نقول بموجبه:و إنّ أفعال اللّه كلّها حكمة و صواب،لأنّه تعالى لا يتصرّف إلاّ في ملكه و ملكه، فكان حكمه صوابا على الإطلاق،فهذا ما في هذه المناظرة،و اللّه أعلم.

ص: 857

و احتجّ حكماء الإسلام بهذه الآية،على أنّه سبحانه خلق هذه الأفلاك و الكواكب،و أودع في كلّ واحد منها قوى مخصوصة،و جعلها بحيث يحصل من حركاتها و اتّصال بعضها ببعض مصالح هذا العالم و منافع سكّان هذه البقعة الأرضيّة،قالوا:لأنّها لو لم تكن كذلك لكانت باطلة،و ذلك ردّ الآية.

قالوا:و ليس لقائل أن يقول:الفائدة فيها الاستدلال بها على وجود الصّانع المختار،و ذلك لأنّ كلّ واحد من كرات الهواء و الماء يشارك الأفلاك و الكواكب في هذا المعنى،فحينئذ لا يبقى لخصوص كونه فلكا و شمسا و قمرا فائدة،فيكون باطلا،و هو خلاف هذا النّصّ.

و أجاب المتكلّمون عنه،بأن قالوا:لم لا يكفي في هذا المعنى كونها أسبابا على مجرى العادة،لا على سبيل الحقيقة؟(9:139)

القرطبيّ: أي يقولون:ما خلقته عبثا و هزلا،بل خلقته دليلا على قدرتك و حكمتك،و الباطل:الزّائل الذّاهب.[ثمّ استشهد بشعر]

و(باطلا)نصب،لأنّه نعت مصدر محذوف،أي خلقا باطلا،و قيل:انتصب على نزع الخافض،أي ما خلقتها للباطل،و قيل:على المفعول الثّاني.

(4:315)

أبو حيّان: قيل:المعنى خلقا باطلا،أي لغير غاية، بل خلقته و خلقت البشر لينظر فيه،فيوحّد و يعبد.فمن فعل ذلك نعّمته،و من ضلّ عن ذلك عذّبته.

و قال الزّمخشريّ:المعنى ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة بل خلقته لداعي حكمة عظيمة،و هو أن تجعلها مساكن للمكلّفين و أدلّة لهم،على معرفتك و وجوب طاعتك و اجتناب معصيتك،و لذلك وصل به قوله:

فَقِنا عَذابَ النّارِ لأنّه جزاء من عصى و لم يطع، انتهى.

و فيه إشارات المعتزلة من قوله:«بل خلقته لداعي حكمة عظيمة»و على هذا فيكون انتصاب(باطلا)على أنّه نعت لمصدر محذوف.

و قيل:انتصب باطلا على الحال من المفعول.

و قيل:انتصب على إسقاط الباء،أي بباطل بل خلقته بقدرتك الّتي هي حقّ.

و قيل:على إسقاط اللاّم و هو مفعول من أجله، و فاعل بمعنى المصدر،أي بطولا.

و قيل:على أنّه مفعول ثان ل(خلق)و هي بمعنى «جعل»الّتي تتعدّى إلى اثنين،و هذا عكس المنقول في النّحو،و هو أنّ«جعل»يكون بمعنى(خلق)فيتعدّى لواحد،أمّا أنّ(خلق)يكون بمعنى«جعل»فيتعدّى لاثنين،فلا أعلم أحدا ممّن له معرفة ذهب إلى ذلك.

و الباطل:الزّائل الذّاهب،و منه:

*ألا كلّ شيء ما خلا اللّه باطل*

و الأحسن من أعاريبه انتصابه على الحال من(هذا) و هي حال من(هذا)و هي حال لا يستغنى عنها،نحو قوله: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ الدّخان:38،لا يجوز في هذه الحال أن تحذف، لئلاّ يكون المعنى على النّفي و هو لا يجوز.

و لمّا تضمّنت هذه الجملة الإقرار بأنّ هذا الخلق البديع لم يكن باطلا،و التّنبيه على أنّ هذا كلام أولي

ص: 858

الألباب الذّاكرين اللّه على جميع أحوالهم و المتفكّرين في الخلق،دلّ على أنّ غيرهم من أهل الغفلة و الجهالة يذهبون إلى خلاف هذه المقالة،فنزّهوه تعالى عمّا يقول أولئك المبطلون،ممّا أشار إليه تعالى في قوله:(لاعبين) و في قوله: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً المؤمنون:

115.

و اعترض بهذا التّنزيه المتضمّن براءة اللّه من جميع النّقائص و أفعال المحدثين بين ذلك الإقرار و بين رغبتهم إلى ربّهم بأن يقيهم عذاب النّار،و لم يكن لهم همّ في شيء من أحوال الدّنيا و لا اكتراث بها،إنّما تضرّعوا في سؤال وقايتهم العذاب يوم القيامة،و هذا السّؤال هو نتيجة الذّكر و الفكر و الإقرار و التّنزيه.

(3:139)

البروسويّ: أي خلقا باطلا عبثا ضائعا عن الحكمة،خاليا عن المصلحة،كما ينبئ عنه أوضاع الغافلين عن ذلك المعرضين عن التّفكّر فيه،بل منتظما لحكم جليلة و مصالح عظيمة،من جملتها:أن يكون مدارا لمعايش العباد،و منارا يرشدهم إلى معرفة أحوال المبدإ و المعاد،حسبما أفصحت عنه الرّسل و الكتب الإلهيّة.(2:145)

نحوه الآلوسيّ.(4:160)

محمّد عبده: هذا حكاية لقول هؤلاء الّذين يجمعون بين تفكّرهم و ذكر اللّه عزّ و جلّ،و يستنبطون من اقترانهما الدّلائل على حكمة اللّه و إحاطة علمه سبحانه بدقائق الأكوان الّتي تربط الإنسان بربّه حقّ الرّبط،و قد اكتفى بحكاية مناجاتهم لربّهم عن بيان نتائج ذكرهم و فكرهم.

فطيّ هذه و ذكر تلك من إيجاز القرآن البديع،و فيه تعليم المؤمنين كيف يخاطبون اللّه تعالى عند ما يهتدون إلى شيء من معاني إحسانه و كرمه و بدائع خلقه،كأنّه يقول:هذا هو شأن المؤمن الذّاكر المتفكّر يتوجّه إلى اللّه في هذه الأحوال،بمثل هذا الثّناء و الدّعاء و الابتهال.

و كون هذا ضربا من ضروب التّعليم و الإرشاد، لا يمنع أنّ بعض المؤمنين قد نظروا و ذكروا و فكّروا ثمّ قالوا هذا أو ما يؤدّي معناه،فذكر اللّه حالهم و ابتهالهم، و لم يذكر قصّتهم و أسماءهم،لأجل أن يكونوا قدوة لنا في عملهم،و أسوة في سيرتهم،أي لا في ذواتهم و أشخاصهم؛إذ لا فرق في هذا بيننا و بينهم.

أمّا معنى كون هذا الخلق لا يكون باطلا،فهو أنّ هذا الإبداع في الخلق و الإتقان للصّنع،لا يمكن أن يكون من العبث و الباطل،و لا يمكن أن يفعله الحكيم العليم لهذه الحياة الفانية فقط.

كما أنّ الإنسان الّذي أوتي العقل الّذي يفهم هذه الحكم،و دقائق هذا الصّنع،و كلّما ازداد تفكّرا،ازداد علما،حتّى أنّه لا حدّ يعرف لفهمه و علمه،لا يمكن أن يكون وجد ليعيش قليلا ثمّ يذهب سدى،و يتلاشى و يكون باطلا،بل لا بدّ أن يكون باستعداده الّذي لا نهاية له قد خلق ليحيا حياة لا نهاية لها،و هي الحياة الآخرة الّتي يرى كلّ عامل فيها جزاء عمله،و لهذا وصل الثّناء بهذا الدّعاء،و معناه:اجتنبنا السّيّئات،و وفّقنا للأعمال الصّالحات،حتّى يكون ذلك وقاية لنا من عذاب النّار، و هذه هي نتيجة فكر المؤمن.

ص: 859

ثمّ إنّهم بعد أن يصلوا مع الذّكر إلى بقاء العالم و استمراره-لأنّ نظامه البديع لا يمكن أن يجعله العليم الحكيم باطلا،«أي لا في الحال و لا في الاستقبال»-و بعد أن يدعوا ربّهم أن يقيهم دخول النّار في الحياة الثّانية، يتوجّهون إليه قائلين: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ... آل عمران:192.

(رشيد رضا 4:300)

رشيد رضا: أي يقول الّذين يجمعون بين التّذكّر و التّفكّر،معبّرين عن نتيجة جمع الأمرين و التّأليف بين المقدّمتين:ربّنا ما خلقت هذا الّذي نراه من العوالم السّماويّة و الأرضيّة باطلا،و لا أبدعته و أتقنته عبثا، سبحانك و تنزيها لك عن الباطل و العبث،بل كلّ خلقك حقّ مؤيّد بالحكم،فهو لا يبطل و لا يزول،و إن عرض له التّحوّل و التّحليل و الأفول،و نحن بعض خلقك لم نخلق عبثا،و لا يكون وجودنا من كلّ وجه باطلا،فإن فنيت أجسادنا،و تفرّقت أجزاؤنا،بعد مفارقة أرواحنا لأبداننا،فإنّما يهلك منّا كوننا الفاسد،و وجهنا الممكن الحادث،و يبقى وجهك الكريم،و متعلّق علمك القديم، يعود بقدرتك في نشأة أخرى،كما بدأته في النّشأة الأولى،فريق ثبتت لهم الهداية،و فريق حقّت عليهم كلمة الضّلالة،فأولئك في الجنّة بعملهم و فضلك، و هؤلاء في النّار بعملهم و عدلك.(4:300)

الطّباطبائيّ: الباطل:ما ليس له غاية يتعلّق به الغرض،قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ الرّعد:17،و لذلك لمّا نفوا البطلان عن الخلق لاح لهم أنّ اللّه سيحشر النّاس للجزاء،و أنّه تعالى سيجزي هناك الظّالمين جزاء خزي و هو النّار،و لا رادّ يردّ مصلحة العقاب و إلاّ لبطل الخلقة،و هذا معنى قولهم: فَقِنا عَذابَ النّارِ* رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ آل عمران:191،192.(4:87)

2- وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ.

ص:27

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما، عبثا و لهوا،ما خلقناهما إلاّ ليعمل فيهما بطاعتنا،و ينتهي إلى أمرنا و نهينا.

(23:152)

الطّوسيّ: أخبر تعالى أنّه لم يخلق السّماء و الأرض و ما بينهما باطلا،بل خلقهما و ما بينهما بالحقّ لغرض حكميّ،و هو ما في ذلك من إظهار الحكمة،و تعريض أنواع الحيوان للمنافع الجليلة،و تعريض العقلاء لمنافع الثّواب،و ذلك يفسد قول المجبّرة الّذين قالوا:إنّ كلّ باطل و ضلال من فعل اللّه.(8:557)

مثله الطّبرسيّ.(4:473)

الزّمخشريّ: خلقا باطلا لا لغرض صحيح و حكمة بالغة،أو مبطلين عابثين،كقوله تعالى: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الدّخان:38،39،و تقديره:ذوي باطل،أو عبثا.فوضع(باطلا)موضعه،كما وضعوا«هنيئا»موضع المصدر،و هو صفة.

ص: 860

أي ما خلقناهما و ما بينهما للعبث و اللّعب و لكن للحقّ المبين،و هو أن خلقناها نفوسا أودعناها العقل و التّمييز،و منحناها التّمكين و أزحنا عللها،ثمّ عرضناها للمنافع العظيمة بالتّكليف،و أعددنا لها عاقبة و جزاء على حسب أعمالهم.(3:372)

نحوه أبو السّعود.(5:395)

الفخر الرّازيّ: نظيره قوله تعالى: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ آل عمران:

191،و قوله تعالى: ما خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الرّوم:8،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:احتجّ الجبّائيّ بهذه الآية على أنّه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأعمال العباد،قال:لأنّها مشتملة على الكفر و الفسق،و كلّها أباطيل:فلمّا بيّن تعالى أنّه: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً، دلّ هذا على أنّه تعالى لم يخلق أعمال العباد، و مثله قوله تعالى: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الأحقاف:3.

و عند المجبّرة أنّه خلق الكافر لأجل أن يكفر، و الكفر باطل،و قد خلق الباطل،ثمّ أكّد تعالى ذلك بأن قال: ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي كلّ من قال بهذا القول فهو كافر،فهذا تصريح بأنّ مذهب المجبّرة عين الكفر.

و احتجّ أصحابنا رحمهم اللّه بأنّ هذه الآية تدلّ على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد،فقالوا:هذه الآية تدلّ على كونه تعالى خالقا لكلّ ما بين السّماوات و الأرض، و أعمال العباد حاصلة بين السّماء و الأرض،فوجب أن يكون اللّه تعالى خالقا لها.

المسألة الثّانية:هذه الآية دالّة على صحّة القول بالحشر و النّشر و القيامة؛و ذلك لأنّه تعالى خلق الخلق في هذا العالم،فإمّا أن يقال:إنّه خلقهم للإضرار أو للإنفاع أو لا للإنفاع و لا للإضرار.

و الأوّل باطل،لأنّ ذلك لا يليق بالرّحيم الكريم، و الثّالث أيضا باطل،لأنّ هذه الحالة حاصلة حين كانوا معدومين،فلم يبق إلاّ أن يقال:إنّه خلقهم للإنفاع.

فنقول:و ذلك الإنفاع،إمّا أن يكون في حياة الدّنيا أو في حياة الآخرة،و الأوّل باطل لأنّ منافع الدّنيا قليلة و مضارّها كثيرة،و تحمّل المضارّ الكثيرة للمنفعة القليلة لا يليق بالحكمة،و لمّا بطل هذا القسم ثبت القول بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة الدّنيويّة،و ذلك هو القول بالحشر و النّشر و القيامة.

و اعلم أنّ هذا الدّليل يمكن تقريره من وجوه كثيرة، و قد لخّصناها في أوّل سورة يونس بالاستقصاء، فلا سبيل إلى التّكرير،فثبت بما ذكرنا أنّه تعالى:ما خلق السّماء و الأرض و ما بينهما باطلا.

و إذا لم يكن خلقهما باطلا كان القول بالحشر و النّشر لازما،و أنّ كلّ من أنكر القول بالحشر و النّشر كان شاكّا في حكمة اللّه في خلق السّماء و الأرض،و هذا هو المراد من قوله: ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ ص:27.

و لمّا بيّن اللّه تعالى على سبيل الإجمال أنّ إنكار الحشر و النّشر يوجب الشّكّ في حكمة اللّه تعالى،بيّن ذلك على سبيل التّفصيل،فقال: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 861

وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:28.

و تقريره:أنّا نرى في الدّنيا من أطاع اللّه و احترز عن معصيته في الفقر و الزّمانة و أنواع البلاء،و نرى الكفرة و الفسّاق في الرّاحة و الغبطة،فلو لم يكن حشر و نشر و معاد فحينئذ يكون حال المطيع أدون من حال العاصي،و ذلك لا يليق بحكمة الحكيم الرّحيم،و إذا كان ذلك قادحا في الحكمة،ثبت أنّ إنكار الحشر و النّشر يوجب إنكار حكمة اللّه.(26:200)

القرطبيّ: أي هزلا و لعبا،أي ما خلقناهما إلاّ لأمر صحيح،و هو الدّلالة على قدرتنا.(15:191)

نحوه أبو حيّان.(7:395)

البروسويّ: أي خلقا باطلا لا حكمة فيه،بل ليكون مدارا للعلم و العمل،و مذكّرا للآخرة،و ما فيها من الحساب و الجزاء،فإنّ الدّنيا لا تخلو عن الصّفو و الكدر، و كلّ منهما يفصح عمّا في الآخرة من الرّاحة و الخطر، و أيضا ليكون مرآة يشاهد فيها المؤمنون الّذين ينظرون بنور اللّه شواهد صفات الجمال و الجلال.(8:24)

الآلوسيّ: أي خلقا باطلا،فهو منصوب على النّيابة عن المفعول المطلق،نحو:كل هنيئا،أي أكلا هنيئا، و الباطل:ما لا حكمة فيه.

و جوّز كونه حالا من فاعل(خلقنا)بتقدير مضاف، أي ذوي باطل-و الباطل اللّعب و العبث-أي ما خلقنا ذلك مبطلين لاعبين،كقوله تعالى: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ الدّخان:38، و جوّز كونه حالا من المفعول أيضا بنحو هذا التّأويل.

و أيّاما كان فالكلام مستأنف مقرّر لما قبله من أمر المعاد و الحساب،فإنّ خلق السّماء و الأرض و ما بينهما من المخلوقات مشتملا على الحكم الباهرة و الأسرار البالغة و الفوائد الجمّة أقوى دليل على عظم القدرة،و أنّه لا يتعاصاها أمر المعاد و الحساب،فإنّ خلق ذلك كذلك مؤذن بأنّه عزّ و جلّ لا يترك النّاس إذا ماتوا سدى بل يعيدهم و يحاسبهم،و لعلّه الأولى.

و جوّز كون الجملة في موضع الحال في فاعل(نسوا) جيء بها لتفظيع أمر النّسيان،كأنّه قيل:بما نسوا يوم الحساب،مع وجود ما يؤذن به،و هو كما ترى.

و جوّز كون(باطلا)مفعولا له،و يفسّر بخلاف الحقّ،و يراد به متابعة الهوى،كأنّه قيل:ما خلقنا هذا العالم للباطل الّذي هو متابعة الهوى بل للحقّ الّذي هو مقتضى الدّليل من التّوحيد و التّدرّع بالشّرع،كقوله تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56،و لا يخفى بعده.

و عليه تكون الجملة مستأنفة لتقرير أمر النّهي عن اتّباع الهوى.و قيل:تكون عطفا على ما قبلها بحسب المعنى،كأنّه قيل:لا تتّبع الهوى،لأنّه يكون سببا لضلالك،و لأنّه تعالى لم يخلق العالم لأجل متابعة الهوى بل خلقه للتّوحيد و التّمسّك بالشّرع،فلا تغفل.

(23:187)

الطّباطبائيّ: لمّا انتهى الكلام إلى ذكر يوم الحساب،عطف عنان البيان عليه،فاحتجّ عليه بحجّتين:

إحداهما:ما ساقه في هذه الآية بقوله: وَ ما خَلَقْنَا

ص: 862

اَلسَّماءَ إلخ،و هو احتجاج من طريق الغايات؛إذ لو لم يكن خلق السّماء و الأرض و ما بينهما-و هي أمور مخلوقة مؤجّلة توجد و تفنى-مؤدّيا إلى غاية ثابتة باقية غير مؤجّلة كان باطلا،و الباطل:بمعنى ما لا غاية له ممتنع التّحقّق في الأعيان،على أنّه مستحيل من الحكيم، و لا ريب في حكمته تعالى.

و ربّما أطلق الباطل و أريد به اللّعب،و لو كان المراد ذلك كانت الآية في معنى قوله: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ* ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ الدّخان:38،39.

و قيل:الآية عطف على ما قبلها بحسب المعنى،كأنّه قيل:و لا تتّبع الهوى،لأنّه يكون سببا لضلالك،و لأنّه تعالى لم يخلق العالم لأجل اتّباع الهوى و هو الباطل،بل خلقه للتّوحيد و متابعة الشّرع.

و فيه أنّ الآية التّالية: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ إلخ،ص:

28،لا تلائم هذا المعنى.(17:196)

يبطله

فَلَمّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. يونس:81

الطّبريّ: يقول:سيذهب به؛فذهب به تعالى ذكره،بأن سلّط عليه عصا موسى،قد حوّلها ثعبانا يتلقّفه،حتّى لم يبق منه شيء.(11:148)

الزّمخشريّ: سيمحقه أو يظهر بطلانه،بإظهار المعجزة على الشّعوذة.(2:248)

مثله أبو حيّان(5:183)،و البيضاويّ(1:455).

الطّبرسيّ: أي سيبطل هذا السّحر الّذي فعلتموه.

(3:126)

الفخر الرّازيّ: أي سيهلكه و يظهر فضيحة صاحبه.(17:143)

البروسويّ: أي سيمحقه بالكلّيّة بما يظهره على يديّ من المعجزة،فلا يبقى له أثر أصلا أو سيظهر بطلانه للنّاس.و السّين للتّأكيد.

إذا جاء موسى و ألقى العصا

فقد بطل السّحر و السّاحر

(4:70)

مثله الآلوسيّ.(11:167)

رشيد رضا: أي سيظهر بطلانه للنّاس،و أنّه صناعة خادعة،لا آية خارقة صادعة،فالجملة استئنافيّة لبيان ما يوقن به موسى من مآل هذا السّحر.

و يجوز أن تكون خبرا لما قبلها،و يكون التّقدير:

ما جئتم به الّذي هو السّحر،إنّ اللّه سيبطله بما جئت به من الحقّ.(11:468)

الطّباطبائيّ: الحقيقة الّتي بيّنها لهم:أنّ الّذي جاءوا به سحر،و السّحر شأنه إظهار ما ليس بحقّ واقع في صورة الحقّ الواقع لحواسّ النّاس و أنظارهم؛و إذ كان باطلا في نفسه فإنّ اللّه سيبطله،لأنّ السّنّة الإلهيّة جارية على إقرار الحقّ و إحقاقه في التّكوين،و إزهاق الباطل و إبطاله،فالدّولة للحقّ و إن كانت للباطل جولة أحيانا.

و لذا علّل قوله: إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ فإنّ الصّلاح و الفساد

ص: 863

شأنان متقابلان،و قد جرت السّنّة الإلهيّة أن يصلح ما هو صالح و يفسد ما هو فاسد،أي أن يرتّب على كلّ منهما أثره المناسب له،المختصّ به.

و أثر العمل الصّالح أن يناسب و يلائم سائر الحقائق الكونيّة في نظامها الّذي تجري هي عليه،و يمتزج بها و يخالطها،فيصلحه اللّه سبحانه و يجريه على ما كان من طباعه.

و أثر العمل الفاسد أن لا يناسب و لا يلائم سائر الحقائق الكونيّة فيما تقتضيه بطباعها و تجري عليه بجبلّتها،فهو أمر استثنائيّ في نفسه،و لو أصلحه اللّه في فساده،كان ذلك إفسادا للنّظام الكونيّ.

فيعارضه سائر الأسباب الكونيّة بما لها من القوى و الوسائل المؤثّرة،و تعيده إلى السّيرة الصّالحة إن أمكن، و إلاّ أبطلته و أفنته و محته عن صحيفة الوجود البتّة.

و هذه الحقيقة تستلزم أن السّحر و كلّ باطل غيره لا يدوم في الوجود،و قد قرّرها اللّه سبحانه في كلامه في مواضع مختلفة،كقوله: وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ البقرة:258،و قوله: وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ المائدة:108،و قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ المؤمن:28،و منها قوله في هذه الآية: إِنَّ اللّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ يونس:81.

(10:110)

لا تبطلوا

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ... البقرة:264

الماورديّ: يريد إبطال الفضل دون الثّواب.

و يحتمل وجها ثانيا:إبطال موقعها في نفس المعطى.

(1:338)

ابن عطيّة: العقيدة:أنّ السّيّئات لا تبطل الحسنات،فقال جمهور العلماء في هذه الآية:إنّ الصّدقة الّتي يعلم اللّه في صاحبها أنّه يمنّ أو يؤذي فإنّها لا تتقبّل صدقة.و قيل:بل جعل اللّه للملك عليها أمارة فلا يكتبها.

و هذا حسن،لأنّ ما نتلقّى نحن عن المعقول من بني آدم فهو أنّ المنّ المؤذي ينصّ على نفسه أنّ نيّته لم تكن للّه عزّ و جلّ-على ما ذكرناه قبل-فلم تترتّب له صدقة، فهذا هو بطلان الصّدقة بالمنّ و الأذى.و المنّ و الأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها؛إذ لم يكشف ذلك على النّيّة في السّليمة و لا قدم فيها.(1:357)

عبد الجبّار: و ربّما قيل في قوله تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى كيف يبطل ذلك؟

و جوابنا:أنّ المراد بطلان ثوابها،بما يقع من المتصدّق من المنّ عليهم،و أذيّة قلوبهم،نحو أن يقول المتصدّق للفقير:ما أشدّ إبرامك و خلّصنا منكم اللّه،إلى ما يجري هذا المجرى،فأدّب اللّه تعالى المتصدّق بأن لا يكسر قلب الفقير،فكما أحسن في الفعل يحسن في القول،و لذلك مثّله:ب صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً البقرة:264.

و أدّب أيضا بقوله: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ البقرة:267،لأنّ ما ينفق للّه،و طلبا للثّواب يجب أن لا تكون منزلته دون

ص: 864

منزلة ما يتلذّذ به في الدّنيا،و هذا تأديب حسن.

و أدّب أيضا بقوله: اَلشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ البقرة:268،فيبعث على البخل و ترك الصّدقة وَ اللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً البقرة:268،فيبعثكم على الصّدقة و على خلاف الفحشاء و المعاصي.

و بعث اللّه تعالى أيضا على إخفاء الصّدقة بقوله:

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ البقرة:271،و العلماء يقولون:

إنّ الأولى في الواجب أن يظهر و فيما عداه أن يكتم، فيكون أقرب إلى أن يكون مفعولا لذات اللّه تعالى.

(53)

الطّبرسيّ: ضرب تعالى مثلا لعمل المنّان و عمل المنافق جميعا،فإنّهما إذا فعلا الفعل على غير الوجه المأمور به فإنّهما لا يستحقّان عليه ثوابا،و هذا هو معنى «الإبطال»و هو إيقاع العمل على غير الوجه الّذي يستحقّ عليه الثّواب،فقال: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ هذا يدخل فيه المؤمن و الكافر إذا أخرجا المال للرّئاء.[إلى أن قال:]

فقد تضمّنت الآية و الآي الّتي قبلها الحثّ على الصّدقة و إنفاق المال في سبيل الخير و أبواب البرّ،ابتغاء مرضاة اللّه،و النّهي عن المنّ و الأذى و الرّياء و السّمعة و النّفاق.

و الخبر عن بطلان العمل بها و ممّا جاء في معناه من الحديث ما رواه ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:«إذا كان يوم القيامة نادى مناد يسمع أهل الجمع:أين الّذين كانوا يعبدون النّاس!قوموا خذوا أجوركم ممّن عملتم له،فإنّي لا أقبل عملا خالطه شيء من الدّنيا و أهلها».

و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قال رسول اللّه:

«من أسدى إلى مؤمن معروفا ثمّ آذاه بالكلام أو منّ عليه،فقد أبطل اللّه صدقته،ثمّ ضرب فيه مثلا،فقال:

كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ -إلى قوله - اَلْكافِرِينَ» .

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما من شيء أحبّ إليّ من رجل سلفت منّي إليه يد أتبعته أختها و أحسنت رقبها له،لأنّي رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل».

(1:376)

الفخر الرّازيّ: قال القاضي:إنّه تعالى أكّد النّهي عن إبطال الصّدقة بالمنّ و الأذى،و أزال كلّ شبهة للمرجئة بأن بيّن أنّ المراد:أنّ المنّ و الأذى يبطلان الصّدقة.و معلوم أنّ الصّدقة قد وقعت و تقدّمت، فلا يصحّ أن تبطل،فالمراد إبطال أجرها و ثوابها،لأنّ الأجر لم يحصل بعد و هو مستقبل،فيصحّ إبطاله بما يأتيه من المنّ و الأذى.

و اعلم أنّه تعالى ذكر لكيفيّة إبطال أجر الصّدقة بالمنّ و الأذى مثلين،فمثّله أوّلا:بمن ينفق ماله رئاء النّاس،و هو مع ذلك كافر لا يؤمن باللّه و اليوم الآخر، لأنّ بطلان أجر نفقة هذا المرائي الكافر أظهر من بطلان أجر صدقة من يتبعها المنّ و الأذى.

ثمّ مثّله ثانيا:بالصّفوان الّذي وقع عليه تراب و غبار،ثمّ أصابه المطر القويّ،فيزيل ذلك الغبار عنه حتّى يصير كأنّه ما كان عليه غبار و لا تراب أصلا.

فالكافر كالصّفوان،و التّراب مثل ذلك الإنفاق،و الوابل

ص: 865

كالكفر الّذي يحبط عمل الكافر،و كالمنّ و الأذى اللّذين يحبطان عمل هذا المنفق.

قال:فكما أنّ الوابل أزال التّراب الّذي وقع على الصّفوان،فكذا المنّ و الأذى يوجب أن يكونا مبطلين لأجر الإنفاق بعد حصوله،و ذلك صريح في القول بالإحباط و التّكفير.

قال الجبّائيّ: و كما دلّ هذا النّصّ على صحّة قولنا، فالعقل دلّ عليه أيضا؛و ذلك أنّ من أطاع و عصى فلو استحقّ ثواب طاعته و عقاب معصيته لوجب أن يستحقّ النّقيضين،لأنّ شرط الثّواب أن يكون منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال،و شرط العقاب أن يكون مضرّة خالصة دائمة مقرونة بالإذلال،فلو لم تقع المحابطة لحصل استحقاق النّقيضين،و ذلك محال.

و لأنّه حين يعاقبه فقد منعه الإثابة،و منع الإثابة ظلم،و هذا العقاب عدل؛فيلزم أن يكون هذا العقاب عدلا من حيث إنّه حقّه،و أن يكون ظلما من حيث إنّه منع الإثابة،فيكون ظالما بنفس الفعل الّذي هو عادل فيه،و ذلك محال،فصحّ بهذا قولنا في الإحباط و التّكفير بهذا النّصّ،و بدلالة العقل،هذا كلام المعتزلة.

و أمّا أصحابنا فإنّهم قالوا:ليس المراد بقوله:

(لا تبطلوا)النّهي عن إزالة هذا الثّواب بعد ثبوته،بل المراد به أن يأتي بهذا العمل باطلا؛و ذلك لأنّه إذا قصد به غير وجه اللّه تعالى فقد أتى به من الابتداء على نعت البطلان.

و احتجّ أصحابنا على بطلان قول المعتزلة بوجوه من الدّلائل.[ثمّ ذكر عشرة دلائل عقليّة إلى أن قال:]

فهذه جملة الدّلائل العقليّة على فساد القول بالمحابطة،بقي تمسّك المعتزلة بهذه الآية،فنقول:قوله تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى يحتمل أمرين:

أحدهما:لا تأتوا به باطلا،و ذلك أن ينوي بالصّدقة الرّئاء و السّمعة،فتكون هذه الصّدقة حين وجدت حصلت باطلة،و هذا التّأويل لا يضرّنا البتّة.

الوجه الثّاني:أن يكون المراد بالإبطال أن يؤتى بها على وجه يوجب الثّواب ثمّ بعد ذلك إذا أتبعت بالمنّ و الأذى صار عقاب المنّ و الأذى مزيلا لثواب تلك الصّدقة،و على هذا الوجه ينفعهم التّمسّك بالآية.

فلم كان حمل اللّفظ على هذا الوجه الثّاني أولى من حمله على الوجه الأوّل؟(7:53-56)

القرطبيّ: عبّر تعالى عن عدم القبول و حرمان الثّواب بالإبطال،و المراد الصّدقة الّتي يمنّ بها و يؤذي، لا غيرها.و العقيدة،أنّ السّيّئات لا تبطل الحسنات و لا تحبطها،فالمنّ و الأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها.(3:311)

البيضاويّ: لا تحبطوا أجرها بكلّ واحد منهما.

(1:138)

مثله أبو السّعود.(1:308)

البروسويّ: و المراد بإبطال الصّدقة:إحباط أجرها،لأنّ الصّدقة لمّا وقعت و تقدّمت لم يمكن أن يراد بإبطالها نفسها بل المراد إحباط أجرها و ثوابها،لأنّ الأجر لم يحصل بعد،فيصحّ إبطاله بما يأتيه من المنّ و الأذى.(1:422)

ص: 866

الآلوسيّ: أي بكلّ واحد منهما،لأنّ النّفي أحقّ بالعموم و أدلّ عليه.[إلى أن قال:]

و استشكل ابن عطيّة هذه الآية بأنّ ظاهرها يستدعي أنّ أجر الصّدقة يبطل بأحد هذين الأمرين، و لا يمكن توجّه الإبطال بذلك إلى نفس الصّدقة،لأنّها قد ثبتت في الواقع،فلا يعقل إبطالها،و من العقيدة أنّ السّيّئات لا تبطل الحسنات،خلافا للمعتزلة،و الآية أحد متمسّكاتهم.

و أجيب بأنّ الصّدقة الّتي يعلم اللّه تعالى من صاحبها أنّه يمنّ و يؤذي لا تقبل حتّى قيل:إنّه سبحانه يجعل للملك علامة فلا يكتبها،و الإبطال المتنازع فيه إنّما هو في عمل صحيح وقع عند اللّه تعالى في حيّز القبول،و ما هنا ليس كذلك،فمعنى(لا تبطلوا)حينئذ لا تأتوا بهذا العمل باطلا،كذا قالوا.

و لا يخفى أنّه خلاف الظّاهر،إلاّ أنّ قوله تعالى:

كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ فيه نوع تأييد له،بناء على أنّ(كالّذى)في محلّ نصب،إمّا على أنّه نعت لمصدر محذوف،أي لا تبطلوها إبطالا كإبطال الّذي إلخ،و إمّا على أنّه حال من فاعل(لا تبطلوا)أي لا تبطلوها مشابهين الّذي ينفق،أي الّذي يبطل إنفاقه بالرّئاء.

و وجه التّأييد أنّ المرائي بالإجماع لم يأت بالعمل مقبولا صحيحا،و إنّما أتى به باطلا مردودا،و قد وقع التّشبيه في البين،فتدبّر.(3:34)

رشيد رضا: بيّن سبحانه و تعالى في الآيتين السّابقتين أنّ ترك المنّ و الأذى شرط لحصول الأجر على الإنفاق في سبيله،و أنّ العدول عن الصّدقة الّتي يتبعها الأذى إلى قول و عمل آخر يكرم به الفقير أو تؤيّد به المصلحة العامّة خير من نفس تلك الصّدقة في الغاية الّتي شرعت لها.

ثمّ أقبل تعالى على خطاب المؤمنين،و نهاهم نهيا صريحا أن يبطلوا صدقاتهم بالمنّ و الأذى،و في ذلك من المبالغة في التّنفير عن هاتين الرّذيلتين ما يقتضيه ولوع النّاس بهما.

قال الأستاذ الإمام رحمه اللّه تعالى: و استدلّت المعتزلة بالآية على إحباط الكبائر للأعمال الصّالحة، حتّى كأنّها لم تعمل.

و أجيب عن الآية:بأنّ المراد بها لا تبطلوا ثواب صدقاتكم،و بغير ذلك من التّكلّف الّذي لا يحتاج إليه، لأنّ الكلام في إحباط المنّ و الأذى للفائدة المقصودة من الصّدقة،و هي تخفيف بؤس المحتاجين و كشف أذى الفقر عنهم إذا كانت الصّدقة على الأفراد،و تنشيط القائمين بخدمة الأمّة و مساعدتهم إذا كانت الصّدقة في مصلحة عامّة.

فإذا أتبعت الصّدقة بالمنّ و الأذى كان ذلك هدما لما بنته و إبطالا لما عملته،و كلّ عمل لا يؤدّي إلى الغاية المقصودة منه فقد حبط و بطل،كأنّه لم يكن،فكيف إذا أتبع بضدّ الغاية و نقيضها!

كذلك تكون صلاة المرائي باطلة،لأنّ الغرض منها لم يحصل،و هو توجّه القلب إلى اللّه تعالى،و استشعار سلطانه،و الإذعان لعظمته و الشّكر لإحسانه،و قلب المرائي إنّما يتوجّه إلى من يرائيه.

هذا هو معنى إبطال المنّ و الأذى للصّدقة،و الّذي

ص: 867

يزعمه المعتزلة هو أنّ ارتكاب أيّ كبيرة من الكبائر يبطل جميع الأعمال الصّالحة السّابقة،و يوجب الخلود في النّار.فاستدلالهم بالآية على هذا إنّما يدلّ على أنّهم لم يفهموا هدى اللّه تعالى في كتابه،و لم يعرفوا فطرة البشر الّتي جاء الدّين لتأديبها،و قد رأيت كلام من أيّد مذهبه بهدم مذهبهم.

هكذا يتجاذب القرآن أهل المذاهب كلّ يجذبه إلى مذهبه الّذي رضيه لنفسه،فتراهم عند ما يشاغب بعضهم بعضا يتعلّقون بالكلمة المفردة إذا كانت تحتمل ما قالوا،و يجعلونها حجّة للمذهب،و يؤوّلون ما عداها و لو بالتّمحّل.و أهل الخلاف ليسوا من أهل القرآن، فلا يعوّل على أقوالهم في بيان معانيه.(3:64،65)

الطّباطبائيّ: تدلّ الآية على حبط الصّدقة بلحوق المنّ و الأذى،و ربّما يستدلّ بها على حبط كلّ معصية-أو الكبيرة خاصّة-لما يسبقها من الطّاعات، و لا دلالة في الآية على غير المنّ و الأذى بالنّسبة إلى الصّدقة،و قد تقدّم إشباع الكلام في«الحبط».

(2:389)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ. محمّد:33

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من قال:سبحان اللّه،غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة،و من قال:الحمد للّه،غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة،و من قال:لا إله إلاّ اللّه،غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة،و من قال:اللّه أكبر،غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة.فقال رجل من قريش:يا رسول اللّه إنّ شجرنا في الجنّة لكثير؟قال:نعم،و لكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها،و ذلك أنّ اللّه تعالى يقول:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ محمّد:33.(الكاشانيّ 5:30)

ابن عبّاس: بالرّياء و السّمعة.(أبو حيّان 8:85)

مثله الكلبيّ(الميبديّ 9:196)،و ابن جريج (القرطبيّ 16:254).

بالشّرك و النّفاق.(أبو حيّان 8:85)

أبو العالية: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يرون أنّه لا يضرّ مع الإخلاص بقول:لا إله إلاّ اللّه ذنب،كما لا ينفع مع الشّرك عمل،فخافوا الكبائر بعده أن تحبط الأعمال،قال اللّه تعالى: لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فإنّ الشّرّ يبطل الخير،و الخير يبطل الشّرّ،و ملاك العمل خواتمه.(الميبديّ 9:196)

الحسن: بالمعاصي و الكبائر.(البغويّ 5:218)

نحوه الزّهريّ.(القرطبيّ 16:254)

قتادة: من استطاع أن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيّئ فليفعل و لا قوّة إلاّ باللّه،فإنّ الخير ينسخ الشّرّ،و إنّ الشّرّ ينسخ الخير،و إنّ ملاك الأعمال خواتيمها.(الطّبريّ 26:62)

عطاء: الشّكّ و النّفاق.(ابن الجوزيّ 7:412)

مثله الميبديّ.(9:196)

مقاتل: لا تمنّوا على رسول اللّه بالإسلام،نزلت في بني أسد بن خزيمة،كانوا يمنّون على رسول اللّه إذ أسلموا.

(الميبديّ 9:196)

نحوه أبو حمزة الثّماليّ.(القرطبيّ 16:255)

ص: 868

بعصيانكم للرّسول.(أبو حيّان 8:85)

الطّبريّ: لا تبطلوا بمعصيتكم إيّاهما،و كفركم بربّكم ثواب أعمالكم،فإنّ الكفر باللّه يحبط السّالف من العمل الصّالح.(26:62)

الطّوسيّ: بأن توقعوها على خلاف الوجه المأمور به،فيبطل ثوابكم عليها،و تستحقّون العقاب.

(9:308)

القشيريّ: لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ بالرّياء و الإعجاب و الملاحظة.

لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ بالمساكنة إليها.

لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ بطلب الأعواض عليها.

لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ بتوهّمكم أنّه يجب بها شيء دون فضل اللّه.(5:415)

الميبديّ: قيل:معناه لا ترجعوا بعد الإيمان كفّارا، و لا بعد الطّاعة عصاة.(9:196)

الزّمخشريّ: أي لا تحبطوا الطّاعات بالكبائر، كقوله تعالى: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ -إلى أن قال -: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ الحجرات:2.

و عن أبي العالية كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يرون أنّه لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشّرك عمل حتّى نزلت: وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم.

و عن حذيفة: فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم.

و عن ابن عمر: كنّا نرى أنّه ليس شيء من حسناتنا إلاّ مقبولا حتّى نزل: وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فقلنا:

ما هذا الّذي يبطل أعمالنا؟

فقلنا:الكبائر الموجبات و الفواحش،حتّى نزل:

إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،فكففنا عن القول في ذلك،فكنّا نخاف على من أصاب الكبائر و نرجوا لمن لم يصبها.

و عن قتادة رحمه اللّه: رحم اللّه عبدا لم يحبط عمله الصّالح بعمله السّيّئ.

و قيل:لا تبطلوها بمعصيتهما.و قيل:بالعجب فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب.و قيل:

و لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ و الأذى.(3:538)

نحوه النّيسابوريّ(26:33)،و الشّربينيّ(4:34).

ابن عطيّة: روي أنّ هذه الآية نزلت في بني أسد من العرب،و ذلك أنّهم أسلموا و قالوا لرسول عليه السّلام:

«نحن قد آثرناك على كلّ شيء و جئنا بنفوسنا و أهلنا».

كأنّهم منّوا بذلك فنزل فيهم يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الحجرات:17،فإن كان هذا فالإبطال الّذي نهوا عنه ليس بمعنى الإفساد التّامّ،لأنّ الإفساد التّامّ لا يكون إلاّ بالكفر،و إلاّ فالحسنات لا تبطلها المعاصي،و إن كانت الآية عامّة على ظاهرها نهي النّاس عن إبطال أعمالهم بالكفر،و الإبطال هو الإفساد التّامّ.(5:122)

الفخر الرّازيّ: يحتمل وجوها:

أحدها:دوموا على ما أنتم عليه،و لا تشركوا فتبطل أعمالكم،قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65.

الوجه الثّاني:لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة الرّسول،كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب الرّسول و عصيانه،و يؤيّده قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 869

لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ -إلى أن قال -: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الحجرات:2.

الثّالث:«لا تبطلوا اعمالكم بالمن و الاذى،» كما قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ الحجرات:17،و ذلك أنّ من يمنّ بالطّاعة على الرّسول كأنّه يقول:هذا فعلته لأجل قلبك،و لو لا رضاك به لما فعلت،و هو مناف للإخلاص، و اللّه لا يقبل إلاّ العمل الخالص.(28:72)

القرطبيّ: [بعد نقل أقوال بعض المفسّرين قال:]

و كلّه متقارب،و قول الحسن يجمعه،و فيه إشارة إلى أنّ الكبائر تحبط الطّاعات،و المعاصي تخرج عن الإيمان.(16:255)

البيضاويّ: بما أبطل به هؤلاء كالكفر و النّفاق، و العجب و الرّياء،و المنّ و الأذى،و نحوها.و ليس فيه دليل على إحباط الطّاعات بالكبائر.(2:398)

مثله أبو السّعود.(6:94)

الخازن: [قال نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و استدلّ بهذه الآية من يرى إحباط الطّاعات بالمعاصي،و لا حجّة لهم فيها؛و ذلك لأنّ اللّه تعالى يقول:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8،و قال تعالى: وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً النّساء:

40.

فاللّه تعالى أعدل و أكرم من أن يبطل طاعات سنين كثيرة بمعصية واحدة.[ثمّ استدلّ بقول ابن عمر المتقدّم في قول الزّمخشريّ](6:154)

نحوه البروسويّ.(8:523)

الآلوسيّ: [قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و استدلّ المعتزلة بالآية على أنّ الكبائر تحبط الطّاعات،بل الكبيرة الواحدة تبطل مع الإصرار الأعمال،و لو كانت بعدد نجوم السّماء،و ذكروا في ذلك من الأخبار ما ذكروا.

و في«الكشف»: لا بدّ في هذا المقام من تحرير البحث،بأن يقال:إن أراد المعتزلة أنّ نحو الزّنى إذا عقب الصّلاة يبطل ثوابها مثلا،فهذا لا دليل عليه نقلا و عقلا، بل هما متعادلان على ما دلّ عليه صحاح الأحاديث، و كفى بقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8،حجّة بالغة.

و إن أرادوا أنّ عقابه قد يكبر حتّى لا يعادله صغار الحسنات،فهذا صحيح،و الكلام حينئذ في تسميته إحباطا،و لا بأس به.لكن عندنا أنّ هذا الإحباط غير لازم و عندهم لازم،و هو مبنيّ على جواز العفو،و هي مسألة أخرى.

و أمّا الكبيرة الّتي تختصّ بذلك العمل كالعجب و نحو المنّ و الأذى بعد التّصدّق فهي محبطة لا محالة اتّفاقا، و عليه يحمل ما نقل من الآثار،و من لا يسمّيه إحباطا، لأنّه يجعله شرطا للقبول،و الإحباط أن يصير الثّواب زائلا.و هذا لا يتأتّى إذا لم يثبت له ثواب،فله ذلك،و هو أمر يرجع إلى الاصطلاح،انتهى،و هو من الحسن بمكان.(26:79)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد بإبطال الأعمال:

ص: 870

إحباطها بمنّهم على اللّه و رسوله بإيمانهم،كما في قوله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الحجرات:17.

و قيل:إبطالها بالرّياء و السّمعة،و قيل:بالعجب، و قيل:بالكفر و النّفاق،و قيل:المراد إبطال الصّدقات بالمنّ و الأذى،كما قال: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى البقرة:264،و قيل:إبطالها بالمعاصي، و قيل:بخصوص الكبائر.

و يردّ على هذا الأقوال جميعا:أنّ كلّ واحد منها على تقدير صحّته و تسليمه،مصداق من مصاديق الآية،مع الغضّ من وقوعها في السّياق الّذي تقدّمت الإشارة إليه.و أمّا من حيث وقوعها في السّياق فلا تشمل إلاّ القتال كما مرّ.(18:247)

المبطلون

1- ..أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ.

الأعراف:173

الطّبريّ: بما فعل الّذين أبطلوا في دعواهم إلها غير اللّه.(9:119)

الزّمخشريّ: أي كانوا السّبب في شركنا لتأسيسهم الشّرك،و تقدّمهم فيه،و تركه سنّة لنا.

(2:130)

الطّبرسيّ: و معناه:و لأن لا تقولوا:أ فتهلكنا بما فعل آباؤنا من الشّرك.(2:498)

البروسويّ: من آبائنا المضلّين بعد ظهور أنّهم المجرمون،و نحن عاجزون عن التّدبّر و الاستبداد بالرّأي، فإنّ ما ذكر من استعدادهم الكامل يسدّ عليهم باب الاعتذار بهذا أيضا،فإنّ التّقليد بعد قيام الدّلائل و القدرة على الاستدلال بها ممّا لا مساغ له أصلا.

(3:273)

2- وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ. العنكبوت:48

مجاهد :قريش.(الطّبريّ 21:5)

قتادة: إذن لقالوا:إنّما هذا شيء تعلّمه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و كتبه.(الطّبريّ 20:5)

السّدّيّ: أنّهم المكذّبون من اليهود.

(الماورديّ 4:287)

الطّبريّ: القائلون إنّه سجع و كهانة،و إنّه أساطير الأوّلين.(20:4)

الزّمخشريّ: لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ من أهل الكتاب،و قالوا:الّذي نجده في كتبنا أمّيّ لا يكتب و لا يقرأ و ليس به،أو لارتاب مشركو مكّة و قالوا:لعلّه تعلّمه أو كتبه بيده.

فإن قلت:لم سمّاهم مبطلين و لو لم يكن أمّيّا، و قالوا:ليس بالّذي نجده في كتبنا،لكانوا صادقين محقّين،و لكان أهل مكّة أيضا على حقّ في قولهم:لعلّه تعلّمه أو كتبه،فإنّه رجل قارئ كاتب؟

قلت:سمّاهم مبطلين،لأنّهم كفروا به و هو أمّيّ بعيد من الرّيب،فكأنّه قال:هؤلاء المبطلون في كفرهم به لو لم يكن أمّيّا لارتابوا أشدّ الرّيب،فحين ليس بقارئ كاتب فلا وجه لارتيابهم.

و شيء آخر و هو أنّ سائر الأنبياء عليهم السّلام لم يكونوا

ص: 871

أمّيّين و وجب الإيمان بهم و بما جاءوا به،لكونهم مصدّقين من جهة الحكيم بالمعجزات.فهب أنّه قارئ كاتب فما لهم لم يؤمنوا به من الوجه الّذي آمنوا منه بموسى و عيسى عليهما السّلام،على أنّ المنزلين ليسا بمعجزين و هذا المنزل معجز،فإذن هم مبطلون حيث لم يؤمنوا به و هو أمّيّ،و مبطلون لو لم يؤمنوا به و هو غير أمّيّ.

(3:208)

الفخر الرّازيّ: فيه معنى لطيف،و هو أنّ النّبيّ إذا كان قارئا كاتبا ما كان يوجب كون هذا الكلام كلامه، فإنّ جميع كتبة الأرض و قرّائها لا يقدرون عليه،لكن على ذلك التّقدير يكون للمبطل وجه ارتياب،و على ما هو عليه لا وجه لارتيابه،فهو أدخل في الإبطال،و هذا كقوله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ البقرة:23،أي من مثل محمّد عليه السّلام،و كقوله: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ... البقرة:1،2.(25:77)

البروسويّ: و المبطل من يأتي بالباطل،و هو نقيض المحقّ و هو من يأتي بالحقّ لما أنّ الباطل نقيض الحقّ.[ثمّ نقل كلام الرّاغب إلى أن قال:]

و المعنى لارتابوا و قالوا:لعلّه تعلّمه أو التقطه من كتب الأوائل.و حيث لم تكن كذلك،لم يبق في شأنك منشأ ريب أصلا.(6:480)

الآلوسيّ: و وصف مشركي مكّة بالإبطال باعتبار ارتيابهم و كفرهم،و هو عليه الصّلاة و السّلام أمّيّ، فكأنّه قيل:إذن لارتاب هؤلاء المبطلون الآن،و كان إذ ذاك لارتيابهم وجه.

و قيل:وصفهم بذلك باعتبار ارتيابهم،و هو صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أمّيّ،و باعتبار ارتيابهم و هو عليه الصّلاة و السّلام ليس بأمّيّ.

أمّا كونهم مبطلين بالاعتبار الأوّل فظاهر،و أمّا كونهم كذلك بالاعتبار الثّاني فلأنّ غاية ما يلزم من عدم أمّيّته صلّى اللّه عليه و سلّم انتفاء أحد وجوه الإعجاز،و يكفي الباقي في الغرض،فيكون المرتاب مبطلا كالمرتاب في نبوّة الأنبياء الّذين لم يكونوا أمّيّين،و صحّة ما جاءوا به.

و الأوّل أظهر،و كون المراد بالمبطلين مشركي مكّة، هو المرويّ عن مجاهد.

و قال قتادة: هم أهل الكتاب،أي لو كنت تتلو من قبل أو تخطّ لارتاب أهل الكتاب،لأنّ نعتك في كتابهم أمّيّ.

و وصفهم بالإبطال قيل:باعتبار ارتيابهم،و هو عليه الصّلاة و السّلام أمّيّ كما هو الواقع،و إلاّ فهم ليسوا بمبطلين في ارتيابهم على فرض عدم كونه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أمّيّا.

و في«الكشف»هذا فرض و تمثيل دلالة على أنّ مدار الأمر على المعجز،و أنّ كونه عليه الصّلاة و السّلام أمّيّا لا يخطّ ليس ممّا لا يتمّ دعواه به،و تلك الدّلالة لا تختلف،و المنكر مبطل اه،فتأمّل.(21:4)

الطّباطبائيّ: (المبطلون):جمع مبطل و هو الّذي يأتي بالباطل من القول،و يقال أيضا للّذي يبطل الحقّ، أي يدّعي بطلانه.و الأنسب في الآية المعنى الثّاني و إن جاز أن يراد المعنى الأوّل.(16:139)

ص: 872

3- ..وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ. الرّوم:58

الطّوسيّ: في دعواكم البعث و النّشور،عنادا و جحدا للامور الظّاهرة.(8:267)

الميبديّ: ما أنتم إلاّ على باطل،يعني أنّهم لا يهتدون بتلك الآية أيضا،و لم يعرفوا بها صحّة دينك و حقيقة أمرك،كما لم يهتدوا بهذا القرآن،و لم يعلموا به شيئا من ذلك.(7:472)

الطّبرسيّ: أي أصحاب أباطيل،و هذا إخبار عن عناد القوم،و تكذيبهم بالآيات.(4:311)

القرطبيّ: أي تتّبعون الباطل و السّحر.

(14:49)

أبو حيّان: أي تبطلون في دعواكم الحشر و الجزاء.(7:181)

أبو السّعود: أي مزوّرون.(5:182)

مثله الآلوسيّ.(21:62)

الطّباطبائيّ: أي جاءوا بالباطل،و هذا القول منهم،لأنّهم مصرفون عن الحقّ،يرون كلّ حقّ باطلا.

و وضع الموصول و الصّلة موضع الضّمير،للدّلالة على سبب القول.(16:207)

4- ..فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ. المؤمن:78

الطّبريّ: يقول:و هلك هنالك الّذين أبطلوا في قيلهم الكذب،و افترائهم على اللّه و ادّعائهم له شريكا.

(24:87)

الزّمخشريّ: هم المعاندون الّذين اقترحوا الآيات،و قد أتتهم الآيات فأنكروها و سمّوها سحرا.

(3:438)

مثله الفخر الرّازيّ(27:89)،و أبو حيّان(7:

478).

الطّبرسيّ: المبطل:صاحب الباطل.(4:534)

الكرمانيّ: قوله: وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ و ختم السّورة بقوله: وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ المؤمن:85،لأنّ الأوّل متّصل بقوله: قُضِيَ بِالْحَقِّ و نقيض الحقّ:الباطل،و الثّاني متّصل بإيمان غير مجد، و نقيض الإيمان:الكفر.(175)

القرطبيّ: أي الّذين يتّبعون الباطل و الشّرك.

(15:334)

5- وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ. الجاثية:27

الطّوسيّ: المبطل هو من فعل الباطل و عدل عن الحقّ.(9:261)

ابن عطيّة: الدّاخلون في الباطل.(5:88)

ابن كثير :هم الكافرون باللّه الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البيّنات،و الدّلائل الواضحات.

(6:270)

الآلوسيّ: الدّاخلون في الباطل،و لعلّ المراد به أعظم أنواعه و هو الكفر.(25:155)

ص: 873

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الباطل على أربعة وجوه:

فوجه منها:الباطل يعني الكذب،فذلك قوله:

وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ المؤمن:78،يعني المكذّبين بالبعث،و قال: إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:48،يعني المكذّبين،و هم اليهود عليهم لعنة اللّه،و قال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42،يعني لا يأتي القرآن التّكذيب من الكتب قبله و لا يجيء من بعده كتاب يكذّبه.

و الوجه الثّاني:الإبطال،يعني الإحباط،فذلك قوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ يعني لا تحبطوها بِالْمَنِّ وَ الْأَذى البقرة:264،و قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ محمّد:33،يعني لا تحبطوا أعمالكم.

و الوجه الثّالث:الباطل يعني الشّرك الّذي ليس له أصل ثابت،فذلك قوله: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ يعني ذهب الشّرك:عبادة الشّياطين إِنَّ الْباطِلَ يعني الشّرك كانَ زَهُوقاً الإسراء:81، لأنّ الشّرك ليس له أصل في الأرض و لا فرع في السّماء، فلذلك كان زهوقا.

و قال: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ يعني بعبادة الشّيطان:الشّرك وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ العنكبوت:52.

و قال: أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ النّحل:72،يعني بعبادة الشّيطان:الشّرك يصدّقون.

و الوجه الرّابع:الباطل يعني الظّلم،فذلك قوله:

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يعني الظّلم وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ البقرة:188،نظيرها في النّساء.(278)

مثله هارون الأعور(298)،و الدّامغانيّ(167)، و الميبديّ(5:611).

الفيروزآباديّ: الإبطال:يقال في إفساد الشّيء و إزالته،حقّا كان ذلك الشّيء أو باطلا،قال تعالى:

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ الأنفال:8.

و قد جاء بمعنى الكذب لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42، إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:48.

و بمعنى الإحباط لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى البقرة:264، وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ محمّد:33.

و بمعنى الكفر و الشّرك وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81.

و بمعنى الصّنم وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ العنكبوت:52،أي بالصّنم،أو بإبليس.

و بمعنى الظّلم و التّعدّي وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ أي بالظّلم.(بصائر ذوي التّمييز 2:252)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة التّلف و الهلاك،و كذا جاء في السّريانيّة و العبريّة،يقال:بطل الشّيء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا،أي ذهب ضياعا و هدرا،كبطلان الدّم و الحديث و غيرهما.و أبطل الشّيء:جعله باطلا،و أبطل

ص: 874

فلان:جاء بالباطل،و الباطل:نقيض الحقّ.

و تبطّل الرّجل:اتّبع اللّهو و الجهالة،يقال:بينهم أبطولة يتبطّلون بها،أي يقولونها و يتداولونها.

2-و البطل:الشّجاع،يقال:بطل الرّجل يبطل بطولة و بطالة،أي صار شجاعا،و هذا المعنى غير معروف في سائر اللّغات السّاميّة،و هو من هذا الباب، لأنّه يبطل العظائم بسيفه فيبهرجها،أو لأنّ الأشدّاء يبطلون عنده،أو تبطل عنده دماء الأقران،أو يبطل جراحه و لا يكترث لها،و لا تكفّه عن نجدته،أو يعرّض نفسه للتّلف و الهلاك.

3-و قيل في جمع الباطل:أباطيل،و قيل:بواطل، و كلاهما مخالف للقياس،لأنّ الأوّل جمع إبطال أو إبطالة أو أبطولة على القياس،و الثّاني جمع ما جاء على«فاعل» إذا كان اسما،مثل:كاهل و كواهل،أو وصفا لمؤنّث عاقل،مثل:حائض و حوائض،أو لمذكّر غير عاقل، مثل:صاهل و صواهل.و شذّ فارس و فوارس،و سابق و سوابق،لأنّه وصف لمذكّر عاقل.

و قياس«باطل»أن يجمع على«فعّل»لأنّه وصف صحيح اللاّم،مثل:ضارب و ضرّب.و صائم و صوّم.

و قد جاء«بطّل»في النّثر و الشّعر معا،و منه قول العجّاج، و هو من شواهد الكتاب في باب التّرخيم:

*فقد رأى الرّاءون غير البطّل*

4-و قد يعبّر مسامحة عن الباطل بالفاسد و بالعكس،مع افتراقهما في شيء،و هو أنّ الباطل من العقود مثلا ما لم يشرّع أصلا كبيع الطّير في الهواء، و الفاسد منها ما شرّع أصله و افتقد شرطه،كالبيع الفضوليّ مع عدم إذن المالك.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت هذه المادّة من المجرّد فعلا ماضيا مرّة واحدة، و اسم فاعل(24)مرّة،و من باب الإفعال مضارعا(4) مرّات،و وصفا(5)مرّات:

1- فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

الأعراف:118

2- لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ الأنفال:8

3- قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ

يونس:81

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى البقرة:264

5- أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ محمّد:33

6- وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:42

7- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ آل عمران:71

8- كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ

الرّعد:17

9- وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81

10- وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا

ص: 875

آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً الكهف:56

11- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ

المؤمن:5

12- بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ الأنبياء:18

13- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ الحجّ:62

14- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ لقمان:30

15- قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ

سبأ:49

16- وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ

الشّورى:24

17- ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ محمّد:3

18- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:188

19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً النّساء:29

20- وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ النّساء:161

21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:34

22- إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأعراف:139

23- أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

هود:16

24- أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ النّحل:72

25- أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ

العنكبوت:67

26- وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ العنكبوت:52

27- لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42

28- اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ

آل عمران:191

29- وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ ص:27

30- وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ

ص: 876

مُبْطِلُونَ الرّوم:58

31- وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت:48

32- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ المؤمن:78

33- يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ

الجاثية:27

34- أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

الأعراف:173

يلاحظ أوّلا:أنّ(وقع الحقّ)في(1)جاء مقابلا ل(بطل ما كانوا يعملون)،و ل(يحقّ الحقّ)في(2)جاء مقابلا ل(يبطل الباطل)،لأنّ الفعلين في(1)لازمان و في (2)متعدّيان،فلا يقال:بطل الباطل،و إنّما هذا السّياق خاصّ بالفعل المتعدّي من«بطل»،و هو من قبيل شعر شاعر،و مات الميّت و مثله كثير،يشعر بنوع من المبالغة و التّأكيد.

و بهذا يندفع ما أشكله الفخر الرّازيّ بقوله:«الحقّ حقّ لذاته،و الباطل باطل لذاته،و ما ثبت لشيء فإنّه يمتنع تحصيله بجعل جاعل و فعل فاعل،فما المراد من تحقيق الحقّ و إبطال الباطل؟و أجاب:بأنّ المراد إظهار كون ذلك الحقّ حقّا و إظهار كون ذلك الباطل باطلا...».

و ما ذكرناه أمسّ و أنسب ببلاغة القرآن،و جاء نظيره في(16): وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ الشّورى:24،مع تبديل(يبطل الباطل) ب(يمح الباطل)،و هو شاهد لمعنى الآية(2).و معنى الجملتين في(1)وجد الحقّ و انعدم الباطل،و في(2) أوجد الحقّ و أعدم الباطل.

ثانيا:جاء(يبطله)و(تبطلوا)في(3)و(4)و(5) بمعنى أعدمه مع تفاوت،فإبطال السّحر في(3)إفشاؤه و إبانته بأنّه ليس أمرا حقيقيّا،بل تمويه و مكر،مثل ما جاء به السّحرة لموسى عليه السّلام.أو إبطال أثره الّذي أريد به مثل ما جاء السّحرة ببابل.

و أمّا إبطال الصّدقات بالمنّ و الأذى في(4)و إبطال الأعمال في(5)،فمعناه نفي صحّتها و رفع أجرها،و إلاّ فالصّدقات و الأعمال قد وقعت و لم تنعدم رأسا،بل ينعدم أثرها كما ينعدم أثر السّحر.و بقاء أثر الصّدقات بالاجتناب عن المنّ و الأذى،و أثر الأعمال بإطاعة اللّه و رسوله حسب نصّ الآيتين.

ثالثا:جاء الحقّ و الباطل معا في(13)آية:(2) و(6)إلى(17)،و قد بحثنا حول(2)و(16)،و أمّا سائر الآيات:1-فقد جاء في(6)و(7)خطابا لبني إسرائيل، أي اليهود و النّصارى حول لبس الحقّ بالباطل و كتمان الحقّ،فقال المفسّرون:المراد باللّبس:خلط الحقّ بالباطل،و بكتمان الحقّ إخفاؤه،بوجوه أحسنها ما ذكره الفخر الرّازيّ حول الآية(7)،مشيرا إلى قوله تعالى قبلها: وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَ ما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ آل عمران:69.

إنّ إضلال الغير لا يحصل إلاّ بطريقين،لأنّ الغير إن سمع دلائل الحقّ فإضلاله لا يمكن إلاّ بالتّهويش بين تلك

ص: 877

الدّلائل،و إن كان لم يسمعها فإضلاله بإخفائها عنه و منعه من الوصول إليها.فقوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ إشارة إلى الأوّل،و هو التّهويش بينها.

و قوله:«و لا تكتموا الحق»إشارة إلى الثّاني،و هو إخفاؤها عنه.

و نقول:قد جاءت الآية(7)في سياق آيات من آل عمران تخاطب أهل الكتاب،ابتداء من قوله: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ آل عمران:64،و انتهاء بقوله: وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ آل عمران:78،و المراد ب(اهل الكتاب)في (6)اليهود من بني إسرائيل،لقوله قبلها: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ... البقرة:40،و في(7)اليهود و النّصارى معا،كما يظهر من قوله قبلها: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ آل عمران:65.

و في الآيات الّتي قبلها و بعدها إشارة إلى أنواع من الخلط و التّمويه لأهل الكتاب،منها ادّعاؤهم أنّ إبراهيم كان يهوديّا أو نصرانيّا،فردّ عليهم بأنّه كان حنيفا مسلما،و أنّ اليهوديّة و النّصرانيّة وجدتا من بعده.

و منها إضلال المسلمين و الكفر بآيات اللّه و الإيمان بما أنزل اللّه وجه النّهار و الكفر به آخره،و غير ذلك ممّا جاء في النّصوص،فلاحظ.

فلا يبعد-إذا-أنّ اللّه جمع تلك التّمويهات في لبس الحقّ بالباطل و كتمان الحقّ،و ليست الآية(6)عن هذه الآية ببعيدة،فإنّ قوله قبلها: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً البقرة:41،إشارة إلى تلك التّمويهات،و قد بيّنها اللّه في آيات بعدها نزلت بشأن بني إسرائيل،فلاحظ.

و تعني الآيات من(8)إلى(17)ذهاب الباطل بالحقّ بصور شتّى:

الأولى:ضرب المثل بماء السّماء و ما يتبعه من السّيل و الزّبد فيذهب جفاء و يبقى ما ينفع النّاس في(8): أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ الرّعد:17،لاحظ «م ث ل».

الثّانية:ضرب المثل بإضلال أعمال الكفّار و إصلاح أعمال المؤمنين في(17): اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ* وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ محمّد:1-3.

الثّالثة:تشبيه الحقّ و الباطل بإيلاج اللّيل في النّهار و إيلاج النّهار في اللّيل في(13)و(14): ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الحجّ:61،62، أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ

ص: 878

وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ لقمان:29،30.

الرّابعة:إذهاب الباطل و محوه بالحقّ في(1)و(2) و(8)و(9)و(10)و(11)و(15)و(16).

الخامسة:قذف الحقّ على الباطل و دمغه به،أي رمي الحقّ على الباطل و دفع الباطل به في(12).

السّادسة:جدال الكفّار بالباطل ليدحضوا به الحقّ في(10)و(11)،أي ليردّوا الحقّ بالباطل،و جدال الكفّار في الآيتين إنّما هو في آيات اللّه،فقد جاء في آخر (10): اِتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً، و قبل(11):

ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ المؤمن:4.

رابعا:جاء«الباطل»وحده في(18)إلى(29) بأسلوبين:

الأوّل:أكل المال بالباطل في(18)إلى(21)،و ذلك إمّا بالرّشوة للحكّام(18)،أو بأخذ الرّبا(20)،أو بالتّمويه و إغفال النّاس و أخذ أموالهم بوجه حرام، دون أن تكون تجارة عن تراض منهم(19)إلى(21).

و ينبغي التّنبيه على أمور:

1-هناك بحث طويل عند الفقهاء و المفسّرين في المراد ب«الباطل»في هذه الآيات،فعند كثير منهم أنّه المال الحرام،فردّ عليهم الإمام عبده بأنّه إحالة للشّيء على نفسه،و يصير المعنى حينئذ:إنّي جعلت المال الحرام محرّما.و قد سبقه إلى ذلك الفخر الرّازيّ.ثمّ حوّل عبده مفاهيم ألفاظ مثل:الحقّ و الباطل و المعروف و المنكر، و نحوها إلى ما يفهمه العقلاء بفطرتهم السّليمة.

و قال رشيد رضا:«الباطل هو ما لم يكن في مقابله شيء حقيقيّ،و هو من البطل و البطلان،أي الضّياع و الخسارة...».و قال العلاّمة الطّباطبائيّ:«الباطل ما لا يشتمل على غرض صحيح».و قال أيضا:«الباطل يقابل الحقّ الّذي هو الأمر الثّابت بنحو من الثّبوت».

2-مثّلوا لأكل المال بالباطل بمثل الرّبا و القمار و الرّشوة و ثمن الخمر و شهادة الزّور و اليمين الكاذبة و الغشّ و الخيانة و السّرقة و النّصب،و نحوها ممّا شاع حينذاك عند الرّهبان و القسّيسين من اليهود و النّصارى.

و ألحق بعضهم بها أخذ الأجرة على العبادات و قراءة القرآن و بيع العربان،و قد فسّرها بعضهم بالعقود الفاسدة.و حمله بعضهم على أكل طعام الغير،و أنّه قد نسخ بآية أخرى،و هو بعيد جدّا.

3-كلمة(بينكم)تشير إلى تبادل الأموال بين النّاس،و أخذ بعضهم مال غيره،و حمله بعضهم على موضوع التّنازع في التّقابل بين المتعاملين،كأنّه واقع بين الآكل و المأكول منه،فكلّ منهما يريد جذبه لنفسه،و هو بعيد أيضا.و قال الطّباطبائيّ:«التّقييد بقوله:(بينكم) الدّالّ على نوع تجمّع منهم على المال و وقوعه في وسطهم إشعارا أو دلالة بكون الأكل بالباطل المنهيّ عنه بنحو إدارته فيما بينهم و نقله من واحد إلى آخر بالتّعاون و التّداول...».

و نقول:كلمة(بينكم)هي الفارقة بين الآيتين(18) و(19)و الآيتين(20)و(21)،فالأوليان تحكيان حكم

ص: 879

تعامل الأموال بين النّاس،و الأخريان حكم أكل مال الغير في غير تعامل،و قد ذكروا أنحاء من ذلك عند الرّهبان،فلاحظ.

و بذلك يبطل قول الفخر الرّازيّ بأنّ الآية شاملة لأكل أموالهم و أموال غيرهم بقوله:(اموالكم)،فعندنا أنّ قوله:(بينكم)يصرفه عن أموالهم إلى الأموال المتبادلة بينهم.

4-للفقهاء مجال واسع مستدلّين بآية التّراضي في الحكم بصحّة كثير من المعاملات الّتي شاعت في العصر الحاضر،ممّا لا نصّ للشّرع على فسادها،و لا تدخل تحت إحدى المحذورات كالرّبا و الميسر و الغبن و الغرور و نحوها،إذا وقعت بالتّراضي.

5-الباء في(بالباطل)متعلّقة ب(لا تاكلوا)،و هي سببيّة،أي لا تأكلوها بسبب باطل،أو هي للإلصاق، متعلّقة بمفعول محذوف،أي أكلها متلبّسا بالباطل، و النّتيجة واحدة.قال أبو حيّان(2:55):«و جوّزوا أن تكون(بالباطل)حالا من الأموال،و أن تكون حالا من الفاعل».

الثّاني:أنّ خلق السّماوات و الأرض ليس باطلا في (28)و(29)،أي بلا غرض و لا هدف،و قد بيّن اللّه في الآيتين موقف المؤمنين و الكافرين في هذا الأمر،ففي (28)تبيان لموقف المؤمنين بأوضح بيان؛حيث إنّهم يذكرون اللّه في جميع الأحوال،و يتفكّرون في خلق السّماوات و الأرض،ثمّ يعترفون عن يقين أمام اللّه مخاطبين له و مسبّحين بأنّه ما خلقهما باطلا،و سائليه أن يقيهم عذاب النّار.

و في(29)تبيان لموقف الكفّار بأنّ ذلك ظنّ منهم بلا يقين،و قد كرّر ذكرهم ب اَلَّذِينَ كَفَرُوا مرّتين، ثمّ جعل الويل لهم من النّار،فشتّان ما بين الموقفين.و مع ذلك فقد ختمت الآيتان بكلمة(النّار)تنبيها على أنّ مآل الفريقين إليها؛فالمؤمنون يمرّون عليها فائزين، و الكافرون يدخلونها خاسرين.هذا بالإضافة إلى رعاية الفواصل.

خامسا:جاء(المبطلون)في خمس آيات هي (30)إلى(34).

1-منها آيتان جاءتا بشأن القرآن(31)و(32)، و لقد عبّر القرآن عن الّذين كفروا به أو ارتابوا فيه بالمبطلين؛إذ القرآن كلّه حقّ،فالكفر به و كذلك الارتياب فيه باطل،و الحقّ و الباطل لا يجتمعان،بل هما ضدّان متقابلان،قد قابل بينهما القرآن في(12)آية كما سبق.

2-و ليست الآية(32)بعيدة عنهما،فإنّها بشهادة سياقها ابتداء من قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ* اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا... المؤمن:69،70،و انتهاء بهذه الآية ترتبط بالكفر بآيات اللّه الّتي أنزلت على الرّسل، و تلاها بعد آيات قوله: فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ المؤمن:83.

3-و كذلك الآية(33)لها مساس بالقرآن،فقد جاء قبلها وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلِ اللّهُ

ص: 880

يُحْيِيكُمْ... الجاثية:25،26.

4-أمّا الآية الأخيرة-أي(34)-فقد جاءت عقيب قوله: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ الأعراف:172،و قبلها آيات في الّذين ورثوا الكتاب فتخلّفوا عنه،و آية في الّذين يمسّكون بالكتاب، فسياق هذه الآية رفض آيات الكتاب أيضا.

فتحصّل أنّ المبطلين في عرف القرآن تعبير عن الّذين يكفرون بآيات اللّه-و هو حقّ-فيبطلونها بكفرهم بها و ارتيابهم فيها أو تخلّفهم عنها.

و هذا هو سرّ التّعبير عنهم بالمبطلين دون الباطلين، و كذلك الإتيان بلفظ الجمع،لأنّهم جماعة يخلف بعضهم بعضا في جميع الأمم،يقفون أمام الرّسل و آيات اللّه فيبطلونها بكفرهم بها قلبا،و الجدال فيها و الاستهزاء بها لسانا،و السّعي في إبطالها عملا.

سادسا:في هذه الآيات تعادل عدديّ مبنيّ على الاثنين،فقد جاء الحقّ في(7)مرّتين،و الباطل في(9) مرّتين،و جاء ل (يُحِقَّ الْحَقَّ) في(2)و(16)مرّتين، و (يُبْطِلَ الْباطِلَ) في(2)و(3)مرّتين،و (لا تُبْطِلُوا) في (4)و(5)مرّتين،و (تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) في(6)و(7) مرّتين،و ضرب المثل للحقّ و الباطل في(8)و(17) مرّتين،و تشبيه الحقّ و الباطل بإيلاج اللّيل و النّهار في (13)و(14)مرّتين،و الجدال بالباطل في(10)و(11) مرّتين،و ان اَللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ في(13)و(14)مرّتين،و (قُلْ جاءَ الْحَقُّ) في (9)و(15)مرّتين،و زهوق الباطل في(9)و(12) مرّتين،و لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ في(18) و(19)مرّتين،و باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ في(22) و(23)مرّتين،و أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللّهِ يَكْفُرُونَ في(24)و(25)مرّتين،و نفي خلق السّماء و الأرض باطلا في(28)و(29)مرّتين.

و هناك ألفاظ جاءت مرّة واحدة و في قبالها ألفاظ أخرى بهذا العدد كذلك،فيؤول و يتبدّل إلى مرّتين، مثل:قذف الباطل بالحقّ(12)،و محو الباطل بالحقّ (16)،و زهق الباطل(9)،و (ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ) في(15)،و(وقع الحق)و(بطل الباطل)في(1)،و (اتَّبَعُوا الْحَقَّ) و (اتَّبَعُوا الْباطِلَ) في(17)،و يجادل و جادلوا(10) و(11)،و أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ في(20)، و لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ في(21)،و إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ في(22)،و حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها في(23)،و اَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ و«كفروا بالله»في(26)،و(من بين يديه)و(من خلفه)في(27).

ثمّ إنّ كثيرا من هذه الآيات مزدوجة من جملتين، مثل:«تلبسوا الحق و تكتموا الباطل،»و ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ، وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ... وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ، وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، و قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ، و«الذين يذكرون الله و يتفكروا.»

ص: 881

و كذلك فيها جملة من الثّنائيّات،مثل:الإثم و العدوان(18)،و المنّ و الأذى(4)،و أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ في(5)،و ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ في(15)،و الذّهب و الفضّة(21)،و الأحبار و الرّهبان(21)،و السّماء و الأرض(29)،و السّماوات و الأرض(28)،و قياما و قعودا(28)،و ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا في(29).

و جاء الباطل مقدّما على الحقّ في أربع آيات:(10) و(11)و(16)و(17)،و جاء الحقّ مقدّما على الباطل في ثماني آيات:(9)إلى(16)و(12)إلى(15)،أي ضعف الباطل.

و جاء الحقّ و الباطل معا(13)مرّة:(1)و(2)و(6) إلى(17)،و جاء الباطل وحده(13)مرّة أيضا:(18) إلى(19).

أمّا النّسبة بين أعداد الحقّ و الباطل فتبدو أنّ الحقّ نحو عشرة أضعاف الباطل،فإنّ الباطل جاء في القرآن نحو(29)مرّة،و الحقّ نحو(247)مرّة،لاحظ«ح ق ق».

سابعا:و يخطر بالبال-و اللّه أعلم-أنّ اللّه أراد في هذه الآيات المبنيّة على التّقابل و التّعادل مرّتين مرّتين، التّركيز على البون الشّاسع بين الحقّ و الباطل،و أنّهما لا يتداخلان و لا يختلطان و لا يتّحدان،و أنّ الحقّ حقّ أبدا،و الباطل باطل أبدا،و هما مفترقان مثل اللّيل و النّهار و البياض و السّواد و النّور و الظّلمات،و أنّهما يسعان كلّ شيء أبد الآباد،فما من شيء إلاّ و فيه حقّ و باطل،و على البصير اليقظان التّمييز بينهما.

ثامنا:أنّ كثيرا من نصوص الأكل بالباطل قد سبق ذكر نظائرها في«أ ك ل»فليلاحظ.

ص: 882

فهرس الأعلام و المصادر المنقول عنهم بلا واسطة

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس، بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه :حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:

حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيدة:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة، بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن العربيّ:عبد اللّه.(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة، بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة، بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة، بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:

المكتبة العلميّة،القاهرة.

ابن قيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التراث العربي،لبنان.

ابن كثير :إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر، بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:

المعارف،بيروت.

ابن منظور :محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر، بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف،

ص: 883


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة القمريّة.

الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه(761)

مغني اللّبيب،ط:المدنيّ، القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ، القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة، بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر، بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(244)

غريب الحديث،ط:دار الكتب، بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر، مصر.

أبو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة، بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي، قم.

أحمد بدويّ:(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق، بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:

انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة، بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة، بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ،بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم، بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير،طهران.

التفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ، قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب :أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو، طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب، بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:

ص: 884

المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم، بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة، طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب، مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ، جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب، مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:

الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر، بيروت.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة، مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر، دمشق.

الخليل :بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة، بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب، بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة، بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-و فعلت و أفعلت،ط:

التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب، القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة، بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة، بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر، بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب، بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:

إسرائيل.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:

الكلّيّات،القاهرة.

سيبويه:عمرو

الكتاب،ط:عالم الكتب، بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت،3- تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي، مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

الشّبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين، الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة، بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،

ص: 885

قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة، طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب، القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب، بيروت.

صدر المتألّهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ، قم.

طه الدّرة:محمّد علي(معاصر)

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة، طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:

الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:

المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

الطّنطاويّ:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ، مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة، بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب، بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم، بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر، بيروت.

عبد اللّطيف بغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد، القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر) التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:

ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:مؤسّسة البعثة،قم.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:بن عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة، طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن، القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو، طهران.

ص: 886

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب، قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرخيّ:عبيد اللّه(300)

المسالك و الممالك،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة، القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ،عربيّ،ط:

الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب، بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف، بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان، طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنيّة(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب(معاصر)

المصطلحات العسكريّة،ط:

دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:

الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:

الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان، طهران.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة، طهران.

معرفت:محمّد هادى(معاصر)

التّفسير و المفسرون،ط:

الجامعة الرّضوية،مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ(معاصر)

الأمثل،ط:مؤسّسة البعثة، بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير، طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن، ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

ص: 887

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب، بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى، علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة، بغداد.

هاكس :الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:

مطبعة الإميريكيّ،بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما :مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:

جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة، بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب، بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 888

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير :عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن نحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو أيّوب الأنصاريّ:خالد.(52)

ابو البقاء الكفويّ:أيّوب.(1059)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

ص: 889

أبو بكر الإخشيد:أحمد(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابي.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:نعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدّمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)

أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق.(206)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدني:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن قاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدورد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن:بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

ص: 890

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:بن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع:بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الاسترآباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

السّمين:أحمد.(756)

سهل التّستريّ.(284)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر:بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد.(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القراقيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان:بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

الشّيذلة:عزيزيّ.(494)

الشّيشينيّ(؟)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك:بن مزاحم.(105)

طاوس:بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة:بن عروة.(؟)

العطاء:بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة:بن عبد اللّه.(105)

علاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

ص: 891

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة:بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث:بن مظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك:بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد :بن جبير.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.

(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن حكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

مطرّف بن الشّخّير.(87)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول:بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّووي:يحيى.(676)

هارون:بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

الواحديّ:عليّ.(468)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب:بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 892

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.